You are on page 1of 294

‫الكتاب الفلسفي‬

‫خالص جلبي‬
‫الفصل األول‬
‫المدخل‬
‫التعريف بالفلسفة‬
‫الفلسفة بحر ليس كالبحار يجد راكبه الخوف على الشواطيء وكللا اانللا‬
‫في لجة المحيط العميقة (قصة اإليما ل نديم الجسر)‬
‫الفلسفة هي اارض التي ال اسم لها نعرضة للهجوم نن التيولوجيا والعلم‬
‫نن الجانبين (برتراند راسا)‬
‫نن أراد أ يرتاح فليعتقد ونن أراد أ يعرف الحقيقة فليسأل‬
‫(فردريك نيتشه)‬

‫‪2‬‬
‫فهرس المواضيع‬
‫الفصا ااول‬
‫ل التعريف بالفلسفة‪.‬‬
‫ل ناهي الفلسفة؟ اللوغوس‪.‬‬
‫ل فلسفة الكالم‪.‬‬
‫ل كيف تعرف الفيلسوف؟‬
‫ل رعب الفلسفة‪.‬‬
‫ل نتى يقال احد فيلسوف؟‬
‫ل قانو العودة للطفولة‪.‬‬
‫ل حافظوا على الطفولة‪ :‬الطفا فيلسوف‪.‬‬
‫ل خرائط برنجة اإلنسا ‪.‬‬
‫ل العالقة الجدلية بين العلم والفلسفة‪.‬‬
‫ل جنكيزخا والفيلسوف‪.‬‬
‫ل حياة الفالسفة وحياة التجار‪.‬‬
‫ل جدلية السياسي والفيلسوف‪.‬‬
‫ل الفيلسوف في نواجهة الموت‪.‬‬
‫ل ااسئلة الفلسفية العظمى‪.‬‬

‫الفصا الثاني ل فلسفات شتى‪.‬‬


‫ل في فلسفة الموت‬
‫ل الفلسفة الكونية ل المجاهيا واابعاد‪.‬‬
‫ل فلسفة العلوم (االبستمولوجيا)‪.‬‬
‫ل فلسفة الطيف واالستقطاب‪.‬‬
‫ل فلسفة الوجود والمصير‪.‬‬
‫ل المغزى الفلسفي النتشار اإليدز‪.‬‬
‫ل االستنساخ البشري بين العلم والفلسفة وااخالق‪.‬‬
‫ل حوار الطب والفلسفة‪.‬‬
‫ل الصراع بين العلم والدين والفلسفة‪.‬‬
‫ل اايما بين العلم والفلسفة والقرآ ‪.‬‬
‫ل فلسفة التعبير‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫ل فلسفة الثورة واالنقالب‪.‬‬
‫ل فلسفة الدعاء‪.‬‬
‫ل فلسفة المالبس‪.‬‬
‫ل فلسفة الفيزياء الحديثة‪.‬‬
‫ل فلسفة اللغة‪.‬‬
‫ل لغات التعلم الثالث‪.‬‬
‫ل فلسفة الهجرة‪.‬‬
‫ل فلسفة الحق والواجب‪.‬‬
‫ل فلسفة السرطا ‪.‬‬

‫الفصا الثالث ل الفالسفة‬


‫ل زاوية سقراط المعرفية‪.‬‬
‫ل قصة إعدام سقراط‪.‬‬
‫ل كهف أفالطو ‪.‬‬
‫ل قانو التناسب عند أفالطو ‪.‬‬
‫ل الحقيقة بين أفالطو وأرسطو‪.‬‬
‫ل ثغرة في قلعة أرسطو الفكرية‪.‬‬
‫ل سر الفيلسوف بيثاغورس‪.‬‬
‫ل هرقليطس وقانو الصيرورة‪.‬‬
‫ل نغانرات العقا وأخطاء الفالسفة‪.‬‬
‫ل تبحر الفالسفة‪.‬‬
‫ل الفيلسوف الفارابي‪.‬‬
‫ل العباقرة الثالث ‪ :‬نظام الملك والخيام وحسن الصباح‪.‬‬
‫ل فولتير‪.‬‬
‫ل غرانشي والهيمنة الثقافية‪.‬‬
‫ل جو لوك ورسالته في التسانح‪.‬‬
‫ل نالتوس رسالة في التشاؤم‪.‬‬
‫ل كافكا ل حين يتحول اإلنسا إلى حشرة‪.‬‬
‫ل ظروف والدة العبقريات‪.‬‬
‫ل فالسفة على طريق المعرفة‪.‬‬
‫ل فيساليوس الطبيب الفيلسوف‪.‬‬
‫ل جا نسلييه ل الكاهن الملحد وكتابه عن العهد الجديد‪.‬‬
‫ل ابن خلدو والمقدنة‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫ل ابن رشد وفصا المقال‪.‬‬
‫ل باسكال‪.‬‬
‫ل وداعا للفلسفة‪.‬‬
‫ل ديكارت نقلوبا ل ‪1‬‬
‫ل ديكارت نقلوبا ل ‪2‬‬
‫ل ها نات ديكارت نسمونا؟‬
‫ل ديكارت واابحاث العصبية الحديثة‪.‬‬
‫ل سبينوزا ورسالته في تحسين الفهم‪.‬‬
‫ل نن سقراط وسبينوزا إلى ابن رشد وجيوردانو برونو‪.‬‬
‫ل قانو سبينوزا في القراءة ل لذة الفهم‪.‬‬
‫ل ايمانويا كانط ورسالته في نقد العقا الخالص‪.‬‬
‫ل ناكسويا أبو الكهرطيسية‪.‬‬
‫ل إيبيكتيتوس‪.‬‬
‫ل الثنائية والديموقراطية‪.‬‬
‫ل الملك آشوكا فيلسوف الرحمة‪.‬‬
‫ل رها باسكال على اآلخرة‪.‬‬
‫ل دينار شوبنهاور‪.‬‬
‫ل ايراسموس‪.‬‬
‫ل فتجنشتاين والفلسفة الوضعية المنطقية‪.‬‬
‫ل سارتر والوجودية‪.‬‬
‫ل نالك بن نبي وسلسلة نشكالت الحضارة‪.‬‬
‫ل هايزنبرج الفيلسوف الفيزيائي ونبدأ االرتياب‪.‬‬
‫ل ويا ديورانت وقصة الحضارة‪.‬‬
‫ل أبو حيا التوحيدي في اإلنتاع والمؤانسة‪.‬‬
‫ل نحنة ابن المقفع ل نحنة المثقف‪.‬‬
‫ل أبو حاند الغزالي واإلحياء والمنقذ نن الضالل‪.‬‬
‫ل تولستوي‪.‬‬
‫ل باقر الصدر‪.‬‬
‫ل عبد الرحمن بدوي‪.‬‬
‫ل علي الوردي ووعاظ السالطين‪.‬‬
‫ل النيهوم ونحنة ثقافة نزورة‪.‬‬
‫ل البليهي‪.‬‬
‫ل جودت سعيد داعية الالعنف‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫ما هي الفلسفة؟ اللوغوس‬
‫هجم علي رجا قبا يونين فعلق بي أشد نن البعوض والذباب‪ ،‬وكلما فتحت له بابا نن المعرفلة‬
‫قال نا فائدة هذه؟ وبالتالي فإ كا البناء المعرفي الذي تعب فيله الفالسلفة هلو تضلييع للوقلت‪،‬‬
‫وتهديدا للدين‪ ،‬وتشويشا للعقا‪ ،‬فتحملت الرجا على أنا كسر نغلاليق عقلله وتكشليرة دناغله‪،‬‬
‫بأقفال أشد نن أقفال خزائن قارو ‪ ،‬وإ نفاتح لتنوء بالعصبة أولي القوة؟‬
‫وأعتبر أ أعظم نصر نحققه هو االنتصار على بالدة العقا؟‬
‫لماذا تسبب الفلسفة الصداع للبعض؛ با هي في عين أناس خطر هدام‪ ،‬أو أنها هذرنة ونضيعة‬
‫للوقت‪ ،‬وال عالقة لهلا بالحيلاة؟ لملاذا يسلتخدم النلاس اسلتخفافا كلملة ال تتفلسلف أو هلذا جلدل‬
‫بيزنطي؟‬
‫إذا أردت نعرفة الفيلسوف فإليك بالمفتاح؟ فمن رأيتهم يقرؤو بنهم ال يشبعو ‪ ،‬على جنلوبهم‬
‫وظهورهم وقعودا وقيانا‪ ،‬ولو في نصعد‪ ،‬أو على االنتظار في بنك‪ ،‬فاعرف أنله دخلا نحلراب‬
‫الفلسفة‪.‬‬
‫ونن رأيت فيه براءة الطفولة‪ ،‬وحس االندهاش‪ ،‬وروح الفضول لمعرفة كا شليء‪ ،‬فلاعلم أنله‬
‫اقترب نن نحبة الفلسفة‪.‬‬
‫إذا نا هي الفلسفة؟‬
‫يبدو أنه ال يوجد اتفاق حولها؟‬
‫وعلى كا حال فقد أعلن (كارل ناركس) نوت الفلسفة‪.‬‬
‫ولكن اإليطالي (غرانشي) قال أ كا واحلد ننلا فيلسلوف‪ ،‬ولكلن بطريقتله الخافلة‪ .‬وفلي يلوم‬
‫اعتبر (أفالطو ) أ العالم سليكو بخيلر للو حكمله الفالسلفة‪ ،‬ولكلن (روبلرت دال) فلي كتابله‬
‫(الديمقراطية ونقادها) يعتبر أ هذا نستحيا وطوباوي ونظري‪.‬‬
‫وبعض الفالسفة يرو أ كا المعرفة سطحية‪ ،‬وغير يقينية‪ ،‬نثا الفيلسوف البريطاني(بركلي)‬
‫وال يوجد نعنى اي شيء‪ .‬فدناغنا هو الذي يحدد العالم!‬
‫أنا (برتراند راسا) فقلد وفلف الفلسلفة أنهلا تللك المنطقلة التلي ال اسلم لهلا‪ ،‬بلين التيولوجيلا‬
‫والعلم‪ ،‬نكشوفة للهجوم نن الطرفين؛ وبقدر وضوح ويقينية أجوبة الدين‪ ،‬بقدر إدخال الفلسفة‬
‫الشك لمحتوى كا شيء بما فيه الدين‪.‬‬
‫وفي يوم تناقشت انرأة نع زوجها فقالت‪ :‬أليست الفلسفة ببساطة هي نا يفعله الفالسفة؟‬
‫أجابها زوجها‪ :‬إنه تعريف تحليلي عصري نموذجي للفلسفة‪.‬‬
‫قالت الزوجة‪ :‬كا الفالسفة رجال أليس كذلك؟‬
‫انتفض الزوج نرعوبا وقال‪ :‬ال أعلم لست فيلسوفاً‪.‬‬
‫قالت الزوجة‪ :‬إذا أنت بكا تأكيد لست فيلسوفاً؟‬
‫قال الرجا لست نتأكدا ولم أفكر فيه ويبدو أنك تعرفين نا هي الفلسفة إذ ؟‬
‫قالت الزوجة‪ :‬على قدر نعرفتي فإ الفلسفة هي التفكير بالتفكير؟‬
‫قال الزوج‪ :‬ولماذا تعتقدين بذلك؟‬
‫قالت الزوجة‪ :‬حسنا ً فكر في أي شيء يحيط بك‪ ،‬ولو كا سعر أتفه شيء؛ فأنت تفكر فيما تفكر‬
‫فيه‪ ،‬وكيف تتصرف حياله؟‬

‫‪6‬‬
‫قال الزوج‪ :‬نعك حق إنه تحري ااشياء بدقة ولم أكن أفكر باانر هكذا نن قبا؟ قاللت الزوجلة‪:‬‬
‫بالطبع ال ‪ ...‬ولكنها بداية على كا حال؟‬
‫ويقول (كارل ياسبرز) الفيلسوف االماني الوجودي‪ :‬يبدو أ نحور تاريخ العالم يمر في القلر‬
‫الخانس قبا الميالد باستيقاظ الروح اإلنسانية‪ ،‬وهي فتلرة تمتلد بلين ‪ 200‬و‪ 800‬قبلا المليالد‬
‫حيث انبثقت نعظم التعاليم الروحية‪ ،‬نثلا كونفوشليوس وال و تسلي فلي الصلين‪ ،‬وااوبانيشلاد‬
‫وبوذا في الهند‪ ،‬وزرادشت في فارس‪ ،‬والعهد القديم التوراة في فلسطين‪ ،‬وهونيروس ونعظلم‬
‫الفالسفة والتراجيديو في اليونا ‪.‬‬
‫وربما كا تاليس أول فيلسوف يوناني إ لم يكن أول فيلسوف إنساني؟‬
‫ويبدو أ هذه الحقبة‪ ،‬أي القر السادس قبا الميالد‪ ،‬التي يسميها ديورانت (القفلزة أو الطفلرة‬
‫الروحية) كانت نفعمة بالحيوية ونشاط الفكر‪ ،‬وهناك إجماع بشكا عام على هذه البداية‪ ،‬ولكلن‬
‫لماذا انبثقت في اليونا تحديدا نع القر السادس قبا الميالد نع تاليس!‬
‫وفي كتاب الفلسفة للمبتدئين يقول (ريشلارد أوزبلور ‪ )Richard Osborn‬أ اليونلا فلي‬
‫القر السلادس قبلا المليالد تحوللت عبلر البحلار إللى نركلز تجلاري ناشلط‪ ،‬بعلد طلرد التحلدي‬
‫الفارسي‪ ،‬والنجاة نن العبودية الشرقية‪ ،‬فتطور العقا أنام فدنة الطغيا ؛ فأنتج خيرة العقول‪،‬‬
‫وطوروا لغة تحدد المفاهيم‪ ،‬ونخروا عباب البحار‪ ،‬ونمت الفنو الدرانية‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫وبنيت الديمقراطية‪،‬‬
‫وسيطرت نفاهيم نن نوع القلانو والضلرورة أكثلر نلن الفوضلى والعبلث‪ ،‬وورثلوا الحضلارة‬
‫المينوية نن كريت‪ ،‬وأخذوا علم الهندسة نن نصر‪ ،‬وعلم التنجيم والتقويم نن آسيا الصغرى‪.‬‬
‫وليس هذا كله يقينا؛ أ يكو عنصرا حاسما في سر انبثاق العقا في تلك اارض الصخرية‪.‬‬
‫فها يمكن أ نفهم لماذا ولد العقا (اللوجوس ‪ )LOGOS‬عندهم؟‬
‫ربما عندنا جواب وربما ال ‪..‬‬
‫ولكن ااكيد أ التخلص نن الطغيا الفارسي والتحرر وانطالق العقا جعا اللوجوس يعما بكا‬
‫طاقته؛ فولدت الفلسفة نن رحم الثنائي (العقلا) و (الحريلة)‪ ،‬كملا توللد الكائنلات نلن البويضلة‬
‫والحيوا المنوي في رحم انرأة نخصبة ‪..‬‬
‫ويتعجب المرء اليوم نن الفارق بلين يونلا اليلوم وأثينلا القديملة؛ فاليونلا نلع علام ‪ 2010‬م‬
‫نريض اليورو قد أشرفت الدولة فيله عللى اإلفلالس‪ ،‬ويعتبلره الجرنلا الرجلا الملريض عللى‬
‫البوسفور ااوربي؟ كما كانت دولة العصملية في يوم‪ ،‬ويحك االما ذقلونهم ورؤوسلهم‪ ،‬كيلف‬
‫ينقذوا نقلر الفلسلفة القلديم‪ ،‬اللذي أفلبح نكانلا للفسلاد والرشلوة والهبلوط العقللي واالنحطلاط‬
‫الخلقي ‪ ..‬وكا آخر اقتراح فرض الوفاية االقتصلادية عللى اليونلا ‪ ،‬فجماعلة أرسلطو الجلدد‬
‫تدينوا وغرقوا في الدين ثم عرف أ المبلغ الذي فرحوا عنه هو ثلث المبلغ المقترض!‬
‫وتلك اايام نداولها بين الناس‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫فلسفة الكالم‬
‫في عام ‪ 1825‬اعتلى عرش روسيا القيصر (نيكوال ااول) وبعد فترة قصيرة حدثت انتفاضة‬
‫ضده قادها نجموعة نن ااحرار نطالبين بتحديث البلد وأ المصانع وبنية الحكونة يجب أ‬
‫تغير فيحدث فيها نا يماثلها نن تحسينات تمت في أوربا الغربية‪ .‬سحق القيصر االنتفاضة بدو‬
‫رحمة وحكم على خمسة نن قادة التمرد باإلعدام‪ .‬وكا نن بينهم رجا اسمه (كوندراتيج‬
‫ريلييف) الذي وقف تحت حبا المشنقة ينتظر نصيره‪ .‬ثم حدثت واقعة نادرة سجلها التاريخ‬
‫حيث أ الرجا ويبدو أ كا ثقيا البنية لم يحمله الحبا الذي ينهي حياته با انقطع فهوى‬
‫الرجا إلى اارض بشدة‪ .‬قام الرجا نن سقطته وفاح بأعلى فوته‪ :‬أي بلد هذا الذي نعيش‬
‫فيه الذي ال يتقن فيه فناعة أي شيء حتى حبال المشانق‪ .‬وكانت التقاليد في تلك اايام تمضي‬
‫أ نن يشنق فينجو بانقطاع الحبا يعتبر نوع نن رحمة هللا الخفية عليه فينجو نن الموت وال‬
‫يعاد شنقه با يصدر في حقه قرار العفو‪ .‬وعندنا وفلت ااخبار إلى القصر الملكي كا القيصر‬
‫في طريقه إلنضاء خطاب العفو عنه إال أنه استدرك فقال ناذا فعا فاحبنا عندنا نجا نن‬
‫الموت؟ قال الرسول ‪ :‬لقد قال يا سيدي بالحرف الواحد‪( :‬انظروا أيها الناس كيف ال يحسن‬
‫الناس عملهم في روسيا حتى الحبال ال يحسنو جدلها) قال القيصر له نا أراد ونزق قرار‬
‫العفو ثم كتب بشنقه حتى الموت‪ .‬وفي اليوم التالي اقتيد (ريلييف) نرة ثانية إلى حبا المشنقة‬
‫الذي جدل جيدا ولم يخيب ظن الجالدين فترنح في الحبا حتى أسلم الروح ولم ينقطع الحبا هذه‬
‫المرة تحت ثقله‪ .‬إ جملة واحدة نن فم الرجا لم يضبط نفسه فيها كلفته حياته‪ .‬وعندنا يقول‬
‫الرسول (ص) إ أحدكم ليتكلم الكلمة ال يلقي لها باال يهوي بها سبعين خريفا في جهنم ‪ .‬أو‬
‫الحديث الذي يحذر نن سقطات اللسا فيقول الصحابي وها نحن نوآخذو بما نقول كا‬
‫جوابه عليه أفضا الصالة السالم وها يكب الناس في النار على وجههم إال حصائد ألسنتهم‪.‬‬
‫وفاحبنا الروسي لو انسك لسانه أثناء هذه الوقعة العجيبة لكا قرار الرحمة نن القيصر في‬
‫طريقه إليه‪ .‬ولكن القنبلة التي خرجت نن فمه على شكا كلمات أوردته ريب المنو ‪ .‬إ هذه‬
‫القصة تعطينا الدرس أ الكلمات كطلقات المسدس إذا خرجت ال يمكن إعادتها نن جديد إلى‬
‫فوهة السبطانة وحجرة النار‪ .‬وهي كما يقول المثا الصيني‪( :‬هي نلك لك قبا أ تخرج فإذا‬
‫خرجت نلكتك هي)‪ .‬ويمضي (روبرت جرين) فاحب كتاب (القوة) إلى فياغة فلسفة الكالم‬
‫بأ يعلم نفسه قاعدة ذهبية في الحياة أ يقول (دونا ً أقا نن الالزم) وأ ‪ ( :‬على المرء أ ال‬
‫يكثر كالنه نن أجا التأثير في الناس فكلما كثرت كلمات اإلنسا هبط نستواه حتى لو كانت‬
‫الكلمات بسيطة‪ .‬والرجال المقلو في كالنهم يؤثرو أفضا ويبدو أكثر سيطرة على‬
‫ااوضاع)‪ .‬ويذكر نثالً نن عام ‪ 454‬قبا الميالد عن القائد العسكري الروناني (جنيوس‬
‫نارسيوس) المشهور باسم (كوريوال ) أنه كا قائدا حربيا ً النعا ً تكونت حوله هالة ضخمة نن‬
‫ااساطير وكيف قهر أعداء رونا‪ .‬هذا الرجا تطورت أنوره أ جاء إلى رونا يونا ً ورشح كي‬
‫يصبح سناتور في نجلس رونا ااعلى وعندنا ظهر أنام الناس للمرة ااولى وقد علت وجهه‬
‫ندبات الحروب والمعارك تأثر النا س نن كلماته إلى درجة البكاء‪ ،‬ولكنه نع الوقت بدأ لسانه‬
‫يفضحه أكثر نن سيفه‪ .‬وعندنا وقف أنام الناس يتحدث ثانية تحدث الناس ولكن أنسكوا‬
‫أنفسهم عن الخوض فيه لتاريخه المجيد في حماية رونا‪ .‬ولكنه بعد ذلك ونع كثرة كالنه كثر‬
‫سقطه وانكشفت عوراته الشخصية أكثر فثار عليه الناس وفي النهاية عندنا أها نن حوله‬
‫حكم على الرجا باإلعدام لوال تدخا البعض نن المتنفذين الذين حولوا الحكم الى النفي المؤبد‬
‫نن رونا‪ .‬إ كثرة الكالم ينسي بعضه بعضا ً وإ بعض الكلمات أشد تأثيرا ً نن جروح الحسام‬
‫المهند ونن كثر كالنه كثر سقطه وخير الكالم ناقا ودل ونفع والمرء نختبيء تحت لسانه‪.‬‬
‫وقولوا للناس حسنا ونن كا يؤنن باهلل واليوم اآلخر فليقا خيرا أو ليصمت‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫كيف تعرف الفيلسوف؟‬
‫هناك نن يستحق أعظم االقاب وهي قليلة عليه وننهم أبو حاند الغزالي فهو سلمي‬
‫بحق (حجة اإلسالم) فهو كتب في حياته ‪ 280‬كتابا ً يتعجب االنسا نن قدرة اانجاز‬
‫نع أنه اعتزل الكتابة عشر سنوات ولم يخلرج بعلدها اال بكتابله المنقلذ نلن الضلالل‬
‫وإحياء علوم الدين كما أنه نات فلغيرا ً علن ‪ 55‬عانلا ً فهلو وللد علام ‪ 450‬هجريلة‬
‫ونات عام ‪ 505‬وكانت في بدايات االجتياح الصليبي للمنطقة‪ .‬ولكلن كملا يبلدو فلإ‬
‫هذه نيزة المبدعين العباقرة في قوة اانجاز فيبارك هللا لهم فلي أوقلاتهم والكثيلرو‬
‫يسألونني كيف تجد الوقت لتكتب كا هذا وعنلدي نلن النشلاطات والكتابلات ناأكتبله‬
‫لغير هذا المنبر فيكو جوابي إ المشكلة ليست في وجود الوقت بلا فلي االسلتفادة‬
‫ننه‪ .‬وفي كتاب الفلسفة للمبتدئين وهو كتلاب كنلدي جميلا باللغلة االنكليزيلة بحيلث‬
‫يمسح القاريء بسرعة وبشكا نيسر االتجاهات الفلسلفية كلهلا عبلر التلاريخ أقلول‬
‫وضعوا فورة كاريكاتور كيف تعرف الفيلسلوف؟ هلو ذللك الشلخص الماشلي وهلو‬
‫يقرأ؟ وأحيانلا ً يحصلا نعلي هلذا وال أزعلم لنفسلي أننلي أفلبحت تلميلذا ً للفالسلفة‪.‬‬
‫وأرجع للغزاللي فهلذا الرجلا المبلدع نسلح الفكلر المعافلر لله نثلا اللرادار بحيلث‬
‫عرض لكلا الملدارس الفكريلة واالتجاهلات التلي كانلت تسلود عصلره وكانلت أربلع‬
‫الفرق الباطنية والفالسفة والمتصلوفة وعلملاء الكلالم‪ .‬يقلول أنله كلا يسلتفيد نلن‬
‫الوقللت بعللد أ ينتهللي نللن تللدريس طالبلله فعكللف ثللالث سللنين بحيللث نسللح الفكللر‬
‫المعافر له كله‪ .‬وفي النهاية قام بحركة فكرية يتعجب ننها المرء نثا لو أ نفكلرا ً‬
‫اطلع على الماركسية ثم وضلع فلي النهايلة كتابلا ً لليس لنقضلها بلا لشلرحها بحيلث‬
‫تصبح نرجعا ً أكاديميا ً لمن يريد االطالع على الفكلر الشليوعي‪ .‬قريلب نلن هلذا فعلا‬
‫اانام الغزاللي حينملا علرض فكلر الفالسلفة تحلت كتلاب (نقافلد الفالسلفة) وهلذه‬
‫الخطوة تعطينا فكرة أيضا ً عن نستوى النضج العقلي والتمكن نن العلوم المعافلرة‬
‫وعدم الخوف نن الجديد كملا يحلدث نعنلا فلي هلذا اايلام‪ .‬حتلى إذا انتهلى نلن هلذا‬
‫العرض قام بهدم البناء على رؤوس أفحابه فكتلب (تهافلت الفالسلفة)‪ .‬فلي الواقلع‬
‫ليس نن العدل والقوة أ تعرض فكر الخصم هزيالً نضعَّفا ً ثلم تقلوم بلالهجوم عليله‬
‫با يجب عرضه كما يريلده فلاحبه تمانلاً‪ .‬ويقلول الغزاللي حتلى نلرد عللى فكلر نلا‬
‫فيجب أ نطلع عليه ليس كملا وفلا اليله فلاحبه فحسلب بلا يجلب أ نزيلد عليله‬
‫درجة فنتمكن ننه ابعد الحدود بحيث نعرضه كما لو أراد فلاحبه عرضله ثلم نقلوم‬
‫بإظهار الفساد الذي قام عليه لو كا فاسداً‪ .‬وفي الواقع فإ العملا العقللي نلن هلذا‬
‫الطراز النتحلى به اليوم بسبب التشدد والتعصب وعدم النضج العقلي بسبب التلردي‬
‫العقلي العام الذي نعيشه‪ .‬وشرح المفكر نالك بن نبي الرحلة العقلية لألنام الغزاللي‬
‫وقال عنها لقد بدأ جبارا ً في خطواته ولكن النهاية التي أنتهى إليها ليست بشيء في‬
‫النهاية الغانضة التي انتهى بها‪ .‬فهو يقول أنام رحللة الشلك وكيلف حلا تناقضلاتها‬
‫أنها نور قذفه هللا في القلب عندنا شعر أ طريق التصوف يقوم لليس عللى الحجلج‬
‫البرهانية با (السلوك) وهذا يقوم على تجربة شخصية بحتة ولليس حجلج عقالنيلة‬
‫يمكن ا يستفيد ننها كا أحد‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫رعب الفلسفة‬
‫تعتبر الفلسفة في نظر البعض نصدر إزعاج‪ ،‬كما أنها نصدر تهديد للعقيدة عند‬
‫آخرين؟‬
‫والبعض يصاب بالدوار نع تعاطي عقار الفلسفة؛ فهي تسحب نن تحت أقدانه‬
‫المسلمات واليقينيات‪.‬‬
‫ولكنها بالمقابا عند آخرين نصدر نتعة بدو حدود‪ ،‬انها تأخذه إلى عوالم‬
‫سحرية‪ ،‬ال تكف عن التجدد وتغيير شكلها الخارجي دونا‪ ،‬نثا عروس تبدل أناقتها‬
‫باستمرار‪.‬‬
‫ونن نهض بالعقا في التاريخ هم بضع نئات نن أدنغة الفالسفة‪.‬‬
‫وحسب برتراند راسا الفيلسوف البريطاني في كتابه (النظرة العلمية) فإ عصر‬
‫النهضة كله يدين إلى نائة دناغ‪ ،‬ولو تم اغتيالهم أو القضاء عليهم أو ناتوا‪ ،‬لما‬
‫كا هناك نهضة وناهضو ‪.‬‬
‫نع هذا فالفلسفة رحم العلوم‪ ،‬وهي تشبه نن جهة شجرة باسقة تضرب في اارض‬
‫بجذورها‪ ،‬جذعها العلوم‪ ،‬وثمارها التكنولوجيا والصناعات‪.‬‬
‫وهنا نرى جدال بين ثالث؛ الفكر والعلم وااشياء‪.‬‬
‫فال يتقدم العلم بدو أرضية راسخة نن حرية الفكر الفلسفية‪ ،‬ا الفلسفة فتح‬
‫للعقا على كا أنواع ااسئلة المزعجة والمحرجة بدو حدود وخوف‪.‬‬
‫قرر ذلك‬
‫ولم يكن للحضارة اإلسالنية أ تنهض لوال اتصالها بالفكر اليوناني‪ ،‬كما ّ‬
‫عبد الرحمن البدوي في سيرته الذاتية‪.‬‬
‫وهو كتاب جدير بالتأنا‪ ،‬يشبه نن جهة كتاب خارج الزنن الدوارد سعيد‪ ،‬أو‬
‫حفريات في الذاكرة للجابري المغربي‪ ،‬أو قصة اإليما لنديم الجسر‪.‬‬
‫والكتب القيمة نادرة‪ ،‬ونن ينتبه لها أندر نن النادر‪.‬‬
‫ولن ننهض اليوم إذا لم نتصا بالفكر الفلسفي العالمي‪ ،‬وهي نسافة خمسة قرو ‪.‬‬
‫والفكر الفلسفي يجب أخذه نفصوال عن التاريخ االستعماري وفتوحات بوش‬
‫التعيس؛ فالفالسفة والمفكرو قوم ال وطن لهم وهم إنسانيو ‪ ،‬ربهم واحد‪ ،‬نثا‬
‫اانبياء أوالد عالت أنهاتهم شتى‪.‬‬
‫أنا نحن فمثلنا نثا نن كا جده نلياردير وهو نفلس‪ ،‬فما يزال يتحدث عن ثروة‬
‫جده العظيمة‪ ،‬التي لم يبق ننها شروى نقير‪.‬‬
‫وهي حجة لن ننهض بها‪ ،‬فضال على أنها نخدرة لنا عن إبصار واقعنا المزري‪.‬‬
‫فهذا تفكير ضار يجب التخلص ننه والتخلي عنه‪ ،‬لصالح فكر نفيد يبني‪ ،‬وإال كا‬
‫نثلنا نثا الشيطا الذي نضى إلى طريق الالعودة والالتوبة‪ ،‬انه لم يراجع نفسه‪،‬‬
‫ولم يعترف بالخطأ كما خالفه أبونا وأننا نن قبا آدم وحواء فاعترفا‪ ،‬أنا الشيطا‬
‫فقد نسب الخطأ إلى الرب فقال بما أغويتني‪.‬‬
‫وربما كا الفيليبينيو في هذا الجانب أفضا نن العرب‪ ،‬لعدم وجود تاريخ زاهي‬
‫عندهم‪ ،‬فهم يعتمدو على سواعدهم لبناء أنفسهم‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫ويعتبر نيتشه ضوء باهر في الفلسفة‪ ،‬نن الذين بحثوا عن الحقيقة بأي كلفة‪.‬‬
‫فاعتبر أ نن أراد أ يرتاح فليعتقد‪ ،‬ولكن نن أراد أ يكو نن حواريي الحقيقة‬
‫فليسأل؟‬
‫أنا سقراط فيعتبر فلتة عقلية في التاريخ‪ ،‬وأخطأت أثينا في حقه فحكمته باإلعدام‬
‫وهي ديمقراطية‪ ،‬وهذا يحكي أ الديمقراطية أحيانا عوراء عرجاء جدعاء‬
‫كسحاء!‬
‫ويرى سقراط أ الفلسفة ال تجيب عن ااسئلة؛ بقدر فتح الباب نع اإلجابة على كا‬
‫سؤال‪ ،‬بسؤالين جديدين‪ ،‬نما يشكا زاوية ننفرجة للمعرفة‪ ،‬ال تكف عن االتساع‪.‬‬
‫وننه فإ الغربيين يعطو لقب فيلسوف لمن يحصا الدكتوراة في العلوم‪ ،‬ولكن ال‬
‫ينتبه أحد لهذا اللقب (‪ .)PhD‬ويسمونه دكتور وهو فيلسوف!‬
‫ونع أ ناركس أعلن (نوت الفلسفة) إال أنها حية جذعة ال تكف عن ند أغصانها‬
‫في كا حقا نعرفي‪.‬‬
‫ورأى برتراند راسا أ الفرق بين الدين والفلسفة والعلم‪ ،‬أ الفلسفة ننطقة ال اسم‬
‫لها‪ ،‬تتأرجح بين الثيولوجيا والعلم‪ ،‬ونعرضة للهجوم نن الجانبين‪.‬‬
‫فالدين يعطي إجابات نهائية قاطعة‪ ،‬عن قضايا غانضة غير قاطعة‪ ،‬ال جواب لها‬
‫عند العلم‪ ،‬نثا نا بعد الموت‪ ،‬وانشراح النفس‪ ،‬ونعنى الصالة‪ ،‬وبداية الكو‬
‫ونهايته‪ ،‬وهدف الحياة‪ ،‬والحياة الروحية‪ ،‬وجدلية الفناء والبعث والنشور‪.‬‬
‫أنا العلم فهو يهتم بعمليات الكفن والدفن‪ ،‬وتحلا الجثة‪ ،‬والطب الشرعي‪ ،‬والصما‬
‫الجيفي (تخشب الجثة بعد الوفاة بساعات)‪.‬‬
‫العلم يبحث في الكيف؟ فكيف تتشكا السحب؟ ونم يتكو بناء الذرة والمكونات‬
‫دو الذرية نن الكواركز واللبتونات؟ والكود الوراثي في نواة الخلية؟ ولماذا يحدث‬
‫التسوناني نن تصدع وفدم ففيحات قشرة اارض ببعض؟‬
‫والعلم يقول أ سبب نلوحة البحر هو كلور الصوديوم‪ ،‬ولكن الفلسفة تقوم بتعليا‬
‫ذلك‪ ،‬وال تكف عن التفسير‪ ،‬وتقفز نن تفسير آلخر‪ ،‬وتتحرك نن تعليا لثاني‪ ،‬فتهب‬
‫حركة دائمة للعقا‪ ،‬ونمو نعرفي بآلية الحذف واإلضافة‪.‬‬
‫ويقولو في تعريف الفيلسوف أنه ذلك النهم للمعرفة‪ ،‬وال يكف عن القراءة ولو‬
‫في وسط حشد نن الناس‪ ،‬غارقا في سحر الكلمات واارقام‪ ،‬يقرأ قيانا وقعودا‬
‫وعلى جنبه‪ ،‬ولو في حافلة ونترو نتعلق ذراعه بقضيب نعدني في باص! أو في‬
‫قبو اانن السياسي في التحقيق‪ ،‬وهو يقرأ في الديموغرافيا‪ ،‬أو عن فيلسوف‬
‫التنوير كانط؟‬
‫فمن رأيته على هذه الشاكلة نن النهم المعرفي؛ فاعرف أنه وطأ بقدنه نحراب‬
‫الفلسفة‪.‬‬
‫ويقولو أحق هو قا إي وربي إنه لحق ونا أنتم بمعجزين؟‬

‫‪11‬‬
‫متى يقال لشخص أنه‬
‫فيلسوف؟‬
‫أرسا لي ااخ الرشيد نن الرياض يريد أ يعرف شيئا عن الفلسلفة؟ ونتلى يقلال لانسلا أنله‬
‫فيلسوف؟‬
‫وأرسا لي ااخ عبد هللا نن اللدنام وعملره ‪ 25‬عانلا أ عنلده هنهلم كبيلر للقلراءة و االطلالع‬
‫خافةً نا يتعلق بلالكو و الوجود و عالقة االنسا باإلنسلا ‪ ،‬وأنله أفلبح شلغوفا بالمواضليع‬
‫الفلسفية وبدأت أسئلة ضخمة تحلق في أفقه نثا‪( :‬ها هناك حقيقة نطلقة) و(نتلى يكلو فعلا‬
‫الصواب شيئا ً خاطئا ً؟) و (نا هو الصواب؟)‬
‫وكا جوابي عليه ه لقد أفبحت فيلسوفاً‪ ،‬فما ذكرت يجعللك تترقلى فلي كملاالت النهايلة لهلا‪،‬‬
‫والفرق بين الفيلسوف والنبي‪ ،‬أ الثاني يصبر على ترهات الناس ويمشي في ااسلواق ويأكلا‬
‫الطعام‪ ،‬وكا ربك قديرا‪ ،‬والفلسفة رعب ودخول كهف الشك‪ ،‬حتى الخروج نن هلذا النفلق إللى‬
‫ضوء اليقين‪.‬‬
‫وتعتبر الفلسفة في نظر البعض نصدر إزعاج‪ ،‬وللبعض اآلخر نصدر تهديد للعقيدة؟‬
‫والبعض يصاب بالدوار نع تعاطي عقار الفلسفة‪ ،‬فهي تسحب نن تحت أقدانه المسلمات‬
‫واليقينيات‪ ،‬ولكنها عند آخرين نصدر نتعة بدو حدود‪ ،‬انها تأخذه إلى عوالم سحرية‪ ،‬ال تكف‬
‫عن إدخال الجديد والمفيد إلى العقا‪.‬‬
‫ونن نهض بالعقا في التاريخ هم بضع نئات نن أدنغة الفالسفة‪.‬‬
‫وحسب برتراند راسا الفيلسوف البريطاني في كتابه (النظرة العلمية) فإ عصر النهضة كله‬
‫يعود إلى نائة دناغ أو يزيدو ‪ ،‬ولو تم اغتيالهم أو القضاء عليهم لما كا هناك نهضة‬
‫وناهضو ‪.‬‬
‫ويمكن النظر إلى الفلسفة أنها رحم العلوم‪.‬‬
‫وإذا نظرنا إلى عالقة العلم بالفلسفة؛ لقلنا أ جذورها الميتافيزيقيا‪ ،‬وجذعها فلسفة العلوم‪،‬‬
‫وثمراتها العلوم نن رياضيات وفيزياء وعلم فلك وكيمياء وتاريخ‪.‬‬
‫وال يتقدم العلم بدو أرضية راسخة نن حرية الفكر الفلسفية‪ ،‬ا الفلسفة فتح للعقا على كا‬
‫أنواع ااسئلة المزعجة والمحرجة بدو حدود وخوف‪.‬‬
‫قرر ذلك (عبد‬‫ولم يكن للحضارة اإلسالنية أ تنهض‪ ،‬لوال اتصالها بالفكر اليوناني‪ ،‬كما ّ‬
‫الرحمن البدوي) في سيرته الذاتية‪ ،‬ولن ننهض اليوم إذا لم نتصا بالفكر الفلسفي العالمي‪،‬‬
‫وهي نسافة خمسة قرو ‪ .‬ونحن نا زلنا في استراحة المماليك البرجية أيام السلطا قالوو‬
‫االفي قبا ألف سنة‪..‬‬
‫والفكر الفلسفي يجب أخذه نفصوال عن التاريخ االستعماري‪ ،‬ويجب رؤية أنريكا بمنظار‬
‫الفالسفة اإلنسانيو نثا كارل بوبر وويا ديورانت و إيراسموس و سبينوزا وشوبنهاور‪،‬‬
‫وليس بوش المحارب؛ فالفالسفة والمفكرو أوالد عالت أباهم واحد وثقافاتهم شتى‪ ..‬ال وطن‬
‫لهم وهم إنسانيو ‪.‬‬
‫أنا نحن فمأساتنا كبيرة وال نعرف‪ ،‬نثا نن يتحدث عن جده الملياردير وهو نفلس خالي‬
‫الوفاض‪ ،‬وهي حجة لن ننهض بها‪ ،‬كما أنها نخدرة لنا عن واقعنا المزري‪.‬‬
‫وهذا اللو نن التفكير خطير وضار يجب التخلص ننه‪ .‬وربما كا الفلبينيو أفضا نن‬
‫العرب‪ ،‬لعدم وجود تاريخ زاهي عندهم؛ فهم يعتمدو على سواعدهم لبناء ْأنفسهم‪.‬‬
‫ويعتبر (نيتشه) ضوء باهر في الفلسفة نمن بحثوا عن الحقيقة بأي كلفة‪ .‬فاعتبر أ نن أراد‬
‫أ يرتاح فليعتقد‪ ،‬ونن أراد أ يكو نن حواريي الحقيقة فليسأل‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫و(سقراط) يعد فلتة عقلية في التاريخ‪ ،‬نثا الطفرة في البيولوجيا إلنتاج كائنات أعظم رقيا‪،‬‬
‫وكا كذلك‪ ،‬وأعظم شيء في فلسفته أنه يرى أ الفلسفة ال تجيب عن ااسئلة‪ ،‬بقدر فتح الباب‬
‫على أسئلة جديدة‪ ،‬نما يشكا زاوية ننفرجة للمعرفة ال تكف عن االتساع‪.‬‬
‫وفي الغرب يعطو لقب فيلسوف لمن يحصا الدكتوراة في العلوم‪ ،‬ولكن ال ينتبه أحد لهذا اللقب‬
‫(‪.)PhD‬‬
‫ونع أ ناركس أعلن نوت الفلسفة إال أنها حية جذعة ال تكف عن ند أغصانها في كا حقا‬
‫نعرفي‪.‬‬
‫وحسب برتراند راسا عن الفرق بين الدين والفلسفة والعلم‪ ،‬أ الفلسفة ننطقة ال اسم لها‬
‫تترجرج بين التيولوجيا والعلم ونعرضة للهجوم نن الجانبين‪.‬‬
‫والدين يعطي إجابات نهائية قاطعة‪ ،‬عن قضايا غانضة‪ ،‬وغير قاطعة وغيبية نثا نا بعد‬
‫الموت‪.‬‬
‫أنا العلم فهو يهتم بعمليات الكيف‪ ،‬فيجيب عن أسئلة نثا كيف تتشكا السحب‪ ،‬وبناء الذرة‪،‬‬
‫والكود الوراثي‪ ،‬وسيولة الدم‪ ،‬وعدد الخاليا في الدناغ؟ وأثر البوتاسيوم في حركة القلب؟‬
‫والعلم يقول أ نلوحة البحر هي بسبب كلور الصوديوم‪ ،‬ولكن الفلسفة تقوم بتعليا ذلك‪ ،‬وال‬
‫تكف عن التفسير‪ ،‬وتقفز نن تفسير آلخر‪ ،‬وتتحرك نن تعليا آلخر‪ ،‬فتهب حركة دائمة للعقا‪،‬‬
‫ونمو نعرفي بآلية الحذف واإلضافة ‪.‬‬
‫ويقولو في تعريف الفيلسوف أنه ذلك النهم للمعرفة‪ ،‬الذي تغشاه روح الطفولة‪ ،‬وال تفارقه‬
‫روح الدهشة‪ ،‬وفضولية الطفا وحبه اللعب واإلفغاء ولو لفالح جاها‪ ،‬نع نسيا النفس‪،‬‬
‫وتأنا كا قديم بنظرة جديدة؛ فالجدة ال تفارقه‪ ،‬والعجب ال يغادره‪.‬‬
‫وال يكف علن االطلالع والمطالعلة وللو فلي وسلط حشلد نلن النلاس‪ ،‬غارقلا فلي سلحر الكلملات‬
‫واارقام‪ ،‬يقرأ قيانا وقعودا وعلى جنلوبهم‪ ،‬وللو فلي حافللة ونتلرو‪ ،‬أو وهلو ينتظلر دوره فلي‬
‫البنك على (السرا)‪ ،‬فمن رأيته على هذه الشاكلة‪ ،‬فال تظنن أنه نخبول؟ واعرف أنه وطأ بقدنله‬
‫نحراب الفلسلفة‪ .‬ويلذكر علن آرخميلدس أنله اسلتغرق فلي بحلر الرياضليات‪ ،‬فللم ينتبله لطعلام‬
‫وشراب وفراش وكا يغتسا لمما‪..‬‬
‫ولذا ينصح بالزوجة المثقفة للفيلسوف‪ ،‬تطعمه وتعتني به‪ ،‬وتنزلله نلن حلين آلخلر نلن سلماء‬
‫الحقيقة‪ ،‬إلى ظلم الواقع وفوضاه؟‬
‫وفي القرآ أ الناس في نعظمهم‪ ،‬أسوا نن الدواب با هم أضا‪ ،‬ال يشكرو ‪ ،‬وال يعلمو ‪ ،‬ونا‬
‫يؤنن أكثرهم باهلل إال وهم نشركو ‪..‬‬
‫وكأين نن آية في السموات واارض يمرو عليها وهم عنها نعرضو ‪.‬‬
‫أنا الفيلسلوف فيملر عليهلا فيتأنلا ويكتشلف‪ ،‬فهلو فلي رحللة ال تكلف علن المتعلة‪ ،‬فلي رحللة‬
‫الوفول إلى هللا الحقيقة النهائية الكانلة‪ ،‬ونن أجا هذا أعدم (سقراط) بالسم‪ ،‬وأحرق (برونو)‬
‫و(هللوس) ونفللي (ابللن رشللد) و(أرسللطو) وطعللن أرخميللدس بسلليف قصللير النللع‪ ،‬وقعللد علللى‬
‫الخازوق كانبانيال‪...‬‬

‫‪13‬‬
‫قانون العودة للطفولة‬
‫الطفا يضع ااسئلة الضخمة كالجبال‪ ،‬لماذا نولد؟ أين نذهب بعد الموت؟ نن أين نأتي إللى هلذا‬
‫العالم؟ ويتكلم الطفا بعفوية وال يعرف الخوف إال نن أنلرين؛ اافلوات العاليلة والسلقوط نلن‬
‫شاهق‪ ،‬ناعداها اليفرق بين العصا والثعبلا ووجله أنله وحلملة الثلدي والرضلاعة‪ ،‬والحجلرة‬
‫والجمرة‪ ،‬ويراقب بروح الدهشة والفضول فيتعرف فلي المحطلة والقطلار عللى نلن حولله نلن‬
‫اآلباء العابسين‪ ،‬حتى يصاب بعدوى المرض فينكمش وينطفئ‪.‬‬
‫الفلسفة هي تلك الروح الطفولية نن التعلم وعدم الكف عن السؤال وبدو خوف؟‬
‫الطفولة تعنلي النقلاء وعلدم وجلود ااحكلام ااوليلة وسلرعة االلتقلاط واللذاكرة الرائعلة وروح‬
‫الدهشة والفضول والسؤال عن كا شيء؟ نن أين نأتي وإللى أيلن نمضلي؟ لملاذا يمشلي القملر‬
‫نعي؟ أين ذهب جدو؟ لقد نات؟ نانا الأريد أ أنوت نثا جدو؟‬
‫روح الدهشة والفضول لكا جديد فال يكف عن التعلم بروح نتواضعة‪.‬‬
‫وعن اكتشاف العالم نن حوله؟ لماذا يسقط المطر؟ لماذا تنتبت الشجر؟ لماذا تتناوب الفصلول؟‬
‫نن أين أتبنا وإلى أين المصير؟ نانعنى الظلم فلي العلالم ولملاذا هلو نوجلود وإللى أيلن يمضلي‬
‫التاريخ؟‬
‫هذه هي الفلسفة وهذا هو الفيلسلوف وهلذه هلي أحلد قواعلد البنلاء المعرفلي أ يبقلى ويعليش‬
‫ويحافظ الفيلسوف على هذه الروح الجدة فال يغتالها التفاهة والروتين‪.‬‬
‫النقاء فال يفترسها الجشع والطمع والقمع؟‬
‫لقد قال نمثا ليبيا في اانلم المتحلدة فلي فبرايلر ‪2011‬م وهلو يلرى القلوم فلرعى فلي الجبلا‬
‫ااخضر في بالده‪ ،‬قال وهو يقترب نن حافة البكاء أال لعنلة هللا عللى السللطة إال لعنلة هللا عللى‬
‫المال‪.‬‬
‫وفي القرآ نا أغني عني ناليه هلك عني سلطانيه‪.‬‬
‫وهنا نرى هذا المزيج والتعانق المشئوم نن السلطة والمال فكا يغذي فاحبه؟‬
‫حين يسقط طاغية تسرع البنوك لتقول كم يمتلك وقبا ذلك هو التقلي النقلي الطلاهر العللم هكلذا‬
‫جرت المقادير ونهاية الطواغيت ‪ .‬فكال أخذنا بذنبه كما قال الرب فمنهم نن ارسلنا عليه حافبا‬
‫وننهم نن أغرقنا‪..‬‬
‫ويختم القرآ دونا بهذه القاعدة الذهبية المضاعفة أ الطواغيت اليستفيدو نن الدروس قلط‬
‫وأ نهايتهم نتشابهة؟ فيقولوا نفس الجملة‪ :‬أنا نختلف عن قانو التاريخ؟؟‬
‫وتقول اآلية‪ :‬إ الذين حقت عليهم كلمة ربك اليؤننو ولو جاءتهم كا آيلة حتلى يلروا العلذاب‬
‫االيم‪..‬‬
‫البناء المعرفي هو ليس حفظا وتقليدا‪ ،‬با طرح ااسئلة وبناء العقا النقدي االستقاللي‪ ،‬وحسب‬
‫ثالثية نالك بن نبي فإ اإلنسا والحضارة يدخال ثالث نراحا؛ نن عبادة ااشياء وااشخاص‬
‫قبا الوفول إلى نرحلة عبادة هللا الواحد القهار‪.‬‬
‫كذلك الحضارى تمر في هذه الدورة الرتيبة نن بداية الروح فعودا نثلا إقلالع الطلائرات بعلزم‬
‫وتصميم لخرق السحب وركوب الغمام‪ ،‬والثانية خط السواء فتحافظ الحضلارة عللى نفسلها‪ ،‬ثلم‬
‫يلأتي اللدور الثالللث اللذي النهلرب ننلله والت حلين ننللاص فتهلبط الحضلارة بعللد أ تفقلد آخللر‬
‫الطاقات المحتزنة‪ ..‬ويتناسب هذا نع انفالت الغرائز نن كا تبخر طاقة روحية‬
‫وهذا يتماشى من طرف آخر مع القانون الثاني في الترموديناميك بمعنى أن هناك دورة لكل شيء‬
‫وكل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذي اإلجالل واإلكرام‬

‫‪14‬‬
‫حافظوا على الطفولة‬
‫الطفل فيلسوف‬
‫الطفا أكبر فيلسوف بروح الدهشة والفضول واالكتشاف والتعلم بدو استكبار ونع‬
‫التقدم في السن يصاب اإلنسا بنكبتلين االسلتكبار وتبخلر تللك اللروح فلي التعلرف‬
‫على الجديد أو رؤية القديم دونا بعين جديدة‪.‬‬
‫ونن خبرتي عن سر فعالية اإلنسا االملاني هلي نلن تربيتله طفلال فلإ أردت فهلم‬
‫نغاليق أسراره فاذهب إلى نفتاح الطفولة ففيها فتح فندوق أسراره‪.‬‬
‫أذكر واقعتين عن طفلين‪ :‬جدية ااول بعد عملية زائدة دودية حين سلالته هلا أكللت‬
‫الشوكوالته (نازحا) أجاب غير نسموح لي بذلك؟‬
‫والثاني عن طفا بطول خمس أشبار حين وقلف ينصلحني بعلدم وضلع ابنتلي أروى‬
‫في اإلنام في السيارة ؟ قال ااطفال غير نسموح لهم بالجلوس في اانام؟‬
‫هذه الوقائع السابقة أثارت في ذهني بعض الذكريات نن الوسلط االملاني‪ ،‬وطريقلة‬
‫المرأة االمانية في نعالجة طفلها اليوني‪ .‬كنت أتأنلها وهي تعطيه كا الوقت‪ ،‬تنملي‬
‫عقللله بللل (احتللرام السللؤال) وتنميللة (الدهشللة) واسللتثارة (روح الفضللول) وتشللجيع‬
‫(الحوار) وطرد شبح الخوف ننه‪ ،‬وجرأة (النقد والنقد المضاد) والتعبير عن وجهلة‬
‫النظر أنام المأل بدو وجا أو اضطراب‪ ،‬جنبا ً إلى جنب‪ ،‬نع العناية بغذاءه ونظافتله‬
‫وح َّمانه اليوني‪ ،‬وتشكيا السلوك عنده في عدم إلقلاء شليء عللى اارض‪ ،‬أو علدم‬
‫إخراج اافوات نن فمه أثنلاء ارتشلاف الشلوربة أو الشلاي‪ ،‬فهلي حضلارة النظلام‬
‫والنظافة والهدوء‪.‬‬
‫وأدركت أ الطفا في نجتمعنا ونن خلالل تركله للظلروف (تشل ّكله هلي) ينبلت وقلد‬
‫اغتيلت عنده نجموعة نن الصفات النفسية اإليجابيلة لعلا أبرزهلا (روح الدهشلة)‬
‫في تأنا العالم‪ ،‬إلنه نع وأد روح الدهشة تتوقف آلية الفضلول‪ ،‬فيقتلا النملو وروح‬
‫البحث العلمي عنده دفعة واحدة‪ ،‬وبالتالي للذة (الجلدَّة) فلي الحيلاة التلي تخللع عللى‬
‫الحياة نعنى وتشحنها باالستمرارية والنمو‪ ،‬وبكسلب العلادات العقليلة الجديلدة هلذه‬
‫ينشأ ليس على االنطالق وروح المغانرة وحب اكتشاف المجهول‪ ،‬با عللى السللبية‬
‫والجمللود والخللوف والتقليللد ااعمللى‪ .‬وهنللاك دراسللة شلليقة قللام بهللا عللالم الللنفس‬
‫السويسري (جا بياجييه‪ )JEAN PIAGET‬عنلدنا قلام بدراسلته عللى أوالده‬
‫الثالثة‪ ،‬نن خالل دراسة (التطور الروحي الحركي) وارتقاءه نع ارتقاء اإلنسا في‬
‫العمر‪ ،‬ووضع اتجاها ً كانالً بين ندارس علم النفس‪ ،‬التي اجتهلدت فلي فهلم المزيلد‬
‫عن اآلليات النفسية وعملها عند اإلنسلا ‪ ،‬وعالقلة ذللك فلي بنلاء العلادات العقليلة‪،‬‬
‫وننهللا كسللب آليللة الحلوار التللي نحللن بصللددها ‪ .‬ويعتبللر جللا بياجييلله عللالم نفللس‬
‫سويسري ونؤسس ندرسة علم النفس االرتقائي‪ ،‬وهو اتجاه نلن خمسلة اتجاهلات‬
‫بين (ندرسة علم النفس التحليلي ل وعلماؤه فرويد ويلونج) و (المدرسلة السللوكية‬

‫‪15‬‬
‫وأبرز روادها سكينر وباندورا) و (ندرسة الجشتالت وتنسب إلى فرتهلايمر وكوفكلا‬
‫وكوهلر) وأخيرا ً االتجاه ااخير (ندرسة علم اللنفس اإلنسلاني) اللذي شلق الطريلق‬
‫إليه أبراهام ناسلو وفيكتور فرانكا) وينضاف للمدرسة االرتقائية االتجلاه المعرفلي‬
‫المعروف بل (الفالسفة الفينونينولوجيو = أي علم الظواهر) وكذلك علماء اللنفس‬
‫الوجودي بد ًء نن كيركيجارد وسارتر‪ ،‬ويرتكز االتجاه الوجودي على الفكرة القائللة‬
‫بأ شخصية الفرد تتكو نن خالل نضاله الذاتي لتشكيا ذاته الداخلية‪ ،‬إلى أ يجلد‬
‫لنفسلله فللي الحيللاة نعنللى وقيمللة وأسلللوبا ً يحقللق بلله ذاتلله‪ ،‬ويراجللع فللي هللذا كتللاب‬
‫(اإلنسا وعلم اللنفس) سلسللة علالم المعرفلة تلأليف عبلد السلتار إبلراهيم ‪.‬ويلرى‬
‫(بياجييه) أ (كثيرا ً نن المفاهيم نثا التفكير والذكاء والوعي والقيم والتوقع) تعلود‬
‫إلى (تأثير البيئة على اإلنسا ) الذي هو (نحكوم بمدى وعيله بهلا وهلو وعلي يملر‬
‫في نراحا ارتقائية نختلفة)‪ .‬وحول االرتقاء كتب اريكسو بحثلا رائعلا علن أزنلات‬
‫االرتقاء الثمانية‪ ..‬لعا أهمها بعد اللوالدة المراهقلة واللزواج والعملا والتقاعلد قبلا‬
‫الموت‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫اافكار البسيطة والنتائج العظيمة‬
‫أبسط اافكار تولد عجيلب المعجلزات‪ ،‬ونلن نظلر فلي الوجلود بعلين التأنلا وفلا إللى عجائلب‬
‫الخلق‪ ،‬ونعظم الناس تمر على نعظم االيات وهم عنها نعرضو ‪.‬‬

‫ونن نظر في الكو ظن أنها اارض كما فهلم ذللك كلا نلن سلبقنا قبلا انفجلار الحداثلة واليلوم‬
‫نعرف أ اارض (فسفوس) فغير؟‬

‫نن هذه اافكار تشقق الصخر بموجات الصلوت‪ ،‬وسلرعة الضلوء نلن اعلتالء شلعاع الضلوء‪،‬‬
‫وطنين ذبابة يوحي لديكارت الهندسة التحليلة‪ ،‬وتفاحة تسقط فوق رأس نيوتن تقلول لله نعنلى‬
‫الجاذبية‪ ،‬وخرطوشة حجر رشيد جاءت بأخبار الكهنة فقانوا نن الموت ينشدو تراتيا تعظليم‬
‫الفرعللو ‪ ،‬وطبللع خللاتم علللى فللفحة ايقظللت فكللرة المطبعللة عنللد جللوتنبيرغ‪ ،‬وتللراقص غطللاء‬
‫اإلبريق حركت فكرة ضغط البخار عند بلابن‪ ،‬وخرافلات بسليطة حركلت حروبلا عظيملة العتقلاد‬
‫هتلر بتفوق عرق على عرق‪ ،‬والرقافة ناتا هاري انتهت باإلعدام نن أجا عشرين ألف نلارك‬
‫للجاسوسية االمانية‪ ،‬كما ناتت بعدها اسمها بنفس القصة والحكاية والخطايلا‪ ،‬وهكلذا فلدناغ‬
‫اإلنسا فندوق باندورا‪.‬‬

‫علينا أوال تصور المسافات الكونية نقارنة بالسرعات التي نملكها كي نصاب بشعور اإلغماء !!‬

‫ولكن على فرض الكشف عن إنكانية حيا ٍة على ظهر كوكلب‪ ،‬تقلاس نسلافة بعلده عنلا بالسلنين‬
‫الضوئية؛ فإ التحدي الحالي هو السرعات التي نملكها للوفلول اللى هلذا الكوكلب‪ ،‬فلنحن فلي‬
‫الوقت الراهن أسرى هذه السرعات الصلبيانية بالنسلبة لمسلافات الكلو ‪ ،‬وحلين أرسلا نسلبار‬
‫جاليلو الى كوكب المشتري‪ ،‬جلس العلماء ينتظرو وفوله بفلارغ الصلبر‪ ،‬بعلد أ تلم إرسلاله‬
‫قبا سنوات‪ ،‬وهي نسافة سخيفة‪ ،‬وتقاس بالكيلونترات‪ ،‬فالمشتري يبعد عن الشمس فقط ‪484‬‬
‫نليو نيا‪ ،‬وأبعد الكواكب نثا بلوتو ال يزيد بعده عن الشمس عن ‪ 3,7‬نليار كم؟!‬

‫وهلي المسللافة التللي يقطعهللا الضلوء إليلله فللي فتللرة (‪ )205,5‬نلائتين وخمللس دقللائق ونصللف‬
‫الدقيقة‪ ،‬على اعتبار أ الضوء يقطع في الثانية الواحدة ‪ 300‬ألف كم وفلي الدقيقلة ‪ 18‬نليلو‬
‫كم‪ ،‬أي أ الضوء يقطع نظاننا الشمسي نن أقصلاه اللى أقصلاه فلي فتلرة ال تزيلد ‪ 3,4‬سلاعة‪،‬‬
‫ولكن النجم بيكتلوريس أو اللنجم بيجاسلوس ‪ 51‬يبعلدا فلي المتوسلط حلوالي خمسلين (لليس‬
‫ساعة ضوئية) با سنة ضوئية!!‬

‫أي أ البعد هو في حدود خمسين نضروبة في ستة ناليين نليو نيا‪ ،‬أي ‪ 300‬نليو نليو‬
‫نيا‪ ،‬وهو رقم يدفع تصوره على اإلغماء حقا!! ففي نسافات نن هذا النوع وبسرعات نتلوفرة‬
‫لدينا سخيفة‪ ،‬يصبح الوفول الى الكواكب ااخرى ضرب نن المستحيا‪ ،‬نا لم يطور أحد أنرين‬
‫إنا السرعة ذاتها‪ ،‬أو طبيعة التنقا‪ ،‬كما يفكرو بنظرية الثقوب الدودية حيث تطوى المسلافات‬
‫كما في قصة المعراج؟‬

‫‪17‬‬
‫فالتحدي في المسافة هو في سرعة الضوء‪ ،‬وإذا استطاع الذكاء اإلنساني أ يصا الى سرعات‬
‫تقفز فوق الحلاجز الصلوتي؛ فلليس اانلر كلذلك بالحلاجز الضلوئي‪ ،‬ولكلن للنفهم طبيعلة هلذين‬
‫الحاجزين وناذا يترتب على اختراقهما؟ أي الحاجز الصوتي والحاجز الضوئي؟؟‬

‫كا قياس سرعة الصلوت سلهالً‪ ،‬ويمكلن اي إنسلا أ يعلرف كلم تبعلد عنلا السلحابة برؤيلة‬
‫البرق‪ ،‬ثم الزنن الذي يتلوه حتى يصا فوت الرعد‪ ،‬فالصوت يقطع في المتوسلط حلوالي ‪330‬‬
‫م \ ثانية تزيد وتنقص‪ ،‬حسب طبيعة الوسلط اللذي تمشلي فيله نوجلات الصلوت‪ ،‬وهكلذا يمكلن‬
‫سماع فوت القطار بوضع ااذ على قضبا السكة الحديدية قبا ظهوره‪.‬‬

‫واعتبر كالً نن ديكارت ونيوتن أ سلرعة الضلوء النهائيلة‪ ،‬فلي حلين اعتبلر غلاليلو أ هنلاك‬
‫سرعة للضوء ويمكن نعرفتها‪ ،‬ولكنها ذات سرعة هائلة ال يمكلن قياسلها باإلنكانيلات المتاحلة‬
‫في زننه‪.‬‬

‫وعندنا أراد قياسها بالمصابيح بمسافة كيلونترات نعدودة‪ ،‬عرف أ نثله كمثا نن يريد قياس‬
‫سطح اارض بالشبر؟!‬

‫ووفا العالم الدانمركي (رونر) الى قياس سرعة الضوء بوقت نبكر‪ ،‬في أواخر القر السلابع‬
‫عشر‪ ،‬عن طريق الخسلوف فلي أقملار المشلتري ااربعلة (كاليسلتو وغانيميلد وأيلوا ويوربلا)‪،‬‬
‫نستعمالً االنجاز الجديد الذي طور على يد غاليلو أي التلسكوب‪ ،‬فاعتبر أ سرعة الضلوء هلي‬
‫في حدود ‪ 185‬ألف نيا \ثا‪ ،‬وهو رقم قريب نلن الصلحة ( ‪ 186000‬نيلا فلي الثانيلة أو ‪300‬‬
‫ألف كم \ ثانية )‪ ،‬ثم جاءت بعد ذلك طرق نطورة‪ ،‬استطاعت الوفول الى تحديد سرعة الضوء‬
‫على وجه الدقة (طريقة فيزو وطريقة نايكلسو نورلي) حيث حددت السرعة بللل (‪)186.300‬‬
‫نيا \ ثا أو ‪ 299.776‬كم \ ثا على وجه الدقة‪.‬‬

‫وعندنا تتجاوز الطائرة سرعة الصوت‪ ،‬تتشلكا نوجلات فلوق فلوتية هائللة‪ ،‬نملا يلؤدي اللى‬
‫تحطم الطائرة بالذات وزجاج النوافذ‪ ،‬نما جعا نصممي الطلائرات يغيلرو الللدائن المسلتخدنة‬
‫في بناء هذا النوع نن الطائرات‪.‬‬

‫ولفتت هذه الظاهرة نظر أحد العلملاء‪ ،‬حينملا الحلظ أ هلذه الموجلات غيلر المرئيلة تفعلا فعلا‬
‫السحر‪ ،‬فتكسر نا هو جلمود كالصخر وأشد المعاد فالبة نثا االماس‪ ،‬نلع أنهلا ال تلرى وال‬
‫يشعر بها‪ ،‬وال تؤذي اانسجة الرخوة‪ ،‬فخطر فلي بالله خلاطر عجيلب‪ ،‬علن هلذه اانلواج التلي‬
‫تكسر الزجاج والماس والحجر‪ ،‬فتصل ّدع الصلخر وتشلقّق الحجلر‪ ،‬لملاذا ال تسلتخدم بحلذق فلي‬
‫تفتيت حصيات الكلية‪ ،‬وهي بحص ورنا؟ فتتشقق الحصلاة وال تتلأذى اانسلجة؟! فهلداه فكلره‬
‫الختراع اآللة في الماء زيادة في التأثير بزيادة سرعة الموجات‪.‬‬

‫فهذه هي الفكرة ااساسية في تفتيت حصيات الكلية‪ ،‬ونعظم ااجهزة الضخمة قانت على أفكلار‬
‫في غاية البساطة‪.‬‬

‫إ تأثير أنواج نعينة في تشقيق الحجر‪ ،‬وتصديع الصلخر‪ ،‬يقلرب إلينلا نلدلول اآليلة أ الجبلا‬
‫الصم يتصدع‪ ،‬حينما يتعرض لضرب نن اانواج الخافة‪ ،‬فاآليلة يمكلن أ نقتلرب نلن فهمهلا‬
‫حتى فيزيائيا ً (لو أنزلنا هذا القرآ على جبا لرأيته خاشعا ً نتصدعا ً نن خشية هللا)‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫كمللا نفهللم أيضلا ً دك الجبللا وتفتيتلله وبقللاء أنسللجة نوسللى بللدو أذيللة باسللتثناء دخوللله حالللة‬
‫الصدنة‪ ،‬نع سطوع الضوء الرهيب (فلما تجلى ربه للجبا جعله دكا وخر نوسى فعقا)‪.‬‬

‫أنا اختراق الحلاجز الضلوئي فيعتبلر اليلوم نسلتحيالً‪ ،‬فعنلد زيلادة السلرعة لتصلا اللى سلرعة‬
‫الضوء‪ ،‬تحصلا تغيلرات تقللب المفلاهيم التقليديلة كلهلا‪ ،‬نلن خلالل أربلع نتلائج‪ ،‬تنهلار عنلدها‬
‫المعطيات الرياضية الكالسيكية كلها‪ ،‬فيتم استخدام طاقة النهائية‪ ،‬وينضغط الطول اللى الصلفر‪،‬‬
‫وتزداد كتلة الجسم المتسارع الى الالنهاية‪ ،‬ويتوقف الزنن؟!‬

‫وهللذه اافكللار تولللدت باافللا نللن النسللبية الخافللة‪ ،‬وتشللكا ضللربا ً نللن التحللدي أنللام العقللا‬
‫اإلنسلاني‪ ،‬أو بكلمللة ثانيلة اسللتحالة الوفلول الللى الكواكلب المترانيللة فلي الفضلاء‪ ،‬ا العمللر‬
‫سيضيع بكا بساطة‪ ،‬وسيحتاج االنسلا اللى ‪ 200‬أللف سلنة ليصلا اللى أقلرب كوكلب وهلو ال‬
‫يعيش ننها ‪ 200‬سنة فكيف بمائتي ألف نن السنين؟!‬

‫والمركبللة (بللايونير ‪ )10‬التللي أرسلللت عللام ‪1973‬م تنطلللق اآل خللارج المجموعللة الشمسللية‪،‬‬
‫بسرعة ‪ 54‬ألف كم فلي السلاعة‪ ،‬وستصلا أقلرب نجلم لنلا وهلو (روس ‪ )248‬اللذي يبعلد عنلا‬
‫(‪ )10,3‬سنة ضوئية بعد ‪ 200‬ألف سنة؟!‬

‫ويا نعشر الجن واإلنس إ استطعت أ تنفدوا نن أقطار السموات واارض فانفلدوا ال تنفلدو‬
‫إال بسلطا ‪...‬‬

‫‪19‬‬
‫مثلث الدين والعلم والفلسفة‬
‫في المناقشة التي دارت بين الرجا وزوجته على طاولة الطعام سألت الزوجة‪ :‬أليسلت الفلسلفة‬
‫ببساطة ناذا يفعا الفالسفة؟ قال الزوج‪ :‬ال أعرف لم أفلبح بعلد فيلسلوفاً‪ .‬عقبلت الزوجلة‪ :‬كلا‬
‫الفالسفة كانوا رجاالً أليس كذلك؟ أجاب الرجا‪ :‬أنا لست نتأكدا ً للم أفكلر فلي هلذا النقطلة‪ .‬قاللت‬
‫الزوجة‪ :‬حسنا ً أظن أنك لم تصبح بعد فيلسوفاً‪ .‬ارتبك الرجا قليال وقال‪ :‬آه ‪ .‬إذا ً أنت تعلرفين نلا‬
‫هي الفلسفة حتى تدخلين في نعبدها نن تشاءين وتطردين نمن ال ترغبين؟‪ .‬قالت الزوجة‪ :‬نعم‬
‫وحسب نا أعرف فإ الفلسفة هي تحديدا ً التفكير حول نا تفكر له‪ .‬عللق اللزوج‪ :‬لملاذا تفكلرين‬
‫هكذا؟ قالت الزوجة‪ :‬حسنا ً لو فكر أحدنا بأي شيء يعرفه حتى لو كا سعر نعلا فلسلوف يلدرك‬
‫أنه يفكر حول نا يفكر فيه‪ .‬أفغى الرجا نليا ً إلى قول زوجته الحكيمة وقال‪ :‬أظن أ نعك جز ًء‬
‫نن الحقيقة وحري بالتأنا‪ .‬أجابت الزوجة بابتهاج بالطبع يجب أ تفكر فيملا أقلول وهلي عللى‬
‫كا حال بداية لمعرفة الفلسفة‪ .‬في الواقع هذه الحوارات وأنثلتها تلقي الضوء على حيرة الناس‬
‫في تعريف الفلسفة فالبعض يراها فداع للرأس‪ .‬وفريق آخر يراهلا عبثلا ً وتضلييعا ً للوقلت فلإذا‬
‫تغيمت اانور ولم تنتج قال الواحد لآلخر كفاك فلسفة‪ .‬وهناك نن يشعر أنها تخرب العقائد وهي‬
‫خطرة على راحة العقول‪ .‬وطائفة ترى فيها أنها تسلبح فلي الخيلاالت وال عالقلة بواقلع النلاس‪.‬‬
‫وهناك نن ينكت وال تخلو النكتة نن قسم نن الحقيقة عندنا يسأل أحلدهما اآلخلر‪ :‬كيلف تعلرف‬
‫الفيلسوف بين الناس في الشارع؟ ويكو الجلواب‪ :‬عنلدنا تلرى رجلالً يمشلي بلين النلاس هلو‬
‫يحما كتابا ً يقرأه وكأنه ال ينتمي لعالمهم‪ .‬وهناك نن يجادل في تاريخ الفلسفة عانلة أنهلا تمثلا‬
‫المستحيا وتشوه الذوق ولكن كما يقول بعض الفالسفة‪ :‬إنله خيلر للك أ تفعلا شليئا ً نلن أ ال‬
‫تفعا‪ .‬والفلسفة في الواقع كما يقول الفيلسوف برتراند راسا أنها تلك المنطقة التي ال اسلم لهلا‬
‫بين العلم والدين نكشوفة للهجوم نن الجانبين‪ .‬ويختللف اللدين علن الفلسلفة أنله يعطلي إجابلة‬
‫جاهزة نحددة يقينية في حين أ الفلسفة تبقى تبحث وتثير زوابع الشك بدو توقلف‪ .‬وفلي كلا‬
‫خير وكا ننهما يحتاجه اإلنسا ‪ .‬وفي نوقف اإلنسا نن الموت نرى العلم ال يملك الجواب‪ .‬أنا‬
‫الفلسفة فتسبح في فضاءات النهائية بحثا ً عن التفسير والمنطقية‪ .‬ولكن اللدين يلدخا إللى قللب‬
‫اإلنسا اليقين والراحة والقناعة بمعنى الحياة نرتين في الدنيا واآلخرة‪ .‬ولكن لوال زوابع الفكر‬
‫الفلسفية لما نشط الفكر في التاريخ؛ فالفلسفة تمثا جذع شجرة تخرج ننهلا ثملرات العللوم أنلا‬
‫الجذور القوية الضاربة في عمق التربة فهي الميتافيزيقيا أو اللدين ويجلب أ تكلو فلي غايلة‬
‫الثبات أفلها ثابت في اارض وفرعها في السماء تعطي الثمرات كا حين‪ .‬ونن هنا يجلب فهلم‬
‫عالقة الدين بالعلم والفلسفة أ كا ننهم له نيدانله الخلاص بله‪ .‬كملا ينظلر اإلنسلا أنانله فلي‬
‫ثالث زوايا فإ نظر تحت قدنيه كانلت علملا فلإذا تطللع إللى اافلق كانلت فلسلفة فلإذا نظلر فلي‬
‫السموات العلى كانت دينا‪ .‬وفلدق الفيلسلوف (غرانشلي) بلأ كلا واحلد ننلا علالم قلائم بذاتله‬
‫وفيلسوف على نحو نا‪ .‬وفيلك انطلوى العلالم اافلغر‪ .‬ولكلن نلاركس أعللن فلي كتابله (بلؤس‬
‫الفلسفة) أ الفلسفة ناتت‪ .‬وينحو النمساوي (لودفيج فيتجنشتاين) فيلسوف الوضعية المنطقية‬
‫هذا النحو فقد ودعها كما فعا الغزالي وارتاح في استراحة الصوفية‪ .‬وهلل في خلقه شئون؟‬

‫‪20‬‬
‫خرائط برمجة اإلنسان‬
‫في آخر عدد نن نجلة در شبيجا االمانية لعام ‪2009‬م ودعت العلام بعنلوا فلارخ فلي العلدد‬
‫‪ 52‬ه النزاع اابدي بين اإلسالم والمسيحيةه‬
‫(‪ )Islam und Christentum: Der ewige Zwist‬وأضلافت نلن هلو اللرب ااقلوى‬
‫للدينين؟‬
‫وهذه البرنجة الذهنية نن العداء ليست عقالنية بقدر نحتواهلا السليكولوجي‪ ،‬فكلا ننلا تتشلكا‬
‫عنده الخرائط الثقافية‪ ،‬حسب الوسط الذي يولد فيه ويعيش‪..‬‬
‫وفدق المؤرخ توينبي حين افتتح كتابه (نختصر دراسلة التلاريخ) بهلذه الجمللةه المؤرخلو‬
‫أقللرب لشللرح آراء الجماعللات التللي يعيشللو فللي وسللطها ويكللدحو ‪ ،‬نللنهم إلللى تصللحيح تلللك‬
‫اآلراءه‬
‫ونفس توينبي كا يظن وهو طفا‪ ،‬أ العالم يدور حول جزيرة الضباب (بريطانيا) وأنها عظمى‬
‫ننذ أ خلقها هللا‪ ،‬ولم يخطر في باله أنه قبا فترة قصيرة‪ ،‬كا الناس فيهلا عللى أتفله ااسلباب‬
‫يشنقو ويحرقو ‪ ،‬وأ نؤسس الديانة الجديدة في بريطانيا باالنشقاق عن رونلا‪ ،‬كلا خلفهلا‬
‫(هنري الثانن) الذي تزوج ستا ونكح ‪ 16‬وخاد ‪ 160‬وطير رؤوس أربعة أو خمسة نن نسائه‬
‫بسبب ودو سبب؟‬
‫وحين نفتح كتاب (كرونولوجيا المرأة) نعرف أ بانكهورست ونن نعها قانوا عام ‪ 1912‬م في‬
‫نظللاهرة لتصللويت المللرأة‪ ،‬وأنهللن ضللربن لسللت سللاعات نتوافلللة نللن الشللرطة والرعللاع‪،‬‬
‫وبعضهن قتا‪ ،‬فهذا هو التاريخ وهذا هو تاريخ البرنجة الثقافية؛ جسر نن نعاناة على نهر نن‬
‫الدنوع‪..‬‬
‫ونحن نظن أننا نسلمين بالعقلا والمنطلق والحجلة البالغلة‪ ،‬وهلي خرافلة كبيلرة‪ ،‬فلنحن نعتنلق‬
‫الديانة نن الوسط الذي ننشأ فيه‪ ،‬با نصلبح شليعة فنجللد أنفسلنا بالسالسلا فلي عاشلوراء‪ ،‬أو‬
‫سنة فنقبا الحجر ااسود‪ ،‬أو قرانطة فنخطف الحجر ااسود إللى البحلرين ليبقلى هنلاك ثالثلين‬
‫عاناً‪..‬‬
‫فهذه هي قصة البرنجة الثقافية عرفها نن عرفها وجهلها نن جهلها‪..‬‬
‫يتشكا اإلنسا بشكا جوهري في نرحلة نا قبا المدرسة؛ فيتبرنج في خرائط ذهنيلة‪ ،‬ال فكلاك‬
‫ننها وال خالص!!‬
‫وهذه الخرائط هي سجن نن أربعة أسوار نن (البيولوجيا) و(التاريخ) و(الثقافة) و(الجغرافيا)؛‬
‫فيشكا المجتمع الفرد بأقوى نن فهر الحديد في نصانع الصلب‪ .‬فيخرج ننا طائرة ‪ A 380‬أو‬
‫حاوية قمانات‪.‬‬
‫وهذا يعني أ كثيرا ً نما نتصلرف يحصلا نلن خلالل علالم (الالوعلي) اللذي كشلفه عللم اللنفس‬
‫التحليلي‪ ،‬فاإلنسا نكو نن ثالث طبقات ننضدة فوق بعضها البعض‪.‬‬
‫في ااعلى (نا فوق الوعي ‪ )Super conscious‬وهي جدا ً رقيقة‪ ،‬وهي نوضع التماع بريلق‬
‫اافكار اإلبداعية الفجائية‪.‬‬
‫وطبقة (الوعي) وهي تمثا ‪ %5‬نن كياننا النفسي وهي تشبه ضوء المنارة على ساحا المحيط‬
‫‪،‬عندها القدرة في تركيز الضوء في نحرق نحدد لوقت نحدد؛ فإذا انقضت تحولت المنطقة إللى‬
‫ظالم دانس‪..‬‬
‫وتحتها طبقة (الالوعي ‪ )Subconscious‬التي تمثا ‪ % 95‬نن سلوكنا!‪ ،‬الذي يمثا المحليط‬
‫الواسع الذي يضم شخصيتنا‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫وفيه أي نا تحت الوعي نسلتودعات (الخبلرات) و(العواطلف) و(ااخلالق) و(العقلد النفسلية)‪،‬‬
‫ونن ظلماته تتشكا ااحالم فنعيش حياتنا الثانية‪.‬‬
‫نحن نقود السيارة‪ ،‬ونشرب فنجا القهوة‪ ،‬ونضرب على الكي بورد‪ ،‬ونلزرزر قميصلنا برتابلة‬
‫آلية‪.‬‬
‫الروتين سيء ورائع بنفس الوقت‪ ،‬انه بقدر نا يقتا اإلبداع بقدر نا يريحنا‪.‬‬
‫لو كا إفراز الهورنونات‪ ،‬وخفقا القلب‪ ،‬وإفراز الكلية‪ ،‬وزفيلر الرئلة‪ ،‬نلرتبط بلالفكر لسلقط‬
‫العقا في شباك الطبيعة العمياء‪.‬‬
‫با وحتى الكالم فيسيطر عليه (الالوعي) نع أنه اكبر تجليات الوعي‪.‬‬
‫نحن حينما نتكلم ال نفكر كيف تمر الكلمات نن الدناغ إلى جهاز التصويت‪ ،‬ولو فكرنا في كيلف‬
‫نفكر‪ ،‬النقطع كا تفكير‪.‬‬
‫ولو تأنلنا جسدنا لرأينا فيه تداخا ثالث نستويات بنفس اللحظة نن (اإلرادة) و(نصلف اإلرادة)‬
‫و(الال إرادة)؛ فالكلية تنظف على نحو أعملى بلدو تفكيلر‪ ،‬ويمكلن أ نحلبس أنفاسلنا لدقيقلة‪،‬‬
‫ولكننا نتميز عن النبات والحيوا ‪ ،‬فالنبات ينمو ولكن ال يعرف لماذا ينملو؟ أو كيلف ينملو؟ بلا‬
‫هو في قبضة قوانين آلية عمياء بالنسبة له‪.‬‬
‫وبالمقابا تعرف القطة كيف تبحث عن طعانها‪ ،‬كما يقفز شوقي القط عندي على ركبتلي العانلا‬
‫البنغالي حين يحضر له الطعام‪ ،‬ولكنه ال يملك تعليا نلوحة ناء البحر‪.‬‬
‫كما ال يقدم الكلب على االنتحار‪ ،‬ولم نر يونا أ شلجرة أضلربت علن الطعلام وأعلنلت الصليام‪،‬‬
‫ولكن اإلنسا يفعا ذلك فيصوم وينتحر نعلنا انتصار اإلرادة على الغريزة‪ ،‬وتفوق الوعي عللى‬
‫اآللية‪.‬‬
‫وهكذا فهناك كيانا رئيسيا يتحكما بنا‪ ،‬ولكنهما نتصال على شكا طريق أحادي االتجاه في‬
‫الغالب؛ فل (الوعي) هو الذي يشحن أوالً؛ فإذا تشبع نقا الفكر إلى الالوعي‪.‬‬
‫وهذا التيار نن الوعي ل إلى الالوعي نستمر عللى نلدار السلاعة‪ ،‬كملا يشلحن اللدينمو بطاريلة‬
‫السيارة‪.‬‬
‫ويتدفق تيار المعلونات باتجاه واحد كما في السيالة الكهربية‪ ،‬عندنا تمر في نحول كهربي نلن‬
‫قوة ‪ 110‬إلى ‪ 220‬فولت‪.‬‬
‫ونا يصا أرض (الالوعي) ينحبس فيه ويتحول إلى قوة تشغيا خفية‪.‬‬
‫وهللا خلقكم ونا تعملو ‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫العالقة الجدلية بين العلم‬
‫والفلسفة‬
‫العلم الينمو إال في إطار خاص‪ ،‬وفي نناخٍ عقلي نناسب تستنبت بذوره بكا رحمة وحب‪ ،‬وهذا‬
‫االطار الفلسفي هو الذي يشكا نرجعية العلم في أول الطريق؛ ليتحول نع الوقت الى‬
‫(االيديولوجيا) التي تخنق تقدنه‪ ،‬نما يحتاج إلى (ابستمولوجيا) جديدة نحررة‪ ،‬وهكذا يمشي‬
‫نظم التاريخ‪ .‬ونن الملفت للنظر أ القوى التي تفجر الطاقات ااولى تتحول نع الزنن الى قوى‬
‫نعيقة للتقدم‪ ،‬وهذه كانت نشكلة االنبياء نع أقوانهم‪ ،‬فهم كانوا يصدقو اانبياء الذين‬
‫سبقوهم‪ ،‬ولكنهم كانوا يكذّبو نعافريهم‪.‬‬
‫سيطر الفكر اليوناني لحوالي سبعة عشر قرنا وتحول نع الوقت إلى طاغوت رهيب‪ ،‬وهكذا‬
‫أحرق أناس نن أجا آراء بطليموس في النظام الشمسي نع كا نظاهر التصدع في النظرية‬
‫وعدم القدرة على التفسير نع الوقت‪ ،‬وسيطرت فكرة (االتوم ل ‪ )ATOM‬أي الذرة أنها الجزء‬
‫الذي اليتجزأ‪ ،‬حتى أنهت هذه العقيدة الوثوقية تجربة آالنوجوردو في تفجير السالح النووي‪،‬‬
‫وكا االنعطاف التاريخي على يد رواد الفكر في العالم االسالني‪ ،‬فهم الذين أنهوا سيطرة‬
‫المنطق (الصوري) ليدفع العقا باالتجاه القرآني‪ ،‬أي تأنا الواقع (أفال ينظرو إلى اابا كيف‬
‫خلقت) وهكذا ولد نبدأ (التجربة واالستقراء) فكا العقا االسالني يلعب الدور المحوري‬
‫المفصلي في نقلة العقا االنساني نن المرحلة (االسطورية) إلى المرحلة (العلمية) خالفا لما‬
‫ذهبت اليه الوضعية على يد (أوجست كونت) ثم الوضعية المنطقية بعد ذلك على يد (إرنست‬
‫ناخ) النمساوي‪ ،‬اللذين رأيا تطور العقا االنساني يتنقا نن المرحلة البدائية إلى المرحلة‬
‫الميتافيزيقية الدينية‪ ،‬ليصا إلى المرحلة العلمية الوضعية‪.‬‬
‫فحيح أ كونت انتبه الى القوانين التي تحكم المجتمع‪ ،‬وبذلك يكو قد تابع نسيرة ابن‬
‫خلدو في ادراك قوانين المجتمعات‪ ،‬ولكنه لم ينتبه وغفا عن التجلي االسالني في إطالق‬
‫الشرارة العقلية الكبرى عبر كا التاريخ‪.‬‬
‫وهذه النقلة القرآنية واضحة جدا ً نن النسق القرآني الذي ألغى فكرتي‪ :‬المعجزة كدليا نادي‬
‫للوحي‪ ،‬في الوقت الذي كررها بشكا واضح في عشرات اانكنة لألنبياء اآلخرين‪ ،‬وهذا يشي‬
‫بتدشين عصر جديد‪.‬‬
‫وكذلك فكرة ختم النبوة؛ فالقرآ بهذه الكيفية توسط عصرين وفصا بين نرحلتين‪ ،‬فهو نن‬
‫العالم القديم‪ ،‬ولكنه بشر بمولد العقا االستداللي‪ ،‬ودعى الى تثبيته كونه أنرا كسبيا‪.‬‬
‫وهذا يفيدنا أيضا ً بأ نفهم القرآ بأنه ليس كتاب فيزياء وكيمياء ورياضيات وطب‪ ،‬با هو ذلك‬
‫الكتاب الذي يولد المناخ العقلي الذي يفرز كا هذه العلوم‪.‬‬
‫ونفهم نن هذا أيضا ً أ عمليات اللهاث العتصار اآليات الستخراج الكشوفات العلمية ننها‬
‫ننهج خائب في عدة نستويات‪ ،‬فسرعة الضوء كشفها (فيزو) بوسائط فيزيائية بحتة‪ ،‬وبدو‬
‫نص يرجع اليه‪ ،‬في الوقت الذي يسعى البعض لمحاولة اكتشافه في بعض اآليات‪.‬‬
‫وضمن هذا المناخ الصحي نبت قديما العلم االسالني‪ ،‬ويمكن أ ينبت نرة أخرى ضمن نفس‬
‫الشروط‪ ،‬وبنفس هذه الدورة التاريخية ارتفع اناس‪.‬‬
‫اسحق نيوتن لم يكن لينقدح في ذهنه قانو الجاذبية النه رأى سقوط التفاحة‪ ،‬فجده لم تحرك‬
‫فيه أكثر نن شهية قضمها‪ ،‬كذلك الحال في (دينيس بابين) الذي رأى في تراقص غطاء أبريق‬
‫الشاي نفاتيح طاقة البخار‪.‬‬
‫أنا ديكارت التي كانت الذبابة تطن نزعجةً بجانب أذنه فقد أوحت له بمباديء الهندسة‬
‫التحليلية‪ ،‬حيث استطاع بعبقرية أ يمزج علم الجبر بالهندسة‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫وفي السنة التي أعلن فيها (كوبرنيكوس) نظانه الشمسي الجديد كا (فيزاليوس) يشق‬
‫الطريق عبر الجسم البشري للمرة ااولى في التاريخ ااوربي؛ فيدخا عالم (التابو) أي تشريح‬
‫الجسد الميت‪ ،‬الذي كا يعتبر نسه بعد الموت حجرا نحجورا‪.‬‬
‫وهكذا فحا المعضالت العقلية الكبرى واالنبثاق العلمي نرهو بتغير المناخ العقلي واالطار‬
‫الفلسفي‪ ،‬الذي يم ّكن الجماعات االنسانية نن إعادة النظر في المنظونة المعرفية التي تحملها‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫حياة الفالسفة وحياة التجار‬

‫ذكر لي صديقي موفققع عققن ققاجر فققي النماققا أنققه كققان يلققارق أ يانققا علققى صق ق‬
‫جاري كامل من مول س ين كبيرة حمل مادة خام معين نطلع مققن بلققد معققين بققل‬
‫أن صل الاوق‪ ،‬ويبدو أن الملاربات تكاثر على هذه الحمول بل أن يبققدأ رياهققا‬
‫في الاوق‪ ،‬والمهم فإن صا بنا نكب بلرب موجع وهو يقامر فخار بلرب وا دة‬
‫مليون دوالر‪ .‬لت له وكيف كانت أساريره؟ ال بققل ذلققك يجققب أن عققرف أنققه كققان‬
‫بعمققر الثالثققين ولكنققه مققن اللققربات المالي ق حققدق هققره و ققربت فيققه الاققنون‬
‫والملاربات المالي فوهن منه العظم واشققتعل الققرأب شققيبا‪ .‬ويققذكر ابققن خلققدون فققي‬
‫المقدم اعدة فيها در من الحقيق أن العلماء في العادة ال يملكون ثروات كبيرة‪ .‬وأنققا‬
‫أ ذكر عن ال يلاوف (عابد الجابري) من كتابه ( ريات فققي الققذاكرة) أنققه كققان أمققام‬
‫م رق طريع وهو ي كر لااع في ديق ليتخذ ققرارا مصققيريا فإمققا ققابع عمققه فكققان‬
‫اجرا ثريا وإما شع طريقه إلى العلم ولن يكون ظه بالتأكيد أن يكققون مققن أصققحاق‬
‫الياار‪ .‬مع هذا فلقد رأت عن ياة ال يزيائي البريطققاني (اسققحع نيققو ن) أنققه بجانققب‬
‫عمله في إبداع القوانين الريا ي في ال يزياء ا ترف الملارب فجنققى ثققروة كبيققرة‪.‬‬
‫ولكنها ليات القاعدة دوما‪ .‬ويبدو أن اعدة ابن خلدون لها ما يبررها فكل عمقل تققى‬
‫ينمو البد له من متابع واهتمام مهما يكن صققايرا و افهققا فققالجراي تققى ينجققز عملققه‬
‫البد له من الدأق والمتابع واالنتباه إلى أباط األمققور وأن ال ياققتخف بالصققاائر ألن‬
‫معظم النار من ماتصار الشرر‪ ،‬و د يقققود إهمققال قققيه والتهققاق باققيط إلققى التهققاق‬
‫سحايا ا ل كما روى لي طبيب وا ع من هققذا النققوع‪ .‬وهققذا الكققالم ينطبققع علققى كققل‬
‫الحققرف والمهققن‪ .‬وأعققرف ميكانيكيققا بارعققا هققاق عققن محلققه لمققدة شققهرين وعنققدما‬
‫راجعت المحل في هيابه كان أخوه الصاير يعمل مكانه وهققو متققدرق مبتققديء ولكنققه‬
‫مهتم ف اق وسققبع أخققاه فاكتشق ت أن االهتمققام شققيء سققحري عجيققب يرفققع صققا به‬
‫درجات‪ .‬وذكرت لي سيدة ص عجيب عن ابنتهققا أنهققا شققكت مققن انت ققا فققي األنققف‬
‫فكانت إذا أرادت نظيف أنف الط ل ألمققت و منعققت وخلقققت مشققكل وعنققد مراجعق‬
‫طبيب المققع مشققهور نظققر بشققيء مققن االسققتخ اف واالسققتعجال ولققم يققد ع ووصققف‬
‫بارع (صادا يويا ) جربققت العائلق الققدواء وكرر ققه بققدون فائققدة وأرادوا مراجعق‬
‫الطبيب األلمعي‪ .‬كان الطبيب المشهور مشاوال ولم يققولهم انتباهققا كبيققرا‪ .‬ققال الققزو‬
‫لزوجتققه لققين بققين يققدينا سققوى أن نعققر الط ل ق علققى طبيققب مقققيم مبتققديء فهققل‬
‫ر ين؟ وافقت على ملض‪ .‬نظرت الطبيب المقيم بجديق وإخققاله واهتمققام إلققى‬
‫مشكل الط ل فاكتش ت أنها د أدخلت إلى أن هققا طعق بالسققتيكي صققايرة فانتزعتهققا‬
‫فتحررت الط ل من األلم واالنت ا بعد أن خطر في بال األهل أنه بدأ يتشكل ورم فققي‬
‫أنف الط ل ‪ .‬وشاهدي من هذه القص أن االهتمققام يخلققع صققا به فالتققاجر يبحق عققن‬
‫الدنانير و د يصل إليها وطالب العلم يبح عن معنى في الحياة و د يصققل إليققه ولكققن‬
‫ما يوصل فعال هو االهتمام المتواصل وشحذ القريح وطول الزمن و راكم الخبرة‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫جدلية السياسي والفيلسوف‬
‫لم يكن أكره على لب (فولتير) من الحرق؛ فهي اب رأيه " أم الجقرائم وأعظقم الشقرور‪ .‬كقل‬
‫دول حاول فيها إلباب جريمتها ثوق العدل‪.‬‬
‫إن القتل رام‪ ،‬وجميع أنواع القتل يعا ب عليها في زمن الالم‪ ،‬أما إذا ن خ فقي الصقور‪ ،‬وأعلنقت‬
‫الحرق فيصبه القتل باأللوف مبا ا!"‬
‫و(فولتير) في كتابه (القانوس الفلسفي) يصف الحرق‪":‬يحتا اإلناان إلى عشرين سن كي يبدأ‬
‫نلو عقله‪ ،‬وثالث آالف سن ليكشف القليل عن بنائقه‪ ،‬واألبقد إلقى أن يعقرف شقيئا عقن ن اقه‪،‬‬
‫ولكن د يق وا دة ك ي لقتله!"‬
‫ويتعجب كيف نشأ الحروق باألوامر؛ فيهجم فريع على فريع‪ ،‬بدون أن يكون بين أفراد ال ريقين‬
‫عداوة شخصي ‪ ،‬سوى ما يأمر به الجنراالت المنحوسين من القتل‪.‬‬
‫ولو أن شخصين من ال ريقين المتحاربين اجتمعقا خقار سقا الحقرق؛ لربمقا ق فيف أ قدهما‬
‫اآلخر كوبا من القهوة؟ فكيف يحصل ما ال يصدق؟‬
‫أال إن الحرق إفالب أخال ي وجنون وجريم في ثالث كلمات‪..‬‬
‫و اب المؤر (توينبي) فإن الحرق كانت الي الملوك‪ ،‬وأن انهيار الحلارات تنقوع بسلبعة‬
‫أسباب‪ ،‬من أبرزها (انتحارية النزعة الحربية) كابب في إخ اق قرير المصقير‪ ،‬ويقذكر نمقوذ‬
‫(دولة آشور )‪ ،‬التي بقيت ت قد و طور باستمرار اآلل الحربي ‪ ،‬تى ما ت (نختنقة في الدرع)‪،‬‬
‫وهو ما سيؤول إليه مصير إسرائيل وأمريكا‪.‬‬
‫وجرت العادة أن نشوة القوة خمر ال فكقاك منهقا‪ .‬ومقن سقكر لقم يعقدف األ قداي‪ ،‬و اقب (روبلرت‬
‫غرين) في كتابه (القوة)‪ ،‬فإنه لين من شيء أخطر من النصر القذي يقدير القرأب‪ ،‬ومقن يماقك‬
‫ن اه عند هذا الحد يملك ص شبه إلهي ‪.‬‬
‫وعند نابليون فإن أخطر اللحظات ليات الهزيم بل النصر‪ .‬وهقو مقا فعلقه باقمارك بعقد قرق‬
‫‪ 1870‬م فو د ألمانيا‪ ،‬وبقي عندها بدون جاوز و ظ اسمه في التاريخ‪.‬‬
‫وفي يوم كان اإلناان يصيد الامك و يوانات الااب ‪ ،‬ولكنه اليوم يذهب للصيد لين لاقد ماقاب‬
‫الجوع بل للتالي ‪ ،‬وهكذا كانت الحرق ديما ملهاة الملوك‪.‬‬
‫وفي الحرق األهلي األمريكي اصحب الجنراالت زوجا هم (لل رج ) ألنهم لقم يكونقوا يتصقوروا‬
‫أهم في صدد رق روب سوف لتهم ‪ 600‬أل قا مقن األنقام‪ ،‬كمقا قن اقن نصقر ‪ ،‬القذي‬
‫خطف اسم لحزبه‪ ،‬أنه لم يكن يتو ع أن يكون رد فعل إسرائيل على خطف جنديين بهذا العنف‬
‫واللراوة‪ .‬كمن يداعب األسد ويطلب منه هزال‪.‬‬
‫و اب أولمرت وأ مدي ونصر وأشياعهم؛ فالكقل انتصقر فقي قرق لبنقان‪ ،‬باسقتثناء لبنقان‬
‫ربه شقي بحجر فأصبه شظايا‪.‬‬ ‫الذي حطم مثل لوي زجا‬
‫و رأت أنا بعد رق ‪ 1973‬م كتابا بعنوان (المحلدال) و عنقي (التقصلير) باللاق العبريق ‪ ،‬كيقف‬
‫فوجئت إسرائيل بالهجوم العربي‪ ،‬وهذا هو مصدر وة إسرائيل‪ ،‬فمن يحكم إسرائيل لياقوا آلهق ‪،‬‬
‫بل بشر ممن خلع‪ ،‬شهد لهم طاولتهم التي عليها يجتمعون‪ ،‬و ولها يتنا شون‪ ،‬ال يبعد أنف أ دهم‬
‫عن اآلخر أكثر من ارورة ماء‪ ،‬ولين مثل القاعات المرعب للقيادات العربي ‪ ،‬المااف بين الكنب‬
‫والثاني بقدر عر هرف القيادة اإلسرائيلي فال يامع أ د إال هماا‪.‬‬
‫وهو يشهد أيلا أننا لم ن هم إسرائيل بعد‪ ،‬أنها من الداخل نمقوذ هربقي‪ ،‬فقي دولق لقم خيقرة‬
‫األدما ‪ ،‬بنظام مالي متطور‪ ،‬ومؤساات للبح العلمي‪ ،‬و درة عاكري قذكر باسقبرط العصقر‬
‫اليوناني الذهبي‪ ،‬ذات نظام ديمو راطي ذكر بأثينا‪ ،‬ومواطن يؤخذ رأيقه فقي الحقرق والاقلم‪ ،‬ال‬
‫يخاف على ن اه إذا عبَّر‪ ،‬امه لعزمي بشارة أن ينتقدها عالنيق فقي المحطقات ال لقائي ‪ ،‬ولقو‬
‫دث هذا في بلد ثوري عربي‪ ،‬لكان حقيع منكر ونكير في ال روع األمني بانتظاره‪ ،‬مع اللرق‬
‫على الوجوه واألدبار‪ ،‬تى يابه بحمد الرئين القائد‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫فهذا هو ال رق بين العرق وإسرائيل‪ ،‬وهذا هو مكمن وق إسرائيل لو كانوا يعلمون؟‬
‫وفي الحقيق ال يمكن صوير ال رق بين الاياسيين والعلماء‪ ،‬كما هر بقين و عقات اقن نصقر‬
‫‪ ،‬و و عات ال يزيقائي ال يلاقوف فيرنقر هقايزنبر عقن الحقرق الكونيق ‪ ،‬كمقا جقاء فقي كتابقه‬
‫(الجزء والكا ل نحاورات في نضمار الفيزياء الذرية) في فصل (تصرف اافلراد حيلال الكارثلة‬
‫السياسية)‪.‬‬
‫لقد بلات د نبؤ (هلايزنبرغ) ما يذكر بالرؤيا الصاد ‪ ،‬والرجل لم يرها في المنقام بقل بالتحليقل‬
‫العلمي‪.‬‬
‫يقول هايزنبر إنه فكر بثالث‪ :‬عائلته‪ ،‬ف عل كما فعل من يركب الاق ين فقي مواجهق العاصق ‪،‬‬
‫وهكذا نقل عائلته إلى الجبال استعدادا ليوم القيام ‪ ،‬عندما نهقدم المقدن األلمانيق ‪ ،‬فقال يبقع جقر‬
‫على جر‪.‬‬
‫وثانيا‪ :‬أن يزور أصد ائه فلعله لن يجتمع بهم‪.‬‬
‫وثالثا رار البقاء في العاص ‪ ،‬ولقه اقير لطيقف‪ ،‬أنقه سقيعود لتربيق جيقل جديقد ال عال ق لقه‬
‫بالحرق والنازي ؛ فينشيء القاعدة العلمي الجديقدة أللمانيقا الحديثق ‪ ،‬وهقو مقا صقل فقي هقور‬
‫معاهد (ناكس بالنك) المت ر في كل ألمانيا‪.‬‬
‫و ين سأله صديقه انريكو فيرمي إن كقان يعتققد بقأن الحقرق وا عق ؟ كقان جوابقه إنهقا وا عق ال‬
‫محال ‪ ،‬كما ابع سحب الخريف الرعد والبرق والمطر‪.‬‬
‫سأله فيرمي‪ :‬ومن ظن انه سينتصر في الحرق؟‬
‫وكان جوابه‪ :‬بالطبع سيربه الحل اء الحرق‪ ،‬ويخار هتلر؟‬
‫وكان عليله‪ :‬يا صديقي فيرمي إن الحرق كنولوجيا‪ ،‬وال طا أللمانيا بخصومها‪.‬‬
‫ثم يعقب برؤي يحاد عليها‪ :‬وهتلر يدرك ذلك‪ ،‬وأ اءل أن ياقتوعب الحقيقق ‪ ،‬ولكقن يقا صقديقي‬
‫متى كانت الحرق عقالني ؟‬
‫وهتلر ال يختلف عن الجنراالت المعتوهين في شيء ألنه لبن بعتهم وا شه بردائهم‪.‬‬
‫اجققأ بققرد ال عققل اإلسققرائيلي‪ ،‬والاياسققيون العققرق فر ققون بتاققا ط يققادات‬ ‫اققن نصققر‬
‫إسرائيلي ‪ ،‬واللبنانيون خائ ون على أن اهم من ديناصور نمقا بأسقنان ال مق بيقنهم‪ ،‬ومقن ار هقن‬
‫للاالي كان له عبدا‪ ..‬وساء رينا‪.‬‬
‫فهذا هو ال رق بين الاياسي العاكري‪ ،‬وال يلاوف العالم الذي يقرى األ قداث ويتنبقأ بهقا برؤيق‬
‫شبه نبوي ‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫الفيلسوف في مواجهة الموت‬
‫عاش (ليو تولستوي) نرتاح البال‪ ،‬وأنشأ عائللة‪ ،‬وأنجلب سلبعة أوالد‪ ،‬وعنلد سلن الخمسلين‬
‫تعرض ازنة بنيوية حرنته الرقاد‪.‬‬
‫كا سبب نوت بعضا نمن حوله ونحاولة اإلجابة عن نعنى الموت في الحياة؟‬
‫وكا أول شعور ينتابه حينما يستيقظ فباحا أنه على قيد الحياة‪ ،‬فمع كا ليلة ينام نونة نودع‪،‬‬
‫نن هذه الحياة الدنيا الفانية‪ ،‬ثم يكتب أول كلماته‪ ...‬نلا زللت أعليش‪ .‬ثلم يبلدأ نهلاه بحملام بلارد‬
‫يرتعش ننه‪ ،‬ثم يكنس غرفته‪ ،‬ثم يخدم نفسه‪ ،‬ثم يركب فرسه فيطير به إلى الغابة‪.‬‬
‫وكا يقول‪ :‬الطريقة الوحيدة للخالص نن البؤس الداخلي أ ترني نفسك في أحضا العالم‪.‬‬
‫وكما يحصا نع الحيوانات قبا زنن البرد فيكتسي جلدها بفراء ثخين‪ ،‬كذلك تعويض الروح في‬
‫الشيخوخة نقابا اندثار الحواس‪ ،‬فتكتسي بدرع واقية‪ ،‬وتبدأ نرحلة جديلدة نقابللة للمراهقلة‪،‬‬
‫وهي نرحلة سيكولوجية لم تدرس عند الذكور بعد‪ ،‬وهي واحدة عند الجميع‪ ،‬ولكنها كانت عنلد‬
‫تولستوي حادة ندنرة‪.‬‬
‫وكا يختم ليلته في نحاسبة نفسه‪ ،‬فكا بحق قديسا‪ ،‬فيدو كا شيء فعله‪ ،‬ويحاسلب نفسله‬
‫على كا فغيرة وكبيرة عملها في ذلك النهار‪ ،‬ويعترف هلل بأخطائه‪ ،‬ويتوب ويجلدد توبتله عملا‬
‫اقت رفته يداه‪ ،‬ويعترف أنه نازال لم يتطهر بعد‪ ،‬وكا أكثر نا يمضه أنه لم يلتخلص نلن ثروتله‬
‫كليا‪ ،‬ونال إلى الهرب نن البيت الذي يعيش فيله‪ ،‬وكلذلك زوجتله الدنيويلة‪ ،‬وفلارت لله ثلالث‬
‫هربات بين كا واحدة والثانية ‪ 13‬عانا‪ ،‬قبا أ يهرب للمرة ااخيرة بلدو علودة ويملوت فلي‬
‫نحطة نائية‪ ،‬في استابو في ‪ 7‬نوفمبر نن عام ‪1910‬م‪ .‬ويرفض نقابلة زوجته التي كانت ترنق‬
‫احتضاره خلف نافذة‪.‬‬
‫وهي تذكر برحلة الغزالي الكتشاف الحقيقة‪ ،‬قبا أ يكتب كتاب إحياء علوم اللدين والمنقلذ نلن‬
‫الضالل والموفا إلى ذي العزة والجالل‪.‬‬
‫وكتاب (نحمود عزام) عن (فلسفة العلوم) تعرض لهذه اللحظة المزلزلة في نقله علن إفالطلو‬
‫ه أ النفس نا دانت في هذا العالم نتحدة بالجسم‪ ،‬فإنه يمتنع عليها أ تتخلص بصلورة كانللة‬
‫نن وساطته إلدراك الحقيقة‪ .‬فالجسم هو قيد للنفس وعائق لها عن إدراك الحقيقة المطلقة‪ ،‬نلن‬
‫حيث أنه بجعا إدراك هذه الحقيقة يمر عبر واسطة هي إدراك الموضوعات المحسوسة‪.‬‬
‫ولكن الفيلسوف ال يقف أنام هذا الواقع نوقفا سلبيا‪ ،‬با هو يسعى جهلده لتخلليص اللنفس نلن‬
‫الجسم‪ ،‬وهو جهد يستمر طوال حيلاة الفيلسلوف‪ ،‬نلا دام يسلعى إللى نعرفلة الحقيقلة المطلقلة‪،‬‬
‫وهذه العملية يدعوها إفالطو تطهير النفس ل وبتعبيلر القلرآ وأوفلاني بالصلالة والزكلاة نلا‬
‫دنت حيا ل‬
‫ونن هنا فإ أقرب حالة لما يصفه إفالطو ‪ ،‬نن أجا إدراك الحقيقة‪ ،‬هي الموت‪،‬‬
‫وعلى هذا فإ الفيلسوف ال يهلاب الملوت‪ ،‬بلا ينشلده‪ ،‬انله اللحظلة التلي تلتخلص فيهلا نفسله‬
‫بصورة كانلة نن قيد الجسد‪ ،‬لتصبح وحدها في نواجهة الحقيقة المطلقة‪ ،‬والفيلسوف بابتعلاده‬
‫عن نطالب الجسم‪ ،‬قدر اإلنكا ‪ ،‬يمارس الموت في الحياة‪،‬‬
‫وهذا نا جعا الفيلسوف سقراط ال يهرب نن الموت‪ ،‬انه يجد فيه نناسبة لتحقيق نا كا ينشده‬
‫في حياته‪.‬‬
‫ولذا عقب (ستيفا زيفايج) في كتابه عن تولستوي لما واجه لحظة الموت أنه نلات فلي غرفلة‬
‫نتواضعة نثا أي فالح روسي في نحطة سكك حديدية وليس في قصر ننيلف فلي فلراش وثيلر‬
‫عريض ‪ ..‬قال‪ :‬حينذاك عرف هذا الباحث اللجوج الحقيقة ونعنى الحياة‪.‬‬
‫وفي القرآ واعبد ربك حتى يأتيك اليقين‪ ..‬حينما يكو النظر حادا جدا يرى ااشياء بوضوح ‪..‬‬
‫فبصرك اليوم حديد‬

‫‪28‬‬
‫األسئلة الفلسفية العظمى‬
‫الموت والحياة‬
‫في ننتصف الليا يهدأ النهار؛ ويبلدأ السلواد فلي االنحنلاء وطلي الخلافقين تحلت جنلاح الظلالم‪.‬‬
‫ويستسلم الليا في إغفاءة السلحر‪ ،‬ولكلن الملوت يحللق بجنلاحين نلن سلواد‪ ،‬والمالئكلة تبسلط‬
‫أجنحتها البيضاء أو أيديها القابضة‪ ،‬تستقبا روحا فاعدة كاندة أو نستبشرة‪..‬‬
‫كا التلفو نن الدكتور عرفا ‪ ،‬أ شابا في نيعلة الصلبا‪ ،‬أحضلر إللى اإلسلعاف فلي غيبوبلة؛‬
‫ضربة في الرأس‪ ،‬تهشم في ااضلع‪ ،‬كسر في الذراع‪ ،‬انصباب في الحشا نن دم نازف!‬
‫كلهللا نؤشللرات خطيللرة إلللى نللوت نحللدق‪ ،‬والحفظللة يعللدو لحفلللة جنائزيللة‪ ،‬وهللم يتبللادلو‬
‫المعلونات؛ إنه شاب! الموت ال يعرف الشباب نن الشيخوخة‪ ،‬فقد دنت الساعة وتدلت‪..‬‬
‫طار ااطباء بأجنحة السرعة نع المريض إلى قاعة التصوير الطبقي والسونار‪ ،‬علهلم يحلددو‬
‫أين يبدؤو ‪ ،‬ونن هو ااشلد خطلرا عللى حيلاة الملريض؟ فكسلر عظلم الفخلذ لليس نثلا تقطلع‬
‫الطحال وتمزق الكبد‪..‬‬
‫قال الدكتور عرفا ‪ :‬واننا نعما نعا في وحدة جراحلة ااوعيلة الدنويلة؛ حصلتنا هلي اللذراع؛‬
‫فهناك كسر في عظم العضد‪ ،‬نع نزف يرجح إفابة ااوعية المرافقة!!‬
‫قلت له أنا قادم‪ ،‬وكنت أقرأ لتوي في كتاب (بيتر فارب) علن (بنلي اإلنسلا ‪)Human Kind‬‬
‫في علم االجتماع واانثربولوجيا‪..‬‬
‫حين وفلت قاعة العمليات قال لي الجراح المناوب إنله بمجلرد فلتح اللبطن دخلا الملريض نلن‬
‫جديد في حالة الصدنة؛ فنحن نسعى إلنعاشه قبا التصرف بأي شيء آخر‪..‬‬
‫هذه المرة المسألة تدور حول الحياة أكثر نن الطرف‪..‬‬
‫ولمدة نصف ساعة حاول ااطباء عبثا إنقلاذ هلذا الشلاب اللذي خلفله الحلادث الملروري أشلالء‬
‫نمزعة‪ ،‬اللدوبانين ‪ ..‬أدرنلالين ‪ ..‬كلورتيزو ‪ ..‬نسلاجات القللب التلنفس الصلناعي بلاانبوب‪..‬‬
‫فدنات القلب الكهربية إلزالة الرجفا ‪..‬‬
‫كا الشاب يغرق في نستنقع الموت تدريجيا ونالئكة الموت باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم‪..‬‬
‫ثم أعلن الفريق الطبي حسب البرتوكول المتعارف عليله أ اإلنعلاش فشلا بعلد نحاوللة نصلف‬
‫ساعة؛ فأعلن الحداد‪ ،‬ونفلخ فلي الصلور‪ ،‬أ الشلاب أعللن نيتلا‪ ،‬اسلتعدادا لطلي نلفله نلن قيلد‬
‫ااحياء‪..‬‬
‫تبارك الذي بيده الملك وهو على كا شيء قدير الذي خلق الملوت والحيلاة ليبللوكم أيكلم أحسلن‬
‫عمال وهو العزيز الغفور الذي خلق سبع سموات طباقا نلا تلرى فلي خللق اللرحمن نلن تفلاوت‬
‫فارجع البصر ها ترى نن فطور‪...‬‬
‫تأنلت حدقة الشاب كانت نتوسعة بلذهول‪ ،‬ال تلروي شليئا سلوى الملوت واالنلدثار وتوديلع أي‬
‫نشاط في الحياة‪..‬‬
‫هنا تذكرت نفس ساعة الموت لزوجتي ليلى سعيد التي فارقتنا قبا سنوات في نفس المشهد في‬
‫نونتريال؛ فماتت في ساعة نن نهار‪.‬‬
‫لم تمت نن حادث نروري كما نات الشاب بين أيدينا‪ ،‬ولكن نن حادث وعائي حيث سلكت قلبهلا‬
‫فجللأة عللن النطللق‪ ،‬ونبضللها عللن الحللديث‪ ،‬وسللقطت إلللى اارض فمللا قانللت إال للثللرى والبلللى‪،‬‬
‫وسبحا نن أفنى وأحيا‪..‬‬
‫نا هو الموت؟ ونا هي الحياة؟؟ قلت لزوجتي حين كانت عللى قيلد الحيلاة‪ ،‬وأنلا أنقلا لهلم خبلر‬
‫فديقي أبو طه‪ ،‬حين نات أنام فناء الفيال‪ ،‬وهو يحاسلب العملال اللصلوص عللى سلوء العملا؛‬
‫فسقط ولم ينهض!‬

‫‪29‬‬
‫قلت لزوجتي ليس الموت هو العجب بلا الحيلاة‪ ،‬فلالموت علودت للصلفر والالفعاليلة والقصلور‬
‫الذاتي والتراب‪ ،‬ولكن الحياة هي المعجزة وهي العجب العجاب؟؟‬
‫الكا يعرف هذه الحقيقة‪ ..‬والكا يقف نذهوال أنام حقيقة الموت‪ ..‬فليس نن جواب‪..‬‬
‫يقولو العين ال تستطيع أ ترى أو تحدق في شيئين البؤبؤ في الشمس والعقا في الموت‪..‬‬
‫أهم نا في الطفا أنه فيلسوف كبير ال يكف عن الدهشة وروح الفضول ولذا فهو يطرح ااسلئلة‬
‫الفلسفية الكبرى‪ ،‬وننها الموت والحياة‪ ،‬نن أين جئنا وإلى أين ذهب جدو؟؟ أو أين ذهبت تيتلى‬
‫(كناية عن الجدة؟)‪..‬‬
‫دورة الحياة تغلق نفسها في كا نستوى نن زنابق الحق وفراشات الحقلول وبعلوض المسلتنقع‬
‫ودورة الماء بين اارض والسماء‪ ،‬والحليب نا بين فرث ودم‪ ،‬والنحلا تسللك دروب ربهلا ذللال‬
‫نن العريش والجبال فتخرج شرابا نختلفا ألوانه فيه شفاء للناس‪..‬‬
‫وكذلك دورة الموت والحياة‪ ،‬ونا يعمر نن نعمر وال ينقص نن عمره إال في كتاب إ ذلك عللى‬
‫هللا يسير‪..‬‬
‫جئنا نن العدم ونرجع إليه وال نعرف شيئا عن العدم الذي خرجنا ننه وال الالنهاية التلي تغلفنلا‪،‬‬
‫فنحن كا شيء نسبة إلى العدم‪ ،‬ونحن الشيء نسلبة إللى الالنهايلة التلي تحلدق فينلا وتطوقنلا‪،‬‬
‫أليس عجبا إذا أ ال نخشع ونركلع ونتوسلا ونخضلع إللى القلوة الخفيلة الالنهائيلة التلي تمللك‬
‫ااسرار النهائيلة للوجلود‪ ..‬هكلذا قلال باسلكال فلي خلواطره المشلهورة‪ ..‬وهكلذا تأنللت الشلاب‬
‫المسجى على طاولة العمليات وأنا أتأنله نن زاوية إنسانية وليس فنية طبية نلن توقلف القللب‬
‫والتنفس والنزف والكسر وتمزق الكبد وتقطع الطحلال‪ ..‬كلهلا آالت قابللة لافلالح ولكنهلا فلي‬
‫النهاية يجول فيها كائن خفي اسمه الحياة‪ ،‬فإذا خرجت هذه النسلمة كملا أدخلهلا بارئهلا رجعلت‬
‫إلى المصدر الذي خرجت ننه بكا تواضع وهدوء وسالم‪..‬‬
‫نا هي الحياة ؟؟ نا هو الموت ؟؟ ها أجبنا أم يكمن الجلواب فلي وقلت ال سلبيا للوفلول إليله؟‬
‫فكما وفف الرب نفسله أنله نلور السلموات واارض‪ ،‬كلذلك وفلف هللا أنله يمللك سلر الملوت‬
‫والحياة‪ ،‬وإنه يلعب بهما تمانا كيفما يشاء فيخرج الميت نن الحي‪ ،‬ونخرج الحلي نلن الميلت‪،‬‬
‫ونحن نتأنا الظاهرة كا يوم وكأننا ال نبصر‪..‬‬
‫ها سيكشف الغطاء يونا عن عيني‪ ،‬فأبصر نا أبصره إبراهيم فوعي حقيقة الموت‪ ،‬فلي نشلهد‬
‫نادي‪ ،‬نن بقايا نقطعة‪ ،‬نن أربعة طيور إليه يسعين؟‬
‫أم ذلك الذي نر على قرية وهي خاوية على عروشها بعد قر ؛ فقام الحمار ونهق‪ ،‬فصدق وهو‬
‫يفرك عينيه؟‬
‫وها سأحظى بلمس ليلى‪ ،‬وهي التي أراها كا ليلة في المنام؛ فلأبكي كملا بكيلت نلرارا‪ ،‬وأقلول‬
‫أين ذهبت يا حبيبة القلب نبكرة نسرعة‪ ،‬كما استعجا نوسى؛ فقال لله اللرب ونلا أعجللك علن‬
‫قونك يا نوسى قال هم على أثري وعجلت إليك رب لترضي‪..‬‬
‫نعم نحن على أثرك يا ليلى‪ ،‬وأنت استعجلت بروحك الطاهرة إلى الرب الذي اشتاق للك‪ ،‬بعلد أ‬
‫انتهيت نن رحلة العناء ودخلت النرفانا طاهرة قديسة؛ فأنلت تطيلرين فلي الجنلة بجنلاحين نلن‬
‫قصب‪ ،‬في بيت النصب فيه وال لغوب‪..‬‬
‫نا هو الموت؟؟؟ هكذا يسأل الطفا وليس نن جواب ‪...‬‬

‫‪30‬‬
‫فلسفة النبوة والثقافة‬
‫يعتبر (نعوم تشونسكي) أ المثقف هو نن حما الحقيقة في وجه القوة‪ .‬والمثقف حسب المفكر‬
‫البحريني (جابر اانصاري) هو نن غادر حقا االختصاص‪ .‬وفي القرآ نن يكتم البينات يلعنه‬
‫هللا والمالئكة والناس أجمعين‪ .‬وسر الديموقراطية في المعارضة‪ .‬وال نعارضة بدو فكر‬
‫نستقا‪ .‬وال استقاللية في التفكير بدو حرية فكر‪ .‬وال قيمة لحرية التفكير بدو تعبير‪ .‬والتفكير‬
‫بدو تعبير يشبه الكمبيوتر بدو شاشة‪ .‬وخياطو الفكر العربي اليوم نوزعو بين أفناف؛‬
‫فمنهم نن يرى التفكير حرانا وخطيرا‪ .‬وننهم نن يرى أ ال غبار على (التفكير) بحدود أنا‬
‫(التعبير) فيجب أ يمر نن قناة أننية أو فقهية على المقاس‪.‬‬
‫وعلى (التعبير) أ ينسجم نع أنغام الجوقة‪ .‬وعلى المفكر أو الكاتب أ يقول قوالً ال يوقظ نائما‬
‫وال يزعج نستيقظاً‪.‬‬
‫وتبقى (فصيلة) شاذة نن المفكرين نن ترى الحرية على إطالقها‪ .‬فيسمح للجميع بحرية التفكير‬
‫والتعبير والكتابة والنشر واالجتماع والتظاهر وبناء ااحزاب بدو أي قيود‪.‬‬
‫ولكن هذه الفصيلة ال تمثا وزنا أو تيارا يعتد به في المحيط الطاني نن الجاهلين‪ .‬وفي وسط‬
‫ثقافة تحرص بدأب على إغالق نسام ااكسجين عن أي خلية عصبية تفكر‪ .‬فال يسمح للمواطن‬
‫بفتح فمه إال عند طبيب ااسنا فهذا أدعى للسالنة‪.‬‬
‫وحسب (الكواكبي) أ الجماهير يتنازع قيادتها العلماء والطغاة‪ .‬فمن جها خاف‪ .‬ونن خاف‬
‫أفبح جاهزا لالستبداد‪ .‬ونن علم تحرر‪ .‬وفي اإلنجيا تعلموا الحق والحق يحرركم‪.‬‬
‫وهناك أربع نماذج لألنبياء تلقي الضوء على حقيقة المثقف‪ :‬عيسى ونوسى ونحمد وسليما ‪.‬‬
‫فأنا (عيسى) فهو نموذج المثقف في وجه التراثيين الحرفيين‪.‬‬
‫ونن واجه عيسى كانوا ثالثة الكتبة والفريسيو والصدوقيو ‪ .‬أي جماعة النصوص ورجال‬
‫السلطة ونن ال يؤنن باآلخرة‪.‬‬
‫و(نوسى) كا نموذج المثقف في وجه الطغيا ‪ .‬فأنره هللا بالتوجه إلى فرعو إنه طغى‪.‬‬
‫وكا (نحمد) ص نموذج المثقف في السلطة فقد فنع نجتمعا وبنى دولة نن اانيين فعلمهم‬
‫الكتاب والحكمة وزكاهم وإ كانوا نن قبا لفي ضالل نبين‪.‬‬
‫وأنا (سليما ) فهو يمثا الروح اإلنبراطورية الذي يهدد بذبح الهدهد أو ليعذبنه أو ليخرجن‬
‫أقوانا نن ديارهم وهم فاغرين أو يتمنى أ يوهب نلكا ً ال ينبغي احد نن بعده فيغلق الطريق‬
‫على الجميع حتى انتحن فألقي على كرسيه جسدا ثم أناب‪.‬‬
‫وكانت نلكة سبأ التي تعانلت نعه نموذج السالم الذي طوق التوتر بحكمة يمانية‪ .‬وأسلمت‬
‫ليس (للل) سليما با (نع) سليما (هلل) رب العالمين‪.‬‬
‫والمثقف في العالم العربي اليوم ثالث أفناف‪ :‬المثقف الوهمي والمهاجر والحقيقي‪ :‬فأنا‬
‫المثقف (الوهمي) فله ثالث وظائف‪( :‬التبرير) و (التخدير) و (التزييف)‪ .‬وهم قطيع ضاري نن‬
‫نثقفي السلطة ورفاق الحزب ووعاظ السالطين‪ .‬نهمتهم قلب الحقائق أو لبس الحق بالباطا‬
‫وهم يعلمو ؛ فإذا نطق القائد بتافه نن القول اعتبروها نن تحف الخلود‪ .‬وإذا ساءت ااوضاع‬
‫إلى الحد ااعظم وففوها بأنها طبيعة التقدم‪ .‬وإذا غصت الشوارع بالعاطلين عن العما قالوا‬

‫‪31‬‬
‫إنه االستعمار‪ .‬وإذا انهارت العملة الوطنية إلى عشر نعشارها قالوا كا العالم في نفس اازنة‪.‬‬
‫فهذه هي نهمة نثقف السلطة الذي يأكا نن نائدة السلطا وينشد الشعر في المناسبات البهية‪.‬‬
‫وأنا المثقف (المهاجر) فهو على نوعين فإنا هاجر إلى (الخارج) باتجاه الديموقراطيات الحرة‬
‫بإقانة وجنسية ولجوء سياسي‪ ،‬وإنا هاجر إلى (الداخا) باالنسحاب داخا شرنقة خافة تحفظ‬
‫عليه حياته وكرانته في ظروف جفاف فحراء الفكر العربية‪ .‬وهي حكمة تفعلها الكائنات‬
‫للبقاء‪.‬‬
‫ويبقى المثقف (الحقيقي) الذي يرسم نصيره فيقتا بطريقتين‪ :‬فإنا تمت تصفيته جسديا وإنا تم‬
‫اغتيال أفكاره اجتماعيا في لعبة (الصراع الفكري) كما شرحها (نالك بن نبي) في كتاب (شروط‬
‫النهضة)‪.‬‬
‫ونن نجا في الغابة العربية التي تسرح فيها الضواري نن رجال اانن وأزالم السلطة عاش نع‬
‫أغانيه نثا المجنو ‪ .‬وهذا يشكا استعصاء في حركة تقدم المجتمع ال بد نن كسره ولكن كيف؟‬
‫ويقوم اإلنسا في الوطن العربي أنام هذه االستحالة بثالث حركات‪ :‬فإنا انتحر بمسبحة‬
‫المتصوفة أو كهوف تورا بورا‪.‬‬
‫ونن ركب رأسه فعارك ااوضاع انتحر في سجن يضيع فيه أفضا سنوات عمره‪ .‬وهناك نن‬
‫ينتحر ليعيش في الماضي الزاهي بإطالق لحيته أو تقصير ثوبه ونعها تقصر نداركه عشر‬
‫نرات‪.‬‬
‫وهذه الظلمات في العالم يبدو أ حلها واحد نن أربع‪ :‬فإنا الحا العراقي أي االجتياح الخارجي‬
‫بعد أ تجمد المجتمع في براد االستبداد‪ .‬وإنا االنفجار بحرب أهلية ندنرة‪ .‬وهي وففة خالص‬
‫دخلتها الكثير نن اانم‪ .‬وإنا ولدت نفس عظيمة فولدت اانة نن جديد‪ ،‬وإنا دخا المجتمع‬
‫نرحلة تحنط تقصر أو تطول وهي عالنة نوت اانم في التاريخ‪ .‬ولكا أنة أجا فإذا جاء أجلهم‬
‫ال يستأخرو عنه ساعة وال يستقدنو ‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫فلسفات شتى‬
‫في ميادين شتى‬

‫‪33‬‬
‫في فلسفة الموت !!‬
‫في ‪ 7‬سبتمبر يوم ااربعاء فباحا ً كانت زوجتي ليلى سعيد داعية الالعنف على نوعد نع نلك‬
‫الموت بدو إذ وزيارة وتخطيط وإعالم‪ .‬لم تكن تشكو نن شيء‪ .‬كانت تمشي يونيا أكثر نن‬
‫ساعة نثا الغزال الرشيق‪ .‬في قمة اللياقة البدنية والعقلية واستيعاب الفكر العالمي والعطاء‬
‫ااخالقي والفكري‪ ،‬جسمها بديع‪ ،‬وجمالها قوقازي باهر‪ ،‬وخلقها رفيع‪ ،‬وعطاءها بغير حساب‪،‬‬
‫تخدم كا نن حولها‪ ،‬وال تطلب نن أحد خدنة‪ .‬شخصيتها طاغية‪ ،‬تذكرني بقصة (قرة عين)‬
‫التي وففها علي الوردي أنها كانت تجمع أربع خصال لو كانت واحدة في بنات جنسها لكفى‪:‬‬
‫الفصاحة والخطابة‪ ،‬والجمال الباهر‪ ،‬والشخصية الكارزيمائية‪ ،‬والذكاء الالنع والثقافة‬
‫العالمية‪.‬‬
‫كا هذا كا في ليلى سعيد وأكثر‪.‬‬
‫كانت نسخة أنثوية عن داعية السالم جودت سعيد‪.‬‬
‫سقطت إلى اارض فجأة فلم تنهض إال إلى فراش الموت‪ ،‬ونضت خفيفة كما كانت خفيفة في‬
‫كا حياتها‪ ،‬ولكن الفراغ الساحق الذي تركته خلفها كا لنا ثقبا ً أسودا ً يشفطنا إلى وادي‬
‫الدنوع وااحزا ‪.‬‬
‫كانت فدنة الموت نروعة‪ ،‬وفجأة اكتشفنا هوة غير نتوقعة بين أقداننا تهددنا كا حين‪،‬‬
‫واكتشفنا كم الحياة هشة ضعيفة وقصيرة‪ ..‬اول نرة أحسسنا على نحو جدي بانعدام اانن‬
‫على اارض وأ اآلخرة خير وأبقى يدخلها المؤننو بسالم‪ ....‬فال سالم وال خلود وال راحة إال‬
‫هناك‪..‬‬
‫وهنا اكتشفنا القرآ نن جديد فكا نظاهر الطبيعة وكا قصص اانبياء وأقوانهم والصراعات‬
‫التاريخية كلها كانت تحوم وتخلص وتنتهي بفكرة العودة والخلود ال ريب فيها ‪ ..‬كذلك النشور‬
‫‪ ..‬كذلك تخرجو ‪ ..‬كذلك تبعثو ‪..‬‬
‫في الواقع لم يبدأ القرآ في بث أفكاره إال بعد تخليص الضمير وتصفيته نن قضية الموت قبا‬
‫أ يبدأ رحلة الحياة‪..‬‬
‫والحز يأتي نن المساحة التي يحتلها العزيز‪ ،‬فقد ال يحز اإلنسا على أنه التي ولدته‪ ،‬كما‬
‫يحصا في نوت فديق عزيز غالي على النفس‪ ..‬فالعالقة الثقافية هي التي تحدد كثافة الحز‬
‫وعمقه وحدته‪..‬‬
‫والموت يبقى نسألة ثقافية عاطفية‪ ،‬ويبرز الموت كجدار غير قابا للخرق ‪ ..‬غير قابا‬
‫للتفسير‪ ...‬ويأتي الدين فيعطي العزاء والجواب النهائي المحدد‪ ،‬أنا الفلسفة فتسبح في‬
‫الشكوك‪ ،‬أنا العلم فال يملك الجواب أفال عن هذه الظاهرة المدنرة والنكبة الماحقة‪..‬‬
‫هنا فهمنا لماذا حافظ الصحابة على جثة النبي ثالثة أيام بدو دفن‪ ،‬نع أ نسألة الخالفة‬
‫السياسية كانت قد حسمت؛ فلم يستوعب أفحابه أ هذا الرجا النبيا العظيم الذي عاش للفكر‪،‬‬
‫وأشاع السالم‪ ،‬وعمم وربى على الخلق العالي‪ ،‬والفضيلة بدو حدود‪ ،‬وأعطى نعنى للحياة‬
‫لمن حوله‪ ،‬كيف ينتهي هكذا في قمة اللياقة البدينة والعطاء في عمر ‪ 63‬سنة‪ ،‬وهي نفس‬
‫السن الذي ناتت فيه ليلى سعيد‪ ..‬ونفس الشيء حصا لمدام كوري حين دهست عربة طائشة‬
‫زوجها بيير فوضعته لثالث أيام تنظر إليه وهي ال تكاد تصدق حتى دفنته في التراب وغرقت‬
‫هي في بحر نن الدنوع‪ ..‬وأردت أ أفعا نفس الشيء نع ليلى فأضعها أناني اايام ذوات‬
‫العدد حتى أستوعب ‪ ..‬حتى أفدق‪ ...‬ولكن حيا بيننا وبين نا أردنا؛ فالموت في كندا تتلقفه‬
‫أيادي المؤسسات‪ ،‬ثم تغسا الجثة بيدي الجاهالت‪ ،‬ثم تدفن في حراسة نتشددين غالظ ربما لم‬
‫يكتشفوا كوكب الحب بعد‪ ،‬ولم يمارسوه‪ ،‬ولم يطأوا عتبة نعبد الحب بعد ولم يصلوا فيه‬
‫ويخشعوا‪ ،‬وقد أفلح المؤننو الذين هم في فالتهم خاشعو ‪ ،‬ربما لم يذوقوا نعنى الرحمة‬

‫‪34‬‬
‫التي بشر بها رسول الرحمة‪ .‬وأنا أعذرهم كما جاء في قصة رسا أثينا إلى نلك الفرس حين‬
‫طلبوا ننهما أ يكونا عبيدا للمولى الفارسي فقالوا لهم نشكلتكم أنكم لم تذوقوا الحرية بعد ولو‬
‫ذقتم لعرفتم وقاتلتم عنها بأظافركم وأسنانكم‪ .‬إ هذا المعنى الذي تقشعر ننه جلود الذين‬
‫يخشو ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم لذكر هللا هو الذي كا الصوفيو يقولو عنه نن لم‬
‫يذق لم يعرف‪ .‬فالحب والحرية وفيض السعادة نعاني تتدفق اناس جاهدوا في هللا حق جهاده‪.‬‬
‫نوجة اافولية التي زحفت إلى أرض الحريات والضمانات في كندا شوهت نعاني اإلنسانية‬
‫وننها عبادة الطقوس حين ننعت بناتها نن المشاركة في دفنها‪ ،‬بدعوى نن أحاديث نا نزل هللا‬
‫بها نن سلطا ‪ ،‬نن ثقافة نشبوهة كتبت في ظروف نشبوهة‪..‬‬
‫وعندها استوعبت لماذا لقن اانام ابن حنبا ابنه خمسة آالف حديث ليقول في النهاية إنها كلها‬
‫كذب في كذب نن فندوق باندورا للشرور ‪..‬‬
‫لماذا يا أبت؟؟ لماذا كا هذا التعب في الحفظ؟؟ فيجيب اانام حتى تعرف فور نطالعة الحديث‬
‫أنه نن نستودع الشيطا ‪..‬‬
‫إنها نحنة ثقافة نزورة كما يقول النيهوم‪ ..‬في فلوات جمعة نصادرة بيدي وعاظ السالطين‬
‫والمتشديين الذين يدعو بالهالك والثبور على تسعة أعشار الجنس البشري أو جماعة‬
‫النائمين في استراحة فقهاء المماليك أيام سعيد جقمق نن المماليك البرجية ‪...‬‬
‫لقد سحقت قلوبنا سحقا‪ ،‬واعتصرت في فدورنا عصرا‪ ،‬وانكيت كيا بنار الحب والفقدا ‪ ..‬وهذا‬
‫نا ذكرني بصدنة سابقة ليست في شدة الحالية‪ ،‬حينما نات فديقي أبو طه الذي نات أنام‬
‫عيني قرب فيال الجوال التي بنيتها وطلبت استشارته نع قوم نتخلفين في البناء وااداء وكثرة‬
‫الطلب‪ ،‬نما حرك عندي القلم فكانت دنوعي ندادا أسودا‪ ،‬وأفكارها نمزوجة بزفرات الحز‬
‫وآهات التوجع‪ ،‬وأقالنها شظايا نن الذكريات ‪..‬‬
‫عندنا زارني فديقي الوفي ( أبو طه ) كا يمشي بعزم ‪ ،‬ويتكلم بقوة ‪ ،‬يشع بالحيوية ‪،‬‬
‫ويفيض بالكلمة والنكتة والتعليق والنقاش ‪ ،‬كا عالما ً كانالً قائما ً بذاته ‪ ،‬ولم يخطر في بالي‬
‫أنه خالل ساعات سينهار بشكا كانا ‪ ،‬فيستسلم الى اارض ‪ ،‬وينطفيء حديثه العذب وتتوقف‬
‫إشاراته المفعمة بالقوة ‪ ،‬ويغيب عالمه بالكانا ‪ ،‬فيتحول الى قميص تتلقفه يد الثرى ‪ .‬وتذكرت‬
‫شعر أبي العتاهية ‪:‬‬
‫دب السقام في سفال وعلوا وأراني أنوت عضوا فعضللللوا‬
‫في جزوا‬‫بمرها َّ‬
‫صتني ّ‬ ‫ليس تمضي نن لحظة بي اال نق َّ‬
‫كا أشد ناأحزنني أنه جاء الي بقدنيه وقلبه يخفق ‪ ،‬وحملته جثة الى أهله في فندوق ‪،‬‬
‫يشيعه قلبي المحطم وعقلي المذهول ودنوعي ‪.‬‬
‫أين ذهب ؟ أين هو اآل ؟ أين اختفى عالمه بالكانا ؟ كنت خالل الطريق أرقب فندوقه الذي‬
‫يحما جثمانه الغالي وأنا بين الحلم والحقيقة ‪ ،‬فالموت هي تلك الظاهرة التي تسبح بين اليقين‬
‫والاليقين ‪ ،‬ففيها اليقين نن النهاية الحدية ‪ ،‬التي تسلم االنسا الى عالم الالنهاية واابدية‬
‫والالعودة ‪ ،‬وفيها الاليقين نن عدم إنكانية تصديق انهيار عالم بالكانا ‪ ،‬بشكا نطلق ونهائي‬
‫وفجائي الى الصفر !!‬
‫ً‬
‫كا يخيا الي أحيانا أنه سيقوم نن الصندوق الخشبي ويرفع عنه ااغطية المغلفة لبدنه ‪،‬‬
‫ويجلس ‪ ،‬ثم ينظر إلينا نرتاعا ً نستغربا ً كيف حصا أ وضع هذه الوضعة غير الالئقة ‪،‬‬
‫فمكانه كرسي داخا السيارة ‪ ،‬وننانه فراش وثير وليس كفن وتراب ‪ ،‬وطعانه هنيء ‪ ،‬وحياته‬
‫حافلة باللذات والراحة ‪ .‬وفجأة انحدر الى الوحدة والوحشة والغربة والبعد السحيق ‪ .‬لن ينام‬
‫بعد هذه الليلة في فراشه ‪ ،‬لن يرى عائلته قط ‪ ،‬لن يرجع الى روتين حياته السابق ‪ ،‬انطفأ‬
‫الشعور وغاب االحساس وودع كا شيء على االطالق في رحلة الرجعة ننها ‪.‬‬
‫حسن في التراب رقيق‬ ‫ٍ‬ ‫أال رب وج ٍه في التراب عتيق ويارب‬
‫ويارب رأي في التراب ونجدة ويارب رأي في التراب وثيق‬
‫فقا لقريب الدار إنك راح ٌا الى ننز ٍل ناء المحا سحيق‬

‫‪35‬‬
‫ونا الناس اال هالك وابن هالك وذو نسب في الهالكين عريق‬
‫إذا انتحن الدنيا لبيب تكشفت له عن عدو في ثياب فديق‬
‫ياالهي ناهذا الموت الذي كتبته علينا ‪ ،‬أي جبروت فيه وقهر ( وهو القاهر فوق عباده‬
‫ويرسا عليكم حفظة حتى إذا جاء أحكم الموت توفته رسلنا وهم اليفرطو ) ‪.‬‬
‫عندنا انتابني هذا الشعور ال أدري ناالذي حرك في ذهني فكرة بعث الموتى على يد المسيح‬
‫عليه السالم ‪ ،‬وعندها بكيت وأدركت أ فاحبي قد شبع نوتا ً ‪ ،‬وجثته تمشي في طريق التعفن‬
‫والتحلا والتفسخ ‪ ،‬وسوف يهرب ننه أقرب الناس إليه ‪ ،‬ويبقى التراب أفضا ستر ‪ ،‬وسالت‬
‫دنوعي نجددا ً ‪ ،‬فموعدي نعه هو في اآلخرة فقط ‪.‬‬
‫بكيت في الواقع على نفسي ‪ ،‬فعمره نن عمري وهو نن جيلي وعافر نفس ااحداث التي‬
‫عشتها ‪ ،‬أنا هو فقد انتهى حظه ننها ‪ ،‬وطوي نلفه نن سجا ااحياء ‪ ،‬وأنا أنا فسألحقه ولو‬
‫بعد حين ‪.‬‬
‫إدراك الموت ووعيه الحاد‬
‫إ فلسفة إدراك الموت ووعيه الحاد تولدت في الشعور االنساني نن نعافرة ونعاينة فقد‬
‫الصديق والحبيب ‪ .‬عندنا دخلنا ندينته تعجبت نن سهر قوم حتى الصباح الباكر في غاية‬
‫السرور والفرح ‪ .‬كا عرسا ً حافالً ‪ .‬قلت في نفسي عجبا ً لهذه االضداد ‪ .‬وتذكرت اآلية ( وأنه‬
‫أضحك وأبكى )(‪ )1‬ثم تداركت ‪ :‬كا نن في هذا االحتفال لهم نوعد نثا نوعد ( أبو طه )‬
‫فديقي الوفي ‪ ،‬فكما تمتع وتزوج وعاش وكا على نوعد نع الموت ‪ ،‬كذلك كا نن يدب على‬
‫ظهر هذه البسيطة نن ااحياء هم في حكم الزوال والوجود المؤقت والمعار ‪.‬‬
‫بدأت أنظر الى المارة والناس بغير العين السابقة وأخاطب نفسي ‪ :‬كلكم أشباح تنتظرو‬
‫الموت ‪ .‬اسعوا ناتسعو وافرحوا ناشئتم ففي النهاية سيكو ظا الموت الباكي هو الذي‬
‫سيغلفكم ولو بعد حين ‪ .‬إ كا لحظة لنا هي توديع للحياة باتجاه نقطة الموت التي نقترب‬
‫ننها ‪ .‬إننا نكبر نع كا لحظة ونقترب نن الموت لحظة نقابلة فنصغر بنسبتها ‪.‬‬
‫قانو التغير يمثا الحقيقة ااولى في الوجود‬
‫إ الحقيقة ااولى في الوجود كما قال حكيم نن الشرق ‪ ،‬هي قانو التغير وعدم الدوام‬
‫والزوال ‪ .‬إ كا شيء في الوجود نن حيوا الخلد الى الجبا ‪ ،‬ونن الفكرة الى االنبراطورية ‪،‬‬
‫يمر خالل دورة الوجود ذاتها ‪ ،‬أعني النمو واالنحالل ثم الموت ‪ .‬والحياة وحدها هي الشيء‬
‫المستمر ‪ ،‬وهي دائما ً تسعى الى االفصاح عن نفسها في فور جديدة ‪ .‬والحياة جسر ‪ .‬ونن ثم‬
‫فال تبنى البيوت فوق الجسور ‪ ،‬والحياة عملية نن عمليات التدفق والجريا ‪ ،‬فمن يتعلق بأية‬
‫فورة نن الصور نهما تكن جمال هذه الصورة فسوف يقاسي ‪ ،‬نتيجةً لمقاونته لهذا التدفق‬
‫والجريا ‪ ،‬والحياة واحدة غير ننقسمة وإ كانت أشكالها المتغيرة على الدوام الحصر لها‬
‫وهي قابلة للفناء ‪ .‬وليس هناك في الحقيقة نوت وإ كا الموت نصير كا فورة نن الصور‬
‫الحياة ‪ .‬إ الرحمة وليدة إدراك وحدة الحياة وفهمها ‪ .‬وقد وففت الرحمة بأنها قانو القوانين‬
‫‪ ،‬وأنها التناسق اابدي ‪ ،‬وأ الذي يشذ عن هذا التناسق سوف يصيبه االم والمكابدة ‪ ،‬كما أنه‬
‫يؤخر نن تنويره وتثقيفه (‪. )2‬‬
‫لحظة الوداع ااخيرة‬
‫وخالل ساعات كا فديقي وأخي يصلى عليه ثم نودعه الى التراب !! لم يكن نابين حديثه‬
‫العذب واستسالنه الكانا للحفرة وحيدا ً فريدا ً يذوب عضوا ً فعضوا ‪ ،‬فديقه التراب والدود‬
‫والتفسخ الكانا أكثر نن ساعات قليلة ‪ .‬وقفت نذهوالً أنام جبروت الموت وضغطه الساحق ‪.‬‬
‫وعندنا دخلنا المقبرة كا السكو والسالم يطوق عالما ً جديدا ً ‪ ،‬قلما ننتبه اليه ‪ ،‬حيث تناثرت‬
‫القبور ‪ ،‬وبرزت بعض الحجارة تحما رنوز أفحابها ‪ ،‬كانوا نثلنا تمانا وعاشوا بكا زخم‬
‫الحياة ‪ .‬نحن اآل في إذا ً في عالم اانوات ودنيا المغيبين ‪ .‬كانت فوهات قبور جديدة جائعة‬
‫تطا نن بطن اارض ؛ فاغرة فاهها الى نجهول قادم تستعد اللتهانه ‪ .‬تعجبت وسألت لماذا ؟‬
‫أجاب حفاَّر القبور ‪ :‬السيا قادم نن طوابير الموتى ويجب أ نستعد الستقبال زبائن العالم‬

‫‪36‬‬
‫اآلخر !! وتذكرت سنوات نضت حينما نات فديقي الشاب في الدنام بعاففة نروعة نن‬
‫نرض عضال أفترسه في أقا نن شهر ‪ ،‬عندنا زرت قبره بعد حين كانت الساحة نفروشة‬
‫بأعداد جديدة التحصى نن زوار العالم اآلخر ‪ .‬نشينا نسافة طويلة وبصعوبة اهتدينا الى نكانه‬
‫‪ .‬كا قد دخا في عالم النسيا واالهمال ‪ .‬وال أشيء أدعى الى الحز نن النسيا ‪ .‬حتى‬
‫اابناء اليزورو قبور آبائهم اال في المناسبات ‪ .‬وبقيت أناكنهم فقط في الذاكرة فقط ‪ .‬في‬
‫بلدتي التي نشأت فيها تناثرت دنوعي في المقبرة وأنا أقرأ جملة احدى قريباتي ‪ .‬كانت في‬
‫غاية الحيوية والجمال والنشاط ففارقت الحياة على نوعد نبكر ‪ .‬كانت الفقرة تقول أعرف أ‬
‫المكا اليدعوك واليشجعك للوقوف الطويا ‪ ،‬كا نا أرجوه ننك أ تقف لحظات وتتذكرني أنني‬
‫كنت نن عالم ااحياء نثلك ‪.‬‬
‫شوي‬
‫َّ‬ ‫إلي قف عند قبري‬ ‫أيها الزائر َّ‬
‫إلي‬ ‫واقرأ السبع المثاني رحمة ننك َّ‬
‫حي‬ ‫َّ‬ ‫في زنا كنت نثلك أقرأ القرآ‬
‫عن قريب تبقى نثلي ليس بعد هللا حي‬
‫نحن نودع الجثث التراب ثم ننصرف ‪ ،‬وعندنا تحركت في المكا كانت قدني تطأ بقايا‬
‫البشر نن أنثالنا في اعداد التحصى ‪ .‬تذكرت‬
‫رثاء أبي العالء المعري لصاحبه أبي حمزة ‪:‬‬
‫غير نجد في نلتي واعتقادي نوح باك والترنم شللللللللللللاد‬
‫وشبيه فوت النعي إذا قيس بصوت البشير في كا نلاد‬
‫أبكت تلكم الحمانة أم غنلللت على فرع غصنها الميللللللللللاد‬
‫فاح هذي قبورنا تمأل الرحب فأين القبور نن عهد علاد‬
‫خفف الوطء ناأظن أديم اا رض إال نن هذه ااجلللساد‬
‫وقبيح بنا وإ قدم العللللهد هوا اآلباء وااجلللللللللللللللداد‬
‫سر ا اسطعت في الهواء رويدا ال اختياال على رفات العبللاد‬
‫رب لح ٍد قد فار لحدا نرارا ضاحكٌ نن تزاحم االضللللداد‬ ‫َّ‬
‫في طويا اازنا واآلبللللللللاد‬ ‫ودفين على بقايا دفيللللللللللن‬
‫إ حزنا ً في ساعة المللللللللوت أضعاف سرور في ساعة الميالد‬
‫ولكن دنوع الدنيا كلها لو تدفقت فتحولت الى أنهار ؛ لن تعيد الحياة لميت واحد ( أنواتٌ‬
‫غير أحياء ونايشعرو أيا يبعثو )(‪. )3‬‬
‫الدهشة والغرابة في ظاهرة الموت ( الفردية ل الديموقراطية )‪:‬‬
‫يحما الموت نزيجا ً ندهشا ً نن الغرابة والتناقض والعجائبية ‪ .‬في الموت تبرز الشخصانية‬
‫والفردية ‪ .‬فالموت فردي ‪ ،‬فاليوجد نوت بالوكالة والنيابة ‪ .‬ويعاني الموت كا انسا على حدة‬
‫‪ .‬ويدخا نحنة الفناء نندثرا ً وحيدا اليشاركه فيها أحب الناس إليه حتى ولو حاولت‬
‫الزوجة حرق نفسها او دفن نفسها نعه ‪ .‬فالموت ذو اتجاه واحد فالرجعة ننه وال نخبر‬
‫بماحدث ‪:‬‬
‫تفانوا جميعا فال نخبلللللر وناتوا جميعا وهذا الخبلللللللر‬‫ً‬
‫تروح وتغدو بنات الثرى وتمحو نحاسن تلك الصللللور‬
‫فياسائلي عن أناس نضوا أليس لك فيمن نضى نعتبر‬
‫فهو باب يفتح فيمتص ويشفط الكائن نثا الثقب ااسود باتجاهه ( فاليستطيعو توفية وال‬
‫الى أهلهم يرجعو )(‪. )4‬‬
‫وأعظم ديموقراطية تتحقق على وجه هذه اارض هي ديموقراطية الموت ‪ ،‬حيث تذوب‬
‫الفروق تمانا ً ‪ ،‬فالموت اليحابي واليرتشي واليشفع واليفرق بين الجنسين ‪ ،‬فهو ديموقرطي‬
‫فارم الى أبعد الحدود ‪ .‬وعندنا ترتفع ااضرحة والنصب والتماثيا لشخص نا فإ هذا اليغير‬

‫‪37‬‬
‫في واقعه ‪ ،‬أنه يعاني ويذوب ويتفسخ ويتحلا نثا أي فعلوك آخر ‪ ،‬ونن هنا تسطع حقيقة‬
‫إيجابية رائعة للموت ‪ ،‬فمع نوت الجبارين تتنفس اارض وترتاح ‪:‬‬
‫باتوا على قلا ااجبال تحرسهم غلب الرجال فما أغنتهم القلا‬
‫واستنزلوا بعد عز عن نعاقلهم فأودعوا حفرا يابئسما نزللللللوا‬
‫ناداهم فارخ بعدنا قبلللللللللروا أين ااسرة والتيجا والحللللللللا‬
‫أين الوجوه التي كانت ننعللمةً نن دونها تضرب ااستار والكلا‬
‫فأفصح القبر عنهم حين سائلهم تلك الوجوه عليها الدود يقتلتا(‪)5‬‬
‫ونع نوت الصالحين تبكي اارض والسماء عليهم ‪ .‬جاء في الحديث الصحيح ( نستري ٌح‬
‫ح ننه ‪ .‬قالوا يارسول هللا ناالمستريح ونا المستراح ننه ؟ قال العبد المؤنن يستريح‬ ‫ونسترا ٌ‬
‫نن نصب الدنيا وأذاها الى رحمة هللا عز وجا ‪ .‬والعبد الفاجر يستريح ننه العباد والبالد‬
‫والشجر والدواب )(‪)6‬‬
‫الموت ‪ :‬السر ااكبر في الحياة‬
‫الحديث عن الموت نزعج وكريه وحافا بالتناقضات ‪ ،‬ولكنه نع كا دافع الهرب ننه في‬
‫قدر نطوق لكا البشر ‪ ،‬با لكا أنواع الحياة ‪ ،‬فأوراق الشجر تتهاوى ‪،‬‬ ‫الشعور أو التفكير ؛ ٌ‬
‫والنبات يذبا ‪ ،‬والعشب يجف ‪ ،‬والطير والحيوا يضمر ويستسلم ‪ ،‬واالنسا ينهار في لحظة‬
‫واحدة الى الصفر ‪ ،‬في ظا نأسا ٍة نروعة ‪ ،‬يقف فيها المرء نذهوالً نندهشا ً نحتارا ً في‬
‫التفسير ‪ ،‬التصدق عيناه أ هذا االنسا المليء بالحيوية والنشاط ‪ ،‬الذي يضج بالتعبير‬
‫واافكار ‪ ،‬المشحو باآلنال والرغبات وااهداف والبرانج والعما ‪ ،‬الذي يشع باالنس‬
‫والوجود ؛ قد تم اجتياحه وبشكا كانا ونطلق ‪ ،‬يطوقه جبروت السلبية الكانا ‪ ،‬وظا الفناء ‪،‬‬
‫وعالم االندثار والتحلا والتعفن ‪ ،‬ليرجع الى العدم نن حيث خرج ننه ‪.‬‬
‫نحن نأتي الى الحياة بغير رغبة وإرادة ووعي ننا ‪ ،‬نن عمق الظالم ونن حيث الندري نن‬
‫العدم ‪ ،‬كذلك نودع الحياة بغير رغبة ننا ولكن تحت ننظر الوعي الكانا ‪ ،‬المفعم بالمعاناة‬
‫واالم ‪ ،‬على ااقا لمن حول االنسا نمن يحبه ‪ ،‬لنرجع الى جوف العدم الذي سحبنا ننه ‪.‬‬

‫أسئلة نحيرة في نعنى الموت وجدلية الموت والحياة ‪:‬‬


‫إ الفلسفة تجنبت الحديث عن الموت ‪ ،‬وفضلت الحديث عن الحياة ‪ ،‬فالحياة وجود وحضور‬
‫‪ ،‬وينفع فيها التأنا والكالم ‪ ،‬والموت عدم ‪ ،‬والعدم ليس فيه فضاء للكالم ‪ ،‬فالعدم يعني العدم‬
‫والسلبية الكانلتين الأكثر وال أقا ؛ ولكن ضغط الموت الساحق ‪ ،‬واالنهيار المريع للوجود‬
‫االنساني المطلق ؛ يولد في الواقع كا الفلسفة ‪.‬‬
‫فمانعنى الموت ؟؟ ولماذا كا الموت ؟؟ ولماذا نخاف نن الموت ؟؟ وناذا خلف الموت ؟؟‬
‫ونتى تولد وعي الموت عند االنسا ؟؟ با لماذا جئنا باافا نن العدم ‪ ،‬ليدفع بنا الموت في‬
‫النهاية الى عالم اابدية والالنهاية ؟؟ فالذي يموت لن نراه نطلقا ً ‪ ،‬فهو ليس نسافرا ً سيعود ‪،‬‬
‫والغائبا ً فيظهر ‪ ،‬كا ناتبقى ننه ذكرياته وبقايا فوره المادية الميتة !! كيف نفهم جدلية‬
‫الموت والحياة ؟؟ وها أفا الوجود يقوم على الموت أو الحياة ؟؟ وكيف نرى فورة الموت‬
‫في الحياة ‪ ،‬والحياة في الموت ؟؟ وكيف يتجلى التناقض المدهش والمحير بين سحق الطبيعة‬
‫للفرد ‪ ،‬بدو أي رحمة وبين المحافظة على النوع االنساني بكا إفرار ‪ ،‬على حد تعبير‬
‫الفيلسوف شوبنهاور ( ‪) SCHOEPPENHAUER‬؟؟ وتدخا الغريزة الجنسية في هذه‬
‫اللعبة كأداة نسخرة ‪ ،‬تضحك فيها الطبيعة على االنسا ‪ ،‬بإغراءٍ نلّح اليعرف التوقف ‪ ،‬نن‬
‫أجا المحافظة على دفعات االنجاب ؛ فمع ظالل الموت الكئيبة ‪ ،‬تنكفيء النفس الى الخلف‬
‫والسلبية ‪ ،‬وتزول البهجة وتتوقف دوافع الحياة اافلية ‪ ،‬وتستسلم النفس الى كا نشاعر‬
‫االحباط والقنوط والشعور بعبثية الحياة ‪.‬‬
‫الفلسفة الوجودية والعبثية ‪:‬‬

‫‪38‬‬
‫إ الفلسفة الوجودية رأت في الموت عبثية الحياة ‪ ،‬فما فائدة كا زخم الحياة ‪ ،‬وروعة‬
‫عبقرية االنسا المتألقة ؛ إذا كانت نهايته كعشب جاف وحيوا أعجم ؟! ويبقى كا تأنا في‬
‫ظاهرة الموت حسير عاجز ‪ ،‬فهناك شيئا اليمكن التحديق فيهما الشمس والموت ‪.‬‬
‫لقد عبر الفيلسوف البريطاني برتراند راسا عن هذا الشعور بكلمات نغموسة باالم‬
‫والقنوط فقال ‪ (( :‬وا تعجز أي حماسة نشبوبة أو بطولة أو أي حدة في التفكير أو الشعور‬
‫عن االبقاء على حياة فرد واحد فيما وراء القبر ‪ ،‬وا يكو االندثار هو المصير المحتوم لكا‬
‫عناء ااجيال ولكا التفاني ولكا عبقرية االنسا المتألقة تألق الشمس في رابعة النهار ‪ ،‬كا‬
‫هذه اانور إ لم تكن حقا ً غير قابلة للجدل فإنها نع ذلك تقترب نن اليقين الى حد يستحيا‬
‫نعه على أي فلسفة ترفضه أ يكتب لها البقاء ‪ ،‬وعلى ذلك اليمكن بناء نوطن الروح بأنا اال‬
‫في إطار هذه الحقائق وعلى أساس راسخ نن القنوط المقيم ))(‪)7‬‬
‫أسباب الخوف نن الموت ؟‬
‫ولكن لماذا يخاف االنسا نن الموت ؟ ها هذا اانر طبيعي هناك نايبرره ؟ لقد انكب علم‬
‫النفس على هذه الظاهرة فحصرها في أربع نخاوف رئيسية ‪ ،‬وأنكن استخراج أربعة أبعاد‬
‫نستقلة لقلق الموت هي ‪ _ 1 :‬الخوف نن المجهول ‪ _ 2‬الخوف نن المعاناة ‪ _ 3‬الخوف نن‬
‫الوحدة ‪ _ 4‬الخوف نن التالشي الشخصي ‪ ،‬واختصر هذه المخاوف الفيلسوف االسالني ابن‬
‫نسكويه في كتابه تهذيب ااعراق وتطهير ااخالق في فقرة نتألقة على النحو التالي ‪:‬‬
‫خالفة نخاوف الموت عند ابن نسكويه ‪:‬‬
‫يعد الموت أعظم غموض وأكبر سر يواجه االنسا ‪ ،‬وبديهي أ يصاب االنسا حياله‬
‫بضرب خفي نن القلق الممض الذي الحا له ؛ فذكر الفيلسوف ( ابن نسكويه ) ‪ (( :‬أ الخوف‬
‫نن الموت ليس يعرض اال لمن اليدري ناالموت على الحقيقة ؟ أو انه يظن أ بدنه إذا انحا‬
‫وبطا تركيبه فقد انحلت ذاته وبطلت نفسه ‪ ،‬بطال عدم ودثور ‪ ،‬وأ العالم سيبقى نوجودا ً‬
‫وليس هو بموجود فيه ‪ ،‬أو انه يظن أ للموت ألما ً عظيما ً غير ألم اانراض التي ربما تقدنته‬
‫وأدت إليه وكانت سبب حلوله ‪ ،‬وانه يعتقد عقوبة تحا به بعد الموت ‪ ،‬أو انه نتحير اليدري‬
‫على أي شيء يقدم بعد الموت ‪ ،‬أو انه يأسف على نايخلفه نن المال والقنيات ‪ :‬وهذه كلها‬
‫ظنو باطلة الحقيقة لها ‪ .‬أنا نن جها الموت ولم يدر ناهو على الحقيقة ؛ فإنا نبين له أ‬
‫الموت ليس بشيء أكثر نن ترك النفس استعمال آالتها وهي ااعضاء التي يسمى نجموعها‬
‫بدنا ً ‪ ،‬كما يترك الصانع استعمال آالته ‪ ،‬وأ النفس جوهر جسماني وليست عرضا ً ‪ ،‬وأنها غير‬
‫قابلة للفساد ))(‪)8‬‬
‫حديث نوسى نع نلك الموت ‪:‬‬
‫كراهية الموت هذه وعدم الترحيب بها وفلت الى درجة أ نبي هللا نوسى لم يرحب بملك‬
‫الموت ‪ ،‬با وجه إليه ففعة أطارت عينه ‪ ،‬نما جعا نلك الموت يرجع الى ربه ليقول ‪ :‬أي رب‬
‫أرسلتني الى عبد اليريد الموت !! حسنا ً ناذا يريد إذا ً ؟ إذا كا يريد المزيد نن فسحة العمر‬
‫فالباس ولكن ليس للخلود في هذه الدنيا ‪ ،‬فهذه الحياة نركبة على أساس الزوال والتغير‬
‫والتحلا والفساد ‪ :‬إرجع اليه فقا له ليضع يده على نتن ثور فله بكا شعرة سنة ؟!! كا جواب‬
‫نوسى ‪ :‬ثم نه ؟ أي ثم ناذا ؟ أي ناالذي سيعقب رحلة العمر الطويلة الجديدة ها تحما الخلود‬
‫في تضاعيفها ؟ أم في النهاية الموت واالندثار؟ كا جواب الملك واضحا ً فاعقا ًً ‪ :‬ثم الموت‬
‫!! فهو الجبروت الساحق الماحق !! قام نوسى بما قام به علماء النفس في تحليا النفس‬
‫االنسانية وكيف تمر بخمس نراحا في فراعها تجاه الموت قبا االستسالم إليه ‪ ،‬فاستسلم‬
‫فأجاب ‪ :‬فاآل !! (‪)9‬‬
‫آليات النفس الخفية في نواجهة قبضة الموت ‪:‬‬
‫بينت الباحثة ( اليزابيث كوبلر روس ) بدراسة نئات نن المرضى المسنين على فراش‬
‫الموت ‪ ،‬فالحظت انزالقهم النفسي تجاه حلقة الموت التي تحكم قبضتها عليهم بالتدريج ‪ ،‬في‬
‫خمس حقول نفسية ‪ ،‬تبدأ برفض االعتراف بالحقيقة المزلزلة أنه في اتجاهه الى الفناء النهائي‬

‫‪39‬‬
‫‪ ،‬وتالشي الشخصية وفساد البد ( االنكار والعزلة ) لتتطور بعد ذلك الى الغضب وعدم الشعور‬
‫بالعدالة ‪ ،‬فلماذا تم اختياره هو بالذات ؟ ( حالة الغضب والسخط ) فإذا تيقن أ الوزر ‪ ،‬بدأ‬
‫نرحلة المساونة عسى أ يتحرر نن القبضة الرهيبة للموت ( نرحلة المساونة ) لينهار بعدها‬
‫في اتجاه االكتئاب كمحاولة للتعبير عن الحزنة وااسى للنفس ( نرحلة االكتئاب ) ليختم النهاية‬
‫باالستسالم والقنوط وتنحية االنا ‪ ،‬عندنا يشعر أ الفائدة نن أي نقاونة ‪ ،‬فيتقبا حقيقة‬
‫الموت بشكا هاديء ‪ ،‬والتقبا الهاديء اليعني السعادة بالموت ‪ ،‬ولكنه يعني بكا بساطة أ‬
‫ت للراحة الدائمة (‪ )10‬ولكن في ظلمات االندثار يبرز الدين‬ ‫الفائدة نن المقاونة ‪ ،‬وأ الوقت آ ٍ‬
‫كأكبر عزاء ‪ ،‬وفي حديث نوسى عليه السالم انعتاق ضخم نن االكتئاب والتمرد والحز ‪،‬‬
‫واالستسالم بحب لالرادة االلهية تجاه هذا التحدي الكوني ‪ ،‬وتلمع أسماء فالسفة في هذا السجا‬
‫‪ ،‬على نفس االتجاه القرآني الذي يبني االيما على رفض القنوط وتنحية اليأس الوجودي (‬
‫ونن يقنط نن رحمة ربه اال الضالين )( إنه الييأس نن روح هللا اال القوم الكافرو )(‪)11‬‬
‫رأي الفيلسوف الرواقي ( ابكتيتوس )‬
‫ذهب ابكتيتوس الى أنه ليس هناك شر في الكو (( كما أ العالنة التقاوم لكي نضا‬
‫الطريق إليها ‪ ،‬فكذلك ليس هناك شيء شرير بذاته في العالم ‪ ..‬هات ناتشاء وسأحوله الى خير‬
‫‪ :‬المرض الموت العوز اللوم الكدح نن أجا الحياة وستتحول تلك اانور جميعا ً بأشارة نن‬
‫عصا هرنز الى نزايا (‪ )12‬ناالذي ستصنع نن الموت ؟ أي شيء غير حلية تزدا بها ‪ ،‬أي‬
‫شيء غير إظهارك نن خالل الفعا الذي يتبع إرادة الطبيعة ‪ .‬إ االشياء كافة تخدم قانو الكو‬
‫وتذعن له ‪ ،‬وجسمنا بالمثا يذعن كذلك للقانو نفسه في حاالت المرض والعافية والشباب‬
‫والشيخوخة ‪ ،‬وفي غمار نروره بكا التغيرات ااخرى المعلنة ‪ ،‬ونن ثم فإنه نن المعقول اال‬
‫يكو نايعتمد على ذواتنا ‪ ،‬أي فهمنا الخاص هو المتمرد الوحيد ‪ ،‬ذلك أ الكو قوي ونتميز‬
‫ويقدم لنا اافضا نن خالل حكمه لنا في اتحاد نع الكا ‪ ،‬أضف الى ذلك أ المعارضة فضالً عن‬
‫كونها غير نعقولة والتقدم شيئا ً اال فراعا ً الطائا وراءه تلقي بنا في غمار االم والحز ) ‪.‬‬
‫ويجعا ابكتيتوس المسألة ليست في تحقيق الالنباالة با توليد روح الهدوء والسكينة‬
‫الداخليتين ( ويمكن تحقيق هذا الهدوء وتلك السكينة نن خالل االستخدام الصحيح لالنطباعات‬
‫‪ ،‬اانر الذي يتضمن تمييزا ً دقيقا ً بين اانور الواقعة في نطاق قدرتنا وتلك التي التقع في هذا‬
‫النطاق ‪ ،‬وتلك نهمة الفلسفة التي تغدو نجردة نن القيمة إذا ناكانت تأنالً نظريا ً نحضا ً ‪ ،‬ننبت‬
‫الصلة وغير قابا للتطبيق على شؤو الحياة )(‪ . )13‬ويبدو أ خوف االنسا نن الموت هو‬
‫أشد نن ظاهرة الموت بحد ذاتها حسب ابكتيتوس ( ليس الموت شيئا ً نفزعا ً واال لبدا كذلك‬
‫لسقراط ‪ ،‬لكن الفزع يكمن في نفهوننا عن الموت ‪ ،‬أي أ هذا المفهوم هو المفزع ‪ ،‬فليس‬
‫الموت أو االم هو الشيء المخيف وإنما خشية االم أو الموت ) ولكن ها يجدي الفرار نن‬
‫الموت شيئا ً ( أسألكم أين يمكنني الهرب نن الموت ؟ حددوا لي المكا ؟ أشيروا الى الناس‬
‫الذين يتعين أ أنضي بينهم ‪ ،‬والذين الينقض عليهم الموت ؟! حددوا لي رقية تحجبه ؟ إذا لم‬
‫يكن لدي شيء نن هذا فما الذي تريدو نني أ أ أفنعه ؟ ليس بمقدوري الهرب نن الموت‬
‫‪ :‬أال ألوذ بالهرب نن خشيته ؟ أتراني أنوت في خوف وقد أخذتني الرعدة ) وينظر الى الحياة‬
‫أنها هبة نن هللا ودورنا في هذه الحياة اليتجاوز الممثلين في المسرح وعندنا تنتهي أدوارنا‬
‫يجب أ نودع شاكرين هللا الجليا الذي ننحنا فرفة الوجود كما ينصرف المدعوو عند انتهاء‬
‫المأدبة ( إ على المرء أ يفكر في الحياة باعتبارها شيئا ً أعارنا هللا إياه لالستخدام المؤقت‬
‫فحسب ‪ ،‬وهي تشبه في هذا نأدبة يحتا المرء فيها نكانه المتواضع ‪ ،‬وحينما يقبا الموت فإ‬
‫علينا أ نسلم أنفسنا لقدرنا وأ نقوم حتى النهاية بالدور الذي عهد هللا لنا به كأفضا‬
‫نانستطيع ‪ ،‬علينا أ نغادر نأدجبة الحياة في هدوء ولباقة نعربين عن شكرنا هلل لدعوته لنا‬
‫للمشاركمة فيها واالعجاب بأعماله )(‪)14‬‬
‫ولكن نتى نشعر بالحز في الموت تمانا ً ؟‬
‫نظرية الندسبيرج وقصة جلجميش ‪:‬‬

‫‪40‬‬
‫إ الوعي بضرورة الموت اليستيقظ اال نن خالل المشاركة ‪ ،‬ونن خالل الحب الشخصي‬
‫الذي تصطبغ به هذه التجربة تمانا ً ‪ ،‬لقد شكلناه ( نحن ) ذاتا ً نشتركة نع الشخص المحتضر ‪،‬‬
‫ونن خالل تلك ( الذات المشتركة ) ونن خالل القوة النوعية الخافة لهذا الكيا‬
‫الجديد والشخصي تمانا ً نسير نحو الوعي الحي بأننا البد أ نموت ) ولقد تم اكتشاف حتمية‬
‫الموت في أقدم الوثائق المعروفة لنا حول الموت نن خالل نثا هذه المشاركة في نوت فديق‬
‫نحبه في نلحمة جلجميش (‪)15‬‬
‫الى أين نضيت يافديقي أبو طه ؟؟‬
‫في هدوء نقبرة فغيرة في حي الميدا في دنشق وقعت عيني على أبيات قصيرة نن الشعر‬
‫‪ :‬دفن الجسم بالثرى ليس بالجسم ننتفع‬
‫إنما النللللللفع بالذي كا بالجسم وارتفع‬
‫أفله جوهر نفيللس والى أفله قد رجلع‬
‫الحياة أقوى نن الموت ‪ ..‬والحياة أفا الوجود انها تتغذى نن الحي الذي اليموت ‪ ..‬وتوكا‬
‫على الحي الذي اليموت ‪ ...‬والحياة تتدفق وتستمر في أشكال النهائية ‪ ،‬سواء أدركناها أو‬
‫غابت عنا فهي تعما وفق قانونها الخاص ‪.‬‬

‫نراجع وهوانش ‪:‬‬


‫(‪ )1‬سورة النجم (‪ )2‬الحكماء الثالث _ أ مد الشنتناوي _ دار النشر أ رأ دار المعارف بمصر ر م ‪123‬‬
‫ه ‪ )3( 105‬سورة النحل (‪ )4‬سورة ين (‪ )5‬ناب هذه األبيات الى وا ع دثت في عهد المتوكل ينما ا تحم‬
‫الجند منزل رجل من آل البيت بدعوى أنه يجمع الاالي ؛ فرأوه ائما يصلي في جوف البيت ؛ فحملوه الى دار‬
‫الخالف ‪ ،‬وكان الخلي في مجلن أنن وطرق وشراق ‪ ،‬فدعاه الى الشراق فاستع ى ‪ ،‬فقال له أنشدني ‪ :‬فأنشده‬
‫هذه األبيات في صيدة أطول فبكى الخلي وأمر برفع الشراق وصرفه بدون أذى _ يراجع في هذا كتاق أ مد‬
‫أمين ( حى االسالم ) العصر العباسي (‪ )6‬مروي في الصحيحين يراجع في هذا كتاق زاد المالم فيما ا ع‬
‫عليه البخاري ومالم للشنقيطي (‪ )7‬كتاق العلم في منظوره الجديد _ سلال عالم المعرف ر م ‪ _ 134‬أليف‬
‫روبرت أهروب وجور ستانايو _ رجم محمد الخاليلي _ ه ‪ )8( 16‬لع الموت _ سلال عالم المعرف _‬
‫عدد ‪ _ 111‬أليف أ مد عبد الخالع _ ه ‪ _ 213‬منقول عن كتاق هذيب األخالق و طهير األعراق‬
‫)(‪)9‬الحدي مروي في الصحيحين في كتاق زاد المالم المصدر الاابع ونصه أن ملك الموت عندما زار موسى‬
‫عليه الاالم ( صكه ف قأ عينه !! فرجع الى ربه فقال أي رق أرسلتني الى عبد اليريد الموت ؟! فقال ارجع اليه‬
‫فليلع يده على متن ثور فله بكل شعرة سن ‪ .‬فقال أي رق ثم مه ؟ ال ‪ :‬الموت ‪ .‬ال ‪ :‬فاآلن ‪ .‬فلو كنت ثَ َّم‬
‫ألريتكم بره بجنب الكثيب األ مر )(‪ )10‬االناان وعلم الن ن _ أليف الدكتور عبد الاتار ابراهيم _ سلال عالم‬
‫المعرف ( ر م ‪ _ 86‬ه ‪)11() 161 _ 160‬سورة الحجر ويوسف على التوالي (‪ )12‬اب االساطير اليوناني‬
‫هرمز هو ابن زيوب وهو اله التجارة والحظ والماابقات الريا ي ورسول اآلله ومرافع األرواي الى عالم‬
‫المو ى )( الموت في ال كر الاربي _ أليف جاك شورون _ رجم كامل يوسف اين _ مراجع و قديم‬
‫الدكتور إمام عبد ال تاي إمام _ سلال عالم المعرف ر م ‪ _ 76‬ه ‪ )13( 78‬نفس المصدر السابق ص ‪77‬‬
‫(‪ )14‬نفس المصدر الاابع ه ‪ )15( 79‬جلجميش ملك أوروك كان طاهيا أسرف على الناب بقاو ه تى دعا‬
‫الناب اآلله لألنقاذهم فأرسلت اآلله انكيدو الذي صارعه بشدة ثم حوال الى صديقين ‪ ،‬ثم هلبت اآلله على‬
‫انكيدو فحكمته بالموت وعندما رأى جلجميش صديقه يذوق في الموت بكاه بحر ألنه أدرك وعي الموت ماما‬
‫مع موت صديقه ‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫الفلسفة الكونية‬
‫المجاهيل واألبعاد‬
‫زنيلي رشيد ذكي أريب ال يكف عن السؤال‪ .‬كا الصباح باكرا ً ننعشا ً والروح تستيقظ على نحو‬
‫فعلال نلع نسلمات الصلباح‪ ،‬وللم يكلن غريبلا ً أ ذكلر القلرآ ‪ ،‬قلرآ الفجلر أنله كلا نشلهودا‪.‬‬
‫سألني بلهفة عن البعد الرابع؟ قال أعرف الطلول والعلرض واالرتفلاع فلي المسلتوى الفراغلي‪،‬‬
‫ولكنني لم أستوعب وال أستطيع أ أتصور بعدًا راب ًعا؟‬
‫أفكلارا كبيلرة بكلملات فلغيرة‪ ،‬أو أ‬ ‫ً‬ ‫قلت له إنه حديث فيزيائي فلعب‪ ،‬ولكلن القلدرة أ نلورد‬
‫نشرح أفكارا ً جليلة بكلمات بسيطة‪ ،‬وهذه نيزة للقرآ انه يشرح أفكارا ً كالجبلال ولكنله نيسلر‬
‫للذكر فها نن ندكر ‪.‬‬
‫قلت له ياعزيزي إ العلم وفا إلى عشرة أبعاد وليس بعدا ً رابعا ً!‬
‫قال وكيف؟‬
‫قللت لله شلارحاً‪ :‬نحلن نعلرف أ الفيزيلاء تقلول لنلا بوجلود ثالثلة أبعلاد نلن الطلول والعلرض‬
‫واالرتفاع‪ ،‬وعيوننا تدرك هذا على نحو فراغي‪ ،‬وقصتي نلع الهندسلة الفراغيلة تلذكرني بأيلام‬
‫القانشلي حيث ترعرعت‪ ،‬ونا زلت أذكر ابلن عملي عبلدالرزاق رحمله هللا‪ ،‬وكلا يسلبقني فلي‬
‫نرارا ناذا تدرسلو فلي الرياضليات؟ وكنلت يونهلا فلي الصلف‬ ‫ً‬ ‫الدراسة بسنتين وكا يسألني‬
‫العاشر‪ ،‬وهو كا في نرحلة نا يسمى (البكالوريا) في الصف الثاني عشر ‪.‬‬
‫كنت أجيبه المثلثات !‬
‫ً‬
‫كا يقول للم تدرسلوا بعلد المعقلد! ولسلوف تلدوخ فعلال عنلدنا تلدرس الرياضليات الفراغيلة؟‬
‫كنت أتعجب ننه وأقول اشرح لي ناذا تعني الهندسة الفراغية؟‬
‫كا يتنهد ويقول ناذا أشرح لك تصور أنك تفكر وأنت نعلق فلي الهلواء! فكنلت أشلعر بالرهبلة‬
‫نن هذا العلم‪ ،‬وعندنا تقدنت إلى تلك المرحلة كنت أفتش أين نكا الصعوبة التي كا يشرحها‬
‫لي ابن عمي فلم أجدها‪ ،‬ثم اكتشفت أ اانور سهلة لمن يسلرها عليله بالجهلد والتعلب وسلهر‬
‫الليللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللالي‪.‬‬
‫ونا زللت أتلذكر فلي هلذا الصلدد أسلتاذ الفلسلفة عنلدنا قلرأت كتلاب (قصلة اإليملا بلين العللم‬
‫والفلسفة والقرآ ) لنديم الجسر فاعترضتني فقرة فلسفية فلعبة؛ فرجعلت إللى أسلتاذ الفلسلفة‬
‫طالبا ننه التوضيح؟‬
‫نظر إليها وقال‪ :‬بسيطة‪ ...‬ثم بدأ بالشرح ‪...‬‬
‫عرفت يونها أنه لم يفهمها وهو يتظاهر بذلك‪ .‬ثم اجتمعت بهذا ااستاذ بعد ثالثين سنة اعلرف‬
‫أين وفا في إدراكاته العقلية؛ فعرفت أنه حيث تركته؛ فقلت في نفسي كذلك كنتم نن قبلكم فمن‬
‫هللا عليكم ‪.‬‬
‫وكثير نن الناس نررت نعهم بمرحلة عقلية ثم غادرتها‪ ،‬وهذه هي طبيعة أساسية في الفكر أ‬
‫اإلنسا في حالة فيرورة‪.‬‬
‫وفي هذا يذكر عبدالرحمن البدوي في نذكراته أنه كا في حزب نصر الفتاة وبقي يحاسب على‬
‫ناضيه الحزبي نع أنه ودعه ننذ نصف قر ‪.‬‬
‫وهكذا فاإلنسا هو يمر في طور بعد طور‪ .‬ونضجا بعد نضج‪.‬‬
‫وأرجع إلى فديقي رشيد قلت له إ آينشتاين استطاع أ يجعلا نلن اللزنن بعلدا ً رابعلاً‪ ،‬وكأنله‬
‫انتداد نثا الطول والعرض واالرتفاع‪،‬‬
‫وآينشتاين وفا إلى بضع نعلادالت أنيقلة فلغيرة قللب فيهلا المفلاهيم التقليديلة‪ ،‬وسلبقه لتللك‬
‫اافكار أناس آخرو ولكن الفضا له في ضغطها في نعادالت خفيفة واشتغلت االنفونيلديا عللى‬
‫نفخه جدا ونسيت آخرين‪ ،‬نثا هنري بوانكاريه الفرنساوي‪ ،‬وهي نفس قصة دارو نع النارك‬

‫‪42‬‬
‫في قانو البقاء والتطور‪ ،‬وفرانسيس كريك نع روزالنيد في كشلف الكلود اللوراثي‪ ،‬وأديسلو‬
‫نع تيسال الصربي في كشف كهرباء التوتر غير الساكنة‪ ،‬وهي قصص عجيبة عن أناس لمعلوا‬
‫على ظهر آخرين‪.‬‬
‫ولكن ال تقف رحلة العلم عند هذا فالبعد الخانس هو الحياة‪ ،‬وهنا نقفز عتبلة جديلدة فلي الفهلم‪،‬‬
‫وهي شيء نختلف عن الفيزياء‪ ،‬وهي ظاهرة نبثوثة في تضاعيف الوجود‪ ،‬وفي كا خلية على‬
‫نحو نجهول‪.‬‬
‫أنا البعد السادس فهي الروح اإلنسانية أو نا يطلق عليها القرآ النفس‪ .‬حيلث إ اللروح علادة‬
‫في القرآ تطلق على شيء نختلف‪ ،‬نثا ويسألونك عن الروح؟ أو آية تنزل المالئكة واللروح‪،‬‬
‫أو آية يوم يقوم الروح والمالئكة اليتكلمو ‪.‬نقابا آيلة ونلا كلا للنفس أ تملوت إال بلإذ هللا‬
‫كتابللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللا نلللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللؤجال‪.‬‬
‫ويبقى البعد السابع هو المجتمع؛ فهي ظاهرة يتميز بها عن تجمع الحيوا المتجمد في وضع ال‬
‫يتغير فيه وكأنه القطار على سكة عنها ال يحيد‪.‬‬
‫نقابا المجتمع اإلنساني القابا للتطور والتقدم‪.‬‬
‫أنا البعد الثانن فهو نخطط الجنس البشلري فلي بانورانلا كونيلة وفلي حاللة تقدنيلة كمحصللة‬
‫‪.‬‬ ‫نهائيلللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللة‬
‫كا رشيد يتابع حديثي نذهوال وهلو يفهلم بعضله ويهلز برأسله‪ ،‬ثلم يسلأل وأيلن البعلد التاسلع‬
‫والعاشلللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللر؟‬
‫قللللللت رحللللللة الكوكلللللب اارضلللللي بملللللا حملللللا‪ ،‬والوجلللللود كظلللللاهرة نحيلللللرة ‪.‬‬
‫وفوق كا ذي علم عليم‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫فلسفة العلوم (االبستمولوجيا)‬
‫شاعت هذه الكلمة “االبستمولوجيا” في الفترة ااخيرة ونصدرها اللغة اليونانيلة وهلي نكونلة‬
‫نن كلمتين (‪ )EPISTEME‬ونعناه علم و(‪ )LOGOS‬ونعناها العقا أو النقد فتكو اللفظة‬
‫السابقة تعني علم العلوم أو فلسفة العلم أو عقلنة العلوم‪ ،‬وباستخداننا لهلذا المصلطلح نريلد أ‬
‫نصا إلى تقرير قضية العلم وخلفيته الفلسفية‪.‬‬
‫إ العلم ال يفهم بدو إطلاره الفلسلفي والتلاريخي‪ ،‬والفلسلفة هلي تللك الشلجرة الضلخمة التلي‬
‫تؤلف الميتافيزيقيا فيها الجذور العميقة الضاربة في التربة‪ ،‬والعللوم المتفرقلة بملا فيهلا الطلب‬
‫والهندسة والكيمياء والكوسمولوجيا واالنثروبولوجيا هي فروعها الممتدة في السماء‪.‬‬
‫كما أ هناك عالقة جدلية بين العلم والفلسفة‪ ،‬فالعلم يقوم بقفزات نوعية نن حين آلخلر ننشلئا ً‬
‫قطيعةً نعرفية “ابستمولوجية” نع المستويات العلمية السابقة‪ ،‬كما حدث نع فكر “ابلن رشلد”‬
‫والفلسفة اليونانية؛ حيث تم الدخول إلى فضاء نعرفي جديد‪ ،‬يقوم على ننظونة الشك ل اليقين‪،‬‬
‫والتجربة ل االستقراء‪.‬‬
‫كذلك الحال في فلسفة “رينيه ديكارت” التي دشَّنت الدخول إلى عصر عقلي جديلد‪ ،‬ينطبلق هلذا‬
‫أيضًا على فكر “إيمانويا كانط” الذي أرسى في كتابه “نقد العقا الخلالص” بنلاء الميتافيزيقيلا‬
‫على الضرورة ااخالقية‪ ،‬كما ينطبق على “غاليلو” الذي رأى أ الوجود له لغة خافة به هلي‬
‫لغة الرياضيات‪ ،‬وفي اللحظة التي نفك رنوزها نصا إلى الحقيقة النهائية فيها‪.‬‬
‫قبسلا‬
‫ً‬ ‫وأنا “اسحاق نيوتن” فقد استطاع فلي لحظلة تجللي روحيلة أ يقتلبس نلن روح الكلو‬
‫يسطر فيه كتابه الموسوم “ااسس الرياضية للفلسفة الطبيعية” حيث حرر قوانينله المشلهورة‬
‫الثالثة فلي الميكانيكلا‪ ،‬وبنلى نظانلا فلي غايلة التناسلق واالنسلجام‪ ،‬واسلتطاع اكتشلاف قلانو‬
‫الجاذبية‪ ،‬وكا ذلك عام ‪1687‬م في الوقت الذي كا ااتراك العثمانيو ينهزنلو أنلام أسلوار‬
‫فيينا في حملتهم الثالثة‪.‬‬
‫وبقيت هذه المنظونة المعرفية حتى اهتزت اارض نن تحتها نرة أخرى‪ ،‬وكا ذلك نلن خلالل‬
‫التراكم المعرفي حيث تولدت النظرية النسبية ونيكانيكا الكم‪ ،‬فتم إزالة نفاهيم “كانط” بالزنلا‬
‫والمكا القبلي‪ ،‬وإزالة المكا والزنا المطلقين عند نيوتن‪ ،‬وتم دنج الزنا بالمكلا فأفلبح‬
‫الزنا البعد الرابع‪ ،‬والطاقة بالمادة فأفبحا وجها لعملة واحدة‪.‬‬
‫وأنا نيكانيكا الكم فقد شطبت نفهوم “الحقيقلة الموضلوعية” و”الحتميلة” فلي القلوانين‪ ،‬تللك‬
‫التي وفلت ننزلة التقديس في القر التاسع عشر للميالد‪ ،‬نن خالل نبدأ االرتيلاب اللذي جلالَّه‬
‫الفيزيائي االماني “فيرنر هايزنبرغ” والبريطاني “بول ديراك”‪.‬‬
‫نناخ عقلي نناسب تستنبت بذوره بكا رحمة وحب‪ ،‬وهذا‬ ‫ٍ‬ ‫العلم ال ينمو إال في إطار خاص‪ ،‬وفي‬
‫اإلطللار الفلسللفي هللو الللذي يشللكا نرجعيللة العلللم فللي أول الطريللق؛ ليتحللول نللع الوقللت إلللى‬
‫“اإليديولوجيا” الخانقة لكا تقدم‪ ،‬نما يحتاج إلى “ابستمولوجيا” جديدة نحررة‪ ،‬وهكذا يمشلي‬
‫نظم التاريخ‪.‬‬
‫سيطر الفكر اليوناني لنحو سبعة عشلر قرنلا‪ ،‬وتحلول نلع الوقلت إللى طلاغوت رهيلب‪ ،‬وهكلذا‬
‫أحرق أناس نن أجا آراء بطليموس في النظام الشمسي نع كا نظاهر التصدع في النظرية‪.‬‬
‫وسيطرت فكلرة “اآلتلوم ل ‪ ”ATOM‬أي اللذرة أنهلا الجلزء اللذي ال يتجلزأ‪ ،‬حتلى أنهلت هلذه‬
‫العقيدة الوثوقية تجربة آالنو جوردو في تفجير السالح النووي‪.‬‬
‫وكا االنعطاف التاريخي عللى يلد رواد الفكلر فلي العلالم اإلسلالني‪ ،‬فهلم اللذين أنهلوا سليطرة‬
‫المنطق “الصوري” ليدفع العقا باالتجاه القرآني‪ ،‬أي تأنا الواقع “أفال ينظرو إلى اإلبا كيف‬
‫خلقت” وهكذا ولد نبدأ “التجربلة واالسلتقراء” فكلا العقلا اإلسلالني يلعلب اللدور المحلوري‬

‫‪44‬‬
‫المفصلي في نقلة العقا االنساني‪ ،‬نن المرحلة “ااسطورية” إلى المرحلة “العلمية” خالفا لما‬
‫ذهبت إليه الوضعية على يد “أوجست كونت” ثم الوضعية المنطقية بعد ذلك على يلد “إرنسلت‬
‫ناخ” النمساوي‪ ،‬اللذين رأيا تطلور العقلا اإلنسلاني يتنقلا نلن المرحللة البدائيلة إللى المرحللة‬
‫الميتافيزيقية‪ ،‬ليصا إلى المرحلة العلمية الوضعية‪.‬‬
‫فحيح أ “أوجست كونت” انتبله إللى القلوانين التلي تحكلم المجتملع‪ ،‬وبلذلك يكلو قلد تلابع‬
‫نسيرة ابن خلدو في إدراك قوانين المجتمعات‪ ،‬ولكنه لم ينتبه وغفا عن التجلي اإلسالني في‬
‫إطالق الشرارة العقلية الكبرى عبر كا التاريخ‪.‬‬
‫وهذه النقلة القرآنية واضحة جدا ً نن النسق القرآني الذي ألغى فكرتين‪:‬‬
‫تكرارا واض ًحا في عشرات اانكنة لألنبياء‬ ‫ً‬ ‫ل المعجزة كدليا نادي للوحي في الوقت الذي كررها‬
‫اآلخرين‪ ،‬وهذا يشي بتدشين عصر جديد‪.‬‬
‫ل وكذلك فكرة ختم النبوة؛ فالقرآ بهذه الكيفية توسط عصرين وفصا بلين نلرحلتين‪ ،‬فهلو نلن‬
‫أنرا كسبيا‪.‬‬
‫العالم القديم‪ ،‬ولكنه بشر بمولد العقا االستداللي ودعا إلى تثبيته كونه ً‬
‫وهذا يفيدنا أيضا ً بأ نفهم القرآ بأنه ليس كتاب فيزياء وكيمياء ورياضيات وطب‪ ،‬با هو ذلك‬
‫الكتاب الذي يولد المناخ العقلي الذي يفرز كا هذه العلوم‪.‬‬
‫ونفهم نن هذا أيضلا ً أ عمليلات اللهلاث العتصلار اآليلات السلتخراج الكشلوفات العلميلة ننهلا‬
‫ننهج خائب في عدة نستويات؛ فسرعة الضوء كشفها “فيزو” بوسائط فيزيائية بحتة‪ ،‬وبلدو‬
‫نصوص نقدسة يرجع إليها‪ ،‬في الوقت الذي يسعى البعض لمحاولة اكتشافه في بعض اآليات!‬
‫وضمن هذا المناخ الصحي نبت قديما العلم اإلسالني‪ ،‬ويمكن أ ينبت نلرة أخلرى ضلمن نفلس‬
‫الشروط‪ ،‬وبنفس هذه الدورة التاريخية ارتفع أناس؛ فإساحق نيوتن للم يكلن لينقلدح فلي ذهنله‬
‫قانو الجاذبية انه رأى سقوط التفاحلة‪ ،‬فجلده طيلب اللذكر للم يحلرك فيله ننظلر سلقوط تفلاح‬
‫الحقا‪ ،‬أكثر نن فاكهة قضمها أو قدنها لحماره!‬
‫كذلك الحال في “دينيس بابين” الذي رأى في تراقص غطاء أبريق الشاي نفاتيح طاقة البخار‪.‬‬
‫وأنللا ديكللارت التللي كانللت الذبابللة تطللن نزعجللةً بجانللب أذنلله فقللد أوحللت للله بمبللاد الهندسللة‬
‫التحليلية‪ ،‬حيث استطاع بعبقرية أ يمزج عللم الجبلر بالهندسلة‪ .‬وليتله فعلا نفلس الشليء نلع‬
‫البعوض المجرم الدنوي فاستنبط عل ًما آخر نافعا!‬
‫وفي السنة التي أعلن فيهلا “كوبرنيكلوس” نظانله الشمسلي الجديلد كلا “فيزاليلوس” يشلق‬
‫الطريق عبر الجسم البشري للمرة ااولى في التاريخ ااوربي‪ ،‬فيدخا عالم “التابو” أي تشريح‬
‫نحجلورا‪ .‬وهكلذا فحلا المعضلالت العقليلة‬
‫ً‬ ‫حجلرا‬
‫ً‬ ‫الجسد الميت الذي كا يعد نسله بعلد الملوت‬
‫الكبرى واالنبثاق العلمي نرهو بتغيلر المنلاخ العقللي واإلطلار الفلسلفي للروح العصلر‪ ،‬اللذي‬
‫يم ّكن الجماعات اإلنسانية نن إعادة النظر في المنظونة المعرفية التي تحملها‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫فلسفة الطيف واالستقطاب‬
‫أنريكا ليست أم الشرور والباليا والرزايا‪ ،‬وال إسرائيا نصدر ااخطلار كملا أنهلا ليسلت التنلين‬
‫النووي‪ ،‬با نحن نن هيأ الجو‪ ،‬وغام عليه الفهم فأعشلى‪ ،‬وأعطلى الفرفلة لنملو سلرطا نلن‬
‫حجم الصهيونية‪..،‬‬
‫الصراع العربي اإلسرائيلي هانشي وجانبي ‪ ،‬والصراع العربي العربي هو التنلاقض ااساسلي‪،‬‬
‫وحين يجتمع العرب يتفرقو أكثر نما كانوا قبا االجتملاع‪ ،‬بسلبب عللى نزننلة اسلمها نلرض‬
‫الثقة‪.‬‬
‫وحين يتحول العرب إلى نموذج الصين؛ فلن تزيد إسرائيا عن فرنوزا الشرق ااوسط ‪..‬‬
‫وحكم أنريكا ال ينبع نن رئيس أسود أو أبيض‪ ،‬با ناكينة عاتية‪ ،‬تقوم على المصالح واانلوال‬
‫كما كانت رونا يونا‪ ،‬تحكمها الثروات وااوليجاركية‪..‬‬
‫ولوال حلرب ‪ 91‬ورشلق فلدام الريلاض وتلا أبيلب بالصلواريخ بلنفس الوقلت بلدو أ تلدافع‬
‫فهيو عن نفسها با وكلت المهمة إلى بوش قبيح الذكر رجا المخابرات! لوال ذللك نلا فهمنلا‬
‫عمق المرض الداخلي؟‬
‫ولوال اقتتال فتح وحماس بكا حماس‪ ،‬نا فهمنا نخرنا وهزالنا الداخلي‪ ،‬واسلتيعاب أ المشلكلة‬
‫نن عند أنفسنا‪ ،‬وهي قصة كبيرة شرحها القرآ على لسا الشليطا فقلال التلونلوني ولونلوا‬
‫أنفسكم؟‬
‫ولو خسلف هللا اارض بإسلرائيا‪ ،‬لملا انتهلت خالفلات العلرب؛ فهلم فلي الغلي سلادرو ‪ ،‬وفلي‬
‫نزاعاتهم نشتبكو ‪..‬‬
‫والقرآ يقول؛ فها عسيتم إ توليتم‪ ،‬أ تفسدوا في اارض وتقطعوا أرحانكم؟‬
‫وحين سمعت يونا نبأ إطالق سراح سجناء نن فتح‪ ،‬كانوا في أقبية حملاس وبلالعكس‪ ،‬تلذكرت‬
‫قوله تعالى‪ :‬وإ يكونوا أسارى تفادهم وهو نحرم عليكم إخلراجهم ! أفتؤننلو بلبعض الكتلاب‬
‫وتكفرو ببعض؟ فما جزاء نن يفعا ذلك ننكم إال خزي في الحياة الدنيا ‪..‬‬
‫وقد أخزانا هللا بما فيه الكفاية فاللذل يصلب عللى رؤوسلنا نلع شلروق كلا شلمس ونحلن نظلن‬
‫الفصا ربيعا؟‪...‬‬
‫وفي ضوء أفكار نن هذا النوع يجب أ نفهم أنريكا والعالم وأنفسنا ‪..‬‬
‫نفهمها خارج لعبة الثنائية والحلول الحدية ‪..‬‬
‫ويذهب القرآ إلى عدم اعتبار الشر شرا ً با قد يكو خيرا ً هال تحسلبوه شلرا لكلم بلا هلو خيلر‬
‫لكمه ‪ ..‬وبذلك ينقلب سلم القيم على رأسه ‪..‬‬
‫والكثيرو نن ااخسرين أعماالً ضا سلعيهم فلي الحيلاة اللدنيا وهلم يحسلبو أنهلم يحسلنو‬
‫فنعا‪.‬‬
‫والمنافقو يفسدو في اارض ويظنوا في أنفسهم أنهم (نصلحو )!‬
‫وطبقلللات اللللنفس حقيقلللة كشلللف اللثلللام عنهلللا عللللم اللللنفس التحليللللي وسلللماها (الالشلللعور‬
‫‪.)Subconscious‬‬
‫وفي الفلسفة حيرت نشكلة الشر العقول‪ ،‬ونعنى هذا الكو المليء بالظلم والظلالم واالضلطهاد‬
‫والفرار والهجرة وعدم االكتمال؟‬
‫ولكنها نسألة يمكن فهمها ضمن (بانورانا) كونية‪ ،‬وليس ضلمن فكلرة (الثنائيلة) فالشلر لليس‬
‫شراً‪ ،‬كما يقول الفيلسوف (ابكتيتوس ‪ 55‬ل ‪ 135‬م) با (درجة) فلي الخيلر حسلب عالقتنلا بهلا‪،‬‬
‫والحياة نائدة عانرة دعانا هللا إليهلا؛ فلإذا انتهلت‪ ،‬وجلب أ نشلكر فلاحب الوليملة وننصلرف‬
‫شاكرين حاندين ال باكين نادبين‪ .‬وبذلك يصبح الموت الشكا المقابا للحياة‪ ،‬وسبحا الذي بيده‬
‫الملك وهو على كا شيء قدير الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عمال‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫وهذه الفكرة تتصا بنظرة (البوذية) عن نفهوم (الصيرورة) أ الحياة حركة فلوق جسلر‪ ،‬فملن‬
‫أراد الوقوف على الجسر أعاق المرور وعانى‪ .‬فيجب االستسالم إلى السياق الكوني ‪..‬‬
‫وقد نجح الفقهاء في استيعاب هذه المنظونة على أساس الطيف وليس االستقطاب‪ ،‬نلن خملس‬
‫نحطات تواترية بين الحرام نرورا بالمكروه ثم المباح وفوال إلى المستحب وانتها ًء بالواجب‪.‬‬
‫والكهرباء حركة بين السالب والموجب‪ ،‬وليست قرارا عند أحد القطبين المتناقضين؟‬
‫وال تسبح النفس في حركة فعّالة أكثر نن السباحة بين قطبي اانا واليأس؛ فال ييأس نلن روح‬
‫هللا إال القوم الكافرو ‪ ،‬واليأنن أها القرى كثيرا فقد يأتيهم هبأسنا بياتا وهم نائمو ه ‪.‬‬
‫والتحرر نن قطبي (اانن) و(اليأس) يحرر الحركة نن الكسا‪ ،‬والطاقة نلن العطاللة‪ ،‬فلي حلين‬
‫أ االقتراب نن أحد القطبين يعدم الحركة تلدريجيا‪ ،‬فلإذا اسلتولى أحلد الشلعورين عللى اللنفس‬
‫توقفت الحركة ‪..‬‬
‫فهذه رياضيات نفسية‪.‬‬
‫وفي السياسة ذهب (نالك بن نبي) إلى أ الضالل السياسي سببه الوقلوع بلين ذهلاني (الطلاهر‬
‫المقدس) و(الدنس الحقير) وأ تعانلنا نع إسرائيا يجب أ ال يكو بين هذين اللذهانين فتلارة‬
‫هي (دويلة) العصابات وأخرى (التنين) النووي‪ ،‬وإسرائيا ليست هذا وال ذاك ‪..‬‬
‫وفي حرب ‪2006‬م جرت اافعى الصهيونية ذيولها وانصرفت بعد دنار لبنا ‪..‬‬
‫وحين نقع في رها نن هذا النوع نرسا عقولنا إلى إجازة نفتوحة؟‬
‫وكذلك الحال نع أنريكا خارج ننظونة ثنائية (أهرنا ) إله الشر و(أهرنزدا) إله الخير ‪..‬‬
‫ويجب النظر إلى االحتالل اانريكي نن جانب أنه استعمار بغيض‪ .‬ونن جانب أنه خير فهو نلن‬
‫حطم أفنام النمرود فدام المشنوق فاحب الزنرد والمرجا في قصور السلطا ‪.‬‬
‫وبين أ تستغا أو أ تستغا شعرة‪.‬‬
‫والفرق بين الزنا واالغتصاب والزواج أقا نن شعرة‪ ،‬فهي نمارسة جنسية على كافة ااحوال‪،‬‬
‫ولكن تمارس بين السرية واإلكراه والرضا‪.‬‬
‫وفي يوم احتلت أنريكا اليابا وألمانيا‪ .‬واليوم يحلق اليورو إللى سلحب الغملام‪ ،‬وتمللك اليابلا‬
‫نن احتياطي الدوالر أكثر نن أنريكا أم الدوالر ‪.‬‬
‫وكا سقراط ينظر إلى ذباب الخيا أنه يهيج الخيلا فيطلرد عنهلا الخملول‪ .‬ورأى (تلوينبي) فلي‬
‫إسرائيا أنها رحمة نن هللا للعرب كي يستيقظوا بالنخس المتوافا والتحدي المستمر‪ ،‬فهي نن‬
‫سوف تدفعهم للنهوض‪ ،‬وهي هدية التاريخ نن حيث لم يحتسبوا‪ ،‬لنفض كسا التاريخ ‪..‬‬
‫وال تتحول الدودة إلى فراشة بدو نعاناة تمزيق السجف فتطير‪.‬‬
‫وال تتم والدة بدو كرب ودناء‪.‬‬
‫وال أطهر نن النار تنقية للمعد نن الشوائب ‪..‬‬
‫وخلق هللا اإلنسا في كبد ‪..‬‬

‫‪47‬‬
‫فلسفة الوجود والمصير ؟‬

‫طرح انريكو فيرني وفرانسيس كريك هذا السؤال‪:‬‬


‫إذا كا الوجود بالضخانة التي فورها كارل ساغا عن كو يضلم نائلة نليلار نجلرة فلي كلا‬
‫نجرة نائة نليار نظام شمسي؟ فها تقتصر الحياة على الكلرة اارضلية أم أ هنلاك حيلاة عللى‬
‫كواكب أخرى؟‬
‫ولاجابة على هذا السؤال بشكا علمي‪ ،‬ال بلد نلن االنتقلال إللى الكشلف علن (الكواكلب) ولليس‬
‫النجوم؛ فالنجم يشع بالضلوء‪ ،‬والكوكلب يعكسله كملا أشلار القلرآ إللى الشلمس أنهلا (سلراجا ً‬
‫وهاجاً) في حين قال عن القمر (وقمرا ً ننيلراً)‪ ،‬فهنلاك السلراج اللذي ينيلر‪ ،‬والقملر اللذي ينلار‬
‫ويعكس الضوء‪.‬‬
‫وإذا أنكللن االهتللداء إلللى الكواكللب‪ ،‬أنكللن نعرفللة طبيعتهللا نللن خللالل نعرفللة تركيللب العنافللر‬
‫الموجودة على ظهرها‪ ،‬نن خالل الطيف اللوني للعنافر التي تتكو ننها‪.‬‬
‫وهذه أيضا ً تقنية أنكن الوفول إليهلا نلن قريلب‪ ،‬وننهلا يمكلن التخملين فلي وجلود حيلاة نلن‬
‫عدنها‪ ،‬على ظهر الكوكب المذكور‪ ،‬فضالً عن اكتشاف حضارة على ظهره‪ ،‬ولكلن يعتبلر رؤيلة‬
‫كوكب ال يشع بالنور نع شمس وهاجة بجانبه‪ ،‬نثا إضاءة اليرقة بجانب كشاف ضوئي رهيب‪،‬‬
‫ونن بعد نئة كليو نتر‪ ،‬كما قار بذلك العالم الفلكي(روجر انجيا) نن جانعة أريزونا‪...‬‬
‫نع هذا فقد حقق الذكاء اإلنساني هذا اإلنجاز‪...‬‬
‫لنرجللع إلللى تسللاؤل العللالم الللذري اإليطللالي (إنريكللو فيرنللي) الللذي أدرك ضللخانة هللذا الكللو ‪،‬‬
‫وإنكانية وجود حياة فيه‪ ،‬كما وفا إليه العالم البريطاني فيزيائي الكو (دايفيد هيوز)‪ ،‬فاعتبر‬
‫أ نجرتنا تحوي على ااقا نائة نليار نجم‪ ،‬ونن كا ‪ 24‬نجملا ً هنلاك واحلد عللى ااقلا يحلوي‬
‫كواكب تتراقص حوله‪ ،‬وهذا يعني حوالي ستين نليار نجم‪.‬‬
‫وحسب تقديراته فهناك احتمال وجود نا ال يقا عن أربعلة نليلارات نظلام شمسلي‪ ،‬فيله كواكلب‬
‫تدب فيها الحياة‪ ،‬نثا أرضنا الذي نعيش فيها! ولكن المشكلة هي المسافات التلي تلزداد تباعلدا‬
‫بسبب اتساع الكو المستمر‪.‬‬
‫كا العالم الذري انريكو فيرني يقول (وهو نن وفا إلى تركيب أول نفاعا نووي)‪:‬‬
‫يجب أ نرى الكائنات السماوية‪ ،‬انه خالل الفترة الطويلة نن تدفق الحياة (على أرضنا حوالي‬
‫أربعة نليارات سنة)‪ ،‬ال بد نن بزوغ حضلارات أخلرى فلي كواكلب ثانيلة‪ ،‬ويجلب أ تكلو قلد‬
‫تطورت إلى درجة بناء حضارات‪ ،‬وغزو الفضاء‪ ،‬واقتحام نجال كوكبنا‪ ،‬ولكن أين هم ولماذا ال‬
‫نراهم؟‬
‫ويجيب على هلذا التسلاؤل فرانسليس كريلك (نكتشلف الحلانض النلووي اللذي يعتبلر نلن أهلم‬
‫اإلنجازات القر العشرين البيولوجيلة) يفاجئنلا بتصلور فكلرة (احتملال) أ تكلو الحيلاة عللى‬
‫اارض هي الشكا الوحيد نقالً عن العالم نايكا هاردت‪:‬‬
‫ه عودة للنظر في سؤال فيرني‪...‬إ علدم وجلود أي أثلر لهلم‪ ،‬إنملا يعنلي ببسلاطة أننلا وحلدنا‬
‫الصورة الوحيدة للحياة الراقية في هذه المجرةه‪.‬‬
‫أنللا القفللزة النوعيللة الجديللدة فهللي كشللف اللثللام عللن الكواكللب للمللرة ااولللى فللي البحللث‬
‫الكوسمولوجي‪ ،‬ويذكرنا كشف الكواكب القريبة في نظاننا الشمسي‪ ،‬عن التخيالت السلابقة نلن‬
‫وجود قنوات في المريخ‪ ،‬فقد أعلن في القر الماضي (جيلوفيني) اإليطلالي واانريكلي (لويلا)‬
‫عن وجود أقنية في المريخ‪ ،‬وأ هناك نظام تروية نتقدنة‪.‬‬
‫ولكن هذا الشيء تم نفيه نن خالل إرسال السفن الكونية التي قطعت نراحلها فلي سلنوات‪ ،‬نلع‬
‫ذكرى االستقالل اانريكي المائتين‪ ،‬عنلدنا حانلت السلفينة الكونيلة (فلايكنج ‪ )1‬حلول الملريخ‪،‬‬

‫‪48‬‬
‫ورست نتأخرة عن العيد القوني بل ‪ 16‬يونا ً ولكنهلا رسلت بسلالم‪ ،‬بعلد أ فشلا اللروس أربلع‬
‫نرات‪ ،‬وكانت المفاجأة كبيرة حين عجزت كا المعدات المتطورة‪ ،‬وبكلفة نليار دوالر عن إثبات‬
‫ولو أثر حياة نن خلية واحدة؟!‬
‫فلقد ثبت أ الموت البارد ااحمر يطوق المريخ‪ ،‬كملا طلوق فلي بعثلات أخلرى كوكلب الزهلرة‪،‬‬
‫الذي اعتبر رنز الحب فينوس‪ ،‬فتبين أنها أوهاننا حول الكوكب‪ ،‬وأ الكوكب أقرب إلى جهلنم‪،‬‬
‫بسبب غليا الحرارة الرهيب‪ ،‬ونطر حانض الكبريلت اللذي ال يتوقلف‪ ،‬ونهلار يمتلد إللى نائلة‬
‫وثمانية عشر يوناً‪ ،‬وليا يغط ‪ 59‬يوناً‪ ،‬ودورا نجنو نقلوب للزهرة خالف كا الكواكب!‬
‫واستمر البحث في الليا المدلهم عن نجوم أخرى عسلى أ تفصلح علن بعلض أسلرارها‪ ،‬حتلى‬
‫كانت ليلة العاشر نن نوفمبر عام ‪1981‬م عندنا عقدت الدهشة لسا الفلكلي (فيليلب هينلاريو)‬
‫وهو يراقب نجما ً يبعد ‪ 52‬سنة ضوئية فالحظ خنوس وانطفاء ضوءه‪ ،‬ليعلود فلي اليلوم التلالي‬
‫سيرته ااولى!‬
‫وفكر العالم نا الذي يمكن أ يكو قد حصا في هذا النجم حتى تتغير إضاءته؟ نا لم يكن حاجز‬
‫قد نر أنانه جعا ضوءه أضعف وأبهت؟!‬
‫ولكن ها يعقا أ يكو في نداره كوكب كبير إلى هذه الدرجة؟‬
‫وها يعقا أ تكو هذه فاتحة تفسير الحلم القديم لعلماء الفلك عن وجود أنظمة شمسية جديلدة‬
‫فيها كواكب نثا أرضنا؟‬
‫ونا بين ‪1981‬م وعام ‪1995‬م أنكن الوفول إلى تحديد طبيعة الشمس الجديدة التي أخذت اسم‬
‫(بيتا بكتوراس)‪ ،‬وأ هناك كوكبا ً بقدر المشتري نرة ونصف‪ ،‬يلدور حولهلا بطريقلة فلي غايلة‬
‫الجمال‪ ،‬على نسافة ‪ 3‬نليارات كيلونتر‪ ،‬يكنس فيها – بقوة جاذبيته الرهيبة ‪ -‬كا ذرات الغبلار‬
‫والغازات وااتربة والحجارة المكونة وبقايا الحصيد‪ ،‬نلن عملا النيلازك والشلهب فهلو يجلري‬
‫ويخفت ضوءه بلين الحلين واآلخلر‪ ،‬وهلو يقلوم بعمليلة (المكنسلة المنتظملة) لكلا ااتربلة فلي‬
‫المنطقة‪( .‬تأنا اآلية الجواري الكنس)‬
‫والجميا في هذا الكشف الذي وفا إليه فريق علمي فرنسي‪ ،‬أنله يشلهد للوالدة كواكلب جديلدة‬
‫نثا أرضنا‪ ،‬فالشمس الجديدة ال يزيد عمرها عن نائتي نليو سلنة‪ ،‬نقارنلة نلع شمسلنا التلي‬
‫يزيد عمرها عن أربعة نليارات سنة‪.‬‬
‫وفي نؤتمر فلكي في فلورنسا تقدم الفلكي الفيزيائي السويسري (نيشيا ناير) اللذي يعملا فلي‬
‫نركز الرفد السماوي في جينيف بكشف جديد نن نفس النوعية علن نجلم (بيجلا سلاوس‪)51-‬‬
‫الذي يدور حوله كوكب في نثا المشتري‪ ،‬ويبعد عنا ‪ 45‬سنة ضوئية!‬
‫وفي عام ‪2007‬م أنكن الوفول إلى الكوكب جليسه ‪ 581‬الذي يبعد ‪ 20.5‬سنة ضوئية‪...‬‬
‫ويبقى السؤال كيف استطاع الذكاء اإلنساني نعرفلة دورا كوكلب نظللم بجانلب التملاع شلمس‬
‫باهرة تفقأ العين بتوقدها‬

‫‪49‬‬
‫فلسفة األلم‬
‫االم جيد ونفيد وننه بدأت الحياة حملته أنه كرها ً ووضعته كرهاً‪ .‬االم جيد خافة المعنوي‬
‫ولوال تلك الليلة الرهيبة التي قذف فيها غاندي نن القطار انه سمح لنفسه أ يركب في الدرجة‬
‫ااولى نع البيض لما عرف نعنى االضطهاد العنصري‪ .‬وفي تلك الليلة تحديدا ً كما يذكر في‬
‫كتابه (تجاربي نع الحقيقة) فتح عينه على نعنى اضطهاد اإلنسا وتحول المجتمع الى‬
‫فرعوني في شرائح وشيع يذيق بعضهم بأس بعض‪ .‬وفي تلك الليلة ولد نبدأ (الالعنف )‬
‫و(الساتيا جراها= حب الحقيقة)‪ .‬االم نفيد انه ينبه أ هناك خلالً في الجسم فالقولنج الكلوي‬
‫جرس إنذار أ هناك حصاة نعيقة للتدفق البولي وأ جهاز التنقية في البد نعرض برنته‬
‫لالنهيار لذا كانت نحطات اإلنذار في الجسم نن الحرارة واالم نفيدة أ هناك خلا يجب‬
‫نعالجته تمانا ً كما هو الحال نن اانوار الحمراء التي تلتمع عندنا تصاب فرانا السيارة‬
‫بالعطب أو التآكا وهي في الجسم االم‪ .‬وعند حصول االلتهاب في أي نكا يعرف ااطباء تمانا ً‬
‫أ هناك أربع نؤشرات تفيد بذلك فالمكا (ينتفخ) و(يؤلم) و(يحمر) و(يسخن)‪ .‬أي أ هناك‬
‫أربع أنوار حمراء وليس واحد كمؤشرات لحصول الخلا فتبارك هللا رب العالمين الذي أحسن‬
‫كا شيء خلقه وبدأ خلق اإلنسا نن طين‪ .‬نكا االلتهاب يسخن والجلد فوقه يحمر واالنتفاخ‬
‫يقود إلى اختناق ااعصاب في المنطقة وهي بدورها تحرض االم فهذه هي آلية حدوث االم أنه‬
‫اختناق أعصاب المنطقة باالحتقا االلتهابي‪ .‬ولكن أعجب االم هو (الصداع) فالدناغ ذلك‬
‫الكمبيوتر الحساس يتأثر بأقا المسببات انه بني في غاية الدقة‪ .‬وهناك كما يقول ااطباء ‪99‬‬
‫سببا ً للصداع‪ .‬إذا كا ألم (التهاب المرارة) ينتشر في أعلى ننطقة البطن اايمن وينتشر الى‬
‫الكتف اايمن‪ ،‬وقولنج حصاة الكلية ينزل نن الظهر والخافرة إلى ااسفا حتى ااعضاء‬
‫التناسلية‪ ،‬وألم احتشاء القلب يمتد إلى الصدر حتى الكتف اايسر وأحيانا ً الفك فإ ألم الدناغ‬
‫هو الصداع‪ .‬االم في الجسم نفيد كجرس إنذار خاص لالنتباه إليه ونعالجته‪ ،‬والصداع في‬
‫الرأس هو ألم الدناغ بمائة سبب وبأقا المؤشرات الداخلية نن نقص السكر أو اإلنساك أو‬
‫ارتفاع الضغط الدنوي‪ .‬ولكن ألم الروح واختناقها نن نوع نختلف ولقد خلقنا اإلنسا في كبد‪.‬‬
‫االم المعنوي نحرض جيد انه يفتح العين على نأساة الحياة وأنها أحيانا ً تراجيديا كانلة‪ .‬ولقد‬
‫قرأت كتاب (آخر الراحلين) أو (اكتشاف أنريكا ل نسألة اآلخر) فبكيت نن فرط التأثر واآل بين‬
‫يدي كتاب جديد هو (تذكرة ذهاب وإياب الى الجحيم) جعلني أرتجف نن هول المعاناة التي‬
‫تعرض لها نجموعة نن الناس دخلت السجن عشرين سنة نثا أفحاب الكهف بدو نور في‬
‫قبور حقيقية‪ ،‬والفرق أ هؤالء نانوا‪ ،‬أنا هنا فكانوا بكانا وعيهم وشربوا كأس المعاناة حتى‬
‫الثمالة‪ .‬وأنا أجد أعظم اللذات في نطالعة كتاب جديد ولقد جعلت لنفسي عادة أنصح بها‬
‫القاريء وهي افطحابه كتاب نسلي أو أكثر في كا رحلة فال يضيع الوقت إال في المفيد وكن‬
‫عالما أو نتعلما أو نحبا للعلم والتكن الرابعة فتهلك‪ .‬أقول إ المعاناة هي التي تخلق اإلنسا‬
‫وإ اإلنسا في ظروف المعاناة والمحنة يتشكا تشكالً خافا ً أقرب إلى الحديد الذي يذوب في‬
‫النار ابتغاء حلية أو نتاع فأنا الزبد فيذهب جفاء وأنا نا ينفع الناس فيمكث في اارض كذلك‬
‫يضرب هللا اانثال‪ .‬النار تصفي المعد نن الشوائب والمحنة تطهر قلب اإلنسا نن غرور‬
‫العالم ولذلك كانت المعاناة والمحنة قانونا أبديا ً أم حسب الناس أ يتركوا أ يقولوا آننا وهم ال‬
‫يفتنو ولقد فتنا الذين نن قبلهم فليعلمن هللا الذين كذبوا وليعلمن الصادقين‪ .‬ولكن كا المفاجأة‬
‫أ االبتالء هو ليس في السجن ونصادرة الحرية أو التعرض للضغط النفسي باالضطهاد فهذه‬
‫تستنفر الطاقة للمواجهة‪ .‬ها تعلمو نا هو أعظم االبتالء؟ إنه بالمال والنعمة والخير الوفير‬
‫(ونبلوكم بالخير والشر فتنة وإلينا ترجعو ) فهذا قلب جديد لمفهوم االم والمحنة واالبتالء‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫فلسفة الكذب‬
‫يقول فرانسيس بيكو ‪(:‬إ خلط الكذب بالصدق نثلا خللط اللذهب بالفضلة قلد يسلها اسلتعماله‬
‫ولكنه يحط نن قيمته‪ .‬ا هذه السبا الملتوية تشبه سير اافعى فتسير سفال على بطنها وليست‬
‫سوية على أقدانها)‪.‬‬
‫والقرآ نعى هذا ااسلوب على أها الكتاب أنهم (يلبسلو الحلق بالباطلا ويكتملو الحلق وهلم‬
‫يعلمو ) وهو نن أشد أساليب الكذب خفا ًء‪ .‬والكذب ليس واحدا ً با عشرة‪ .‬ويعرف باختصار أنه‬
‫إخبار نتعمد بخالف الواقع‪ .‬لذلك تعددت فوره بين نن يتزلف لألقوياء فيمدحهم (‪ )1‬بما لليس‬
‫فيهم ولذلك جاء الحديث‪ :‬جثوا في وجوه المداحين التراب‪ .‬وهذا لو نن الكذب‪ .‬وهناك الخفيف‬
‫(‪ )2‬وهو كثير االنتشار بين الناس عندنا يدعي البعض ناليس فيهم وهلو المبالغلة وللذلك ربلط‬
‫القرآ بين الكذب والمبالغة بلفظ إ هللا اليهدي نن هلو نسلرف كلذاب‪ .‬ويلروى فلي هلذا قصلة‬
‫جحا عندنا زعم أنه بنى نسجدا طوله ‪ 20‬كلم وكلا قلد حلذره فلديقه نلن ذللك فقلال اسلعا أو‬
‫اعطس إذا سلمعت نبالغلاتي فلملا ذكلر اللرقم اعتلرت فلاحبه نوبلة حساسلية رهيبلة وعطلاس‬
‫نتالحق وبدأ في السعال حتى كاد أ يختنق‪ ،‬فالتفت القوم الى جحا وقالوا له وكم عرضله؟ قلال‬
‫نتر واحد فاح الجمهور بصوت واحد لقد ضيَّقته ياجحا‪ .‬التفت جحا الى فديقه الذي كا يلملم‬
‫بقية سعاله وقلال هنلاك نلن ضليق عللي‪ .‬وهنلاك الكلذب السياسلي (‪ )3‬وهلو اللذي نعرفله علن‬
‫االذاعات الغربية نثا (بي بي سي) فهي فادقة تمانا ً ولكن نثا ااعلور أو شلبه العملى بمعنلى‬
‫أنها تذكر التافه وتخفي المهلم وتعظلم الصلغير وتصلغر الكبيلر وهلو ناسلماه المفكلر اانريكلي‬
‫(نعوم تشونسكي) فبركة االعلالم فيكفلي أ يلذكروا خبلرا فلغيرا يكررونله حتلى يتحلول اللى‬
‫طوفا نوح‪ .‬ونن هذا النوع تدنير تماثيا بوذا في أفغانستا الذي اتفق نعظم علماء االنة أنله‬
‫اليصب في النهايلة نلع نصللحة المسللمين تحلت اآليلة (والتسلبوا اللذين يلدعو نلن دو هللا‬
‫فيسبوا هللا عدوا بغير علم) والناس التستوعب لعبة الصراع الفكري التلي كتلب عنهلا ناللك بلن‬
‫نبي نطوالً وهكذا هرع اإلعالم الغربي في غير نزاهة أونوضوعية أو حياد فكرر الخبر وضلخم‬
‫بحيث أفبحت فورتنا في العالم الترضي‪ .‬فهذا كذب نتعمد ولكن اليظهلر ننله الكلذب‪ .‬ويلروى‬
‫عن عمر ر أنه كا يقول اللهم أشكو اليك ضعف التقي وقوة الفاجر‪ .‬و(‪ )4‬هناك المزج الخبيلث‬
‫بين الحقيقة والكذب واالقتصار على بعض الحقيقة فتظهر نصف الحقيقة وهي ليست حقيقة كما‬
‫لو استخدم أحدهم نصف آية نثا (التقربلوا الصلالة) أو ( يلد هللا نغلوللة) أو (إ هللا فقيلر) فلال‬
‫يمكن نعرفة الحقيقة نالم يكما فاحبها (وأنتم سكارى) أو (غلت أيديهم بملا قلالوا) أو (ونحلن‬
‫أغنياء سنكتب ناقالوا وقتلهم اانبياء بغير حق)‪ .‬وهناك لو خطير نن الكذب(‪ )5‬عندنا يتلو‬
‫الناس في أخالقهم فيظهرو خالف نايبطنو وهو (النفاق) وهلم عنافلر خطيلرة نلدنرة نثلا‬
‫الجراثيم في الجسم ولذا كا نصيرهم فلي اللدرك ااسلفا نلن النلار‪ .‬وهنلاك (‪ )6‬علادة إخلالف‬
‫الوعد وهو النفاق العملي وهي أخالق سيئة وكثيرة االنتشار بيننلا وبكلا أسلف فاالملا أفضلا‬
‫ننا بكثير في هذه ااخالقية‪ .‬وهناك التكتم (‪ )7‬على ااخبار والكلذب للتعميلة عليهلا وهلو ديلد‬
‫السياسيو وووفف أحدهم السفير أنله رجلا شلريف يكلذب لمصللحة بلالده‪ .‬وهنلاك االفتخلار‬
‫واالنتفاج(‪ )8‬وهللا اليحب كا نختال فخور‪ .‬ولعا أشنع فور الكذب هي شهادة اللزور (‪ )9‬التلي‬
‫قرنت بالشرك باهلل‪ .‬واالفتلراء (‪ )10‬التلي هلي اختلراع قصلة ال أفلا لهلا‪ .‬وإ هللا اليحلب كلا‬
‫نسرف كذاب‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫جنكيزخان والفيلسوف‬

‫كا هدف الطاغية المزيد نن الحياة لمزيد نن سفك الدناء وإبادة الشعوب‬
‫وتوسيع أنالكلله والمزيللد نللن التمتللع بالحظايللا ولذائللذ الحيللاة إ اإلنسللا‬
‫لظلوم كفللار‪ .‬وعنللدنا وفللا الفيلسللوف الصلليني نللن أقصللى الصللين إلللى‬
‫أفغانس لتا الحاليللة ارتجللت نفافللله نللن ننللاظر اإلعللدانات فللي نعسللكر‬
‫جنكيزخا ‪ .‬كا السؤال ااول الذي وجهه إليلله كيللف تسللتطيع أ تمللد فللي‬
‫حيللاتي فللال تجعللا للمللوت علللي سلللطاناً؟ أجابلله الفيلسللوف بللدو نجانلللة‬
‫وبشيء نن التلطف في العبارات‪:‬أيها الخا العظيم أنا الموت فال أحللد للله‬
‫سلللطا عليلله وأنللا أ أعللدك بمللد عمللرك فهللذا للليس بمقللدوري ولكننللي‬
‫أسللتطيع أ أدلللك أ تعلليش علللى نحللو فللحي سللليم فتسللتمتع بالصللحة‬
‫والعافية ونا قسم هللا لك نن عمر‪ .‬انتعضت أسارير الجبار فقد كا يتوقللع‬
‫جوابا ً غير هذا‪ .‬أنهى الحديث نللن فللوره وأرسللله إلللى خيمتلله المخصصللة‪.‬‬
‫وفي نقابلة الحقة توجه الطاغية إلى سؤال الفيلسللوف عللن شلليء آخللر ال‬
‫عالقة للله بللالموت والحيللاة بللا ألوانلا ً نختلفللة نللن المعرفللة وكللا شللغوفا ً‬
‫بمعرفة الجديد بقدر شغفه بألوا القتللا‪ .‬إ ظللاهرة اإلعصللار المغللولي لللم‬
‫تدرس بما فيها الكفاية حتى اآل خافة أ نصيبنا كا نترعا ً ننهللا كأسلا ً‬
‫دهاقا ً نن العذاب‪ .‬وعندنا يذكر المؤرخ ابن ااثيللر عللن االجتيللاح المغللولي‬
‫للمعمورة في أيانه يقول إننا لم نعهد هذا االنسياح في اارض ولللم نسللمع‬
‫به نن قبا فللي كللا فتوحللات القللواد العسللكريين نثللا االسللكندر أو قللورش‬
‫وهؤالء فتحوا نن الممالك في سنة واحدة نا يحير نن اتساعه‪ .‬ولللم ينتبلله‬
‫ابن ااثير إلللى التقنيللة العسللكرية التللي اسللتعملها التتللار فهللم لللم يخضللعوا‬
‫اارض لجبللروتهم انهللم كللانوا قسللاة وسللفاكي دنللاء بللا بفعللا أسللاليب‬
‫طوروها لفترة طويلللة حتللى تمكنللوا نللن نافلليتها وبللدأوا بتطبيقهللا علللى‬
‫الشعوب التي ساقها القدر تحت نصلهم المرهف‪ .‬ونللن المصللادر االمانيللة‬
‫عرفت أ تطويرا ً نهما ً أحدثوه في طرائللق القتللال وهللي الفللرق المحمولللة‬
‫كما فعا النازيو الحقا ً بحما وحدات عسكرية كانلة على ظهر المدرعات‪.‬‬
‫وذكللر بعللض المللؤرخين هللذا الشلليء ولكللن كخصللال فرديللة عنللد الجنللدي‬
‫المغولي نن التحمللا والجلللد وللليس كتكتيللك عسللكري نطللور وبللالطبع لللن‬
‫نتوقع نن نؤرخ قرو أوسطي أ يصا إلللى نثللا هللذا االنتبللاه ولعللا ابللن‬
‫خلدو يمثا شذوذا ً على القاعدة انلله ينتبلله إلللى القواعللد اللوجسللتية فللي‬
‫تحرك الجيوش الكبيرة عندنا يكذّب خبرا ً أورده أحللد المفسللرين أ جلليش‬

‫‪52‬‬
‫نوسى في التيه كا ‪ 600‬ألف نقاتا فقللال (ال يعقللا) أ يحللارب جلليش ال‬
‫يعرف طرفه ناذا يحدث في الطرف اآلخللر نللن هزيمللة أو نصللر‪ .‬وبللالطبع‬
‫فإ هتلر استطاع أ يدفع بعمليللة برباروسللا إلللى روسلليا بخمسللة ناليللين‬
‫جندي ولكن بعد أ تطللورت وسللائا االتصللاالت ‪ .‬وعنللد المغللول بللدأ حمللا‬
‫الفرق العسكرية على ظهور الخيا نثا ندرعات هتلر نللن نسللتوى القللر‬
‫الثالللث عشللر‪ .‬ولكللن سللر جنكيزخللا أنلله اسللتطاع أ يجمللع هللذه الللذئاب‬
‫البشرية للمطاردة دفعة واحدة‪ .‬فكللا غضللبا ً وألملا ً انللم قاسللت نللا قاسللت‬
‫ودفع المسلمو النصيب ااوفى نن هذا االللم ااكبللر وكللذلك أخللذ ربللك إذا‬
‫أخذ القرى وهي ظالمة إ أخذه أليم شديد‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫فلسفة الزلزال ؟‬
‫عند الساعة ‪ 5‬و ‪ 28‬دقيقة نن فباح ‪ 26‬ديسمبر ‪2003‬م زلزلت اارض زلزالها في ندينة بام‬
‫اإليرانية فانتهت حياة أكثر نن ثالثين ألف إنسا تحت اانقاض نع أ قوة الزلزال لم تزد عن‬
‫‪ 6,3‬وهي بعرف الجيولوجيين نتوسطة القوة‪ .‬وال يستبعد أ يأتي إنسا خرافي فيقول إ أها‬
‫بام (روافض) رفضهم هللا فعاقبهم‪ .‬ولكن قبا سنوات اهتزت اارض في تركيا فقتا فيها نن‬
‫المسلمين (السنة) عشرين ألف‪ .‬وبعد زلزال بام توجه الزلزال إلى أقصى اارض فضرب‬
‫جزيرة (بالي) في أندنوسيا ثم قفز إلى غرب اارض فضرب ندينة (نكسيكو سيتي)‪ .‬وخالل‬
‫الشهر الفائت لوحده اهتزت اارض أكثر نن ‪ 200‬نرة ننها عشر نرات بقوة تجاوزت ‪6‬‬
‫ريختر‪ .‬وفي عام ‪1992‬م ضرب الزلزال (القاهرة) فخرت اابنية الضعيفة ونجت القوية‪ .‬ونا‬
‫حدث (للشيعة) في إيرا و(السنة) في تركيا والقاهرة حدث (للمسيحيين) في ندينة (سا‬
‫فرانسيسكو) عام ‪ 1906‬فارتجت اارض وأفبحت المدينة كونة أشباح‪ .‬وفي عام ‪1995‬‬
‫ضرب الزلزال ندينة (كوبي) اليابانية وهم ليسوا شيعة وال سنة وال نسلمين وال نسيحيين‪ .‬ولم‬
‫يفرق الزلزال في ضربته بين عقائد الناس بقدر خضوعهم جميعا لقانو واحد‪.‬‬
‫وعندنا تجتاح الكوليرا بلدا فبسبب القذارة‪ .‬وفي عام ‪ 1905‬كا يموت نن أها ندينة هانبورج‬
‫االمانية كا يوم ألف نريض بالكوليرا‪ .‬وعندنا ينفجر الطاعو في الهند فبسبب عبادة الجرذا‬
‫وكنيسة (أيافوفيا) التي حولها نحمد الفاتح ظلما إلى نسجد أنهى بناءها عام ‪ 537‬م نهندسا‬
‫عبقريا هما (انتيميوس) و(ازيدوريس) بكلفة نليار جنيه إنجليزي وحسبا حساب الزالزل قبلا‬
‫كا شيء‪ .‬وكا الناس في أيانهم إذا بنوا زادوا في الحجارة فجعلوها أثقا وأقسى أنا هما ففعال‬
‫العكس باالنتباه إللى أ نلا يصلمد فلي اللزالزل لليس الثقلا بلا الدينانيلة والخفلة وهكلذا بنيلت‬
‫الكنيسة نن نواد خفيفة فنجت‪ .‬وقام المهندس التركلي (أحملد جقملق) علام ‪ 1992‬نلن جانعلة‬
‫برنستو بدراسة تحما أيافوفيا للزالزل فوضع أجهزة حساسة فلي كلا البنلاء ثلم قلام بإدخلال‬
‫المعلونات إلى الكمبيوتر ثم أجرى اختبار تخيلي فيما للو تعرضلت المنطقلة لزللزال نخيلف نلن‬
‫عيار ‪ 7.5‬ريختر فكانت النتيجة فمود البناء‪ .‬و في أغسلطس علام ‪ 1999‬جلاء وقلت االختبلار‬
‫الفعلي فاهتز كا شيء بما فيها أيافوفيا وهلك آالف الناس تحت اانقاض أنا (أيافلوفيا) فللم‬
‫يسقط ننها حجر ولم يتصدع فيها جدار ويبدو أنها ستعيش ألف سنة أخرى‪.‬‬
‫وهكذا فالزلزال ال دين له وهو غير حزبي وغير نتحيز ويضرب الجميع وفق قانو يعرفه‬
‫العلماء في تصدع الصفيحات القارية وافطدانها ببعض‪ .‬وحيث يغضب ينفجر‪ .‬ولن تجد لسنة‬
‫هللا تبديال ولن تجد لسنة هللا تحويال‪.‬‬
‫وننذ القديم يذهب الناس في تفسير الزالزل نذاهب شتى‪ .‬ونحن نعلم اليوم أننا نسكن فوق فر‬
‫يقذف بحممه بين الحين واآلخر‪ .‬وليس بيننا وبين باطن التنور إال قشرة رقيقة نن اارض ونا‬
‫تحتنا نار تتلظى والزلزال‪.‬‬
‫وفي اليوم الواحد تهتز اارض أكثر نن ‪ 27‬نرة في أناكن شتى‪ .‬وفي السنة ترتج أكثر نن‬
‫عشرة آالف نرة بقوة ‪ 4‬ريختر ننها عشرين هزة (رئيسية) ونائة (قوية) وآالف (المتوسطة)‬
‫وعشرات اآلالف نن التي ال يشعر بها الناس‪ .‬ونا زاد عن ثمانية ريختر فيحدث نرة في كا‬
‫عام‪ .‬وقبا ‪ 75‬ألف سنة انفجر بركا كراكاتو في أندنوسيا فأهلك نعظم البشر ولم يبق على‬
‫ظهر اارض أكثر نن بضعة آالف تابعوا رحلة الجنس البشري‪.‬‬
‫وهناك تصدعات ونسارات للزالزل نعروفة نثا فدع اندرياس والبحر ااحمر‪ .‬والخسائر‬
‫تحدث بضعف المباني اكثر نن قوة الزلزال كما يحدث في المرض فانهيار الجهاز المناعي‬

‫‪54‬‬
‫يؤهب للمرض أكثر نن قوة الجرثوم‪ .‬وسبب سماع الناس بالزلزال هو المكا واإلفابات‪ .‬وفي‬
‫‪ 5‬ديسمبر ‪ 2003‬ضرب الزلزال جزر الكوناندورسكي بقوة ‪ 6,6‬ريختر ولكن لم يسمع أحد‪.‬‬
‫وقد يستفيد العلماء في يوم فيوظفوا هذه الطاقة الفلكية نن قوة الزلزال فيفجروا البراكين في‬
‫أناكن نعينة نن قشرة اارض كما تفعا المرأة نع الطنجرة البخارية بالتنفيس فيستخدنوها كما‬
‫حدث نع الطاقة النووية والبخارية فسارت القطارات وأنكن لمفاعا نووي تزويد ندينة بالطاقة‬
‫لمدة عام‪ .‬وفي يوم كانت الكهرباء فواعق تحرق المباني وتقتا الناس واليوم حبست الكهرباء‬
‫في سلك وال نستغني عنها لحظة‪.‬‬
‫وهناك أفكار جريئة عن استخدام السالح النووي ليس للحرب با في جراحة المناخ‪ .‬ويمكن‬
‫بتفجيرات نووية ندروسة إذابة القطب الشمالي وقلب كانا نناخ سيبريا وشمال كندا فتصبح‬
‫حدائق ذات بهجة للناظرين‪.‬‬
‫وهكذا فالظواهر الكونية قد تكو نصدر رعب لألنيين فيعبدوا الحجر والبشر أحياء وأنواتا‪.‬‬
‫وقد يفكر عبقري في شوك الحدائق فيستخرج ننه نظانا جديدا لألحذية فتشد بشريط يتشابك‬
‫فيه سطح خشن نع ناعم بدو خيطا ‪.‬‬
‫وبركا فيزوف انفجر ليس ا أها بونبي كانوا فجرة فأها رونا كانوا أفجر فلم يالنسهم‬
‫واستمروا يعربدو ‪ .‬فيجب فتح العقا على فهم سنن حدوث ااشياء وإال كنا نكذب على هللا‪.‬‬
‫وينقا لنا التاريخ وقائع نثيرة ففي أيام (نور الدين الزنكي) احتدنت الحروب واشتدت الزالزل‬
‫وهبطت الكنيسة في إنطاكية على رأس أثناسيوس بطريق اارثوذكس وقساوسته وهم يؤدو‬
‫القداس فاعتبر الكاثوليك ذلك نعجزة إلهية‪ .‬ولكن الزالزل ضربت يونها الجميع نسلمين‬
‫وفليبيين‪ .‬نن حلب حتى طرابلس‪.‬‬
‫وفي عام ‪1755‬م نن فباح أول نوفمبر احتشد الناس في الكنائس في لشبونة بكانا زينتهم في‬
‫عيد (كا القديسين) فاهتزت اارض وفي ست دقائق تهدنت ثالثو كنيسة وألف ننزل ونات‬
‫تحت اانقاض خمس عشرة ألف إنسا وجرح نثلهم في واحدة نن أجما عوافم العالم يونها‪.‬‬
‫وبدأ الناس يحاولو تفسير نا حدث فأنا (ناال جريدا) وهو أحد اليسوعيين فقال أ الزلزال‬
‫كا عقابا نن هللا على الرذيلة التي استشرت في لشبونة‪ .‬ولكن الزلزال قضى على القساوسة‬
‫المتبتلين والراهبات المتفانيات في الخدنة ووفر ألد أعداء اليسوعيين كما يقول المؤرخ (ويا‬
‫ديورانت)‪.‬‬
‫أنا أها المغرب فهللوا للحدث يونها واعتبروه انتقانا ً إلهيا ً نن نحاكم التفتيش في البرتغال‪،‬‬
‫ولكن الزلزال لم يعف عن المغرب فك َّما طريقه إلى الرباط فهدم المسجد ااعظم فيها فخر على‬
‫رؤوس الناس وهم يصلو ‪.‬‬
‫أنا (البروتستانت) فقالوا إ هذه الكارثة هي استنكار السماء لجرائم الكاثوليك ضد اإلنسانية‪.‬‬
‫وأعلن (وليم روبرتو ) أ نذبحة لشبونة هأبرزت عظمة هللا في أبهى فورهاه ولكن الجواب‬
‫عن هذا التفسير جاء بعد ‪ 18‬يونا حيث زلزلت اارض زلزالها على الحافة ااخرى نن‬
‫ااطلنطي فقتا في ندينة (بوسطن) اكثر نن خمسة عشر ألفا ً نن (البروتستانت)‪.‬‬
‫وحتى فولتير وقف نذهوالً أنام فظاعة الحدث ولكنه استشاط غضبا نن سخف التفسيرات‬
‫وكتب يقول في ذروة الحز ‪:‬ه أي جريمة ارتكب هؤالء ااطفال الذين اغتالهم الزلزال وسالت‬
‫دناؤهم وهم في أحضا أنهاتهم؟ وها كانت رذائا لند أو باريس أقا نن رذائا لشبونة؟ و‬
‫نع ذلك دنرت لشبونة وباريس ترقص‪.‬‬
‫أنا جا جاك روسو فاعتبر أ نا تعاني اإلنسانية نن علا وشرور هو نتيجة اخطاء البشر‬
‫وإ زلزال لشبونة هو عقاب عادل لانسا لتخليه عن الحياة الطبيعية وإقانته في المد ولو‬
‫أ الناس التزنوا الحياة البسيطة في نساكن نتواضعة لما حصا كا هذا الدنار‪.‬‬
‫وفي العصور الوسطى كا البابا الكسندر السادس يعاني نن التهاب نفافا الزهري ولكنه‬
‫كا يعزي سبب نرضه إلى تعكر نزاج المريخ ونحن نعرف أ الزهري ينتشر بالزنا‪ .‬وكانت‬
‫الكنيسة يونها تبيع تذاكر لدخول الجنة وتعالج السعال الديكي بلبن الحمير‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫إ خطورة العقا الخوارقي أنه يعطا كا جهد بشري‪ ،‬والعقا العربي اليوم نغتال بسموم نن‬
‫التصور الخوارقي لألشياء والفهم المقلوب للتاريخ‪ .‬وحينما سقطت المركبة (كولونبيا) في‬
‫ننطقة اسمها فلسطين في أنريكا حسبها العرب انتصارا للالنتفاضة‪ .‬وعندنا زحف اانريكيو‬
‫على بغداد في ربيع ‪2003‬م ثار الغبار فاعتبر البعض أ هللا يقاتا بجانب فدام‪ .‬وعندنا انفجر‬
‫شالينجر نكوك الفضاء اعتبره البعض عقوبة إلهية‪ .‬ونظر اانريكيو إلى الحدث أنه خطأ فني‬
‫وأرسلوا بعده العشرات‪ .‬وفي يناير ‪ 2004‬أرسا المكوك الفضائي اانريكي روفر فورا نن‬
‫المريخ‪ .‬فمن يبني عقله على العلم يبني لنفسه بيتا في المريخ‪ ،‬ونن يبنيه على الخرافة ينحبس‬
‫في خانة المجهول والتخلف ونرض القراد الذي يضرب النحا فيقص أجنحتها فال تطير وال‬
‫تجني الرحيق‪ .‬وال يبقى قفيرا وال عسال‪ .‬ونن يمشي على رأسه يخسر رأسه ورجليه نعاً‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫المغزى الفلسفي‬
‫النتشار مرض اإليدز‬
‫في عام ‪ 1981‬نيالدي تم اإلعال رسميا ً عن والدة نرض جديد في العالم للم يكلن نعروفلا ً نلن‬
‫قبا وأخترع له أسم يناسب ظاهرته الخطيرة = نرض نقص لمناعلة الكسلبي ويجملع الحلروف‬
‫ااولى نن كلمات المرض باللغة الالتينية تمت تسمية هذا المولود الجديد (اإليلدز) ‪)1( AIDS‬‬
‫يشلك هذا المرض اليوم تحلدا ً قاسليا ً نزدوجلا ً للجلنس البشلري تحلديا ً فلي وجله التقنيلة الطبيلة‬
‫وتحديا ً اخالقيات وضمير الجنس البشري فكم أنه نا زال يقتا المئات يونيلا ً ويصليب الماليلين‬
‫ويهدد دوالً بأكملها كما في القارة السوداء أفريقيلا فإنله يطلرح تسلاؤالً فلسلفيا ً نزدوجلا ً بلنفس‬
‫الوقت ‪:‬لماذا تولد أنلراض للم تكلن نعروفلة نلن ذي قبلا ونلا نعنلى انفجلار بعلض اانلراض‬
‫التاريخية في أوساط االنحراف الخلقي كما هو في نرض اإلفرنجي سابقا ً وفي الوقت الذي يغير‬
‫نرض اإليدز نن طبيعته فيبدأ بانتقال واالنتشلار عبلر الهلواء ولليس فقلط التملاس الجنسلي أو‬
‫تلوث الدم فإ البشرية نهددة بطاعو نوعي جديد في ظا عدم وجود لقاح أو دواء نوعي لهذا‬
‫المرض حتى اآل وال نريد في هذا البحث السريع الذي كتب عنله أطنلا اللورق ونئلات اآلالف‬
‫نن الكتب أ نزيد في حقنة الذعر والفزع كما يجلب أال نصلاب بلالغرور والحملق واالسلتخفاف‬
‫فمرض اإلفرنجي في التاريخ استمر أكثر نن أربعة قرو يحصد اارواح ويعاني ننه البشلر إال‬
‫أ القفزة العلمية والطبية التي حققها اإلنسا في الوقت الحاضر تعطينا ضوءا ً نن التفلاؤل فلي‬
‫عدة اتجاهات وسرعة الكشلف علن هويلة الملرض وتطلور تقانلات جديلدة فلي نسلتوى البحلث‬
‫الخلوي والجيني با رب ضارة نافعة فقد تكو لعنة اإليدز الجديدة الطريق لفلتح البلاب وكشلف‬
‫اللغز عن أسرار السرطا فطالملا كلا فتلك نلرض اإليلدز فلي نسلتوى نلواة الخليلة ولتركيلب‬
‫الجيني فإ االنطالق للتخلص نن المرض والقضاء عليه هلي فلي تطلوير تقنيلة فهلم الجينلات‬
‫وكيف تعملا وحقلا السلرطا هلو هنلا فقلط يحقلق الجلنس البشلري إذا ً الحللم القلديم ويضلرب‬
‫عصفورين بحجر واحد أي القضاء على السرطا هو هنا فقط يحقق الجلنس البشلري إذا ً الحللم‬
‫القديم ويضرب عصفورين بحجر واحد أي القضاء على السرطا جنبا ً إلى جنب نع الكشف عن‬
‫سر فتك اإليدز نع هذا يبقى الجدل الفلسفي أ المزيد نلن كشلف العلالم ال يعنلي تقللص هلانش‬
‫المجهول بأتساع حقا المعلوم با أ المزيد نن المعرفلة تكشلف أضلعاف أضلعاف حقلا الجهلا‬
‫عندنا يعلم اإلنسا فإنه في الواقع يعلم كم هلو جاهلا بقلدر أكبلر نلن كلم هلو يعللم ويقلود هلذا‬
‫بالتالي إلى نعنى أخالقي رفيع في التواضع كملا تنلزل أغصلا الشلجرة الثقيللة المحمللة بثملار‬
‫المعرفة إلى اارض خشوعا ً وسجودا ً للخالق العظيم‪.‬‬
‫إذا كا اإلعال عن والدة اإليدز في تاريخ الجلنس البشلري كلا فلي علام ‪ 1981‬نليالدي فلإ‬
‫نلفات التاريخ تنقا لنا قصة نثيرة في أعراض نرض جنسي آخلر فلي علام ‪ 1493‬نليالدي أي‬
‫قبللا خمسللة قللرو نللن آ عللرف هللذا المللرض بللالزهري (السلليفلس ‪ )2( )SYPHILIS‬أو‬
‫اإلفرنجي بإعتابر نصدره الغربي (اإلفرنجي)‪.‬‬
‫كانت بداية المرض نرتبطة بواقعة عسكرية تافهة تتكرر كثيلرا ً فلي نيلادين القتلال فلي أوروبلا‬
‫حيث تحرك الملك الفرنسي كارل الثانن في نحاولة لالسلتيالء عللى ندينلة (نيابلا) فلي إيطاليلا‬
‫بجيش يضم خليطا ً نتنافرا ً نن المرتزقة (أسبا وهولنديو وألما ‪....‬الخ) قوانله ثالثلو أللف‬
‫جندي وفي نؤخرة الجيش تم ضم خمسمائة انرأة لحاجة الجيش الجنسلية ويلروي لنلا التلاريخ‬
‫أ هذه الحملة التي نارست المتعة الجنسية بغير حدود فلي رحلتهلا فلي ااراضلي اإليطاليلة للم‬

‫‪57‬‬
‫تنته إلى وكا هذا المرض قد ولد بانفجار نروع يحمله الجنود المرتزقة حيث نشوا إللى اللبالد‬
‫التي خرجوا ننها وبعد خمس سنوات نن هلذه الحمللة أي فلي علام ‪1498‬م قضلى المللك كلارل‬
‫الثانن نحبه عن عمر يناهز (‪ )28‬الثاننة والعشرين بهذا الملرض الجديلد (الزهلري) وابتلدأت‬
‫بعدها رحلة نعاناة رهيبلة لهلذا الملرض اللذي للم يتلرك شلريحة اجتماعيلة إال وأفلابها بشلكا‬
‫نتفاوت في ظا انعدام العناية الصحية ونعرفة كيفية انتشلار اانلراض وتخللف الطلب كلا هلذا‬
‫نترافق نع اإلباحية الجنسية جنبا ً على جنب فحيث العربلدة والخيانلة الزوجيلة تفشلي الملرض‬
‫وحيث النظافة ااخالقية والعائالت المتماسك علف عنهلا وابتعلد وبقلي الملرض يقلوم بهجملات‬
‫ننتظمة طوال أربعة قرو فأفيب به بعض الباباوات نثا الكسلندر السلادس ويوليلوس الثلاني‬
‫وليو العاشر ونظرا ً النتقاله عبر المشيمة فقاد إلى تحوالت تاريخية كملا هلو فلي نللك بريطانيلا‬
‫هنري الثانن الذي فقدت زوجته أربعة أطفال نن اللذكور فعلزم عللى اللزواج نلن انلرأة أخلرى‬
‫وهو نا لم تسمح به الكنيسة الكاثوليكية فقلام بنقلا الملذهب البروتسلتانتي إللى بريطانيلا فكلا‬
‫نرض اإلفرنجي خلف التحول الديني في بريطانيا با والقاعدة الصناعية لما بعد على نلا حلرره‬
‫فيلسوف االجتماع (ناكس فيبر) الذي ربط بين االنطالقة الصناعية في أوروبا وانتشار الملذهب‬
‫البروتسلتانتي فلي كتابلله (روح الرأسلمالية وااخلالق البروتسللتانتية) باعتبلار وجلود نقونللات‬
‫عقلية خافة في الوسط البروتستانتي نن رح المبادرة والروح العملية وتقدير العملا والكسلب‬
‫فاانراض إذا ً وانتشارها تصنع التاريخ أحيانا ً كما نرى في هذا المثا الذي بلين أيلدينا وإذا كلا‬
‫نرض اإلفرنجي ينتقا في الرحم عبر المشيمة فيؤدي إلى اإلسقاطات فموت ااجنة فإنه يفعا ال‬
‫أقا نن ذلك في حاالت أخلرى حيلث ال يملوت الجنلين ولكنله يحملا الملرض بصلورة خفيلة فلي‬
‫الدناغ لينفجر بشكا ال حق وبعد عشلرات السلنوات وال يسلتبعد أ جنلو الفيلسلوف االملاني‬
‫(نيتشه) فاحب كتلاب (هكلذا تكللم ذرادشلت) وفلاحب نبلدأ العلود اابلدي حملا نلن أنله هلذا‬
‫المرض ليفجر عليه نن خالل تدنير دناغه في وقت ال حق وإننا نحز عندنا نسمع علن فلمم‬
‫الموسيقار بيتهوفن بسبب إفابته أيضا ً بهذا المرض وعشرات شتى نن المفكلرين والرسلانين‬
‫والمبدعين والفالسفة كلهم أفابهم المرض فدنرهم أو أقعدهم نن نثا الرسلام ريتلا والشلاعر‬
‫هيانه والفيلسوف أبراسموس (فاحب المدرسة اإلنسانية) وزوال وفالوبرت وأفاب نلوكا ً نن‬
‫نثا فرانس ااول نلك فرنسا وكريستيا السابع نللك اللدانمرك وقيصلر روسليا إيفلا الرهيلب‬
‫بنفس الوقت الذي نتألم فيه الموت فيلسوف الحداثة الفرنسي (نيشيا فوكو) اللذي قضلى نحبله‬
‫في وقت نبكر عن عمر ال يتجاوز الخمسين بمرض اإليدز‪.‬‬
‫بين عاني ‪1493‬م و‪1928‬م نضت أكثر نن أربعة قرو قبا التمكن نن كشف اللثام عن طبيعة‬
‫المرض والسيطرة عليه وتم استخدام عشرات اادوية بلدو فائلدة تلذكر وللم يتلرك نلن شليء‬
‫نعقول أو غير نعقول إال واستخدم ووجدوا أ أفضا طريقة لتفسير الملرض هلو اتهلام الهلواء‬
‫أو النجوم واابراج حتلى تملت القفلزة النوعيلة العلميلة نلع نطللع القلر العشلرين سلواء فلي‬
‫التشخيص أو العلالج ونظلرا ً ا جرثونلة الملرض تنتقلا علن طريلق الشلرايين فإنهلا ال تتلرك‬
‫جهازا ً نبيالً إلى وتعطبه فهي تعما الصمغ (شبيه الورم) في الدناغ والنخلر فلي العظلام فتسلبب‬
‫الجنو العام في ااول واآلالم الليلية المبرحة في الثاني والتقرحات في ااعضاء التناسللية إللى‬
‫سلسلة نن اإلفلابات المنوعلة واالضلطرابات الوظيفيلة إللى درجلة أ سلقوط الشلعر وبثلرات‬
‫العنق والوجه هي التي طورت المالبس الخافة في قصر فرساي بين الطبقة النبيلة التي كانلت‬
‫تغطي الرأس بالشعر المستعار أو القبعة العالية‪.‬‬
‫في عاني ‪ 1904‬نيالدي و‪ 1906‬م حصا تطورا رائعا بالتتالي على يد كا نن العالم النباتي‬
‫(فريتلز شلاودين) و(فاسلرنا ) حيلث كشلف ااول علن المتسلبب فلي أحلداث الملرض والثلاني‬
‫استطاع أ يضلبط بتفلاعالت خافلة لللدم علن إفلابة اإلنسلا السلابقة وحملله للملرض حيلث‬
‫ظهرت جرثونة المرض تحلت المجهلر كأنهلا الخليط الطويلا الملتلوي أو اافعلى هشلة ضلعيفة‬
‫ولكنهللا خبيثللة نمرضللة (اللولبيللة الشللاحبة) (‪ )3‬وبتفاعللا (واسللرنا ) ( ‪ )4‬أفللبح التفاعللا‬
‫اإليجابي يعني الفضيحة الجنسية لحانله ونمارسة الحرام‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫وفي نيدا العالج حصلت ثالث تطورات رائعة ااولى دشنتها العلالم (بلاول ايللريش) حيلث قلام‬
‫بما يزيد عن (‪ )600‬ستمائة تجربة على اافبغة التي وفلا إللى نركلب فلي المحاوللة (‪)606‬‬
‫السادسة بعد الستمائة تقضي كما تفعا (الرفافة) عللى الملرض واكتشلف الطبيلب (يوليلوس‬
‫فاجنر) النمساوي ظاهرة نلفتة للنظر بتراجع ظاهرة المرض نع تعرض المريض لحرارة عالية‬
‫فإذا أفيب المريض بمرض جانبي نختلف أخر وارتفعت درجة حرارة المريض فإنه يعاني نلن‬
‫الملرض الالحلق نثللا التهلاب الرئلة ولكنلله يتعلافي ويتحسلن نللن نلرض الزهلري (اإلفرنجللي)‬
‫فانقدحت في ذهنه فكرة جريئة نفادها إشعال وقود فناعي داخا الجسم بإحداث نوبات حراريلة‬
‫نتالحقة نثا تعريض المريض لمرض (المالريا) نثالً فالمالريا تقلوم بنوبلات حراريلة نجنونلة‬
‫فللي البللد فلعلهللا بهللذا الحريللق الللداخلي أ تحللرق نللرض اافرنجللي الفظيللع فللإذا تعللافى نللن‬
‫اافرنجي أنكن نعالجة المالريا بمواد (الكينا) بعد ذلك‪.‬‬
‫لقد نال الدكتور فاجنر جائزة نوبا فيما بعد على أبحاثه الجريئة هذه قبلا أ يصلا (فلمنلغ) إللى‬
‫الضربة النهائية والخاتمة التي طوت فلفحة نلرض الزهلري ودفعله واحلدة باكتشلاف المضلاد‬
‫الحيوي الذي هو (عفن) وهكذا سلط فلمنع (العفن) على (العفن) فنجا (البد ) وهي قصة شليقة‬
‫في نحاولة اإلنسا الدائبة للقضاء على المرض ولكن قصة اإليدز هلي فصلا نلوعي جديلد فلي‬
‫تطللور اآلليللات اانراضللية فجرثونللة المللرض هنللا هللي أدنللى طبقللات النافللر اانراضللية أي‬
‫(الفيروسات) (‪.)5‬‬
‫نللرض اإليللدز هللذه المللرة يقللوم بخطللة اسللتراتيجية نختلفللة فهللو أيضلا ً نللن قبائللا الفيروسللات‬
‫العدوانية ولكنه في غاية الخبث والدهاء ويقتلرب نلن نعضللة نلرض (السلرطا ) اللذي يشللك‬
‫التحدي العظيم أنام كفاح اإلنسا ضد اانراض ففيروس نرض اإليدز ال يدخا الجسم أو بعض‬
‫اانسجة ليفرز سمونه كما يحصا في اللصوص والمجلرنين حينملا يسلطو عللى المحلالت أو‬
‫البنوك ال إنه يفضا أ يدخا إلى غرفة العمليات الرئيسية ونفاتيح التشغيا الكبرى فيتحول إلى‬
‫أحد العانلين فيها ال تختلف عنهم بلباس أو تصرف ليدخا با هلدوء وبلدو أ ينتبله أحلد إللى‬
‫خريطة اإلنتاج الكبرى نن المعلونات نا يفسد كا البرنجة با تتحول البرنجة إلى إنتلاج أنثالله‬
‫فيروس اإليدز يدخا إلى الخريطة الجينية داخا نواة الخلية فيقطلع فيهلا لليجلس داخلهلا بحيلث‬
‫تنتج الكرنوسلونات نثيلله وباسلتمرار فالجسلم يعيلد توليلد وتكلاثر نفسله وطلرد الغريلب عنله‬
‫وفيروس اإليدز لم يعد غريبا ً با نن أها البيت وقطعة نن التركيلب العلائلي فمرحبلا ً بمثلا هلذه‬
‫العالقة المشؤونة؟!‪ ...‬إذا ً التحدي التقني اليوم ليس بالقليا وال غرابلة أ يمضلي علن الكشلف‬
‫عن الفيروس كا هذا الوقت وال عالج نوعي وال لقاح له‪.‬‬
‫نحن ال نعرف لملاذا أفليب هلذا الفيلروس البلريء بلالجنو أو نلا يشلبه الملرض اإلندونيسلي‬
‫(اانللوك الوف ل ‪ )6( )AMOKLAUF‬ونللا زال فريللق العلمللاء ال يملللك الجللواب عللن هللذا‬
‫السؤال الذي يحما الطابع الفلسفي في الحقيقة لماذا انفجر نرض الزهري سابقا ً ونرض اإليدز‬
‫ال حقا ً وبالطبع يذهب البعض أنا إلى اتهام القرود البريئة أو حتى ا لخابر السلرية التلي تشلرف‬
‫عليها وكاالت االستخبارات العالمية بأنه كما نرى فلي أفلالم الخيلال العلملي حيلث يلتم اسلتنبات‬
‫جراثيم بعينها وبظروف نا تتسرب إلى الخارج وتحدث الكارثلة وبسلبب ضلغط الثقافلة الغربيلة‬
‫التي تمارس اإلباحية الجنسية وانتشار ثقافة العري والتبذل ااخالقي وانهيلار نؤسسلة العائللة‬
‫وانتشار ظاهرة اللواط إلى درجة أ تصا إلى ‪60‬ل‪ %70‬نن الناس في ندينة أنريكية تملارس‬
‫هذا الشذوذ وتعكف عليه بلا وتقلوم بالمظلاهرات االستعراضلية فلي تبريلره وجعلله عاديلا ً إللى‬
‫درجة أ يعلن عام ‪1973‬م في نؤتمر لعلماء النفس أ الشذوذ الجنسي واللواط لم يعد عيبلا ً أو‬
‫انحرافا خلقيا ً أو نرضا ً نفسيا ً با هو أنر عادي أقول أ كا هذا الضلغط حلاول وال يلزال وتحلت‬
‫الستار بدعوى العلم أ هذا المرض ال عالقة بالشذوذ الجنسي وانحرافاته‪.‬‬
‫لو تأنلنا حدوث المرض أي نرض نعروف هذه المرة لوجدنا أ سبب تفشيه هو اختالل العالقة‬
‫(الوسط ل الجرثوم) فانهيار المناعة أو استفحال الجرثوم هو الذي يكسر هذا التواز ويقود إلى‬
‫الكارثة ويبدو أ فيروس اإليدز ال يخرج عن هذه القاعدة‪ ،‬فكما تلم تلدريب (اللولبيلة الشلاحبة)‬

‫‪59‬‬
‫سابقا ً في أوساط الزنى المتتالية بالتشجيع والتدريب المستمرين إلى حد اإلفلراط نكلن الجرثلوم‬
‫نن تسليح نفسه وتقوية آثره وتعلم طرق فنية جديدة لالنتشار فأ فيلروس اإليلدز ال يشلذ علن‬
‫هذه القاعدة وهو يعشعش في الغشاء المخاطي في أناكن الغائط بشلكا نسلتمر لينتقلا نلن شلر‬
‫إلى شرج بعملية اللواط المستمرة التي دشنها على نا ذكلر أحلد رجلال السليتوارت ل ‪Stewart‬‬
‫الطاقم في خطوط الطيرا الكندية الذي كا يبدل أخدانه أكثر نلن تبلديا قمصلانه وبلالطبع فلإ‬
‫المرض اآل بعد انتشاره في وسط جماعة الشذوذ الجنسي ليمشي بطلرق شلتى إال أنله نلا زال‬
‫الرفيق المالزم اوساط االنحراف الجنسي‪.‬‬
‫وبين الحين واآلخر يتم االعتراف بأ هذا المرض ساق دليالً جديدا ً على نعنلى العفلة ااخالقيلة‬
‫واانانة الزوجية والترابط العائلي على رغم أنف الذين يريدو أ تشيع الفاحشة‪.‬‬
‫كتلاب بملا يزيلد عللى ‪ 400‬فلفحة‬‫ً‬ ‫لقد ساقتني هذه الظاهرة إلى القيام بدراسلة نوسلعة فكتبلت‬
‫شرحت فيه قسمه الطبي ولكنني تأنلته في جوانبه ااخالقية والفلسلفية واللدرس العظليم اللذي‬
‫يؤخذ ننه ولفت نظري أ القرآ الكريم ذكلر قصلة للوط فلي (‪ )14‬أربعلة عشلر نوضلعا ً ننهلا‬
‫بعض ااناكن وفلت إلى نا يزيد على (‪ )15‬خمس عشرة آية في حين أ الزنى ذكر في أربعلة‬
‫نواضع فقط ثالثة ننها ندنجة نع نعا أخلرى ولفلت نظلري أ نقطلة الصلراع ااساسلية فلي‬
‫قصة لوط خالفا ً لقصص اانبياء ااخرى كانت تصلب فقلط فلي االنحلراف الجنسلي فقضلية هلذا‬
‫النوع يعطيها القرآ كلا هلذا الحجلم ال تفهلم فقلط فلي إطارهلا الزننلي والموضلعي ثلم النهايلة‬
‫المرعبة لعملية جراحية كونية كبرى باستئصال ورم اجتماعي برنته لينجو أفراد يهربو عللى‬
‫وجوههم وال يلتفت (حتى التفاتاً) إلى ورائه لما يحدث يجعلنلا نفهلم البعلد ااخالقلي العظليم فلي‬
‫تفجر أنراضا ً نن هذا النوع‪( .‬سنريهم آياتنا في اآلفاق وف أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق)‪.‬‬

‫الهوانش والمراجع‪:‬‬
‫(‪ )1‬كلم اإليققدز ‪ AIDS‬باللاق الال ينيق هققي مجمققوع أربققع كلمققات ( ‪Acauired Immune Defiency‬‬
‫‪)Syndrome‬‬
‫(‪ )2‬مر الزهري (‪ )Syphilis‬يقال أن مصدره يعود إلى أسطورة يوناين م ادهققا أن إلققه الشققمن مققارب‬
‫ال ا ش مع راعي لقطيع الخنازير أسمها (سي لوب) فمنها جاء االسم؟!‬
‫(‪ )3‬اللولبي الشا ب (‪ )Treponema Pallidum‬هي كائن جرثومي أعلى من فصيل الباكتريا يق وجققد‬
‫أن العناصر األمرا ي ندر من ال يروسات و نهي بالكائنات العليا من ال طور والحشرات‪.‬‬
‫(‪ )4‬اعل واسرمان وباألصه فاسرمان ي يل ققظ ققرف ‪ W‬األلمانيق هكققذا (‪ )Wassenmaun‬ول ظق‬
‫فاسر عني باأللماني الماء وهكذا يصبه أسم العققالم (رجققل المققاء) ومققا زال سققاري الم عققول تققى‬
‫اليوم بشيء من العديل‪.‬‬
‫(‪ )5‬ال يروسات أو الحمات الراشح هققي لققك الكائنققات الد يقق التققي ال ققرى إال حققت المجهققر اإللكترونققي‬
‫وكبره بعشرات اآلالف من المرات و ابب أنواعققا مختل ق مققن األمققرا مثققل الحصققب والنكققاف‬
‫وشلل األط ال والرشه والتهاق الكبد واإليدز‪.‬‬
‫(‪ )6‬المر اإلندونياي ق األموك الوف (‪ )Amok Lauf‬عندما يعمد أ د الناب إلى تل مجموع من‬
‫الناب بدون سابع إنذار فيقتحم مدرس أو جامع ليقتل مجموع من أط ققال أو مجموعق ناققاء كمققا‬
‫دث في جامع مونتريال في كندا في لك المذبح الجماعي التي عر ققت لهققا ال تيققات فبققل عققدة‬
‫سنوات‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫االستنساخ البشري‬
‫مثلث العلم والفلسفة واألخالق‬
‫في نوفمبر ‪2001‬م حصا نا كا نتوقعا ً فقد تم اإلعال في أنريكا عن الوفول وللملرة ااوللى‬
‫إلى خاليا بشرية بواسطة االستنساخ الجسدي‪ .‬وحسب تصلريحات الطبيلب اإليطلالي (سليفرينو‬
‫انتينوري) فنحن نتوقع رؤية أول إنسا يأتي إلى العلالم نلع فليف علام ‪ 2002‬م بغيلر طريقلة‬
‫اإلنجاب التقليدية‪ .‬هذه الملرة سليتم اإلنجلاب خالفلا ً لملا حصلا للكائنلات ننلذ ‪ 530‬نليلو سلنة‬
‫وينفك التكاثر عن الجنس‪ .‬ولكن لماذا كا االستنساخ اإلنساني نوضلوعا ً فلي غايلة الخطلورة؟‬
‫في الواقع عندنا أعلن (إيا ويلملوت) نلن (أدنبلرة) فلي (اسلكتلندا) علام ‪1997‬م علن نجليء‬
‫النعجة (دوللي) للعالم بالطريقة الجديدة كا إعالنلا ً ثوريلا ً فلي ثلالث اتجاهلات العلالم والفلسلفة‬
‫وااخالق‪ :‬أوالً بخرق قانو الطبيعة بقانو جديد‪ .‬وثانيا ً أ الطريلق إللى االستنسلاخ اإلنسلاني‬
‫أفبح قاب قوسين أو أدنى والمسألة ال تعدو علن كونهلا وقتلاً‪ ،‬فطالملا كلا اإلنسلا فلي كيانله‬
‫البيولوجي نن عالم المخلوقات فلن يشكا شذوذا وينطبق عليه نا ينطبق على النعلاج والفئلرا‬
‫والقطط‪ .‬وثالثا ً وهلو ااهلم والثلوري أ يلد اإلنسلا كانلت تبحلث فلي الطبيعلة فانتلدت لكشلف‬
‫قوانين المادة أنا هذه المرة فلقد دخلت إلى اإلنسلا نفسله فلي عملق تركيبله وسلر خلقله‪ .‬كلا‬
‫اإلنسا يبحث خارج نفسه فانقلب ليكتشف ذاته‪.‬‬
‫لقد كا القر السابق قر تفكيك كا شيء؛ نن الذرة إلى المجرة‪ ،‬ونن أعقلد الكائنلات‬
‫إلى أبسط التراكيب العضوية‪ ،‬ونن بدء الزنن إلى نصير الكو ‪ .‬وهكذا تم تفكيلك اللذرة إللى نلا‬
‫تحت البناء الذري ليصا العلم إلى الكواركز واللبتونات‪ ،‬ووفا (أحمد زويا) إللى الفمتلو ثانيلة‬
‫في أجزاء خيالية نن تفكيك وحدات الزنن‪ ،‬وفكلك (نلاكس بالنلك) وحلدات الطاقلة إللى رزنلات‬
‫شبه النهائية بميكانيكا الكم‪ ،‬ووفا (آينشلتاين) إللى تجميلد اللزنن نلن خلالل سلرعة الضلوء‪.‬‬
‫ووفا (كريج فنتر) إلى غاية التشريح اإلنساني بفك الجينوم الوراثي‪ ،‬ونع الضربة الجديدة تم‬
‫الدخول إلى سر الخلق نما جعا نجلة (فورة العلم) االمانية تسلمي هلذا التطلور الجديلد (يلوم‬
‫الخلق الثانن)‪ .‬وفي التاريخ عرفنا عمر اارض أنه ‪ 4.6‬نليار سنة‪ ،‬وبدء نشأة الحياة قبا ‪3.8‬‬
‫نليار عاناً‪ ،‬وكيف انفجلر الكلو قبلا ‪ 15‬نليلار سلنة فلي انفجلار عظليم بعلد أ للم يكلن شليئا ً‬
‫نذكورا‪ ،‬وتشكا بعد االنفجار كا نا نعرف نن نادة وطاقة وزنا ونكا وقوانين‪.‬‬
‫نع اإلعال الجديد وفلت يد العلم إلى االستنساخ اإلنسلاني عللى فلورة خاليلا ولليس‬
‫أنانها سوى قفزة فغيرة للوفول إلى إنسا جديد نستحدث‪ ،‬كما حدث للنعجلة (دولللي) التلي‬
‫جاءت نن ثالث أنهات بغير أب واحلد‪،‬نن خليلة تقلنص الملادة الوراثيلة نلن نواتهلا‪ ،‬وبويضلة‬
‫تفرغ نن نادتها الوراثية‪ ،‬ثلم يلدنج الناتجلا تحلت شلحنة كهربيلة نوافقلة وتوضلع البويضلة‬
‫الجديدة في رحم نعجة ثالثة فتبدأ رحلتها كما بدأنا أول خلق نعيده‪ .‬وعند هذه النقطلة تلم إناطلة‬
‫اللثام عن أجما أسرار البيولوجيا‪ ،‬والعلم ينمو بهذه الطريقلة نلن المراقبلة والحلذف واإلضلافة‬
‫والتراكم المعرفي‪ ،‬وكثير نن اانور تم الوفول إليها كناتج ثلانوي نلن نراقبلة ظلاهرة لشليء‬
‫نختلف‪ ،‬والفياجرا اكتشف أثرها في نعالجة العنة وكانت باافا نخصصة لمرضى القلب‪ ،‬وفي‬
‫قصة االستنساخ التي بين أيدينا تم الكشف عن الرحلة التطورية وأسرارها عند الجنين‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫إ الخلية سواء كانت نلقحة بالطريق العادي أو االستنساخي تتكاثر على شلكا سلسللة‬
‫هندسية‪ 1 :‬ل ‪ 2‬ل ‪ 4‬ل ‪ . 8‬فإذا أنسكنا بالخلية الملقحة العادية عند االنقسلام الثاللث عنلد اللرقم ‪8‬‬
‫فيمكن المحافظة على نتابعة رحلة التخلق بخلية واحدة فقط‪ ،‬وحفلظ الخاليلا السلبع الباقيلة فلي‬
‫سائا اآلزوت في درجة حرارة ‪ 160‬تحت الصفر‪ ،‬بحيث يمكن المحافظة على هذه الخاليا السبع‬
‫المثاني في رحلة تقترب نن اابدية حتى عشرة آالف سنة‪ ،‬كما يمكن استدعاءها للحياة فلي أي‬
‫لحظة حالما تودع الكفن الجليدي إلى ربيع الحياة ودفئها‪ .‬وهذه الطريقة نن إنكانية تكرار إنتاج‬
‫نسخ أفلية نن الكائن الذي خرج للحياة هي االستنساخ الجنسلي‪ .‬أنلا رحللة التكلاثر فهلي تملر‬
‫طبقا ً عن طبق خلقا نن بعد خلق في ظلمات ثالث‪ .‬وعند اليوم السادس نن التلقيح تتكور الخاليا‬
‫نشكلة كيسا ً ينتأ في طرف ننه نجموعة نتراكبة نن الخاليا في ‪ 140‬خلية‪ .‬وحتى اليلوم ‪ 16‬ال‬
‫تتملايز الخاليللا وتتمتلع بصللفتين ندهشلتين‪ :‬ااولللى أنهلا خاليللا خاللدة‪ ،‬وأنهللا نتشلابهة وغيللر‬
‫نتخصصة فال تعرف خلية عن خلية‪ ،‬ثم يحصلا االنقلالب العظليم‪ .‬حيلث تبلدأ وتحلت تلأثير سلر‬
‫نغيب في التحول وكأنهم فريق نسرحي نتشابه بدأ كا ننه في التنكر بمالبس جديلدة نلن نللك‬
‫وخادم وجندي‪ .‬كذلك تفعا الخاليا تحت وحي خفي ونن خالل لغة كيمياوية لم يحلط الطلب حتلى‬
‫اليوم بأسرارها‪ .‬عند اليوم ‪ 16‬تتشكا ثالث طبقات نلن الخاليا‪:‬الخارجيلة تشلكا اللدناغ والجللد‬
‫والحواس والغدد العرقية‪ ،‬والطبقة الوسطى تكو العضلالت والعظلام‪ ،‬والطبقلة السلفلية تظهلر‬
‫الرئتين والكبد والمعثكلة واانعاء‪ .‬كا قلد عللم فلالته وتسلبيحه‪ .‬كلا بقلدر وسلرعة نحسلوبة‬
‫وتكللاثر نللدروس وكللا خليللة تللذهب لتأخللذ نوضللعها نللع بقيللة الخاليللا فللي سلليمفونية ندهشللة‬
‫ونوسيقة عذبة‪.‬‬
‫إ نيللزة الخاليللا قبللا التميللز أنهللا تتكللاثر بللدو نللوت ربمللا بسللبب إشللباعها بخميللرة‬
‫(التيلونيراز) التي تحافظ على (الكرونوسوم) نن اإلهتراء‪ ،‬وعكسه يحصلا نلع التميلز وتقلدم‬
‫السن‪ ،‬فالموت هو برنجة جينية نن خالل تآكا نهايلات الكرونوسلوم فلي نلواة الخليلة‪ .‬ويعملا‬
‫الباحثو على إناطة اللثام عن هذا اإلنزيم نن أجا إطالة الحياة‪.‬‬
‫والقرآ الكريم ذكر هذا التتابع في رحلة التطور نن ه(نطفة) في قرار نكلين ثلم خلقنلا‬
‫النطفللة (علقللة) فخلقنللا العلقللة نضللغة فخلقنللا المضللغة عظانللا فكسللونا العظللام لحمللاه (كلهللا‬
‫بمترادفات سريعة نن حرف الفاء) وبعدها تأتي المرحلة الحاسلمة بتعبيلر ه(ثلم) أنشلأناه خلقلا ً‬
‫آخر‪ .‬فتبارك هللا أحسن الخالقيه ‪ .‬وهذا يعني أ رحلة الخلق التطورية (وخلقكلم أطلورا) تملر‬
‫في نرحلة بيولوجية (غير إنسانية) لتقفز بشكا نوعي الحقا ً إلى التميز اإلنساني‪ ،‬وهو اإلشكال‬
‫الذي يقع فيه بين نن يخلط بين (الحياة) العادية ونرحلة (الروح) اإلنسانية‪ .‬أو بتعبيلر الحلديث‬
‫( ثم ينفخ فيه الروح)‪ .‬وهو نا دعا الفيلسوف ااسترالي (بيتر سنجر) إلى فهم الحياة أنها حيلاة‬
‫الفهم اإلنسانية‪ .‬أكثر نن كونها نجموعات خلوية ال تزيد عن حياة النباتلات‪ ،‬وهلو اللذي يطللق‬
‫على حالة نوت الدناغ‪ .‬هذه القفزة النوعية هي التي تميز اإلنسا بل (النشأة اآلخرة)‪.‬‬
‫ونن أجما نا اكتشف العلم فلي رحللة الخاليلا الجذعيلة أنهلا تتحلول عللى نحلو سلاحر‬
‫وبسر نغلق إلى ‪ 210‬نوعا ً نن اانسجة تضلم ‪ 70‬نليلو نليلو خليلة فلي نلواة كلا خليلة ‪23‬‬
‫زوجا ً نن الكرونوسونات تضم ثالث نليارات حمض نووي‪ ،‬ويتم أخذ نسلخ (كلوبي) نلن نائلة‬
‫ألف نن الجينلات ويزيلدو بمعلدل ‪ 500‬بليلو نسلخة فلي الثانيلة الواحلدة بلدو خطلأ واحلد‪.‬‬
‫وتتكاثر الخاليا على نحو نذها وبتنسيق نشترك بين كا خاليا الجسم‪ ،‬فالكلا يعلرف الكلا‪ ،‬كملا‬
‫وفف هللا المالئكة ونا ننا إال له نقام نعلوم وإنا لنحن الصافو وإنا لنحن المسبحو ‪ .‬فالخاليا‬
‫العصبية نثالً تتكاثر بمعلدل ‪ 400‬خليلة فلي الثانيلة الواحلدة أو ‪ 24‬ألفلا فلي الدقيقلة لتصلا فلي‬
‫النهاية إلى أكثر نن نائة نليار خلية عصبية تعما كما واحدا فلي قبضلة نتناسلقة‪ .‬ولقلد حلاول‬
‫العالم (جليمس طونسلو ) نلن جانعلة (فيسكونسلين) لملدة ‪ 17‬عانلا ً اكتشلاف هلذه الكيميلاء‬
‫السحرية التي تقلب الخاليا الجذعية المتشابهة إلى نتخصصة بحيث يندفع سرب ليشلكا الكبلد‪،‬‬
‫أو يختار فريق تكوين عضلة القلب‪ ،‬أو تنفرد جماعة بتشكيا الدناغ‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫إنه يمكن االستفادة نن نفس التقنية لشفاء العديد نن اانلراض؛ فتؤخلذ نجموعلة نلن‬
‫الخاليا الجذعية ثم نخاطبتها بإطعانها بمادة تشتهيها تقنعهلا بالمضلي فلي إنتلاج خاليلا عضللة‬
‫قلبيلة فتؤخلذ وتلزرع فلي قللب نعتلا فينشلط نلن اعلتالل‪ .‬أو نلريض باركنسلو فيتوقلف علن‬
‫االرتجاج‪ ،‬أو نريض سكري فيتحرر نن العفن‪ ،‬با وحتلى يمكلن للمشللولين أ ينهضلوا بلزرع‬
‫أنللاكن اإلفللابة بخاليللا عصللبية تأخللذ وظيفللة الخاليللا التالفللة‪ .‬إنهللا فللتح جبللار فللي عللالم الطللب‬
‫والشللفاء‪ .‬ولكللن المشللكلة أ هنللاك نللن يريللد فرنلللة نسلليرة العلللم أحيانللا باسللم الللدين بللاقتالع‬
‫نصوص نن سياق نجراها وتوظيفها ضد العلم‪.‬‬
‫وهكذا تم االستفادة نن تقنية االستنساخ الجسدي كما شرح (خوزيه سيبيلي) نن نعهلد‬
‫(التكنولوجيا المتقدنة للخاليا ‪ )ACT‬نن (ناساشوسلت) عنلدنا فاجلأ جمهلور الصلحفيين أنله‬
‫أخذ خلية كشطها نن باطن فمه ثم قام بانتزاع المادة الوراثية ننها ثم حقنها في بويضة نفرغة‬
‫نن نادتها الوراثية سابقا ً بذلك حتى (إيا ويلملوت) فتجربتله كانلت علام ‪96‬م ولكلن (الصلدنة‬
‫البيولوجية) كانت للمأل حينما أخبرهم أنه كسر الحواجز بين اانواع فزرعها في بويضلة بقلرة‪.‬‬
‫ويذكر (عبد المحسن فالح) في كتابه (التنبؤ العلمي ونستقبا اإلنسا ) نلا هلو أفظلع نلن هلذا‬
‫حينما دنجت المادة الوراثية لفأر نع اإلنسا وكانلت النتيجلة لصلالح فلأر الحقلا حينملا قلرض‬
‫الكرونوسونات البشرية فذاب اإلنسا وبقي الفأر‪.‬‬
‫إ البعض يظن أنه يمكن فرنلة العلم بقذفه بالهرطقة والمروق كما فعللت الكنيسلة نلن‬
‫قبا فأحدثت شرخا ً لم يلتئم حتى اليوم وجندت كلا النصلوص واادللة العقليلة والنقليلة لهرطقلة‬
‫جاليلو وحرق جيوردانو برونو واختفاء ديكارت إلى الظلا وأ يكتلب سلبينوزا كتبله بملا يشلبه‬
‫ااحاجي‪.‬‬
‫عندنا ولدت (لويزا براو ) كأول طفلة أنابيب ارتج العلالم وظنلوا أ السلموات انشلقت‬
‫واليوم يركض اآلباء لتطبيق هذه الطريقة بكا توسا‪ .‬وعنلدنا تقلدم (كلارل جيراسلي) بمانعلات‬
‫الحما ذعر الناس نن دخول آخر الزنا وأ النساء يمكلن أ تملارس الحلرام وهلي ال تخشلى‬
‫الحبللا‪ ،‬واليللوم تتنللاول النسللاء نانعللات الحمللا أكثللر نللن حبللوب ااسللبرين‪ .‬وهنللاك نللن يجنللد‬
‫النصوص فيعتبر أ االستنساخ هو تبديا لخلق هللا‪ ،‬واآلية تتكلم عن نوضوع نختلف ال عالقلة‬
‫له باالستنساخ نن قريب أو بعيد‪ ،‬كملا حلارب الكثيلرو سلنوات طويللة ضلد اسلتخدام نكبلرات‬
‫الصوت في اآلذا انه ليس فوتا ً حيلا ً واليلوم يرفلع اآلذا فلي كلا العلالم اإلسلالني بمكبلرات‬
‫الصللوت‪ .‬وعنللدنا نللزل (أرنسللترونج) علللى سللطح القمللر وضللع النللاس أفللابعهم فللي آذانهللم‬
‫واستغشوا ثيابهم وقالوا كيف يمكن أ نفهم ناذا حدث؟ وهناك نن يطبق ثقب آذا اانعلام عنلد‬
‫أها الجاهلية أنه يشبه االستنساخ (فليبتكن آذا اانعام وليغير خلق هللا) ونلا يحلدث هنلا هلو‬
‫تقليد نكرر لما يحدث في الطبيعة وضمن سنة هللا في خلقله‪ ،‬ونلن عللم النبلات نعللم أ اللزارع‬
‫يأخذ فسيلة نن شجرة ويزرعها في نكا آخر فتكرر إنتاج نفسها‪.‬‬
‫إ اختالط اإللهي بالبشري نشكلة كبيرة وعندنا يذكر القرآ أربعلة نملاذج نلن البشلر‬
‫ويجعا (نن يشاء عقيماً) فيجب أ نفهم نلا هلي (المشليئة اإللهيلة)؟ وعنلدنا ذكلر القلرآ أنله‬
‫(يؤتي المللك نلن يشلاء) فيجلب أ نسلتوعب أ الغلرب اليلوم و(بسلنة هللا االجتماعيلة) ينلزع‬
‫كلينتو نن السلطة و يضع بوش نكانه وفلق االنتخابلات الشلعبية‪ .‬فهكلذا يجلب أ نفهلم حقلا‬
‫اإلرادة اإللهية وحقا العما اإلنساني‪ .‬ونحن عندنا نسلخر قلوانين الوجلود فلي نسلارات جديلدة‬
‫نقوم بالوظيفلة التلي ننحنلا هللا أفلالً أي الوكاللة عنله باالسلتخالف فلي اارض (وإذ قلال ربلك‬
‫للمالئكة إني جاعا في اارض خليفة)‪ .‬ويجب أ نستوعب أ الكو لم ينته خلقه بعد (يزيد في‬
‫الخلق نا يشاء) وأ االستنساخ هو في إطار (ويخلق ناال تعلملو )‪ .‬وعنلدنا يطيلر الحديلد فلي‬
‫الهواء فليس خرقا ً لقانو الجاذبية با تطبيق لقانو نركب جديد نن الجاذبية والطيرا وهكلذا‬
‫يحلق الطير والطيارة في الهواء (والطير فوقهم فافات ويقبضن نا يمسكهن إال الرحمن)‪.‬‬
‫والسؤال المحوري أ نعلم نا هي طبيعة العلم؟ إ العلم يتعانا نع الوجود وفق تسخير‬
‫سنن هللا لمن يعلم سواء كا نؤننا أم نلحدا وكال نمد هؤالء وهؤالء نن عطلاء ربلك ونلا كلا‬

‫‪63‬‬
‫عطاء ربك نحظورا‪ .‬وهو ذو طبيعة تقدنية ال يعرف التراجع أو التعب‪ ،‬بلا يقلوم عللى الشلغف‬
‫والعشق‪ ،‬وال يقدم اسلتقالته قلط وال يعلرف الشليخوخة فحياتله فلي شلباب دائلم‪ .‬ويحكمله نلاظم‬
‫أخالقي داخلي بآلية خافة يصحح حركته على الدوام‪ ،‬نلن خلالل قلانو أ الزبلد يلذهب جفلاء‬
‫ونا ينفع الناس يمكث في اارض‪ .‬وإذا حورب العللم فلي أرض فإنله يهلرب ننله‪ ،‬ولكنله يسللك‬
‫سبا ربله ذللال قنلوات وأنفلاق تحلت اارض حتلى ينلبجس لجينلا رقراقلا فلي تربلة أخلرى ذات‬
‫استعداد‪ .‬وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم نوعدا‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫حوار الطب والفلسفة‬
‫عندما شكت زوج الطبيب من الصداع الماتمر أشار عليها بتناول بعض الماكنات ‪ ،‬واألطباء‬
‫في العادة أ ل الناب اهتماما بعائال هم صحيا ‪ ،‬وإذا أصبحوا مر ى كانوا عموما من النوع هير‬
‫المريه ‪ ،‬وإذا أصيب أ دهم بنوب سعال ن أنه سرطان رئوي ‪ ،‬أو إذا عانى من عارة هلم‬
‫شك على ال ور بقر متقدم أو ورم مات حل ‪ ،‬فدماههم يجري بارع نحو أشد األمرا فتكا‬
‫وسوءا ‪ ،‬وأكثرها تام وشؤما ‪ ،‬والهراب فهم ينامون على موت دما في العناي المشددة ‪ ،‬أو‬
‫ينهلون في لمات الليل على كارث جرا ي من وراء ادث مروري ‪ ،‬أو طلق ( خردق )‬
‫ثقبت العين ودمرت الدما و ذفت بصا بها إلى سكرات الموت ‪ ،‬أو ياتيقظون على مريض‬
‫يحشر من ا تشاء لب ؟!! والذي دث مع زوج الطبيب أنها استمرت شكو من الصداع‬
‫الذي يكاد ي جر رأسها ‪ ،‬ثم ال ظ الجراي على زوجته أنها بدأت تاير في صرفا ها ‪ ،‬فلقد‬
‫طبع (‬‫أصبحت أكثر عدواني فهي الب مع كل صرف ‪ ،‬كما ا امت صرفا ها بالاراب فَ َ‬
‫الالط ) كان مترعا بالمله وبشكل يومي ‪ ،‬فصر الزو في وجهها ‪ :‬الشك أنك جننت وهناك‬
‫شيء ما في رأسك ؟؟ وعندما استلقت الزوج حت جهاز التصوير الطبقي المحوري ( ‪CT -‬‬
‫‪ ) SCAN‬أ هرت الصورة ورما متقدما في ال ص الدماهي الجبهي الماؤول عن الشخصي ‪،‬‬
‫الذي كل ها فيما بعد شلل األطراف األربع ‪.‬‬

‫فك لغز الجينات البشرية ( نشروع ‪ ) HGP‬ونغزاه التاريخي‬


‫والاؤال ماهو الابب عى وجه التحديد الذي كان خلف التحول الارطاني عند هذه الايدة‬
‫الشاب ؟ إننا كأطباء النملك الرد على هذا النقط !! وهذا ي ته الباق على فلا الطب ‪ ،‬فلماذا‬
‫تمرد الخاليا على النظام العام ‪ ،‬فتعلن ثورة على التناسع الخلوي في البدن ‪ ،‬ولماذا ن جر‬
‫أمرا ٌ بعينها بين الحين واآلخر على النحو الذي عر في ال يلم األخير ( االن جار ال يروسي‬
‫والمعاناة في هذا الوجود ؟!! لماذا كنا‬ ‫_ ‪ )1() OUTBREAK‬بل ماهي كم المر‬
‫والعجز والشيخوخ ؟؟!! ‪ .‬واآلن والذي يجعل الخاليا اير سير ها في‬ ‫مطو ين بالمر‬
‫الارطان فتتحول من خلي عادي إلى خلي ورمي ميدة أو خبيث ؟! اليوجد عند الطب إجاب‬
‫وا ح و محددة ‪ ،‬إذ لو كانت االجاب موجودة لاار اال جاه في طريع العال ‪ ،‬وهذا التحدي‬
‫ملاعف الوجه فاليعني هر بعض األمرا أن المعرك انتهت معها إلى األبد ‪ ،‬بل هناك‬
‫إمكاني أن اير طبيعتها فتقوم بهجم جديدة كما هو الحال اآلن مع بعض الزمر الجرثومي التي‬
‫كانت طيع فيما سبع ‪ ،‬فأصبحت جاورة معندة عي في البدن ال ااد ‪ ،‬والطب يت اءل اليوم أنه‬
‫بعد مشروع ( فك لاز الجينات البشري _ ‪ ) HUMAN GENOM PROJECT‬أنه د‬
‫تى اآلن ‪ ،‬ونظرا إلن الكروموسومات الموجودة‬ ‫يصل إلى االجاب على بعض األسئل الم تو‬
‫داخل نواة الخلي التي يبلغ عددها ‪ 23‬زوجا حوي والي ثالث مليارات من الجينات (‪)2‬فإن فك‬
‫الشي رة د يتطلب مايرة عقد أو عقدين من الانوات القادم ‪ ،‬والعمل اليوم ائم على ساق و دم‬
‫في هذا المشروع الذي هو أعظم من مشروع ( ناسا ) الر ياد ال لاء ‪ ،‬وب هم الشي رة الوراثي‬
‫سوف نشع الطريع الشياء في هاي الخطورة أبرزها الماؤولي ال علي للجينات وو ائ ها على‬
‫وجه الد ‪ ،‬بل وربما أيلا الار خلف يا نا القصيرة ‪ ،‬ف ي الو ت الذي ينلج فيه االناان‬
‫تخط ه يد الموت ‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫هل يا رى أن الجينات بُرمجت بحي أنها حقع انقااما خلويا محدودا يقف بعد عدد معين‬
‫؟؟ ثم ك يف يعمل االستقالق في الجام ‪ ،‬فبدننا ينمو وينهدم في اللحظ الوا دة ‪ ،‬و موت الماليين‬
‫من الخاليا مع كل ثاني ‪ ،‬ولكن الجام يقوم بعملي الترميم التي اليخطؤها ‪ ،‬إال أن محصل عملي‬
‫الهدم _ البناء مشي مع الزمن د الجام بحي المنا هذه العملي في النهاي إلى يد الموت ‪.‬‬
‫إن الجدلي في هذا الحقل هو أن الكشف العلمي عن أمر يقود لين إلى قلص المجهول بل‬
‫زياد ه وبشكل اارعي ‪ ،‬فنحن عرفنا في مر ل أن الدم سائل متجانن أ مر اللون يمشي في‬
‫العروق ‪ ،‬دون أن نتبين لماذا كان الدم أ مرا ؟ بل لماذا كان الحليب أبيلا والاائل المراري‬
‫ذهبي ٍا والبول أص را والاائط بني اللون ؟ ثم اكتش نا أنه يحوي كائنات محددة هي الكريات الحمر‬
‫والبيض والص يحات الدموي ‪ ،‬و تى الكريات البيلاء فصائل وأنواع ‪ ،‬ثم اكتش نا أن الكري‬
‫الحمراء التي شبه رهيف الخبز ‪ ،‬قوم بر ل في ماارات البدن بلغ ‪ 1500‬دورة يوميا ولمدة‬
‫أربع أشهر ( ‪ 712‬يوما ) قطع فيها مايشبه ر ل ماجالن في دوران الكرة األر ي ‪ ،‬ويتخرق‬
‫يوميا ‪ 240‬مليار كري ؛ ليتجدد بدال عنها ن ن الر م ‪ ،‬بل و د صعد الطا االنتاجي الى ‪8 _ 7‬‬
‫أ عاف في األزمات (‪ )3‬ثم اكتش نا أن ركيب الكري الحمراء يشبه الخرسانات المالح ؛‬
‫فالهيموهلوبين ( البناء البرو يني الداخلي ) ماله بذرة ديد ؟! ثم اكتش نا أن الدم يقوم على‬
‫وازن د يع بين التخثر والتميع في آليات رهيب لح ظ وازن الجام ‪ ،‬من مجموع خم من‬
‫آليات التوازن ‪ ،‬كما في التوازن القلوي _ الحاملي ‪ ،‬والتوازن الاكري والهورموني والمعدني‬
‫والحروري والمائي و( التصنيع واالستهالك ) ‪ .‬وعند دراس العوامل التي ؤثر في خثر الدم‬
‫ال قت االكتشافات و م إماط اللثام عن عوامل جاوزت العشرة عددا ‪ ،‬وهكذا فمع كل دخول‬
‫إلى ماتوى جديد نرى أن ال لاء يتاع بشكل اليخطر على لب بشر ‪ ،‬فمع كل رك اكتشاف‬
‫نكتشف جهلنا بدون دود ‪ ،‬وإن كنا نزداد علما ‪ ،‬فهذه هي جدلي الوجود والقانون المايطر‬

‫‪.‬االنسا نوكب نن االشباح تسير في وسطها حقيقة نجهولة‪:‬‬


‫حت اط هذه األفكار سطر جراي األوعي المشهور ( الكاين كاريل ) أمال ه في‬
‫كتابه ( االناان ذلك المجهول ) ‪ (( :‬هناك وت عجيب بين علوم الجماد وعلوم الحياة فعلوم‬
‫ال لك والميكانيكا والطبيع قوم على آراء يمكن التعبير عنها باداد وفصا باللا الحاابي ‪ ،‬بيد‬
‫أن مو ف علوم الحياة يختلف عن ذلك كل االختالف تى ليبدو كأن أولئك الذين يدرسون الحياة‬
‫د لوا طريقهم في هاق متشابك األشجار أو أنهم في لب دهل سحري ال كف أشجاره التي‬
‫العداد لها عن ايير أماكنها وأ جامها ‪ ،‬فهم يرز ون حت عبء أكداب من الحقائع التي‬
‫ياتطيعون أن يص وها ولكنهم يعجزون عن عري ها أو حديدها في معادالت جبري ))(‪)4‬‬
‫وإذا أمكن شع الطريع في العلوم المادي من خالل نموذ ( فراناين بيكون وديكارت )‬
‫للايطرة على الطبيع ‪ ،‬فإن البيولوجيا مثل حديا بالاا ‪ ،‬في ين يمثل علم الن ن زة نوعي‬
‫وبعدا جديدا ‪ ،‬يقول كاريل ( وبتعلمنا سر ركيب المادة وخواصها استطعنا الظ ر بالايادة قريبا‬
‫على كل شيء موجود على هر البايط فيما عدا ان انا ) (‪ ، )5‬وعندما يملي كاريل لو ع‬
‫عريف عن االناان فإنه يقول ( االناان الحقيقي اليزيد عن كونه رسما بيانيا يتكون من رسوم‬
‫بياني أخرى أنشأ ها فنون كل علم فهو في الو ت ن اه ( الجث ) التي شر ها البيولوجيون و (‬
‫الشعور ) الذي ال ظه علماء الن ن وكبار معلمي الحياة الرو ي ‪ ،‬و ( الشخصي ) التي أ هرها‬
‫التأمل الباطني لكل اناان أنها كامن في أعماق ذا ه ‪ ،‬وهو أي االناان ( المواد الكيمياوي ) التي‬
‫ؤلف االناج وأخالط أجاامنا وهو لك ( الجمهرة المدهش من الخاليا والعصارات الماذي‬
‫التي درب ال يزيولوجيون وانينها العلوي )(‪ )6‬ويصل كاريل في النهاي إلى قرير هذه الوا ع‬
‫( وفي الحع لقد بذل الجنن البشري مجهودا جبارا لكي يعرف ن اه ولكن بالرهم من أننا نملك‬
‫كنزا من المال ظ التي كدسها العلماء وال الس والشعراء وكبار العلماء الرو انيين في جميع‬
‫األزمان فإننا ناتطيع أن ن هم جوانب معين فقط من أن انا ‪ ،‬أننا الن هم االناان ككل إننا نعرفه‬

‫‪66‬‬
‫على أنه مكون من أجزاء مختل و تى هذه األجزاء ابتدعتها وسائلنا فكل وا د منا مكون من‬
‫موكب من األشباي اير في وسطها قيق مجهول )(‪. )7‬‬

‫أخطاء قاتلة تترفد المضي في التخصص المنفرد ‪:‬‬


‫وإذا كانت البيولوجيا بمثل هذا التعقيد فإن التخصص والشك ي يد في اكتشاف األعماق ‪،‬‬
‫ولكن مشكلته أنه يليع اس اال جاه التاريخي فالتخصص الطبي سالي ذو دين ‪ ،‬بل تى‬
‫قايم المعارف إلى درج فقد الصل ببعلها ‪ ،‬فيحصل نوع من ( التشريه _ ‪) ANATOMY‬‬
‫حت‬ ‫المعرفي لجمل المعارف ‪ ،‬والتشريه في الوا ع هو عمل على جث ميت ‪ ،‬أو رؤي البعو‬
‫المجهر المكبر ي نرى ركيبها وأجهز ها ‪ ،‬ولكننا لن نرى مطلقا كيف ح ر في جلدنا بنصلها‬
‫؟ وكيف مص الدم وكيف نصاق بعد د ائع بنوب فظيع من جك الجلد ؟!!‬
‫إن التخصص الطبي ينمي المعارف ويارعها في ا جاه عمقي شا ولي ولكن فيه ثار ان‬
‫ا لتان ‪ ،‬األولى ‪ :‬خطورة االستاراق االختصاصي ي يمثل نزوال في ن ع يشبه ( مع الزيت )‬
‫كبير المدخل وال وه ‪ ،‬ولكنه يمشي إلى العمع بشكل لولبي يزداد يقه بشكل متدر ‪ ،‬ليصل‬
‫في النهاي إلى ثقب أعمى ‪ ،‬مما د يحيل العلم _ أي علم _ في النهاي إلى االمتصاه واالندثار‬
‫داخل هذا الثقب األسود ‪ ،‬في قد صلته مع با ي ال روع العلمي ‪ ،‬أي االن كاك عن الوا ع والحياة ‪.‬‬
‫إن العلوي علمنا الدرب الكبير في اهم األعلاء و جانن الخاليا ‪ ،‬فالجهاز الهلمي عندما‬
‫يلطرق يترك بصما ه في ا طراق نظام الاوائل واألمالي في الجام ‪ ،‬وينتهي بج اف ال م أو‬
‫هور البثور والقر ات في ال م ويتكلل كل هذا بالصداع المزعج ‪ ،‬فاألعلاء ال تصرف بشكل‬
‫من رد بل بت اعل وثيع بين بعلها بعلا ‪ ،‬بحي أن كل خلي أو جهاز يعمل في ماتوى و ي ته‬
‫الجام فاليمكن فهم ( الورم الدموي _‬ ‫ولكن بشكل مؤثر ومتأثر ‪ ،‬وكذلك أمرا‬
‫‪ ) ANEURYSM‬بمعزل عن و ائف الكبد ‪ ،‬وال ار اع اللاط باير معرف و ع الكلي ‪،‬‬
‫وال دوث الدمامل وكثرة األكل مع انهيار وزن الجام المتواصل بدون االنتباه إلى الترب‬
‫الاكري ‪ ،‬فالجام ومعه الن ن عمل كو دة متكامل ‪ ،‬وهذا يعني أن العلم يجب أن يعمل مثل‬
‫‪ ،‬بالعمع والاطه ‪ ،‬بالماتوى الشا ولي‬ ‫ياك ( الكنزة أو القماش ) أي بالطول والعر‬
‫واألفقي ‪ .‬وهذه النقط هام في عامل األطباء بين بعلهم بعلا ‪ ،‬فيعامل الجام البشري لين‬
‫كماا مجردة من الجلد ‪ ،‬أو عظم من رد ‪ ،‬أو علل ائه ‪ ،‬أو جهاز هلم ماتقل معلع في‬
‫الهواء ؟! ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬كك شبك المعرف االنااني ‪ ،‬فالبيولوجيا هي قيق ممزوج من مجموع قائع‬
‫متشابك ‪ ،‬وطيف عريض من الكيانات المت ر ‪ ،‬وخل ي االناان ليات جهازا علليا ‪ ،‬أو‬
‫مجموع من األربط واألو ار ‪ ،‬أو شريانا ينبض ووريدا يلخ الدم ‪ ،‬بل هو كيان انااني ‪ ،‬هو‬
‫ش بك ثقافي متنوع ومعقدة ؛ بين كونه رق عائل ومهن مو ف وذو اهتمامات ريا ي أو‬
‫محصور في منا جارافي محدود وبيئ ثقافي بعينها ‪ ،‬فكما يجب أن نلم ونشد ونو ر الشبك‬
‫الطبي بالربط بين فروعها للوصول إلى راكم معرفي والوصول إلى ( نظام و دة المعرف )‬
‫وفهم أفلل للبيولوجيا ‪ ،‬كذلك يجب ماه االناان بين البيولوجيا والايكولوجيا والتاريخ‬
‫والجارافيا والعرق واللون والجنن والدين والثقاف للوصول إلى عامل أفلل معه ‪ ،‬والعلم هو‬
‫ذلك التوافع بين النظام العقلي والنظام الكوني ‪ ،‬ويشكل العلم كما راكمي ليقود في النهاي إلى‬
‫و دة المعرف ‪ ،‬التي سأفرد لها بحثا ماتقال في مقال خاص ‪ .‬يقول الطبيب الم كر محمد كامل‬
‫اين في كتابه ( و دة المعرف ) ‪ (( :‬في الكون نظام وفي العقل نظام ‪ ،‬والمعرف هي مطابق‬
‫هذين النظامين ‪ ،‬والنظامان من معدن وا د ‪ ،‬والمطابق بينهما ممكن لما فيهما من شابه ‪ ،‬ولولم‬
‫يكونا متشابهين الستحالت المعرف ‪ ،‬ولولم كن المطابق بينهما ممكن ماعلم أ د شيئا ‪ ،‬و شابه‬
‫النظامين الكوني والعقلي لين فر ا يحتا إلى برهان بل هو جوهر إمكان المعرف ‪ ،‬ومن أنكره‬
‫فقد أنكر المعرف كلها ‪ ،‬وهذا االنكار خطأ يدل عليه ما قع العقل من درةٍ على التحكم في كثير‬
‫من األمور الطبيعي ‪ ،‬ولم نكن لناتطيع حقيع شيء من ذلك لو أن النظامين كانا مختل ين )(‪)8‬‬

‫‪67‬‬
‫فلسفة العلوم ( االبستمولوجيا ‪: ) EPISTEMOLOGY‬‬
‫شاعت هذه الكلم ( االباتمولوجيا ) في ال ترة األخيرة ومصدرها اللا اليوناني وهي‬
‫مكون من كلمتين ( ‪ ) EPISTEME‬ومعناه علم و ( ‪ ) LOGOS‬ومعناها علم أو نقد(‪ )9‬فتكون‬
‫الل ظ الاابق عني علم العلوم أو فلا العلم ‪ ،‬وباستخدامنا لهذا المصطله نريد أن نصل إلى‬
‫قرير لي العلم وخل يتها ال لا ي واال اءات الجانبي في هذا المو وع بما فيه مصطله‬
‫أسلم المعارف التي يعكف عليه بعض الدارسين في بعض المعاهد االسالمي ‪.‬‬
‫إن العلم الي هم بدون إطاره ال لا ي والتاريخي ‪ ،‬وال لا هي لك الشجرة اللخم التي‬
‫ؤلف الميتافيزيقيا فيها الجذور العميق اللارب في الترب ‪ ،‬والعلوم المت ر بما فيها الطب‬
‫فروعها الممتدة في الاماء ‪ ،‬كما أن هناك عال جدلي بين العلم وال لا ‪ ،‬فالعلم يقوم بق زات‬
‫نوعي من ين آلخر منشئا طيع معرفي ( اباتمولوجي ) مع الماتويات العلمي الاابق ‪ ،‬كما‬
‫دث مع فكر ( ابن رشد) وال لا اليوناني ؛ ي م الدخول إلى فلاء معرفي جديد يقوم على‬
‫منظوم الشك _ اليقين ‪ ،‬والتجرب _ االستقراء ‪ ،‬وكذلك الحال في فلا ( ديكارت ) التي دشنت‬
‫الدخول إلى عصر عقلي جديد ‪ ،‬ينطبع هذا أيلا على فكر ( كانت ) الذي أرسى في كتابه ( نقد‬
‫العقل الخالص ) بناء الميتافيزيقيا على اللرورة األخال ي ‪ ،‬كما ينطبع على ( هاليلو ) الذي‬
‫رأى أن الوجود له لا خاص به هي لا الريا يات وفي اللحظ التي ن ك رموزها نصل إلى‬
‫الحقيق النهائي فيها ‪ ،‬وأما ( اسحع نيو ن ) فقد استطاع في لحظ جلي رو ي أن يقبن من‬
‫رر‬ ‫روي الكون باا ياطر فيه كتابه الموسوم ( األسن الريا ي لل لا الطبيعي ) ي‬
‫وانينه المشهورة الثالث وبنى نظاما في هاي التناسع واالناجام ‪ ،‬واستطاع اكتشاف انون‬
‫الجاذبي وكان ذلك عام ‪1687‬م في الو ت الذي كان األ راك العثمانيون ينهزمون أمام أسوار فيينا‬
‫‪ .‬وبقيت هذه المنظوم المعرفي تى اهتزت األر من حتها مرة اخرى ‪ ،‬وكان ذلك من خالل‬
‫التراكم المعرفي ي ولدت النظري النابي وميكانيكا الكم ‪ ،‬فتم إزال م اهيم ( كانت ) بالزمان‬
‫والمكان القبلي ‪ ،‬وإزال المكان والزمان المطلقين عند نيو ن ‪ ،‬و م دمج الزمان بالمكان فأصبه‬
‫الزمان البعد الرابع ‪ ،‬والطا بالمادة فأصبحا وجهان لعمل وا دة ‪ .‬وأما ميكانيكا الكم فقد شطبت‬
‫م هوم ( الح قيق المو وعي ) و( الحتمي ) في القوانين ‪ ،‬لك التي وصلت منزل التقدين في‬
‫القرن التاسع عشر للميالد ‪ ،‬من خالل مبدأ االر ياق الذي جالَّه ال يزيائي هايزنبر ‪.‬‬

‫العالقة الجدلية بين العلم والفلسفة ‪:‬‬


‫العلم الينمو إال في إطار خاه ‪ ،‬وفي منا ٍ عقلي مناسب اتنبت بذوره بكل ر م و ب‬
‫‪ ،‬وهذا االطار ال لا ي هو الذي يشكل مرجعي العلم في أول الطريع ؛ ليتحول مع الو ت الى (‬
‫االيديولوجيا ) التي خنع قدمه ‪ ،‬مما يحتا إلى ( اباتمولوجيا ) جديدة محررة ‪ ،‬وهكذا يمشي‬
‫نظم التاريخ ‪ ،‬ومن المل ت للنظر أن القوى التي جر الطا ات األولى تحول مع الزمن الى وى‬
‫معيق للتقدم ‪ ،‬وهذه كانت مشكل االنبياء مع أ وامهم ‪ ،‬فهم كانوا يصد ون األنبياء الذين سبقوهم ‪،‬‬
‫ولكنهم كانوا يكذفبون معاصريهم ‪.‬‬
‫سيطر ال كر اليوناني لحوالي سبع عشر رنا و حول مع الو ت إلى طاهوت رهيب ‪،‬‬
‫وهكذا أ رق أناب من أجل آراء بطليموب في النظام الشماي مع كل مظاهر التصدع في‬
‫النظري وعدم القدرة على الت اير مع الو ت ‪ ،‬وسيطرت فكرة ( اال وم _ ‪ ) ATOM‬أي الذرة‬
‫أنها الجزء الذي اليتجزأ ‪ ،‬تى أنهت هذه العقيدة الوثو ي جرب آالموجوردو في جير الاالي‬
‫النووي ‪ ،‬وكان االنعطاف التاريخي على يد رواد ال كر في العالم االسالمي ‪ ،‬فهم الذين أنهوا‬
‫سيطرة المنطع ( الصوري ) ليُدفع العقل باال جاه القرآني ‪ ،‬أي أمل الوا ع ( أفال ينظرون إلى‬
‫األبل كيف خلقت ) وهكذا ولد مبدأ ( التجرب واالستقراء ) فكان العقل االسالمي يلعب الدور‬
‫المحوري الم صلي في نقل العقل االنااني من المر ل ( االسطوري ) إلى المر ل ( العلمي )‬
‫خالفا لما ذهبت اليه الو عي على يد ( أوجات كومت ) ثم الو عي المنطقي بعد ذلك على يد (‬

‫‪68‬‬
‫إرنات ما ) النمااوي ‪ ،‬اللذين رأيا طور العقل االنااني يتنقل من المر ل البدائي إلى‬
‫المر ل الميتافيزيقي الديني ليصل إلى المر ل العلمي الو عي ‪ ،‬صحيه أن كومت انتبه الى‬
‫القوانين التي حكم المجتمع ‪ ،‬وبذلك يكون د ابع مايرة ابن خلدون في ادراك وانين المجتمعات‬
‫‪ ،‬ولكنه لم ينتبه وه ل عن التجلي االسالمي في إطالق الشرارة العقلي الكبرى عبر كل التاريخ ‪،‬‬
‫وهذه النقل القرآني وا ح جدا من الناع القرآني (‪ )10‬الذي ألاى فكر ي ‪ :‬المعجزة كدليل‬
‫مادي للو ي في الو ت الذي كررها بشكل وا ه في عشرات األمكن لألنبياء اآلخرين ‪ ،‬وهذا‬
‫يشي بتدشين عصر جديد ‪ ،‬وكذلك فكرة ختم النبوة ‪ ،‬فالقرآن بهذه الكي ي وسط عصرين وفصل‬
‫بين مر لتين ‪ ،‬فهو من العالم القديم ولكنه بشر بمولد العقل االستداللي ودعى الى ثبيته كونه‬
‫أمرا كابيا ‪ ،‬وهذا ي يدنا أيلا بأن ن هم القرآن بأنه لين كتاق فيزياء وكيمياء وريا يات وطب ‪،‬‬
‫بل هو ذلك الكتاق الذي يولد المنا العقلي الذي ي رز كل هذه العلوم ‪ ،‬ون هم من هذا أيلا أن‬
‫عمليات اللهاث العتصار اآليات الستخرا الكشوفات العلمي منها منهج خائب في عدة ماتويات‬
‫‪ ،‬فارع اللوء كش ها ( فيزو ) بوسائط فيزيائي بحت ‪ ،‬وبدون نص يرجع اليه ‪ ،‬في الو ت‬
‫الذي ياعى البعض لمحاول اكتشافه في بعض اآليات ‪ ،‬و من هذا المنا الصحي نبت ديما‬
‫العلم االسالمي ‪ ،‬ويمكن أن ينبت مرة أخرى من ن ن الشروط ‪ ،‬وبن ن هذه الدورة التاريخي‬
‫ار ع اناب ‪ ،‬فاسحع نيو ن لم يكن لينقدي في ذهنه انون الجاذبي النه رأى سقوط الت ا ‪ ،‬فجده‬
‫لم حرك فيه أكثر من شهي لمها ‪ ،‬كذلك الحال في ( دينين بابين ) الذي رأى في را ص‬
‫هطاء أبريع الشاي م ا يه طا البخار ‪ ،‬وأما ديكارت التي كانت الذباب طن مزعج بجانب‬
‫أذنه فقد أو ت له بمباديء الهندس التحليلي ‪ ،‬ي استطاع بعبقري أن يمز علم الجبر بالهندس‬
‫‪ ،‬وفي الان التي أعلن فيها ( كوبرنيكوب ) نظامه الشماي الجديد كان ( فيزاليوب ) يشع‬
‫الطريع عبر الجام البشري للمرة األولى في التاريخ األوربي ‪ ،‬فيدخل عالم ( التابو ) أي شريه‬
‫الجاد الميت الذي كان يعتبر ماه بعد الموت جرا محجورا ‪.‬‬
‫فحل المعلالت العقلي الكبرى واالنبثاق العلمي مرهون بتاير المنا العقلي واالطار ال لا ي‬
‫يقع‬ ‫‪ ،‬الذي يُم فكن الجماعات االنااني من إعادة النظر في المنظوم المعرفي التي حملها‬
‫األطباء والجرا ون منهم بوجه خاه في خطأ مميت ‪ ،‬ينما يتعاملون مع الجاد االنااني‬
‫كقطع ماش أو ماسورة مياه ‪ ،‬طع هيار أو صامول ك ‪ ،‬برهي يركب أو طع زائدة‬
‫اتؤصل ‪ ،‬ينما ي ترسهم الرو ين و قتا هم الت اه ‪ ،‬ينما ايطر عليهم العبثي أو اشاهم‬
‫سحاب الاطحي ‪ ،‬ينما اليخشعون ينما يكش ون الاطاء عن الجمجمج ‪ ،‬ويحد ون في انايابي‬
‫الدم ‪ ،‬ينما يمرون الهون على النَظم الرائع والاحر المدهش الذي يتجدد مع كل لحظ في‬
‫عجائب الخلع ‪ ،‬بين دم ينااق بكل لطف في ماارات صل عشرات األلوف من الكيلومترات ‪،‬‬
‫في مرور اشد أعقد من أكبر عاصم في العالم ‪ ،‬بدون شرطي وا د ينظم المرور ‪ ،‬وبدون‬
‫زمامير وأصوات صاخب ‪ ،‬ماكينات بيولوجي حمل العمل الذا ي والصيان الذا ي والخلع‬
‫المتجدد بن ن الو ت ‪ ،‬فإذا ار عت األصوات واللاط في نا ي دل على انت ا الشريان (‬
‫‪ ) MACHINARY MURMER‬ذلك الشريان الحكيم الذي يحمل من اال ااسات التي‬
‫الن همها ؛ فإذا دفع الدم منه بجري ‪ ،‬أوعز لجنود النراهم في سد الثارة وإ كام الثقب ‪ ،‬واستنجد‬
‫بالعلالت لتشد أزره في المحن ‪ ،‬فإذا بنهاي الشريان د التوت على ن اها فأنقذت مملك البدن‬
‫بكاملها من االنزالق نحو الموت ‪ .‬هذا التعانع وااللت اف والمرافق والصحب التي ال كف بين‬
‫الشريان والوريد وكأنهما العشيقان الولهانان ‪ ،‬والحبيبان المارمان ‪ ،‬فهما اليصبران لحظ وا دة‬
‫عن البعد وال راق ‪ ،‬فعطشهما وولعهما ببعلهما بدون دود ‪ ،‬الشريان الذي يذكر بالرجل‬
‫بقااو ه وهشاشته بن ن الو ت ‪ ،‬والوريد اللطيف الذي حر رؤيته ذكرى األنثى بنعومتها‬
‫وطا تها في التحمل كونها خزان الر م ‪ .‬هذا الطيف العجيب من األلوان في الجام وكأنه في‬
‫مهرجان كوني يلمع في أفقه سحاب مظلل بقوب زي ‪ ،‬بين اللون الشرياني األ مر القاني ‪،‬‬
‫والاائل الكبدي الذهبي ‪ ،‬وخالص الحويصل المراري األخلر ‪،‬والبول األص ر ‪ ،‬والحليب‬
‫واللمف األبيض ‪ ،‬وفي نهاي الطيف من ي بدأنا من األوعي ‪ ،‬اللون األزرق الوريدي ‪ ،‬وكأن‬

‫‪69‬‬
‫سا األوعي هي اللون األبيض الذي يجمع عصير االلوان الكامل ‪ .‬ثم هذا المزيج من المذا ات‬
‫بين عصارة المعدة الحامل ‪ ،‬وسوائل األمعاء القلوي ‪ ،‬و الوة الاكر في سائل الدما الذي‬
‫يابه فيه وكأنه مربى ال راول ‪ ،‬والمرارة المن رة المتدفق من النظام الكبدي ‪ .‬هذا التشابك‬
‫المحير بين النظم االلكتروني في الدما ‪ ،‬والايال الكهربي في القلب ‪ ،‬والتنظيم الهورموني بين‬
‫الادة النخامي في اعدة الجمجمجم والكظر فوق الكلي والادد التناسلي ‪ ،‬والتناسع العللي‬
‫العظمي العصبي ‪.‬‬
‫أين األرادة بل أين الروي ؟؟ كيف ي كر االناان ؟ كيف يتذكر على وجه الد ؟ أين هي ملك‬
‫التخيل ؟ كيف عمل النورونات العصبي وعددها والي مائ مليار خلي كو دة متناسق وككل‬
‫مشترك ؟؟‬
‫إن هذا الجام هو الخزان األكبر للحكم وال لا ‪ ،‬وهو المعلم النا ج لدروب التأمل والعبرة‬
‫‪ ،‬وهو المزرع الخصب الستنبات و وليد الوملات ال كري التحليقي المجلي ‪ ،‬وهو الملهم‬
‫ألفكار ثوري رائدة قلب الم اهيم الطبي بين الحين واآلخر ‪ ،‬كما دث مع جرا اليزاروف‬
‫الذي عالج العظم بكاره ‪ ،‬ونحن النعرف عن العظام اال أنها حتا للتجبير ‪ ،‬بابب فكرة ملهم‬
‫في اخير آليات النمو لار التطويل وإصالي التشوهات ‪ ،‬كل لزاد الذي نحتاجه هو المزيد‬
‫من الصبر والخشوع والتقوى في امل اهرة الحياة وكيف تكلم بلاانها الخاه فهي أعظم‬
‫فيلاوف أنتجته الحياة تى اليوم ‪.‬‬

‫نراجع وهوانش ‪:‬‬


‫(‪ )1‬في هذا ال يلم م عر انتشار فيروب دموب ا ل انتشر من رد جلب من الخار وكان ال يروب د‬
‫هير طبيعته فبدأ ينتشر عبر الهواء مثل فيروب الرشه العادي (‪ )2‬داخل نواة الخلي وجد أشكال خيطي صطبغ‬
‫باأللوان بشدة سميت الصبايات أو الكروموزومات وعددها ‪ 23‬زوجا يعتبر الزو األخير منها ماؤوال عن‬
‫التكوين الجناي ذكرا أو أنثى والوا دة منها بل أو سلم ذو طول مخيف وطرف أو جانب الالم مكون من طع‬
‫متراكب فوق بعلها وكأنها التمر في شجرة النخيل والعدد االجمالي لحب البله هذا والي ثالث مليارات وكل‬
‫مجموع منها ماؤول عن شكيل شيء في جادنا سواء الطول أولون العين أو الزمرة الدموي وهكذا (‪ )3‬الطب‬
‫محراق االيمان للمؤلف ه ‪ 123‬دار الكتب العربي (‪ )4‬االناان ذلك المجهول ‪ -‬الكاين كاريل ‪ -‬عريب ش يع‬
‫أسعد فريد ‪ -‬مكتب المعارف بيروت الطبع الثالث ‪ - 1980 -‬ه ‪)5( 15‬ن ن المصدر الاابع ه ‪ )6( 16‬ن ن‬
‫المصدر الاابع ه ‪ )7( 16‬ن ن المصدر الاابع ه ‪ )8( 17‬و دة المعرف _ محمد كامل اين _ مكتب‬
‫النهل المصري _ ه ‪ )9( 1‬مدخل إلى فلا العلوم _ محمد عزام _ دار طالب ه ‪ )10( 10‬يراجع في هذا‬
‫كتاق جديد الت كير الديني لمحمد ا بال فصل الثقاف االسالمي ‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫فلسفة الخطأ الطبي بين المريض‬
‫والمرض والطبيب‬
‫ال يستطيع المرء تقدير عما اآلخرين حتى يصلبح الشلخص فلي نكلا اآلخلر‪ .‬وال يفهلم نعانلاة‬
‫المريض حتى يدخا الطبيب يونا ً المشفى على فورة نريض‪ .‬واافضا أ يدخا نكرة نجهوللة‬
‫نثا الكثير نن اارقام التي تدخا المستشفى‪ .‬وفي عدد خاص نن نجلة در شبيجا االمانية كا‬
‫عنوا الغالف هالمشافي التي ال روح لهاه‪ .‬وفلي فليلم (اللدكتور) حاوللت هوليلوود أ تصلور‬
‫هذا المأزق عندنا أفيب جراح الصدر بسرطا في الحنجرة وكا عليه الخضوع انلواع شلتى‬
‫نن الفحوفات واالنتظارات والتعرض لألشعة قبا حفلة العما الجراحي‪ .‬وفلي يلوم اجتملع فلي‬
‫غرفة االنتظار بمريضة شابة نصابة بورم دناغي خبيث وتخضع للعالج بااشعة القاتلة للخاليا‬
‫السرطانية‪ .‬وكا الطبيب يعرف أ الورم إذا بدأ باالنتشار فلن ينفلع فيله شليء سلوى نحاوللة‬
‫ترويضه إلى أجا نسمى‪ .‬وعندنا سألته الشابة بعلد أ عرفلت أنله طبيلب وجلراح فلدر‪ :‬نلاذا‬
‫يتوقع لها نن فرص حياة؟ لم يكن أنانه سوى الكذب بدو نبرر‪ .‬وعندنا اكتشفت خدعتله كلا‬
‫إحباطها هائالً وخيبة أنلها قاسية‪ .‬وفي النهاية تعلم ننها الحكمة بأ يستسلم للقدر وأ طيلور‬
‫الفزاعة ولكن اإلنسا لو فتح يديه لها لجاءت فالتقمت الحب نلن يلده وكلا نلا‬ ‫الحقا تخاف نن َّ‬
‫عليه أ ينعم بالسالم الداخلي فسالت دنوعه حينما قرأ وفيتها ااخيرة قبا نوتها‪ .‬والمهم فإ‬
‫الطبيب عندنا يدخا المشفى ويتعرض الختالط يتعجب نن حدوثله ويتضلايق نلن سلوء العملا‬
‫ولكنه ال يراه بنفس الحجم عندنا يتعلرض لله الملريض‪ .‬وفلي المثلا الكلردي أ بائعلة الللبن ال‬
‫تقول عن لبنها قط أنه حانض‪ .‬ولو قالت نا باعته قط‪ .‬وفي اجتملاع أفلغيت لعلدد نلن ااطبلاء‬
‫حول فلسفتهم لالختالط الجراحي أو الطبلي عمونلا‪ .‬فأنلا ااول فقلال إ هلذا نعلروف ونتوقلع‬
‫ونكتوب في المراجع الطبية‪ .‬فلماذا إذا تعلرض لله الطبيلب يتضلايق؟ وإذا أفليب بله الملريض‬
‫ورفللع شللكوى تضللايق ااطبللاء؟ وقللال الثللاني‪ :‬إنلله قضللاء وقللدر حللدث ويجللب بلللع الموضللوع‬
‫وتجاهله‪ ،‬وقال الثالث‪ :‬ال با يجب أ يبلغ اانر لمن حلدث االخلتالط عللى يديله لليس نلن أجلا‬
‫التشهير به‪ .‬با نن أجا أ يعرف أ االختالط حدث فيراجع نفسه‪ ،‬ويستفيد نن الدرس فيضغط‬
‫االختالطات إلى حدودها الدنيا‪ .‬وروى لي طبيب اختص في الجراحة في ألمانيا أ طفال راجعله‬
‫في اإلسعاف نن فتق نختنق‪ ،‬وكا عليه رد الفتق والطفا نعلقا في الهواء ورأسه لألسفا‪ .‬قبا‬
‫أ تكبر المشكلة ويزداد االختالط اختالطاً‪ .‬فقام بإجراء الطريقة المعهلودة إلرجلاع الفتلق بقللب‬
‫الطفا نعلقا إلى ااسفا ثلم ضلغط المكلا حتلى تعلود نحتويلات اللبطن لللداخا ثلم إدخلا الطفلا‬
‫المشفى فورا تمهيدا إلجراء عملية إفلالح الفتلق‪ .‬واللذي حصلا أ الطفلا كلاد أ يخسلر أحلد‬
‫خصيتيه ولكن رئيس القسم أحضر الطبيب المذكور وأراه رأي العين نتيجة الخشونة في عملله‪.‬‬
‫وهذا التصرف في الغرب ليس نن أجا تحطيم نعنويات اإلنسا با نن أجا رفع نستوى أداءه‪،‬‬
‫ولكننا في العالم العربي نمارس التحطيم النفسي بين نطرقلة التحقيلق القاسلي وسلندا اللدفاع‬
‫بالباطلا وللو كلا الموقلف خطئلا وبللذلك تبقلى ااوضلاع بلدو تحسلين وتطلوير‪ .‬إ نوضللوع‬
‫االختالطات في الغرب ال يعتبروه قضاء وقدرا با هو أحد ثالثة فإنا كا نتعمدا فهو جريمة كما‬
‫حدث في فلم كولمبو حينما وضلعت خيطلا قابللة لللذوبا فلي عمليلة اسلتبدال فلمام قللب‪ .‬أو‬
‫إهمال وهذا يجب أ يساءل فيه الطبيب حتى يتعلم اليقظة ا حياة العباد بين يديله‪ .‬وإ حلدثت‬
‫بكا ظروف الحيطة فيجب أ نستوعب درسا قاسيا أ نا حلدث خطلأ فنلي يجلب الكشلف عنله‪،‬‬
‫وبدو عمليات النقد والمراجعة لن تدخا آليلات تصلحيح الخطلأ‪ .‬ولكلن المشلكلة أ نلن يحقلق‬
‫يريد االنتقام والطبيب يخشى نن ضياع وظيفته وسمعته وبين هذا وذاك يتفرق دم المريض بين‬
‫القبائا‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫فلسفة النجاح والفشل في‬
‫العمل الطبي‬
‫عندنا دخا السيد رياض أستاذ الجانعة إلى غرفتي أثارتني نعلوناته عن الحشرات فطلبت ننه‬
‫إطالعي على عالم البعوض خافة‪ .‬فأحضر لي الرجا شرائح لقراءتها تحت المجهر‪ .‬وأنا ننذ‬
‫زنن بعيد أنني النفس باقتناء نجهرا أدرس فيه العالم السفلي وتلسكوبا أقرأ فيه عالم النجوم‬
‫العلوي‪ .‬ولم يكن أستاذ الجانعة يتصور أ الموت أقرب إليه نن شراك نعله‪ .‬فدخا غرفة‬
‫العمليات لسبب تافه وكا المقرر أ تجرى له عملية ننظار للركبة‪ .‬ففارق الحياة قبا أ‬
‫يلمسه نبضع الجراح‪ .‬إ فشا أي عملية جراحية عند المريض هي قدر الجراحة والجراحين‪.‬‬
‫وهناك نسبة فشا في أي عملية نهما فغرت وبنسب نئوية نحددة‪ .‬عرفها نن عرفها وجهلها‬
‫نن جهلها‪ .‬وكا طبيب يحترم نفسه يسلم بها‪ .‬وليست نوضعا للشماتة أو التعجب‪ .‬فقد يضحك‬
‫طبيب على زنيله في (اختالط ‪ )Complication‬فيقع في اختالط أبشع ننه ونن عملية‬
‫أبسط‪ .‬فعلى المرء أال يكبر كلماته ويتعلم التواضع وإ هللا ال يحب نن كا نختاال فخورا‪.‬‬
‫والسؤال عن سبب فشا أي عملية يبقى فلسفيا أتمنى أ أجد اإلجابة عليه يونا ً بنعم أو ال‬
‫وبكلمة نحددة‪ .‬فال يمكن البت وبشكا قطعي ونهائي إلى سبب بعينه لفشا أي عملية جراحية‪.‬‬
‫ويحزر ااطباء ويخمنو ويقولو إنه أقرب أ يكو السبب هذا أو ذاك‪ .‬ولكن أي شيء‬
‫يحدث في هذا الكو تتضافر فيه نجموعة نعقدة نن العنافر لتوليده‪ .‬بما فيها (المضاعفات)‬
‫الكريهة‪ .‬وخالل عملي الطويا في جراحة ااوعية الدنوية أجريت نن العمليات بقدر الشعر‬
‫الذي سقط نن رأسي فال أعدها وتبلغ اآلالف ولم يخطر في بالي المراهنة على سبب نحدد‬
‫وعلى نحو قطعي أنه خلف فشا عملية نا؟ وال يعني هذا أننا فوق النقد ودو الخطأ با نحن‬
‫عباد هللا الضعفاء الذين نجتهد فنصيب ونخطيء‪ .‬ونن اجتهد فاخطأ فله أجر ونن أفاب فله‬
‫أجرا ‪ .‬ولكن ال توجد أية ضمانة لنجاح أي عملية جراحية سواء في جراحة ااوعية الدنوية‬
‫أو أي جراحة أخرى وعند أي نريض وبيد أي جراح‪ .‬والعبرة أ يكتب هللا العافية للمريض‬
‫على يد أي طبيب‪ .‬فهذا هو لب التوحيد‪ .‬فاهلل هو الذي يشفي‪ .‬وإذا نرضت فهو يشفين‪ .‬ويسخر‬
‫لشفاء المريض نن يشاء نن عباده رحمة نن لدنه‪ .‬وفي الفشا يجب إجراء المزيد نن‬
‫المحاوالت لوجود المزيد نن عنافر التحدي الغانضة‪ .‬وقد يكتب هللا النجاح أو الفشا بأبسط‬
‫سبب‪ .‬وهذا نن جملة العبر في استيالء النقص على جملة البشر‪ .‬وجراحة ااوعية الدنوية نثالً‬
‫تجرى بعيو نجهرية تحت المكبرات وتلج عالما دقيقا يمشي فيه الجراح على الصراط‬
‫المستقيم‪ .‬إ قصرت القطبة الجراحية نزف المريض وإ زادت انسد الوعاء فانهار العما على‬
‫الطرفين‪.‬ونن يزعم لنفسه أنه سيمارس الطب بدو نضاعفات فال يزيد عن واحد نن ثالث‪:‬‬
‫إنا أنه دجال ال يعي نا يقول‪ .‬أو أنه طبيب ال يمارس الطب‪ .‬فالعما الطبي والمضاعفات تزداد‬
‫طردا نع كم العما‪ .‬وإنا إنه يزعم أنه إله فوق الخطأ‪ .‬ونن يقا ننهم إنه إله نن دونه فذلك‬
‫نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين‪ .‬والجراح اانريكي المشهور كولي قال عن عمليات القلب‬
‫ااولى التي أجراها كانت نليئة باالختالطات‪ .‬ثم تناقصت وبقي تواتر االختالطات في الحدود‬
‫المتعارف عليها دولياً‪ .‬وأول عملية زرع قلب أجراها الجراح كريستيا برنارد نات نريضه بعد‬
‫‪ 18‬يونا نن العملية‪ .‬نوعظة وذكرى للعالمين‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫الصراع بين العلم والدين والفلسفة‬

‫ل لم يواجه اإليملا بلاهلل ورسلله وكتبله واليلوم اآلخلر تحلديا نثلا الوقلت الحاضلر‪ ،‬المتلدينو‬
‫ننحسرو ورجال الفلسفة يضحكو وأها المخابر العلمية إذا نروا بهم يتغانزو ‪.‬‬
‫ل نشللأت آلهللة شللتى نللن العلللم والفلسللفة فللي الوقللت الللذي انللزوى الللدين فللي جحللر‬
‫اإليديولوجية‪ .‬وانحشر البابا في كيلونترات قليلة في الفاتيكا ‪ .‬ونهمة شيخ اازهلر‬
‫لعن الثورات ودعم الحكام العسكريين‪.‬‬
‫ل لم يعاني العالم ننذ زنن اانبياء حتى اليوم نايعانيه نن الجفلاف الروحلي وعبلادة‬
‫آنو العجا الذهبي‪.‬‬
‫إنها قصة جحا قيمة اإلنسا نن ذهبه‪ .‬فملن نلأل جحلره باللذهب رفلع علملا يناسلب‬
‫المقدار وقد يكذب!‬
‫ل في الوقت الذي يتحول الدين إلى علم يصبح عالميا فال يختلف الناس حولهما‪ .‬كملا‬
‫في حبة اإلسبرين وأشعة رونتجن وجراحات الكولو وخياطة الجروح بالبرولين‪.‬‬
‫ها يختلف جراح فيني عن فربي في فتح البطن الجراحي‪ ،‬أم ها يتلوانى الطبيلب‬
‫االماني عن السعودي في استخدام الطنين المغناطيسي (‪ )MRI‬والتصوير الطبقلي‬
‫المحوري (‪)CT-Scan‬‬
‫ل نهمة هذا الكتاب نحاولة فياغة نعادلة تشبه نعادلة آينشتاين بين الطاقة والمادة‬
‫أنهما وجها لحقيقة واحدة‪ ،‬أو أ المادة طاقلة نكثفلة‪ ،‬أو أ أحلدهما يقلود تلقائيلا‬
‫لآلخر‪ .‬كذلك نريد نن هذه الدراسة تحويا الدين إلى عللم والعللم إللى ديلن‪ .‬وطبيعلة‬
‫المهمللة كمللا نللرى أ نجعللا نللن باحللث الللذرة السللجود لللرب العللالمين بخشللوع‪،‬‬
‫ونكتشفات الكود الوراثي في نواة الخلية بثالث نليارات نلن ااحملاض النوويلة أ‬
‫يسبح العظيم الغفار‪.‬‬
‫ل هدف اإلديلا واحلد هلو االهتلداء إللى المطللق ونعنلى الكلو والوجلود ونظانله‪،‬‬
‫ولعلها خطلوط تملاس حلول دائلرة واحلدة نليئلة باالغلاز والقدسلية والمعنلى‪ .‬وبلذا‬
‫يتوقف الصراع عند هلذه الحافلة ونلردد نلع القلرآ أ اللذين آننلوا واللذين هلادوا‬
‫والصابئين والنصلارى والبلوذيين والزرادشلتيين والكنوفوشوسليين نلن آنلن بلاهلل‬
‫واليوم اآلخر وعما فالحا فلهم أجرهم عند ربهم وال خوف عليهم وال هم يحزنو ‪.‬‬
‫ل الدين يحلرر اإلنسلا نلن أعظلم شلعورين سلاحقين بلالتوقف فلي اللزنن ونعضلا‬
‫الحركة‪ .‬الحز شد للماضي‪ .‬والخوف توقف علن اقتحلام المسلتقبا‪ ،‬وبلالتحرر نلن‬
‫هذين الشعورين تتحرر النفس بطالقة وتسبح عبر الزنن الممتد بدو سالسا‪.‬‬
‫هذا ناقالته اآلية وكرره اانجيا أنه يرفع عنه إفرهم وااغالل التلي كانلت علليهم‪.‬‬
‫ويكررها المسيح إ نيري خفيف‪.‬‬
‫ل الدين بوفلة أخالقية اليمكن للفرد أ يعليش بلدونها‪ ،‬والمؤسسلة الدينيلة ناكينلة‬
‫رعب اخترعها رجال الدين باسماء شتى نن نحاكم التفتليش والسلنهدرين واازهلر‬
‫لتأييد الطغيا ‪ ،‬وهلو ناجمعلت بينهملا اآليلة القرانيلة علن لعلن الجبلت والطلاغوت‪:‬‬
‫الطاغوت هو الطاغية وعسكره‪ ،‬والجبت هلو رجلا اللدين بطربلوش وعمانلة ولفلة‬

‫‪73‬‬
‫وشروال وجالبية وقلنسوة وقفطا ونبخرة‪ .‬يرسلو الجنود إلى المقلابر ويملألو‬
‫الجيوب بالدراهم‪.‬‬
‫ل حين حطم المسيح عليه السالم نوائلد الصليارفة وأعشلاش بيلت الحملام فلي نعبلد‬
‫القدس فرخ فيهم الويا لكم حولت نعبد هللا إلى نلاخور! أيهلا القلادة العميلا إنكلم‬
‫كالقبور نن خارج نطلي بالبياض ونن الداخا تملؤه النجاسات والعظام النخرة‪.‬‬
‫كذلك حال المؤسسة الدينية نن أي دين كانت‪.‬‬
‫ل أنراض أها الكتاب واحلدة سلواء يعبلدو الصلليب أو يحجلو للكعبلة أو يهلزو‬
‫رؤوسهم بجنب حائط المبكى أو يقرعو الصنج ويلبسو ااففر في السا بالتيبت‪.‬‬
‫ولم يكن هلل أوالد أحباء نن النصارى أو اليهود أو المسلمين أو البوذيين‪ ،‬بلا يعلذب‬
‫الجميع بذنوبهم وأخطائهم واقترافاتهم‪.‬‬
‫كا ذلك في الكتاب نسطورا‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫اإليمان‬
‫بين الفلسفة والعلم والقرآن‬
‫نن أجما الكتب التي قرأتها فلي فلباي عنلدنا كنلت طالبلا ً فلي الصلف العاشلر هلذا‬
‫الكتاب (قصة اإليما بين الفلسفة والعلم والقرآ ) وأنصح به كلا نبتلد بلالقراءة‪،‬‬
‫أو نن اطلع ففاته هذا الكتلاب‪ ،‬وحبلذا للو أعيلدت طباعتله بنسلخة شلعبية رخيصلة‪،‬‬
‫وهو نشروع يجب أ يقوم به نن تيسرت له الحياة الدنيا فأفلاض‪ ،‬أ يطبلع ذخلائر‬
‫الكتب‪ ،‬سواء نن تراثنا أو التراث العالمي أيا كا نصلدر الكتلاب‪ ،‬وننله نلثال كتلاب‬
‫طبائع االستبداد للكواكبي الذي طبع قبا نائة علام‪ ،‬وللم يسلتفيد ننله نائلة شلخص‪،‬‬
‫ويأكله العت على الرفوف‪ ،‬نثا أي بذرة ألقيت في فحراء ال ضرع فيها وال زرع‪.‬‬
‫عللي وقتهلا‬
‫ّ‬ ‫وحين قرأت هذا الكتاب يونها تمتعت بقراءة الجانب العلملي‪ ،‬وللم يكلن‬
‫سهالً الجانب الفلسفي؛ فلجأت إلى أستاذ لي يدرسني الفلسلفة؛ فبلدأ يشلرح لطالبله‪،‬‬
‫وهو يتظاهر بأنه فهم اانر‪ ،‬وأحاط به علما‪ ،‬ولو علمني يونهلا أ نصلف العللم أ‬
‫يقول اإلنسا ال أعلم اعطاني درة نن درر الحكم‪ ،‬ولكن هلذه هلي الثقافلة العربيلة‬
‫العقيمللة‪ ،‬حتللى يللأذ هللا ببللزوغ الشللمس نللن نشللرقها‪ ،‬بعللد أ غيللرت إحللداثياتها‬
‫فأشللرقت نللن الغللرب‪ ،‬بمللا يحقللق شللروط قيللام السللاعة علللى العللرب المناكيللد‪ ،‬أ‬
‫حضللارتهم بللارت‪ ،‬وجيوشللهم هلكللت‪ ،‬وثقللافتهم تتسللكع بمصللابيح عللالء الللدين فللي‬
‫ظلمات العصور الوسطى!‬
‫وحاليا هو نوسم افتتاح المعارض‪ ،‬وحين أقار بين نعرض الكتاب في فرانكفلورت‬
‫وبلرلين وبللين نعللارض القلاهرة والريللاض أفللاب بالرعلب نللن احللتالل الكتللب ذات‬
‫ااعقاب المذهبة‪ ،‬قد أعيد طباعتهلا نلن البيهقلي والنسلائي وااحلوذي والحصلفكي‬
‫واالسفراييني والجاعلي والفاعلي والتسخيري والقرطبي والطبطبي؟‬
‫يجب أ نعود أنفسنا عادة حميدة‪ ،‬هي تكرار قراءة الكتلب الجيلدة؛ فهلي أفضلا نلن‬
‫قراءة الكثير نن الكتب التافهة‪ ،‬وهذا ينطبق على اافالم‪ ،‬وحين أشاهد بعض اافالم‬
‫المقرفة‪ ،‬أستغفر ربي على إضاعة الوقت‪ ،‬وأتعجب نن سلخف هوليلوود فلي إنفلاق‬
‫اانوال‪ ،‬على نثا هذه التفاهات والقذارات في تلويث الذاكرة‪.‬‬
‫وأنا شخصيا ً أقرأ بعلض الكتلب أكثلر نلن نلرة‪ ،‬وبعلض الكتلب الهانلة والتأسيسلية‬
‫قرأتها أكثر نن عشر نلرات‪ ،‬نثلا كتلاب (تجديلد التفكيلر اللديني) للفيلسلوف نحملد‬
‫إقبللال‪ ،‬أو كتللاب (العلللم فللي ننظللوره الجديللد) تللأليف (جللورج ستانسلليو وروبللرت‬
‫آغلروس) وهلو نلن كتللب سلسللة علالم المعرفلة‪ ،‬أو (قصللة الفلسلفة) تلأليف (ويللا‬
‫ديورانت) وهو نؤرخ أنريكي‪ ،‬أو (تحليا اللنفس والخللق) لعلالم اللنفس البريطلاني‬
‫(هادفيلد) الذي كتبه قبا أكثر نن سبعين سنة‪ ،‬ونازال يزال يتمتع بصالبة االماس‪.‬‬
‫با و(نقدنة ابن خلدو ) التي تحلق فوق القارات والعصور‪ ،‬نخترقة وحدة اللزنن؛‬
‫فقد كتبها فاحبها عام ‪ 1406‬نيالدية‪ ،‬أي أفبح لهلا سلتة قلرو ويزيلد‪ ،‬ونلا زال‬
‫يلتمع بلمعا يضاهي أشعة كوكب الشعرى اليمانية‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫ونازلت أتذكر المفكر (عبلد الحلليم أبلو شلقة) فلاحب الكتلاب الموسلوعي (تحريلر‬
‫المرأة في عصر الرسالة) وهو كتاب اشتغا عليه فلاحبه أكثلر نلن عشلر سلنوات‪،‬‬
‫وكا يزورني كثيرا ً في ألمانيا وهو نصطحب نعه كتب الصحاح في الحديث‪ ،‬يلدخا‬
‫بطونها ويتأنا ااحاديث الواردة في قضية الملرأة‪ .‬وكلا يقلول رحمله هللا أ نيلزة‬
‫كتابي هي أ القار سوف يجد نا يريده نن الحديث نباشلرة‪ ،‬وكلا يسلألني دونلا‬
‫بحرقة عن الرحلة العقلية التلي قطعتهلا؟ أنهلا تجربلة يجلب االسلتفادة ننهلا ويجلب‬
‫تسجيلها؟ وكا يقول أريد أ أعرف نا هي الكتب التلي تحلدث يقظلة عقليلة؟ وهلا‬
‫يمكن تسمية هذه الكتب؟ بحيث نختصر العناء لمن يريد خوض هذه الصحراء‪ ،‬وهلا‬
‫يمكن تسمية هذه الكتب على نحو نحدد‪ ،‬فنختصلر رحللة تكلوين العقلا اللى سلنوات‬
‫قليلة عند الشاب العربي؟‬
‫وفي الواقع فإ سؤاله كا حيويا جدا‪ ،‬وهو نا دفعنلي أ أفكلر بهلدوء فلأقول فعلال‬
‫لماذا يتميز إنسا عن غيره؟ وكتاب عن كتلاب؟ فهنلاك نلن كتلب الكثيلر‪ ،‬ولكنله للم‬
‫يفعا شيئا ً للفكر‪ ،‬وهو حال نعظم الكتاب في عالم العربا ‪ ،‬ونن يكتلب فلي السياسلة‬
‫أكثر نن رنال الربع الخالي والصحراء الجزائرية حتى تندوف‪ ،‬ولكنهلا تفاهلة فلوق‬
‫التفاهات‪ ،‬تقرب البعيد‪ ،‬وتعظم الصغير‪ ،‬وتنفخ اانير‪ ،‬وتكذب على المواطن‪.‬‬
‫وهناك نن كتب رسالة قصيرة أو بضع كتب‪ ،‬ولكنله تلرك خلفله زللزاالً عقليلاً‪ .‬نملا‬
‫وأدشلن‬
‫ّ‬ ‫جعلني أعلن عن أكاديمية السلم والعلم في ثبج البحر ااخضلر اإللكترونلي‪،‬‬
‫نشروعين ااول في (قوانين البناء المعرفي) والثاني في ناهية الكتلب التلي (تقلدح‬
‫زناد الوعي) فزادت عن ‪ 200‬كتابا والرقم في ازدياد‪ ،‬ولكن ال أظن أنها ستزيد عن‬
‫‪ 500‬كتاب بالمتوسط؟‬
‫والفيلسوف (سبينوزا) لم يترك خلفه أكثر نن أربعة كتب‪ ،‬ولكن المؤرخ (ديورانت)‬
‫يقول عنه ‪ :‬كا خيرا لنابليو نن كا فتوحاته؛ أ يكتب أربعة كتلب؛ فينفلع النلاس‬
‫أكثر نن القتا في ثلوج سيبيريا حول نوسكو وليتوانيا‪ ،‬ولكن كا نيسر لما خلق لله‬
‫فهذا نفكر وهذا ندفعي؟‬
‫وزوجتي أنسلكت بكتلاب (عللم نفلس النجلاح) للل (بلراين تريسلي) فللم تتركله حتلى‬
‫أنهته‪ ،‬وهو نا حدث سابقا نع كتاب (كود دافنشي) اللذي أثلار السلؤال حلول حقيقلة‬
‫المسيح؟ ونا قتلوه ونا فلبوه ولكن شبه لهم‪...‬‬

‫‪76‬‬
‫فال يلوم ّ‬
‫ن إال نفسه؟‬
‫فلسفة جديدة‬
‫جاء في الحديث القدسي الذي رواه أبو ذر عن النبي ص فيما يرويه عن‬
‫ربه تبارك وتعالى وهو نوجود في نختصر فحيح نسلم للحافظ المنذري‬
‫تحقيق االباني ص ‪ 483‬حديث رقم ‪ 1828‬نا يلي وهو حديث جانع في‬
‫عشر فقرات تلتمع نثا اللآلليء‪:‬‬
‫• يا عبادي‪ :‬إني حرنت الظلم علللى نفسللي وجعلتلله بيللنكم نحرنللا فللال‬
‫تظالموا‪.‬‬
‫• يا عبادي‪ :‬كلكم ضال إال نن هديته فاستهدوني أهدكم‪.‬‬
‫• يا عبادي‪ :‬كلكم جائع إال نن أطعمته فاستطعموني أطعمكم‪.‬‬
‫• يا عبادي‪ :‬كلكم عار إال نن كسوته فاستكسوني أكسكم‪.‬‬
‫• يا عبادي‪ :‬إنكم تخطئو بالليا والنهللار وأنللا أغفللر الللذنوب جميعللا‪.‬‬
‫فاستغفروني أغفر لكم‪.‬‬
‫• ياعبللادي‪ :‬إنكللم لللن تبلغللوا ضللري فتضللروني ولللن تبلغللوا نفعللي‬
‫فتنفعوني‪.‬‬
‫• يا عبادي‪ :‬لو أ أولكم وآخركم وأنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلللب‬
‫رجا واحد ننكم نا زاد ذلك في نلكي شيئا‪.‬‬
‫• يا عبادي‪ :‬لو أ أولكم وآخركم وأنسكم وجنكم كانوا على افجر قلب‬
‫رجا واحد ننكم نا نقص ذلك نن نلكي شيئا‪.‬‬
‫• يا عبادي‪ :‬لللو أ أولكللم وآخللركم وأنسللكم وجللنكم قللانوا فللي فللعيد‬
‫واحد فسألوني فأعطيت كا إنسا نسألته نا نقص ذلللك نمللا عنللدي‬
‫إال كما ينقص المخيط إذا أدخا البحر‪.‬‬
‫• يا عبادي‪ :‬إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفلليكم إياهللا فمللن وجللد‬
‫عز وج ّا ونن وجد غير ذلك فللال يلل ّ‬
‫لونن إال نفسلله‪.‬‬ ‫خيرا فليحمد هللا ّ‬
‫كا أبو إدريس الخوالني إذا حدث بهذا الحديث جثا على ركبتيه‪.‬‬
‫ونا يدفعني إلى سرد هذا الحديث فكللرة التمعللت فللي ذهنللي أ أفعللا نللا‬
‫فعله النووي فهذا الرجللا جمللع أربعللين حللديثا اشللتهرت باسللمه‪ .‬وهللي‬
‫ريللاض الصللالحين‪ .‬وسللببها أ الرجللا انتقللى جملللة نللن ااحاديللث‬
‫واعتبرها أحاديث حيوية‪ .‬وفي نيتي أ أفعا نثله في جمع كتلة حرجللة‬

‫‪77‬‬
‫نن ااحاديث أراها لزناننا حيوية وتناسللب نشللاكلنا العصللرية ويمكللن‬
‫شرحها بشكا نختصللر ونضللغوط‪ .‬وأهميللة هللذا الحللديث هللو إ يللتعلم‬
‫اإلنسا في حياته قاعدة فارنة أ ال يلوم أحدا نهمللا حللدث نعلله نللن‬
‫نشللاكا‪ .‬للليس ا اآلخللرين ال دخللا لهللم فيمللا يقللع علينللا نللن أضللرار‬
‫وإفابات با ا التفكير بهذا االتجاه غيللر نجللدي‪ .‬فعنللدنا يلقللي اللللوم‬
‫على اآلخرين نرتاح نحن ولكنه يبعدنا عن حا المشللكلة تمانللا‪ .‬فطالمللا‬
‫لم يراجع اإلنسا نفسه فيما يحدث له ال يقوم بإجراء التصحيح على نا‬
‫وقع وهي نشكلة العرب السياسية اليوم‪ .‬فهم يلقو اللوم علللى أنريكللا‬
‫وإسرائيا في نشاكلهم حتى لو اختلللف الرجللا نللع زوجتلله فللي البيللت‪.‬‬
‫ونحن نتأكدو أ الخالفات العائلية ال تخلقها أنريكا وإسرائيا با هللي‬
‫نن فنع أيدينا هقا هللو نللن عنللد أنفسللكمه ‪ .‬ولكللن إلقللاء اللللوم علللى‬
‫اآلخرين يخلق عندنا آلية خاطئة تمانا بحرنا أنفسنا نن تشكيا حاسة‬
‫النقللد الللذاتي‪ .‬وبللدو هللذه الحاسللة ال نللرى أخطاءنللا‪ .‬وإذا كللا هللا قللد‬
‫أعطانا عيونا لنبصر بها فعللين النقللد تكشلف طريقنللا الللذي نمشللي فيلله‬
‫فنتفادى الوقوع نجددا في ااخطاء أنللا الحرنللا نللن عللين النقللد فإننللا‬
‫نتحول إلى حمير حقيقيين با نا هو أسوء فنكرر ااخطللاء طالمللا يقللوم‬
‫بها غيرنا ونحن ال يللد لنللا فيمللا يقللع‪ .‬وهللذا الحللديث الرائللع بللين أيللدينا‬
‫يؤفا لمفهوم أ يتدرب اإلنسا على نحو فارم أ ال يلوم أحدا نهما‬
‫حصا ليس ا اآلخر لم يشترك با انه غير نفيد والحقللا المنللتج هللو‬
‫نراجعة النفس‪ .‬ولو قام الطرفا بنفس اآلليللة فلللن تبللق أخطللاء ولكللن‬
‫عندنا يفعلها طرف تكو نصف المشكلة قد حلت‪ .‬إنها أحاديللث حيويللة‬
‫يجب جمعها في كراسات وكتابتها وتعليقها أنام أعيننا حتى تنغرس في‬
‫الالوعي فتفرز السلوك القويم‪ .‬وإ هللا ال يغير نا بقوم حتى يغيروا نللا‬
‫بأنفسهم‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫فلسفة التعبير‬
‫لماذا اليجد الرأي أحيانا ً طريقه الى الحرية ؟ ولماذا تنحبس بعض اآلراء في طريقها الى‬
‫التعبير عن نفسها ؟ ها إلنها تلجم بفعا خارجي ؟ أم إلنها تمارس االنتحار الداخلي ؟ أم إلنها‬
‫تحما نقتلها الذاتي فال تخرج الى التعبير ؟ إلنه ليس هناك نايستحق التعبير عنه ‪ ،‬بعجز داخلي‬
‫‪ ،‬أو اختناق في المعنى ‪ ،‬أو كساح في االتصال ‪ ،‬أو نخاطر ااذية لآلخرين ؟!‬
‫يتذنر الكثير أ الرأي اليجد طريقه الى حرية التعبير ‪ ،‬وهو قول يصدق فيه بعض الحقيقة ‪،‬‬
‫واليحما في بطنه الحقيقة وكا الحقيقة ؛ فليس كا تعبير تنقصه الحرية أو يحتاج للحرية ‪ ،‬فأ‬
‫تقول ‪ :‬أريد أ اشتري خبزا ‪ ،‬أو أنجز عمالً بجدية ودقة وأنانة اليحتاج إلذ سفر أو تأشيرة‬
‫خروج ؛ إل نفتاح السر هو في الكلمة وجدليتها الخافة وحركة المعنى في أحشائها ‪ ،‬والكلمة‬
‫بدورها في أفلها وبحد ذاتها بريئة ؛ إلنها لفظ نيت وتصويت بدو ندلول ‪ ،‬واللفظ اليشع‬
‫بالمعنى ‪ ،‬با يعكس المعنى ‪ ،‬فالمعنى شمس يتألق في نلكوت الفكر ‪ ،‬واللفظ قمر يستقبا‬
‫المعنى ويتجسد في تابوت البايولوجيا ‪ ،‬بين الحنجرة والحلق وااضراس ؛ فنحن الذين نشحن‬
‫تضاعيف اللفظ بالمعنى ‪.‬‬

‫جدلية اللفظ والمعنى‬


‫اعتبر الفيلسوف أبو حاند الغزالي ‪ :‬أ نن أراد توليد المعاني نن االفاظ فقد ضاع وهلك‬
‫وكا نثله كمن يريد التوجه الى المغرب فيوليه ظهره نتجها ً الى المشرق ‪ ،‬ونن قرر المعاني‬
‫أوالً ثم أتبع المعاني االفاظ ‪ ،‬أي بعد أ تولدت الفكرة في نلكوت الذهن ‪ ،‬تعمد آلة التصويت‬
‫والقلم في تشكيلها اللفظي والكتابي (‪)1‬‬
‫وانتبه ابن خلدو في نقدنته الى هذه المشكلة الخطيرة ‪ ،‬عند تعرضه لبناء االسلوب‬
‫التربوي التعليمي على ثالث نراحا ‪ ،‬وهي نن أبدع كتاباته الفكرية ؛ فنصح باالحتماء الى‬
‫فضاء الفكر عند السقوط في حجب االفاظ ‪ ،‬نثا سقوط الفريسة في نسيج العنكبوت ‪ ،‬في‬
‫شغب الجدال وحمى المناقشات المتوترة الصوتية ‪ ،‬عندنا يتوقف العقا عن العما ‪ ،‬وتبدأ ثخانة‬
‫الحبال الصوتية وعمق طبقة الصوت ‪ ،‬في تنزيا الحجج وتأكيد البراهين !!‬
‫المعنى هو الذي يسعى الرتداء قميصه نن اللفظ أو الكتابة ‪ ،‬فالوجود للمعنى بدو تجسد‬
‫نن قميص خارجي ‪ ،‬ولكن المعنى هو الروح الدينانية الداخلية ‪ ،‬واللفظ هو الجسد الخارجي‬
‫بكا نالبساته ‪ ،‬فهذه هي جدلية اللفظ والمعنى ‪ ،‬وإشكالية اللغة والواقع ‪.‬‬
‫جاء في المقدنة عن حقيقة جوهرية في التعلم عن العالقة الجدلية بين اللفظ والمعنى‪( :‬‬
‫نعرفة االفاظ وداللتها على المعاني الذهنية تردها نن نشافهة الرسوم بالكتاب ونشافهة‬
‫اللسا بالخطاب ؛ فالبد أيها المتعلم نن نجاوزتك هذه الحجب كلها الى الفكر في نطلوبك ؛‬
‫فأوالً داللة الكتابة المرسونة على االفاظ المعقولة وهي أخفها ‪ ،‬ثم داللة االفاظ المعقولة على‬
‫المعاني المطلوبة ‪ ،‬ثم القوانين في ترتيب المعاني ‪ ...‬ثم تلك المعاني نجردة في الفكر ‪ ..‬وليس‬
‫كا أحد يتجاوز هذه المراتب بسرعة ‪ ،‬واليقطع هذه الحجب في التعليم بسهولة ‪ ،‬با ربما وقف‬
‫الذهن في حجب االفاظ بالمناقشات ‪ ،‬أو عثر في اشتراك اادلة بشغب الجدال والشبهات ‪ ،‬وقعد‬
‫عن تحصيا المطلوب ولم يكد يتخلص نن تلك الغمرة اال قليا نمن هداه هللا ‪ ،‬فإذا ابتليت بمثا‬
‫ذلك ‪ ،‬وعرض لك ارتباك في فهمك ‪ ،‬أو تشغيب بالشبهات في ذهنك ‪ ،‬فاطرح ذلك ‪ ،‬وانتبذ‬

‫‪79‬‬
‫حجب االفاظ وعوائق الشبهات ‪ ،‬واترك الصناعي جملة واخلص الى فضاء الفكر الطبيعي ‪،‬‬
‫الذي فطرت عليه ‪ ،‬وسرح نظرك فيه للغوص علىمرانك ننه ‪ ...‬فإذا فعلت ذلك أشرقت عليك‬
‫أنوار الفتح نن هللا بالظفر بمطلوبك ‪ ...‬وحينئذ فارجع به الى القوالب وفورها ؛ فأفرغه فيها‬
‫ووفه حقه نن القانو الصناعي ‪ ،‬ثم اكسه فور االفاظ ‪ ،‬وأبرزه الى عالم الخطاب‬
‫والمشافهة‪ ،‬وثيق العرى فحيح البنيا )(‪)2‬‬

‫اافكار الميتة والقاتلة‬


‫ليس كا تعبير أو رأي أو فكرة يخدم الحرية ‪ ،‬فهناك نن اافكار الميت والقاتا ‪ .‬كما انتبه‬
‫الىذلك المفكر الجزائري ( نالك بن نبي ) (‪)3‬‬
‫الميت الذي فاحت رائحته بعد أ شبعت الجيفة نوتا ً ‪ .‬والقاتا الذي يتحرك بآراء تفوح‬
‫بالغدر والتآنر وعدم الثقة والعنف ‪ ،‬وجرت العادة أ أها كا بلدة لهم نقبرة يودعو فيها‬
‫الجثث الميتة احترانا ً لها وللناس ؛ فأفضا ستر للجثة هجوعها تحت التراب ‪ ،‬ولكن الكثير نن‬
‫آراءنا تموت فال تودع الى المقابر ‪ ،‬با تترك تفوح ننها رائحة الموت المؤذي ‪ ،‬وتبقى جثثا ً‬
‫تتكيء على المنسأة ‪ ،‬حتى تأتي دابة اارض التاريخية ‪ ،‬فتأكا ننها ؛ فتسقط الجثة ؛ فيكو‬
‫لسقوطها دوي عظيم ‪.‬‬
‫ليس كا تعبير أو رأي يدفع بالحيوية في نفافا الحرية ؛ فهناك نن اآلراء نايغتال الحرية‬
‫‪ .‬نع هذا يجب أ نحافظ على الرأي الخطر ونمنع فعله ‪ ،‬في جدلية حرية اآلراء وفرنلة اافعال‬
‫الضارة ‪ ،‬وإ كا الرأي بذاته فعالً نن نوع خاص ‪.‬‬
‫بالحفاظ على الفكر وننحه نسمة الحياة قد نع ّدله إ كا ضارا ً ‪ ،‬أو نستفيد ننه إ كا جيدا ً‬
‫‪ ،‬ونن يدري قد يكو فيه كا الخير ‪ ،‬ا االنسا عدو نايجها !!‬

‫جدلية االختالف والتعبير‬


‫دشن فولتير عصر التنوير بقولته المشهورة في جدال المختلفين ‪ :‬نع كا اختالفي وتناقضي‬
‫نعك في الرأي فأنا نستعد أ أنوت ليس نن أجا رأيك ‪ ،‬ولو كنت اعتقد سخفه ‪ ،‬ولكن نن أجا‬
‫تمكينك نن التعبير عن رأيك (‪ )4‬وهي المقولة التي تفاخر بها ( الكسندر هيج ) الجنرال‬
‫اانريكي رئيس حلف الناتو السابق ‪ ،‬عند جدار برلين قبا سقوطه المدوي ‪ ،‬في تعبير تاريخي‬
‫أ خنق اافكار نهما طال ‪ ،‬فهو كالماء اللين العنيد ‪ ،‬سيجد له في النهاية طريقا ً للتعبير‬
‫واالنبجاس وشق الصخر القاسي ‪ ،‬وإ نن الحجارة لما يشقق فيخرج ننه الماء‪ .‬دشنت‬
‫افتتاحية القر السابع عشر بنار عمت اافق ‪ ،‬بحرق المفكر اإليطالي ( جيوردانو برونو )(‪)5‬‬
‫على نار هادئة ‪ ،‬تعبيرا ً عن الشهادة لحرية الفكر أكثر نن الفكر بذاته ‪ ،‬كما ذكر ذلك المؤرخ‬
‫اانريكي ( ويا ديورانت ) فلم يكن خلف برونو ندرسة فكرية ‪ ،‬أو ننظونة نعرفية نتكانلة ‪،‬‬
‫أو اختراق نعرفي نزلزل نن نوع فلك كوبرنيكوس ‪ ،‬أو بايولوجيا دارو ‪ ،‬أو نيكانيكا غاليلو‬
‫‪ ،‬أو رياضيات ديكارت ‪ ،‬أو فلسفة ايمانويا كانت ‪ ،‬أو فلسفة التاريخ وقانو التناقض الفلسفي‬
‫عند هيجا ‪.‬‬

‫حرية الفكر وفكر الحرية‬


‫كا نوت برونو نن أجا التعبير أكثر نن نحتوى التعبير ‪ ،‬وهذا تأسيس نعرفي نهم ‪،‬‬
‫وهو ناأعلنه االسالم كمنعطف نصيري في تاريخ الفكر االنساني ‪ ،‬عندنا سمح للمختلف أ‬
‫يبقى على قيد الحياة ‪ ،‬فلم يؤسس لقتا االنسا نن أجا نايعتقده ‪ ،‬ونن شاء فليؤنن ونن‬
‫شاء فليكفر ‪ ،‬واعتبر الكو نبنيا ً على التعددية ‪ ،‬ونبرنجا ً على االختالف ‪ ،‬ولو شاء ربك لجعا‬
‫الناس انة واحدة ‪ ،‬فهو لذلك خلقهم ‪ ،‬إل فالح الكو وجماله بالتنوع والتعددية ‪ ،‬فهذا هو‬
‫السر المخفي ‪ ،‬في والدة النظام نن التعقيد ‪ ،‬والوحدة نن التنوع ‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫هذه الجدلية المحيرة بين الحرية والرأي ‪ ،‬أي حرية الرأي ‪ ،‬والرأي الحر ‪ ،‬با ورأي الحرية‬
‫وفلسفتها ‪ ،‬تتعانق في ننظونة ثالثية ‪ ،‬في أكبر تحدي فكري اجتماعي ‪ ،‬يبرنج أسلوب العيش‬
‫المشترك ‪ ،‬وطريقة التقاء النشاط االنساني ‪.‬‬
‫ولكن لماذا يشعر البعض بأ الرأي اليجد حريته في التعبير ‪ ،‬وبالمقابا يشعر البعض أ نن‬
‫الواجب تكميم اافواه ‪ ،‬ولجم بعض اآلراء ‪ ،‬وتطويقها وننع انتشارها ‪ ،‬وتسريبها ضمن أنفاق‬
‫نحكمة وأسالك نطوقة ‪ ،‬حماية لها وننها ‪ ،‬نن انفجار الصواعق الكهربية ‪ ،‬وقطع التيار‬
‫الكهربي االجتماعي ؟!‬
‫هذه الجدلية المشعة والمعقدة والمحيرة بآ واحد بين الحرية والرأي ‪ ،‬الحرية التي تريد‬
‫لبس المعطف المناسب نن الرأي ‪ ،‬والرأي الذي يريد شق طريقه الى أرض الحرية ‪ ،‬بوسيلة‬
‫الحرية المنظمة وليس الفوضى ‪ ،‬تحتاج الى تفكيك خاص ‪ ،‬أعقد وأخطر بكثير نن تفكيك االغام‬
‫اارضية ‪.‬‬

‫نن يملك الحقيقة المطلقة ؟‬


‫ليس كا رأي يصدق في قول الحقيقة ‪ ،‬أو يرونها ‪ ،‬أو يزعم قنص الحقيقة الحقيقية‬
‫النهائية المطلقة ‪ ،‬أو يحتكر الوفاية على الحقيقة ‪ ،‬أو يخدم الحقيقة ‪ ،‬وليس لجم كا رأي‬
‫يخدم الفكر ‪.‬‬
‫وإنكانية اإلنساك بهذا التواز الخفي والدقيق بين الكلمة ‪ ،‬ونسؤولية نطقها ‪ ،‬أو كتابتها‬
‫وإذاعتها وتبليغها ونشرها ‪ ،‬هي فلسفة الوجود والبقاء والحوار والنمو االجتماعي ‪.‬‬

‫بين أ تأسر وتؤسر كلمة‬


‫الكلمة كما قال الفيلسوف الصيني ‪ :‬نلك لك قبا أ تنطقها ‪ ،‬فإذا نطقتها نلكتك هي ‪ ،‬فلم‬
‫يكن عبثا ً ا انتأل ثراثنا بأنثلة نن نوع ‪ :‬خير الكالم ناقا ودل ‪ ،‬وأفضله بيانا ال الطويا المما‬
‫كب‬
‫أو القصير المخا ‪ ،‬وكثرة الكالم ينسي بعضه بعضا ‪ ،‬ونن كثر كالنه كثر سقطه‪ ،‬وها ي ُّ‬
‫الناس في النار على وجوههم اال حصائد ألسنتهم ؟ فهذه آليات هانة للخطاب وتفكيكه ‪.‬‬
‫ولبناء الجسر العقالني كا البد نن تبني فكرتين جوهريتين ‪ :‬الحقيقة النسبية وتعدد وجوه‬
‫ااجوبة على الحقيقة ‪ ،‬فمع إدراك نسبية االقتراب واالبتعاد عن الحقيقة ‪ ،‬يتشكا تلقائيا ً خلق‬
‫التعلم والحوار والنقد الذاتي واالعتراف باآلخر والتواضع ‪ ،‬وفتح طريقة آدم ‪ :‬ربي إني ظلمت‬
‫نفسي ؛ باالعتراف بإنكانية الوقوع في الخطأ واالنحراف ‪ ،‬فأعظم النفوس عندها االستعداد‬
‫الرتكاب أفظع الرذائا ‪ ،‬استعدادها اكبر الفضائا ‪ ،‬كما قال الفيلسوف الفرنسي ديكارت (‪)6‬‬

‫آليات التواز النفسية االجتماعية‬


‫والحوار نعناه تلقائيا ً الحفاظ على اآلخر والتكانا نعه نن خالل آلية الصيانة االجتماعية‬
‫الذاتية ‪ ،‬كما انتبه الى ذلك عالم النفس التحليلي ( آدلر يونج ) الذي أبصر بآليات التواز تحكم‬
‫الوجود بكا قطاعاته ‪ ،‬فالفيزيولوجيا تعدل أخالط البد ؛ فتعدل القلوية بالحموضة وبالعكس ‪،‬‬
‫وانخفاض تدفق الدم الى الدناغ باالغماء ‪ ،‬في آلية ذكية لحماية المخ نن االحتشاء ‪ ،‬فالسقوط‬
‫الى االرض يواز نستوى القلب نع الدناغ وتدفق الدم المضمو ‪ ،‬والنفس تقع في العصاب‬
‫عندنا تميا الى تشكيا النموذج ااحادي بين ( االنطواء ) و ( االنبساط ) بين االنفكاك عن‬
‫الواقع في ااول ‪ ،‬واالنفصال عن الداخا في الثاني ‪ ،‬وتقوم آليات النفس الذاتية بتصحيح‬
‫المسار ‪ ،‬وتمرض الحضارات أيضا ً باالنكفاء أحادي الرؤية ‪ ،‬كما ذهب الى ذلك ( يونج ) في‬
‫تحليله نرض الحضارة الغربية ‪ ،‬عندنا راهنت على الرفاهية المادية نقدنة على حساب‬
‫الصحة النفسية (‪. )7‬‬

‫‪81‬‬
‫ونريد بسرعة أ نشير إلى أنها قوة غير عادية للحضارة الغربية ‪ ،‬عندنا تقوم خالياها‬
‫الداخلية ‪ ،‬الممثلة بعلماء النفس واالجتماع نن داخلها في انتقادها وتحليلها ‪ ،‬فهي ليست‬
‫حضارة نادية كما يزعم البعض ‪ ،‬ليرتاحوا نن خالل قصة حصرم الثعلب لتعويض نركب‬
‫النقص ‪ ،‬أو أنها ركبت نن كرتو كما يتصور آخرو ‪ ،‬فكا حضارة تقوم وتعيش على‬
‫نجموعة نن القيم ‪ ،‬والتخرج أو تشذ الحضارة الغربية اليوم عن هذا القانو ‪ ،‬كما اننا لسنا‬
‫في وضع حضارة كما يتصور البعض نن خالل طرح النقيضين ؛ أننا في حضارة روحية ‪،‬‬
‫والغرب في حالة حضارة نادية ؟! وهو تصور نغلوط على الجانبين ‪ ،‬فالحضارة الغرب نادية‪،‬‬
‫كما النملك نحن حضارة روحية تحلق في السماء وتهوم على أجنحة المالئكة ‪ ،‬فنحن باالفح‬
‫اليوم خارج إطار الحضارة ‪ ،‬قد ودعناها ننذ قرو نع أسطر ابن خلدو ااخيرة ‪ ،‬كما في نثا‬
‫القطار الذي شبهته فيما سبق ‪ ،‬فنحن نعيش حالة قطار تعرض لحادث تاريخي فارتمى خارج‬
‫القضبا ‪ ،‬وتعرض ركابه لكارثة نروعة تاريخية ؛ فهم اآل بدأوا يستوعبو حجم اإلفابة‬
‫وهولها ‪ ،‬كما أ القطار لم يركب بعد على قضبانه ويسلتأنف نسيرته ‪ ،‬با إ البعض يذهب الى‬
‫درجة أ اانة هي في حالة سرطا ندنف الفائدة ترجى نن أي عالج فيها ‪ ،‬بما فيها كا‬
‫نقاالتنا التحليلية التي نكتبها ‪ ،‬وهي فورة كئيبة سوداء نأساوية تدعو الى اليأس ‪ ،‬ويمضي‬
‫البعض أكثر نن هذا عندنا يفترضو أنها قد ناتت وشبعت نوتا كما فرح لي بذلك كاتب‬
‫نرنوق ‪.‬‬
‫آلية التواز التي أشار إليها المحلا النفسي يونج تنطبق أيضا ً على الحوار االجتماعي‬
‫والتواز هنا ‪ ،‬وآليات التعديا فيه بين الكلمة ونطقها والحوار وشروطه ‪ ،‬فالحموضة في‬
‫الجسم التلغي القلوية با تعدلها ‪ ،‬وهي تزيد نن الحموضة في ااناكن التي تكثر فيها الجراثيم ‪،‬‬
‫كما في المعدة المستقبا ااول للطعام ‪ ،‬والمهبا عند المرأة الفوهة المباشرة بعد الوسط‬
‫الخارجي ‪ ،‬في حين تمتعت اانعاء والرحم بعدها بالقلوية ‪ ،‬كذلك آليات الحوار والخطاب ‪ ،‬يعني‬
‫بالتعديا وليس اإللغاء ‪ ،‬وعندنا تنطلق الحركة ليس الىالتعديا ؛ با همها ااكبر اإللغاء فإنها‬
‫تلغي نفسها ‪ ،‬وتنتهي رحلتها قبا أ تبدأها ‪ ،‬وهي حكمة أدق نن دبيب النما على ففاة‬
‫سوداء في الليا البهيم ‪ ،‬وهي الحكمة القريبة المحجوبة التي اليتفطن لها اآلحاد أو دعنا‬
‫نتفاءل العشرات نن الخليقة ‪.‬‬

‫الشوق الخالد الى البحث عن الحقيقة‬


‫لو خيرنا بين أنرين نفصليين نحوريين ‪ :‬بين انتالك الحقيقة النهائية ‪ ،‬والشوق الخالد الى‬
‫البحث عنها ‪ ،‬كما قال فيلسوف التنوير االماني ( ليسنج )(‪ )8‬نن القر الثانن عشر ‪ ،‬لوجب‬
‫أ نجثو خاشعين نمد اليد باتجاه الخيار الثاني ‪ ،‬ا الحقيقة النهائية والمطلقة والشمولية ‪ ،‬لن‬
‫يملكها أحد أو يحيط بها كائن ‪ ،‬با هي هلل وحده ‪ ،‬ااول اآلخر ‪ ،‬الظاهر الباطن ‪ ،‬اازلي اابدي‬
‫السرندي ‪ ،‬الذي التأخذه سنة والنوم ‪ ،‬وهو بكا شيء عليم ‪ ،‬وأحاط بكا شيء علما ‪ ،‬ويعلم‬
‫السر وأخفى ‪ .‬ويعلم خائنة ااعين وناتخفي الصدور ‪.‬‬
‫إذا كنا نسبح بين الالنهايتين ‪ ،‬بين العدم الذي خرجنا ننه ‪ ،‬والعدم الذي نرجع إليه ‪ ،‬بين‬
‫العالم الصغير الذي يتضاءل فال تعرف نهايته ‪ ،‬وبين العالم الكبير نن اافالك الذي يتسع ويمتد‬
‫فاليحيط العقا بنهايته ‪.‬‬

‫السباحة بين الالنهاية والعدم‬


‫إذا كنا في اللحظة الواحدة كما يقول الفيلسوف الفرنسي ( باسكال ) نسبح بين النهايتين‬
‫(‪ )9‬النحيط بهما واليطوقهما تصورنا واليصا الى حافتيهما نداركنا ‪ ،‬فنحن الشيء إذا قورنا‬
‫بالالنهاية التي تغمرنا ‪ ،‬ونحن كا شيء الى العدم الذي خرجنا ننه ‪ ،‬عندنا لم نكن شيئا ً نذكورا‬
‫‪ ،‬فنحن وفي اللحظة الواحدة كا شيء وعدم ‪ ،‬في تناقض السبيا الى نعرفة كنهه أو فك لغزه‬
‫أو نسح طلسمه ‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫إ هذا يدفعنا الى استنشاق كا لحظة حياة ؛ لفهم وفك لغز أي جزئية نن أسرار الحياة ‪،‬‬
‫حتى الموت المزلزل يتحول الى تجربة أخيرة كما كانت تصرح بذلك اانيرة االمانية‬
‫(شارلوتنبرج) في حواراتها نع الفيلسوف االماني (اليبنتس) في نواجهة الذات نع فاعقة‬
‫االندثار المؤقت باتجاه رحلة الخلود‪ ،‬فلم تعد تخاف نن الموت انه سيكو الكاشف ااخير عن‬
‫البصيرة ادراك نا عجزت عن إدراكه في الحياة نع كا رحلة الفلسفة‪ ،‬ا الحياة والموت أكبر‬
‫نن الفلسفة وحواراتها‪ ،‬فالموت هو اليقين الذي تنكشف عنده البصيرة؛ والبصر يونها حاد جدا ً‬
‫يخترق السجف‪ ،‬فبصرك اليوم حديد ‪.‬‬
‫ال إدانة وال تزكية‬
‫هذه الكلمات التريد إدانة طرف على حساب تزكية آخر ‪ ،‬أو نجانلة وجود على حساب إهمال‬
‫وتنكر وجود نقابا ‪ ،‬با هي نحاولة سبر واستنطاق آلية الكلمة وتعبيرها ‪ ،‬في نحاولة تأسيس‬
‫العقالنية ‪ ،‬وحرية الرأي المبنية على االعتراف باآلخر ‪ ،‬وحماية وجوده ‪ ،‬باعتبار أ المحافظة‬
‫على اآلخر هي نحافظة على الذات ‪ ،‬وتدنير اآلخر هي تدنير للذات ‪ ،‬نثا عما الرافعة تمانا ً ‪،‬‬
‫فاإلخالل بالتواز يرفع طرفا ً على حساب تهميش وتحييد وعزل وإلغاء وتصفية الطرف اآلخر‬
‫‪ ،‬فكا البد نن إذ نن حوار عقالني ‪ ،‬لتأسيس وتدشين عقلية وأرضية جديدة للبناء‬
‫االجتماعي المستقبلي ‪.‬‬
‫االعتراف بالتعددية‬
‫نع تأسيس فكرة النسبية في إدراك الحقيقة ‪ ،‬ونبدأ الحوار ‪ ،‬واالعتراف بالتعددية ‪ ،‬وإلغاء‬
‫االحتكار والوفاية ااخالقية على الحقيقة ‪ ،‬ونبذ العنف جملة وتفصيال ‪ ،‬وكا نايقرب إليه نن‬
‫قول وعما ‪ ،‬وتبني نقولة ناأراه حقا ً ويحتما الخطأ ‪ ،‬وناتراه أنت خطأ ويحتما الصواب (‪)10‬‬
‫يفضي الى الجدلية الفكرية الخصبة وجو التزاوج والتحرر نن العنة والعقم الفكريين ‪ ،‬وبداية‬
‫تأسيس نناخ يسمح للجميع بالتعبير والوجود والنمو المتبادل ‪ ،‬وسنشد عضدك بأخيك ونجعا‬
‫لكما سلطانا ‪.‬‬
‫لم يطلب الرسول ص أذنا نن قريش بتبليغ أفكاره ‪ ،‬كما لم يكن حريصا على إيذاءهم ‪،‬‬
‫وكا نوضع ثقتهم الى آخر لحظة ‪ ،‬عندنا ترك عليا (ر) في فراشه كي يعيد اانانات الى‬
‫أفحابها ‪ ،‬وكانت تعرف عنه قريش كما فرح أبوسفيا بذلك الى هرقا ‪ ،‬عندنا كا في سفره‬
‫الى بالد الشام ‪ ،‬أنه اليغدر واليكذب ويحافظ علىالعهود والمواثيق ويتمتع بأخالقية عالية فوق‬
‫الشبهات ‪.‬‬

‫وففة سحرية‪ :‬تخلص نن العنف تتحرر نن الخوف !!‬


‫الخوف يأتي في العادة نن تبني العنف وناقرب إليه نن قول وعما ‪ ،‬في آلية نعقدة ‪،‬‬
‫فالعنف يبحث عن السرية التي تشكا وسطه المالئم الستنبات جراثيمه ‪ ،‬والسرية بدورها‬
‫تتعانق نع العنف في زواج غير شرعي ؛ فالعنف يحب السرية ويبحث عنها ويخلقها ‪،‬‬
‫والسرية تغلف العنف وتؤنن له الستر والحماية والتحريض واالعداد ‪ ،‬في تركيبة نرضية‬
‫نشؤونة انفجارية نؤذية ‪.‬‬
‫يخطيء بدو حدود نن يتصور طبيعة وجذور المرض السياسية غير الثقافية ‪ ،‬وينسى في‬
‫غمرة ااحداث وحمى الوسط أ السياسي هو حفيد المثقف ‪.‬‬
‫السياسي يلمع تحت الضوء في العادة ولكن المثقف الينتبه إليه أحد ‪ ،‬وهو المنظرّ‬
‫والمؤسس للفكر السائد وكا ذيوله واختالطاته ‪.‬‬
‫قول الحق وحرية الرأي نصطلحا يتصال بثقافتين ‪ ،‬ولكنهما يصبا في النهاية في نفس‬
‫الخانة ‪ .‬كلمة قول الحق والصدع به نصطلح نبوي ‪ ،‬وحرية الرأي نصطلح غربي طغى وساد‬
‫في وسطنا الثقافي اليوم ‪ ،‬ونحن تحت تأثير وضغط ساحق لفكرة ‪ ،‬نؤداها أ الحق نعروف ‪،‬‬
‫ولكن الصدع به فعب ونكلف إ لم يكن نستحيالً ‪ ،‬ولكن ناندى فمود هذا المفهوم للتحليا‬
‫والتفكيك ؟‬

‫‪83‬‬
‫ها عندنا نا يستحق حرية التفوه به ؟‬
‫ها عندنا رأي ولكن النملك الحرية للتفوه به ؟ ونشكلتنا بالتالي هي نشكلة وعي نتفوق‬
‫نمتاز اليجد قاعدته نن الحرية ؟! أم أ نفس الحرية ونادتها نن نفس الوعي ونسؤوليته ؟‬
‫أي أننا الحرية لنا انه ليس عندنا نايستحق أ نتفوه به ؟ طالما كا التفوه نعناه قتا اآلخر‬
‫وتصفيته وإزالته نن الوجود ‪ ،‬نزع ناله وسلطانه أو روحه ! وهذا ليس برأي والبحق ‪ ،‬فلهذا‬
‫الحرية لنا ‪ ،‬إلننا بإلغاء اآلخر ألغينا أنفسنا ‪ ،‬بآلية اإلعدام واإللغاء المتبادلين ‪.‬‬
‫يمكن أ ننظر الى المشكلة ورؤية الحق في ضوء جديد ‪ .‬ها يمكن أ نرى الحق في حا‬
‫المشكالت وليس خلقها ؟! ها يمكن أ نتصور أ نتقدم بحا اليخسر أحد فيه شيئا ً ويربح‬
‫الجميع ؟ أم أ التصور يقوم على إيذاء اآلخر وتطهير اارض نن شره واعتباره خبيثا ً نجسا ً‬
‫شريرا ً ؟!‬
‫عندنا ضرب هللا نثا اانم السابقة في القرآ كا يهدف تقريب اانثلة الى أذهاننا ‪ ،‬وعندنا‬
‫تكلم عن إرم ذات العماد التي لم يخلق نثلها في البالد ‪ ،‬كا يعني العصر الذي سادت فيه‬
‫وشمخت ثم نالت فهوت ‪ .‬وإ نايحدث اآل نن االتحاد االوربي لم يحدث له نظير في تاريخ‬
‫الجنس البشري حتى اآل ‪ ،‬فهو خلق جديد وتطور حديث سلمي يربح فيه الجميع واليخسر أحد‬
‫شيئا ً ‪.‬‬
‫إ المطالبة بالديموقراطية قد تحما في طياتها بعض الخسائر لبعض ااطراف ‪ ،‬فقد يكو‬
‫نن الحكمة أ نبدأ بمستوى اليخسر فيه أحد شيئا ً النال والزعانة والأرض وإنما يربح الجميع‬
‫ويزدادو قوة ‪ ،‬بحيث نمهد لألنن االجتماعي بترسيخ خطوات الحقة واعدة ونبشرة اكثر ‪.‬‬
‫إ التاريخ يقدم لنا أحداثا ً عجيبة ‪ ،‬فعندنا تعاو العرب في عام ‪ 1973‬تزلزل العالم واعتز‬
‫العرب وغال بترولهم ‪ ،‬وعندنا تنازع بلدا عربيا تصدع العالم كله ولم يلتئم بعد ‪ ،‬وخسر‬
‫العرب وربح اآلخرو كا شيء ‪ ،‬وليس عندهم خوف اال أ يكو سببا ليقظة العرب ‪ .‬فكا‬
‫البد لنا نن طرح أفكار نقية نعقمة راسخة نفكر فيها كثيرا ‪ ،‬ا الوضع يقتضي طرح رؤى‬
‫جديدة والتبشير بالدخول الى حالة اانن العربي ‪.‬‬

‫إلغاء ثالث بثالث‬


‫أخطر ثلالث أنلراض تتعلرض لهلا كلا ثقافلة نثلا إشلعاعات الكلو الضلارة هلي‪ :‬الخلوف‬
‫والخرافة واإلكراه والنزاعات في السياسة والدين والفكر‪.‬‬
‫وجاء الدين ليحرر اإلنسا نن الخوف والحز فالذين قالوا ربنا هللا ثم اسلتقانوا تتنلزل علليهم‬
‫المالئكة إال تخافوا وال تحزنوا ولكن ناهي طريقة االستقانة؟‬
‫لقد استفدت نن زوجتي الراحلة القديسة ليلى سعيد تكرارها لهذه الجملة‪:‬‬
‫تحرر نن ثالث بثالث‪ :‬التحرر نن العنف يحرر نن الخوف‪ ،‬وتأكيلد نفهلوم السلننية يحلرر نلن‬
‫الخرافة‪ ،‬واإليما بال إكراه في الدين يحرر نن المنازعات‪.‬‬
‫ينبغي أ تعترف كا ااطراف ولو باحتمالية حدوث الخطأ ‪ ،‬وهلذا ينسلحب عللى المثقلف أكثلر‬
‫نن السياسي ‪ .‬المثقف ينبغي أ تكو عنلده قلدرة نراجعلة اللنفس واعتملاد آليلة النقلد اللذاتي‬
‫وتحرير التوبة ‪ .‬إ اانر يحتاج الى حذق شديد‪ ،‬ولكن الطب الجسدي يقدم انثلة عظيملة للطلب‬
‫النفسي‪.‬‬
‫إ الفكرة ااساسلية ااوللى التلي ينبغلي أ ننطللق ننهلا‪ ،‬أ نتعلاو عللى كشلف الحلا بلدو‬
‫خسارة أحد‪ ،‬فهذا الذي يقول هللا عنه وتوافوا بالحق‪.‬‬
‫إ كشفا ً فاعقا ً نن هذا النوع يريح ويربح ننه الجميع؛ فالحق ليس أ تأخذ نلن ااول لتعطيله‬
‫لآلخر‪ ،‬ولكن أ تدل الجميع على شيء نافع‪.‬‬
‫ويظن البعض ا قول الحق فعب ولكنه في الواقع سها‪ ،‬بشرط أ نفهم طبيعلة الحلق‪ ،‬فلالحق‬
‫اليريد قتا أحد‪ ،‬أو إيذاء أحد‪.‬‬
‫وهو تصور انقالبي في العالقات ‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫جدلية الحق والباطا‬
‫كما يظن البعض أ الحق يجب أ يقتا الباطا‪ ،‬ولكن النحتاج لتوليد الحق أ نقتا الباطا‪ ،‬كملا‬
‫النحتاج لشفاء المرض بقتا المريض‪ ،‬فمجيء الحق يؤذ بزوال الباطا‪ ،‬وقلا جلاء ونايبلديء‬
‫الباطا ونايعيد‪ ،‬وعند نجيء الحق يزهق الباطا تلقائياً‪.‬‬
‫إذا حضر الحق نات الباطا نوتا ً طبيعياً‪ ،‬بموت الفكرة الباطلة نع بقاء فاحبها على قيد الحياة‪،‬‬
‫كما يتعافى المريض‪ ،‬ويبقى على قيد الحياة‪ ،‬وقد تخلص نن المرض ونشط نن عقال‪.‬‬
‫وهادفيلد عالم النفس في كتابه تحليا النفس والخلق أشار إلى فكرة خالقة أنه ليس نن تصلرف‬
‫خاطيء؟ با هو التصرف الصحيح ولكن في المكا والزنا غير المناسب فهذه أعظم حكمة؟؟‬
‫كمللا البللد نللن التفكيللر فللي الحللق كثيللرا‪ ،‬إلنلله يمكللن قوللله حينمللا يتشللكا االنسللا نللن عجينتلله‬
‫فاليخاف‪ ،‬والحق اليحرض آليات الخوف عند أحد‪ ،‬ويمكن قولله فلي كلا نكلا وزنلا ‪ ،‬وكلذلك‬
‫حرية الرأي؛ فاالنسا حينما يكو عنده رأي ينفع الجميع واليضر أحداً‪ ،‬يكتسب حريلة حركتله‬
‫آلياً؟!‬
‫ونحن ال أفكار عندنا نن هذه النوعية‪ ،‬ولو أنتلكنا ثقافة نن هذا النلوع لنشلرنا أفكارنلا فلي كلا‬
‫نكا ؛ إل الرأي والحق والحا غير الخاسر يمكلن قولله‪ ،‬فلال يمكلن اعتقالله ونصلادرة حريتله‬
‫ويمكن نطقه‪.‬‬
‫أنا الممنوع فهو السب والدعوة الى القتا‪ ،‬وهذا نايجب أ نتجنبه‪ ،‬ولو سمح به؟!‬
‫وأذكر أنني اجتمعت بالعريا في أنريكلا وقلال كنلا نلود استضلافتك وللو تحصلن بأفكلاري التلي‬
‫أنادي بها نن الالعنف أو العلم والسلم كما هي عنوا زاويتي لكا بين أهله‪ ،‬ولكن شاء هللا لله‬
‫االنتحا حتلى يطهلر نلن أفكلار العنلف وقلد اليطهلر ويخلرج نلن نحبسله وهلو أكثلر كراهيلة‬
‫لألنريكيين؟؟ ولذا كتبت فيما أذكر في االنفرادية التي حبسني فيها البعثيو هذه الجملة‪ :‬كا نن‬
‫دخا السجن خرج‪ .‬وليس كا نن خرج سلم‪ .‬رب أدخلني ندخا فلدق وأخرجنلي نخلرج فلدق‬
‫واجعا لي نن لدنك سلطانا نصيرا‪..‬‬
‫وأعترف أنني وفي حبستي الثالثة هذه‪ ،‬أنني خرجت ولكن للم تتبلين اانلور أنلاني بعلد‪ ،‬حتلى‬
‫حبست الحبسة الطويلة عام ‪ 1973‬م‪ ،‬في غرفة تتسع لشخصين فزربنا فيها عشلرة اشلخاص؟‬
‫وكانت جيدة‪ ،‬وكا جودت سعيد رفيقي فلي السلجن فكلا نعلم المعلين‪ ،‬اننلي خرجلت فبصلري‬
‫حديد‪ ،‬وتكونت عندي نظرية الكفاح السلمي‪ ،‬فلنحن وغانلدي وعبلد الغفلور خلا واللدالي النلا‬
‫ونارتن لوثر كينج ونالكوم إكس وسقراط وعيسى واانبياء والفالسفة فلي خنلدق واحلد فلنحن‬
‫للرب شاكرو وبحمده الهجو ‪..‬‬
‫فالبد نن فهم هذ االموضوع بعمق‪ ،‬ووضوح نبين‪ ،‬وبشكا نعقم نن الطمع في سلب أحلد شليئا ً‬
‫نما يملك‪ ،‬ويتصا هذا الموضوع الدعوة الى ننع القتال بلين المسللمين‪ ،‬حيلث اليوجلد الرشلد‪،‬‬
‫وإنما الجميع يسبح في ثقافة الغي ونشرب بمفاهيم العنف‪ ،‬وهنا اليفضا غي على غلي‪ ،‬وإنملا‬
‫يفضا رشد على رشد‪.‬‬
‫فهذه هي طرف نن أسرار الرأي وحريته‪ ،‬فنحن الذين نأسر الرأي‪ ،‬ونحن الذين نطلق سلراحه‬
‫بما كسبت أيدينا ‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫هوانش ونراجع ‪:‬‬
‫(‪ )1‬الماتص ى من األصول ق أبو امد الازالي ق المجلد الثاني ه ‪ )2( 21‬المقدم البن خلدون ق ال صل التاسع‬
‫والعشرون ق في وجه الصواق في عليم العلوم وطريع إفاد ه ه ‪ 533‬وال قرة من ه ‪ 535‬و ‪ )3( 536‬يراجع‬
‫في هذا كتاق ( مشكل األفكار في العالم االسالمي ) لمالك بن نبي ق رجم محمد عبد العظيم علي ق نشر دار‬
‫ال كر ه ‪ 197‬ويرى مالك أن األفكار الميت نتيج رك ثقافي لم صف ‪ ،‬والقا ل نتيج قليد أعمى (‪ )4‬ص‬
‫ال لا ق أليف ويل ديورانت ق رجم محمد المشعشع ق فصل فولتير (‪ )5‬م رق الم كر جيوردانو برونو‬
‫وعمره ‪ 52‬سن في ‪ 17‬فبراير من عام ‪ 1600‬م في سا عام في روما بابب آراءه التي رى الكون مثال أكبر‬
‫من مجر نا في امتداد النهائي ‪ .‬أ ُ رق بأمر من محاكم الت تيش واليوم أ يم مثال لحري ال كر في مكان ر ه بعد‬
‫رون يراجع في هذا المصدر األلماني ( كرونيك‪ )CHRONIK DER MENSCHHEIT‬عن اريخ‬
‫االنااني ه ‪ )6( 454‬المقال على المنهج أو المنهج إل كام يادة العقل والبح عن الحقيق في العلوم ق رينيه‬
‫ديكارت ق نشر و رجم فواز المالي ومحمود الصاله ه ‪ )7( 22‬كتاق العبقري ( اريخ ال كرة ) أليف بنيلوبي‬
‫مري ق رجم محمد عبد الوا د محمد ق سلال عالم المعرف ر م ‪ 208‬ال صل ‪ 12‬ق يراجع البح الممتع ق الذي‬
‫كتبه انتوني ستور عن العبقري والتحليل الن اي ه ‪ )8( 312‬جاءت هذه ال قرة في مقدم كتاق األمرا القلبي‬
‫أليف مدني الخيمي االستاذ المدرب في جامع دمشع سابقا (‪ )9‬يراجع في هذا كتاق ص الحلارة لويل‬
‫ديورانت عن باسكال وكذلك الكتاق الشيع الذي كتبه نجيب البلدي فقرة الالنهايتان المشهورة ‪ ،‬وهي من أبدع‬
‫ماكتب في النثر ال رناي (‪ )10‬بحثت هذه ال كرة بشكل موسع في كتابي النقد الذا ي ‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫فلسفة التفسير‬
‫منذ أمد بعيد أ منى أن أكتب ول ال يلاوف (إيراسموب) مقن رو قردام‪ ،‬وهقو مقن رواد ال لاق‬
‫اإلنااني ‪ ،‬وكان قيا‪ .‬وهو في ثقافتنا العربي مجهول‪ ،‬والمجاهيل أكثر من رمقال عقالج عنقد قوم‬
‫أميين‪ ،‬ودعوا القراءة منذ أيام ابن خلدون‪ ،‬و حولقوا فقي عصقر ال لقائيات إلقى إناقان الكهقوف‬
‫الذي يتعلم مشافه وي هم بالصورة‪ ،‬فبئاما ي علون‪.‬‬
‫وإيراسموب كان يتكلم كمن له سلطان‪ ،‬وهو كالم يشبه ما جاء في القرآن بلا هولندي ‪.‬‬
‫وال الس أوالد عالت‪ ،‬أمها هم شتى وأبوهم وا د‪ ،‬وهم من القذين أنعقم علقيهم‪ ،‬يعيشقون فقي‬
‫همرة سعادة ال وصف‪ ،‬وروي دهش ط ولي ال قار هم‪ ،‬واليقوم ين قته العقالم كلقه علقى بعقض‬
‫استجاب لنداء إبراهيم الخليل‪.‬‬
‫و اب مالك بن نبقي الم كقر الجزائقري فقإن " مقن يقدخل العصقر وهقو هيقر محقيط بإ قافات‬
‫المعرف اإلنااني سوف ينال الاخري "‪ ،‬بمعنى أن (الزهراوي) لو قدم إلقى مقؤ مر فقي جرا ق‬
‫األوعي الدموي هذه األيام‪ ،‬و حدث عن طريقته في معالج األنورزما (أمهات الدم) فلربما اعتبر‬
‫كالمه في أ ان األ وال ماليا‪ ،‬ولاوف يكون الماتمعون بين مبتام ومتلايع؛ ولكن لن يحمل‬
‫أ د كالمه على محمل الجد‪.‬‬
‫وفي زمن الزهراوي كانت معالجق أمهقات القدم (انت اخقات الشقرايين) عقالج باالنتبقاه إلقى عقدم‬
‫(بطها) أي ثقبهقا ق علقى قد كالمقه ق كونهقا نقزف تقى المقوت‪ ،‬ونصقه بربطهقا بخيقوط مقن‬
‫الحرير‪ ،‬وهو كالم صحيه في و ته‪ ،‬بل اختراع الشرايين الصناعي من القداكرون والجقور كن‬
‫والت لون‪.‬‬
‫ولكن طور هذا اللون من الجرا وصقل اليقا إلقى ماقتوى (القال جرا ق )؛ وهقو مقن أعجقب‬
‫انقالبات الطب‪ ،‬فتعالج بدون فته الجام‪ ،‬بثقب بايط يدخل منه إلى المكان‪ ،‬و تى بطريق جديقدة‬
‫اسمها النو ن يتم الدخول إلى أي مكان مقن خقالل ال تحقات الطبيعيق فقي الجاقم مقن فقم ومهبقل‬
‫وشر وأ ليل وأنف‪ ،‬والكلم النو ن هي مجموعق الحقروف األولقى التقي ققول القدخول عبقر‬
‫ال وهات الطبيعي إلقى الجاقم؛ فيو قع داخقل الشقريان المن قو والمهقدد باالن جقار شقبك معلقع‬
‫بخطافات‪.‬‬
‫اريخ الجرا بل بصدد بح العولم ‪.‬‬ ‫ونحن هنا لانا بصدد استعرا‬
‫وإذا كان هذا الكالم يصله للجرا ‪ ،‬فهو ينطبع على كتب الت اير‪ ،‬فال يمكن إ اءة القرآن بآراء‬
‫رجال عاشوا في القرن الثال الهجري‪ ،‬كما ال يمكن فته جمجم مريض اليوم بأدوات فرعوني ‪.‬‬
‫وهذا لين انتقاصا من در ابن كثير‪ ،‬وال ن خا بالجراي سيم كورت من كيل‪ ،‬ولو بعق ابقن كثيقر‬
‫ل عل هذا وبدل كتابه وأعلن اريخيته أي أنقه انتهقت صقال يته‪ ،‬ولكننقا لألسقف مقا زلنقا ناقتهلك‬
‫أدوي فا ت صال يتها مخال ين لكل علوم الصيدل والدواء‪.‬‬
‫كان ابن كثير في عصره رائدا‪ ،‬واليوم عظاما في التراث‪ ،‬ومن يريد أن يبني ثقاف جديدة عليه أن‬
‫يكون رائدا من روي العصر‪.‬‬
‫فال يمكن بناء ثقاف إسالمي معاصرة بت اير ابن كثير‪ ،‬بل البد من اإلسراع بتشكيل ثقاف إسالمي‬
‫معاصرة عتمد العلوم اإلنااني المااعدة‪.‬‬
‫ومثال على ذلك أنقه اليمكقن فقك سقر سقد ذي الققرنين بقدون معرفق اريخيق مقارنق وهقل كقان‬
‫ققورش؟ ألن االسققكندر مققات فققاجرا سققكيرا هار ققا فققي دن مققن الخمققرة المعتق ق ؟ كققذلك بح ق‬
‫أركيولوجي عقن مكقان سقد هائقل مقن الحديقد والنحقاب؛ " قال آ قوني أفقر عليقه طقرا" وهقي‬
‫الصناع المتطورة التي ام بها سليمان‪ ،‬بعد أن الن الحديد في القرن الثامن بل الميالد لداوود‪.‬‬
‫وأنا أفكر منذ زمن بعيد للت ر لمشروع من هذا النوع فقي و قع اقير يعتمقد العلقوم اإلناقاني‬
‫المااعدة‪ ،‬وكنت مع األستاذ هشام علي قافظ علقى وشقك البقدء بالمشقروع‪ ،‬لقوال أن خط تقه يقد‬

‫‪87‬‬
‫قرب وا قدة‪،‬‬ ‫الموت‪ ،‬كما فعلت مع أعز إناان على لبي زوجتي ليلى سعيد؛ فتقطعت ذراعقي‬
‫تى يأذن بمدي بثماني أيد مثل را ص المعبد الهندي ‪.‬‬
‫وابن يمي كان متمردا على أفكار عصره‪ ،‬وسابقا ل كر زمانه‪ ،‬و ُ رق من أجل أفكاره‪ ،‬وطارت‬
‫عمامته‪ ،‬وهو يااق بالقوة من المنبر للتعزير‪ ،‬ولو بع في أيامنا للرق من جديد وبالرصاه‪،‬‬
‫هذه المرة على يد من ينشر كتبه ويعيد طباعتها‪ ،‬بعد أن يتبرأ منها؟‬
‫واألنبياء ربوا وا هموا بالاحر والشعر والكذق والجنون والكهان بن ن اآللي الن اي ‪.‬‬
‫والعولم هي ا جاه القرآن‪ ،‬ونداء األنبيقاء‪ ،‬ومصقير اإلناقاني ‪ ،‬ونهايق الر لق األنثروبولوجيق ‪،‬‬
‫وهي رك الكون‪.‬‬
‫وكل خطاق القرآن كان معنونا للناب أو المؤمنين ولين في القرآن آي وا دة من النتن القومي؟ ‪:‬‬
‫يا بني آدم ‪ .‬يا أيها الناب‪ .‬يقا أيهقا القذين آمنقوا‪ .‬ولقم يكقن الخطقاق وميقا أو عنصقريا أو جناقيا‬
‫مخصصا للذكور؛ بل المؤمنين والمؤمنات‪ ،‬و رق المثل بامرأة فرعون ومريم نماذ التققى‬
‫والهدى‪.‬‬
‫واعتبر القرآن أن خلع اإلناان من ذكر وأنثى وجعلهم شعوبا و بائل ليتعارفوا ولين ليتقا لوا‪.‬‬
‫وعندما حرك اإلناان األول من شرق أفريقيا بل ‪ 200‬ألف سن وهو اإلناان الثقافي‪ ،‬ولعله آدم‬
‫المقصود‪ ،‬وصل إلى الشرق األوسط بل ‪ 65‬ألف سن ‪ ،‬و ابع سيره عبر أوربا‪ ،‬وانتهقى بقل ‪12‬‬
‫ألف سن في األمريكيتين‪ ،‬ور لته هذه كانت على األ دام‪ ،‬وكان التواصل ماتمرا ومنقطعقا علقى‬
‫شكل كوانتوم بشري‪ ،‬عندما كانت الو دات الحلاري نشأ‪ ،‬وال عرف عن بعلها شيئا كما فقي‬
‫لارة الصين واإلنكا‪.‬‬
‫والعولم رك كوني مثل اا ط الورق في الخريف‪ ،‬واخلرار األر فقي الربيقع‪ ،‬أو البقرد‬
‫في الشتاء‪.‬‬
‫وكما في الريا يات في علم (الت ا ل والتكامل) فإن (البيولوجيا) تكامل من خالل عمل يرة‬
‫من األجهزة‪ ،‬كذلك يتكامل البشر فقي المجتمقع مقن خقالل نقوع االختصاصقات‪ ،‬وكقذلك تكامقل‬
‫المجتمعات فتن ته على بعلها البعض‪ .. .‬و يعلم وانتم ال علمون‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫فلسفة الثورة واالنقالب‬
‫كا حصا قابا للترويض اال الحصا العسكري فإنه يجمح براكبه فيدق عنقه هكذا جاءت‬
‫أخبار االنقالبات ووقائع التاريخ‪.‬‬
‫هذا المرض أفيب به كا فصائا المنطقة نن قونيين واسالنيين؛ فأنا القونيو فقد التهم‬
‫بعضهم بعضا ً كما تلتهم أنثر العنكبوت ذكرها في يوم الزفاف؟‬
‫حدث هذا عندنا أفبحت السلطة والسالح في أيديهم‪..‬‬
‫كا ذلك في الكتاب نسطورا‪.‬‬
‫وبلغ اانر بالبعثيين العبثيين أ حكموا قائديهم الروحيين (عفلق) و (البيطار) بالشنق والخنق‬
‫والفشكة والخنجر؛ فأنا عفلق فنجا وهرب‪ ،‬ولحقوا فالح البيطار في باريس فقتلوه في رابعة‬
‫النهار بطلقة في الجمجمة فما أقال؟‬
‫ولحقوا العطار الزعيم اإلسالني في آخن نن ألمانيا فنجا وقتلوا زوجته بسبع طلقات وهم‬
‫يهتفو فوق الجثة الممزعة‪ ،‬ثم سافروا إلى أرض ااندلس الرطيب فاغتالوا الصباغ الخطيب‬
‫الحمصي بفشكة في القذال فما تنفس بعدها؟‬
‫وكانت الحلقة الداخلية االنقالبية لمحزنة ‪ 8‬آذار ل نارس المشئونة في سوريا نن خمس حلقات‬
‫نثا قشر البصا‪ ،‬ففتكت كا حلقة بالتي فوقها‪ ،‬وطار أبو عبدو الجحش ل عفوا هكذا يعرفه‬
‫الشعب السوريل ونات نتعفنا في النهاية فالح جديد العقا اليساري المدبر في سجن المزة‬
‫العسكري وهو يلعن اليوم اليوم الذي ولدته أنه‪،‬‬
‫وأنا رئيس االستخبارات عبد الكريم الجندي الذي كا إذا اشتهى انرأة في أبو رنانة نن‬
‫عافمة اانويين أتته في ساعة بيد الحشاشين‪ ،‬حتى نحره رئيس القرافنة أو انتحر‪.‬‬
‫ونررت أنا على قبره في السلمية وقد استسلم لرقدة القبر وفوق قبره نكتوب وال تحسبن الذين‬
‫قتلوا في سبيا هللا أنواتا فهززت رأسي وقلت في سبيا هللا أم الحزب والشيطا ؟‬
‫وفي عد تقاتا الرفاق في ليلة نحس نستمر فذبح الرفاق الرفاق وخرج بعضهم نثا قصص‬
‫العراب وآل كابوني يزحف نن فالة اإلعدانات نثا الزواحف البرية؟‬
‫وأنا حسن البنا نؤسس (ااخوا المسلمين) فقد قضى نحبه عندنا انفجر به لغم (التنظيم‬
‫الخاص) الذي فنعه على عينه؛ فلم يكن نصرعه سوى رد فعا عادي على نقتا النقراشي و‬
‫(يداك أوكتا وفوك نفخ)‪.‬‬
‫حينما يعزم الجناح المدني على القفز الى السلطة على ظهر الحصا العسكري يرى ااخير أنه‬
‫وضع دنه على كفه في هذه المغانرة الكبرى فهو اولى بثمرة السلطة‪ ،‬وإذا قانر فريق ثاني‬
‫فسولت له نفسه االنقضاض على الذئب ااول كا جاهزا ً بالمرفاد لسفك الدم؟‬
‫وهكذا فالقتا وسفك الدناء شرط أساسي الستتباب اانن في نظر االنقالبيين ؟‬
‫وعندنا فشا هتلر في انقالبه عام ‪ 1923‬م وجلس في السجن انكب على تأليف كتابه الشهير‬
‫(كفاحي ‪ )MEIN KAMPF‬الذي يباع بوقاحة في دار العبيكا ؟ وفيه وفا الى القناعة‬
‫الكانلة أ الوفول الى السلطة في ألمانيا يجب أ يكو بالطريق الديموقراطي‪ ،‬وهكذا جاء‬
‫هتلر الى السلطة عام ‪1933‬م‪.‬‬
‫وعندنا سقطت في يده تفاحة السلطة الناضجة أقسم له الجيش البروسي ذو التقاليد العريقة‬
‫على الوالء ‪ ،‬ولكن (رووم ‪ )RUHEM‬قائد المليشيات العسكرية لم يستوعب هذه الحقيقة‪،‬‬
‫ولما تمرد قام هتلر بتصفيته‪ ،‬فقتله بيده فما تاب وأناب؟‬
‫فهذه هي حكمة العسكريين ااولى التي يجب تالوتها بخشوع نن كتاب نيكافيللي (اانير)‪:‬‬

‫‪89‬‬
‫على الحاكم أ يكو ناكرا ً كالثعلب دنويا ً كالنمر وعليه أ يقتا بدو تردد كما حذق بن شقي‬
‫في تونس هذا الدور لمدة ربع قر ؟‬
‫أنا ناوقع في ايرا فلم يكن انقالبا عسكريا دشنه ضباط نغانرو على ظهور الدبابات في جنح‬
‫الظالم بين ظهراني أنة نائمة با كانت (ثورة) وهو ناتكرر في ‪ 14‬يناير ‪2011‬م في تونس‬
‫بدو ناللي وآيات هللا؟‬
‫هناك حقيقة لم يستوعبها العرب حتى اليوم أ الزلزال االيراني كا (ثورة سلمية) ولم يفرقوا‬
‫بين (الثورة االيرانية) و (االنقالب العسكري العربي) وسال لعاب البعض وتلمظ لقلب أنظمة‬
‫الحكم بالسالح‪ ،‬وهو نالم تفعله الثورة في ايرا ‪ ،‬إل الجيش االيراني تفكَّك‪ ،‬ولم يتدخا‬
‫وتهاوت المؤسسة العسكرية وشعر الجنراالت الستمائة الذين رباهم الشاه على عينه أ‬
‫السيطرة على الجيش أفلتت نن أيديهم‪،‬‬
‫هذه المظاهر الشاذة لفتت نظر شبابنا ولم يستوعبوا ناحدث وكانوا يقولو لي تأنا ضرب‬
‫الرفاص؟!‬
‫ولكن ها يمكن الناس تمكن العنف نن نفافا تفكيرهم أ يستوعبوا هذه الحقيقة؟ لعله نن‬
‫ااسها أ تقطع أنوفهم بالمنشار وبدو تخدير عن استيعاب حدثا ً ضخما ً نن هذا النوع‬
‫والحجم؟‬
‫نع هذا فإ اانر المحز في (السر) الذي استخدنه الخميني ورأى فيه (تكتيكا ً ناجحاً) لم‬
‫يدركه حتى الخميني نفسه أنه (قانو ) يمكن تعميمه وتطبيقه حتى في حربه نع العراق‪ ،‬وهذا‬
‫نايفسر نجاح الثورة المدهش ضد الشاه ونكستها الشنيعة في الحرب بعد ذلك‪ ،‬فالثورة عندنا‬
‫دخلت نيدا الحرب خرجت نن الساحة التي نجحت فيها الى الحقا الذي السيطرة لها عليه‬
‫وتملك أنريكا كا السيطرة فيه؛ فكانت تهدد أوربا في أوقات سوء التفاهم ها أوقف الحرب؟‬
‫فالسالح المتطور كانت تمد به ثالثو دولة لحرب تقول ها نن نزيد في ثماني سنوات عجاف‬
‫يأكلن ناقدنت لهن نن نليو شاب و‪ 400‬نليار دوالر وبما هو أطول نن الحرب العالمية‬
‫الثانية‪،‬‬
‫درس الثورة السلمي استخدنه التوانسة وحققت النجاح بسواعدها العارية‪ ،‬ولربما غيرت هذه‬
‫االستراتيجية العالم كله‪ ،‬كما فعا غاندي نع نسيرة الملح؟ ولكن فكرة (الالعنف) لم نفهمها بعد‬
‫وهللا غالب على انره ولكن اكثر الناس اليعلمو ‪.‬‬
‫نحن في كالننا هنا نريد أ نتخلص نن أية حساسية ونحن نحلّا الحدث وننظر اليه في بعده‬
‫االنساني الذي يخضع لسنة هللا في خلقه بعيدا عن السنة والشيعة‪.‬‬
‫وحاليا ضاعت الثورة في بطن الدولة والتهمها الماللي بوجبة دسمة‪ ،‬ونا حدث في تونس يمكن‬
‫أ يضيع في بطن الحوت العسكري؟‬
‫وكا نانكتب القيمة له ونايغير اانم هو المعاناة فقط ولو جاءتهم كا آية حتى يذوقوا العذاب‬
‫االيم‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫فلسفة الدعاء‬
‫سألني حسن الكوردستاني فقال‪ :‬اذا كا كا الكو يسلير بقلوانين وسلنن ثابتلة وفلارنة‪ ،‬فملا‬
‫الجدوى نن اادعية؟‬
‫والجواب أنه يجب فهم القوانين؟ ثم فهم ناهو الدعاء؟ وثالثا ً عالقة الدعاء بسنن الكو ‪.‬‬
‫فأنا سنن هللا فللن تجلد لسلنة هللا تبلديال ‪ ..‬وللن تجلد لسلنة هللا تحلويال‪ ..‬البتغييلر نجراهلا‪ ،‬وال‬
‫برفعها‪ ،‬ووضع بديا جديد عنها؟‬
‫نحن هنا أنام نعادلة نن ثالث نجاهيا؟ الجهد والدعاء والعالقة بينهما‪ ،‬فكيف نفهم هذا المركب‬
‫الذي آنن به المتقو ‪ ،‬وكفر به الملحدو ؟‬
‫في أنريكا وألمانيا قلما يستخدنو الدعاء في حياتهم اليونية‪ ،‬لسليطرتهم عللى سلنن نجريلات‬
‫اانور‪ ،‬وهانشية المجهول في حياتهم‪ ،‬وإذا حدث فدعوا فهو حين اليأس إذا هم فيه نبلسو ؟‬
‫وعندنا وبفعا هول نساحة المجهول ندعو كثيرا‪ ،‬ولو في نوعد وإنجاز نعانلة؟ فنقول إ شاء‬
‫هللا ويعني لن تحدث إ شاء هللا؟ وتصب على رؤوسنا المصائب بقدر اادعية؟ فكسللنا وتثاقلنلا‬
‫يمحق بركة كا دعاء نع أ اإلله يقول ادعوني استجب لكم؟‬
‫أ ّنن يجب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء اارض أأله نع هللا قليال ناتذكرو ؟‬
‫فنحن ندعو فال يستجيب الرب الدعاء‪ ،‬أنا االما واليابلانيو فلال يلدعو وينجلزو أكثلر ننلا‬
‫كثيرا‪ ،‬ونحن نن الداعين على ندار الساعة؟‬
‫فللأين الخلللا؟ وهللا يقللول وإذا سللألك عبللادي عنللي فللإني قريللب أجيللب دعللوة الللداع إذا دعللاني‬
‫فليستجيبوا لي وليؤننوا بي لعلهم يرشدو ‪.‬‬
‫الرب يقول ادعوني استجب لكلم؟ ولكنله يسلتجيب بطريقتله الخافلة؛ فهلو يسلتجيب لليابلانيين‬
‫والطليا واالما بدو دعلاء‪ ،‬وال يسلتجيب ادعيتنلا العدوانيلة بهلالك تسلعة أعشلار الجلنس‬
‫البشري ونحن المسلمين؟‬
‫فها هناك ربا في العالم؟‬
‫كمللا اسللتنكر يوسللف المحبللوس فقللال‪ :‬يافللاحبي السللجن أأربللاب نتفرقللو خيللر أم هللا الواحللد‬
‫القهار؟‬
‫علينا أ نفهم إذ أ الجهد اليأتي في نوضع الدعاء‪ ،‬كما أ الدعاء اليشتغا في نكا الجهلد‪،‬‬
‫ولكن ال بد ننه في ظلمات النرى فيها نورا؟‬
‫ولكن كيف؟؟‬
‫إذا كا الكو يقوم على السنن‪ ،‬والعقا يتفاعا نعها ليكلو العللم‪ ،‬والتسلخير هلو السلنة التلي‬
‫تحكم الوجود‪ ،‬فأين نوضع الدعاء في تشكيا ثقافة اإلنسا المسلم؟ والدعاء نخ العبادة؟‪...‬‬
‫لاجابة على هذا السؤال الذي يشغا بلال الملؤننين‪ ،‬وتنلدر عليله خروتشلوف‪ ،‬اللذي أطلاح بله‬
‫الرفاق في نكتب الحزب السياسي الذي حكم االتحاد السوفيتي فيملا نضلى؛ فقلال أ اللدعاء للم‬
‫ينفع أحداً؟‬
‫كما سخر ننه فرانسيس بيكو حين قيا له أ هللا استجاب دعلاء الملؤننين فلي لحظلات غلرق‬
‫السفن؟ كا جوابه ولكن كم عدد الذين لم يستجب لهم؟‬
‫وأنا شخصيا كتبت كتابا كانال في نقد العقا المسللم‪ ،‬ووقفلت أنلام هلذا الموضلوع لتجليتله بلين‬
‫رغبة المؤننين وسخرية الملحدين‪ ،‬ففتح هللا لي روزنة في فهلم آليلة أو نلا سلميته (نيكانيكيلة‬
‫الدعاء)؛ فاإلنسا يسبح في اللحظة الواحدة بين عالم الشهادة والغيب‪ ،‬وهللا وفف نفسه بأنله‬
‫(عالم الغيب والشهادة)‪..‬‬
‫ولتقريب المفهوم نقول أ الجهد الواعي يقابا عالم الشهادة‪ ،‬واللللللدعللاء يقابلللا عالم الغيب‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫والوجود بالنسبة هلل سبحانه وتعالى هو عالم شهادة‪ ،‬أي ال يعزب عن ربلك نلن نثقلال ذرة فلي‬
‫السموات واارض وال أفغر نن ذلك وال أكبر إال في كتاب نبين‪.‬‬
‫أنا العالم بالنسبة لنا فهو عالما ‪ :‬عالم شهادة وعالم غيب‪.‬‬
‫الغيب هو في الواقع ثالثة غيوب‪:‬‬
‫الغيب هو المستقبا الذي ال نعرفه‬
‫(لو كنت أعلم الغيب الستكثرت نن الخير ونا نسني السوء)‪..‬‬
‫كذلك الغيب هي أحداث الماضي التي نرت وال سبيا لنا إلى نعرفتها‬
‫(تلك نن أنباء الغيب نوحيها إليك نا كنت تعلمها أنت وال قونك نن قبلا هلذا فافلبر إ العاقبلة‬
‫للمتقين)‪...‬‬
‫كذلك فالغيب ثالثا هو حوادث الحاضر التي ال يعلمها اإلنسلا ‪ ،‬وللو كانلت أنلام عينيله‪ ،‬وهلو ال‬
‫يدرك حقيقتها بالضبط‪ ،‬كما غاب عن الجن الذين كانوا بخدنة النبي سليما عليه السالم أنه للم‬
‫يكن إال جثة‪:‬‬
‫خر تبنت الجن أ لو كانوا يعلمو الغيب نا لبثوا في العذاب المهين)‪.‬‬ ‫(فلما ّ‬
‫إذ يمكن تعريف الغيب على نحو ثالثي‪:‬‬
‫أ الغيب هو نا غاب عنا فلم ندركه أيا ً كا في نستوى الزنا أوالمكا ‪.‬‬
‫وجمعت هذه المعاني الثالث هذه اآلية الرائعة (وعنده نفاتح الغيب ال يعلمهلا إال هلو‪ ،‬ويعللم نلا‬
‫في البر والبحر‪ ،‬ونا تسلقط نلن ورقلة إال يعلمهلا‪ ،‬وال حبلة فلي ظلملات اارض‪ ،‬وال رطلب وال‬
‫يابس إال في كتاب نبين)‬
‫فهذه اإلحاطة الشانلة هلل سبحانه وتعالى نالك نفاتيح هذه ااسرار هلو كلا الغيلب وأكثلر ننله‪،‬‬
‫فهو الذي يعلم السر وأخفى نن السر؟‬
‫ثم إ عالم الغيب والشهادة في حالة دينانيكية وليس استاتيكية‪ ،‬أي أ هناك تغير فلي المقلادير‬
‫والعالقات‪.‬‬
‫فمثال بإنكاننا اليوم أ نرى العظام تحت اللحم بواسطة أشعة رونتجن‪ ،‬كملا يمكلن لنلا أ نحليط‬
‫كبلر علالم‬
‫بمقادير إنتاج الهورنونات في الوقت الحاضر‪ ،‬أي أفبحت لنا عيلو جديلدة‪ ،‬وهكلذا َّ‬
‫الشهادة أنام أعيننا‪ ،‬فما كا نن عالم الغيب قديما ً أفبح نن عالم الشهادة حديثاً‪.‬‬
‫ولكن الوجود بنفس الوقت هو في حالة تمدد وكبر وزيادة (يزيد في الخلق نا يشاء) وهذا يعني‬
‫بكلمة أدق أ نعرفتنا تبقى نحدودة‪ ،‬نهما تعمقت وانتدت‪.‬‬
‫وتتمثا هذه المعرفة في أرقام نحدودة أنام الكو الالنتناهي‪.‬‬
‫ونحن نعرف أ نسبة الرقم إلى الالنتناهي تساوي الصفر في عالم الرياضيات‪ ،‬وأفضلا نظريلة‬
‫للمعرفة تلك التي تغطي المواجهة تماناً‪.‬‬
‫إ الوجود الذي نعيش فيه‪ ،‬فيه حركة تداخا الليا والنهار‪ ،‬والظالم والنور‪ ،‬المعرفلة والجهلا‪،‬‬
‫الشهادة والغيب‪.‬‬
‫والتغطية العلمية هي التي تتناول كافة السطوح والمجلاالت والحقلول المعرفيلة‪ ،‬فعلالم الشلهادة‬
‫يواجه بالجهد الواعي‪،‬أنا عالم الغيب فهو افتقلار وانكسلار إللى هللا الخلالق بلار اإلنسلا نلن‬
‫العدم‪ ،‬فيقابا بالدعاء‪ ،‬للصلة بمنبع الوجود‪.‬‬
‫الدعاء بكلمة أدق هو لنا أكثر نن كونه هلل!‬
‫ً‬
‫وهكذا ففي اللحظة الواحدة يتأرجح اإلنسا بين عالمي الشهادة والغيب‪ ،‬أو أوال عالم الغيلب ثلم‬
‫الشهادة‪ ،‬ولتكو المواجهة فحيحة كا البد نن المزج الدائم بين العما الواعي والدعاء‪.‬‬
‫وكذلك تدخا عملية النقد اللذاتي ضلمن هلذا اإلطلار ااخالقلي‪ ،‬فكملا أنله حاسلة وعلي لمطلاردة‬
‫ااخطاء‪ ،‬كذلك هي التفات إلى الداخا للتطهير‪.‬‬
‫وبالتالي التوجه بالدعاء إلى هللا بوضع اللذنوب‪ ،‬والتثبيلت عللى الطريلق‪ ،‬والنملو فلي اإلكتملال‬
‫اإلنساني‪ ،‬وتذكير اإلنسا نفسه دونا ً أ الخطأ له أقرب نن حبا الوريد‪..‬‬
‫الدعاء إذ هو المواجهة العلمية لورطة الوجود كلها‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫والدعاء تواضع سقراط في اكتشاف نساحة جهله‪.‬‬
‫والدعاء هو يقظة الروح في اكتشاف أعماق الذات‪.‬‬
‫وهي نعاني يعرفها نن ذاقها وينكرها نن را على قلبه فهو علن الحكملة نحجلوب نلع دنوهلا‬
‫وقربها‪..‬‬
‫كال با را على قلوبهم ناكانوا يكسبو ‪ ...‬كال إنهم عن ربهم يونئذ لمحجوبو ‪..‬‬
‫وفي عيادة الدكتور حداد وهو يتكلم عن توازنات الجسم عند اانثى بكالم جدا نتواز ‪ ،‬كنت أقرأ‬
‫على الجدار دعاء خاشعا لم يفلت نني إال أ طبعتله فأنقلا بعضلا ننله كلي يجعلله القلار عللى‬
‫الجدار نثا الدكتور الحداد الفنا ‪.‬‬
‫إذا أعطى هللا المال أ ال يسلب السعادة‪.‬‬
‫وبنت أوناسيس فاحب إنبراطورية ناقالت النفط اليوناني في النهاية انتحرت‪.‬‬
‫وإذا أعطى القوة أ ال يأخذ العقا‪..‬‬
‫فالجبارو يتحولوا إلى نجانين‪..‬تأنلوا جنراالت الحرب؟؟‬
‫وإذا أعطى النجاح أ ال يأخذ التواضع‪..‬‬
‫فالمتفوقو نتغطرسو تأنلوا بعضا نن االما واليابانيين‪..‬‬
‫وإذا أعطى الرب التواضع أ ال يأخذ الكرانة‪..‬‬
‫وهو تواز أدق نن االوستروجين والبروجسترو ‪..‬‬
‫رب علمني أ أحب الناس كما أحب نفسي‪ ..‬وعلمني أ أحاسب نفسي كما أحاسب الناس‪...‬‬
‫رب ساعدني على قول الحق في وجه ااقوياء‪ ...‬وا ال أقول الباطا اكسب تصفيق الضعفاء‪...‬‬
‫وال تدعني أفاب بالغرور نع النجاح‪..‬‬
‫وال أفاب باليأس إذا فشلت‪..‬‬
‫وأ أتذكر دونا أبدا أ تجارب الفشا نقدنات النجاح بإذ هللا‪..‬‬
‫وأ أتعلم أ التسانح أكبر نراتب القوة‪...‬‬
‫واالنتقام أول ننازل الضعف‪..‬‬
‫يا رب إذا جردتني نن المال فاترك لي الزهد والتقوى ‪...‬‬
‫وإذا فقدت النجاح فابق لي اانا‪..‬‬
‫وإذا جردتني نعمة الصحة فابق لي اإليما يا رب العزة والجالل‪..‬‬
‫شكرا لك دكتور حداد يا نن يهب اانا للمرضى والفكر انثالي نن المتعبين‪...‬‬

‫‪93‬‬
‫لحظات اإللهام الفلسفية‬
‫هذا عنوا كتاب كانا لجاك بيرج ينصح بقراءته‪ ،‬لمعرفة أ التاريخ يدين برنته إلى عدد قليلا‬
‫نن المفكرين الذين غيروا التاريخ‪ ،‬ولكن البد نن نسق يستعد افكارهم‪ ،‬وإال كا نصيرهم نثلا‬
‫ابن رشد والتربة اإلسالنية القاحلة‪.‬‬
‫العالم يقوم على التغير فهذا هو قانو هرقليطس الرابع في الصيرورة‪ ،‬وال توضلع قلدم نلرتين‬
‫في نفس النهر‪.‬‬
‫وكا نن عليها فا ويبقى وجه ربك ذو الجالل واإلكرام‪.‬‬
‫ونحن نن يكتب نشبه الماء نن جهة‪ ،‬فإذا انحلبس فلي نكلا انلبجس ينلابيع فلي أنلاكن شلتى‪،‬‬
‫والكثير يحاول احتكارنا‪ ،‬بدو أنا نمن سيحتكر‪ ،‬أ ال يمح أثرك بجرة قلم ونكالملة تلفونيلة‪،‬‬
‫لذا كا تتبع أثر أولئك المبدعين القديسين رائع ال ينس‪.‬‬
‫ونن فتح هللا عليه في تاريخ نغلانرات اافكلار كثيلرو ‪ ،‬وهنلاك نلن جلاءهم ونليض عجيلب‪،‬‬
‫فأوحى إليهم بأفكار‪ ،‬غيرت التفكير االنساني‪ ،‬وتركلت بصلمات عملهلم فلي أثلر ال يمحلى‪ ،‬وهلم‬
‫عينة نلن تيلار نلن العلملاء‪ ،‬وفلا نعظمهلم اللى أفكلار وقلوانين جديلدة‪ ،‬تحلت تلأثير ونليض‬
‫العبقرية‪ ،‬في لحظة نباركة‪.‬‬
‫نثا سقوط التفاحة عند (اسحق نيوتن) التلي أوحلت لله بفكلرة الجاذبيلة‪ ،‬وكلا أبلوه يأكلهلا أو‬
‫يطعمها الحمار‪.‬‬
‫وتراقص غطاء أبريق الشاي‪ ،‬الذي يغلي أوحت للعالم (دينيس بابا ) بفكرة ضلغط البخلار‪ ،‬فلتم‬
‫استخدانه قبا نائتي سنة‪ ،‬وسيرت على القضلبا القطلارات‪ ،‬تحلت تلأثير ضلغط الملاء المغللي‬
‫المحبوس‪ ،‬وكا كا الناس يرو تراقص غطاء أبريق الماء الذي يغلي‪ ،‬فلم يفهموا ننه سلوى‬
‫همهمة ودندنة‪ ،‬وعليهم أ يقونوا فينزلوا اإلبريق عن النار‪.‬‬
‫أنا (أرخميدس) فقد جاءته الفكرة في حوض الماء‪ ،‬عندنا انزاح الماء عن جسمه فأوحلت لله‬
‫تلك اللحظة بقانو الطفو النوعي‪ ،‬والوز النوعي لللذهب‪ ،‬فلركض نلن الحملام عاريلا يصليح‬
‫اوريكا اوريكا أي وجدتها وجدتها‪ .‬ويعني أنه عثر على الحا والتفسير لذهب تاج الملك‪ ،‬ها هو‬
‫ذهب حقيقي أم نغشوش؟‬
‫ونن قانو أرخميدس في الطفلو‪ ،‬تمشلي اليلوم سلفن الحديلد العمالقلة‪ ،‬فلي المحيطلات وكأنهلا‬
‫ااعالم‪.‬‬
‫وفكرة اختراع ناكينة الطباعة جاءت لل (يوها جوتنبرغ) وكأنها أشعة شمس نافلذة‪ ،‬تقلول لله‬
‫ناذا يفعا؟ وكانت قبله فكرة بسيطة‪ ،‬نن أي خاتم عليه نقش‪ ،‬يكفي أ يكبلر سلطح الخلاتم اللى‬
‫ففحة‪ ،‬ويوضع عليه حبر‪ ،‬ويطبع فوق ففحة ورق‪.‬‬
‫وهذه الفكرة البسيطة لو انقدحت وطبقت في العصر العباسلي اراحلت نسلاخ اللورق فلي بغلداد‬
‫بشكا خرافي‪ ،‬ولكن ونيض العبقرية يحتاج الى وسلط وذكلاء ونلال وحلظ وتلراكم نعرفلي فلي‬
‫خمس اليعلمهن إال هللا‪.‬‬
‫أنا (ابن خلدو ) فقد انتبه الى قوانين االجتماع‪ ،‬خالل هدأة نن الفكر‪ ،‬اسلتمرت خمسلة أشلهر‪،‬‬
‫في حياته الصاخبة‪ ،‬التي استمرت ‪ 75‬سنة بين تلونس واانلدلس ونصلر‪ ،‬وللوال هلذه ااشلهر‬
‫المباركة في (قلعة عريف) لما وفا الى أيدينا هلذا اإلنتلاج الفلذ‪ ،‬اللذي وفلفه فلاحبه بلالحكم‬
‫القريبة المحجوبة‪ ،‬التي جاءته على نحو نفاجئ‪ ،‬ال يكاد يتفطن لها إال اآلحاد نن الخليقة‪..‬‬
‫أنا (شانبليو ) الذي فك أسرار اللغة الهيروغليفيلة‪ ،‬فجاءتله أيضلا ً فلي ليللة لليالء‪ ،‬بعلد جهلد‬
‫نكثف اكثر نن ‪ 14‬سنة نن العما الدؤوب‪ ،‬ثم التمعت في لحظة واحدة نلن ونليض العبقريلة‪،‬‬
‫فخر على اارض نغشليا عليله‪ ،‬ا الفراعنلة وكهنلتهم خرجلوا عليله دفعلة واحلدة‪ ،‬يتحلدثو‬
‫يروو له حياة كانلة‪ ،‬كانت نيتة نغيبة‪ ،‬في ضمير العدم لمدة ثالثة آالف سنة ويزيد‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫أنا (آينشتاين) فقد ولدت في ذهنه (النظرية النسلبية)‪ ،‬وهلو يتصلور نفسله نعتليلا ً شلعاعا ً نلن‬
‫الضوء‪ ،‬وخيا إليه في لحظة‪ ،‬أنه ثابت‪ ،‬فقال بثبات سرعة الضوء‪ ،‬ونن أسلرار الضلوء وللدت‬
‫النظريللة النسللبية الخافللة بكللا تطبيقاتهللا‪ ،‬وننهللا تفجيللر الللذرة والسللالح النللووي‪ .‬وهللا نللور‬
‫السموات واارض ليس كمثله شيء وهو السميع العليم‪.‬‬
‫أنا (أوجست كيكول) فقد فهم (حلقة البنزين) في الكيميلاء العضلوية‪ ،‬بمنلام خلرج عليله ثعبلا‬
‫بفحيح‪ ،‬قام بالتقام ذيله‪.‬‬
‫وفي ليلة تاريخية وفا الفيلسوف (رينيه ديكارت) عام ‪ 1630‬م جنوب ندينة أولم في ألمانيلا‪،‬‬
‫الى ننهجه التحليلي المشهور فكتب ( المقلال عللى الملنهج) وحلرب الثالثلين عانلا الضلروس‪،‬‬
‫تأكا ااخضر واليابس في اارض االمانية‪ ،‬ووفف تلك الليلة أ دناغه كاد أ يحترق‪..‬‬
‫أنا (باسكال) فقد خرج بأجما نظرياته‪ ،‬في ليلة نحمونة‪ ،‬كلاد أ يغشلى عليله نلن االلم فكتلب‬
‫(الخواطر)‪.‬‬
‫وفي غابات اانازو كلا (الفلرد راسلا واالس) يهلذي نلن الحملى بعلد لسلع البعلوض‪ ،‬وفلي‬
‫ضرانها انقدحت نظرية (انتخاب اانواع)‪.‬‬
‫نشكلة العبقرية أ كا واحد ننا‪ ،‬يمكن أ تنقدح عنده‪ ،‬ويصا إليها‪ ،‬ولكننا وبطريقة نلا نطفلئ‬
‫هذا النور الفطري فينا‪ ،‬فيعيش أحدنا في ظلمات ليس بخارج ننها‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫فلسفة المالبس‬
‫يي ي ق نيي ي خليجييي ي ل ف يي ي‬ ‫أرسققققل لققققي أ ققققدهم يقققققول أنققققه فييييد الييييق من ديي ي‬
‫ك هد نك لفل خت د فد إلقى من قمرس نلبد ت مجت عيت مم اي ت من ويت وت من نبي ت‬
‫ض منبرم ج منتد قُ ّق ت فد هذم مولتف ل منرمتع فقرة بعدي م ‪ (:‬لكي‬ ‫ك لشقم ً ه تالً‪،‬‬
‫ج ل منع نم(‬
‫هذم منشدء الذي ال يكلاد يصلدّق فلي أنلكلة جملال العلالم‬ ‫عجبت مم ا ت ذهلت من نب ت‬
‫وفي أظهرنا؟ ؟ نعقولة؟ وأفبح الجميع في ذهول وحيص بيص كما يقال‪ ..‬وفجأة خرجت طفلة‬
‫في الحادية عشرة نن عمرها تقريبا ً وقد لبست الحجاب كانالً ولم يظهر ننها شيء‪ ،‬قد احتجبت‬
‫حجابا ً كله أسود وغطت يديها وقدنيها وعينيها وكا شيء نن جسمها‪ .‬لقد كانت فقرة ندهشلة‬
‫أتعرفو ناذا حصا ؟؟ لقد ذرفت دنوع اانهات‪ ،‬وابتهجت قلوب الطالبات ورحن في غمرة نن‬
‫الفرح والسرور يصفقن ويكبر ‪ :‬إنها نلكة جمال العالم الحقيقية؟؟‬
‫وهذه القص قول أن من ياطي المرأة كامال أو يعريها ماما ينطلقان من ن ن القاعدة الن اي فقي‬
‫الصراع على جاد المرأة‪.‬‬
‫ورسمت فتاة أعرفها في يوم ثالث عشرة فورة النلرأة نلن الغطلاء ااسلود الفلاحم الكانلا إللى‬
‫العري التام النافع على درجات‪ ،‬فظهر التوسط عين العقلا‪ ،‬وقابلا التشلدد فلنوه فلي الزاويلة‬
‫المقابلة‪.‬‬
‫ونشرت نجلة الشبيجا االمانية نوديا جديد للمالبس نلفلت للنظلر‪ ،‬فقلد تنقبلت انلرأة وغطلت‬
‫يديها وكشفت بقية جسمها عاريا يلمع نثا الموزة المقشرة‪ ،‬وهذا يقول أ العري الكانا يقابلا‬
‫الالعري الكانا‪ ،‬والجسد اإلنساني نصمم على غير طريقة الفاجرين أو المتشلددين‪ ،‬وال يخطلر‬
‫نكيلف‬‫ّ‬ ‫في بال أحد لماذا يمد الكلب لسانه؟ انه غير نزود بالغدد العرقيلة‪ ،‬وجسلمنا فيله نليلو‬
‫نن الغدد العرقية التي ال نحتاج فيها أ نمد ألسنتنا طول الوقت كلالكالب‪ .‬بلا نغيلر ألبسلتنا بملا‬
‫يناسب المناخ‪.‬‬
‫واللباس نن العادات وليس نن العقائد‪ ،‬ولكن هناك نن يقول بني اإلسالم على سلت‪ :‬شلهادة أ‬
‫ال إله إال هللا وسادسها غطاء الرأس؟ ونفس الكالم ينطبق على إطالق اللحية‪ ،‬فهنلاك نلن يلرى‬
‫أ نن حلق لحيته فقد حلق دينه فأفبح فاسقاً‪ ،‬ولكن الشعر ليس نكرنة‪ ،‬وال حلقله إهانلة‪ ،‬وال‬
‫سقوطه عارا وشناراً‪ ،‬ولو كا كذلك لما نبت بأشد نن اادغلال فلي أنكنلة القلذارة‪ .‬ولملا لمعلت‬
‫فلعة سقراط بأشد نن نرآة تحت ضوء الشمس‪.‬‬
‫وننذ أ خرج اإلنسا نن الغابة طور لباسه وفلق ثلالث ننحنيلات‪ :‬المنلاخ والثقافلة والجملال‪،‬‬
‫ونن عاش في اإلسكيمو ال يكشف شيئا‪ ،‬ونن عاش في الغابلة كشلف كلا شليء‪ ،‬والنسلاء فلي‬
‫القبائا البدائية يمشين نتلدليات الثلدي بلدو إغلراء جنسلي‪ .‬ونلن أراد أ يلتعلم أناقلة اللبلاس‬
‫فليقلد الطيور‪ ،‬وهي نالحظة لفتت نظري حينما كنت في حديقة الحيلوا فلي القلاهرة‪ ،‬والقلرآ‬
‫يطلق على اللباس كلمة التنزيا نثا الوحي‪ :‬يا بني آدم قد (أنزلنا) عليكم لباسلاً‪ ،‬ثلم يفليض فلي‬
‫شرح نعنى اللباس في ثالث كلمات‪ :‬يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير‪ .‬فهنلا يقلوم‬
‫اللباس أوال بدور الجلد المتبدل لانسا ‪ ،‬فالقطط والدببة ال تخللع نعاطفهلا قلط‪ ،‬واإلنسلا يبلدل‬
‫ثيابه بالغدو واآلفال ونع كا خروج ودخول‪ ،‬والثقافة التي تتبلرج فيهلا الملرأة هلي نثلا التلي‬
‫تبالغ في تغطيتها فكالهما يندفع نن ال شعور جنسي‪ ،‬والمرأة ال عالقة لها بلاالثنين‪ ،‬فهلي التلي‬
‫يجب أ تقرر نا ذا تلبس وتخلع‪ .‬واللباس له تأثير نفسي فمن لبس المرقع شعر بالرثاء لنفسه‪،‬‬
‫ونن لبس المالبس الرياضية نشط نن عقال‪ ،‬ونن لبس التبا استعد للمصلارعة‪ ،‬ونلن ارتلدى‬
‫نالبس العمليات الجراحية استعد بالمبضع والملقط‪ ،‬ونلن أراد السلباحة خللع إال القليلا‪ .‬ونحلن‬

‫‪96‬‬
‫نخلع كا نالبسنا في الحمام‪ ،‬ونرتدي كا نالبسنا حينما نغادر المنزل‪ ،‬كله تحت نفهوم العورة‪،‬‬
‫وفي القرآ أ نن بلغ الحلم يجب أ يستأذ حين نخلع نالبسنا نن الظهيرة ونن بعلد العشلاء‬
‫وقبا فالة الفجر في ثالث عورات‪ ،‬ونن خلرج عاريلا عللى النلاس كلا واحلدا نلن اثنلين إنلا‬
‫أرخميدس أو نجنو ؟ ونودة نلكة الجمال هي الجنو الثالث غطت أم خلعت؟‬

‫‪97‬‬
‫فلسفة الفيزياء الحديثة‬
‫الكو المتعدد المتمدد‬
‫(جيا جديد نن التلسكوبات وضحت نصير العالم ل سيمتد الكو ويتوسع إلى اابد ل‬
‫النجوم التزيد عن نيرا نلتمعة في نملكة للظالم تشكا أكثر نن ‪ %90‬نن الوجلود‬
‫أطلق عليها المادة المعتمة ل الباحثو يدعو إلى ثورة كوبرنيكوس ثانيلة فلي عللم‬
‫الفلك ل ها كوننا واحد نن نجموعة أكوا فال يعود يسمي يونيفيرس با نلتيفيلرس‬
‫(‪)Universe - Multiverse‬‬

‫خرج (ستيفن هوكينج) العالم (المشلول) على الناس بنظريلة عجيبلة بكتلاب رفلع فلاحبه إللى‬
‫نرتبة نيوتن وآينشتاين ؟ إنه كتاب قصة قصيرة للزنن ‪..‬‬
‫وقللال هللوكينج عللن نهايللة العللالم أنلله قللادم ال نحالللة! وسللتكو نهايتلله فللي أحللد اثنللين نللن‬
‫السيناريوهات؛ فإنا أ ينهار الزنا والمكا والمادة في بطن ثقب أسلود‪ ،‬يللتهم كلا إحلداثيات‬
‫عالمنا‪ ،‬وإنا أ ينقلب على نفسه في انكماش عظيم‪ ،‬كملا بلدأ رحلتله فلي انفجلار عظليم‪ ،‬وكملا‬
‫بدأنا أول خلق نعيده؟؟‬
‫ولكن يبدو أ تنبؤات عبقري كانبريدج لم (تزبط!) فقد أخطأ حساباته كما هو في نعظم ااحيا‬
‫نع المنجمين‪ ،‬فحسب التقارير التي تسربت‪ ،‬بواسطة القياسات نن النجوم المنفجرة‪ ،‬والعالنات‬
‫الراديوية الكونية‪ ،‬ألغت فكرة نهاية العالم‪ ،‬وا الكلو سلوف يسلتمر فلي تملدده وتوسلعه إللى‬
‫اابدية‪..‬‬
‫وقصة عمر الكو وبدايته ونهايته كانت ونا زالت نسألة فلسفية كسرت رؤوس كلا المفكلرين‬
‫والفالسفة أجمعين‪ ،‬وهي دونا تظهر أ تركيب الكو أعملق نملا نتصلور‪ ،‬وأ اارض جميعلا‬
‫قبضته يوم القيانة والسموات‪..‬‬
‫وهكذا فبدال نن االنهيار؛ سيكو نصليره التوسلع واللتمطط وعللى نحلو أسلرع‪ ،‬وكأنله بلالو‬
‫تنفخه قوة عاتية تدفعه للكبر يونا بعد يوم‪..‬‬
‫ويقللول الفلكللي االسللترالي (بللراين شللميدت) نللن جانعللة كنبللره فللي أوسللتراليا ( ‪Brian‬‬
‫‪)Schmidt‬؛ كانت نشاعري بين الخوف والمفاجأة أ يكذبني القوم؟ حلين وفللت إللى نتيجلة‬
‫قياساتي؟‬
‫وهدأت خواطر الرجا عندنا جاءت تأكيدات العلماء إلى نا ذهب إليه فارتاح أ يجلا بالعار فلي‬
‫الوسط العلمي‪ ،‬وبذلك قلب الشاب الباحث نفاهيمنا عن نصير الكو في ضربة واحدة‪..‬‬
‫ونشرت نجلة العلم أبحاثه‪ ،‬واعتبرت أنها تفردا في هذه النتائج‪..‬‬
‫وعلق الكوسمولوجي اانريكي (آال جوث) على ذلك أنها تبدو دونلا نثلا االغلاز غيلر القابللة‬
‫للحا‪ ..‬فحلت‪..‬‬
‫كانت القياسلات هلذه حجلر ااسلاس للكوسلمولوجيا الحديثلة‪ ،‬وتلم الوفلول إللى هلذا بواسلطة‬
‫التلسكوبات العمالقة‪ ،‬والساتاليت ااوربي للمراقبلة‪ ،‬وهكلذا أنكلن إنلارة عملق الكلو ‪ ،‬وقصلة‬
‫الخلق اإللهي واإلجابة على ااسئلة الثالث العظمى؛‬
‫ناذا كا في البدء بعد أ لم يكن فكا ؟ ثم كم عمر الكو ؟ ونم يتكو عالمنا؟‬

‫‪98‬‬
‫إنها أسئلة شكلت تحلديا أنلام أجيلال نلن العلملاء‪ ،‬وكلملا تعمقلوا فلي ااسلرار أكثلر كلملا زادت‬
‫ااسرار في نواجهتهم‪..‬‬
‫وتعود هذه القصة إلى ننتصف القر العشرين‪ ،‬حين نصلب أدويلن هبلا نرفلده بالونلار عللى‬
‫جبا فلي كاليفورنيلا‪ ،‬علام ‪1952‬م فرفلد السلماء ووفلا إللى كشلفين خطيلرين‪ ،‬قلبلا نفلاهيم‬
‫الكوسللمولوجيا؛ أ نجرتنللا ليسللت الوحيللدة‪ ،‬وأ الكللو يتمللدد‪ ،‬وكللا هللذا بواسللطة ظللاهرة‬
‫الزحزحة الحمراء‪..‬‬
‫ظاهرة الزحزحة الحمراء‪:‬‬
‫وتعود فكرة تغير اللو إلى ظاهرة فيزيائيلة كشلفها النمسلاوي كريسلتيا دوبللر(‪،)Doppler‬‬
‫فشرح كيف يمكن لألذ أ تميز قدوم القطار واقترابه إلى المحطة نن ابتعاده؟‬
‫قال هي بكا بساطة بواسطة الموجات‪ ،‬فإنا تضلخمت وتراكبلت أو خفلت وتباعلدت‪ ،‬وكلا هلذا‬
‫فتحا نبينا نثا اكتشاف أشعة رونتجن في فحص العظام وهي نخبأة في اللحم‪.‬‬
‫ونن ظاهرة دوبلر أنكن فناعة السونار لكشف سفن في قيعا المحيطلات نثلا التيتانيلك‪ ،‬إللى‬
‫التشوهات الخلقية للجنين وهو في بطن أنه‪ ،‬أو عندنا في فلن ااوعيلة الدنويلة فنميلز اختناقلا‬
‫وتضيقا في الوعاء‪ ،‬نن سعة وعرطلة باالنورزنا‪..‬‬
‫ولكن هذه الظاهرة الصوتية أنكن نقلها لعالم الضوء وتطبيقها فلي علالم السلدم‪ ..‬فالضلوء نثلا‬
‫الصوت نحمول على نوجات‪ ،‬ولكن الضوء ليس نتجانسا نثا الصوت بلا هلو عصلير كوكتيلا‬
‫نن االوا وخارج االوا في تسعة نوجات؟ فأفغرها نوجة نا فوق البنفسجية وهي ال تلرى‬
‫انها فوق حافة الضوء ويحترز ننها بلبس النظارات‪ ،‬وأطولها الحمراء ونا تحتها وفيها وهلج‬
‫نللن الحللرارة وهللي سللالح الثعللابين الكتشللاف الضللحايا وجنللود بللوش واابالسللة أجمعللين فللي‬
‫الحروب‪.‬‬
‫لقد كشف هللا عن عين أدويلن هبلا ليلرى أ نوجلات الضلوء القادنلة نلن علالم السلدم طويللة‬
‫نتطاولة أي تأخذ اللو ااحمر بسبب تباعد السدم عن بعض وانتفاخ الكو وهروللة المجلرات‬
‫في سباق بعيد في فرار ليس ننه وزر‪ ..‬وكا هذا الفلتح بدايلة اللدخول لفهلم الكلو ونتلى بلدأ‬
‫والوفول إلى نظرية االنفجار العظيم والبحث عن نصيره‪.‬‬
‫ويقول ريشارد فيست (‪ )Richard West‬نن المرقاب ااوربي الجنوبي (‪ )ESO‬إننلا نقتفلي‬
‫أثرا عظيما والسؤال لماذا أخذ الكو شكله الحلالي؟ كملا أ هنلاك غلوانض أخلرى علن الملادة‬
‫المعتمة في الكو والتي تشكا نعظم بناء الكو ؟‬
‫تلسكوب هابا‬
‫ويعود الفضا إلى هذا الكشف المبين نرة أخرى لهابا الذي أطلق تلسكوب باسمه إلى السموات‬
‫العلى بكلفة ‪ 1.5‬نليار دوالر‪ ،‬أضيف لها بعد ثالث سنوات نليار أخر حلين اعتللى رواد الفضلاء‬
‫عنا السماء نن جديد لتصليح أنتينات االستقبال الضعيفة‪..‬‬
‫إ تلسكوبات أريزونا وجزر هاواي ونرقاب تشيلي جيدة ولكنها ال تقار نع تلسكوب هابلا أو‬
‫كوب‪ ،‬فااول نظر بحدة إلى عمق ‪ 12‬نليار سنة ضوئية‪ ،‬وهذا يعني أنه يرى الكلو كيلف كلا‬
‫قبا ‪ 12‬نليار سنة؟؟‬
‫ويأتي بعده تلسكوب الهائا في تشيلي الذي نصب فلي فلحراء أتاكانلا حيلث الجلو فلاحيا فلي‬
‫‪ 350‬يونا في السنة‪ ،‬وهو نركب نن أربع قطع‪ ،‬كا واحدة فيها نرايا بقطر ‪ 8‬نتر نشبوكة نع‬
‫بعض‪ ،‬ويهم يعملو على المزيد نن فقلها في ذلك االرتفاع الهائا على علو ‪ 2600‬نتلر فلوق‬
‫سطح البحر حيث قطع رأس الجبا نن أجا وضع التلسكوب الرباعي فوقه‪ ،‬ويتفاءلو أ يلروا‬
‫قريبا سطح القمر بواسطته‪ .‬ونن يعما عليه غير نرتبط بالعين المجردة با بالمسح الكمبيوتري‬
‫وشاشات تعما أفضا نن العين البشرية فال يمسها نصب وال لغوب‪..‬‬
‫ونع تلسكوب هابا أنكن رؤية ‪ %90‬نن الكو ‪ ،‬وبواسطة تلسكوب كوب في عمق ‪900‬كم في‬
‫الفضاء أنكن قراءة اإلشعاع ااساسي الصادر نن بقايا االنفجار العظيم‪..‬‬
‫اإلشعاع ااساسي في الكو‬

‫‪99‬‬
‫وتعود قصة كشف بقايا االنفجار العظيم إلى اثنين نن نهندسي شركة بلا اللذين رفلدوا فلوتا‬
‫خافتا يأتي نن كا أرجاء السماء‪ ،‬وهذا البث العجيب أنكن نعرفتله وتحديلده وانله بحلرارة ‪3.5‬‬
‫فوق الصفر المطلق‪ ،‬ونال كا نن أرنو بنزياس وروبرت ويلسو فديقه جائزة نوبا عليها‪..‬‬
‫واليوم يقول العلماء قوال عجيبا عن نوضلوع تملدد الكلو بلأ الكلو انفجلر وتوسلع بسلرعة‬
‫تفوق سرعة الضوء‪ ،‬وهو نا يشكا خرقا للنظرية النسبية التي تقول إنه ال يوجد نا هلو أسلرع‬
‫نن الضوء‪ ،‬ويجيب على هذا العلالم الروسلي (اندريله ديمتلريفيتش لينلده) أ هلذا حلدث انهلا‬
‫السرعة التي تشكا بها الكو قبا وجود إحداثيات الكو نن الزنا والمكلا والسلرعات فهلي‬
‫نن خلقت العالم الحقا!! وهو أشبه بقلول السلحرة‪ ..‬لقلد وفلا العلالم لينلده لهلذا قبلا كشلوفات‬
‫التلسكوب كوب‪.‬‬
‫الروسي (اندريه ديمتريفيتش لينده) ونظرية التمدد الفوضوي (‪Chaotic Inflation‬‬
‫ويروي لينده عن نفسه نا يذكر بالفيلسوف اإلسالني أبو حاند الغزالي حين انتنع عليه الطعلام‬
‫والشراب فكاد أ يهلك‪ ،‬وهو نا حصا لصاحبنا حتى خرج على الناس بنظرية التمدد الفوضوي‬
‫(‪ .)Chaotic Inflation‬فاح بزوجته وهي أيضا عالمة فيزياء كما فلرخ يلوم أرخميلدس؛‬
‫اآل عرفت كيف خلق هللا العالم‪..‬‬

‫‪100‬‬
‫فلسفة اللغة‬
‫المنطوقة والمكتوبة والسيميائية‬
‫أرسا لي ااخ (أحمد المسقطي) وهو يعقب على فكرة السالم التي أنلادي بهلا انطالقلا ً نلن نبلدأ‬
‫(ابن آدم) الذي شرحته ست آيات نن سورة المائدة فقال‪:‬‬
‫هإ نبدأ ابن آدم يمثا فراعا ً بين الحق والباطا أو بين الباطا والباطا‪ .‬على أربع أشكال‪:‬‬
‫ل ااول‪ :‬لئن بسطت إلي يدك لتقتلني نا أنا بباسط يدي إليك اقتلك إنلي أخلاف هللا رب العلالمين‪.‬‬
‫فهذا الرادع هو الخوف نن هللا‪.‬‬
‫ل والثاني‪ :‬لئن بسطت إلي يدك لتقتلني نا أنا بباسط يدي إليك اقتللك انلي أخافلك‪ .‬فهنلا اللرادع‬
‫الخوف نن اآلخر وبطشه!‬
‫ل والثالث‪ :‬لئن بسطت إلي يدك لتقتلني أنا باسط يدي إليك اقتلك‪ .‬فهذا هو رادع التهديد‪.‬‬
‫ل والرابع‪ :‬ال أنا باسط يدي إليك اقتلك وال أنلت بباسلط يلدك لتقتلنلي اننلا نخلاف دنلار كالنلا ل‬
‫نذهب العقالنية ل فهذا اللرادع هلو الخلوف نلن اللدنار‪ .‬فأنلا رادع الخلوف نلن هللا؛ فلال يمكلن‬
‫تعويضه أو تبديله برادع الخوف نن الدنار لضما سالم العالم‪ ،‬فهلا رادع الخلوف نلن اللدنار‬
‫وحده كافيا ً إلنهاء الحروب ليحا السالم في العالم؟ أم السالم باإلسالم الذي هو السالم الحقيقي؟‬
‫ها هذا الكالم طوباوي نثالي غير واقعي؟ لنر؟؟‬
‫لقد تأنلت كلمات ااخ الكريم‪ ،‬وخطرت للي خلواطر فلي الموضلوع‪ ،‬وهلو أ أسللوب التفكيلر‪،‬‬
‫وكيفية تناول الموضوع‪ ،‬يرجع إلى نوع نعين نن أساليب الفهم والفكر‪.‬‬
‫فكما أ هناك لغة للتفاهم بين الناس‪ ،‬كذلك هناك لغة خافلة لهلذا الحقلا‪ ،‬ولكننلا للم نبتكلر بعلد‬
‫كلمة جديدة لهذا الكشف الجديد‪.‬‬
‫وهناك لغة فكرية هي ليست كلملات وحلروف ونطلق‪ ،‬وإنملا إدراكلات وأحكلام وقواعلد للوجلود‬
‫ولكيفية نقا التصورات‪.‬‬
‫وال حرج أ نتعاو لفهم هذا الكشف‪ ،‬ثم إلعطاء اسما ً لهذا الكشف‪.‬‬
‫هناك ثالث نراحا لانسا أثناء تكونه الفكري‬
‫ل (ااولى) هي نرحلة نقا اافكار بواسطة السلوك وتصرف اإلنسا ‪.‬‬
‫ل (الثانية) نرحلة نقا اافكار بواسطة الكالم باللغة الصوتية‪.‬‬
‫ل (الثالثة) نرحلة تلقي اافكار بواسطة الكتاب والقراءة‪.‬‬
‫ل فأنا المرحلة ااولى فتبدأ نن وقت الوالدة نباشلرة‪ ،‬بواسلطة المعانللة والجلو المحليط ننهلا‪،‬‬
‫نثا تعلم الطفا قضاء حاجاته بواسطة البكاء‪.‬‬
‫وتحدث عن ذلك (نالك بن نبي) في قاعة المحاضرات في جانعة دنشق بعد هزيمة يونيو ‪67‬م‪،‬‬
‫وأ هذا كا يعكس تصرفات الزعماء السياسيين الحقلا ً فلي طلريقتهم لحلا المشلاكا‪ ،‬وهلو نلا‬
‫فعله العرب في الهزيمة حين ظنوا أ الصراخ والبكاء للعالم سوف يحا نشكلتهم‪.‬‬
‫ثم يتعلم الطفلا اللغلة الثانيلة بواسلطة سلحنة الوجلوه‪ ،‬وتقطيلب الوجله‪ ،‬واالبتسلام واافلوات‬
‫الغاضبة‪ ،‬أو اافوات الراضية‪ ،‬بصرف النظر عن اللغة التي يتكلم بها اإلنسا ‪.‬‬
‫ونحن عمونا ونن هذه اللغة التي تعلمناهلا فلي الطفوللة‪ ،‬نعللم أ الملتكلم غاضلب‪ ،‬وإ كنلا ال‬
‫نعرف لغته التي يتكلم بها روسي أ فيني أم فرنسي أوشركسي؟‪.‬‬
‫والطفا يملتص القليم والمواقلف المرضلية أو المغضلبة‪ ،‬ونعنلى العيلب والحلرام والعلورة نلن‬
‫نوقف الناس ننها وتفاعلهم تجاهها‪.‬‬
‫والطفا دائم التطلع إلى وجوه القوم المحيطين به‪ ،‬ليمتص أو يتعرف عللى السللوك المقبلول أو‬
‫الشائن والمرفلوض‪ ،‬نلن أفلوات الرضلا واللرفض وسلحنة الوجله‪ ،‬بصلرف النظلر علن نلوع‬

‫‪101‬‬
‫الحروف المستخدنة عربية كانت أو إيطالية؛ فإذا تصرف الطفلا أي تصلرف التفلت ونظلر إللى‬
‫هذه الذي يمكن أ نسميه (اللغة السلوكية)‪ ،‬أو الفهم نن المسلك والتصرف‪ ،‬ال بواسطة اللغلة‪،‬‬
‫با ال بد نن ابتكار اسم جديلد لهلذا ااسللوب نلن التلقلي غيلر اللغلة‪ .‬ا اللغلة تحلدث بأسللوب‬
‫نعين‪ ،‬وإلى اآل ال يوجد نصطلح نرضي لهذا الموضوع‪.‬‬
‫البعض يسلميه (ابسلتمولوجيا) أو نظلام الفكلر‪ ،‬وبعضلهم يسلميه (اللغونلة) ويمكلن أ نسلميه‬
‫(اللغة التحتية)‪ ،‬أو ااسلوب العميق وغير المباشر في نقا المفاهيم عن طريق القيم واإليحاء‪.‬‬
‫والمفاهيم التي تنتقا بواسطة هذه الوسيلة‪ ،‬يكو إعطاءها وتقبلها عفويا نباشرا‪ ،‬غير واعي‪،‬‬
‫ال نن قبا المعطي وال نن قبا اآلخذ‪.‬‬
‫وكثيرا نا ننكر أننا نحن الذين أعطينا هذا السلوك أو التصلرف نثلا الكلذب واالنفعلال والغضلب‬
‫واالنهيار أنام المصائب والسرقة‪ ،‬فال الطفا يعرف بدقة كيف أخذ السلوك وال نحن نتلذكر كيلف‬
‫نقلناه له؟‬
‫وهذا يدفعنا أ نضع هذه المرحلة تحت المجهر‪ ،‬تحت عنوا حلديث الرسلول ص (كلا نوللود‬
‫يولد على الفطرة) فأي فطرة هذه؟‬
‫إ هذه الفكرة فجرت الحنين في قلب الغزالي قديما ليكتشفها؛ فغاب في غيبته الكبرى في رحللة‬
‫عشر سنوات‪.‬‬
‫وهذه المرحللة تكلو فلي الطفلا قبلا أ ينطلق‪ ،‬خلالل السلنتين أو اللثالث ااوللى نلن عملره‪،‬‬
‫وإضاءة هذه المرحلة لها أهمية بالغة‪ ،‬والناس ال يلتفتو إلى هذه المرحللة‪ ،‬وال يعلدونها شليئا‬
‫بارزا ً في حياة الناس؛ انها غير نالحظة وغير نهمة‪ ،‬وهي أكثر نن نهمة وتأسيسلية‪ ،‬وننهلا‬
‫يتشكا اإلنسا طبقا عن طبق‪.‬‬
‫هذه اللغة نن عالم الالوعي هي التي تقود الناس في ‪ %95‬نن التصلرفات‪ ،‬وال أحلد ننلا يشلذ‬
‫عن هذه القاعدة‪.‬‬
‫وهذا يدخلنا على إدراك شيء جديد هو نتيافيزيقا التاريخ؛ فللو كلا اانلر بيلد (بيايزيلد) اللذي‬
‫كا يجهز جيشا عام ‪1402‬م تعلداده نصلف نليلو جنلدي الجتيلاح أوربلا لفعلا‪ ،‬ولكنله فلوجي‬
‫بتيمورلنك يقفز على ظهلره فلي نعركلة أنقلرة‪ ،‬ويأخلذه أسليرا ً نلع زوجتله‪ ،‬ويملوت قهلرا فلي‬
‫ااففاد‪ ،‬ا الجنين ااوربي كا يولد آنذاك؛ فأنقذه تيمورلنك نن حيث ال يريد‪.‬‬
‫و حصا نفس الشيء نع نوسى الذي جاء إلى قصر فرعو في التابوت‪ ،‬ويعلق القرآ فيقول‪:‬‬
‫تلدنير‬
‫ٍ‬ ‫وألقيت عليك نحبة نني ولتصنع على عيني‪ ،‬وليكلو لهلم علدوا وحزنلا‪ ،‬ويصلبح نلواة‬
‫لفرعو وقونه ونا كانوا يعرشو ‪ .‬وحين نطق بوش في حربله عللى العلراق أنله يقلود حمللة‬
‫فليبية فهو يذكرنا باآلية التي تشير إلى هذا العلالم الخفلي العميلق نلن (السليمياء) وللو نشلار‬
‫اريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول‪ ،‬فظهر ذلك نلن سلقطات كلماتله وهلو ال‬
‫يشعر‪ ،‬وكما يقول فرويد أ الالشعور ينز بعبارات يسها التقاطها للواعي‪ ،‬وتغيب عن الساهي‪،‬‬
‫فالالوعي يفرز نفسه نثا العرق نن الجلد‪ ،‬وكا نا يحتاجه أجهزة التقاط كاشفة ونترجمة‪ ،‬لملا‬
‫يعتلج في المشاعر الخفية حتى عن فاحبها‪..‬‬

‫‪102‬‬
‫أهم مراحل تكوين الطفل عقليا‪:‬‬
‫أو لغات التعلم الثالث‬
‫يظن االنسلا أنله يلتعلم اللغلة نلن المدرسلة‪ ،‬ويظلن أ نقلا اافكلار والمعرفلة تلتم‬
‫أنللي نللن اليحسللن توقيللع اسللمه‪،‬‬
‫ّ‬ ‫بالكلمللة المطبوعللة‪ ،‬ونقللول عللن االنسللا أنلله‬
‫والمسلمات اللثالث كلهلا خاطئلة؛ فاللغلة يتعلمهلا الطفلا بالسلماع قبلا كتابلة حلرف‬
‫واحد‪ ،‬وهي الطريقة المثلى لتعلم لغة جديدة‪ .‬وهناك قبا اتقا اللغة سلماعيا ً نرحللة‬
‫أعمق وأهم وهي لغة التنطق با يتعلمها الطفا نن سيما الوجلوه ‪ .‬فاللغلة كملا نلرى‬
‫تتدرج في ثالث نراحا ‪ ،‬بلاختراق ثلالث حلواجز ‪ ،‬تركبهلا طبقلا ً علن طبلق؛ فطبقلة‬
‫اللغة العميقة تتقن باالشارات وتعبيرات القسمات بدو حرف واحد‪ .‬والطبقة الثانيلة‬
‫المنطوقة أقرب الى السطح وتلتقن نلن البيلت والبيئلة بالتصلويت اللذي يعتللى نلتن‬
‫الفيزياء ونوجات المادة‪ .‬أنا الطبقلة السلطحية الظلاهرة فتلتم علن طريلق المدرسلة‬
‫بإتقا رسم الحرف والكلمة ونظام الخطاب بواسطة الكتابة المقروءة‪ .‬اللغلة ااوللى‬
‫تشكيلية والثانية تركيبية فوق ااولى والثالثة عائمة سطحية ظاهرة يراها الجميلع ‪.‬‬
‫ااولى تفرز السللوك وتشلكا العواطلف العميقلة‪ .‬ا الكلملات نربوطلة بلالعواطف‪،‬‬
‫والثانية تبني عالما ً جديدا ً يعتمد الصوت والحنجرة واالفلاظ‪ ،‬أنلا الثالثلة فهلي حقلا‬
‫الخالف االنساني إلنها سطحية عائملة تلتملص وتتفللت بعنلف وقلوة والتعبلر تمانلا ً‬
‫واليتفللق النللاس حولهللا‪ .‬والبللد نللن تفكيللك الكلمللات وإدراك نظللم الخطللاب وكتللب‬
‫فيلسوف الحداثة الفرنسي (نيشيا فوكو) كتابا ً كانالً بعنوا (نظلام الخطلاب) وقبلله‬
‫كتب الجاحظ كتابه الالنع (البيا والتبيين) نن أفا أربلع كتلب تعتبلر أجلود كاتلب‬
‫في اللسا العربي القديم‪( ،‬نثا الكانا للمبرد واانالي للقالي)‪ .‬وحول نظام الخطاب‬
‫والكلمات المكتوبة يتصارع البشر‪ ،‬فيما يعلرف بمشلكلة النصلوص‪ ،‬كونهلا نكتوبلة‬
‫بالكلمة المقروءة‪ .‬وال تعتبر ( لغة المدرسة) أكثر نن نهاية المطاف في رحللة اللغلة‬
‫بثالث عتبات‪ ،‬طبقا ً فوق طبق‪ .‬وننح االنسا قلدرة نقلا اافكلار فيزيائيلا ً بالصلوت‪،‬‬
‫ولقن الطفا الكالم؛ فاللغة سماعية‪ ،‬وتعلم اللغلة عنلد الطفلا يعتملد ااذ قبلا رؤيلة‬
‫حرف واحد‪ ،‬ويبقى تعريفنا لألني قافراً‪ ،‬فالذي اليجيد الكتابة يكو قد نخر عبلاب‬
‫أوقيانوس اللغة ( سيميائيا ً ) وبالصوت‪ .‬هناك (لغة فكرية) ليس لها اسم وال يلتفلت‬
‫إليها الناس‪ ،‬وهي أهم نراحا تكوين الطفلا عقليلاً‪ ،‬يبلدأ الطفلا فيهلا رحللة تكوينله‬
‫العقلي‪ ،‬لغة ال تعتمد الصوت وال الرسلم‪ ،‬الالنطلق والالكتابلة‪ ،‬بلا عملا (السليمياء)‬
‫وااليحاء‪ ،‬أو في تعبير القرآ (فلعرفتهم بسيماهم) ثم يضيف (ولتعلرفنهم فلي لحلن‬
‫القول)؟!‪ .‬فاللغة تشتغا هنلا لليس نلن (الموجلة ااساسلية) للقلول بلا نلن ( اللحلن‬
‫الجانبي ) فقد يقول أحدهم (السالم عليكم) وكلماته وتعبيرات وجهه تقلول ليتنلي للم‬
‫أرك ولم أجتمع بلك‪ .‬فهنلا يتشلكا نلوع جديلد نلن (المعرفلة) فلي (سليماء الوجلوه)‬
‫و(اللحن اإلضافي)‪ .‬في ذبذبة الصوت‪ ،‬وإفرازات السلوك المتناقضة‪ .‬نحن هنلا أنلام‬
‫حللاجزين عجيبللين لعللالم الكلمللات السللحري‪ .‬هنللاك لغتللا أضللافيتا غيللر المنطوقللة‬

‫‪103‬‬
‫المتعارف عليها‪ ،‬وغير المكتوبة التي يتنلازع البشلر حلول تفسلير نصوفلها‪ .‬وفلي‬
‫حرب الخليج ااخيرة لم تحا اازنة باسلتنطاق النصلوص‪ ،‬كملا للم تقلد الملؤتمرات‬
‫التي انعقدت في كلال الجلانبين اللى أي انفلراج‪ ،‬واللذي حلهلا فلي النهايلة (بيزنطلة)‬
‫بدو نصوص‪ ،‬ولحاجة في نفس يعقوب قضاها‪ .‬ونازال نص االنسحاب االسرائيلي‬
‫نن ااراضي العربية المحتلة بالقوة نفتوح لعلالم كانلا نلن التأويلا بإضلافة حلرف‬
‫واحد فقط‪ ،‬ها االنسحاب نن أراضي (عربية) أو نلن ااراضلي (العربيلة)‪ .‬حلرف (‬
‫الللل ) العجيللب هللذا فللي الللنص االنكليللزي ( ‪ )THE‬قلللب ظهللر المجللن وفللتح البللاب‬
‫لتفسيرات النهائية‪ ،‬وأوجد عالما ً كانالً‪ ،‬في شهادة فلاعقة علن نشلكلة (اسلتنطاق‬
‫النصوص)‪ .‬نحن نعرف أ أول فراع في االسالم تم فيه اسلتدعاء النصلوص‪ ،‬وللم‬
‫يكن الذي رفع المصاحف عللى رؤوس الرنلاح بلأنزه الطلرفين وأتقاهملا‪ .‬وغضلبت‬
‫عائشة (ر) عندنا سمعت كلمة التحية نلن اليهلود وهلم يلدخلو نجللس رسلول هللا‬
‫(ص)‪ ،‬وغضب هارو الرشيد نن التحية وإطراءه بالعلدل حينملا قلالوا لله (حكملت‬
‫فقسطت)؟! والسبب هو (لحن القول) فلاليهود لفظلوا (السلالم) بلابتالع حلرف اللالم‬
‫خفية فأفبحت اللفظة (السام) بمعنلى الملوت ‪ ،‬فلردت علليهم ابنلة الصلديق الذكيلة‬
‫بانفعال‪ :‬وعليكم (السام واللعنة) فقال المعللم ااكبلر (ص) لقلد رددت علليهم بقلولي‬
‫(وعليكم) فكا الجواب يغطي كلا االحتملاالت بلذكاء وخللق وافتلراض حسلن النيلة‬
‫باآلخرين‪ .‬وهذه هي لعبة اللغة كملا يقلول الفيلسلوف النمسلاوي (فتجنشلتاين)‪ .‬أنلا‬
‫المرأة البرنكيلة التلي حيلت هلارو الرشليد قاللت لله تمدحله (حكملت فقسلطت) ؟!‬
‫بإسقاط حرف (االف) فتحولت الكلمة نلن (أقسلطت) اللى (قسلطت) نلن العلدل إللى‬
‫الظلم ؟! إ هللا يحب المقسطين بمعنى العادلين‪ ،‬ولكنله يحكلم عللى القاسلطين أنهلم‬
‫كانوا لجهنم حطبا ؟!(وأنا القاسطو فكانوا لجهنم حطبا)‪ .‬والفرق هائا بين (السلام‬
‫والسالم) وبين (المقسطين والقاسطين) إنها لعبلة خطلرة تلراهن عللى لحلن القلول‪.‬‬
‫وتبقى اللفظة بريئة فنحن نن يشحنها بالمعنى‪ ،‬أو نفرغها ونعيد تعبئتها نلن جديلد‪،‬‬
‫في آلية تجري في كا لغة انسانية‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫فلسفة الهجرة‬
‫اجتمعت بصديقي أبو نحمد وهو يعما في إفلالح الحلدائق فلأخبرني علن عزنله عللى نغلادرة‬
‫الوطن إلى أنريكا بعد أ انتظر التأشيرة ثماني سنوات‪ .‬أحزنني بعض الشيء وفوله إللى هلذا‬
‫القرار ولكن ها هي نشكلة هذا الرجا فقلط؟ أم هلي أزنلة وطلن واختنلاق ثقافلة بعلد أ تحلول‬
‫الوطن إلى طائرة نخطوفة والمواطن إلى رهينة والمستقبا إلى نفق نسدود؟‬

‫المشكلة في اللذين تركلوا اللوطن ليسلت واحلدة بلا ثلالث‪ :‬فاللذين ذهبلوا إللى الغلرب أفلبحت‬
‫حياتهم ال تعرف الهدوء فقد دخلت الزوبعة إللى حيلاتهم إللى أجلا غيلر نسلمى‪ .‬ولعلهلا سلتبقى‬
‫ترافقهم نثا الحمى المالطية حتى نزع الروح‪ .‬ويقول المثا الشركسي‪ :‬نن يخسر وطنه يخسلر‬
‫كا شيء‪ .‬حتى يجد وطنا جديدا لن يكو وطنا‪ .‬وعندنا عرض على (فيرنلر هلايزنبرغ) اللدناغ‬
‫الفيزيائي فاحب نظرية االرتياب في نيكانيكا الكلم الهجلرة إللى أنريكلا كلا جوابله‪ :‬إنله قلرار‬
‫يجب أ يحسم في عمر نبكر‪ .‬فمن نشأ في ثقافة بعينها حتى عمر نعلين تصلبح تللك البيئلة لله‬
‫أكثر ااوساط تأثرا ننها وتأثيرا فيها‪ .‬كا جوابه‪ :‬سأرجع إللى ألمانيلا حتلى إذا انهلدنت الملد‬
‫االمانية قمت بتربية جيا نا بعد الكارثة‪ .‬وهو الذي حصا عندنا دشن نعهلد نلاكس بالنلك فلي‬
‫فروع ال نهاية لها نن العلوم‪.‬‬

‫والمشكلة الثانية أ نن هاجر واحتك بالحضارات ااخرى يصا إلى وضلع ال يحسلد عليله‪ ،‬فللم‬
‫يعد الشرق يعجبه وال الغرب يسعده فهو نفسيا ً في اارض التي ال اسم لها‪ .‬ونن أجما نا قلرأت‬
‫نقال عن نهاجر ألماني نا نعنلاه أ اللذي يلرى وطنله جمليال فهلو ال يفهلم الحيلاة‪ ،‬ونلن شلعر‬
‫بالغربة في الهجرة فهو غير ناضج‪ ،‬ولكن نن شعر بالغربة في كا العالم فهو المواطن الصالح‪.‬‬
‫يقصد بهذا إ وجودنا في اارض كله يقوم على التوقيت واإلعارة وأننا البشر نن التراب وإليه‬
‫نعود‪ .‬وهذا يقرب إلى وعينا فدى تلك الجملة العميقة التي نطقها المسيح عليه السالم‪ :‬نملكتي‬
‫ليست نن هذا العالم‪.‬‬
‫إنهم يعيشو العالم السفلي وحلمهم نعلق في عالم لم يولد بعد‪.‬‬

‫إنه قرار نصيري ولكنه يبقى نعاناة أفضا نن المعاناة في وطن تحول إلى سجن كبير بدو أنا‬
‫في اإلفراج نثا حكم اإلعدام المؤجا‪.‬‬
‫ونازلت أتذكر يوم ‪ 13‬يناير ‪ 1975‬م وأنا في طريقي نهاجرا إلى ألمانيا الغربية‪ .‬عنلدنا نشلبت‬
‫نعركة حانية الوطيس بين اثنين نن الركاب على المقاعد‪ .‬وفي الليلة ااخيرة قبا نغادرة البالد‬
‫كانت ليلة الفندق نرعبة بين قرقعة الصنادل الخشبية وفراخ نغنية نجنونة قد اسلتولت عللى‬
‫حواس فاحب الفندق فسهر على فوتها حتى نطلع الفجر‪.‬‬

‫وعندنا تجاوزت الحدود خررت هلل ساجدا ً على نعمة الحرية‪ .‬وكانت هذه آخر ذكرياتي نن العالم‬
‫العربي فودعت حضلارة الصلخب والفوضلى والخلوف وتللوث الحلواس رؤيلة وسلماعا ً وشلماً‪.‬‬
‫وهبطت نطار نورنبرغ االماني استقبا حضارة النظافة والنظام واانن‪.‬‬

‫ويعتبر قرار الهجرة ثالثا ً نن أفلعب وأخطلر القلرارات فلي حيلاة اإلنسلا ولعلله يكلو طريلق‬
‫باتجاه واحد‪ .‬ونشكلة الغرباء أنهم يبقو غرباء لفترة طويلة وقد تدوم هذه الغربة ندى الحياة‪.‬‬
‫وعلى نن يتخذ قرار الهجرة أ يتذكر ثالث أنور‪ :‬أنه قرار ال يتعللق بله وحلده بلا ذريتله نلن‬
‫بعده‪ .‬ثانيا ً أنه قد يكو هجرة بغير عودة‪ .‬وثالثلا ليتلذكر قلول الفيلسلوف ديكلارت أ نلن يكثلر‬
‫التنقا يصبح غريبا في بلده‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫وأرجع إلى فديقي أبو نحمد قلت له نا دافعك إلى الهجرة‪ .‬قلال للي أنورنلا تمشلي إللى الخللف‬
‫وحياتي انتهت وأنا أريد نستقبال اوالدي‪.‬‬
‫الهجرة ظاهرة كونية نثا الوحي فكما أوحى هللا إلى أنبياءه روحلا ً نلن أنلره‪ ،‬كلذلك أوحلى إللى‬
‫(النحا) أ اتخذي نن الجبال بيوتا‪ .‬وأوحى إلى (أم نوسى) أ أرضعيه‪ .‬كا بطريقتله الخافلة‪.‬‬
‫وال يهاجر اإلنسا فقط با سمك السلمو والنحا والطيور والفراشات‪ .‬ويهاجر الرجلا والملرأة‬
‫إلى عش جديد لتوليد عائلة جديدة‪ .‬فهذا قانو وجودي‪.‬‬
‫الطيور تهاجر تبحث عن الحب‪ .‬وسمك السلمو يهاجر في نلحمة رائعلة نلن نهلر فرايلزر فلي‬
‫كندا ليقطع رحلة عشرة آالف كيلونتر حتى المحيط‪ .‬وتغلادر الفراشلات (الملكلة) شلمال أنريكلا‬
‫لتصا إلى أنريكا الجنوبية فتتبدل خلقا نن بعد خلق‪ .‬ولكلن هجلرة اإلنسلا غيلر هجلرة السلمك‬
‫والطيور فهي حركة ثقافية‪.‬‬
‫وحسب فيلسوف التنوير االماني (كانت) فقد كانت الهجرات تأريخلا ً لالضلطهاد السياسلي‪ ،‬نلن‬
‫خالل االنشقاق المتتابع في الجماعات اإلنسانية‪ ،‬وبلذلك زحلف اإلنسلا فلي اارض نلن شلرق‬
‫أفريقيا حتى جنوب أنريكا في رحلة انتدت على ندار ‪ 200‬ألف سنة‪ .‬فكا االضطهاد في طرف‬
‫ننه خيرا في انتشلار اإلنسلا فلي اارض‪ .‬ونعلرف اليلوم أ هجلرات الجلنس البشلري عبلرت‬
‫نضيق بهرنجر قبا ‪ 12‬ألف سنة وتابعت زحفها حتى نضيق ناجال وأرض النار‪.‬‬
‫وحسب المؤرخ البريطاني (توينبي) في كتابه (نختصر دراسة التاريخ) فالهجرة فيروة تنطبق‬
‫أيضا ً على اانبياء نن خالل قانو (االعتزال والعلودة)‪ .‬وبلذلك هلاجرت البوذيلة نلن نيبلال فلي‬
‫الهند واستقرت في الصين‪ .‬وتركت المسيحية فلسطين وزحفت إلى رونا‪.‬‬
‫وفي نسيرة (ناوتسي تونج) ل إ فدقت ااسطورة ل نشى نعه نائة ألف نن أتباعه إلى شمال‬
‫الصين نا عرف بل (المسيرة الكبرى)‪ ،‬بعلد أ اجتلاز عشلرات اانهلار وسلبع سالسلا نلن قملم‬
‫الجبال لينشيء جمهوريته ااولى فلي ينلا بأربعلة آالف إنسلا ‪ .‬بعلد أ قتلا أكثلرهم عللى يلد‬
‫الكوننتانغ‪.‬‬
‫والسؤال نا الذي يدفع اإلنسا إلى الهجرة فيترك نراتع الطفولة وأحلب اانلاكن إللى قلبله كملا‬
‫وفف ذلك الرسول ص وهو يجبر على نغادرة نكة عندنا ائتمروا على قتله وتفريق دنله بلين‬
‫القبائا؟‬
‫إ شعور الفراق اابدي الذي استولى على (هرقلا) كلا حزينلا وهلو يغلادر دنشلق بعلد الفلتح‬
‫اإلسالني ويقول‪ :‬هوداعا يا دنشق ‪ ..‬وداعلا ً ال لقلاء بعلدهه وهلي نفلس الجمللة التلي يكررهلا‬
‫اليوم فارين اللجوء السياسي نن بالد الشلام إللى اارجنتلين واللدونينيكا والسلويد‪ .‬قلد يحملا‬
‫نعش أحدهم إلى الوطن كما حصا نع نزار قباني فيدفن فيه‪ .‬ولكنله للم يعلد وطنلا للحيلاة بحلال‪.‬‬
‫فهو وطن ااحياء اانوات‪ .‬والموتى فيه يدفنو ‪.‬‬

‫لماذا قال إبراهيم عليه السالم هذه الجملة إني نهاجر إلى ربي؟‬
‫يعتبر إبراهيم عليه السالم المهاجر ااكبر فهو الذي ترك بلالد الرافلدين ووفلرة الميلاه وخضلرة‬
‫النيللا ليللأوي إلللى أرض غيللر ذي زرع عنللد بيتلله المحللرم‪ .‬فالصللحاري نللع الحريللة أطيللب نللن‬
‫االستبداد نع الجنا ‪ .‬وهناك أقام القواعد نن البيت في بيئة فعبة هو وإسماعيا ربنا تقبا ننلا‪.‬‬
‫وهناك دعا أ ال يجعا في ذريته نن يعبد ااوثا ‪ .‬كا هذا بعد النقاش المرير نلع النملرود فلي‬
‫العراق الذي زعم أنه يحيي ويميت‪ ،‬وبعد نجاته نن النلار فكانلت بلردا وسلالنا ً عليله‪ ،‬وبعلد أ‬
‫واجه فرعو نصر الذي طمع في زوجته الجميلة سارا‪ .‬ترك كا ذللك خللف ظهلره ليلأنن عللى‬
‫ذريته في أرض غير ذي زرع‪ ،‬ا أعظم زرع هو اإلنسا في نناخ الحرية‪ .‬ونع الديكتاتوريلة‬
‫ال أنا وال ضما اي شيء‪ .‬وفي جو االستبداد تقتا الحياة قتال‪.‬‬
‫وهاجر فتية أها الكهف فرارا نن االضطهاد السياسي ونعهم كلبهم‪ ،‬فبيئة ندنرة نن هذا النوع‬
‫ال تطيقها الكالب‪ .‬وفر نوسى عليه السالم بدوره نن جو الحضارة الفرعونية المقيت التي اعتاد‬
‫أهلها أكا البصا والثوم نع اإلهانة واإلذالل إلى فحراء ندين ليتزوج هناك ويعيش‪ ،‬ولم يرجع‬

‫‪106‬‬
‫إلى نصر إال برسالة‪ ،‬ولم يكن له أ يعيش قط في بلد يرفع القبور اشلخاص فلانين عللى هيئلة‬
‫أهرانات تناطح السحاب في نناخ نيت نميت نن الديكتاتورية‪.‬‬
‫نن يهاجر في العادة رغبة هم زبدة القوم وأكثرهم فعالية؛ فيتبخرو إلى سماء الرأسمالية نثا‬
‫الماء‪ ،‬ويبقى في ااسفا نثا طحا القهوة نن كتب عليه الشقاء والبالء والغباء‪.‬‬
‫وجرت العادة أ أكبر الهجرات جاءت بأفضا النتائج؛ فمع طوفا نوح تطهرت اارض فلم يبق‬
‫نن الكافرين ديارا‪ ،‬ونع هجرة كولمبس تقرر نصير الغرب‪ ،‬وانقلبت نحاور التلاريخ‪ ،‬وانتقللت‬
‫الحضارة نن المتوسط إلى ااطلنطي‪.‬‬
‫سنة هللا في خلقه وهلك هنالك المبطلو ‪...‬‬

‫‪107‬‬
‫فلسفة الحق والواجب‬

‫لعا أكبر خرافة تعلمناها في تربيتنا السياسية شعار (الحقلوق تؤخلذ وال تعطلى)‪ ،‬وفلي الحقيقلة‬
‫فالحقوق ال تؤخذ وال تعطى‪ ،‬وإنما هي ثمرة طبيعية للقيام بالواجب‪.‬‬
‫فمن يقوم بواجبه ينال حقوقه‪ ،‬إ لم يكن في اارض فستنزل نن السماء عطا ًء غير نجذوذ‪.‬‬
‫لنحاول تفكيك هذه الفكرة؟‬
‫هناك (قانو اجتماعي) يلربط بلين العالقلات الشخصلية‪ ،‬وشلبكة العالقلات االجتماعيلة‪ .‬وفكلرة‬
‫المركزية والالنركزية التي طورتها المجتمعات الغربية هي ثمرة نضج تلك المجتمعات‪.‬‬
‫وكا تضخم في جانب الفرد يعني تورنا ً غير فحي على حساب شبكة العالقات االجتماعية‪.‬‬
‫وبقدر نمو الفردية بقدر اضمحالل الروح االجتماعية‪.‬‬
‫ونحن نعرف في علم ااورام أ السرطا حينما يكبر يقضي في النهاية على نفسه والبد نعلاً‪.‬‬
‫وحينما ترفع فور اافراد شاهقات في بلد فهلو يعنلي نلن طلرف آخلر إلغلاء بقيلة اانلة‪ .‬كملا‬
‫حصا نع فدام حينما جاءت نتيجة التصويت له نائة بالمائة‪ ،‬وقبا السقوط الكبرياء‪.‬‬
‫فسقط وفدم وشنق‪ ..‬فانظر كيف كا عاقبة الظالمين‪.‬‬
‫ونقطة خالف اإلسالم نع المسيحية هي في نفي فلفة االوهيلة علن شخصلية المسليح لليجلس‬
‫على كرسي بين البشر‪.‬‬
‫ونن الغريب أ فكرة ااقانيم والتثليث في المسيحية اعتنقتهلا السياسلة فلي ننلاطق كثيلرة نلن‬
‫كوريا الشمالية حتى كوبا‪.‬‬
‫إ حرص اإلسلالم عللى تحلريم الصلور للم يكلن نلن أجلا فلورة الهويلة الشخصلية أو فلور‬
‫الديجتال في االنترنيت‪ ،‬با نن أجا نزع القداسة عن الصور‪.‬‬
‫وهذا الفهم كتب عنه ابن رشد عن سر العالقة بين العلة والنص في عنلوا (فصلا المقلال فيملا‬
‫بين الشريعة والحكمة نن االتصال)‪ ،‬فعوقب بحرنانه نن دخول المسجد للصالة هلو وابنله فلي‬
‫قرطبة عندنا هاج عليه الرعاع‪.‬‬
‫وعندنا يستلب الفهم نن عقولنا نحافظ على الطقوس‪ ،‬وننسلى روح اإلسلالم‪ .‬تمانلا ً كملا واجله‬
‫الصدوقيو والكتبة والفريسيو عيسى بن نريم؛ فكانوا يسألو عن الشبث والنعنلع والكملو‬
‫وينسو النانوس ااكبر‪ ،‬ويسألو عن البعوضة وينسو الجما‪.‬‬
‫هناك عالقة فارنة بين فكرتي‪( :‬الحقوق) و (الواجبات)؛ فالواجب هو (حق) نن جانلب‪ ،‬وهلو‬
‫(واجب) نن الوجله اآلخلر‪ ،‬تمانلا ً نثلا وجهلي العمللة‪ .‬إ أيلة (نعانللة) هلي واجلب للموظلف‬
‫يؤديها‪ ،‬في الوقت التي هي حق لمن يستفيد ننها‪.‬‬
‫الموظف يرى نن حقه أ يعالج بشكا جيد أثناء نراجعة المستشفى‪ ،‬في الوقت الذي يعتبر هلذا‬
‫واجبا ً للطبيب يؤديه‪ ،‬وهكلذا تصلبح (العمللة االجتماعيلة) تلدور بلين (حلق ل واجلب) فلي كافلة‬
‫شرايين الخدنة االجتماعية‪.‬‬
‫تزور‪ ،‬وحسب قواعد االقتصاد يعتبر المجتملع نعله (فلائض) فلي العمللة‬ ‫هذه العملة يجب أ ال َّ‬
‫عندنا يملك فائض نن عملة (الواجبات)‪ .‬نحن إذا أنام ثالث نعادالت اجتماعية‪:‬‬
‫(‪ )1‬ااولى (الواجبات أكبر نن الحقوق)‪.‬‬

‫(‪ )2‬الثانية حينما تتعادل الواجبات والحقوق‪ .‬واجبات = حقوق‪.‬‬


‫‪ 3‬ل الثالثة حينما تزيد الحقوق عن الواجبات أو(الواجبات أقا نن الحقوق)‪.‬‬
‫ااولى‪ :‬عند تحقق فائض الواجبات عن الحقوق‪ ،‬وهي ترنز إلى نجتمع نتفوق حضارياً‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫الثانية‪ :‬تساوي الحقوق والواجبات‪ ،‬وهي تعطي فكرة عن نجتمع نتلواز ‪ ،‬أنلا عنلدنا تتفلوق‬
‫حركلة المطالبلة بلالحقوق فلي المجتمللع علن تأديلة الواجبلات اليونيللة‪ ،‬فلإ المجتملع يبلدأ فللي‬
‫االنهيار‪.‬‬
‫ويترتب على القانو الذي ذكرناه قانو اجتماعي آخر هو‪ :‬علدم المطالبلة بلالحقوق‪ ،‬أو بكلملة‬
‫أدق تعميق اتجاه القيام بالواجب‪ ،‬ا المجتمع الذي تعلم أ يقوم بواجباته سوف تنشق السماء‬
‫وتتنزل عليه حقوقه‪.‬‬
‫ونعظم أبناءنا الذين يذهبو إلى الغرب ال يفهمو (سر الفعالية) فيه‪ .‬ويحصا نا سلماه (ناللك‬
‫بن نبي) االرتماء في (نزابا الحضارة) أو االنزواء في (نقابر الحضارة)‪.‬‬
‫ويعني بكالنه رؤية الحضارة الغربية نن ثقبين‪:‬الفساد ااخالقي‪ ،‬وااجواء المهنية!‬
‫والحضارة ليست هذا وال ذاك‪ ،‬كما أنها لم تخلق في هذه اانكنة‪.‬‬
‫كا نالك يريد فهم الحضارة ككائن عضلوي نتلرابط وهالشلروط النفسلية واالجتماعيلةه التلي‬
‫تولّد هذه الفعالية‪.‬‬
‫وهذه الفكرة حلت عندي إشكالية نهمة لماذا يتصرف نن اختص في الغرب بعد عودته‪ ،‬بصورة‬
‫غير التي كا يتصرف بها هناك؟ فال يحافظ على الموعد‪ ،‬وال يتقيد بإشارات الملرور‪ ،‬أو يعتقلد‬
‫بالخرافة إلى أخمص قدنيه ولو كا نهنيا ً بارعاً‪.‬‬
‫والمجتمع االماني الذي عشت فيه تسع سنوات وأتقنت لغتله يعتبلر نلن قملم نجتمعلات العلالم‪،‬‬
‫فألمانيللا هللي فلليدلية العللالم‪ ،‬وأرض الفالسللفة‪ ،‬ونكللا الموسلليقيين المبللدعين‪ ،‬وأرض حملللة‬
‫جوائز نوبا‪.‬‬
‫بنفس الوقت هي نحرقة آوشفيتز‪ ،‬وأرض الهولوكوست‪ ،‬ونسلتنقع العنصلرية‪ ،‬ونزبللة كبيلرة‬
‫لكا اإلباحيات الجنسية‪ ،‬ونا لفت نظري عندهم (أخالقيات العما) فاإلنسلا االملاني قلد يخملر‬
‫في الليا ويعربد جنسياً‪ ،‬ولكنه في فباح اليوم التالي ال يتأخر في حضوره للعما؛ فالعما عنلده‬
‫نقدس‪.‬‬
‫نسليطر عليهلا‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫إ عندهم نن الفائض فلي العمللة االجتماعيلة (الواجلب) نلا يجعلا أنراضلهم‬
‫وقوتهم نن نعلرفتهم بطبيعلة هلذه اانلراض‪ ،‬واالنتبلاه اللدائم لهلا‪ ،‬ونراقبتهلا ونشلر فضلائح‬
‫الشخصيات السياسية‪ ،‬فيما لو تورط باختالس ولو القليا‪ ،‬أو قصر عن دفع ضريبته نلن خلالل‬
‫أداة نقد اجتماعية حادة‪ .‬ونن الغريب أ نفاهيم الحقوق والواجبات نتناثرة فلي تراثنلا‪ ،‬ولكننلا‬
‫نقرأ النصوص بعيو الموتى‪.‬‬
‫ذكر ص في يوم أنه سيكو أثرة فقال الصحابة ناذا نفعلا يلا رسلول هللا؟ قلال (ص) أدوا اللذي‬
‫عليكم وسلوا هللا الذي لكم‪.‬‬
‫يقول الراوي لقد بلغ بنا أ أحدنا لو وقع نن يده سوط فرسه نا طلبه نلن أحلد ونلزل فالتقطله‪.‬‬
‫فهذه هي فلسفة الحق والواجب‪..‬‬

‫‪109‬‬
‫فلسفة السرطان‬
‫ها يمكن للمجتمع أ يتسرطن فيقضي نحبه ‪ ،‬كما يقضي سرطا المعدة على المريض ؟ ها‬
‫يمكن للخاليا االجتماعية أ تصلاب بلل ( الخبلث ) فلي تصلرفاتها كملا تفعلا الخاليلا السلرطانية‬
‫المدنرة في الجسم ؟ ها هناك نظاهر اجتماعيلة تلوحي بمثلا هلذا التحلول الملدنر ؟ هلا هنلاك‬
‫أجهزة للتشخيص المبكر في هذه التحوالت الخبيثة ؟ ها تطورت اابحلاث االجتماعيلة بملا فيله‬
‫الكفاية فطورت المعالجة ( االجتماعية الكيمياوية والشعاعية والجينية ) ‪.‬‬
‫البد نن تعريف السرطا البيولوجي لالقتراب نن المفهوم االجتماعي ؟؟‬
‫السرطا هو إعال التمرد العام على نظام الجسلم ‪ ،‬وهلو فلي فلورة ثانيلة ( الخللا اللوظيفي‬
‫الزناني المكاني ) ‪ ،‬فالخلية المجنونلة تتكلاثر بلدو هلدف إال عربلدتها الخافلة ‪ ،‬وهلي تتلرك‬
‫نكانها لتحتا نكا خافا ً بآخرين ‪ ،‬وهي تنمو بسرعتها الخافلة نثلا نشلاز اللحلن فلي علزف‬
‫سيمفونية بديعة نتكاسكة النغمات ‪.‬‬
‫نن كانت نهمته البناء يتجه للتدنير ‪ ،‬والخاليا المخصصلة لجملال الوجله تتحلول إللى فقاعلات‬
‫ورنية سوداء بشعة ‪ ،‬وخاليا اانعاء تتلرك نكانهلا فتنلزل ضليفا ً غيلر نرحلب فيله ‪ ،‬فلي الكبلد‬
‫والرئة ‪ ،‬وخاليا الجلد تستقر في الدناغ ‪.‬‬
‫ضللياع المجتمعللات يحللدث بللنفس الطريقللة ؛ فالسللرطا االجتمللاعي يأكلهللا عنللدنا تضلليع‬
‫المسؤوليات ‪ ،‬ويشذ الناس على القانو ‪.‬‬
‫إ كثرة الخاليا بال نعنى هادف ‪ ،‬يجعا البد فاقدا ً لهدف الحياة بال نعنى ‪ ،‬وجرت القاعلدة أ‬
‫الذي يفقد هدفه في الحياة حا به الفناء ‪ ،‬إلنه أفبح نعادالً للفنلاء ‪ ،‬أو هلو يسلير نحلو الفنلاء‬
‫إلنه فقد نبرر الحياة ‪ ،‬فالسرطا هو تعبير عن فقد نبرر الحياة ؛ بفقد هدف الحياة ‪.‬‬
‫المرض االجتماعي يحدث بمحاولة الفرد ( االنتهلازي ) أ ( يتلورم ) عللى حسلاب الجماعلة ؛‬
‫فينقلب إلى ( قارض اجتماعي ) يقضم الشبكة االجتماعية !! أو خلية سرطانية تفترس اانسجة‬
‫الحية ‪.‬‬
‫كما يصاب الفرد بالمرض فإ الجماعات لها أنراضها ( النوعية ) ‪.‬‬
‫يشكا المرض وحدة عضوية خافة به ‪ ،‬ذات شخصية نتكانللة ‪ ،‬سلواء الزكلام أو السلرطا ‪،‬‬
‫كذلك الحال في اانراض االجتماعية فالجعبلة نليئلة ؛ نلن ( علدم احتلرام القلانو ) و( تجلاوز‬
‫إشارات المرور ) و ( كراهية النظام واالنضباط ) و ( السطحية فلي نعالجلة اانلور ) و ( علدم‬
‫رؤية المشاكا قبا وقوعها با االفطدام بها بعلد ذللك نثلا العميلا !! ) و ( نملو الفرديلة إللى‬
‫درجة االنتفاخ ) و ( النطق بال نسؤولية ) و ( عدم احترام اآلخرين ) و ( التسيب اللوظيفي ) و‬
‫( والالفعاليللة ) و ( البيروقرطيللة غيللر المنتجللة ) و ( عللدم تقللدير الوقللت ) و ( ضللعف الللذوق‬
‫الجمالي ) و ( غياب الروح العملية ) و ( انطفاء روح المبادرة ) و ( عدم الشعور بلالحرج نلن‬
‫سرقة المال العام ) و ( تجنيد جيوش نوازية ) لحراسة الشخصيات السياسية ‪ .‬أنراض تعشش‬
‫في جلد النظام كما تمأل البراغيث فروة الثعلب المسكين ‪.‬‬
‫وتبقى نجموعة خطيرة للغاية تساهم في تقويض البنيا االجتماعي يأتي في قمتها ( الرشوة )‬
‫و ( المحسوبية ) و ( والوساطة ) واختصلرها القلرآ بلالثالثي ‪ (:‬واليقبلا ننهلا شلفاعة ) و (‬
‫واليؤخذ ننها عدل ) فيتعفن كانا الجهاز البيروقراطي بدو أنا في رحمة هللا ‪.‬‬
‫يمكن القول باختصار ‪ :‬تتم نعرفة قوة نجتمع نن ضلعفه ‪ ،‬بملدى سليطرة العالقلات الشخصلية‬
‫نن قوة نفلاذ القلانو ‪ .‬حلين يتضلخم اافلراد يلنكمش القلانو ‪ ،‬إل الوجلودين نتلزاحمين فلي‬
‫الوعاء االجتماعي ‪.‬‬
‫النمللو الللورني لألفللراد هللو فللي العللادة نؤشللر علللى بدايللة نللرض الجماعللات ‪ .‬ويظللن أولئللك (‬
‫المغانرو ) أنهم يحسلنو فلنعا ً ‪ ،‬وأنهلم ( شلطار ) يعرفلو كيلف ( تؤكلا الكتلف ) ‪ ،‬ولكلن‬

‫‪110‬‬
‫السرطا حينما ينمو ‪ ،‬أول نايفعله ‪ ،‬أنه يقضي على الجسم الذي أنده بأسباب الحياة ‪ ،‬فيكلو‬
‫نثله كمثا القرد سيء الذكر في قصة كليلة ودننة ‪ ،‬حين نشر غصن الشجرة الذي يجلس فوقه‬
‫!! ‪ .‬وبذلك يدنر الورم نفسه نن حيث اليشعر ‪ ،‬حين يدنر نصادر وجوده ‪ ،‬فيهوي والبد إللى‬
‫فراش الموت ‪ ،‬في حماقة أشد نن غالم الجاحظ ‪.‬‬
‫سأل الجاحظ غالنا ً فقال له ياغالم ‪ :‬أيرضيك أ يكو لك نائة ألف دينار وتكو أحمقا ً ‪ ،‬قال ال‬
‫وهللا ياعماه ‪ ،‬قال له الجاحظ ‪ :‬ويلك يلاغالم إنهلا فرفلة العملر ؟ قلال ياعملاه ‪ :‬أضليّع اللدنانير‬
‫وأبقى أحمقا ً ندى الحياة !!‬
‫يجب أ نعلم أنه كما يموت اافراد ‪ ،‬تموت الجماعات ‪ ،‬وتدول الدول ‪ ،‬وتفنى اانم ‪ ،‬وتنقلرض‬
‫الحضارات فل ( لكا أنة أجا ) ونن خالل السرطا النوعي الخاص بكا نستوى ‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫الفالسفة‬

‫‪112‬‬
‫زاوية سقراط المعرفية‬

‫في عام ‪ 399‬قبا الميالد تم تقديم رجا عجوز يناهز عمره السبعين عانا ً إلى المحكمة في‬
‫أثينا‪ ،‬بتهمتي الهرطقة وإفساد الشبيبة‪ ،‬وتم الحكم عليه باإلعدام‪.‬‬
‫وكانت طريقة تنفيذ حكم اإلعدام بجرعة سم الشوكرا ‪.‬‬
‫كا هذا المجرم؛ هو الذي سيعرفه كا العالم الحقا باسم الفيلسوف والفلتة العقلية وطفرة‬
‫التفكير (سقراط)!!‬
‫استقبا سقراط الموت بشجاعة‪ ،‬وتجرع السم بهدوء‪ ،‬وهو يشرح أفكاره لطالبه المتحلقين‬
‫حوله‪ ،‬وفي نآقيهم الدنوع‪ ،‬حتى آخر لحظة نن حياته‪ ،‬وبذلك كا فادقات نع نفسه ونع نن‬
‫حوله بتلقي العلم نن المهد حتى الحد‪.‬‬
‫وأعترف أنا شخصيا أ هذه القوة النفسية والشجاعة اادبية‪ ،‬حتى في لحظات الموت‪ ،‬هي نن‬
‫ففات النفس المطمئنة بمن فيهم أناس ال نصفهم بأنهم نسلمين‪ ،‬فإذا كا الفيلسوف نحمد‬
‫إقبال قال في نواجهة أنا غير خائف فأنا نسلم‪ ،‬فإ (تشي غيفارا) استقبا الموت بهدوء بالغ‪،‬‬
‫في الوقت الذي كانت ترتجف يد الجندي المصوب سالحه باتجاه غيفارا!!‬
‫فخاطبه ااخير لماذا أنت نضطرب إنك تقتا إنسانا فحسب!!‬
‫أو حين واجه الموت تولستوي في نحطة استرابو أ قال؛ وأخيرا أنوت كما يموت أي فالح‬
‫روسي!‬
‫أنا سقراط فكا الشيء ااخير الذي أوفى به توفية دينه‪ ،‬كأنه يتلو القرآ ؛ نن بعد وفية‬
‫يوفي بها أو دين!‬
‫وعندنا بكت زوجته قائلة إنهم يقتلونك ولكنك بريء؟!‬
‫كا جوابه‪ :‬وها يسرك أ أعدم نداناً؟‬
‫والسؤال الذي يطرح نفسه عن طبيعة التهمة الخطيرة التي فعلها سقراط‪ ،‬بحيث اعتبرت‬
‫جريمة في نظر المجتمع ااثيني‪ ،‬نما دفع ااكثرية للتصويت بإعدام ألمع دناغ في المجتمع؟‬
‫ينقا لنا التاريخ الفلسفي أ سقراط كا يعتمد آلية فكرية انتبهت لها ندارس علم النفس‬
‫نتأخرا ً في نشر المعرفة‪ ،‬وهي طريقة استفاد بها نن والدته التي كانت تعما قابلة؛ فلم يكن‬
‫يطرح أجوبة‪ ،‬با يحرك ااسئلة فيهدم المسلمات‪ .‬التي ال تزيد عن أوهام في كثير نن ااحيا ‪.‬‬
‫نثا رجا الدين والحكم المطلق وألوهية البشر والقدر والرزق‪.‬‬
‫وكا سقراط في نقاشه يؤكد على حقيقة واحدة‪ ،‬هي التي جعلت عرافة نعبد دلفي تصفه بأنه‬
‫أكثر الناس حكمة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كا سقراط يرى أ هناك شيئا واحدا يمكن التأكد ننه هو (جهله)‪.‬‬
‫وفي هذه الكلمة تتحرر ثالث بنى فكرية ضخمة‪:‬‬
‫ل أخالقية التواضع الودود الذي كا يتمتع به سقراط‪.‬‬
‫ل والثانية‪ :‬قدح زناد الشرارة المعرفية‪ ،‬ا نن يعرف أنه ال يعرف‪ ،‬يضع رجله في طريق‬
‫المعرفة‪.‬‬
‫ل والثالثة‪ :‬أننا نحاطو بكو ال نهائي نن المعرفة‪.‬‬
‫كا سقراط يحرر طريقة خافة إلى المعرفة في أسلوبه التعليمي بين السؤال والجواب‪ ،‬فال‬
‫يعطي جوابا ً واضحا ً عن أي شيء‪ ،‬في الوقت الذي يصوغ سؤاالً في غاية الدقة‪ ،‬فكا الجواب‬
‫يولد تدريجيا نن فم اآلخر كما تفعا المرأة في إنزال نحصول الحما‪.‬‬
‫والوالدة هنا هي لألفكار‪.‬‬
‫بهذه الطريقة التعليمية بين السفسطائية والشك‪ ،‬والتمحيص الدءوب عن الحقيقة يولد اليقين‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫وبهذه الطريقة فدم سقراط عقائد أها أثينا؛ فنادى بالتوحيد‪ ،‬وأنكر تعدد اآللهة‪ ،‬ونقا المعركة‬
‫الفلسفية نن نيدا الطبيعة إلى الميدا ااخالقي‪ .‬فمشكلة اإلنسا الكبرى هي في عالقته بأخيه‬
‫اإلنسا أكثر نن عالقته بالطبيعة‪ ،‬وفيها يكمن التحدي ااعظم‪.‬‬
‫حرر نبدأه ااخالقي‪ ،‬بعدم نكافحة الشر بالشر‪ ،‬وأنه خير لنا أ نتحما الظلم‪ ،‬نن أ‬ ‫وننها َّ‬
‫نمارسه‪ ،‬وأ التغيير االجتماعي ينطلق نع نمارسة الواجب أكثر نن المطالبة بالحقوق‪ ،‬وأ‬
‫البحث عن الحقيقة يجب أ يكو نهم اإلنسا ااول‪.‬‬
‫هذا الذي دعا سقراط لتجرع كأس السم‪ ،‬وعدم لجوئه إلى الفرار حينما أتيحت له الفرفة‪،‬‬
‫فمات شهيد أفكاره‪ ،‬ليقينه أ اافكار الجيدة تنمو بالموت في سبيلها‪ ،‬كما يحصا نع طمر‬
‫البذرة في باطن اارض‪.‬‬
‫قد يموت فاحبها أنا اافكار فتدخا المطلق والخلود‪.‬‬
‫لم يكن سقراط نرتاحا ً في حياته الزوجية‪ ،‬فكا يقول لمن يسأله عن الزواج‪ :‬تزوج انك إ‬
‫اجتمعت بالمرأة الصالحة كنت سعيداً‪ ،‬وإ لم يكن كذلك أفبحت فيلسوفاً‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫قصة إعدام سقراط‬
‫كا سقراط فلتة عقلية وبالتعبير الطبي (طفرة)‪ .‬نع هذا فقد حكمت أثينلا الديموقراطيلة بإعلدام‬
‫سقراط عام ‪ 399‬ق‪ .‬ب‪ .‬والسؤال نا هو هذا الجرم الكبير الذي حكم على العقا الكبير أ ينطفئ‬
‫في أثينا؟ نع هذا فليس هناك نن طريقة لتخليد اافكار نثا الموت في سلبيلها‪ .‬و(عبلد النافلر)‬
‫بإعدام (سيد قطب) نشر فكره أكثر نن ألف دار نشر بحماقة تزيد عن حماقة أشعب وهبنقة نعا‪.‬‬
‫واليوم تنتقا (القاعدة الصلبة الواعية) التي بشر بها قطب فلي كتلاب (نعلالم فلي الطريلق) إللى‬
‫كهوف تورا بورا‪ .‬وهذا يحكي قصر نظر السياسيين‪ .‬ولو عاش سيد قطب حتى اليوم لكا شيخا‬
‫طاعنا في السن تستقبله بعلض المحطلات الفضلائية للحلوار نعله أو أ يلتكلم علن تاريخله فلي‬
‫برنانج نن نوع بال حدود‪ .‬وبذلك أفاده عبد النافر نن حيث أراد التخلص ننه فجعله حي الذكر‬
‫يطبع كتابه (في ظالل القرآ ) المرة بعد المرة فهذه هي نيزة (الشهيد)‪ .‬وأثينا بإعدانها سقراط‬
‫خلدت ذكره إلى يوم الدين‪ .‬وهذه هي الشهادة‪ .‬انهلا تخللع عليله الحيلاة فلال ينلال ننله الملوت‪،‬‬
‫ويبقى نلتمعا ً نثا الشعرى اليمانية في أفق اإلنسانية‪ .‬ونن الضروري اإلحاطلة بظلروف إعلدام‬
‫هذا الرجا‪ ،‬فقد عاشت أثينا القديمة فترة نن الزنن تنعم بنوع نن الحكلم اللديموقراطي السليادة‬
‫فيه لعانة أبناءها ولكن نا كادت المدينة العريقة تنهزم في حربهلا نلع إسلبارطة حتلى انتكسلت‬
‫فيهللا الديموقراطيللة‪ ،‬فقللد أعللاد اإلسللبرطيو فلللول اارسللتقراطية ااثينيللة إلللى الحكللم فنكلللوا‬
‫بالديموقراطيين وحكموا على الكثير ننهم باإلعدام دو نقاضاة أو نحاكمة‪ .‬كا عصلرا ً أسلودا ً‬
‫لف أثينا بظالنه‪ .‬ولكن الخالص كا في الطريق فقد عاد (تراسبيولوس) بعدد قليلا نلن أتباعله‬
‫فانضم إليه أنصار الديموقراطية واضطر اإلسبرطيو أ يم ّكنوهم نن حكلم اللبالد ولكلن نلا إ‬
‫نضت خمسة أعوام وحا عام ‪ 399‬قبا الميالد حتى اقترف هؤالء نا رأت فيه ااجيلال الالحقلة‬
‫وفمة عار في جبين الديموقراطية ااثينية ال يمكن أ ينساها التلاريخ‪ .‬كانلت ثلروة اللبالد فلي‬
‫هبوط‪ ،‬فراح كثيرو يبحثو عن كلبش فلداء يوجهلو إليله الللوم‪ ،‬وكلا الشلعور سلائدا ً بلأ‬
‫الفضائا اهتزت‪ ،‬وكا المسئولو عن ذلك في نظرهم فئلة نلن المعلملين ذوي اافكلار الجديلدة‬
‫يتقدنهم نعلم يعما نحاتا ً يقال له (سقراط)‪ .‬والحقيقة أ سقراط لم يترك كتبا ً تحما آراءه وإنملا‬
‫نقلها إلينا تلميذه (أفالطو )‪ .‬ولم يكن لسقراط نن عما سوى التجلول فلي شلوارع أثينلا نغريلا ً‬
‫الناس بالجدل والمناقشة‪ ،‬دافعلا ً إيلاهم علن طريلق السلؤال والجلواب إللى البحلث علن المعرفلة‬
‫الحقيقية والفضيلة‪ ،‬ولكي يلنهض بتللك الرسلالة كلا البلد نلن التشلكيك فلي كثيلر نلن اافكلار‬
‫السائدة‪ ،‬وهكذا أثار سخط عدد نن الناس عليه فاتهموه بالمروق الديني وإفساد الشلباب‪ .‬وقلدم‬
‫الفيلسوف إلى المحاكمة‪ ،‬وكانت نحكمة غريبة تتكو نن ‪ 565‬قاضيا ً كا اختيارهم نن العلوام‬
‫بالقرعة العمياء أي بحبات الفول كما كانت عادة ااثينيين في اختيار نوظفيهم‪ ،‬وهكذا فقد كانوا‬
‫خليطا ً نن بائع نتجول ونتسكع عربيد وقصاب وفياد سمك ونرابي‪ .‬وعندنا فرغ المدعي نلن‬
‫تالوة اتهانه نهض سقراط وقال‪ :‬أيها ااثينيو لقد عشت شهما ً شجاعا ً فثبت للعدو فلي سلاحة‬
‫القتال ولم أترك نكاني خوف الموت‪ ،‬ونا أراني اليوم وقد تقدنت بلي السلن نسلتطيعا ً أ أهلبط‬
‫عن ذلك المقام في الشجاعة فأتخلى عن رسالتي التي ألهمتني إياها السلماء عللى لسلا كاهنلة‬
‫صر الناس بأنفسهم‪ ،‬فإذا كا ذلك التبصلير هلو نلا‬ ‫الوحي في نعبد دلفي‪ ،‬والتي تهيب بي أ أب ّ‬
‫تسمونه إفسادا ً للشباب ااثيني؟ أال إذ فلاعلموا أيهلا القضلاة أنكلم إ أخليلتم سلبيلي فلي هلذه‬
‫الساعة فإني عائد نن فوري إلى نا كنت عليه نن طلب الحكمة وتعليمهلا نهملا يكلن نلنكم بعلد‬
‫ذلك في شأني نن رأي أو قضاء‪ .‬وهنلا عللت همهملة القضلاة وأظهلروا غضلبهم واسلتنكارهم‪.‬‬
‫ونع ذلك فقد نضى سقراط بكلماته التي ال تعرف التردد وإبلاءه اللذي ال يقبلا المهانلة فقلال‪ :‬ال‬
‫تحسبوا دفاعي هذا عن نفسي خوفا عليها با خوفا عليكم أنتم يا أها أثينا ااحبلاء فلإني أخشلى‬
‫أ تفقدوا بفقدي رجالً ال يعوض‪ ،‬وليس له بينكم نظير‪ ،‬فإنكم وحق اآللهة لن تجلدوا نلن بعلدي‬
‫أحدا ً يبصركم بعوراتكم ويغمز جانبكم لتركضوا كالجيلاد السلوابق إللى غايلات الخيلر والفضليلة‬

‫‪115‬‬
‫واإلحسا ‪ ،‬وال يرخي لكم العنا لتركضوا في نهلاوي الفتنلة والضلالل‪ ،‬بجلوادين نلن انتكلاس‬
‫العقا واختالط الفهم‪ ،‬ذللك االخلتالط الوبيلا اللذي دأبلتم عليلهه وازداد ضلجيج القضلاة وأحلس‬
‫رئيسهم بالخطر الذي تتعرض له حياة الفيلسوف نن نثا هذه اللهجة الحادة فقال له‪ :‬أليس نلن‬
‫اافضا لك أ تكسب عطف المحكمة بدالً نن أ تتحداها بهذا الزهو والشموخ؟ فأجابه سقراط‪:‬‬
‫ونا ذا تريدني أ أقول أيها الرئيس؟ أتريلدني حقلا ً أ أترضلاكم يلا أهلا أثينلا بالملديح والثنلاء‬
‫الكاذب وأ أرضي غروركم بالتوسا والبكاء وأحضر زوجتلي وأوالدي أنلانكم لترأفلوا بحلالهم‬
‫وتنقذوهم نن اليتم والترنا‪ .‬إني لو فعلت ذللك لكنلت أخلذت بلالعواطف الرخيصلة دو إقنلاعكم‬
‫بالعقا‪ ،‬ونعنى ذلك التغرير بكم ورشوتكم وخداعكم وإفساد أخالقكم‪ .‬واآل أيها القضلاة احكملوا‬
‫بما شئتم فذلك شأنكم أنتم واعلموا أ نفوسكم هي التي في كفة الميزا ال نفسي فاحرفوا على‬
‫العدل والحق فهو خير لكم وأجدى عليكم وإني نستريح إلى نا بصلرتكم بله نلن عاقبلة فلارعوا‬
‫أنفسكم بما تتوخو نن العدل أيها القضاة‪.‬‬
‫وعندنا سأل كبير القضاة سقراط عن أي العقوبات يظن أنها يستحقها؟ وكلا هلذا السلؤال نملا‬
‫جرت بع عادة القضاء‪ .‬أجاب نبتسما‪ :‬إ أليق حكم تصلدرونه عللي أ تحكملوا للي بلأ أطعلم‬
‫وأكسى على نفقة الدولة بقية عملري اعترافلا ً نلنكم بملا أسلديت اثينلا وأهلهلا نلن الخيلر ونلا‬
‫بصرتهم به نن الحق والعدل‪.‬‬
‫وفدر الحكم على سقراط باإلعدام‪ .‬وأودع السجن حتى يحين وقت التنفيذ‪ .‬في تلك ااثناء تسلا‬
‫إليه ذات ليلة تلميذه الشاب (كريتو ) وهمس في أذنه‪ :‬لقلد أعلددنا كلا شليء للهلرب ورشلونا‬
‫الحارس وأعددنا الشراع والمال والمأوى في (تساليا) فهيا بنا يلا أسلتاذي إللى الحريلة‪ .‬فتطللع‬
‫إليه سقراط طويال ثم قال‪ :‬كال يا كريتو لن أهرب نلن الملوت‪ .‬إنلي ال أسلتطيع أ أتخللى علن‬
‫المباد التي ناديت بهلا عملري كلله‪ .‬ال لشليء إال ا نازللة توشلك أ تحيلق بلي‪ .‬بلا إنلي يلا‬
‫كريتو أرى هذه المباد الغالية التي ناديت بها ودعوت إليها وعشتها حتى اليوم جديرة بلذلك‬
‫الثمن الذي أوشك أ أبذله هذا النهار في سلبيا تحقيقهلا وإعلالء كلمتهلا‪ .‬أجلا يلاكريتو ليسلت‬
‫الحياة نفسها شيء وإنا أ نحيا حياة الخير والحق والعدل فذلك هو كا شيء‪.‬‬
‫وفي ذلك اليوم حما إليه الحارس كأس السم فتجرعه سقراط بكلا شلجاعة الملؤنن بمبدئله فللم‬
‫يخف الموت انه كا على يقين نن أ الخلود في انتظاره‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫كهف أفالطون‬
‫قام عالم االجتماع الفرنسي (أوجست كونت) بدراسة الظاهرة االجتماعية‬
‫لفهم نا هو المجتمع؟‬
‫وناهو القانو الذي يخضع له أثناء حركة تغيره؟‬
‫يعتبر المجتمع اإلنساني نغايرا ً لمجتمع النما والنحا؛ فهو نجتمع تتراكم‬
‫فيه التغيرات‪ ،‬وتدفعه للتطور بدو توقف‪ ،‬ويعتبر فيه اافراد المبدعو‬
‫شرارة التغير ااولى‪ ،‬ولكن أفكارهم ال تعني شيئا ً نطلقاً‪ ،‬نا لم تتبناها‬
‫وتتفاعا نعها شريحة نن القيادة تزداد قاعدتها نع اايام‪.‬‬
‫ويرى نالك بن نبي أ نابين والدة اافكار وانتشارها فترة (حضانة‬
‫‪ )INCUBATION - PERIOD‬تمانا نثا بداية اانراض قبا‬
‫اندالعها‪ ،‬فهو يرى أ الحضارة اإلسالنية ذات فترة حضانة قصيرة‬
‫للغاية‪ ،‬فلم يكن بين الفكرة وهيمنتها االجتماعية فافالً طويالً‪ ،‬خالفا ً‬
‫لألفكار المسيحية التي ضربت في عمق الزنن قرونا ً طويلة‪ ،‬قبا أ تنبثق‬
‫حضارتها‪ .‬ولكا ثمن نابين الحفاظ على النصوص وتحريفها‪.‬‬
‫إ قانو التغيير اجتماعي يقوم على تغيير نظام اافكار قبا كا شيء‪،‬‬
‫فإذا غير فرد نا بنفسه ال يتغير نابه على وجه الضرورة‪ ،‬ولنقا بكلمة‬
‫أدق ال يتغير ناله عالقة بالتركيب االجتماعي‪ ،‬با قد يحصا العكس على‬
‫المستوى الفردي‪ ،‬فالتصريح باآلراء الخطيرة تكو أحيانا حماقة وقاتلة‪،‬‬
‫والمجاهرة بمخالفة نا اعتاده المجتمع نع كا انحرافه؛ يجعا المجتمع‬
‫يصب العذاب على هذا الفرد النشاز فبا‪.‬‬
‫ونحمد ص اعتبر ننحرفا (حنيفا أي نائال عن الصراط المستقيم؟)؛ فعلى‬
‫سقراط تجرع السم ولو كا فيلسوفا ً حكيما‪ ،‬ويجب أ يحرق برونو حيا‬
‫على نار هادئة فيشوى نثا أي فروج! انه سمح لعقله بهانش حركة‬
‫تخالف رأي القطيع‪ ،‬وعلى جا لوك أ يفر نن بريطانيا الى هولندا‬
‫ويختفي نن الوجه! وعلى (رينيه ديكارت) أ يكرر قولته المشهورة‬
‫عاش سعيدا ً نن بقي في الظا‪ ،‬وأ يخر غاليلو على ركبتيه أنام المطارنة‬
‫فيعترف أنه أحمق نأفو ‪.‬‬
‫ولكن يبدو أ قدر التغيير ال يبدأ إال نن اافكار ونن اافراد‪ ،‬نن المبدعين‬
‫المتميزين (االنفجاريين) نثا اليورانيوم االجتماعي المشع‪ ،‬الذين غيروا‬
‫عندهم الخرائط الذهنية االجتماعية‪ ،‬وقانوا بممارسة (نقد) الفكر السائد‬
‫وخرجوا نن رحم التقليد‪ ،‬وكهف الظالم العقلي الى هواء الحقيقة الصحي‪،‬‬
‫وشمس المعرفة المتألق؛ فإذا حملت نخبة هذا الفكر‪ ،‬ونمت نن خالل‬

‫‪117‬‬
‫قانو نحنة تصهرها‪ ،‬وتخرج الخبث نن تضاعيفها‪ ،‬وتلحم أطرافها‪،‬‬
‫تتحول نع الوقت الى (كتلة حرجة) تغير طبيعة المجتمع‪ ،‬بعد نكثها في‬
‫وسط الحضانة الى حين‪.‬‬
‫وسقراط الذي دفع حياته ثمنا ً افكاره‪ ،‬تبعه شاب أخذ اسمه في التاريخ‬
‫بجانب سقراط نؤرخا ً وشارحا ً افكاره هو أفالطو ؛ فسقراط لم يكتب‬
‫عشرة أسطر‪ ،‬ولكنه ترك خلفه أكثر نن عشرة ندارس فكرية‪ ،‬ليس‬
‫آخرها (أكاديمية) أفالطو و(ندرسة) أرسطو والكلبيين والرواقيين‬
‫واالبيقوريين‪.‬‬
‫كا سقراط فلتة عقلية ندهشة‪ ،‬ونبتت أفكاره بعد نوته في تيار عقالني‬
‫إنساني لم يتوقف عن التأثير‪ ،‬حتى وأنا أكتب عنه بعد نرور ‪ 2400‬عانا ً‬
‫على نوته‪ ،‬وأقوم بتأسيس أكاديمية العلم والسلم على ثبج البحر ااخضر‬
‫اإللكتروني‪.‬‬
‫يقول أفالطو تلميذ سقراط ‪:‬‬
‫أعجب نا يحصا لمن يمارس القطيعة المعرفية‪ ،‬ويخرج نن ظالم كهف‬
‫التقليد الى شمس المعرفة‪ ،‬ويتحرر نن وهم انتالك الحقيقة الحقيقية‬
‫النهائية‪ ،‬يشبه رجالً نر في ثالث حاالت‪:‬‬
‫ن ن هو داخا الكهف ال يبصر إال نن خالل حركة الظالل‪ ،‬ويرى سجين هذا‬
‫الكهف أ نا يراه هو الحقيقة النهائية وسواها ليس بحقيقة‪.‬‬
‫فإذا أنعتق ورأى الكو بمنظار جديد‪ ،‬يعرف الفرق بين الظالم والنور‪،‬‬
‫وهو حس وتألق خاص ال يعرفه إال نن خاضه وعاناه وانبهر ننه البصر‪،‬‬
‫وشهدت له العاقبة‪ ،‬ولكن المأساة أ نن يعود ليشرح لهم نا رأى وعاين؛‬
‫يفاجئ بالظالم الدانس يعمي عينيه؛ فيتهم بالجنو ‪ ،‬ويطالب بقفا فمه‪،‬‬
‫ويصبح أحمقا ً أشد نن قبا؟!‬
‫لذا يردد الحكماء في نجتمعات المصحات العقلية هذه؛ أنه يجب أ يقولوا‬
‫قوال ال يوقظ نائما وال يزعج نستيقظا حتى يستمر المجتمع في سيمفونية‬
‫الشخير العام‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫قانون التناسب عند أفالطون‬

‫جاء في كتاب القوانين افالطو ص ‪ 691‬قانو التناسب ونصه أ نن‬


‫‪:‬ه ارتكب إثما ً ضد قوانين التناسب فأعطى شيئا كبيرا للغاية إلى شيء‬
‫فغير للغاية ليتولى حمله نثا تزويد سفينة فغيرة للغاية بشراع كبير‬
‫للغاية‪ .‬وإعطاء وجبات ضخمة للغاية لجسم فغير للغاية‪ .‬وإضفاء سلطات‬
‫واسعة للغاية على نفس فغيرة للغاية‪ .‬لو تم ذلك لكانت النتيجة وباال تانا‪.‬‬
‫ففي فورة الحمق يسرع الجسم البّطن فوب المرض‪ .‬في حين يندفع‬
‫المتغطرس فوب الفجور الذي يغذيه الحمقه ؟!‬
‫وهذا القانو يذكر بمبدأ الكاريكاتير فهو ال يزيد عن خلا في عالقة‬
‫النسب‪ ،‬كما في تضخيم اانف أو الذقن واللحية؛ فيظهر الوجه كما هو‬
‫نعروف‪ ،‬ولكن نع التشوه الذي يدفع إلى االبتسانة‪.‬‬
‫وهو أسلوب تعتمده المجالت‪ ،‬با هو باب ال يمكن اي نجلة أو جريدة‪ ،‬إال‬
‫أ يظهر بين ففحاتها كتعبير بسيط نوحي نباشر بدو كلمات كثيرة‪.‬‬
‫ويستخدم الكاريكاتير عادة للهجوم على أخطاء السياسيين بروح نن‬
‫الفكاهة والتضخيم‪.‬‬
‫أنا في عالم الغابة السياسة‪ ،‬حين ينتفخ الحاكم إلى القدر ااعظم‪ ،‬يتحول‬
‫المجتمع إلى عالم نن الكاريكاتير‪ ،‬كما رأينا في كيم ايا سونج الصغير‬
‫حاكم كوريا الشمالية‪.‬‬
‫وبالمناسبة فهو نرض ال يخص كوريا با يمكن أ يتعرض له أي نجتمع‬
‫وليس هناك أحد نحصن ضده بمصا خاص‪.‬‬
‫ويعرف في علم النفس بالنرجسية‪.‬‬
‫وأي نظام يمكن أ يقع في نخالبه‪ ،‬ولو تظاهر بأنه شعبي؛ فالحياة تتعانا‬
‫نع الحقائق وليس الشعارات‪.‬‬
‫ونن أدعى أنه سيد الحكماء وأعظم ااطباء والجراحين‪ ،‬لن يشهد له‬
‫بالجدارة في الفن سوى العمليات الرائدة التي ينجزها بنجاح‪.‬‬
‫والمؤرخ توينبي يذكر هذا القانو في كتابه نختصر دراسة التاريخ كدليا‬
‫اسباب إخفاق تقرير المصير في سلم الحضارات‪ ،‬والرجا يختصر انقضاء‬
‫ااجا عند الحضارات في سبع أسباب رئيسية هي‪:‬‬
‫ل عبادة الذات الفانية كما حدث نع فدام حينما هوى‪.‬‬
‫ل أو التوكا على نظام أكا عليه الدهر وشرب كما في إيديولوجيا البعث‬
‫القونية‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫ل أو تكنولوجيا فات وقتها كما في عالقة االنترنيت بصناديق البريد‬
‫القديمة‪ ،‬التي نا زال رجال المخابرات في الدول الثورية يعتمدونها‬
‫للتجسس على المواطنين‪ ،‬نا يذكرنا بساحرات العصور الوسطى‪ ،‬تحاول‬
‫فيد ااطباق الطائرة بالمكانس ؟؟ أال ساء نا يزرو ؟‬
‫ل أو التورط في آلية المحاكاة وانطفاء روح اإلبداع كما في الحديث عن‬
‫الديمقراطية بدو نعرفة أنها وعي قبا فناديق االنتخابات‪ ،‬وفي الدول‬
‫الثورية تجرى االنتخابات زورا وبهتانا على شكا كاريكاتير ال يضحك له‬
‫أحد‪.‬‬
‫وفدام انتخب في خريف ‪2002‬م بنسبة ‪.%100‬‬
‫ل ونن أسباب االنهيار اعتماد أساليب جديدة تحما أفكارا قديمة‪.‬‬
‫ل أو الوقوع في أسر خمر النصر ونشوة تحقيق اإلنجازات العظمى‪.‬‬
‫ولكن توينبي يرى أ النزعة الحربية تبقى نن أعظم الجوائح التي تقضي‬
‫على الحضارات‪ ،‬وهو نصير يهدد أنريكا الحالية‪.‬‬
‫وعندنا يمرض اإلنسا ال يستوعب واليعترف أنه نريض حتى يقع أسير‬
‫الفراش‪ .‬وهناك نن شرحنا له عملية الفستوال في الفشا الكلوي فلم‬
‫يستوعب وهرب ونات‪.‬‬
‫وحين يقع المرض سريريا عندها تكو الحالة نتأخرة واإلنذار خطيرا‪.‬‬
‫ودرهم وقاية خير نن قنطار عالج‪.‬‬
‫وهكذا فلب الحكمة هي التناسب‪ ،‬والمدير السيء هو نن قرب المنافقين‬
‫وابعد المخلصين النافحين‪.‬‬
‫ويروى عن جحا كيف وقع في هذا الخطأ القاتا نن الخلا في النسب؛‬
‫فأفبح نهزلة بين أفدقائه فقد كا حريصا على لفت نظر الناس فيبالغ‬
‫في أنثاله فنصحه فديقه أ ينتبه وإال أعطاه إشارة نن سعال أو نحنحة‪.‬‬
‫وفي يوم قال للناس أنه بنى نسجدا طوله ‪ 25‬كم فلما تنحنح فديقه‬
‫بشدة‪ ،‬سأله الناس وكم كا عرضه قال جحا وهو ينظر إلى فديقه كا ‪:‬‬
‫نترا واحدا!!‬

‫‪120‬‬
‫الحقيقة بين أفالطون وأرسطو‬
‫إ أفالطو عزيز علي ولكن الحقيقة أغلى على قلبي‪.‬‬
‫هذا نا قاله أرسطو الذي كا تلميذا في (أكاديمية) أفالطو في أثينلا‪ ،‬ولكنله اسلتقا‬
‫بفكره عنه‪.‬‬
‫يعتبر دناغ أرسطو نن أعظم اادنغة الالنعة‪ ،‬التي عرفها الجنس البشري على نلر‬
‫العصور‪ ،‬غزارة في اإلنتاج‪ ،‬وإبداعا ً فلي العطلاء‪ ،‬وفلقال للمعرفلة‪ ،‬وتنظيملا لهلا‪،‬‬
‫ونؤسسا اشياء في غاية ااهمية‪ ،‬كما هو الحال فلي المقلوالت العشلرة لتحديلد أي‬
‫شيء إطالقا ً (المادة ل النوعية ل الكمية ل العالقة ل الزنا ل المكا ل الوضع ل الحالة ل‬
‫الفعا ل التأثير)‪.‬‬
‫ونع ذلك فقد كانت بعض أفكاره نن أعظم اإلعاقات العقلية في رحلة نغانرات العقا‬
‫اإلنساني‪ ،‬كملا فلي (المنطلق الصلوري) أنلام (المنطلق االسلتقرائي) بلا قلادت هلي‬
‫وأفكار بطليموس الى كوارث عقلية واجتماعية واضطهاد العلماء‪.‬‬
‫وهذا يعلمنا أ ال نسلم عقولنا اي كا أرسطو أو غيره‪.‬‬
‫ويعلق عالم االجتملاع العراقلي (اللوردي) فلي كتابله (نهزللة العقلا البشلري) عللى‬
‫ننطق أرسطو الثالثي‪( :‬كا انسا فا ‪ .‬سقراط انسا ‪ .‬سقراط فا )‪.‬‬
‫أ بعض تطبيقات هذا الكالم يقود اللى كارثلة حقيقلة‪ ،‬حينملا تكلو نقطلة االنطلالق‬
‫خطأ‪ ،‬كما لو قلنا أ الصعود الى السماء نستحيا‪ .‬وبالتالي فإ الطيلارة التلي تطيلر‬
‫في السماء خرافة‪ ،‬والصاروخ الذي يصا إلى المريخ بدعة؟‬
‫والتقرير ااولي يحما في بطنه كا المشاكا‪.‬‬
‫وحينما اطلعت على الفلسفة‪ ،‬خطر في بالي نشروع جلريء‪ ،‬وهلو أ النلاس تنظلر‬
‫الى الفالسفة فلي التلاريخ‪ ،‬بمنظلار نلزدوج نلن الشلك أو ااحجيلة‪ ،‬ولكلن الفلسلفة‬
‫ليست ضالال وال ألغازا وال أحاجي با هي أم العلوم وجذع شجرتها‪ ،‬ورحم المعرفة‪،‬‬
‫وبهجة الفهم ولذته‪ ،‬كما قال سبينوزا الفيلسوف الهولندي ننذ القر السابع عشر‪.‬‬
‫إنها نتعة عقلية‪ ،‬وتحرير إلرادة اإلنسا ‪ ،‬وفقا عقلله تجلاه المعضلالت‪ ،‬وإجابلات‬
‫رائعة عن تساؤالت نزعجة‪ ،‬كما أنها رفع لانسا الى نستوى اإلنسا ‪ ،‬أ يصلبح‬
‫كائنا رائعا ً‪ ،‬فوق أ يأكا ويشرب؛ با ويفكر‪.‬‬
‫والفلسفة بهذا ترد اإلنسا الى إنسانيته حينما تميزه بالتفكير‪.‬‬
‫وهذا المشروع اشتغا عليله عبلد اللرحمن بلدوي الفيلسلوف المصلري وأبلدع فيله‪،‬‬
‫ولكن نشكلته أنه تراث ضخم ال يقرأه إال الصابرو النادرو ‪ ،‬ونا نحتاجه هلو ذللك‬
‫التراث الفلسفي السها بحيث ننشر ثقافة فلسفية شعبية‪ .‬وهو نا قالله اللوردي علن‬
‫وظيفة السفسطائيين‪ ،‬أنهم كانوا أشبه برواد تعميم وتبسليط العللوم وجعلهلا شلعبية‬
‫لعانة الناس في أثينا يونها‪.‬‬
‫وحللين يصللبح العلللم نسللقا اجتماعيللا يتغيللر المجتمللع‪ ،‬أنللا إذا كللا العلللم والفلسللفة‬
‫نحصورة في نخبة ننعزلة‪ ،‬فال ينهض المجتمع با وتتعرض النخبة لالنقلراض بعلد‬
‫االضطهاد‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫وأوربللا حاليللا تعلليش بركللة هللذا االنفتللاح العقلللي والنسللق االجتمللاعي الللذي يعمللم‬
‫المعرفة‪.‬‬
‫ونن اانثلة على خرافية العقلية العربية تللك التلي أرسللها للي شلخص نعتبلر علن‬
‫طفا نلن كازاخسلتا أو أرنينيلا ال أدري؟ وقلد ظهلرت آيلات قرآنيلة ننقوشلة عللى‬
‫سيقانه؟ وال أدري لماذا سيقانه بالتحديد؟‬
‫قال الرجا (الفهما ) نن فلسطين وقد أرسلا للي الصلور‪ ،‬إنله كلملا انمحلت اآليلات‬
‫خرجت نن جديد أحاديث نن الصحاح التسلعة؟ أو السلبع المثلاني والقلرآ العظليم‪،‬‬
‫وسموه الطفا المعجزة‪...‬‬
‫فهذا هو الفرق بين تعشيش الخرافة وسريا النسق المعرفي في المجتمع؟‬
‫وانتبه إلى نعنى (الجانع) في االسالم الكاتب الليبي (النيهلوم) حينلا قلال إ الجلانع‬
‫هي نن كلمة جانع لكا شليء‪ ،‬ونحلن نعللم أ عائشلة رضلي هللا عنهلا رأت رقلص‬
‫الحبشة بالحراب في فناء المسجد نن خلف كتف رسلول هللا ص‪ ،‬كملا كلا المسلجد‬
‫نكا عقد االوية للقيادات العسكرية‪.‬‬
‫وفكر أرسطو يفيد حينما نستعرض تاريخ نغانرات العقا االنساني‪ ،‬فهذا الرجا وللد‬
‫فللي سللتاجيرا عللام ‪ 384‬قبللا الملليالد‪ ،‬أي أننللا اليللوم نللتكلم عنلله بعللد نوتلله بللألفي‬
‫وثالثمائة عام‪ ،‬وهذا يعطي االنطباع عن أثر هذا اإلنسا في الفكر االنساني‪.‬‬
‫وفي إجلازتي الفائتلة اجتمعلت بكتلاب عبلد اللرحمن بلدوي فلي ثلالث نجللدات عنله‬
‫فاشتريته بفرح‪ ،‬نن اجا التعرف عليه أكثر‪ ،‬وفي نكتبتي نعظم نؤلفاته التسعين‪.‬‬
‫كا أرسطو نعافرا ً لفترة حكم االسكندر ااكبر‪ ،‬وعما ندرسا ً خصوفيا ً لله‪ ،‬وهلذا‬
‫نللا جعللله يللدفع الللثمن الحقلا ً‪ ،‬حينمللا ثللارت أثينلا ضللد نكللدونيا‪ ،‬حيللث يحكللم خلفللاء‬
‫االسكندر‪ .‬وأهم نا تركه أرسلطو كلا فلي السياسلة ودراسلة الطبيعلة‪ ،‬وكلا يحلب‬
‫التنقا والتعرف بدو نلا‪ ،‬ويعيش طفال يحما روح الدهشة والفضول واالسلتغراب‬
‫والمعرفة‪.‬‬
‫وهو الذي ابتكر طريقة الحلوار فلي الهلواء الطللق نلع النقلاش‪ ،‬نملا جعلا أتباعله‬
‫يأخذو اسم المشاءين‪ ،‬نثا الرواقيين الحقا ً (‪ )Stoicism‬الذين كانوا يمشلو فلي‬
‫ااروقة ويتبادلو أعظم اافكار الفلسفية وأعقدها‪.‬‬
‫وعلم اإلنسا نا لم يعلم وكا فضا هللا علينا عظيما‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫كيف فتح المدفع‬
‫ثغرة في قلعة أرسطو الفكرية؟‬
‫كا المدفع هو الذي فتح ثغرة في قلعة أرسطوطاليس الفكرية‪ ،‬ولكن كيف؟‬
‫جاء الفتح نن فوهة المدفع؟!! فمع أ كا نتأنا يرى سير القذيفة على نحو ننحن‪،‬‬
‫ولكن أرسطو (الدناغ ااكبر) كا يرى أ سرعة ااجسام عند السقوط تتزايد انهلا‬
‫تتحرك في (شوق) إلى نوقعها الطبيعي المنخفض!!‬
‫وأ الجسم يلتمس سعادته (كذا) بالسقوط عموديا إللى اارض؛ حنلى جلاء (نيكوللو‬
‫تارتاجيا) وهو اسم نستعار ونعناه (المتلعثم)؛ فأفدر كتابه المترجم (عام ‪1543‬م)‬
‫عن أرخميدس‪ ،‬وأ نسار ااجسام في ااوسلاط يعتملد قلوانين نوعيلة‪ ،‬وهلي التلي‬
‫دفعت أرخميدس يونها أ يقفز عاريا‪ ،‬بعد أ تعرت لله الحقيقلة ويصليح أوريكلا‪..‬‬
‫أوريكا أي وجدتها وجدتها‪ ..‬حينما استوعب قانو طفو ااجسام في السوائا‪.‬‬
‫ولم تكن هذه الخطيئة الوحيدة في فكر أرسطو‪ ،‬با سلاهم فلي ننطقله الصلوري فلي‬
‫تأخير الفكلر اإلنسلاني ألفلي سلنة‪ ،‬قبلا والدة الملنهج االسلتقرائي التجريبلي‪ ،‬اللذي‬
‫دشللنه علمللاء المسلللمين نللن روح القللرآ التلي حثللت علللى تأنللا الكللو والتللاريخ‬
‫وأحداث اانم واانبياء والسير في اارض لنفهم كيف بدأ هللا الخلق؟؟‬
‫وفي هذا العلام ‪1543‬م أفلدر (كوبرنيكلوس) كتابله علن دورا اارض والشلمس؛‬
‫فزلزلت الكنيسة وارتاعت‪ ،‬ويصف المؤرخ (ديورانت) هذا العام بأنه عام العجائلب‪،‬‬
‫انه تم خرق (التابو) في الفلك والجغرافيا والجسم اإلنساني‪ ،‬ففي نفس هلذه الفتلرة‬
‫نسحت جغرافيا اارض على نحلو جديلد‪ ،‬بعلد إبحلار نلاجال علام ‪ 1519‬ودورانله‬
‫حول اارض‪.‬‬
‫وبعد (كوبرنيكوس) تحولت اارض إلى ذرة تافهة في المحيط الكوني‪.‬‬
‫وقام (فيزاليوس) بخرق حرنة الجسلم فبلدأ فلي تشلريحه‪ ،‬حتلى طاردتله الكنيسلة‪،‬‬
‫فهرب إلى أسبانيا‪ ،‬وهناك قام بضربته العبقرية في إنقاذ ولي العهد (كلارلوس) نلن‬
‫نللزف فللي الللدناغ‪ ،‬حللين ثقللب الجمجمللة‪ ،‬فاتهمتلله الكنيسللة نللن جديللد‪ ،‬بأنلله حليللف‬
‫للشيطا ‪ ،‬فهرب نرة أخرى نن أسبانيا‪.‬‬
‫والعبقريات ال تولد هكذا‪..‬‬
‫ولعا سرها كما رواه (جيمس بيرك) فلاحب كتلاب (عنلدنا تغيلر العلالم) أ نوياتله‬
‫ااولى كانلت نلن نشلاط علملاء نتبتللين‪ ،‬جلازفوا بحيلاتهم ضلد البابويلة‪ ،‬ونحلارق‬
‫نحاكم التفتيش‪ ،‬نثا و(نارين نيرسين) الذي قام بنشاط خطيلر علام ‪1630‬م‪ ،‬حلين‬
‫بدأ يعقد جلسات سرية نرتين أسبوعيا‪ ،‬الستقطاب اادنغة في أوربلا‪ ،‬وفلي نجلسله‬
‫ذاك وفا (ديكارت) إلى ننهجه في الهندسة التحليلية نع طنين ذبابة؟!‬

‫‪123‬‬
‫وكما يقول (نالك بن نبي) أ تفاحة نيوتن عند (جده) أي جلد نيلوتن‪ ،‬للم تلزد علن‬
‫قضمات نن فاكهة نمتعة تتحول في النهاية إلى روث؟ كما كا يفعلا المللك (هنلري‬
‫الثانن) وهو يقتا ستة نن زوجاته بقطع الرأس بالساطور والبلطة؟؟‬
‫أنا نيوتن فعاش في ظروف نتخمرة‪ ،‬قدحها نشاط حميم في أوربا‪ ،‬وتيار نتدفق نن‬
‫العبقريات‪ ،‬بدأت تأخذ التأثير العكسي المتبادل‪ ،‬وهكذا ولدت العبقريات‪ ،‬وعللى نحلو‬
‫نتللدفق نتسلسللا؛ ففللي عللام ‪ 1615‬م يكتشللف كبلللر قانونلله الثالللث فللي الفلللك‪ ،‬أ‬
‫الكواكب تتهادى في الفلك ااعلى في نواقع تتراوح بين (نربع) السرعة‪ ،‬و(نكعب)‬
‫بعدها‪ ،‬نن تأنله كيف كا تجار الخمور يقيسو حجم البرانيا بعصا نائلة‪.‬‬
‫وفي عام ‪1628‬م يكتشف (وليم هارفي) الدورة الدنوية‪.‬‬
‫وفللي عللام ‪1632‬م يضللع (جللاليلو) كتابلله المزلللزل عللن دورا اارض والشللمس‪،‬‬
‫ونعها تسقط ورقة التوت علن علورة الكنيسلة‪ ،‬بعلد أ دخللت القلر السلابع عشلر‬
‫بمشاعا نخيفة نن نحرقة (جيوردانو برونو)‪ ،‬الذي خالف الكنيسلة بوجلود علوالم‬
‫النهائية‪ ،‬فهي نن آيات هللا في السموات واارض‪ ،‬ونلا بلث فيهملا نلن دابلة‪ ،‬وهلو‬
‫على جمعهم إذا يشاء قدير‪.‬‬
‫وفي عام ‪ 1637‬م يضع (رينيه ديكلارت) (المقلال عللى الملنهج)‪ ،‬وبهلذا يعتبلر نلن‬
‫البناة النظريين للحضارة الحالية العقالنية‪.‬‬
‫وفي عام ‪1648‬م يقوم (توريشللي) الطلياني بقياس الضغط الجوي‪.‬‬
‫وفي عام ‪1661‬م يشق (بويا) طريقه إلى الكيميلاء الحديثلة‪ ،‬وبلذلك ينتهلي العصلر‬
‫اليوناني ونظرية القرو الوسطى‪ ،‬في فهم الكو على أساس نن العنافر ااربعة‪:‬‬
‫(التراب والماء والهواء والنار)؛ لينتهي الموضوع نع (ديمتري نندلييف) الروسلي‬
‫في وضع تصنيفه (الدوري) الرائع عن العنافر المعدنية‪.‬‬
‫أنا (أوجست كيكول) فقد جاءته تلك اللحظة نن ونيض العبقريلة فلي فهلم الكيميلاء‬
‫العضوية وترابط ذرات الفحم على شكا أفعى تلتقم ذيلهلا‪ ،‬وكلا ننانلا فلادقا فلتح‬
‫الطريق لتأسيس علم جديد‪.‬‬
‫ويقول الفيلسوف البريطاني (برتراند راسا) في كتابه (النظرة العلميلة) أ خالفلة‬
‫النهضللة ااوربيللة وعصللر النهضللة يللدين لمائللة دنللاغ ال يزيللد‪ ،‬ولللو تللم اغتيللالهم‬
‫وافطيادهم على أيد نخابرات الكنيسة‪ ،‬لما كا هناك نهضة وناهضو ؟‬
‫ونحن في العالم العربي اليوم نعيش هذا العصر‪ ،‬عصر المماليك البرجية أيلام سلعيد‬
‫جقمق المملوكي تحت أسماء نن حكام عرب يعيدو دورة التلاريخ نقلوبلة للخللف‪،‬‬
‫نن ظلمات ونخابرات العصور الوسطى‪ ،‬بملا تحملا نلن تعصلب واضلطهاد وتثبليط‬
‫لكا نشاط عقلي إبداعي‪..‬‬
‫وهذا يذكر بكتلاب االعترافلات الخطيلر اللذي وضلعه الكلاهن (جلا نسللييه) اللذي‬
‫يستحق نقالة خافة به‪ ،‬وحين قرأ أهالي اابرشية وفليته؛ نبشلوا قبلره‪ ،‬ولعنلوه‪،‬‬
‫ونشللروا عظانلله‪ ،‬وتبرئللوا ننلله‪ ،‬بعللد أ خللدم الكنيسللة ثالثللين عان لاً‪ ،‬بكللا فللدق‬
‫وإخللالص‪ ،‬كمللا ذكللر فللي وفلليته‪ ،‬نعترفللا بأنلله كفللر بالبابللا والكنيسللة والصللليب‬
‫والتثليث‪ ،‬ولم يتجرأ حتى (فولتير) المعروف بسلالطة لسلانه‪ ،‬وسلخريته نلن رجلال‬

‫‪124‬‬
‫الكنيسة ودينها‪ ،‬على نشر كانا الوفية‪ ،‬با اقتطف نقلاطع نلن وفليته‪ ،‬فيهلا نلن‬
‫الوهج والطاقة نا تتحمله عقول القراء دو أ تحترق‪...‬‬
‫وهكذا فأوربا الحالية لم تولد هكذا ولم تتخلص نن قبضة نارد الفاتيكا بسهولة‪..‬‬
‫وقام (ديلن كيلث سلايمنتن) فلي كتابله (العبقريلة واإلبلداع والقيلادة) بدراسلة جديلة‬
‫نعمقة لكا العنافر المتعلقة بظروف والدة العبقريات‪ ،‬وهو يذ ّكر بكتلاب (المسلائا)‬
‫للكاهن الفرنسي (نارين نيرسين) الذي وضعه حول البحث العلمي‪ ،‬وانه يقوم عللى‬
‫ثالث قواعد‪:‬‬
‫ل رفض كا نا يتعلق بسلطة سابقة‪.‬‬
‫ل اعتماد المالحظة المباشرة والتجربة‪.‬‬
‫ل وفياغة النتائج على شكا رياضي‪.‬‬
‫قللام سللايمنتن بدراسللته علللى نمللط ننفللرد نثللا‪ :‬الدراسللة العلميللة لعبللاقرة التللاريخ‬
‫عمونا‪ ،‬وااسالف والمورثات وااجيال‪ ،‬والشخصية والطابع‪ ،‬والتعلليم‪ ،‬واإلنتاجيلة‬
‫والنفلللوذ‪ ،‬والعملللر واإلنجلللاز‪ ،‬والجماليلللات والكاريزنل لا‪ ،‬وروح العصلللر‪ ،‬والعنلللف‬
‫السياسي وتثبيط البحث العلمي‪ ،‬وقوانين القياس التاريخية‪.‬‬
‫والرجا وفا إلى نتائج نثيرة حقلا وينصلح بلاإلطالع عليله‪ ،‬وأنلا قرأتله أكثلر نلن‬
‫نرة‪ ،‬على قاعدة قراءة الكتاب الجيد أكثر نن نرة‪ ،‬عوضا عن قراءة أبحاث تافهلة‪،‬‬
‫تأتي نع بحر االنترنت في زبلد يضلر بالعقلا ويضليع الوقلت ويلؤذي العلين ويللوث‬
‫الذاكرة‪ ,‬أو نحطات فضلائية تعتملد التهلويش والتضلليا فلي النقلاش نلن سياسليين‬
‫تافهين يجيدو الصراخ والسباب والتخوين والمراء ونفخ اابواق لألنلراء والقلادة‬
‫العميا في البالد العربية‪..‬‬
‫وقد نهينا عن المراء‪ ،‬فمن ترك المراء وهو نحق بنى هللا له ربضا في الجنة‪ ،‬ولكن‬
‫بيننا وبين ريح الجنة عرض نسافة نجرة ااندرونيدا ‪ 150‬ألف سنة ضوئية‪...‬‬

‫‪125‬‬
‫سر الفيلسوف فيثاغورس‬
‫كان هذا قبل ‪ 2500‬سنة في عام ‪ 509‬قبل الميالد ‪ ،‬حيث ترتفع نبات فول (الفافاا) والربياع‬
‫األخضر يبتسم ‪ .‬الطبيعة قد ازدانات تلاب أزها ثيابهاا تحتفال باالعر الكاوني ‪ .‬بجانا حقال‬
‫الطبيعة األخضر كانت الطبيعاة االنساانية ترسام معاالم صاور وحشاية بالادم بريشاة مان ساال‬
‫الفوالذ ‪ .‬مجموعة من النا المتعصبين ‪ ،‬محمر أحداقهم ‪ ،‬عال الزبد أشداقهم والسابا ‪ ،‬تطاو‬
‫عل حافة البساط األخضر رجالا طاعنا ا في السن ‪ ،‬وهن العظم منه واشتعل الارأ شايبا ‪ ،‬يلاتقط‬
‫أنفاسه ‪ ،‬قد ارتسمت عل مالمح وجهه قدر استقبال الموت ‪ .‬كان باستطاعة العجوز االفالت مان‬
‫قبضة الرعاع الغاضبين ‪ ،‬بالتسلل ال بطن حقل الفول األخضر ‪ ،‬ولكن المفاجأ انه بقي متسامرا ا‬
‫يستقبل الغاضبين وأسلحتهم المشرعة مع رسال الماوت ‪ .‬أحاطات المجموعاة المجرماة باالعجوز‬
‫الواهن ولم تشفع له سنواته الثمانون بالنجا من منجل الموت يحصد أجله ‪ .‬تادافعت إلياه األيااد‬
‫باألذى ‪ ،‬وااللسنة بالسوء ‪ ،‬واالسلحة بالطعنات تترى حت أسلم الرمق األخير ‪ .‬قتل الرجل بنف‬
‫غلطة الشاعر المتنبي ؛ فعندما اعترضت طريقه مجموعة من العيارين فر منهم وأعطاهم ظهار‬
‫؛ فنادا غالمه ‪ :‬ألست أنت القائل ‪ :‬الليل والخيل والبيداء تعرفني ‪ ...‬والسيف والرمح والقرطاا‬
‫والقلم ؟؟ قال له ياغالم ويحك قتلتني وقتلت نفسك ؛ فرجع إليهم فكر عليهم فقتلو ‪ ،‬وهكاذا كانات‬
‫حارم علا اتباعاه أكال‬‫نهاية الفيلسوف العظيم ( فيثاغور ‪ ) PYTHAGORAS‬فهو كان قد م‬
‫الفول أو االقترا من حقله ‪ ،‬في سر دفين جر معه ال القبر ‪ ،‬حت كشف العلم عان معنا هاذا‬
‫السر بعد مرور ألفين وخمسمائة عام ‪.‬‬

‫من ثب منر لي فد منعصر من ل ري‬


‫الفيلسوف البريطاني ( برتراند راسل ) يعتبر فيثاغور ( واحدا ا من أهم الرجاال الاذين عاشاوا‬
‫في أ وقت من األوقات )(‪ )1‬واعتبر الحجة المؤرخ ( جون آرنولد توينبي ) أن الجن البشر‬
‫أُتحف بين عامي ( ‪ 600‬ا ‪ ) 480‬قبل الميالد ‪ ،‬في فتر زمنية التتجاوز المائاة والعشارين مان‬
‫السنين بظهور خمسة عبقريات انسانية متميز ‪ ،‬عل يد خمسة من عظماء التااري ‪ ،‬فاي تعاقا‬
‫مدهش يكاد سنا برقه يذه باألبصار ‪ ،‬فظهار فاي اياران ( زرواساتر ) زرادشات ‪ ،‬وظهار فاي‬
‫ظلمات األسر البابلي ( أشعيا الثاني ) الذ اكتحلت عينا برؤية المك العظيم ( قورش ) المؤس‬
‫األول للدولة الفارسية ‪،‬الذ أطلق اليهود من معسكرات االعتقال فاي بابال ‪ ،‬وذكار التااري أناه‬
‫كان من أعظم النا خلقا ا وعدالا ‪ ،‬بقدر امتداد مملكته من الهند ال قفقاسيا والسودان ‪ ،‬واليستبعد‬
‫أن يكون هو المعني ( بذ القرنين ) عل ماذه اليه العالم الهند وزير المعارف األسبق ( أباو‬
‫الكالم آزاد ) وكان الثالث ( بوذا ) الذ سطع من سفو أعل قمم العالم ( جباال هيماالياا ) فعناد‬
‫البرد والهدوء العجي وصل المعلم ال حالة ( النيرفانا ) أ ذلك الهدوء الاذ اليعكار حازن أو‬
‫غض أو لغو ‪ ،‬والسعاد الغامر التي اليستلبها تكدير ‪ ،‬والدائمة التي اليقف فاي طرياق تادفقها‬
‫شيء ‪ .‬وفي الصين ظهر ( كونفوشيو ) من أصغر وأضعف والياات الصاين بتعاليماه ؛ ليبناي‬
‫كل األخالقيات الصينية الالحقة ‪ ،‬فكما كانت كل عظمة خلق االنسان من ساللة مان مااء مهاين ‪،‬‬
‫كذلك كان كونفوشيو من الشرائح االجتماعية التي عانت وتعذبت وبكات كماا لام يعااني أحاد ‪،‬‬
‫وكان الخام العظيم الفيلسوف ( فيثاغور ) ‪ .‬ومن المحتم أن أحادا ا مانهم لام يجتماع بااخخر ‪،‬‬
‫وإن كانت تأثيراتهم الحضارية انعكست كل منهما عل األخرى ‪ .‬وبسب أهمية المعاصر لهؤالء‬
‫الحكماء الخمسة ‪ ،‬فقد أطلق الفيلسوف األلماني ( كارل ياسبرز ) عل الفتر التي تنتظم حيااتهم ‪:‬‬
‫( العصر المحور ‪ ،‬أ العصر الذ تمفصل عليه تاري البشرية فقد كاان ظهاورهم فاي حقيقاة‬
‫األمر منعطفا ا هاما ا ‪ ،‬من حيث أنهم استمروا في التأثير عل البشرية الا ياوم الناا هاذا ‪ ،‬ومان‬

‫‪126‬‬
‫حيث أنهم يستمرون في التأثير في األحفااد ‪ ،‬بالمثال الاذ قادمو ‪ ،‬حتا ولاو أن حكماتهم فقادت‬
‫قيمتها كوصايا ‪ ،‬ولو أن تعاليمهم فقدت أهميتها كقانون إيمان )(‪)2‬‬

‫منتعصب قتل من فكري‬ ‫جد‬


‫في عام ‪ 399‬قبل الميالد أدانت اثينا الفيلسوف سقراط وأعدمته ‪ ،‬بدفعه لتجرع سم الشوكران ‪،‬‬
‫وفي عام ‪ 509‬قبل الميالد سقط الفيلسوف والمصلح الديني فيثاغور قتيالا عل يد الرعاع في‬
‫جنااو إيطاليااا ‪ ،‬وفااي القاارن الثاااني بعااد الماايالد سااقطت عالمااة الفلااك والرياضاايات ( هيباتيااا‬
‫‪ ) HYPATIA‬صريعة بنف التهمة ‪ ،‬عل يد المتعصبين ‪ ،‬ويارتبط استشاهادها بتادمير مكتباة‬
‫االسكندرية بعد تأسيسها بسبعة قرون (‪ )3‬التي جمعت يومها نصف مليون مؤلف في أعظم عمل‬
‫علمي يجمع كل معارف الجان البشار يومهاا الفيلساوف ( فيثااغور ) عااش تاريخاا ا حاافالا‬
‫مشردا ا غريبا ا هائما ا عل وجهه في اخفا ‪ ،‬يلهمنا نحن الذين غادرنا الوطن بكثيار مان األفكاار ‪،‬‬
‫بعد أن كفر بالديكتاتورية في بلد من حكم ( بوليكريت الطاغية ‪ )4() POLYCRATES‬نيم‬
‫يرجع منى ده ق ؛ فالوطن لي حيث ولد االنساان ؛ بال حياث يمكان العايش ماع حياا الفكار‬
‫والتعبير ‪ ،‬مذكرا ا بقصة أصحا الكهف ‪ ،‬تلك المجموعاة الجريئاة مان الشابا ‪ ،‬التاي رأت حال‬
‫المشكلة لي في قتال الطاغياة ‪ ،‬بال رفا طاعتاه والادخول فاي منظومتاه الفكرياة ‪ ،‬واختياار‬
‫مغادر الوطن عل كل حبه ‪ ،‬بحثا ا عن وطن جدياد ‪ ،‬اليعتقال فياه المارء علا السااعة‪ ،‬أو آخار‬
‫يطرد منه عل اللحظة ‪.‬‬

‫فلوف رفض من ع‬
‫فلسفة ( رف الطاعة ) وممارسة ( العصايان المشاروع ) وباصارار الا درجاة الماوت فاي‬
‫سبيل الفكر وعدم التراجع عنها ‪ ،‬بنف اصرار عدم كراهية الخصم أو محاولاة التفكيار بقتلاه أو‬
‫ايذاء ‪ ،‬هي الوصفة السحرية التي تقادم بهاا االنبيااء ( التطعاه واساجد واقتار ) فبقادر شاحنة‬
‫العصيان السلمي ‪ ،‬وبقدر ممارسة رف الطاعة ‪ ،‬بقدر شحنة الرو في السجود ‪ ،‬واالقترا في‬
‫المسافة من ر السموات واألر ‪ .‬هذ الفلسفة تحدث عنها فيلسوف الحق مات شابا ا يافعاا ا فاي‬
‫منتصف القرن الساد عشر هو ( اتيين البواسييه ) الذ عاصر الفيلسوف ( ميشايل ماونتيني )‬
‫عااام ‪ 1562‬م فااي ظااروف اضااطهاد دينيااة مرعبااة ومااذابح مروعااة ‪ ،‬ماان نمااوذ مذبحااة (‬
‫الهوجونااوت ‪ ) HUGENOTT‬المسااايحيين البروتسااتانت مااان أتباااع كاااالفن ( المعترضاااون‬
‫علىالكنيسة) في باري عندما أغلقت أبوا باري ‪ ،‬وتم االجهاز علا االخف مانهم فاي ذكارى‬
‫القدي ( بارتولوميو ‪)5() BARTHOLOMAEUS‬‬

‫ق ن وب موييه ع منعب قي من خت رة‬


‫كت البواسييه مقالة مزلزلة بعنوان ( العبودية المختار )(‪ )6‬استفاد فيها من آراء فيثااغور ‪،‬‬
‫والفكاار النبااو واالصااالحي الفلساافي عباار التاااري ‪ ،‬ولاام ينشاار الفيلسااوف ( مااونتيني ) مقالتااه‬
‫المذكور وتبرأ منها الجميع ‪ ،‬وبقيت في ذمة التااري لماد ‪ 263‬سانة حتا ظهارت بالصاور‬
‫الكاملة عام ‪ 1835‬م ‪ ،‬ولكنها تحت قاعد ( انفجار السوبونوفا ) لم تصل ال اللغة العربياة اال‬
‫بعد مرور ‪ 150‬سنة أخرى ‪ ،‬وهاو الياوم تتارجم ويهاتم بهاا المفكارون ويعتبرونهاا مان أجمال‬
‫ماكت في الفكر السياسي االجتماعي ‪.‬‬
‫اشتهر عن الفيلسوف قوله عن الغربة ‪ ( :‬نحن في هذا العالم غرباء والجسم هو مقبر الرو ‪،‬‬
‫ومع ذلك فال يجوز ألحد منا أن يلتم الفرار باالنتحار إلننا ملك هللا وحد وهاو راعيناا ‪ ،‬وماالم‬
‫تشأ لنا إرادته الفرار فالحق لنا في تهيئته ألنفسنا بأنفسنا )(‪)7‬‬

‫‪127‬‬
‫حكم الطاغية ألهمت المفكر ( إمام عبد الفتا إماام ) أن يكتا فاي سلسالة عاالم المعرفاة كتاباا ا‬
‫يتناااول هااذ الظاااهر عباار التاااري (‪ . )8‬نحاان ناادين بهااذا المصااطلح ( المسااتبد أو الطاغيااة‬
‫‪ )9() TYRANT‬للفكر اليوناني ‪ ،‬الاذ عاان مان هاذ الظااهر االجتماعياة الخانقاة للارو‬
‫االنسانية عل شكلية خارجي وداخلي ‪ ،‬في صور االجتيا الفارسي والتسالط الاداخلي ( صاقلية‬
‫كنموذ شهير) ‪.‬‬

‫ر ف وقة منعبقري مني د دي‬


‫االجتيا الفارسي كان بمثابة الزناد الذ قد شعلة الفلسفة اليونانية ‪ .‬كان زحف ( كزركسي‬
‫) الفارسي في القرن الخام قبل الميالد بركة عل الفكار االنسااني ‪ ،‬وكاان حرياق هيروشايما‬
‫مشعالا للسالم االنساني ‪ ،‬في تناق يفسر خرو الخير من رحم الشر ‪ ،‬ووالد الحيا من الموت‬
‫( يخر الحي من الميت ومخر الميت مان الحاي ) ‪ .‬والياوم يظهار خارو بناي اسارائيل مار‬
‫جديد ال مسر التاري كحدث كوني مثير ‪ ،‬يؤكد في شهاد صاعقة معن تفس الجسم العرباي‬
‫‪.‬‬
‫من التحد الفارسي ولدت العبقرية اليونانية ‪ ،‬ومن رماد هيروشيما بني السالم العالمي الهش ‪،‬‬
‫خلقا ا من بعد خلق ‪ ،‬وطبقا ا عن طبق ‪ .‬ومن اقتحام بوابة الشر عل يد العبرانيين الجدد ‪ ،‬النشااء‬
‫مصرف جديد ‪ ،‬محمي بمؤسسات البحث العلمي والصواري النووية ‪ ،‬وكل ثقل التحاد الغرباي‬
‫‪ ،‬في حر صليبية بدون صلي ورهبان ‪ ،‬يسخر التاري علا طريقتاه ويفاجئناا بالعجيا غيار‬
‫المتوقع ‪.‬‬
‫ولااد ماان رحاام العبقريااة اليونانيااة سلساالة ماان الفالساافة قباال سااقراط ‪ ،‬ماان نمااوذ ( تااالي‬
‫‪ ) THALES‬و ( زينون ‪ ) ZENON‬و ( هياراقليط ‪ ) HERACLITUS‬و ( فيثااغور‬
‫‪ )PYTHAGORAS‬و( امبيااااااااااااادوكلي ‪ ) EMPEDOCLES‬و ( اناكسااااااااااااايماندر‬
‫‪ )10() ANAXIMANDER‬الذين حاولوا فهم الوجود ووضع اليد عل العلة األول ‪ .‬سلسالة‬
‫الفالسفة اليونانيين قبال ساقراط حاولات اساتنطا الكاون ليباو بأسارار ‪ ،‬وتركات لناا الفلسافة‬
‫اليونانية تراثا ا كبيرا ا مازال يؤثر في الفكر االنساني حت اليوم ‪.‬‬

‫منلقيق عدق فيلو ف منتد ير نودغ‬


‫الحقيقة تشاكل دائار عنياد مستعصاية ‪ ،‬مليئاة بالتحاد أماام العقال االنسااني ‪ ،‬وأفضال طريقاة‬
‫لتطويقها ‪ ،‬واالقترا منها ‪ ،‬ومحاولة وضع اليد عل أسرارها ‪ ،‬هي من خالل الدوران حولهاا ‪،‬‬
‫وإرسال أشعة الفكر عل شكل خطي تما ‪ ،‬ينطلقان من خار الادائر ‪ ،‬مان نقطاة علا شاكل‬
‫شعاعين يلمسان حافة الدائر من الخار ‪ ،‬من نقاط النهائية تدور حول دائر الحقيقاة ‪ ،‬أو بكلماة‬
‫أد ( كاار الحقيقااة ) ‪ .‬يمكاان للعقاال االنساااني أن يماار فااي نقاااط النهائيااة ‪ ،‬فااي حركااة تحويمااه‬
‫الالنهائية ‪ ،‬مطوقا ا ضارعا ا جاثيا ا عل ركبتيه بخشوع مستنطقا ا رموز الحقيقة ‪ .‬كال مانساتطيع أن‬
‫نقوله أن الحقيقة نسبية ومرنة ونقتر ونبتعد منها بمسافة بقدر بذل الجهد ومراجعاة آلياات النقاد‬
‫الذاتي والشحن المعرفي واالتصال بالواقع كمرجع نهائي لها ‪ .‬لم يكن عبثا ا أن دفعنا القرآن للبحث‬
‫عنها في سطور ( األر ) من خالل ( آلية السير )‬
‫إن هذا جعل فيلسوف التنوير لسنغ من القرن الثاامن عشار يارى أن وضاع الياد علا الحقيقاة‬
‫النهائية عبث وجهد محال ‪ ،‬حت لو خيل الينا ذلك ‪.‬‬
‫تفكير من هذا النوع انقالباي وهاو الاذ وسام عصاور التناوير ‪ .‬كال مانساتطيع الحلام باه هاو‬
‫المحاولة الدؤوبة للوصول اليها ومعها الخطأ لزام لنا ‪ .‬كل ماعدا ذلك تعص وانحبا في مرباع‬
‫الاازمن ‪ ،‬وغاار فااي الجهاال ‪ ،‬وإيقاااف حركااة التطااور الحتميااة ‪ ،‬وبرمجااة الحاارو الداخليااة‬
‫واغتصا الرأ اخخر ‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫مراجع وهوامش ‪:‬‬
‫(‪ )1‬الثورات العلمية العظما فاي القارن العشارين ا انطاوان بطار ا شاركة المطبوعاات‬
‫للتوزيع والنشر ا ص ‪ )2( 455‬آرنولد توينبي ا تاري البشرية ا نقله ال العربية الدكتور نقوال‬
‫زياد ا الجزء األول ا األهلية للنشر والتوزيع ا ص ‪ )3( ) 230‬الكون ا كارل ساغان ا ترجمة‬
‫نااافع أيااو لااب ص ‪ 34 :‬ا سلساالة عااالم المعرفااة رقاام ‪ )4( 178‬الفلساافة للمبتاادئين باللغااة‬
‫االنكليزية ‪PHILOSOPHY FOR BEGINNER - BY RICHARD OSBORNE -‬‬
‫‪WRITERS AND READERS PUBLISHING , NY , ILLUSTRATED BY‬‬
‫‪ )5( RALPH EDNEY - PAGE 6‬كتاا ( ‪ ) CHRONIC‬باللغاة األلمانياة ص ‪436‬‬
‫وجرت هذ المذبحاة فاي ليلتاي ‪ 23‬و ‪ 24‬مان شاهر أغساط لعاام ‪ 1572‬م حياث أغلقات‬
‫أبوا باري وتم تعليم بيوت الهوجنوت ليالا ثم مهاجمتمهم وذبحهم وعائالتهم والقااء جثاثهم فاي‬
‫نهر السين ‪ .‬كان ذلك بإيعاز من كااترين د مديتشاي ( ‪ )KATHARINA DE MEDICI‬أم‬
‫الملاك هناار الثاااني وخلاادها الروائااي ميشااال زيفاااكو بقصااته ( باردليااان )(‪ )6‬مقالااة العبوديااة‬
‫المختار بقلم اتيين البواسييه ترجمة مصطف صفوان وتقديم بقلم جاودت ساعيد تطباع حالياا ا فاي‬
‫دمشق (‪ )7‬فيثاغور ا تأليف الدكتور مصطف غال ا منشورات دار مكتبة الهاالل ا بياروت ا‬
‫في سبيل موسوعة فلسفية ا ص‪ )8(14:‬سلسلة عالم المعرفة رقم ‪ 183‬مار ‪)9( 1994‬‬
‫راجاع قاامو الماورد طبعاة ‪ 1999‬ص ‪ 1003‬ولفظاة تيار ‪ TYR‬هاي الاه الحار فاي‬
‫الميثيولوجيا االسكندنافية (‪ )10‬الموساوعية الفلسافية المختصار ا نقلهاا عان االنكليزياة ‪ :‬فاؤاد‬
‫كامل ‪ +‬جالل العشر ‪ +‬عبد الرشيد صاد ا دار القلم ا بيروت ا ص ‪. 304‬‬

‫‪129‬‬
‫هرقليطس وقانون الصيرورة‬
‫الحرب هي أم كا ااشياء‪ .‬و لن يضع الملرء قدنله فلي نهلر واحلد نلرتين‪ .‬والكلو يقلوم عللى‬
‫الصراع الذي ينتهي باالتحاد والتناغم‪ .‬وهناك فليرورة نتدفقلة فلي الكلو ‪ .‬وكلا يلوم هلو فلي‬
‫شا ‪ .‬هذا نا قاله الفيلسوف اليوناني هيرقليطس الذي عافر قبلا نوتله أحلداثا ً جسلانا ً انتهلت‬
‫على حد السيف‪ .‬فقبا أ يموت بسنتين قام الملك الفارسي كزركسيس باجتياح بابا بعد حلدوث‬
‫تمرد فيها ليدنرها تلدنيرا ونعهلا تمثلال اإللله نلردوك اللذي كلا يتعبلده البلابليو ‪ .‬وقبلا ذللك‬
‫بثماني سنوات شهد حملة الملك الفارسي داريوس عام ‪ 490‬قبا الميالد على بالد اإلغريق التي‬
‫انتهت بمعركة ناراثو وهزيمة داريلوس وقبلا أ يملوت شلهد االسلتعدادات الضلخمة لحمللة‬
‫جديدة على بالد اإلغريلق‪ .‬وفلي علام نوتله ‪ 480‬قبلا المليالد شلهد الزحلف ااعظلم عللى بلالد‬
‫اليونا التي انتهت نرة أخرى بهزيمة ننكرة في نعركة سالنيس البحرية‪ .‬والرجا كلا يعليش‬
‫في آلسيا الصغرى تركيا الحالية في ندينلة إفسلوس ولعلله رأى نلرور الجيلوش الفارسلية فلي‬
‫ندينته‪ .‬وأهم نا تركه الرجا نن أفكار هي أ الكو يقوم على دورة طبيعيلة‪ .‬وتحكمله قوتلا ‪:‬‬
‫الحب والكفاح‪ .‬وكا شيء ينشأ نن هذا التنافس‪ .‬ونا نراه نن تباين ااشياء ترجع فلي النهايلة‬
‫إلى هذا الصراع الذي يوحلد ااضلداد فلي النهايلة‪ .‬وكلا يلرى أ الكلو يقلوم عللى فليرورة‬
‫نتدفقة فال يبقى شيء كما كا حتى ولو وضع اإلنسا قدنه في النهر فلن يكو هذا النهلر هلو‬
‫هو كما كا قبا لحظة‪ .‬وهو نحق نن هذا الجانب أ التدفق الكوني يقلوم عللى تلداخا المتغيلر‬
‫والثابت‪ .‬كما أ نبدأ التدافع أساسي في الوجود‪ .‬وجاء ذكر هذا في القلرآ نلرتين‪ :‬وللوال دفلع‬
‫هللا الناس بعضهم ببعض لفسدت اارض ولكن هللا ذو فضا على العالمين‪ .‬ولكن ليس نعنى هذا‬
‫أ تندلع الحروب‪ .‬وال يعني التلدافع القتلا بحلال‪ .‬ولكلن الرجلا علاش فلي زنلن سليطرت عليله‬
‫الحروب بدو توقف وكا الفكر اليونلاني فلي نلأزق يونهلا للو اجتلاح الفلرس بلالد اإلغريلق‪.‬‬
‫ويذهب البعض إلى أ نجاة بالد اليونا نن االحتالل الفارسي نهد الطريق لنشوء عبقرية بلالد‬
‫اإلغريق التي أينعت بأدنغة نثا سقراط وأرسلطو‪ .‬فلال يمكلن اي إبلداع أ يأخلذ طريقله وسلط‬
‫اإلكراه‪ .‬وننه يقول هيراقليطس إ الحرب تحدد نصائر النلاس أ يكلو سلادة أو عبيلدا‪ .‬وهلو‬
‫نحق بهذا‪ .‬فقد عاش الرجا في ظروف نرعبة نن جدل التاريخ‪ .‬وفكلرة الرجلا جوهريلة لفهلم‬
‫حركة التاريخ على ساقين أنه يتحرك بدو توقف وأنه يتحسن بدو توقف‪ .‬ولقد عنلي القلرآ‬
‫بهلذا الموضلوع فلاعتبر أ اافللا فللي اللدين أنلله ال يقلوم علللى اإلكللراه‪ .‬وانتبله لهللذا المللؤرخ‬
‫البريطاني توينبي فاعتبر أ اإلسالم جاء بشيء عجيلب للعلالم عنلدنا سلمح للمخلالف أ يبقلى‬
‫على قيد الحيلاة‪ .‬وللم يكلن هلذا المبلدأ نلن التسلانح الفكلري قائملا ً فلي العلالم يونهلا‪ .‬للم يفهلم‬
‫هيللراقليطس نللن النللاس جللديا ً وكللا حريصللا علللى تعتلليم عباراتلله ربمللا انلله كللا نللن عائلللة‬
‫ارستقراطية فترفع عن الناس العوام واعتبرهم جهلة ال يستوعبو (اللوجلوس) أي العقلا وأ‬
‫ثلالث آفللات تطفلليء النلار العقليللة‪ :‬النللوم والغبلاء والرذيلللة‪ .‬نللن المهلم أ نسللتوعب أ الفكللر‬
‫اإلنساني يتطور وال يقف عند فيلسوف واالكتشافات العقلية الرائعة التي وفلوا إليها فلي علالم‬
‫اللوجللوس ال تنتهللي واليللوم بعللد النللزاع الفظيللع بللين الللروس واانللريكيين فللي سللباق الفضللاء‬
‫يطبقو نبدأ هيرقليطس فتتحد ااضداد نن جديد لينطلقوا بمشروع عمالق لبناء نحطلة فضلاء‬
‫عالمية عام ‪ 2006‬للميالد وهللا غالب على أنره ولكن أكثر الناس ال يعلمو ‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫لحظة أرخميدس‬
‫هنن فضلك ال تفسد دوائري ?‪Noli,turbare circulos meos‬ه‬
‫هكذا خاطب ارخميدس الجندي الروناني الذي اقتحم بيته في زحملة الفوضلى وقرقعلة السلالح‪،‬‬
‫بعد أ سقطت سيراكوزة‪ ،‬عافمة فقلية تحت الهجوم الروناني‪ ،‬في الحروب البونية الثانيلة‪،‬‬
‫حين اختارت فقلية أ تقف إللى جانلب قرطاجنلة فلي الحلرب المصليرية نلع رونلا؛ فخسلرت‬
‫حريتها ودنرت قرطاج؟‬
‫كا جواب الجندي الروناني طعنة بالسيف أزهقت أنفاس العالم‪..‬‬
‫هكذا تقول ااسطورة!! ولكن الحقيقة يبدو أنها كانت نن نوع نختلف‪ ..‬فأرخميدس كا ضلالعا ً‬
‫في المقاو نة العسكرية‪ ،‬يسحق القوات الرونانية بمنجنيقات هائلة‪ ،‬ويلقي بالكماشلات العمالقلة‬
‫فتقضم نراكبهم‪ ،‬أو يرسا أشعة الشمس المركزة فيحرق سفنهم‪ ،‬وبذلك كلا يقاتلا أفضلا نلن‬
‫فرق عسكرية ندربة‪.‬‬
‫وسيف الجندي الروناني حين أفاب نقتله كا بالنسبة لرونا الرأس المطلوب‪.‬‬
‫ونن قصص الحرب العالمية الثانيلة الخفيلة نعلرف؛ أ نلن فجلر السلالح اللذري فلوق رؤوس‬
‫اليابانيين‪ ،‬لم يكن العسكر بقدر العلماء‪...‬‬
‫وهذا هي قصة المأساة التاريخية بين العسكر والعلماء والبساطر واادنغة‪..‬‬
‫وفي نشرقنا العربي ابتلينا بهذا الطاعو ‪ ،‬حين حكمت ااحذية العسكرية الحياة المدنية؛ فبارت‬
‫اانة وهلكت‪ ،‬وفسدت الحياة برنتها‪ ،‬فلم يعلد يعملا شليئ فلي البنيلة التحتيلة إال بالوسلاطة أو‬
‫الرشوة أو الدعارة وتدخا رجا المخابرات‪.‬؟‪.‬‬
‫عاش أرخميدس في القر الثالث قبلا المليالد‪ ،‬فلي وسلط المعلارك البونيلة التلي كانلت فلورة‬
‫الحروب العالمية في العالم القديم‪ ،‬تدور رحاها في حوض البحر اابيض المتوسط‪ ،‬بين الشلرق‬
‫والغرب‪ ،‬في ثالث دورات عجاف‪ ،‬عاشها ثلالث أجيلال‪ ،‬كلا واحلدة أشلد هلوال نلن التلي قبلهلا‪،‬‬
‫وختمت بتدنير قرطاجنة بعد نعركة زانا ‪ 164‬قبا الميالد‪ ،‬وفرار هانيبال إلى أنتوخيوس الثالث‬
‫في سوريا الحالية ثم انتحاره فيها‪ ،‬وحرق ندينة قرطاجة وحرثها حتى ااساس‪ ،‬وقتا أكثر نلن‬
‫‪ 400‬ألف نن سكانها‪ ،‬وأخذ خمسين ألفا هم نا تبقى ننهم عبيدا إلى رونا‪..‬‬
‫في هذه الحروب الضروس كا حظ فلقلية سليئا‪ ،‬ونعهلا قلدر العلالم الجليلا (أرخميلدس) فقلد‬
‫كانت فقلية في الطرف المهزوم‪ ،‬فخسرت الرها ودنرت واحتلت والحقت برونا‪..‬‬
‫ترك لنا أرخميدس روعات نن الكشوفات العلميلة؛ فهلو نلن فلتح الطريلق لرياضليات التفاضلا‬
‫والتكانا‪ ،‬وهو نن وضع لعبة لألطفال اسمها (ستوناشيو ) نن ‪ 14‬قطعة‪ ،‬تنقسم إلى نربعلات‬
‫النهاية لها في علم االحتماالت‪ ،‬لم يفكها إال أربعة علماء عام ‪2003‬م بعد عما ‪6‬أسلابيع وتبلين‬
‫أنها ‪ 17152‬احتماال‪.‬‬
‫وهو الذي أوفا الرياضيات إلى نا بعد الفافلة‪ ،‬في حساب نساحة الدائرة نلا علرف باللل (بلي‬
‫‪.)3.14‬‬
‫وهو الذي اكتشف قانو الرافعات‪..‬‬
‫ويقال أنه أنزل سفينة (سيراكوزيا) التي كانت تز ‪ 4000‬طنا بروافع يحركها بأفابعه؟! كأنها‬
‫الجا ‪.‬‬
‫وهو الذي كشف عن قانو (الكثافة النوعية) وقانو اإلزاحة؛ فكشف سر نقاوة تاج الملك‪ ،‬ها‬
‫كا ذهبا أو نغشوشا؟ فخرج نلن الحملام فلي لحظلة تجللي العبقريلة عاريلا يصلرخ (أوريكلا ‪..‬‬
‫أويريكا‪ ..‬أي وجدتها وجدتها؟)‪ .‬وهو الذي تكلم عن قانو الجاذبية بطريقته الخافة‪.‬‬
‫وهو الذي تصور الكو أنه نكو نن ذرات تبلغ عشرة نرفوعة إللى القلوة ‪ ،63‬وللم يكلن فلي‬
‫عصره نن يتصلور رقملا أكبلر نلن عشلرة آالف كلا يطللق عليله (الميلراد)‪ ،‬فلدفع أرخميلدس‬
‫اارقام الى الالنهاية‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫وبلغ نن ثقته بقوة قانو الرافعة أ قال؛ أعطوني نقطة ارتكاز في أي نكا ‪ ،‬وأنا سأحرك لكلم‬
‫الكرة اارضية؟‬
‫بكا أسف ضاعت كتب الرجا‪ ،‬ولم يبق ننها إال أقا القليا نما نقله العرب‪ ،‬وفي عام ‪2007‬م تم‬
‫اإلعال نن المعهد الفني في بالتيمور في أنريكا‪ ،‬بواسطة اثنين نن علماء الخطوط هما (ريفيا‬
‫نيتس و وليام نول) أ المخطوطة التلي عثلر عليهلا فلي بلاريس عنلد عائللة باعتهلا بلالمزاد‬
‫العلني للملياردير جيفري بيزوس بمبلغ ‪ 2.2‬نليو دوالر نؤسلس اانلازو نكتبلة االنترنلت‪،‬‬
‫أنها درست المخطوطة وفكت آخر أسرارها‪.‬‬
‫وبذلك بقي اسم أرخمديس أكثر نن رونا وقرطاج والحروب البونية‪ ،‬فهذا نصير العلماء‪ ،‬وتلك‬
‫نآل السياسة وأهلها‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫(مغامرات العقل اإلنساني‬
‫وأخطاء الفالسفة)‬
‫أرسااطو (الاادما األول) واألكباار رأى أن مركااز التفكياار هااو القل ا ‪ ،‬وأن الاادائر أفضاال شااكل‬
‫للدوران‪ ،‬وأن أفضل مناهج العقل هو (المنطق الصور )‪ ،‬وأن العبودية قدر إنساني؛ فأخطأ أربع‬
‫مرات في (البيولوجيا) و(الكوسمولوجيا) و(مناهج التفكير) و(االجتماع االنساني)‪.‬‬
‫ففي (من ب) علمنا أن مركز التفكير لي القل ‪ ،‬فهي ال تزيد عن عضلة صاماء‪ ،‬وبعملياات زرع‬
‫القل لم نالحظ أ تغييار فاي الشخصاية أو التفكيار‪ ،‬فثبات بطاالن رأ صااح (العقال األول)‬
‫بطريقة تجريبية بحتة‪.‬‬
‫وثبت (فلكي ً) أنه لاي أفضال حركاات الادوران كمااالا هاي الدائرياة‪ ،‬إذا لكانات حركاة األفاالك‬
‫والكواك كذلك‪ ،‬وتبين فلكيا ا أن أفضلها للدوران هي القطع النااقص االهليلجاي‪ ،‬بماا فيهاا حركاة‬
‫اإللكترون حول البروتون في الذر ‪ ،‬كما أثبت ذلك العالم (سومر فيلد) الفيزيائي عام ‪1948‬م‪.‬‬
‫والفر بين (الدائر ) و(القطع الناقص) يمكن فهمه بقطع عمود بشكل زاوية قائمة‪ ،‬أو علا نحاو‬
‫مائل‪ ،‬فالقطع األول هو الدائر ‪ ،‬والثاني هو الشكل األهليلجي‪.‬‬
‫ولم يتقدم منفكر مإلدو دد علم موجت ع؛ اال بالخرو من أقنية التفكير الخانقة والمسدود ‪ ،‬التاي‬
‫شادها أرسطو بطريقة المنطق (منص ري ) باعتماد (االستنباط ‪ )Deduction‬مان خاالل تدشاين‬
‫(من داج مووتقرمتد ‪.)Induction‬‬
‫وبقي الفكر اإلنساني معطالا مشلوال ألفي عام‪ ،‬حت ساد مثل السوء‪ ،‬حين يقول الناا ‪ ،‬عان عقام‬
‫أ محاولة للفهم والتفاهم بكلمة (الجدل البيزنطي)‪ ،‬أو عقم الفلسفة عموما بكلمة (ال تتفلسف؟!)‪.‬‬
‫والفر بين المنهجين هائل‪ ،‬يقتر األول فيه من الحقيقاة بتطبياق القاعاد مان فاو لتحات‪ ،‬أماا‬
‫االستقرائي فبالعك ‪ ،‬ويجمع المالحظات من الواقع‪ ،‬ليشتق منها قانونا عاما‪ ،‬قابالا للنمو‪.‬‬
‫وبالطريقة األول قاد االفترا الخاطيء مان بداياة خاطئاة إلا نتاائج كارثياة‪ ،‬وبالثانياة أمكان‬
‫وضع قوانين (االحتماالت)‪ ،‬الذ صااغه األلمااني (غااو ‪ ،)Gauss‬مان خاالل اعتمااد مانهج‬
‫ديكارت في الهندسة التحليلية‪ ،‬ورسم المخططات البيانية‪.‬‬
‫والقرآن لفت النظر إل (الواقع)‪ ،‬بالنظر إل األر كيف سطحت‪ ،‬وإل الجباال كياف نصابت‪،‬‬
‫واإلبل كيف خلقت‪ ،‬وأن صحة الكتا ستظهر من خالل آيات اخفا واألنف ‪.‬‬
‫وعند (محمد إقباال) الفيلساوف الهناد ‪ ،‬تعتبار كاالا مان (الطبيعاة) و(التااري ) مصاادر أساساية‬
‫للمعرفة‪.‬‬
‫وهو ما عاش عليه المسالمون وأهال الكتاا عموماا‪ ،‬حاين فكاوا النصاوص الدينياة عان الواقاع‬
‫والطبيعة والتاري ‪.‬‬
‫وحين يتعطل العقل عن فهم مصادر الحقيقة‪ ،‬ال تفيد أية حقيقة‪ ،‬فساعة يكون مثل الكل أن تحمل‬
‫عليه يلهث‪ ،‬أو تتركه تتركه‪ ،‬وساعة مثل الحمار يحمل أسفارا‪.‬‬
‫والكفر واإليمان هنا أصبحا مدارهما حول استخدام العقل لفهام مصاادر المعرفاة‪ ،‬أو تعطيال تلاك‬
‫الحوا ‪ ..‬فيمرون عل اخيات وهم عنها معرضون‪..‬‬
‫صم بكم عمي فهم ال يعقلون‪..‬‬
‫وهكذا يتحرر العقل من المسلمات‪ ،‬ويرتكن إل الواقع‪ ،‬فهو أصد من كل نص كتا عناه مهماا‬
‫كان مصدر ‪ ،‬ألنه النص األساسي الذ ال يقبل التحريف والتغيير‪.‬‬
‫كذلك فإن (منعب قي ) ليست خطأ كرموسومياا؛ كما تصور أرساطو‪ ،‬بال قادرا ا يتشاكل مان خاالل‬
‫ثقافة إنسانية مريضة‪.‬‬
‫ولم تتحرر البشرية من أسر العبودية بالنصوص‪ ،‬بل بالتطور التاريخي‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫وحس (توينبي) المؤرخ البريطاني فاإن اخلاة الصاناعية قاادت تلقائياا إلا الاتخلص مان اخلاة‬
‫العضلية‪ ،‬فهذا هو قدر التطور التاريخي‪.‬‬
‫واإلسالم قاد إل التعديلين األخيرين فساهم في تطوير حركة التاري ‪ ،‬مان خاالل دفاع العقال الا‬
‫مسار منهجية جدياد فاي العاود الا الواقاع ‪ ،‬ومان خاالل تدشاين الخطاوات األولا لتجفياف‬
‫مستنقعات الر ‪.‬‬
‫وما حصل تاريخيا أن المسلمين مشوا بعكا اتجاا القارآن ‪ ،‬وأصايبوا بعادوى المنااخ الموباوء؛‬
‫فحافظوا عل أسوا النخاسة ‪ ،‬فكس السبق االنساني غيرهم بإعالنه تحريار العبياد‪ ،‬كماا فعلات‬
‫كل من بريطانيا عام ‪ ،1833‬لتخو أمريكا بعدها بثالثاين سانة حرباا أهلياة ضروساا كلفات‬
‫‪ 600‬ألف قتيل إلطال العبيد‪.‬‬
‫ولم يصبح األسود بشرا سويا حت الخمسينات ماع ثاور (ر زم بي ركس) و( ي رت ني ثر كييدج)‬
‫باعتماد الحركة السلمية والعصيان في خمسينات القرن العشرين‪.‬‬
‫وقرأت للورد عالم االجتماع العراقي أنه أيام حكم األشاراف فاي مكاة‪ ،‬جااء توجياه مان الباا‬
‫العالي ا تحت ضغط بريطاني ا في إلغاء الر ‪ ،‬فشن الجمهور مظاهر صااخبة‪ ،‬أن هاذا مخاالف‬
‫للشريعة‪ .‬وكأن الشريعة جاءت لتكري العبودية‪..‬‬
‫وهذا يحكي أن النصوص يمكن أن تستخدم ضد النصوص‪ ،‬وبتعبير النيهوم إسالم ضد اإلسالم‪.‬‬

‫ركز منتفكير نيس منقلب‬


‫مركز التفكير نعرف اليوم أنه في الدما ‪ ،‬ولو زرعنا قلباا ا النساان التتغيار شخصايته ‪ ،‬ولاو‬
‫أجرينا جراحة عل الدما ‪ ،‬باستئصال الفص الجبهي عند آخر ‪ ،‬اختلت شخصيته واضطربت ‪.‬‬
‫ليست الدائر الشكل الكامل لحركة الكواك كماا تصاورها ارساطو وبطليماو ؛ فاي كارثاة‬
‫عقلية من هذا النوع اختنق التقدم العلمي ‪ ،‬ودشنت أكبر خرافة في تااري الجان البشار ‪ ،‬باأن‬
‫مركز العالم كرتنا األرضية ‪ ،‬كلفت أرسطو كلمات ‪ ،‬ولكان ( جيورداناو بروناو ) أحار بساببها‬
‫بالنار ذات الوقود ‪ ،‬إذ هم عليها قعود ‪ ،‬ولم يشق علم الفلك الطريق ال فضاء معرفاي جدياد بكال‬
‫إنجازاته التي نعاصرها ؛ لوال الخطوات المتواضعة ‪ ،‬في ضربات حاسمة لفكر من النوع دشنه (‬
‫المفكر األول ) ‪ ،‬في شهاد صاعقة عن جدلياة يجا أن نفهمهاا فاي حركاة التااري والفكار ‪ ،‬أن‬
‫الفكر يتقدم بالخطأ والتصحيح والحذف واالضافة ‪ ،‬فلي أحد فو الخطأ أو دون النقاد ‪ ،‬وطبيعاة‬
‫العلم تقدمية ‪ ،‬وماأنجز ارسطو في يومه كان ثوريا ا ولكنه أصبح الحقا ا مكبالا معيقا ا للفكر ‪.‬‬

‫مخف ق تقرير من صير ك ؤشر نتللل منلض رة‬


‫اعتباار المااؤرخ البريطاااني ( تااوينبي ) أن ساابعة أماارا قاتلااة تاارتهن المصااير االنساااني ‪،‬‬
‫وتورط االنسان في مر ( إخفا تقرير المصير) ‪ ،‬لعلها كلها تص في صور مختلفة للوثنياة‬
‫‪ ،‬من عباد ( الذات الفانية ) و ( عباد تكنولوجيا ) سبقها الزمن أو ( اسلو تجاوز التاري ) أو‬
‫( نشو النصر ) والوقوف عندها بعد أن انطفأ لونها وغابت ريحتها وعفنت ‪ .‬يبدو أن حاسة الشام‬
‫تعمل بطريقة عجيبة ‪ ،‬فاألنف يعتاد عل أقبح الروائح أذا استمر في الشم لفتر دقيقتاين ‪ .‬وحاساة‬
‫الشم التاريخية تؤد نف الدور ‪ ،‬عنادما يتجماد العقال فاي مرباع االعتيااد وااللفاة ‪ ،‬وهاو أحاد‬
‫امتدادات مر ( اخبائية ) إنا وجدنا آباءنا عل امة وانا عل آثارهم مهتدون ‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫منجقل منبيزد د عقي ً ؟‬ ‫ن ذم ك‬
‫تقدم ( يوهان كبللر ) بتفسير حركاة الكواكا حاول الشام بالشاكل االهليلجاي ‪ ،‬كماا تقادم‬
‫سومرفيلد برسم نف الحركة لدوران االلكترون حول نوا الذر ‪ ،‬ولم يكن العلم ليتقدم لوال كسار‬
‫شرنقة المنطق الصور االرسطاطالي البيزنطي العقيم ‪ ،‬بفتح طريق ( سريع ) جدياد للعقال مان‬
‫خالل المنهج االستقرائي ‪ ،‬وهو توجه قرآني عموما ا ‪ ،‬كما أشار ال ذلك اقبال فاي كتاباه ( تجدياد‬
‫التفكير الديني ) ‪.‬‬

‫يج ق منعقل ؟‬ ‫من داج منص ري ورو‬


‫يورط في أخطاء قاتلاة ‪ ،‬باعتمااد مقادمات قاد تكاون كلهاا مبنياة علا‬
‫المنهج االرسطاطالي ِّ‬
‫سيقان من صلصال من ف مخار ‪ ،‬فهو يضع مقدمة عريضة من فو ليتقدم ال نتائج فرعية صغير‬
‫ال تحت ‪ ،‬كله منطلقا ا من القواعد النظرية ‪ ،‬التي يمكن النقاش فيها بدون نتيجة ال يوم يبعثون ‪،‬‬
‫مما جعله موضع سخرية ‪ ،‬بأنه اسلو عقايم غيار مناتج ‪ ،‬وأخاذ اسام ( النقااش البيزنطاي ) هال‬
‫الدجاجة من البيضة ؟ أم البيضة من الدجاجة ؟ وماهو جن المالئكة هل هم ذكاور أم أنااث ؟ إن‬
‫النقاش في مواضيع من هذا النوع التتقدم بأنتا الحلول ؛ اال بإلغاء كل الحلول ‪.‬‬

‫بيع من داج مووتقرمتد‬


‫المنهج االستقرائي يمشي بطريقة مقلوبة مان الواقاع الا العقال ‪ ،‬ويمتااز بأناه يتطاور ‪ ،‬مان‬
‫خالل بنية ثورية نامية متدفقة ‪ ،‬من خالل تطوير ونمو القانون ؛ فمن جماع الوقاائع يتولاد تفساير‬
‫يجمع حركتها ‪ ،‬ويعلل آلياتها الخفية ‪ ،‬ولكان هاذا يمشاي فاي زاوياة منفرجاة ‪ ،‬بحياث إذا تعضال‬
‫تفسير ظاهر التنتظم مع هذا المحتوى ‪ ،‬يتولد تفسير أو قامون أعظم جدلياة فاي لضام خايط كال‬
‫هذ الظاهرات ‪.‬‬
‫المنهج االستنباطي يمشي في زاوياة حااد لالسافل ‪ ،‬يازداد ضايقا ا ماع التقادم بالحركاة العقلياة‬
‫والمنهج االساتقرائي يمشاي باتحاا معااك ‪ ،‬الغراباة أن حصالت أكبار قفاز عقلياة فاي تااري‬
‫مغامرات العقل االنساني ‪ ،‬من خالل تطوير هذ الطريقة من التفكير ‪ ،‬منذ أياام فرانساي بيكاون‬
‫وديكارت ‪.‬‬
‫عالم الانف السالوكي ( ف ‪ . .‬ساكينر ‪ )1() F.B. SKINNER‬اعتبار أن فيثااغور أو‬
‫تالي لو حضرا وجلسا في قاعاات محاضارات طلباة الجامعاة ‪ ،‬لان يعجازا عان متابعاة النقااش‬
‫واالشااتراك فيااه ‪ ،‬ولكاان ( فيثاااغور ) سيصااا بالااذهول أي ان وصاال علاام ( الكوساامولوجيا‬
‫‪ ) COSMOLOGY‬الذ كاان أول مان أعطاا اسامه ‪ ،‬وأراد أن يصال الا جاوهر ( التنااغم‬
‫الكوني ‪ ) HARMONY‬من خالل عالقة العدد بالموسيق (‪)2‬‬

‫منقفزة منفلكي نعل م من بيع‬


‫أرسطو سيُعقد لسانه وهو يصغي ال خرافاته في مركز التفكيار أناه القلا ‪ ،‬ليارى عالقاة‬
‫الفكاار بالاادما ‪ ،‬وعاادد الجينااات ( ‪ )3() 3195‬التااي كشاافت حتا اخن فااي الاادما ‪ ،‬مقاباال‬
‫‪ 297‬لالمعاء والمر ء ‪ 76‬والقل ‪ ، 1195‬وأن القل اليزيد عن عضلة محترمة صبور‬
‫في ض الدم ‪ ،‬وأن مركز التفكير لي في الكبد وال في القل ‪ ،‬وأن الدما يشاكل مركاز التفكيار‬
‫من خالل الماد الرمادية في الدما ‪ ،‬تحو مايزيد عن مائة ملياار بطارياة متوهجاة ‪ .‬سايتعج‬
‫أبو النظرية الفيزيائياة ( ديماوقريط ‪ ) DEMOCRITUS‬أيان وصالت محطاة األبحااث فاي‬
‫الفيزياء النووية ‪ ،‬بعد أن تم سبر نوا الذر والكشاف عان ( دزيناة ) مان ماواد دون ذرياة مان (‬
‫الكوارك واللبتونات ) من خالل ميكروسكوبات الماد ( المسرعات ) بأنفا تحات األر تصال‬
‫ال عشرات الكيلومترات (‪ ) 4‬اما افالطاون مؤسا ( االكاديمياة ) فسايرى نفساه اليفقاه تماماا ا‬

‫‪135‬‬
‫كيف نشأت مؤسسات عمالقة من نموذ ( الجينوم البشر ‪ ) H.G.P‬بكلفة ثالثة مليارات دوالر‬
‫‪ ،‬أو مشروع ( جريج فنتر ‪ ) CRAIG VENTER‬عن فاك الشايفر الوراثياة لكال المخلوقاات‬
‫قاطبااة وأرشاافتها ‪ ،‬ماان الفياارو والنبااات ‪ ،‬ماارورا ا بالساامك المخطااط والجاارذان ‪ ،‬وانتهااا اء‬
‫بالشمبانز واالنسان ‪ ،‬في مكتبة لم يحلم بها كل فالسفة اليونان مجتمعين ‪ ،‬واألخير يحاول حاليا ا‬
‫في قفز علمية جريئة أن يرك خلية حية مخبريا ا ‪.‬‬
‫ن ذم نم تت ر منعل م مودو دي بدفس منزخم ؟‬
‫عالم النف السلوكي ( سكينر ) يحاول تفسير هذا التناق ‪ ،‬بين التطور الفلكي الخرافي لعلوم‬
‫الطبيعة ‪ ،‬مقابال النماو القازم للعلاوم االنساانية !! هال هاو فاي الطبيعاة المعقاد والعنياد للعلاوم‬
‫االنسانية الحافلة باالسارار ؟ أم أناه اخطاأ فاي توجهاه ؟ فبادل تساليط باؤر االهتماام الا داخال‬
‫االنسان ‪ ،‬اندفع محور خار االنسان ال الطبيعاة ! أم أن األمار متوقاف علا تطاوير األدوات‬
‫المعرفيااة ؛ فكاال علاام يتطلاا أدوات خاصااة بااه نوعيااة ؟ ومااانم حتاا اخن فااي الفيزياااء‬
‫والكوسمولوجيا والفيزيولوجيا وأبحاث الجينات ‪ ،‬هو بكل بساطة توفر هائل في أدوات سابر هاذا‬
‫الحقاال المعرفااي ‪ ،‬فااال يمكاان فااتح جمجمااة اليااوم بااأدوات فرعونيااة ‪ ،‬واليمكاان دراسااة اخثااار‬
‫االركيولوجية بادون االعتمااد علا تقنياة الكرباون ‪ 14‬الاذ يحادد أعماار األشاياء ‪ ،‬واليمكان‬
‫إصال شريان بدون مالقط ناعمة ومواد صناعية مان مااد ( الجاورتك ‪)5()GORE-TEX‬‬
‫واليمكن رؤية السماء بالعين المجرد بعد تطور التلسكوبات ‪ ،‬فلم تعد العاين الجدياد حساير بال‬
‫اخترقت سجف الفضاء ال مسافة مليون سنة ضوئية ‪.‬‬
‫سكينر لم يقدم إجابة قاطعة واضحة ‪.‬‬
‫نتصبح ركز مشع ع ثق فد‬ ‫موتقرمر منفيلو ف فد كريت‬
‫ترك فيثاغور مجموعة من المحرمات كان يمارسها مع تالمذته في مدرسته التي أنشأها فاي‬
‫( كريتون ) جنو إيطاليا ‪ ،‬بعد رحلة التطواف المديد في اخفا ‪ ،‬لايحط عصاا الترحاال ويبادأ‬
‫في االشعاع الثقافي في بيئة جديد بدون سوابق ‪ ،‬وفي وداع الرجعة فيها من ( سامو ) مدينتاه‬
‫التي ولد فيها وترعرع ‪ ،‬عل حذر مان الناا والنظاام السياساي ‪ ،‬باعتباار تجارباه الساابقة ماع‬
‫الديكتاتوريات في اليونان ‪ ،‬معتمدا ا فقر حكيمة من االنجيل ‪ :‬هاآنذا أرسكم في وسط مجموعة من‬
‫الذئا ؛ فكونوا حكماء كالحيات بسطاء كالحماام ؟ نحان نعارف بسااطة الحماماة ونعارف الغادر‬
‫واألذى من الحية ‪ .‬نحن لم ننتبه ال صبرها المرع كأنها ميتة لساعات بانتظار الفريسة ‪.....‬‬
‫ولكن االضطرابات الحقت الفيلسوف ال موطنه الجديد ‪.‬‬
‫فيثاغور كان يوصي أن اليبو االنسان بأفكار اال في صورتين ‪ :‬شفهية ولمن يثق باه مان‬
‫القليلين من حوله ‪ ...‬بكل أسف طبق هذا المبدأ بصرامة فحرمنا من مؤلفات نبكي عل تحصيلها ‪.‬‬
‫كااال ماحااادث أن تالمذتاااه بعاااد نقلاااوا أفكاااار فساااجلها ماااؤرخ مااان نماااوذ ( اكسااانوفون‬
‫‪. )XENOPHON‬‬

‫مراجع وهوامش ‪:‬‬


‫(‪ )1‬يراجع كتا ( تكنولوجيا السلوك االنساااني ) تااأليف عااالم الاانف األمريكااي ف ‪ . .‬سااكينر ا سلساالة عااالم‬
‫المعرفة (‪ )2‬يراجع كتا الثورات العلمية في القرن العشرين ا تأليف انطوان بطر ا شركة المطبوعات للنشاار‬
‫(‪ )3‬مجلة الشبيجل األلمانية عاادد ‪ 37‬عااام ‪ 1998‬م ص ‪ ) )4( 273‬معهااد ساارن ‪ CERN‬فااي سويساارا‬
‫يمتد بنفااق تحاات األر بطااول ‪ 23‬كيلااومتر (‪ )5‬ماااد صااناعية ماان ماااد ( عديادات االتيلااين رباعيااة الفلااور‬
‫‪ ) polytetraflurethyline‬ويرمز لها با (‪ )PTFE‬وتستخدم في تعوي الشرايين التالفة وكانت معضاالة هائلااة‬
‫لالطباء في االستعاضة عن الشرايين الكبير قبل اكتشاف هذ الماد ‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫تبحر الفلسفة‬

‫فكر وقرم ؟‬ ‫هل ي ثل مفال‬


‫نف الشيء حصل مع ( سقراط ) فلم يترك أثرا ا سوى ماسجله تلميذ افالطون في كتابه (‬
‫المحاورات ) أو اخخر ( آخر أيام سقراط )(‪ )1‬وفي رأ عالم االجتماع العراقي ( علي الورد‬
‫) أن افالطون اليمثل فكر سقراط بحال ‪ ،‬وهو أقر ال قصة معاوية بعد الحكم الراشد ‪ ،‬فهو‬
‫استغل اسم سقراط كي يضر الديموقراطية واتجا ( السفسطة ‪ ) THE SOPHISTS‬الذ‬
‫نجح في ضر سمعته أنه نموذ للتفكير العقيم ‪ ،‬والكالم الفار ‪ ،‬والتالع بالحجج ولم يكن‬
‫كذلك ‪.‬‬
‫ودء لق ً ؟‬ ‫هل متج ه منوفو‬
‫( بروتاجورا ‪ ) PROTAGORAS‬و ( ثراسي ماخو ‪) THRASYMACHUS‬‬
‫قطبا اتجا ( السفسطة ) طرحا مجموعة من األفكار االنسانية قضت عليهما ( االكاديمية )‬
‫االفالطونية جملة وتفصيالا ولطخت سمعتها أنها نموذ التالع بالحجج في ترسي ( المراء )‬
‫مدرسة السفسطة امتازت بامور من ‪ :‬اعتماد الحقيقة النسبية ‪ ،‬وأن العدل صيرور اجتماعية بين‬
‫تنازع المصالح كما رآها ( مونتسكيو ) المشرع الفرنسي في التوازن بين ( الصد والموازنة‬
‫‪ ) CHECK & BALANCE‬وإنكار عباد األوثان األغريقية ‪ ،‬وأن االنسان مقيا كل شيء‬
‫؛ فانتقل حل المشكلة االجتماعية من السماء االفالطونية وعالم ( المثل والفي ) ال الواقع‬
‫االجتماعي ال األر ‪ ،‬وأن الحقيقة االجتماعية غير الرياضية ‪ ،‬وأن الشك مبدأ اليقين مما‬
‫يجعلهم ( حنفاء ) العصر اليوناني قبل إشعاع فكر سقراط عل الحيا اليونانية ‪ ،‬وقاموا بأربع‬
‫تطبيقات عملية هامة ‪ :‬من (‪ )1‬تبسيط العلوم و(‪ )2‬تدشين مهنة المحاما و(‪ )3‬بناء‬
‫الديموقراطية و أخيرا ا (‪ )4‬إتقان فن السياسة العملية ‪.‬‬
‫يقعم متج ه منوفو‬ ‫راي برجو‬
‫يقو برجسون اتجا السفسطة بقوله ‪ ( :‬إن المنطق الرياضي عاجز عن إدراك مافي الحقيقة‬
‫يحللها ال‬
‫من صيرور دافقة ‪ ،‬وحركة غائية ؛ فهو يجز ء الحقيقة ال أجزاء متناثر ‪ ،‬أو ِّ‬
‫عناصرها األولية ‪ ،‬وبهذا يفقدها نغمة الترابط والتكامل الكامنة فيها )(‪ )2‬ديكارت فيلسوف‬
‫التنوير الفرنسي كان يردد ‪ ( :‬عاش سعيدا ا من بقي في الظل ) والحقته الكنيسة ال ثلو السويد‬
‫في بالط الملكة كرستينا فسممته بالزرني ‪ .‬وحين قدمم ابن طفيل ( ابن رشد ) ال مجل الملك‬
‫الموحد ( أبو يعقو ) سأله عن بع األمور فتظاهر بأنه من الجاهلين ‪ .‬التظاهر با ( الهبل )‬
‫مفيد أحيانا ا في مجتمع خانق اليسمح بالتفكير ‪ .‬لعل هذا هو منشأ فكر قديمة كنت اسمعها في‬
‫الوسط الذ نشأت فيه ممن حولي يكررونها ‪ ،‬عندما كنت يافعا ا وأصابني داء عشق المعرفة‬
‫واالستزاد منها ؟ من يقرأ كثيرا ا يُجمن ؟ لي من العبث أن القرآن يذكر في أكثر من مر أن‬
‫رسوله لي بمجنون ( فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن والمجنون )(‪. )3‬‬
‫صيب وي رة منفكر منق غ تد‬
‫كوبرنيكو اكتحلت عينا بكتابه عن دوران األر قبل موته بساعة بعد أن اجل طباعة‬
‫الكتا ثالثين سنة ‪ .‬ابن تيمية ضر بالنعال عل المنبر فطارت عمامته ‪ ،‬وأخذ ال قاضي‬
‫المالكية للتعزير ‪ ،‬كما وصف ( ابن بطوطة ) المعركة التي رآها في مسجد في دمشق ‪ ،‬وهو‬
‫يتعج من هذا الجنون ‪ ،‬فسجل مالحظته عنه بعنوان ( قصة لوثة فقيه ) ‪ .‬الفيلسوف اسبينوزا‬
‫من أعمد التنوير في القرن السابع عشر للميالد التجأ ال هولندا واتهم بالزندقة ‪ ،‬وأنه يكت كتابا ا‬

‫‪137‬‬
‫يثبت فيه االلحاد وعدم وجود هللا ‪ ،‬وكتبت فيه الطائفة اليهودية قرار لعنة اليبق واليذر ‪ ،‬لكل من‬
‫يتعامل معه ‪ ،‬أو يقتر منه لمسافة أربع أذرع زياد في التحديد ‪.‬‬
‫هذا الحذر الشديد كان من سمات العصر ضد رو العلم ؛ فالتيار الدوغمائي المسيطر كان ضد‬
‫حرية الفكر وتبحر الفلسفة ‪.‬‬
‫سقراط تجرع سم الشوكران ‪ ،‬وفيثاغور ذبح ‪ ،‬وهيباتيا ضربت حت الموت ‪ ،‬وسبنوزا‬
‫طعن في رقبته ‪ ،‬واالمام ابن حنبل عذ قريبا ا من الموت ‪ ،‬واالمام مالك جلد ‪ ،‬وديكارت وأبو‬
‫حنيفة كالهما سمم ‪ ،‬وجيوردانو برونو أنه حياته عل النار ذات الوقود ‪ ،‬إذ هم عليها قعود ‪.‬‬
‫عدق تش رك من راة منبلث منعل د !‬
‫فيثاغور بقي لمد ثالثين عاما ا يتجول في األر ويمأل جعبته من العلم خار أر اليونان‬
‫وسيطر الطغيان ؛ فاستفاد من علماء الفلك في بابل ‪ ،‬وأنصت باهتمام ال كهنة مصر ومستوى‬
‫علمهم في الهندسة والط ‪ ،‬وتشر التصوف من حكماء الهند ‪ ،‬وعشق جمال سوريا وأسرار‬
‫الصحراء في جزير العر ‪ ،‬وكان كما وصفه هيرقليط أكثر الباحثين مثابر ودأبا ا ‪ ،‬وحينما‬
‫حط عصا الترحال أخيرا ا في ( كريتون ) في جنو إيطاليا ‪ ،‬ودع بالد بدون أمل العود ‪ ،‬أس‬
‫مدرسة انتس إليها الذكور واالناث عل حد سواء ‪ .‬وصفت النساء التي تخرجت من مدرسته‬
‫بأنهن أعل نموذ في األنوثة أخرجته بالد اليونان في جميع العصور ‪.‬‬
‫عالق منري ضي ت ب ن ويقى‬
‫اعتمدت مدرسة فيثاغور العدد مفتاحا ا لفهم الوجود ؛ فالكون كله مكتو بلغة األرقام ‪،‬‬
‫وأجمل اكتشافاته في العدد عالقة الرياضيات بالموسيق ‪ .‬شد فيثاغور أذنه في سو الحدادين‬
‫ال تباين النغمات ؛ فنقلها ال الوتر والقيثار ‪ .‬لقد الحظ أن طول الوتر له عالقة بالنغم ‪ ،‬ويمكن‬
‫بالتالي وضع مجموعة من األوتار بأطوال مختلفة لنحصل عل أنغام تنوعة تطربنا ‪ .‬إن فلسفة‬
‫الرقم هنا تدخل بشكل أساسي في منح الوتر نغمه المميز ؛ فيمكن أن نداع األوتار لنخر أنغاما ا‬
‫متتابعة تحيي الرو ‪ .‬ربط فيثاغور بين الفيزياء والنف ؛ فدخل ال الرو عن طريق‬
‫الموسيق ‪ ،‬وعالج مرضا بالموسيق ‪ ،‬وهي اليوم طريقة مطبقة في معالجة المرض النفسيين ‪.‬‬
‫منتعقق منت لق فد منع نم‬
‫رأى الفيلسوف ( طالي ) الذ بزغت الفلسفة اليونانية في عصر قبل مرحلة الثالثي (‬
‫سقراط ا افالطون ا أرسطو ) أن التعدد في العالم خلفه توحد ‪ ،‬وهي الفكر التي سحرت‬
‫جيوردانو برونو الحقا ا في جدلية الوحد والتعدد ‪ ،‬وأن التعدد يخفي خلفه توحدا ا منسجما ا ‪ .‬رأى‬
‫طالي أم مصدر األشياء وأصلها الماء ‪ .‬ورأى ( هيرقليط ) أن النار مصدر العالم ‪ ،‬وذه‬
‫فيثاغور ال سر العالم في الرقم ‪ ،‬ومض ( ديموقريط وبامينيد & ‪DEMOCRITUS‬‬
‫‪ ) PARMENIDES‬أن الكون مرك من ذرات صلبة التختر ومتحركة وهي أصل بناء‬
‫الكون ‪ ،‬وعندما نقطع التفاحة فهذا يعود ال وجود الفراغات بين الذرات وبدونها النستطيع تقطيع‬
‫األشياء ‪ .‬وأيقن ( امبيدوكلي ‪ ) EMPEDOCLES‬أن العالم مكون من اربعة عناصر هي‬
‫الماء والترا والنار والهواء ‪ ،‬كما أن أمزجة البدن مكونة من أربعة أخالط ‪ ،‬هي الدم والبلغم‬
‫والصفراء والسوداء ‪ ،‬في حركة تقدي للرقم أربعة ‪ ،‬وذه في تأكيد نظريته ال الدخول في‬
‫بركان ( اتنا ‪ ) ETNA‬شخصيا ا ليتفحم فاليبق منه سوى نعله ‪.‬‬
‫نغ من بيع منري ضي ت ممرق م لوب غ نيل ؟‬
‫في العصر الحديث رأى ( غاليلو ) أن الطبيعة كلها مكتوبة بلغة معادالت ‪ ،‬وحلم ديكارت في‬
‫في تحويل يقين العلوم الرياضيات ال العلوم األخرى ‪ ،‬بما فيها فهم النف االنسانية ‪ ،‬وحاول‬
‫آينشتاين في مدى عشرين سنة أن يدمج قوانين الكون في قانون توحيد ‪ ،‬ويسع اليوم الدما‬
‫البريطاني النابغة ( ستيفن هوكنج ) أن يدمج قوى الكون األساسية الخمسة ( الكهرباء ا‬
‫المغناطي ا الجاذبية ا قوى النوا القوية والضعيفة ) في قو واحد أساسية ‪ ،‬كانت هي‬

‫‪138‬‬
‫المسيطر عل الكون بعد االنفجار العظيم ‪ ،‬ويحاول هوكنج اليوم دمج أعظم علمين هما ( النسبية‬
‫) و( ميكانيكا الكم ) في قانون واحد يفسر به الوجود ‪.‬‬
‫تع نيم فيث غ رس‬
‫فيثاغور وضع في مدرسته مباد ء صارمة للترببية الروحية بد اء من طي المرء لفراشه بعد‬
‫قيامه من نومه ‪ ،‬مرورا باالنقطاع عن تناول أكل اللحوم ‪ ،‬وانتها اء بأشياء اعتبرت اعتباطية ‪،‬‬
‫غير قابلة للتفسير ‪ ،‬منها عدم الجلو عل رطل ‪ ،‬وعدم لم الديك األبي ‪ ،‬وعدم األكل من‬
‫رغيف كامل ‪ ،‬أوعدم األكل من الفول األخضر أو ( دخول حقله ) بتاتا ا ‪ .‬األخير فعله الفيلسوف‬
‫التزاما ا بمبادئه مضحيا ا بنفسه لذلك ‪.‬‬
‫علم الجينات الحديث أماط اللثام بعد مرور ‪ 2500‬عاما ا عن هذا السر ؛ ليعترف للفيلسوف‬
‫بصحة الرأ ‪.‬‬
‫جزيرة ورقيدي فد منربيع‬
‫في سردينيا مع تفتح أزهار الربيع الجميل ونمو نبات الفول األخضر ‪ ،‬تستيقظ الطبيعة كلها اال‬
‫االنسان ؛ فيالحظ خموالا غير عاد ‪ ،‬وكسالا بين الطال ‪ ،‬ووهنا ا غير قابل للتفسير ‪ ،‬ونوع من‬
‫الوخم والعجز عند النا ‪ ،‬يصل ال حد تبول الدم ‪ ،‬وموت البع مع آالم بطنية صاعقة ‪.‬‬
‫تحذير الفيلسوف فيثاغور النا من أكل الفول لم يكن عبثا ا ‪.‬‬
‫جاءت بعثة علمية (‪ )4‬تدر بنية أهالي سردينيا النقية وراثيا ا لتكتشف شيئا ا مذهالا ‪%30 .‬‬
‫من النا يحملون جينات مرضية تسب فقر الدم المنجلي ( ‪SICKEL-CELL -‬‬
‫‪ ) ANAEMIA‬وهو مر تعط فيه الكريات الحمر ‪ ،‬وتأخذ شكل منجل الحصاد ‪ ،‬في‬
‫صور مذبحة للكريات الحمر وماحوت ‪ ،‬لتضعف بنيتها وتهش ‪ ،‬وتتفجر من أسبا منوعة منها‬
‫الحساسية من أكل ماد الفول األخضر ‪.‬‬
‫لقد تبين أن سب تحلل الدم ‪ ،‬بتصدع بناء الكرية الحمراء ‪ ،‬من انهيار ( سقالة التأسي ) في‬
‫بناية الكرية الحمراء ‪ ،‬سببه خلل في موضع واحد من خارطة ‪ 574‬حم أميني تشكل كامل‬
‫خريطة الهيموغلوبين ‪ ،‬العمود الفقر للكرية ‪ ،‬وعرف أن هذا التحلل في الخريطة سببه الجينات‬
‫التي تهند الوراثة في نوا الخلية ‪.‬‬
‫بعد ‪ 2500‬سنة من مصرع الفيلسوف فيثاغور يكشف العلم اللثام عن سر الخطر في أكل‬
‫الفول عند بع النا ‪ .‬الفر بين رؤيا الفيلسوف ورؤية العلم ‪ ،‬أنه رأى الظاهر فحلملها بشكل‬
‫عام وح مذر ‪ ،‬وهو مايعرفه علم النف بظاهر ( الجشتالت ‪ ) GESTALT‬أما العلم فإنه عرفها‬
‫عل وجه التحديد ‪ ،‬وهو في الطريق اخن ربما خالل العقود القادمة للسيطر عليها نهائيا ا ‪،‬‬
‫وستعلمن نبأ بعد حين ‪.‬‬
‫اليعني أن كل مارآ الفيلسوف صحيحا ا ‪ ،‬والكل ماتنبأ به صادقا ا ‪ ،‬ولكنها اخليات الخفية خلف‬
‫المحرم والممنوع ‪ ،‬فاليأتي من فرا ‪ ،‬ثم يتقدم عبر الزمن ؛ فيدخل عليه التحريف والجمود‬
‫والتكل االيديولوجي ‪ ،‬فاليكاد يعرف االنسان أصول األشياء ‪ ،‬ومن أين جاءت ؟؟ وفي قصة‬
‫هذا الفيلسوف الرائد عظة عن معن هذ اخلية الخفية ‪.‬‬
‫رمجع ه م ش ‪:‬‬
‫مندشر ) منق هرة ي ترج زكد دجيب‬ ‫‪ ،‬دشر ( نجد منتأنيف منترج‬ ‫(‪ )1‬رمجع كت بد ل رمت مفال‬
‫ل ق ي كت ب آخر اي م وقرم ي دقله منى منعربي ال ق منشيب دد ي دشر قمر منكت ب منعربد (‪ )2‬ازن منعقل‬
‫منبشري ي علد من رقي ي قمر ك ف نلدشر ي ص ‪ )3( 165‬و رة من ر (‪ )4‬ترمجع منقص فد كت ب منتدبؤ‬
‫من رمثد ولول ع نم من عرف ‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫الفيلسوف الفارابي‬
‫جاء في كتاب وفيات ااعيا البن خلكا أ الفارابي لمللا ورد علللى سلليف‬
‫الدولة وكا نجلسه نجلس الفضالء في جميع المعارف فأدخا عليه وهللو‬
‫بزي ااتراك وكا ذلك زيه دائما ً فوقف فقال له سيف الدولللة‪ :‬اقعللد‪ .‬فقللال‬
‫حيث أنا أم حيث أنت؟ فقال حيث أنت‪ .‬فتخطى رقاب الناس حتى انتهى إلى‬
‫نسند سيف الدولة وزاجمه فيه حتى أخرجه عنه‪ .‬وكللا علللى رأس سلليف‬
‫الدو لة نماليك وله نعهم لسا خاص يسارهم به قللا أ يعرفلله أحللد‪ .‬فقللال‬
‫لهم بذلك اللسا ‪ :‬إ هذا الشيء أخرق قد أسللاء اادب وإنللي نسللائله عللن‬
‫أشياء فإ أفلح في اإلجابة فاتركوه وإ لم يوف به فعليكم بلله‪ .‬وكللا هللذا‬
‫يعني القتا في عيو الحرس‪ .‬فخاطبلله أبللو نصللر الفللارابي بلنفس اللسللا‬
‫قائالً أيها اانير ال تعجا وافبر فإ اانور بعواقبها فتعجب سيف الدولللة‬
‫ننه وقال له وها تحسن هذا اللسا ؟ فقللال أيهللا اانيللر للليس هللذا اللسللا‬
‫وحسب با أحسن أكثر نللن سللبعين لسللاناً‪ .‬فعظللم فللي عللين اانيللر‪ .‬ثللم إ‬
‫الفارابي أخذ يتكلم نع العلماء الحاضرين في المجلس في كا فن‪ .‬فلم يللزل‬
‫كالنه يعلو وال يعلى عليهم وكالنهم ينزل ويسفا حتللى فللمت الكللا وبقللي‬
‫يتكلم وحده‪ .‬عند ذلك خشع القوم والتفتوا إلى أوراقهللم فبللدأوا يكتبللو نللا‬
‫يقوله لهم فصرفهم سيف الدولة وخال به‪ .‬فقال له ها أحضللر لللك الطعللام؟‬
‫قال ال حاجة لي به‪ .‬قال فها تشرب قال ال‪ .‬قللال فهللا تسللمع فأعطيللك نالللذ‬
‫نن اانغام؟ قال نعم‪ .‬فأنر سيف الدولة بإحضار الفتيللا فحضللر كللا نللاهر‬
‫في هذه الصناعة بأنواع المالهي‪ .‬فلم يحرك أحد ننهم آلتلله إال وعابلله أبللو‬
‫نصر الفارابي وقال له أخطأت‪ .‬فقال له سيف الدولة‪ :‬وها تحسن في هللذه‬
‫الصناعة أيضاً؟ فقال نعم‪ .‬ثم أخرج نللن وسللطه خريطللة فيهلا عيللدا فقللام‬
‫وركبها ثم لعب بها فخرجللت نوجللة نللن االحللا أطربللت القللوم وهيجللتهم‬
‫فضحك كا نن في المجلس‪ .‬ثم فكها وركبها تركيبا آخر وضللرب بهللا نغمللا‬
‫شجيا ً فلم يبق أحد في المجلس إال وبكى‪ .‬ثم فكها وغير فيهللا وضللرب نللن‬
‫اانغام الشيء الجديد والمرخي فنام كللا نللن فللي المجلللس فقللام أبلو نصللر‬
‫الفارابي فجمع أغراضلله وانصللرف والقللوم غللاطو فللي النللوم بمللن فلليهم‬
‫الحرس وكأنه الشبح‪ .‬أروي هذه الواقعة نن تاريخنا اإلسالني حتى نعرف‬
‫ذروة العبقرية التي وفلها بعض العلماء‪ .‬نللع هللذا فالرجللا انعللزل بجانللب‬
‫النهر في بقية حياته وكا يعيش نن أربع دراهم يصرفها عليه اانير‪.‬‬

‫‪140‬‬
‫العباقرة الثالث‬
‫في ليلة ااحللد ‪ 11‬ذي القعللدة ‪ 571‬هللل ‪ 1176‬م كللا القائللد فللالح الللدين‬
‫اايوبي على نوعد نع رسا الموت نن الحشاشين‪ ،‬فبينما كللا فللي خيمللة‬
‫اانير الكردي (جللاولي ااسللدي) قائللد أركانلله وهمللا يستعرضللا الخللرائط‬
‫الحربية ضد الصليبيين اقتحم الخيمة شاب نفتللول العضللالت وكأنلله جنللي‬
‫لخفة حركته يلمع في يمناه خنجر هوى به على رأس فالح الدين‪ .‬ولكنلله‬
‫كا نحظوظا ً فقد فدم النصا المسللموم الزرديللة نللن الحديللد التللي تغطللي‬
‫رأسه فأدرك المجرم أنه أخطأ هدفه فقام بتوجيلله طعنللة إلللى الخللد فجرحلله‬
‫وانقض الضباط ااكراد على الرجا فقتلوه‪ .‬وخالل لحظات كللا ثالثللة نللن‬
‫الشبا يتدافعو إلى الخباء بنفس الطريقة نن التدريب المتقن على القتللا‬
‫المنظم فقتلوا العديد نن الجنود والضباط قبا أ يقعوا فرعى في نحاولة‬
‫االغتيال المدبرة بغاية الدهاء والجرأة‪.‬‬
‫وينطق التاريخ نرة أخرى عن دور الصدف في فناعة التللاريخ فلللو نللات‬
‫فالح الدين في تلك المحاولة لما تم تحريللر القللدس ولللم تكللن لتقللع وقعللة‬
‫حطين عام ‪1187‬م ‪ .‬ولللو نللات بريجينيللف الللزعيم الروسللي وكللا شلليخا ً‬
‫نللدنفا ً لمللا تللم اجتيللاح أفغانسللتا عللام ‪1980‬م ‪ .‬ولمللا انخللرط الشللباب‬
‫اإلسالني في نقاونة الروس في حرب أنريكية وهم يظنو أنهللم يقللاتلو‬
‫في سبيا هللا‪ .‬ولما تحولت أفغانستا إلى بؤرة لتصدير العنف لكا العللالم‪.‬‬
‫ولما ولد ابن الد ليضللرب أبللراج نيويللورك‪ .‬ولكللن ليقضللي هللا أنللرا كللا‬
‫نفعوال‪.‬‬
‫جرت نحاولة اغتيال فللالح الللدين اايللوبي فللي إعللزاز القريبللة نللن حلللب‬
‫وحاكم المدينة (كمشتكين) يتصا بريموند الثالث حللاكم طللرابلس الصللليبي‬
‫وشيخ الجبا (سنا راشد الدين) للتخلص نن فالح الدين اايوبي‪.‬‬
‫ولم تكن هذه المحاولة ااولى نن نوعها التي يتعرض لها فالح الدين فقد‬
‫ذكللر ( قللدري قلعجللي) واقعللة شللكك فيهللا عنللدنا اسللتطاع الفللدائي (حسللن‬
‫ااكرني) التمكن نن الدخول إلى نخللدع فللالح الللدين فللي القللاهرة وتللرك‬
‫قرب وسادته خنجرا ً نسلوالً نغموسا ً بالدم نع الكلمات التالية‪ :‬هاعلم أيهللا‬
‫السلطا المغتصب إنك وإ أقفلت اابواب ووضللعت الحللرس‪ ،‬ال تسللتطيع‬
‫أ تنجو نن انتقام اإلسماعيلية‪ .‬أراك قللد بلغللت القحللة واسللتبديت دو أ‬
‫تحسب حسابا ً لشيخ الجبا اإلسماعيلي الذي يقف لك بالمرفاد‪ ،‬ولو أردنا‬

‫‪141‬‬
‫قتلك الليلة لفعلنا ولكن عفونا عنك لعلك تقدًر ذلك‪ ،‬وإننا ننذرك لتصلح نن‬
‫سيرتك وتعيد الحق المغتصب إلى ذويه‪ ،‬وال تحاول أ تعرف نن أنا فللذلك‬
‫فعب عليللك وبعيللد عنللك بعللد السللماء عللن اارض‪ ،‬إذ قللد أكللو أخللاك أو‬
‫خادنك أو حارسك أو زوجك وأنت ال تدري ‪ ..‬والسالمه‬
‫والكالم الذي جاء في الرسالة يجب فهمه ضمن البانورانللا التاريخيللة فللأ‬
‫يعيد فالح الدين الحق إلى ذويه يعني إعادة الخالفة الفاطمية التي أنهاهللا‬
‫في نصر بعد حكم دام قرنين نن الزنن‪ ،‬ليعيدها إلى خليفة العباسي اليزيد‬
‫عن ظا شبح زائا وسلطا يذوب بأسرع نن اآليس كريم في فيف الهب‬
‫نن ااحداث‪.‬‬
‫إ اللغة اإلنكليزية نا زالت تحما الرنبن المرعب لكلمة االغتيال (أساسين‬
‫ل ‪ )Assassination‬وهي كلمة نشتقة نن عندنا نن حفالت الرعب والدم‬
‫التي نارستها طائفة اإلسماعيليين في القرنين الثاني والثالث عشر للميالد‬
‫نن خالل حركات سرية نن نثللا تنظلليم الحشاشللين الللذي وفللفه (قللدري‬
‫القلعجي) بأنه تحول خالل هنائة سنة إلى عصابة سرية فريدة نن نوعها‬
‫في التاريخ ندربة على القتا المنظم‪ .‬وال هم لهللا أو غايللة سللوى االغتيللال‬
‫وبث الذعر ونشر اإلشاعات المخيفةه‪ .‬حتى كانت نهايتها كمللا تنتهللي كللا‬
‫فكللرة باالنتحللار الللداخلي وتتحللول إلللى طائفللة (‪)Cult‬تعلليش فللي ذاكللرة‬
‫التاريخ‪.‬‬
‫إ تاريخنا نليء بالفظاعات والدناء وثقافة االضللطهاد ونشللوء الحركللات‬
‫السللرية المسلللحة ولللم تكللن فللرق (الحشاشللة) الوحيللدة فقللد سللبقها للقتللا‬
‫المنظم المروع جماعة (الخوارج) في ظللاهرة تحتللاج أ توضللع للتشللريح‬
‫التاريخي هذه اايام والعالم اإلسالني يعاد بناؤه بعد أحداث سبتمبر‪.‬‬
‫إ قراءة التاريخ نفيدة جدا وهي تعطللي وعيلا ً خافلا ً بالدراسللة المقارنللة‬
‫وحقالً خصبا ً لفهم اإلنسا وتنشؤ المجتمع وأنراض الثقافة‪.‬‬
‫إ كا حدث هو في عالقة جدلية بللين الماضللي والحاضللر فهللو نتيجللة لمللا‬
‫كا قبله كما هو سبب لما سيأتي بعده‪ .‬وهذا القللانو فللي جدليللة ااحللداث‬
‫وترابطها تجعلنا نستوعب أنراض نجتمعاتنا الحالية أنها تركللة ثقيلللة نللن‬
‫أيام الحشاشين والخوارج‪ .‬وعندنا وقعت نذبحة حمللاة عللام ‪1982‬م فقتللا‬
‫فيها عشرين ألفللا أو يزيللدو فهللي تللدين إلللى ذلللك التللاريخ نللن الكراهيللة‬
‫العميقة المتبادلللة بللين الطوائللف ننللذ أيللام الحشاشللين‪ .‬وفللي الوقللت الللذي‬
‫اسللتطاع فللالح الللدين اسللتيعاب الحشاشللين وتللوظيفهم للهللدف ااسللمى‬
‫بتحريللر المنطقللة نللن الصللليبيين غصللنا نحللن فللي نسللتنقع دنللوي حتللى‬
‫الذقو ‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫وهناك نن يظن أ (الحشاشين) أفبحوا في ذنة التاريخ وأ (الخللوارج)‬
‫أفبحوا في بطو الكتب‪ .‬ولكللن حركللات اإلسللالم السياسلي أحيللت نللذهب‬
‫ا لخوارج تحت كلمة الجهاد بدو جهاد‪ .‬واليوم تنتعش عظللام (أبللي حمللزة‬
‫الخارجي) في قبره فقد أحيا شباب الجزائر وأفغانستا ونناطق شللتى نللن‬
‫العللالم اإلسللالني نذهبلله بكللا قللوة‪ .‬كمللا أ الحشاشللين اسللتبدلوا قلعللة‬
‫(آالنوت) في جبال نازندا بجبال خوست ‪ .‬والتللاريخ كمللا يقللول (نيشللته)‬
‫يحكمه قانو العود اابدي‪.‬‬
‫في عام ‪ 1070‬م اجتمع ثالثة نن العباقرة فللي جانعللة (نيسللابور) ضللمتهم‬
‫غرفة واحدة فيها يأكلو وينانو ويتدارسو هم (عمر الخيللام) و( نظللام‬
‫الملللك) و( الحسللن الصللباح)‪ .‬وكللا الثالللث أشللدهم دهللا ًء‪ .‬وفللي يللوم قللال‬
‫الحسن الصللباح لرفيقيلله‪ :‬يللا شللباب يبللدو أننللا فللي طريقنللا للللوزارة فمللاذا‬
‫تقولو أ نتفق أ نن وقعت في حضنه تفاحة السلطة أذاق رفيقيه شلليئا ً‬
‫نن حالوتها‪ .‬قال اآلخرا اتفقنا‪ .‬وكا اتفاقا ترتبللت عليلله لعنللة للمنطقللة‪.‬‬
‫وتقول لنا اايام أ نصير الثالثة كا نتباينا ً فأنللا (نظللام الملللك) فقللد قفللز‬
‫إلى كرسي الوزارة عند نغانر قفز بالحصا العسكري على رقبللة الخليفللة‬
‫العباسي وأنسك بالحكم هو السلجوقي (ألب أرسال )‪ .‬وأنا (عمللر الخيللام)‬
‫فقد انصرف لشعره وخمره وفلسفته العدنية التي أطبقت عليه نن ظلمللات‬
‫أنلن علللى نعيشللته بللل ‪ 600‬دينللار‬ ‫الوضع العربي فللي تلللك اايللام‪ .‬بعللد أ ً‬
‫شللهري خصصللها للله القصللر الملكللي‪ .‬أنللا الثالللث (حسللن الصللباح) فكللا‬
‫طموحه غير نحللدود‪ .‬وحللاول ننافسللة زنيللله (نظللام الملللك) علللى كرسللي‬
‫الوزارة فاحتدم فراع نصيري بين الللرجلين كللاد الصللباح أ يللدفع عنقلله‬
‫ثمنللا للله ففللر لينشلليء تنظيمللا فوالذي لا ً سللريا بعللد اتصللاله باإلسللماعيليين‬
‫والتدرب على أيديهم‪ .‬واستطاع الوفول إلى شيخ الجبا وهو (عبد هللا بن‬
‫عطاش) الذي أعطللاه أسللرار الجماعللة وأنللوال اإلسللماعيلية‪ .‬وقللام بعللدها‬
‫بتطوير العما على نحو عبقللري‪ ،‬حيللث رأى أ العمللا السللري المسلللح ال‬
‫يحتاج لجيوش كثيرة با عنافر قليلة حسنة التدريب شديدة الوالء إلى حد‬
‫العبادة وبتنظيم خاص غير قابا لالختللراق ينتشللر نثللا انتشللار السللرطا ‪.‬‬
‫وبعللدد نحللدود نللن فللغار الشللبا الللذين يللتم غسللا أدنغللتهم بالتعصللب‬
‫والحشيش‪ .‬وكا الرجا قد اكتشف نادة (الحشيش) في نصللر فللرأى فيهللا‬
‫فرفة نمتازة للشباب حيث يللتم سللقيهم بالحشلليش حتللى الخللدر اللذيللذ ثللم‬
‫إدخالهم عالملا ً خافلا ً يللذكر بالجنلة نللن اانهللار والفاكهللة والحلور العللين‬
‫يطللوف عللليهم الغلمللا كللأنهم لؤلللؤ نكنللو ‪ .‬فللإذا اسللتيقظوا أوكلللت لهللم‬
‫المهمات االنتحارية‪ .‬وكانت عنافر (التنظيم) على ثللالث طبقللات (الللدعاة)‬

‫‪143‬‬
‫وهللم القللادة الحللزبيين‪ .‬ثللم طبقللة (الرفللاق) وهللم المشللرفو علللى تنفيللذ‬
‫االغتيللاالت وفللي القاعللدة القللذائف االنتحاريللة (الف لدائيو ) نللن الشللباب‬
‫المدربين علللى المللوت فللي سللبيا شلليخ الجبللا‪ .‬وعنللدنا حافللر (نلكشللاه)‬
‫السلجوقي أحللد قللالع اإلسللماعيلين أرسللا الحسللن الصللباح نجموعللة نللن‬
‫الفدائيين أغمدت الخنجر في فدر فديق اانس نظام الملك‪ .‬ودشنت هللذه‬
‫الجريمة كما يقول القلعجي هعهدا ً جديدا ً في تاريخ الشعوب اإلسالنية ظا‬
‫االغتيال فيه سالحا ً سياسيا ً طوال نائة عام‪ .‬وبقي الحسن بن الصباح أكثر‬
‫نن عشرين سنة في حصنه (آالنوت ) عش النسر هينظم الدعوة ويؤلللف‬
‫الكتب ويدرب الجيوش ويعلم الشبا ويحيك المؤانرات ويرسللا الفللدائيين‬
‫لقتللا اانللراء والللوزراء والحكللام نللن خصللوم اإلسللماعيليين بللالخنجر‬
‫المسمومه‪ .‬ونات عللام ‪ 1124‬وخلفلله (كيللابزرد حميللد) وعنللدنا تعرضللوا‬
‫لالضطهاد في إيرا لجأوا إلى سوريا فأنشأوا تنظيما أشد ترويعا وإرهابا‪.‬‬
‫على يد شيخ الجبا الثالث سنا في قلعة نصياف‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫فولتير‬
‫وفلسفة التعبير‬
‫في عام ‪ 1761‬م كا الفيلسوف الفرنسي (فولتير) نلتجئا ً إلى ندينة (فيرني) السويسرية‪ ،‬بعد‬
‫أ نجا بجلده نن الملك فردريك االماني‪ ،‬وننعه الملك الفرنسي نن دخول ااراضي الفرنسية‪.‬‬
‫وحتى يكو بمنأى نن بطش االثنين فقد استراح هناك؛ فإ طاردته االستخبارات البرويسية‬
‫هرب إلى فرنسا‪ ،‬وإ طالته الجواسيس الفرنسية هرب إلى ألمانيا‪.‬‬
‫وكا في ندينة (تولوز) الفرنسية القريبة رجا يدعى (جا كاالس) بروتستانتي المذهب وله‬
‫بنت اعتنقت الكثلكة‪ .‬وفي يوم شنق ابنه نفسه بسبب اإلحباط في سوق العما‪ .‬وكا رجال الدين‬
‫الكاثوليك يتمتعو بسلطة نطلقة في المدينة‪ ،‬وال يسمح اي بروتستانتي في تولوز أ يكو‬
‫نحانيا ً أو طبيبا ً فيدليا أو بقاالً أو بائع كتب أو ط ّباعاً‪ .‬وننع الكاثوليك نن استخدام أي خادم أو‬
‫كاتب بروتستانتي‪ .‬وفي يوم حكم على انرأة بغرانة قدرها ثالثة آالف فرنك انها استعانت‬
‫بقابلة بروتستانتية‪ .‬نا يعادل الشيعة للسنة عندنا أو بالعكس‪.‬‬
‫ويقول (ويا ديورانت) فاحب كتاب (قصة الفلسفة) أ القوانين كانت تقضي في تلك اايام‬
‫هبأ يوضع جثما المنتحر ننكسا ً عاريا ً على حاجز نن العيدا المشبكة ووجهه إلى ااسفا‬
‫ويسحب بهذه الطريقة عبر الشوارع وبعدئذ يعلق على المشنقةه؟‬
‫ولكي يتجنب المدعو (كاالس) هذه الفضيحة فقد حاول بكا سبيا نمكن أ يخرج بوثيقة تقول‬
‫أ ابنه نات نيتة طبيعية‪ .‬ولكن إشاعة رهيبة انتشرت في البلد تقول إ الولد لم يشنق نفسه‬
‫با إ جا كاالس قتا ابنه حتى يحول بينه وبين اعتناقه الكاثوليكية كما فعلت أخته نن قبا‪.‬‬
‫فألقي القبض على الرجا وبدأوا في تعذيبه حتى نات‪ .‬وهربت عائلته إلى فيرني لتقص الفاجعة‬
‫على فولتير‪ .‬ونن ننفاه أطلق الرجا فيحته المعروفةه هاسحقوا العاره‪.‬‬
‫ً‬
‫لعا فولتير نن القالئا الذين قضوا حياتهم في المنفى نن أجا أفكارهم وكتب ‪ 99‬كتابا وعاش‬
‫حتى سن ‪ 83‬وسجن في الباستيا نرتين وضربه ااوغاد بتوفية جيدة نن النبيا (دي روها )‬
‫أ يشبعوه ضربا ً دو رأسه فقد يخرج ننه يونا شيئا عظيماً؟‬
‫وهرب إلى بريطانيا خائفا يترقب قال رب نجني نن القوم الظالمين‪.‬‬
‫وهو أول نن اعتبر أ التاريخ ليس سير الحروب والملوك با نغانرات العقا‪ ،‬وأ تاريخا‬
‫تسحب ننه الفلسفة والفن ال يبق نن شيء يسمى تاريخا‪ .‬وأ التاريخ لن يقف على قدنيه نا‬
‫لم نبعد عنه الالهوت‪.‬‬
‫وهو نفس المسار الذي سلكه ابن خلدو نن قبا‪ .‬ولم يرجع إلى باريس التي ولد فيها إال قبا‬
‫نوته بقليا‪ ،‬وعندنا جاءه القس ليسمع اعترافه سأله فولتير عمن أرسله فقال‪ :‬هللا ؟ فسأله‬
‫فولتير أ يقدم أوراق اعتماده نن هللا فولى ولم يعقب؟‬
‫وعند لحظة الموت جاءه قس ثاني رفض تقديم الغفرا له نا لم يوقع على اعترافه وإيمانه‬
‫الكاثوليكي إيمانا راسخا ً فطرده وسجا الكلمات التاليةه أنوت على عبادة هللا ونحبة أفدقائي‬
‫وكراهية أعدائي ونقتي للخرافات وااساطير الدخيلة على الدينه ووقع هذا البيا في ‪28‬‬
‫فبراير نن عام ‪1778‬م‪.‬‬
‫إ العصر الذي عاش فيه (فولتير) كا يسجا تباينا ً في الحريات على طرفي بحر المانش وفي‬
‫فترة السنوات الثالث التي قضاها هناك الحظ الفرق فوفف بريطانيا هبأ فيها شعب له آراؤه‬
‫الخافة وحريته المميزة‪ .‬شعب أفلح دينه وشنق نليكه وأنشأ برلمانا ً أقوى نن أي حاكم في‬
‫أوربا وال وجود فيه للباستيا وفيه ثالثو نذهبا دينيا بدو قس واحده‪ .‬وأعجب جدا بالحركة‬
‫الدينية السالنية الكويكرز‪ .‬وفي رسالة نشرها فولتير عن (أسئلة زاباتا) وكا المدعو راهبا ً‬

‫‪145‬‬
‫سمح لعقله بمناقشة المسلمات فقال عندنا يختلف نجلسا فيلعن أحدهما اآلخر فمن نصدق؟‬
‫وعندنا فشا في الحصول على جواب بسيط بدأ الرجا يدعو إلى هللا على نحو بسيط فكا‬
‫جزاؤه أ أحرق حيا عام ‪1631‬م‪.‬‬
‫وننه اعتبر فولتير أ هأ أول كاهن كا أول نحتال قابا أول أحمقه وعندنا وقع زلزال‬
‫لشبونة فانهدنت الكنائس على رؤوس الناس فمات في ساعتين ثالثو ألفا ً نن الناس سخر‬
‫نن التفسيرات التي قدنت بأنها انتقانا نن هللا ضد الكاثوليك‪ .‬وظهر فدق كالنه حينما ضرب‬
‫الزلزال الجانع المنصور في طنجة في المغرب وأكما طريقه إلى حافة االطلنطي ااخرى فهدم‬
‫ندينة بوسطن بزلزال أشد على رؤوس البوريتانيين‪ .‬في الوقت الذي كا الناس في المراقص‬
‫في باريس يلعبو ‪.‬‬
‫وعندنا اندلعت حرب السنوات السبع بعد زلزال لشبونة فب فولتير كا جهده ضد الحرب‬
‫ووففها بأنها ه أم الجرائم وأعظم الشرور وكا دولة تحاول إلباس جريمتها ثوب العدالة‪ .‬إ‬
‫القتا حرام وجميع أنواع القتا يعاقب عليها القانو زنن السلم‪ .‬أنا إذا نفخ في الصور وأعلنت‬
‫الحرب فيصبح القتا باالوف نباحاًه‪ .‬وهو يقول في ختام نقال له عن اإلنسا في قانوسه‬
‫الفلسفيهيحتاج اإلنسا إلى عشرين سنة كي يبلغ أشده ننذ كا جنينا في بطن أنه فحيوانا ً في‬
‫طفولته وشابا ً حين نضوج عقله‪ ،‬وثالثة آالف سنة ليكشف القليا عن جنسه‪ ،‬واابد إلى أ‬
‫يعرف شيئا ً عن نفسه‪ .‬ولكن دقيقة واحدة تكفي لقتلهه‬
‫والذي يجعلني أنفض الغبار عن التاريخ لنستعيد ذكرى رجا قضى حياته نن أجا (حرية‬
‫التعبير) وأطلق شعاره المعروف هإنني نستعد أ أنوت نن اجا أ أدعك تتكلم بحرية نع‬
‫نخالفتي الكانلة لما تقول‪ ،‬ولكن السؤال نن سيعطي الحريات؟ ولمن؟ ونا هي الحريات؟‬
‫ولفك هذه اإلشكالية يجب إحياء نبدأ فولتير الثالثي الذي يعلد إنجلازا ً هلائالً فلي تلاريخ اإلنسلا‬
‫والرأي‪ .‬وهو نكو نن ثالث فقرات‪:‬‬
‫ل تقول ااولى أ المسألة ال تدور حول الصواب والخطأ ا هذا نحتم لكا واحد ننا‪.‬‬
‫ل وفولتير حينما يطلق حرية التعبير بدو حدود يخلق نناخ الحلوار اللذي يعلدل الخطلأ وينضلج‬
‫الصواب‪.‬‬
‫ل وفي الفقرة الثالثة ننه يقول فولتير أنه سيدافع عن رأي اآلخر حتى لو كا خطأ نحضلا ً لليس‬
‫دفاعا ً عن الخطأ با دفاعا ً عن التعبير‪ ،‬ا الخطأ يحق له أ يعيش‪ .‬فهذا الذي أطلقه فولتير في‬
‫أوربا كا له أثر هائا في نشوء حق التعبير واالجتماع عليه والتظاهر سلمياً‪.‬‬
‫وهذا يوفلنا إلى حا إشكالية كبيرة وهي أ حق التعبير نلرتبط بواجلب التعبيلر‪ .‬فملا هلو حلق‬
‫لطرف واجب على الطرف المقابا‪ .‬وإذا كا الحاكم يمنلع النلاس نلن التعبيلر والتظلاهر فألنهلم‬
‫يمنعونه نن الوجود‪ .‬وهناك نن يتمنى نوت حاكم عربي ولكنه ينسى في غمرة هذه الشهوة أ‬
‫تمني الموت لآلخر هو في الواقع تمني الملوت لنفسله‪ ،‬ا نشلكلة اانلة ليسلت نعلقلة بملوت‬
‫وحياة وفرد وعندنا نتمنى الموت لآلخرين تنقا عدواها إلينا فنموت نحن أيضاً‪.‬‬
‫وعندنا ينتخب الحلاكم نائلة بالمائلة فإنله يعنلي أ اانلة أفلبحت فلفرا بالمائلة‪ .‬وعللى هلذه‬
‫المقدار تنكمش اانة فمن ينتخلب ‪ %99‬فهلو يعنلي أ اانلة أفلبحت واحلد بالمائلة‪ .‬وعنلدنا‬
‫تعلق فور الزعماء إلى الدرجة المقززة فهو يعني أ الزعيم التهم اانلة‪ .‬وهلي تنتظلر دورهلا‬
‫اللتهانه‪ .‬وذرية بعضها نن بعض‪ .‬وثقافة نريضة تعيد إنتاج نفسها‪ .‬وتبقى المسألة ترواح فلي‬
‫نكانها بين نحتار وغاضب ويائس وحاقد ‪ .‬كمن نثله في الظلمات ليس بخارج ننها‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫الفيلسوف غرامشي‬
‫والهيمنة الثقافية‬
‫قضى الفيلسوف اإليطالي أنتونيو غرانشي (‪ )Antonio Gramsci‬الذي عاش قليال ‪ 38‬سنة‬
‫(‪ )1937 -1891‬نعظم حياته في سجو الفاشية‪ .‬ولكنه تلرك إرثلا ً ثقافيلا نلا زال الجلدل يلدور‬
‫حوله‪ .‬وكانلت فكرتله الرئيسلية تلدور حلول هيمنلة الثقافلة‪ .‬والثقافلة عديلدة المراكلز وننوعلة‬
‫التأثيرات بدء نن المدرسلة ونلرورا بالمؤسسلة الدينيلة وانتهلاء بلدوائر الملال واإلعلالم‪ .‬وللم‬
‫يعرفه الناس إال بعد نوته بربع قر عام ‪ 1960‬أنا أعماله الفكريلة فللم تطبلع إال علام ‪1975‬م‪.‬‬
‫واعتقد الرجا بالوحدة العضوية للحياة االجتماعية وخرافة الحتمية االقتصادية‪ .‬وكا يقول إ‬
‫الفعالية التاريخية تدور حول فكرة واحدة هي الهيمنة‪ .‬والهيمنلة شليء نختللف علن السليطرة‪.‬‬
‫ويذكر الفيلسوف البريطاني أ الطاقة هي القوة المركزية في الفيزياء‪ .‬وأ السلطا هلو القلوة‬
‫المركزية في المجتملع‪ .‬ويتخلذ فلورا شلتى ويمكلن أ يتحلول نلن شلكا آلخلر كملا فلي طاقلة‬
‫الكهرباء‪ .‬التي قد تنقلب إلى الطاقة الحركية أو الحرارة والبرودة فيعما البراد و تشع الحلرارة‪.‬‬
‫وفللي القللرآ عللرض لمظهللرين للقللوة همللا الم لال والنفللوذ هنللا أغنللى عنللي ناليلله هلللك عنللي‬
‫سلطانيهه‪ .‬وهنا يتفق غرانشي ويختلف عن راسا‪ ,‬فهو يرى أ القوة المركزيلة فلي المجتملع‬
‫هي قوة الثقافة أكثر نن السلطة‪ .‬ويقرأ القاريء أفكارنا نمزقلة فلي كثيلر نلن ااحيلا ‪ .‬ويعللم‬
‫الرقيب أنه إ لم يقطع قطع رزقه‪ .‬وأوربا تعذبت كثيلرا حتلى اسلتطاعت أ تتحلرر نلن سلطوة‬
‫المؤسسة الدينية‪ .‬وهذه المؤسسة عصب غليظ يمتد في كا جسم اانة‪ .‬وسبب قلوة تأثيرهلا أ‬
‫الواعظ أو القديس أو الكاردينال والبابا والمفتي حينما يقول فهو ينقا عن الرب‪ .‬وها هناك نن‬
‫أحمق أو نجنلو نسلتعد لمواجهلة اللرب شخصليا‪ .‬وللذا كانلت المؤسسلة الدينيلة عللى انتلداد‬
‫التاريخ في حالة تفاهم نع السلطة السياسية فكا يغذي اآلخر ويحافظ عليه‪ .‬ويلرى (غرانشلي)‬
‫أ الطبقة الحاكمة تنظم وتدير المجتمع نن خالل هذه القوة الثقافية التي تحسلن التعانلا نعهلا‪.‬‬
‫وفي يوم عوقب غاليلو أشد العقاب وهو الشيخ المسن ليس انله خلالف الكتلاب المقلدس ولكلن‬
‫لتفسيرات قال بها رجال الكنيسة‪ .‬وفي الوقت الذي تتحول تفسيرات الناس إلى نصلوص ننزللة‬
‫تصبح اللعبة خطيرة‪ .‬وهناك نن التفسيرات والتقاليد نا تصبح بقوة أعظم نص نزل نن السلماء‬
‫وهو لم ينزل نلن السلماء بلا قلال بله النلاس وهلي أشلياء كثيلرة‪ .‬ولكلن ال أحلد يتجلرأ فليلمس‬
‫الموضوع وإال احترق غير نأسوف عليه‪ .‬كما حصا نع الثعلب والبونة حينما اعتبلر حيوانلات‬
‫الغابة أ البونة سيدة الحكماء وأنها إلهة انها ترى في الليلا فقلال ثعللب ولكلن هلا تلرى فلي‬
‫النهار نثا الليا فقالوا له أيها الفاسق وها يسأل أحد نثا هذا ثم إ أها الغابة نصبوها زعيملا‬
‫نللدى الحيللاة وبللدأوا بالهتللاف بحياتهللا وهللي تمشللي بهللم وال تبصللر حتللى قللادتهم إلللى حللتفهم‪.‬‬
‫والتفسيرات البشرية عندنا تقود إلى الكوارث يجب إعادة النظر فيها‪ .‬والنتيجة التلي خلرج بهلا‬
‫غرانشي أ الفرد ليس أنانه إال الرقص في المربع البورجوازي‪ .‬وأ الطبقة المسيطرة القائدة‬
‫تحاول إقناع بقية الطبقات بقيمها الفكرية‪ .‬وهو بهذا نهد الطريق للدور الثقافلة كقيملة نركزيلة‬
‫فللي تحليللا اللحظللة التاريخيللة وااشللياء التللي تللم تجاهلهللا سللابقا نللن دور المفكللرين والللذكاء‬
‫والشعور العام والثقافة الشعبية أعاد إحياؤها بلا وتسلريب فكلرة الفرديلة نلن جديلد إللى عملا‬
‫التلاريخ‪ .‬فهلذا هللو الواقلع وهكللذا تعملا قوانينلله ويجلب فهملله والتعانلا نعلله بموجلب قوانينلله‬
‫الموضوعية‪ .‬وهللا يعلم وأنتم ال تعلمو ‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫جان لوك‬
‫ورسالته في التسانح الديني‬
‫في عام ‪ 1649‬م طار رأس الملك (تشارلز ااول)‪ ،‬وولدت الجمهورية فلي بريطانيلا‬
‫على يد كرونويا‪.‬‬
‫وكا أهم شيء فعله العسكري كرونويا هلو شلق الطريلق إللى (التسلانح اللديني)‪.‬‬
‫وإذا كانت عظلام كرونويلا قلد أفلبحت فلي المزبللة‪ ،‬بعلد نبشلها عللى يلد تشلارلز‬
‫الثاني‪ ،‬ولكن بريطانيا لم تعد قط لعصر الحكم المطلق‪.‬‬
‫وهذا يقول أ العالم العربي يعيش سياسيا عام ‪ 1649‬نيالدية!‬
‫والفضا في عما كرونويا يعود إلى فيلسوف نشهور هو (جلو للوك)‪ ،‬هلرب إللى‬
‫هولندا في جو (التعصب الديني)‪.‬‬
‫ويقول عنه المؤرخ (ويلا ديورانلت) إنله عنلدنا رجلع فلي واليلة ولليم الثاللث علام‬
‫‪1689‬م إلى بريطانيا‪ ،‬وكا يناهز الستين‪ ،‬إال أنه وفلي سلنة واحلدة دفلع للطباعلة‬
‫ثالث كتاب‪ ،‬جعلت ننه أحد نجوم الفكر في التاريخ‪.‬‬
‫كا ااول بعنوا ( بحثلا علن الحكونلة) رفلض فيله الحلق اإللهلي للمللوك‪ ،‬وقلال‬
‫بنظرية فصا السلطات‪ ،‬وأرسى فيها قواعد الديموقراطية السياسية‪.‬‬
‫واآلخرا هما‪(:‬رسالة عن التسانح الديني) و(نقال في الفهم اإلنساني)‪.‬‬
‫وكما حلَّا فديقه (نيوتن) الضلوء‪ ،‬فقلد قلام للوك بتحليلا اللنفس اإلنسلانية والعملا‬
‫السياسي‪.‬‬
‫ويقول لوك عن (التسانح الديني)‪ :‬أنه يجب أ ينتقا نن التسانح بلين أبنلاء اللدين‬
‫الواحد‪ ،‬إلى التسانح بين أبناء الديانات المختلفة‪ ،‬فأين آذا الشيعة والسلنة لسلماع‬
‫نثا هذا الكالم؟‬
‫قال الرجا‪ :‬ه يجب أ ال نستبعد إنسانا ً أيا كا عمله أو وظيفته انه وثني أو نسللم‬
‫أو يهوديه‪.‬‬
‫وأثرت أفكار (جا لوك) في تفجير الثورة الفرنسية وهإعال حقوق اإلنسا ه؛ بلا‬
‫وإلى أنريكا الجنوبيلة فقلد تلأثر (سليمو بوليفلار) بفكلره‪ ،‬وحلرر خملس دول نلن‬
‫االستعمار ااسباني؛ هي كولونبيا وفنزويال وااكوادور وبوليفيا وبيلرو بلين علاني‬
‫‪ 1819‬و‪ 1825‬م‪.‬‬
‫وهكللذا تللرك لللوك آثللاره علللى جللو التنللوير والتسللانح الللديني فللي أوربللا؛ فللأخرج‬
‫(إيمانويا كانط) كتابه (نحو السالم اللدائم) وظهلر (ايرازنلوس) بالنزعلة اإلنسلانية‬
‫نن روتردام‪.‬‬
‫إ أكبر نكبة تحيق بالفكر هي التشدد‪ ،‬انه يعما ضد قوانين الطبيعة التي تقوم على‬
‫التواز ؛ فالكو ركلب عللى العلدل اللذي هلو قملة التلواز ؛ فزيلادة البوتاسليوم أو‬
‫نقصه في الدم‪ ،‬يقود إلى توقف القلب باالسترخاء أو االنقباض‪.‬‬
‫وزيادة النحاس في الجسم يقود إلى تشمع الكبد بمرض ويلسو ‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫والكهرباء جيدة عندنا ترفع الناس في المصاعد‪ ،‬ولكنها قاتلة إذا نزلت نن السلماء‬
‫على شكا فاعقة‪.‬‬
‫وأفضا حالة للطاقة هي االعتدال‪ ،‬والماء جيد إذا حبس خلف السلد‪ ،‬وهلو نلدنر إذا‬
‫جاء على شكا الطوفا ‪.‬‬
‫وعضالت الجسم فسيولوجيا هي في حالة توتر بين االنقباض واالنبساط‪.‬‬
‫وال يولد الطفا نن رحم أنه بدو التقلص واالرتخاء‪.‬‬
‫والخوف نن العقارب والمخابرات ضروري للحفاظ على الحياة‪ ،‬ولكن زيادتها تلدفع‬
‫فاحبها إلى الرهاب والجنو ‪.‬‬
‫والفلسفة الصينية تقوم على نبدأ تبادل السلبية واإليجابية‪ ،‬ويسمونها الين واليانغ‪.‬‬
‫وأفضا شيء في المجتمع هو العدل‪.‬‬
‫وخير حالة تعيشها النفس هي الصحة النفسية بتواز الغرائز‪.‬‬
‫والوسط الذهبي لكا فضيلة هو وسط بين رذيلتلين؛ فالشلجاعة وسلط بلين الخلوف‬
‫والتهور‪ .‬والكرم رائع إذا جاء بين حدي البخا واإلسراف‪.‬‬
‫ونبدأ الثنائية خطأ فليست اانور أسودا أو أبيضا‪ ،‬وننها تعانلنلا نلع إسلرائيا بلين‬
‫حدي االستحالة والسهولة؛ فإنا أنها دويلة العصابات أو أنها التنين النووي؟‬
‫وال يخرج (التدين) عن هذا القانو ‪ ،‬والتشدد هو ضد قلوانين الحيلاة‪ ،‬ويلدنر نفسله‬
‫ونن حوله‪.‬‬
‫والفكر اإلسالني المعافلر ابتللي بهلذه الوبلاء؛ فهلو ينتشلر ويضلرب اادنغلة نثلا‬
‫الحمى السحائية‪.‬‬
‫والتدين يشبه الملح في الطعام‪ ،‬وبدو التدين في الحياة تنقللب الحيلاة إللى عبلث ال‬
‫نعنى لها‪ ،‬وبقدر حاجة البد الضرورية للملح بقدر تسممه إذا زادت الجرعة‪ .‬فهذه‬
‫هي جدلية التدين والتعصب‪.‬‬
‫إذا أخذ التدين بجرعته المناسبة أعطى للحياة نعنى‪ ،‬ونشر الرحمة والحب والسالم‪.‬‬
‫وإذا زادت الجرعة انقلب الوعي إلى تعصب ال يرحم‪.‬‬
‫وهذا كا نغزى رسالة لوك في التسانح الديني‪.‬‬

‫‪149‬‬
‫فيلسوف التشاؤم مالتوس‬
‫عندنا كا (نابليو بونابرت) ينزل ضربته بالمماليك عند سلفح الهلرم‪ ،‬علام ‪1798‬م ظهلر فلي‬
‫نفس العام بحث بسيط‪ ،‬لقس نغملور فلي بريطانيلا‪ ،‬اسلمه (تونلاس نلالتوس ‪ 1766‬ل ‪) 1834‬‬
‫بعنوا بريء (نقالة في تزايد السكا وأثر ذلك على نستقبا نمو المجتمع)‪ ،‬وعندنا بدأ الناس‬
‫يتناقلو هذه المقالة أفيبوا بالذعر‪ ،‬وأحدثت ضلجة كبيلرة بلين النلاس؛ فهلي ذكلرت أ تكلاثر‬
‫السكا يمشي وفق سلسلة هندسلية أي ‪ 2‬ل ‪ 4‬ل ‪ 8‬ل ‪ 16‬ل ‪ 32‬ل ‪ 64‬وهكلذا‪ ،‬فلي نقابلا أ زيلادة‬
‫الغذاء يمشي وفق سلسلة عددية أي ‪ 1‬ل ‪ 2‬ل ‪ 3‬ل ‪ 4‬ل ‪ 5‬ل ‪ 6‬وهكذا ففلي الوقلت اللذي يصلا علدد‬
‫الناس الى ‪ 64‬لن يوجد نن الطعام اال نا يكفي ستة أشخاص؟!!‬
‫وهو بكلمة ثانية إنذار بالمجاعة‪...‬‬
‫وفف نالتوس الوضع أنه خطير‪ ،‬والبد نلن ضلبط النسلا‪ ،‬إذا أردنلا تفلادي المجاعلة‪ ،‬وذهلب‬
‫آخرو نمن تحمسوا آلرائه الى نشر ننع الحما‪ ،‬ولم تكن نانعات الحما الكيمياوية نتوفرة في‬
‫ااسواق يونها؛ فهي لم تعرف حتى ستينات القر المنصرم‪.‬‬
‫ونمللن عافللر نللالتوس اقتصللادي إنكليللزي نشللهور هللو (دافيللد ريكللاردو)‪ ،‬الللذي تللأثر بللآراء‬
‫نالتوس‪ ،‬وطلرح فكرتله حلول (القلانو الحديلدي لألجلور) اللذي يلنص عللى أ زيلادة العملال‬
‫يرخص ااجور‪ ،‬الى الحد الذي يطعمهم ويسقيهم؛ فهذا هو الثمن الطبيعي للعما‪.‬‬
‫كللذلك تللأثر نللن نللالتوس كل ٌا نللن دارويللن وكللارل نللاركس‪ ،‬ااول فللي نظريتلله حللول االنتخللاب‬
‫الطبيعي‪ ،‬والثاني في االقتصاد‪ ،‬الذي فاغ قانونه حول فلائض القيملة‪ ،‬أي أ العانلا يأخلذ نلن‬
‫ااجر نا يناسب عمله‪ ،‬ولكن الرأسمالي هو المفسد المستغا‪ ،‬الذي يضيف فوق السلعة نا يشاء‬
‫نن ربح‪ ،‬فيدخله في جيبه وينتفخ‪ ،‬ويبقى جيب العانلا المنلتج ضلانرا شلاحبا‪ ،‬فيلزداد الفقلراء‬
‫فقرا‪ ،‬وااغنياء غنى‪ ،‬وينفلق المجتمع إلى شرائح نستضعفة ونسلتكبرة‪ ،‬وهلذا هلو السلبب أ‬
‫الشيوعيين نادوا بتأنيم نلكية وسائا اإلنتاج‪ ،‬انها نصدر سرقة العانا الفقير المسلكين‪ ،‬وهلو‬
‫كالم جيد لو طبقه الشيوعيو ‪ ،‬ونهاية الشيوعية جاءت نن إكراه اإلنسا ‪.‬‬
‫وفديقنا نالتوس أحدث ضجة نروعة‪ ،‬تركت بصماتها عللى الفكلر االقتصلادي السياسلي حتلى‬
‫اليوم‪ ،‬ثم جاءت المفاجآت نن حيث ال يحتسب‪ ،‬ونن طرفين‪ :‬فمن جهلة فلارت اانلم المرفهلة‬
‫نهددة باالنقراض‪ ،‬ونن جهة ازداد اإلنتاج‪ ،‬الى المقدار اللذي كلا التجلار يحرقلو المنتجلات‪،‬‬
‫حرفا ً على ثبات ااسعار؟!‬
‫وهو أنر ذكره المفكر نالك بن نبي في كتابه شروط النهضة‪.‬‬
‫نع هذا فقد ازداد النسا االنساني‪ ،‬بما ال يخطلر عللى بلال نلالتوس‪ ،‬وللم تحصلد الحلروب‪ ،‬كملا‬
‫اقترح البعض كطريقة لحد النسا‪ ،‬اال أرقانا ً هزيلة أنام اارحلام التلي تلدفع ااجنلة اللى العلالم؛‬
‫ونحن نعرف اليوم أنه نع كا شروق شمس يولد ‪ 270‬ألف انسا ‪ ،‬ونع كا غروب شمس تبتلع‬
‫المقابر ‪ 140‬ألف انسلا ؛ فيلزداد الجلنس البشلري نقلدار ‪ 130‬ألفلا ً كلا ‪ 24‬سلاعة‪ ،‬وفلي أيلام‬
‫نالتوس كا عدد الجنس البشري حوالي المليار‪ ،‬ولكن الرقم قفز بعد ‪ 130‬سلنة اللى نليلارين‪،‬‬
‫ليصبح عام ‪1960‬م ثالثة نليارات‪ ،‬ليقفز بعد ‪ 15‬سنة عام ‪ 1975‬م الى أربعة نليارات‪ ،‬لندخا‬
‫القر ‪ 21‬بأكثر نن ستة نليارات‪.‬‬
‫وهذا يفيد في أنرين‪ :‬أ الواقع يعملا بطريقتله الخافلة‪ ،‬وأ نلالتوس كلا قصلير النظلر نلن‬
‫الكاذبين‪ ،‬وا الزبد يذهب جفاء‪ ،‬ونا ينفع الناس يمكث في اارض ‪ ،‬وناتت الشيوعية والنازية‬
‫والبعثية والقونية والفاشية‪ .‬ونضى نثا ااولين‪.‬‬

‫‪150‬‬
‫الفيلسوف كافكا‬
‫عاش (كافكا) في براغ في جو نشحو بالكراهية‪ ،‬حيث اختلفت ااعلراق وااديلا ‪،‬‬
‫فكا كا عرق يحتقر العرق اآلخر‪ ،‬وال يثق به‪ ،‬ويكرهه‪ ،‬ويخلاف ننله‪ ،‬كملا ذكلرت‬
‫ذلك المتخصصة فلي الجرنانيلات (ايرنجلارد فلاجنر ) وكلا هلذا الجلو اللذي سلبق‬
‫الحرب العالمية ااولى‪ ،‬عندنا وقف اليهود وبشكا عجيب إلى الجانب االماني‪ ،‬وللم‬
‫يكن يخطر في بالهم‪ ،‬أ النازية سوف تعشش وتفرخ فلي أحضلا االملا ‪ .‬وفلدر‬
‫كتاب كافكا التحول قبا الحرب العالمية ااولى بفترة قصيرة‪.‬‬
‫ونن أجا البقاء فقد حرص والد كافكا‪ ،‬على تدريس أفلراد عائلتله كلا شليء باللغلة‬
‫االمانية‪ ،‬بدل التشيكية خلوف االضلطهاد‪ ،‬اللذي رآه كافكلا عيانلاً‪ ،‬حرقلا للكتلب فلي‬
‫السللاحات العانللة‪ ،‬نللا يللذكر بللذلك الهللوس نللن نحللاكم تفتلليش العصللور الوسللطى‪،‬‬
‫ونطاردة الساحرات‪ ،‬وحرق القطط والكالب‪ ،‬ونعالجة السعال الديكي بللبن الحميلر‪،‬‬
‫وطرد الطاعو بجلد الناس أنفسلهم فلي البلراري‪ ،‬أو اللدعاء نلن أجلا تبلدل نلزاج‬
‫المريخ‪.‬‬
‫أنا في المستوى الشخصي فكا كافكا حساسا جدا لألفوات العاليلة والجلنس اللذي‬
‫كا يسميه نرض الغرائلز‪ .‬نلع هلذا فقلد أحلب نيلينلا سينسلكا‪ ،‬التلي ننحتله الحلب‬
‫الحقيقي‪ ،‬وبكا أسف كانت نتزوجلة‪ ،‬وهكلذا تعليش الكثيلر نلن النسلاء‪ ،‬فلي طلالق‬
‫فانت‪ ،‬فتحب بدو زواج‪ ،‬وتتزوج بدو حب‪ ،‬كا ذلك في الكتاب نسطورا‪.‬‬
‫وكا نصيرها الموت في نعسكرات االعتقال‪ ،‬وكذلك كا نصير أخواته اللثالث فلي‬
‫نحارق النازية‪.‬‬
‫أنا هو فبعد أ استهلكته اافكار التي كا يصفها‪:‬ه نحلن بحاجلة إللى كتلب تحزننلا‬
‫كثيللرا‪ ،‬كمللوت شللخص نحبلله أكثللر نللن أنفسللنا‪ ،‬حتللى يجسللد الكتللاب فصللول البحللر‬
‫المتجمد داخلناه وهو الشعور الذي نا زال يسلتولي عللي أنلا شخصليا بعلد خسلارة‬
‫أعز إنسا علي زوجتي ليلى سعيد داعية الالعنف‪ .‬التي اقتلعت قلوبنا نن فلدورنا‬
‫بعد نوتها فهي نن ننحتني كؤوس الحب دهاقا‪.‬‬
‫وبعد عام ‪ 1918‬حرنت كتب كافكا‪ ،‬سلواء (التحلول) أو (المحاكملة) حيلث تسليطر‬
‫بيروقراطيات نخيفة على أقدار الناس‪ ،‬وتفصا ااحكام على شهية المخلابرات‪ ،‬كملا‬
‫يحصا في اانظمة الثورية العربيلة الحاليلة‪ .‬وكانلت الكتلب تحلرق ويسلميها يونهلا‬
‫عمدة ندينة براغ إنها داللة طيبة على (الوعي الوطني)‪.‬‬
‫وفي أنريكا حصلت واقعة عجيبة نن إفدار حكم باإلعدام على (كيرك بللودزورث)‬
‫بتهمة قتا (دو هانلتو ) عام ‪1984‬م‪ ،‬وكانت كا نن الشرطة و‪ 24‬نحلفا ونائبا‬
‫عانا كلهلم نخطليء‪ ،‬وللم ينقلذ رقبتله نلن اإلعلدام بغرفلة الغلاز إال تطلور فحلص‬
‫الحانض النووي‪ ،‬والرجا حاليا يقود حملة في أنريكا إللغاء حكم اإلعدام‪ ،‬أنا عندنا‬
‫فمازالت غرف اإلعدام شغالة‪ ،‬تعدم باسماء شتى‪ .‬افتراء على هللا‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫وفي ليلة خنق ‪ 19‬أخ للسلطا العثماني‪ ،‬بفتوى نن نشيخة الديار العثماني‪ ،‬وبآية‬
‫قرآنية‪ ،‬بأ الفتنة أشد نن القتا‪ ،‬فيقتا ااخوة حتى ال تقع الفتنة‪ ،‬والقتلا رأس كلا‬
‫خطيئة وفتنة‪ ،‬وهي المدخا الوجودي اول سؤال طرحته المالئكلة علن نعنلى خللق‬
‫اإلنسا ‪:‬ه أتجعا فيها نن يفسد فيها ويسفك الدناء؟؟ه‬
‫عالج كافكا ظروف االضطهاد بالفكاهة‪ ،‬واعتبر شارلي شابلن نموذجا جيدا في هذا‪،‬‬
‫عن اآللية والروتين‪ ،‬التي تقتا اإلبداع عند اإلنسلا ‪ ،‬واعتبرهلا نوعلا نلن الكارتيله‬
‫النفسية نن أجا البقاء‪.‬‬
‫بعد إفدار كتاب التحول بسنتين‪ ،‬بلدأ كافكلا يسلعا ويبصلق اللدناء‪ ،‬فقلد هلبط عللى‬
‫فدره السا الرئوي‪ ،‬وانتقا في سبع سنين إلى العديد نلن المصلحات بلدو فائلدة‪،‬‬
‫ونات بعمر ااربعين‪ ،‬فقد كا يرى العالم بشفافية ووضوح هائلين‪ ،‬جعلته ال يتحما‬
‫الحياة‪ ،‬فأجبره المرض على االستقالة نن الحياة‪.‬‬
‫لم يعش كافكا ليرى اانظمة الشمولية نن النازية والشيوعية‪ ،‬فقد أراحله السلا نلن‬
‫هذا المنظر ووفر أوجاعه‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫ظروف والدة العبقريات‬
‫أو منهج الشك واليقين بين الغزالي وديكارت‬

‫في الظروف التاريخية الصعبة زنن الحروب الصليبية بين انهيار سياسي نطبق‪،‬‬
‫وتفسخ أخالقي‪ ،‬وأعافير فكرية نزنجرة‪ ،‬وقوى خارجية تحاول االنقضاض على‬
‫الفريسة‪ ،‬سواء الزحف الصليبي نن الغرب‪ ،‬أو المغولي نن الشرق‪ ،‬الذي نهد له‬
‫االضعاف الصليبي وليكو أكثر دنوية وأفظع تدنيرا‪ ،‬ولدت عبقرية اسالنية‬
‫نازالت تحظى بالدراسة واالهتمام حتى اليوم‪ ،‬هو (أبو حاند الغزالي) ولم تكن‬
‫العبقرية الوحيدة المنفردة ففي عصر (سنجر) السلجوقي الذي حكم ‪ 41‬سنة وهو‬
‫حفيد ألب أرسال بطا نعركة نالذكرد‪ ،‬ظهرت عبقريات شتى نثا الزنخشري في‬
‫التفسير‪ ،‬والطغرائي فاحب النية العرب‪ ،‬والحريري فاحب المقانات‪ ،‬والشاعر‬
‫فريد الدين العطار‪ ،‬وفاحب الرباعيات المشهور عمر الخيام‪ ،‬كذلك ترجمة كليلة‬
‫ودننة التي وضعها نصر هللا بن حميد‪ .‬وبالنسبة لصاحب كتاب (علوم إحياء الدين)‬
‫فقد كانت فدنته كبيرة نن هشاشة وانهيار أخالقية العالم االسالني وزلزلته‬
‫الفكرية؛ فاستنفر نفسه لمحاولة دراسة أبعاد اازنة‪ ،‬وهو نفس الشيء الذي تحدث‬
‫فيه المستشرق جب عندنا كتب عن فالح الدين وأخالقيته المتميزة‪ ،‬أ الشيء‬
‫الذي يحتاج العما فيه على رأس قائمة ااولويات هو ترنيم أخالقيات العالم‬
‫االسالني بمعول السياسة‪ ،‬فقد أدرك الرجا أ التردي العقلي الخلقي هو خلفية‬
‫كارثة االنهيار السياسي‪ ،‬ويبدو أ هناك جو خاص تتفجر فيه العبقريات‪ ،‬ففي جو‬
‫التحدي الذهبي عند نقطة التوتر المالئم تولد اإلنكانيات الحبيسة؛ فتنبجس‬
‫العبقريات ونعها الحلول‪ .‬ولقد قام (بتريم سوروكين ‪ )SOROKIN‬بدراسة‬
‫(العالقة) بين (روح) العصر وبزوغ (العبقريات) ونوعيتها في دراسة قيمة‬
‫بعنوا (الدينانيات الثقافية واالجتماعية ‪SOCIAL AND CULTURAL‬‬
‫‪ )DYNAMICS‬في دراسة تغطي ‪ 2440‬عانا ً تبدأ نن عام ‪ 540‬قبا الميالد‬
‫حتى عام ‪ 1900‬م ليكتشف نوعا ً نن الحركة البندولية في تواتر ظهور (نوعين)‬
‫نن أنماط المبدعين أو نظانين ايديولوجيين كبيرين‪ ،‬بين النوع الحسي المادي (‬
‫‪ ) SENSATE‬والمثالي التصوري ( ‪ ) IDEATIONAL‬حيث تتبادل القيم‬
‫قطبيتها أو حركتها ونحورها وتمركزها‪ ،‬بين نظام (نادي) زناني حتمي فردي‬
‫نفعي‪ ،‬وبين آخر ( نثالي) أزلي الحتمي اجتماعي نع أخالقيات حب ‪ .‬إ دراسة‬
‫(سوروكين) التي عرضها الكاتب (دين كيث سايمنتو ) في كتابه (العبقرية والقيادة‬
‫واإلبداع) الذي ترجم إلى العربية ونشر ضمن سلسلة عالم المعرفة‪ ،‬والتي بذل فيها‬
‫جهدا ً خارقا ً نن الدراسة التاريخية التشكا نهائيات في فهم عالقة العصر ببزوغ‬
‫المبدعين ونوعيتهم‪ ،‬فالتاريخ عصي على كا تفسير نهائي‪ ،‬ولكن الشيء ااكيد أ‬
‫اإلنام الغزالي شكا تمردا ً خافا ً على طبيعة العصر الذي ولد فيه‪ ،‬فقد روع نن‬
‫ظاهرة االنهيار السياسي والتحلا الخلقي والزلزة العقلية في العالم االسالني‪،‬‬

‫‪153‬‬
‫فانزلق الى الشك الذي أطبق عليه وحافره‪ ،‬الى درجة أنه كاد أ يموت عندنا‬
‫غلفت سحب الشك سماءه اعقلي فانعقا لسانه وتوقفت شهيته عن ذوق الطعام‪،‬‬
‫وبذلوا له الطب ولكن ااطباء قالوا بونها عنه إنه أنر ال يرتفع بالعقاقير با هو‬
‫شيء تسرب إلى الروح وال أنا في أي عالج؟ ورحلة الشك عند الغزالي كانت على‬
‫ناييبدو زورقا ً للوفول الى شاطيء اليقين‪ ،‬وهذا التوجه أو الرحلة نن الشك إلى‬
‫اليقين تركت بصماتها على الفكر ااوربي الحقاً‪ ،‬كما انتبه الى ذلك (نديم الجسر)‬
‫فاحب كتاب (قصة االيما بين الفلسفة والعلم واإليما ) بالمقارنة التي قام بها‬
‫بين (ننهج الشك) عند الغزالي وديكارت‪ ،‬فااخير عندنا توفا الى نبدأه المشهور‬
‫(أنا أفكر أنا نوجود) لم يأت نن فراغ‪ ،‬وهي خالفة فلسفية بديعة سوف أسعى‬
‫لشرحها في وقت آخر‪ ،‬فالرجا كاد أ يكرر كلمات الغزالي في قضية أهمية وضوح‬
‫اافكار لقبولها‪ ،‬والننكر أ ديكارت قام بتطوير ننهج الشك الى نظام ننهجي‬
‫تحليلي رباعي‪ ،‬شكا القاعدة النظرية نع جهود فالسفة آخرين إلى بناء ااسس‬
‫النظرية للعقالنية ااوربية الحالية أو نايسمى بالمعافرة أو الحداثة‪ .‬فديكارت‬
‫وكوكبة نن الفالسفة اآلخرين نثا كانط وسبينوزا وشوبنهاور وغوتة ونيشته‬
‫وفولتير هم البناة النظريو الفعليو للحضارة الغربية‪.‬‬

‫م‬

‫‪154‬‬
‫فالسفة على طريق المعرفة‬
‫كا المدفع هو الذي فتح ثغرة في قلعة أرسطوطاليس الفكرية‪ ،‬ولكن كيف؟‬
‫جاء الفتح نن فوهة المدفع؟!! فمع أ كلا نتأنلا يلرى سلير القذيفلة عللى نحلو نلنحن‪ ،‬ولكلن‬
‫أرسطو (اللدناغ ااكبلر) كلا يلرى أ سلرعة ااجسلام عنلد السلقوط تتزايلد انهلا تتحلرك فلي‬
‫(شوق) إلى نوقعها الطبيعي المنخفض!!‬
‫وأ الجسم يلتمس سعادته (كذا) بالسلقوط عموديلا إللى اارض؛ حنلى جلاء (نيكوللو تارتاجيلا)‬
‫وهو اسم نستعار ونعناه (المتلعثم)؛ فأفدر كتابه المترجم (عام ‪1543‬م) عن أرخميلدس‪ ،‬وأ‬
‫نسار ااجسام في ااوساط يعتمد قوانين نوعية‪ ،‬وهي التلي دفعلت أرخميلدس يونهلا أ يقفلز‬
‫عاريا‪ ،‬بعد أ تعرت له الحقيقة ويصيح اوريكا‪ ..‬اوريكا أي وجلدتها وجلدتها‪ ..‬حينملا اسلتوعب‬
‫قانو طفو ااجسام في السوائا‪.‬‬
‫ولم تكن هذه الخطيئة الوحيدة في فكر أرسطو‪ ،‬با ساهم في ننطقه الصلوري فلي تلأخير الفكلر‬
‫اإلنساني ألفي سنة‪ ،‬قبا والدة المنهج االستقرائي التجريبي‪ ،‬الذي دشلنه علملاء المسللمين نلن‬
‫روح القرآ التي حثت على تأنا الكو والتاريخ وأحلداث اانلم واانبيلاء والسلير فلي اارض‬
‫لنفهم كيف بدأ هللا الخلق‬
‫قا سيروا في اارض فانظروا كيف بدأ هللا الخلق ثم هللا ينشئ النشأة اآلخرة‬
‫وفللي هللذا العللام ‪1543‬م أفللدر (كوبرنيكللوس) كتابلله عللن دورا اارض والشللمس؛ فزلزلللت‬
‫الكنيسة وارتاعت‪ ،‬ويصلف الملؤرخ (ديورانلت) هلذا العلام بأنله علام العجائلب‪ ،‬انله تلم خلرق‬
‫(التابو) في الفلك والجغرافيا والجسم اإلنساني‪ ،‬ففي نفس هلذه الفتلرة نسلحت جغرافيلا اارض‬
‫على نحو جديد‪ ،‬بعد إبحار ناجال عام ‪ 1519‬ودورانه حول اارض‪.‬‬
‫وبعد (كوبرنيكوس) تحولت اارض إلى ذرة تافهة في المحيط الكوني‪.‬‬
‫وقام (فيزاليوس) بخرق حرنة الجسم فبلدأ فلي تشلريحه‪ ،‬حتلى طاردتله الكنيسلة‪ ،‬فهلرب إللى‬
‫أسبانيا‪ ،‬وهناك قام بضربته العبقرية في إنقاذ ولي العهد (كارلوس) نن نزف في اللدناغ‪ ،‬حلين‬
‫ثقب الجمجمة‪ ،‬فاتهمته الكنيسة نن جديد‪ ،‬بأنه حليف للشيطا ‪ ،‬فهرب نرة أخرى نن أسبانيا‪.‬‬
‫والعبقريات ال تولد هكذا‪..‬‬
‫ولعا سرها كما رواه (جيمس بيرك) فاحب كتاب (عندنا تغير العلالم) أ نوياتله ااوللى كانلت‬
‫نن نشاط علماء نتبتلين‪ ،‬جازفوا بحياتهم ضد البابوية‪ ،‬ونحارق نحاكم التفتيش‪ ،‬نثا و(نارين‬
‫نيرسين) الذي قام بنشاط خطير عام ‪1630‬م‪ ،‬حلين بلدأ يعقلد جلسلات سلرية نلرتين أسلبوعيا‪،‬‬
‫السللتقطاب اادنغللة فللي أوربللا‪ ،‬وفللي نجلسلله ذاك وفللا (ديكللارت) إلللى ننهجلله فللي الهندسللة‬
‫التحليلية نع طنين ذبابة؟!‬
‫وكما يقول (نالك بن نبي) أ تفاحة نيوتن عند (جده) أي جد نيوتن‪ ،‬لم تلزد علن قضلمات نلن‬
‫فاكهة نمتعة تتحول في النهاية إلى روث؟ كما كا يفعا الملك (هنري الثانن) وهلو يقتلا سلتة‬
‫نن زوجاته بقطع الرأس بالساطور والبلطة؟؟‬
‫أنا نيوتن فعاش في ظروف نتخمرة‪ ،‬قدحها نشاط حميم في أوربا‪ ،‬وتيار نتدفق نن العبقريات‪،‬‬
‫بدأت تأخذ التأثير العكسي المتبادل‪ ،‬وهكذا ولدت العبقريات‪ ،‬وعلى نحلو نتلدفق نتسلسلا؛ ففلي‬
‫عام ‪ 1615‬م يكتشف كبلر قانونه الثالث في الفللك‪ ،‬أ الكواكلب تتهلادى فلي الفللك ااعللى فلي‬
‫نواقع تتراوح بين (نربع) السرعة‪ ،‬و(نكعب) بعدها‪ ،‬نن تأنله كيف كا تجار الخمور يقيسو‬
‫حجم البرانيا بعصا نائلة‪.‬‬
‫وفي عام ‪1628‬م يكتشف (وليم هارفي) الدورة الدنوية‪.‬‬
‫وفي عام ‪1632‬م يضلع (جلاليلو) كتابله المزللزل علن دورا اارض والشلمس‪ ،‬ونعهلا تسلقط‬
‫ورقة التوت عن عورة الكنيسة‪ ،‬بعد أ دخلت القر السابع عشر بمشاعا نخيفلة نلن نحرقلة‬

‫‪155‬‬
‫(جيوردانو برونو)‪ ،‬الذي خالف الكنيسة بوجود عوالم النهائية‪ ،‬فهي نن آيات هللا في السموات‬
‫واارض‪ ،‬ونا بث فيهما نن دابة‪ ،‬وهو على جمعهم إذا يشاء قدير‪.‬‬
‫وفي عام ‪ 1637‬م يضع (رينيه ديكارت) (المقال على المنهج)‪ ،‬وبهذا يعتبر نن البناة النظريين‬
‫للحضارة الحالية العقالنية‪.‬‬
‫وفي عام ‪1648‬م يقوم (توريشللي) الطلياني بقياس الضغط الجوي‪.‬‬
‫وفي عام ‪1661‬م يشق (بويلا) طريقله إللى الكيميلاء الحديثلة‪ ،‬وبلذلك ينتهلي العصلر اليونلاني‬
‫ونظرية القرو الوسطى‪ ،‬في فهم الكلو عللى أسلاس نلن العنافلر ااربعلة‪( :‬التلراب والملاء‬
‫والهللواء والنللار)؛ لينتهللي الموضللوع نللع (ديمتللري ننللدلييف) الروسللي فللي وضللع تصللنيفه‬
‫(الدوري) الرائع عن العنافر المعدنية‪.‬‬
‫أنا (أوجست كيكول) فقد جاءته تلك اللحظة نلن ونليض العبقريلة فلي فهلم الكيميلاء العضلوية‬
‫وترابط ذرات الفحم على شكا أفعى تلتقم ذيلها‪ ،‬وكا ننانا فلادقا فلتح الطريلق لتأسليس عللم‬
‫جديد‪.‬‬
‫ويقول الفيلسوف البريطاني (برتراند راسلا) فلي كتابله (النظلرة العلميلة) أ خالفلة النهضلة‬
‫ااوربية وعصلر النهضلة يلدين لمائلة دنلاغ ال يزيلد‪ ،‬وللو تلم اغتيلالهم وافلطيادهم عللى أيلد‬
‫نخابرات الكنيسة‪ ،‬لما كا هناك نهضة وناهضو ؟‬
‫ونحن في العالم العربي اليلوم نعليش هلذا العصلر‪ ،‬عصلر المماليلك البرجيلة أيلام سلعيد جقملق‬
‫المملللوكي تحللت أسللماء نللن حكللام عللرب يعيللدو دورة التللاريخ نقلوبللة للخلللف‪ ،‬نللن ظلمللات‬
‫ونخابرات العصور الوسطى‪ ،‬بما تحما نن تعصب واضطهاد وتثبيط لكا نشاط عقلي إبداعي‪..‬‬
‫وهذا يذكر بكتاب االعترافات الخطير الذي وضعه الكاهن (جلا نسللييه) اللذي يسلتحق نقاللة‬
‫خافة به‪ ،‬وحين قرأ أهالي اابرشية وفيته؛ نبشوا قبره‪ ،‬ولعنلوه‪ ،‬ونشلروا عظانله‪ ،‬وتبرئلوا‬
‫ننه‪ ،‬بعد أ خدم الكنيسة ثالثين عاناً‪ ،‬بكا فدق وإخالص‪ ،‬كما ذكر فلي وفليته‪ ،‬نعترفلا بأنله‬
‫كفر بالبابا والكنيسة والصليب والتثليث‪ ،‬ولم يتجلرأ حتلى (فلولتير) المعلروف بسلالطة لسلانه‪،‬‬
‫وسخريته نن رجال الكنيسة ودينها‪ ،‬على نشر كانا الوفية‪ ،‬بلا اقتطلف نقلاطع نلن وفليته‪،‬‬
‫فيها نن الوهج والطاقة نا تتحمله عقول القراء دو أ تحترق‪...‬‬
‫وهكذا فأوربا الحالية لم تولد هكذا ولم تتخلص نن قبضة نارد الفاتيكا بسهولة وفكر أرسطو‪..‬‬
‫وقام (دين كيث سلايمنتن) فلي كتابله (العبقريلة واإلبلداع والقيلادة) بدراسلة جديلة نعمقلة لكلا‬
‫العنافللر المتعلقللة بظللروف والدة العبقريللات‪ ،‬وهللو يللذ ّكر بكتللاب (المسللائا) للكللاهن الفرنسللي‬
‫(نارين نيرسين) الذي وضعه حول البحث العلمي‪ ،‬وانه يقوم على ثالث قواعد‪:‬‬
‫ل رفض كا نا يتعلق بسلطة سابقة‪.‬‬
‫ل اعتماد المالحظة المباشرة والتجربة‪.‬‬
‫ل وفياغة النتائج على شكا رياضي‪.‬‬
‫قام سايمنتن بدراسته على نمط ننفرد نثا‪ :‬الدراسة العلمية لعباقرة التاريخ عمونا‪ ،‬وااسلالف‬
‫والمورثات وااجيلال‪ ،‬والشخصلية والطلابع‪ ،‬والتعلليم‪ ،‬واإلنتاجيلة والنفلوذ‪ ،‬والعملر واإلنجلاز‪،‬‬
‫والجماليللات والكاريزن لا‪ ،‬وروح العصللر‪ ،‬والعنللف السياسللي وتثبلليط البحللث العلمللي‪ ،‬وقللوانين‬
‫القياس التاريخية‪.‬‬
‫والرجا وفا إلى نتائج نثيرة حقا وينصلح بلاإلطالع عليله‪ ،‬وأنلا قرأتله أكثلر نلن نلرة‪ ،‬عللى‬
‫قاعدة قراءة الكتاب الجيد أكثر نن نرة‪ ،‬عوضا عن قراءة أبحاث تافهة‪ ،‬تأتي نع بحر االنترنلت‬
‫في زبد يضر بالعقا ويضليع الوقلت ويلؤذي العلين ويللوث اللذاكرة‪ ,‬أو نحطلات فضلائية تعتملد‬
‫التهويش والتضلليا فلي النقلاش نلن سياسليين تلافهين يجيلدو الصلراخ والسلباب والتخلوين‬
‫والمراء ونفخ اابواق لألنراء والقادة العميا في البالد العربية‪..‬‬
‫وقد نهينا عن المراء‪ ،‬فمن ترك المراء وهو نحق بنى هللا له ربضا في الجنة‪ ،‬ولكن بيننا وبلين‬
‫ريح الجنة عرض نسافة نجرة ااندرونيدا ‪ 150‬ألف سنة ضوئية‪...‬‬

‫‪156‬‬
‫الفيلسوف والطبيب فيساليوس؟!‬
‫نن ال يقرأ التاريخ يدفع فاتورة أخطاءه نع الفوائد نركبة‪ ،‬وحين انبثق الوعي في أوربلا تحلرر‬
‫العقا بالورق‪ ،‬كما يقول المؤرخ ويلز‪ ،‬ولم يكن يصدق اإلنسا دخول أوربا عصور التنوير لوال‬
‫نائة عقا أو يزيدو ‪.‬‬
‫ونن هذه القصص الممتعة قصة الطبيب اإليطالي (فيساليوس) الذي شلق الطريلق إللى المحلرم‬
‫بتشريح جثة اإلنسا ‪ ،‬وضلرب ضلربته نلع كوبرنيكلوس ونلاجال ودارو ‪ ،‬فكلال نلنهم خلرق‬
‫المحرم في زاوية‪ ،‬فأنا كوبرنيكوس فقد قلب تصور الكو ‪ ،‬ونعه سقط عرش البابا وفولجانه‪.‬‬
‫وأنا ناجال فدار دورته اارضية؛ فكتب نلع كوللونبس عصلر ااطلنطلي‪ ،‬وحلبس العلرب فلي‬
‫قمقم المتوسط‪.‬‬
‫وأنا دارو فقلب قصة الخليقة‪ ،‬فخرت قبة الكنيسة‪ ،‬حتى اعترفلت بله بعلد قلر ونصلف وبعلد‬
‫طول عذاب ونماحكة‪..‬‬
‫لذا كانت قراءة التاريخ نفيدة وننها قصة هذا الطبيب المبدع‪..‬‬
‫ونما يروى أنه أثناء زيارة الطبيب االيطالي (فيسلاليوس ‪ )Visalius‬الموللع بالتشلريح‪ ،‬بلالط‬
‫الملك االسباني فيليب الثاني‪ ،‬في نطلع القر السادس عشلر (‪ 1562‬م) أ وللي العهلد الوحيلد‬
‫(الدو كارلوس) أفيب بصدنة في رأسه نن جراء سقوط نن حصا أدخلته في غيبوبة؟!‬
‫استدعي فيساليوس لالستشارة؟ فنصح بعما نرعب تخلخلت له نفافا الملك والحاشية !!‬
‫قال فيزاليوس‪ :‬أيها الملك ليس أناننا إلنقاذ حياة ولي العهد إال ثقب رأسه بواسطة (سفود) حاد‬
‫نسخن لدرجة االحمرار‪ ،‬يحفر به رأس ولي؟!!‬
‫عندنا استشار الملك نن حوله‪ ،‬أجمعت اآلراء على أ نا يقوله هو الجنلو بعينله وال أقلا نلن‬
‫ذلك‪ ،‬وإ كسر الجمجمة نثا (البطيخة) سوف يقود ولي العهد إللى الملوت عللى وجله التأكيلد‪،‬‬
‫وهمس البعض في أذ الملك‪ :‬إنه نجرم وليس طبيباً‪ ،‬ولعا فلي قتلله راحلة للعبلاد هللا نلن هلذا‬
‫الهرطيق‪ ،‬اللذي يلزعم أ نلا حلدث للولي العهلد ال عالقلة لله بالشلياطين والجلن وتعكلر نلزاج‬
‫المريخ؟!‬
‫كا فيساليوس قد انتقد الطبيب اليوناني (جالينوس) الذي استحالت آراؤه إلى نصوص نقدسلة‬
‫ال تقبا النقاش‪ ،‬وكا ونن خالل التشريح الميداني للبشر والحيوانلات‪ ،‬قلد وجله ضلربة علميلة‬
‫تهدم نزاعم جالينوس بتقوس عظام الفخلذ‪ ،‬فهلال أطبلاء ايطاليلا نلا قالله هلذا الفتلى المتهلور‪،‬‬
‫فأرادوا ترنيم نا قاله جالينوس واعتبار كالنه فحيحاً‪ ،‬بأ الذي حصا (تغير) طرأ على طبيعة‬
‫اإلنسا التشريحية‪ ،‬أنا كالم جالينوس فيبقى فلحيحا ً غيلر قابلا لللنقض‪ ،‬وكيلف يلدخا الخطلأ‬
‫على عقا رجا نثا جالينوس؟ أو يفوته نثا هذا اإلدراك؟‬
‫فقال نن دافع عن رأي جالينوس أنله كلا نحقلاً‪ ،‬ولكلن اللذي قللب طبيعلة عظلام الفخلذين نلن‬
‫التقوس إلى االستقانة هو ارتداء ااوربيين للسراويا الضيقة ؟!‬
‫وهذه نشكلة عقلية قديمة‪ ،‬وهي نفس الحجة التي ساقها فرعو لموسى حينملا شلرح لله فكلر‬
‫التوحيد؛ فتعجب فرعو نن ذلك وقال‪ :‬ها يعقا أ تفهلم أنلت هلذا الشليء ويفلوت هلذا اللذين‬
‫سبقونا (فما بال القرو ااولى؟)‪..‬‬
‫ويعلق المؤرخ (ويا ديورانت) على هذه الواقعة بأ (فيساليوس) وقلع فلي نوجلة نلدنرة نلن‬
‫السوداوية؛ فقام بحرق نوسوعته الطبية‪ ،‬التي كا يقلوم بتأليفهلا حينلذاك حلول كتلاب اللرازي‬
‫المشهور في الطب (المنصوري) وهو كتاب في عشر نجلدات‪:‬‬

‫‪157‬‬
‫جاء في كتاب قصة الحضارة‪( :‬وفي عاففة نن خيبة اانا فلي نوقلف هلؤالء الرجلال‪ ،‬أحلرق‬
‫فيساليوس نجلدا ً ضخما ً نن كتاب التعليقات‪ ،‬وتفسيرا ً لألجزاء العشرة التي يتلألف ننهلا كتلاب‬
‫الرازي المنصوري وهو نوسوعة في الطب)‪.‬‬
‫وأنام ضغط رجال الدين والمتملقين نن حوله نالت نفس المللك فيليلب إللى االنتظلار والترقلب‪،‬‬
‫وارتاح إلى نصليحة الكهنلة وأطبلاء اللبالط فلي العلالج‪ ،‬وابتلدأ نشلاط جلم فلي االتصلال بلالجن‬
‫والشياطين‪ ،‬ونشت جموع غفيرة في نظاهرات فاخبة وهي تعوي وتضرب نفسها بالسالسلا‪،‬‬
‫وهرعللللت فرقللللة ثالثللللة وهللللي تقللللرب ااضللللاحي للقديسللللة المعروفللللة فللللي (بلللللد الوليللللد‬
‫‪ )VALADWALID‬ندينة الملك اانوي القديمة‪ ،‬التي تحولت إلى نزار لقديسين وقديسات‬
‫بأسماء النهاية لها‪.‬‬
‫ولكن حالة ولي العهد ازدادت سوءاً‪ ،‬نع ارتفاع نوجة تعذيب النفس والضرب بالسوط كطريقلة‬
‫للتطهير ودفع اارواح الشريرة‪ ،‬وأشرف الفتى على الهالك‪ ،‬ووضعت على الجرح التمائم وآثار‬
‫القديسين‪ ،‬وجلد ااتقياء أنفسهم توسالً إلى السماء أ تشفيه بمعجزة‪ ،‬ولكن هذا لم يجد فتيالً‪..‬‬
‫كا الملك علاقالً فاسلتدعى الطبيلب (فيزاليلوس) اللذي أفلر نلرة أخلرى عللى ثقلب الجمجملة‬
‫كمخرج وحيد إلنقاذ حياة ولي العهد‪.‬‬
‫وتقول المصادر العلمية أ هفيساليوس أفر على فتح الجمجمة‪ ،‬وتمت العمليلة فلي جلو كبيلر‬
‫نن التكتم والسرية‪ ،‬وتم ثقب اللرأس؛ فتلدفقت إللى الخلارج دنلاء سلوداء وكثيلر نلن الصلديد‪،‬‬
‫وسحب ننها كمية كبيرة نن القيح‪ ،‬ونا لبلث اانيلر أ تماثلا للشلفاء وهبطلت حرارتله‪ ،‬وبعلد‬
‫إجراء العملية بثمانية أيام سار فيليب في نوكب نهيب لتقديم الشكر هلله‪..‬‬
‫نحن نضحك اليوم نن الواقعة ولكن بالط الملك وعقالء القوم يونها لم يكونوا يضحكو ؟؟‬
‫ويروي التاريخ أ ااطباء ااسبا رتبلوا للطبيلب فيسلاليوس نكيلدة‪ ،‬عنلدنا قلام بإنقلاذ انلرأة‬
‫تعسرت والدتها؛ فكادت أ تموت‪ ،‬فلما بقر البطن بشق السكين ااول كادت أ تهللك لسلاعتها‪،‬‬
‫فالعمليات كانت تجرى بدو تخدير سوى ضرب الرأس إلدخال المريض في غيبوبة أو اإلنساك‬
‫به أو تجريعه كمية كبيرة نن الخمور‪ ،‬ولكن السيدة الحانا رجعت إلى الحياة بالضربة الثانيلة‪،‬‬
‫وتم استخراج الجنين على وجه السرعة‪ ،‬وإعادة خياطة البطن على جسم أقرب إلى الملوت نلن‬
‫الحياة‪.‬‬
‫ساد فوشلوا بله؛ فسلارعت نحلاكم‬ ‫فعقت اسبانيا لجرأة وتهور هذا الجراح وتطوع الزنالء الح َّ‬
‫التفتيش االسبانية الرهيبة بإلقاء القبض عليه‪ ،‬بدعوى أنه نشحو بقوى الشياطين‪ ،‬ولم يشفع‬
‫له إال إنقاذ (الدو كارلوس) ولي العهد ونجاة اانيرة نن نخاض قاتا‪ ،‬ولكنهم اشترطوا عليله‬
‫نغادرة البلد بدو عودة وتوبة نصوح في القدس عند قبر المسيح‪ ،‬وبعلد عودتله نلن المقلدس‬
‫تحطمت سفينته وسقط في العراء عند الزاوية الجنوبية الغربية نن اليونا ‪ ،‬ونات هذا الجلراح‬
‫النطاسي عن عمر يناهز الخمسين نذؤونا ندحورا نذنونا نخذوال‪..‬‬

‫‪158‬‬
‫قصة جان مسلييه‬
‫الكاهن الملحد وعهده الجديد‬
‫يذكر المؤرخ اانريكي (ويا ديورانت) في كتابه قصة الحضارة حكاية نثيرة عن أجواء الخوف‬
‫نن (التعبير) في أوربا عن القس ( جا نسلييه ‪ 1678‬ل ‪ 1733‬م ) راعي أبرشية (أتربيني)‬
‫في شمبانيا الذي كا في كا عام (يمنح الفقراء كا نايتبقى نن راتبه بعد تسديد نفقات حياته‬
‫المعتدلة البعيدة عن االسراف والتبذير) ولكنه عاش أزنة فكرية حادة بقيت فيها أفكاره‬
‫نحبوسة في زنزانة الجمجمة طوال حياته في حالة خوف وترقب أ يفتضح أنره ويقرأ الناس‬
‫ناكتب‪ ،‬وعندنا نات (بعد ثالثين عانا ً نن حياة هادئة نثالية في وظيفة الراعي قضى نحبه وهو‬
‫في الخانسة والخمسين نوفيا ً بكا نايملك اهالي اابرشية) فدفنه أها القرية بكا إجالل‬
‫وتعظيم أنه التقي تاركا ً خلفه نذكراته في ثالث نسخ نن نخطوطة بعنوا (عهدي الجديد)‬
‫وعندنا بدأ الناس يطلعو على ناجاء في أوراقه أفيبوا بزلزال وبدأوا في فب اللعنات على‬
‫رأس ذلك الشقي الخائن كيف استطاع أ يتكتم على آراءه طيلة ثالثة عقود‪ .‬وكا التساؤالت‬
‫الخطيرة التي تتطلب الحا لنظام اافكار المسيطر في عصره قام (نسلييه) باستعراضه بأسلوب‬
‫شيق وعرضها في ففحات نطولة فلم يترك نسألة عويصة أو وضعا ً غير ننطقي للكنيسة‬
‫والعرف السائد اال وتعرض له في نقد اليعرف الرحمة‪ ،‬ولكنها أسطر كتبها بينه وبين نفسه في‬
‫هدوء الليا في غيبة عن عيو الفضوليين والجواسيس والرقيب؛ فلم يطلع عليها كائن قط‬
‫حتى الموت‪ ،‬نع اعتذار شديد اها القرية أنه كتم آراءه عنهم كا تلك الفترة؛ فلم يكن يونا ً‬
‫نعتقدا ً بما كا يمارسه نن طقوس و (توسا اليهم في المخطوطة أ يغفروا له أنه خدم‬
‫الخطيئة وااهواء طوال نقانه بينهم) فقد تقلد عمله ليس طمعا ً في المال با انتثاالً لما أنره به‬
‫أبويه؟ و نن الطرافة ذكر بعض نفثات هذا الرجا الذي أطلق العنا لل (حرية التفكير) في‬
‫الوقت الذي حبس كا (نجاري التعبير) عنده طوال حياته لنعرف نصير اافكار المحبوسة عن‬
‫(التعبير)‪ .‬ونما كتب‪(:‬لن أضحي بعقلي إلنه وحده يمكنني نن التمييز بين الخير والشر وبين‬
‫الحق والضالل‪ .‬لن أتخلى عن الخبرة إلنها نرشد وهاد أفضا بكثير نن الخيال أو نن سلطا‬
‫المرشدين‪ .‬لن أرتاب في حواسي ولست أتجاها أنها يمكن أحيانا ً أ تؤدي بي الى الخطأ ولكني‬
‫نن جهة أخرى أدرك أنها لن تضللني دائماً‪ .‬إ حواسي تكفي لتصحيح ااحكام والقرارات‬
‫المتسرعة التي نلت الى اتخاذها)‪ .‬لقد كانت كتابات (نسلييه) في نقاييس عصره أكثر الكتابات‬
‫إيغاالً في نخالفة السائد والمسيطر نن اافكار لذا لم يتجرأ (فولتير) نفسه اال على نشر أجزاء‬
‫ننها ورأى فيها شيئا ً نن التطرف حاول تعديله‪ ،‬ونن الواضح أ نسلييه كا قد وفا الى‬
‫الالعودة نع الكنيسة والمسيحية‪ .‬وعندنا يتحدث عن الحروب الدينية في أوربا يقول‬
‫‪(:‬زعزعت الخالفات الدينية أركا االنبراطوريات وأدت الى الثورات وخربت أوربا بأسرها ولم‬
‫يكن نن الميسور إخماد هذه النزاعات الحقيرة حتى في أنهار نن الدناء‪ .‬إ اانصار‬
‫المتحمسين لدين يدعو الى البر واالحسا والتآلف أثبتوا أنهم أشد ضراوة وقساوة نن أكلة‬
‫لحوم البشر أو المتوحشين)‪ .‬ليصا في نهاية اطروحته الى أ (الناس أشقياء لمجرد أنهم جهلة‬
‫وهم جهلة إل كا شيء يتآنر على الحيلولة بينهم وبين االستنارة وهم أشرار لمجرد أ عقلهم‬
‫لم يتطور بدرجة كافية‪ .‬وبعد أ ذكر جا نسلييه ناسلف يختم عهده الجديد بعبارة يتحدى فيها‬
‫كا الذين يمقتونه ويصبو عليه اللعنات (دعهم يفكروا أو يحكموا ويقولوا ويفعلوا نايريدو ‪.‬‬
‫لن أعبأ بهم كثيرا‪ .‬با اني اليوم لم أعد أعبأ كثيرا بما يحدث في العالم ؟)‪ .‬ويعلق ديورانت على‬
‫فدق وفراحة هذا الرجا غير المعهودة على هذا النسق نن العبارات الصاعقة ( ها وجد ثمة‬

‫‪159‬‬
‫عهد أو نيثاق نثا هذا في تاريخ البشرية جمعاء؟ يعيش ننسيا ال ذكر له في قرية قد ترتعد‬
‫فيها كا النفوس رعبا وهلعا اال نفسه هو لمجرد االطالع على أفكاره الخفية ولهذا لم يتحدث‬
‫بمثا هذه الحرية اال لمخطوطته؟)‪ .‬وقام ( فولتير ) بنشر أجزاء نن كتاب الكاهن (نسلييه) كما‬
‫أ (ديدرو) و (دي هولباخ) قدنا خالفة له عام ‪ 1772‬م تحت عنوا (رجاحة عقا الكاهن‬
‫نسلييه) ولكن النص الكانا للكتاب لم يطبع اال بعد ‪ 130‬سنة نن نوت فاحبه في عام ‪1864‬‬
‫م والمخطوط اليوم نحفوظ في المكتبة الوطنية في باريس ‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫فلسفة ابن خلدون االجتماعية‬
‫ال يمكللن فهللم ااحللداث بللدو ( فلليرورتها التاريخيللة ) وترابطهللا الزننللي‪ ،‬وننهللا فلليرورة‬
‫الحضارة اإلسالنية ؟‬
‫ونا يحدث ال يشذ عن القانو التاريخي‪ ،‬في العالقة الجدلية بين ااحداث ‪ ،‬فكا حدث هو نتيجلة‬
‫لما قبله ‪ ،‬وهو وبنفس الوقت سبب لما سيأتي بعده‪ .‬وبذلك يصبح الشريط التاريخي نثلا الفليلم‬
‫فال يمكن فهمه نن خالل إيقافه عند لقطة بعينها‪ ،‬با البد نن استعراض الفليلم التلاريخي‪ ،‬حتلى‬
‫يمكن إدراك المغزى التاريخي لجملة ااحداث كلها‪.‬‬
‫هذا الفهم (الحركي) هو اللذي أوحلى لعلالم االجتملاع الفرنسلي (أوجسلت كونلت) فلي دراسلته‬
‫للمجتمع على (وضعيتين) كوضع جاند استاتيكي (تشريحي ‪ ،)ANATOMICAL‬والمجتمع‬
‫كوضلع نتغيللر نتحللرك (دينللانيكي)‪ .‬وفللي الطللب نعلرف هللذه الحقيقللة أي الجسللد كوضللع ثابللت‬
‫(تشريحي)‪.‬‬
‫وهو نا يفعله ااطباء المبتدئو في التعرف عللى تشلريح البلد ‪ ،‬فلي قاعلات تشلريح الملوتى‪،‬‬
‫وهو ننظر جعلني وأنا أواجهله لجثلة انلرأة عاريلة بيضلاء نستسللمة لمبضلع المشلرح بلدو‬
‫نقاونة وحس‪ ،‬جعلني أبكي طوال الطرق نن القاعة حتى المتحف الحربلي القريلب نلن جانعلة‬
‫دنشق‪ ،‬وأقول خالص كانت انرأة عاشت كما عشت‪ ،‬وهاهي شيء للقطع والتشلريح واالهتلراء‬
‫حتى ال يبقى ننه شيء في النهاية‪ ،‬سوى العظام البالية لتلقى في نكا نجهول‪.‬‬
‫أحصاه هللا ونسوه وهللا على كا شيء حفيظ‪..‬‬
‫نحن نعرف الجسد كعالقة أشياء ثابتة بدو حركة‪ .‬والجسد هنا هاند نيلت والحيلاة شليء آخلر‬
‫نتقلب نتغير‪.‬‬
‫نحن نعرف الجسم في العادة نن خالل حقيقة أخرى ذات ننعرجين‪:‬‬
‫الحركة الدائمة المنظورة الحاضرة كما في علم الفسيولوجيا (علم الغرائز) ووضلع نتغيلر عبلر‬
‫اللللزنن أيضل لا ً فلللي اتجلللاهين‪( :‬نملللو) عنلللد الجنلللين أو (نكلللس وتراجلللع) فلللي (الباثولوجيلللا‬
‫‪ )PATHOLOGY‬نا يعرف بعلم التشريح المرضي‪ .‬وهو نا يتطابق نع خريف العمر اللذي‬
‫أعيشه حاليا بكا انتالء‪.‬‬
‫ويعللرف الطللب هللذين بمصللطلحين (النمللو واالنتعللاش ‪ )REGENERATION‬و (التراجللع‬
‫والنكس ‪ ) DEGENERATION‬واستخدم القرآ هذا المصطلح ااخير على طريقته (ونن‬
‫نعمره ننكسه في الخلق أفال يعقلو ؟)‬
‫في نهاية القر الثانن الهجري (الموافق لنهاية القر الرابع عشر الميالدي) وفي قلعة ننعزلة‬
‫في أقصى المغرب العربي‪ ،‬جلس رجا غريب ااطوار سياسي داهية نخضلرم‪ ،‬سللقته ااحلداث‬
‫الجسام وأنضجته عظائم اانور‪ ،‬نحلق التفكير جلم النشلاط ‪ ،‬يسلطر بحثلا ً فلي التلاريخ‪ ،‬غريلب‬
‫العنوا (كتاب العبر وديوا المبتدأ والخبر في أخبار العرب والعجم والبربر ونن عافرهم نلن‬
‫ذوي السلطا ااكبر) يخلص فيه إلى نتيجة لم تخطر عللى بلال أحلد نلن قبلا‪ ،‬فقلد اسلتطاع أ‬
‫يحلق بعقله عبر القرو ‪ ،‬فيصا إلى فهم حركة التاريخ‪ ،‬ويكتب نعوة الحضلارة اإلسلالنية بهلذه‬
‫الكلمات القليلة‪:‬‬
‫(وكأني بالمشرق قد نزل به نثا نا نزل بلالمغرب‪ ،‬لكلن عللى نسلبته ونقلدار عمرانله‪ .‬وكأنملا‬
‫نلادى لسلا الكلو فلي العللالم بلالخمول واالنقبلاض‪ ،‬فبلادر باإلجابلة‪ ،‬وهللا وارث اارض ونللن‬

‫‪161‬‬
‫عليها‪ ،‬وإذا تبدلت ااحوال جملةً‪ ،‬فكأنما تبدل الخللق نلن أفلله‪ ،‬وتحلول العلالم بأسلره‪ ،‬وكأنله‬
‫خلق جديد ونشأة نستأنفة وعالم نحدث)‪ ..‬هذا الرجا هو ابن خلدو التونسي‪.‬‬
‫وتنبع أهمية نا كتبه ابن خلدو أنه كا يتمتع بحس (قانوني ‪ -‬سنني) نرهف‪ ،‬فهو يحاول فهم‬
‫علا ااشياء‪ ،‬ويدخا إلى بطن ااحلداث‪ ،‬ليكتشلف القلانو اللذي يسليطر عللى توجيله ااحلداث‬
‫فيقول‪:‬‬
‫(فالتاريخ في ظاهره ال يزيد على أخبار عن اايام‪ ،‬وفلي باطنله نظلر وتحقيلق وتعليلا للكائنلات‬
‫ونباديها دقيق‪ ،‬وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق)‬
‫هذا االكتشاف المدهش الذي توفا إليه ابن خلدو يعتبر انقالبيا ً ونوعيا ً في تاريخ الفكلر كلله‪،‬‬
‫فهو نزل إلى الحوض التاريخي‪ ،‬يقرأ ااحلداث ويحلاول فهمهلا‪ ،‬لليس كقطلع نمزقلة‪ ،‬ونثلارات‬
‫نرنية‪ ،‬وحوادث ال يجمعها خيط ‪ ،‬أو ينتظمها قانو ‪ ،‬با كواقع بشري يخضع لل (سلنة هللا) فلي‬
‫حللق إللى نرتفلع شلاهق‪ ،‬فلملح بونضلة علين‬ ‫خلقه‪ ،‬فاكتشف قانو قيام اللدول ونوتهلا‪ ،‬كملا َّ‬
‫انتهاء نسيرة الحضارة اإلسالنية‪.‬‬
‫وأهمية هذه الفكرة أنله بلذلك أدخلا (الفهلم السلنني) إللى نجلال التلاريخ‪ ،‬فلال غرابلة أ اعتبلر‬
‫المؤرخ البريطاني جو أرنولد توينبي عما ابن خلدو التاريخي ل والعلماء يقلدرو بعضلهم ل‬
‫بأنه (أعظم عما نن نوعله أنتجله أي عقلا فلي أي نكلا أو زنلا ‪IT IS THE BEST -‬‬
‫‪WORK OF ITS KIND THAT IS CREATED BY ANY MIND IN‬‬
‫‪.)ANY TIME OR PLACE‬‬
‫أو أ يعتبره (فلنت) كملا جلاء فلي كتلاب (تجديلد التفكيلر اللديني) لمحملد إقبلال‪( :‬إ أفالطلو‬
‫وأرسطو وأوجستين ليسوا نظراء البن خلدو ‪ ،‬وكا نن عداهم غير جديرين حتلى بلأ يلذكروا‬
‫إلى جانبه)‪.‬‬
‫ولعا نن أعظم اكتشافات ابن خلدو انتباهه الى قانو قيام اللدول وسلقوطها‪ ،‬ونلع أنله انتبله‬
‫الى فكرة الحضارة‪ ،‬وكا نن ااوائا الذين انتبهوا لهذا المفهوم‪ ،‬ولكلن (اادوات المعرفيلة) للم‬
‫تكن في عصره تمكنه أو تمنحه قدرة الوفول الى فهم نن نستوى هذه العتبة‪ ،‬حتلى جلاء جيلا‬
‫جديد نن العلماء نن نموذج (توينبي وشبنجلر وويلز) فكشلفوا النقلاب علن نسلتوى جديلد نلن‬
‫فهم الوجود اإلنساني في نستوى الحضارة‪.‬‬
‫وهو نا دفع (نالك بن نبي) أ يسطر نجموعة كتبه بسلسة نشكالت الحضارة‪.‬‬
‫وأجما نا في فكر ابن خللدو هلو اسلتفادته وربطله هلذا الفكلر السلنني المحللق بلالقرآ ‪ ،‬فلي‬
‫نحاولة نزج العلم باإليما كممارسة عادية‪ ،‬وهي التي أشكلت وحيرت الكاتب القلوني (سلاطع‬
‫الحصري) الذي رأى في هذا المزج‪ ،‬أنها كانت نن طبيعة العصر المملوء بالخرافة والتخلف في‬
‫عصره‪ ،‬فاعتذر عن ابن خلدو بالنيابة أنه استخدم اآلية القرآنية نما يخجا ابن خلدو ‪.‬‬
‫انتلك ابن خلدو نن قدرة التحليق نا يخترق به القرو ليقنص قوانين عجيبلة نثيلرة‪ .‬وكانلت‬
‫الحجب تسقط أنام عينيه فجأة ليغرق نن حين آلخلر بشلعور نلن النشلوة الحالملة فلي المغلزى‬
‫الالنهائي لألشياء‪ ،‬على حد تعبير الفيلسوف البريطاني كولن ولسن فلي كتابله (االنسلا وقلواه‬
‫الخفية ‪:)THE OCCULT‬‬
‫ه إ الدين والنزعة الصوفية والسلحر تنبلع كلهلا نلن نفلس اإلحسلاس ااساسلي إزاء الكلو ‪:‬‬
‫إحساس نفاجئ بل (المعنى) الذي يستطيع الناس أحيانلا ً أ يلتقطلوه نصلادفة‪ ،‬نثلملا قلد يللتقط‬
‫نذياعك نحطة نجهولة دو قصد‪ ،‬والشعراء يشعرو بأننا نفصولو عن المعنى بحلائط نلن‬
‫الرفاص‪ ،‬وأننا أحياناً‪ ،‬نستطيع أ ندرك أ الحائط يبدو وكأنه قد اختفى‪ ،‬وأننا فجأة نغمورو‬
‫بالمغزى الالنهائي لألشياءه‪.....‬‬

‫‪162‬‬
‫عقاب الفيلسوف ابن رشد‬
‫ومعركة العقاب‬

‫حتى يمكن فهم أين يقف العلم اليوم البد نن نعرفة كيفية بدئه ؟ فكا علم له بداءات أولية ‪،‬‬
‫سبب لما سيأتي بعده ‪ ،‬فهناك‬
‫ٌ‬ ‫ث هو نتيجةٌ لما قبله وهو بنفس الوقت‬ ‫وتشكالت جنينية ‪ .‬كا حد ٍ‬
‫عالقة جدلية بين ااحداث ‪ ،‬وهناك ترابط نحكم بين الوقائع ‪.‬‬
‫بينما كنت أتأنا جدرا قصور غرناطة في رحالتي المتكررة إلى اسبانيا لفت نظري‬
‫تكرر عبارة ( الغالب إال هللا ) ننقوشة في الجدرا بشكا واضح نكرر اليضا في قراءتها أي‬
‫قاريء للغة العربية ‪ ،‬فسرح بي الخيال في نحاولة ( استنطاق ) لهذا النص وخلفيته المعبّرة ‪.‬‬
‫إنهم يرو أنهم يهزنو ولكن ( وللتعويض ) في وجه خصونهم الذين قهروهم وبقوا في‬
‫أرضهم القرو الطوال ‪ ،‬يجب أ يقولوا إ الذي يهزنهم ليس خصمهم با ( هللا ) الذي الطاقة‬
‫إلحد به والقدرة ‪ .‬إذ كا حالً نفسيا ًً نريحا ً ‪ ،‬ولكن هذا الترنح كا قبا الهزيمة النهائية ‪،‬‬
‫والطرد نن شبه الجزيرة اإليبرية ‪ ،‬وإبادة نن بقي فيه رائحة نن بقيتهم ‪.‬‬
‫كا هذا بدأت قصته بشكا نبكر أبكر بكثير نما يرويه الحجر الميت الذي كنت أقرأ فيه بقايا‬
‫هذه الكلمات ( الغالب إال هللا ) ‪.‬‬
‫وبينما كنت نع فديقي المقيم في إسبانيا نن عقود نمر بالسيارة بجنب ندينة ( رويال‬
‫ثيوداد‪ ( ROYAL CIUDAD‬سألته عن المدينة نتجاهالً ها تعرف عن تاريخها شيئا ًً‬
‫فأجاب بالنفي قلت له التذكر عالقتها بالتاريخ أبدا ًً ؟؟ فكرر بالنفي ‪ ،‬فكرت في نفسي ‪ :‬إننا‬
‫نر عليها !! ‪.‬‬
‫أنة نكبت نرة أخرى إلنها التعرف أفظع شيء َّ‬
‫قلت له إ المؤرخ نحمد عبد هللا عنا كتب نوسوعة كانلة عن تاريخ المسلمين في الجزيرة‬
‫‪ ،‬وجاء بنفسه إلى هذا المكا قريبا ً نن هذه المدينة ونبش في أرضها ‪ ،‬با واكتشف في بعض‬
‫الحفر بقايا ( رؤوس رناح وأنصال ) نن آثار أخطر نعركة تمت في هذا المكا في عام‬
‫‪ 1212‬م الموافق ‪ 609‬هل ‪.‬‬
‫ولكن نالنا وللقصة اآل ‪ .‬دعنا النستبق ااحداث ‪ ،‬ولنكشف اللثام عن ففحة سوداء نن‬
‫النكبة العلمية في تاريخنا ‪ ،‬با وفي تاريخ الجنس البشري لنستعرض رحالت العلم والتفتح‬
‫الذهني المترافقة بالمعاناة والعذاب ‪.‬‬
‫في قرار لعن العالم المسلم والطبيب النطاسي أبي الوليد ( ابن رشد ) نلهم النهضة اإلنسانية‬
‫الحالية ؛ ذكر فاحب كتاب ( الذيا والتكملة ) ابن عبد الملك نص اإلدانة الكانا ‪ ،‬سننقا ننه‬
‫بعض الفقرات لمقارنتها بنصوص إدانة أخرى ‪ ،‬وأحكام نرعبة تاريخية رهيبة تالية في نسيرة‬
‫نهضة العقا اإلنساني على ندار رحلة الجنس البشري في بقاع ننوعة ‪ ،‬وثقافات نتباينة ‪،‬‬
‫وأديا شتى ‪ ،‬في نحاولة إلنساك وفهم سنة هللا التي تتكرر والتخيب في المستوى اإلنساني ‪،‬‬
‫نستوى قانو ااحداث النفسية االجتماعية في نعركة الخرافة والعلم ‪ (( :‬وقد كا في سالف‬
‫الدهر قوم ‪ ،‬خاضوا في بحور ااوهام ‪ ...‬فخلدوا في العالم فحفا ً ‪ ،‬نالها نن خالق ‪ ،‬نسودة‬
‫المعاني وااوراق ‪ ..‬يوهمو أ العقا نيزانها ‪ ،‬والحق برهانها ‪ ...‬ونشأ ننهم شياطين‬
‫يخادعو هللا والذين آننوا ‪ ...‬فكانوا أضر عليها نن أها الكتاب ‪ ...‬وهؤالء قصارى همهم‬
‫الغمونة والتخييا ‪ ،‬وبث عقاربهم في اآلفاق ‪ ..‬فاحذروا _ وفقكم هللا _ هذه الشرذنة حذركم‬
‫نن السموم السارية في اابدا ‪ .‬ونن عثر له على كتاب نن كتبهم فجزاؤه النار التي بها يعذب‬

‫‪163‬‬
‫أربابه ‪ ،‬وإليها يكو نآل نؤلفه وقارئه ‪ ...‬وهللا تعالى يطهر نن دنس الملحدين أفقاعكم‬
‫ويكتب في فحف اابرار تضافركم على الحق واجتماعكم ‪ ،‬إنه ننعم كريم )) ؟؟!! ‪.‬‬
‫هذا كا نصير الفيلسوف المبدع الذي استفادت ننه أوربا أكثر نن العالم اإلسالني ‪ ،‬ففي‬
‫الوقت الذي أطلق فيها شرارة العقا المفكر ‪ ،‬كا هذا الصك يحكي لنا حرق كتبه أينما وجدت !!‬
‫‪ .‬وبذا أعدنت نؤلفاته نن أنثال ( شروحات أرسطو ) و( تهافت التهافت ) و (فصا المقال فيما‬
‫بين الشريعة والحكمة نن االتصال ) ‪ .‬وهي اليوم كتب نادرة اليستفيد ننها أحد ‪ ،‬كما لم يستفد‬
‫ننها أحد سابقا ً ( باستثناء الغرب !! ) ‪.‬‬
‫كا نصير ابن رشد أفضا حظا ً نن غيره إلنه لم يحرق حيا ًً ‪ ،‬با اكتفي بنفيه إلى (‬
‫الليسانة ) ليقضي فيها ناتبقى نن أيام شيخوخته ‪ ،‬إلنه ألقي هناك نعزوالً ننبوذا ً ندحورا ً وهو‬
‫في السبعين نن عمره ‪ ،‬ولم يعش بعدها إال سنوات قليلة ‪.‬‬
‫كا ذلك التاريخ المشؤوم عام ‪ 591‬هل الموافق ‪ 1194‬م حيث نات المفكر المبدع بعدها في‬
‫عام ‪1198‬م أي نع خاتمة القر الثاني عشر الميالدي ونهاية القر السادس الهجري ‪.‬‬
‫ولكن اانة التي تفعا بمفكريها هذه الفعلة ها تبقى بدو عقاب ؟؟ لنسمع إذ خبر التاريخ‬
‫عن نعركة ( العقاب ) ؟! ‪.‬‬
‫بعد نوت الفيلسوف العظيم بأربعة عشر عانا ً نكبت ( اليتيمة واايتام ) على حد تعبير الخليفة‬
‫الموحدي ( المنصور ) الذي وفف ااندلس وأهلها بها ‪ ،‬وأوفى بهم على فراش الموت ‪،‬‬
‫بنكبة عسكرية لم يقم لهم قائمة بعدها‪ .‬كا ذلك في نعركة ( العقاب ) في يوم االثنين الخانس‬
‫عشر نن ففر سنة ‪609‬هل ( ليلة ‪16‬يوليو سنة ‪1212‬م ) ‪.‬‬
‫وكما كانت نعركة ( الزالقة ) هي ( الفرنلة التاريخية ) للسقوط ااندلسي عندنا جاء الخليفة‬
‫المرابطي ( يوسف بن تاشفين ) في عام ‪1086‬م ( ‪ 479‬هل ) لينقذ ااندلس المنهار بعد فترة‬
‫حكم الطوائف التي دانت ثمانين عانا ً ( نن عام ‪399‬هل حتى عام ‪479‬هل ) فإ نعركة العقاب‬
‫هذه كانت بداية النهاية لالندلس ‪.‬‬
‫وحتى يمكن أ نعي الوضع التاريخي المكرب للمسلمين في ذلك الوقت واآلثار المأساوية‬
‫لتلك المعركة ‪ ،‬وإللقاء الضوء على هذه الفترة نن الظالم الفكري وضيق اافق والتعصب الذي‬
‫انتهى في فورة نأساة ابن رشد فإننا ننقا عن المؤرخ نحمد عبد هللا عنا نايلي ‪ (( :‬وأنا‬
‫في التواريخ اإلسالنية فإنها تعرف بموقعة العقاب ‪ ،‬نن نفردها عقبة ‪ ،‬وذلك فيما يرجح‬
‫لوقوعها بين الربى والتالل المانعة ‪ ،‬وليس بمعنى المعاقبة على الذنب ‪ ،‬وإ كا بعض‬
‫الكتاب والشعراء قد نسبوا إليها نثا هذا المعنى ‪ ،‬في نعرض التلويح بغضب هللا وعقابه‬
‫للموحدين ‪ ،‬إلنهم حادوا عن جادته ‪ ،‬وبغوا وتجبروا ‪ ،‬واعتمدوا على كثرتهم ولم يعتمدوا على‬
‫عونه ‪ .‬ونن المسلم أ خسائر المسلمين في نعركة العقاب كانت فادحة جدا ً ‪ .‬والروايات‬
‫اإلسالنية تجمع كلها على أ الجيش الموحدي قد هلك نعظمه ‪ .‬ويصف فاحب الحلا الوشية‬
‫المعركة بالهزيمة العظمى التي فني فيها أها المغرب ااندلس ‪.‬‬
‫وقد أسفرت هزيمة العقاب الساحقة عن أفدح وأروع اآلثار التي يمكن تصورها ‪ ،‬سواء‬
‫بالنسبة لألندلس أو المغرب أو الدولة الموحدية ‪ .‬فأنا بالنسبة لألندلس فقد قضت هذه الهزيمة‬
‫نهائيا ً على سمعة الموحدين العسكرية في شبه الجزيرة ‪ ،‬وتحطم ذلك الدرع الذي كانت تسبغه‬
‫الجيوش الموحدية ‪ ،‬القادنة نن وراء البحر ‪ ،‬على ااندلس وعلى دولة اإلسالم بها ‪.‬‬
‫وتضعضع سلطا الحكم الموحدي بااندلس ‪ ،‬وأخذت ااندلس نن ذلك الحين تنحدر إلى براثن‬
‫الفوضى الطاحنة ‪ ،‬وانتثرت غير بعيد إلى أحزاب وشيع جديدة ‪ ،‬قانت لتضرب بعضها‬
‫بعضا ًً‪ ،‬ولتبدأ عهدا ً جديدا ًً نن المعارك االنتحارية الصغيرة التي النهاية لها ‪ ،‬والتي تذكرنا‬
‫بعهد الطوائف ‪ ،‬وضمن ذلك النصر الباهر الذي أحرزته الجيوش النصرانية المتحالفة في‬
‫هضاب تولوسا ‪ ،‬السبانيا النصرانية تفوقها السياسي والعسكري في شبه الجزيرة ‪ ،‬وفتح‬
‫الباب واسعا ً لغزو االسترداد ( ‪ ) LA RECONQUISTA‬النصراني المنظم ‪ ،‬الذي سوف‬
‫يستمر نن ذلك الحين في اجتناء ثماره ‪ ،‬بانتزاع القواعد ااندلسية ‪ ،‬واقتطاع أشالء ااندلس‬

‫‪164‬‬
‫الكبرى بصورة نتتابعة ‪ ،‬وفي فترات قصيرة نذهلة‪ .‬وقد تردد هذا الفزع الذي سرى إلى‬
‫ااندلس يونئذ ‪ ،‬وناكا يفوح لها نن شبح الفناء ‪ ،‬نن جراء كارثة العقاب ‪ ،‬واضحا ً في‬
‫اادب والشعر فمن ذلك ناقاله أبو إسحق إبراهيم بن الدباغ االشبيلي ‪:‬‬
‫كأنك قد وقفت لدى الحساب‬ ‫وقائلة أراك تطا تفكللللللرا‬
‫غدا سببا لمعركللللة العقللللللللاب‬ ‫فقلت لها أفكر في عقللللاب‬
‫وقد دخا البال نن كا باب‬ ‫فما في أرض أندلس نقام‬
‫ويلخص لنا فاحب الروض المعطار أثر الهزيمة في الدولة الموحدية بقوله‪ :‬وكانت هذه‬
‫الوقيعة أول وهن دخا على الموحدين ‪ ،‬فلم تقم بعد ذلك إلها المغرب قائمة )) ‪.‬‬
‫وإذا كانت هذه عقوبة نن عاقب ابن رشد ‪ ،‬أو كانت عقوبة ابن رشد لهذه ااوضاع التي‬
‫تمشي في طريق االحتضار فإ المحصلة النهائية واحدة ‪ ،‬وهي نتيجة بائسة بكا نقياس إلنة‬
‫تعانا الفكر المشرق هذه المعانلة ‪ ،‬وهي نؤشر خطير لتوقف الحياة العقلية ‪ ،‬أو انحدار نخطط‬
‫الحضارة بصورة عانة إل الحضارة هي حياة العقا قبا كا شيء ‪.‬‬
‫وقد انتب ه المفكر الجزائري ( ناك بن نبي ) إلى هذه الوقفة التاريخية المفصلية فاعتبر أ‬
‫الحضارة اإلسالنية توقفت لتفرز بعد ذلك اإلنسا المتخلف عن ركب الحضارة ‪ ،‬العاجز عن‬
‫حا نشاكله ‪ ،‬الذي يتوقف عنده الزنن ( بدو سرعة النسبية !! ) كما توقف عند أفحاب‬
‫الكهف بدو رسالة أفحاب الكهف ‪ .‬فاعتبره إنسا ( نابعد الموحدين ) أي إنسا نابعد‬
‫نصيبة نعركة العقاب‪ .‬ولم يتوقف نعاقبة أها قرطبة الذين يصفهم ( الفيلسوف العالم التقي‬
‫ابن رشد ) بأ نن أعظم المواقف الصعبة التي نرت عليه عندنا أراد الصالة في أحد المساجد‬
‫هو وابنه فقام عليه الغوغاء وأخرجوه وابنه نن المسجد وننعوهما نن الصالة ‪ ،‬قال عنها إنها‬
‫كانت نن أفعب اللحظات التي نرت عليه في حياته ‪ .‬والغرابة فإذا كا الخوارج قديما ً قد‬
‫أخرجوا اإلنام علي نن اإلسالم وكفروه واستباحوا دنه ‪ .‬ثم سفكوا دنه نن أجا االختالف نعه‬
‫في وجهة النظر ‪ .‬فإ هذا المشهد قد يتكرر تاريخيا ًً في فور شتى في إطار التعصب وعدم‬
‫التسانح‪ .‬كا عقاب أها قرطبة نخيفا ًً با عقاب أها ااندلس جميعا ًً فقد سقطت بعد ذلك (‬
‫بالنثيا في عام ‪ 1236‬م وهي العافمة الشرقية لألندلس ) ثم سقطت قرطبة بنفسها في عام‬
‫‪ 1238‬م بعد عانين نن سقوط بالنثيا أي بعد نوت ابن رشد بأربعين سنة ( ولعا الذين طردوه‬
‫نن المسجد رأوا طردهم جميعا ً هذه المرة ) إل عادة االسبا جرت على تحويا كا نسجد إلى‬
‫كنيسة فور دخولهم أي بلدة إسالنية ‪ .‬ثم تكلا االنهيار بعد ذلك بسقوط ندينة اشبيلية في عام‬
‫‪ 1248‬م ‪ .‬وبذلك سقط الجناح الغربي للعالم اإلسالني بتمانه ‪ ،‬ليتبعه بعد عشر سنوات‬
‫بالضبط سقوط الجناح الشرقي للعالم اإلسالني أعني بغداد على يد هوالكو عام ‪1258‬م وهكذا‬
‫سقطا جناحا العالم اإلسالني في ظا الظروف والمناخات العقلية السائدة تلك التي دشنت نفي‬
‫وتعذيب ابن رشد في شيخوخته ‪ .‬وليسطر العالنة ابن خلدو بعدها نالحظته الالنعة بأ نناخا ً‬
‫جديدا ً يسيطر على العالم اإلسالني أعني ( االنهيار والسقوط أو تفسخ الحضارة اإلسالنية )‬
‫حينما أشار بقوله وكأ لسا الكو نادى بالخمول فاستجاب‪ .‬إ الكثيرين نن باحثي المعجزات‬
‫العلمية في اآليات القرآنية أعيوا أنفسهم في نحاولة اكتشاف ( االكتشاف العلمي ) نن اآلية‬
‫القرآنية ‪ ،‬في الوقت الذي لم نسمع شيئا ًً عن ذلك قبا ( االكتشاف العلمي ) ‪ .‬وهذا ليس توجه‬
‫القرآ بحال ‪ ،‬با إ القرآ وضع لنفسه توجها ًً خافا ً وهوعدم االستجابة لمطالب‬
‫المشركين في إنزال المعجزات وورد هذا في عشرات اآليات القرآنية ( وهو بحث فكري بنيوي‬
‫سنفرد له نقالة خافة ) ‪ ،‬القرآ أراد بااحرى إيجاد ( المناخ العقلي ) الذي يكتشف آفاق العلم‬
‫واإلنجازات العلمية بدو حدود إل الكو كله آيات ‪ .‬الكهرباء والجاذبية ونيكانيكا الكم‬
‫والنسبية والحرارة والجيولوجيا واالنثروبولوجيا كلها فضاءات نعرفة وآيات )‪ .‬هذا المناخ‬
‫العقلي الذي كا يكتشفه ابن رشد أضاء في نكا آخر وشق طريقه بصعوبة بالغة‪ .‬في ‪4‬‬
‫نوفمبر نن عام ‪ 1415‬م جاء المصلح الديني ( جا هوس ) وهو نن تشيكوسالفاكيا الحالية‬
‫إلى ندينة كنستانس الواقعة على الحدود النمساوية السويسرية ليعرض على المجمع الديني‬

‫‪165‬‬
‫المنعقد هناك وليستجوب بسبب نقده المتوافا للكنيسة ‪ ،‬خافة في تصرفات الرهبا المالية ‪،‬‬
‫وبيع فكوك الغفرا ‪ ،‬وجمع ثروات الحرام ( تأنا اآلية ‪ :‬إ كثيرا ً نن ااحبار والرهبا‬
‫ليأكلو أنوال الناس بالباطا ويصدو عن سبيا هللا والذين يكنزو الذهب والفضة‬
‫و الينفقونها في سبيا هللا فبشرهم بعذاب أليم ) ‪ ،‬وقد أغراه الملك االماني ( سيجيسموند )‬
‫بالحضور نع توفير الحماية له إال أنه اعتقا ثم قدم للمحاكمة بتهمة الهرطقة ‪ ،‬واتهم في‬
‫المحاكمة بكتاباته في ثالثين نوضعا ً ننها تدينه بالكفر والزندقة والمروق عن الدين ‪ ،‬وأعطي‬
‫نهلة للتراجع عن آراءه ‪ ،‬وعندنا اعترض على ذلك وبأنه نؤنن وأ اانر اليخرج عن‬
‫تأويالت سيئة اقواله حكم عليه بالحرق حيا ً ونفذ الحكم في نفس اليوم حيث وضع على ننصة‬
‫خشبية أنام المتفرجين تأكله النيرا ‪ .‬وهذا الحرق أو ألغاء اإلنسا نن الوجود افكاره فقط‬
‫كانت رحلة ره يبة اثناء بدء الحركة العقلية في أوربا ‪ ،‬حيث تعرض جيوردانو برونو بدوره‬
‫في السابع عشر نن شباط \ فبراير عام ‪1600‬م للحرق أيضا ً نن أجا أفكاره ولم يتراجع‪ .‬واآل‬
‫إذا كنا قد رسمنا بانورانا تاريخية الولئك الذين يشقو الطريق إلى الحرية الفكرية والمناخ‬
‫العقلي الجديد الذي سوف يشق الطريق للحضارة يبقى أ نختم البحث بقرار اللعنة الذي فدر‬
‫أيضا ً ضد اسبينوزا المفكر الهولندي الذي كتب في حياته كلها أربع كتب فقط ننها ( رسالة في‬
‫الالهوت والسياسة ) و ( رسالة في تحسين العقا ) وكما يذكر فاحب كتاب ( قصة الفلسفة )‬
‫ويا ديورانت ‪ ،‬أنه لم يتجرأ على نشر كتابه ااخير ( ااخالق نؤيدةً بالدليا الهندسي ) الذي‬
‫فرغ نن كتابته عام ‪1665‬م فبقي عنده حتى الموت ‪ ،‬وعندنا جاءته المنية وعمره ‪44‬عانا ً ‪،‬‬
‫بعد أ افترس السا فدره ‪ ،‬سلم نفتاح غرفته لصاحب البيت نع نسخة كتابه ( ااخالق )‬
‫للطباعة الذي حفظ لحسن الحظ ‪.‬‬
‫يقول قرار اللعنة ‪ (( :‬بقرار المالئكة وحكم القديسين نحرم ونلعن وننبذ ونصب دعاءنا على‬
‫باروخ اسبينوزا ‪ ..‬وليكن نغضوبا ً ونلعونا ‪ ،‬نهارا وليال وفي نونه وفبحه ‪ ،‬نلعونا في ذهابه‬
‫وإيابه ‪ ،‬وخروجه ودخوله ‪ ،‬ونرجو هللا أ اليشمله بعفوه أبدا ‪ ،‬وأ ينزل عليه غضب هللا‬
‫وسخطه دائما ‪ ..‬وأ اليتحدث نعه أحدا بكلمة ‪ ،‬أو يتصا به كتابة ‪ ،‬وأ اليقدم له أحد نساعدة‬
‫أو نعروفا ‪ ،‬وأ اليعيش نعه أحد تحت سقف واحدة ‪ ،‬وأ اليقترب ننه أحد على نسافة أربعة‬
‫أذرع ‪ ،‬وأ اليقرأ أحد شيئا جرى به قلمه أو أناله لسانه )) ‪.‬‬
‫بالطبع نحن نتذكر قرار نقاطعة قريش للرسول ( ص ) ‪ ،‬كما أ القرآ يذكرنا بأ إبراهيم‬
‫كا أقوى نن النار إلنه اعتمد الحجة الدانغة التي تبهت ( وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على‬
‫قونه ) ‪ ،‬لذا فإ حريق العلماء في أوربا أيضا ً لم ينفع إلنهم اعتمدوا سالح إبراهيم‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫المشكلة االنسانية وحلها‬
‫عند باسكال‬
‫لماذا يشعر االناان بالملل ؟ ولماذا يكافحه باللهو والتالي ؟ وهل اللهو واللاو يكاران لق‬
‫اللجر والاآم قا ؟ بل لماذا ار بط الشعور بالملل مع الو دة واالن راد ؟ لماذا شكلت لي‬
‫العدال المشكل االنااني العظمى تى اليوم واستعصت على الحل ؟! مامعنى الثنائي المشحون‬
‫بالتنا ض المحيرة في االناان ‪ ،‬بين طبي الشيطان والمالك ‪ ،‬والموت والحياة ‪ ،‬والحزن والحب‬
‫‪ ،‬والشقاء والارور ‪ ،‬والالنهائي والعدم ؟ لماذا اليتدفع برد اليقين الى صدر االناان ويبقى على‬
‫سطه المعلومات ؟ أين ينبوع الاعادة الذي ياتال فيه االناان فيولد من جديد مكتش ا ( المعنى )‬
‫في الحياة ؟؟‬
‫باختصار هل هناك ل للمشكل االنااني ؟ وهل استطعنا فهم االناان ؟ أو على األ ل و عنا‬
‫دمنا في طريع فهمه ؟‬
‫هذه الماائل ال لا ي اللخم المليئ بالتحدي أهرت ال يلاوف ال رناي ( بليز باسكال‬
‫)(‪ ) BLAISE - PASCAL‬فتصدى لمواجهتها في محاول لالمااك بم ا يه ال هم الكبرى‬
‫لالناان ‪ ،‬وهي روي لنا ص طري من روائع ماامرات العقل االنااني في القرن الاابع عشر‬
‫للميالد ‪ ،‬يقوم بها اناان مثقل باألمرا ‪ ،‬يكاد دماهه يت جر من الصداع ‪ ،‬فيحل أعقد الماائل‬
‫الهندس ي ‪ ،‬في فك لاز المنحنى الهندسي الد روجي وهو يئن حت وطأ ه (‪ )1‬ويتلوى كاألفعى‬
‫من آالم األمعاء التقر ي ‪ ،‬ويقترق من الشلل النص ي الا لي فيمشي على عكاز ين ‪ ،‬واليعمر‬
‫اع وثالثين عاما ( ‪ 1662 _ 1623‬م ) في شهادة وا ح أن العمر‬ ‫في النهاي أكثر من ( ‪ٍ ) 39‬‬
‫في إنجازا ه ولين في طوله ‪ ،‬وأن الزمن هو ال الن ن ولين دورة ال لك كما يشير الى ذلك‬
‫ال يلاوف المالم محمد إ بال في كتابا ه (‪)2‬‬
‫ظاهرة نحيرة عند المفكرين ‪:‬‬
‫ينا ‪ ،‬و ترسها العلل طورا آخر ‪ ،‬و قلي عليها األمرا في‬ ‫أجاام نحيل يعلها المر‬
‫سن مبكرة ‪ ،‬أشبه بآل استُهلكت بكثاف المتناهي فطواها الموت بارع ‪ .‬ن وب عظيم ‪ ،‬وأدما‬
‫متو دة ‪ .‬عيون لتمع بالذكاء والنباه ‪ ،‬ومالك طاهر ونظاف أخال ي ‪ ،‬وموا ف شع بالحكم‬
‫والتصرف المحير الذي اليخطر على بال ‪ ،‬فعندما قدم اليهود الى عياى عليه الاالم وهم‬
‫يدفعون أمامهم الزاني كان رصهم أشد على اإليقاع به عند الالطات الروماني من إ ام الحد ‪،‬‬
‫كما يروي القص أبو األعلى المودودي(‪ )3‬ألنه سيكون بين مطر الانهدرين وسنديان الحكم‬
‫الروماني ‪ ،‬إن أخر في النطع بالحكم اعتُبر هرطيقا ‪ ،‬وإن ن ذ الحكم أصبه ا ال أو محر ا‬
‫على القتل في نظر التشريع الروماني ‪ .‬كان جوابه عليه الاالم عجيبا هير متو ع هادئا عميقا (‬
‫من كان منكم بال خطيئ فليتقدم فليرمها بحجر ) وانقشع جمهور ال قهاء المزورين عن رأسه ‪.‬‬
‫فالسفة وعلماء عليلو ؟؟!!‬
‫اهرة مل ت للنظر صدمنا بين الحين واآلخر ونحن نقرأ للم كرين وال الس ‪ ،‬فنرى التحدي‬
‫المخيف في إعا مر وسيطرة عل ‪ ،‬أطلقت كوامن طا هير معقول في التاريخ ‪ ،‬بين الم‬
‫الرؤي في عمى أبو العالء المعري ‪ ،‬وموت سبينوزا المبكر عن ‪ 42‬عاما با ٍل رئوي افترب‬
‫رئتيه ‪ ،‬ولكنه رك من خل ه أربع كتب مازالت هز ال كر االنااني تى هذه اللحظ ‪ ،‬و عتبر‬

‫‪167‬‬
‫محطات عقلي لكل من دخل االو يانوب العقلي لمعرف ماامرات ال كر االنااني اللخم ‪.‬‬
‫والتقري المعوي الممض عند باسكال ‪ ،‬وجنون نيتشه بمر االفرنجي الذي استلب دماهه ‪،‬‬
‫وشلل هاينه الشاعر األلماني ‪ ،‬ويصل المر الى ذرو ه عند ( ستي ن هوكينج )( ‪STEVEN‬‬
‫‪ ) HOWKING‬ال يزيائي الكوني البريطاني الذي صعد عنده الشلل الى أطرافه األربع ور بته‬
‫‪ ،‬فهو مشلول األطراف األربع ‪ ،‬مربوط الى عرب معاق ياتطيع حريك أصبعين من يده‬
‫اليارى ‪ ،‬ويتن ن بثقب صناعي في الرهامى ‪ ،‬ويتكلم عبر كمبيو ر مربوط الى لقه ‪،‬‬
‫باختصار هو دما فقط ولكنه يعتبر اليا نيو ن القرن العشرين باالختراق العلمي الذي ام به‬
‫عندما طري كتابه ( ص صير للزمان )( ‪ ) A BRIEF HITORY OF TIME‬الذي‬
‫أثار ج كبيرة في األوساط العلمي (‪. )4‬‬
‫ظاهرة التحدي ‪:‬‬
‫يبدو أن التحدي يشكل انونا وجوديا ‪ ،‬فهو ياتوفز الطا ات لتشكل لق ركي ‪ ،‬فال كر أطلع‬
‫باسكال ‪ ،‬والهم ال كري اده الى المر العلوي ‪ ،‬فمظم ر ات الجهاز الهلمي ندلع من‬
‫رب ن اي ‪ ،‬وهذا بدوره ولَّد شرط التحدي ‪ ،‬الذي اد الى مزيد من االنتا في لق صاعدي ‪،‬‬
‫واليعني هذا أن كل مبدع أو م كر يجب أن يكون مريلا ‪ ،‬ولكن البدان والشراه في األكل لم‬
‫كن في يوم من األيام ص المبدعين ‪ ،‬الذين يحملون هما فكريا يتجاوز معد هم ‪ ،‬ذلك أن الهم‬
‫ال كري يحرم في الاالب أو يقلل شهي التمتع بالطعام واإل بال على مايتقا ل ويتزا م عليه الناب‬
‫من المقتنيات ‪ ،‬ويحدد االندفاع با جاه هذا المتاع الرخيص ‪ ،‬و يدنا العلوي بآلي هام في هذا‬
‫الصدد وهي أن الطعام يوجه الدم الى الجهاز الهلمي ‪ ،‬مما يخ ف دورانه في الدما ‪ ،‬فهو يقود‬
‫آليا الى باطيء عمليات الت كير وإعمال العقل والعكن بالعكن ‪ ،‬وهي اهرة فيزيولوجي يشعر‬
‫بها كل وا د منا بعد وجب ثقيل ‪ ،‬من ميل للكال واالسترخاء ‪ ،‬ويظهر عكاها في الصيام أو ل‬
‫الطعام من ص اء الذهن و دة القريح و ألع ال كر ‪.‬‬
‫والعاهات طلع طا االناان بشكل عويلي ‪ ،‬و حدي‬ ‫حدي الظروف بما فيها المر‬
‫الظروف التاريخي اتنهض المجتمع ‪ ،‬و حدي البيئ يحرك الجموع البشري با جاه الحلارة ‪،‬‬
‫كما اعتبر المؤر البريطاني وينبي عندما رأى في وجود اسرائيل في المنطق العربي منخن‬
‫لاري و حدي يدفع للمواجه و قرير المصير ‪.‬‬
‫تواتر االنسا بين الملا واللهو ‪:‬‬
‫ل َّل ال يلاوف ال رناي باسكال مشكل اللجر واللهو بشكل مدهش فكتب يقول ‪ (( :‬انظر الى‬
‫برنامج رجل ثري أو امرأة موسرة جده افال كل يوم بمختلف األشاال والمواعيد وألوان اللهو‬
‫ومقابل أصد اء إلى زيارة الندوات و لور الوالئم ‪ ،‬فالصيد من‬ ‫المتصل من صيد وريا‬
‫جديد ‪ ،‬فندوة جديدة ‪ ،‬فمقابالت العمل أو األصد اء ‪ ،‬فموائد الميار أو محافل الر ص أو كالهما‬
‫‪ ،‬وانظر الى برنامج اكم أو وزير فيومه كامل الفرا فيه ‪ ،‬والناب من وله مكل ون بالمااهم‬
‫في شال أو ا ه ‪ ،‬وإن و ف التيار لحظ و رك الرجل أعماله أو أهلع بابه على الزوار ‪ ،‬وإن‬
‫أسرع الى الريف طالبا الرا والهدوء ‪ ،‬لما بقي في الريف طويال ‪ ،‬وسرعان مايعود الى المدين‬
‫‪ ،‬أما إن ا ُ طر الى رك األعمال أو اعتزال الو ي أو العيش في الريف بم رده ‪ ،‬للاق بالحياة‬
‫ذرعا و ل به اللجر )(‪ )5‬ليصل في النهاي الى قرير ار باط اللجر باللهو (( اللهو إذا مر بط‬
‫باللجر أشد االر باط )) فاالناان من أجل أن يهرق من الاآم يُهرع الى اللهو ‪ ،‬ولكن اللهو‬
‫بدوره يوصله الى الملل ‪ ،‬وهذا بدوره لين له مخر إال باللهو ‪ ،‬فهناك وا ر و ناوق مابين (‬
‫اللهو _ الملل _ اللهو _ الملل ) وهكذا في تابع ن اي هندسي مثل ركيب األ ما األميني في‬
‫الكروموسوم الخلوي ‪ .‬ولكن هذا يقودنا الى كيك ن اي جديد لمعرف لماذا يصاق االناان أصال‬
‫بالاآم والملل‬
‫تفكيك نفسي لظاهرة الملا ‪:‬‬
‫يرينا التحليل اليومي أن الو دة وكثاف الشعور بها هي التي قود الى الملل ‪ ،‬ولكن ماعال‬
‫اللجر بالو دة ؟ هي في الوا ع وليدة مواجه الذات ‪ ،‬وهذا يعطينا و يحات في هاي األهمي‬

‫‪168‬‬
‫لتناذر ( متالزم )( ‪ ) SYNDROM‬يوم األ د عند الاربيين ‪ ،‬فأثناء إ امتي الطويل في ألمانيا‬
‫عجبت من مال ظ مزدوج ‪ :‬أولها كراهي يوم االثنين الذي هو بداي العمل ‪ ،‬و قابله ساع‬
‫النشوة و جرع كؤوب الخمرة ‪ ،‬عصر يوم الجمع ساع فراق الواجب والعمل المنهك ‪ ،‬فتح فمر‬
‫األعناق والوجوه و نطلع خبايا الن وب وأسرار البيوت ‪ ،‬بين باكي ظه وفاشي أسراره ‪ ،‬عند‬
‫هربي اليحره على اال تراق منه أ د ‪ ،‬في رك دشين القطط االجتماعي الجديدة ‪ .‬وثانيها‬
‫كآب يوم األ د خاص بعد الظهر ‪ ،‬فترى الوجوه كالح عابا يض نكدا و نايصا ‪ ،‬في أعجب‬
‫نا ض اجتماعي بين رهد العيش وأمان البيوت وهياق طمأنين القلوق ‪ .‬لم أعرف الار خلف‬
‫ذلك اال متأخرا ‪ ،‬من خالل هذا التحليل ( الباسكالي ) ‪.‬‬
‫ألم نواجهة الذات التي تعيش حالة االغتراب الداخلي ‪:‬‬
‫إن ااوة العمل االسبوعي في بلدان شمال أوربا يجعلهم يقدسون عطل نهاي االسبوع ‪ ،‬ولكنهم‬
‫من ردين كقطط اجتماعي ‪ ،‬كل لن اه ‪ ،‬فالعطل بهذه الصورة حولت الى عملي مواجه للذات ‪،‬‬
‫عندما تخوى الن ن من الداخل ‪ ،‬ت ر و تقعر و قر داخليا ‪ .‬ويدخل االناان الحال الن اي التي‬
‫وص ها الم كر االسالمي علي شريعتي ( ال االهتراق الداخلي) ‪.‬‬
‫ه ذه المواجه مؤلم و قود الى الشعور بالبؤب والحقارة والشقاء ‪ ،‬في ين كان العمل‬
‫االسبوعي عملي خرو وشرود من الذات ‪ ،‬أي عملي نايان مؤ ت للذات ‪ ،‬ومن هنا يدر‬
‫باسكال العمل حت اهرة اللهو ‪ ،‬ألنه يؤدي ن ن و ي الهرق من الذات وعدم مواجهتها ‪،‬‬
‫و يد اآلي في ن ن اال جاه ( اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزين و اخر بينكم و كاثر في‬
‫األموال واألوالد ) ‪.‬‬
‫هذا هو الار في محاول هرق االناان بعد انتهاء العمل الى نوع جديد من العمل هو لهو‬
‫و الي ‪ ،‬ولكن الوا ع إن الصيد والقمار ولعب الكرة والمباريات الريا ي كلها من صنف عمل‬
‫جديد د يكون أشد إرها ا وأعظم مجهودا ‪ ،‬ولكنه ي ترق عن العمل األساسي باندما االناان فيه‬
‫وبمتع أكثر ‪ ،‬فالصيد هو مطاردة و عب مثلها مثل أي نشاط آخر من أنشط العمل الذي نقوم به‬
‫‪ ،‬و اعى منظوم ال كر الاربي اليوم الى حويل العمل الى متع مثل لعب المباريات والصيد ‪،‬‬
‫من خالل بناء الديمو راطي في قل العمل ‪ ،‬أي جعل العمل أيلا ربا من اللهو طالما كان‬
‫اللهو ممتعا ‪ ،‬ولكن كال العمل واللهو عملي قوم في عمقها على الهروق من الذات وعدم‬
‫مواجهتها ‪ ،‬ألن الذات فاره لم درك معنى الحياة ولم حل جدلي المشكل االنااني ‪ ،‬فيرى‬
‫االناان ن اه على هذه المرآة الشقي ‪.‬‬
‫لماذا كا السجن نؤلما ً نخيفا ً ؟‬
‫فالذات فاره لم حل الجدلي األصلي للوجود ومواجهتها يابب األلم والشقاء ‪ ،‬لذا كانت ألعن‬
‫أنواع الاجون االفرادي ‪ ،‬والاجن بحد ذا ه يابب العذاق لين ألنه مصادرة للحري فقط ‪ ،‬بل‬
‫ألن االناان يكف عن الذهول الخارجي ‪ ،‬والذوبان في أ داث يومي رو يني افه متال ق‬
‫ختصر الحياة الى أشياء و اجيات وهذاء ومتع رخيص ‪ ،‬و ختزل الوجود االنااني الى‬
‫رانزستور يواني منكمش امر اليتلقى إشعاعات الوجود العظيم ‪ ،‬في الاجن يواجه الذات‬
‫بدون أ نع ويواجه خيار الهروق من الذات أو التأمل واالعتكاف ‪ ،‬كل أمتع االنشاال الخارجي‬
‫و ت عن حويل انتباه االناان ‪ ،‬وسقط االناان في رة اليأب العميق يشاهد عالما جديدا ألول‬
‫مرة ‪ .‬الاجن االن رادي يعتبر ذروة المعاناة أو م النشوة لصن ين مختل ين للااي من طين البشر‬
‫‪ .‬بين من يحدق في ذات شقي ‪ ،‬ومن يعشع التأمل واالعتكاف واكتشاف العالم الداخلي الاني ‪.‬‬
‫الو دة مشعر النلج واال تراق من ‪ .‬على كل ال سياادر االناان هذا العالم و يدا وسيدخل‬
‫اآلخرة الين عه في معاناة الخاله األخيرة أ د ‪ ،‬يوم ي ر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصا بته‬
‫وبنيه لكل امريء يومئذ شأن يانيه ‪ .‬الن ن التي ست اجيء للمرة األولى بمواجه الذات ستكون‬
‫من نوع مزلزل و جرب‬
‫حدث للمرة األولى ‪ .‬الاجن االن رادي يقود االناان الى الجنون أو الحكم ‪ ،‬ألنه يحباه مع ذا ه‬
‫لالعتكاف ‪ ،‬وهذه‬ ‫من أربع جدران ‪ .‬من الاريب أن هذا العزل وهذه المواجه الم رو‬

‫‪169‬‬
‫المواجه األليم للذات فيها م العذاق لمعظم الناب ‪ ،‬وفيها هاي المتع ألفراد الئل من الجنن‬
‫البشري ‪ ،‬ولجوا هذا العالم الخ ي ‪ ،‬وعرفوا ماارا ه الداخلي بنور خاه ‪ ،‬فهذا القبو عميع‬
‫الك الظالم ‪ ،‬اليلاء ماما اال بمشاعل جهنم يوم يبعثون ‪ ،‬ولكن هذا الصنف خصبت عندهم‬
‫الذات و حولت الى جن خ ي داخلي بطول الت قد والتعهد والاماد الرو ي ‪.‬‬
‫الثنائية المتناقضة ‪ :‬الالنهايتا‬
‫كذلك يطري باسكال في رؤيته لالناان فكرة الالنهايتان في ثنائي حمل التنا ض وال ل لها‬
‫تى على يد ال لا ‪ .‬ويعتبر ماكتب باسكال في هذا الصدد من أجمل ماكتب في النثر ال رناي‬
‫في سلال من الكلمات المتألق مثل إ اءة النجوم ‪ ،‬ألنها دفقت من خاليا عصبي متو دة الى أبعد‬
‫الحدود ‪ ،‬د ذا ت االستنارة الداخلي ‪ .‬كما روى هو بالذات عن جربته الرو ي التي دثت معه‬
‫في نوفمبر من عام ‪ 1654‬م ‪ .‬لنتأمل هذه ال قرات وهي يروي الجدل االنااني الماتعصي على‬
‫الحل في مذكرا ه ( الخواطر )( ‪ ) PENSEES‬التي لم رى النور بشكل كامل اال بعد ‪289‬‬
‫عاما ؟! ‪ (( :‬إن الصمت األبدي الذي يلف هذا ال لاء الالنهائي يخي ني ‪ ،‬ولكن هناك النهائي‬
‫أخرى و لك هي النهائي صار الذرة و بولها النظري لالنقاام بوال ال د له ‪ ،‬فمهما كانت آل‬
‫الحد األدنى الذي نختزل به أي شيء فإننا النملك اال االعتقاد بأنه هو أيلا له أجزاء أصار منه ‪،‬‬
‫وعقلنا يتذبذق في يرة وار ياع بين الشاسع هير المحدود والد يع هير المحدود ‪.‬‬
‫إن من يتأمل ن اه على هذا النحو خي ه ن اه ‪ ،‬وإذا أدرك أنه معلع بين هاويتي الالنهاي والعدم‬
‫ار عد فر ا ‪ ،‬وبات أميل الى أمل هذه العجائب في صمت منه الى ار يادها بارور ‪.‬‬
‫من االناان في الطبيع بعد كل شيء ؟ إنه العدم إذا ين باير المحدود ‪ ،‬وهو كل شيء إذا‬
‫ين بالعدم ‪ ،‬إنه وسط ب ين العدم والكل ‪ ،‬وهو بعيد كل البعد عن إدراك الطرفين ‪ ،‬فنهاي األشياء‬
‫وبدايتها أو أصلها يل هما سر السبيل الى استكناهه ‪ ،‬وهو عاجز عن رؤي العدم الذي أخذ منه‬
‫والالنهائي الذي يامره )(‪)6‬‬
‫َّ‬
‫يرى باسكال بهذا العر األخاذ أن االناان لين مركز الكون كما رآه ال يلاوف اليوناني‬
‫أرسطو ‪ ،‬بل هو في وسط الكون ‪ ،‬في ال فقدان وازن ‪ ،‬وعجز مطلع عن ال هم ‪ ،‬معلقا بأفظع‬
‫من ألعاق البهلوان على اف هير مرئي بين الكل والعدم ‪ ،‬بين النهايتان في أي ا جاه سار ‪،‬‬
‫با جاه الكبير العالم العلوي ‪ ،‬أو با جاه األس ل الى العالم األصار ‪ ،‬هو عاجز عن إدراك العدم‬
‫الذي خر منه و رر مصيره ‪ ،‬وهو أعجز عن إدراك العدم الذي يمشي با جاهه مدفوعا‬
‫بجبروت اليقاوم ‪ ،‬نحو مصير أبدي يخت ي فيه كلي من ماري الحياة ‪ .‬بين النهايتان طو انه ‪،‬‬
‫كما هو اليوم في علمي النابي وميكانيكا الكم ‪ ،‬الذي يصعد فيه األول الى الملكوت ال ايه الجبار‬
‫‪ ،‬ويهبط الثاني الى العالم األصار الذي يابه بطريقته الخاص ‪ .‬ولكن االناان ينما يقارن‬
‫ن اه يصاق بالذهول ‪ ،‬فهو الى الالنهاي الشيء وعدم وص ر ‪ ،‬ولكنه مقارنا الى العدم يتحول‬
‫الى كل شيء دفع وا دة ؟! فهو يابه في اللحظ الوا دة بين العدم والالنهاي في رب هير‬
‫موفق وفي ثنائي نا لي محيرة ‪ .‬عدم وكل شيء بن ن الو ت بن ن اللحظ ‪ .‬هذا ماجعل‬
‫باسكال وهو يقطف هذه الحقيق الكوني يصاق بالدوار فياقط ماشيا عليه ‪.‬‬
‫الثنائية التناقضية المحيرة في طريق نسدود ‪:‬‬
‫ظهر هذه الثنائي المحيرة في طبيع االناان مرة أخرى على شكل نا ض محير مزلزل في‬
‫اال ه الن اي الديناميكي ‪ (( :‬وطبيع االناان التي يمتز فيها المالك بالو ش امتزاجا شديدا‬
‫كرر التنا ض بين العقل والجاد و ذكرنا بالكمير الذي زعمت االساطير اليوناني أنه عنزة لها‬
‫رأب أسد وذيل ثعبان ‪ ...‬يالهذا االناان من كمير !! ياله من بدع وو ش وفو ى ‪ ،‬و نا ض‬
‫ومعجزة ‪ ،‬هذا الحكم في كل شيء ‪ ،‬ونموذ الاباء في األر ‪ ،‬ماتودع الحع ‪ ،‬وبالوع‬
‫اللالل والشك ‪ ،‬م خرة الكون ون ايته ‪ ،‬فمنذا الذي يحل لنا هذا اللاز المعقد ؟؟ ))(‪ )7‬ويُظهر‬
‫الموت هذه الجدلي الرهيب ‪ ،‬ف ي لحظ وا دة ينهار االناان من م الوجود في النطع والتعبير‬
‫والحب واألماني والحلم الجميل والعيش الرهيد والحياة البهيج والنور ‪ ،‬كله ينهار وبخبط‬
‫وا دة ‪ ،‬الى الالبي الكامل واالستاالم المطلع والدمار الاا ع والظالم المطبع ‪.‬‬

‫‪170‬‬
‫الهروب نن الفلسفة وعجزها عن التفسير ‪:‬‬
‫كذلك ظهر هذه الثنائي التي ال ملك تى ال لا االجاب عليها في اير الشقاء والحبور‬
‫االناانيين ‪ (( :‬وشقاء االناان لاز آخر ‪ ،‬فلم شقي الكون هذا الشقاء الطويل لينجب نوعا من‬
‫الخليق شديد الهشاش في سعاد ه ‪ ،‬كثير التعر لأللم في كل عصب ‪ ،‬وللحزن في كل ب ‪،‬‬
‫وللموت في كل ياة ؟؟ ))‬
‫إن كلمات باسكال حلع الى األفع االنااني في المعاناة واكتشاف الذات ودفع الحياة في العقل ‪،‬‬
‫فهذه المعاني ال وجد في اموب ال لا الجاف و عبيرات العقل الباردة ‪ ،‬إنها هنا عبيرات مليئ‬
‫بالحيوي ونبض الحياة وزخمها الرائع ‪.‬‬
‫و برز الثنائي في صورة أخرى بين الطبيع كيف تصرف واالناان اللعيف في مواجه‬
‫جبرو ها الذي اليرد ‪ (( :‬مع ذلك فإن جالل االناان عظيم في معرفته أنه شقي ‪ ...‬مااالناان اال‬
‫صب وهي أوهى مافي الطبيع ‪ ،‬ولكنه صب م كرة ‪ ،‬والكون كله ال اج ألن يتاله كي ياحقه‬
‫فن خ بخار أو طرة ماء ك ي لقتله ‪ ،‬ولكنه بعد أن ياحقه الكون اليزال أنبل من هذا الذي يقتله ‪،‬‬
‫ألنه يعرف أنه م ارق الحياة ‪ ،‬أما الكون فال يعرف شيئا عن انتصاره على االناان ))‬
‫زحزحة اافكار نن حقا الى آخر لحا نشكلة االنسا ااساسية ‪:‬‬
‫في نوع من هذه المتحارجات في عال اللهو باللجر ‪ ،‬وثنائي االناان المبني على التنا ض‬
‫الذي اليمكن و يده ‪ ،‬وفكرة العدال األر ي التي ياتحيل إ امتها ‪ ،‬واليقين الذي يعجز االناان‬
‫عن نصه ‪ ،‬وسعادة االناان التي اليمكن حقيقها بدون فهم االناان ‪ .‬اول باسكال الاوه في‬
‫بعد نوعي جديد ل هم المشكل االنااني في جذورها في محاول لحل راكيبها الخ ي واكتشاف‬
‫معادال ها المجهول وهو الريا ي الذي طور ااق الت ا ل والتكامل ‪ ،‬ودشن ريا يات‬
‫اال تماالت ‪ ،‬وفهم مبدأ اللاط الجوي ‪ ،‬ليلع في النهاي مبدأ اط الاوائل ‪ ،‬الذي مكن‬
‫المهندسين ال قا فته ناة الاوين وبناما ‪ ،‬بعد أن كان المهندسون ير عبون من إمكاني علو‬
‫ماتوى بحر على آخر ‪ .‬ام باسكال بنقل الرهان الريا ي الى ماتوى الن ن و قرير المصير ‪،‬‬
‫لين باستخدام المنطع ال لا ي ‪ ،‬فقد ن ض يده منها بعد أن رأى كالل أدوا ها المعرفي في ل‬
‫المشكل االنااني ‪ .‬وكان باسكال على موعد مع ليل مزلزل في نوفمبر من عام ‪ 1654‬م ‪.‬‬
‫الليلة المزلزلة في نوفمبر نن عام ‪ 1654‬م ‪:‬‬
‫دث هذا بل أن يموت بثماني سنوات ‪ ،‬ي زلزلت ناعا ه كلها ووصل معها الى اليقين‬
‫وال ري والدخول الى ل مشكل االناان ‪ .‬في هذه الليل بكى فيها بمرارة تى سالت دموعه الى‬
‫األر ‪ ،‬و طهرت رو ه وشعر بالمقدب ‪ ،‬فخرجت كلمات التجرب الرو ي مهزوزة مقطع‬
‫متناثرة ال رابط بينها ليء بمعاني شتى من الطهارة وال ري والاعادة ‪ .‬كانت اجيال جرب‬
‫ديني خار و عبيرا عن ال صوفي متدفق ارة ‪ ،‬في لك الليل عند الاحر ي يهدأ الليل‬
‫دث التجلي ‪ ،‬وكأن نارا اشتعلت في رأب باسكال فا قدت رو ه بنور خاه فكانت أول كلم‬
‫كتبها ‪ :‬نار ‪ .‬كانت نارا أ ر ت الشكوك والذنوق ومعها الثنائي في رب موفق وا دة ‪ .‬ثم‬
‫خرجت بقي الكلمات ممز مبعثرة هي خالصات لمذا ات رو ي ‪ ،‬أكثر منها جمالًُّ معبرة عما‬
‫خالجه من أفكار ‪ ،‬واست ته جربته الرو ي بنداء خاه الى ‪ ..‬اله ابراهيم واسماعيل واسحاق‬
‫ويعقوق ‪ ..‬ال إله ال الس والعلماء ‪ ..‬إن باسكال اكتشف ثالث عظمات كل وا دة ن صل عن‬
‫األخرى بالنهاي في المااف ‪ :‬المادة والعقل والمحب ‪ ،‬األولى للقادة واألهنياء ‪ ،‬والثاني لل الس‬
‫والعلماء ‪ ،‬والثالث للقدياين واألولياء ‪ .. ،‬إن ل اللاز االنااني والثنائي المحيرة ستكون بالر ب‬
‫الثالث في ك اي ملني للوصول الى حقيقها ‪.‬‬
‫ينقل عن باسكال وله ‪ :‬صن ان من الناب فقط يصه أن ناميهم عقالء وهم الذين يخدمون‬
‫جاهدين ألنهم يعرفونه ‪ ،‬والذين يجدون في البح عنه ألنهم اليعرفونه )(‪)8‬‬

‫‪171‬‬
‫نراجع وهوانش ‪:‬‬
‫(‪ ) 1‬راجع في هذا كتاق ( باسكال ) نوابغ ال كر الاربي _ بقلم الدكتور نجيب بلدي _ دار المعارف بمصر _ ه ‪ 45 _ 44‬ويمكن عريف المنحنى الد روجي‬
‫أنه ‪ ( :‬المنحنى الذي أخذه نقط على محيط دائرة في دورا نها ول خط ماتقيم دون انزالق ) وجاء في الكتاق أن باسكال فوجيء ذات ليل بوجع شديد في رب له منع‬
‫النوم عنه والرا ‪ .‬فا خذ ذلك الوجع مناسب لدراس مو وع ريا ي من أصعب المو وعات كان د أعصاه البح فيه في الما ي ‪ ،‬و د أعمل باسكال فكره في‬
‫المو وع تى زالت آالم رسه وانتهى من دراس المو وع ولما ينته الليل ‪ ،‬ويبدو أن الصداع زال حت أثير إفراز مادة االندومورفين ( ‪) ENDOMORPHIN‬‬
‫التي عتمدها طريق إزال الصداع بالوخز باالبر الصيني ‪ ،‬التي عُرف أنها حر إفراز مادة االندومورفين من داخل الدما فتؤدي الى النشوة وزوال اآلالم فهي إبرة‬
‫ماكن داخلي ‪ ،‬وفي فترة النشوة الرو ي واالنشراي الصدري والتألع العقلي يبدو أن الدما ي رز مواد منوع لم يهتد الطب بعد الى صني ها ماما (‪ )2‬يراجع في هذا‬
‫كتاق جديد الت كير الديني _ محمد إ بال _ لجن التأليف والترجم والنشر _ رجم عباب محم د _ فصل البرهان ال لا ي على هور التجرب الديني _ ه ‪ 60‬عندما‬
‫يقول ‪ ( :‬وباختصار الزمان هو كما نشعر به ال كما ن كر فيه أو نحابه )(‪ )3‬يراجع في هذا كتاق ( اير سورة النور ) للكا ب االسالمي أبو األعلى المودودي ر مه‬
‫يدر _ الناشر أكاديميا _ والكتاق له عدة‬ ‫في أ كام الزنا عند أهل الكتاق (‪ )4‬موجز في اريخ الزمن _ من االن جار العظيم الى الثقوق الاوداء _ رجم عبد‬
‫رجمات (‪ ) 5‬نوابغ ال كر الاربي _ باسكال _ ن ن المصدر الاابع فقرة أولى _ ه ‪ 128‬بح المشكل االنااني (‪ )6‬ص الحلارة _ ويل ديورانت _ الجزء ‪_ 31‬‬
‫ه ‪ )7( 100‬ن ن المصدر الاابع ه ‪ )8( 102‬ص االيمان بين ال لا والعلم والقرآن _ نديم الجار _ وزيع دار العربي _ ه ‪. 132‬‬

‫‪172‬‬
‫وداعاً للفلسفة‬
‫المشكلة االنسانية وحلها عند‬
‫باسكال (‪)2‬‬
‫عندنا شرع ( سنوفرو ) الجد ااعلى نن ااسرة الفرعونية الرابعة في ننتصف االف الثالثة‬
‫قبا الميالد في حملة بناء االهرانات ‪ ،‬أفيبت نشاريعه بكارثة نحبطة ‪ ،‬انهار فيها االهرام‬
‫ااول بالكانا ‪ ،‬وبدأ الثاني في التشقق ‪ ،‬نما حما نهندسي االهرانات نن الفراعنة االوائا الى‬
‫إنالة زاوية انتصاب الهرم ‪ ،‬فخرج هرم سنوفرو الثالث ننبطحا ً نلتصقا ً الى اارض خائفا ً نن‬
‫االنتصاب ‪ .‬هذه البداية المخيبة لآلنال وضعت التحدي أنام الجيا التالي ‪ ،‬نما جعا الفرعو (‬
‫خوفو ) يقوم بدراسة نطولة استغرقت عشر سنوات ‪ ،‬في استقصاء هندسي وتجارب نيدانية‬
‫نع االدنغة العلمية المحيطة به ‪ ،‬نن جانعة هليوبوليس المدينة المقدسة قبا االنطالق‬
‫بمشروع جبار يستغرق عشرين عانا ً بقدرة عضلية بحتة ؛ بدو عجالت ‪ ،‬بدو حديد ‪ ،‬بدو‬
‫حصا ‪ ،‬بدو بكرات رفع ‪ .‬فكلها تقنيات تم اكتشافها الحقا ً ؛ فاالهرام بني بالسواعد واالدنغة‬
‫والحجارة فقط ‪ ...‬واالرادة الحضارية ‪.‬‬
‫كا أعظم تحدي في بناء الهرم هو في استواء القاعدة فكيف يمكن أ يجلس الهرم على خط‬
‫اافق تمانا ً ؟ لقد توفا المهندسو الفراعنة الى طريقة حفر نكعبات في اارض على انتداد‬
‫نساحة قاعدة الهرم ‪ ،‬ثم وفلوا بينها بممرات ثم نألوها بالماء وحيث كا خط الماء في حافته‬
‫العلوية في كا نكعبات الماء اعتبر خط السواء اافقي الذي ستجلس عليه قاعدة الهرم ‪.‬‬
‫الحكم القريبة المحجوبة ‪:‬‬
‫هذه الفكرة في اتصال سويات الماء بين أحواض نختلفة هي لب قانو ااواني المستطرقة‬
‫أو قانو ضغط السوائا الذي اعتصر باسكال دناغه لفهمه ثم فبه على شكا قانو رياضي‬
‫يدرس اليوم في الجانعات في دينانيكا ضغط السوائا ‪.‬‬
‫هذه الفكرة الصغيرة كانت المفتاح للتغلب على وهم أسطوري نن ارتفاع نستوى بحر على‬
‫آخر ‪ ،‬وفكرة قناة السويس لوفا البحر المتوسط بالبحر ااحمر شغلت بال االنسا ننذ أيام‬
‫الفراعنة ‪ ،‬لالقتصاد في دروة كانلة لاللتفاف حول القارة اافريقية ‪ ،‬وكا هناك خوف نن‬
‫ارتفاع ننسوب المياه في البحر اابيض عنه في ااحمر نما يؤدي _ في حال فتح البحرين على‬
‫بعض _ الى غرق نصر الكانا ‪ .‬وفكرة باسكال في ضغط السوائا أدخلت الى العقا االنساني‬
‫فهما ً جديدا ً في استواء حد السوائا في نستوى واحد بين ااحواض المتصلة ‪ ،‬فإذا كا نرج‬
‫البحرين يلتقيا ‪ ،‬فهناك برزخ غير ننظور اليجعا أحد البحرين يطغى على اآلخر ‪ ،‬فبينهما‬
‫برزخ اليبغيا ‪.‬‬
‫التخلص نن ضغط نسلمات اافكار السابقة ‪:‬‬
‫كا باسكال عالما ً تجريبيا ً قبا أ يكو فيلسوفا ً روحانيا ً يمزج التصوف بالفلسفة في عصير‬
‫روحي جديد نادر كا نزاجه كافورا ‪ ،‬والذي قاده الى وضع قانو عام لضغط السوائا هو فكرة‬
‫الخالء في أنبوب الزئبق ‪ ،‬وكا هذا فدنة للفكر التقليدي السائد ‪ ،‬الذي كا يؤنن بأ الطبيعة‬
‫تكره الخالء ‪ ،‬ولكن تجربة ( توريشلي ) في إيطاليا قادت الى زلزلة هذا المفهوم ‪ ،‬فإذا نليء‬
‫أنبوب نفتوح أحد الطرفين بالزئبق ‪ ،‬ثم وضع على حوض نملوء بالزئبق ‪ ،‬نزل نستوى‬
‫الزئبق في عمود الزجاج الى نستوى نعين واستقر عنده ‪ ،‬تاركا ً خال ًء في أعلى االنبوب ‪.‬‬

‫‪173‬‬
‫وتكررر هذه الظاهرة نع كا تجربة ‪ .‬وكا هذا يحتاج الى تفسير ولم يكن عند توريشلي الذي‬
‫كا أول نن انتبه الى هذه الظاهرة ‪ .‬عمد باسكال الى إعادة التجربة في نستويات شتى بين‬
‫البحر والجبا والسها ‪ ،‬واستخدم سوائا ننوعة فعمد الى الماء والكحول والزيت فكانت هذه‬
‫الظاهرة تعيد نفسها بشكا رتيب فاند ‪ .‬لقد سكر باسكال بالنشوة وهو يتعانا نع الطبيعة لغة‬
‫الخلق ااساسية ‪ ،‬التي تنطق بصدق وفرانة ‪ ،‬بدو تحريف وتزوير ونحاباة ‪ ،‬فهي أعظم نن‬
‫كا نص كتب عنها ‪ ،‬نن أي جهة كانت نصدره ‪ ،‬لقد الحظ أ نستوى السائا الزئبقي يرتفع‬
‫أكثر نايكو عند سطح البحر وكا ارتفاع عمود نادة الزئبق ‪ 76‬سم ويقا هذا نع االرتفاع‬
‫علوا ً ‪ .‬نن هذه المالحظة وفا باسكال الى فكرة ( البارونتر ) قياس الضغط الجوي الذي قاد‬
‫الى سلسلة اكتشافات وتطبيقات علمية الحقة ليس أقلها في نيدا الطب في نعالجة الحروق‬
‫والغانغرين الغازي في غرف نرفوعة الضغط عالية التركيز في االكسجين ( ‪HYPER -‬‬
‫‪) BARIC - OXYGEN - CHAMBER‬‬
‫تحليلية ديكارت و( حدسية ) باسكال ‪:‬‬
‫إ العصر الذي عاش فيه باسكال وديكارت وليبنتز واسبينوزا في القر السابع عشر للميالد‬
‫كا بداية تدشين عصر العقا النهضوي في أوربا ‪ ،‬وكا أبرز نافي هذا الفكر كسر المسلمات‬
‫العقلية السائدة ‪ ،‬التي تحولت الى أغال ٍل بثقا حجر الرحى ‪ ،‬فهي الى االذقا فهم نقمحو ‪ .‬نع‬
‫هذا كا باسكال نسيجا ً فكريا ً لوحده ‪ .‬كا يشترك نع ديكارت في نستوى العمق الفلسفي‬
‫واستخدام الرياضيات للمنطق الفلسفي ‪ ،‬كما أشار الى ذلك في كتابه الخواطر ( ‪PENSEES‬‬
‫) وأثنى على ديكارت ‪ ،‬ولكن التشابه بين الرجلين كا في الواقع سطحيا ً ‪ .‬ففي الوقت الذي كا‬
‫ديكارت تحليليا ً كا باسكال ( حدسيا ً ) أقرب الى ندرسة الجشتالت ( ‪ ) GESTALT‬وفي‬
‫الوقت الذي كا ديكارت يحاول تدشين فكر شمولي سنني يستخدم فيه أداةً نعرفية لتطبيقها‬
‫بشكا وجودي في حقول نعرفية شتى ‪ ،‬كا باسكال يرى تعقيدا ً وخصوفية قائمة بذاتها في كا‬
‫حق ٍا نعرفي ‪ .‬وهو ناأكدته ندرسة علم النفس السلوكي ‪ .‬وفي الوقت الذي كا عقا ديكارت‬
‫ينفر نن التجربة وجوها واليميا الى الحقا التجريبي ؛ كا باسكال يعشق الحقيقة العلمية‬
‫التجريبية ‪ ،‬كما حصا نع اختراعه اآللة الحاسبة وهو لم يتجاوز العشرين نن العمر ‪ ،‬وبقي‬
‫لمدة عشر سنوات وهو يشتغا في تطويرها ‪ ،‬وتعتبر نقدنة لتطوير نظام الكمبيوتر ‪ .‬فإذا قرأ‬
‫االنسا في برانج الكمبيوتر اليوم كلمة باسكال (‪ ) PASCAL‬عليه أ يتذكر ذلك العبقري ‪،‬‬
‫الذي عاش في ننتصف القر السابع عشر للميالد ‪ ،‬وأنجز ناأنجز ولم يعمر أكثر نن تسع‬
‫وثالثين سنة ‪ .‬وفي الوقت الذي عاش ديكارت عصره فلم يلتفت الى السياق التاريخي ‪ ،‬كا‬
‫باسكال نهتما ً بالعلم وقدره التاريخي وتاريخ العلوم ‪ ،‬فعندنا وفا الى فهم الضغط الجوي كا‬
‫قد اطلع على كا ناأنجزه العقا البشري في هذا الصدد ننذ أيام أرخميدس حتى عصره ‪.‬‬
‫جاء في كتاب نوابغ الفكر الغربي تأليف نجيب بلدي ‪ (( :‬إ لباسكال أسلوبا ً خافا ً في البحث‬
‫والتفكير والتعبير وقد رأينا بسكال في العلم فاحب نظرة كاشفة ‪ ،‬اليفرض على العلم وأقسانه‬
‫نظانا ً سابقا ً ‪ ،‬إنما يخلص الى ذلك النظام بعد الكشف عن الطبيعة الخافة للعلم ولكا قسم ننه‬
‫على حدة وبفضا ذلك الكشف ذاته ‪ ،‬والشك عندنا أ ننهج باسكال في الفلسفة والدين كمنهجه‬
‫في العلوم ‪ ،‬عبارة عن حدس وكشف الاستدالل وتنظيم استداللي لألفكار ‪ ،‬وأخص ناتمتاز به‬
‫النظرة الكاشفة القاؤها الضوء كانالً على الموضوع المدروس ‪ ،‬وربما كا أخص نايمتاز به‬
‫التعبير عن تلك النظرة الكاشفة في كمالها وتمانها هو التعبير بالخواطر البتحرير كتاب ننسق‬
‫كا التنسيق )(*)‬
‫نفهوم الجشتالت في كتاب ( الخواطر )( ‪:) PENSEES‬‬
‫كانت أفكار ( الخواطر ) عند باسكال نثا لمعا البرق الحارق الخارق تضيء الوجود في‬
‫لحظة واحدة ‪ ،‬ويذكرنا هذا بكتاب ( الخاطرات ) لجمال الدين اافغاني ‪ ،‬وكتاب هكذا تكلم‬
‫زرادشت للفيلسوف االماني ( نيتشه ) وهذه الونضات الفكرية هي أحد اتجاهات علم النفس‬
‫المعروفة بالجشتالت ‪ ،‬وكلمة ( ‪ ) GESTALT‬تعني باالماني االطار الكبير أو النسق الشانا‬

‫‪174‬‬
‫أو النظر الكلي أو التشكا والشكا العام المباشر ‪ ،‬حيث يصا العقا لفهم وض ٍع بدو االنتقال‬
‫التدريجي التحليلي لفهم الواقعة ‪ ،‬وهو كما نرى أحد نزعات عما الدناغ االنساني ‪ .‬هذه‬
‫النظرة ( الحدسية ) الكشفية الفجائية والشانلة نثا لمع البرق هي التي قادته الى كشف قانو‬
‫االحتماالت ‪ ،‬عندنا رأى المقانرين فسأله فديقه عن احتماالت الربح والخسارة ؟ فأجاب فورا ً‬
‫وبعفوية ناطقا ً بقانو رياضي ندهش نازال يعتمد حتى اليوم في عالم الرياضيات لمشكلة‬
‫الصدفة في الكو وهو القانو الذي يقول ( إ حظ الصدفة نن االعتبار يزداد وينقص بنسبة‬
‫نعكوسة نع عدد االنكانيات المتكافئة المتزاحمة ) وهذا التركيب العقلي عنده هو الذي جعله‬
‫يزحزح بنقلة فجائية نوعية فكرة الرها نن نستوى قانو االحتماالت الرياضي الى المصير‬
‫االنساني ‪.‬‬
‫الرها الرياضي والمصير االنساني ‪:‬‬
‫وهي فكرة التخلو نن الطرافة وهو يرى أ فكرة اإليما باليوم اآلخر تبقى أفضا حتى نن‬
‫الناحية البراغماتية المحضة ‪ ،‬في ضوء قانو االحتماالت حيث يبقى أنام االنسا خيارا ‪،‬‬
‫يترتب على ااول الفوز بكا شيء ‪ ،‬في حين أ عكسه اليعرضه اي خسارة ‪ ،‬وهي نفس‬
‫الفكرة التي نظمها أبو العالء المعري شعرا ً ‪:‬‬
‫قال الطبيب والمنجم كالهللللما التحشر ااجساد قلت إليكللللما‬
‫إ فح قولكما فلست بخاسر وإ فح قولي فالخسار عليكما‬
‫طهر فأين الطهر نن جسللللللللللديكما‬ ‫ٌ‬ ‫طهرت ثوبي للصالة وقبله‬
‫ويعلق فاحب كتاب الموت في الفكر الغربي ( جاك شورو ) على ذلك بقوله ‪ (( :‬وإنما نظرته‬
‫الى الرها نظرة براجماتية نحضة ‪ .‬إ وزنه للمخاطر والتركيز على ناهو أكثر نفعا ‪ ،‬على‬
‫نايجلب الميزة الكبرى في إطار طمأنينة النفس والسعادة الالنتناهية )‬
‫علوم النفس والمجتمع هي العلوم المركزية ‪:‬‬
‫ولكن رحلة باسكال لم تقف عند العلم با حاول فهم المشكالت االنسانية في ضوء الفلسفة ‪،‬‬
‫والعلوم المادية جيدة إذا وضعت في إطارها الصحيح ‪ ،‬كما أنها التتولد اال في نناخ خاص ‪،‬‬
‫فهناك عالقة جدلية بين التكنولوجيا والقاعدة العلمية والمناخ الفكري ‪ ،‬أي عالم ااشياء‬
‫وااشخاص واافكار على حد تعبير المفكر الجزائري ( نالك بن نبي ) أو كما يقول المثا‬
‫اانريكي ‪ ( :‬ااشخاص التافهو يتكلمو في ااشياء ويحرفو على انتالكها ‪ .‬والسطحيو‬
‫يروقهم الحديث عن اآلخرين ‪ .‬الالنعو والنابهو هم الذين يعنو بالعلم ويتذوقو اافكار‬
‫وينعمو بنشوة الروح ) فإذا أردت أ تعرف نفسك أو جليسك فانظر كيف تقضي وقتك وناذا‬
‫يفعا بالفراغ ؟ والكتشاف الذات تبقى الوحدة أفضا نشعر على التذوي والتخوي والتقعر‬
‫الداخلي نن غناه وخصبه وحيويته ‪ .‬علوم الكوسمولوجيا والفيزياء النووية والبيولوجيا‬
‫والمناخ والبيئة والطب والنبات كلها جيدة ‪ ،‬ولكن العلوم المركزية هي علم النفس والمجتمع ‪.‬‬
‫جدلية التكنولوجيا _ القاعدة العلمية _ حرية الفكر ‪:‬‬
‫االنتاج التكنولوجي اليأتي نن فراغ با البد له نن قاعدة علمية ‪ ،‬واستواء هذه القاعدة‬
‫بدورها يتطلب نناخا ً عقليا ً خافا ً ‪ .‬والقرآ في هذا الصدد يجب أ يفهم ليس على أنه كتاب‬
‫طب وكشوف علمية ‪ ،‬با هو الكتاب الذي دشن المناخ العقلي لتوليد كا هذه العلوم ‪.‬‬
‫وفي ضوء هذه الفكرة فإ فالسفة عصر التنوير نن أنثال ديكارت وكانت وباسكال وهيجا‬
‫دشنوا البناء النظري للحضارة الغربية الحالية ‪ .‬ونهما حاولنا شراء التكنولوجيا المتطورة نن‬
‫الغرب فإننا سنبقى نلهث بدو توقف ؛ نالم ننتج القاعدة التي تولد ( ااشياء التكنولوجية )‬
‫وهي قاعدة علمية ‪ .‬ولكن هذه القاعدة بدورها تحتاج الى نناخ فكري خاص ‪ .‬نن أبرز ففات‬
‫هذا المناخ حرية الفكر ‪ ،‬فالفكر الغربي اليوم يبحث بدو ( تابو) بد ًء نن الدراسة النقدية‬
‫للكتاب المقدس وانتهاء بالجنس كظاهرة انسانية وليس كأداة تجارية رخيصة ‪ .‬وفي جانعة نك‬
‫‪ -‬جيا ( ‪ ) Mc. GIL‬في نونتريال يدرس الطالب أنظمة الحكم في العالم ‪ ،‬حيث تخضع النظم‬
‫الديكتاتورية السياسية الى دراسة نخبرية ‪ ،‬كما يدرس ااطباء الباكتريا وتفريخها وتمكنها‬

‫‪175‬‬
‫واستفحال نرضها ‪ ،‬كذلك العثور على الترياق المناسب لسمونها ‪ ،‬ليس لتصديرها الى الدول‬
‫البئيسة المبتلية بهذه السرطانات ‪ ،‬با لالحتفاظ بها في اادراج السرية للمؤسسات العسكرية ‪،‬‬
‫كما رأينا في فيروس الموتابا في فيلم االنفجار الفيروسي (‪ ) OUTBREAK‬فالسياسة علم‬
‫‪ ،‬والجنس علم ‪ ،‬وعالقة االيما بالعلم أيضا ً علم ‪ ،‬وفي اللحظة التي نوحد فيها طرفي نعادلة‬
‫العلم وااليما ‪ ،‬كما وحد آينشتاين المادة والطاقة فسوف تحا أعظم نشكلة واجهت العقا‬
‫االنساني حتى اليوم ‪.‬‬
‫سحر الشكا الهندسي في اارقام عند باسكال ‪:‬‬
‫كا باسكال يدشن عصر النهضة العقلي بطريقة نختلفة ‪ ،‬ففي الوقت الذي حاول ديكارت أ‬
‫يقلب الهندسة الى أرقام ‪ ،‬فإ باسكال استولى عليه روح الجمال في رشاقة الهندسة ففهم‬
‫اارقام نن خالل تراكيب هندسية ‪ ،‬كما في اكتشافه المثلث الحسابي ( فااعداد تتركب فيما بينها‬
‫وتنتظم عنده في أشكال هندسية يمكن تحديد خصائصها كما هو اانر عند فيثاغورس وفي تقدم‬
‫باسكال نن نظام عددي الى نظام عددي آخر ينتقا أيضا ً نن شكا هندسي الى شكا هندسي آخر‬
‫‪ ،‬واليرجع أبدا ً الى العبارات الرنزية العانة التي نجدها في الجبر وال الى التركيبات العقلية‬
‫الخيالية التي نجدها عند ديكارت ‪ .‬إنه يرجع دائما ً وأبدا ً الى نظرة فنية كاشفة )(*)‬
‫القطيع فيه ‪ 400‬رأس نن الغنم ‪:‬‬
‫ونن هذه الروح ( الحدسية ) التي تتذوق الجمال المباشر في العالقات الخفية بين اارقام‬
‫والشكا الهندسي يروى عن باسكال أنه كا في الريف نع أفدقاءه ‪ ،‬وإذ نر بجانبهم قطيع نن‬
‫الغنم فنظر الى شكله الهندسي بسرعة فائقة ثم نطق بعدد ااغنام التي تسرح في المرج ‪ .‬وكا‬
‫الرقم كما توقعه اربعمائة رأس نن الغنم !!‬
‫نوقفه الفلسفي نن الرياضيات ‪:‬‬
‫ونن هذا الفهم الرياضي في عالقات اارقام وااشكال الهندسية الفنية ‪ ،‬وفا الى كشف هام‬
‫آخر في العالقات الرياضية ‪ ،‬سيخرج ننه بعد ذلك بخالفة فلسفية في قضية الالنهايتين‬
‫وجدلية االنسا ‪ ،‬أنا في المستوى الرياضي فوفا الى نبدأ يقول إ بين المراتب العددية‬
‫اختالفا ً النستطيع أ نقول عنه اال أنه النتناهي ‪ ،‬وشرع بعد ذلك في كتابة سفر فغير ظهر له‬
‫عام ‪ 1654‬م في نفس العام الذي فدر له المثلث الحسابي ‪ ،‬الذي رأى فيه اارقام على أشكال‬
‫هندسية ( هناك نبدأ ينص على أ نقدارا ً نتصالً اليكبر إ أضفنا له نقدارا ً أيا ً كا نن نرتبة‬
‫هندسية فوقه ‪ ،‬فاليمكن جمع النقاط الى الخطوط ‪ ،‬وال الخطوط الى المساحات ‪ ،‬وال هذه الى‬
‫الحجوم ‪ ،‬أو بتعبير آخر الحساب للجذور أنام المربعات ‪ ،‬وال للمربعات أنام المكعبات ‪ ،‬وال‬
‫لهذه أنام نربعات المربعات ‪ ،‬فأنام الكميات العليا علينا أ نهما الكميات الدنيا كما لو كانت‬
‫عدنا ً نطلقا ً )(*) هذا الفهم الرياضي قاده الى نعالجة المشكلة االنسانية الكبرى ‪ ،‬في خمسة‬
‫اسقاطات ‪ :‬نفهوم العدالة _ اليقين _ السعادة _ اللهو _ العلم أو نفهوم الالنهايتا ؛ فإذا كانت‬
‫هناك خنادق يتعذر اختراقها أو القفز نن فوقها في الرياضيات ‪ ،‬أو تشكا الفضاءات بينها‬
‫نسافات النهائية فهي نفس الشيء في نستوى النفس االنسانية والمجتمع ‪.‬‬
‫نشكلة العدالة االنسانية أو العدل الكوني ‪:‬‬
‫تمثا العدالة اارضية أكبر التناقضات االنسانية عند باسكال ؛ فكما في نشكلة الرياضيات بعدم‬
‫إنكانية إضافة الخطوط الى النقاط وال السطوح الى الحجوم ‪ ،‬فهو في نشكلة العدالة الكونية‬
‫يقيمها على جدلية ثالثية بين االنفعال والخيال والعقا ( فالخوف نفور وابتعاد عن أشياء اليلزم‬
‫دائما ً االبتعاد عنها وهو يحثنا على قبول ناتمليه علينا السلطات الخارجية العنيفة دو تردد ‪،‬‬
‫والخوف يصور سيادة تلك السلطات على النفس ‪ .‬وأثر الخوف واضح كا الوضوح لو توطدت‬
‫سلطته بالعادة )(*) فالدولة بنيت على احتكار العنف ‪ ،‬وبواسطة العنف تم لجم الناس بالرعب‬
‫فاعتادوا النظام ‪ ،‬فأساس الدولة هو عنف وخوف ‪ ،‬عنف خارجي وخوف داخلي ‪ ،‬واليظهر هذا‬
‫العنف والخوف اال في نواجهات فجائية ‪ ،‬والذي يعطي االستمرارية لهذا الوضع هو اعتياد‬
‫الناس أكثر ننه قناعتهم بهذا النظام ‪ ،‬فيبقى النظام نع العنف أفضا نن الفوضى نع الخوف ‪.‬‬

‫‪176‬‬
‫وهنا يمسك باسكال بعنق هذه المتحارجة العجيبة ‪ .‬الدولة وفق تأسيس النظام الداخلي تحرم‬
‫القتا وتعاقب عليه وتعتبره رأس الكبائر وأعظم الجرائم ‪ .‬ولكن نفس الدولة تأنر بالقتا في‬
‫الحروب والثورات ‪ ،‬وتشجع عليه وتكافيء ‪ ،‬وتعتبر أ َّ نن يقتا نن طرفها شهيد ‪ ،‬وأ َّ نن‬
‫يقتا نن الطرف اآلخر نجرم ‪ .‬في عالقة نعكوسة في الدولة المقابلة ‪ .‬فالشهيد هناك نجرم هنا‬
‫والعكس بالعكس ‪.‬‬
‫عالقة الشهيد _ المجرم ‪:‬‬
‫فعالقة ( الشهيد _ المجرم ) تقوم الدولة بتأسيسها نع فقدا كا قاعدة أخالقية وعقالنية لها‬
‫‪ .‬وعندنا تحدث الحروب يتم قتا االنسا بكا سهولة بااوانر ‪ ،‬حتى أ الجيوش تستخدم‬
‫سالحا ً خافا ً الستمرار المجزرة ‪ ،‬بحيث أ الذي الي ْقتا يقتا ‪ ،‬كما فور ذلك الكاتب اانريكي (‬
‫ارنست همنغواي ) في قصته الدرانية المؤثرة ( وداعا ً أيها السالح ) ‪.‬‬
‫لو اجتمع القاتا والمقتول خارج المعركة لتحادثا وضيَّف الواحد اآلخر فنجانا ً نن القهوة ‪ ،‬فال‬
‫توجد عداوة بينهما ‪ ،‬ولكن في الحرب يقتا االنسا أخيه االنسا باانر فقط نع عدم نعرفته‬
‫سلفا ً فضالً عن وجود عداوة أو حقد سابق ‪ .‬فالقتا يتم على الجغرافيا أو الهوية الشخصية ‪.‬‬
‫على الجغرافيا في الحروب االقليمية فيقتا نن هو وراء النهر أو خلف الجبا الذي يفترق عنا‬
‫ويبعد بخط سياسي وهمي ( والذي حطمه العلم اليوم بنظام االتصاالت كما في أجهزة الدش )‬
‫ويقتا على الهوية في الحروب ااهلية عندنا نعتبر أ نن ولد نن عرق أو لغة أو لهجة أو دين‬
‫أو نذهب أو طائفة أو عائلة أو حزب نختلف عنا ‪ ،‬يمثا اآلخر ‪ ،‬يجوز لنا أ نسفك دنه ونطهر‬
‫اارض نن نجسه وجنسه وهرطقته بكا راحة ضمير ؛‬
‫العدالة في طريقها الى نفق نسدود في جدلية نحيرة ‪:‬‬
‫كأ َّ العدالة إذا ً في طريقها الى نفق نسدود ؟!‬
‫يرى باسكال أ االنسا في جدلية الطريق الى حلها ‪ ،‬وهو شقي انه اليلقى حكما ً عادالً‬
‫ويرضخ للظلم ‪ ،‬ولكنه بنفس الوقت عظيم انه اليرضى بالظلم ويبحث عن العدالة الحقة ويؤنن‬
‫بإنكاني ة العثور عليها ‪ ،‬فاالنسانية في جدلية نحيرة وفي وضع غير قابا للحا ‪ ،‬وينتقا نن‬
‫نوقف الى ضده ‪ ،‬اليرضى بالواحد وال اآلخر ‪ ،‬اليرضى بالظلم وهو واقع ‪ ،‬ويؤنن بالعدالة‬
‫وهي غير نتحققة والواقعة ‪ ،‬حركة جدلية في النفس تخضع لمنطق زئبقي غريب اليمكن‬
‫االنساك به ‪ ،‬فال أنا إذا ً في العدالة ‪ ،‬كما النفر نن شبح حقيقة العدالة ووجودها ‪ ،‬وهذا الخيال‬
‫خفي على الجمهور وهو يقين عند المفكرين ‪ .‬ويؤدي نظما ً نن التفكير على هذه الشاكلة الى‬
‫شيء عجيب ونتيجة هانة خطيرة ؛ وهي إ االنسا يبحث بكا قواه عن عدالة حقة فاليجدها ‪،‬‬
‫ولكنه يبقى باحثا ً عنها المرة بعد المرة على الرغم نن فشله ‪ ،‬يؤنن بها ويعجز عن تحقيقها ‪،‬‬
‫يحلم بها واليمكنه االنساك بها ‪ ،‬يسبح في الخيال نع جمهورية افالطو والدولة الراشدية ‪،‬‬
‫ولكنه يصطدم في الواقع بالدولة االنوية البيزنطية ‪ ،‬يفكر في الخيال في عمر وعلي ( ر) ولكنه‬
‫يفاجىء بيزيد وفرعو وتيطس ‪ ...‬فها هناك نن نخرج لهذه الجدلية المحيرة‬
‫دنيا الرياضيات والفلسفة والنفس ‪:‬‬
‫إذا كا االنسا في وسط هذا العالم يسبح بين العدم والالنهاية ‪ ،‬فهو كا شيء إذا قيس‬
‫بالعدم ‪ ،‬وهو ففر والشيء إذا قيس بالالنهاية ‪ ،‬عاجز عن إدراك العدم الذي خرج ننه ‪،‬‬
‫والعدم الذي يدفع الى التالشي داخله نثا الثقب ااسود ‪ ،‬تحت ضغط قوة جبارة اليفهمها‬
‫والطاقة له بها ‪ .‬وإذا كا العلم والعقا اليفيدنا بالبرهنة على الزنا والمكا والفرق بين الحلم‬
‫والحقيقة ‪ ،‬ولماذا كانت اابعاد ثالثية ولم تكن عشرة كما هي في نظرية ااوتار الفائقة اليوم ‪،‬‬
‫بعد أ دشنت النسبية اابعاد ااربعة ‪ ،‬ودشن البريطاني توينبي في التاريخ البعد السادس بعد‬
‫البعد السيكولوجي الخانس ‪ .‬وإذا كا العقا ليس عنده الجواب لماذا كانت ااعداد النهائية ؟‬
‫ولماذا كا تصورنا لحافة الكو النهائية ؟ ولماذا كا هللا يمثا المطلق الالنهائي ااول اآلخر‬
‫الظاهر الباطن في ‪ 99‬اسم نن أسماءه الحسنى ؟ ولماذا كا العقا اليبرهن على عدم وجود‬
‫عددين نربعين أحدهما ضعف اآلخر ؟ فإ نفس القفزة النوعية نن الالنتناهيات تدشن في‬

‫‪177‬‬
‫ثالث عوالم ‪ :‬المادة _ العقا _ النفس ‪ .‬التي تمثا قوة الحب في ااخيرة ننها أعظم قوى‬
‫الوجود ‪.‬‬
‫قانو العظمات الثالث ( المادة _ الفلسفة _ الحب )‪:‬‬
‫نهما كانت المادة عظيمة فالعقا أعظم ننها ‪ ،‬انه يمثا قفزة نوعية ‪ ،‬ولكن النفس تمثا البعد‬
‫الجديد في ننطقه الخاص ‪ .‬والناس في هذه المراتب ثالث شرائح ‪ :‬الشريحة ااولى تملك‬
‫ااشياء والقوة المادية نثا القادة وااغنياء ‪ ،‬والثانية هم العلماء والفالسفة ويتمتعو بتدفق‬
‫العقا والسباحة في العلم ‪ ،‬والشريحة الثالثة هم أفحاب الطيف الروحي ‪ .‬وبين كا شريحة‬
‫وأخرى فضاء النتناهي ‪ ،‬نثا الفضاء الوجودي في العدم والالنهاية واالنسا بينهما ‪ ،‬فحيثما‬
‫توجه االنسا الى الفضاء الخارجي أو الذرة أفيب بالدوار نن نسافة النهائية يطا عليها ‪،‬‬
‫كما يحدث شعور الدوار بالنظر نن نرتفع شاهق ‪ .‬ونظرا ً ا حا الجدل االنساني لم تقترب فيه‬
‫الفلسفة نن جدار الحا ‪ ،‬فيجب أ نبحث في اتجاه آخر ‪.‬‬
‫لتوديع الجدار الفلسفي ‪:‬‬
‫يرى باسكال أ أعظم عقبتين تواجه االنسا الختراق الجدار الفلسفي ‪ ،‬ليودعها الى فضاء‬
‫يمكن حا الجدل االنساني فيه هي الشهوة والكبرياء ‪ ،‬فمع الشهوة تتعرقا لحظة النهوض‬
‫االنساني باالندفاع خلف اللذات والمال ‪ ،‬وبالرذيلة الثانية يدخا االنسا ننعرج الشيطا الذي‬
‫الرجعة ننه والتوبة ؛ فاالنسا سقط بالحرص ‪ ،‬والشيطا هوى بالكبر عندنا تصور نفسه أنه‬
‫أفضا نن غيره ‪.‬‬
‫حديث الروح ‪:‬‬
‫عندنا نفهم االنسا أنه نركب نن ثنائية ‪ ،‬فكلمة االنسا تدل داللة واقعية تاريخية على‬
‫وجود طبيعتين أو حالتين بكلمة أدق ‪ ،‬انه يمتنع التضاد في الحالة الواحدة ‪ ،‬فالبد نن اكتشاف‬
‫الوحدة االنسانية في هذا التضاد ‪ .‬نحاولة باسكال كانت في اكتشاف هذه الوحدة االنسانية النقاذ‬
‫االنسا نن التضاد والثنائية ‪ ،‬التي لم تستطع الفلسفة حلها ننذ المدرسة الرواقية واالبيقورية‬
‫‪ ،‬وانتهاء بفلسفة نونتيني والشكَّاك في زننه ‪ ،‬لقد وجد الحا في فورة أشخاص بشر نشوا‬
‫على اارض هم نن فنف آخر غير فنف القادة وااغنياء والفالسفة هم اانبياء ‪ ،‬فحسب‬
‫باسكال كا نهج اانبياء هو المنهج الذي حا الجدل ووحد االنسا وكسر الثنائية والغى التضاد‬
‫‪ ،‬وكا الدواء والبلسم واالكسير في هذه الوففة السحرية ‪ :‬الحب ‪.‬‬
‫في أجما أغاني أم كلثوم ( قصيدة حديث الروح ) لشاعر االسالم نحمد إقبال عندنا ينشد في‬
‫هجوع الليا ااخير يبكي ويناجي هللا في الوحدة والخلوة يشكو إليه نن حال المسلمين ‪ ،‬يقول‬
‫إقبال إ الوحيد نن كائنات السماء ‪ ،‬الذي نيز فوت نجواه بسرعة ؛ كا رضوا خاز‬
‫الجنا ‪ ،‬عندنا قال ‪ :‬إنني أعرف هذا الصوت فمنذ زنن بعيد كا أبواه عندي في الجنة ‪ .‬إ‬
‫فوته الحزين يذكرني بصوت أبيه وأنه عندنا سجدا هلل نعترفين بذنوبهما ‪ ،‬فدخال إطار حا‬
‫المشكلة االنسانية باالعتراف بظلم النفس وليس بإلقاء اللوم على اآلخرين بما فيهم الشيطا ‪،‬‬
‫كاشفين ونكتشفين حقيقة وجودهما أ نشاكا االنسا هي نن داخله وليس العالم الخارجي ‪.‬‬
‫ربنا إننا ظلمنا أنفسنا ‪ .‬بهذا االعتراف أفبح االنسا أفضا نن المالئكة فسجدت له ‪ ،‬وهي في‬
‫العادة التسجد اال لرب العالمين ‪.‬‬
‫نالحظة ناجاء بين قوسين (*) ننقول نن كتاب نوابغ افكر الغربي لمؤلفه نجيب بلدي ‪.‬‬

‫‪178‬‬
‫جان جاك روسو‬
‫في اللحظة التي ولد فيها الفيلسوف الفرنسي (جا جاك روسو) عام ‪1712‬م في جنيلف‪ ،‬كانلت‬
‫أنه في نحنة كبيرة‪ ،‬تنزف على نحو خطير‪ .‬ونحن ااطبلاء نعلرف هلذه الظلاهرة جيلدا‪ ،‬عنلدنا‬
‫يعجز الرحم عن التقلص بعد الوضع‪ ،‬وال نجاة ننها إال باستئصال الرحم كله أحيانا‪..‬‬
‫وقصة الوالدة نعجزة إلهية‪ ،‬فلوال تقلص الرحم واسترخائه نلا نلزل الجنلين‪ ،‬وللوال االنقبلاض‬
‫لماتت كا انرأة تلد‪..‬‬
‫وفي أنفسكم أفال تبصرو ‪.‬‬
‫والمهم فإ أم الفيلسوف روسو في ظروف فرنسا البائسة نن التخلف الطبي والفقر ناتلت بعلد‬
‫ساعة نن والدة الفيلسوف‪ ،‬أنا أبوه فكا ننفيا ً نن المدينة‪ ،‬وهكذا تعلم الفلسفة نن المعاناة‪.‬‬
‫هولد الناس أحرارا ً ولكنهم يرزحو في ااغالل في كا نكا ه‪.‬‬
‫بهذه الجملة اشتهر هذا الرجا‪ ،‬نع أ نعظم ناجاء به سبقه إليه كثيرو ؟‬
‫وفي الواقع لمع هذا الرجا للطبيعة الحانية التي تميز بها‪ ،‬والكم الهائا نن اافكار الثورية التي‬
‫قذفها الى ساحة الفكر‪ ،‬فهو يرى أ نايغير االنسا هي اافكار االجتماعية والنفسية‪ ،‬أكثر نلن‬
‫الفيزياء والكيمياء أو قوانين البيولوجيا‪.‬‬
‫ونعظم تراثه الذي تركه فب في نجاري االجتماع والسياسة واالنثروبولوجيا والتربية والدين؛‬
‫فهو كتب في السياسة بعنوا (نقالة في أفا الظلم) علام ‪ 1755‬م‪ ،‬وفلي التربيلة (أنيلا) علام‬
‫‪1762‬م وهو نن أجما نا كتب في تربية الطفا‪ ،‬وفلي عللم االجتملاع (العقلد االجتملاعي) اللذي‬
‫ذكر فيه ه أ القانو هو ناسطر على القلوب أكثلر ننله ناكتلب عللى الصلفحاته وهلو يشلهد‬
‫لالنتخابات التي تحلدث فلي العلالم العربلي وكلهلا تزويلرا وغشلا وكلذبا وزورا‪ ،‬ذللك أ رفليد‬
‫الديموقراطية ليس الصناديق با وعي الجماهير‪.‬‬
‫كما كتب نذكراته الشخصلية‪ ،‬وهلي بحلق نمتعلة بعنلوا (االعترافلات)‪ ،‬وأنلا شخصليا تمتعلت‬
‫بقراءتها‪.‬‬
‫ونقا عنه عالم النفس السلوكي (سكينر) بإعجاب فكرته عن توليلد السللوك عنلد الطفلا‪ ،‬وهلي‬
‫تقنية الداية أي القابلة في الوالدة‪ ،‬فمن المهم للطفا أ نجعله يتصرف كما يريد‪ ،‬دو أ يدري‬
‫أنه يعما نانريد‪.‬‬
‫كما تلد المرأة في الوالدة بكبسها ولكن بتوجيه القابلة‪.‬‬
‫وفي بداية حياته التمع اسمه نع المفكرين الفرنسيين المهمين نثا (فولتير) و(ديلدرو) فلاحب‬
‫الموسوعة و(كالمبير) ولكنه احتلف بآراءه عنهم شيئا ً فشيئاً‪ ،‬نن خالل بعض اافكار التي رأوا‬
‫فيها تطرفا ً غير نقبول؛ نثا قوله أ المدنية سيئة‪.‬‬
‫وعندنا سئا أي االثنين كا له الدور ااكبر في تقلدم االنسلانية العللوم أم الفنلو ؟ كلا جوابله‬
‫كالهما عما على تخريب االنسا ‪ .‬ولذلك دعا الى العودة الى الطبيعة‪.‬‬
‫وأجما آراءه كانت في التربية حين نصح اانهات بااللتصاق الجيد بأبناءهن‪ ،‬وأ يعيش الطفا‬
‫فللي حضللن أنلله الللى فتللرة طويلللة‪ ،‬فيكسللب الرحمللة والحنللا واحتللرام الحيللاة والثقللة بالعللالم‬
‫والمستقبا‪ ،‬وشهد لهذا دراسات إيريكسو في علم النفس االرتقائي وأزنات التطور الثمانية‪.‬‬
‫ونن أشد آراءه تطرفا ً ناتبنته النظريات الفوضلوية والشليوعية فلي نقلض بنيلا الدوللة انهلا‬
‫سبب كا فساد‪ ،‬والفوضوية هي حكم الجماعة بلدو دوللة وليسلت فوضلى كملا ترجملت خطلأ‪،‬‬
‫وااولى أ يقال نجتمع الالدولة كما دعا إلى ذلك تولستوي‪..‬‬
‫وعندنا عثر على فبي (أفيرو ) الوحشي نن الغابة عام ‪1799‬م وكا غالنا ً قلد أهملا وتلرك‬
‫للغابة يعيش فيها‪ ،‬استطاع أ ينجو نن الموت‪ ،‬وخرج قويا ً كالحيونات‪ ،‬اليعرف البلرد والمطلر‬

‫‪179‬‬
‫والمرض‪ ،‬قال عنه روسو انظروا الى الطبيعة كيف تفعا باالنسا ‪ ،‬وانظروا الى الحضارة نلاذا‬
‫تفعا باالنسا ؟ حين تسلب ننه كا نقاونة عضوية‪ ،‬وكا نور فطري‪ ،‬وليس ننها سوى إفسلاد‬
‫االنسا ‪ ،‬وتلويث البيئة‪ ،‬وإشعال الحروب‪ ،‬وإفساد الصحة العانة‪.‬‬
‫وفي الواقع فإ كالنه قسم ننه فحيح‪ ،‬ولكن والدة المجتمع لم تكن برغبلة نلن االنسلا بقلدر‬
‫الضرورة لذلك كملا قلرر ابلن خللدو ‪ ،‬ونحلن فلي النهايلة كائنلات اجتماعيلة‪ ،‬وللوال المجتملع‬
‫الفرنسي ناتطور روسو نفسه وال نطق الفرنسية وكتب؟ ولم يكن عما االنبياء والمصلحين في‬
‫التاريخ يهدف الى تدنير المجتمعات بقدر الرقي بها‪..‬وهنا التحدي ااعظم‪.‬‬
‫وفي الحديث المؤنن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم‪ ،‬خير نن الذي اليخالطهم وال يصلبر‬
‫على أذاهم‪..‬‬
‫ولد روسو عام ‪ 1712‬م في نطلع القر الثانن عشر في ندينة جنيف بسويسرا‪ ،‬ولم يكلن ذللك‬
‫الرجللا الملتللزم بعائلللة وحيللاة نسللتقرة‪ ،‬بللا عللاش حيللاة بوهيميللة ذكرهللا بالتفصلليا فللي كتابلله‬
‫(االعترافات) فعاشر الكثيرات وجاءه العديد نن ااوالد غير الشرعيين‪ ،‬وبقي يتنقا نلن حضلن‬
‫انرأة اخرى‪ ،‬وأنجب نن ااولى (تيريز ليفاسير) خمسة أبنلاء غيلر شلرعيين‪ ،‬أودعهلم جميعلا ً‬
‫نالجيء ااطفال‪ ،‬ونات في نهاية حياته نكتئبا ً حزينا ً بسبب نفور الناس نن افكاره‪ ،‬واالضطهاد‬
‫السياسي‪.‬‬
‫وكا نماته عام ‪ 1778‬قبا اندالع الثورة بل ‪ 11‬عانا ففاته هذا الفصا الممتع‪ ،‬والمقصة تهوي‬
‫على الرؤوس فتطير؛ فقد عاد المجتمع الفرنسي إلى الطبيعة كما أراد؟؟‪..‬‬

‫‪180‬‬
‫فرانسيس بيكون‬
‫( يجققب أن نقققذف بجميققع نظريققات القققرون الوسققطى بعيدا‪،‬كققذلك الجققدل والحققوار‬
‫والنظريات‪ ،‬التي حتا إلى إ ام البرهان ونناققاها‪ .‬ويجققب علققى ال لاق كققي جققدد‬
‫ن اها‪ ،‬أن بدأ مرة ثاني بقلم جديد ولوي نظيف وعقققل مااققول مطهققر‪ ،‬لققذلك كققون‬
‫الخطوة األولى فققي ال لاق هققي طهيققر العقققل و نقيتققه‪ ،‬وكأننققا عققدنا أط ققاال صققاارا‬
‫أبرياء من األفكار واأل كام المابق ‪ .‬إن مشكل المنطع األولى هي تبع مصادر هققذه‬
‫األخطاء وسدها)‬
‫هذه األ وال هققي ل يلاققوف بريطققاني عققاش ‪ 65‬سققن ‪ ،‬بققين ‪ 1561‬و ‪ 1626‬م‪ ،‬ولكققن‬
‫بصما ه مازال لها األثر علققى ال كققر اإلناققاني تققى اليققوم‪ ،‬هققو (فراناققين بيكققون)‪.‬‬
‫ويجب أن ن رق هذا عن جبل آخر من العلم هو (روجر بيكون) است ته عصر التنققوير‬
‫سميه فراناين بقرون‪.‬‬
‫ويعلع المؤر األمريكي (ديورانت) على أثره في ال كر‪ ،‬أنققه شققع طريقققا جديققدا فققي‬
‫ال لا ‪ ،‬بعد أرسطو‪ ،‬عتمد الجانب العملي التجريبي‪.‬‬
‫و شبه صق هققذا ال يلاققوف البريطققاني‪ ،‬يققاة (ابققن خلققدون) فقققد جمققع بققين ال لاق‬
‫والاياس ‪ ،‬وهي خلط صعب إال على من يارها عليه‪.‬‬
‫وار قى في المناصب الحكومي ‪ ،‬تى أصبه رئين وزراء‪ ،‬في عهققد جققيمن األول‪،‬‬
‫ولكققن الاياس ق صققان جمققوي هيققر ابققل للتققرويض؛ فقققد جلبققت لن اققه المتاعققب‬
‫والحااد؛ فكادوا له كيدا ورموه في هياب الاجن‪.‬‬
‫وفي نهاي يا ه ذاق مرارة ال قر بعد نعمق الانققى‪ ،‬ولكنققه عكققف علققى إنتققا أفلققل‬
‫شيء للبشر‪ ،‬أي الخالصات ال كري ‪ ،‬في عدة كتب أهمها كان كتاق‪(:‬البحق الجديققد ق‬
‫أورهانون نوفا ‪ )Organon Nova‬الذي وصف فيه أوهام العقل‪.‬‬
‫واختصرها في أربع ‪( :‬أوهام القبيل ) و(الكهف) و(الاوق) و(الماري)‪.‬‬
‫فأما أوهام (القبيل ) فهي مشكل عقل االناان‪ ،‬أنه مرآة مقعرة‪ ،‬علققى نحققو مققا‪ ،‬بمعنققى‬
‫أنه يرى األشياء في وء الهوى والتقاليد التي نشأ فيها‪.‬‬
‫أما أوهام (الكهف) فهي شخصي ‪ ،‬كما وص ها (أفالطون)‪ ،‬أن أ دنا ياكن فققي كهققف‬
‫من التصورات‪ ،‬وإن النور الذي يأ ي من الخار يترك الله علققى جققدران الكهققف؛‬
‫فال نرى الحقيق إال بعمل عقلي مجرد‪ ،‬وهيهات أن نصل الى الحقيق ‪.‬‬
‫و حت اط هذه ال كرة وصل ال يلاوف (بيركلي) الى اعتبار أن العالم وهم؛ ألن ما‬
‫نراه ال يمثل العالم‪ ،‬بقدر الكاميرا العقلي التي نحملها داخل رؤوسنا‪.‬‬
‫أما أوهام (الاوق) فهي التي نشأ من عالم المال واألعمال‪ ،‬واجتماع الناب و ققأثيرهم‬
‫بعلهم ببعض‪ ،‬ومن هنا اعتبر القرآن أن أكثققر النققاب ال يعقلققون‪ ،‬ألن الميققديا علقب‬
‫دورها في إنشاء هذيان الجماهير‪ .‬وانهيار األسواق المالي ال يتبع واعد مو ققوعي ‪،‬‬
‫بقدر جموي العواطف‪ ،‬و خوفات البشر‪ ،‬وأوهامهم ول األشياء‪.‬‬

‫‪181‬‬
‫والوا ع إن الديمو راطي جيدة‪ ،‬عندما يوجد الوعي‪ ،‬وإال أصبحت مهزلق ؟! ومجققالن‬
‫الشققعب فققي جمهوريققات الخققوف والبطال ق ‪ ،‬ال زيققد عققن مجققالن ققرود‪ ،‬ورصققيد‬
‫الديمو راطي يبقى وعي األم بل الصناديع‪.‬‬
‫وأما أوهام (الماري) فهي التي انتقلت إلينا من ال الس والم كققرين‪ ،‬أي لققك األفكققار‬
‫التي نتلقاها بدون محيص‪.‬‬
‫ولذلك فإن (بيكون) ا تري علينا‪ ،‬أن نتحلى بالعقل النقدي أكثر من النقلي‪ ،‬كي نؤسن‬
‫لمعرف سليم ‪.‬‬
‫والقرآن نعى جدا على إ باع اآلباء فقال‪:‬‬
‫(أولو كان آباؤهم ال يعقلون شيئا وال يهتدون)‪.‬‬
‫بقي بيكون نشيطا أليامه األخيرة‪ ،‬وعندما كان في طريقققه لزيققارة أ ققدهم خطققرت لققه‬
‫فكرة عن ظ الدجا أو اللحم عموما؛ فكم من الو ت يحت ظ الثلج بلحم الدجا بققدون‬
‫فااد؟؟‬
‫وعندما سارع الى طبيع التجرب على ن اه؛ انتابته عرواء ومر ومات‪ ،‬هالبا من‬
‫التهاق رئوي اد‪ ،‬في و ت لم كققن الصققادات الحيويق موجققودة‪ ،‬ولققم يكققن يعمققر إال‬
‫القليلون النادرون‪.‬‬
‫هكذا مات سبينوزا عن عمققر ‪ 42‬سققن بالتهققاق صققدر‪ ،‬وجققن نيتشققه بالتهققاق الققدما‬
‫الصققماي بعمققر الخماققين‪ ،‬و لققى صققالي الققدين وهققو كهققل بالتهققاق الطريققع‬
‫الص راوي‪ ،‬وأما اإلمام الشافعي فمات من البواسير‪ ،‬وهي اليوم حل بعملي بايط ‪..‬‬
‫وأوصى بيكون أن يكتب على بره‪:‬‬
‫(أ رك رو ي الى ‪ ،‬وأما جادي فأمره الى المجهققول‪ ،‬وأمققا اسققمي فأبقيققه لألجيققال‬
‫القادم واإلنااني جميعا)‪.‬‬

‫‪182‬‬
‫ديكارت مقلوباً (‪)1‬‬
‫( أنا نوجود أنا أفكر )‬
‫( بحث ظاهرة اانا في نؤتمر العلوم العصبية )‬
‫نع نهاية القر الخانس الهجري عانى العالم االسالني نن إعصارين ندنرين ‪ ،‬ااول كا‬
‫في االنحطاط ااخالقي والسياسي ‪ ،‬كنتيجة نحتونة لالنقالب اانوي القديم ‪ ،‬والثاني نن‬
‫ويق نحكم ‪ ،‬بين نطرقة المغول وسنديا الصليبيين ‪ .‬هذا اإلعصارا كانت خلفيتهما‬ ‫تط ٍ‬
‫ثقافية بالدرجة ااولى ‪ .‬فالجهاز المناعي الفكري وخطوط الدفاع العقلية كانت قد انهارت خطا ً‬
‫بعد خط وخندقا ً خلف خندق ‪ .‬حتى اختتم القر السابع ونعه انطفأت الروح الحضارية‬
‫االسالنية ‪ ،‬الموافق لمنتصف القر الثالث عشر للميالد ‪ ،‬عندنا انهارا جناحا العالم االسالني‬
‫في فترة عق ٍد نن الزنن (‪ )1‬وحصا االنقالب الكوني وبدأت الحضارة تكتب نن اليسار الى‬
‫اليمين ‪ ،‬واستخدم الحصا العربي لغزو ونهب العالم الجديد في االنريكيتين ‪ .‬وحبس العالم‬
‫العربي خلف نضيق بحر الظلمات في زنزانة البحر المتوسط ‪.‬‬
‫أزنة العقا المسلم في القر الخانس الهجري ‪:‬‬
‫في هذه الظروف المكربة فدم العقا االسالني الى أعمق أعماقه في سؤال نلح ‪ :‬ناالذي قاد‬
‫الى الكارثة ؟؟‬
‫وقف االنام أبو حاند الغزالي ليقوم بأهم عملين عقليين ناسحين ‪ ،‬فيما يشبه جهاز الرادار‬
‫العقلي ‪ ،‬في البحث بين االنقاض ‪ ،‬كما يفعا الباحثو عن الصندوق ااسود عند تحطم الطائرات‬
‫‪ .‬في بحث الخلا ااخالقي ‪ ،‬وخلفية االعصار العقلي ‪ ،‬فاستنفر نفسه لدراسة أربعة تيارات‬
‫فكرية عاففة كانت تجتاح العالم االسالني وقتها ‪ :‬الفلسفة اليونانية وتيارات الباطنية وفرق‬
‫المتكلمين واالتجاه الصوفي ‪.‬‬
‫كا ضغط المصيبة ناحقا ً ساحقا ‪ ،‬بحيث انضغط عقا الغزالي فانحدر الى الشك ‪ .‬والشك‬
‫ً‬
‫دائرة نروعة وكأنها الثقب ااسود الشفاط ‪ ،‬وهذا الذي حصا نع الغزالي ‪.‬‬
‫ونع تراكم سحب ( الشك ) اسودت نعالم الطرق العقلية ‪ ،‬وتسرب الشك الى كا المنافذ ‪،‬‬
‫وفي النهاية استولى الشك بالكانا على عقا الغزالي وطوقه بإحكام ‪ ،‬حتى وفا الى الشك بكا‬
‫شيء حوله ‪ ،‬وتسربت عفونة الشك الى المدارك العقلية االساسية نثا البديهيات االساسية‪.‬‬
‫تساءل الغزالي ‪ :‬إذا كا المنام كله ضربا ً نن الوهم ؟ فلماذا التكو الحياة كلها ضربا ً أكبر في‬
‫الخيال السقيم ؟؟ يقول الغزالي‪ ((:‬فتوقفت النفس في جواب ذلك قليالً ‪ ،‬وأيدت إشكالها بالمنام ‪،‬‬
‫وقالت ‪ :‬أنا تراك تعتقد في النوم أنورا ً ‪ ،‬وتتخيا أحواالً ‪ ،‬وتعتقد لها ثباتا ً واستقرارا ً ‪ ،‬والتشك‬
‫في تلك الحالة فيها ‪ ،‬ثم تستيقظ فتعلم أنه لم يكن لجميع نتخيالتك ونعتقداتك أفا وطائا ؟ فبم‬
‫تأنن أ يكو جميع ناتعتقده في يقظتك بحس أو عقا هو حق باالضافة الى حالتك التي أنت‬
‫فيها ؟ لكن يمكن أ تطرأ عليك حالة تكو نسبتها الى يقظتك ‪ ،‬كنسبة يقظتك الى ننانك ‪،‬‬
‫وتكو يقظتك نونا ً باالضافة اليها ! فإذا وردت تلك الحالة تيقنت أ جميع ناتوهمت بعقلك‬
‫خياالت الحافا لها )(‪)2‬‬
‫نحنة الغزالي الروحية ‪:‬‬
‫وتطورت الصدنة العقلية الروحية عند الغزالي الى أ أدخلته المرض فارتمى في السرير‬
‫وكاد أ يهلك ‪ ،‬ويروي تجربته الروحية الفكرية بشكا نؤثر (( فلم أزل أتردد بين تجاذب‬
‫شهوات الدنيا ودواعي اآلخرة قريبا ً نن ستة أشهر أولها رجب سنة ثما وثمانين واربعمائة ‪،‬‬
‫وفي هذا الشهر جاوز اانر حد االختيار الى االضطرار ‪ ،‬إذ أقفا هللا على لساني حتى اعتقا عن‬

‫‪183‬‬
‫التدريس ‪ ،‬فكنت أجاهد نفسي أ ادرس يونا واحدا تطييبا لقلوب المختلفة الي ‪ ،‬فكا الينطق‬
‫لساني بكلمة واحدة وال استطيعها البتة ‪ ،‬حتى أورثت هذه العقلة في اللسا حزنا في القلب ‪،‬‬
‫بطلت نعه قوة الهضم ونراءة الطعام والشراب ‪ ،‬فكا الينساغ لي ثريد ‪ ،‬والتنهضم لي لقمة ؛‬
‫وتعدى الى ضعف القوى ‪ ،‬حتى قطع االطباء طمعهم في العالج وقالوا ‪ ( :‬هذا أنر نزل بالقلب‬
‫وننه سرى الى المزاج ‪ ،‬فالسبيا اليه بالعالج ‪ ،‬اال بأ يتروح السر عن الهم الملم )(‪)3‬‬
‫االنهدام العقلي الكبير على يد الغزالي ‪:‬‬
‫بقدر نابدأ الغزالي خطواته العقلية ااولى بجبروت في تأسيس المعرفة عندنا أسس نبدأ‬
‫اليقين في العلوم (‪ )4‬بحيث التتزعزع المعرفة العقلية حتى لو برهن على عكسها بتحويا‬
‫الحجر الى ذهب والعصي الى ثعابين ‪ ،‬فالمعرفة العقلية هي أعمق وأبقى ‪ ،‬والذي ترك كانا‬
‫بصماته على العقا ااوربي ؛ بقدر ناانتهى الغزالي نفسه ؛ عندنا سطر قلمه كتاب ( تهافت‬
‫الفالسفة ) في نهاية رحلته الى حالة فراغ كانلة باالنتحار الصوفي ‪ ،‬نما اضطر ابن رشد‬
‫الحقا ً ؛ أ يتدخا بعملية فكرية جراحية اسعافية لعقا نسلم ننتحر بنزف داخلي ‪ ،‬قد انهار‬
‫فاحبها بفعا النزف الفكري الى حالة الصدنة غير قابلة التراجع ( ‪IRREVERSIBLE‬‬
‫‪ ) SHOCK‬فيكتب في الوقت الضائع للمباراة كتابه ( تهافت التهافت )(‪ . )5‬لذا لم يستفد‬
‫العالم االسالني نن كتابات ابن رشد شيئا ً ‪ ،‬با هي نوضع شبهة وشك فهو نن التراث‬
‫المحترق ‪.‬‬
‫ديكارت والمقال على المنهج ‪:‬‬
‫في الوقت الذي كا العالم االسالني يضع عقله على الرف ‪ ،‬ويتوقف الزنن عنده على ضرب‬
‫فنج الصوفية ‪ ،‬ويشخر في أحالم وردية على قصص ألف ليلة وليلة ‪ ،‬كانت بذور ننهج‬
‫الغزالي في التأسيس المعرفي نن خالل نبدأ الشك يثمر ثمراته في جنوب ألمانيا بطريقة‬
‫نختلفة‪ .‬يقول ديكارت عن نفسه أ الثلج والبرد اضطره الى قضاء الشتاء في جنوب ألمانيا‬
‫قريبا ً نن ندينة أولم ( ‪ . ) ULM‬كا رينيه ديكارت نن نبتات التنوير العقلي الجديد ‪ ،‬الذي‬
‫انتد نن شمال إيطاليا الى كا أوربا نن الشعلة التي قدح زنادها البن رشد ‪.‬‬
‫يقول ديكارت أنه التجأ الى هذه المكا وهو فارغ البال نن الهم والحز والهوى ‪ .‬كا‬
‫الشيء الذي يحتا كا نلكاته العقلية هو إنكانية الوفول الى الوثاقة واليقين في العلوم ‪،‬‬
‫فديكارت كا قد ودع الفكر القديم وفقد ثقته به فكتب ‪:‬‬
‫(( العقا هو أحسن االشياء توزعا ً بين الناس إذ يعتقد كا فرد أنه أوتي ننه الكفاية ‪ ،‬حتى الذين‬
‫اليسها عليهم أ يقنعوا بحظهم نن شيء غيره ‪ ،‬ليس نن عادتهم الرغبة في الزيادة لما لديهم‬
‫ننه ‪ .‬ويشهد هذا بأ قوة االفابة في الحكم التي تسمى العقا أو النطق تتساوى بين كا الناس‬
‫بالفطرة ‪ ،‬وكذلك يشهد بأ اختالف آرائنا التنشأ نن أ البعض أعقا نن البعض اآلخر ‪ ،‬وإنما‬
‫ينشأ نن أننا نوجه أفكارنا في طرق نختلفة ‪ ،‬انه اليكفي أ يكو للمرء عقا با المهم هو أ‬
‫يحسن استخدانه ‪ ،‬وإ أكبر النفوس لمستعدة اكبر الرذائا نثا استعدادها اكبر الفضائا )(‪)6‬‬
‫المنهج الديكارتي ‪ :‬أنا أفكر ‪ ..‬أنا نوجود ‪:‬‬
‫استولى الشك على كيا ديكارت كانالً فبدأ يتنفس الشك ويعيش فيه ‪ ،‬ويقول أ تلك الليلة‬
‫شعر وكأ دناغه _ نن شدة التفكير _ يوشك على االنفجار ‪ ،‬ثم انقدح انانه فجأة المنهج‬
‫الجديد ‪ ،‬الذي عرف بالمنهج التحليلي الديكارتي ‪ ،‬الذي لنا عودة تفصيلية اليه اثناء الغوص في‬
‫بحر الفلسفة ‪ .‬قال ديكارت إنني عندنا أشك أفكر ؛ حتى لوشككت في كا شيء ؛ بمافيه وجودي‬
‫بالذات ‪ ،‬حتى لو زالت الدنيا كلها ‪ ،‬فإ شيئا ً اليزول واليتزحزح وهو انني أشك ؛ أي إنني أفكر‬
‫وإذا كنت أفكر فهناك حقيقة أنني نوجود على فورة نن الصور ولكنني نوجود ‪ .‬فهذه هي‬
‫الحقيقة الراسخة الوحيدة التي يمكن أ استند اليها في كا عمليات التفكير ‪.‬‬
‫هذه الحقيقة الراسخة نهدت الطريق لعصر التنوير في أوربا واعتبرت الفلسفة الديكارتية‬
‫أحد المفافا الجوهرية التي قانت عليها الفلسفة ااوربية الحديثة ‪ ،‬باعتبار أ ديكارت‬
‫وعشرات نن أنثاله كانوا البناة النظريو للعصر الحديث بكا انجازاته ‪ ،‬انه نع حركة العقا‬

‫‪184‬‬
‫تم تدشين حرية التفكير ‪ ،‬ونع حرية التفكير انطلقت االبحاث العلمية بدو حدود ‪ ،‬وننها نبعت‬
‫التكنولوجيا الحديثة والنظم السياسية أي الليبرالية االقتصادية والديموقراطية السياسية ‪،‬‬
‫فهؤالء المفكرو العظام هم الذين حلوا أعظم نشاكا الجنس البشري ؛ في عالقة السلطة‬
‫بالمواطن ‪ ،‬ونقا السلطة السلمي ‪ ،‬وبناء نناخ الحرية الفكرية الكانا بدو أي خوف أو تابو‪.‬‬
‫ولكن نؤتمر جمعية العلوم العصبية ( ‪) SOCIETY FOR NEUROSCIENCES‬‬
‫الذي ضم نايزيد عن عشرين ألف عالم ‪ ،‬اجتمعوا في ندينة سانت دييغو في نقاطعة كاليفورنيا‬
‫نن نهاية العام الماضي ‪ ،‬خرج ببعض النتائج التي بدأت تهز ااقدام تحت نظرية ديكارت ‪.‬‬
‫نؤتمر ( سا دييجو ) يثير بحث المشكلة الفلسفية نن جديد ‪:‬‬
‫في نوفمبر نن العام الفائت اجتمع ك ٌم ضخم نن أطباء العصبية والمعلوناتيين (‬
‫‪ ) INFORMATIKER‬وعلماء النفس والفالسفة ونشرحو الدناغ وبيولوجيو الكيمياء‬
‫العصبية ‪ ،‬يريدو حا المعضلة القديمة للفلسفة ‪ :‬ناهو الوعي االنساني ؟ لقد حاولوا اقتحام‬
‫الدناغ لفهم أسراره الدفينة ‪ .‬ولكن نن أجا فهم ناذا يعني الكيا ( أنا ) كا عليهم تجاوز عقبة‬
‫كؤود غير قابلة لالختراق على نايبدو حتى اال وهي ‪ :‬دور المشاعر واالحاسيس وعالقتها‬
‫بالعقا والفكر ؟!‬
‫إ الثورة العقلية التي بدأها ديكارت نع عام ‪ 1644‬م عندنا أطلق نقولته الفلسفية الشهيرة‬
‫( أنا أفكر أنا نوجود)( ‪ ) COGITO, ERGO SUM‬كا قد وضع أحد ااحجار ااساسية‬
‫في الفلسفة الحديثة ‪ ،‬فأنا الروح والعقا والوعي فإنها تخص الكنيسة ‪ ،‬وأنا البد فيمكن‬
‫اقتحام التابو فيه وتعريضه للتشريح ‪ ،‬وهكذا أوجد النظرية الثنائية في أ في االنسا كيانا‬
‫يسبحا جنبا الى جنب الروح والبد في ثنائية نتالزنة غير نفهونة ‪ .‬ولكن كما تفعا الثورة‬
‫نع ابناءها فيبدو أ هذه الثورة العقلية تهدد بأكا ابناءها الذين دشنوها على حد تعبير نجلة‬
‫الشبيجا االمانية (‪ )7‬فاالتجاه بدأ ينعكس اآل ليس البحث في البد با في الروح ‪ .‬فكيف نفهم‬
‫الذات ؟ كيف نعرف نن نحن ؟‬
‫كا السر على نايبدو يربض تحت عظم الجمجمة ‪ ،‬في المادة المخية التي تضم نائة نليار‬
‫خلية عصبية ‪ ،‬في تعقيد اليقاربه شيء في الكو ‪.‬‬
‫فكرة نفاتيح الدارات العصبية ‪:‬‬
‫يبدو أ فهم الدناغ يمشي في اتجاهين ااول ‪ :‬هو المزيد نن فك أسراره سواء المناطق‬
‫التشريحية أو أثر الكيمياء في التصرفات أو نركز اللغة ‪ ،‬واالتجاه الثاني هو استحالة االحاطة‬
‫بكانا الدارات العصبية الموجوة في دناغنا ‪ ،‬فالخاليا العصبية التي تصا الى نائة نليار خلية‬
‫تتضافر فيما بينها بشبكة نخيفة نن االرتباطات ‪ ،‬بحيث أنها تشكا دارات اليمكن االحاطة بها ‪،‬‬
‫ولعا رقم ( الجوجول )( ‪ ) GOGOL‬الذي يتحدثو عنه ‪ ،‬والذي هو عشرة قوة نائة ‪ ،‬هو‬
‫رقم تقريبي ال أكثر للدارات العصبية الموجودة في دناغنا والتي تشكا تركيبنا ‪.‬‬
‫نقارنة بين تركيب الكرونوسوم والدارات العصبية في الدناغ ‪:‬‬
‫لفهم التعقيد المخيف في دناغنا يستحسن نقا ذلك الى المقارنة نع أعقد التركيبات‬
‫البيولوجية المسؤولة عن الوراثة في كياننا والتي تبلغ حوال ثالثة نليارات جين ؛ الحانض‬
‫النووي ‪.‬‬
‫إ تركيب الحانض النووي يبقى في غاية البساطة نع تركيب ضفيرة النورونات ‪.‬‬
‫فالحانض النووي يتشكا نن تتابع احماض أنينية أربعة هي االدنين والسيتوزين والغوانين‬
‫والثيمين ‪ ،‬ويرنزلها بالحروف ( ت _ س _ غ _ أ ) وهذه الحروف ااربعة تشكا لغة الخلق‬
‫البيولوجية ‪ ،‬ويمكن لها أ تتالى على غير نظام نثا ( أ ‪ -‬أ _ أ _ ت ) أو ( ت _ س _ غ _ غ‬
‫) وهكذا واجتماع عدد ينقص أو يزيد نن هذا التتابع لهذه الحروف يسمى ( جين )( ‪) GEN‬‬
‫وهو المسؤول عن بناء عضوي نعين في البد ‪ ،‬نثا االنسولين الذي يحرق السكر أو‬
‫هورنو الغدة الدرقية الذي يشعا الفعالية في البد ولكن الدارات العصبية هي حروف نبعثرة‬
‫تبني ارتباطات عشوائية النهاية لها ‪ ،‬وهي ليست عشوائية ‪ ،‬با كا دارة تولد نعلونة أو لعلها‬

‫‪185‬‬
‫تفرز عاطفة ‪ ،‬أو تحث على شعور نا ؟ ويكفي أ نعلم أ كا جزيئات الوجود التزيد عن عشرة‬
‫قوة ‪ ، 88‬وبذلك تكو االرتباطات في دناغنا أعقد وأعظم شيء في الوجود (‪.)8‬‬
‫نوضعة الوعي والمراكز العصبية ‪:‬‬
‫هذا الفهم للدارات العصبية يفتح الباب على انقالب نوعي في فهم أناكن االفابات العصبية ‪،‬‬
‫فاليعني خراب نكا بعينه أنه هو المسؤول عن الوظيفة الضائعة ‪ ،‬تمانا ً كما في توقف السيارة‬
‫عن السير لنضوب البنزين فنظن أنها بسبب تعطا المحرك ‪ ،‬وهي االبحاث التي تقدم النفساني‬
‫البريطاني ( ريتشارد جريجوري ) في نظرية جديدة لمواضع الوظائف ونعنى الوعي عند‬
‫االنسا ‪ .‬وشرح ذلك في نقال نبني على اافول ضد التموضع ويضرب لذلك نثالً (( إنه نن‬
‫المستحيا تقدير آثار إفابة نوعية دو نعرفة كيفية تشغيا أجزاء الدناغ نجتمعة ولنأخذ نثالً‬
‫‪ :‬حالة ناكينة نجهولة نحاول فهم طريقة تشغيلها وذلك بواسطة فك قطعها بشكا افطفائي‬
‫واحدة تلو ااخرى ‪ ،‬فإذا نزعنا ننها جز ًء نعينا نثالً خزا الوقود فتوقفت اآللة ‪ ،‬حينئذ يمكننا‬
‫بشكا ساذج أ نستنتج ‪ ،‬إذا لم نكن قد رأينا سيارة نن قبا ‪ ،‬بأ آلية الدفع في هذه الماكينة‬
‫هي الخزا ‪ .‬ويبدي جريجوري المالحظة القائلة بأ المشكلة التنطرح فيما لو كنا نعرف‬
‫اآلليات المعقدة للمحركات االنفجارية ‪ ،‬ونحن في حالة الدناغ لسنا في هذا الموقف ؛ إذ أننا‬
‫النملك نظرية وطيدة عن التشغيا الطبيعي للدناغ ‪ ،‬ولذلك فإ تأويالت المعطيات المستمدة نن‬
‫االفابات العصبية الدناغية يمسي عسيرا ً )(‪)9‬‬
‫الغابة الدناغية والتيه العلمي ‪:‬‬
‫عجز المشرحو عن التحقق الفعلي نن المراكز العصبية ونكا الوعي واالرادة ‪ ،‬واحتار‬
‫علماء النفس في تفسير أحالم التحقق وظواهر الباراسيكولوجيا ‪ ،‬ولم يفهم تمانا ً كيف تتحول‬
‫نوجات الكهرباء الى ألوا بعينها نترجمة في الدناغ ‪ .‬لم يفهم تمانا ً آلية ترابط المشاعر نع‬
‫اافكار فيبدو أ هناك نوع نن الترابط المحكم يضيع نع تدنير بعض الممرات العصبية ‪.‬‬
‫تخلخا البناء النظري الذي وضعه ديكارت سابقا ً في ثنائية الروح والبد ‪ ،‬فهناك نوع نن‬
‫الضفيرة المحكمة بين النفس والجسد ‪ ،‬فالروح تتنفس نن خالل البد والعكس فحيح ‪ .‬ولغز‬
‫العقا والوعي نازال قائما ً ‪.‬‬

‫نراجع وهوانش ‪:‬‬


‫(‪ ) 1‬من التصادف الاريب والمحزن لمصير العالم االسالمي أن جنا يه طعا في فترة عقد من الانين ‪ ،‬فاقط‬
‫كما ياقط الطير بال جنا ان ‪ .‬سقطت اشبيلي في االندلن في عام ‪ 1248‬م بيد االسبان ودمرت باداد بالمحراث‬
‫الماولي الهابط من الشرق في عام ‪ 1256‬م (‪ )2‬كتاق ( المنقذ من اللالل والموصل الى ذي العزة والجالل )‬
‫أبو امد الازالي _ ققه جميل صليبا وكامل عياد _ دار االندلن _ ه ‪ )3( 85‬ن ن المصدر الاابع ه ‪136‬‬
‫(‪ )4‬أمل عبيرات الازا لي المدهش في التأسين المعرفي ( فالبد من طلب قيق العلم ماهي ؟ فظهر لي أن العلم‬
‫اليقيني هو الذي ينكشف فيه المعلوم انكشافا اليبقى معه ريب واليقارنه إمكان الوهم والالط ‪ ،‬واليتاع القلب‬
‫لتقدير ذلك ‪ ،‬بل األمان من الخطأ ينباي أن يكون مقارنا لليقين مقارن لو حدي بإ هار بطالنه مثال من يقلب‬
‫الحجر ذهبا والعصا ثعبانا لم يورث ذلك شكا وإنكارا ‪ ،‬فإني إذا علمت أن العشرة أكثر من الثالث ؛ فلو ال لي‬
‫ائل ‪ :‬ال ‪ ،‬بل الثالث أكبر من العشرة ؛ بدليل أني أ لب هذه العصا ثعبانا و لبها وشاهدت ذلك منه ‪ ،‬لم أشك باببه‬
‫في معر فتي ‪ ،‬ولم يحصل لي منه اال التعجب من كي ي در ه عليه ! أما الشك فيما علمته فال ) ن ن المصدر‬
‫الاابع ه ‪ ) 5( 82‬يراجع في هذا كتاق ( كوين العقل العربي ) للم كر الماربي الدكتور محمد عابد الجابري _‬
‫مركز دراسات الو دة العربي _ مثال فصل العقل الماتقيل في الثقاف العربي االسالمي (‪ )6‬مقال على المنهج _‬
‫رينيه ديكارت _ رجم محمود الخليري _ الناشر دار الكا ب العربي للطباع والنشر _ ه ‪ )7( 110‬مجل‬
‫الشبيجل األلماني العدد ‪ 1996 16‬م _ البح عن الذات ه ‪ )8( 190‬كتاق اللا وال كر _ أليف شارلز‬
‫فورست _ رجم محمود سيد رصاه _ ال صل األول ه ‪ )9( 6‬ن ن المصدر الاابع ه ‪. 216‬‬

‫‪186‬‬
‫ديكارت مقلوباً (‪)2‬‬
‫( أنا نوجود‪ ...‬أنا أفكر )‬
‫المعلونات الجديدة نن نؤتمر العلوم العصبية حول اكتشاف ( اانا )‬

‫( بمناسبة انعقاد نؤتمر العلوم العصبية ( ‪SOCIETY FOR NEUROSCIENCES‬‬


‫) في ندينة سا دييغو ( ‪ ) SAN DIEGO‬في نقاطعة كاليفورنيا اانريكية ‪ ،‬في نوفمبر‬
‫نن العام ‪ 1995‬م في ذكرى تأسيسها قبا ربع قر نن الزنا ‪ ،‬احتشدت نظاهرة ضخمة نن‬
‫العلماء زاد عددها عن عشرين ألف عالم في شتى نيادين العلوم العصبية ‪ :‬نن الذين يعملو‬
‫في تشريح الدناغ ( ‪ ) ANATOMY‬وفسيولوجيا االعصاب ‪ ،‬وجراحة المخ ‪ ،‬وأبحاث‬
‫الخاليا العصبية ‪ ،‬وعلماء النفس ‪ ،‬والفالسفة ‪ ،‬وكيمياء الدناغ ‪ ،‬والمخدرين ‪ ،‬والمعنيين‬
‫بالمخدرات والمدننين والجريمة ‪ ،‬وجماعات التنويم المغناطيسي ‪ ،‬والمعتقدين‬
‫بالباراسيكولوجيا ‪ ،‬وأطباء النفس العصبي ( ‪ ، ) PSYCHONEUROLOGY‬أطباء‬
‫الصحة النفسية ‪ ،‬وعلماء الكمبيوتر ‪ ،‬والمعلوناتيين ‪ .‬كانت عناوين االبحاث فقط (‬
‫‪ ) ABSTRACTS‬تضم ثالث نجلدات ضخمة ‪ .‬كا هدف االجتماع هو نحاولة حا المشكلة‬
‫الفلسفية القديمة في اكتشاف الذات ؟! نن يكو أنا ؟ ناهو الوعي والالوعي ؟ ناهو التفكير ؟‬
‫وكا أطرف ناجاء في المؤتمر بعض االختراقات المعرفية الجديدة التي قدنها بعض العلماء‬
‫نثا ( بنيانين ليبيت)(‪ )BENJAMIN LIBET‬الذي يعما في فسيولوجيا االعصاب ‪ ،‬نن‬
‫جانعة كاليفورنيا في سا فرانسيسكو ‪ ،‬حول ظاهرة غياب الوعي عن الحاضر ‪ ،‬فالوعي‬
‫يتأخر دونا ً عن اللحظة الراهنة بأجزاء نن الثانية ‪ ،‬فهو يلهث للحاق بنبض الزنن عبثا ً ‪ ،‬فنحن‬
‫عمليا ً خارج الزنن الفعلي ؟ وننها التي قدنها الدكتور ( انتونيو داناسيو )( ‪ANTONIO‬‬
‫‪ ) DAMASIO‬نن جانعة (إيوا)(‪ ) IOWA‬حول فهم جديد لجدلية العواطف والعقا ‪ ،‬في‬
‫تقسيم نثير للعواطف االنسانية فيما يشبه طيف الضوء ‪ ،‬فكما يتجمع طيف الضوء اابيض نن‬
‫سبعة ألوا في حزنة واحدة ‪ ،‬حولته الى اللو اابيض الذي نشعر به ‪ ،‬كذلك انبثقت تصرفات‬
‫االنسا نن حزن ٍة نن خمسة عواطف هي ‪ :‬الحز والسرور ‪ ،‬الخوف والغضب ‪ ،‬واالشمئزاز‬
‫‪ ،‬ليصا في النهاية الى دراسة نيدانية نثيرة ‪ ،‬في تطبيق نقياس خاص على قياس العواطف‬
‫ونبض العقا ونظم اافكار عن طريق فحص نادي لتعرق الجلد ) ‪.‬‬
‫حادثة المريض ايليوت ( ‪:) EIIIOT‬‬
‫كا الصداع الذي استولى على المريض نبرحا ً ‪ ،‬اليفارقه ليا نهار نما اضطره الى نراجعة‬
‫طبيب االعصاب الدكتور ( انتونيو داناسيو ) الذي اكتشف عنده ورم في المنطقة الجبهية نن‬
‫الدناغ ‪.‬‬
‫كا المريض السيد ( ايليوت ) ذو وظيفة نحترنة ‪ ،‬في حياة زوجية نريحة ‪ ،‬وفي عالقات‬
‫نمتازة نع زنالءه وجيرانه ‪ ،‬وباستشارة جراحي ااعصاب تم التداخا الجراحي الستئصال‬
‫ورم سليم في الفص الجبهي الدناغي ‪ .‬تمت العملية بسالم ورجع المريض الى بيته نعافا ً ‪...‬‬
‫ولكن‬
‫تناقض الذكاء والتصرفات ‪:‬‬
‫بعد العملية الجراحية بفترة قصيرة بدأت شخصية السيد ايليوت بالتغير تدريجيا ً ‪ ،‬كما هي في‬
‫حادثة عانا الطرق ( فينياس جاج ) الذي اخترق جمجمته قضيب الحديد (‪ )1‬التي عرضنا‬

‫‪187‬‬
‫قصته فيما سبق ‪ ،‬نريضنا الجديد ولى ظهره لزنالئه وعاف أقرباءه ‪ .‬خسر وظيفته ‪ .‬بدأ يدخا‬
‫في نضاربات نالية خطيرة أودت به الى حافة االفالس ‪ .‬انهدنت عائلته وفارقته زوجته ‪ .‬لم‬
‫يعد يستيقظ نبكرا ً وتحول الى رجا بدو طموح ‪ .‬لم يعد يدقق في المواعيد والزنن وتحول الى‬
‫كم فوضوي ‪.‬‬
‫يقول الدكتور ( داناسيو ) ‪ :‬الشيء الذي لفت نظري في هذا المريض والذي حرضني للبحث‬
‫العلمي ‪ ،‬هو أ ذكاءه لم يضطرب فبقيت المحاكمة العقلية فافية دقيقة ‪ ،‬لم تخنه ذاكرته ‪.‬‬
‫كانت فحوفات الذكاء عنده ( ‪ ) I Q‬عادية ‪ ،‬وتذكر الكلمات واارقام على نايرام ‪ .‬قدرة‬
‫المحاكمة كما هي ‪ .‬با حتى ننظره اانيق وروحه الفكاهية لم يخسرها ‪ .‬نع كا هذا فإ‬
‫المريض ( ايليوت ) أفبح عاجزا ً في أ يترك لوحده ليحا نشاكله اليونية ننفردا ً ‪.‬‬
‫وكا السؤال ناالذي أوفا المريض الى حافة االنهيار هذه ؟ وأي خلا ترتب بعد هذه العملية‬
‫الجراحية التي لم تستخرج سوى ورنا ً حميدا ً تخلص ننه المريض في الظاهر ؟ ناهي نوعية‬
‫االتصاالت العصبية التي تدنرت نن جراح االستئصال الجراحي ؟‬
‫هذه الحادثة دفعت الدكتور ( داناسيو ) أ يكرس عشرين سنة نن العما الشاق في اابحاث‬
‫العصبية قبا أ يتقدم ببعض النتائج المتماسكة في نؤتمر جمعية العلوم العصبية في سا‬
‫دييغو في خريف العام المنصرم ‪.‬‬
‫ولكن قبا عرض نتائج الدكتور داناسيو عندنا رحلة نثيرة في دراسة الوعي عند االنسا‬
‫أناط العلم اللثام عن طرف ننها ‪.‬‬
‫عصر اكتشاف الذات ‪:‬‬
‫اهتم االنسا بشغف في اكتشاف العالم الخارجي ونسي نفسه ‪ ،‬ربما بسبب الصعوبة النوعية‬
‫‪ ،‬أو ربما لشدة قربها نن الذات ‪ ،‬فكيف تريد الذات دراسة نفسها بدو إطاللة خارجية ‪ ،‬ولكن‬
‫وعي الذات في الحقيقة هو أرفع أنواع الوعي ‪.‬‬
‫هذه الحقيقة انتبه لها العلماء نما جعا الرئيس اانريكي السابق بوش يعلن عن افتتاح (‬
‫عقد ) اكتشاف الدناغ االنساني ‪ .‬واليوم اليسعى العلماء فقط الكتشاف الكوارك في الذرة (‪)2‬‬
‫والخفايا نيكانيكا الكم ‪ ،‬أو والدة النجوم في المجرات ‪ ،‬با يغطسو باتجاه العالم الداخلي ‪،‬‬
‫والنزول على سطح الكوكب الجديد ‪ :‬رأس االنسا ‪.‬‬
‫اابحاث العصبية اليوم هي نن أكثر اابحاث إثارةً وسريةً بأعتى نن اابحاث النووية ‪،‬‬
‫وارتياد الفضاء ‪ ،‬وسبر المحيطات ‪ ،‬وفلق البروتو ‪.‬‬
‫بين الفرينولوجيا وبيولوجيا الجزيئات ‪:‬‬
‫وإذا كانت االثارة العلمية التي أثارها نجموعة نن العلماء في القر التاسع عشر عن زعم‬
‫فهم االنسا بمجرد تأنا وقياس القحف ‪ ،‬والتي أخذت اسم الفرينولوجيا ‪ ،‬فإ علماء‬
‫(بيولوجيا الجزيئات ) يعلوهم هذا الشعور اليوم ‪ ،‬ولكن اايام تعلمنا كا يوم ‪ ،‬أ كا النظريات‬
‫التي تريد تطويق فهم االنسا تتهاوى تحت قدنيه ‪.‬‬
‫تجربة القيصر فردريك الثاني في االنساك بالروح ‪:‬‬
‫با إ نحاولة فهم الكيا المعنوي عند االنسا قديمة قدم االنسا نما ينقا لنا التاريخ‬
‫بعض القصص المثيرة عن الملك فريدريك الثاني الذي أغلق الحجرة تمانا ً على نحكوم عليهم‬
‫باالعدام ‪ ،‬ثم حاول بعد نوت الضحية ‪ ،‬أ يفتح بحذر وبطء كوةً في الجدار ‪ ،‬ليرى ناذا يتسرب‬
‫ننها ؟ ها ثمة آخر خاص غير البد الذي عانق الموت ‪.‬‬
‫تجربة عالم النفس نكدوجا بوز الروح ‪:‬‬
‫با إ عالم النفس اانريكي ( دانكا نكدوجا )(‪ ) DUNCAN MacDOUGALL‬قام‬
‫بتجرب ٍة نثيرة أكثر ‪ ،‬عندنا راقب المحتضرين في سكرات الموت ‪ ،‬فقام بحملهم الى نوازين في‬
‫غاية الدقة ‪ ،‬تفرق بين الغرانات ‪ ،‬فوفا الى نتيجة نفادها ‪ :‬أ الموتى الذين يودعو الى‬
‫العالم اآلخر ‪ ،‬يخسرو نن وزنهم في المتوسط بين ‪ 42 _ 10‬غرانا ً ‪ ،‬داللةً على أ شيئا ً نا‬
‫ولو بهذا القدر البسيط يودع الجسم ‪ .‬فإذا علمنا عالقة الطاقة بالمادة نن خالل نعادلة آينشتاين‬

‫‪188‬‬
‫‪ ،‬التي تقول بأ المادة والطاقة هما وجها لحقيقة واحدة ‪ ،‬وكانت الروح ثمة طاقة نا فإ‬
‫الطاقة المتسربة رهيبة للغاية ‪ ،‬ا الطاقة هي تحول المادة نضروبة في سرعة الضوء‬
‫المضاعفة ‪ ،‬أي قوة تسعين نليار ‪ .‬هذا إذا فدقت هذه المزاعم وفمدت للحقيقة ‪ ،‬ا نكدوجا‬
‫أردف بأ وز الكالب لم يتغير في تجاربه ‪ ،‬قبا وبعد الموت ‪ ،‬ونزاعم نكدوجا حتى اآل لم‬
‫تكذب تمانا ً (‪. )3‬‬
‫نالحظات طريفة حول عما الوعي ‪:‬‬
‫ونن النقاط التي أثيرت في المؤتمر هي آليات عما الوعي وكيفية عمله ؟ فلقد تم رفد‬
‫نجموعة نن المالحظات الملفتة للنظر ‪:‬‬
‫‪ _ 1‬لقد لوحظ أوالً ‪ :‬أ إنكانية االستيعاب في الوعي نحدودة ‪ ،‬فبإنكا الوعي أ يلتقط‬
‫سبعة وحدات نن المعلونات في الوقت الواحد التزيد ‪.‬‬
‫‪ _ 2‬ثانيا ً ‪ :‬يعما الوعي ببطء شديد إذا قور نع أجهزة الكمبيوتر ‪ ،‬فال يستطيع التمييز بين‬
‫أكثر نن أربعين حدثا ً في الثانية الواحدة ‪ .‬في حين أ أجهزة الكمبيوتر العادية تعما بطاقة تزيد‬
‫عن هذا بماليين المرات في كمية المعلونات ‪ .‬فالوعي نقارنة بالكمبيوتر يبدو جهازا ً سخيفا ً !!‬
‫ولكن ها هو كذلك ؟‬
‫‪ _ 3‬ثالثا ً ‪ :‬نع كا تركيز الوعي فإ الدناغ اليشتغا بكا طاقته ‪ ،‬با يستخدم في المتوسط فقط‬
‫واحد بالمائة نن خالياه العصبية ‪ .‬لماذا ياترى ؟!!‬
‫رابعا ً ‪ :‬يعما الوعي ببالدة وتراخي نلفت للنظر ‪ ،‬فهو يعرج خلف الزنن الهثا ً نتصببا ً عرقا ً‬
‫بدو قدرة اللحاق به ‪ .‬إنه خلف الزنن دونا ً بحوالي ثلث الثانية ‪ .‬وهذا يدخلنا الى أبحاث عالم‬
‫النفس اانريكي ( برايا تريسي ) الذي لفت النظر الى كيفية عما العقا االنساني ‪ ،‬في كتابه (‬
‫أسس علم نفس النجاح )(‪)4‬‬
‫نظرية ( براين تريسي ) في كيفية عما الدناغ ‪:‬‬
‫يرى عالم النفس اانريكي أ أفضا نايكو عما العقا عندنا يكو نرتخيا ً ؛ فالمسمار حتى‬
‫تدخله الحائط يجب أ تضربه بالمطرقة بقوة وتوجيه ؛ حتى تقتحم بالمسمار فالبة الحائط ‪.‬‬
‫في حين أ الدناغ اليعما بنفس الطريقة ؛ فعند االنفعال يهتز عمله ‪ ،‬وخير االوساط لعما‬
‫الدناغ االنساني هي أ يعما بهدوء وحب ‪.‬‬
‫قشرة الدناغ تسيطر على العمليات العقلية وتأخذ الوقود نن الدناغ السفلي والمتوسط ‪.‬‬
‫الدناغ السفلي هو دناغ التماسيح الرهيبة ‪ ،‬لتأدية ااعمال التي تشبه في قساوتها سماكة جلد‬
‫التماسيح ‪ .‬والدناغ المتوسط نركز الزالزل والبراكين العاطفية ‪ ،‬وهي نثا طاقة البخار فيمكن‬
‫إدخالها في نرجا العقا كي تؤدي دورها على خير وجه ‪ .‬ولكن تسرب الطاقة نن نفافا‬
‫ناكينة التفكير البارد التحليلي العقالني يقود الى االنفجارات المروعة وتأرجح عما الماكينة‬
‫العقلية إذا فح التعبير ‪.‬‬
‫يضطرب االنسا عندنا ينفعا ؛ فترتجف أفابعه ‪ ،‬ويجف عرقه ينحبس بوله ‪ ،‬ويرتفع‬
‫الضغط عنده ‪ ،‬يصاب باالنساك وتجف عصارة المعدة وتبدأ بالتقرح ‪ ،‬ويصب االدرنالين في‬
‫الدم ندرارا ‪.‬‬
‫كا هذا يتولد في جو االنفعال ‪ ،‬واالهم نن هذا هو اضطراب التفكير المتواز ‪ ،‬وهذا هو قسم‬
‫نن تفسير المنازعات االنسانية ‪ ،‬ا نشاعر الخنازير والتماسيح وفراع الغابة يمسح ودفعة‬
‫واحدة ؛ كا قشرة الدناغ وتطورها الذي استغرق ناليين السنين ‪ ،‬لنرتد وننهار دفعةً واحدةً نن‬
‫االنسانية ؛ الى قعر خندق الحيوانية البئيس ‪.‬‬
‫لقد خلقنا االنسا في أحسن تقويم ثم رددناه أسفا سافلين ‪.‬‬
‫يجب أ نضع أنام نكتبنا هذه الحكمة دونا ً ‪ (( :‬يجب ضبط النفس في انفجار بركا الغضب ‪،‬‬
‫وعند اشتعال نار االنفعال ‪ ،‬في كسرة الحز ‪ ،‬وانهيار الخوف ‪ ،‬وعند اشتداد ضباب الشهوة ))‬
‫‪.‬‬
‫اكتشاف عجيب ‪ :‬سحرية العدد سبعة‬

‫‪189‬‬
‫لقد استطاع العالم اانريكي (جورج نيللر )( ‪ ) GEORGE MILLER‬عام ‪1956‬م ‪ ،‬أ‬
‫يفك طلسما ً آخر نن كيفية عما الدناغ والوعي االنساني ‪ ،‬إنه القانو السباعي ؛ فطريقة فهم‬
‫االنسا تعتمد على نوع نن النظم المعين السباعي ‪ :‬إذا بلغت الكلمة سبعة حروف التقطها‬
‫الوعي برشاقة وساقها الى ساحات االدراك ؛ وعند تجاوزها فوق سبعة حروف اضطر الى‬
‫تهجئتها وتقسيمها نن جديد ‪ ،‬فالوعي يلتقط الكلمة كقطعة واحدة ‪ ،‬تقذف في فر الوعي‬
‫لهضمها ‪ .‬نفس الشيء ينطبق على فهم نجموعة أو حزنة الكلمات ‪ ،‬حيث تقفز الى نستوى‬
‫المغزى المحدد ‪ ،‬في إطار السبع كلمات ‪ ،‬فإذا تجاوز المعنى الكلمات السبع اضطر الفهم نن‬
‫جديد الى تقسيم الكلمات ‪ .‬ويبدو أ كا اللغات االنسانية المنطوقة تعتمد نثا هذه القاعدة‬
‫السحرية السباعية ‪ ،‬وتعرف بطريقة ( شا كينج )( ‪. ) CHUNKING‬‬
‫نفس الشيء ينطبق على المحادثات التلفونية في اارقام ( نن هنا اعتمدت اارقام التلفونية‬
‫كسبعة أرقام كحد أقصى ) كذلك في اللغط وتمييز االفوات نن أي شخص تصدر ؛ كلها يفككها‬
‫ويتعانا نعها الوعي بنفس الطريقة ‪ ،‬وتحويلها الى أفكار او فور ذهنية ‪.‬‬
‫كوانتم الوعي ( نيكانيكا الكم في إطار العما العقلي ) ‪:‬‬
‫هذه الظاهرة نن نحدودية الوعي بقيت الى فترة قريبة غير نالحظة ‪ ،‬بسبب التقلب الدائم بين‬
‫حقول التأثير ‪ ،‬با حتى التدفق الدائم لتيار الوعي وانقالبه المستمر يمشي ببطء نلفت للنظر ‪.‬‬
‫فلل ( نوافذ الوقت ) إذا فح التعبير التي يعما عليها الوعي تبلغ حوالي ثالثين نيلي ثانية ( أي‬
‫ثالثين جز ًء نن االف نن الثانية ) والوعي يتعانا نع وحدات الزنن بهذه القسمة ‪ ،‬حيث تم‬
‫التأكد نن ذلك بتطبيقها على بشر نتطوعين لمثا هذه التجارب ‪ .‬فلل ( تكة الساعة ) نثالً‬
‫يستطيع الوعي أ يفرق بينها وبين التي بعدها ‪ ،‬حتى إذا انضغطت وحدة الزنن الى عشرين‬
‫نيلي ثانية ‪ ،‬أي إذا تسارعت حركة تتالي نظم الصوت ‪ ،‬بين الصوت والذي بعده ‪ .‬بمعنى‬
‫الفافا بين الوحدتين ‪ ،‬انكن للدناغ استيعاب ناياتيه ‪ ،‬ويكا اذا تجاوز هذا المقدار ‪.‬‬
‫ويقفز عما الوعي الى نايشبه قوانين الكوانتم ( نيكانيكا الكم ) حيث يمكن للعقا االنساني‬
‫أ يستقبا العالم الخارجي أذا تلقى وحدات الصوت هي نوسيقى أو شعر ‪ ،‬قصائد أو أهازيج ‪،‬‬
‫أفكار أو تجليات روحية ؛ فيما إذا خضعت لقانو الثالث ثواني ‪ .‬فكما يقوم الكو كما فهمه‬
‫العالم االماني ( ناكس بالنك ) على االنفصال على فورة وحدات ‪ ،‬كما في كونة حبات القمح‬
‫؛ فعند النظر إليها تبدو كأنها كونة نتصلة ‪ ،‬فإذا اقترب االنسا ننها أدرك أنها نكونة نن‬
‫حبات ننفصلة ‪ .‬هكذا أيضا ً يتعانا الوعي ‪ .‬وإذا كا قانو الكم لماكس‬
‫بالنك له وحدة رياضية ؛ فقد تم كشفها اآل في نستوى الوعي ‪ ،‬فوحدة الفهم ‪ 30‬نيلي ثانية ‪،‬‬
‫والفرق بين النبضتين الصوتيتين ‪ 20‬نيلي ثانية ‪ ،‬ولكن وحدة الفهم يجب أ تكو في حدود‬
‫ثالث ثواني ‪.‬‬
‫فإذا تجاوزت الجملة أو الحركة الصوتية هذه الحبسة الزننية ‪ ،‬اضطر العقا نن جديد الى‬
‫تجزئتها وفق قانو الثواني الثالث ‪.‬‬
‫الوعي نحبوس في زنزانة الماضي بدو أي أنا في النجاة ‪:‬‬
‫ونن اافكار التي جاءت في المؤتمر عن الوعي والتي هزت وعي الحاضرين ‪ ،‬هي جدلية‬
‫الوعي والالوعي ‪ ،‬وغطس المعلونات في الالوعي قبا انبثاقه الى الوعي ‪ ،‬فقد استطاع (‬
‫بنيانين ليبيت )( ‪ ) BENJAMIN LIBET‬الباحث في فسيولوجيا االعصاب نن جانعة‬
‫كاليفورنيا في سا فرانسيسكو ‪ ،‬نن فتح عاففة نن االثارة حول ظاهرة نايعرف اال بلل (‬
‫فترة الحضانة ) بين الفكر والعما وبشكا نعكوس ‪ .‬وتم كا هذا نن خالل تطوير تقنيات جديدة‬
‫نن نالنسة قشرة المخ نباشرة بواسطة نسابر خافة ‪ ،‬ودراسة الزنن بين التحريض أو تلقي‬
‫التحريض ‪ ،‬بمعنى البدء بإشارة التفكير ‪ ،‬فالذي يقوم بالتجربة يبدأ الفعا ولكن الفعا اليبدأ‬
‫فورا ً ‪ ،‬با يغطس في عالم آخر يعالج فيه ويتفاعا قبا أ يطا برأسه في عالم الوعي ليلحق‬
‫باانر ‪ ،‬كما أ العكس فحيح فعندنا تمس اليد النتلقى ااثر في الدناغ اال بعد نرور أجزاء نن‬
‫الثانية ‪ ،‬تتراوح بين ثلث ونصف ثانية ‪.‬‬

‫‪190‬‬
‫هذه التجارب أثارت عاففة فلسفية ‪ ،‬فاالنسا يبدو وفق هذا المنظور خارج الزنن تمانا ً ‪،‬‬
‫ويعلق تشارلز فورست على ذلك بقوله ‪ (( :‬وقد يكو التأويا الممكن لهذا االكتشاف هو أ‬
‫العصبونات المسؤولة عن االدراك الواعي تتواجد في نكا آخر غير قشرة الدناغ ‪ ،‬وقد تعكس‬
‫فترة الحضانة للتنبيه القشري في تجربة واعية التشارك بين الوعي والتعقيد العصبي‬
‫الفيزيولوجي )(‪)5‬‬
‫تسخير علم النفس للدعاية ( تمرير المعلونات نباشرة الى الالوعي )‪:‬‬
‫وتبرز هنا حكمة نلفتة للنظر في جدلية العلم والضمير نما جعلت الفيلسوف االماني (‬
‫ايمانويا كانت ) أ يطلب نن تالنيذه أ ينقشوا على قبره نن بعده هذه العبارة ‪ :‬شيئا يمآل‬
‫فدري باالعجاب ‪ :‬السماء المرفعة بالنجوم فوق رأسي ‪ ،‬والقانو االخالقي في فدري ) ؛‬
‫فلل ( كوانتم الوعي ) تم استخدانه في التالعب بعقول الناس ‪ ،‬كما هو الحال في الديموقراطية‬
‫الغربية ‪ ،‬التي يمكن وففها بأنها أقا االشياء سو ًء في العالم ‪ ،‬فظاهرة التمثيا النيابي تخضع‬
‫لجبروت المؤسسات المالية ‪ ،‬نما التجعا التمثيا فحيحا ً تمانا ً ‪ ،‬وبالطبع اليمكن نقارنة هذا‬
‫باوضاع دول شتى نن العالم التي التعرف نظام نقا السلطة السلمي بالكانا ولم تسمع به ‪،‬‬
‫ولعا أجما نافي الديموقراطية هي هشاشتها وإنكانية نقدها نن داخلها ‪ ،‬كما فعا نعوم‬
‫تشونسكي في كتابه المزلزل ( ردع الديموقراطية ) ‪ .‬كذلك حصا نع نظرية الكوانتم في الوعي‬
‫‪ ،‬فعندنا يمكن في التلفزيو تمرير كمية نن المعلونات السياسية أو التجارية ‪ ،‬ولكن بسرعة‬
‫نتحكم فيها بحيث تراهن على بطء ( الوعي ) في االستيعاب فإ هذه المعلونات ترى بالعين‬
‫وتسمع باالذ ‪ ،‬ولكنها عمليا ً الترى والتسمع ‪ ،‬آلنها تسربت عبر ننافذ الالوعي ‪ ،‬ويبقى‬
‫االنسا يتذكرها وكأنه رآها فعالً ‪ ،‬بسبب تدفقها المباشر الى نخز الالوعي في الذاكرة ‪،‬‬
‫وهكذا يمكن التالعب باالنسا نن خالل تسخير العلم ؟!! ولقد تم الكشف عن هذه الحيا‬
‫وفاحت رائحتها الية السطح ‪ ،‬ولكن ياترى كم نن هذه الحيا العلمية تستخدم اليوم للتالعب‬
‫باالنسا تحت اسم العلم والتقدم ؟!!‬
‫بنتاجو ( خماسي ) ااخالق عند داناسيو ‪:‬‬
‫انطلق داناسيو نن نحاولة الوفول الى ننابع المشاعر ااساسية ؛ فاعتبر أ هناك خمسة‬
‫نشاعر تشكا حزنة وجودنا العاطفي بالكانا ‪ ،‬فكما كانت االوا الثالثة ‪ :‬اازرق وااحمر‬
‫وااففر ‪ ،‬هي التي تكو بقية االوا ‪ ،‬كذلك فإ تحليا أي نوقف عاطفي يرجع الى طيفٍ نن‬
‫ألوا شتى نن المشاعر ‪ .‬ولكن قاعدتها هي نزيج نعقد نن خمس ٍة نن المشاعر القاعدية ‪،‬‬
‫فإنا الحزنة الخماسية للمشاعر فهي ‪ :‬السرور والحز ‪ ،‬الغضب والخوف واالشمئزاز ‪ ،‬هذه‬
‫واحدة ونضى داناسيو في تدعيم نظريته الى أ الجسم والدناغ هما في حوار ودي اليعرف‬
‫التوقف واالنقطاع ‪ ،‬آناء الليا وأطراف النهار ؛ في تسبيحة نتوافلة ‪ ،‬ليصا في النهاية الى‬
‫تعليا ناأفاب نريضه ايليوت ‪.‬‬
‫إ الذي حدث هو انقطاع ( كابا ) التوافا العاطفي العقلي ‪ ،‬فكما كا للماكينة ( جير )‬
‫التعشيق نع عمود الحركة ‪ ،‬كذلك لعب الفص الجبهي في الدناغ هذا الدور ‪ ،‬في جدلية‬
‫المشاعر والتفكير المنظم التحليلي ‪ .‬إ دانسيو بهذا الطرح يزعم أنه وفا الى تحديد الوعي‬
‫وآلية عمله عند االنسا ‪ ،‬لذلك فهو يرى أ طرح ديكارت السابق هو خاطيء ‪ .‬داناسيو بهذا‬
‫الطرح يضع يده على نفاتيح جديدة في فهم آلية عما الوعي والدناغ ‪.‬‬
‫بين ديكارت وداناسيو ‪ :‬أنا أفكر ‪ ..‬أنا نوجود ؟! أنا نوجود أنا أفكر ‪:‬‬
‫في إحدى التجليات الروحية كاد دناغ ديكارت أ يحترق وهو يتعذب في ظلمات الشك‬
‫الحالكة ‪ .‬وهو يقول كما قال الغزالي سابقا ً ‪ :‬ليس هناك نن شيء يمكن أ يستقر أو يقف على‬
‫قدنيه ‪ .‬إلنني أشك في كا شيء ‪ .‬لم يعد هناك شيء لم أعد أشك به ‪ ،‬فكا ناتعلمناه بني على‬
‫التقليد ال أكثر ‪.‬‬
‫ثم أنقدح نور في هذا الظالم ‪ ،‬بدأ يكبر وينير رحلة العقا المضنية ‪ ،‬وشعر ديكارت بالتماسك‬
‫بعد هذا الدوار العقلي ‪ .‬نعم إنني أشك في كا شيء ‪ ،‬ولكن هناك شيء ال أشك فيه وهو أنني‬

‫‪191‬‬
‫أشك ؟!! فإنا إذا ً أفكر ا الشك تفكير ‪ ،‬وإذا كنت أفكر فهناك حقيقة نوجودة والشك ‪ ،‬وهي‬
‫حقيقة عقلية بالدرجة ااولى ‪ ،‬فأنا نوجود على فورة نن الصور ‪ ....‬أنا أفكر ‪ ..‬إذا ً أنا نوجود‬
‫‪ ...‬هذه هي الحقيقة الديكارتية ‪ ،‬التي كانت إحدى نصابيح التنوير في النهضة ااوربية ‪ .‬وكانت‬
‫قبسا ً نن وهج عقلية الغزالي ‪ ،‬الذي سار بنفس الخطوات ‪ ،‬ولكن نهاية ديكارت كانت نهضة‬
‫عقلية ‪ ،‬في حين أ نهاية الغزالي كانت انتحارا ً فوفيا ً على ضرب فنج الحضرة ‪ ،‬عندنا‬
‫يدخا االنسا تلك النشوة الروحية ويتم اغتيال عقله بالكانا ‪ ،‬ونصادرة كا إنكانية تفكير ‪،‬‬
‫تحت ثالث شعارات ‪ :‬نن قال لشيخه ال لم يفلح ؟!! والمريد بين الشيخين كالمرأة بين الرجلين‬
‫‪ ،‬والمريد بين يدي الشيخ كالميت بين يدي المغسا ؟!!‬
‫يزعم داناسيو إ ديكارت يجب أ يقلب اآل رأسا ً على عقب ‪ ،‬ا نركز الوعي هو في تلك‬
‫الجدلية التي يبدأ الدناغ رحلتها ‪ ،‬فمع ( وجود الدناغ ) أنكن للروح أ تتنفس ‪ ،‬فالبد هو‬
‫تجلي الروح وتعبيرها وطريقة تنفسها في جدلية وضفيرة التقبا االنفصام ‪.‬‬
‫أراد داناسيو أ يكتب في ااول كتابا ً بعنوا خطأ ديكارت ولكنه بعد نؤتمر سا دييغو بدله‬
‫الى عنوا ‪ :‬ديكارت نقلوبا ً ‪ ..‬أنا نوجود ‪ ...‬انا أفكر ؟!!‬

‫نراجع وهوانش ‪:‬‬


‫(‪ )1‬تراجع نقالتي رقم ‪ 96‬التي نشرت في جريدة الرياض _ العدد ‪ 10251‬تاريخ ‪18‬يوليو ‪ 1996‬م‬
‫الموافق ‪ 3‬ربيع أول ‪ 1417‬ه (‪ )2‬يعتبر الكوارك حتى اآل نن أفغر الجزيئات دو الذرية فالذرة تتكو نن‬
‫نواة فيها بروتو ذو شحنة إيجابية والكترو سابح حوله بشحنة سلبية ‪ ،‬ونعرف اليوم أ نفس البروتو‬
‫نكو نن ثال ثة نن الكوارك ولكن ها هذه نهاية الرحلة ؟ أم انها بدو نهاية باتجاه العالم اافغر ‪ ،‬وهي كذلك‬
‫بدو نهاية باتجاه العالم ااكبر عالم المجرات ‪ ،‬أي أننا نطوقين بالالنهايتين نن فوق ونن تحت ؟! (‪ )3‬وردت‬
‫هذه ااخبار في نجلة الشبيجا االمانية عدد ‪ 16‬عام ‪ 1996‬م ص ‪ )4( 192‬كتاب ( أسس علم نفس النجاح )‬
‫براين تريسي _ ترجمة الدكتور عبد اللطيف خياط وهو كتاب فغير ولكنه في غاية الدسانة في علم النفس نثا‬
‫كتاب ( علم النفس واالخالق ) لهادفيلد الذي كتب قبا أكثر نن نصف قر ولكن فيه ك ٌم ضخم نن العلم النفسي‬
‫الذي نازال يتمتع بصالبة حتى اليوم (‪ )5‬الدناغ والفكر _ تشارلز فورست _ ترجمة نحمود سيد رفاص _‬
‫نطبعة الصباح _ دنشق _ ص ‪. 232‬‬

‫‪192‬‬
‫هل مات ديكارت مسموماً ؟‬
‫بمناسية نرور ‪ 400‬اربعمائة سنة على والدة فيلسوف التنوير الفرنسي (رينيه‬
‫ديكارت)(‪ )RENE DESCARTES‬الذي اعتمد آليات الشك لتمحيص الحقيقة‪ ،‬وألقى في‬
‫القارة االوربية بذور النهضة العقلية‪ ،‬تقدم فحفي وطبيب ألماني هو (آيكه بيس ‪54‬‬
‫عانا)(‪ )EIKE PIES 54‬بتحقيق هز فيه ااوساط االكاديمية‪ ،‬يزعم فيه أ الفيلسوف‬
‫ديكارت لم يمت نن برد السويد بالتهاب رئوي؛ با بالحري نسمونا ً بجريم ٍة ندبرة‪ ،‬تم ترتيبها‬
‫بين نبعوث الفاتيكا الذي كا يقوم بمهمة إقناع نلكة السويد بترك المذهب البروتستاني‬
‫والتحول الى الكثلكة‪ ،‬وبين ننافسين لديكارت داخا البالط الملكي يعملو في حقا الفيلولوجيا‬
‫(‪. )1()PHILOLOGY‬‬
‫وهي تذكر بقصة حديثة نشرتها قناة الديسكفري العلمية عن طبيب أسنا سويدي أناط اللثام‬
‫عن الطريقة التي أنتهى فيها نابليو نسمونا أيضا بالرزرنيخ‪ ،‬وعلى يد أقرب الناس إليه في‬
‫جزيرة هيالنا‪ ،‬بعد أ نفحه خمسة ناليين فرنك!!‬
‫عرف ذلك يقينا أثناء نقا جثما نابليو نن المقبرة بعد ‪ 14‬عانا فكا كما هو وكأنه دفن‬
‫البارحة فظن القوم أنها نعجزة للقديس نابليو ‪ ،‬ولكن الطبيب السويدي ونن خالل بقايا‬
‫خصالت شعر الجنرال عند نحبيه عرف أنه نات نسمونا وبالتدريج بالزرنيخ نع جرعات‬
‫الخمر‪.‬‬
‫ولعا نهاية ااسكندر الذي نات شابا كانت قريبا نن هذه الطريقة‪.‬‬
‫ولكن الذي نات بالسم علنا كا سقراط حين حكمت عليه ديموقراطية أثينا بتجرع سم‬
‫الشوكرا !!‬
‫ويقال عن تمسيم أبو حنيفة والحسن بن علي واانام العادل عمر بن عبد العزيز أنهم أنهوا‬
‫حياتهم أيضا نوتا بالسم غيلة‪..‬‬
‫ولد الفيلسوف ديكارت في (الهي) وهي بلدة فغيرة في ننطقة التورين (‪)TOURAINE‬‬
‫بفرنسا عام ‪1596‬م (‪ )2‬وفي عام ‪ 1650‬م اختتمت حياته عندنا أعلنت نلكة السويد‬
‫(كريستينا)(‪ )CHRISTINE‬نبأ وفاته بالتهاب رئوي حاد عن عمر يناهز ‪ 54‬عاناً‪.‬‬
‫ترك ديكارت خلفه أثرا ً نزلزالً ونازال في نفافا العقا االنساني الجمعي؛ فديكارت يعتبر اليوم‬
‫نحطة عقلية لكا نن يرتاد حقا الفلسفة‪ ،‬أو يريد التعرف على التحوالت العقلية الكبرى فيها‪،‬‬
‫وكا نن جاء بعده نمارسا ً للفكر؛ البد أ يتأثر بالطريقة التي طرحها بشكا أو بآخر‪ ،‬فيعتبر أهم‬
‫ناكتب الفيلسوف سبينوزا نن بقايا بصمات ديكارت عليه‪ ،‬فرسالته في (تحسين العقا) ينحو‬
‫ننحى ديكارت في كتاب (المقال على المنهج) كما أ رسالته الهانة الثانية عندنا أراد أ يفهم‬
‫ااخالق بشكا هندسي (ااخالق نؤيدة بالبرها الهندسي) هي نن آثار ديكارت في فهم كا‬
‫شيء في الكو بشكا نيكانيكي‪.‬‬

‫نا الذي أثار شبهة نوت ديكارت نسمونا ً بالزرنيخ؟‬


‫كا نفتاح هذه القصة الخطاب الذي تبادله اثنين نن االطباء فأنا ااول فهو طبيب البالط‬
‫السويدي‪ ،‬الدكتور (يوها فا فوللن)(‪ )JOHANN VAN WULLEN‬الذي عافر‬
‫لحظات ديكارت ااخيرة وتطور نرضه في اايام ااولى نن شهر فبراير شباط نن عام ‪1650‬‬

‫‪193‬‬
‫نو له الخطاب ولم يتسلمه‬ ‫للميالد‪ ،‬في استوكهولم عافمة السويد‪ ،‬وأنا الطبيب الثاني الذي ع ّ‬
‫قط فهو طبيب عاش في القر السابع عشر‪ ،‬وهو جد بعيد للدكتور (آيكه بيس) الذي أثار‬
‫الموضوع اليوم في ندينة فوبرتال (‪ )WUPPERTAL‬االمانية‪ ،‬وكا يونها الطبيب‬
‫الخاص لألنير (يوها نوريتس فو ناساو ‪ -‬زيجن)( ‪JOHANN MORITZ VON‬‬
‫‪. ) NASSAU - SIEGEN‬‬
‫هذه الوثيقة البريئة !! وقعت في يد الدكتور والصحفي (بيس) والتي كانت نائمة في أرشيف‬
‫جانعة (ليد نن هولندا)(‪ )LEIDEN‬كا تلك القرو ؟!!‬
‫ولكن لماذا استقرت في هولندا ولم تصا ليد الدكتور (ويليم بيس)( ‪)WILLEM PIES‬‬
‫الجد ااعلى للدكتور (آيكه بيس) المقيم حاليا ً في فوبرتال ؟!!‬
‫كانت الرسالة وثيقة نريبة عن وفف حال فيلسوف التنوير ديكارت وهو في سكرات الموت‪،‬‬
‫فالدكتور السويدي الذي كا يسجا يونيات انهيار فحة الفيلسوف بأعراض التخفي نظاهر‬
‫التسمم بالزرنيخ‪ ،‬نثا البول المدنى واللعاب المسود الغزير ودورا العينين التائه ونوعية‬
‫تقطع التنفس‪ ،‬المشير للتسمم الحاد بالزرنيخ‪ ،‬كما أ ديكارت نفسه ارتعب نن جو المكائد التي‬
‫هرب ننها طول حياته فلحقته الى السويد‪.‬‬
‫ويبدو أنه أدرك أنه وقع في المصيدة‪ ،‬فطلب بعض اادوية التي تحرض عنده االقياءات‪ ،‬كي‬
‫يتخلص نن السم اللعين‪ ،‬ولكن يبدو أ جرعة أخرى لحقته في اليوم الثانن نن كربه فألحقته‬
‫بالقبر‪.‬‬
‫الدكتور (آيكه بيس) فتح الباب الى قص ٍة نثيرة نن القصص البوليسية التاريخية‪ ،‬فبمقارنة‬
‫الخطاب المرسا نن طبيب آلخر‪ ،‬وباستعراض نظاهر المرض التي بدات نع اليوم الثاني نن‬
‫شهر شباط فبراير نن عام ‪ 1650‬م والتي أنهت حياة الفيلسوف ديكارت في اليوم ‪ 11‬ننه في‬
‫الساعة الرابعة فباحاً‪ ،‬افترض أ جرعة السم ااولى أعطيت له نع جرعة النوم‪ ،‬وأنا الثانية‬
‫فكانت للقضاء المبرم عليه في اليوم الثانن‪.‬‬
‫ويبقى إلثبات هذه الفرضية االجرانية التاريخية الوفول الى المتبقي نن عظام الفيلسوف‬
‫لفحصها عن طريق الطب الشرعي‪ ،‬فسم الزرنيخ يبقى في العظام فال يزول‪ ،‬ويمكن التاكد ننه‬
‫بفحص الجمجمة نثالً‪.‬‬

‫ناالذي قاد ديكارت الى السويد ليالقي حتفه فيها!!‬


‫في خريف عام ‪ 1649‬م أرسلت نلكة السويد كريستينا (ابنة الملك جوستاف‬
‫أدولف)(‪ )GUSTAV ADOLF‬ضابط كبير برتبة أدنيرال الى الفيلسوف المتواري في‬
‫هولندا والذي كا يروى عنه دونا ً المثا‪:‬‬
‫(عاش سعيدا ً نن توارى في الظا وأنعن في االختفاء عن اانظار) تطلب ننه المثول إليها الى‬
‫استوكهولم لتتعلم على يديه (فن التفكير الصحيح)؟!‬
‫كا ديكارت يونها يعيش في هولندا نتوارياً‪ ،‬يغير بيته أربع وعشرين نرة في أقا نن عشرين‬
‫عاناً‪ ،‬قد سمع بأهوال نحاكم التفتيش والمصير الذي تعرض له الفيلسوف والعالم اايطالي‬
‫شن به القر السابع عشر حين أحرق حيا ً في‬ ‫(جاليلو)‪ ،‬كما أ حرق جيوردانو برونو الذي د ّ‬
‫ساحة عانة في رونا‪ ،‬في عام ‪ 1600‬للميالد‪ ،‬عن عمر يناهز ‪ 52‬سنة بعد سجن وإذالل لفترة‬
‫ثماني سنوات؛ جعلت ديكارت يلجأ الى هولندا التي انتشر فيها روح التسانح الديني‪ ،‬فكا‬
‫يسافر الى فرنسا بين حين آلخر لتدبير أنوره المالية‪ ،‬ليعود الى هولندا يعيش حياته الخافة‬
‫بعيدا ً عن الناس في فحراء اجتماعية‪ ،‬ولكن في جنة فلسفية‪.‬‬
‫وفي هذه الدوحة الفلسفية كا يقطف ثمرات يانعة للفكر االنساني‪ ،‬وفيها أنضج نعظم أفكاره‬
‫فكتب نعظم نؤلفاته بما فيها أعظم كتاب له‪ ،‬الذي اشتهر به وهو (المقال على المنهج) الذي‬
‫أرسى فيه القواعد ااساسية للوفول الى الحقيقة في العلوم‪.‬‬

‫‪194‬‬
‫الشك أداة نعرفية للوفول الى اليقين !!‬
‫كا ديكارت يطمح الى الوفول الى الوثاقة واليقين التي تتمتع بصالبتها الرياضيات‪ ،‬بحيث‬
‫يؤسس بقية العلوم على هذه القاعدة نن اليقين‪ ،‬وكا كتابه (المقال على المنهج) في إطار‬
‫توليد اليقين نن أرضية الشك ‪.‬‬
‫كا الشك الذي استولى على عقا ديكارت كبيرا رهيبا‪ ،‬بحيث قاده الى قطيعة نعرفية نع عقلية‬
‫طب دفعة واحدة اآلراء المسيطرة في المجتمع‪.‬‬ ‫العصور الوسطى؛ فش َّ‬
‫وشق الطريق الى اعتماد المحاكمة العقلية سبيالً للفهم أكثر نن اآلراء المسيطرة‪ ،‬فليس هناك‬
‫نن وسيلة لقتا العقا نثا التقليد واتباع آراء اآلباء‪ ،‬كما نعى ذلك القرآ على كفار قريش (إنا‬
‫وجدنا آباءنا على أنة وإنا على آثارهم نهتدو ) ونضى به الشك كما حصا نع اإلنام الغزالي‬
‫سابقاً‪ ،‬حينما اهتزت عنده حتى الضروريات والمحسوسات‪.‬‬
‫كا يخاطب نفسه إذا كا كا الشعور نوجودا ً في المنام واليزيد المنام أ يكو وهما ً كانالً!!‬
‫فماالذي يضمن لي أ التكو الحياة برنتها نوعا ً ًً نن الوهم الخادع على فورة ننام كبير؟!‬
‫وإذا كانت الحواس تخدع‪ ،‬والمعرفة تاتي عن طريق الحواس‪ ،‬فكيف يتأتى لي أ أفدق هذه‬
‫المعلونات المتدفقة الى عقلي وطريقها هو الحواس؟! استمرت رحلة الشك حتى نرض‬
‫الغزالي؛ فكاد أ يهلك كما روى في كتابه المنقذ نن الضالل‪ ،‬وأنا ديكارت فلم يمت ولكن‬
‫دناغه كاد أ ينفجر في ليل ٍة حاسمة غيَّرت نجرى حياته بالكانا‪ ،‬في شتاء قاسي‪ ،‬وحرب‬
‫الثالثين عانا ً الطاحنة تزهق أرواح الناس على اارض االمانية‪.‬‬

‫ليلة ديكارت التاريخية‪:‬‬


‫ابتدأت حرب الثالثين عانا ً الدينية على اارض االمانية في عام ‪1618‬م‪ ،‬ولم تنته إال عام‬
‫‪1648‬م‪ ،‬بعد ثالثة عقو ٍد كانلة قتا فيها الماليين نن الناس نن كال الجانبين والمذهبين‪ ،‬نن‬
‫البروتستانت والكاثوليك‪ ،‬وعم الخراب‪ ،‬وانتشرت المجاعة‪ ،‬وتحولت ألمانيا الى أنقاض‬
‫اشتركت فيها جيوش شتى نن كا القارة ااوربية‪ ،‬ولم تترك فظاعة اال ارتكبت‪ ،‬على عادة‬
‫الحروب ااهلية‪.‬‬
‫ولكن أشد نن عانى يونها‪ ،‬كا الشعب االماني الذي نات ننه ذبحا ً قرابة الستة ناليين‬
‫ونصف‪ ،‬نن أفا تعداد سكا يصا الى عشرين نليونا ً فقط‪ ،‬نما اضطر الكنيسة يونها الى‬
‫استصدار قرار اشتهر بقرار نورنبرغ‪ ،‬أباحت فيه تعدد الزواج استنادا ً الى قصص العهد القديم‪،‬‬
‫لتعوض النسا المنقرض‪ ،‬ولم تنتعش ألمانيا اال بعد نرور ثمانين عانا ً (‪.)3‬‬
‫ب‬
‫ويصاب االنسا بالعجب الى حد االنبهار‪ ،‬كيف تولدت أفكار المنهج عند ديكارت في جو حرو ٍ‬
‫أهلية واضطرابات نن هذا الحجم؟‬
‫ففي هذا الجو الجهنمي العجيب يروي ديكارت قصة عجيبة؛ عندنا أجبرته الثلوج والبرد الى‬
‫االحتماء طيلة الشتاء الى غرفة دافئة‪ ،‬اليعكره فيه هوى والهم او حز ‪ ،‬حتى كانت ليلة عمد‬
‫فيها الى التفكير؛ فكاد دناغه ا يحترق نن وهج التفكير (كما يروي)(‪ )4‬ثم جاءه نايشبه‬
‫الوحي نن التفكير بحيث انفتحت أنام بصيرته الطريقة الجديدة في قيادة العقا الى ااحكام‬
‫الصحيحة‪.‬‬
‫إ ديكارت عندنا شك في كا شيء وفا الى طرح هذا السؤال‪ :‬إذا كنت أشك في كا شيء‪،‬‬
‫فها هناك شيء ولو كا وحيدا ً ننفردا ً ال أشك فيه يقيناً؟ كانت اللمعة العجيبة التي التمعت في‬
‫ذهنه‪ :‬نعم قد أشك في كا شيء‪ ،‬ولكن الشيء الذي ال أشك فيه يقينا ً هو أنني أشك‪ ،‬والشك‬
‫تفكير‪ ،‬فهناك إذ حقيقة أساسية هي أنني أفكر انني أشك‪ ،‬وعندنا أفكر فأنا نوجود‪ ،‬على‬
‫فورة نن الصور‪ ،‬أي أ هناك حقيقة لوجودي على شك ٍا نن ااشكال‪ ،‬فحقيقة التفكير تعني‬
‫أني نوجود على فورة نن الصور‪.‬‬

‫‪195‬‬
‫ونن هنا أطلق ديكارت عبارته التاريخية‪ :‬أنا أفكر أنا نوجود‪.‬‬
‫هذه الفاتحة المدهشة في نقل ٍة عقلية بسيطة‪ ،‬ولكنها في نثا ثقا الجبال‪ ،‬هي التي ساقته فيما‬
‫بعد الى تأسيس الفكر المنهجي التحليلي الالحق‪ ،‬الذي اشتهر به‪ ،‬عندنا أرسى المربعات‬
‫الفكرية ااربعة المعروفة ‪:‬‬
‫ل ال أقبا شيئا ً نالم يكن في غاية الوضوح‬
‫ل كا قضية نركبة تحلا الى عنافرها ااولية‬
‫ل بعد حا العنافر البسيطة يعاد تركيب القضية‬
‫ل تجرى عمليات النقد الذاتي واالختبار للتأكد نن كافة نراحا العمليات العقلية إلحكام ضبطها‪.‬‬

‫طنين الذبابة وانبثاق الهندسة التحليلية‪:‬‬


‫في ضاحية باريس عمد نفكر الهوتي هو (نارين نيرسين)( ‪MARIN‬‬
‫‪ )5()MERSENNE‬في نطلع القر السابع عشر‪ ،‬الى عم ٍا لم ينتبه له أحد‪ ،‬ولكنه كا نثا‬
‫الزلزال للعقلية ااوربية‪ ،‬حيث كا يعمد الى عقد اجتماعين اسبوعين يعقد فيها خيوط االتصال‬
‫بين أها الفكر الحر في أوربا‪.‬‬
‫وفي نجلسه العلمي المتواضع اجتمعت خيرة العقول ااوربية الحرة في ذلك الوقت‪ ،‬لتنتشر‬
‫ننها نوجات التنوير بدو توقف‪.‬‬
‫هذا العما كا نثا تحركات القارات الجيولوجي‪ ،‬ويعني للمفكرين أنالً الينضب في إنكانية‬
‫تحسين التفكير االنساني‪.‬‬
‫كا ديكارت اليكف دناغه عن العما في كا نكا ‪ ،‬وعندنا أزعجه طنين الذبابة بدأ في التفكير‬
‫عن احتماالت وجودها‪ ،‬فقاده هذا التفكير الى وضع قواعد المخطط البياني والهندسة التحليلية‪،‬‬
‫التي أفبحت أحد أعمدة الرياضيات حتى وقتنا الحالي‪.‬‬
‫يقول جاك بيرج فاحب كتاب (عندنا تغير العالم)‪:‬‬
‫(ونن الطريف والمثير أيضا ً أ تحدث قصة بسيطة ذات يوم أثناء االجتماعات التي كانت تعقد‬
‫في فونعة الراهب نيرسين نرتين اسبوعيا‪ ،‬لتسهم اسهانا ً نهما ً في التفسير الرياضي لتسيير‬
‫فجرتها نجرد نالحظات شخصية‪ ،‬فقد سمع ديكارت طنين ذبابة تطير في المكا الذي‬ ‫الكو ‪َّ ،‬‬
‫كا يعقد فيه االجتماع‪.‬‬
‫أخذ ديكارت يفكر في نوقع الذبابة؛ فتصور نوقعها البد أ يكو تحت نقطة يتقاطع عندها في‬
‫زوايا قائمة خطا ‪ ،‬أحدهما خارج نن االتجاه الجانبي‪ ،‬واآلخر نن أسفا‪.‬‬
‫هذا المحورا يعطيا نحورين إحداثيين لتحديد نوقع الذبابة في أي وقت‪ ،‬ويمكن قياس‬
‫بعدهما باستخدام إحداثيين نتعاندين وفي نستوى واحد‪ ،‬وهذا النظام الجديد لألحداث الرياضي‬
‫هو نانسميه اليوم بالخط البياني)(‪)6‬‬

‫جمجمة ديكارت وعظانه الناقصة‪:‬‬


‫حتى يثبت الدكتور والصحفي (آيكه بيس) نزاعمه حول تسمم ديكارت قام برحلة بحث حول‬
‫بقايا عظام الفيلسوف بعد نرور ثالثة قرو ونصف على بالها؛ فتبين له أ عظانه وفلت‬
‫ناقصة الى فرنسا بعد دفنه في السويد عشية وفاته‪ ،‬حيث تم استخراجها نن جديد ودفنها عام‬
‫‪1666‬م نرة أخرى في كنيسة القديس جرنا دي بري‪ ،‬ولم ينتبه الى أ الهيكا غير كانا اال‬
‫بعد فتح التابوت عام ‪1819‬م‪ ،‬ولم تصا الجمجمة لتوضع في المتحف االنساني في باريس اال‬
‫في عام ‪1878‬م ‪.‬‬
‫يقول الدكتور بيس عندنا وضعت يدي على جمجمة الفيلسوف أردت أ أغانر فأقوم بكحت‬
‫العظام وأخذ عينة ننه لكشف آثار الجريمة‪ ،‬فالزرنيخ المعدني التخيب آثاره في الكشف عنها‬
‫ولو بعد قرو ‪ ،‬ولكن جرأتي خانتي في نشهد نن هذا النوع !!‬

‫‪196‬‬
‫وأنا تتمة قصة الرسالة فعرف أ الملكة كريستينا قانت بحملة سياسية إلعال نوت‬
‫الفيلسوف‪ ،‬أ سببه كا التهاب رئوي فاعق ‪ ،‬وعندنا علمت بأنر رسلة طبيب البالط قانت‬
‫بمصادرتها‪ ،‬وأحيلت الى اارشيف الملكي‪ ،‬ليكشف النقاب عنها بعد تطاول القرو ‪ ،‬في‬
‫أرشيف جانعة ليد التي حفظتْ الوثيقة ‪.‬‬

‫التصفية الجسدية اها الفكر‪:‬‬


‫جرت العادة في العصور الوسطى أ يتم التخلص نن نقلقي النوم العام(كذا؟)‪ ،‬فأي فكرة تطرح‬
‫يجب أ التوقظ نائما ً والتزعج نستيقظاً‪ ،‬فإذا انتشرت الفكرة اعتبر فاحبها نن المفسدين‪،‬‬
‫فالتهمة التي وجهت لموسى عليه السالم أنه (يظهر في اارض الفساد)‪...‬‬
‫أتذر نوسى وقونه ليفسدوا في اارض ويذرك وإلهتك؟؟‬
‫وكانت العادة تجرى بعزلهم عن فكر المجتمع في ثالث فور‪ ،‬فإنا النفي أو السجن أو التصفية‬
‫الجسدية (ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرو ويمكر هللا)‪.‬‬
‫وينطبق على فاحب الفكر قانو الدجاجة المجروحة‪ ،‬فعندنا تكتشف الدجاجات أ إحداهن‬
‫نجروحة ؛ تهرع إليها فتنقر نكا الجرح النازف حتى الموت‪ ،‬ولكن القدر التاريخي يبدو أنه‬
‫يسير في نسرى آخر‪ ،‬في غير هذه الصورة القاتمة‪ ،‬با إ التغير االجتماعي يحدث ضمن دورة‬
‫نختلفة‪ ،‬ترسي في النهاية لصالح الفكر التغييري اافلح‪ ،‬ضمن جبروت القانو االلهي بأ‬
‫الزبد يذهب جفا ًء وناينفع الناس يمكث في اارض‪.‬‬
‫نبرر في قسم ننها واال تعرض المجتمع لهزات النهاية لها نع‬ ‫ٌ‬ ‫ودفاع المجتمع عن أفكاره‬
‫نزوات البشر بدو نهاية‪ ،‬ولكن فمود وأحقية الفكر التغييري هو الذي يعطيه طاقة الصمود‬
‫والتحدي والصبر حتى تجاوز نعصرة المحنة والتطهر نن خاللها‪ ،‬ونقا المجتمع الى عتبة‬
‫جديدة أكثر تقدنية‪.‬‬
‫وأيا ً كانت فحة قصة تسميم ديكارت فالتصفية الجسدية اها الفكر ليست جديدة ‪ ،‬حتى إ‬
‫القرآ عندنا أشار الى نفي الصلب عن المسيح كا ل في تقديري ل ينطلق نن خلفية أهم نن‬
‫كونه نات على الصليب أو قتا بطرق أخرى‪ ،‬فالقرآ يشير الى أ كثيرا ً نن اانبياء قتا‪،‬‬
‫وليست جديدا ً نحاولة فلب أحد اانبياء (وقتلهم اانبياء بغير حق)‪.‬‬
‫في تقديري كانت حركة القرآ لنفي قصة الصلب وفوالً الى تحييد العقيدة التي قانت عليها‬
‫قضية الصلب‪ :‬أي التثليث وألوهية المسيح‪ ،‬أكثر ننها لنفي الطريقة التي قتا فيها ‪ ،‬بسبب‬
‫ارتباط العقيدة بطريقة القتا ‪.‬‬

‫نفهوم الإكراه في الدين‪:‬‬


‫إ القرآ حينما طرح شعار (ال إكراه في الدين) أراد ننها تحييد الجسد في لعبة الصراع‬
‫الفكري‪ ،‬وهذا المفهوم ينبثق عنه ثالث نفاهيم خطيرة نازال الجنس البشري يعس نن أجا‬
‫تحقيقها‪ ،‬ولم يصا الى ذلك حتى اآل الى بعضها اال بشق اانفس‪.‬‬
‫هذه المفاهيم الثالثة هي بالتتالي‪:‬‬
‫(‪ )1‬ل أوالً‪ :‬تحييد العرق‪ ،‬وبذلك يتوقف الصراع العرقي وتزول العنصرية نن العالم‪.‬‬
‫(‪ )2‬ل ثانياً‪ :‬كما يصب تحييد الجسد في نفاهيم العنف والالعنف فيتوقف إكراه االنسا وتعذيبه‬
‫نن أجا نعتقداته‪ ،‬فاليقتا االنسا نن أجا أفكاره‪ ،‬با بما جنت يداه‪ ،‬والقرآ نشى في‬
‫اتجاهين في نواجهة هذه المشكلة االنسانية التاريخية؛‬
‫فهو أوالً‪ :‬أعلن نن جهته توقف االكراه في العالم‪ ،‬بكا فوره‪ ،‬فكلمة (ال إكراه في الدين) كلمة‬
‫جانعة شانلة لكا المعتقدات والمباديء وااديا ‪ ،‬فنفى كا فور الضغط واالكراه وضمن أي‬
‫دين أو نبدأ ‪.‬‬
‫ونن هذا النبع النمير نكتشف بؤس الفقه حين دشن نشروعية قتا المرتد أي نن يغير‬
‫نعتقداته‪ ،‬على الرغم نن عدم وجود نص واحد في القرآ يفيد هذا الحكم الشنيع‪ ،‬فمن أراد‬

‫‪197‬‬
‫دخول اإلسالم ثم الخروج ننه عليه أ يخرج بدو رأٍس؟؟ ونن أراد فناعة السيارات عملها‬
‫تمشي لألنام فقط‪ ،‬فإذا دخلت الكاراج وأرادت الخروج انحشرت فما غادرته أبد الدهر؟؟‬
‫رفع ااكراه هو في اعتناق نبدأ أو تركه‪ ،‬دخوالً وخروجاً‪ ،‬وكا هذا االعال ل وهو أنر نثير ل‬
‫أنه جاء نن طرف واحد‪ ،‬وليس في فور اتفاقيات نتعددة الجوانب؟‬
‫وهذا يفسر قسما ًً نن سر انتشار االسالم في العالم وانسياحه حتى هذه اللحظة في ضمائر‬
‫البشر جميعاً‪.‬‬
‫وهو ثانياً‪ :‬ترك الهانش أنام (التظاهر) بالتراجع عن المبدأ في حال التعرض لالكراه (اال نن‬
‫أكره وقلبه نطمئن بااليما ) كله في نحاولة لتحييد الجسد عند اختالف اآلراء والعقائد‪ ،‬نن‬
‫أجا الوفول الى نجتمع انساني حر التفكير خالي نن كا فور االضطهاد والضغط المادي‬
‫واادبي‪ ،‬فال تستخدم أي فورة نن فور الضغط الدخال الناس بالقوة في أي نبدأ‪ ،‬أو‬
‫إخراجهم نن أي دين بالقوة‪ ،‬في كال االتجاهين‪ ،‬دخوالً وخروجاً‪.‬‬
‫والعنف المادي ضمن هذه البانورانا هو تلك الوسيلة التي تحتكرها الدولة لتحييد كا فور‬
‫االكراه على االنسا ضمن المجتمع كي يعيش آنناً‪ ،‬والجهاد بمعنى استخدام اآللة المسلحة هو‬
‫لرفع الظلم عن االنسا أينما كا ‪ ،‬والظلم نن أي جهة انطلق حتى لو قام بها نسلم‪ ،‬نن أجا‬
‫إيقاف عملية إخراج الناس نن ديارهم وعقائدهم بالقوة المسلحة‪ ،‬فهي دعوة اقانة حلف‬
‫عالمي لرفع الظلم عن االنسا أنمياً‪ ،‬وبذلك يتحول العالم االسالني تحت هذا المفهوم وضمن‬
‫هذه الصورة الى نكا يهرب اليه الالجئو السياسيو كا نكا وليس العكس‪.‬‬
‫ونن عجيب تفكير اإلفوليين أنهم يقولوا نعم هناك حرية اعتقاد وال إكراه ولكن هذا في الدخول‬
‫أنا الخروج فال؟!! بدو أي نستند نن النص‪..‬‬
‫وكله تأويا فاسد ضد العقا والمنطق والتاريخ واإلنسانية والتطور الدافع للتقدم اإلنساني ‪..‬‬
‫(‪ )3‬ل ثالثاً‪ :‬كذلك يدخا ضمن تحييد الجسد حا جذري لمشكلة المرأة‪ ،‬كما يتحسن وضع المراة‬
‫في العالم‪ ،‬فوضع المرأة غير نريح في الشرق والغرب على حد سواء‪ ،‬وعندنا يتم تحييد‬
‫الجسد نن خالل الجنس‪ ،‬تتوقف المساونة على جسد المراة‪ ،‬التي أخذت طابع المراهنة على‬
‫الجنس‪ ،‬ونسيا انها انسا كانا وروح نتميزة‪.‬‬

‫نفهوم تحييد الجسد في الصراع الفكري‪:‬‬


‫لعا ديكارت لو بعث في أياننا الحالية كا سيتمتع بوضع اوربا وكيف أينعت الثمرات التي‬
‫وضعها هو وجيا الفالسفة نن القر السابع عشر‪ ،‬ونا وفلت إليه في الخالفات الفكرية‪،‬‬
‫فاالنسا في الغرب اليعذب نن أجا أفكاره‪ ،‬واليقتا نن أجا نعتقداته تركا ً أو اعتقادا ً وتحوالً‪،‬‬
‫كما أ اارض ااروربية أفبحت إ شئنا أم أبينا نلجأ ً للفارين السياسيين‪ ،‬الذين يبحثو عن‬
‫نجاة لجلودهم نن نحاكم تفتيش القر العشرين‪ ،‬فالمسعري السعودي حمته بريطانيا وحين‬
‫تدخلت السياسة فطيرته لكوبا وترينيدياد تدخا القضاء البريطاني فأعاده لضباب لند ‪ ،‬كذلك‬
‫الحال نع الغنوشي والبيانوني في اسكتلنده وويلز‪.‬‬
‫كذلك الحال نع البيطار البعثي والحوراني االشتراكي الذي آوتهما فرنسا‪ ،‬والعطار الذي يقضي‬
‫بقية أيانه في سالم في آخن نن حيث انطلقت الحمالت الصليبية على الشرق ااوسط في‬
‫القرو الوسطى‪ ،‬عظة للغافلين وآية للمتوسمين‪..‬‬
‫كذلك حققت الحضارة الصناعية ناهو أهم نن انتاج السيارات والطيارات نن نقا السلطة‬
‫السلمي‪ ،‬وتدخا أوربا اآل تحوالً نذهالً لم يعرفه الجنس البشري نن قبا وهو االتحاد بغير‬
‫طريقة نابوليو أو هتلر‪ ،‬فلم تعد ألمانيا فوق الجميع با نثا الجميع‪ ،‬ولم يعد توحيد أوربا‬
‫بمدرعات غودريا وندفعية نابليو با باتفاق المونتا إلنتاج الحديد المشترك في الوحدة‬
‫االقتصادية‪.‬‬
‫وحكام أوربا يجتمعو ليتحدوا بدو اجتياح أحد لآلخر‪ ،‬وبدو أ يخسر أحد زعانة أو ناالً أو‬
‫أرضاً‪.‬‬

‫‪198‬‬
‫واليعني هذا أ نهاية الرحلة االنسانية سوف تختم على طريقة فوكويانا بالديموقراطية‬
‫السياسية والليبرالية االقتصادية الغربية‪ ،‬فاالنسا الغربي حقق الرفاهية واانن االجتماعي‬
‫ولكنه لم ينجح في الطمأنينة الروحية بعد‪ ،‬أنا نحن في عالم ااطراف والمحيط؛ فال رفاهيم وال‬
‫أننا‪ ،‬با رحلة الجوع والخوف والتيه والهولوكوست إلى قرو طويلة‪ ،‬وذرارينا الين يولودو‬
‫في السرق المنكوب ليس أنانهم إال المجهول واالنفجارات والمذابح ااهليه والحروب الطائفية‬
‫وحكم البعث والعبث‪ ،‬ونؤانرات النصرانية والنافرية والشيع والتشيع والوقوف في ختنادق‬
‫الزنن نتجمدين عند خالفات طواها الزنن ونجترها دواء فات وقته وأفبح سما‪...‬‬
‫والرحلة طويلة أناننا لنتعلم‪ ،‬ولكننا لن نخرج عن خط التحول التاريخي بحال‪ ،‬إنما هي المسافة‬
‫الزننية قرونا بين ذلك طويلة‪..‬‬

‫الفرق بين سم ديكارت وسم سقراط‪:‬‬


‫إ قتا أو اغتيال أو نفي أو سجن المفكرين ليس جديداً‪ ،‬فهي طبيعة فكر نهزوم‪ ،‬يقاوم خطر‬
‫تالشيه بآليات التصفية وااللغاء للفكر اآلخر‪.‬‬
‫إ عدم فتح الحوار هو اعتراف نبطن بهزيمة فكرية نن أول الطريق‪.‬‬
‫إ الفرق بين نوت ديكارت وسقراط أ ااول ج ّرع السم سرا ً وغدراً‪ ،‬والثاني جرع السم طوعا ً‬
‫ورغبة بدو خوف نن الموت‪ ،‬وبدو نحاولة فرار‪ ،‬فالخوف نن الموت ليس له نبرر عند‬
‫سقرا ‪ ،‬ولكن الخوف هو نن ارتكاب الخطأ ‪.‬‬
‫يرى سقراط أ الموت اليدعو الى الخوف نطلقاً‪ ،‬فهو أحد حالتين‪ :‬إنا نوم أبدي بدو أحالم؟‬
‫أو نقلة الى حياة جديدة‪ ،‬وهي فرحة كبرى باالنتقال الى حالة تطورية أكثر تقدنية في كا‬
‫نستوى‪ ،‬ففي كال الحالتين اليوجد نبرر للخوف نن الموت (‪...)7‬‬
‫وعندنا شهقت زوجته باكية وهو يتجرع قدح السم فرخت ودنوعها ناء وجنتيها‪ :‬إنك تموت‬
‫ظلما ً وعدوانا ً وأنت نن أنبا الناس‪ ،‬فما هذه الحياة المحكونة بالتناقضات‪ ،‬المشبعة بالظلم‪،‬‬
‫إنهم يقتلونك بغير إدانة واضحة! قال لها يخفف أحزانها‪ :‬أيرضيك أ يحكم علي بالموت نداناً؟‬
‫واال فماجدوى أها الفكر في تمليح الجنس البشري‪.‬‬
‫هناك جدل نحير في نصرع أها الفكر‪ ،‬ولكن يبدو أ هناك آلية نهمة الستنبات اافكار‪ ،‬فالنبتة‬
‫التخرج نن اارض بدو دفن الحبة فيها‪ ،‬ونحن نحز على أفدقائنا بعمق حين نخسرهم‬
‫بالموت الى اابد‪ ،‬والشهداء يبقو أحياء بأفكارهم التي طرحوها وشهدوا على فدقهم لها‬
‫بموتهم نن أجلها‪.‬‬

‫هوانش ونراجع‪:‬‬
‫(‪ )1‬م نشر الخبر في مقال مطول في مجل الشبيجل األلماني في امها الثقافي‪ ،‬وأشارت المجل المذكورة الى‬
‫طبع كتاق في هذا الصدد للدكتور (آيكه بين) الذي و ع له عنوانا ( ادث تل ال يلاوف ديكارت) ق مجل‬
‫الشبيجل العدد ‪ 32‬عام ‪ 1996‬م ه ‪ ، 160‬و م كرار القص مرة أخرى في الشبيجل العدد ‪ 46‬عام ‪2009‬م ه‬
‫‪ 160‬وعلم ال يلولوجيا هو العلم الذي يعني بتحقيع اللا والنصوه اللاوي ‪ ،‬وكان ديكارت يعتبر عملهم مليع‬
‫للو ت يومها بل طور وثورة علم االلانيات الحديث (‪ )2‬ص الحلارة ق ويل ديورانت ق الجزء ‪ 30‬ق ه ‪321‬‬
‫(‪ )3‬يراجع بالت صيل عن كارث الحرق هذه كتاق ص الحلارة لويل ديورانت (‪ )4‬كتاق المقال على المنهج ق‬
‫رجم محمود محمد الخليري ق دار الكا ب العربي للطباع والنشر بالقاهرة‪ ،‬ويعد هذا الكتاق من روائع النثر‬
‫ال رناي‪ ،‬و و ه هي من بااطته وسحر األدق الذي يالف كلما ه (‪ )5‬يراجع كتاق عندما اير العالم ق أليف‬
‫جيمن بيرك ق رجم ليلى الجبالي ق عالم المعرف ر م ‪ 185‬ق ه ‪ )6( 196‬ن ن المصدر الاابع ه ‪)7( 201‬‬
‫(الموت في ال كر الاربي ق أليف جاك شورون ق رجم كامل يوسف اين ق سلال عالم المعرف ر م ‪ 76‬ه‬
‫‪)48‬‬

‫‪199‬‬
‫ديكارت‬
‫واألبحاث العصبية الحديثة‬
‫لعا الظروف التي نعيشها هذه اايام تذكر بمحنة العقا المسلم في القر السابع الهجري‪ ،‬وهو‬
‫العنوا الذي كتبه نحمد كانا حسين بعنوا (المسلم الحزين في القر العشرين)؟؟ وكانت‬
‫البداية نع نهاية القر الخانس الهجري حين عانى العالم اإلسالني نن إعصارين ندنرين‪،‬‬
‫ااول كا في االنحطاط ااخالقي والسياسي‪ ،‬كنتيجة نحتونة لالنقالب اانوي القديم‪ .‬والثاني‬
‫تطويق نحكم‪ ،‬بين نطرقة المغول وسنديا الصليبيين‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫نن‬
‫هذا اإلعصارا كانت خلفيتهما ثقافية بالدرجة ااولى؛ فالجهاز المناعي الفكري‪ ،‬وخطوط‬
‫الدفاع العقلية‪ ،‬كانت قد انهارت خطا ً بعد خط وخندقا ً خلف خندق‪ ،‬حتى اختتم القر السابع‪،‬‬
‫ونعه انطفأت الروح الحضارية اإلسالنية‪ ،‬الموافق لمنتصف القر الثالث عشر للميالد‪ ،‬عندنا‬
‫انهار جناحا العالم اإلسالني في فترة عق ٍد نن الزنن (‪ ،)1‬وحصا االنقالب الكوني وبدأت‬
‫الحضارة تكتب نن اليسار الى اليمين‪ ،‬واستخدم الحصا العربي لغزو ونهب العالم الجديد في‬
‫اانريكيتين‪ ،‬وحبس العالم العربي خلف نضيق بحر الظلمات في زنزانة البحر المتوسط‪.‬‬
‫أزنة العقا المسلم في القر الخانس الهجري‪:‬‬
‫في هذه الظروف الصعبة فدم العقا اإلسالني الى أعمق أعماقه في سؤال نلح‪ :‬نا الذي قاد‬
‫الى الكارثة؟‬
‫وقف اإلنام أبو حاند الغزالي ليقوم بأهم عملين عقليين ناسحين‪ ،‬فيما يشبه جهاز الرادار‬
‫العقلي‪ ،‬في البحث بين اانقاض‪ ،‬كما يفعا الباحثو عن الصندوق ااسود عند تحطم الطائرات‪،‬‬
‫في بحث الخلا ااخالقي‪ ،‬وخلفية اإلعصار العقلي؛ فاستنفر نفسه لدراسة أربعة تيارات فكرية‬
‫عاففة؛ كانت تجتاح العالم اإلسالني وقتها‪ :‬الفلسفة اليونانية‪ ،‬وتيارات الباطنية‪ ،‬وفرق‬
‫المتكلمين‪ ،‬واالتجاه الصوفي‪.‬‬
‫كا ضغط المصيبة ناحقا ً ساحقاً‪ ،‬بحيث انضغط عقا الغزالي فانحدر الى الشك؟! والشك دائرة‬
‫نروعة‪ ،‬وكأنها الثقب ااسود الشفاط‪ ،‬وهذا الذي حصا نع الغزالي‪.‬‬
‫ونع تراكم سحب (الشك) اسودت نعالم الطرق العقلية‪ ،‬وتسرب الشك الى كا المنافذ‪ ،‬وفي‬
‫النهاية استولى الشك بالكانا‪ ،‬على عقا الغزالي‪ ،‬وطوقه بإحكام‪ ،‬حتى وفا الى الشك بكا‬
‫شيء حوله‪ ،‬وتسربت عفونة الشك الى المدارك العقلية ااساسية‪ ،‬نثا (البديهيات)؟!‬
‫تساءل الغزالي‪ :‬إذا كا المنام كله ضربا ً نن الوهم؟ فلماذا ال تكو الحياة كلها ضربا ً أكبر في‬
‫الخيال السقيم؟‬
‫يقول الغزالي‪:‬‬
‫(فتوقفت النفس في جواب ذلك قليالً‪ ،‬وأيدت إشكالها بالمنام‪ ،‬وقالت‪ :‬أنا تراك تعتقد في النوم‬
‫أنوراً‪ ،‬وتتخيا أحواالً‪ ،‬تعتقد لها ثباتا ً واستقراراً‪ ،‬وال تشك في تلك الحالة فيها‪ ،‬ثم تستيقظ؛‬
‫فتعلم أنه لم يكن لجميع نتخيالتك ونعتقداتك أفا وطائا؟ فبم تأنن أ يكو جميع نا تعتقده‬
‫في يقظتك بحس أو عقا هو حق باإلضافة الى حالتك التي أنت فيها؟ لكن يمكن أ تطرأ عليك‬
‫حالة تكو نسبتها الى يقظتك‪ ،‬كنسبة يقظتك الى ننانك‪ ،‬وتكو يقظتك نونا ً باإلضافة إليها!‬
‫فإذا وردت تلك الحالة تيقنت أ جميع نا توهمت بعقلك خياالت ال حافا لها )(‪)2‬‬
‫نحنة الغزالي الروحية‪:‬‬

‫‪200‬‬
‫وتطورت الصدنة العقلية الروحية عند الغزالي‪ ،‬الى أ أدخلته المرض‪ ،‬فارتمى في السرير‬
‫وكاد أ يهلك‪ ،‬ويروي تجربته الروحية الفكرية بشكا نؤثر‪:‬‬
‫(فلم أزل أتردد بين تجاذب شهوات الدنيا ودواعي اآلخرة‪ ،‬قريبا ً نن ستة أشهر‪ ،‬أولها رجب‬
‫سنة ثما وثمانين وأربعمائة‪ ،‬وفي هذا الشهر جاوز اانر حد االختيار الى االضطرار‪ ،‬إذ أقفا‬
‫هللا على لساني‪ ،‬حتى اعتقا عن التدريس‪ ،‬فكنت أجاهد نفسي أ ادرس يونا واحدا‪ ،‬تطييبا‬
‫لقلوب المختلفة إلي‪ ،‬فكا ال ينطق لساني بكلمة واحدة‪ ،‬وال أستطيعها البتة‪ ،‬حتى أورثت هذه‬
‫العقلة في اللسا حزنا في القلب‪ ،‬بطلت نعه قوة الهضم ونراءة الطعام والشراب‪ ،‬فكا ال‬
‫ينساغ لي ثريد‪ ،‬وال تنهضم لي لقمة؛ وتعدى الى ضعف القوى‪ ،‬حتى قطع ااطباء طمعهم في‬
‫العالج وقالوا‪( :‬هذا أنر نزل بالقلب وننه سرى الى المزاج‪ ،‬فال سبيا إليه بالعالج‪ ،‬إال بأ‬
‫يتروح السر عن الهم الملم )(‪)3‬‬
‫االنهدام العقلي الكبير على يد الغزالي‪:‬‬
‫بقدر نا بدأ الغزالي خطواته العقلية ااولى بجبروت‪ ،‬في تأسيس المعرفة عندنا أسس نبدأ‬
‫اليقين في العلوم (‪ )4‬بحيث ال تتزعزع المعرفة العقلية حتى لو برهن على عكسها‪ ،‬بتحويا‬
‫الحجر الى ذهب‪ ،‬والعصي الى ثعابين‪ ،‬فالمعرفة العقلية هي أعمق وأبقى‪ ،‬وهو نا ترك بصماته‬
‫على العقا ااوربي؛ بقدر نا انتهى الغزالي نفسه؛ عندنا سطر قلمه كتاب (تهافت الفالسفة) في‬
‫نهاية رحلته‪ ،‬الى حالة فراغ كانلة باالنتحار الصوفي‪ ،‬نما اضطر ابن رشد الحقاً؛ أ يتدخا‬
‫بعملية فكرية جراحية إسعافية لعقا نسلم ننتحر بنزف داخلي‪ ،‬قد انهار فاحبها بفعا النزف‬
‫الفكري الى حالة الصدنة غير قابلة التراجع (‪ )IRREVERSIBLE SHOCK‬فيكتب في‬
‫الوقت الضائع للمباراة كتابه (تهافت التهافت)(‪.)5‬‬
‫لذا لم يستفد العالم اإلسالني نن كتابات ابن رشد شيئاً‪ ،‬با هي نوضع شبهة وشك‪ ،‬فهو نن‬
‫التراث المحترق‪.‬‬
‫ديكارت والمقال على المنهج‪:‬‬
‫في الوقت الذي كا العالم اإلسالني يضع عقله على الرف‪ ،‬ويتوقف الزنن عنده على ضرب‬
‫فنج الصوفية‪ ،‬ويشخر في أحالم وردية على قصص ألف ليلة وليلة‪ ،‬كانت بذور ننهج الغزالي‬
‫في التأسيس المعرفي نن خالل نبدأ الشك‪ ،‬يثمر ثمراته في جنوب ألمانيا بطريقة نختلفة!!‬
‫يقول ديكارت عن نفسه أ الثلج والبرد اضطره الى قضاء الشتاء في جنوب ألمانيا قريبا ً نن‬
‫ندينة أولم ( ‪ ،) ULM‬وهو المكا الذي تعلمت فيه أنا شخصيا اللغة االمانية في قرية الفالح‬
‫الصغير اازرق(‪)Blaubeuern‬‬
‫كا رينيه ديكارت نن نبتات التنوير العقلي الجديد‪ ،‬الذي انتد نن شمال إيطاليا الى كا أوربا‬
‫نن الشعلة التي قدح زنادها البن رشد‪.‬‬
‫يقول ديكارت أنه التجأ الى هذه المكا وهو فارغ البال نن الهم والحز والهوى‪.‬‬
‫كا الشيء الذي يحتا كا نلكاته العقلية هو إنكانية الوفول الى الوثاقة واليقين في العلوم‪،‬‬
‫فديكارت كا قد ودع الفكر القديم وفقد ثقته به فكتب‪( :‬العقا هو أحسن ااشياء توزعا ً بين‬
‫الناس‪ ،‬إذ يعتقد كا فرد أنه أوتي ننه الكفاية‪ ،‬حتى الذين ال يسها عليهم أ يقنعوا بحظهم نن‬
‫شيء غيره‪ ،‬ليس نن عادتهم الرغبة في الزيادة لما لديهم ننه ‪.‬‬
‫ويشهد هذا بأ قوة اإلفابة في الحكم التي تسمى العقا أو النطق تتساوى بين كا الناس‬
‫بالفطرة‪ ،‬وكذلك يشهد بأ اختالف آرائنا ال تنشأ نن أ البعض أعقا نن البعض اآلخر‪ ،‬وإنما‬
‫ينشأ نن أننا نوجه أفكارنا في طرق نختلفة‪ ،‬انه ال يكفي أ يكو للمرء عقا‪ ،‬با المهم هو أ‬
‫يحسن استخدانه‪ ،‬وإ أكبر النفوس لمستعدة الرتكاب أفظع الرذائا نثا استعدادها اكبر‬
‫الفضائا)(‪)6‬‬
‫المنهج الديكارتي‪ :‬أنا أفكر ‪ ..‬أنا نوجود ‪:‬‬

‫‪201‬‬
‫استولى الشك على كيا ديكارت كانالً؛ فبدأ يتنفس الشك ويعيش فيه‪ ،‬ويقول أ تلك الليلة‬
‫شعر وكأ دناغه ل نن شدة التفكير ل يوشك على االنفجار‪ ،‬ثم انقدح إنانه فجأة المنهج الجديد‪،‬‬
‫الذي عرف بالمنهج التحليلي الديكارتي‪ ،‬أثناء الغوص في بحر الفلسفة‪.‬‬
‫قال ديكارت إنني عندنا أشك أفكر؛ حتى لو شككت في كا شيء؛ بما فيه وجودي بالذات‪ ،‬حتى‬
‫لو زالت الدنيا كلها‪ ،‬فإ شيئا ً ال يزول وال يتزحزح وهو إنني أشك؛ أي إنني أفكر‪ ،‬وإذا كنت‬
‫أفكر؛ فهناك حقيقة أنني نوجود على فورة نن الصور ولكنني نوجود؛ فهذه هي الحقيقة‬
‫الراسخة الوحيدة التي يمكن أ استند إليها في كا عمليات التفكير‪.‬‬
‫هذه الحقيقة الراسخة نهدت الطريق لعصر التنوير في أوربا‪ ،‬واعتبرت الفلسفة الديكارتية أحد‬
‫المفافا الجوهرية‪ ،‬التي قانت عليها الفلسفة ااوربية الحديثة‪ ،‬باعتبار أ ديكارت وعشرات‬
‫نن أنثاله‪ ،‬كانوا البناة النظريو للعصر الحديث بكا انجازاته‪ ،‬فمع حركة العقا تم تدشين‬
‫حرية التفكير‪ ،‬ونع حرية التفكير انطلقت اابحاث العلمية بدو حدود‪ ،‬وننها نبعت التكنولوجيا‬
‫الحديثة‪ ،‬والنظم السياسية أي الليبرالية االقتصادية‪ ،‬والديمقراطية السياسية‪ ،‬فهؤالء المفكرو‬
‫العظام هم الذين حلوا أعظم نشاكا الجنس البشري؛ وليس كما زعم فاحب الكتاب ااخضر؟؟‬
‫في عالقة السلطة بالمواطن‪ ،‬ونقا السلطة السلمي‪ ،‬وبناء نناخ الحرية الفكرية الكانا بدو أي‬
‫خوف أو تابو‪.‬‬
‫‪SOCIETY‬‬ ‫‪FOR‬‬ ‫نؤتمر جمعية العلوم العصبية (‬ ‫نع هذا فإ‬
‫‪ )NEUROSCIENCES‬الذي ضم نا يزيد عن عشرين ألف عالم‪ ،‬اجتمعوا في ندينة‬
‫سانت دييغو في نقاطعة كاليفورنيا عام ‪1996‬م خرج ببعض النتائج التي بدأت تهز ااقدام تحت‬
‫نظرية ديكارت(‪)7‬‬
‫نؤتمر ( سا دييجو ) يثير بحث المشكلة الفلسفية نن جديد ‪:‬‬
‫في هذا المؤتمر الهام اجتمع ك ٌم ضخم نن أطباء العصبية والمعلوناتيين‬
‫(‪ )INFORMATIKER‬وعلماء النفس والفالسفة ونشرحو الدناغ وبيولوجيو الكيمياء‬
‫العصبية‪ ،‬يريدو حا المعضلة القديمة للفلسفة‪:‬‬
‫نا هو الوعي اإلنساني؟‬
‫لقد حاولوا اقتحام الدناغ لفهم أسراره الدفينة‪ ،‬ولكن نن أجا فهم ناذا يعني الكيا (أنا) كا‬
‫عليهم تجاوز عقبة كؤود غير قابلة لالختراق على نا يبدو حتى اآل وهي‪ :‬دور المشاعر‬
‫وااحاسيس وعالقتها بالعقا والفكر؟!‬
‫إ الثورة العقلية التي بدأها ديكارت نع عام ‪ 1644‬م عندنا أطلق نقولته الفلسفية الشهيرة‬
‫(أنا أفكر أنا نوجود)(‪ )COGITO, ERGO SUM‬كا قد وضع أحد ااحجار ااساسية‬
‫في الفلسفة الحديثة فأنا الروح والعقا والوعي فإنها تخص الكنيسة‪ ،‬وأنا البد فيمكن اقتحام‬
‫التابو فيه وتعريضه للتشريح‪.‬‬
‫وهكذا أوجد النظرية الثنائية في أ في اإلنسا كيانا يسبحا جنبا الى جنب‪ ،‬الروح والبد‬
‫في ثنائية نتالزنة غير نفهونة‪.‬‬
‫ولكن كما تفعا الثورة نع أبناءها فيبدو أ هذه الثورة العقلية تهدد بأكا أبناءها الذين دشنوها‪،‬‬
‫فاالتجاه بدأ ينعكس اآل ليس البحث في البد با في الروح‪.‬‬
‫فكيف نفهم الذات؟ كيف نعرف نن نحن؟‬
‫كا السر على نا يبدو يربض تحت عظم الجمجمة‪ ،‬في المادة المخية التي تضم نائة نليار خلية‬
‫عصبية‪ ،‬في تعقيد ال يقاربه شيء في الكو ‪.‬‬
‫فكرة نفاتيح الدارات العصبية‪:‬‬
‫يبدو أ فهم الدناغ يمشي في اتجاهين‪:‬‬
‫ل ااول‪ :‬هو المزيد نن فك أسراره‪ ،‬سواء المناطق التشريحية أو أثر الكيمياء في التصرفات أو‬
‫نركز اللغة‪.‬‬

‫‪202‬‬
‫ل واالتجاه الثاني‪ :‬هو استحالة اإلحاطة بكانا الدارات العصبية الموجودة في دناغنا؛ فالخاليا‬
‫العصبية التي تصا الى نائة نليار خلية‪ ،‬تتضافر فيما بينها بشبكة نخيفة نن االرتباطات‪،‬‬
‫بحيث أنها تشكا دارات ال يمكن اإلحاطة بها‪ ،‬ولعا رقم (الجوجول)(‪ )GOGOL‬الذي‬
‫افطنعوه في االنترنت‪ ،‬والذي هو عشرة قوة نائة‪ ،‬هو رقم تقريبي ال أكثر للدارات العصبية‬
‫الموجودة في دناغنا والتي تشكا تركيبنا‪.‬‬
‫نقارنة بين تركيب الكرونوسوم والدارات العصبية في الدناغ‪:‬‬
‫لفهم التعقيد المخيف في دناغنا‪ ،‬يستحسن نقا ذلك الى المقارنة نع أعقد التركيبات البيولوجية‬
‫المسؤولة عن الوراثة في كياننا‪ ،‬والتي تبلغ حوالي ثالثة نليارات نن ااحماض النووية ‪.‬‬
‫إ تركيب الحانض النووي يبقى في غاية البساطة بالمقارنة نع تركيب ضفيرة النورونات؛‬
‫فالحانض النووي يتشكا نن تتابع احماض أنينية أربعة هي االدنين والسيتوزين والغوانين‬
‫والثيمين‪ ،‬ويرنز لها بالحروف‬
‫(‪ )A-C-T-G‬وهذه الحروف ااربعة تشكا لغة الخلق البيولوجية‪.‬‬
‫ويمكن لها أ تتالى على غير نظام نثا (أ ‪ -‬أ ل أ ل ت) أو (ت ل س ل غ ل غ) وهكذا‪...‬‬
‫وباجتماع عدد ينقص أو يزيد نن هذا التتابع‪ ،‬لهذه الحروف يسمى (جين)‬
‫(‪ )GEN‬وهو المسئول عن بناء عضوي نعين في البد ‪ ،‬نثا اانسولين الذي يحرق السكر‪،‬‬
‫أو التيروكسين هورنو الغدة الدرقية‪ ،‬الذي يشعا الفعالية في البد ‪.‬‬
‫ولكن الدارات العصبية هي حروف نبعثرة‪ ،‬تبني ارتباطات عشوائية النهاية لها‪ ،‬وهي ليست‬
‫عشوائية‪ ،‬با كا دارة تولد نعلونة‪ ،‬أو لعلها تفرز عاطفة‪ ،‬أو تحث على شعور نا؟‬
‫ويكفي أ نعلم أ كا جزيئات الوجود ال تزيد عن عشرة قوة ‪ ،88‬وبذلك تكو االرتباطات في‬
‫دناغنا أعقد وأعظم شيء في الوجود (‪.)8‬‬
‫نوضعة الوعي والمراكز العصبية‪:‬‬
‫هذا الفهم للدارات العصبية يفتح الباب على انقالب نوعي في فهم أناكن اإلفابات العصبية‪ ،‬فال‬
‫يعني خراب نكا بعينه أنه هو المسئول عن الوظيفة الضائعة‪ ،‬تمانا ً كما في توقف السيارة‬
‫عن السير لنضوب البنزين فنظن أنها بسبب تعطا المحرك؟‬
‫وهي اابحاث التي تقدم بها النفساني البريطاني (ريتشارد جريجوري) في نظرية جديدة‬
‫لمواضع الوظائف‪ ،‬ونعنى الوعي عند اإلنسا ‪.‬‬
‫وشرح ذلك في نقال نبني على اافول ضد التموضع‪ ،‬ويضرب لذلك نثالً‪:‬‬
‫(إنه نن المستحيا تقدير آثار إفابة نوعية دو نعرفة كيفية تشغيا أجزاء الدناغ نجتمعة‬
‫ولنأخذ نثالً‪ :‬حالة ناكينة نجهولة نحاول فهم طريقة تشغيلها وذلك بواسطة فك قطعها بشكا‬
‫افطفائي واحدة تلو ااخرى‪ ،‬فإذا نزعنا ننها جز ًء نعينا نثالً خزا الوقود فتوقفت اآللة‪،‬‬
‫حينئذ يمكننا بشكا ساذج أ نستنتج‪ ،‬إذا لم نكن قد رأينا سيارة نن قبا‪ ،‬بأ آلية الدفع في هذه‬
‫الماكينة هي الخزا ‪.‬‬
‫ويبدي جريجوري المالحظة القائلة‪ ،‬بأ المشكلة ال تطرح فيما لو كنا نعرف اآلليات المعقدة‬
‫للمحركات االنفجارية‪ ،‬ونحن في حالة الدناغ لسنا في هذا الموقف؛ إذ أننا ال نملك نظرية‬
‫وطيدة عن التشغيا الطبيعي للدناغ‪ ،‬ولذلك فإ تأويالت المعطيات المستمدة نن اإلفابات‬
‫العصبية الدناغية يمسي عسيراً)(‪)9‬‬
‫الغابة الدناغية والتيه العلمي‪:‬‬
‫عجز المشرحو عن التحقق الفعلي نن المراكز العصبية ونكا الوعي واإلرادة‪ ،‬واحتار‬
‫علماء النفس في تفسير أحالم التحقق وظواهر الباراسيكولوجيا‪ ،‬ولم يفهم تمانا ً كيف تتحول‬
‫نوجات الكهرباء الى ألوا بعينها نترجمة في الدناغ‪.‬‬
‫لم يفهم تمانا ً آلية ترابط المشاعر نع اافكار؛ فيبدو أ هناك نوع نن الترابط المحكم يضيع نع‬
‫تدنير بعض الممرات العصبية‪.‬‬

‫‪203‬‬
‫تخلخا البناء النظري الذي وضعه ديكارت سابقا ً في ثنائية الروح والبد ‪ ،‬فهناك نوع نن‬
‫الضفيرة المحكمة بين النفس والجسد‪ ،‬فالروح تتنفس نن خالل البد والعكس فحيح‪.‬‬
‫ولغز العقا والوعي نازال قائماً‪.‬‬

‫نراجع وهوانش‪:‬‬
‫(‪ )1‬من التصادف الاريب والمحزن لمصير العالم اإلسالمي أن جنا يه طعا في فترة عقد من الانين‪ ،‬فاقط كما‬
‫ياقط الطير بال جنا ان‪ .‬سقطت اشبيلي في األندلن في عام ‪ 1248‬م بيد األسبان ودمرت باداد بالمحراث‬
‫الماولي الهابط من الشرق في عام ‪ 1256‬م (‪ )2‬كتاق (المنقذ من اللالل والموصل الى ذي العزة والجالل) أبو‬
‫امد الازالي ق ققه جميل صليبا وكامل عياد ق دار األندلن ق ه ‪ )3( 85‬ن ن المصدر الاابع ه ‪)4( 136‬‬
‫أمل عبيرات الازالي المدهش في التأسين المعرفي (فالبد من طلب قيق العلم ما هي؟ فظهر لي أن العلم‬
‫اليقيني هو الذي ينكشف فيه المعلوم انكشافا ال يبقى معه ريب وال يقارنه إمكان الوهم والالط‪ ،‬وال يتاع القلب‬
‫لتقدير ذلك‪ ،‬بل األمان من الخطأ ينباي أن يكون مقارنا لليقين مقارن ‪ ،‬لو حدي بإ هار بطالنه مثال من يقلب‬
‫الحجر ذهبا‪ ،‬والعصا ثعبانا‪ ،‬لم يورث ذلك شكا وإنكارا‪ ،‬فإني إذا علمت أن العشرة أكثر من الثالث ؛ فلو ال لي‬
‫ائل‪ :‬ال‪ ،‬بل الثالث أكبر من العشرة؛ بدليل أني أ لب هذه العصا ثعبانا و لبها وشاهدت ذلك منه‪ ،‬لم أشك باببه في‬
‫معرفتي‪ ،‬ولم يحصل لي منه إال التعجب من كي ي در ه عليه! أما الشك فيما علمته فال) ن ن المصدر الاابع ه‬
‫‪ )5( 82‬يراجع في هذا كتاق ( كوين العقل العربي) للم كر الماربي الدكتور محمد عابد الجابري ق مركز‬
‫دراسات الو دة العربي ق مثال فصل العقل الماتقيل في الثقاف العربي اإلسالمي (‪ )6‬مقال على المنهج ق رينيه‬
‫ديكارت ق رجم محمود الخليري ق الناشر دار الكا ب العربي للطباع والنشر ق ه ‪ )7( 110‬مجل الشبيجل‬
‫األلماني العدد ‪ 1996 16‬م ق البح عن الذات ه ‪ )8( 190‬كتاق اللا وال كر ق أليف شارلز فورست ق‬
‫رجم محمود سيد رصاه ق ال صل األول ه ‪ )9( 6‬ن ن المصدر الاابع ه ‪.216‬‬

‫‪204‬‬
‫سبينوزا‬
‫ورسالته حول تحسين العقا‬
‫في أول كتابه (رسالة في تحسين العقا) يذهب الفيلسوف (باروخ سبينوزا) أ الناس يركضو‬
‫بأشد نن ضباح الخيا‪ ،‬وتهافت الفراش على النلار‪ ،‬عللى ثلالث نصلادر‪ ،‬أنهلا أكيلدة‪ ،‬ويقينيلة‪،‬‬
‫ونضمونة‪ ،‬لسعادة ال تعرف النفاد هي‪( :‬المال ل الشهرة ل الشهوة)‪.‬‬
‫ولكنها ال تزيد عن سراب بقيعة يحسبه الظمآ ناء ‪..‬‬
‫ثم يمضي فيلسوف التنوير في شرح اافكار الثالثة‪ .‬أ الشهوة نلرض والملال يلزول والشلهرة‬
‫تتكسر فأين إذ السعادة الدائمة والشانلة الغانرة؟‬
‫ونا كتب الرجا في حياته لم تتجاوز أربعة كتب‪ ،‬ونات عن عمر ‪ 42‬سنة‪ ،‬ننفوثلا بالسلا‪ ،‬بعلد‬
‫طعنة سكين في رقبته نن المتعصبين‪ ،‬أنه يريد إثبات عدم وجود هللا ؟‬
‫والرجا كا تقيا نقيا زاهدا‪ ،‬عميق التصوف‪ ،‬بحرا ً في الفلسفة‪ ،‬قال عنه ديورانت‪ :‬أ نابليو ‪،‬‬
‫كا أنفع له نن كا الفتوحات العسكرية‪ ،‬لو ألف أو قرأ طرفا نما كتب الرجا‪ ،‬ولكن العسلكريين‬
‫في العادة‪ ،‬في جلّهم‪ ،‬نغانرين نتهورين‪ ،‬ضحلي الثقافة‪ ،‬عظيمي التأثير في حيلاة النلاس‪ ،‬بكلا‬
‫أسف ‪..‬‬
‫فهذه هي سخرية التاريخ‪...‬‬
‫وكلفت سبينوزا أفكاره أ يلعن كا نن اقترب ننه أربعلة أذرع‪ ،‬أو أكلا نعله‪ ،‬أو شلرب‪ ،‬أو نلام‬
‫نعه تحت سقف واحد‪ ،‬أو قدم له يد المعونة في دواء وغذاء‪.‬‬
‫ولكن كتاباته تبقى نحطة لكا نن ارتاد نغانرات العقا اإلنساني عبر العصور‪.‬‬
‫وفي نطلع البحث يقول أ السعادة يجب أ تحقق ثالث أنور‪:‬‬
‫أ تكو أكيدة (حقيقية) غانرة‪ ،‬بهيجة‪ ،‬تقلب الحياة قلبا‪ ،‬وتضلعها باتجلاه عللى سلكة‪ ،‬تاركلة‬
‫بصماتها على التصرفات؛ فالسعادة نور داخلي قبا كا شيء‪.‬‬
‫وا تكو (نستمرة) نتدفقة ال تعرف التوقف والكبح والمحدودية‪.‬‬
‫وأ تكو (شانلة) تغطي الحياة ونا حوت‪ ،‬والمشاعر ونا أخفت‪.‬‬
‫ولتعرفنهم في سيماهم ولحن القول ‪..‬‬
‫أولئك النجباء السعداء ‪..‬‬
‫وبالطبع فإ سعادة نن هذا النوع ال يصا إليها إال ثلة نن ااولين وقليا نن اآلخرين؛ ويسميها‬
‫علم النفس الحديث (تحقيق الذات ‪)Self actualization‬؛ فالنفس تبقى في توتر ثالثلي‪ ،‬قبلا‬
‫الهدوء والراحة؛ فتنتقا كما يقول الغزالي في كتابه (نعارج القدس في ندارج نعرفلة اللنفس)‪،‬‬
‫نن النفس (اا ّنارة بالسوء)‪ ،‬إلى (النفس اللوانة)‪ ،‬إلى (اللنفس المطمئنلة)‪ ،‬التلي تلدخا الجنلة‬
‫قبا دخولها ‪..‬‬
‫يقول سبينوزا يظلن اللبعض أ الثلروة تخللق السلعادة‪ ،‬وهلي جلزء نلن الحقيقلة‪ ،‬وليسلت كلا‬
‫الحقيقة‪ ،‬فنحن في الدنيا نركب زورقا باتجاه هدف‪ ،‬وحاجات الحياة ال بد ننها‪ ،‬ولكن هنلاك نلن‬
‫يريد البقاء في الزورق‪ ،‬أو بناء قصر فوق قنطرة يعبرها‪ ،‬كما يقول بوذا‪ ،‬وكلا االلم يلأتي نلن‬
‫عدم إدراك هذه الحقيقة‪ ،‬والعمى فيها يضيع لب التنوير‪.‬‬
‫ويلتقي هنا نع الحديث الذي يقول‪ :‬نا لي وللدنيا إنملا أنلا كراكلب اسلتظا تحلت شلجرة ثلم راح‬
‫وتركها ‪.‬‬
‫فليس أغنى نن (كريستينا) بنت (أوناسيس) إنبراطور ناقالت البتلرول اليونلاني (‪،)Tycoon‬‬
‫الذي تزوج (جاكلين كيندي)‪ ،‬وجعلها تنفق كا نصف نهار‪ ،‬خمسين ألف دوالر لشراء المالبلس‬
‫علها تشبع؟‬
‫فلم تشبع ؟؟‬

‫‪205‬‬
‫وناتت ابنته (كريستينا) وريثة ثروته‪ ،‬التي فاقت ثلروة قارو ‪،‬انتحلارا وقهلرا وغملاً‪ .‬وجربلت‬
‫أكثر نن زيجة ففشلت‪ ،‬وطردت ذكور النحا‪ ،‬المتلراكمين حولهلا نلن أجلا ثروتهلا‪ ،‬أخيلرا نلن‬
‫حياتها‪ ،‬وانتفخت بالسمنة والملا فلم يغن عنها شيئا‪ ،‬وناتت في أبأس حال‪.‬‬
‫وفلي ينلاير نللن علام ‪ 2010‬م أعلللن علن نلوتى (كيسللي جونسلو ) حفيللدة إنبراطلور الشللركة‬
‫الدوائية‪ ،‬وابنة الرجا الذي اشترى نادي نيويورك الرياض بل ‪ 630‬نليو دوالر‪ ،‬وتقلول الفتلاة‬
‫قبا نوتها ليس نن ثمة تعاسة أعظم نن نلك ثروة ليس لها نفاد‪.‬‬
‫والقرآ يقول ولو بسط هللا الرزق لعباده لبغوا في اارض ولكن ينزل بقدر ‪..‬‬
‫وكا نات بطريقته‪ .‬سما‪ ،‬أو بالرفاص ‪ ..‬شنقا ‪ ..‬أو خنقا ‪..‬أو سقوطا نن شاهق؟‬
‫ولو كا المال (شرفا) لكا قارو سيد اانبياء‪ ،‬فخسف هللا به وبداره اارض‪ ،‬فما كا لله نلن‬
‫فئة ينصرونه نن دو هللا‪ ،‬ونا كا ننتصرا‪.‬‬
‫ويظن اللبعض أ (الشلهرة) سلبب للسلعادة‪ ،‬وللو كلا ذللك فلحيحا‪ ،‬لكانلت (نلارلين نلونرو)‬
‫الممثلة اانريكية‪ ،‬الشهيرة الجميلة‪ ،‬فاحبة الحسن والدالل واإلغراء‪ ،‬سيدة السعداء‪ ،‬ولكنها‬
‫أنهت حياتها باالنتحار ؟!‬
‫ولو كا (النفوذ) سببا للسعادة لملا أنهلى وزيلر الماليلة الفرنسلي (فوكيله) زنلن المللك للويس‬
‫الرابع عشر‪ ،‬الملقب بملك الشمس‪ ،‬حياته في زنزانة انفرادية‪ ،‬في جبال االب ‪..‬‬
‫أو العديد نن الوزراء‪ ،‬والمسئولين الكبار‪ ،‬وهم يرتعدو فرقا كا حياتهم في المنصب‪ ،‬وخلارج‬
‫المنصب !‪.‬‬
‫ويروى عن (نيكيتا خروتشوف) أ نلا أبقلى رأسله فلوق كتفيله‪ ،‬أنله تحلول إللى (نهلرج) فلي‬
‫حفالت ستالين‪ ،‬فكا الطاغية يصب على رأسه الفودكا‪ ،‬ويضحك ناء شدقيه ‪..‬‬
‫ويظن البعض أ (اللذة) هلي السلعادة‪ ،‬وننله دعلا الفيلسلوف اليونلاني (أبيقلور) إللى اغتلراف‬
‫اللذات في الحياة‪ ،‬وينقا عنه قوله‪ ،‬عندنا يحضر الموت فلن نكو نوجودين‪ ،‬فللم الخلوف نلن‬
‫زائر نرعب لن نتالقى نعا؟‬
‫ونن أثينا خلرج الفالسلفة (الكلبيلو )‪ ،‬اللذين دعلوا النلاس نلن أجلا الراحلة أ يقللدوا أخلالق‬
‫الكالب‪ .‬وهي ليست نزحة؟‬
‫وأكبر نموذج في اغتراف اللذات‪ ،‬شاعر الجاهلية (طرفة بن العبد) و(عمر الخيلام) الللذين رأيلا‬
‫في الحياة‪ ،‬تلك الفترة القصيرة‪ ،‬التي هي أقصر‪ ،‬نن أ نقصرها بالترهات‪ ،‬فيجب ناء كأسلها‬
‫بالملذات دهاقا‪ .‬ولكن الملذات (نشكلة) نن جهتين؛ فاإلفراط في تعلاطي الكحلول‪ ،‬يقلود لتشلمع‬
‫الكبد‪ ،‬واإلفراط في الجنس‪ ،‬يقود إلى اانراض التناسلية‪ ،‬أو البلرود الجنسلي عكلس نقصلوده‪.‬‬
‫وأعظم اللذات‪ ،‬عندنا تأتي في وضع اإلشباع؛ سواء الماء نع شدة العطش‪ ،‬أو الطعام نلع فلرط‬
‫الجوع‪ ،‬أو االتصال الجنسي بحرنا نناسب‪.‬‬
‫ويرى عالم النفس البريطاني (هدفيلد) أنه البد نن التفريق بين ثالث‪ :‬السرور والسعادة واللذة؛‬
‫فاللذة هي نمارسة الغريزة بدو بعد أخالقي‪ ،‬وهو أنر نشترك فيه نع الحيوانات‪.‬‬
‫أنا السرور فهو نمارسة نتعة الغريزة‪ ،‬ضمن إطارهلا المعنلوي ااخالقلي‪ .‬ولكلن السلعادة هلي‬
‫عملية التواز في إشباع الغرائز‪ ،‬وهلو يصلا بكالنله هلذا إللى فلتح علملي؛ فليمكن لفالحلة أو‬
‫بدوية تعيش في خيمة‪ ،‬أ تكلو فلي سلعادة يحسلدها عليهلا أكبلر نسلئول فلي أكبلر وزارة‪ ،‬ال‬
‫ينقصه المال والخدم والحشم والنفوذ والشهرة‪.‬‬
‫وكرسي الحكم أعظم لذة‪ ،‬فهو كرسي اإلعدام‪ ،‬ال ينجو ننه في العلادة أحلد‪ ،‬تفلوق حالوتله كلا‬
‫لذة‪ ،‬خافة في إنبراطوريات الدول الثورية‪ ،‬التي تحولت إلى جملوكيات ‪..‬‬
‫ويروى عن بعض الصوفية‪ ،‬قولهم‪ :‬هلو علم الملوك بما نحن فيله نلن السلعادة لقاتلونلا عليهلا‬
‫بالسيوف ؟‪ .‬ووفف هللا عباده الصالحين أنهم نحصنو ضلد‪ :‬الخلوف والحلز ‪ .‬ونلن تخللص‬
‫نن الحز وفا إلى السعادة ‪ ..‬ونن نجا نن الخوف ذاق راحة البال عطاء غير نجذوذ‪.‬‬

‫‪206‬‬
‫من سقراط وسبينوزا‬
‫إلى ابن رشد وجيوردانو برونو‬
‫نغانرات العقا اإلنساني‬
‫هبقرار المالئكة وحكم القديسين ن ّحرم ونلعن وننبذ ونصب دعاءنا على باروخ سبينوزا ‪..‬‬
‫وليكن نغضوبا ً ونلعونا‪ ،‬نهارا وليال‪ ،‬وفي نونه وفبحه‪ ،‬نلعونا فلي ذهابله وإيابله‪ ،‬وخروجله‬
‫ودخوله‪ ،‬ونرجو هللا أ ال يشمله بعفوه أبدا‪ ،‬وأ ينزل عليه غضب هللا وسخطه دائما ‪..‬‬
‫ونسأل هللا أ يخلص أولي الطاعة ننكم وينقذهم‪ ،‬وأ ال يتحدث نعه أحدا بكلملة‪ ،‬أو يتصلا بله‬
‫كتابة‪ ،‬وأ ال يقدم له أحد نساعدة أو نعروفا‪ ،‬وأ ال يعيش نعه أحد تحت سقف واحدة‪ ،‬وأ ال‬
‫يقترب ننه أحد على نسافة أربعة أذرع‪ ،‬وأ ال يقرأ أحد شيئا جرى به قلمه أو أناله لسانهه‬
‫نص اللعنة هذا لم يصب على رأس شقي‪ ،‬با على فيلسوف يعتبر نن أعملدة التنلوير العقالنلي‬
‫في القر السابع عشر‪ ،‬الذي تعتبر كتاباته التي لم تتجاوز أربعلة كتلب‪ ،‬أحلد المحطلات العقليلة‬
‫الرئيسية‪ ،‬فلي رحللة اكتشلاف نسليرة العقلا اإلنسلاني‪ ،‬ونغانراتله العقليلة الضلخمة الختلراق‬
‫المجهول في فضاءات نعرفية شتى‪.‬‬
‫وفي عام ‪ 399‬قبا الميالد تم تقديم رجا عجوز يناهز السبعين عاناً‪ ،‬الى المحكملة فلي أثينلا‬
‫بتهمتللي الهرطقللة وإفسللاد الشللبيبة‪ ،‬وتللم الحكللم عليلله باإلعللدام نللن أجللا آراءه‪ ،‬بجرعللة سللم‬
‫الشوكرا ‪.‬‬
‫كا هذا المجرم (سقراط) واستقبا الموت وتجرع السم وهو يشلرح أفكلاره لطالبله المتحلقلين‬
‫حوله حتى اللحظة ااخيرة‪ ،‬وهم يحبسو دنوعهم وزفراتهم‪ ،‬في نشهد تناقض كوني نن هلذا‬
‫الحجم!‬
‫والتهمة الخطيرة التي وجهلت لسلقراط‪ ،‬اعتبلرت جريملة فلي نظلر المجتملع ااثينلي‪ ،‬فصلوت‬
‫بااكثرية إلعدام ألمع دناغ في المجتمع‪.‬‬
‫وهذا يحكي بؤس الديمقراطية أحيانا‪ ،‬إذا أفبحت في يد الغوغاء‪ ،‬ولو اعتمد نظام التصويت في‬
‫العالم العربي فمن سليفوز فلي نقاعلد نجلالس القلرود ل عفلوا نجلالس الشلعب ل هلم الغوغلاء‪،‬‬
‫وبذلك تحكمنا ليس الديمقراطية با الموبائية (نن الموب ‪ .. )MOB‬أي حكم القطيع‬
‫أ سقراط كا يرى أ هناك شيئا ً واحدا ً فقط يمكن التأكد ننه هو‪ :‬جهله؛ ا نن يعلرف أنله ال‬
‫يعرف‪ ،‬يكو قد وضع رجله في أول طريق المعرفة‪ ،‬لتصحيح نا عنلده‪ ،‬واالسلتزادة المعرفيلة‬
‫نما ليس عنده‪ ،‬في كو يعج بالمعرفة‪ ،‬ووجود النهائي يستحيا على النضوب المعرفي‪.‬‬
‫وفيها ح َّرر نبدأه ااخالقي‪ ،‬الذي استفادت ننه ندارس شتى في التلاريخ فلي تأسليس العالقلات‬
‫اإلنسانية‪ ،‬بعدم نكافحة الشر بالشر‪ ،‬كما جاء في اإلنجيا والقرآ والزبور‪..‬‬
‫الحق أقول لكم ال تقاونوا الشر وادفعوا بالتي هي أحسن‬
‫وأنه خيلر لنلا أ نتحملا الظللم نلن أ نمارسله‪ ،‬وأ التغييلر االجتملاعي ينطللق نلن نمارسلة‬
‫الواجب‪ ،‬أكثر نن المطالبة بالحقوق‪ ،‬وأ االلتلزام ااخالقلي هلو النلاظم المحلوري فلي الحركلة‬
‫االجتماعية‪ ،‬وأ البحث عن الحقيقة يجب أ يشكا نهم االنسا ااول‪ ،‬بغض النظر عن الجانب‬
‫النفعي فيه‪ ،‬في تشكيا عقا نقدي ال يعرف التقاعد أو االستقالة‪ ،‬في رحلة الكشف عن الحقيقة‬
‫‪.....‬‬
‫هذه هي أفكار الرجا الخطيرة التي بموجبها أعدنته أثينا في أكبر حماقة تاريخية ‪.‬‬
‫أنا قرار لعنة سبينوزا فكا في ننتصف القر السابع عشر للميالد‪ ،‬ولكن قرارا ً نشلابها فلدر‬
‫ً‬
‫في حق دناغ إسالني نتألق‪ ،‬هو ابن رشد‪ ،‬في نهاية القر الثاني عشر للميالد‪ ،‬ولم تشلفع لله‬
‫شيخوخته أ يلقى تحت اإلقانة الجبرية‪ ،‬ننفيا ً في قرية الليسانة اليهودية‪ ،‬ليموت بعدها حزينلا‬

‫‪207‬‬
‫كسير القلب‪ ،‬ال يستفيد ننه العالم اإلسالني حتى هذه اللحظة‪ ،‬فهو نازال على القائمة السوداء‪،‬‬
‫نطلوب رأسه للعدالة بدو عدالة‪.‬‬
‫وتم تدشين اايام ااولى نن عام ‪ 1600‬نيالدي بحريق نروع ارتجفلت ننله نفافلا المفكلرين‬
‫في أوربا‪ ،‬عندنا أحْ رق المفكر اإليطالي ( جيوردانو برونو) حيا ً في ساحة عانة‪.‬‬
‫ونرت اايام وتتالت القرو فتم رد االعتبار لسبينوزا‪ ،‬ونحت تمثال لسقراط يحدق بوداعلة فلي‬
‫حماقة التاريخ‪ ،‬واحتفا بذكرى ابن رشد فلي قرطبلة علا يلد ااسلبا ؟ ونصلب تمثلال تلذكاري‬
‫لجيوردانو برونو فيلسوف حرية الرأي‪ ،‬في نفس الساحة التلي شلوي فيهلا حيلاً‪( ،‬بالثلا دي ال‬
‫فويرا)؟‬
‫فهذه أربعة أنثلة اربعة نفكلرين نلن أربعلة أديلا ‪ .‬فلي نظلم تلاريخي ينلبض بلنفس اللوتيرة‪،‬‬
‫ويالقي نفس المصير‪ ،‬بحماقة بشرية ال تعرف الحدود‪ ،‬ونتى كا للحماقة دواء‪.‬‬

‫‪208‬‬
‫قانون سبينوزا في القراءة‬
‫لذة الفهم!!‬
‫كون القراءة أوال مثل عمال المققالع شققاء ونصقب وعقذاق وعقرق‪ ،‬مثقل عبيقد الطقرق صقى‬
‫ورمال وجبال ووديان وصعود و عب‪ ،‬ثم لين الكلم دريجيا والنلج عمققا وشقموال‪ ،‬ثقم يصقل‬
‫اإلناان مر ل ال لا لذة ال هم‪ ،‬و حصل بعد جهد عشرات الاقنوات‪ ،‬فقإذا وصقلها مقن كقدي ال‬
‫ير مققه المققوت ألن عينيققه أبصققرت الحقققائع فأصققبه ديققد؛ فيجققب أن ققودع عققالم الامققو‬
‫واللبابي ‪ ،‬والذين يعلمون اهرا من الحياة الدنيا‪ ،‬إلى دنيقا التقألع والنقور والقوعي وال يخقافون‬
‫وال يحزنون وال يقلقون وال يهتمون وال ي قرون وال يمو ون إال المو األولى‪..‬‬
‫يجب أن قرأ كما يقول سبينوزا تى صل إلى لذة ال هم‪ ،‬وهي عند الصوفي لك الحال الرو يق‬
‫من المتع التي يشعر بها عباده المؤمنون من إبصار الحقيق واال تراق من نور الهداي ؛ فينشقري‬
‫الصدر فويل للقاسي لوبهم من ذكر ‪.‬‬
‫وهناك عدة مبادئ لخبراء الكتب في الصيد واالكتشاف‪،‬هواي و رف ‪،‬لالستدالل على أماكن وليد‬
‫اإلنتا المعرفي والوصول إليه‪ ،‬وهنا د ين عنا انون ابن خلدون في القراءة الثالثي و قانون ابقن‬
‫سينا في شبع الدما و ل المعلالت في النوم‪ ...‬ألين عجيبا؟‬
‫وأذكر من جلاتي يوما عند أبو عبد الر من أن ذكرت له الكاهن ماقلييه وعهقده الجديقد‪ ،‬وكيقف‬
‫كتب أمورا في يا ه‪ ،‬مخال ا الكنيا ماما ومعتقدات الماقيحيين العامق ‪ ،‬فققال لقي صقديقي هقل‬
‫يمكن أن ريني المكان في أي كتاق هو؟ فقمت وأ لرت له كتقاق صق الحلقارة فقي مجلاقه‬
‫من ن ن مكتبته‪ ،‬وأطلعته على النص الذي يذكر صق هقذا الكقاهن الجقريء الصقادق القذي كقتم‬
‫إيمانه‪ ،‬ولقد كتبت عنه مقال لم ننشر فيها كل أفكار الرجل‪ ،‬وه ن ن ص فولتير معقه‪ ،‬فققد قردد‬
‫في نشر كامل وثيق الكاهن لشدة كثافتها وعدم حمل الوسط لها‪.‬‬
‫وأذكر من جلا صبا ي وأنا في مجلن األطباء أنني رأت بحثا ممتازا عن االستناا الجاقدي‬
‫فاستوعبته و مكنت منه‪ ،‬وأعرف ماما أنني ين أ شبع بالبح إلى درجق الك ايق فقا البحق‬
‫مني في صور شتى‪ ،‬بما فيها الصور األدبي !‬
‫ومنها صتي مع الدكتور برمدا الذي كان يدرسنا مادة الناائي في كلي الطب‪ ،‬فامعت منه بحق‬
‫استهواني جدا عن الجنين والتروي الدموي عنده؛ فنقشت في دماهي نقشا‪ ،‬ولم أكرر راء ها بعقد‬
‫ذلك‪ ،‬ولما جاء الاؤال في االمتحان كنت اعتمد كلي على ذاكر ي التي مقر عليهقا الشقهور ذوات‬
‫العدد‪ ،‬وأبدعت فيها‪ ،‬وكنت أكتب وكان لو م تو أمامي‪ ،‬أنقل منهقا مقا أشقاء مقن معلومقات‪.‬‬
‫وهي ن ن صتي مع مؤ مر بريوني في الك اءة مع الديكتا ورين ناصر و يتو‪.‬‬
‫وال أناى لك الحال من اال قاد العقلي بعد فحص البكالوريا؛ فقد بلغ بي الجهد مبلاه؛ فبقيت نائمقا‬
‫على هري صي ا لمدة شهر‪ ،‬نقاه من فرط التعب والمذاكرة‪ ،‬ولكن عقلي كان مثل صق كقابتن‬
‫فيو شر‪ ،‬فقرأت كتاق المواريق لقرواب لعجقي فقي يقوم وا قد‪ ،‬وهقو علقم صقعب فقانح ر فقي‬
‫الذاكرة‪ ،‬وما زلت أ ذكر منه القص الحماري ودينار من ورث ‪ 600‬دينار و ص اإلمام علي مقن‬
‫المواري مع من سأله عن ص المرأة وكيف يتاير بالعول!‪.‬‬
‫أما كتاق عندما اير العالم فقد التقطت منه بلذة وفهم المو عي المنطقيق ألرناقت مقا ‪ ،‬و صق‬
‫اكتشاف انون بندول الااع مع هاليلو في مجلن الكاهن ميرسين‪.‬‬

‫‪209‬‬
‫وما زلت أذكر مؤ مر برلين عقام ‪1975‬وأنقا منهمقك فقي اكتشقاف قوانين ديكقارت فقي التحليقل‬
‫الهندسي‪ ،‬وكيف أن كتابه المقال على المنهج ركني ماحورا تى اآلن‪ .‬أما كتابي آخر القرا لين‬
‫لمحي الدين سليع‪ ،‬عن مأساة إبادة شعب قاسي‪ ،‬وماأل اآلخقر عقن إبقادة شقعوق األمقريكيتين‬
‫لتزفيتان ودوروف فقد بقيت في ال الصدم أياما طويل ‪.‬‬
‫وأعظم منه لك الااع من الاطن المعرفي مع روي سبينوزا‪ ،‬في كتابه رسال في حاين العققل‬
‫التي بدأ ها باللا األلمانيق ‪ ،‬وهقو يطقري األسقئل القثالث أي الاقعادة الشقامل التقي ال اقور وال‬
‫تو ف وال نقطع عند اف ؟ اللذة فاجرة والشهوة مدمرة والمال م اد والشقهرة ققود إلقى القدمار‬
‫ولو بعد ين؟ إذا أين الاعادة التي متد فال نقطع و شمل فال ترك إال الظالل؟ إنهقا سقاعات مقن‬
‫أجمل ساعات العمر وأكثرها برك ‪.‬‬
‫كذلك أذكر ذلك االناياي والابا في كتاق عبد الاتار إبراهيم مع مدارب علقم القن ن‪ ،‬أو ذلقك‬
‫الخوف والتر ب مع كتاق اإلناان يبح عقن المعنقى ل يكتقور فرانكقل‪ ،‬أو ذلقك التقألع فقي فهقم‬
‫و ي الماجد عند النيهقوم‪ ،‬وو ي ق خطبق الجمعق المتو ق اليقا ق اقب رأيقه ق ‪ ،‬أو حليقل‬
‫الوردي عن الصراع االجتماعي ولماذا يرفض المجتمع التايير‪ ،‬أو كانط ولمقا يجقب رسقم خطق‬
‫للاالم األبدي؟‬
‫وال زلت أ ذكر أورا ي في المن ردة ي سجنت في كركون الشيخ اقن‪ ،‬وهنقاك عرفقت علقى‬
‫الجالد طحطوي الذي صد عذابات الناب‪ ،‬فكتبت ما فته علي من ‪ 34‬رسال رائع صودرت‬
‫بأكملها ين ال ر ‪ ،‬فاست دت من الدرب‪ ،‬وهربت أورا ي ين جاءنا اعتقال آخر أشد مرارة عام‬
‫م‪ 1973‬فتبت أصول كتابي الطب محراق لإليمان في جزئه الثاني‪ ،‬وهو اآلن موسوع ستطبعها‬
‫مؤسا عبيكان‪.‬‬
‫إنها أيم مليئ باأللم والكدي والكبد‪ ،‬ولكنها ر ل صعود الروي نحو المقدب‪ ،‬كمقا و قع الازالقي‬
‫كتابه؛ معار القدب في مدار معرف الن ن‪.‬‬
‫هذه العتب من لذة ال هم قرق معنى الجن وأناها‪ ،‬وو ش الحياة الدنيا وا طرابها‪ ،‬وأنها لياقت‬
‫مكانا أمنا بحال‪ .‬فنحن نمر ونلعف أو نشيخ ونهزل أو نارق ونعتقل ‪ ..‬تى نرجقع القى‬
‫فينبئنا بما كنا نعمل‪ ..‬د خار الذين كذبوا بلقاء وكانوا بآيا ه يجحدون‪.‬‬

‫‪210‬‬
‫حريق جيوردانو برونو‬
‫يضيء ندخا القر السابع عشر‬

‫فرد في نواجهة نجتمع‬


‫(جرد الرجا نن ثيابه ثم ربط لسانه وأحكم وثاقه وشد الى خازوق نن الحديد فوق ركام نن‬
‫الحطب وأحرق حيا ً على نشهد نن جمع غفير نتعظ) هكذا وفف المؤرخ اانريكي (ويا‬
‫ديورانت) في كتابه (قصة الحضارة) نهاية حياة نفكر‪.‬‬
‫كا ذلك قبا أربعة قرو في عام ‪ 1600‬م وفي يوم نوعود نن شهر فبراير القارس وقف‬
‫جمهور نحتشد فاغر الفم خائف‪ ،‬وهو يعاين نصير نن سمح لعقله بالتفكير ولسانه بالتعبير‪.‬‬
‫وكا رهط نن قضاة نحكمة التفتيش يراقبو سير العملية بدقة‪ ،‬وهم يشمو رائحة اللحم‬
‫المشوي‪ ،‬وتمتليء آذانهم بأنات االنسا المحترق‪ ،‬يصطلو بالنار ذات الوقود‪ ،‬إذ هم عليها‬
‫قعود‪ ،‬وهم على نايفعلو شهود‪ ،‬بإحراق رجا بتهمة االرتداد عن المسيحية‪.‬‬
‫كا المكا رونا‪ ،‬وكا اليوم ‪ 17‬فبراير‪ ،‬وكا نن أفدر الحكم هيئة قضاة نن نحكمة‬
‫التفتيش‪ ،‬وكا المتهم فيلسوف يقال له(جيوردانو برونو ‪.) GIORDANO BRUNO‬‬
‫وفي يوم السبت ‪ 19‬فبراير نن عام ‪ 1600‬م فدرت فحيفة ( آفيزي دي رونا ‪AVVISI‬‬
‫‪ ) DI ROMA‬بهذا الخبر ‪(( :‬يوم الخميس فباحا ً تم إحراق راهب دونينيكاني نجرم نن‬
‫(نوال) حيا ً‪ ،‬الذي أحطناكم علما ً عنه فيما سبق نن نشرات جريدتنا‪ ،‬إنه هرطيق عنيد للغاية ‪،‬‬
‫اختلق العديد نن اآلراء على هواه ضد عقائدنا‪ ،‬وخافة ضد نريم العذراء والقديسين‪ .‬هذا‬
‫الخبيث اختار بإفراره الموت الزؤام‪ ،‬وكا يقول أنني أنوت شهيدا ً وأنوت سعيدا ً ولسوف‬
‫تصعد روحي نن ألسنة النار علوا ً الى الجنة‪ .‬ولكنه اآل سيعلم ها نطق بالحقيقة وأي ننقلب‬
‫انقلب ؟ )‬
‫وبعد ‪ 289‬عانا ً في ‪ 9‬يوليو عام ‪ 1889‬م أقيم نصب في نفس نكا الحرق أعطي اسم (كانبو‬
‫دي فيوري ‪ )CAMPO DEI FIORI‬ويعني باللغة االيطالية (نعسكر النار) تخليدا ً لحرية‬
‫الفكر التي أطلقها الفيلسوف‪ ،‬بعد فراع نرير بين الكنيسة وحركة نن أتباعه رأت فيه شهيدا ً‬
‫للعلم وحرية الرأي‪ .‬ونن الملفت للنظر أ وقائع نحاكمات هذا الرجا المتعددة اختفت كما‬
‫دخلت يد التزوير الى بعضها الى درجة التشكيك في إحراق الرجا‪ ،‬كما أشار الى ذلك الكاتب‬
‫االماني ( يوخن كيرشهوف ‪ )JOCHEN KIRCHHOFF‬استاذ الفلسفة في جانعة‬
‫همبولدت (‪ )HUMBOLDT‬في برلين في كتابه عن برونو‪ ،‬والوثيقة الوحيدة التي ظهرت‬
‫للنور احتاجت قريب نن ثالث قرو حتى اطلع عليها الناس في عام ‪1889‬م‪.‬‬
‫كانت هذه الوثيقة تحكي زيارة جمعية (اخوا النبي يوحنا نقطوع الرأس) حيث تم إخبارهم في‬
‫الساعة الثانية فباحا ً أ هناك حفلة إعدام في اليوم التالي ستنفذ في رجا عاثر الحظ ‪ .‬وفي‬
‫الساعة السادسة نسا ًء اجتمع نفر نن رجال التلقين واالستتابة نع القسيس المعاو في كنيسة‬
‫القديسة (سا اورزوال ‪ )SAN ORSOLA‬ثم ذهبوا الى السجن في برج (نونا ‪)NONA‬‬
‫وأدوا هناك الصلوات المعتادة للمحكوم باالعدام (جيوردانو برونو ابن المتوفى جيوفاني برونو)‬
‫وهو أخ ننشق عن الكنيسة نن (نوال) وهرطيق نكابر عنيد‪.‬‬
‫جاء في الوثيقة‪(:‬لقد وعظه ااخوة بكا حب‪ ،‬وناشده بالتوبة والتبرء نن آراءه اثنا نن آباء‬
‫الدونينيكا ‪ ،‬واثنا نن الجزويت‪ ،‬واثنا نن الكنيسة الجديدة‪ ،‬وكذلك اثنا نن كنيسة القديس‬
‫(هيرونيموس ‪ .)HIERONYMUS‬وأظهروا له بحماس كبير واطالع واسع خطأه الكبير‪،‬‬

‫‪211‬‬
‫ولكنه أفر على نوقفه حتى النهاية‪ ،‬واستمر سادرا ً في حماقاته‪ ،‬ولوى عنقه واستكبر‬
‫استكبارا‪ ،‬ولم يزده دعائنا اال فرارا‪ ،‬وأضاع رشده بآالف ااخطاء)‬
‫نعم ‪ ..‬لم يلين وال نرة واحدة‪ .‬أخيرا ً اقتاده حرس المحكمة الى نكا الحريق؛ فخلعوا عنه‬
‫نالبسه‪ ،‬وأوثقوه الى عمود غليظ ‪ ،‬وأحرقوه حياً! واثناء هذا وفي كا الوقت كا أخوتنا‬
‫يرافقونه وهم يترنمو بااناشيد الدينية‪ ،‬وكا رجال االستتابة حتى الرنق ااخير يحاولو‬
‫عبثا ً أ يثنوه عن نوقفه ويكسروا جدار عناده بدو جدوى‪ ،‬حتى سلَّم روحه البائسة‬
‫المشؤونة الى بارئها‪.‬‬
‫احتفلت الكنيسة بعد الحريق في ذلك العام كعيد للمسيحية في انتصارها على الهراطقة وتطهير‬
‫اارض ننهم‪ ،‬وكا حريق (برونو) استعراضا ً رائعا ً لجبروت الكنيسة وقسوة أحكانها ضد‬
‫المرتدين‪ ،‬كما كا هذا الدرس المؤلم عظة وعبرة لمن تسول له نفسه االرتداد عن عقيدتها‪.‬‬
‫وكا قد اجتمع خمسو نن كبار الكرادلة لهذا االحتفال البهيج بحرق (نلك الهراطقة!) الذي‬
‫ساح في نصف أوربا ينشر زندقته‪ ،‬واجتمع نعهم قطيع بشري هائا يتمتع برؤية النار تلتهم‬
‫جسد هذا (المجرم) حسب تعبيرهم ‪.‬‬
‫يروي شهود عيا أ عالنات التعذيب كانت واضحة على برونو قبا الحريق ‪((:‬كا نمتقع‬
‫اللو شاحبا ً قد بدا عليه الهزال بسبب النزيف المتكرر‪ ،‬الذي تعرض له تحت آلة التعذيب‬
‫الجهنمية المعروفة في ذلك العصر‪ .‬كانت يداه نتدليتا بدو حياة‪ ،‬وكانت نفافله نخلوعة‪،‬‬
‫وعندنا (شبحوه ) على آلة الموت كانت اآلثار بادية عليه في نناطق انقلع عنها اللحم فبا‬
‫العظم)‪.‬‬
‫إ المرء ال يحتاج الى االغراق في التخيا لتصور هذه المسرحية المقبضة للروح والفصا‬
‫المظلم والمخجا نن تاريخ إجرام الكنيسة ونحاكم التفتيش‪.‬‬
‫وبعد ‪ 400‬عانا ً في ‪ 17‬فبراير نن ندخا االفية الثالثة عام ‪ 2000‬م احتشد جمع غفير هذه‬
‫المرة في المكا على شكا نظاهرة اعادة احياء ذكرى هذا الرجا الذي جاء نن أقصى المدينة‬
‫يسعى يواجه الكنيسة وكا الفكر الظالني‪.‬‬
‫إ نا حدث لم يكن واقعة فريدة شاذة في أوربا‪ ،‬با كانت ظاهرة اجتماعية نتكررة‪ ،‬يكاد‬
‫اليصدقها االنسا لوال رواية التاريخ‪ .‬نن هنا كانت قراءة التاريخ نهمة لمعرفة تطور المجتمع‬
‫االنساني‪ ،‬وأ عصر الظلمات العربي الحالي الذي نستحم في نستنقعه الى شحوم اآلذا ‪،‬‬
‫ويطوقنا كالقدر المنحوس‪ ،‬ونحن نستقبا االفية الثالثة‪ ،‬ليس جديدا ً في تاريخ االنسا ‪ .‬إ‬
‫نحاكم التفتيش انتقا نوضعها بعكس حركة الشمس نن الغرب لتتوطن في الشرق نثا انتقال‬
‫اانراض‪ ،‬واندثرت نن المركز لكنها نازالت ناشطة في ااطراف ‪.‬‬
‫لقد غربت عند الغرب شمس هذه المآسي‪ ،‬ولكن شمسها نازالت تسطع عندنا بأشد قوتها في‬
‫دلوكها ونايزال أناننا الطويا نن نسيرة العذاب حتى نصا غسق الليا؛ فمازلنا نعيش عصر‬
‫نحاكم التفتيش قد احتجزنا في نربع الزنن عند العام ‪ 1420‬نيالدي وليس الهجري في تخلف‬
‫خمسة قرو كانلة‪.‬‬
‫إ القرآ ذكر نموذجين لوقوف رجا واحد في وجه الطوفا يفكر باستقاللية ويتحدى القطيع‬
‫االنساني المتواطيء على الخطأ بغير علم وال هدى وال كتاب ننير‪.‬‬
‫إ القرآ بنى فلسفته كلها على (المسؤولية الفردية) والحساب يوم القيانة فردي وكلهم آتيه‬
‫يوم القيانة فردا (لقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول نرة) فلو جنَّ كا الناس فصفقوا وألَّهوا‬
‫فردا ً ننهم فليس نبررا ً أ ينساق الفرد نع القطيع الضال‪ ،‬ولو أنحرف كا الناس فيجب أ‬
‫يعتزلهم الفرد ونايعبدو نن دو هللا‪ .‬وعندنا شعر بعض الفتيا أ الحياة تسممت في‬
‫نجتمعهم آثروا أ ينهوا حياتهم سعيدين في كهف بارد نظلم بعيدا ً عن نجتمع تحول الى قطيع‬
‫هائم على وجهه يطيع ساداته وكبراءه فأضلوه السبيال‪ .‬وهذا نافعله برونو نع كا الفرق‬
‫وااحزاب التي تواطأت على الخطأ فآثر الموت على الضالل‪.‬‬

‫‪212‬‬
‫إ الجنس البشري يتقدم ببطء ونعاناة بفضا هذه النماذج االنسانية المتألقة كمنارات فبهداهم‬
‫اقتده‪.‬‬
‫ذكر القرآ نموذج رجا سورة ياسين حين أدلى بشهادته نتحديا ً كا المخاوف ولم يحدد لنا‬
‫القرآ أ نهايته كانت القتا سوى أنه خوطب ( قيا ادخا الجنة قال ياليت قوني يعلمو بما‬
‫غفر لي ربي)‪ .‬وذكر نموذجا ثانيا وقف أنام كا ضغط الحضارة الفرعونية ليعترض على‬
‫نحاولة قتا نوسى (عليه السالم) آلراءه؛ فاليقتا االنسا نن أجا آراءه نهما كانت ولكن‬
‫يعاقب على فعا ضار فعله‪ ،‬ونوسى لم يفعا أكثر نن نواجهة حضارة نريضة بأفكار فحية‪.‬‬
‫ويعقب القرآ على نصيره ( فوقاه هللا سيئآت نانكروا وحاق بآل فرعو سوء العذاب)‪.‬‬
‫وتعيد نجلة ( در شبيجا ‪ )DER SPIEGEL‬االمانية فتح نلف هذا الرجا الذي لم تبرد‬
‫حوله بعد ألسنة اللهب تحت عنوا (تحالف غير نقدس)‪ ،‬وتعني عمق االشكالية التي طرحها‬
‫في وجه الكنيسة والعلم نعاً‪ ،‬بتصوره كونا ً النهائيا ً يعج بالحياة‪ .‬وفي الوقت الذي أعادت‬
‫الكنيسة االعتبار لغاليلو عام ‪ 1992‬م فإ هذا الرجا (العاففة) لم تعيد الكنيسة تأهيله حتى‬
‫اليوم‪ .‬كما أ كتبه كانت على رأس قائمة الكتب المحظورة وبقيت نمنوعة النشر والتداول‬
‫بقرار كنسي لفترة ‪ 362‬عانا ً نن عام ‪ 1603‬حتى رفع عنها الحظر عام ‪1965‬م!‪.‬‬
‫يروي لنا التاريخ أ حرق النساء كا أكثر نن الرجال في التاريخ ااوربي‪ ،‬وحسب‬
‫االحصائيات التي ذكرتها نجلة الشبيجا االمانية قفز الرقم الى خانة فلكية بحرق نليو انسا‬
‫نعظمهن نساء بتهمة السحر‪ ،‬ونن هؤالء ( جا دارك ‪ ) JEANNE d,Arc‬التي تمت‬
‫نحاكمتها بين ‪ 21‬فبراير و‪ 30‬نايو نن عام ‪ 1431‬م نن (نحكمة التفتيش) االنكليزية بحضور‬
‫ستين نن القضاة ورجال الدين‪ ،‬وتضمنت التهمة نااليقا عن ‪ 70‬نقطة‪ ،‬ننها نزاولة السحر‪،‬‬
‫وعدم قبول حكم البابا فليس لها نن قاض اال هللا‪ ،‬والل ( الجرأة ) نن فتاة في التاسعة عشر نن‬
‫العمر!‬
‫كانت جا دارك تؤكد للمحكمة إيمانها العميق بالخالق والمسيحية‪ ،‬ولكن كا هذا لم يشفع لها‪،‬‬
‫وفي ‪ 7‬يوليو تم حرقها على قيد الحياة‪ ،‬وتنبأ كاتب انجليزي نرنوق بحكم التاريخ باكيا ً فقال‬
‫(قضي علينا لقد أحرقنا قديسة)‪ ،‬وبعد ‪ 464‬عانا ً في عام ‪ 1920‬م اعتبر البابا (بيندكت‬
‫الخانس عشر) جا دارك قديسة‪.‬‬

‫ثمن حرية الرأي‬


‫اليمكن واليعقا أ يواجه فرد نجتمعا ً وفي أخطر أفكاره نالم يكن واحدا ً نن اثنين نجنو أو‬
‫قديس‪ ،‬وهما عا كا حال قطبا نتقاربا بين الجنو والعبقرية‪ ،‬ولم يكن غريبا ً أ اتهم‬
‫عزل في وجه كا التيار االجتماعي المعاكس‪ ،‬وهذا‬ ‫االنبياء أنهم نجانين‪ ،‬عندنا وقفوا فرادى َّ‬
‫نافعله الفيلسوف االيطالي (جيوردانو برونو) بالضبط في نطلع القر السابع عشر‪ ،‬ولكنه دفع‬
‫الثمن غاليا ً نن حياته‪ ،‬ولم يكن هناك نفر‪ ،‬وهذه هي حركة التقدم في التاريخ‪ ،‬فلم تكن أوربا‬
‫لتتقدم اال على جسر نن حرية الفكر فوق طوفا عارم نن الظالنية والتعصب والخرافة‪ .‬حريق‬
‫(برونو) هو يوم الفرقا بين عهدين في أوربا فمن حمم ألسنة اللهب ولدت أوربا خلقا ً جديدا ً‬
‫ونشأة نستحدثة‪ ،‬فمن طينه فارت جوهرا‪ ،‬ونن رناد برونو شيد كونا آخرا‪ ،‬وكا ناننعم به‬
‫اليوم نن ثورة (االنفونيديا‪ ()INFOMEDIA‬المعلونات واالتصاالت واالعالم ) هو نن ذلك‬
‫روع العالم‪ ،‬وفتح الطريق للعقالنية وتوديع الفكر الكنسي الى غير رجعة‪.‬‬
‫الحريق الهائا الذي َّ‬
‫ولد برونو عام ‪ 1548‬م في (نوال ‪ )NOLA‬على بعد ‪ 16‬نيالً نن (نابولي) وفي عام ‪ 1572‬م‬
‫رسم في دير الدونينيكا كاهناً‪ ،‬ولكنه اثناء نكثه في الدير كا قد التهم المكتبة بما حوت نن‬
‫نؤلفات عربية نترجمة الى الالتينية وتأثر بابن رشد وابن سينا والفيلسوف اليهودي ابن‬
‫جابيرول وسحر بافالطو والفلسفة اليونانية وافتتن بمذهب ديموقريطس الذري الذي تابعه‬

‫‪213‬‬
‫ابيقور‪ ،‬وفي عام ‪ 1576‬م كا قد تسربت الشكوك الى قلبه بما فيه الكفاية فخلع بعد ‪ 11‬عانا ً‬
‫لباس الرهبنة واختفى عن اانظار‪ ،‬بعد أ أعلن شكوكه في فكرة الوهية المسيح والتثليث‬
‫والقربا والتجسد ( فكيف يمكن أ يكو هناك ثالثة آلهة في واحد) و(كيف يتحول الخمر‬
‫والخبز الى جسد المسيح ودنه؟) كما أعلن ثورته على الفكر السكوالستي (المدرسي) وفكر‬
‫أرسطو‪.‬‬
‫إ ثورة برونو الفكرية سبقت (فولتير) بقرنين وهذا قدر كثير نن المفكرين الذين يسبقو‬
‫أفكار عصرهم‪ .‬بعد ذلك تابع برونو ولفترة ‪ 16‬عانا ً تجواالً في أوربا اليعرف االستقرار‬
‫والراحة لعقا نتمرد على العصر يطرح اسئلة نزعجة ويثير تساؤالت عن قضايا جذرية‪ .‬فانتقا‬
‫الى (البندقية) ثم (بادوا ‪ )PADUA‬في ايطاليا‪ ،‬ثم عبر االلب الى سويسرا وحاول أ يتقرب‬
‫نن المدرسة (الكالفينية) فكا نثله كالمستجير نن الرنضاء بالنار ونار التعصب واحدة عند‬
‫الفريقين‪ ،‬وحالما فتح فمه بالنقد تم القاء القبض على نن طبع أفكاره ونثا أنام نحكمة‬
‫الكنيسة؛ فهرب نن هناك الى فرنسا عام ‪ 1581‬م طمعا ً بظا عابر نن التسانح الديني بين‬
‫الكاثوليك والبروتستانت‪ ،‬وأعجب به الملك الفرنسي هنري الثالث لمعرفته بطرق تقوية‬
‫الذاكرة‪ ،‬ثم غادر فرنسا بعد عانين في ‪ 1582‬وهو يصف الوسط الفكري‪(:‬سترو فوضى‬
‫نشوشة ونتفا ً نن النشالين‪ ،‬وألوانا ً نن الزيف والخداع‪ ،‬ونغانرات ااوغاد‪،‬والقرارات‬
‫الحمقاء‪ ،‬واآلنال المشلولة‪ ،‬والصدقات الشحيحة‪ ،‬والرجال المخنثين‪ ،‬والسرطانات الروحية‪،‬‬
‫واافكار الهزيلة‪ ،‬وحب الذهب في كا نكا ) ثم وقَّع على روايته الكونيدية التي حملت عنوا‬
‫(حانا المشعا) والتي ضمنها هذه االفاظ النارية ‪( :‬برونو المتخرج نن اكاديمية االزعاج)‪.‬‬
‫وفي عام ‪ 1583‬تخلص ننه هنري الثالث فأوفى به لسفيره في لند حيث اجتمع برونو هناك‬
‫بألمع عقول العصر نن أنثال (ارلي ليستر) و (ادنوند سبنسر) و (جبراييا هارفي) وكا‬
‫اجتماعه نع الملكة اليزابيث ااولى لعنة عليه إلنها كانت نن النقاط التي أخذتها عليه نحكمة‬
‫التفتيش باالتصال بالهراطقة (الكفار) البروتستانت‪ .‬وعندنا غادر بريطانيا كا تعليقه على‬
‫نظام التعليم في جانعة اوكسفورد أنه‪(:‬أرنلة التعليم الصحيح وأنه ‪:‬نجموعة نن الجها‬
‫المتحذلق العنيد انتزجت بفظاظة خرقاء يمكن أ ينفد نعها فبر أيوب)‪ .‬وفي عام ‪ 1585‬قفا‬
‫راجعا ً الى فرنسا فحاضر في السوربو ولكن أنصار أرسطو كانوا له بالمرفاد فتابع رحيله في‬
‫هذا الجو الخانق الى المانيا عسى أ يجد فيها نتنفساً‪ .‬وبين (ناربورج ‪)MARBURG‬‬
‫وجانعة لوثر في (ويتنبرغ ‪ )WITTENBERG‬قضى عانين ولكن الهوت رجال االفالح لم‬
‫يتفق نعهم نما جعله يهرب نن جديد الى (براغ) عافمة جمهورية التشيك الحديثة‪ ،‬ولكنه نع‬
‫تدريسه في جانعة (هلمستد ‪ )HELMSTEDT‬في برونزويك فاحت آراءه الخطيرة نن جديد‬
‫فاتهمه رئيس الكنيسة اللوثرية بالتجديف و (أفدر قرارا ً بحرنانه نن الكنيسة) نما اضطره‬
‫الى حزم حقائبه نن جديد واللجوء الى فرانكفورت وزيوريخ عام ‪ 1591‬قبا اعتقاله في ايطاليا‬
‫بعام واحد‪ .‬ثم شده الحنين الى جو إيطاليا الدافيء ونراتع الطفولة ولكي يأنن على نفسه اختار‬
‫( البندقية) التي اشتهرت بحماية المارقين على الكنيسة واختار رجالً نن عائلة عريقة هو‬
‫(جيوفاني نوسنيجو ‪ )GIOVANNI MOCENIGO‬الذي كا يريد ننه تعلم طرق تقوية‬
‫الذاكرة وكانت سمعة برونو أنه نليء باالسرار والتجارب‪ ،‬ولكن المضيف أراد تبرئة ذنته نن‬
‫اافكار الخطيرة التي كانت تتناثر نن شدق هذا الفيلسوف الثرثار قليا الحذر فاعترف لكاهنه‬
‫بذلك‪ ،‬فأوفاه بتبليغ نحكمة التفتيش عنه‪ ،‬فهذه أنور اليسكت عنها ويجب التقرب بدنه الى‬
‫هللا‪ ،‬وكانت نحكمة التفتيش قد أفدرت نرسونا ً بألقاء القبض عليه بأ يؤخذ ( نوجودا ً ) نن‬
‫الحدود‪ .‬وفي ‪ 23‬نايو ‪ 1592‬تم القاء القبض عليه‪ ،‬وبين عاني ‪ 1592‬و‪ 1600‬م حقق نعه‬
‫العديد نن المرات وكانت نحكمة التفتيش حريصة أ تهمله لفترات طويلة لتحطيم نعنوياته‬
‫واذالله ولم يسمح له بالورق والقلم اال بعد ستة سنوات نن اعتقاله وفي دفاعه عن نفسه كا‬
‫يؤكد أ لجنة التحقيق تتعمد افطياده بجما ننتقاة بعناية ننتزعة نن سياقها في حرص على‬
‫إدانته‪ ،‬وقبا بسذاجة بأنه يرضى نايحكم به البابا‪ ،‬ولكن (كليمنت الثانن ) البابا وقتها وهيئة‬

‫‪214‬‬
‫نحكمة التفتيش ادانته بثماني جما نن الهرطقة الخالصة التي هي نعلونة نن أفول المسيحية‬
‫بالضرورة واليتجادل عليها اثنا ‪ ،‬وأخيرا ً أنر البابا بالفصا في نوضوعه فاستدعاه المحققو‬
‫في ‪ 8‬فبراير نن عام ‪ 1600‬م ووعظوه نن جديد أ يبدي الندم ويتوب توبة خالصة ويتراجع‬
‫عن آراءه الضاللية الضارة فقد كانت ثمانية أعوام نن االذالل والتحقيق كافية للتراجع! وأنه‬
‫ارتضى حكم البابا وأ البابا اعتبره نارقا ً وأ المتهم نازال نصرا على هرطقته سائرا ً في غيه‬
‫عنيدا نكابرا ً ونن ثم فدر الحكم بإحالته الى المحكمة المدنية الى حاكم رونا ‪( ...‬الحاضر هنا‬
‫ليقرر العقوبة التي تستحقها ولو أننا نرجو جادين أ يخفف نن فرانة القوانين بالنسبة لما‬
‫تعانيه نن آالم واال يكو جزاؤك االعدام أو بتر ااعضاء) كما جاء في كتاب قصة الحضارة‬
‫لديورانت‪.‬‬
‫وقَّع على الحكم في النهاية ثمانية كرادلة وكانت بالحرق حيا ً ‪ .‬وبعد تسعة أيام نفذ الحكم ‪ .‬برنو‬
‫وهو يستقبا الموت كا يرى الوجود‪(:‬إنها وحدة تسحرني فأنا بقوة هذه الوحدة حر ولو كنت‬
‫نستعبدا‪ ،‬سعيد في غمرة الحز ‪ ،‬غني في حمأة الفقر‪ ،‬حي حتى في الموت‪ ..‬إني وأنا خاضع‬
‫لهذا القانو وبرغم أني أقاسي أجد العزاء في التحقق أ شر الجزء يصبح غير ذي نعنى في‬
‫المشهد العام للكا ‪ ...‬ونن ثم تكو نعرفة الوحدة ااسمى هي هدف العلم والفلسفة) وعندنا‬
‫تلى نجلس الكرادلة عليه الحكم قذف في وجههم عبارته المشهورة‪ (:‬ربما كنتم يانن نطقتم‬
‫الحكم بإعداني أشد جزعا ً وخشية نني أنا الذي تلقيته)‪.‬‬
‫يشكا ( برونو) جسرا ً بين بواكير النهضة العقلية في أوربا التي أطلقها أناس نتمردو‬
‫نن نموذج (روجر بيكو ‪ )1293 - 1210‬وتكللت في النهاية باالنفتاح العلمي وبناء المنهج‬
‫العقلي النقدي كما جاء في قانو تأسيس (الجمعية الملكية العلمية) في بريطانيا‪ .‬أنا بيكو فقد‬
‫كانت حياته كما وففها المؤرخ البريطاني (ويلز ‪ ) H.G. WELLS‬في كتابه (نعالم تاريخ‬
‫االنسانية)‪(:‬كانت حياة بيكو نأساة ذهنية) ‪ ،‬ولكن ألمع ناعرف به الرجا عندنا ش َّهر بأسباب‬
‫أربعة للجها دفع ثمنها سجنا ً طويالً ‪ (:‬احترام السلطة‪ ،‬والعرف والعادة‪ ،‬وروح الجمهور‬
‫الجاها‪ ،‬وناعليه نيولنا نن عدم قابلية للتعلم تتسم بالغرور والكبرياء‪ ،‬فلو تغلب الناس على‬
‫هذه وحدها النفتح أنانهم عالم نن القوة)‪ .‬ولم يضع رناد برونو سدى فقد ساهم في دفع‬
‫الروح ااوربية الجدية ونطالع عن تأسيس الجمعية الملكية العلمية بلند الذي فدر بموجب‬
‫نرسوم نلكي نن شارل الثاني عام ‪ 1662‬م ‪ ،‬وتبني المنهج العلمي الذي ينص على سبعة‬
‫فقرات ‪ 1:‬ل اال يفترض أي فرض الضرورة له ‪ 2.‬ل أال يقبا أي خبر أو بيا نن غير تحقيقه ‪3.‬‬
‫ل أ تختبر كا ااشياء بأشد قدرة نستطاعة ‪ 4 .‬ل أال يحتفظ بأي أسرار ‪ 5 .‬ل أال يحاول أحد أي‬
‫احتكار ‪ 6 .‬ل وأ يقدم االنسا خير نالديه في تواضع ووضوح ‪ 7 .‬ل وأال يخدم أية غاية أخرى‬
‫غير المعرفة ‪.‬‬
‫يناقش استاذ الفلسفة (كيرشهوف ‪ ) KIRCHHOFF‬في نقالة نشرتها ( نجلة‬
‫الشبيجا االمانية عدد ‪ 7‬نن عام ‪ )2000‬سبب إفرار الكنيسة على إحراقه ليصا الى بللورة‬
‫عدة نقاط جديرة بالذكر في ذكرى حرقه بعد أربعة قرو وأهمها أ الكنيسة أعادت االعتبار‬
‫لغاليلو عام ‪ 1992‬في الحين الذي لم يتزحزح نوقفها نن برونو العتبار جوهري هو أنه تناول‬
‫قضية عقائدية تمس فلب المسيحية‪ ،‬والتهاو فيها يعني تبخر كا العقيدة التي عملت الكنيسة‬
‫على ترسيخها عبر القرو نن (الوهية المسيح)‪ ،‬وأنه أرسا لألرض للفداء على شكا‬
‫(ناسوت)‪ .‬نع عدم وجود نص واحد يتيم في كا ااناجيا ااربعة يفيد بفكرة ااقانيم الثالثة‬
‫فضالً عن ألوهية المسيح بذلك‪ .‬كا ناذكره االنجيا كما يقول المؤرخ ( ويلز) كا تعليمات‬
‫بسيطة يشار له بكلمة( نعلم) ‪ .‬في الوقت الذي تتحول فيه الكنيسة الى كهنوت ثقيا بألبسة‬
‫خافة وتدشين طبقة رجال دين لم يات بها دين‪ ،‬ورهبانية ابتدعوها ناكتبها هللا عليهم‪،‬‬
‫وعزوبية ضد الطبيعة تؤدي الى تعفن خلقي وشذوذ في النظرة الى المرأة أنها نصدر الفتنة‬
‫والشيطا ‪ ،‬ويجلس البابا في سدته نن تعيينه حتى الممات في شيخوخة نستفحلة‪.‬‬
‫ويستعرض المؤرخ اانريكي (ديورانت) هذه المشكلة على النحو التالي‪ :‬إ برونو رأى أ‬

‫‪215‬‬
‫العالم النهائي وأ النجوم شموس تتحرك وأ الفضاء والزنن والحركة كلها أنور نسبية‪،‬‬
‫وربما كانت هناك كواكب كثيرة تسكنها كائنات ذكية فها نات المسيح نن أجلهم كذلك؟‪.‬‬
‫اليمكن فهم جريمة إحراق (برونو) بدو فهم الجو الذي عاش فيه نن بطش الكنيسة ونحاكم‬
‫التفتيش والقبض على الماليين على الشبهة‪ ،‬ووضعهم تحت أدوات تعذيب جهنمية لالعتراف‬
‫في وسائا نعترف بها نبررة قانونياً‪ .‬وهو نانعيشه نحن اليوم في العالم العربي نن تعريض‬
‫كا‬ ‫االنسا للتعذيب نما يجعلنا نوقن أننا نعيش عصر نحاكم التفتيش بأسماء جديدة ‪.‬‬
‫قطع االلسنة وارد وعندنا تقدم أحد المحكونين بالحرق بالرحمة به بقتله قبا الحرق نن الملك‬
‫االسباني (فيليب) الذي كا يشهد حفلة حرق العشرات نن الهراطقة في بلدة ( الوليد) رفض‬
‫طلبه وهلا له الجمهور أنه حاكم تقي التاخذه في هللا لونة الئم!‬
‫إ عصر بر د ك ك رث بكل عدى منكل ف ن ع يعصف يفرغ قد ً ب ك لا‬
‫وك دا ‪ ،‬منلر ب ممهلي منقيدي على اشقه ‪ ،‬فبي ع د (‪ 1562‬ي ‪ ) 1598‬عصفت بفردو‬
‫ث دد لر ب قيدي بي منبر توت دت منك ث نيك فد ع م ‪ 1572‬م ملتفل منك ث نيك منفردويي‬
‫منقرمبي‬ ‫بعيق منققيس ( برت ن ي س ‪ )BARTHOLOMAEUS‬بتققيم ثالثي انف‬
‫خص ام منايج د ت (منفبر توت دت) ذبح دام فق فد ب ريس ثالث آوف بيدام‬ ‫منبشري‬
‫ا ف ل رضع دو ء انقيت بجثثام فد دار منوي ‪ .‬إ ت ريخ من ذمبح منقيدي ف يع نقق تع ل‬
‫منا ج من ت لشي كأدام اتب ع‬ ‫فرق منكد تس فد منت ريخ ب ه اشق‬ ‫اتب ع ممقي‬
‫ب ن ويليي‬ ‫نيس مودبي ء‪ .‬عدق يق ر ( يل قي رمدت) من ؤرخ ب ش ر‬ ‫منشي ي‬
‫ب ش منكديو ب ن رتقي يعتبر ا ر ك دت ارلم ع ا منت ريخ شاق نر ادا ك دت‬
‫ع م ‪ 1227‬منى‬ ‫ف تل ً ويرلم‪ ( .‬إذم مزد بي مض ا ق من ويليي نلض ني فد ا رب‬
‫نل ويليي فد منثالث قر مم نى بعق من ويح لك د‬ ‫‪ 1492‬م بي مض ا ق منر‬
‫ذنك ‪ ...‬دلكم عليا بأدا اشدع من ص ت فد‬ ‫ف رد بأ هذم اخف أة اكثر رل‬
‫من ل ش)‬ ‫وجل منبشري كله‪ ،‬بأدا تكشف ع لشي ودعرف نا د يرم ً عدق اي لش‬

‫لقث فد ت ريخ منكديو وي ك منوك ت عده بل ل ‪.‬‬ ‫ل كم منتفتيش ‪...‬إ‬ ‫ت ريخ منكديو‬
‫إده ع ر كبير منذي لقث ‪ .‬كيف ي ك ا تتم مدتا ك ت ص رخ نلق ق مودو ‪ ،‬على هذه‬
‫من لشي ب وم منقي لف منعقيقة ؟ كيف ي ك نالدو ا يوكت ع هذه‬ ‫منص رة‬
‫ل كم تفتيش تصب منعذمب على‬ ‫رو منعدف فد ص رة لر ب قيدي تش‬ ‫ممن م‬
‫فعلته ل كم تفتيش منعص ر من و ك منت ايق منفعلد نقي م‬ ‫؟ إ‬ ‫منبشر ب وم موي‬
‫د ذج‬ ‫(ت ت نيت ري ‪ )TOTALITARISM‬فد منقر منعشري اد تا منق عي‬ ‫اد‬
‫جا ز مووتخب رمت مني (‪ ) K.G.B.‬منشي عد‬ ‫(منجوت ب ‪ )GESTAPO‬مند زي‬
‫(‪ )STASI‬موتخب رمت ان دي منشرقي منو بق قبل مداي ر مند م منشي عد‪.‬‬
‫هذا اإلعال المثير لم ينطق به خصم للكنيسة ‪ .‬لم يصرح به شيخ اازهر ‪ .‬لم يقا به نلحد‬
‫غربي أو شرقي نعادي للمسيحية والكثلكة ‪ .‬هذا التصريح العجيب قال به رأس الكنيسة‬
‫الكاثوليكية ‪ ،‬البابا البولوني ( كارول فويتايال ‪ ) KAROL WOJTYLA‬يوحنا بولس‬
‫الثاني ( ‪ ) PAUL II‬هكذا فرح واعترف البابا الجديد في عام ‪ 1994‬م ‪ :‬على الكنيسة‬
‫وبمبادرة ذاتية استعدادا ً لدخول القر الجديد أ تعيد فحص الزوايا المظلمة نن تاريخها ‪،‬‬
‫وتقيمها على ضوء البشارة النبوية وأعمال اانبياء ( ‪. ) EVANGELIUM‬‬
‫نحاكم التفتيش (‪ )INQUISITION‬أسسها البابا (انوسنس الرابع ‪) INNOZENZ IV‬‬
‫عام ‪ 1252‬م وبقيت تعما لمدة خمسة قرو ‪ ،‬أرسلت خاللها الى المحرقة نليو انرأة ‪ ،‬ننها‬
‫والدة الفلكي المشهور (كبلر ‪ )KEPPLER‬الذي أنقذها بإعجوبة‪ ،‬ويوفا الفيلسوف‬
‫الفرنسي (فولتير) أرقام نن ناتوا تحت اآللة الجهنمية لتعذيب نحاكم التفتيش بعشرة ناليين‪.‬‬
‫كم بلغت كثرة الضحايا؟‬

‫‪216‬‬
‫قدر أنين نحكمة التفتيش بين عاني ‪ 1889‬و‪( 1801‬خوا ليورنت) بأ عدد الضحايا الذين‬
‫أحرقوا بين عاني (‪ 1480‬ل ‪ )1488‬قدر بل ‪ 31912‬أنسا وأ نن وضعت عليه عقوبات‬
‫فارنة بلغوا (ا‪ )291494‬شخصا ً ‪ .‬ولم يقف اانر عند االعدانات والعقوبات با خلقت نحاكم‬
‫التفتيش جوا ً نن الرعب اليطاق‪ .‬يقول ديورانت (والتصور االحصائيات أيا ً كانت الفزع الذي‬
‫عاش فيه العقا االسباني في تلك اايام والليالي‪ .‬فقد كا الرجال والنساء حتى في ستر‬
‫ننازلهم‪ ،‬أ يرقبوا كا كلمة يتلفظو بها حتى اليؤدي بهم نقد عارض الى سجن نحكمة‬
‫التفتيش ‪ .‬لقد كا ضغطا ً عقليا ً النظير له في التاريخ) ‪.‬‬
‫لقد نجحت نحاكم التفتيش نن تطهير المجتمع نن الرأي المخالف وبناء رأي أحادي تمانا ً كما‬
‫في بناء الطرق السريعة باتجاه واحد الرجعة فيه‪ .‬ولكن ها تبني الشركات السيارات بدو قدرة‬
‫رجوع الى الخلف بحيث تنحشر في الكاراج فإذا دخلت لم تخرج‪ .‬كذلك كا نصير اسبانيا فقد‬
‫دلفت الى البوابة الخلفية اوربا وهبطت الى الحضيض‪ .‬يعقب ديورانت على ناحدث نن جرائم‬
‫نحاكم التفتيش‪( :‬ولكنها تبدت لنا اآل أكبر جريمة التغتفر نن الجرائم التاريخية‪ .‬ذلك إل‬
‫عقيدة سائدة التنازع عدو نهلك للعقا االنساني)‬
‫إ برونو كا شهيد (حرية الفكر) أكثر نن بناءه فلسفة ننهجية نتماسكة‪ ،‬وإذا كا المقصود‬
‫بالفلسفة الرؤية الهادئة المنظمة لالشياء (وفقا ً لعالقاتها وأهميتها النسبية والقدرة على‬
‫االحاطة بكا الجوانب والتسانح نع كا وجهات النظر المختلفة فإ برونو على هذا االساس لم‬
‫يكن فيلسوفاً) ‪.‬‬
‫وجه برونو نقدا ً الذعا ً للكنيسة والفكر السائد ولم يتورع عن استخدام الفاظٍ استفزازية للغاية‬
‫عن نظام التلقين السائد في زننه نن حجم (حاولوا أ تكونوا حميرا أيها الرجال‪ ..‬حتى تسيروا‬
‫الى المكانة التي اليمكن بلوغها بالمعرفة والجهد با بالتقليد والتلقين) ولكنه لم يدرك أنه‬
‫سابق لعصره بقرو ‪ ،‬أو أنه بكلمة ادق يشق الطريق الى والدة أوربا جديدة عندها قدرة ا‬
‫تنتقد حكوناتها كما فعلت أنريكا نع رئيسها (كلينتو ) عندنا شاهد الماليين في انريكا والعالم‬
‫كيف شد القضاء أعظم شخصية سياسية للمساءلة والمحاسبة‪ ،‬وأنه التوجد شخصية نهما‬
‫كانت قوية خارج النقد ودو الخطأ‪ ،‬فلم يعد الحكام آلهة اليسأل أحدهم عما يفعا وهم يسألو‬
‫كا نن تحتهم نن العبيد‪ ،‬وقفز بذلك الغرب الى نصف التوحيد عندنا حطم أوثا السياسة‪،‬‬
‫وفعلت نجلة (الشبيجا) نع نفس العدد نفس الشيء الذي ظهرت فيه قصة برونو وهي تصف‬
‫الحكونة االمانية بأ ألمانيا أفبحت ( في بالد الكذب ‪) IM LANDE DER LUEGEN‬‬
‫بدو أ يخاف المحرر على أفابعه أ تهشم قبا تحطيم جمجمته‪ ،‬وعلى ففحة الغالف‬
‫الرئيسية رسوم كاريكاتورية لستة نن أعظم أدنغة المانيا السياسية ونعهم المستشار االماني‬
‫(كول) الذي أنجز أعظم ااعمال عملقة في تاريخ المانيا الحديثة نن توحيد أوربا واالمانيتين‪.‬‬
‫إذا كانت الكنيسة قد سارعت الى تبني نظرية االنفجار العظيم كل (نوديا) إلنكانية خلق الكو‬
‫وهو استعجال نتهور‪ ،‬فقد فعلت سابقا ً نايشبهه في تبنيها نظرية بطليموس حول نركزية‬
‫اارض حتى بطلت‪ ،‬وهي تعيد اليوم حماقة اانس‪ ،‬ولكن أفكار برونو تتجاوز هذه وتفرض‬
‫تحديا ً نزدوجا ً للالهوت وعلم الكوسمولوجيا‪ ،‬وبعد نرور أربعة قرو على افكاره نازالت تحلق‬
‫فوق كا نا حققه العلم‪ ،‬إ برونو لم يكن عالم نخبر تجريبي‪ ،‬وكا بااحرى فيلسوف عميق‬
‫نظري يشطح بأفكاره الى ندى لم يصله العلم بعد‪ ،‬في رؤية شمولية للكو أنه النهائي ويعج‬
‫بالحياة وينسجم في وحدة خلف كا التناقضات والتنوع‪ ،‬نما يجعا اليوم كالً نن الكنيسة‬
‫وعلماء الكوسمولوجيا يتحدو ضده في (حلف غير نقدس) على حد تعبير (كيرشهوف) كما‬
‫جاء في عنوا نقالة الشبيجا‪ ،‬بعد أ تبين أ السماء التبث خبرها تبثيثا ً حول كائنات ذكية‬
‫تحدث أخبارها‪ ،‬وأ الكو أقرب ا يكو نقبرة نيتة اليسمع ننها ركزا‪ .‬ولكن ها عرف‬
‫العلماء كا شيء؟‬
‫بعد ‪ 19‬عانا ً نن حرق برونو عام ‪ 1619‬م تجرأ نفكرا آخرا بالتعبير عن آرائهم هما (‬
‫فانيني) و(كمبانيال) فأنا الثاني فقد ألقي في السجن ‪ 27‬سنة وعذب اثنتي عشرة نرة (استمر‬

‫‪217‬‬
‫التعذيب في إحداها اربعين ساعة نتوافلة) وأنا ااول فقد ‪ (:‬سلم الى الجالد وهو في قميصه‬
‫وحبا المشنقة حول عنقه‪ ،‬حانالً فوق كتفيه إعالنا ً يقول(نلحد دنس كلمة هللا) واقتيد الى‬
‫كنيسة القديس ستيفن ليجثو على ركبتيه طلبا ً للغفرا نن هللا والملك والعدالة عن تجديفه‬
‫وإلحاده‪ .‬يقول المؤرخ ديورانت أنه ‪ :‬قبض عليه في ‪ 2‬أغسطس ‪ 1618‬م بأنر الملك وليس‬
‫الكنيسة بعد وشاية عليه أنه يسخر نن ( التجسيد) ويعارض فكرة (وجود إله بشري) فسيق‬
‫الى نيدا سالين في تولوز في فرنسا وشد الى خازوق نقام هناك ثم قطع لسانه وشنق ثم‬
‫حرق جسمه وترك الرناد تذروه الرياح ‪.‬‬
‫هذا هو ثمن الحرية على نايبدو ‪.‬‬
‫بعد ذلك خنس العلماء وكتموا آراءهم الى حين فكا يردد (ديكارت(‪ :‬عاش سعيدا ً نن بقي في‬
‫الظا‪ ،‬وكتب (سبينوزا) كتبه ااربعة على نحو نبهم نجد فعوبة في قراءتها حتى اليوم بعد أ‬
‫هرب الى هولندا‪ ،‬وخر (جاليليو) على ركبتيه جاثما ً خاشعا ً نعترفا ً أنه أحمق نأفو وأ نا قاله‬
‫إفك افتراه وأنه ننكرا ً نن القول وزورا وأنه يسحب نا قاله جملة وتفصيال‪ ،‬حتى كا يوم‬
‫الزلزلة في الثورة الفرنسية والثوار يرددو شعار فولتير اشنقوا آخر إقطاعي بأنعاء آخر‬
‫قسيس‪.‬‬

‫‪218‬‬
‫(إيمانويا كانط)‬
‫فيلسوف التنوير‬
‫شلليئا يمللال قلبللي دون لا ً باإلعجللاب المتزايللد والخشللوع وهللو شللعور ال يفلارقني كلمللا أطلللت‬
‫التفكير‪:‬هالسماء المرفعة بلالنجوم فلوق رأسلي والقلانو ااخالقلي فلي داخللي‪ .‬إننلي أراهملا‬
‫في المرة بعد المرة الوعي بوجودي‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫أناني نباشرة وهما يثيرا‬
‫اشلللتهر الفيلسلللوف كانلللت بهلللذه الفقلللرة وكتبلللت عللللى نصلللبه فلللي ندينتللله (كونيجسلللبرغ‬
‫‪ )Koenigsberg‬التي ولد فيها وعاش ولم يبارحها حتى نات وللم يتلزوج وانقطلع للعللم فلي‬
‫دأب ونتابعة جعا أها البلدة يضبطو ساعاتهم على (نزهة الفيلسوف)‪.‬‬
‫ولم تضطرب ساعات أها البلدة إال نرة واحدة عندنا غرق الفيلسلوف فلي كتلاب (ايميللي) علن‬
‫التربية االستقاللية التي فدرت عن الفيلسوف الفرنسي (جا جاك روسو)‪.‬‬
‫وهلذه الفقلرة جللاءت فلي الفلسلفة ااخالقيللة فلي الفصلا ااخيللر نلن كتابله (نقللد العقلا العملللي‬
‫‪ )Kritik der praktischenVernunft‬فهو يرى الحاجة لايما وااخالق وللو للم يكلن‬
‫في المقدور البرهنة عليهما تجريبيا أو عقلياً‪ .‬فكما كا في السماء قانو أعلى وجلب أ يكلو‬
‫في النفوس قانو يضاهيه سموا ورفعة‪ .‬وهذا نغزى البحث الذي كرسه عن الميتافيزيقيلا بأنله‬
‫يجب أ تضاهي الفيزياء في الدقة والوثوق حول ااخالق واإلرادة والسالم‪.‬‬
‫وحسب (نحمد كانا حسين) في كتابه (وحدة المعرفة)‪ :‬فإ هفي الكو نظام وفي العقا نظام‪.‬‬
‫والنظانللا نللن نعللد واحللد‪ .‬والمطابقللة بينهمللا نمكنللة لمللا فيهمللا نللن تشللابه‪ .‬ولللو لللم يكونللا‬
‫نتشابهين الستحالت المعرفة‪ .‬ولو لم تكن المطابقة نمكنة نا علم أحلد شليئاً‪ .‬وتشلابه النظلانين‬
‫الكوني والعقلي ليس فرضا يحتاج إلى البرهنة با هو جلوهر إنكلا المعرفلة‪ .‬ونلن أنكلره فقلد‬
‫أنكر المعرفةه‬
‫وحسب (الغزالي) في كتابه (المستصلفى فلي أفلول الفقله) علن نراتلب الوجلود أ العللم هلو‬
‫االنعكاس الموضوعي للعالم الخارجي على الذهن في أربع نراتب نلن الرؤيلة إللى اإلدراك إللى‬
‫النطق بها فكتابتها‪ .‬والكتابة هي أضعف أشكال العللم قاطبلة نلع أنهلا وسليلة التوافلا ووعلاء‬
‫الحفظ‪ .‬وهي نفس النتيجة التي خلص إليهلا عللم البرنجلة العصلبية اللغويلة(‪NLP=Neuro-‬‬
‫‪.)languisticProgramming‬‬
‫وعند هذه النقطة فهم (كانت) المقلوالت الضلرورية (‪ )CategoricalImperative‬أي تللك‬
‫ااحكام (القبلية ) المزروعة في أدنغتنلا (‪ )A priori knowledge‬قبلا تحصليا أي نعرفلة‬
‫وعلى قاعدتها نحصا المفاهيم‪.‬‬
‫وحسب (سبينوزا) الفيلسوف الهولندي في كتابه (ااخالق نؤيدة بالدليا الهندسلي) فأنله يمكلن‬
‫البرهنة على ااخالق نثا (النقط الرياضية والسطوح وااشكال)‪.‬‬
‫وهذه الخالفة وفا إليها الفيلسوف (كانت) في نشروعه (للنقد والتنوير) فنقد كلا شليء بملا‬
‫فيه (العقا الذي ينقد) و(نلكة النقد) و(النقد الديني نن ننظور عقلي) وهو الذي جعلا القيصلر‬
‫االماني يحرم عليه التكلم في قضية الدين نطلقا‪ .‬وكا ذلك عقب ترحيبه بالثورة الفرنسية عام‬
‫‪1789‬م حينما نقلت له فور الرعب واللرؤوس المتطلايرة عللى المقصللة فقلال‪ :‬هإ كلا هلذه‬
‫الفظاعات ال تقترب بشي نن استمرار الطغيا ‪ .‬بكلمة نختصرة افتتح (كانت) عصر (النقد)‪.‬‬
‫ونشروع النقد نزعج فال أبغض على النفس نن االنتقاد وال تسكر اللنفس بخملر كالثنلاء‪ .‬وقلام‬
‫(كانت) بعما دؤوب بإنجاز سلسللة نلن كتلب النقلد ننلذ أ أفلبح أسلتاذا ً للفلسلفة فلي جانعلة‬
‫(البرتوس ‪ .)Albertus- University‬وقام بتطويق ااسئلة الكبرى التي شغلته ننلذ الصلبا‪:‬‬
‫نن أين يأتينا اليقين في نعارفنا؟ أال يوجد نظام في النفس كما كا في السماء نظلام؟ بحيلث أ‬

‫‪219‬‬
‫خرق هذا النظلام ال يلدع نجلاالً للمتشلددين اللدوغمائيين أي حلظ فلي التلأثير عللى اللرأي العلام‬
‫وخطفه‪ .‬وأخيرا ً أين يمكن العثور على نقاط ثابتة في الطبيعة؟‬
‫وعللللى اللللرغم نلللن طبيعلللة التعقيلللد فلللي كتابلللة (كانلللت) كملللا وفلللفها الملللؤرخ (ويلللا‬
‫ديورانت) فقال علينا أ نخالف القاعدة المعروفة فنقرأ عمن كتب عنه قبا أ نقرأ نا كتبله هلو‬
‫بالذات‪ .‬فبعد أ هأجهز (بركلي) على المادة ونحاهلا نلن فلفة الوجلود‪ .‬جلاء (هيلوم) فسلارع‬
‫بتدنير العقا والدين‪ .‬ولم يقنع بذلك با اقترح أيضا ً تدنير العلم بحا فكرة القانو ‪ .‬وانهار العقا‬
‫كما انهارت المادة ولم يبق ننهما شيءه؟‬
‫ويقول المؤرخ (ديورانلت) فلي كتابله (قصلة الفلسلفة ص ‪ )322‬أ هالفلسلفة وجلدت نفسلها‬
‫وسط أنقاض خربة قوضتها بنفسهاه فجاء (كانلت) وقلرأ فلي علام ‪1775‬م الترجملة االمانيلة‬
‫لكتب (ديفيد هيوم) فأيقظته نن سباته العقائدي كما ذكر وشرع في تأسليس فلسلفة جديلدة ينقلذ‬
‫فيها ااخالق والعقا‪.‬‬
‫ويقول (ديورانت) إ كا هالفلسفات للم تكلن سلوى تطلور سلطحي يتلدفق تحتله تيلار (كانلت)‬
‫الفلسللفي القللوي الثابللت‪ .‬وال تللزال فلسللفة كانللت حتللى يوننللا هللذا قاعللدة لكللا فلسللفةه‪ .‬ويعلللق‬
‫(ريشارد أوزبور ) في كتابه (الفلسفة للمبتدئين) أ كانت لو لم يكلن نوجلودا لخللق هللا كانلت‬
‫آخرا؟‬
‫وعنلدنا فلدر كتابله (نقلد العقلا الخلالص ‪ )Kritik der reinen Vernunft‬علام ‪1781‬م‬
‫وكا عمره آنذاك ‪ 57‬سنة بعد فمت استمر عشر سنوات قوبلا بلتحفظ شلديد ولكنله قلام فلي‬
‫الواقع بتثوير كا المفاهيم المعروفة حول الزنا والمكا والمادة وحرية اإلرادة ووجود الخالق‬
‫فقال إ الجزم بهذه المفاهيم ااربع بكلمة نعم أو ال تعتبر نصيدة عقلية(‪.)Denkfalle‬‬
‫وأجما نا وفا إليه هو نا كشفت عنه نيكانكيا الكم ونبدأ االرتياب بعد أكثر نن قر كملا جلاء‬
‫في كتاب (العلم في ننظوره الجديد) عن دراسة (لمالحظ) قبا دراسة (المالحظة)‪.‬‬
‫ونبدأ االرتياب الذي وفا إليه (فيرنر هايزنبرغ) يعبر عن المشكلة عللى نحلو فيزيلائي ولليس‬
‫فلسفي كما وفا إليها كانت قبا ‪ 200‬سنة أ المراقب إذا دخا إلى حقلا التجربلة أدخلا الخللا‬
‫إليها‪ .‬وبكا اقتراب نن نالحظة الشيء نفسد نراقبلة الشليء وللذا كانلت المعرفلة الموضلوعية‬
‫وهم والحتمية خرافة‪.‬‬
‫واحتفلت ألمانيا فلي ‪ 12‬فبرايلر ‪2004‬م بمناسلبة نلرور ‪ 200‬سلنة عللى وفلاة فيلسلوف النقلد‬
‫والتنوير (إيمانويا كانت)‪ .‬كما فدر العديد نن الكتب عنه‪ .‬وخصصت نجلة در شبيجا االمانية‬
‫ففحة الغالف في عددها ااول نن علام ‪2004‬م عنله‪ .‬نلع بحلث فلسلفي تلاريخي ونقابللة نلع‬
‫(نانفريد جاير ‪ )Manfred Geier‬المتخصص في سيرته الذاتية اللذي وفلفه هكلملا قلرأت‬
‫(كانت) أكثر أحببته اكثر وزاد نن تقديري لهه‬
‫واعتبرت المجلة أ المظاهرات التي انطلقت في شوارع ألمانيلا ضلد حلرب العلراق هلي تأكيلد‬
‫على اافكار التي نلادى بهلا فلي كتابله (نحلو السلالم اابلدي ‪ )Zum ewigen Frieden‬بلأ‬
‫الدول تشبه ااشخاص في الصراعات‪ .‬وأ الحا هو في نؤسسة عالميلة تفلض النزاعلات بلين‬
‫الدول كما هو الحال بين اافراد‪ .‬فكا نبشرا بوالدة اانم المتحدة‪.‬‬
‫نع هذا فعندنا سئا الطلبة عنه في المدرسة التي تحما اسمه في برلين (شبانداو ‪)Spandau‬‬
‫اختلفت أجوبة الطلبة فمنهم نن لم يسلمع بله؟ وقلال ثلاني أظنله كلا فيلسلوفا؟ وقلال أحسلنهم‬
‫طريقة لقد سمعت بفكرتله علن المقلوالت‪ .‬أنلا نلدير أحلد الملدارس الخافلة التلي تحملا اسلم‬
‫الفيلسوف في (برلين ل شتيجلتس ‪ )Steglitz‬التي خصصت لالحتفال بفكر كانت فقد أبدى أسفه‬
‫لوفاة الفيلسوف فقال‪ :‬أحقا ً نات ايمانويا كانت؟‬
‫وهذا يدل على أ الفيلسوف الذي يلمع اسمه في وسط يغادر وسطه إللى حيلث التربلة الخصلبة‬
‫لفكره‪ .‬واالما ليسوا استثناء نن هذه القاعدة‪ .‬وال يعني أنه ال يوجد نن يحما رايته نن بعلده‪.‬‬
‫والفيلسوف (يورغن هابر ناز) أو (جاك دريدا) يدعيا وفال بالرجا‪ .‬وابن رشد كفَّره وزندَّقله‬
‫أها قرطبة وطردوه نن المسجد الجلانع ليرحلا فكلره إللى (بلادوا) فلي إيطاليلا فينشليء تيلاره‬

‫‪220‬‬
‫الخاص في نكا نختلف الثقافلة واللغلة واللدين‪ .‬ولتلدنر قرطبلة تلدنيرا فلال يبلق واحلد نسللم‬
‫يصلي في المسلجد الجلانع؟ والسلبب هلو الفكلرة ونناخهلا‪ .‬وابلن رشلد للم يكلن فلالحا ً لمنلاخ‬
‫التعصب القاتا‪ .‬والبلد الطيب يخرج نباته بإذ ربه والذي خبث ال يخرج إال نكدا‪.‬‬
‫بقي أ نقول في النهاية أ كلمة (التنوير ‪ ) Aufklaerung‬لم تأت في أهم نؤلف لكانلت وللم‬
‫تكن كتابا با نقالة نشرها في نجلة بلرلين الشلهرية حينملا وجله إليله سلؤال علن نعنلى بركلة‬
‫الكنيسة في عقد النكاح‪ .‬وكا جواب الفيلسوف هو إعال نهايلة الوفلاية عللى العقلا نلن أي‬
‫نصدر‪ .‬وفي الحديث نن اجتهد فأفاب فله أجرا ونن اجتهد فأخطلأ فلله أجلر‪ .‬وتلرك الحلديث‬
‫لفهمنا أ يشتغا أ نن لم يجتهد ليس له أجر ولو أفاب؟ (يتبع)‬

‫عصر منتد ير‬


‫يعتبر القر السابع عشر والثانن عشر نن أجما عصور أوربا عندنا بزغت كمية نلن اادنغلة‬
‫النابهة والالنعة والتي طرحت على نحو جريء تصور جديد للعالم بحيث حققت قطيعلة نعرفيلة‬
‫نع روح العصور الوسطى وظالنيتها وتعصبها‪ .‬وهذا كلا باتفلاق جميلع الملؤرخين ونلن تللك‬
‫اادنغة المتوقدة العبقرية كا فولتير اللذي اشلتهر بمقولتله فلي نشلكلة االعتقلاد والتعبير‪(:‬قلد‬
‫اختلف نعك في رأيك تمتما ً ولكنني نسلتعد أ انلوت نلن أجلا أ تلدعك تعبلر علن رأيلك) هلذا‬
‫الشعار الذي أطلقه فيلسوف التنوير (فرنسوا ناريه أروبه) الذي اشلتهر باسلم (فلولتير) نلازال‬
‫أفضا حلة تزدا بها ديموقراطيات الغرب‪ .‬ويعتبر باالضافة الى فيحتين آخرتين ااول هو ضد‬
‫التعصب الديني ودعوة للتسانح‪ .‬أنا الثانية فهي تذكرنا بالقرآ الكريم الذي يلتكلم علن ااحبلار‬
‫والرهبا وأنهم يأكلو أنوال الناس بالباطا وأنهم يكنزو الذهب والفضلة‪ .‬ولقلد بلغلت أنلوال‬
‫الكنيسة يونها شيئا ً خرافيا ً ولم تنشأ ثورة نارتن للوثر نلن فلراغ بلا بسلبب نيلداني أكثلر ننله‬
‫فراعا ً تيولوجيا عقائديا ً على قضايا الهوتية عنلدنا أبصلر كيلف تجملع الكنيسلة الملال الحلرام‬
‫افدار فكوك الغفرا نن اجا جملع اانلوال لبنلاء الكنلائس وتزيينهلا فلاعتبرهم أنهلم أقلرب‬
‫للوثنيين بتصرفهم هذا‪ .‬وقانت القيانلة بلين الكاثوليلك والبروتسلتانت‪ .‬ونشلبت حلروب رهيبلة‬
‫أخطرها حرب الثالثين عانا ً التي أنتلدت نلن علام ‪ 1618‬حتلى ‪ 1648‬ونلات فيهلا نلن الشلعب‬
‫االماني ثلثه وانكمش عدد السكا نن عشرين نليونا اللى ‪ 13,5‬نليلو فلي الحلروب العالميلة‬
‫في ذلك الوقت‪ .‬كا فولتير الذعا ً في نقده وننذ شبابه كلفه هلذا الكثيلر فقلد ألقلي القلبض عليله‬
‫ونام في سجن الباستيا لمدة سنة ثم انتقد أحد النلبالء فلألقي القلبض عليله نلرة اخلرى‪ .‬بعلدها‬
‫هرب الى بريطانيا فتأثر جدا ً بالوضع السياسي في بريطانيا ونعنى أ يأنن االنسا على نفسله‬
‫فاليعتقا بالظن بسبب تقرير كاذب أدلى بله جاسلوس للسللطة‪ .‬وكتلب أفضلا كتبله فلي (رسلائا‬
‫فلسفية) وكا يمثا عقا التنوير حيثما تعلرض للمشلكلة السياسلية‪ .‬واسلتقر بعلض الوقلت فلي‬
‫ألمانيا لمدة عانين حيث رحب به نلك بروسيا المشهور (فريدريك) بين علاني ‪ 1750‬و‪1752‬‬
‫ولكن شهر العسا لم يدم أكثلر نلن سلنتين‪ .‬وكملا يقلال تلدفأ بنلار المسلؤولين ولكلن حلذار نلن‬
‫االقتراب فتحترق‪ .‬ثم قصد سويسرا ولكن لم يريحلوه أيضلا ً وشلعر أنهلم يريلدو القلبض عليله‬
‫أيضا ً فوجد أ أفضا نايعمله أ يكو قريبا ً نن الحدودين نثا قصلة الحلدود التلي نثلهلا دريلد‬
‫اللحام أي أنه سكن في سويسرا ولكن بقرب الحدود الفرنسية فإذا طلب نن أي جهلة هلرب اللى‬
‫الطرف المقابا‪ .‬وكا فلولتير الذع اللسلا حاضلر البديهلة حلاد اللذكاء سلريع البديهلة وغزيلر‬
‫االنتاج يذكر بابن تيمية والفيلسوف برتراند راسا الذي كا يكتب كا يوم ‪ 3000‬كلمة أي سلتة‬
‫نرات نثا عمودي اليوني‪ .‬وترك فولتير خلفه أكثر نن ‪ 30‬ألف ففحة نن الكتابات وبقي النعا ً‬
‫في أوربا لستين عانا ً حيث بلرز اسلمه وعملره ‪ 24‬سلنة ويعتبلر دنلاغ الثلورة الفرنسلية اللذي‬
‫رفدها باافكار الثورية ولكن نن نحتوى عقالني وليس نثا روسو الذي كا نشحونا ً بالعاطفة‪.‬‬
‫كما أنه كا ننوع الشخصية بين نظم الشعر وكتابلة المقاللة والقصلة القصليرة والروايلة ونلن‬
‫أجما كتبه (عادات الشعوب) التي فتح فيها الطريق لفهم الشعوب بفكرتين أساسيتين‪ :‬أ أوربلا‬

‫‪221‬‬
‫ليست نركز العالم وأ هناك نن يسلتفاد ننله نلن شلعوب اارض وهلي نظلرة انسلانية رائعلة‪.‬‬
‫وثانيا ً أ رواية الثقافة أجدى للناس نن قصص الملوك وحروبهم أي أ التلاريخ السياسلي هلو‬
‫اكثر الصور تشويها واختزاال لحقيقة شعب نا‪ .‬وبعد نوته أكرنته الثورة الفرنسلية علام ‪1778‬‬
‫بأ أخرجت رفاته ودفنت في باريس في نقبرة العظماء‪ .‬أنا هو فكا يدرك في حياته أ هللا هو‬
‫الذي يحاسب في النهاية وليست الكنيسة‪.‬‬

‫كيف ولد عصر التنوير‬


‫في الوقت الذي كا العالم اإلسالني يضع عقله على الرف‪ ،‬ويتوقف الزنن عنده على ضرب‬
‫فنج الصوفية‪ ،‬ويشخر في أحالم وردية على قصص ألف ليلة وليلة‪ ،‬كانت بذور ننهج الغزالي‬
‫في التأسيس المعرفي نن خالل نبدأ الشك يثمر ثمراته في جنوب ألمانيا بطريقة نختلفة‪ .‬يقول‬
‫ديكارت عن نفسه أ الثلج والبرد اضطره الى قضاء الشتاء في جنوب ألمانيا قريبا ً نن ندينة‬
‫أولم (‪ .)ULM‬كا رينيه ديكارت نن نبتات التنوير العقلي الجديد‪ ،‬الذي انتد نن شمال‬
‫إيطاليا إلى كا أوربا نن الشعلة التي قدح زنادها البن رشد‪ .‬يقول ديكارت أنه التجأ إلى هذه‬
‫المكا وهو فارغ البال نن الهم والحز والهوى‪ .‬كا الشيء الذي يحتا كا نلكاته العقلية هو‬
‫إنكانية الوفول إلى الثقة واليقين في العلوم‪ ،‬فديكارت كا قد ودع الفكر القديم وفقد ثقته به‬
‫فكتب في (المقال على المنهج)‪(:‬العقا هو أحسن ااشياء توزعا ً بين الناس إذ يعتقد كا فرد أنه‬
‫أوتي ننه الكفاية‪ ،‬وليس نن عادتهم الرغبة في الزيادة لما لديهم ننه ‪ .‬ويشهد هذا بأ قوة‬
‫اافابة في الحكم التي تسمى العقا تتساوى بين كا الناس بالفطرة‪ ،‬وكذلك يشهد بأ اختالف‬
‫آرائنا ال تنشأ نن أ البعض أعقا نن البعض اآلخر‪ ،‬وإنما ينشأ نن أننا نوجه أفكارنا في طرق‬
‫نختلفة‪ ،‬انه ال يكفي أ يكو للمرء عقا با المهم هو أ يحسن استخدانه‪ ،‬وإ أكبر النفوس‬
‫لمستعدة اكبر الرذائا نثا استعدادها اكبر الفضائا)‪ .‬استولى الشك على كيا ديكارت كانالً‬
‫فبدأ يتنفس الشك ويعيش فيه‪ ،‬ويقول أ تلك الليلة شعر وكأ دناغه نن شدة التفكير يوشك‬
‫على االنفجار‪ ،‬ثم انقدح أنانه فجأة المنهج الجديد الذي عرف بالمنهج التحليلي الديكارتي‪ .‬قال‬
‫ديكارت إنني عندنا أشك أفكر ؛ حتى لو شككت في كا شيء بما فيه وجودي بالذات‪ ،‬حتى لو‬
‫زالت الدنيا كلها‪ ،‬فإ شيئا ً ال يزول وال يتزحزح وهو أنني أشك؛ أي إنني أفكر وإذا كنت أفكر‬
‫فهناك حقيقة أنني نوجود على فورة نن الصور ولكنني نوجود‪ .‬فهذه هي الحقيقة الراسخة‬
‫الوحيدة التي يمكن أ استند إليها في كا عمليات التفكير‪ .‬هذه الحقيقة الراسخة نهدت الطريق‬
‫لعصر التنوير في أوربا واعتبرت الفلسفة الديكارتية أحد المفافا الجوهرية التي قانت عليها‬
‫الفلسفة ااوربية الحديثة باعتبار أ ديكارت وعشرات نن أنثاله كانوا البناة النظريو للعصر‬
‫الحديث بكا إنجازاته‪ ،‬انه نع حركة العقا تم تدشين حرية التفكير‪ ،‬ونع حرية التفكير انطلقت‬
‫اابحاث العلمية بدو حدود‪ ،‬وننها نبعت التكنولوجيا الحديثة والنظم السياسية‪ .‬فهؤالء‬
‫المفكرو العظام هم الذين حلوا أعظم نشاكا الجنس البشري وبناء نناخ الحرية الفكرية‬
‫الكانا بدو خوف‪.‬‬
‫اسحقوا العار ـ فولتير‬
‫نحن اليوم في العالم العربي نع نعاهد التحنيط والتجميد العقلي‪ ،‬فال تزيد العقا إال خموال وسباتا‬
‫وشخيرا عميقا‪ ،‬وهيهات لمن فكَّر وقدَّر فقتا كيف قلدر؟ وال اللروح إال نكسلا وتعسلا‪ ،‬وال تغيلر‬
‫أنورنا إال نحو ااسوء‪ ،‬كما هو واقع العالم اإلسالني الذي يعيش عام ‪2010‬م نتجمدا عند عام‬
‫‪ 1431‬نيالدي‪ ،‬قبا عصر الثلورة الفرنسلية أيلام الممللوك سلعيد جقملوق نلن عصلر المماليلك‬
‫الشراكسة؟‬
‫أي قبا عصر فولتير ولذا كا نن المفيلد اسلتعراض ذللك اللزنن الملوحش حيلث علاش أحلدب‬
‫نوتردام وندينة الشحاذين ونذابح الشيعة والسنة والعرب والكرد والبربر واانازيغ ونواكشوط‬
‫وبوليساريو وفرعو نسن يذكر برنسيس الثاني؟‬

‫‪222‬‬
‫إنه زنن العار الكانا والخزي المهين والعذاب اانثا؟‬
‫لماذا أطلق فولتير هذا الشعار ‪ :‬اسحقوا العار‬
‫أنله الشلعار اللذي أطلقلله فلولتير فلي ظلملات الصللراع الملذهبي بلين الكاثوليلك والبروتسللتانت‪.‬‬
‫ويصلح قانونا لما يجري في العراق نذكرا بما كا يجري في العصور المظلملة فلي أوربلا‪ ،‬نلن‬
‫نحاكم تفتيش أرسلت إلى المحارق نليو انرأة بتهمة السلحر‪ ،‬حسلب إفلادة فيلسلوف التنلوير‬
‫الفرنسي (فولتير)؛ بحيلث يمكلن أ نقلول بثقلة أننلا نعليش العلام ‪ 1431‬نليالدي‪ ،‬ولليس علام‬
‫‪2010‬م‪.‬‬
‫وفي تلك اايام كا يكتب فيه شاب فغير هو (أتيين دي البواسييه) كتابه (العبوديلة المختلارة)‬
‫بحيث أ الفيلسوف الشكاك (نونتانييه) نشره على حذر وخجا وباختصلار‪ ،‬وللم يلر النلور فلي‬
‫المطابع الفرنسية إال بعد ‪ 137‬سنة‪ ،‬أنا في العلالم العربلي فوفلا إللى بعلض القلراء بعلد ‪427‬‬
‫عاناً‪ ،‬ونشرنا نقالته نع عدد نن أبحاثي حول سيكولوجية الطغيا ‪ ،‬نلع تعليلق لجلودت سلعيد‪،‬‬
‫وشيء نن شعر النثر للراحا هشام علي حافظ في كتاب أخذ اسم (فقد المناعة ضد االستبداد)‪.‬‬
‫وقصة الشليعة والسلنة فلي العلراق‪ ،‬أو العللويين والسلنة فلي سلوريا‪ ،‬اللذين يسلميهم اللبعض‬
‫بحرص وإفرار بالنصيرين‪ ،‬هي الصورة القديمة لصراع البروتستانت والكاثوليك في العصلور‬
‫الوسطى‪ ،‬نما يجعلنا نفهم أننا نراوح في العصور الوسطى‪ ،‬ظلمات بعضلها فلوق بعلض‪ ،‬حيلث‬
‫تللوج التعصللب فللي فرنسللا نذبحللة القللديس (بللارتولونيوس)‪ ،‬حيللث أغلقللت بللاريس‪ ،‬ووضللعت‬
‫عالنات على بيوت البروتستانت المنكوبين‪ ،‬وعند الساعة الثالثة نن فجر يوم ‪ 24‬أوجست نلن‬
‫عام ‪1572‬م دقت أجراس الكنائس‪ ،‬إيذانا بالذبح باسم الروح القدس واالبن واآلب‪.‬‬
‫وينقا (ديورانت) المؤرخ في كتابه (قصة الحضلارة) فصلال دنويلا بشلعا علن تللك الليللة‪ ،‬وأنلا‬
‫شخصيا قرأت في طفولتي نوسوعة (باردليا ) للروائي النمساوي زفايج عن تلك المذبحة؛ فلم‬
‫أستوعب تمانا روح الخالفات‪ ،‬حتى رأيتهلا بلين الشليعة والسلنة فلي العلراق‪ ،‬وسلوريا نهلددة‬
‫بنفس المصير بين العلويين والسنة‪ ،‬على الرغم نن نحاولة إنكار كا واحد‪ ،‬لوجود نلرض نلن‬
‫هذه البشاعة‪ ،‬نثا السيدة المصابة بسرطا ثدي‪ ،‬وتزعم أنه انتفاخ الحليب‪ ،‬وليس نن رضاعة‬
‫وال حما با سرطا نريبا قاتال‪.‬‬
‫ونما جاء في كتاب قصة الفلسلفة علن فلولتير‪ ،‬اللذي كلا فلارا نلن ثلالث دول ألمانيلا القديملة‬
‫واسمها بروسيا‪ ،‬تحت حكم فردريك‪ ،‬وفرنسا تحت سطوة آل البوربو ‪ ،‬وسويسلرا‪ ،‬هاجعلا فلي‬
‫ندينة (فيرني) على الحدود الفرنسية‪ ،‬فإ طلب رأسه نن أي فريق هرب لآلخر‪ ،‬ولم يكن هناك‬
‫تعاو أنني كما هو الحال في أياننا هذه‪ ،‬حينما سلمت أنريكا (علرار) الكنلدي إللى الرفلاق فلي‬
‫سوريا‪ ،‬عن طريلق البوابلة الخلفيلة ااردنيلة‪ ،‬فأشلبعوه ضلربا‪ ،‬قبلا أ يدفنله السلوريو فلي‬
‫ندافن تحت اارض أتقنوا فنعها وتحسينها باستمرار‪.‬‬
‫وفي عام ‪1761‬م جاءت عائللة فرنسلية فلارة نلن ندينلة (توللوز) إللى فلولتير بسلبب عجيلب؛‬
‫فالكاثوليك في تولوز كانوا يتمتعو بسلطة خرافية‪ ،‬قد أغلقوا الطريق فلي وجله أي ننصلب أو‬
‫عما في وجه البروتسلتانت‪ ،‬فللم يكلن نسلموحا اي بروتسلتانتي أ يصلبح نحانيلا أو طبيبلا‪،‬‬
‫فيدليا أو نوظفا‪ ،‬بقاال أو بائع كتب!‬
‫وعندنا استعانت سيدة كاثوليكية بقابلة بروتسانتية في الوالدة فرضت عليها المحكملة غرانلة‬
‫تنوء بثقلها الجبال‪.‬‬
‫وحدث أ كانت هناك عائللة بروتسلتانتية تعليش فلي المدينلة نلن رجلا اسلمه (جلو كلاالس)‬
‫وعنده بنت وشاب‪ ،‬فأنا الفتاة فتحت الخوف والضغط قانت باعتناق الكثلكة‪ ،‬والتبرؤ نن كلالفن‬
‫ونارتن لوثر وزونجلي‪.‬‬
‫وأنا الشاب فكا أنام أقفال فرص العما في وجهه عطاال بطاال‪ ،‬فلما ضلاقت السلبا فلي وجهله‬
‫ركبه الكمد والحز وقام بشنق نفسه في ظرف نفسي غانض‪.‬‬

‫‪223‬‬
‫وجرت قوانين الكنيسة أ يرتب للمنتحر نوكبا ذلليال‪ ،‬يقلوم عللى تعريلة جسلم المنتحلر ننكسلا‬
‫الرأس إلى ااسفا‪ ،‬على حاجز نن العيدا المشبكة الناتئة‪ ،‬ثم يطاف بالجثة نكاال‪ ،‬وفي النهايلة‬
‫تجر الجثة العارية وتعلق على حبا المشنقة‪.‬‬
‫وأنام هذه المصيبة حاول الوالد المنكوب القول أنه نات نوتة طبيعية‪ ،‬تجنبا للفضليحة والعلار‪،‬‬
‫وشم جواسيس الكنيسة المنتشرين في كا نكا الخبلر‪ ،‬نثلا وبلاء اانظملة الثوريلة وجهازهلا‬
‫االستخباراتي‪ ،‬فجروا ااب للتحقيق‪ ،‬وقالوا له إنك أنت الشقي خلف انتحار ابنك‪.‬‬
‫وتحت التعذيب اعترف ااب المسكين‪ ،‬كما يفعا المواطن العربي في أقبيلة المخلابرات الثوريلة‬
‫هذه اايام‪ ،‬فاعترف بأنه شقي‪ ،‬وأنه نن دفع ابنه لالنتحلار‪ ،‬وأنله كلا يريلد سلد الطريلق أنلام‬
‫ابنته التي أنار هللا قلبها لنور الكثلكة‪ ،‬بعد أ تخلصت نن دين الفسق والتحريف البروتستانتي‪.‬‬
‫وتحت التعذيب نات ااب المسكين فلحق ابنه إلى دار السالم والعدالة عند نليك نقتلدر‪ .‬وخافلت‬
‫بقية العائلة فهربت إلى عنلد فلولتير فلي ندينتله القريبلة فرنلي فلأخبروه بلالخبر‪ ،‬فجلن جنونله‬
‫وأطلق فرخته اسحقوا العار‪.‬‬
‫وضبط شاب اسمه (البار) اتهم أنه شلوه الصلليب فعلذب حتلى الملوت‪ ،‬فلاعترف‪ ،‬فقطلع رأسله‬
‫وجعا جسمه طعما للنيرا ‪ ،‬أنام تكبير وتهليا الجماهير‪ ،‬أنه هلذا علين التقلوى ونبلع الخلالص‬
‫نن الفاسدين‪.‬‬
‫ونن الملفت للنظر أ هذا الشاب أحرق جسلده نلع كتلاب فلولتير (الموسلوعة الفلسلفية) وهلو‬
‫كتاب حديث فيه نن السخرية بالكنيسة وإنارة العقا الشيء الكثير‪ .‬وااوربيلو ال يقلرأو نثلا‬
‫هذه الكتب انها لم يعد لها دور‪ ،‬أنا نحن فعلينا أ نقرأ التجربلة كانللة حتلى الثماللة‪ ،‬اننلا فلي‬
‫العالم العربي نعيش زنن الخوف والتيه والتعصب المذهبي‪ ،‬ونا يسلمى الصلحوة اإلسلالنية‪ ،‬ال‬
‫تزيد عن نوجة نن السكر اافولي تغتال العقا وكا نا قرب إليه نن قول وعما‪.‬‬
‫وترى الناس سكارى ونا هم بسكارى ولكن عذاب هللا شديد‪.‬‬
‫وعذاب هللا هو جاهز لكا نن خالف سننه‪ ،‬نن أدخا يده في النار أو خلالف قواننيله االجتماعيلة‬
‫بالتعصب‪ .‬فيرسا عليهم عذابا نن فوقهم أو نن تحت أرجلهم أو يجعلهلم شليعا ويلذيق بعضلهم‬
‫بأس بعض‪.‬‬
‫انظر كيف نصرف اآليات لعلهم يفقهو ‪..‬‬

‫‪224‬‬
‫الفيزيائي والفيلسوف مكسويل‬
‫أبو الكهرباء والمغناطيس (الكهرطيسية)‬
‫شغا بال العلماء ننذ قديم الزنا أنور جوهرية نثا نا هلي طبيعلة الكلو ؟ نلا هلي‬
‫طبيعة القوانين التي تسود الوجود؟ ونلا نقلدار الصلدفة أو العشلوائية فيهلا؟ أو نلا‬
‫هي الطاقة ااساسية؟ و نا نوع القوة الجوهرية التي تسود العالم؟‬
‫وشيئا ً فشيئا ً تقدم العلم‪ ،‬وتحول قسم نن عالم الغيب الى عالم شهادة‪.‬‬
‫فنحن لم نكن نعلم أ الدم الذي يتجول في عروقنا براحة وفساحة يلدور فلي أنابيلب‬
‫طولها (‪ )100000 Km‬نائة ألف كيلونتر‪ ،‬في دورة ال تعرف التوقف إال بالموت‪.‬‬
‫أو أ المليمتر المكعب الواحلد نلن اللدم‪ ،‬فيله خمسلة ناليلين كريلة حملراء‪ ،‬تعليش‬
‫أربعة أشهر‪ ،‬قبا أ تدفن في نقبرة الطحلال‪ .‬وأ كلا كريلة فيهلا تركيلب نلن ‪574‬‬
‫حمض أنيني تحما ااكسجين‪ ،‬وأ هذه السقالة نلن ااحملاض تلدعمها ذرة حديلد‪،‬‬
‫نثا ااسمنت المسلح نقصه يقود لفقر الدم!‬
‫وأ داخا هذه اانابيب‪ ،‬تسلبح نلادة حملراء‪ ،‬تضلم خليطلا ً نلن الخاليلا نلن حملراء‬
‫وبيضاء وففيحات‪ ،‬ويبلغ تعداد الحمراء في القطلرة الواحلدة نلا يزيلد علن خمسلة‬
‫ناليين كرية‪.‬‬
‫ولو جمعنا كريات الدم الحمراء التي يبلغ قطر الواحدة سبعة نيكرونلات (واحلد نلن‬
‫ألف نن المليمتر) فوق بعضها البعض‪ ،‬لوفلنا الى القمر ويزيد‪.‬‬
‫ونحن لم نكلن نعللم أ جسلمنا يأخلذ خمسلمائة بليلو نسلخة‪ ،‬نلن الكلود اللوراثي‪،‬‬
‫الموجود بمقدار ثالث نليارات حرف‪ ،‬نودع بطريقة سرية فلي كلا نلواة خليلة‪ ،‬نلن‬
‫‪ 70‬ألف نليار خلية في الجسم‪ ،‬لبناء البد بدو خطأ واحد!!‬
‫كما أننا لم نكلن نعللم طبيعلة القلوى ااساسلية فلي هلذا الوجلود‪ ،‬حتلى تلم االهتلداء‬
‫تدريجيا ً إلى أنها خمس قوة‪ :‬الكهربائية والمغناطيس والجاذبية وقوى النواة القويلة‬
‫والضعيفة‪.‬‬
‫وبذل آينشتاين جهدا ً خرافيا ً في سنوات عمره ااخيرة‪ ،‬في جهد زاد عن ربلع قلر ‪،‬‬
‫للوفول الى قانو توحيدي واحد‪ ،‬يضم كلا طاقلات الكلو الخمسلة‪ ،‬ولكنله عجلز‪،‬‬
‫واعترف بذلك‪.‬‬
‫ولكن الفيزيائي البريطاني (ناكسويا ‪ )Maxwell‬نجح فيما عجز عنه اآلخرو ‪.‬‬
‫ويعتبره البعض أنه نن أعظم الفيزيائيين الذين جاؤوا بين نيوتن وآينشتاين‪ .‬فااول‬
‫أسللس الفيزيللاء التقليديللة‪ ،‬والثللاني جللاء بالنسللبية نحطمللا القللوانين التقليديللة‪ ،‬أنللا‬
‫االختراق المعرفلي اللذي حققله ناكسلويا فهلي نالحظاتله علن ااثلر المتبلادل بلين‬
‫المغناطيس والكهرباء‪.‬‬
‫وكا حلمه نثا كا العلماء النوابغ‪ ،‬فهم العديد نن الظواهر تحت قانو واحد‪.‬‬
‫واليوم يقلول العلملاء بشليء غريلب‪ ،‬هلو أ هلذه القلوى الخمسلة كانلت بعلد فتلرة‬
‫االنفجار العظيم قوة واحدة نوحدة‪ ،‬ثم انشطرت الى خمس قوى نعروفة!‬

‫‪225‬‬
‫ونظرية االنفجار العظليم (‪ )Big Bang Theory‬تقلول أ الكلو كلا بعلد أ للم‬
‫يكن نوجودا‪ .‬وحدث هذا قبا ‪ 13,7‬نليار سنة‪.‬‬
‫وكا الوجود كله (حيث لم يكن كا ؟) نضغوطا ً فلي حيلز أقلا نلن بروتلو واحلد‪،‬‬
‫وفي أقا نن سكستليو نن الثانية انفجر‪ ،‬والسكستليو هو رقم عشرة نرفوع الى‬
‫‪.36‬‬
‫وبعد ذلك بدأ الكو في الوالدة والتشكا‪ ،‬فظهرت نويات الذرات‪ ،‬ثم تشلكلت اللذرات‬
‫المختلفة‪ ،‬ثم تشكلت كا المجرات‪.‬‬
‫وهذا الكالم ال يمكن أ يفهم إال في ضوء المفهلوم الميتلافيزيقي‪ ،‬وهنلا يللتحم العللم‬
‫والدين كما لم يلتحما قط! أ العالم خلق نن العدم‪.‬‬
‫ا النظرية تقول أنه لم يكن نن قبا (طاقة) أو (نادة) أو (زنا ) أو (نكا ) أو أيلة‬
‫(قوانين) ثم بدأ كا شيء يتشكا الحقاً؛ فانبثقت الطاقة‪ ،‬وبدأت القلوانين فلي العملا‪،‬‬
‫وتشكلت المادة‪ ،‬وتحرك الزنن‪ ،‬واحتلت المادة الحيز‪ ،‬نثا فيلم سينمائي كلا واقفلا‬
‫فتحرك!!‬
‫ونكسو يا اهتلدى اللى دنلج قلوانين الكهربلاء بالمغنلاطيس تحلت أربعلة نعلادالت‪،‬‬
‫وبذلك انضغطت قوى الوجلود اللى أربعلة ننهلا الكهرطيسلية بعلد أ كانلت خمسلة‪.‬‬
‫وحاول كا نن فينبرج وعبد السالم في دنلج الجاذبيلة بقلوى النلواة الضلعيفة وهلي‬
‫قوى االنحالل‪.‬‬
‫وااهم أنه ترتب عليها نتائج عملية‪ ،‬حيث أنكن وفي كلال االتجلاهين توليلد نوجلات‬
‫كهرطيسية‪ ،‬وفهم ظواهر كونية على أساس الموجات الكهرطيسية‪ .‬ونما علرف أ‬
‫الموجللات الكهرطيسللية تسللري بسللرعة الضللوء أي ‪ 300‬ألللف كيلللونتر فللي الثانيللة‬
‫الواحدة‪.‬‬
‫وهذا يجعلنا نفهم أثر هذا االكتشاف في التطبيقات اليونية نثا االتصاالت التلفونيلة‪،‬‬
‫والموبايللا واالنترنللت‪ ،‬وبللث القنللوات الفضللائية التللي تحمللا علللى ظهللر نوجللات‬
‫كهرطيسية بسرعة الضوء‪ ،‬وهي السرعة الخارقة في الكو وال سرعة فوقها حتى‬
‫اآل ‪ .‬على ااقا حتى اآل ‪.‬‬
‫وبذلك نتكلم نع الناس في أقصى المعمورة‪ ،‬با والتعانا الملالي فكلا العلالم أفلبح‬
‫ديجتال‪ ،‬وكارثة الرهن العقاري اانريكي ضربت العالم تحت هذا ااثر‪ ،‬وحلين تقتلا‬
‫ندى آغا سلطا فلي طهلرا فهنلاك اليلو تلوب يبثهلا فلي أرجلاء المعملورة ويراهلا‬
‫الرئيس اانريكي ااسود أوبانا وكأنه جالس بين الماللي وحرس الثورة!‬
‫إ العالم أفبح ديجتال أليس اانر نفزعا وجميال ونوحدا؟‬
‫يبقى أ نقول أ المحز في قصة نكسو يا أنه ولد في عصر لم يكن نتقدنا طبيلاً‪،‬‬
‫فمات عن عمر ‪ 48‬سنة بالسرطا فلم يعمر طويالً‪.‬‬
‫وسبحا الحي الذي ال يموت فتوكا عليه‪.‬‬

‫‪226‬‬
‫ابكتيتوس فيلسوف الخير‬
‫هليس في العالم شر ‪ !..‬هات لي أي شيء وسوف أحوله لك بعصا هرنز إلى خير !‪ ..‬ل وهرنز‬
‫في ااساطير اليونانية هو إله الحظ والرحالت والقمار ل‬
‫سم لي نا تشاء ؟ العوز ؟ الفقر ؟ المرض؟ با حتى الموت ؟ إ نظرة بسيطة إلى عمق المسألة‬
‫تظهر لك جانب الخير فيه!‬
‫إ الحياة يا أفدقائي نائدة عانرة بأطيب الطعام؛ يقدنها رجا خير عظيم؛ فإذا انقضى ااجا‪،‬‬
‫وانتهت الحفلة علينا أ نغادرها؛ ونحن نشكر نن دعا وعزم وأطعم بكا سرور‪.‬‬
‫إ االم يأتي نن عدم االنسجام واالندناج نع هذه الحقائق الكبيرة‪ .‬فإذا أردنا انفسنا أ نسعد‬
‫فعلينا أ نستسلم لهذه الحقيقة الراسخة بيقينه‬
‫يعد ابكتيتوس أهم فالسفة المدرسة الرواقية‪ .‬ولد عبدا‪ ،‬ونات حرا‪ ،‬وطرد نع فالسفة رونا‬
‫المشاغبين‪ ،‬في القر الثاني الميالدي‪ ،‬في لحظة غضب إنبراطور حانق‪ ،‬يكره أها الفكر‬
‫والثقافة‪ ،‬كما يفر أها الفكر نن جمهوريات الخوف والفقر والبطالة‪ ،‬فنراهم في الدياسبورا‬
‫يبدعو فكرا وقوال وكتابة‪ ،‬وينشرو فكرهم في نواقع إلكترونية‪ ،‬بعد أ كسر العلم الجغرافيا‬
‫فلم يبق حدود‪ ،‬وأفبح البشر في كا نكا خارج قبضة الديكتاتوريات‪ ،‬عباد هللا إخوانا‪.‬‬
‫وندرسة الرواقية هي تلك الطريقة في فهم الحياة وتبادل اافكار في (ااروقة)؛ حيث يتم تبادل‬
‫اافكار في الهواء الطلق‪ ،‬نشيا على ااقدام‪ ،‬وهي طريقة نحببة إلى قلبي‪ ،‬أفعلها كا يوم نع‬
‫نن أحب المشي والتحدث بحرية‪ .‬والكثير نن نفاهيمي جاءت نن تلك اللحظات السنية‪ .‬نثا‬
‫برق في ظلمات نن اإلحباط العربي‪ .‬وهذا هو عما الفلسفة‪.‬‬
‫ولعا أهم أفكار فيلسوف التنوير (إيمانويا كانط) جاءته نن (نزهة الفيلسوف) حيث كا الناس‬
‫في كوينيجسبرغ يربطو ساعاتهم على ساعة الفيلسوف التي نا كانت تخطيء بعد الظهر‪،‬‬
‫يرافقه خادنه المخلص (النبيه)‪ ،‬ونن هذه الخطوات المباركات ولد كتابه (نقد العقا الخالص)‪،‬‬
‫ونن توسالت خادنه النبيه ولد كتاب (نقد العقا العملي)‪.‬‬
‫وابكتيتوس كا عبدا‪ ،‬ولكن الفلسفة حررته‪ ،‬والرجا يقول إ الفلسفة إذا انقطعت عن الحياة‬
‫لم تعد فلسفة‪ ،‬با وجب أ تحرر اإلنسا نن ضغوطات الحياة وظلمها وتناقضها‪ ،‬فتقدم تفسيرا‬
‫وراحة؛ وإال كيف سنفسر طوابير القتلى في العراق وراوندا والبوسنة؟ كما رواها لي فديقي‬
‫سالم البوسني في نونتريال‪ ،‬الذي هرب نن تيتو‪ ،‬ثم لحقه ابن أخته بعد ثالثين سنة هربا نن‬
‫الصرب!‬
‫وإذا كا ابكتيتوس علما في التفاؤل‪ ،‬فإ الفلسفة بؤس عند ناركس وتشاؤم عند‬
‫(شوبنهاور)؛ فالطبيعة تسحق الفرد وال تأبه‪ ،‬في الوقت الذي تحافظ على النوع بكا عناد‬
‫وإفرار‪.‬‬
‫ونشكلة الشر والخير أعيت عباس العقاد‪ ،‬ونن قبا ابن سينا كيف يفهم العالم؟ فخرجوا بنظرية‬
‫(نلح العالم) وفي اللحظة التي تختلط علينا فيها اانور يجب فهم الشر والحرب والمرض‬
‫والموت (نلحا) في تجديد الحياة‪ ،‬فلوال الشر نا عرفنا الخير‪ .‬وكما كا الملح لوحده سما‪ ،‬فإذا‬
‫فككنا نركبه عرفنا أنه كلور وفوديوم؛ يعتبر كال ننهما لوحده سما زعافا‪ ،‬كذلك كا الشر في‬
‫العالم حين ينفرد أو يختلط‪ .،‬وهكذا يجب فهم العالم وتحمله‪ ،‬لحين دخول عالم آخر ليس فيه‬
‫هذه التناقض‪ ،‬كما قال القرآ ه الظلم اليومه‬
‫وعند هذه النقطة يسعفنا (نحمد كانا حسين) في كتابه (وحدة المعرفة) أ هناك ثالث أخطاء‬
‫رئيسية في التفكير عن (العلة) و(السببية) و(الثنائية)‪ ،‬يعتبر كال ننهم خطأ قاتال نعيقا في‬

‫‪227‬‬
‫التفكير‪ ،‬و(الثنائية) تشكا ضالال نبينا‪ ،‬فوجب رؤية العالم على شكا طيف نتدرج‪ ،‬كا درجة‬
‫في سلمه تعتبر خيرا في حد ذاتها‪ ،‬ولعلها شرا لما قبلها أو بعدها‪.‬‬
‫و حسب التحدي اارسطي أ الغضب جيد إذا جاء في نكانه شر إذا اختلف‪ .‬وحسب عالم النفس‬
‫(هدفيلد) هأ االندفاعات إ جاءت في نوضعها كانت خيرا‪ ،‬فإذا اختلفت كانت شراه فليس‬
‫هناك نن شر خالص بذاته‪ ،‬ولكنها فضيلة في غير نكانها‪ .‬كما يقول الشاعر العربي أ وضع‬
‫السيف في نوضع الندى نثا عكسه‪.‬‬
‫وهذه المسألة وضع لها الفالسفة ننذ زنن بعيد قانو الوسط الذهبي‪ ،‬أ الفضيلة هي وسط‬
‫بين رذيلتين؛ فوجب فهم العالم على هذه الشاكلة‪ ،‬نثا الشجاعة بين التهور والجبن‪ ،‬والكرم‬
‫بين البخا والتبذير‪ ،‬والعفة بين الجمود والشره‪ .‬وهكذا‪.‬‬
‫وننبع الخطأ أننا نجعا نن أنفسنا نحور العالم‪ ،‬نثا قولنا أ الجو حار‪ ،‬ا درجة حرارة الجو‬
‫أفبحت ثالثين‪ ،‬والطيور تتمتع بدرجة حرارة أربعين‪ .‬ودناغنا يحترق إذا وفا لدرجة حرارة‬
‫اثنين وأربعين‪ ،‬فوجب خفض حرارة الرأس بكا سبيا نمكن‪ ،‬بما فيها وضع الثلج نباشرة على‬
‫الرأس‪ ،‬وهي إزعاج كبير للطيور؟‬
‫وكذلك في البرودة حين تنزل إلى الصفر‪ .‬وفي كندا يكو الجو ربيعا حين تصبح درجة الحرارة‬
‫ففرا عند الناس‪ ،‬فيستبشرو بنزول الثلج‪.‬‬
‫وكالفن أنزل درجة الحرارة إلى ‪ 273,15‬تحت الصفر‪ ،‬وسماها الصفر المطلق‪.‬‬
‫وفا إلى ذلك رياضيا وليس تجريبيا‪ ،‬إل كا جزيء للمادة يجمد عن الحركة في هذا الصفر‬
‫الذي نا بعده ففر‪.‬‬
‫أنا الحرارة فال يعرف لها حدودا؛ فهي على سطح الشمس ستة آالف درجة وفي باطنها تقفز‬
‫إلى نليو ‪ ،‬وهو نا فعله ااشرار نن الناس حين أشعلوا القنبلة الهيدروجينية على وجه‬
‫اارض بحرارة باطن الشمس؛ أو هكذا خيا إلينا‪ ،‬فلوال قنبلة هيروشيما لم يولد السالم العالمي‪،‬‬
‫ولوال ااشرار نن رجال البنتاغو ؛ أو هكذا يخيا إلينا؛ ناكتبنا نقاالتنا في االنترنت‪ ،‬وأرسلناها‬
‫بونض البصر أو هو أقرب إلى نراكز نشرها‪.‬‬
‫وفلسفة القرآ تحيا إلى أفكار نن هذا النوع فتقول عن الكوارث االجتماعية أحيانا ه‬
‫التحسبوه شرا لكم با هو خير لكمه‪.‬‬
‫فوجب االنتفاع نن هذه الفلسفة كي تصبح الحياة نقبولة ونتحملة وإال فمقابلها الحيرة واالم‪.‬‬

‫‪228‬‬
‫الثنائية والديموقراطية نن ننظور الفيلسوف‬
‫ابكتيتوس‬
‫هليس هناك نن شر في العالم‪ .‬هات لي أي شيء وسوف أحوله لك بعصا هرنز إلى خير‪ .‬كا نا‬
‫في العالم خير بما فيه الفقر والمرض والعوز واالم والموته هذا نلا قالله الفيلسلوف الرواقلي‬
‫في القر الثاني للميالد‪ .‬ويمكن تطبيق هذا القانو على كا شليء بملا فيله االحلتالل اانريكلي‬
‫للعراق‪.‬‬
‫تدخا المنطقة الحقبة اانريكية وينقسم الناس إلى فريقين نن يرى فلي أنريكلا اسلتعمار جديلد‬
‫ونن يرى أنها فاتحة الديموقراطية‪ .‬وهذه الرؤيا (الحدية) ضارة انها تنبعث نلن خطلأ ننهجلي‬
‫أ االوا ليس فيها سوى أبيض وأسود‪ .‬وأ الكو نركب على الثنائيلة‪ .‬أو عنلدنا نقلول علن‬
‫الشيء أنه حار وبارد وساكن ونتحرك وحانض وقلوي‪ .‬فنمارس خطأ علميا نن حيث ال ندري‪.‬‬
‫وننبع الخطأ يأتي نن تصور أنفسنا نركزا ً للقياس ونحورا ً للكو ‪ .‬ولم يقع العلم في خطأ أفلدح‬
‫نن تصوره أ اارض نركز العالم وكا نن حولها يدور في حلقات دائريلة نكتمللة كملا تصلور‬
‫ذلك أرسطو أ اللدائرة فلورة الكملال‪ .‬حتلى تبلين أ رؤيلة بطليملوس ال تزيلد علن وهلم وأ‬
‫اارض ليست نركز الكو وأ الدورا ليس على شكا دائرة با على شلكا أهليلجلي بملا فيهلا‬
‫دورا اإللكترو حول البروتو في قلب الذرة كما كشفها (سونر فيلد)‪ .‬ونا ينطبق على الفللك‬
‫يصح على الفيزياء والضوء ليس أسودا وأبيضا با هو طيلف نتلدرج نلن االلوا بلين ااحملر‬
‫واازرق استطاع نيوتن تحليله بموشور زجاجي‪ .‬كملا أ الحلار والبلارد ال يزيلد علن اللدرجات‬
‫التي نشعر بها ودرجة الحرارة ‪ 42‬خطيرة على دناغنا ويجب تنزيلها ولو بمغطس ثللج ولكنهلا‬
‫عادية عند الطيور‪ .‬وتسبح ااسماك بدرجلة حلرارة قريبلة نلن التجملد فلال تشلعر بالقشلعريرة‪.‬‬
‫ونحن نرتعش بسبب تقلص العضالت المتكرر تحريرا للطاقة والدفء‪ .‬ونعلرف اليلوم أ درجلة‬
‫التجمد ففر هي نزول نتواضع لدرجة الحرارة والناس في كندا يبنو فنادق نؤقتلة نلن اللثلج‬
‫فإذا جاء الربيع ذابت؟ واستطاع كالفن أ يصا إلى تحديد درجة البلرودة القصلوى نلزوالً حتلى‬
‫‪ 273,15‬تحت الصفر درجة تجمد الماء‪ .‬أنا ارتفاع الحرارة فلم يمكن تحديدها وهي على سطح‬
‫الشمس ‪ 6000‬ستة آالف درجة وفي باطنها بضعة ناليين‪.‬‬
‫ونا انطبق في الفيزياء ينطبق على الكيمياء والساكن والمتحرك فالحموضة ال تزيد علن درجلة‬
‫تركيز أيونات الهدروجين في الوسط‪ .‬واإللكتلرو يطيلر فلي غمانلة حلول قللب النلواة بسلرعة‬
‫تقترب نن سرعة الضوء‪ .‬وترى الجبال تحسبها جاندة وهي تملر نلر السلحاب فلنع هللا اللذي‬
‫أتقن كا شيء‪.‬‬
‫ويمكن نقا هذا القانو إلى عالم الفكر حينما تقسم ااشياء إلى فواب وخطأ وخير وشلر‪ .‬فكملا‬
‫توزعت درجة الحرارة على شكا طيف وليس على شكا استقطاب حدي وا االنتقال نن الحلار‬
‫إلى البارد وبالعكس هو انتقال في (الدرجة) وليس في (الحقيقة) فيمكن فهم الوجلود عللى هلذه‬
‫الصورة‪ .‬والشر ليس قيمة نوضوعية كما يرى عالم اللنفس (هادفيللد) فلي كتابله (عللم اللنفس‬
‫(خيلر) فلي وقلت‬
‫وااخالق)با (وظيفلة خاطئلة)‪ .‬والوظيفلة (الشلريرة) ههلي اسلتعمال انلدفاع ّ‬
‫خاطيء في نكا خاطيء نحو غاية خاطئةه‪.‬‬
‫ويذهب القرآ إلى عدم اعتبار الشر شرا ً با قد يكو خيراهال تحسلبوه شلرا لكلم بلا هلو خيلر‬
‫ً‬
‫لكمه كما أ الكثيرين نن ااخسرين أعماالً الذين ضا سلعيهم فلي الحيلاة اللدنيا وهلم يحسلبو‬

‫‪229‬‬
‫أنهم يحسنو فنعا‪ .‬كما أ المنافقين حينما يخاطبو أنهلم يفسلدو فلي اارض يقوللو إنملا‬
‫نحن (نصلحو )؟ أال إنهم هم المفسدو ولكن ال يشعرو ‪ .‬وكلمة (ال يشعرو ) حقيقة اكتشفها‬
‫على النفس التحليلي وسماها (الالشعور ‪.)Subconcious‬‬
‫وفي الفلسفة حيرت نشكلة الشر العقول ونعنى بناء هذا الكو المليء بلالظلم وعلدم االكتملال‪.‬‬
‫ولكنها نسألة يمكن فهمها ضمن (بانورانا) كونية ولليس ضلمن فكلرة (الثنائيلة)‪ .‬فالشلر لليس‬
‫شرا ً كما يقول الفيلسوف (ابكتيتوس ‪ 135 -55‬م) الرواقلي اللذي كلا ال يلرى فلي العلالم شلرا‬
‫نطلقا ً با درجة في الخير حسب عالقتنا به بما فيه الموت‪ .‬فهذه الحيلاة نائلدة علانرة دعانلا هللا‬
‫إليها فإذا انتهت وجب أ نشكر فاحب الوليمة وننصرف شاكرين حاندين ال باكين نادبين‪.‬‬
‫وهذه الفكرة تتصا بنظرة (البوذية) عن نفهوم (الصيرورة) وأ الحياة حركة فوق جسر ونلن‬
‫أراد الوقوف على الجسر وقف ضد تدفق نجرى الحياة وعانى‪ .‬واستيعاب الصيرورة هلو اللذي‬
‫يخلص نن المعاناة‪ .‬فيجب االستسالم إلى السياق الكوني إ أردنا الوفول إلى السعادة الشانلة‬
‫بدو نقص الممتدة بدو انقطاع (النيرفانا)‪.‬‬
‫وقد نجح الفقهاء في اسلتيعاب هلذه المنظونلة عللى أسلاس الطيلف ولليس االسلتقطاب وتوليلد‬
‫أحكانهم وفق حركة ضمن طيف في خمس نحطات تواترية بين أقصى الحرام نرورا بلالمكروه‬
‫ثم المباح وفوال إلى المستحب وانتها ًء بالواجب‪ .‬وهي حركة جدا نوفقة أكثر نن جعا ااحكلام‬
‫تتذبذب على نحو ثنائي بين الحالل والحرام كما تتصدر العناوين بعض الكتلب (الحلالل والحلرام‬
‫في اإلسالم)‪.‬‬
‫والكهرباء هي حركة بين السالب والموجب وليست قرارا عنلد قطلب فبلأي آالء ربكملا تكلذبا ؟‬
‫وال تسبح النفس في حركة فعّالة أكثر نن السباحة بين قطبي اانلا واليلأس‪ .‬وال أدعلى لتمثيلا‬
‫هذه الفكرة نن رجا نطارد نن جماعة تريد القبض عليه‪ .‬فأفضا ركلض لله هلو وقوعله تحلت‬
‫تأثير نفسي بين الطملع بالنجلاة والخلوف نلن الوقلوع فلي أيلديهم‪ .‬وتتوقلف حركتله طلردا نلع‬
‫االقتراب نن أحد قطبي اليأس واانن‪ .‬وهي نحطتا ذكرهما القرآ أنله ال ييلأس نلن روح هللا‬
‫إال القوم الكافرو ‪ .‬وأ (ال يأنن) أها القرى أ يأتيهم هبأسنا بياتا وهم نائمو ه‪ .‬فالتحرر نن‬
‫قطبي (اانن) و(اليأس) هو الذي يفجر الحركة نلن أفضلا ينابيعهلا طاقلة‪ .‬واالقتلراب نلن أحلد‬
‫القطبلين يعلدم الحركلة تلدريجيا‪ .‬فللإذا اسلتولى أحلد الشلعورين كفللت الحركلة علن التوللد‪ .‬فهللي‬
‫رياضيات نفسية‪.‬‬
‫وفي تحليا سياسي قام به (نالك بن نبي) في عالم اافكار فذهب إلى أ الضالل السياسي سلببه‬
‫الوقوع في ذها (االستحالة) و(السهولة) وااشياء في طبيعتها ليست كذلك با تسبح في طيف‬
‫نن الممكن والصعب والمستحيا‪.‬‬
‫واالستحالة تعني أ ال فائدة نن بذل الجهد‪ .‬ولكن الكثير نما نظنه نسلتحيال هلو فلعب ال أكثلر‬
‫وهو يتطلب بذل الجهد المكافيء‪ .‬كما أ بعض اانور المستحيلة تتحول إلى نمكنلة نلع اللزنن‬
‫كما في نقا الصوت والصورة بالقوة الكهرطيسية‪ .‬وحين نقع في رها الزهد بالموجود والحللم‬
‫بالمستحيا نرسا عقولنا نعطلة إلى إجازة نفتوحة؟‬
‫ونوقف العرب نن إسرائيا هو نن هذا القبيا فإنا كانت إسرائيا (دويلة عصابات) وإنا (التنين‬
‫النووي) يقذف بشرر كالقصر كأنه جمالة ففر ويا يونئذ للمكذبين؟ وهي ليست ذلك وال تلك؟‬
‫وكذلك الحال نع الدينافور اانريكي‪ .‬ويمكن فهم الزللزال اانريكلي خلارج ننظونلة زرادشلت‬
‫بين (أهرنا ) إله الشلر و(أهرنلزدا) إلله الخيلر للخلالص نلن ااوهلام العقليلة ااربلع لتحريلر‬
‫اإلنسا كما قرر فرانسيس بيكو ‪ :‬أوهام الكهف والقبيلة والمسرح والسوق‪.‬‬
‫يجب النظر إلى االحتالل اانريكي نن جانلب أنله اسلتعمار بغليض‪ .‬ونلن جانلب أنله خيلر حطلم‬
‫أفنام النمرود‪ .‬وبين أ تستغا أو أ تستغا شعرة‪ .‬والفرق بين الزنا واالغتصاب والزواج أقا‬
‫نن شعرة فهي نمارسة جنسية على كافة ااحوال ولكن تمارس بين السرية والرضا واإلكراه‪.‬‬

‫‪230‬‬
‫وفي يوم احتلت أنريكا اليابا وألمانيا‪ .‬وروى لي الفيلسوف فيندوف نن ندينة آخن في ألمانيلا‬
‫كيف جاع االما بعد الحرب فأكلوا لحاء الشجر وطبخوا أعشاب اارض ولم يكن يمللك أحلدهم‬
‫في جيبه نارك واحد ولم تبق عملة يتداولها الناس ثالث سنين‪.‬‬
‫واليوم يحلق اليورو إلى سحب الغمام وتملك اليابلا أضلخم احتيلاطي نلن اللدوالر ‪ 462‬نليلار‬
‫نقابا ‪ 80‬نليار تملكها أنريكا كما أوردته نجلة در شبيجا االمانية‪.‬‬
‫وكا سقراط ينظر إلى ذباب الخيا أنه يهيجها فيطلرد عنهلا الخملول‪ .‬ورأى (تلوينبي) الملؤرخ‬
‫البريطاني نصيبة إسرائيا أنهلا رحملة للعلرب كلي تخللق عنلدهم تحلدي النهلوض‪ .‬وال تتحلول‬
‫الدودة إلى فراشة بدو نعانلاة تمزيلق السلجف فتطيلر‪ .‬وال تلتم والدة بلدو كلرب ودنلاء‪ .‬وال‬
‫أطهر نن النار لتنقية المعد نن الشوائب‪ .‬ولقد خلقنا اإلنسا في كبد‪.‬‬

‫‪231‬‬
‫قصة الملك الفيلسوف آشوكا‬
‫يبدو إ الهند على نا يبدو خزا روحي فمنها خرج غاندي وجماعة الدعوة والتبيلغ وقبا هذا‬
‫الملك الفيلسوف آشوكا‪ ،‬وهناك تمثا وإفراز لكا نبدأ حسب طبيعة المنطقة‪ ،‬والصحراء ليس‬
‫فيها ياسمين وزنبق با شوك حاد وأثا وخمط وشيء نن سدر قليا‪ .‬وكذلك اافكار والدعوات‪،‬‬
‫وعندنا يسلم الياباني فلن يكو نثا إسالم رجا نن راوندا‪ ،‬وهذا ليس نيزة لهذا أو عيبا لذلك‬
‫ولكنها طبيعة المنطقة وكيف تخلق الناس‪ ،‬وفي الحديث تجدو الناس نعاد نثا نعاد الذهب‬
‫والفضة‪ .‬وفي الهند حصلت نعجزة انقالب الملك آشوكا نن نجرم إلى قديس‪ .‬ففي عام ‪273‬‬
‫قبا الميالد اعتلى عرش الهند الملك (آشوكا فارذانا) وكانت نملكة عريضة تضم كا الهند‬
‫الحالية ناعدا نناطق التانيا في الجنوب باإلضافة إلى بلوشستا وأفغانستا ‪ .‬وكا نلكا ً جبارا ً‬
‫يحكم بالحديد والنار‪ ،‬ونما فعله أ بنى سجنا ً رهيبا ً شمال العافمة أطلق عليه الناس (جحيم‬
‫آشوكا)‪ ،‬وكانت تعاليمه أ نن دخله ال يخرج ننه حياً‪ .‬وفي يوم أخبره السجا أ راهبا ً بوذيا ً‬
‫ألقي في القدر المغلي فلم يصب بأذى ل هكذا تقول ااسطورة ل فهرع اإلنبراطور ليطلع على‬
‫أنر الراهب فوجد ذلك حقيقة فلما أراد االنصراف ننعه السجا بقوله تعليماتك يا سيدي ننفذها‬
‫حرفيا ً فمن دخا خرج نيتا ً ولن تشذ أنت عن القانو ‪ .‬نظر آشوكا إلى السجا بعجب وغضب ثم‬
‫أنر أ يلقى في القدر المغلي فمات نسلوقا ً نثا الدجاج‪ .‬تقول الرواية أ الملك رجع إلى قصره‬
‫وهو يفكر بعجائب تصريفات ااحداث فلم ينم ولم يخرج عليه الصبح إال والرجا قد انقلب على‬
‫عقبيه وسيطرت عليه الرحمة للعباد‪ .‬فأنر بهدم سجن الجحيم‪ ،‬ثم أفدر أوانره بالكف عن‬
‫الحرب بتاتاً‪ ،‬وبدأ في حملة بناء المدارس والمشافي بما فيها نستشفيات للحيوانات‪ .‬وهكذا‬
‫كفت طبول الحرب عن القرع ونطق القانو كما يقول المؤرخ (ديورانت)‪ .‬واعتنق نبدأ الطريق‬
‫ذو الحكم الثمانية‪(:‬اآلراء القويمة وااهداف الصحيحة والقول السديد واافعال الصالحة‬
‫والمعيشة الصحية والمجهود المكافئ والذاكرة بتركيز والتأنا الباطني) وهي نراحا تؤدي إلى‬
‫التنوير الكانا‪ .‬وبدأ يعيش ببساطة وبنى ‪ 48‬ألف نركز ثقافي وأرسا اعتذارا عجيبا ً لقبيلة‬
‫(كالنجا) عن سلبهم وأعاد إليهم أراضيهم وعوضهم عن خسائرهم ‪ .‬لم يصدق الناس عيونهم‬
‫ها يمكن أ يتحول اإلنسا إلى نالك‪ .‬في الواقع كا آشوكا قد أنقلب جذريا ً وآنن بالسلم‬
‫وسيلة لحا المشاكا بين البشر وكف عن شن أية غارة أو حرب نع الجيرا أو داخا بلده‪.‬‬
‫وبدالً عن ذلك بدأ بنشر تعاليم الرحمة وأوفى نوظفيه أ يعانلوا الناس بالحب والمرحمة وأنه‬
‫يعانلوهم نثا أبناءهم‪ .‬فترك ذكراه العطرة في التاريخ وانتشرت البوذية بفضله نن سيال إلى‬
‫اليابا شاهدا ً على أثر السياسة في المذاهب‪ .‬وهللا أنزل الحديد فيه بأس شديد‪ .‬ونن الهند‬
‫نروي قصة الشيخ (المالنبوري) نن جماعة الدعوة والتبليغ أنه بلغه يونا ً خبرا عن رجا‬
‫ارتكب المحرنات ونارس الفسوق وعكف على الخمرة‪ .‬قال لمن حوله لقد ألهمني هللا أ أزوره‬
‫وأكسبه إلى فريق الصالحين فماذا أنتم فاعلو ؟ قال نن حوله‪ :‬نخاف الرجا على أنفسنا‪ .‬فما‬
‫زال يسألهم واحدا واحدا ً والكا نتخوف ونمانع‪ .‬فلما يأس ننهم قال إني ذاهب فاتبعوني‪ .‬فلم‬
‫وفا إليه قال له اخرج نعنا‪ .‬قال بشرط‪ .‬قال نا هو؟ قال خمرتي ال أفارقها وأنا حانا ننها‬
‫عبوتين‪ .‬قال له‪ :‬قد قبلنا شرطك‪ .‬ولكن لنا نحن شرط؟ قال و نا هو؟ قال أ تأتي إلى المسجد‬
‫وتترك أوعية الخمر في دورة المياه‪ .‬قال قد قبلت‪ .‬فلما جاء الرجا استقبلوه بحب وترحيب‬
‫وأكرنوه جدا فخجا نن نفسه فلما سمع الكالم انقلب الرجا وتاب‪ .‬ونن قواعدهم الجوهرية‬

‫‪232‬‬
‫ستة أنور‪ :‬التوحيد‪ ،‬والصالة نع الخشوع‪ ،‬والعلم نع الذكر‪ ،‬والتواضع‪ ،‬وإكرام المسلمين‪،‬‬
‫وإخالص النية‪ .‬وينقا عن العالم (المالنبوري) أ الرجا التائب بعد ذلك قام في ظلمة الليا فبكى‬
‫وسالت دنوعه كالميازيب؛ فوقف خلفه الشيخ وهو يقول‪ :‬إ رحمة هللا نركزة فوق الرجا فلعا‬
‫القليا أ يصيبني ننه‪ ،‬وهذا القليا ليس بالقليا‪ .‬فهذه هي أخالق العلماء نن الرحمة والحب‬
‫واإلنسانية‪ .‬إنهم أنا الجنس البشري فبهداهم اقتده‪.‬‬

‫‪233‬‬
‫رهان باسكال‬
‫قال (باسكال) يخاطب رجال دهريا كما جاء في القرآ ه وقالوا نا هي إال حياتنا الدنيا نموت‬
‫ونحيا ونا يهلكنا إال الدهره إ كا الموت نهاية الجميع وختام كا شيء فلن نختلف عن‬
‫بعضنا في شيء‪ .‬أنت نن ال يؤنن بالنشور وأنا نن يعتقد جازنا بها‪ .‬ولكن إ هناك شيء فإنك‬
‫تقانر بكا نصيرك‪ .‬ولذا كا نن ااعقا وااضمن أ تراهن على كال النهايتين‪ .‬وفي‬
‫الرياضيات نن راهن على كا االحتماالت المتوقعة كا حكيما ذكيا‪ ،‬ونن راهن على احتمال‬
‫واحد كا نن المقانرين في كازينو يضم الكثير نن المحتالين‪ .‬ونهايته إلى إفالس‪ .‬ونا قاله‬
‫الفيلسوف الفرنسي فلسفة قاله أبو العالء شعرا‪:‬‬
‫ال تحشر ااجساد قلت إليلكما‬ ‫قال الطبيب والمنجم كالهما‬

‫إ صح ق ند ف نخو ر عليك‬ ‫إ صح ق نك فلوت بخ ور‬

‫جوقيك‬ ‫ارت برقي نلصالة قبله ار فأي من ار‬


‫وال يظهر الفرق بين (العلم) و(الدين) و(الفلسفة) كما يظهر في هلذه النقطلة‪ ،‬فأنلا العللم فلليس‬
‫عنده نفي وإثبات‪ ،‬وال يستطيع البرهنة على عالم آخر إال نا وفا إليه بالقياس واالختبار‪ .‬وأنا‬
‫الفلسفة فهي تحرك ااسئلة خلف ااسلئلة وهلي ننطقلة نكشلوفة ونعرضلة للهجلوم نلن العللم‬
‫والثيولوجيا كما يقول (برتراند راسا) الفيلسوف البريطلاني‪ .‬وأنلا اللدين ففيله العلزاء‪ .‬وطلرق‬
‫سيد قطب في كتابه (نشاهد القيانة في القرآ ) فكرة اليلوم اآلخلر وقلال إ ينلابيع هلذه الفكلرة‬
‫تأتي نن ثالث‪ :‬تحقيق العدالة ونعنى الوجود وفكرة الغيب‪ .‬فالقرآ يقلول إنله للم يخلقنلا عبثلا‪.‬‬
‫ويوم القيانة توضع الموازين القسط ولو كا نثقال حبة نن خردل‪ .‬والكو لليس كلرة أرضلية‬
‫با عالم ابتدأ قبا ‪ 15‬نليار سنة بانفجار عظليم وهلو يمضلي إللى اجلا نسلمى‪ .‬وفلي كثيلر نلن‬
‫ااحيا تروادني هذه الفكرة كما راودت الكثير عن نوت بشلر نجلرنين فلي علزة وشلقاق نثلا‬
‫ستالين وفدام وآخر نن شكلهما أزواج فمهما حوسلبوا وعوقبلوا فلإ العداللة اارضلية تبقلى‬
‫عاجزة‪ .‬وهنا نحن أنام أحد احتمالين‪ :‬فكرة القيانة والعلدل الكانلا أو فكلرة العبثيلة‪ .‬وخللق هللا‬
‫السموات واارض بالحق وإليه ترجعو ‪ .‬وربما كانت الثقافة الفرعونية نن أكثر الثقافات التلي‬
‫تركت خلفها الرسوم والنقوش في شرح العالم اآلخر‪ ،‬ولكن ااهرانات قانت لتخليد بشلر فلانين‬
‫فانحرفت الحضارة ونرضت ثم اندثرت وال يوجد نصري واحد اليوم ينطق اللغة الهيروغليفية‪،‬‬
‫ويوم القيانة لن يفرق بين فرعو وديكتاتور وفلالح وعانلا بلا كلهلم يأتيله فلردا بعلد أ أدى‬
‫دوره في نسرحية الوجود‪ .‬ويوم القيانة ال تجزي نفس عن نفس شيئا وال يقبلا ننهلا علدل وال‬
‫تنفعها شفاعة إال نن أذ له الرحمن وقلال فلوابا والمسلئولية فرديلة‪ .‬وهلذا شليء نهلم أ ال‬
‫يقفو اإلنسا نا ليس له به علم إ السمع والبصر والفؤاد كا أولئك كلا عنله نسلئوال‪ .‬وينقلا‬
‫عن سقراط قوله أ الموت يعني له واحدا نن اثنين فإنلا كلا نونلا بلدو أحلالم أو يلوم جديلد‬
‫وخلق نستأنف في بعد نختلف‪ .‬والكو الذي نعيش فيه ال تنقضي عجائبه‪ ،‬وذهب البروفيسلور‬
‫(يا أوئي ‪ )Yaoi‬نن جانعة لوند في اليابا في تفسيره الختفلاء السلفن والطلائرات فلي نثللث‬
‫الموت في المحيط الهادي جنوب اليابا والمقابا لمثلث برنودا في المحيط ااطلنطي أنه انتقلال‬
‫نن بعد إلى بعد نختلف نثا انتقال الصوت والصورة نن المادة المرئيلة المسلموعة إللى هلزات‬
‫السلكية بمعنى أ نن يختفي ينتقا إلى بعد جديد النلراه وال نلمسله ولكنله كلو خفلي نلوازي‪.‬‬
‫وبالطبع فإ هذا الكالم اليوافقه عليه نعظم العلماء ولكن العلم تدفق دونا بلين الشلكا والغرابلة‬
‫والبحث‪ .‬ونضع الموازين القسط ليوم القيانة وإ كا نثقال حبة نن خردل أتينا بها وكفلى بنلا‬
‫حاسبين‪.‬‬

‫‪234‬‬
‫شوبنهاور ‪ :‬العالم إرادة وفكرة‬
‫جاء في كتاب (قصة الفلسفة) للكاتب اانريكي (ويا ديورانت) ل وهو كتاب جدير باالطالع ل‬
‫يتحدث فيه عن الفيلسوف االماني (آرثر شوبنهاور) ص ‪ 394‬هأنه جرت عادة الفيلسوف أ‬
‫يتناول طعام غدائه في نطعم يتردد عليه اإلنجليز‪ ،‬وكا يضع دينارا ً ذهبيا ً على نائدة الطعام‬
‫أنانه في كا نرة قبا تناول طعانه‪ ،‬ويعيده إلى جيبه بعد انتهاء كا وجبة‪ ،‬فسأله خادم المطعم‬
‫يونا بفضول عن هذا التصرف فأجابه شوبنهور‪ :‬أنه قد أخذ على نفسه عهدا بإلقاء هذا الدينار‬
‫الذهبي في فندوق الفقراء في أول نرة يسمع فيها الضباط يتحدثو في شيء آخر سوى‬
‫الحديث عن الخيا والنساء والكالب‪ .‬وهو يعيده إلى جيبه انهم ال حديث لهم سوى هذه‬
‫اانوره‪.‬‬
‫وأنا شخصيا أتعجب نن أناس كيف يضيعو أوقاتهم في التوافه‪ ،‬واإلنسا كمعادلة ال يزيد عن‬
‫هلحظات الجهد الواعي المبذولة عبر الزننه‪.‬‬
‫والقرآ يتحدث عن الذين هجاهدوا في هللا حق جهادهه‪ ،‬والجهاد في هللا هو نجاهدة النفس‬
‫الكتشاف العالم‪.‬‬
‫وحسب (شوبنهور) فإ الفيلسوف هو الذي يحافظ على روح الطفولة نن الدهشة واكتشاف‬
‫العالم‪.‬‬
‫وحفظت عن (نالك بن نبي) فقرة جميلة تقول‪ :‬هيصعب على الشعب الثرثار التنبه لوقع أقدام‬
‫الوقت الهاربه‪.‬‬
‫ويوجه إلي كثيرا نفس السؤال‪ :‬كيف توفق بين الطب والفكر ونن أين تأتي بالوقت؟ والجواب‬
‫إنه ليس الوقت با االستفادة نن الوقت‪ ،‬وأنا كتبت هذه المقالة بينما كانت نساعدتي تحضر‬
‫المريض في قاعة العمليات فال أضيع الوقت بما فيه وقت االنتظار‪.‬‬
‫والغزالي عاش ‪ 55‬سنة ولكنه ترك ‪ 280‬كتابا يقال وأعظم كتبه المنقذ نن الضالل والموفا‬
‫إلى ذي العزة والجالل‪.‬‬
‫وكا راسا يكتب كا يوم حتى عمر التسعين ثالثة آالف كلمة‪ ،‬ورأيته أنا نرة في نناني‬
‫ففرحت وأطلعني على بعض كتبه‪ ،‬ونا زلت أبحث عن كتابه في أبجديات النسبية‪ ،‬أنا كتاب‬
‫ذكرياته الشخصية فهو تناول فاكهة وأبا‪.‬‬
‫والحياة قصيرة كما يقول شوبنهاور‪ ،‬ولكن الحقيقة بعيدة ااثر وحياتها أطول‪ ،‬ونشكلة الوقت‬
‫أنه رأسمال واحد نتوفر للجميع‪ ،‬ونا كا عطاء ربك نحظورا‪ ،‬ويفضا هللا بعضهم على بعض‬
‫بكيفية استخدام الوقت‪ ،‬فمنهم نن بنى نفسه به‪ ،‬وننهم نن أضاعه فأفبح نفلسا‪ ،‬خسر الدنيا‬
‫واآلخرة ذلك هو الخسرا المبين‪.‬‬
‫وحسب الفيلسوف (نحمد إقبال) فإ الزنن ليس دورة الفلك با حالة النفس‪ ،‬وقد يقرأ اإلنسا‬
‫عشرات الكتب تسلية‪ ،‬وقد يقرأ قصة أو كتابا فيخرج ننه وقد تغير‪.‬‬
‫والقرآ كتاب حجمه ليس بالكبير ولكنه قلب نحاور التاريخ ونا زال‪.‬‬
‫وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على نكث ونزلناه تنزيال‪.‬‬
‫والفلسفة كما يقول شوبنهاور ليست قراءة الكتب با تأنا الحياة‪ ،‬وهو نن أجا ذلك وضع كتابه‬
‫في عام ‪1844‬م بعنوا (العالم إرادة وفكرة) ولكن بكا أسف فلم يباع إال بنسخ نعدودة وبعد‬
‫‪ 16‬سنة نن إفدار الكتاب أخبر الناشر الفيلسوف المحبط أ جز ًء نن كتابه سوف يباع تالفا‬
‫فيستخدم لحزم البضائع ولف سندويش الفالفا؟ فالكتاب لم يلفت النظر ولم يباع؟ وفلسفة‬
‫نعرض عقولنا باستمرار لتدفق أفكار غيرنا‪ ،‬انه‬ ‫شوبنهاور في الكتاب جميلة‪ ،‬فهو يرى أ ال َّ‬
‫يحصر أفكارنا ويكبح انطالقها‪ ،‬ويؤدي في النهاية إلى شا قوة التفكير عندنا‪.‬‬
‫ولقد كتب دورانت في كتابه قصة الفلسفة فصال جميال عن شوبنهاور وكتابه ينصح باالطالع‬
‫عليه‪.‬‬

‫‪235‬‬
‫ونن الخطر أ نقرأ عن نوضوع قبا أ نكو قد فكرنا فيه بأنفسنا‪ ،‬وأنا اذكر ذلك نن نفسي‬
‫حين تعلمت الطب‪ ،‬وهو أنر اكتشفته بنفسي‪ ،‬ربما نن البناء الفلسفي عندي‪ ،‬فنقلت الفكر إلى‬
‫عالم البيولوجيا‪ ،‬وااطباء أوالد نهنة اليختلف فيه جراح عن سائق شاحنة إال ربما بلو‬
‫المالبس أزرق وأبيض؟‬
‫كنت اطرح السؤال وأبحث عن المريض؟ ثم أرجع فأقرأ المصادر‪ ،‬فتعلمت وبنيت الكثير‪.‬‬
‫وفي جراحة ااوعية الدنوية وضعت أيضا ألف سؤال وجواب‪ ،‬وهي طريقة جيدة لتدريب العقا‬
‫على شحنه بالمعلونات‪.‬‬
‫وحسب شوبنهاور فنحن عندنا نقرأ لغيرنا يكو غيرنا يفكر لنا‪ ،‬وهو أنر يجب أ نطبقه على‬
‫نفس أفكار الفيلسوف‪.‬‬
‫نطبق هذا خافة على أحكانه السيئة سواء في نسحة التشاؤم التي تغمر نؤلفاته‪ ،‬ولم يكن‬
‫الوحيد با كا طابع العصر‪ ،‬ويشبهه في هذا (بيرو ) البريطاني و(هيني) االماني و (دي‬
‫نوسي) الفرنسي و(ليوباردي) اإليطالي و(بوشكين) الروسي‪ ،‬با وحتى الموسيقيين نن أنثال‬
‫(شوبرت) و(شوبا ) و(بيتهوفن)؛ فالعصر كله كا حطانا يبابا خرابا بعد حروب نابليو ووأد‬
‫الثورة الفرنسية وعودة اإلقطاعية والحكم الملكي نن آل بوربو في فرنسا‪.‬‬
‫ولكن كما يقول نيتشه التفاؤل سطحية والتشاؤم عالنة انحطاط‪ ،‬والخير في والدة اانا نن‬
‫رحم المعاناة‪ ،‬وكذلك كا عصر الكالسيك الرائع‪ ،‬ولنا الويا اليوم نن رقافات الفضائيات في‬
‫نظاهر انحطاط عربي عارم‪.‬‬
‫أو في نظراته عن (المرأة) المستقاة نن تجارب غير سارة نع والدته التي كا يزورها قليال‪،‬‬
‫وعندنا ألقت به نن على الدرج‪ ،‬ودعها في السنوات الل ‪ 24‬ااخيرة نن حياتها؛ فلم يتقابال‬
‫حتى نات وناتت‪.‬‬
‫وهو يقول‪ :‬إ أول نصيحة نوجهها هي االستفادة نن خبرة الحياة وتجاربها قبا الكتب‪ ،‬وثانيا‬
‫نطالعة الكتب نفسها قبا نطالعة نا كتب حولها‪ ،‬وهي حكمة بالغة‪ ،‬وأ نقرأ نا كتب المؤلفو‬
‫قبا قراءة نا كتب النقاد والمعلقو ‪ ،‬إذا ال يمكن تلقي اافكار الفلسفية إال نن المؤلفين أنفسهم‬
‫نن نحرابهم ونكا عبادتهم وتألقهم‪.‬‬
‫لذلك ينبغي على كا نن يشتغا بالفلسفة أ يبحث عن نعلميها الخالدين في نعبد إنتاجهم‬
‫ونؤلفاتهم‪ ،‬وإ كتابا واحدا نن عبقري يساوي ألفا نن كتب المعلقين‪.‬‬
‫وهو نا فعله المؤرخ ديورانت حينما عكف على كتاب العالم إرادة وفكرة فوففه بأنه سها‬
‫نمتنع ليس في اضطراب وغموض نا كتبه (هيجا) أو نا فعا (سبينوزا) بربط اافكار‬
‫بالهندسة‪ ،‬أو تعقيد المصطلحات الموجودة في كتابات (إيمانويا كانط)‪.‬‬

‫‪236‬‬
‫الفيلسوف اإلنساني (ايراسموس)‬
‫نا يزال سر عصر النهضة في أوربا نحيرا فما الذي يوقظ اانم نن سبات الجهالة؟ وأذكلر أنله‬
‫جاءني في يوم رسالة نن فاحب نوسوعة (تحرير المرأة في عصر الرسالة) عبلد الحلليم أبلو‬
‫شقة سؤاالً نحدداً‪ :‬نا الذي يعين على إيقاظ الوعي عند اإلنسا ؟ ونا هي الكتب التي تساهم في‬
‫ذلك؟ وننذ ذلك الوقت وأنا أنصح كا نهتم بالمعرفة أ يضع في بيته نائلة إللى نلائتين كتابلا ال‬
‫يزيد تعتبر حجر الكبريت في إيقاد زناد المعرفة‪ .‬واعتلرف أنلا شخصليا ً أننلي نشلأت نلن أبلوين‬
‫شبه أنيين‪ ،‬وللم يكلن فلي بيتنلا كتابلا واحلدا‪ ،‬وال أعلرف نلن أيلن جلاءني الشلغف بالكتلب فلال‬
‫يغادرني الكتاب حيثما حللت ورحلت كما قال الفيلسوف اإلنساني (ايراسلموس)‪ :‬هإ بيتلي هلو‬
‫المكا اللذي توجلد فيله نكتبتليه؟ نلع هلذا فكتلب الفلسلفة تسلتطيع أ تصلف عصلر التنلوير‬
‫(‪ )Renaissance‬الذي بدأ في ننتصف القر الخانس عشر ونا زالت أنواجله تكبلر وتتلدافع‬
‫حتى اليوم وكا طوفا الحداثة هو نن ذللك البركلا اللذي تفجلر نلن شلمال إيطاليلا ليغطلي كلا‬
‫القارة ااوربية ثم العالم‪ ،‬بأنه جمع نا اليقا عن عشرة نزايا على شكا حلقة كا طرف يؤثر في‬
‫اآلخر على نحو نتبادل عكوس‪ .‬فقد نشأ شيء اسمه (الفلسفة السياسية) فلي نحاوللة اكتشلاف‬
‫قوانين اللعبة السياسية نثلهلا فلي أوضلح فلورة كتلاب (اانيلر) لمكيلافيللي‪ .‬وظهلرت بلدايات‬
‫(االتجاه اإلنساني) الذي ال يعبأ بالقونيلة وقلام بنقلد النصلوص الدينيلة ظهلر هلذا واضلحا عنلد‬
‫إيراسموس وتوناس نور‪ .‬وتقدنت الفنو التكنولوجية سواء فلي التعلدين أو التنجليم أو نظلام‬
‫السقاية‪ .‬وكانت أوربا ال تعرف الحمانات وتقتا الساحرات والقطط في الساحات العانلة وتعلالج‬
‫السعال الديكي بلبن الحمير‪ .‬وولدت المطبعة عللى دهشلة نلن أوربلا عللى يلد (جلوتنبرغ) ونلع‬
‫الطباعة والورق تحرر عقا اإلنسا كما يقلول الملؤرخ البريطلاني (هلل ‪ .‬ج ‪ .‬ويللز) فلي كتابله‬
‫(نعللالم تللاريخ اإلنسللانية)‪ .‬وبللدأت عمليللة إحيللاء الدراسللات الكالسلليكية فللي اآلداب والفنللو‬
‫والفلسفة‪ .‬واول نرة بدأ تداول أرسطو وسقراط وسينيكا وايبيكتيتوس بعلد العصلر ااغريقلي ل‬
‫الروناني ولكن بنسخة نعدلة‪ .‬واول نرة تبدأ العلوم في االنتعاش والتقدم على كا الجبهات في‬
‫الطللب أو الفلللك أو الجغرافيللا أو الكيميللاء وعلللم الللنفس والتللاريخ‪ .‬فللالمخترع (ليونللاردو) يتنبللأ‬
‫بأشياء كالخيال نن الطيارة والغوافة‪ .‬وتتحلول نعرفلة السلماء نلن (عللم التنجليم) إللى (عللم‬
‫الفلك)‪ .‬وكما يقول المؤرخ اانريكي (ويا ديورانت) في سفر كتابه (قصة الحضارة) الذي كتبله‬
‫أ عللام ‪ 1543‬كللا عللام العجائللب ففيلله تللم خللرق السللماء والجسللم واارض؛ فرسللمت اارض‬
‫بجغرافيا جديدة ولم يبق نكا لبحر الظلملات‪ ،‬واول نلرة دار (نجلال ) حلول اارض الكرويلة‬
‫بعد أ كانت شيء نظري نتنازع عليه‪ .‬وقلب (كوبرنيكوس) المفهوم الكنسي حول اارض التي‬
‫يدور حولها كا شيء وتحولت إلى كوكب تافه فلي نجلرة عمالقلة فلي نظلام شمسلي النهايلة ال‬
‫حللدوده‪ ،‬كمللا عبللر عللن ذلللك الفيلسللوف الفرنسللي باسللكال‪ :‬هنحللن نللأتي نللن العللدم ونطللوق‬
‫بالالنهائي‪ ،‬وال نعرف شيئا عن العدم الذي خرجنا ننه كملا ال نعلرف شليئا علن الالنهلائي اللذي‬
‫يغلفنا‪ ،‬كما أننا نمضي في النهاية إلى العدم نن حيث خرجنا فال نبلق شليئا نلذكورا‪ .‬وإذا نظرنلا‬
‫إلى أنفسنا في اللحظة الواحدة؛ فنحن كا شيء نقارنة بالعلدم اللذي خرجنلا ننله‪ ،‬ولكننلا علدنا‬
‫بالنسبة للالنهائي الذي يطوقنا‪ ،‬وهكذا فنحن نسبح فلي اللحظلة الواحلدة بلين العلدم والالنهائيلة‬
‫بدو إدراك للطرفين وفهم للحافتين)‪ .‬ودخا (فيزاليوس) بجرأة إلى تشريح الجسم بعلد أ كلا‬
‫تشريحه حجرا نحجورا‪ ،‬وعرفنا أ البد آلة فيزيولوجية تعما بقوانين نثا أي آللة نلع فلارق‬
‫التعقيد‪ ،‬وبذلك دخا العلم إللى آليلة اانلراض ونعالجتهلا عللى نحلو انقالبلي فتحلرر الطلب نلن‬
‫الخرافة والسحر والشعوذة‪ .‬وغادر علم (الخيميا) ليصبح عللم الكيميلاء الحلديث‪ .‬وكلا العصلر‬
‫عصر المغانرات واالكتشاف ففي علام ‪1492‬م كلا (عبلد هللا الصلغير) يسللم نفلاتيح غرناطلة‬
‫وتتحد أسبانيا وينطلق (كولمبس) في رحلة إلى المجهول بأغرب نن ارتياد الملريخ هلذه اايلام‬

‫‪237‬‬
‫وأعجب نا فيه هي فكرة الوفول إلى الشرق نن الغرب‪ ،‬نثا نن يريد أ يدل على أذنه الشمال‬
‫باليد اليمنى‪ .‬والذي دفع لهذا الضغط العثماني الذي قطلع طريلق التجلارة إللى الشلرق فأفلبحت‬
‫أسبانيا والبرتغال وظهرهما إلى المحيط وننه جاء الخيلر فأنلا البرتغلال ففضللت تطويلق العلالم‬
‫اإلسالني تسلال بجانب الواطيء اافريقية التي بدأها اانير (هنلري الملالح) علام ‪1418‬م وأنلا‬
‫(كولمبس) فقد ضرب ضربته التاريخي فنقا الحضارة كلها نن حوض المتوسلط إللى ااطلنطلي‬
‫ووضع يد الغرب على أراضي أكبر نن سلطح القملر‪ .‬ولكلن أهلم نلا حصلا عللى اإلطلالق كلا‬
‫اإلفالح الديني الذي جاء ننه الفتح المبين‪ .‬ونن سبق نارتن لوثر كا اإلنساني (ايراسموس)‬
‫الذي كتب عام ‪1517‬م إلى فديقه الكردينال يورك‪:‬هفي هذا الجزء نلن العلالم أخشلى أ هنلاك‬
‫ثورة عظيمة توشك على الوقوعه وفي أقا نن شهرين وقعت ثورة نارتن لوثر‪.‬‬

‫‪238‬‬
‫الفيلسوف لودفيك فيتجنشتاين‬
‫ليس هناك نن رجا اختلف حوله الناس نثا الفيلسوف النمساوي فيتجنشلتاين‪ .‬وبقلدر نلا كلا‬
‫عبقريا في تأسيس فلسفة جديدة بقدر هدنه لنفس الفلسفة التي بلدأها‪ .‬نلن خلالل عمللين ااول‬
‫ظهر في رسالته التي أخرجها وهو فلي المعتقلا تحلت عنلوا (رسلالة ننطقيلة فلسلفية) وخلتم‬
‫حياته بنقد ذاتي قاسي تراجع فيها عن الفلسفة الوضعية المنطقية التي أسسها بعنلوا (بحلوث‬
‫فلسفية) وكتابين نشلتقين نلن للونين (اازرق) و(البنلي)؟ وال أعلرف حقيقلة سلبب التسلمية‪.‬‬
‫وعاش الرجا ‪ 62‬سنة ونات بالسرطا بعد أ تفرغ للبحلث علام ‪1947‬م عللى أنلا أ يصلقا‬
‫نظريته الجديدة ويهدم نا بدأ به حياته نن أفكار ولكن السرطا قضلى عليله علام ‪1951‬م‪ .‬وللم‬
‫ينتج في حياته إال هذا الكتاب اليتيم ولكن أعماله النقدية ااخرى ظهرت بعد وفاته وهلو يلنقض‬
‫نفسه بنفسه وهو نا يذكر بقول نيشلته هأفلا نفسلك حربلا ال هلوادة فيهلا وال تهلتم بالخسلائر‬
‫واارباح فهذا نن شأ الحقيقة ال نن شأنك أنت‪ .‬وإذا أردت الراحة فاعتقد وإ أردت أ تكلو‬
‫نلن حلواريي الحقيقللة فاسلأله والفلرق بللين الفلسلفة والعللم والللدين أ اللدين نلريح بأجوبتلله‬
‫القاطعة والنهائية والعلم يجيب عن كيف؟ والفلسفة نزعجة انهلا كملا تعلمنلا نلن سلقراط أنهلا‬
‫تكشفنا أننا ال نعلرف دونلا ً وأ اإلجابلة عللى كلا سلؤال يفلتح الطريلق لسلؤالين جديلدين‪ .‬وقلد‬
‫يتقاطع كا نن الدين والعلم والفلسفة عند نقطة ولكن نثا تقلاطع المسلتقيمات فلي الرياضليات‪.‬‬
‫فلكا نحور عمله‪ .‬ونا بقي للتداول هو كتابه ااول الذي فدر في المعتقا اإليطالي عام ‪1919‬م‬
‫وعمره ‪ 30‬سنة‪ .‬وتشبه تجربته نن جانب تجربة أبو حاند الغزالي حيث نسلح الفكلر المعافلر‬
‫لينته في أرض التصوف‪ .‬وفي كتابه رسلالة ننطقيلة فلسلفية تنلاول نظريلة المعرفلة ونبلاديء‬
‫الفيزياء ونشكالت علم ااخالق ليروي تجربته الصوفية وهو فلي سلاحات القتلال عللى الجبهلة‬
‫النمساوية اإليطالية‪ .‬حيث اشترك كجندي في المدفعية ثم وقع في ااسر في جبهة التيلرول علام‬
‫‪1918‬م حتى خشي الفيلسوف البريطاني برتراند راسا المعجب فيه أنه قد نات‪ .‬وعما الرجال‬
‫فترة سوية‪ .‬ولكن البحث الذي ظهر للنور والذي نشر في حوليات الفلسفة هز ااوساط الفلسفية‬
‫ونللا زال حتللى اليللوم علللى الللرغم نللن نبللذ فللاحبه الفلسللفة وراء ظهللره‪ .‬فمللن يريللد أ يتللابع‬
‫الفيلسوف عليه أ يطلق الفلسفة انها تضعنا أنام ااشياء وعلينا أ نعود إللى اللغلة البسليطة‬
‫لفهم ااشياء عند استعمالها وليس بملا نضليف عليهلا نلن نعلاني‪ .‬ويعتبلر فيتجنشلتاين إنسلا‬
‫عملللي عمللا فللي عشللرات الوظللائف والمهللن بللين هندسللة الطيللرا وعلللم الرياضلليات والعمللا‬
‫الجللانعي والفلسللفة وجنللدي نحللارب وأسللير فللي المعتقللا ونللدرس فللارم وبسللتاني فللي ديللر‬
‫ونهندس نعماري ونمرض وباحث في المعما‪ .‬ولم يكن يهمه أ يترك ننصلب أسلتاذ الجانعلة‬
‫ليشتغا بوابا أو نمرضا في نشفى‪ .‬ونن وجهة نظره فإ القضية المحورية ونشكلة المشلاكا‬
‫هي عالقة اللغة بالعالم‪ .‬واستخدم لها نثا طنين الذبابة في الزجاجة أي تلك التي تخلرج الذبابلة‬
‫نن حيرتها عبر عنق الزجاجة إلى الفضاء الفسليح‪ .‬واعتبلر الفيلسلوف نلور أ رسلالته كانلت‬
‫ونضة نن العبقرية‪ .‬أنا راسا فاعتبر عمله نغانرة عقلية كبرى ندعاة لاثارة ولكنه للقاريء‬
‫العادي نجموعة نن االغاز فقد كتب بطريقة نكثفة جدا‪ .‬وتأثر فتجنشتاين جدا ً بلآراء تولسلتوي‬
‫فقام بتوزيع ثروته الطائلة التي ورثها على أفلدقائه وأقربائله وارتلاح نلن عنلاء الثلروة فهلي‬
‫بنظره عبء على الفيلسلوف وأ نلن يعملا بلالفكر عليله أ يتخفلف نلن هملوم اللدنيا‪ .‬وهلي‬
‫وفية فعبة جدا‪ .‬وعندنا جاء غني إلى المسيح فسأله النصيحة قال تخلص نن ناللك واتبعنلي‬
‫فانصرف الرجا وفي عينيه الحز فالتفت المسيح إلى الحواريين وقال الحق أقول لكم إ دخول‬
‫غني إلى نلكوت السموات أفعب نلن دخلول حبلا السلفينة فلي ثقلب اإلبلرة‪ .‬وفلي وقلت سلافر‬
‫فيتجنشتاين إلى روسيا فحاولوا إقناعه بالبقاء هناك فرفض ثلم ذهلب إللى النلرويج فبنلى كوخلا‬
‫بنفسه وبقي فيه لمدة عام في التأنا‪ .‬وأعظم نا في فلسفة فيتجنشتاين تفكيكله لعملا اللغلة وأ‬

‫‪239‬‬
‫اللغة في أحسن أحوالها تصور الواقع ولكن ليس نلن واقعلة نرتبطلة بلأخرى بلأي وسليلة نلن‬
‫الوسللائا وهللذا يعنللي أ اللغللة وهللم ولعللا أفضللا نللا فيهللا أنهللا قنللاة توافللا ولكللن نللن خللالل‬
‫االستعمال‪ .‬والكلمة ال تحما المعنى ونحن نن يشحنها‪ .‬وأفضا نبدأ هو (التحقلق) نلن الكلملات‬
‫وهو ببساطة الرجوع إلى الواقع‪ .‬وظن أنه حا كا المشاكا الفلسفية‪ .‬وأراد بناء لغلة نلن الدقلة‬
‫أ تضع كا شليء فلي نصلابه تمانلا‪ .‬فاللغلة ال تزيلد علن لعبلة؟ وننله اعتبلر الرجلا نؤسسلا ً‬
‫للفلسفة الوضعية المنطقية‪.‬‬

‫‪240‬‬
‫الفيلسوف الوجودي جا بول سارتر‬
‫بين عاني ‪ 1852‬و‪ 1947‬م ر ّحلت فرنسا إلى غوايانا الفرنسلية فلي أنريكلا الجنوبيلة ‪ 70‬أللف‬
‫نعتقا نات ثلثاهم في جزر جهنمية‪ .‬حيث تطلق فواريخ ارتياد الفضلاء ااوربيلة حاليلاً‪ .‬وتبلدأ‬
‫القصة نن نابليو الثالث فاحب النكبة الفرنسية عام ‪ 1870‬الذي قادتله إليله زوجتله المغنلاج‬
‫يوجينا‪ .‬ففي هذا العام خسرت فرنسا الحرب ضد بسمارك‪ ،‬وتم تتويج اإلنبراطلور االملاني فلي‬
‫فرساي‪ .‬وخسلرت فرنسلا ‪ 135‬أللف قتيلا‪ .‬ودنلرت العائللة المالكلة بعلدها وقانلت الجمهوريلة‬
‫الثالثة‪ .‬وحديثنا ليس عن نابليو التعيس وزوجتله يوجينلا الحمقلاء‪ ،‬بلا علن سلجن رهيلب للم‬
‫يسمع به العالم إال بعد نرور أكثر نلن ثملانين سلنة عللى إنشلائه‪ .‬كلا فيهلا القضلاء الفرنسلي‬
‫يمارس عمله أقرب إلى الجريمة نن العدالة‪ ،‬فيلقي القبض على نن سرق دراجة ووجبة طعلام‪،‬‬
‫ثم يجمعهم في طوابير‪ ،‬على وجبتين في السنة‪ ،‬ويلرحلهم إللى سلا نلرتين‪ ،‬المينلاء الفرنسلي‬
‫الشمالي‪ ،‬ثم يزربو زربا في ناقالت المحيط لمدة عشرين يونا‪ ،‬حتى تنتهي بهلم الرحللة عللى‬
‫شاطيء غوايانا الفرنسية في أنريكا الجنوبية‪ ،‬وغالبا نا كانت إقانتهم دائمة ولو كا حبسلهم‬
‫نحدودا‪ .‬وهو يذكر بقصة الكونت نونت كريستو فمن دخا السجن نسي‪ ،‬وهناك تصلفد أقلدانهم‬
‫ويجبللرو علللى ااعمللال الشللاقة‪ .‬يلسللعهم البعللوض‪ ،‬وتعضللهم الثعللابين الخطيللرة‪ ،‬وتقرفللهم‬
‫العناكب السانة‪ .‬ونن عصا فله العصا؛ فيلقى المتمرد في االنفرادية لمدة ستة أشهر‪ .‬وإذا أظهر‬
‫عدم االنضباط ولم يحترم الشرطي زادت عقوبته على شكا تصاعدي‪ .‬ونن حاول الهرب فضلبط‬
‫زادت ندت حبسه سنتا فإ عاد زيدت إلى خمس سنوات‪ .‬فإ أظهر فالبة نقا إلى واحلد نلن‬
‫ثالث جزر قريبة نن غوايانا وبالتدرج‪ ،‬حتى يصلا إللى جزيلرة أطللق عليهلا جزيلرة الشليطا ‪.‬‬
‫هكذا سماها نن استطاع الفرار فحما رسونات فنا نحبوس هناك حبس بسبب تزويلره بعلض‬
‫اللوحات؟ وهناك نن ضرب الرقم القياسي في نكثه في االنفرادية‪ ،‬وأنا شخصيا ذقتها وال أتمنى‬
‫احد دخولها‪ ،‬هو (بول بورساك) الذي بقي فيها ‪ 11‬سنة نتوافلة‪ ،‬فلما خلرج للم يطلق الحيلاة‬
‫فألقى نفسه في النهر وانتحر‪ .‬وكا الفرار نلن الجزيلرة بلين خطلرين عظيملين المحليط الغلادر‬
‫والغابات القاتلة‪ .‬ونن خلفهم المقصلة التي نقللت نلن فرنسلا إللى هلذه الجلزر الجهنميلة‪ .‬وفلي‬
‫النهاية نجح اثنا في الفرار ونقلوا الخبر للعالم فارتج رجا ونثلته هوليود فيلما وعرضته قنلاة‬
‫الديسكفري‪ .‬وكا آخر حبيس غادرها عام ‪ ،1947‬وأغلقت جهنم أبوابها‪ ،‬بعد أ التهمت عظام‬
‫وأحالم عشرات اآلالف‪ .‬واليوم هي ننصة إطالق فواريخ وشاطئ تنلزه وعبلرة للسلائحين‪ .‬إ‬
‫في ذلك آليات للمتوسمين‪.‬‬
‫ونن أهم الشخصيات التي حبست هناك ضابط فرنسي يهودي هو (دريفوس ‪ )Dreyfus‬اتهلم‬
‫بالجاسوسية ظلماً‪ ،‬ثم نفي للجزيرة فوضع في جزيرة الشيطا ‪ ،‬وبعد حين ففدت أقدانه أيضاً‪،‬‬
‫ويونها قام المثقفو الفرنسيو بحملة نكثفة ضد هذا الفعا الشنيع على رأسهم ااديب ( إيميا‬
‫زوال) الذي حرك الموضوع بمقالة بعنوا (إنني أتهم ‪ ،)J accuse‬حتى أطلق سراحه بعد عدة‬
‫سنين‪ ،‬واعتذر وزير الحربية الفرنسية في البرلما وهو يصر عللى نواجلذه ثلم أعيلد االعتبلار‬
‫للرجا‪ .‬وزار حفيده نحبس جده الحقا عبرة اولي اابصار‪.‬‬
‫وقصته تشبه نا جاء في القرآ عن (بشير بلن أبيلرق) اليهلودي اللذي اتهمله بعلض اانصلار‬
‫ظلما بعد أ سرقوا درعا‪ ،‬فلما حانت حولهم الشبهة‪ ،‬ألقوه في بيت اليهودي‪ ،‬ثلم جلاءوا النبلي‬
‫يطلبو أ يبرئهم علنا‪ ،‬فجاء القرآ يعاتب النبي كيف يكو للخائنين خصيما؟ ثم بلرأ القلرآ‬
‫ساحة اليهودي في ثماني آيات نن سورة النساء في قصته(‪ 105‬ل ‪ )113‬ه ونن يكسب خطيئة‬
‫أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتما بهتانا وإثما نبيناه‪.‬‬
‫ونن قصة دريفوس شق المثقفو الفرنسيو الطريق إلى عالم حلر يواجهلو بله آللة الدوللة‬
‫القمعية‪ .‬وتقول المؤرخة اانريكية (فينيتا داتا ‪ )Venita Datta‬أ المثقفين الفرنسليين بهلذا‬
‫العما لنصرة حقوق اإلنسا خدنوا المثال الثقافي في كا العالم وليس فرنسا لوحدها‪ ،‬ونن سن‬

‫‪241‬‬
‫سللنة حسللنة فللله أجرهللا وأجللر نللن عمللا بهللا إلللى يللوم القيانللة‪ ،‬أنللا عنللدنا فقللد كرسللنا الظلللم‬
‫والديكتاتورية في إجازة نفتوحة‪.‬‬
‫وفي ‪ 15‬أبريا ‪2005‬م احتفلت فرنسا بمولد الفيلسوف الوجلودي (سلارتر) وأعيلد رنلاده نلن‬
‫المحرقة كملا يقلال؛ فالرجلا كلا بلين نحلب والله ونلبغض تلالف‪ ،‬وعقلدت عشلرات النلدوات‬
‫وطبعت أعماله نجددا‪.‬‬
‫فمن هو جا بول سارتر؟‬
‫عاش سلارتر ‪ 75‬سلنة نثلا ابلن خللدو (‪ 1905‬ل ‪1980‬م) فلي ثالثلة أثلالث‪ ،‬وكملا قسلم ابلن‬
‫خلدو حياته بين اانلدلس والمغلرب ونصلر كلا بربلع قلر ‪ ،‬كلذلك تنوعلت حيلاة سلارتر بلين‬
‫ناركسي نتعصب‪ ،‬إلى أسير في يد النازيين‪ ،‬ثم فيلسوف الحرية والقطيعة التانة نع الشيوعية‪،‬‬
‫ليشق طريقه وحيدا نثا أبو ذر الغفاري‪ ،‬نع فديقته سيمو دي بوفوار‪ ،‬ووفف الرجلا بأنله‬
‫كا نن أكثر فالسفة القر العشرين غزارة في اإلنتاج‪ ،‬وكا يكتب كلا يلوم ‪ 6‬سلاعات‪ ،‬وكتلب‬
‫حتى عمي‪ ،‬وناضا حتى نات‪ ،‬ولم ينشر كا نا كتلب‪ ،‬ونملا نشلر كلا كتابله (الوجوديلة تعنلي‬
‫اإلنسانية) في أكتوبر ‪1945‬م فأحدث فدى هائالً‪ ،‬ونما كتب ‪ 700‬ففحة فلي الوجلود والعلدم‪،‬‬
‫و‪ 2000‬ففحة في طبعلة خفيفلة اللورق بروايلات شلتى‪ ،‬وكتلب ‪ 1300‬فلفحة فلي نقلد العقلا‬
‫الجدلي‪ ،‬نذكرا بعما (كانط) في نقد العقا الخلالص والعمللي‪ ،‬وكتلب ‪ 3000‬فلفحة فلي دراسلة‬
‫فلوبير علن (أحملق العائللة)‪ ،‬وبلين علاني ‪ 1943‬و ‪1953‬م كتلب ‪ 4‬تحلليالت فلسلفية‪ ،‬وثلالث‬
‫روايللات‪ ،‬وتحليللا أدبللي نطللول و‪ 6‬قطللع نسللرحية‪ ،‬عرضللت باإلضللافة إلللى إخللراج فيلمللين‪،‬‬
‫وتأسيس المجلة المشهورة (نجلة العصور الحديثلة) الشلهرية‪ ،‬فهلو كملا يقوللو ينتسلب إللى‬
‫الفالسفة العمالقة‪ ،‬أو بتعبير (برنارد هنري ليفي) دينافورات الفلسفة‪ .‬أنلا فلي الوقلت اللراهن‬
‫فإ المثقفين الفرنسيين في حالة تيه كملا وفلفهم الفيلسلوف (بييلر بلوردو) ويعلزي هلذا إللى‬
‫العولمة التي أدخلت البرد إلى كا وبر وندر‪ .‬وأ الثقافة الفرنسية تعيش أزنة بنيوية عميقة‪.‬‬
‫وكما وفف ابن خلدو بأنه كا فقيها شاعرا نؤرخا قاضيا وعالم اجتملاع بلا نلن نؤسسليه‪،‬‬
‫فقد كا سارتر حوضا ً نعرفيا فكا فيلسوفا رونانسيا وروائيا وكاتبا وفلحفيا وفنانلا ونخرجلا‬
‫نسرحيا با و(نحرضا ً ‪ )Agitator‬جماهيريا‪ ،‬كلها جمعها في شخص واحلد‪ ،‬وقبلا وبعلد ذللك‬
‫ثائرا لم يعرف الراحة حتى نماته‪.‬‬
‫كا سارتر نزيجا ً عجيبا للنلاس يتأنلونله بلين اإلعجلاب والدهشلة والرعلب والكراهيلة‪ ،‬وكملا‬
‫وفف (راسا) الفلسفة بأنها المنطقة التي ال اسم لهلا تهلاجم نلن العللم والتيولوجيلا نعلا‪ ،‬فقلد‬
‫كانت الفلسفة الوجودية عند سلارتر نوضلع هجلوم ااغلبيلة‪ ،‬وكلا نكروهلا نمقوتلا نوفلوفا‬
‫باإللحاد‪ ،‬وكا الناس يتحاشونه حين يدخا نقهاه المفضا والدائم (الفلور) فلي سلانت جيرنلا‬
‫في باريس‪ ،‬وتعرض لعمليتين إرهابيتين نن إلقاء القنابا عليه ولكنه نجا‪.‬‬
‫ولكن الشعب الفرنسي كله نتحمس له اليوم‪ ،‬كملا يقلول روبلرت غلرين إ اانلوات واآللهلة ال‬
‫تحسد‪ ،‬وقانت المكتبة الوطنية الفرنسية بد ًء نلن ‪ 15‬أبريلا بتكلريس ذكريلات الرجلا وأعمالله‬
‫حسب نراحا حياته بما فيها بعلض المخطوطلات التلي للم تنشلر‪ ،‬كملا ظهلر إللى الضلوء أيضلا‬
‫تقارير جاسوسة حسناء نانت في فراشه كلفها الروس بنقا كلا شليء عنله نلع أنله كلا نعلم‬
‫القرين والمؤيد‪ ،‬وكانت أخبارا ً نوجعة‪ .‬ونن النصلوص (التلابو) التلي تعلرض نلا كتلب بعنلوا‬
‫(العاهرة الشريفة)‪ ،‬وهو يذكر بدفاع القرآ علن النسلوة التلي تملارس البغلاء بلاإلكراه هونلن‬
‫يكرههن فإ هللا نن بعد إكراههن غفور رحيمه‪.‬‬
‫ال شك أ الرجا كا عبقريا وشاهدا ً لعصلره‪ ،‬كملا يطللب هللا نلن الملؤننين أ يكونلوا شلهداء‬
‫على الناس‪ ،‬والشلهادة هلي الحضلورالواعي فلال يمكلن أ يلؤتى بشلاهد غافلا لمحكملة رفيعلة‬
‫المستوى للبت في قضية خطيرة‪ .‬ويحما سارتر كا عيوب وتناقضات عصره بملا فيهلا رائحلة‬
‫اإللحاد‪ ،‬وبقي الثائر (اابلدي) لحريلة اافلراد والشلعوب‪ ،‬ونشلت كتبله فلي كلا أسلواق العلالم‪،‬‬
‫واحتفلت به أنريكا‪ ،‬وأفبحت إيطاليا بللده الثلاني‪ ،‬ورأى فيله الكثيلر نلن شلعوب العلالم الثاللث‬
‫الناطق باسم المستضعفين‪.‬‬

‫‪242‬‬
‫وعندنا نات الرجا عام ‪1980‬م كا شيخا ً واهنا ً ننهكاً‪ ،‬بعيو ننطفئلة‪ ،‬وفلم بلدو أضلراس‪،‬‬
‫غير قادر على الكتابة والقراءة ل ربما بفرط التدخين والكحول وتناول اانفتانين؟ ل وكا يسبح‬
‫في شفق المغيب العقلي‪ ،‬وأحيانا يرجع إلى الوعي فيأنلا أ يلنهض نلن الرنلاد كملا فلي قصلة‬
‫طائر الفينيكس‪ ،‬وهي نن جملة تناقضاته‪ ،‬وربما نلن أجملا نلا فعلا نلع فلديقه وعلدوه لملدة‬
‫ثالثين سنة (اندريه جلوكسما ) في التدخا عند الرئيس الفرنسي (فاليري جيسكار ديستا ) في‬
‫ننح اللجوء السياسي لفيتنانيي القوارب‪ ،‬أو بتعبيره (آوسشفيتز عللى ظهلر الملاء) وهلو اسلم‬
‫نعسكر النازي في بولونيا‪ ،‬وهو بهذا بلرهن عللى أ الفلسلفة هأ تعليش المعانلاة نلع النلاس‬
‫وليس انتظار نهاية التاريخ على شكا جنة فلسفيةه‪.‬‬
‫كا سارتر (ظاهرة ‪ )Phenomen‬فلم ينافسه في المقعلد ااول فيلسلوف أو كاتلب أو روائلي‪،‬‬
‫وكانت كلماته أسلحة فتاكة‪ ،‬كما وفف ديورانت فولتير أنه كا يصرع خصمه بضربة نن كلمة‬
‫بدو رحمة‪ ،‬ولم يكن يردعه أ يها أو يتعرض للألذى أو اإلذالل‪ ،‬فقلد كلا روحلا ً وأسلطورة‬
‫ظهلر ذللك فلي حركللة ‪1968‬م وسلار فلي جنازتلله خمسلين ألفلا أو يزيللدو ‪ ،‬ودفلن فلي نقبللرة‬
‫العظماء في (نو بارناس ‪ .) Monparnasse‬ثم بلدا نلن بعلد ذللك وكأنله نسلي وضلاع فلي‬
‫نلفات اإلهمال‪ ،‬ولكن اانم العظيمة ال تفرط في رجال الفكر ولو أثاروا أعظم زوابع الجدل‪ ،‬فهنا‬
‫هي الحياة وليست ديكتاتوريلة العربلا ‪ .‬ونلع نوتله ودع علالم الفلسلفة الوجوديلة ليبلدأ رحللة‬
‫الفلسفة البنيوية (‪)Structureliasm‬‬
‫وهناك حاليا أكثر نن ‪ 15‬نؤتمر حول الرجا في فرنسا لوحلدها‪ ،‬فلي بلاريس وأنيلا وليلو ‪،‬‬
‫ولمدة أسبوعين‪ ،‬وفي أسبانيا وإيطاليا‪ ،‬وخصصت إذاعة (الثقافة الفرنسية) النخبوية أسبوعين‬
‫لبث كانا أعمال الرجا للتعريف به‪ ،‬أنلا دار النشلر (جالليملارد ‪ )Gallimard‬فقلد طبعلت كلا‬
‫أعماله نن جديد‪ ،‬ويقول الفيلسوف ليفي هيجلب أ تعلاد قلراءة أعملال الرجلا كلهلاه‪ .‬ويعتبلر‬
‫حاليا بمثابة فيلسوف القر العشرين نثا نا كا هوجو وفولتير وإيميا زوال في القر التاسلع‬
‫عشر‪.‬‬
‫وا عقا الرجا كا نقديا ولم يكن نقليا فقد سافر في كلا المعملورة‪ ،‬ورأى اإلنجلاز الشليوعي‬
‫نيدانيا‪ ،‬وتحمس له في البدء ودعلا إللى تقليلده‪ ،‬نملا قلاد إللى كارثلة فلي بلاريس حينملا حلاول‬
‫الرفاق إقانة نا يشبه الكونونة الشيوعية‪ ،‬نما حولها إلى نصح عقللي للجريملة‪ ،‬واانلم تنملو‬
‫بتجارب الحذف واإلضلافة‪ .‬ونملن اجتملع بهلم كلا رئليس عصلابة البلادر نلاينهوف االمانيلة‬
‫اندرياس‪ ،‬وكتب في اللدفاع علن زعملاء حملر هلم نلن طبقلة المجلرنين اليلوم نثلا بلول بلوت‬
‫وستالين وكاسترو‪ ،‬ولكن بعد ربيع براغ كانت قافلمة الظهلر فلودع الشليوعية قبلا أ تنطفلئ‬
‫شمعتها بثالث عقود‪.‬‬
‫ولكن نا هي الوجودية حصراً؟ إنها في الواقع نزعة أو اتجاه ظهلر فلي تلاريخ الفلسلفة وال‬
‫تخص سلارتر‪ ،‬ويمكلن أ نميلز فيهلا أربلع نالنلح رئيسلية كملا أشلارت إللى ذللك الموسلوعة‬
‫الفلسفية‪ :‬فهي أوال (‪ )1‬علداء للنظلر المجلرد اللذي يطملس نلا فلي الحيللة الفعليلة نلن حلاالت‬
‫التباين وعدم االضطراد‪ ،‬وأحيانا ً تتخذ شكا التحليا الذاتي العميق كما في (الخواطر) لبسكال أو‬
‫(االعترافات) اوغستين أو حتى (الخطلرات) لجملال اللدين اافغلاني وللذا فاللدعوى أ الملنهج‬
‫الرياضي ننهج كانا للمعرفة يمشلي بسليقا نلن خشلب‪ .‬وهلذا يلدخلنا إللى المفهلوم الكلوانتي‬
‫للحياة‪ ،‬ولذا نقا سارتر الفلسفة إلى الشلارع وكلا فلي جلسلته فلي نقهلاه (اللورد) فلي سلانت‬
‫جيرنا في باريس يتبادل اآلراء نع القهوة والسيكار‪ ،‬ويثير الزوابع نع فديقته سليمو دي‬
‫بوفوار‪ .‬كما كا كانط يفعا في نجلسه على الغداء اليوني الذي يمتد إلى العشاء‪ ،‬والفلسفة إ‬
‫لم يكن لها عالقة بالحياة فهي نيتة ونميتة‪ .‬ولذا عنو ناركس كتابه في الرسالة التي أرسللها‬
‫لصديقه (بؤس الفلسفة)‬
‫تد ع‬ ‫ش هقد ه‬ ‫(‪ )2‬هد ك تق رب بي ع ل منفيلو ف منر متد ا منك تب من ورلد ه‬
‫من مهب و مء ك عدق و رتر ا مب خلق ‪ ،‬نذم ف نفلوف من ج قي تتليز نلج دب منع لد‬

‫‪243‬‬
‫تع رض (ك د ) بتققيم منعقل منع لد على مند ري ك كتب ك د ع ( دقق منعقل منع لد)‪.‬‬
‫برمغ تد "هل‬ ‫د‬ ‫على فو ق عب قة ممصد م‬ ‫فد منقرآ ك قنيل إبرمهيم ق‬
‫يدفع دكم ا يضر ؟"‬
‫(‪ )3‬الفكر الوجودي عميق التدين كما ظهر ذلك عنلد الفيلسلوف اللدنماركي كيركيجلارد‪ ،‬ولليس‬
‫بالضروة أ يكو على شكا إلحلاد فلريح كملا تبلدى ذللك عنلد سلارتر‪ ،‬وللم يكلن بحاجلة لله‪،‬‬
‫ولكنها حرية الفكر ل كما خسر القصيمي السعودي أيضاً‪ ،‬اللذي بقلي عللى أفكلاره حتلى نلرض‬
‫نوته ل فتعرض للهجوم نن المسيحيين والشيوعيين‪ ،‬انه كفر بالكنيسة وستالين نعلاً‪ ،‬وبقيلت‬
‫كتبه على القائمة السوداء في نحظورات الكنيسة قبا أ يرفع عنها الحظر فلي السلتينات‪ .‬نلع‬
‫هذا فالنغمة اإللحادية هي تعبير عميق ديني نن وجه عميق يخفى على الكثيرين فهو تمرد على‬
‫الطقللوس وتعلللق بللالروح‪ ،‬وتختلللف عللن االتجاهللات اانجلوسكسللونية التجريبيللة فللي رفللض‬
‫االتجاهات الدينية عمونا‪ ،‬وكانو الذي أخذ جائزة نوبلا أعانتله روايلة الطلاعو التلي تلنم علن‬
‫هنشكلة القداسلة حلين تصلطبغ باإللحلاده‪ ،‬وعنلدنا أعللن نيتشله نلوت اإللله فهلو كلا يعنلي‬
‫الكنيسة‪ ،‬ولكنه في أعماقه كا نن أشلد الملؤننين‪ ،‬وللذا كلا ينصلح نلن حوللهه إذا أردت أ‬
‫ترتاح فاعتقد‪ ،‬وإذا أردت أ تكو نن حواريي الحقيقة فاسأل؟ه وهذا هلو الجلدل العميلق بلين‬
‫اإليما والمؤسسة الدينية‪ ،‬كما هو الحال بين المنشق الكاثوليكي (هانس كونج) والبابا‪.‬‬
‫(‪ )4‬وأكثر نن ذلك فقد انطلق (كيركيجارد) ليضع فلسفة جديدة لالهوت إفالحي‪ ،‬وهي تصحيح‬
‫لنزعة هيجا الجدلية وتأويلها للفكلر اللديني‪ ،‬ولنلا أ نقلول أ الفالسلفة المحتلرفين سليجدو‬
‫دونللا النمللاذج المعدلللة للفكللر الوجللودي كمللا اكتشللف ذلللك (فتجنشللتاين ‪)Wittgenstein‬‬
‫النمساوي في اعترافات أوغسطين‪ ،‬أو كتابات تولستوي أو تأثير الوجوديلة عللى الالهلوت فلي‬
‫نؤلفات نثا رودلف بلتما وبول تلتش‪.‬‬
‫نع هذا ونحن في فدد الوجودية يأتي نقد سارتر كما نقد غيره فلليس نلن أحلد فلوق الخطلأ أو‬
‫دو النقد‪ ،‬أنه كيف يمكن لكاتلب حلر نهمتله ااوللى نقاونلة التسللط عللى نحلو راديكلالي‪ ،‬أ‬
‫يتحول إلى قاض‪ ،‬فيخسر أهم أفدقائه (البرت كانو ‪ ) Albert Camus‬الحساس واللذي نلال‬
‫جائزة نوبا اعماله‪.‬‬
‫هذه الشيزوفرينيا (الفصام) أو التناقض بين العبقرية والجنو هي نيزة سارتر‪ ،‬فقد كا قطب‬
‫نغناطيسللي انللتص كللا نقللائص وعيللوب عصللره وعللاش فللي حللربين عللالميتين وشللاهد خللداع‬
‫الشيوعية وعافر بدايات انهيارها‪ ،‬ولم تكن تناقضاته ببساطة نراحلا نختلفلة نلن حياتله‪ ،‬بلا‬
‫كا تدفقا نزدوجلا نعيبلا نربلادا كلالكوز نجخيلا‪ ،‬وهلذا (االنشلقاق) فلي شخصليته جعللت ننله‬
‫الشخص المرغوب المرفوض‪ .‬إنه التقط ببساطة تناقضات المحيط وانعكلس كلا هلذا عللى نحلو‬
‫حاد في خالفة نركزة نن شخصية نرهفة شديدة الحساسة‪.‬‬
‫إ هذا المزاج الفرنسي عمونا نن العودة اابدية إلى االحباطات والهزائم وااوهلام يمثلا لعنلة‬
‫للفكللر‪ ،‬وقللد أثقللا هللذا إنتللاج المثقفللين الفرنسلليين‪ ،‬نثللا انهيللار الشلليوعية‪ ،‬وحرك لة العمللال‪،‬‬
‫وتمردات الطلبة‪ ،‬ولذا كما يقال (رونلين اليلك ‪ )Romain Leick‬نلن نجللة الملرآة االمانيلة‬
‫(‪2005 | 14‬م | ص ‪ )166‬فإ نستقبا المثقفين الفرنسيين يبدو نشوشاً‪.‬‬
‫ونما ينقا ااخير عن (ريجي ديبري ‪ )Regis Debray‬الذي رافق (تشي غيفارا) في حمالتله‬
‫في غابات بوليفيا‪ ،‬وأفبح الحقا ً نستشارا للرئيس (فرنسوا نيترا ) أنها نهاية الرحلة الثقافيلة‬
‫في فرنسا ويرنز لها بحرفين‪.)I.T=Intellictuel Terminal (:‬‬
‫إ أبطال الفكر يلرو رسلالتهم كحكملاء فلي المجتملع يواجهلو ااقويلاء باسلم المستضلعفين‬
‫ليقولوا في وجوههم الحقيقة‪ ،‬ويكافحوا خونة المجتملع (المنلافقو ) فيقوللوا لهلم فلي أنفسلهم‬
‫قوال بليغا‪ ،‬ولكن هذا يحتاج إللى تيلارات اجتماعيلة‪ ،‬وفلراعا ضلاريا‪ ،‬حلين يقونلو بالتحليلا‬
‫والوعظ في وسلط يحقلق فلدى هلائال لكلملاتهم التلي تتحلول إللى كيانلات حيلة‪ ،‬أنلا المثقفلو‬
‫الفرنسيو كما يقول (بوردو) فهم يمشو على غير هدى بدو بوفلة وخلرائط ويعلانو نلن‬
‫أزنللة نسللتحكمة‪ .‬ولللم يبللق أنللام المثقفللو سللوى االنسللحاب للعمللا فللي نؤسسللات أو العمللا‬

‫‪244‬‬
‫ااكاديمي في دوائر حكونية في أرض قفراء نن اإلبداع ‪ .‬أنا خليفة سلارتر نلن (دينافلورات)‬
‫الفالسفة نن حجم سبينوزا وكانط نن الموسوعيين فال أثر لهم في اافق‪.‬‬
‫قال سارتر عن نفسه‪ :‬لقد فوجئت بالشهرة وكا فديقي الكراهية نن الجميع‪ ،‬أنا الشهرة التي‬
‫أفابتني فهي أشبه بالصدفة‪ .‬لقد نات الرجا (القصلير) كملا كلا يسلميه رفاقله فلي المدرسلة‪،‬‬
‫الذي كا نوضع الكراهية‪ ،‬ولكن الشيء أبغض على النفس نلن النقلد وال تسلكر اللنفس بخملر‬
‫كالثناء‪ .‬واطلب نن يقول لك الحقيقة ال نن يفرحك‪ ،‬فهذه يقوم بها المهرجلو وقصلور الطغلاة‬
‫عانرة بهم‪.‬‬

‫‪245‬‬
‫مالك بن نبي ومشكالت الحضارة‬
‫يعتبر المفكر الجزائري (نالك بن نبي) طرازا ً غير تقليدي نن نفكلري المسللمين المعافلرين‪،‬‬
‫وفكر الرجا وكتاباته انتشرت في الشرق أكثر نن المغرب‪ ،‬ويعتبر (جودت سعيد) السوري نلن‬
‫أهم تالنذته المشرقين‪ ،‬وقد أكو أنا أيضلا ً نملن اسلتفاد نلن كتابلات الرجلا‪ ،‬حينملا زارنلا فلي‬
‫دنشق فالزنته شهرا كانالً‪ ،‬وسافرت نعه إلى بيروت‪ ،‬وكا يتابع نشر كتابه (دور المسلم في‬
‫عالم االقتصاد)‪.‬‬
‫ونما أسر إلي أيضا وأنا بجانبه في طريق السفر إلى بيلروت‪ ،‬أ ندحله لعبلد النافلر فلي كتبله‬
‫كانت زللة ننله‪ ،‬وبتعبيلره كلا فلنما ال يضلر وال ينفلع‪ ،‬وهلذه كانلت نلن نقاتلا كتاباتله؛ فقلد‬
‫انصرفنا عنها لفترة طويلة‪ ،‬بسبب حساسيتنا نن الطاغية النافلري‪ ،‬فقلد كنلا نلرى بطلش عبلد‬
‫النافر وبناء دينافورات المخابرات والحبوس والفلق وزوار الفجر‪ ،‬في الوقت الذي كا نالك‬
‫بن نبي يمدحه بكلمات‪ ،‬يظن أنها ستقربه زلفا إلى الطاغية‪ .‬وأنا أعرف هذا التكتيك النفسي فهم‬
‫أي الكتاب يأخذو عبارة نن نسئول أو أنير أو نتنفذ أو قائدا يلزعم الربوبيلة وانتالكله حللول‬
‫الجنس البشري بكتاب أخضر وأففر وأحمر‪ ،‬ثم ينفخو في الجملة نن المعاني التي للم تخطلر‬
‫في بال القائد النكبة‪ ،‬كما هو الحال نع بن نبي والعجا النافري؟‬
‫وكا الرجا شديد الوسوسة يرى رجال المخابرات علن اليملين والشلمائا وفلي المنلام وحيثملا‬
‫تلفت‪ ،‬وكا يغلق باب بيته بالعديد نن ااقفال خوفا ننهم‪ ،‬وااقفال لن تغنلي علنهم شليئا‪ ،‬وللو‬
‫كانت أقفال خزائن قارو ‪.‬‬
‫لكن الرجا أي نالك بن نبي الجزائري كلا نسللم القللب نهلتم بنهضلة المسللمين‪ ،‬اطللع عللى‬
‫إضافات المعرفة اإلنسانية نلن العللوم الحديثلة‪ ،‬وهلو اللذي عرفنلا بتلوينبي وويللز وديورانلت‬
‫والعديد نن نفكري الغرب الفطاحا‪.‬‬
‫ذكر بلن نبلي فلي كتابله اافرولل آسليوية هأ إنسلانا ً يجهلا إضلافات القلر العشلرين للمعرفلة‬
‫اإلنسانية ال يدخا بين الناس إال ويجلب السخرية على نفسهه‪.‬‬
‫وكا نن ناحية المهنة نهندسا كهربائياً‪ ،‬إال أنه نارس حرفة الفكلر أكثلر نلن نهنلة الكهربلاء‪.‬‬
‫كما هلو الحلال نعلي والطلب فأنلا عشلرة بالمائلة ننلي جلراح أوعيلة والبلاقي للفكلر والكتابلة‪،‬‬
‫وسخرت الطب للعلوم اإلنسلانية كملا فعلا (هربلرت سبنسلر) بلربط عللوم البيولوجيلا إللى عللم‬
‫االجتماع‪ ،‬أو هكذا أزعم؟‬
‫عللاش بللن نبللي فتللرة االسللتعمار الفرنسللي‪ ،‬وأحزنلله تخلللف المسلللمين‪ ،‬وشللارك فللي النضللال‬
‫السياسي‪ ،‬ودخا نصر الجئا ً سياسياً‪ ،‬وكتب قسما ً نن كتبه باللغلة الفرنسلية التلي كلا يتقنهلا‪،‬‬
‫وكا يعرف الحضلارة الغربيلة كخبيلر ولليس كسلائح‪ ،‬وزوجتله ااوللى كانلت فرنسلية نسللمة‬
‫عاشت نعه المعركة الفكرية وهموم المطاردة والتنقا‪ ،‬وناتت وتمنيلت أنله أعطانلا فكلرة عنهلا‬
‫ولكن في كتابه عن القر العشرين لم يشر لها بأكثر نن عبارات نحدودة ولم ينجب ننهلا عللى‬
‫نا يبدو‪.‬‬
‫وبعد فترة االستقالل الجزائري عين وزيرا للتربية لفترة‪ ،‬ولم ينتشر فكر هذا الرجا على أهميته‬
‫إال قليالً‪ ،‬وكتاب نثا (طبائع االستبداد ونصارع االسلتعباد) للكلواكبي الحلبلي‪ ،‬نوجلود فلي كلا‬
‫نكتبة‪ ،‬بقدر وجود االستبداد السياسلي فلي كلا قطلر عربلي‪ ،‬نملا يلدل عللى أ أعظلم الكتلب ال‬
‫يستفيد ننها الحمار الذي يحما على ظهره أسفاراً‪.‬‬
‫وأنة العربا حاليا أنة الغربا أنة أنية ال تقلرأ وال تكتلب بلا تحمللق فلي دجاجللة الفضلائيات‬
‫ببالهة والمغنيات بأجسادهن؟؟ والكتب التي تطبع على جالل قدرها ألف نسخة ؟؟‬
‫وأهم خمسة أفكار طرحها الرجا هي‪:‬‬
‫ل فكرة (عالقة الحق بالواجب)‬
‫ل و (المعرفة التاريخية)‬

‫‪246‬‬
‫ل و(نهاية القوة)‬
‫ل و(عالم ااشخاص واافكار وااشياء )‬
‫ل و(القابلية لالستعمار)‪.‬‬
‫فهو يرى أ نن يقوم بواجبه تنشق له السماء ويأتيه حقه‪ ،‬فلالحقوق ال تؤخلذ وال تعطلى‪ ،‬بلا‬
‫هي ثمرة طبيعيلة للقيلام بالواجلب‪ ،‬وهلو أول نلا علمله النبلي ص أتباعله‪ ،‬وكلانوا رضلوا هللا‬
‫عليهم يكثرو عند الفزع ويقلو عند الطمع‪.‬‬
‫وأ الحركات السياسية ضللت الشعوب بمنطق سلقيم بالمطالبلة بلالحقوق‪ ،‬وأ ثلالث نعلادالت‬
‫تحكم عالقات الواجبات والحقوق‪ ،‬ففي التساوي يحافظ المجتملع عللى خلط السلواء‪ ،‬وفلي حلال‬
‫فائض الواجبات يحلق ويصعد‪ ،‬وعندنا تزداد وتيرة المطالبة بالحقوق يكب المجتمع على وجهه‬
‫في ليا التاريخ؟‬
‫وعن (المعرفلة التاريخيلة) حللا بلن نبلي حركلة المجتملع اإلسلالني‪ ،‬أنله فلي دورة ذات أربلع‬
‫نراحا‪ :‬الروح والعقا والغريزة واالنبعاث‪.‬‬
‫وانه توقف نع نعركة ففين عام ‪ 32‬هل فكانت أعظم نن نعركة عسكرية‪ ،‬حيث تزحزح نفهوم‬
‫ال قيم في المجتمع اإلسالني كما عبر عنها (عقيا ابلن أبلي طاللب) أ فلالته خللف عللي أقلوم‬
‫لدينه‪ ،‬وا تعاونه نع نعاوية أنفع لمعاشه‪ ،‬وكلا هلذا إيلذانا بانشلقاق الضلمير اإلسلالني بلين‬
‫الواقع والمثال‪ ،‬وكا ذيول هذه الكارثة نا زلنا نعاني ننها حتى اليوم بتعانق الجبلت والطلاغوت‬
‫(المفتي الديني والطاغية السياسي)‬
‫قال بن نبي ثم كانت(لحظة) ابن خلدو حيث انكسر نخطط الحضلارة اإلسلالنية حتلى انطفلأت‪.‬‬
‫ولللذا فهللو كتللب كللا شلليء وفسللر كللا شلليء فللي نقطللة االنبعللاث الحضللارية‪ ،‬بمللا فيهللا الغنللاء‬
‫والموسيقى‪ ،‬حينما سئا عن الحرام والحالل فيها فقال‪ :‬أنا أنظر للمسألة نلن زاويلة الحضلارة؛‬
‫فحين تنحط الحضارة تخرج نغما سقيما‪ ،‬وحين تنهض الروح يخرج اللحن أعذب نا يكو ‪.‬‬
‫وفي هذه النقطة اشتبك نع اافوليين الذين ينفو سمة الحضلارة علن أي نجتملع نلا للم يكلن‬
‫إسالنياً‪ ،‬وهو نا تورط فيه (سيد قطب) حينما خرج بكتاب له بعنوا نحو حضارة إسالنية؟ ثلم‬
‫غير العنوا إلى نحو نجتمع إسالني‪ ،‬وقلال فلي تبريلر التغييلر إ كلملة إسلالني تعنلي تلقائيلا‬
‫الحضارة‪ ،‬نما دفع نالك بن نبي للتعليق عليها‪ :‬أنها آليات غير ذكية للتعويض النفسي‪.‬‬
‫أنا نهاية القوة فقد وفا التاريخ اإلنساني نع السالح النووي أ القوة ألغلت القلوة‪ ،‬وأ علالم‬
‫الكبار يضحك على عالم الصغار فيبيعه سالحا انتهى وقتله (‪ )expired‬نثلا اادويلة الفاسلدة؛‬
‫فيبيعه بباهظ الثمن ويأكا السحت بال أخالقية‪.‬‬
‫ولذا فالعالم اليوم شريحتا ؛ نن طلق القلوة وهلو يملكهلا‪ ،‬ونلن يلتلمظ لهلا وال يملكهلا‪ ،‬ويحلا‬
‫نشاكله بالقوة في عجز أخالقي نبين‪ ،‬وهي شريعة المتخلفين‪ ،‬كما حللت نشلكلة الحلوثيين فلي‬
‫اليمن‪..‬‬
‫الحرب هي أسلوب المتخلفين في حلا المشلاكا‪ ،‬أو تأديلب المتخلفلين‪ ،‬أو شلريعة بلوش نصلف‬
‫المعتوه ربع المجنو ثلث العصابي‪..‬‬
‫تأنا وجهه فقط لتقرأ سيماء الجنو ‪..‬‬
‫أنا عالم ااشخاص واافكار فقصة حزب هللا خير نثال‪ ،‬عن نجتملع طفلولي يعبلد الشخصليات‪،‬‬
‫والطفا يمر بهذه المراحا قبا النضج‪ ،‬والعالم العربي يسبح في وثنية نن هذا النوع‪..‬‬
‫أنا القابلية لالستعمار فهي نرض انحطاط حضاري يستجلب العدو الخارجي وقدوم أنريكلا إللى‬
‫العراق خير نموذج‪ ،‬والسؤال هو ليس لماذا جاءت؟ با لماذا يجب أ تأتي؟ كملا تلنحط النسلور‬
‫على الجيف؟؟‬
‫والبلد الطيب يخرج نباته والذي خبث ال يخرج إال نكدا‪..‬‬

‫‪247‬‬
‫الفيلسوف والفيزيائي هايزنبيرج‬
‫في شهر أغسطس آب نن عام ‪ 1939‬م سافر الفيزيائي االماني (فيرنر هايزنبرغ) إللى أنريكلا‬
‫ليلتقي بصديقه ( انريكو فيرني ) ‪.‬‬
‫لور نلع زنيللله البريطللاني ( بللول ديللراك ) نيكانيكللا الكللم‪ ،‬وانفللرد‬ ‫ااول فيزيللائي فيلسللوف ‪ ،‬طل َّ‬
‫بتأسلليس نبللدأ فلسللفي فيزيللائي بتدشللين نبللدأ االرتيللاب أو الاليقللين فللي حركللة اإللكتللرو ‪.‬‬
‫وفيرني يعتبر أول نن بنى نفاعا نووي في تاريخ العلم علام ‪ 1942‬م‪ ،‬عنلدنا هتلف لروزفللت‬
‫(رسا المالح اإليطالي على اارض الجديدة) ‪.‬‬
‫كا سفر هايزنبرغ لسبب غريب‪ ،‬وحديثه نع فيرني أدعلى للعجلب‪ ،‬سل َّجله فلي كتلاب فيزيلائي‬
‫وليس سياسي (الكا والجزء ل نحاورات في الفيزياء الذريلة)‪ .‬فلي فصلا تصلرف اافلراد حيلال‬
‫الكارثللة السياسية‪.‬وفللف هللايزنبرغ شللعوره علللى النحللو التللالي‪ :‬كيللف يتصللرف اإلنسللا فللي‬
‫العاففة؟‬
‫أول شيء إيجلاد نكلا آنلن لعلائلتي‪ ،‬فلي جبلال بافاريلا‪ ،‬عنلدنا تنهلدم الملد االمانيلة بقنابلا‬
‫الحرب‪ ،‬والشيء الثاني توديع أفدقائي الذين أحب‪ ،‬فقد ال نجتمع وتطوينلا لجلة الملوت! يعقلب‬
‫فيرني نتسائال؟ الحرب قادنة إذاً؟‬
‫يجيب‪ :‬إنها سحب قاتمة أراها قادنة عبر اافق‪ ،‬والذين يعلمو نشلفقو ننهلا ويعلملو أنهلا‬
‫الحق‪.‬‬
‫يسأل فيرني‪ :‬أتوقع أ تبقى في أنريكا فهي فرفتك للنجاة؟‬
‫يجيب هايزنبرغ‪ :‬سأعود العتبارين؛ بناء جيا جديد نلن الشلباب االملا العلملاء بعلد أ تضلع‬
‫الحرب أوزارها‪ ،‬ثم إ اإلنسا وفي سن نحددة‪ ،‬ينشأ أفضا نا يكو في حوض ثقلافي بعينله‪،‬‬
‫شكا قدره‪ ،‬يكو أعظم نا يؤثر فيه أو يتأثر ننه‪ ،‬وقد تجاوزت هذه السن‪ ،‬لربملا كلا عللي أ‬
‫أغلللللللادر ألمانيلللللللا قبلللللللا عشلللللللر سلللللللنوات‪ ،‬لقلللللللد تلللللللأخر الوقلللللللت كثيلللللللرا ً اآل ‪.‬‬
‫يسلللأل فيرنلللي‪ :‬طالملللا كانلللت الحلللرب واقعلللة‪ ،‬هلللا تعتقلللد أ النلللازي سينتصلللر فيهلللا؟‬
‫يجيب هلايزنبرغ بهلدوء‪ :‬سليهزم االملا بسلبب بسليط‪ ،‬أ الحلرب تلدار اليلوم بالتكنولوجيلا‪،‬‬
‫وألمانيا ليس لها طاقة الحلفاء تكنولوجياً؟‬
‫ثم يختم حديثه بهذه العبارة‪ :‬وهتلر يعلم هذه الحقيقة ‪...‬‬
‫ولكن يا فديقي انريكو نتى كانت الحرب عقالنية ؟‬
‫الحرب جريمة وجنو وإفالس أخالقي أيا كا شاعلها ونحرضها ونمونها؟‬
‫تقوم على إيذاء أو أفناء اآلخر‪ ،‬ونع هذا فاإلنسا يمارسها؟!‬
‫والحللرب تقللوم علللى تحطلليم إرادة اآلخللر‪ ،‬حسللب نقولللة ننظللر الحللرب الضللابط االمللاني‬
‫(كالوسفيتز)‪( :‬أنها اسلتمرار للسياسلة بوسلائا جديلدة ‪ ،‬تهلدف فلي النهايلة اللى تطويلع إرادة‬
‫الخصم إلرادتنا)؟ ولكنها تبرنج لجولة جديدة نن الصراع ‪ ،‬هي أشلد هلوالً وأعظلم نكلراً‪ ،‬ونلع‬
‫ذلك يتدافع البشر الى نذبحها كالمسحورين‪.‬‬
‫والحرب تقوم على إلغاء المبادرة البشرية‪ ،‬واالستقالل الفردي‪ ،‬وكلا ضلروب اللوعي والحريلة‬
‫واإلرادة‪ ،‬نحولة قطيلع اافلراد‪ ،‬تحلت هلوسلة جماعيلة‪ ،‬إللى كتللة لحميلة ننضلدة‪ ،‬عللى شلكا‬
‫نطرقة‪ ،‬بيد واحدة‪ ،‬نحرونة نن النقد والمراجعة والتشلكيك؟ جلاهزة للهلرس والسلحق‪ ،‬تعملا‬
‫بقوانين الفيزياء‪ ،‬استلب ننها آخر شعاع نن العقا ‪ ،‬تطيع بدو تفكير‪ ،‬وتقتا بدو تلردد‪ ،‬نلن‬
‫تعللللللرف وال تعللللللرف‪ ،‬طاعللللللة لألوانللللللر‪ ،‬تحللللللت نقولللللللة (نفللللللذ ثللللللم اعتللللللرض)‪.‬‬
‫الحرب ليست عمالً عفويا ً طائشا ً الإرادياً‪ ،‬با يدخلها اإلنسا بكانا وعيه‪ ،‬يخطط لهلا ويبلرنج‪،‬‬

‫‪248‬‬
‫يستعد لها وينفق‪ ،‬ثم يدخلها فيمارس القتا‪ ،‬في فورة جنو ‪ ،‬يمارسها بشر خلارج المصلحات‬
‫العقلية‪.‬‬
‫طور (فرتز هابر) الكيميائي االماني في ظروف الحرب العالمية ااولى ثلالث أفكلار‪ :‬اسلتخراج‬ ‫َّ‬
‫البروتين نن نشادر الهواء‪ ،‬وأنالح الذهب نن ناء البحر‪ ،‬ولكن أهمهلا كانلت فلناعة الغلازات‬
‫السانة؛ فهو أبوها‪.‬‬
‫وخرج بنفسه يراقب تطبيقها الميداني‪ ،‬في سحب الملوت الصلفراء نلن الكللور وغلاز الخلردل‪،‬‬
‫تزحف فوق خنادق الجنود‪ ،‬إلى حللوقهم فيختنقلو ‪ ،‬وعيلونهم فيعملو ‪ ،‬وأعصلابهم فيشللو ‪.‬‬
‫في نفس الفترة خرجت داعية سالم نميزة هي (بيرتا فو سلوتنر) فمنعلت نلن الخطابلة‪ ،‬وفلي‬
‫بي تها حجرت‪ ،‬وحصا نا توقعت؛ فجنراالت الحرب الذين توقعلوا للحلرب أ تنتهلي فلي خمسلة‬
‫أسابيع على أبعد تقدير‪ ،‬استمرت خملس سلنوات ‪ ،‬نلألت قبلور اارض بماليلين الشلباب‪ ،‬وفلي‬
‫نعركة السوم لوحدها وخالل ستة أشهر ‪ ،‬نلات ( ‪ ) 1250000‬نليلو ونلائتين وخمسلين ألفلا ً‬
‫بين بريطاني وفرنسي وألماني‪ ،‬حصدت الرشاشات االمانية فلي أحلدى الوجبلات الدسلمة‪ ،‬فلي‬
‫ندى ‪ 12‬ساعة ‪ 56 ،‬ألفا ً نن خيرة أبناء بريطانيا‪ ،‬انتقاهم الجنرال (كيتشلنر) عللى عينله‪ ،‬وللم‬
‫يكونوا نن أبناء المستعمرات ‪.‬‬
‫وكرر الحمقى نن اإليرانيين والعراقيين قصص خنادق الحرب العالمية ااولى عام ‪ 1916‬م بعلد‬
‫س بعين سنة ‪ ،‬في نعارك كربالء والقادسية ‪ ،‬في ثماني سنوات عجاف‪ ،‬دانت أطول نن الحلرب‬
‫العالميلللة الثانيلللة‪ ،‬بكلفلللة فاقلللت ‪ 400‬نليلللار دوالر‪ ،‬وبقلللرابين بشلللرية وفللللت المليلللو ‪.‬‬
‫كانت الحرب فيما نضى تؤدي دورهلا كمؤسسلة‪ ،‬إللى أ أفلبحت كائنلا ً خرافيلاً‪ ،‬كملا للو رأينلا‬
‫إنسانا ‪ ،‬بطول ‪ 200‬نتر ‪ ،‬ووز ‪ 400‬طن ‪ ،‬يدب في احد أزقة المدينة ‪ ،‬نثا قصلص جلوليفر؟‬
‫إ نؤسسة الحرب ناتت‪ ،‬على الرغم نن اختالجلات نزعهلا ااخيلر فلي ننلاطق المتخلفلين فلي‬
‫العالم وتصعد اليوم أنم بدو أي سالح وحروب تحري ‪ ،‬كما فلي اليابلا وألمانيلا‪ ،‬وتنهلار أنلم‬
‫تملك كا السالح بدو أي هجوم خارجي‪ ،‬نثا االتحاد السوفيتي‪.‬‬
‫ولكن عالم الكبار يريدنا أ نبقى اطول فترة‪ ،‬نخدرين تحت أثر سحر نلك الجا ‪.‬‬

‫‪249‬‬
‫ديورانت المؤرخ والفيلسوف‬

‫تمنيت عندنا كنت أقرأ البداية والنهاية البلن كثيلر أو تلاريخ ابلن ااثيلر فلي عملهلم‬
‫الموسوعي أ لو تابعهم أحد فكتب وفصا في نجلدات كبيرة استعرض فيها التاريخ‬
‫اإلنساني كما فعلوا‪ .‬وهلم فلي الحقيقلة وبالنسلبة إلنكانيلة عصلرهم نلن بعلد الشلقة‬
‫وتباعللد المسللافات وخطللر السللفر وعللدم تللوفر المراجللع يتعجللب المللرء نللن غللزارة‬
‫إنتاجهم‪ .‬ولكن نا فعله (ويا ديورانت) شيء نذها وهو يلروي علن نفسله أنله بلدء‬
‫بما سماها (بيضة الذهب) فقد كتب في الفلسفة قبا التاريخ وكنا نحظلوظين بميولله‬
‫الفلسللفية انلله كتللب التللاريخ بعللد ذلللك علللى قللدر كبيللر نللن النضللج وبهللذه اادوات‬
‫الممتازة نن المعرفة الموسعة‪ .‬يقول ديورانت إ كتابه (قصة الفلسفة) القى رواجلا ً‬
‫غير عادي نما در عليه نن الربح الشيء الكثير بحيث وفر له نن سبا المعيشلة أ‬
‫اليكدح في تحصيلها‪ .‬لجلأ ديورانلت إللى الريلف اانريكلي الهلاديء فلاعتكف لملدة‬
‫نصف قر إلنتاج كتابه الضخم (قصة الحضارة) وحسبما ذكر علن نفسله فإنله كلا‬
‫يقرأ خمسة آالف كتاب قبا أ يكتب نجللدا ً واحلدا ً وبالمناسلبة فقلد كتلب ‪ 42‬نجللدا ً‬
‫عن الحضارة ونن المحز أنه انتهى عنلد عصلر الثلورة الفرنسلية وللم يتلابع انله‬
‫شعر أنه لم يعلد يسلتطيع أ يتلابع أكثلر نلن ذللك لضلخانة المهملة وتشلعبها وهلي‬
‫خسارة كبيرة نن رجا استوعب العما التاريخي ونضج فيهلا وعسلى أ يسلخر هللا‬
‫للمستقبا إنسانا ً يستطيع أ ينجز هذه المهمة‪ .‬وعندنا كنت عند فديقي فالح قلال‬
‫لي إنني أستمتع بملا تكتلب ولكلن (البيلوغرافي) أي سلير حيلاة الشخصليات الهانلة‬
‫أفبحت نن أكثر الكتب المباعلة فلي السلوق ااجنبيلة فاعترفلت لله بلذلك وهلو فلي‬
‫الواقع لفت نظري إلى هذا الجانب الحيوي ونازلت أتذكر نفسي وأنلا شلاب يلافع أ‬
‫عددا ً نن الرجال أثر في على نحو كبير وخلع على تصرفاتي تغيرا نلحوظلا ً فوعدتله‬
‫بالكتابة فلي هلذا الموضلع وسلأحاول نلن حلين آلخلر اسلتعراض حيلاة بعلد الرجلال‬
‫الهانين على ااقا في جانبه الحيوي الذي يفيد القاريء‪ .‬كتلب التلاريخ تمتلاز بأنهلا‬
‫تكتب على نحو نختلف فمثا الكاتب البريطلاني (ويللز) قلام بجهلد خلارق ونضلغوط‬
‫الستعراض كا التاريخ بدء نن الخاليا الوحيدة على اارض إللى اإلنسلا وكلا ذللك‬
‫في أربعلة نجللدات وهلو جيلد انله يعطلي تصلورا ً عانلا ً (بانورانلا) علن كلا رحللة‬
‫الحياة‪ .‬أنا المؤرخ (توينبي) فقد حرص فلي دراسلة نوسلعة اسلتغرقت أيضلا ً قريبلا ً‬
‫نن نصف قلر أ يفهلم ظلاهرة الحضلارة ونلن هنلا كلا كتابله هانلا ً فلي التحليلا‬
‫التاريخي وإدراك قوانين حركتله‪ ،‬وأنلا كتلاب قصلة الحضلارة للديورانت فهلو سلرد‬
‫طويا نع تحليا نمتع فجمع بين فضيلتي سرد ااحداث والتعليق الفلسلفي ونحاوللة‬
‫إنصاف كلا حضلارة وهلو قلام بعشلرات الزيلارات قبلا أ يكتلب سلطرا ً واحلدا ً نملا‬
‫يذكرنا بجهود علماءنا ااسبقين‪ .‬وإ اإلنسا ليتعجب نن هذا الجهد العملالق اللذي‬

‫‪250‬‬
‫قام به فرد واحد ولكن العما العبقري يتكو في دنلاغ واحلد‪ .‬إ نتعلة القلراءة فلي‬
‫هذا الكتاب الموثق والمترجم إلى العربيلة بغيلر حلدود ويجلب لكلا طاللب للثقافلة أ‬
‫يضع له برنانجا ً خافا ً في حياته لقراءتله كلله وهلو أقلا نلا يفعلله أنلام نلن جمعله‬
‫وكتبه‪.‬‬

‫‪251‬‬
‫أبو حيان التوحيدي‬
‫أرسلت لي قارئة نتتبعة أفكارها عن الفنا وذكرت في نهاية كالنها أفكارا تدعو للحز عن‬
‫أبي الحيا التوحيدي‪ .‬فأنا الفنا عمونا ً فقد تحدث عنه لورنس داريا فقد وففه بهذه العبارة‪:‬‬
‫هال يستطيع أي إنسا أ يمتلك الفنا ه‪ .‬وتقول ااخت أ لورنس داريا هذا فشلت كا زيجاته‬
‫وعاش أكثر نن ثالثين سنة في قرية فغيرة ننعزلة في جنوب فرنسا‪ ،‬اسمها هسونيره‪ .‬وقد‬
‫نات هذا ااديب الذي يعتبر نن أكبر أدباء العالم المعافرين وحيدا ً وغريباً‪ .‬وكا يقول عن‬
‫نفسه‪ :‬هإ حياتي رتيبة ولكن الرتابة هي نا تفرضه الكتابة على كا فاحب قلم وبسبب هذه‬
‫الرتابة هربت زوجاتي ااربع‪ .‬وتركنني وحيدا ً فلم يكن في استطاعة إحداهن أ تتحما هذه‬
‫تعود قبا سنوات بعيدة نن رحيله على‬ ‫الحياة الرتيبة المملةه‪ .‬وتضيف ااخت فتقول أ داريا ّ‬
‫برنانج يوني ال يتغيرفهو يستيقظ في الرابعة والنصف فباحا ً وفي الخانسة يمارس رياضة‬
‫اليوغا الهندية المعروفة ندة ساعة وهي تشبه فالة الصبح عندنا‪ .‬وكا يقول إ اليوغا‬
‫تساعده كثيرا ً على التخفيف نن نرض الربو الذي ظا يعانيه حتى نهاية حياته‪ .‬وتضيف الكاتبة‬
‫قدر أ يعيش المبدع الحقيقي وحيدا ً‬ ‫فتقول أ هناك سؤال لطالما حار فيه الباحثو ‪ :‬ها هو ٌ‬
‫وننعزالً وفريدا ً ونتوحدا ً نع نفسه؟ ولاجابة على هذا السؤال تضيف القارئة فتقول يبدو أ‬
‫أكثر اادباء والعلماء والمخترعين كانوا ننصرفين للبحث والعما‪ ،‬ولم تكن لهم حياة خافة‪ ،‬أو‬
‫فداقات عميقة‪ ،‬إالّ في نا ندر‪ .‬وأنا شخصيا زرت المفكر إبراهيم نحمود في ندينة القانشلي‬
‫السورية وسألت عنه فلم يعرف جيرانه ننزله فلما دخلنا بيته المتواضع واجهتنا نكتبة نتخمة‬
‫في غرفة بسيطة يتوسطها نائدة نتواضعة للكتابة‪ .‬قلنا له لم يعرفك جيرانك؟ قال نعارفي ال‬
‫يزيدو عن عشرة اشخاص وأفدقائي الكتب ونعارفي نن يقرأ لي ويراسلني‪ .‬وأكثر الناس‬
‫زهدا في العالم أهله ونن حوله‪ .‬ويعيش الكاتب أو المفكر على سحر الغياب وهالة الغموض‬
‫والكثير نن المفكرين عندنا يعيشو نن الناس يصبحو عاديين‪ .‬وفي النهاية تذكر ااخت‬
‫شيئا عن أبي حيا التوحيدي فقد بدأ كتابه هرسالة الصداقة والصديقه‪ ،‬في بداية شبابه‬
‫وأنهاه في أواخر حياته‪ .‬وفيه يقول‪ :‬هقبا كا شيء‪ ،‬ينبغي أ نثق بأنه ال فديق وال نن يتشبه‬
‫بالصديقه‪ .‬وقد اعتزل في بيته‪ ،‬ورفض نجالسة الناس‪ .‬وقال حين عاتبوه لعزلته‪ :‬لقد فحبت‬
‫الناس أربعين سنة‪ ،‬فما رأيتهم غفروا لي ذنباً‪ ،‬وال ستروا لي عيباً‪ ،‬وال حفظوا لي غيباً‪ ،‬وال‬
‫أقالوا عثرة‪ ،‬وال رحموا لي عبرة‪ ،‬وال قبلوا نني عذرة‪ ،‬وال فكّوني نن أسرة‪ ،‬وال جبروا نني‬
‫وتجرعا ً‬
‫ُّ‬ ‫كسرة‪ ،‬وال بذلوا لي نصرة‪ ،‬ورأيت الشغا بهم تضييعا ً للحياة‪ ،‬وتباعدا ً عن هللا تعالى‪،‬‬
‫للغيظ نع الساعات‪ ،‬وتسليطا ً للهوى في الهنات بعد الهناته‪.‬وبالطبع‪ ،‬نا دفع التوحيدي‪،‬‬
‫لتأليف هذا الكتاب‪ ،‬إحساسه بالخيبة والمرارة‪ ،‬وتنكُّر أقرب الناس له‪ .‬وهذا نا دفعه إلحراق‬
‫كتبه في أواخر حياته‪ ،‬قائالً لمن النه على ذلك‪ :‬هكيف أتركها اناس جاورتهم عشرين سنة‪،‬‬
‫فما ف َّح لي نن أحدهم وداد؟ه‪ .‬وهذا الكالم هو وحي تجربة خافة بالرجا ال تصلح للتعميم‬
‫وأفضا الصداقات نا جاءت في المشاركة في نحنة عارنة نشتركة‪ .‬وقد تكو نظرة هأيوحيا‬
‫التوحيديه تشاؤنية إلى أبعد حد‪ .‬فلو خليت لخربت كما يقولو ‪ .‬لكن تبقى حقيقة واحدة‪ ،‬هي‬
‫أ نعظم المبدعين يشكو نن عدم الوفاء واإلخالص والحب الحقيقي‪ .‬والنكرا أيضاً‪ .‬قدرهم‬
‫أ يبدعوا في كا المجاالت وأ يتعذبوا بوحدتهم وأ نستمتع نحن في نا بعد بهذا العذاب‪.‬‬
‫وهذا الكالم فيه قدر نن الحقيقة وليس كا الحقيقة‪ .‬وااخالء يونئذ بعضهم لبعض عدو إال‬
‫المتقين‪.‬‬

‫‪252‬‬
‫لماذا قتل ابن المقفع؟‬
‫يروي الجاحظ في كتابه (الحيوا ) ‪(:‬أ أبا أيوب المورياني وزير المنصور بينا هو جالس في‬
‫أنره ونهيه إذ أتاه رسول أبي جعفر المنصور فانتقع لونه وطارت عصافير رأسه‪ ،‬وذعر ذعرا ً‬
‫نقض حبوته واستطار فؤاده فتعجبنا نن حاله‪ ،‬وقلنا له‪ :‬إنك قريب المنزلة فلم ذهب بك الذعر‬
‫واستفزعك الوجا؟ قال سأضرب لكم نثالً نن أنثال الناس) يمضي بعدها الجاحظ فيروي عنه‬
‫قصة (البازي والديك) فيتهم ااول الديك أنه قليا الوفاء‪ ،‬فبعد احتضا بيضته وإطعانه نن‬
‫ااكف فار اليدنو ننه أحد اال وارتعب وطار يمينا ً وشماالً‪ ،‬أنا (البازي) فهو يقنص الصيد نن‬
‫الجو فيحضره لسيده‪ .‬قال الديك‪ :‬ولكنك ها الحظت أ نن يشوى على السفافيد هم الديكة‬
‫وليسوا الصقور (إنك لو رأيت نن البزاة في سفافيدهم نارأيت نن الديوك لكنت أنفر نني)‬
‫يلتفت الوزير المورياني الى الجاحظ وأفحابه نعقباً‪( :‬لو علمتم ناأعلم لم تتعجبوا نن خوفي‬
‫نع ناترو نن تمكن حالي)‪ .‬كانت نهاية الوزير بحد السيف ولم يكن نصيره استثنا ًء فقد تتابع‬
‫نسلسا قتا الوزراء بشكا دراني بئيس في العصر العباسي‪ ،‬فكا نن وزراء السفاح‬
‫والمنصور والمهدي والرشيد والمأنو انتهت حياتهم بحد السيف قتالً‪ ،‬بد ًء نن أبو سلمة‬
‫والقراد على شكا‬ ‫َّ‬ ‫الخالل وانتهاء بالفضا بن سها‪ ،‬ويروي (التنوخي) قصة الوزير والقرد‬
‫والقراد يقول للقرد‪ :‬ها تريد أ تكو برازا ً‬ ‫َّ‬ ‫نضحك‪ ،‬فقد اجتمع الناس في شارع ببغداد‬
‫فيونيء القرد برأسه نعم‪ ،‬فيكرر القراد ها تريد أ تكو عطارا ً فيرد برأسه نعم‪ ،‬فمازال يكرر‬
‫عليه طرفا ً نن الصنائع وهو يهز برأسه نعم‪ ،‬حتى إذا ذكر الوزير انجفا فقال‪ :‬ال ‪ .‬ويصيح‬
‫ويعدو بين يدي القراد فيضحك الناس‪.‬‬
‫نن المفيد للمرء التشبع بالوعي التاريخي وأ يحاول تصور الجو الذي عاش فيه الناس‬
‫فوضعنا المأساوي الحالي لم يولد نن رحم التاريخ نن الشيء‪.‬‬
‫إ قصة (المورياني) هي عينة نن ذلك الجو الذي عاشه الناس في العصر العباسي الذي دشنه‬
‫(ابراهيم اإلنام) بتوجيه تعليماته ابي نسلم الخراساني على الشكا التالي‪( :‬إ استطعت االتدع‬
‫بخراسا أحد يتكلم العربية اال قتلته فافعا‪ ،‬وإيما غالم بلغ خمسة أشبار تتهمه فاقتله‪ ،‬وعليك‬
‫بمضر فإنهم العدو القريب الدار فأبد خضراءهم والتدع على اارض ننهم ديارا)‪.‬‬
‫يروي لنا التاريخ أ جو التجسس (الوشاية) وقتا الناس على الشبهة بالزندقة بسبب عداوة‬
‫شخصية كا أنرا ً يونيا ً كما حصا لدناغ فذ خسرناه هو (ابن المقفع) ‪.‬‬
‫جو الرعب الذي عافره الجاحظ وابن المقفع نع تأسيس الدولة العباسية التي جاءت إلقانة‬
‫العدل ينعكس في بعض الروايات‪ ،‬ويؤكد قاعدة أ نن أخذ السيف بالسيف يهلك‪ .‬وأ االنقالب‬
‫العباسي لم يزد اانور اال بؤساً‪ ،‬وعن طريق المنهاج النبوي االبعداً‪.‬‬
‫سئا (العتابي) لماذا التتقرب بأدبك الى السلطا ؟ فيكو جوابه‪(:‬إلني رأيته يعطي عشرة آالف‬
‫في غير شيء‪ ،‬ويرني نن السور في غير شيء‪ ،‬وال أدري أي الرجلين أكو ؟) ‪ .‬أ العتابي‬
‫كا أعقا نن عشرة وزراء‪.‬‬
‫أنا (المفضا الضبي) فيدعوه رسول المهدي فيظن أنه الموت‪ ،‬فيتطهر ويلبس ثوبين ويستعد‬
‫للنطع والسيف‪ ،‬فاليعرف نانوع الوشاية التي وفلت الخليفة‪ .‬ولكن نفاجأة سعيدة كانت‬
‫بانتظاره‪ ،‬فالمهدي كا في نزاج جيد‪ ،‬فسأله عن أفضا بيت قالته العرب في الفخر! لم يهدأ‬
‫روعه تمانا ً فقد يكو استدراجاً‪ ،‬ولكن تتابع االسئلة عن الشعر طمأنته أ ليس في اانر‬
‫نكيدة‪ ،‬فلما سأله في النهاية إ كا بحاجة لشيء‪ .‬قال نعم إنه الدين قد ركبني‪ .‬فيأنر له‬
‫الخليفة بثالثين ألف درهم‪.‬‬
‫إننا أنام نثقفين نفلسين وخلفاء يملكو الرقاب واانوال‪.‬‬

‫‪253‬‬
‫ولم تكن نهاية المثقف (الفضيا بن عمرا ) سعيدة على هذه الشاكلة فقد وشي به الى المنصور‬
‫أنه يعبث بغالنه جعفر‪ ،‬وكا الفضيا كاتب ابنه جعفر‪ ،‬والكاتب كا نثقف العصر يونها قد اخذ‬
‫نن كا علم بطرف‪ .‬أرسا المنصور اثنين نن الزبانية وأوفاهما بحرص أ يقتلوه ولو تعلق‬
‫بالغمام‪ .‬ويتدخا شخص فيصف الفضيا أنه (رجا عفيف دين) وأنه (أبرأ الناس نما رني به‬
‫وقد تعجلت ياأنير المؤننين) فيرسا المنصور يعزز بثالث قائالً له‪ :‬لك عشرة آالف درهم إ‬
‫أنقذته فانض بخطابي بحقن دنه‪ .‬ولكن الرسول يصا وقد سفح دنه ولم يجف دنه بعد‪ .‬رجع‬
‫الرسول نكسوفا ً الى الخليفة أ السيف سبق العذل‪ .‬يلتفت المنصور الى نواله سويد قائالً‪:‬‬
‫ناتقول انير المؤننين في قتا رجا عفيف دين نسلم بال جرم والجناية؟ قال سويد‪ :‬هو انير‬
‫المؤننين يفعا نايشاء وهو أعلم بما يصنع‪ .‬يغضب المنصور ويقول أنا أسألك في الخافة‬
‫وأنت تجيبني في العانة‪ ..‬خذوه نن رجله فألقوه في نهر دجلة‪.‬‬
‫إ إعادة النظر في تاريخنا الكتشافه حقيقته نن جديد ضروريا ً الخراجه نن خانة‬
‫القدسية‪ ،‬واعطاءه حقنة تواضع أنه بشري نختلط بمظاهر الضعف والقصور ونلطخ أحيانا ً‬
‫بالدم‪ ،‬وأننا نازلنا نرضع نن نفس الثقافة العباسية بفارق ألف سنة‪ ،‬وجراثيمها اإلنراضية‬
‫تضرب نفافا ثقافتنا بألم ‪.‬‬
‫وفي الوقت الذي كا المغني (ابراهيم الموفللي) يأخذ نن الرشيد ‪ 200‬ألف دينار‬
‫نايعادل نيزانية دولة في تلك اايام‪ ،‬ويترك المنصور في خزائنه ‪ 14‬نليو دينار و‪ 600‬نليو‬
‫درهم يفرقها المهدي بين الناس سوى ناجبي في عصره‪ ،‬كا الشاعر أبو العتاهية يسجا‬
‫ننظرا ً نختلفا ً لحياة الناس الغارقين في البؤس‪:‬‬
‫نن نبلغ عني اإلنام نصائح نتواليللللللللللة‬
‫إني أرى ااسعلللار أسعار الرعية غاليلللة‬
‫وأرى الضرورة فاشية‬ ‫وأرى المكاسب نزرة‬
‫ئحة تمر وغاديلللللة‬ ‫وأرى غموم الدهر را‬
‫في البيوت الخاليلللة‬ ‫وأرى اليتانى واارانا‬
‫ت ضعاف عاليللللللة‪....‬‬ ‫يشكو نجهدة بأفوا‬
‫في هذا الجو لمع ابن المقفع وترك لنا أفضا كتبه (كليلة ودننة) التي جمعها نن ثقافات‬
‫شتى وأضاف اليها نن عنده‪ ،‬وفبها في قالب بديع نن إشراق العبارة وعمق المعنى‪ ،‬وكا‬
‫يوفف أنه إذا ازدحمت المعاني في فدره توقف عن الكتابة لينتقي أفضا الكلمات فيصبها في‬
‫رشاقة هندسية كالبناء كا كلمة لبنة تتماسك نع ااخرى‪.‬‬
‫ابن المقفع اشتهر بكتابه (كليلة ودننة) ولم يشتهر بكتابه اآلخر ( رسالة الصحابة)‬
‫ويجمعهما هدف واحد هو نسؤولية المثقف في نقد ااوضاع‪ .‬إ الكتاب الثاني اليقصد به‬
‫فحابة رسول هللا ص با بطانة الحاكم قدنه الى المنصور بكثير نن المدح والحذر يطرح عليه‬
‫خطة افالحية نتكانلة أنام الفساد العام‪ ،‬وتدل الرسالة على عبقرية نبكرة‪ ،‬ناقش فيها أخطر‬
‫أربع نسائا‪ :‬المؤسسة العسكرية (الجند) وفوضى القضاء وفساد البطانة واالفالح الزراعي‬
‫(الخراج)‪ ،‬واقترح الفالح الجيش ستة أنور‪ :‬أ يتم تربيتهم ليس على الطاعة المطلقة با‬
‫المشروطة في طاعة هللا فإ كانت نعصية هلل فالطاعة للحاكم‪ ،‬واليعقا أ يقول أحد القواد أنه‬
‫لو أنرنا الخليفة أ نستدبر القبلة في الصالة لقلنا سمعنا وأطعنا‪ ،‬فهنا لم تعد المؤسسة‬
‫العسكرية اسالنية بحال‪ .‬وطرح فكرة فصا الجند عن ادارة الشؤو المالية فسوف تشترى‬
‫ذنمهم‪ ،‬وإل ( والية الخراج نفسدة للمقاتلة)‪ ،‬وأشار بمراعاة الكفاية في القيادة فتسلم على‬
‫أساس الكفاءة وليس على أساس القبلية أو الوالء‪ .‬ورأى تثقيف الجند فاليكو الجندي في يد‬
‫الخليفة بوقا ً أو عصا‪ .‬ونصح بدفع رواتبهم بدو تأخير‪ .‬وأوفى بتفقد أحوالهم أكثر نن‬
‫الطاعة وانرهم بقتا الناس‪.‬‬
‫كا كتاب (رسالة الصحابة) انلذارا ً للمنصلور بوجلود أدنغلة واعيلة فلي المجتملع نقلقلة‬
‫للنوم العام‪ ،‬ولكن الكتاب الالحق (كليلة ودننة) كا يتكلم بلغة الطيور وحيوانات الغابلة ويحملا‬

‫‪254‬‬
‫رسالة التوعية السياسية بعدنا أفيب المجتمع بالعي والخرس‪ ،‬ثم جلاءت القشلة التلي قصلمت‬
‫ظهر البعير‪ ،‬عندنا ظن عم المنصور أنه وفا الى شاطيء السالنة بكتلاب اانلا اللذي وضلع‬
‫فيغته القانونية ابن المقفع بأدبه الرائع‪ ،‬بأنه إذا أخا بشروط اانا فقتا عمله تكلو زوجاتله‬
‫طوالق وعبيده أحرار ولليس لله بيعلة فلي أعنلاق النلاس‪ .‬وظلن ابلن المقفلع ا الحبلر الكثيلف‬
‫والورق الجيد والعبارات المنتقاة بعناية ستكو حماية نن الغدر فأخطأ ودفع حياتله ونلن كتلب‬
‫له ثمنا ً لذلك‪ .‬في عصر يقوم على الغدر والقتا ونازال يلو سياستنا حتى اليوم‪ .‬وإذا علمنا أ‬
‫ابن المقفع قتا وهو دو ااربعين أدركنا عظم الفجيعة في حرنا اانة نن أدنغة ناضجة كلا‬
‫يمكن أ ترسم نصيرا نختلفا ً لألنة‪ .‬يربط الفيلسوف (برتراند راسا) بين قيام النهضلة العقليلة‬
‫فللي أوربللا وحفنللة نللن اادنغللة المتميللزة‪ ،‬ويقللول لللو تللم اغتيللال أفللحابها لمللا كانللت نهضللة‪.‬‬
‫والمنصور وأنثاله قانوا بهذه المهمة على احسن وجه‪.‬‬

‫‪255‬‬
‫محنة المثقف‬
‫في نطلع نايو ‪ 2011‬م تزاننت ثالث وقائع؛ ااولى في نصرع ابن الد في إسالم أباد فشرب‬
‫نن نفس الكأس التي سقاها اآلخرين دهاقا‪.‬‬
‫وكانت الثورة العربية الكبرى حريقا يأكا نفافا ثالث أنظمة في ضربة واحدة نالها نن فواق‪،‬‬
‫في ليبيا حيث المهرج بثوبه الفلكلوري وعباراته المضحكة بأفعال نرسونة بالدم القاني‪ ،‬وفي‬
‫اليمن حيث الثعلب المراوغ يكافح لحظات فنائه ااخير‪ ،‬وفي سوريا حيث كشر ااسد عن أنيابه‬
‫الكبيرة‪.‬‬
‫أنا الحدث الثالث فكا اعتقال رئيس تحرير أكثر الجرائد انتشارا في المغرب هي المساء‪،‬‬
‫فخدنه خصونه ونفعوه نن حيث أرادوا ضره‪ ،‬ورفعوا نن قدره أكثر نما يفعا لنفسه أي‬
‫حريص‪ ،‬بحماقة نعروفة في الخصونات السياسية‪ ،‬وهكذا تحول رشيد النيني إلى بطا قوني‬
‫تأخذ كلماته فدقها نن كفاحه السلمي في التعبير‪.‬‬
‫وفي هذا وعن نحنة المثقف ينقا (حسين نروة) في كتابه (تراثنا كيف نعرفه) نحنة المثقف (‬
‫عبد الحميد الكاتب) أنه حين فر نع (نروا بن نحمد) آخر خلفاء بني أنية أ نروا قال له‪:‬‬
‫(انج بنفسك يا عبد الحميد‪ ،‬فإنهم إ قتلوني خسرني أهلي وحدهم‪ ،‬وإ قتلوك خسرك العرب‬
‫جميعاً)‪.‬‬
‫كا على نروا أ يقول سوف تخسرك اإلنسانية‪ ،‬ا خسارة المثقف كما جاء في الحديث‬
‫نناحة تبكي فيها حيتا الماء وطيور السماء‪ .‬وليس غريبا أ تذكر اآلية أ الظالمين التبكي‬
‫عليهم السماء وال اارض وناكانوا ننظرين‪.‬‬
‫أنا نصير الخليفة اانوي (نروا ) فكانت بالسيف في قرية بوفير في نصر‪ ،‬وأنا المثقف‬
‫(عبد الحميد) فاختفى لفترة عند (ابن المقفع) ولكن عيو الجواسيس العباسية كانت خلفه‬
‫ففاجأت الرجلين في بيت ابن المقفع وهتف الجند أيكم عبد الحميد فليتقدم؟ فوجيء الجند أ‬
‫االثنين قفزا نعا ً كا يقول عن نفسه أنه عبد الحميد! أنا ابن المقفع فكا يريد أ يفدي ضيفه‬
‫بنفسه‪ ،‬وأنا الكاتب عبد الحميد فخشي أ يفرط في فاحبه ويسارع اليه الزبانية‪ .‬تقدم عبد‬
‫الحميد لرجال السلطة فقال‪ ( :‬ترفقوا بنا فإنا كالً ننا له عالنات‪ ،‬فوكلوا بنا بعضكم ويمضي‬
‫البعض اآلخر ويذكر تلك العالنات لمن وجهكم ففعلوا وأخذ عبد الحميد)‪.‬‬
‫وفي كتاب (وفيات ااعيا ) لل (ابن خلكا ) يذكر نهاية المثقف عبد الحميد أ أبا العباس‬
‫السفاح الخليفة العباسي دفعه الى فاحب شرطته (فكا يحمي له طستا ً بالنار ويضعه على‬
‫رأسه حتى نات) ويصفه ابن خلكا أنه‪(:‬يضرب به المثا في البالغة حتى قيا فتحت الرسائا‬
‫بعبد الحميد وختمت بابن العميد‪ .‬وكا في الكتابة وفي كا فن نن العلم واادب أناناً) ‪.‬‬
‫أنا نصير (ابن المقفع) فتأخر بعض الشيء ولكنه قتا بأشنع نن الكاتب عبد الحميد‪ .‬يقول (ابن‬
‫خلكا ) أنه لما ألقي عليه القبض والي البصرة قال له (أنشدك هللا أيها اانير في نفسي‪ .‬فقال‬
‫أني نغتلمة إ لم أقتلك قتلة لم يقتا بها أحد‪ ،‬وأنر بتنور فسجر‪ ،‬ثم أنر بابن المقفع فقطعت‬
‫أطرافه عضوا ً عضوا‪ ،‬وهو يلقيها في التنور‪ ،‬وهو ينظر‪ ،‬حتى أتى على جميع جسده‪ ،‬ثم اطبق‬
‫عليه التنور‪ ،‬وقال ليس علي في المثلة بك حرج إلنك زنديق وقد أفسدت الناس)‪.‬‬
‫يقول بعض الصيادين ا اافعى عندنا تقترب نن فريستها تصاب بالرعب فال تتحرك فتبتلعها‬
‫لقمة سائغة‪ .‬وأعرف نن غابات ألمانيا أ الغزال يصاب بصدنة الضوء ليالً فاليبرح وحتى‬
‫اليعما السائق الحادث عليه أ يطفيء النور فيفر الغزال‪ .‬وأنام شحنة رعب نن هذا النوع‬
‫الذي تنقله قصص التاريخ‪ ،‬أو نانراه أحيانا ً في المنطقة العربية يصلح تفسيرا ً لحالة الخرس‬
‫المطبق للمجتمع‪ ،‬فاالنسا يتلقى الجرعة القصوى نن الرعب أسلمته الى حالة الرهاب‬
‫المرضية‪ ،‬وقتلت المعارضة اجتثاثا‪.‬‬

‫‪256‬‬
‫راهن (عبد هللا بن المقفع) على التغيير العقلي فحاول القيام بمسؤولية المثقف في التوعية‪،‬‬
‫وحاول في (رسالة الصحابة) أ يتناول أهم أربع نقاط في االفالح االجتماعي‪.‬‬
‫كانت ااولى في إفالح المؤسسة العسكرية‪ ،‬وناقش في الثانية نسألة (القضاء) أ يرجع فيها‬
‫الى المصلحة العانة والعدل وعدم نراعاة القياس الشكلي فمتى (رؤيت العدالة في غير القياس‬
‫يجب أ نضحي بالقياس) ويأتي ابن المقفع بمثال على ذلك انك لو سألت أحدهم أتأنرني أ‬
‫أفدق فال أكذب كذبة واحدة أبدا ً لكا جوابهم نعم‪ ،‬ولكن ناذا تقولو لو أ رجالً هاربا ً نن‬
‫قبضة ظالم وسألني عن نكانه وأنا أعرف نخبأه ها أدل عليه والتزم الصدق؟ ليصا في النهاية‬
‫باقتراح نا يشبه فكرة الهيئة التشريعية لتقنين القوانين وتعميمها في الدولة ويقرر (أحمد‬
‫أنين) في كتابه (ضحى اإلسالم) أنه (رأي له قيمته ووجاهته وهو يتفق في كثير نن نواحيه‬
‫واآلراء الحديثة في التشريع‪ ،‬ولو عما به المسلمو لكا له أثر كبير في الحالة االجتماعية)‬
‫ولم تذهب دعوة ابن المقفع سدى فلعا كتاب (الخراج) الذي وضعه اإلنام الحنفي (أبو يوسف)‬
‫الحقا ً لتنظيم أوضاع ااراضي كا نن وحي فكرة ابن المقفع‪ ،‬بفارق أ ابن المقفع كا ينطلق‬
‫نن تحليا عقالني بحت‪.‬‬
‫وأنا الفكرة الثالثة التي عالجها فكانت شريحة (البطانة) وأهمية انتقاء هذه النخبة وهي‬
‫ناعناها بعنوا الكتاب‪ ،‬فكلمة (الصحابة) قصد بها الحاشية التي تحيط بالحاكم وتدفعه الى‬
‫اتخاذ القرارات الخطيرة‪ ،‬فيقرر بكا أسف أ (الخليفة يقرب أوغاد الناس وسفلتهم فهرب‬
‫الخيار نن التقرب للوالة) ويروي أ نن أتى الى دار الخالفة أيام السفاح أبوا أ يزوروا‬
‫الخليفة لما يعلمو نن بطانته وسوء سيرتهم‪ .‬وذكر أنه (نارأينا نن أعجوبة قط أعجب نن‬
‫هذه الصحابة نمن ال ينتهي إلى أدب ذي نباهة‪ ،‬وال حسب نعروف‪ ،‬ثم هو نسخوط الرأي‬
‫نشهور بالفجور) ليصا إلى نصح الخليفة أ ال يقرب إليه إال (رجالً أتى بمكرنة عظيمة أو‬
‫رجال له نن الشرف وجودة الرأي والعما نا يؤهله‪ ،‬أو رجال فقيها نصلحا ينتفع الناس بفقهه)‬
‫ويقرر في عما هذه النخبة‪ ،‬أنه (يجب أ يعين لكا ننهم اختصاص في عما اليتعداه) نا يسمى‬
‫بالتكنوقراط في أياننا‪.‬‬
‫ويذكرنا هذا الكالم نع ناوفف (عبد الرحمن الكواكبي) في كتابه (طبائع االستبداد) طبقة‬
‫الحاشية هذه أ تكو ‪:‬‬
‫(النسبة بينهم في المراتب بالطريقة المعكوسة‪ ،‬وهي أ يكو أسفلهم طباعا ً أعالهم وظيفة‬
‫وقرباً)‪.‬‬
‫ويصا ابن المقفع في البند الرابع نن رسالته إلى فكرة اإلفالح الزراعي (الخراج) أ تمسح‬
‫بشكا جيد نع التدوين الدقيق والضريبة المناسبة‪ ،‬ولكنه اعترف أنها نسألة ليست بالسهلة‬
‫أنام خيانة نستفحلة‪.‬‬
‫يبدو أ رسالة الصحابة البن المقفع لم ترو غليله فاستعا بأدوات اادب لينتج نعجزة أدبية‬
‫رائعة كانت فكرة في أفالم الكرتو التي نراها عند ااطفال اليوم‪ ،‬فإذا لم ينطق الناس فلتنطق‬
‫الحيوانات‪ ،‬وإذا أفاب البشر الخرس فال بأس نن إرسال اافكار على لسا القرد والغيلم‬
‫والببر والجرذ والسنور‪ ،‬وهكذا بدأ كتابة كليلة ودننة‪ ،‬وذكر في نقدنتها أهدافا ً أربعة‪:‬‬
‫أ يسارع الى قراءته أها الهزل نن الشبا ‪ ،‬وإظهار خياالت الحيوانات بصنوف اافباغ‬
‫واالوا ليكو أنسا لقلوب الملوك‪ ،‬والثالث أ يكثر استنساخه فال يبطا أو يخلق على نرور‬
‫اايام‪ ،‬أنا الغرض الرابع فقد أخفاه واحتفظ به لنفسه تحت عبارة غانضة (والغرض الرابع‬
‫وهو ااقصى وذلك نخصوص بالفيلسوف)‪.‬‬
‫ويعقب احمد أنين على هذا الغرض الخطير (والظاهر أ هذا الغرض يمكن تلخيصه في أنه‬
‫النصح للخلفاء حتى ال يحيدوا عن طريق الصواب‪ ،‬وتفتيح أعين الرعية حتى يعرفوا الظلم نن‬
‫العدل‪ ،‬فيطالبوا بتحقيق العدل‪ .‬ولم يوضحه ا في إيضاحه خطرا ً عليه نن المنصور ولعا هذه‬
‫النزعة كانت نن ااسباب في االيعاز بقتله)‪.‬‬

‫‪257‬‬
‫يبدو أ كتاب (كليلة ودننة) قتا فاحبه ولم يشفع لصاحبه نبا أخالقه والسعة علمه وال أنه‬
‫نن المع الشخصيات في اادب العربي‪.‬‬
‫شعر الخليفة المنصور أ شخصيات نن هذا النوع غير نرحب بها‪ ،‬فهو يريد عبيدا وليس‬
‫نفكرين أحرارا ‪.‬‬
‫إنه يريد أدوات لالستخدام وليس إرادات لقيادة جماعية‪.‬‬
‫يصف نن عافر ابن المقفع نثا (نحمد بن سالم) (سمعت نشايخنا يقولو ‪ :‬لم يكن للعرب بعد‬
‫الصحابة أذكى نن الخليا بن احمد وال أجمع‪ ،‬وال كا في العجم أذكى نن ابن المقفع وال‬
‫أجمع)‪.‬‬
‫ويصفه الجاحظ‪(:‬كا جوادا فارسا جميال) ويعجب الناس بأدبه فيسألونه نن أدبك؟ فيقول(‬
‫نفسي إذا رأيت نن غيري حسنا أتيته وإ رأيت قبيحا أبيته)‪.‬‬
‫كتاب كليلة ودننة كا رسالة نن ابن المقفع للمنصور فتسلمها بأنانة ورد عليها‪ ،‬فأوعز إلى‬
‫أحد أدواته المدعو (سفيا بن نعاوية) وهو يعلم حقده عليه فيلقي عليه القبض قائالً‪( :‬يا ابن‬
‫الزنديقة ادخلنك نار الدنيا قبا اآلخرة) وهو يعلم أ تهمة الزندقة ليس فيها استتابة‪ ،‬وهي‬
‫تهمة ال يخرج ننها فاحبها إال نع خروج الروح‪.‬‬
‫إ اانة خسرت الكثير نن هذه الكنوز في جو االستبداد فالمقفع قتا وعمره ‪ 36‬سنة شأ‬
‫العباقرة‪ ،‬ولكنه ترك بصمات عمله على كا اادب العالمي‪ .‬ونكاد ننسى اليوم أنه قتا نن اجا‬
‫أفكاره ونن قتله‪.‬‬
‫أنا ابن المقفع فيلتمع كأشد كوكب دري في السماء إضاءةً‪.‬‬
‫يذكر (نكيافيلي) فاحب كتاب (اانير) عن الفرق بين الدولة العثمانية والفرنسية‪ ،‬أ ااولى‬
‫فعب قهرها سها االحتفاظ فيها بعد كسرها‪ ،‬أنا الدولة الفرنسية فسها كسرها في البداية‬
‫فعب االحتفاظ فيها بعد ذلك‪ .‬ويكشف السر عن ذلك عن طبيعة الحاكم واانة والعالقة بينهما‪،‬‬
‫أ اانة التركية غنم على رأسه راعي ننفرد فإذا قتلت الراعي وضعت يدك على غنم ال تملك‬
‫حوال وال طوال‪ ،‬أنا اانة الفرنسية فهي نجموعة رعيا نتشاكسو على رأسهم أحد الرعاة‪،‬‬
‫فإذا تغلبت على راعي وقعت في نصيدة الرعيا بأيديهم عصي كثيرة فتعاوروا عليك ضربا‬
‫باليمين!!‬

‫‪258‬‬
‫أبو حامد اإلمام الغزالي‬
‫سمي بحق (حجة اإلسالم) فهو كتب في حياته ‪ 280‬كتابا ً يتعجب االنسا نن قلدرة اانجلاز نلع‬
‫أنه اعتزل الكتابة عشر سنوات ولم يخلرج بعلدها اال بكتابله المنقلذ نلن الضلالل وإحيلاء عللوم‬
‫الدين كما أنه نات فغيرا ً عن ‪ 55‬عانا ً فهو ولد عام ‪ 450‬هجرية ونات علام ‪ 505‬وكانلت فلي‬
‫بدايات االجتياح الصليبي للمنطقة‪ .‬ولكن كما يبلدو فلإ هلذه نيلزة المبلدعين العبلاقرة فلي قلوة‬
‫اانجاز فيبارك هللا لهم في أوقاتهم والكثيرو يسألونني كيف تجد الوقت لتكتب كا هلذا وعنلدي‬
‫نن النشاطات والكتابات ناأكتبه لغير هذا المنبلر فيكلو جلوابي إ المشلكلة ليسلت فلي وجلود‬
‫الوقت بلا فلي االسلتفادة ننله‪ .‬وفلي كتلاب الفلسلفة للمبتلدئين وهلو كتلاب كنلدي جميلا باللغلة‬
‫االنكليزية بحيث يمسح القاريء بسرعة وبشكا نيسر االتجاهلات الفلسلفية كلهلا عبلر التلاريخ‬
‫أقول وضعوا فورة كاريكاتور كيف تعرف الفيلسوف؟ هلو ذللك الشلخص الماشلي وهلو يقلرأ؟‬
‫وأحيانا ً يحصا نعي هذا وال أزعم لنفسي أنني أفبحت تلميلذا ً للفالسلفة‪ .‬وأرجلع للغزاللي فهلذا‬
‫الرجللا المبللدع نسللح الفكللر المعافللر للله نثللا الللرادار بحيللث عللرض لكللا المللدارس الفكريللة‬
‫واالتجاهات التي كانت تسود عصره وكانت أربع الفرق الباطنية والفالسفة والمتصوفة وعلماء‬
‫الكالم‪ .‬يقول أنه كا يستفيد نن الوقت بعد أ ينتهي نن تدريس طالبه فعكف ثالث سنين بحيث‬
‫نسح الفكر المعافر له كله‪ .‬وفي النهاية قام بحركة فكرية يتعجب ننها المرء نثا لو أ نفكلرا ً‬
‫اطلع على الماركسية ثم وضع في النهاية كتابا ً ليس لنقضها بلا لشلرحها بحيلث تصلبح نرجعلا ً‬
‫أكاديميا ً لمن يريد االطالع على الفكر الشيوعي‪ .‬قريب نن هذا فعا اانام الغزالي حينملا علرض‬
‫فكر الفالسفة تحلت كتلاب (نقافلد الفالسلفة) وهلذه الخطلوة تعطينلا فكلرة أيضلا ً علن نسلتوى‬
‫النضج العقلي والتمكن نن العلوم المعافرة وعدم الخوف نن الجديد كملا يحلدث نعنلا فلي هلذا‬
‫اايام‪ .‬حتى إذا انتهلى نلن هلذا العلرض قلام بهلدم البنلاء عللى رؤوس أفلحابه فكتلب (تهافلت‬
‫الفالسفة)‪ .‬في الواقع لليس نلن العلدل والقلوة أ تعلرض فكلر الخصلم هلزيالً نضلعَّفا ً ثلم تقلوم‬
‫بالهجوم عليه با يجب عرضه كما يريده فاحبه تماناً‪ .‬ويقول الغزالي حتلى نلرد عللى فكلر نلا‬
‫فيجب أ نطلع عليه ليس كما وفا اليه فاحبه فحسب با يجلب أ نزيلد عليله درجلة فنلتمكن‬
‫ننه ابعد الحدود بحيث نعرضه كما لو أراد فاحبه عرضله ثلم نقلوم بإظهلار الفسلاد اللذي قلام‬
‫عليه لو كا فاسداً‪ .‬وفي الواقع فإ العما العقلي نن هذا الطراز النتحلى به اليوم بسبب التشدد‬
‫والتعصب وعدم النضج العقلي بسبب التردي العقلي العام الذي نعيشه‪ .‬وشرح المفكر ناللك بلن‬
‫نبي الرحلة العقلية لألنام الغزالي وقلال عنهلا لقلد بلدأ جبلارا ً فلي خطواتله ولكلن النهايلة التلي‬
‫أنتهى إليها ليست بشيء في النهاية الغانضة التي انتهى بها‪ .‬فهو يقول أنام رحلة الشك وكيف‬
‫حا تناقضاتها أنها نور قذفله هللا فلي القللب عنلدنا شلعر أ طريلق التصلوف يقلوم لليس عللى‬
‫الحجج البرهانية با (السلوك) وهذا يقوم على تجربة شخصية بحتة وليس حجج عقالنية يمكلن‬
‫ا يستفيد ننها كا أحد‪.‬‬

‫المنقذ من الضالل‬
‫هناك نن الكتب نايجب أ يقرأ عشر نرات‪ .‬وننها كتاب (المنقذ نن الضالل والموفلا اللى ذي‬
‫العزة والجالل ) لحجة االسلالم (أبلي حانلد الغزاللي)‪ .‬وهنلاك نلن الكتلب ناينلدم االنسلا عللى‬
‫قراءتها‪ .‬ولذلك جعلت نجلة (المجلة) في أحد زواياها عنوا فرعي نثير (كتاب ليتني لم اقرأه)‬
‫أي أ الفائدة التي يجنيها االنسا نن التعرف عللى الكتلاب ا اليعلود اللى قراءتله‪ .‬وكنلت نلع‬

‫‪259‬‬
‫بناتي الثالثة في نونتريال في كندا فقلت يابنات أحب أ أعزنكن اليوم عللى عشلاء فليني فملا‬
‫رأيكن؟ بالطبع كا عرضلا ً نغريلا ً لطالبلات نرهقلات بالدراسلة يتنفسلن الصلعداء ويبلدلن الجلو‬
‫وينعمن بصحبة أب يغدق عليهن نن الحب والمال وحديث الفكر‪ .‬فحن بصوت واحد نوافقلات‪.‬‬
‫ولكن المطعم اللذي دخلنلاه كلا أفضلا نافيله أننلا أقسلمنا أ النعلود إليله‪ .‬وكتلاب (المنقلذ نلن‬
‫الضالل) هو نن الكتب التأسيسية وهلو يوضلع جنبلا ً اللى جنلب نلع كتلاب الفيلسلوف الفرنسلي‬
‫(رينيه ديكارت) (المقال على المنهج) ويبدو ا ااخير اسلتفاد نلن ااول عللى نحلو نلا أو كملا‬
‫كتب (نديم الجسر) فلي كتابله (قصلة اإليملا بلين الفلسلفة والعللم والقلرآ ) فلي فصلا (التقلاء‬
‫العباقرة) وهو نن أجما فصول الكتاب أنه يحدث أحيانا ً نن تقلاطع المعلونلات أو الوفلول اللى‬
‫عتبة عقلية عند اثنين نشيا نفس المراحا العقلية فوفلال اللى نفلس الفضلاء المعرفلي‪ .‬وأشلار‬
‫سيمو كيث فاحب كتاب(العبقرية والقيادة واإلبداع) الى هذه الظلاهرة وهلي أ انجلازا ً رائعلا ً‬
‫يتم أحيانا ً نن رجلين اليعرف كا واحد شيئا ً عن إنجاز اآلخر كملا حلدث نلع كلا نلن الفيلسلوف‬
‫االماني (ليبنتز) والفيزيلائي البريطلاني (اسلحق نيلوتن) الللذين وفلال فلي وقلت نتقلارب اللى‬
‫تطوير رياضيات (التفاضا والتكانا)‪ .‬وهو نادعا (اسحق عظيموف) الى نقا هذا المفهلوم اللى‬
‫وجود البشر في نجرات أو نظم شمسية أخرى فتوقع أ تكو هناك العديد نن الحضارات التلي‬
‫نشت نثلما نشينا ولكن الحضارات التي وفلت الى نستوى العصر الذري تبقى نعدودة‪ .‬أجملا‬
‫نافي كتاب (المنقذ نن الضالل) هي روايته بشكا جميا للرحلة العقلية التي قطعها فهو كا في‬
‫شك نطبق حتى وفا في النهاية الى شك ندنر بحيث شكّ في كا شيء حتى برجله التي يمشي‬
‫بها وجسمه الذي يتغذى به‪ .‬قال عندنا وفلت الى الشك في كا شيء أفلبت بلالمرض للم أعلد‬
‫أستطيع أ أنضع الطعام أو أ أشرب السوائا‪ .‬وأفبح وضعه الصحي فلي خطلر وخلاف عليله‬
‫ااطباء‪ .‬المهم أ الرجا بعد أ دخا الى ظلمات الشك قال كنت أريد أ أبحث عن شليء يقينلي‬
‫بحيث أ أحدهم لو قال لي أ العشرة أقا نن الثالثة والدليا على ذلك أننلي اقللب العصلا ثعبانلا ً‬
‫والحجر ذهبا ً ناخانرني الشك أبدا ً فأين نثا هلذا العللم اليقينلي؟ إ رحللة الغزاللي تشلبه نفلس‬
‫اازنة العقلية التي دخلها ديكارت بعده بأكثر نن خمسة قرو حيث شك في كا شيء‪ .‬ثم قال قد‬
‫أشك في كا شيء ولكن الشيء الوحيد الذي الأشك فيه هو أنني أشك‪ .‬ونعنلى أننلي أشلك أننلي‬
‫أفكر وهذا يعني أنني نوجود‪ .‬وننها انطلقت فلسفة الحداثة كلها تحت هاتين المقولتين أنلا أفكلر‬
‫أنا نوجود‪.‬‬

‫قصة أبو حامد الغزالي مع العيارين‬


‫عاش اإلنام أبو حاند الغزالي ‪ 55‬سنة وألف ‪ 180‬كتابلا ً واعتلزل الحيلاة فلي آخلر حياتله بضلع‬
‫سنين وخرج بكتابه المشهور المنقذ نن الضالل وكتاب اإلحياء ويقصد به تجديد الفكلر اللديني‪.‬‬
‫والفترة التي عاشها اإلنام الغزالي كانت نزلزلة في تاريخ المنطقة فإذا أخذنا اارقام بلين نوتله‬
‫وحياته عرفنا أنه ولد عاد ‪ 450‬هجرية ونات عام ‪ 505‬هل وهو حسب التاريخ الميالدي يناسب‬
‫الوقت الذي كانت الدولة العباسية تترنح في سكرات الموت والضغط الصليبي قلادم نلن الغلرب‪.‬‬
‫وهو يشبه وضع العرب نن جانب ويختلف نن جانب‪ .‬فالضغط تغير والعرب لم يعلودوا سلباقين‬
‫في اإلنتاج المعرفي‪ .‬والصليبيو الفقراء اللذين كلانوا ينحلدرو نلن غابلات أوربلا عللى شلكا‬
‫عصابات نفلسة تعيش في عالم نن الخرافة وتبيع الكنيسة نقاعد وهمية في الجنة نقابا جعلال‬
‫نن المال تغيرت اليوم ولم يعد يحكم أوربا طغاة أو رجا أني نن طراز ريتشارد قللب ااسلد بلا‬
‫يكمن التحلدي اليلوم أ العلالم كلله سلقط فلي يلد الغلرب غنيملة رائعلة ونعله كلا الملال تقريبلا‬
‫ونؤسسات البحث العلمي والقوة الحربية المتفوقلة المعتملدة بلدورها عللى تكنولوجيلا نتفوقلة‬
‫وعلم هائا‪ .‬فالعالم كما نرى انقللب رأسلا عللى عقلب واليلوم تكتلب الحضلارة لليس فلي اللزنن‬
‫العباسي بخط نن اليمين إلى الشمال با تكتب في الزنن اانريكي وبخط نن الشمال إلى اليملين‬

‫‪260‬‬
‫نقلوبا يصاب فيه العرب بالدوار وهم يقرأو الخلط بعلين حلوالء‪ .‬وهلم نجبلرو عللى قراءتله‬
‫وتفسيره ا نصيرهم بين سطوره‪ .‬وفي الوقت الذي عاشه اإلنام الغزالي كا العلم يقوم عللى‬
‫الحفظ وفي يوم كا الغزالي في طريقه نن بلد إلى آخلر لتلقلي العللم فاعترضلهم العيلارو نلن‬
‫قطاع الطرق فأخذوا كا نتاعهم ونعها نخالة لله أي كليس فيهلا كتبله الهانلة التلي يلتعلم ننهلا‬
‫فاقترب نن رئيس العيارين فصاح به ويلك ال تقترب وإال هلكت وكا قد ظن أنه يريلد نقاونتله‬
‫قال له ناشدتك هللا إال أرجعت لي نخالتي قال وها فيها جواهر؟ قال با أغلى فهي كتبي النفيسة‬
‫التي أتعلم ننها‪ .‬فضحك رئيس ااشقياء على ظهر فرسه وقال له وأنت اآل تسمي نفسك عالما ً‬
‫فإذا أخذنا ننك كتبك أفبحت نلن الجلاهلين‪ .‬يقلول الغزاللي لقلد علمنلي رئليس العيلارين حكملة‬
‫غيرت حياتي فقد أرجع لي كتبي ونعها حكمة اعظم‪ .‬يقول وعند عودتي إلى بغلداد شلرعت فلي‬
‫حفظ كا الكتب التي أقرأ فيها فلإذا اعترضلني العيلارو للم يسلحب ننلي علملي وكلا هلذا أول‬
‫طريقي للعلم‪ .‬ولكن اليوم يخرج أكثر نن ثالثين ألف ورقة بحث في العالم يونيا ويمكن نسخ نلا‬
‫كتبته أنا شخصيا في عشر سنين بعشر دقلائق عللى قلرص كمبيلوتري فلأين عيلونكم يلا نسلاخ‬
‫بغداد‪.‬‬

‫قصة اختفاء أبي حامد الغزالي؟‬


‫قالت زوجتي زدني نن أخبار الرجا؟ تذكرت قصة حيرا والشيخ في كتاب نديم الجسلر (قصلة‬
‫اإليما بين العلم والفلسفة والقرآ )؟‬
‫قلت عاش الرجا في القر الخانس الهجري في وقت فعب‪ ،‬وننطقلة الشلرق ااوسلط تعصلر‬
‫بين فكي الصليبيين والمغول؟‬
‫ها هي فدنة ااوضاع؟ هلا هلو فعلال فقلط الشلك الفلسلفي كملا يرويله فلي كتابله المنقلذ نلن‬
‫الضالل؟ ها هي حالة النرفانا بتعبير الهنود؟‬
‫يقول الرجا كما جاء في السيرة عن سيد اانام الرسول العدنا ص أنه ح ّبلب إليله الخلالء؟ أنله‬
‫كا يقدم رجال ويؤخر أخرى في قرار الرحيا واالختفاء؟ ويصف حالته نن الشك أنه وفا إلى‬
‫حالة اليذوق فيها طعانا وشرابا‪ ،‬فاحتار في وضلعه ااطبلاء؟ وقلالوا هلو أنلر الطاقلة لنلا فيله‪،‬‬
‫وأنره بين يدي الكبير المتعال؟‬
‫يقول أبو حاند الغزالي كنت أدرس في المدرسة النظانية لمئات الطلبة ثم اعتراني الشك في كا‬
‫شيء؟ وكانت ندراس العصلر فلي أيانله تتلراوح بلين أربلع اتجاهلات هلي الباطنيلة والمتكلملة‬
‫والفالسفة والصوفيين‪.‬‬
‫(أحول كلماته إلى نانتكلم به حاليلا؟) فقعلدت ثلالث سلنين‬
‫ّ‬ ‫قال فعزنت على نسح تيارات العصر‬
‫إذا فرغت نن تدريس الطلبة تفرغت لسبر غور هذه اافكار‪.‬‬
‫يقول إنه وفا بسرعة لتفنيد آراء المتكلملة والباطنيلة‪ ،‬أنلا الفالسلفة فغصلت فيهلا أكثلر حتلى‬
‫وفلت إلى ننتهى قولهم وآرائهم؟ وعلمت أنه الينبغي الرد على فرقة وفكرة قبا الوفلول إللى‬
‫قرار عمقها‪ ،‬با والزيادة فيها كأنه نن أتباعها ونريديها‪ ،‬حينها ينضج الرد‪.‬‬
‫وبهذه الطريقة أخرج لنا كتابه تهافت الفالسفة‪ ،‬الذي جاء الرد عليه الحقا نلن أبلي الوليلد ابلن‬
‫رشد نن غصن ااندلس الرطيب في تهافت التهافت‪ .‬وحين وفا إللى بوابلة التصلوف أدرك أ‬
‫اانر نختلف؛ فهنا العما ليس عقالنيا با نوع نن التدريب الروحاني‪ ،‬وأنام هذه البوابلة وقلف‬
‫حائرا نترددا‪ ،‬وبقي على هذه الحالة طويال حتى عزم واتخذ قرار الهجلرة واالختفلاء نلن وجله‬
‫الناس والخالئق‪.‬‬
‫قلت لزوجتي أشرح لها؟ هنا النعلم ناذا حدث نع الرجا بالضبط انه غاب عشر سنين عددا؟‬
‫أين كا يعيش؟ كيف كا يعيش؟ كيف كا يقضي وقته؟‬

‫‪261‬‬
‫ال أحد يعلم ولم يقا هو شيئا؟ وهو يذكرني بقصص نشلابهة نثلا غلار حلراء للنبلي المصلطفى‬
‫ص فأسال نفسي كيف كلا يقضلي وقتله؟ إنله نكلا وعلر نملن طللع بنفسله ورآه‪ ،‬كلا يأخلذ‬
‫نايكفيه نن الطعام ويتحنث ويفكر؟‬
‫إنها لحظات تاريخية تخلص فيها النفس نن نشاغا الحياة اليونية؟ نحلن نميلا للنلوم؟ أنلا هلم‬
‫فكانوا يقظين يرنقو الكو بعين حالمة يبحثو عن أسئلة نمضة؟ نلانعنى الوجلود؟ نلانعنى‬
‫وجودنا؟ كيف نعرف هللا ونصا إليه؟ ها نن خالق؟ نانعنى الموت وها نن شيء بعد الملوت؟‬
‫كيف يعما الكو ؟ ناهي قوانين الوجود؟ ناهو نجرى التاريخ ونعناه؟ ها نحلن كائنلات رناهلا‬
‫القدر أم وعي ونصير وإرادة‪ ،‬وعشرات ااسئلة الرديفة تحتاج اجابة‪ ،‬ونن النوع المقنع؟‬
‫إ إبراهيم نر في نفس اازنة الوجودية كما حصا نع تولستوي الحقا نع فارق النهايلة؛ فأنلا‬
‫إبراهيم فاطمأ قلبه‪ ،‬أنا تولتسوي فبقي في الحيرة الينام حتى لحظة الموت في نحطة الشمال؟‬
‫يذكر الرب في سلورة اانعلام تللك المناجلاة الجميللة وهلو يبحلث علن اللرب فلي اللنجم والقملر‬
‫والشمس‪ ،‬ثم يقول إني وجهت وجهي للذي فطر السلموات واارض؟ كلذلك نلرى تللك المناجلاة‬
‫وهو يريد نعرفلة سلر الملوت والحيلاة والنشلور؛ فيأتيله الجلواب عللى نحلو عمللي فلي الطيلر‬
‫يصرهن إليه ثم يجعا على كا جبا ننهم جزء فيدعهن فيأتينه سعيا؟‬
‫إنها رحلة جميلة أليس كذلك؟‬
‫هكذا بقي أبو حاند الغزالي عشر سنوات نختفيلا ال أحلد يعللم عللى وجله التحديلد أيلن قضلاها؟‬
‫البعض يقول كا يعما خادنا في المسجد اانوي يكنس الجانع ثم يأوي إلى المنارة فيقبع فيهلا‬
‫بقية الوقت يتأنا؟‬
‫البعض روى عنه حتى رده في نجلس نناظرة لسؤال نفحلم فتلدخا فأنقلذ الموقلف؛ فلملا بحلث‬
‫عنه القوم اختفى نن جديد؟‬
‫البعض يقولو أنهم رأوه في المسجد ااقصى؟‬
‫كيف كا يعيش بدو نال ونفقة عقدا نن الزنن؟ نن كلا يطعمله؟ النعللم ؟؟ كلا نانعلمله أنله‬
‫خرج نن غاره الخفي؛ فطلع علينا بأجما كتابين (إحياء علوم الدين) في ثلالث نجللدات قرأتهلا‬
‫أنا بشغف فاستفدت ننها وبعضها انتقدت‪ ،‬وكتاب (المنقذ نن الضالل والموفلا إللى ذي العلزة‬
‫والجالل)‪ ..‬فيجب قراءته جنبا إلى جنب نع كتاب رينيه ديكارت في كتابه الشهير الذي جرى لله‬
‫نا يشبه ناحدث للغزالي في رحلة الشك إلى نيناء اليقين (المقال على المنهج)‪...‬‬

‫نخالة أبو حاند الغزالي والكمبيوتر‬


‫عاش اإلنام أبو حاند الغزالي ‪ 55‬سنة‪ ،‬وألف ‪ 180‬كتابا‪ ً،‬واعتزل الحياة فلي آخلر حياتله بضلع‬
‫سنين‪ ،‬ويقال كانت عشرة‪ ،‬ال نعرف أين ساح فيها بالضلبط‪ ،‬وهنلاك نلن قلال أنله رآه فلي بيلت‬
‫المقدس‪ ،‬أو نعتزال في ننارة دنشق‪ ،‬أو نعلقا في دائرة علم‪ ،‬ليذهلوا نلن اإلجابلة‪ ،‬ثلم ليهلرب؛‬
‫حين يشتبهوا به أنه الغزالي المشهور‪ ،‬فيطويه الغيب نجددا‪.‬‬
‫وننهم نن يقول أنه رآه يكنس المسلجد اانلوي‪ ،‬وال أحلد يعلرف عللى وجله الدقلة‪ ،‬أيلن ونلاذا‬
‫وكيف قضى فترة العزلة؟ ولو عرفنا الستفدنا‪.‬‬
‫ولكن المهم أنه خرج علينا بعد الرحلة بكتابه المشهور (المنقذ نلن الضلالل والموفلا إللى ذي‬
‫العزة والجالل) ثم كتاب (اإلحياء) ويقصد به تجديد الفكر الديني‪.‬‬
‫والفترة التي عاشها اإلنام الغزالي كانت نزلزلة في تاريخ المنطقة؛ فإذا أخذنا اارقام بين نوته‬
‫وحياته‪ ،‬عرفنا أنه ولد عاد ‪ 450‬هجرية‪ ،‬ونات عام ‪ 505‬هلل‪ ،‬وهلو حسلب التلاريخ المليالدي‪،‬‬
‫يناسب الوقت الذي كانت الدولة العباسية‪ ،‬تترنح في سكرات الموت‪ ،‬والضغط الصليبي قادم نن‬
‫الغرب‪ .‬والزحف المغولي بدأ نن أقصلى الشلرق نثلا حصلادة تحصلد ااخضلر واليلابس‪ ..‬فلي‬

‫‪262‬‬
‫حشللود نخيفللة وغيللوم هائلللة نللن الجللراد البشللري الجللائع‪ ،‬وقطعللا نللن ذئللاب قراقللورم نللن‬
‫ننغوليا‪...‬‬
‫وهو يشبه وضع العلرب نلن جانلب‪ ،‬ويختللف نلن جانلب؛ فالضلغط تغيلر‪ ،‬والعلرب للم يعلودوا‬
‫سباقين في اإلنتاج المعرفي‪ ،‬كما كانوا أيام الغزالي‪ ،‬با نفلسين نعرفيا‪.‬‬
‫والصليبيو الفقراء‪ ،‬الذين كانوا ينحدرو نن غابات أوربا‪ ،‬نن قبائلا التيوتلو والغلال‪ ،‬عللى‬
‫شكا عصابات نفلسة‪ ،‬كانت تعيش فلي علالم نلن الخرافلة‪ ،‬وتبيلع الكنيسلة نقاعلد وهميلة فلي‬
‫الجنة‪ ،‬نقابا جعال نن المال‪ ،‬تغيرت اليوم‪ ،‬ولم يعد يحكم أوربا طغاة‪ ،‬أو يقودهم رجا أنلي نلن‬
‫طراز ريتشارد قلب ااسد‪ ،‬با يكمن التحدي اليوم‪ ،‬أ العالم كله سقط في يد الغرب غنيمة رائعة‬
‫ونعه كا المال تقريبا ونؤسسات البحث العلمي والقوة الحربية المتفوقة المعتمدة بدورها عللى‬
‫تكنولوجيا نتفوقة وعلم هائا‪ .‬فالعالم كما نرى انقلب رأسا على عقلب‪ ،‬واليلوم تكتلب الحضلارة‬
‫ليس كما في الزنن العباسي‪ ،‬بخط نن اليمين إلى الشمال‪ ،‬با تكتب في الزنن اانريكي‪ ،‬وبخلط‬
‫نن الشمال إلى اليمين‪ ،‬نقلوبا يصاب فيه العرب بالدوار‪ ،‬وهم يقرأو الخط بعين حلوالء‪ .‬وهلم‬
‫نجبرو على قراءته وتفسيره‪ ،‬ا نصيرهم بين سطوره‪.‬‬
‫وفي الوقت الذي عاشه اإلنام الغزالي كا العلم يقوم على الحفلظ‪ ،‬وفلي يلوم كلا الغزاللي فلي‬
‫طريقه نن بلد إلى آخر‪ ،‬لتلقي العلم فاعترضه العيارو نن قطاع الطرق‪ ،‬فأخلذوا كلا نتلاعهم‪،‬‬
‫ونعها نخالة له‪ ،‬أي كيس فيهلا كتبله الهانلة‪ ،‬التلي يلتعلم ننهلا‪ ،‬فلاقترب نلن رئليس العيلارين‬
‫يناشده المخالة‪ ،‬فصاح به‪ :‬ويلك ال تقترب وإال هلكت؟!‬
‫قال له ناشدتك هللا إال أرجعت لي نخالتي؟! قلال وهلا فيهلا جلواهر؟ قلال بلا أغللى فهلي كتبلي‬
‫النفيسة‪ ،‬التي أتعلم ننها‪ .‬فضحك رئيس ااشقياء ننله وقلال‪ :‬وأنلت تسلمي نفسلك عالملاً؟ فلإذا‬
‫أخذنا ننك كتبك أفبحت نن الجاهلين؟!‬
‫يقول الغزالي لقد علمني رئيس العيارين حكمة غيرت حياتي‪ ،‬فقد أرجع لي كتبي ونعها حكملة‬
‫أعظم‪.‬‬
‫يقول وعند علودتي إللى بغلداد‪ ،‬شلرعت فلي حفلظ كلا الكتلب التلي أقلرأ فيهلا‪ ،‬فلإذا اعترضلني‬
‫العيارو لم يسحب نني علمي‪ ،‬وكا هذا أول طريقي للعلم‪.‬‬
‫ولكن اليوم يخرج أكثر نن ثالثين ألف ورقة بحث في العالم يونيلا‪ ،‬ويمكلن نسلخ نلا كتبتله أنلا‬
‫شخصيا في عشر سنين بعشر دقائق‪ ،‬على قرص كمبيوتري فأين عيونكم يا نسلاخ بغلداد وأيلن‬
‫أنت يا غزالي لترى نصير حفظك؟؟‬

‫مزج التصوف بالفلسفة‬


‫التصوف وهو توجه الوجود له في المملكة تقريا إال نن الوافدين إليها نن الخارج‪ .‬وهي طلرق‬
‫ننتشرة كثيرا في تركيا والسودا والمغرب والهند‪ .‬وفي الواقع فإ هلذا لليس علملا ً أكثلر ننله‬
‫سلوكا ً يقوم على نوع نحدد نن التربية‪ .‬وجماعة التبليغ في الهند هي نن هذا النوع الذي يؤنن‬
‫أنه يجب الحرص على تربية الفلرد المسللم تربيلة روحانيلة ولهلم فلي هلذا طقلوس وشلعارات‬
‫وأعمال ونشاطهم بين الرجال والنساء ويسمو أتباعهم نن النساء بالمسلتورات‪ .‬وأفلا فلرق‬
‫التصوف التي قانت في العالم اإلسالني أنها جاءت كردة فعا على االنهيار الخلقلي بعلد التلردي‬
‫السياسي واشتهرت في العصر العباسي ولهلم شخصليات وكتلب وفلرق وأنظملة‪ .‬وكلا العملود‬
‫الفقري في الدولة العثمانية فرقة (البكتاشية) نن المتصوفة الذين نزجوا التربيلة الروحيلة نلع‬
‫الفن العسكري وكانوا هم بدايات الجيش االنكشاري‪ .‬كذلك كا عمر المختار في ليبيلا نلن فرقلة‬
‫السنوسية في ليبيا‪ .‬كلذلك فلإ هزيملة غلورد البريطلاني فلي السلودا كانلت عللى يلد الفلرق‬
‫المهدية واستطاع (التعايشي) بعلدها أ يؤسلس دوللة إسلالنية نسلتقلة ويمكلن قلراءة القصلة‬
‫بالتفصيا في كتاب جرجي زيدا عن الشخصيات الهانة‪ .‬ولكنهلا للم تعملر طلويالً حيلث جلاءت‬

‫‪263‬‬
‫بريطانيا بسالح الماشين جن أي الرشاش فحصدت المهديين حصدا فلم يصمدوا أنلام اجتياحهلا‬
‫للسودا وسقطت فلي االحلتالل‪ .‬ونلا أريلد أ أقولله أ التصلوف قلام باافلا نلن أجلا وضلع‬
‫القاعدة الخلقية عند الفرد المسللم بحيلث يحقلق االنضلباط اللداخلي نلن التقلوى‪ .‬ولكلن نشلكلة‬
‫التصوف هي في الجانب العقالني فهم قوم ال يرحبو كثيلرا بالنقلد أو الجلدل العقللي ويجلب أ‬
‫يعطي المريد الطاعة المطلقلة للشليخ تحلت شلعار (المريلد بلين يلدي الشليخ كالميلت بلين يلدي‬
‫المغسا) و (نن قال لشليخه ال للم يفللح) أو أ (المريلد بلين الشليخين كلالمرأة بلين اللرجلين)‪.‬‬
‫والمهم فقد استمررت بالشرح لألخ الذي سأل عن وجهلة نظلري فلي التصلوف فأنلا قلرأت فيله‬
‫واطلعت كما أعرف بعضا ً نن فرقها واختلطت برجالها ورأيت حفالت الذكر والرقص فيها‪ .‬فقلت‬
‫له إ أفضا نا يمكن تحصيله هلو نلزج التصلوف بالفلسلفة بمعنلى أ نبنلي الجانلب العقالنلي‬
‫والروحي عند الفرد‪ .‬فالجانلب العقالنلي يحلرره نلن التبعيلة لألشلخاص وهلي نصليبة إذا وقلع‬
‫اإلنسا في شركها ولعا االستبداد السياسلي هلو فلورة نشلابهة نلن االنصلياع للقائلد الملهلم‬
‫والزعيم الذي ال يخطئ كما تفعا فرق المتصوفة ولذلك فإ اانام ابن تيميه أعلن عليهم الحرب‬
‫انه وجدهم يؤسسو للخرافة واالستبداد السياسي وتعظيم الرجال المخالف للتوحيد‪ .‬ونن هنا‬
‫كا العما العقالني جيدا ً نحررا ً يطلق طاقة اإلنسا بحيث يستقا وينمو نستفيدا ً نن كا النلاس‬
‫وكا الخبرات‪ .‬ولكن الجانب الروحي شيء أساسي وهو حاجة لكا ننا ولعا بعضنا نرت عليله‬
‫نسمات جميلة رائعة نن الهدوء الروحي واالستسالم لقدر هللا والشعور باالنتالء الداخلي‪ .‬وأنلا‬
‫أعرف أناس نن هذا النوع كما تحدث الكاتب اانريكي (كولن ولسن) عن الجوانب الخفيلة نلن‬
‫قدرات اإلنسا حيلث تقلرأ فلي وجههلم التقلوى أو الهلدوء أو االرتيلاح للتعانلا نعهلم ويعلرف‬
‫هؤالء الناس نن عيونهم حيث ترى قوى روحية وإطالللة ندهشلة نلن علالم اللروح كملا يقلول‬
‫علماء النفس أ العينين هما نرآة اللروح فلإذا أردت أ تعلرف اإلنسلا فلاقرأ ذللك فلي عينيله‬
‫وكتب أرسطو كتابا ً كانالً بعنلوا (سلر ااسلرار) علن عللم الفراسلة وهنلاك قلول اتقلوا فراسلة‬
‫المؤنن فإنه ينظر بنور هللا‪.‬‬

‫نقاتا التصوف‬
‫تطليق العقا واالستسالم ارادة الشيخ هما نقاتا التصلوف‪ .‬فبلااول يلودع االنسلا‬
‫عقله وينزعه نن داخا القحف ويسللمه بالبريلد المسلجا والممتلاز اللى يلد الشليخ‪.‬‬
‫وبالثاني يتحول الى أداة يلعب بها الشيخ كما يحللو لله تحلت زعلم التربيلة الروحيلة‬
‫للوفللول الللى هللا‪ .‬وال أخطللر علللى االنسللا نللن خسللارة عقللله أو إرادتلله فكيللف إذا‬
‫اجتمع االنرا ‪ .‬إنه أكبر نن كارثة ندنرة‪ .‬نازللت أتلذكر نلدير المدرسلة التلي كنلت‬
‫أدرس فيها وهو يشرح لي بسخط عن نخالفاتهم الشرعية‪ .‬وانا اشلتغلت بالتلدريس‬
‫ودرست تقريبلا ً كلا الملواد وكلا شليئا ً‬ ‫فترة نن حياتي للمرحلة الثانوية واالعدادية َّ‬
‫جميالً ولكن شقاوة الطلبة عرفتها جيدا ً كيف إذا نر بهم االستاذ يتغلانزو ويحبلو‬
‫أ يدنروا شخصيته بألوا شتى نن التعليقات‪ .‬وهكذا فالتحدي فلي التلدريس لليس‬
‫أنك تتقن نادة با كيف تنقلها للطلبة وكيف تنال احترانهم‪ .‬وكا االساتذة الجبلارو‬
‫يفوزو بقصب السبق بكا أسف عندنا يروضوهم على الطاعة ولكلن يقتللو فليهم‬
‫حب العلم بغير رجعة وعندنا أتذكر حياتي الدراسية الأتذكر ندرسا ً واحدا ً غرس ّ‬
‫في‬
‫حب العللم وعشلقه وال أدري تمانلا ً نلن أيلن جلاءني حلب االطلالع وهلذا لله حديثله‬
‫الخلاص‪ .‬يقللول شلليوخ التربيللة بللالءات ثللالث أوالً يجللب أ (ال) يتللردد المريللد بللين‬
‫شيخين إل المريد بين الشيخين كالمرأة بين الرجلين فيجب أ يخلص قيلاده لشليخ‬

‫‪264‬‬
‫واحللد أحللد نعصللوم‪ .‬ويقولللو يجللب علللى المريللد أ الينللاقش ويعتللرض فمللن قللال‬
‫لشيخه (ال) لم يفلح‪ .‬تمانا ً كما في الجيوش العربية حينما يعلملو الجنلدي الوفلية‬
‫ااولى وااعظم (نفذ ثم اعترض)! باهلل عليكم لو أنر الجندي بقتا انسا فملا فائلدة‬
‫االعتراض بعدها ها ستعيد الحياة للقتيا؟ ويقول شليوخ المتصلوفة أنله يجلب عللى‬
‫المريد أ (ال) يشلاغب بعقلله فيجلب أ يسللم قيلاده للشليخ نثلا (الميلت بلين يلدي‬
‫المغسللا) والسللر فللي هللذا انهللم يللرو أ الوفللول الللى هللا طريللق شللائك نللزدحم‬
‫بالرغبات فيجب أ يطلق الدنيا التي هي دار الغرور وينيب اللى دار القلرار اآلخلرة‬
‫ويمسك بيد الشيخ نثا ااعمى وهلي نصلف الحقيقلة وليسلت كلا الحقيقلة‪ .‬إ هلذه‬
‫الالءات الثالث خطيرة كونها تحذف عقا االنسا وإرادته فتسللمهما لقيلادة شلخص‬
‫واحد‪ .‬ونن هنا نفهم عما الحشاشين في العصور الوسلطى وقصصلهم طريفلة فهلم‬
‫كانوا يتدربو بهذه الطرق بحيث يبعثهم شيخ الجبا للقيلام بعمليلات اغتيلال ننظملة‬
‫نما نشروا الرعب في كا المنطقة وفي كا التلاريخ وحمللت الكلملة االنكليزيلة حتلى‬
‫اليوم كلمة(أسيسنيشلين ‪ )ASSASSINATION‬التلي تعنلي االغتيلال‪ .‬وعنلدنا يتحلول‬
‫شيخ الطريقة اللى نلدرب نتواضلع بلأ يقلول للمريلد إ فلي قلدرتي أ أدللك عللى‬
‫طرائق جيدة للتزكية الروحية وبإنكانك أ تستفيد نن غيري ونلا أعلملك قلد يحملا‬
‫كا الخطأ فتأكد نما أعلمك والتقف ناليس لك به علم‪ .‬أقول أ تربية نن هلذا النلوع‬
‫تخلق العقا الحر والخلق الساني وبذلك يصبح التصوف علملاً‪ .‬فلي الواقلع كلا أنلر‬
‫فيلله جوانللب ضللارة وجيللدة ولكللن كيللف يمكللن التفريللق بينهمللا‪ .‬نللن هنللا كللا نللن‬
‫الضروري أ نكتب كا يوم للقاريء نايستفيد ننه واال يجب أ النكتب‪.‬‬

‫‪265‬‬
‫تولستوي واألزمة الوجودية‬
‫كا ااديب الروسي الكبير هليو تولستويه يملك كا نا يشللتهي‪ ،‬فهللو لللم‬
‫يكن يشتهي شيئا ً في الواقع؟ وقال عن نفسه يونا ً في نرحلة نا نن حياته‬
‫قبا أ يمر بأزنته الوجودية إنه هفي قمة السعادة المطلقةه!‬
‫كا يفيض حيوية وقوة‪ ،‬وبإنكانه أ يرفع رجالً بيد واحدة‪ ،‬وينطلق علللى‬
‫حصانه إلى الغابة كا فباح‪ ،‬بعد حمام بارد‪ .‬يكنس غرفته بيده‪ ،‬وتسللحره‬
‫الموسلليقى‪ ،‬وتعيللد إلللى نفسلله العذوبللة والصللفاء‪ ،‬إلللى درجللة أ ينفجللر‬
‫بالبكاء‪ ،‬فيهرب ليخفي نفسه‪ ،‬فهي قد استلبت أسللراره وفضللحت نشللاعره‬
‫الحساسة‪ .‬كا يجسد الطبيعة حساسية وشللفافية ورقللة‪ ،‬ويعلليش فللي قمللة‬
‫الشهرة‪ ،‬ويكتب قصصه الخالدات‪.‬‬
‫أنجب نن زوجته التي يحب ‪ 13‬ولداً‪ ،‬وعاش ثريا ً إقطاعيلا ً قبللا أ يتخلللى‬
‫عن كا ثروته وعائلته وزوجته‪ ،‬في هرباته ثالث نرات‪.‬‬
‫وأنجز سلسلة نن الكتب حملتلله إلللى القمللة اادبيللة العالميللة‪ ،‬فللي نسلسللا‬
‫بهي نن روائع اادب‪( :‬الحرب والسالم‪ ،‬أنّا كارنينا‪ ،‬البعث‪ ،‬لحن كرويتللز‪،‬‬
‫ا لجثة الحية‪ ،‬السيرة الذاتية‪ ،‬النور وسط الظللالم‪ ،‬الحللاج نللراد‪ ،‬بعللد حفلللة‬
‫الرقص‪ ،‬كورني فاسيليف‪ ،‬قاضي الحياة‪ ،‬االعترافات)‪.‬‬
‫ونن أعجب كتبه هالسيرة الذاتيةه‪ ،‬فقد جرت العادة أ العظماء يكتبونهللا‬
‫في نهاية حياتهم أنا هو فقد كتبها في نطلللع حياتلله علللى فللورة نقلوبللة‪،‬‬
‫وكأنه ضمن النهاية‪ ،‬حتى كانت المفاجأة‪.‬‬
‫أنا كتابه هالحرب والسللالمه الللذي ال يخلللو ننلله بيللت نثقللف وظهللر علللى‬
‫شاشة السينما‪ ،‬فقد كتبه في سبع سنوات‪ ،‬بلغ كا جزء ننلله ألللف فللفحة‪،‬‬
‫أنا التعليقات والهوانش فقد نألت فناديق لوحدها‪.‬‬
‫كذلك هي ففة العما اإلبداعي‪.‬‬
‫فما الذي دهى تولستوي وقلب حياته حين نر بأزنة وجودية؟!‬
‫كانت نقطة التحول في حياة تولستوي فارقللة‪ ،‬فقللد فللدنته حقيقللة المللوت‬
‫ففتح عينيه على الثقب ااسود يشفطه بدو رحمة‪.‬‬
‫وكما تقول الفلسفة‪ ،‬حقيقتا ال يمكن التحديق فيهما‪ :‬الشمس والموت‪..‬‬
‫وهو نا فعللله تولسللتوي بالضللبط؛ ففللتح عينيلله علللى هللذه الحقيقللة‪ ،‬التللي‬
‫تتكسر عندها كا اافكار والعزائم‪.‬‬

‫‪266‬‬
‫وهو نا أفابني أنا شخصياً؛ فما زلت ننه أتللرنح‪ ،‬حينمللا خسللرت زوجتللي‬
‫داعية الالعنف ليلى سعيد‪ .‬فلم أكن أعرف وأتصور أنه يمكللن لانسللا أ‬
‫يتألم بهذا المقدار بدو تعذيب‪..‬‬
‫وهنا أدرك جانبا جديدا للجحيم‪..‬‬
‫كانت نقطة التحول في حياة تولستوي‪ ،‬هي تلك الليلللة التللي لللم يطللق فيهللا‬
‫النوم‪ ،‬وبقي كذلك حتى نات بعمر ‪ 83‬سنة‪ ،‬وهو يقرأ كا نصادر المعرفللة‬
‫عسى أ يجد فيها العزاء‪.‬‬
‫وحولتلله هللذه الحقيقللة التللي واجهللت كللا فيلسللوف؛ فعبللر عنهللا بطريقللة‬
‫نختلفة‪ ،‬كما فعا باسكال نع خواطره حول هالالنهايتينه‪..‬‬
‫قال باسكال ‪ :‬هإ الصمت اابدي يخيفني؛ فال أعللرف نللا هللو العللدم الللذي‬
‫جئت ننه‪ ،‬وأنا إليه عائد‪ .‬إنني فللي اللحظللة الواحللدة كللا شلليء إلللى العللدم‬
‫الذي جئت ننه‪ ،‬كما أنني لست شيئا ً أنللام الالنهايللة التللي تطللوقني وأدلللف‬
‫إليها‪ ،‬فال سبيا إلى نعرفة كنه بداية ااشياء ونهايتهللا‪ ،‬فهللا هنللاك شلليء‬
‫أشد وحشة نن هذا؟ إنني نقدم على الالنهاية وال أعرف عنها شيئاً؟ه‬
‫وكذلك فعا تولستوي حينما انقلبت حياته‪ ،‬قبللا أ يللدخا ننعللرج باسللكال؛‬
‫فيدلف إلى الالنهاية كما يدلف إليها كا يوم نع كا غروب شمس ‪ 140‬ألفا‬
‫نن اانام!‬
‫كا تولستوي يقوم باالعترافات‪ ،‬ويسجلها كا ليلة‪ ،‬نثا أعظم القديسين‪.‬‬
‫وفي كا فباح يلمس جلده ليتأكد ها هو نيت أم حي؟‬
‫ثم يكتب أول فقرة نن نذكراته‪ :‬نا زلت حياً؟‬
‫وفي نواجهة الموت ونا يحمله‪ ،‬ارتج تولسللتوي‪ ،‬وبقللي هاربلا ً نشللردا ً ال‬
‫تعرف روحه القرار‪ ،‬حتى ودع كا حياته وثروته‪ ،‬وهللرب نللن بيتلله ثللالث‬
‫نرات‪ ،‬بفترة ‪ 13‬سنة بين كا نرة وأخرى‪ ،‬حتلى نللات وحيللدا ً شللريدا ً فللي‬
‫نحطة هاستابوه في ‪ 7‬نوفمبر ‪.1910‬‬
‫ونن أعجب اانور أ تولستوي بكا سموه ااخالقي‪ ،‬عافر رجالً عربيدا ً‬
‫سكيرا ً نللتحلالً أخالقيلاً‪ ،‬هللو هراسللبوتينه الللذي اختللرق العائلللة الملكيللة‪،‬‬
‫والطبقة المخملية في المجتمع الروسي‪ ،‬فكا الرجال شاهدين على نهاية‬
‫حقبة‪ ،‬وبدء حقبة جديدة في التاريخ الروسي‪.‬‬

‫‪267‬‬
‫باقر الصدر وفلسفتنا‬
‫با ر الصدر فيلاوف عمالق‪ ،‬وفقيه عصري ‪ ،‬وم ار مو وعي‪ ،‬ومنا ل سياسي‪ ،‬وجبقل مقن‬
‫جبال العلم ‪ ،‬ر مه وأخته أم الهدى في الصقالحين‪ .‬فققد قم اعتققالهم بيقد الطاهيق ‪ ،‬ثقم سقلمت‬
‫جثثهم بعد ثالث أيام محتر مقطع منتوف اللحي ‪ ،‬كعادة الطااة منذ أيام سراكوزة‪.‬‬
‫كانت أول معرفتنا بهذا العالم النحرير ليات شخصيا‪ ،‬بل الفيف دماهه‪ ،‬ومواجه عقله المقنظم‪،‬‬
‫واطالعه الموسوعي في سلاقل مقن الكتقب؛ فلاق تنا وا تصقادنا ومشقروع بنقك الربقوي‪ ،‬و يقل‬
‫مجتمعنا ولم أطلع على الكتاق‪ ،‬ثم كتابه الرائع في مشقروع لقم يكملقه عقن الت اقير المو قوعي‬
‫للقرآن‪ ،‬وهو مشروع يطمه له كل عالم‪ ،‬في إرساء واعد اير عصري سهل الم تاي جم ال ائدة‬
‫اتخدم فيه العلوم اإلنااني المااعدة‪ ،‬ماما كما في الجرا ات الحديثق ؛ فقال يمكقن فقته جمجمق‬
‫الستئصال ورم دموي مقن نقوع الهيمانجيومقا (‪ )Hemangioma‬بقأدوات فرعونيق ‪ ،‬أو مال قط‬
‫الرازي و قن ابن سينا وفحص الاقكر بتقذوق البقول؟‪ ،‬كقذلك ال يمكقن اسقتيعاق الققرآن بت اقير‬
‫الطباطبائي وابن كثير والبيلاوي وابن ثعلب ؟ وهو مشروع كان يح ر فيه با ر الصدر كمقا فعقل‬
‫(هوارد كار ر) بل الوصول إلى المقبرة الملكي لتوت عنخ آمون‪.‬‬
‫ويعتبر الصدر مدرس يرجع إليها كقل با ق فقي ال كقر اإلسقالمي المعاصقر مقن الاقن كقان أو‬
‫الشيع ‪ ،‬وكان يحاب في المقاوم د االستبداد الاياسقي‪ ،‬بقل أن يرسقخ االسقتبداد القديني‪ ،‬وال‬
‫أعتقد أنه كان سي ري بما آلت إليه الثورة اإليراني ؛ فهو كان من أشد مناصريها‪ ،‬وجرق ظه في‬
‫االنقالق الاياسي في العراق على الطريق الخميني ‪ ،‬ب ارق عدم استخدام أسلوبها الالمي‪ ،‬وعقدم‬
‫االنتباه إلى فارق الثقاف الجماهيري بين إيران والعراق‪ ،‬كما ختلط ناب الحرارة والاقازات بقين‬
‫األر والمريخ‪ ،‬ونحن نعرف أن سطه المريخ برد زمهرير سقتين حقت الصق ر‪ ،‬عقابع باقاز‬
‫ال حم ‪ %95‬يحتا لمن يمشي فوق سطحه مل أسطوان أكاجين مثل الااطن في عمع المياه‪.‬‬
‫كتب با ر الصدر بحماب وإطالع في ال قه‪ ،‬مثلما كتقب فقي ال لاق واال تصقاد‪ ،‬وأسقن مدرسق‬
‫فكري مازالت نمو و ترعرع تى اليوم‪ ،‬وخلد بدمه أفكاره‪ ،‬وهو أخطر ما باألفكار‪ ،‬فلين هناك‬
‫من مقتل لألفكار ين يحول رصيدها من الوا ع والحقيق ‪ ،‬إلى الشخصاني والصراع الاياسي‪.‬‬
‫لقد كنت في زيارة لصديقي الماقطي ين و ع حت يدي منشور سقري وجهقه الصقدر للمقاومق‬
‫في العراق‪ ،‬وكنت أ رأ له من بقل أن الطاهيق ال يهمقه صقحابي و قابعي وشقيعي وسقني‪ ،‬بققدر‬
‫المنصب خالدا مخلدا فيه؟‬
‫ولكن اطالعي على ما كتب بل أن يقذهب إلقى مصقرعه‪ ،‬أنقه بقدأ ي كقر فقي المقاومق الماقلح ‪،‬‬
‫ويحققر عليهققا ويققنظم لهققا‪ ،‬كانققت م اجققأة لققي‪ ،‬جعلنققي أدرك أن مشققكل التاييققر االجتمققاعي‬
‫والاياسي‪ ،‬د وت على ال قيه وال يلاوف و حتا إلى فقه جديد‪.‬‬
‫وكان سيقتل على كل ال‪ ،‬ولكن شتان بين نهاي متمرد ونبي؟ فقد تل يو نا المعمقدان مقن أجقل‬
‫الكلم ولين من أجل مرد ماله‪.‬‬
‫لقد منيت للصدر أن يكون د است اد من الثورة اإليراني ‪ ،‬التي اعتمدت المقاوم الالمي ‪ ،‬بقل أن‬
‫نزلع إلى الحرق المجنون ‪ ،‬وهو نا ض فقات عقليق الخمينقي‪ ،‬القذي نجقه فقي إسققاط طقاهوت‬
‫بدون سالي‪ ،‬ثم لمظ للاالي فدخل ربا أ ونا‪ ،‬دامت أكثر من الحرق العالمي الثاني ‪ ،‬فقي ثمقاني‬
‫سنوات عجاف‪ ،‬مازالت أكل الانوات الامان في إيران تقى اليقوم‪ ،‬وو عقت الدولق فقي بلق‬
‫الماللي‪ ،‬وما زالت بانتظار ثورة ثقافي ‪ ،‬وكان بإمكان الصدر أن يمهقد لهقذا بالعقالنيق التقي كقان‬
‫يحملها‪ ،‬ولكن لم ينجه الصدر وال شريعتي‪.‬‬
‫إن ماأل اليقظ العقلي شقا ‪ ،‬فلقين مثقل القوعي نقورا ولقين مثقل درق القوعي مشقق ‪ .‬ودرق‬
‫العنف ر ب يالكه الكثيرون ويقود للهالك‪.‬‬

‫‪268‬‬
‫روبقا إ ليميق ‪ ،‬ومخا قات مقن النقزاع‬ ‫وفي ناعتي فإن العالم اإلسالمي في معظمقه سقيخو‬
‫الطائ ي والمذهبي‪ ،‬و د ماك األصولي باألو اع وندخل رنقا مقن الظقالم بقل أن يولقد العققل‬
‫اإلنااني‪ ،‬وندخل ر ل التنقوير إلقى الماقتقبل‪ ،‬كمقا صقل فقي أوربقا‪ ،‬قين قم قدمير الكنياق‬
‫واإل طاع‪ ،‬وولدت وة رأسمال المال والعمقال والصقحاف والبرلمقان و ريق التعبيقر ولقو كانقت‬
‫ك را؛ فالعبرة ليات في الك ر‪ ،‬بل في ري التعبير‪ ،‬فهذا هو األساب‪ ،‬وهو الذي أطلقه فولتير في‬
‫شعاره؛ أنا ماتعد أن أموت من أجل أن عبر ولو كان ما قول أعتقد ب ااده ماما‪.‬‬
‫إن الصدر أطلع العقالني ‪ ،‬ثم ورط في المذهبي والعنف‪ ،‬فكانت كوابه أمام انتشار فكقره نصقف‬
‫اإلنااني‪.‬‬
‫ولين على األعر ر ‪.‬‬

‫‪269‬‬
‫عبد الرحمن بدوي‬
‫نن أعظم المآسي التي تبتلى بها اانة الجها بكتابات المبدعين نن أبناءهلا وأتلذكر‬
‫أنه ضمني نجلس في يوم نع رجا ظننته نن أفقه الناس وتعجبت أنه للم يطللع بعلد‬
‫على نقدنة (ابن خلدو ) وأنا شخصليا ً نازللت أ تمتلع بقراءتهلا حتلى اليلوم بسلبب‬
‫انتباهه واكتشافه قلوانين ندهشلة فلي االجتملاع االنسلاني وفلي قنلاعتي أ نشلكلة‬
‫العالم العربي اجتماعية بالدرجة ااولى بمعنى تنظيم النشاط االنساني المشترك وللو‬
‫تأنلنا الفرد بحد ذاته ناكا عليه نن غبار ولكن المشكلة هي في تنظليم نشلاطه نلع‬
‫أخيه االنسا ‪ .‬ويدخا تحت هذا نشاكا اللدول العربيلة بلين بعضلها اللبعض‪ .‬وأعلود‬
‫الى كتابات البدوي فأنا ننذ فتلرة طويللة هلالني إنتاجله الغزيلر واطالعله الواسلعين‬
‫فهو كتب كتابه ااول عن نيتشه وأنا لم أولد بعد ولكنني والحق يقال اكتشفت الرجلا‬
‫اكتشافا ً جديدا ً في سيرته الذاتية وعرفت طرفا ً نن أسرار نبوغه وتحسلرت أننلي للم‬
‫أطلع على كا كتبه ولم أقرأ كا ناجرى به قلمه‪ .‬وعرفت نن سيرته الذاتية أنه كتلب‬
‫أربللع نجلللدات عللن (ايمانويللا كانللت) الفيلسللوف االمللاني وكنللت أتمنللى لللو حظيللت‬
‫بدراسة نوسعة عن هذا الفيلسوف الذي يعتبلر نلن نحطلات التنلوير العقللي لعصلر‬
‫النهضة ااوربية‪ .‬وأهم نن هذا أنني اكتشفت أ الرجا لم يكن أكاديميا ً انخلرط فقلط‬
‫في الدراسات النظرية المجردة با عانى وفارق الوطن كما جاء في تعبيلره المحلز‬
‫(الغيبة الكبرى) نما ذكرنلي بأفكلار الشليعة علن غيبلة اانلام والرجلا سلني ولكنله‬
‫عندنا يستخدم هذا المصطلح فإنه يعني فراقه للبيئة التي خرج ننها الى غير علودة‬
‫كما حصا نع اانام الشيعي االثني عشر فإنه غاب الى غير رجعة في السرداب كملا‬
‫تذكر روايتهم القصة‪ .‬كما أ كتابه عن سيرته الذاتية تفلتح عيوننلا عللى نشلروعه‬
‫الفكري نع فترة الظالم السياسلي اللذي عاشله فانكلب بشلغف عللى التلأليف فلأنجز‬
‫على نلاروى قرابلة ‪ 120‬كتابلا ً فلي ثلالث اتجاهلات ااول فلي تأفليا فلسلفي جديلد‬
‫والثللاني فللي نحاولللة ترجمللة ينللابيع الثقافللة الغربيللة والثالللث فللي تعريللف القللاريء‬
‫العربي بالفلسفة اإلسالنية وإبداعاتها‪ .‬وله رأي اليخلو نلن وجاهلة حيلث يعتبلر أ‬
‫النهضة الحضارية التي حققها العرب كانت بعد االحتكاك بالفكر اليوناني وهلو يعنلي‬
‫االزدهار العلمي وترجمة العللوم وفلياغتها فلي قاللب عربلي اسلالني ثلم اإلضلافة‬
‫إليها‪ .‬وهو يرى أنه اليمكن أ تحدث نهضة عقلية اليوم نلالم نمشلي بلنفس الخطلة‬
‫باالنفتاح على الفكر العالمي طالما كا انسانيا ً ونن أجا هلذه الفكلرة التلي اسلتولت‬
‫عليه بشكا نبكر فإنه وضع لنفسه خطة ثالثية كما ذكرنا‪ .‬ونن ااشياء المثيلرة فلي‬
‫نذكرات هذا الرجا الذي انكببت على قراءته لمدة شلهر كانلا بشلغف ونتعلة بلدو‬
‫حدود أنه يؤرخ لحقبة سياسية عاشها في نصر وهي أيام اليعرفهلا اال الجيلا اللذي‬
‫انكوى بنارها كما اليخلو كتابه نن نسحة حز وشعور نرير بااخفاق في ااوضاع‬
‫العربية وتمنيت له أ يكو قد تزوج وهو نالم يفعله‪ .‬إنه كتاب رائع وفاحبه دناغ‬
‫نادر‪.‬‬

‫‪270‬‬
‫الوردي عالم االجتماع العراقي‬
‫ننذ فترة طويلة وأنا أفكر في كتابة عمود في حق هذا الرجا العمالق أو نقالة‪ ،‬ويستحق الرجا‬
‫أكثر نن بحث با رسالة خافة به‪ ،‬رحمه هللا وجعله في الصالحين‪.‬‬
‫كا أول تعرفي على الرجا عن طريق السيدة الفاضلة هيام نلقي‪ ،‬حيث قرأت نسخة نصورة‬
‫في جزئين لكتابه عن (ننطق ابن خلدو )؛ فأسرني ننطقه‪ ،‬فوجدته نن السها الممتنع‪،‬‬
‫ونصحت نن حولي بقراءته‪ ،‬وكنت أتذوق أفكاره نثا طبق نن الفاكهة‪.‬‬
‫ثم عثرت على كنوزه الفكرية كالعادة في نكتبة فديقي (إبراهيم البليهي) فياد الكتب واافكار‬
‫والرجال‪ ،‬وااخير نسيج لوحده يحتاج أ تكتب فيه نقالة‪ ،‬وال تخلو جلسة نعه نن نتعة أو‬
‫فكرة‪ ،‬فهو يعلمك نا تجهله ويذكرك نا نسيته‪ ،‬وهؤالء الناس هم أعظم ثروة نعنوية في هذه‬
‫الحياة الدنيا الفانية المتداعية المتالشية‪.‬‬
‫والذي أثار في ذهني الحديث عن الوردي هو نا أرسله لي الفاضا عبد العزيز نن سياتا نن‬
‫أنريكا‪ ،‬سرد فيه بعضا نن أفكاره وكتبه‪ ،‬وأنا شخصيا أول نا استفدت نن كتابه (ننطق ابن‬
‫خلدو ) وكا قد أخذ درجة الدكتوارة في أنريكا على هذه ااطروحة‪ ،‬ولقد استفدت ننها أيما‬
‫فائدة‪ ،‬وكا هو نن قرب إلي الفرق بين المنطق الالستقرائي والصوري عند ابن خلدو ‪،‬‬
‫وكيف أ فكر أرسطو بقي عقبة في وجه التقدم اإلنساني ألفين نن السنين‪ ،‬ولوال المنطق‬
‫الخلدوني االستقرائي نا تقدنت العلوم وسقت الطريق للنهضة‪ ،‬وابن خلدو لم يستفد ننه‬
‫العالم اإلسالني حتى اليوم‪ ،‬ولم يطور نا بدأه الرجا‪ ،‬ولو عرفنا أنه كا نن أوائا نن أشار إلى‬
‫فكرة االنتخاب الطبيعي والتطور لتعجبنا‪ ،‬وهذه هي حال اانة التي تفقد رشدها‪.‬‬
‫بعد كتابه (ننطق ابن خلدو ) الذي قرأته بشغف ونهم في إجازتي في الجوال فلم أكن أطيق‬
‫بعدا عنه حتى أنهيته‪ ،‬وبالطبع كالعادة انتأل باالوا والتشطيب والتعليق وكتابة فقرات هانة‬
‫ننه نع أرقام الصفحات في الصفحات ااولى نن الكتاب‪ ،‬وهي خصلة استفدت ننها نن الشيخ‬
‫جودت سعيد حينما كنا نعتقلين لصالح المخابرات العانة البعثية عام ‪1973‬م‪ .‬فقرأنا الكثير في‬
‫سجن دام ‪ 250‬يونا‪ ،‬وسبحا الباقي‪.‬‬
‫بعد كتاب ابن خلدو اطلعت على كتابيه (نهزلة العقا البشري) و(وعاظ السالطين) ونن‬
‫الكتابين استفدت العديد نن اافكار ونن أهمها أنه اليعول كثيرا على نن يدعي الحق والمثالية‬
‫وقال التصدقوه‪ ،‬ويقول أ العقا عند اإلنسا عضو للبقاء نثا ناب اافعى ودرع السلحفاة‬
‫وساق النعانة‪ ،‬وأ آخر نا يبحث فيه هو الحق والعدل؟؟ هكذا يقول‪ ..‬وفي كتابه وعاظ‬
‫السالطين أورد الرجا أيضا فكرة نزلزلة أننا لو عافرنا النبي فلن نحزر تمانا أين سيكو‬
‫نوقفنا ننه‪ ،‬إلنه كا ضعيفا نخذوال نطاردا‪ ،‬وهو لن يكو في فورته المثالية كما نحمله له‬
‫اليوم‪.‬‬
‫وفي نهاية نا قرأت للرجا وأخذ نني عما ستة أشهر هو نجلداته الست الشهيرة عن تاريخ‬
‫العراق الحديث فاستمتعت بها جدا‪ ،‬وتحدث في نعرض حديثه في استفاضة عن الماسونية‬
‫والبهائية ونحمد علي باشا والوهابية الرتباطها بالتاريخ العراقي‪ ،‬وفي آخر كتابه تحدث بشكا‬
‫نوضوعي نستفيض ربما في حدود ‪ 100‬ففحة عن نشأة المملكة العربية السعودية وفي‬
‫نوضوعية وحياد نمتازين‪ ،‬نما أتاح لي رؤية الصورة الواقعية لألحداث‪.‬‬
‫عمر الودري حتى التسعين ونات نريضا في غير بلده ولم يمش في جنازته تسعين‪ ،‬خوفا نن‬
‫فرعو ونلئه أ يفتنهم‪ ،‬وإ فرعو لعال في اارض وإنه لمن المفسدين‪ ،‬كما رأينا في‬
‫تهاوي فنم فدام الذي حكم باإلعدام وهو قليا عليه‪ ،‬ويوم القيانة الظلم اليوم‪...‬‬

‫‪271‬‬
‫الصادق النيهوم الليبي‬
‫يتعجب المرء ين يامع أفكارا إنااني من ابط انقالبي‪ ،‬كما دثنا الققذافي مقن األمقم المتحقدة‬
‫عن ع ال يتو ومجلن الرعب ق ع وا مجلن األمن ق أو ين يامع منه إنااني الحج‪ ،‬وأن البيقت‬
‫رام للناب جميعا القانع والمعتر‪.‬‬
‫ولكن من يتتبع أفكار الصادق النيهوم الليبي يعرف المصدر‪ .‬وأن اللقابط االنقالبقي يقتقبن منقه‬
‫ذو القذة للقذة مع أن األخير ودع جمهوري الخوف والبطال وصقحراء المختقار مبكقرا‪ ،‬بعقد أن‬
‫رك خل ه سلال من الكتب جديرة بالقراءة‪ ،‬بل أن يموت صايرا في عمر ‪ 58‬سن ‪ ،‬مثل (محنق‬
‫ثقاف مزورة) و (إسالم د اإلسالم) و( رود ‪ ..‬رود)‪.‬‬
‫وأعتبر أن أسلوق النيهوم في الكتاب مدرس ‪ ،‬يجب أن يمر فيها أي كا ب عربي‪ ،‬يريد دخول لعب‬
‫اللا ‪ ،‬كما يققول ال يلاقوف النماقاوي فتجنشقتاين‪ .‬كمقا صقل مقع كتابقات (أرناقت همناقواي)‬
‫األميركي الذي ابتدع أسلوق الكتاب القصيرة‪.‬‬
‫وفي ناعتي فإن الكا ب العربي تى اليوم مقا زال يميقل إلقى أسقلوق اإلنشقاء المطقول والاقجع‬
‫ال ار ‪ ،‬إلى درج أن عالم االجتماع العرا ي علي الوردي دعا إلى ثورة فعلي في طريق الكتابق‬
‫في العالم العربي يتخ ف فيها العقل العربي من أثقال النحو والصرف‪.‬‬
‫و قيقق أنققا شخصققيا كنقت أ عجققب مققن أفكقار (الكققواكبي الحلبققي)‪ ،‬فقي كتابققه (طبققائع االسققتبداد‬
‫ومصارع االستعباد)‪ ،‬وكيف يمكن لحلب أن نتج في الققرن التاسقع عشقر‪ ،‬م قاهيم لقم قتعمم فقي‬
‫عواصم العالم العربي تى القرن الوا د والعشقرين! تقى عرفقت المصقدر‪ ،‬فلقوال فكقر الثقورة‬
‫ال رناي من فولتير وديدرو وروسو وأ يين دي البواسييه ومونتانييه‪ ،‬لما أمكن لهذا الحلبي ع قوا‬
‫أن يشم رائح المعاصرة‪ .‬ومن يتنقل في لب يعرف طبيع االستحكامات العقلي الموجودة فيها‪.‬‬
‫وكان الابب في هذا نقل الرجل وا تكاكه بال كر الثوري الذي كان يتارق عبر ماقامات قيق‬
‫جدا من الجواسين العصملي ‪.‬‬
‫وصديقنا االنقالبي القذافي الذي يشبه كاسترو فقي كوبقا وانققالق ثكنق مونكقادو‪ ،‬اقب الروايق‬
‫األسطورة التي كرر على أسماع الناب في الجزيرة المنكوب بالطاعون العائلي! مازال يحكم هو‬
‫وذراريه مثل أ يال من الهون‪ ،‬وكا باا من الاالل األليخاني ‪ ،‬مقلدا أسر التشن والماقول فقي كقم‬
‫الصين من القرن الثال عشر‪ ،‬باسم ماتحدث من اللجان الثوري ‪.‬‬
‫واألسماء ال عني الحقائع‪ ،‬وفي القرآن أن األسماء لين لها رصيد من الوا ع والحقائع!‬
‫إن هي إال أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل بها من سلطان‪.‬‬
‫كما في عبير النيهوم عن التزييف؛ فيكاب القاموب كلم ويخار الوا ع قيق ‪.‬‬
‫ونرجع إلى ال كرة التي طر ها العقيد االنقالبي عقن الظلقم الموجقود فقي العقالم‪ ،‬بمصقادرة إرادة‬
‫العالم و عليل و عطيل والدة العالم بحع النقض (ال يتو)‪ ،‬هي فكقرة سقليم يجقب أن نعتقرف لقه‬
‫فيها إن نقلها عن النيهوم ولكنه خلط عمال صالحا وآخر سيئا‪.‬‬
‫أو بتعبير القرآن لم لباون الحع بالباطل و كتمون الحع وأنتم علمون‪.‬‬
‫فإذا كان مصير العالم أصبه في يد خمن دول ال يبلغ عداد سكان أربع منهقا عقدد سقكان الهنقد‪،‬‬
‫فإن مصير ليبيا كله مصادر بيد رهط من اآلله اليابقونهم بالقول وهم بأمرهم يعملون‪.‬‬
‫أ أمرون الناب بالبر و ناون أن اكم وأنتم تلون الكتاق األبيض واألخلر!‬
‫إن المتتبع لمار ي الممر ات البلااريقات ولقوكربي‪ ،‬ومقهقى البيقل فقي بقرلين عقام ‪1986‬م‪،‬‬
‫والطائرة ال رناي يو ا المناوف فوق النيجر عام ‪ ،1989‬و الت الدم في ليبيا‪ ،‬يتشكك جقدا فقي‬
‫مصدا ي الطري ويكرر ما اله القرآن كبر مقتا عند أن قولوا ماال علون‪.‬‬
‫أو هي كما جاء في لعب معاوي مع علي ر في معرك ص ين عن مطالبته بدم عثمان؛ هي كلمات‬
‫ع أريد بها باطل‪ ،‬وكذلك هي كلمات العقيد االنقالبي‪.‬‬

‫‪272‬‬
‫ولذا اعتبر النادي الدولي‪ ،‬كلمات االنقالبقي اسقترا رفيهيق ري ق للتنكيقت‪ ،‬قام بهقا انقالبقي‬
‫خطف و ت األمم كما خطف ليبيا مثل ار هقان طقائرة بيقد راصقن ؛ فقتكلم بقدل ثقالث أمقم‪ ،‬ولقم‬
‫يأخذوه مأخذ الجد‪ ،‬إال مجموع من مجانين العالم العربقي‪ ،‬وهقم أكثقر مقن رمقال الربقع الخقالي‪.‬‬
‫ونقتبن من فقرات الطبيب ال لاطيني الذي سقط في فخ القذافي في ص الممر ات ال‪:‬‬
‫كنا نعذق عرايا أنا والممر ات في هرف وا دة‪ ،‬ينظر بعلنا إلى بعض مكشوفي العقورات قد‬
‫ألجمنا الرعب والعرق‪ ،‬وأ اف‪ :‬إنني أخجل أن أ ول لكم ما فعلوه بنا‪ ،‬ولكن اثنين مقن الجالديقن‬
‫سوف أ تبعهم لائيا ولو التح وا الاماء وافترشوا الابراء وآلخر يوم في يا ي‪.‬‬
‫وبتعبير النيهوم؛ هل يحع لل أر أن يتشاءم إذا رأى ط سوداء؟‬

‫‪273‬‬
‫الفيلسوف إبراهيم البليهي‬
‫في هذه الدنيا الفانية التي هي ليست دار أنا بحال‪ ،‬أرسا هللا لي أناسا نلن ضلمير الغيلب‪ ،‬هلم‬
‫نن ثرواتي المعنوية في هذه الدنيا المتالشية‪ ،‬وأنانة في عنقي قبلا أ يخطفنلي الملوت‪ ،‬عللي‬
‫أ أسجا نالحظاتي عن أناس يبعثو اانا في نهضة اانة‪ ،‬ويقظة العقا نن سبات‪.‬‬
‫نن هؤالء الفيلسوف إبراهيم البليهي‪ ،‬الذي يذكرني بذي العقا الجبار إبراهيم النظام‪.‬‬
‫البليهي عقله آلة جبارة في نظام الفكر؛ فبهداهم اقتده‪..‬‬
‫إنه اانا في ظلمات اإلحباط‪ ،‬ونور الوعي في دياجير التعصب والعبث والفساد‪.‬‬
‫عقا نستنير‪ ،‬ونوظف نظيف‪ ،‬وفائد كتب نحترف‪ ،‬ونفكر علالمي الثقافلة بجلدارة‪ ،‬ونختلرق‬
‫آلفاق جديدة نثيرة في المعرفة‪ ،‬با وفاقا نفاهيم ونصطلحات جديدة في الفكر‪ ،‬وناقد فارم ال‬
‫يرحم لكا فنوف التخلف والكسا والفوضى والعبثية‪..‬‬
‫وقبا ذلك انتالكه تلك الوففة السحرية في الجمع بلين (التقلوى) و(اللوعي)‪ ،‬وهلي نلا حيلرت‬
‫عمر بن الخطاب ر حين كا يقول‪ :‬اللهم إني أشكو إليك ضعف التقي وقوة الفاجر‪.‬‬
‫وهي الوففة التي يكررها القرآ فلي الجملع بلين الوظلائف النفسلية والفنيلة إلتقلا ااعملال؛‬
‫النبي انه نافح أنين‪ ،‬ونوسى القوي اانين‪ ،‬وعفريت نن الجن يحضر عرش نلكة سبأ‪.‬‬
‫القوة هي تحقيق الشروط الفنية‪ ،‬واانانة هي تحقيق الشروط النفسية‪.‬‬
‫وإبراهيم البليهي هو نن ذلك الصلنف النلادر‪ ،‬اللذي يجملع بلين الخللق والتقلوى واللوعي‪ ،‬فلي‬
‫نزيج يذكر بالنبوة في وقت ليس فيه نبوة بعد ختم النبوة‪.‬‬
‫ولكن كيف بدأت رحلة تعرفي على هذا الكنز اإلنساني‪.‬‬
‫بدأت نن جلسة عادية في قسم السكن في المشفى التخصصي في القصيم‪..‬‬
‫كلمتا ولكنهما نن جغرافيا للفكر نختلفة‪..‬‬
‫اادوات المعرفيللة‪ ..‬تمانللا نثللا لللو سللمعت جراحللة النللوتيس الحديثللة؟ أو الكللواركز ن لن‬
‫الفيزياء النووية؟ أو إنسا نياندرتال نن اانثروبولوجيا؟‬
‫كلمتا ولكن توحي بالرحلة المعرفية ونغانرات الفكر‪ ،‬والفضاء الذي يسبح فيه العقا‪..‬‬
‫اادوات المعرفية ‪..‬‬
‫هاتا الكلمتا طرقتا أذني في جلسة ضمت عشرين شخصلا كلهلم بلبلاس الغتلرة والعقلال‪ ،‬نلا‬
‫ذكرني بطيور البطريق‪ ،‬فال يميز أحد عن آخر‪ ،‬وكبير عن فغير‪.‬‬
‫نا يميز فقط لحن القول‪ ،‬والمفردات المستعملة‪ ،‬وطبيعة اللغة المعرفية؟‬
‫في تلك الجلسة سمعت للكا وكنت نتميزا عنهم بلباسي الخاص اإلفرنجي؟ حتى فرغ القلوم نلن‬
‫الكالم‪ ،‬فعزلت بسرعة شخصين‪ ،‬وسألت كال عن اسمه؟ كا الثاني الفيلسلوف إبلراهيم البليهلي‬
‫الذي شابه القوم في لباسه فلم يتميز‪ ،‬وتحدث فتميز‪..‬‬
‫والمرء نختبئ تحت لسانه كما يقال‪..‬‬
‫ثم زرته في ننزله فصرخت أكتب الفلسفة في القصيم؟‬
‫كانت نكتبة زاخرة باالوا وااحجام نن الكتب فعرفت أين يقيم عقا البليهي‪ ،‬واكتشفت المكا‬
‫الذي ينبض فيه قلبه بصدق‪.‬‬
‫المكتبة هي عقا اإلنسا الممتد‪ ،‬فإ دخلت ننزال عرفت أين يعيش فاحبه؟‬
‫أوال‪ :‬ها يوجد نكتبة في البيت أم ال؟ فإ لم توجد نكتبة فلاعلم أ فلاحب البيلت عنلده نعلدة‬
‫ولكن بدو عقا‪ ،‬نثا أي كائن رخوي؟‬

‫‪274‬‬
‫عفوا نن التعبير ولكنها حقيقة‪..‬‬
‫فإذا رأيت العناية الفائقة للكريستال والبلور والثريات والسجاد والتحف ولكن بدو كتب؛ فلاعلم‬
‫أ فاحب البيت يعيش كما وفلف القلرآ ‪ ،‬وجعلنلا لبيلوتهم سلقفا نلن فضلة‪ ،‬ونعلارج عليهلا‬
‫يظهرو ‪ ،‬ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئو ‪ ،‬وزخرفا‪ ،‬وإ كا ذللك لملا نتلاع الحيلاة اللدنيا‬
‫واآلخرة عند ربك للمتقين‪ .‬ونن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو لله قلرين‪ .‬وإنهلم‬
‫ليصدونهم عن السبيا ويحسبو أنهم نهتدو ؟‬
‫هذه واحدة والثانية اليعني ازدحام الكتب‪ ،‬وانتالء الرفوف تحليقا في التفكير وانعتاقلا نلن‬
‫التقليد‪ ،‬با قد يكو فاحبه أسير الكتب العتيقة والفكر القديم وهو ال يشعر‪ ،‬فمن نأل بيته بكتلب‬
‫السحر تحول إلى ساحر‪ ،‬ونن نأل رفوفه بكتب النحا والنما تحول إلى نحال وبقال وعتال‪.‬‬
‫وآية ذلك كما حدث نعي حين زرت رجال قد ازدانت نكتبته بااعقاب المذهبة؛ نن كتلب النسلفي‬
‫والحصفكي واالسفراييني والبندكي والطباطبائي وابن الجوزي والجوزية‪.‬‬
‫قال للي نلا رأيلك فلي نكتبتلي؟ قللت لله المسلئول نلؤتمن‪ ،‬ولكلن أنلت أخ فاضلا تتحملا نقلدي‬
‫وكالني‪ ،‬فأنت طبيب وجراح وتعلمت ليس طلب (الزهلراوي) وعللم الفصلادة وأسلطورة الشلمم‬
‫والحجانة‪ ،‬با فن جراحة العظام نن بوهلر وكيتشنر وإندر‪ ،‬واللقاحلات ضلد البوليلو نلن سلالك‬
‫وسابين‪ .‬وهوية جراثيم السا نن كوخ ولقاح عضاض الكالب المسعورة نن باسلتور‪ .‬وجراحلة‬
‫ااوعية الدنوية نن ليلريش ودبغلي وفلولمر‪ ،‬وجراحلة القللب نلن كلولي وكريسلتيا برنلارد‪.‬‬
‫والبطن والدرق نن كوخ وساوربروخ‪ ،‬وجراحة المناظير نن سيم كورت‪ ،‬وااشلعة والسلونار‬
‫نن رونتجن االماني وتيسلر الصربي ودوبلر النمساوي‪.‬‬
‫نتوقفين في الزنن‬
‫وهذا ليس إنقاص قدر لهم ولكنهم قوم عاشوا زننهم‪ ،‬ونحلن نعليش خلارج زنننلا فلي الفضلاء‬
‫الموحش‪ ،‬خارج المركبة الفضائية العالمية نعرضين اشعة الكو القاتلة؟‬
‫والمشكلة نزدوجة؛ فنحن نتوقفين في الزنن بأقا نما كا عليه النظام وابن سينا وابلن الهيلثم‬
‫والفارابي‪ ،‬ولم نصنع العالم الحديث أو نشترك في فناعته‪ .‬لذا فلنحن نترنحلو ال نفهلم العلالم‬
‫المعافر نثا الجن اازرق بألف وجه كما جاء في أسفار السندباد البحري؟‬
‫ونن يملك نخلابر البحلث‪ ،‬ونؤسسلات العللم‪ ،‬والصلواريخ النوويلة‪ ،‬ونصلارف الملال‪ ،‬ونسلح‬
‫قيعا البحار‪ ،‬وخرائط القطب الجنوبي حيث ال حياة‪ ،‬وبنى لله بيتلا عللى سلطح القملر‪ ،‬وأرسلا‬
‫الباثفايندر إلى سطح المريخ حيث ال أوكسجين‪ ،‬هو الغرب وليس العالم اإلسالني‪.‬‬
‫وكا ثمانية قروش ونصلف نلن أفلا تسلعة هلي فلي جيلب الرأسلماليين الغلربيين‪ ،‬وانتلدادهم‬
‫للصين واليابا والشرق ااقصى‪.‬‬
‫والعالم كله تحول إلى ديجتال قلبه النابض نيويلورك‪ ،‬فلإذا أفليب بصلدنة اللرهن العقلاري نلن‬
‫عقارب العقارات بسم زعاف‪ ،‬انتقلا الشللا اطلراف العلالم بأجمعله‪ ،‬فتخسلر أنريكلا ‪ 598‬أللف‬
‫وظيفة‪ ،‬ويتبخر نن أيدي الكويتيين البلد الترانزستور ‪ 31‬نليلار دوالر‪ ،‬وأنلا اانلارات فلالرقم‬
‫يدور حول التريلوينات‪.‬‬
‫هذه المعلونات وأدق ننها وأعمق كلها تسمعها في نجلس البليهي‪ ،‬فال لغو وال تأثيما‪..‬‬
‫فياد الكتب‬
‫إننللي أعتللرف أننللي تعرفللت علللى بيللت (فللياد الكتللب) علللى العديللد نللن المللؤلفين والمفكللرين‪،‬‬
‫وبعضهم كا جديدا علي نن الكتب‪ ،‬وبعض الكتب كانت جديدة علي لمؤلفين كنت اتتبع كتاباتهم‬
‫بشغف‪.‬‬
‫في بيت البليهي قضمت كتب النيهوم قضما والتهانا نثا آيس كريم في فليف قلائظ‪ ،‬وكنلت قلد‬
‫تعرفت على أول كتاب له عند الشيخ الموسى في حلب‪ ،‬في نسجد الفرقا ‪ ،‬فأتيلت عللى الكتلاب‬
‫في جلسة واحدة‪ ،‬نثا غريق يخبط في كا جنب للنجاة‪.‬‬

‫‪275‬‬
‫وقد فتح علي نن بعض أفكاره شقوقا في سد يأجوج ونأجوج الفكري‪ ،‬وذكرني بماللك بلن نبلي‬
‫وجودت سعيد‪ ،‬وهم شيوخي وأساتذتي‪ ،‬ولكن بن نبي يتفوق على النيهوم انه فاحب ندرسلة‪،‬‬
‫أنا النيهوم فهو فاحب لمعات‪ ،‬وهي لمعلات رائعلة نلن بلرق ورعلد فلي ليلا الفكلر فلي العلالم‬
‫العربي‪.‬‬
‫عند البليهي تعرفت على المزيد نن (نحنة ثقافة نزورة) و(إسالم ضد اإلسالم) للنيهوم‪ ،‬وعللى‬
‫حسين كانا في (وحدة المعرفة) و(المختارات)‪ ،‬و(بيجلز) في (شيفرة نظام الطبيعة)‪ ،‬ووايتهد‬
‫في (نغانرات الفكر)‪ ،‬والوردي في (طبيعة الشخصية اإلنسانية) و(وعاظ السالطين) و(خوارق‬
‫الالشعور)‪ ،‬و(النظرة العلميلة) و (فلور نلن اللذاكرة) لبرترانلد راسلا‪ ،‬و(اإلنسلا يبحلث علن‬
‫المعنى) لفيكتور فرانكا‪.‬‬
‫خليط رائع نن علوم شتى‬
‫اجتمعت بخليط رائع نن علوم شتى فلي نكتبتله التلي ال تكلف علن االتسلاع فأكللت غلرفتين ثلم‬
‫التهمت الطابق العلوي فغرق بينها في غرفة نونه‪ ،‬وأنا أحلاول عللى غفللة ننله التعلرف عللى‬
‫كتب جديدة نثا الدرر في نحيط لجلي‪ ،‬أغافلله حلين يخلرج كعادتله فلي إكلرام الضليف بلالكالم‬
‫والفكر والتمر والقهوة والشاي المعدة بعناية‪ ،‬انه ال يريد أ تكو الزيارة لكتبله بلا لله ونعله‬
‫الحق في هلذا‪ .‬فتعرفلت عللى كتلب فلي النسلبية وعللم اللنفس ونيكانيكلا الكلم وفلسلفة التلاريخ‬
‫والفيزياء النووية والجغرافيا المعافرة وعللم السياسلة والجيوبوليتيلك وعللم االجتملاع وعلالم‬
‫المرأة والجنس والطاقة والليزر والكشوفات ونوت الحضارات؛ فأنا أدين له وأعترف بأنه كلا‬
‫نن نصادر الطاقة لدي ونزودي ورافعي في العلم بهذا االطالع الذي كنت في أنلس الحاجلة لله‬
‫في بيئة تقتا العلم قتال‪..‬‬
‫كنت خارجا نن فالة العشاء وأنا أتحدث لطبيب نتخصص في الجهاز الهضمي نن فرنسا‪ ،‬هلا‬
‫اطلعت على كتابة توينبي في التاريخ؟ أجاب‪ :‬ال قلت نعقبا وبشيء نن التسرع‪ :‬إنها كارثة؟‬
‫نظر إلي وضحك حتى كاد أ يسقط؟ إنها كارثة لك وليس لي؟‬
‫استدركت قولي فقلت‪ :‬نعم نعك حق؟‬
‫وقلت في نفسي لقد غلبت يا خالص في نادي الجهالء؟‬
‫البليهي إذا سمع بكتاب جديد‪ ،‬أو فيلسوف نحدث‪ ،‬أو كتاب فدر ال يعرفله‪ ،‬فلتح للسلمع أذنيله‪،‬‬
‫وللقلب أبوابه‪ ،‬فهو رجا يقدر أها العلم‪ ،‬ويعرف نقانته‪ ،‬وال يخاف نلن ننافسلتهم‪ ،‬بلا يلؤدي‬
‫لكا ذي حق حقه‪ .‬ويعرف العميقين نن السطحيين والعلماء الفحول نن المتطفلين؟‬
‫قصة الكاهن (جا نسلييه)‬
‫كنت يونا أتحدث عن قصة الكاهن (جا نسلييه) نن كتاب سفر الحضارة للديورانت؟ قلال هلا‬
‫تعلم في أي نجلد هو وأين القصة؟ ثم أشار إلى أحد زوايا نكتبته الضخمة إ كانلا الموسلوعة‬
‫هناك‪ ،‬وحين بدأت عيني تزوغا في الرفوف المزدحملة لمليلاردير الفكلر والكتلب‪ ،‬وقلع عينلي‬
‫على كتاب (ويليام شيللر) عن النازية الكتاب ااخضر بأربع نجلدات‪ ،‬قللت‪ :‬إنله عنلدك قلال نعلم‬
‫وقرأته؟‬
‫أحضرت الجزء الذي يتحدث فيه الكاهن نسلييه وكيف نشلر فلولتير بحلذر عهلده الجديلد وكلا‬
‫الرجا راعيا ابرشية طول عمره‪ ،‬سخيا على الفقراء‪ ،‬يقوم بأعملال الكنيسلة عللى خيلر وجله‪،‬‬
‫فلما نات كا قد كتب في حدود ثالثين ففحة وفيته‪ ،‬فلما قرأ الناس وفيته ذهللوا نلن كفلره‬
‫العجيب بالصليب والمصلبة والبابا والكرادلة‪ ،‬فنبشوا قبره ولعنوه وتبرؤوا ننه‪ ،‬حتى فولتير لم‬
‫ينشر كانا إلحاد الرجا في البابا والكنيسة‪.‬‬
‫حين قرأت عليهم طرفا نن الوفية نظر البليهي إلى ابنه الذكي النبيله عملر وقلال‪ :‬انظلر عملك‬
‫جلبي كيف يحفظ الكتب؟ قلت له إنه االهتمام‪..‬‬
‫وكا البليهي قد كتب نقالة نمتازة عن عبقرية االهتمام‪ ،‬وأنا واظبلت عللى االحتفلاظ بأرشليف‬
‫خاص له‪ ،‬تحما نقاالته اافلية التي نشرت في جريدة الرياض‪ ،‬ونا زالت عندي بورقها القديم‬

‫‪276‬‬
‫ااففر‪ ،‬وكنا نتناوب في نفس ففحة (حروف وأفكار) نن الجريدة‪ ،‬فيكتب كا ننا نقالة واحدة‬
‫في أسبوعين‪ ،‬وكانت جريدة الرياض كريملة نعلي فكنلت أكتلب أحيانلا نقاللة بلأكثر نلن ‪4000‬‬
‫أربعة آالف كلمة‪ ،‬تمأل ففحة كانلة نن الجريدة‪ ،‬ولكنها نوثقة جدا‪ ،‬نتعوب عليها جدا‪ ،‬نعتنى‬
‫بها جدا‪ ،‬ندققة جدا‪ ،‬بالكاد فيها أخطاء‪ ،‬ونعها المراجع والهوانش فما زلت أعتز بذلك اإلنتاج‬
‫حتى اليوم‪ .‬وكا نقالة كانت ورقة بحث حقيقية‪..‬‬
‫حتى انفصلنا ونا زال هو يكتب بنفس الوتيرة والعمق والدقة والتوثيق‪..‬‬
‫ليس هذا فقط با كنت أغزو نكتبته وهو يغزو نكتبتي‪ ،‬ونع أنه الشحيح فلي إعلارة الكتلب فقلد‬
‫كا يمدني بطاقة ال تنفد نن المعين المعرفي‪ ،‬با كنا أحيانا نتسلابق عللى كتلاب ال نعلرف كيلف‬
‫نحصله؟ حتى يهيئ هللا لنا نحن االثنين نن يأتينا به‪ ،‬فإ كانت نسخة واحلدة عملنلا ننهلا أكثلر‬
‫نن كوبي كما جرى نعنا في كتاب كلود برنارد في (الطب التجريبي) الذي بقينا نطارده عشلرين‬
‫عانا‪ ،‬حتى حصا لي الكتاب فديق تشادي سرا نن نكتبة اإلسكندرية وعلى شكا كوبي‪.‬‬
‫قصة ابن حنبا والخباز‬
‫ونا فعله البليهي نعي حين أدخلني عالم الصلحافة فلي جريلدة الريلاض وراءهلا قصلة عجيبلة‪،‬‬
‫تقول ونا تشلاءو إال أ يشلاء هللا‪ ،‬فقلد انهمكلت فلي الطلب فلي عسلير‪ ،‬حتلى تعسلرت علينلا‬
‫اانور‪ ،‬فآثرت الرحيا نن هناك وفي الحلق غصة‪ ،‬ولم أعلم أ قصلتي نلع القصليم نثلا قصلة‬
‫ابن حنبا والخباز‪ ،‬فقد أراد يونا النوم فلي نسلجد وهلو عللى سلفر‪ ،‬فمنعله خلادم المسلجد نلن‬
‫المكث‪ ،‬وأنسك بتالبيبه يجره خلارج المسلجد؛ فملر رجلا خبلاز وآواه‪ ،‬والحلظ ابلن حنبلا ورع‬
‫الرجا وتقواه وكثرة دعائه‪.‬‬
‫قال الرجا لقد استجاب هللا لكا دعوة دعوتها إال واحدة؟‬
‫قال ابن حنبا ونا هي؟‬
‫قال أ أتعرف على ابن حنبا؟‬
‫قال أنا ابن حنبا!‬
‫نظر الخباز بعينين نغرورقتين بالدنوع‪ ،‬وقال‪ :‬لقد جلرك اللرب جلرا بيلد الخلادم إللي ليسلتجيب‬
‫دعائي؟؟‬
‫وأنا جرني هللا جرا نن الجنوب إللى القصليم؛ انله سيصلنعني عللى عينله فلي الصلحافة‪ ،‬ونلن‬
‫الرياض انتقلت للشرق ااوسط وننحت جائزة أفضا نقالة في العالم العربي عام ‪1997‬م‪.‬‬
‫وكانت القصيم لي غار حراء حيث تخمرت وتعبت على اابحاث‪ ،‬وكا ابتعاد نلهمتي ليلى سعيد‬
‫يدفعني إلى االعتكاف؛ فكنت راهب علم‪ ،‬فلأكرنني هللا بفلراق ليللى حملا بعيلر نلن العللم‪ ،‬حتلى‬
‫اختارها هللا إلى جواره بعد اللقاء بقليا‪ ،‬وكنا في هجرة إلى كندا‪ ،‬فهاجرت نهائيا هذا العالم؛ فأنا‬
‫بعدها في فحراء بدو بوفلة وناء وزاد وخريطة‪..‬‬
‫عما ابن طفيا الفيلسوف نع ابن رشد‬
‫وكا البليهي فاحب الفضا في نفض نواهبي وتسخيرها للصحافة في المملكة‪ ،‬فأنا أعترف له‬
‫بذلك‪ ،‬وهو يذكرني بعما ابن طفيا الفيلسوف نع ابن رشد حين قدنله للمللك الموحلدي؛ فكانلت‬
‫فاتحة تعميم أفكاره قبا المحنة الكبرى ونوت ابن رشد كسيفا ننفيا في قرية يهودية إنعانلا فلي‬
‫إذالله؟ ودفن فكر النهضة نع طيلات وظلملات التعصلب والجهلا‪ ،‬فانبجسلت ينابيعله الحقلا فلي‬
‫بادوا في إيطاليا‪ ،‬ودفنت قرطبة اإلسالنية وإلى اابد عقابا اها المدينة الذي عاقبوا ابن رشد‪.‬‬
‫البليهي قاريء نهم‪ ،‬يعرف الكتاب ونؤلفه وسيرته ودار نشره وتاريخه وعدد الطبعات وأنلواع‬
‫الترجمات وأفضلها نن أسوأها؟‬
‫إنه تاجر ألماس وذهب الكتاب وويا للمطففين‪..‬‬
‫ال نجانلة على حساب الحقيقة‬

‫‪277‬‬
‫دخا عليه أحدهم يونا كأنه يريد خطبة ابنة البليهلي البنله‪ ،‬وعائللة البليهلي نلن كلرام علائالت‬
‫القصيم‪ ،‬فنظر الثري في المكتبة‪ ،‬ثم ضلرب كفلا عللى كلف وقلال يلا حسلرتاه عليلك نلاذا فعللت‬
‫بنفسك؟‬
‫لم يجانله البليهي نع أنه جاء في نشروع خطبة؟‬
‫والبليهي ال يجانا وال يجلرح‪ ،‬بلا هلو فلي غايلة التهلذيب واإلكلرام‪ ،‬ولكلن لليس عللى حسلاب‬
‫الحقيقة!!‬
‫قال له البليهي لهذا الثري المتخم بالمال با أنا حزين عليك؟؟‬
‫وهو نا يذكرني بقول نوح لقونه إ تسخروا ننا فإنا نسخر ننكم كما تسخرو فسلتعلمو نلن‬
‫يأتيه عذاب يخزيه ويحا عليه عذاب نقيم؟‬
‫إ البليهي ننظم ابعد الحدود في نكتبته‪ ،‬ال يضعها حسب الحجوم والمقاييس كما أفعا أنلا‪ ،‬بلا‬
‫يفعا نا هو أفضا‪ ،‬نثا تنظيم المكتبات التلي تحلرص عللى علرض وبيلع كتبهلا‪ ،‬كلا كتلاب فلي‬
‫زاويته المخصصة‪ ،‬فأها التاريخ نع جماعتهم‪ ،‬والفلسفة في حزبهم‪ ،‬والجغرافيا فلي زاويلتهم‪،‬‬
‫فإذا جلست في نكتبة البليهي والفالسفة يحدقو بك نن كا جانب شلعرت أ نسلمة عليللة نلن‬
‫أرواحهم تهب عليك فتنقا اارواح إلى بالد اافراح‪..‬‬
‫والجلسة نع البليهي يجب أ يتبع المرء فيها تكتيكا نحفزا كي ينطلق البليهي في الحلديث انله‬
‫نن النوع المقا في الحديث‪ ،‬ونن كثر كالنه كثر غلطه‪.‬‬
‫أو هو عند الفالسفة بحر يتدفق ونوج يتالطم في نسمات ننعشة والبليهي ننهم‪.‬‬
‫ونن أجما نا فيها تصيده لألفكار وتطويرها ولو بيد غيره‪ ،‬كما هو الحال في نهمه للمعرفة أيلا‬
‫كا نصدرها؟‬
‫توليد نقالة نوت اانم؟‬
‫كنا يونا نتبادل الحديث فتطرقت لفكرة نوت اانم فأنصت بخشوع وقد انقدحت عيناه بنور إلهي‬
‫وقال أرجوك اكتب هذه المقالة ووسعها‪ ،‬وكانت جلسلة نباركلة تللك الليللة‪ ،‬ا المالئكلة حفتنلا‬
‫وذكرنا هللا فيمن عنده‪ ،‬وتولدت عندي نقالة ل وبفضله ل نن أجما نا كتبت ونازلت أطورها عن‬
‫نوت اانم‪ ،‬كو اآليلة القرآنيلة تتحلدث أحيانلا علن نلوت اافلراد نثلا وجلاءت سلكرة الملوت‬
‫بالحق‪ ،‬أو نن نثا وهو القاهر فوق عبلاده ويرسلا علليكم حفظلة حتلى إذا جلاء أحلدكم الملوت‬
‫توفته رسلنا وهم ال يفرطو ‪ ،‬فالحديث هنا عن الموت الفردي‪.‬‬
‫ولكن نن الغريب أ هنلاك آيلات تتحلدث علن نلوت اانلم ه لكلا أنلة أجلا فلإذا جلاء أجلهلم ال‬
‫يستقدنو ساعة واليستاخرو ه؟‬
‫فلما بدأت في شرحها ذها البليهلي‪ ،‬ودفعنلي دفعلا إلنتاجهلا؛ فالمقاللة يعلود فضلا إنتاجهلا إللى‬
‫تشجيعه وليست الوحيدة‪ ،‬فهو نن شحنني أيضا بالروح السالنية‪ ،‬ذلك أ الالعنف هو الصورة‬
‫المقابلة لوالدة العقا االستداللي‪.‬‬
‫وأنا أستشيره حتى في قضاياي الشخصية فال يضن وال يبخا فهو نعم الصديق الوفي‪..‬‬
‫البليهي فلتة وطفرة في عالم الفكر‬
‫يعتبر البليهي فلتة وطفرة في عالم الفكلر والصلحافة والكتابلة‪ ،‬فهلو شلق الطريلق إللى نفلاهيم‬
‫نقلقة نزعجة ولكنها نثيرة نحرضة؟ نثا تأسيس علم الجها وبنية التخللف‪ ،‬ولكلن عنلده نلن‬
‫المقاالت المحلقة الكثير نثا وباء العنف‪ ،‬وكا سباقا لما يحدث في المنطقة‪ ،‬وننها نقالتله فلي‬
‫(عبقرية االهتمام) أو نقالته الساحرة حول (هالة الغياب وسحر الغموض)‪.‬‬
‫وقد دفعني تجاها هذه القاعدة إلى خسارة أقرب الناس إلي‪ ،‬فاانر كما نرى جد وليس بالهزل‪..‬‬
‫ونن الصفات النفسية الرائعة التي تدل على عمق إيمانه تعانله نلع الملوت فقلد زلزللت نلرتين‬
‫ااولى نع نوت فديقي أبو طه والثانية نع أحب الناس إلي رفيقة عمري ليلى سعيد وأنا أنسك‬
‫برأسي فال أفدق؟؟‬

‫‪278‬‬
‫كا يقول لي دونا وبلهجة حريصة وفارنة إنها حقيقة حقيقية كونية أننا رحالة في هذا العالم‬
‫المتفاني فلنستقبا الموت بشجاعة فورب السماء واارض إنه لحق نثلما أنكم تنطقو ‪.‬‬
‫ونن قصص زهد الرجلا وعفافله قصلص ال تنتهلي‪ ،‬وكلهلا آيلة فلي نظافلة هلذا الرجلا وزهلده‬
‫وتقواه وورعه‪.‬‬
‫وهو غير حريص على استعراض عضالته ااخالقية‪ ،‬بطرا و رئاء الناس‪ ،‬با يطمع أ يحفظها‬
‫فدقة نخفية علها تنفع يوم الحساب‪.‬‬
‫فأين عيو الناس المتلمظة للمنافب والمال؟‬
‫إنها قصص البليهي تذكر بالجيا الصالح نن الحواريين والصديقين‪.‬‬
‫أنا الرجا في ننصبه كرئيس عام بلديات القصليم‪ ،‬حيلث ااراضلي والثلراء‪ ،‬فقلد ابتنلى الرجلا‬
‫لنفسه بيتا‪ ،‬بناه له ابن عمه دينا بالتقسيط‪ ،‬وليس في قدرته أ يشتري سيارة البنه‪..‬‬
‫وفي عمله حول القصيم الصحراوية إلى جنات بهجة للناظرين‪ ،‬وكا يفكر فلي تحويلا المملكلة‬
‫إلى غابة ندهانة‪ ،‬ولكنه حورب في شجره جهال وضالال فقطع الكثير الكثير‪..‬‬
‫إنه زاهد في الدنيا نتصوف بدو فوف وفوفية ونشيخة‪ ،‬با جمع بين الفلسلفة والتصلوف‪،‬‬
‫وفي تقديري هي أعظم وففة خالص لانسا في هذا الدنيا فيمسك التبر في يده وكأنه تراب‪.‬‬
‫ويبقى السؤال المهم في النهاية؟‬
‫كيف أنكن له أ ينعتق نن بيئة نغلقة إلى عالم الفكر الرحيب؟‬
‫وجوابي هو نن علم الفضاء؟ فحتى تنطلق المركبة الفضائية يجلب أ يكلو اختراقهلا للحلاجز‬
‫السللماوي بطاقللة غيللر عاديللة‪ ،‬وبسللرعة غيللر عاديللة‪ ،‬فللإذا تحللررت نللن جاذبيللة اارض رأت‬
‫الملكوت‪ ،‬وسبحت بيسر في الطبقة العلوية‪ ،‬وكذلك البليهي فقد كا عليه أ ينخلع وينعتق نلن‬
‫البيئة الجاذبة بأشد نن قانو نيوتن للحجارة الثقيلة‪ ،‬وبطاقة غير عادية‪.‬‬
‫والبليهي بتوديعه البيئة‪ ،‬تحول كائنا آخر‪ ،‬ونن ترابه شادت الثقافة كونا آخرا‪.‬‬
‫كما حصا نعي أنا في القانشلي‪ ،‬حيث ترعرعت؛ فكا أقاربي يلأتو إللي ويقوللو حلذار نلن‬
‫القراءة واالطالع‪ ،‬فهو يضربك بمس نن الجنو ‪.‬‬
‫لقد سمعنا عن أناس انشغلوا بالكتاب ففقدوا عقولهم؟‬

‫‪279‬‬
‫جودت سعيد‬
‫داعية الالعنف السوري‬
‫سيرته وأفكاره وشخصيته‬
‫وقلت أنت تدرس أختيك تفسلير القلرآ ؟ وكلا هلذا ونحلن نركلب البلاص العملوني سلوية فلي‬
‫دنشق عام ‪ 1965‬قبلا دخلول سلوريا ظلملات البعلث‪ .‬فالتفلت إللي وقلال أتعجلب نلن هلذا؟ لقلد‬
‫درستهم القرآ نرتين حتى اآل ‪ .‬وبعد نصاهرتي نعه عرفت نوعية زوجتي ليلى سعيد وأختها‬
‫سعدية سعيد وقدنت كتابي النقد اللذاتي للشخصليات اللثالث جلودت وليللى وسلعدية وهلم بشلر‬
‫نميزو ندر نثيلهم‪ .‬قلت فلي تقلديم الكتلاب إللى أخلي المفكلر جلودت سلعيد فهلو اللذي غلرس‬
‫النبتات ااولى لهذا االتجاه عندي‪ .‬وإلى زوجتي ليلى سعيد التي كا لها الفضا في توفير ننلاخ‬
‫حماية هذه النبتات الضعيفة حتى كبرت وأثمرت‪ .‬وإللى ااخلت سلعدية سلعيد التلي أسلهمت فلي‬
‫إحياء الجدل العقلي‪ .‬واآل سعدية تعيش في الجوال ‪ .‬وزوجتي ليلى سعيد تتنقا نعي بلين كنلدا‬
‫والسعودية وسوريا‪ .‬وأنا جودت فهو في ظا النظام الشمولي فلي البللد الثلوري حتلى يلأذ هللا‬
‫بأجله كما حصا في العراق‪.‬‬
‫وأذكر أنني رأيته يونا ً وهو ننطلق وكأنه ينحدر نن فبب وهو في تركيلز واسلتغراق ال أنسلاه‬
‫وحضور لشيء ال أعرفه ولكن عرفته بعد ذلك عنلدنا يهلتم‪ .‬فهلو يعليش للفكلر وكملا جلاء فلي‬
‫وفف الفيلسوف كيف تعرفه؟ وكا الجواب أنه يمشي وهو يقرأ‪.‬‬
‫وجودت سعيد نن النوع الذي يقرأ قيانا ً وقعودا وعلى جنلوبهم وعللى ظهلورهم‪ .‬وفلي نعتقلا‬
‫الحلبوني الذي اعتقلنا فيه لصالح المخابرات العانة في دنشلق الفلرع ‪ 273‬فلي أبريلا ‪1973‬م‬
‫قرأ الشيخ فتاوى ابن تيمية الكانلة وهي حوالي أربعين نجلدا وأشلياء أخلرى كنلا نلتقطهلا نلن‬
‫أوراق نمزقة وبقايا جرائد وكنا نحرونين ننها ونن أي زيارة‪ .‬وننها العهلد القلديم اللذي كلا‬
‫نرنيا ً نهمالً نمزقا في زاوية فأعاد الشيخ ترنيمه وترقيعه ثم بلدأ بقراءتله وهلو نسلتلق عللى‬
‫ظهره حتى أنهاه وهو أكثر نن ألف ففحة‪ .‬وله طريقة في القراءة فريلدة فهلو يقلرأ كلا شليء‬
‫بتمعن ونتعة ثم يستخلص الفقرات التي تنال إعجابه فيجعلها في أول الكتلاب المقلروء وعنلدنا‬
‫ينتهي نن الكتاب يضع في نهايته أنه قرأه بتاريخ كذا وكذا‪ .‬وهي طريقة استفدت بها ننه فأضع‬
‫في الصفحات ااولى الدرر التي التقطتها وأنلا أغلوص فلي عملق الكتلاب ثلم أرجلع إليهلا فكلأ‬
‫الكتاب عندي بأهم أفكاره نن وجهة نظري‪.‬‬
‫رددت كثيرا أن أكتب في هذا المو وع ألنني صهر جودت سعيد هاندي العرق في الو ت‬
‫الحا ر‪ .‬ولكنني أعتبر ن اي أفلل من يعرفه أو هكذا أزعم لن اي‪ .‬فقرابتي بالرجل رابتان‬
‫المصاهرة والمتابع فيما ذهب إليه فأنا أ ول ما يقول وعلى مذهبه في (الالعنف أو المقاوم‬
‫المدني الالمي )‪.‬‬
‫ويعود تعرفي على الرجا إلى عام ‪ 1965‬نيالدي عنلدنا حضلرت إللى دنشلق وكانلت عالنلاتي‬
‫تخولني دخول كلية الطب فقد كنت ااول في نحافظة الحسكة يونها فانتسبت إليها‪ .‬ونلع وضلع‬
‫رجلي في دنشق قمت بمسح راداري للوسط الفكري الدنشقي وأحببلت دنشلق ونلا زللت فهلي‬
‫ندينة عريقة وفيها تنوع ال نثيا له في كا سلوريا نلن المشلارب والنحلا واافكلار وااحلزاب‪.‬‬
‫ولو عس اإلنسا في هذه المدينة ااشهر الطوال نا انتهى نلن اكتشلافها فهلي ندينلة تاريخيلة‬
‫عجيبة وتوالى على حكمها قدر كبير نن الطواغيت فلم يبق ننهم أحدا‪.‬‬
‫وأثناء المسح تعرفت على نعظم تيارات الفكر الدينية وغير الدينية في العافمة القديملة‪ .‬وفلي‬
‫اإلطار اإلسالني تعرفت على تيارات شتى ننهلا الحزبيلة التنظيميلة أو الصلوفية أو المشلايخية‬
‫التقليدية فحضرت على دروس الشيخ (عبد الوهاب دبس وزيت) رحمه هللا‪ .‬وكا يلدرس الفقله‬

‫‪280‬‬
‫الحنفللي فللي كتللاب (نراقللي الفللالح شللرح نللور اإليضللاح)‪ .‬وكللذلك تعرفللت علللى الشلليخ (سللعيد‬
‫البرهاني) وكا نريضا ً رحمه هللا تعالى يونها‪ .‬كما حضرت درسا ً واحلدا ً للواعظ السللطة أحملد‬
‫كفتارو فنمت فيه وأنا غير آسف على ذلك‪ .‬وتعرفت على نشاط جانع (زيد بن ثابت) اللذي كلا‬
‫يعج بتالنيذ الشيخ (عبد الكريم الرفاعي) رحمهم هللا أجمعين‪ .‬ولكن دروس (جودت سلعيد) فلي‬
‫جانع (المرابط) في دنشق كانت نميزة ولها نكهلة نختلفلة علن االتجلاه التقليلدي‪ .‬وكلا يلقلي‬
‫الدروس بالتعاو نع الدكتور (أنين المصري) رحمله هللا تعلالى اللذي اجتمعلت بله فلي ألمانيلا‬
‫الحقا ً وحضر كي يجري عملية بروستاتا فلي سويسلرا فكانلت ننيتله فلي البعلد والغربلة‪ .‬وكلا‬
‫الشيخ أنين المصري يحدثنا عن شخصيات فحابية نن السيرة وكلا لله طريقلة إلقلاء نميلزة‬
‫ونا زلت أذكر خطبلة لله فلي نسلجد الجانعلة السلورية حينملا تحلدث علن روح المغلانرة عنلد‬
‫الصحابة ونا زلت أذكر أفكار الخطبة وكلماته وطريقة إلقائه وكأنها نقش عللى للوح نلن رخلام‬
‫الذاكرة‪.‬‬
‫وفي نحاضرات أو دروس جودت لفت نظري عنده توجها نختلفلا وبحثلا عقالنيلا واسلتقا ًء نلن‬
‫نصادر غير نا سمعناه نن تيار التقليد الذي كنا أقرب إليله وكلا عملري يونهلا فلي حلدود ‪19‬‬
‫سنة‪ .‬وكنت أفكر في أ أتتلملذ عللى يلد الشليخ سلعيد الطنطلاوي وكنلت نملن يلؤنن بالصلحبة‬
‫وعندنا ذهبنا أنا وياسين آغا الصيدلي إلى بيته كا قد فارق دنشق إلى غير رجعة‪ .‬ولم اجتملع‬
‫به إال الحقا ً في نكة وهو شخصية نمتعة‪.‬‬
‫في دروس جودت كانت ااوضاع ساخنة في سوريا بعد نجيء حزب البعث إلى السللطة وبدايلة‬
‫حملة اضطهاد لالتجاه الديني الذي انتقد وفوله إلى السلطة وبدأ نناجزته‪ .‬وبعد وفلولي بأقلا‬
‫نن سنة كنت أدخا سجن المزة العسكري لمدة ‪ 39‬يونا ً وهي ثالث أضعاف المدة التلي قضليتها‬
‫في نخابرات القانشلي العسكرية قبا عام نن تاريخه‪ .‬وكا ذلك عام ‪ 1963‬م فلي ربيلع السلنة‬
‫قبا انتحانات الثانوية (البكالوريلا) بشلهرين وأنلا اسلتعد للقفلزة الجانعيلة فلتم اعتقلالي بسلبب‬
‫أحداث ندينة حماة احترازيا ً وزربنا أنا وثالثين شخصا ً في قبو المخابرات العسكرية وكنت آخلر‬
‫نن خرج في الليلة ‪ 14‬نن االعتقال قبلا دخلول انتحلا الثانويلة العانلة بلل ‪ 43‬يونلاً‪ .‬نلع هلذا‬
‫حضرت نفسي لالنتحا فيما تبق نن الوقت ونجحلت بتفلوق ودخللت كليلة الطلب‪ .‬وكانلت أيلام‬
‫االعتقاالت في ذلك الزنن نزهة لما حدث بعد ذلك‪ .‬وهو القادر عللى أ يبعلث علليكم علذابا نلن‬
‫فوقكم أو نن تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصلرف اآليلات‬
‫لعلهم يفقهو ‪ .‬وكذب به قونك وهو الحق قلت لست عليكم بوكيا؟‬
‫وأنا سبب دخولي المعتقا في سجن المزة العسكري للمرة الثانية وهلي واحلدة نلن أفلا أربلع‬
‫اعتقاالت تعرضت لها في ظا نظام البعث بين عاني ‪1963‬م و‪1973‬م أي أنني وعيت وأنلا فلي‬
‫أقبية البعث وغادرت سوريا نن سجو البعث‪ .‬وكلا سلبب اعتقلالي فلي الملرة الثانيلة أحلداث‬
‫نسجد اانوي واعتقا جودت يونها ولكن لم نجتمع سوية وإنما اجتمعنا بشلاب اسلمه (نلروا‬
‫الخياط) كا نعنا في نفس المهجع في سجن المزة العسكري فنقلا لنلا طرفلا نلن أفكلار جلودت‬
‫بإعجاب‪ .‬ونا زلت أتذكر قراءة الخياط لسورة العنكبوت هأحسلب النلاس أ يتركلوا أ يقوللوا‬
‫آننا وهم ال يفتنو ه‪ .‬واليوم بعد نرور كا هذا الوقت نا زالت سوريا ترزح تحلت الديكتاتوريلة‬
‫البعثية ويدخا جيا جديد االعتقاالت بسبب دخولهم االنترنيت حتى يأذ هللا بلالفرج‪ .‬كملا حصلا‬
‫نع عبد الرحمن شلفيق الشلاغوري ابلن سلعدية أخلت الشليخ فقلد دخلا السلجن بسلبب قراءتله‬
‫لمقاالت للمعارضة وأرسلها لبعض نن يعرف‪ .‬ودخا السجن بتلاريخ ‪ 23‬فبرايلر شلباط ‪2003‬م‬
‫ونا زال رهن االعتقال حتى كتابة هذه ااسطر في ‪ 26‬أبريا ‪2004‬م‪.‬‬
‫ويونها في عام ‪1964‬م اشتركنا فلي نظلاهرة دعلا لهلا أنلاس للم نعلرفهم فوقعنلا فلي الفلخ وال‬
‫يستبعد أ تكو السلطة قد فعلت ذلك استدراجا للمغفلين وترويعا للمعارضة التي كانت تقف في‬
‫الشارع يونها‪ ،‬قبا قتا اانة ودخولها السبات الشتوي في البراد البعثي لمدة أربع عقود‪ .‬وهذا‬
‫الذي حصا نعنا فقد كا فخا ً للن نحلن الفئلرا البشلرية وكلانوا يسلمحو لملن يلدخا المسلجد‬
‫اانوي ويلقو القبض على نن يخرج‪ .‬عندها شعرت أنني وقعت في المصيدة وال خالص؟‬

‫‪281‬‬
‫واقتحم البعثيو نسجد اانوي يونها (عام ‪ )1964‬بالرفاص والعربات العسكرية وقتا أنلاس‬
‫وتكوننا فوق بعض في فلحن المسلجد نثلا تللة نلن أجسلاد البشلر والكلا يحتملي بالكلا نثلا‬
‫الفئرا المذعورة نن فرقعة الرفاص‪ .‬وكا نما فعله البعثيو يونها أ قتلوا ضابطا ً حمصليا ً‬
‫ورنوا جثته أنام عتبة المسجد اانوي وانهالوا علينا بالضرب فكنا نعدي وكأننا كما قال القرآ‬
‫هكأنهم حمر نستنفرة فرت نن قسورةه أي حمر وحشية تهرب نن نطلاردة ااسلد ونحلن كنلا‬
‫كذلك نع نظام ااسد اإلجراني‪.‬‬
‫ونا زلت أتذكر والبشر يقفزو أنام رجا يلوح بمسدسين في يديه فإذا وفلوا إلى باب المسجد‬
‫اانوي قفزوا فوق العتبة‪ .‬ونظرا ا جثة الضابط الحمصي كانت نمددة أنام العتبة تمانا فكلا‬
‫الجميع يقفز فيطأ الجثة‪ .‬فعلوا ذلك تنكيالً بنا‪ .‬أ يهرس بعضنا البعض‪ .‬وكانت الواقعة فلي أيلام‬
‫رنضا فلما قفزت أدركت في اللحظلة ااخيلرة أننلي سلأطأ الرجلا بقلدني فقفلزت بأشلد وأبعلد‬
‫فنجوت نن دهسه عليهم نن هللا نا يستحقو ‪ .‬وفلي النهايلة حشلرونا فلي المسلكية وهلي آخلر‬
‫سوق الحميدية قبا دخول اانوي قرابلة خمسلة آالف شلخص فلي نسلاحة ال تتسلع اكثلر نلن‬
‫نائتي شخص وكا بين يدي شاب فغير دنشقي يكاد يختنق فحملتله بيلدي ورفعتله ليستنشلق‬
‫الهواء فال يختنق ونر أناننا ضابط علوي فكا يدخن وينفث دخا سيجارته في وجوهنا زيادة‬
‫في اإلغاظة اننا كنا في الشهر الفضيا‪.‬‬
‫إنها وقائع انحفرت في الذاكرة وال أنساها‪ .‬وعندنا حملونا في السيارات العسكرية لفلت نظلري‬
‫تدفق الحياة بشكا عادي في الشوارع وكأ شيئا لم يحدث‪ .‬ثلم إنهلم هلددونا باإلعلدام ولكلن للم‬
‫أفدقهم‪ .‬وفي النهاية أفرغت السيارات حمولتها أنلام سلجن الملزة العسلكري بلين فلفين نلن‬
‫الجنود يضربوننا عن اليمين والشمال‪ .‬حتى إذا دخلنا السجن حشرونا فلي نهلاجع كبيلرة عللى‬
‫شكا نمر في النصف ونصاطب عالية على الجانبين وكا جالد درزي يضرب نن يحشر أنانله‬
‫في المنتصلف بحلزام جلدي(وضلربنا اللدرزي والعللوي والسلني) وضلربني فلي إحلدى الليلالي‬
‫(شاوي) أي بدوي نن ريف دير الزور أو البوكمال ال أعرف تمانا بكابا نن سلك كهربلي عللى‬
‫رأسي فما زلت أتذكر طعم االم حتى اليوم‪ .‬وكانت الضربة على قفاي فأفاب القذال ونجاني هللا‬
‫نن نزف دناغي؟ وكا الجالد الدرزي قد ضرب نن الناس العدد الكبيلر وقلد تعلرق وتعلب نلن‬
‫شدة إيذائه للناس؛ فلما دخلت قفزت إلى المصطبة فنجوت ولم يالحظني وإال أفبحت كالرنيم‪.‬‬
‫ثم تابع المسلسا قصته لفترة ‪ 39‬يونا بالنسبة لي حتلى أفلرج عنلي نلن سلجن الملزة الرهيلب‬
‫بأسواره العالية وجدرانه الكئيبة‪ .‬ونا زلت أذكر ليلة الدخول ااولى إلى سلجن الملزة العسلكري‬
‫وأنا نحبط انني أدخا السجن انلر تورطلت فيله وفلي تللك الليللة جاءنلا أبلو عبلدو أي (أنلين‬
‫الحافظ) الذي فتك به الرفاق فهرب نن ااسد الذي حكمه باإلعدام إلى المجرم فدام حتلى كانلت‬
‫كارثة العراق في ربيع ‪2003‬م وكلها نتائج طبيعية لنبتة البعث الخبيثة‪ .‬نظر أبو عبدو واشلتهر‬
‫يونها بلفظ أبو عبد الجحش في الزاوية وكنا قريب نن ثمانين شخصا قال نن هؤالء؟ قالوا له‪:‬‬
‫طالب جانعة قال‪ :‬إنهم يتحملوا العذاب اضربوهم جيدا‪ .‬وللم يقصلر الشلباب فينلا‪ .‬فتقلدم الجلالد‬
‫الدرزي العمالق فبدأ فلي نتلف لحيلة طاللب شلريعة فلسلطيني‪ .‬وكلا هلو اللذي يسلتقبا أفلواج‬
‫القادنين ويضربهم ضربا نبرحا‪ .‬والجالدو ال ديلن لهلم فقلد جللدنا اللدرزي والعللوي والسلني‬
‫والكا في الجريمة سواء‪.‬‬
‫أثناء هذا تعرض جودت اكثر نن اعتقال في فترة البعث الظالنية‪ ،‬ولكلن نلا أذكلره أننلي أتيتله‬
‫يونا بعد الظهر وكا يتحدث نع الشباب عن شعر نحمد إقبال في جانع المرابط‪ .‬وكا الشلباب‬
‫نسحورين به‪ .‬ونن جملة قصص السحر نا حدث حينما دعانا لرفقتله إللى دونلا وهلي ضلاحية‬
‫قريبة نن دنشق فجلسنا في المسجد بعد فالة العصر وكا نن دعانا رجا نن بيت الطنطلاوي‬
‫ثم طلب ننا الحديث فتحدثت أنا نن نواعظ المتصوفة عن اليوم اآلخر وكنت نتأثرا يونها بشعر‬
‫ونواعظ الصالحين نن المتصوفة‪ .‬ثم تحدث شاب جانعي كا يدرس الجيولوجيا فيما اذكلر هلو‬
‫نعاوية برزنجي وأظنه أفبح في أنريكا اآل فتحلدث علن بعلض أفكلار ناللك بلن نبلي فجلاءت‬
‫الشيخ جودت حالة نن النشوة بدأ يتمايا ننها ويقول هللا ‪ ...‬هللا ‪ ..‬وأنا نظلرت فيملا حلولي نثلا‬

‫‪282‬‬
‫الخجول نن بضاعتي المزجاة وقلت في نفسي ال شك أ نعاوية برزنجي هذا بحلر نلن العللم ال‬
‫قرار له؟؟‬
‫وفي يوم استمعنا له في الجانع اانلوي ويبلدو أ أحلد عنافلر المخلابرات كلا نلن الحضلور‬
‫وكا جودت يشرح له كما كا يشرح للجمهور‪ .‬وجودت يعتبر أ السرية خرافة لذا فهلو يعبلر‬
‫عن أفكاره على طريقة المسيح نا أقوله لكم في اآلذا نادوا به نن على السطوح ونا أقوله لكم‬
‫في السر قولوه في العلن وها يوقد المكيال ويوضع تحت الطاوللة أم يوضلع فلوق ليسلتنير بله‬
‫الناس‪.‬‬
‫ونن يحدث جودت على أساس أنها أخبار نن ااسرار يقول له جلودت بشلكا فلادم ال تحلدثني‬
‫عن شيء نن ااسرار وأ سئلت عنه سوف أقوله فلن أخفي شيئا لو سلألتني المخلابرات عنله‬
‫فليس عندي أسرار فكانوا يتعجبو ننه؟‪.‬‬
‫وفي يوم بعد حديث الجمعة في اانوي ذهبنا نعه في نجموعة إلى ننزله فالتفلت إلينلا وقلال ال‬
‫شك أنكم جياع وليس عندي الشيء الكثير لكم ثم قدم لنا خبزا وطماطم فكانت أشهى نن الكبلاب‬
‫الحلبي‪ .‬والكباب الحلبي يعتبر نن أطيب أطعمة السوريين‪.‬‬
‫وفي يوم قلت له بعد درس المرابط وكا يعطي درسه بعد العصر فقللت لله أريلد أ أزورك قلال‬
‫إ بيتي بعيد؟ قلت له سأرافقك ولو إلى رأس الجبلا؟ وهلذا اللذي كلا فالرجلا ذهلب إللى رأس‬
‫الجبا فبنى له عشا فيه‪.‬‬
‫وفي الطريق إلى المنزل كا يركز على أفكار (نالك بن نبي) علن فلناعة البشلر‪ .‬ونملا أذكلره‬
‫قوله إ شخصية نثا (حسن البنا) يجب أ ال تمر هكذا با لها سر فناعة ويمكلن تكلرار ذللك‪.‬‬
‫ونن أنسك بسر الشيء أعاد تصنيعه‪.‬‬
‫وأعترف اليوم أ هذا الفن بعيد المنال سها التعبير عنه‪ .‬كمن يتحدث عن تركيلب الكولسلترول‬
‫وهو لم يسمع بعد بالكيمياء الحيوية‪ .‬واليوم يقول (جو واتسو ) الذي اكتشلف تركيلب الملادة‬
‫الوراثيللة فللي السللتينات والتللي انتهللت بكشللف الجينللوم البشللري كللله نللع نطلللع القللر الواحللد‬
‫والعشرو ‪ .‬يقول واتسو ه أننا نحتاج إلى ‪ 300‬سنة لفهم نا اكتشفناه؟ فكيف باإلنسلا اللذي‬
‫يريد جودت تصنيعه؟‬
‫والجينللوم البشللري ال يزيللد عللن التركيللب المللادي وللليس النفسللي أو االجتمللاعي؟ بسللبب تعقيللد‬
‫الموضوع النهائي ودخول عنافر النهائية في اللعبة‪.‬‬
‫وفيما يتعلق بقبول اآلخر فجودت نتسانح وأذكر في جلسة له وهي الدرس الشلهري عنلده فلي‬
‫أعلى الجبا في عشه في قاسيو ويحضره عشرات الشباب نرة واحلدة كلا خمليس نسلا ًء نلن‬
‫نطلع كا شهر لتبادل اافكلار‪ ،‬وجلاء (نحملد شلحرور) فلاحب كتلاب (القلرآ والكتلاب قلراءة‬
‫نعافرة) الذي أثار ضجة يونهلا وكلا شلحرور كالعلادة يلدخن بلنهم ويتلابع ارتشلاف فنلاجين‬
‫القهوة التركية طالبا لها باستمرار‪ ،‬وحصلت بينه وبين بعض الحضلور نواجهلات‪ ،‬وكلا الكلا‬
‫ينظر باتجاه جودت ليعقب عليه؛ فأجاب بجملة ال أنساها‪ :‬له الحلق فلي أ يكتلب تخيالتله وللي‬
‫الحق أ أرفض تخيالته فوضع شحرور يده على رأسه ننحنيا ً وقال‪ :‬إننلي أقبلا هلذا‪ .‬والشلاهد‬
‫أ الشيخ على نذهب أ الخطأ يحق له أ يعيش‪ .‬فكيف بغير الخطأ؟‬
‫ولكن هذه الجدلية هانة اننا نعشر البشر نركبين على ارتكاب الخطأ والنسيا وربنا التؤاخلذنا‬
‫إ نسينا أو أخطأنا‪ .‬وجودت لم يصوب شحرور كما لم يخطئه وطرح نبلدأ الحيلاة للجميلع‪ .‬ا‬
‫نن يقتا اآلخرين يفتح الباب لقتا نفسه‪ .‬ونن يسمح لآلخرين بالعيش يسمح لنفسه بالوجود‪.‬‬
‫كا شحرور في تلك الجلسة وهو يرتشف قهوته وينفلث فلي وجهنلا اللدخاخين ويلنفض طلبتله‬
‫كتفه نن آثر دخا السجائر تمانلا نثلا تالنلذة الصلوفية نلع الشليخ وكلا بلين الحلين واآلخلر‬
‫يطالب بإيقاف المسجلة انه سيقول كالنا خطيرا‪ .‬وكا الموقف ينجلي أ الكلالم علادي‪ .‬ولكلن‬
‫جو الرعب شا كا العقول بمن فيهم عقالء القوم‪.‬‬
‫جودت يكبرني بل ‪ 14‬سنة ويوم أفبحت فهره كا عمري ‪ 24‬سلنة وعملره ‪ 38‬سلنة فلي أتلم‬
‫نضجه وكا فبورا علي ولم يكن ننفرا‪ .‬ولو كا فظا غليظ القلب نا استفدت ننه بشيء‪ .‬ونن‬

‫‪283‬‬
‫أجما لحظات التبادل الفكري بيننا عندنا شرح لي فكرة نن كتاب وجهة العلالم اإلسلالني لماللك‬
‫بن نبي وهي فكرة انقالبية حقا ً عن هزيمة الجليش العثملاني فلي نعركلة أنقلرة أنلام تيمورلنلك‬
‫الذي حما الحضارة الغربية نن الهجوم التركي وأعاق زحلف بيازيلد الثلاني إللى أوربلا‪ .‬وكانلت‬
‫هزيمة العثمانيين ساحقة في نعركة أنقرة علام ‪1402‬م‪ .‬وهنلاك كتلاب نلن سلسللة كتلب االلف‬
‫ااولى التي طبعت في نصر واحد يشير إللى أهلم سلبع نعلارك حوللت التلاريخ ويعتبلر أ هلذه‬
‫واحدة ننها‪ .‬ويذكرها نالك بن نبي تحت نغزى عمى التاريخ أ التاريخ لليس أعملى بلا تظهلر‬
‫نتائجه ولو بعد آالف السلنين وننهلا التلي ذكرهلا الملؤرخ تلوينبي علن تلدنير حضلارات االنكلا‬
‫واالستجابة المتأخرة‪ .‬وسمعنا بمجيء اليخاندرو توليدو إللى حكلم البيلرو كلأول هنلدي‪ .‬كملا أ‬
‫أسبانيا لم تبق تحكم با انسحبت نن أنريكا الالتينينة ورجعت قوة هانشية فلي القلارة ااوربيلة‬
‫وأفيبت بلعنة الذهب المنهوب‪ .‬ولكن أكثر نا يحز المرء تدنير حضارات أنريكا الجنوبية فهم‬
‫نسخ باهتة نن البرتغال وأسبانيا وال أحد يعلم ناذا يجلب المستقبا نن ردات فعا حضارية وللو‬
‫عبر القرو ‪.‬‬
‫ونن أبرز نا يلفت النظر فلي شخصلية المفكلر جلودت سلعيد أنله عاشلق للعللم خبيلر بالكلملات‬
‫واافكار ولقد عكف على تفكيك وفهم فكر نحمد آركو قرابة ثماني سنوات‪ .‬وفي نونتريال فلي‬
‫كندا رأيته وقد عكف على كتاب العقالنية العملية لبوردو وهو كتلاب اطلعلت عليله ولكنله سليء‬
‫الترجمة وفعب الوضع إال أ جودت يعجبه هذا النمط نن الكتب تحديدا‪.‬‬
‫والمشهور عن الكتاب الفرنسيين أنهم يتقصدو الضبابية والتصعيب فلي كتابلاتهم حتلى ينلالوا‬
‫الشهرة أكثر‪ .‬ولكن هذا ال يجعلني استخف بعقلي ونلا زلنلا نقلرأ للنفس الكتلاب الفرنسليين وللم‬
‫يقرأ أحد باسكال نن كتابه الخواطر إال وشعر بالكهرباء تتمشى تحت الجلد نن القشعريرة وهلو‬
‫نا أحسست به وأنا أقرأ له فكرته في النهايتين‪.‬‬
‫وعندنا نصحني جودت بقراءة آركو وكنلت قلد اطلعلت عللى بعلض نملا كتلب وتراوحلت بلين‬
‫ترجمات سيئة وأخرى التخلو نن الفائدة ولكن ال تقلار بلاادب الكالسليكي نثلا باسلكال اللذي‬
‫ذكرته أو سبينوزا فطلبت ننه طالما أنه عكف كا هذا الوقت على فهم الرجا أ يضع كتابلا فلي‬
‫‪ 150‬ففحة يختصر فيها أفكار الرجا للشباب ولكنه لم يفعلا حتلى اآل ولعلله يلرى أ طريلق‬
‫العلم ليس سريعا أو قصيرا‪ .‬وهلل في خلقه شئو ‪.‬‬
‫وجودت قرأ كتب نالك بن نبي كلها‪ .‬كما أنه قرأ بعضها ربما أكثر نلن عشلرين نلرة نثلا كتلاب‬
‫سه لآلخلرين عشلرات الملرات‪ .‬وفلي يلوم عنلدنا‬ ‫(شروط النهضة) و(اافريقية اآلسيوية) ودر ّ‬
‫كا نالك بن نبي في دنشق عام ‪ 1971‬ورأى جودت وهو يعتمر العقال على رأسله تعجلب نلن‬
‫لباس جودت فقال له إنني على نا ذكرت في كتابك الفالني عن المعمم بلالطربوش أ الحضلارة‬
‫دخلت نن رجليه ولكن لم تصا رأسه بعلد‪ .‬وجلودت فلي هلذه القضلايا نختللف عنله فلي الفكلر‬
‫فبقدر اهتمانه بالعلم بقدر عدم إلمانه بالتقنيات الحديثة أو االهتمام بها‪ .‬وهو في قرائتله للكتلب‬
‫على طريقة أ الكتاب الجيد يقرأ أكثر نن نرة وهو خيلر نلن قلراءة الكثيلر نلن الكتلب التافهلة‬
‫السطحية‪ .‬والرجا كنز ولكنه أنشلط فلي النطلق والتعبيلر والخطابلة ننله فلي الكتابلة‪ .‬وسلبحا‬
‫نقسم القدرات ولذا فيجب حفظ فوته ونا نطق به نن المحاضرات لألجيال القادنة‪.‬‬
‫ونن خبرتي في الناس هناك المبدع في الكتابة ولكنه إ نطق لم يكن ذلك المبدع ولكن قلمله إ‬
‫سال كا كموج البحر والعكس بالعكس‪ .‬ويجب الحذر نلن أفلحاب الحنلاجر وهلم كثيلرو ‪ .‬أنلا‬
‫الوعاظ الجدد نن المشعوذين فهم أكثر نن جنادب الليا‪.‬‬
‫ونمو اافكار عنده يرويها هو شخصليا ً أ بعضلهم يسلأله علن اافكلار فيقلول كبلروا كملا يكبلر‬
‫ااوالد وهي فكرة يعيدها تحت قوله تعالى والراسخو في العلم‪ .‬فهناك علم ورسلوخ فلي العللم‬
‫وبينهما درجات‪ .‬والراسخو في العللم يقوللو آننلا بله كلا نلن عنلد ربنلا ونلا يلذكر إال أوللو‬
‫االباب‪.‬‬

‫‪284‬‬
‫نع هذا فجودت يصدم المتكلملين أحيانلا ً بلبعض اافكلار التلي يقوللو للم نسلمع بهلا فلي آبائنلا‬
‫ااولين‪ .‬نثا فكرة قتا المرتد أنها تخالف أفالً عظيما ً نن القرآ (ال إكلراه فلي اللدين قلد تبلين‬
‫الرشد نن الغي) أو فكرة (الالعنف)‪.‬‬
‫وهناك فكرة يجب التنويه بها وهي أ السانع الذي يتابعه قد يصاب بالمللا ويقلول إنهلا أفكلار‬
‫سمعناها ننه وال جديد‪ .‬ولكن قاعدة (كبروا) تعني أ اافكار نثا النبتات تكبر نع اللزنن‪ .‬وهلو‬
‫كالم يكرره على نسانع البعض فال يفهموا ننه سوى أ أوالده كبروا وليس اافكار؟ ‪.‬‬
‫وقصة تكرار اافكار تؤكد نغزى التكلرار فلي القلرآ ‪ .‬اللذي يتنلاول القصلص دونلا نلن زاويلة‬
‫جديدة‪ .‬أو بتعبير سيد قطب أ القصة تصب كا نرة بما يتناسق نع جو السورة‪ .‬والرجلا ينملو‬
‫وفكرته في قضلية نلا تلزداد رسلوخا وتمكنلا نثلا الشلجرة التلي تضلرب بجلذورها فلي التربلة‬
‫وتنهض فوق اارض فتثمر نن كا فاكهة زوجا ‪.‬‬
‫وخالل نعرفتي الطويلة به فترة تزيد عن ثالثين سنة أعلرف عنله كملا أفلف المبلدع بيتهلوفن‬
‫الموسيقار االماني أنه يبدع نن حين آلخر سيمفونية فكرية جديدة فهو ّ‬
‫يوللد اافكلار ويصلقلها‬
‫دونا‪ .‬وهو في كا فكرة يرسخها ويصقلها فتلمع بأشد وهو أنر ال يلتفطن لله المتلابع علن كثلب‬
‫نن تالنذته فيكتب عنه نا يشاء وال يعرف في أي حقبة يعيشها جودت وال يسلتوعب أ جلودت‬
‫يتطور ويكبر باستمرار ويطور طروحاته بدو توقف بسبب العقلية النقدية المنفتحة على العللم‬
‫والعالم‪.‬‬
‫ونعظم نن حوله يذكر بالصحابة الكثر الذين لم يكونلوا يفقهلو عللى الرسلول ص كثيلرا وهلم‬
‫الذين تنازعوا بعد نوته وهم الذين ضاعت نن أيديهم وفي عصرهم الخالفة الراشدية واستطاع‬
‫الفريق اانوي االنتهازي أ يغير نسرى التاريخ العربي نن راشدي إلى بيزنطي‪.‬‬
‫وأذكر سيدة فاضلة تدرس الملواد العلميلة فلي الثانويلات فلي دنشلق وتكلاد ال تضليع نحاضلرة‬
‫لجودت وإذا اجتمعت به وضلعت المسلجلة أو بلدأت بكتابلة نلا يقلول بخلط يلدها ولكنهلا عنلدنا‬
‫حضرت االنتخابات المزورة ذهبت إلى فناديق التزوير وكتبلت نعلم وعنلدنا ناقشلها ابلن أخلت‬
‫جودت سعدية وهو عبد الرحمن الشاغوري اللذي ألقلي القلبض عليله وأودع السلجن نلن أجلا‬
‫دخوله على نواقع المعارضة في االنترنيت عندنا سألها عن رأيها في انتخاب الطاغية قالت إنه‬
‫أفلح الموجود؟ وبذلك أثبت عبود وعيا سياسيا ال يقار نع ندرسة العلوم والتلميذة المتابعلة‪.‬‬
‫وفحابة نن هذا النوع هم الذين انتخبوا نعاوية وابن نعاويلة وذريلة نعاويلة نلن بعلد وضلاع‬
‫نيراث النبوة بين قبائلا العربلا ‪ .‬ويقلال أ نعاويلة كلا نلن كتبلة اللوحي كملا هلو الحلال فلي‬
‫ندرسة العلوم التي تكتب وحي جودت ولم تسلتفد ننله شليئاً‪ .‬وسلقراط للم يكتلب شليئا‪ .‬نلع كلا‬
‫الحكمة التي نطقها‪.‬‬
‫وعندنا حصا لي االقتراب نن جودت أكثر كا يمكن أ يحصلا بيننلا نفلور ولكلن الرجلا فيله‬
‫نيزة أنه ال يصدم أحدا أو يجرح نشاعره با يعمد إلى تطبيق عملي لآلية أنه يتقبا عنهم احسن‬
‫نا عملوا ويتجاوز عن سيآتهم‪ .‬وفي قناعتي أنه تكتيك ذكلي ونلاجح‪ .‬فملثالً إذا اجتملع بشلخص‬
‫أشار إلى العلم بشكا عابر أثنى عليله واقتطلف بعضلا ً نملا ذكلر وأخلذ يفتلق ويعملق فلي نفلس‬
‫االتجاه وفاحب الفكرة لم يقا بهذا ولم يقصد ذلك‪ .‬ونحن كنا نفعا نفس الشليء حينملا نخاطلب‬
‫الجمهور بعد الصالة وكانت عادة نتبعها في بعض المسلاجد فنأخلذ شلاهدا نملا ذكلره اإلنلام ثلم‬
‫نقوم بشرح فكرتنا وليس فكرته‪.‬‬
‫وإذا اجتمع الشيخ نثال بالشيعة فهو يعرف هوى قلوبهم فيأخذ فقرات نما قالته فاطمة الزهلراء‬
‫أو نما ورد في نهج البالغة ثم يقوم بشرح فكرتله نلن خلالل كلملات الشليعة‪ .‬وهلو تكتيلك جيلد‬
‫ويبني الصلداقات ويبعلد العلداوات فليظن الشليعة انله نلنهم‪ .‬ويظلن المسليحيو أنهلم أخطلأوا‬
‫طريقهم فالرجا يعرف اإلنجيا أكثر ننهم‪ .‬وهكلذا فهلو ينملي الجانلب اإليجلابي عنلد كلا إنسلا‬
‫وطرف‪ .‬وفي نرة أرسا تحية لعبد الحميد سليما انه أشار بكلمة للمقاونة السلمية‪ .‬وفي نرة‬
‫أرسا تحية الدوارد سعيد وثالثة للخاتمي‪ .‬ونرة أثنى بحلرارة عللى الشليخ ياسلين انله قلال إ‬
‫خالفه نن الفلسطينيين داخليا سيحله بطريقة ابن آدم فلن يبسط يده بالقتا فاعتبرها الشيخ أنهلا‬

‫‪285‬‬
‫فتح الفتوح‪ .‬ونحن نعلم أ المنظمات المسللحة تحلت أنلرة الشليخ ياسلين تلؤنن بالقتلا سلبيال‬
‫لتحرير فلسطين نن النهر إلى البحر‪.‬‬
‫وهذا ال يعني أ الرجا اليخطيء أو أنه نبي نرسا با نشير بلنفس طريقتله وإليهلا نحاكمله إي‬
‫أ نتقبا عنه أفضا نا عما ونتجاوز عن سيآته‪ .‬فنشير إلى الجوانب اإليجابيلة عنلده والتكتيلك‬
‫السليم الذي يسلكه فلال يجلرح شلعور أحلد ويكسلب عداوتله وهلو أنلر سلها لملن ارتكلب هلذه‬
‫الحماقة وهم كثر‪.‬‬
‫وإ كنت أخالفه في قضية هنا فهي عدم دخوله في اإلجابة المباشلرة عللى أي سلؤال ونحاوللة‬
‫التهرب وعدم إقحام نفسه في القضايا المباشرة‪ .‬ففي يوم كنا في قرية كودنة وهي قريلة قريبلة‬
‫نن بير عجم حيث يسكن الشيخ في الجوال السوري وكنا نجموعة نن الناس نعه فتقدم رجلا‬
‫بالسؤال إليه عن رأيه في قناة الجزيرة القطرية وكانت قلد فتحلت ننلذ وقلت قريلب فالتفلت إللي‬
‫يشجعني على إجابته وقمت أنا بشرح نبسط ونباشر عن القنلاة ولكلن الرجلا للم يكلن يريلد أ‬
‫يسمع إال ننه؟ فقام الدكتور عمار وهو نن حورا بمحاولة ثانيلة‪ .‬ولكلن الرجلا كلا أفلما إال‬
‫عن الشيخ؟ فلما للم يكلن بلد نلن اإلجابلة بلدأ الشليخ يحدثله علن نظريلات تلوينبي فلي التلاريخ‬
‫والتحدي واالستجابة وفوكو في الفلسفة وشيء نن هذا القبيا‪ .‬فكانت إجابته فيها كا شليء إال‬
‫الجواب‪ .‬فلما خرجنا نن الجلسة قلت له أظن أ الرجا كا نن حقله أ يسلمع ننلك شليئا ً فللم‬
‫يسمع ولم تجبه فضحك الدكتور عمار وقال إنك تفهم الشيخ‪.‬‬
‫وأنا لطول عشرتي له أعرف فيه هذا‪ .‬وفي قناعتي أنها طريقة قلد تنفلع عنلد السياسليين ولكلن‬
‫أفحاب الفكر يجب أ يواجهوا القضايا نباشرة‪ .‬وربما اننلي جراحلا ً ونحلن نسلتخدم المبضلع‬
‫لتوجيهه نباشرة إللى نكلا اآلفلة قلد اعتلدنا نواجهلة الطلواريء والقضلايا الخطيلرة أنلا أهلا‬
‫السياسة فهم قد يجيبو ولكن ال تأخذ ننهم حقلا أو بلاطالً كملا يقوللو ‪ .‬وأنلا شخصليا ال أسلمع‬
‫كثيرا للسياسيين وال آبه لهم وال أفتح القنوات الفضائية العربية كثيرا لسلخفها وسلطحيتها أنهلا‬
‫ال تمسك بحقائق ااشياء‪ .‬وتضيع الوقت تحت غبار كثيف نن االفاظ المنمقة كو العقا العربي‬
‫يعشق الكلمات‪ .‬وربما أفضا نا أراه في التلفزيو هو قناة الديسكفري انها علم‪ .‬والعلم آخر نا‬
‫يتكلم به السياسيو ؟‬
‫نع هذا فلكا رجا اجتهاده ولعا جودت سعيد يرى أ الكناية أفضلا نلن اإلفصلاح وأ الترنيلز‬
‫خير نن القول المباشر وأ هذا أرفق بالنفوس البشرية وهي في قسم ننه ليس بصحيح‪.‬‬
‫وأذكر أنني في يوم كنت أريد رأيه في قضية نع زنيا لنا في العما وكانت زوجته هاللة رحمهلا‬
‫هللا تمشي نعنا فسمع حتى النهاية ولم يجب بحلرف فقاللت لله أجلب الرجلا عملا سلأل فأجابهلا‬
‫بشيء نن الحدة أجيبيه أنت إذ ولم آخذ ننه جواباً‪.‬‬
‫ويجب أ أسجا للرجا تركيبته النفسية انني اعتقلت نعه وكا الشيخ قد اعتقا قبا ذلك نرات‬
‫وكا اعتقالنا لصالح المخابرات العانة في الحلبوني في دنشق فلي قصلر كلا للشليخ الحسلني‬
‫رئيس جمهورية سابق فأفبح وكرا للمخابرات ونكانا للتعذيب وقضينا فيها ‪ 250‬يونا ً حسونا‬
‫ورأينا فيه نن ااهوال نا يحتاج إلى كتابة قصة كانلة عنه‪ .‬وكا اعتقالنا عندنا كنلا فلي زيلارة‬
‫إلى ندينة السلمية فتطوع (الشباب الطيبة؟!) نن المخبرين السريين في كتابة تقرير فلي حقنلا‪.‬‬
‫وكانت أحداث الدستور عام ‪1973‬م (نولعة) في ندينة حمص حيث كا ااسد قد برنج دستورا‬
‫فصله على نقاسه وعارضه الناس في ذلك فانتألت السجو بالمعتقلين كالعلادة‪ .‬وكلا نصليبنا‬
‫أننا اعتقلنا (على الريحة) بدو أي ذنب جنيناه أو فعا قمنا به‪ .‬فهجملوا علينلا فلي ننلزل خاللد‬
‫حسو الذي كنا في ضيافته واعتقلت والشيخ جودت وإنام البلد الشيخ عبد هللا الشلغلي ورأيلت‬
‫بعيني نن ففع الشيخ جودت ففعة أليمة في نركلز فلرع المخلابرات فلي السللمية تركلت أثلرا‬
‫أحمرا ً على خده‪ .‬وكا عنصر المخلابرات الضلارب يلدخن السلجائر بعصلبية وأفلابعه تلرتعش‬
‫خوف الموت‪.‬‬
‫ثم قادونا إلى حماة فدنشق تحت جنح الظالم‪ .‬والتفت يونها إلى الشيخ الشغلي وقللت لله بلغنلي‬
‫عنك إنك تمنيت في يوم أ تكو (قربة) لشرب الماء بقربه فها أنت بقرب الشليخ جلودت فتلرة‬

‫‪286‬‬
‫طويلة فافرح بها فقد بلغت ننيتك؟ فبلع الشيخ الشغلي رحمه هللا تعالى ريقه بصعوبة ولم يتلابع‬
‫الحديث ولم ينطق بكلمة‪ .‬وفي النهاية رسلت بنلا الرحللة فلي دنشلق فقادونلا إللى سلجن الملزة‬
‫العسكري الرهيب فكا غافا نمتلئا ً بالزوار ولم يكن لنا فيه نكا فأرجعونا إلى الحلبوني فلرع‬
‫المخابرات العانة‪ .‬والحلبوني حارة في دنشق تكثر فيها المكتبات وبجانب الفرع السلجن يوجلد‬
‫نسجد وال يصدق أحد أنه بين ااهالي تجري كا هذه الفظاعات‪ .‬فال يسمع فلوت المعلذبين فلي‬
‫ظالم الليا إال قليال؟ وفي الصباح الباكر اقتادونا إلى قسم المخلابرات العانلة فلي ننطقلة أخلرى‬
‫حيث أشلرف عللى ضلربنا وتعلذيبنا نحلن االثنلين أنلا وجلودت (علدنا اللدباغ) وزيلر الداخليلة‬
‫ورئيس المخابرات العانة وهو حلبي اافا‪ .‬وسمعت أنه نات الحقا ً بسرطا الرئة نختنقلا فلي‬
‫سكرات الموت والمالئكلة باسلطو أيلديهم أخرجلوا أنفسلكم اليلوم تجلزو علذاب الهلو ‪ .‬وكلا‬
‫الطاغية قد أرسله إلى لند للعالج بسبب خدناته وننها أنه حملله عللى أكتافله حلين زار حللب‪.‬‬
‫والطاغية ال يحكم بيده با هؤالء اانسلاخ نلن القلردة والخنلازير وعبلد الطلاغوت‪ .‬وفلي حفللة‬
‫التعذيب كسروا أسناني ضربا (بالبوكس) وبقيت شهرا ال أقوى على المشي على قدني‪ .‬وكانلت‬
‫أيام هينة قبا كارثة تدنر‪ .‬ورحمنا هللا بأ عجا لنا العلذاب وأوحلى إللي أ أخلرج نلن السلجن‬
‫الكبير الوطن قبا الزلزال بفترة قصيرة‪ .‬وكا نثا الوحي يأتيني ويقول يا خلالص غلادر البللد‪..‬‬
‫ونا زلت أذكر ليلة وأنا أتوجه في ظلمة الليا على سطح البيت الذي كنت نستأجرا فيه فلي حلي‬
‫الشيخ نحي الدين العربي وأنا أدعو هللا في هدأة الليا ربنا ال تجعلنا فتنة للقوم الظلالمين ونجنلا‬
‫برحمتك نن القوم الكافرين واستجاب هللا دعائي فخرجت ننها وأنا أقول كما قال نوسلى فخلرج‬
‫ننها خائفا يترقب قال رب نجني نن القوم الظالمين الذي ذهب إلى ندين يسعى وأنا سلعيت إللى‬
‫ألمانيا ثم كندا وغسلت يدي نن السجن الكبير والحمد هلل وله المنة والفضا‪ .‬وهذه وقلائع يجلب‬
‫روايتها وقراءتها على أوالدنا ليعرفوا نا ذا حصا لنا فملن للم يعلرف التلاريخ يلدفع اللثمن نلع‬
‫فوائللده المركبللة‪ .‬كمللا حصللا نعنللا ولللو أ آباءنللا كللانوا أكثللر وعيللا وقطعللوا الطريللق علللى‬
‫الديكتاتورية البعثية لما نبتت كأنها شجرة في أفا الجحيم طلعها كأنه رؤوس الشياطين‪.‬‬
‫المهم فقد لبثنا فلي السلجن ‪ 250‬يونلا ً حفلرت آثارهلا عللى رخلام اللذاكرة بقللم ال يلزول‪ .‬كانلت‬
‫الليالي واايام تمر ونحن نحفر كا يلوم عللى الجلدار خطلا ً حتلى نعلرف السلنين والحسلاب وكلم‬
‫نضى علينا فيه‪ .‬وكانت أيانا وليالى طويلة نمضة ضيقة‪ .‬جلزا هللا المجلرم ااسلد نلا يسلتحقه‬
‫نما فعا بالناس إلى يوم القيانة‪ .‬والرجا وضع رأسه في القبر وولى نلعونا غير نأسوف عليله‬
‫ولكن كما يقول القرآ إنا نحن نحيي الموتى ونكتب نا قدنوا وآثارهم وكا شليء أحصليناه فلي‬
‫إنام نبين‪ .‬حتى خرجنا ولعنة هللا على القوم الظالمين‪.‬‬
‫يذكر جيفري ال نج في كتابه (حتى المالئكة تسأل؟) أنه كا طفال يخرج نلع أبيله للصليد فسلأله‬
‫ذات يوم ضباب ها تعتقد بالجنة والنار فصمت طويال حتى ظن أنه لم يسلمع السلؤال ثلم أنسلك‬
‫أنفاسه والتفت إلى ابنه وقال‪ :‬أنا الجنة فلم أرها وال يمكن أ أقول لك شيئا عنهلا‪ .‬ولكلن جهلنم‬
‫لها نواضع كثيرة‪ .‬والبعث في سوريا حول سوريا إلى جهلنم كانللة‪ .‬بلدرجاتها التسلع وأبوابهلا‬
‫السبع نن فروع المخابرات وفي أسفلها سقر ونا أدراك نا سقر؟ وكلها بعبقرية وتخطيط يعجلز‬
‫إبليس أ يفعا نثله؟‬
‫وأعود إلى جودت سعيد فالرجا كا في نطلع حياته السياسية فدانيا وكا يهاجم البعلث علنلا‬
‫بشعاراتهم ورسالتهم الخالدة الغانضة وهو اآل أكثر تسانحا وأقلا فلدانا‪ .‬وكلفله هلذا عنلدنا‬
‫عاد نن نصر إلى سوريا أ يطرد نن ندرسة إلى ندرسة حتى وقع يوسف زعين وكا رئليس‬
‫الوزراء فيما أذكر على قرار فصله نن التعليم وقد نات المذكور سجينا ً أسليفا نريضلا فقلد فتلك‬
‫الرفاق بعضهم ببعض كالغيال ‪ .‬عليهم نن هللا نا يستحقو جميعاً‪.‬‬
‫إنها فترة سيئة تلك التي ولدنا فيها‪ .‬فها يحق للفأر أ يتشاءم إذا رأى قطة سوداء؟‬
‫والشيخ اآل يفيض نن قلبه حب الناس جميعا بكا اتجاهاتهم ويحاضر في نوادي نختلفلة نلن‬
‫المتدينين وغيرهم في المساجد والكنائس والنوادي اادبية والمراكز الثقافية في بلد كمملت فيله‬

‫‪287‬‬
‫اافواه وانتشر الرعب وخرست اافوات فال تسمع إال همسلا وناتلت اانلة فلي قبلر اشلتراكي‬
‫حتى حين‪.‬‬
‫ويتعجب المرء نن بقاء الشيخ في السجن االشتراكي فلم يغلادره؟ ولعلا تفسلير ذللك أ الرجلا‬
‫كسب شيئا نن الحصانة ااخالقية أعطته قدرا نن المناعة في بلد يعج بالوبلاء والغلالء والغبلاء‬
‫واإلجرام والديكتاتورية‪ .‬وننهج الرجا حبب فيه الناس وقلا ااعداء وهو يكرر نقولة أنا أقلول‬
‫نا يستفيد ننه الكا وال يخسر أحد شيئا نن نلك أو زعانة أو جاه أو نكانة أو نفوذ‪ .‬وفي طرف‬
‫ننها سذاجة وإال لماذا هجعا هللا لكا نبي عدوا نن المجرنينه؟؟ وجلودت يلزعم أنله سليجعا‬
‫الحاكم يثق به أكثر نملا يثلق بحرسله الخلاص إلنله للن يغلدر وسليطبق هلذا نلن طلرف واحلد‪.‬‬
‫وبالطبع هذا سذاجة فالحاكم ال يريد هذا الصنف نن الناس ولن يثلق بله يونلا ا هلذا الصلنف‬
‫يعني نهايته وقطع رقبته‪ .‬واليوم يعتقا عسكر بورنا داعية السالم أوانج سن سو كاي ويقتلو‬
‫أتباعها فها يثقو بهم ليقتلوهم ؟؟‬
‫كذلك لم أكن أرتاح إلى ظهلوره نلع أنلاس بلاعوا أنفسلهم للشليطا وجنلدوا أقالنهلم للطاغيلة‬
‫وبكوا على قبره وزعموا أ أوالده في حوافا طير خضر في الجنة؟ ولكنه نجتهد في هلذا وال‬
‫أوافقه فيما ذهب إليه‪ .‬وهو ال يحما في قلبه غلال احلد‪ .‬كلذلك فلإ التلفزيلو المحللي هلو فلي‬
‫خدنة الحزب والرفاق ولم يرحب به كثيرا في المرات المعدودة التي ظهر فيهلا‪ .‬فلالفكر نصلادر‬
‫والرأي نختوم عليه وليس على الناس إال التصفيق نثا القلرود فلي المظلاهرات إللى اابلد إللى‬
‫اابد ونفديك بالروح بالدم يا أبو الجماجم؟؟ ونن يبقى في بلد اانوات هذا فال يلونن إال نفسله؟‬
‫إال المستضعفين نن الرجال والنساء والولدا الذين يقولو ربنا أخرجنا نن هذه القرية الظلالم‬
‫أهلها واجعا لنا نن لدنك وليا واجعا لنا نن لدنك نصيرا‪.‬‬
‫لقد وفا الوضع إلى الحافة الحرجة والظلم إلى عنا السماء وقتللت اانلة قلتال وبيلع الضلمير‬
‫في سوق العهر وتحول الوطن إلى سجن كبير بأسوار عالية ونات الضمير حتى حين‪.‬‬
‫ونما حدث نعه في لقائه نع جريدة يعطي فكرة عما يحدث في الجرائد المؤنمة في سلوريا فقلد‬
‫جاءه نن أراد أ يجري نعه لقاء فحفي فلما نشر المقابلة لم يكن فيها سوى اسم الشليخ وكلا‬
‫نا جاء في المقالة والمقابلة كا نن نسج خيال (الرفيلق) الحزبلي فافلفّر وجله الشليخ عنلدنا‬
‫سمع الخبر ولم يقوم بأي نقابلة بعدها فهذه هي جرائد الحزب الثوري‪.‬‬
‫وأعود إلى واقعة السجن نع الشيخ انها كانت رحلة نفعملة بالعلذاب واقتلرب فيهلا الشليخ نلن‬
‫الموت‪ .‬وهو نصاب بقرحة نعدة فلم يكن يقدم لله إال أسلؤا الطعلام‪ .‬واسلتطعت بعلد وسلاطة أ‬
‫أحضره إلى غرفتنا وبدأت بتغذيته بالشيء المناسب لمعدته فبدأ في التحسن بعد أ استحال إلى‬
‫شبح أففر‪ .‬كا الشيخ عفيفا زاهدا جريئا فبورا وقد قام في ظا هلذه الظلروف الجهنميلة فلي‬
‫تفسير القرآ اها الغرفة التي كانت تضمنا ونحن نسمع أفوات المعلذبين والمجللودين اللذين‬
‫كا ينكا بهم في الساحة العانة حيث كا الشيخ الحسني يجلس بحانب نافورة البركة في وسط‬
‫الدار فيرتشف فنجا قهوته وكا الجالدو يرشو المضروبين بالماء نن النافورة الجميلة ثم‬
‫يبللدأو بسلللخ جلللودهم‪ .‬والمحققللو ثالثللة علللوي وديللري ودرزي‪ .‬وكلهللم نللن أوالد الريللف‬
‫وااقليات‪ .‬وكا أشهر الجالدين شاني اسمه أبو طالل روى للي بعلدها عبلد الكلريم خوجلة نلن‬
‫شباب حزب التحرير وكا قد اعتقا في نفس الفرع خمس سنوات أ المذكور ضرب بالنار فلي‬
‫حانة ليلية وتيبست ساقه بعدها عليه نن هللا نا يستحق‪ .‬وكا فيما يروي لنا جودت أنله يتمنلى‬
‫أ لو قام شخص بدراسة تاريخ هؤالء المجرنين وكيف انتهت حياة كلا واحلد‪ .‬كملا حصلا نلع‬
‫نجرم ليما طرة في نصر حمزة البسيوني‪.‬‬
‫وكنا فلي غرفلة فلغيرة نحشلورين عشلرة أشلخاص وللم اسلتطع أ أنلد قلدني فيهلا إال أيانلا‬
‫نعدودات‪ .‬وعندنا خرجت نن الحبس تعبت بعد نشي دقائق قليلة‪.‬‬
‫ونما استفدت ننه في ذلك اللقاء الطويا بلورة نشكلة السلرية والعنلف عنلده وقمنلا بمناقشلات‬
‫نطولة قملت بتسلجيا بعضلها وتهريبهلا إللى خلارج السلجن‪ .‬وكلا نعنلا فلي السلجن فلي تللك‬
‫الظروف نجموعة نن الشباب الحلبيين الذين تجرأوا فكتبوا على الجدرا ألوانا نن اعتراضلهم‬

‫‪288‬‬
‫السياسي فتم إلقاء القلبض علليهم وكلانوا شلبابا جميللين أوالد نعملة فأفلبح السلجن والعلذاب‬
‫نأواهم‪ .‬وفي تلك المناقشات قملت أنلا بكتابلة الجلزء الثلاني نلن كتلابي الطلب نحلراب اإليملا‬
‫وكتبت نقدنة تقول لقد خلقنا اإلنسا في كبد إشارة نني إلى أيام البؤس تلك‪ .‬أنا الشليخ حفظله‬
‫هللا فقد كتب كتابه (العما قدرة وإرادة) في تحليلا وحلدة العملا الصلحيح وأ نلا يلنقص العلالم‬
‫اإلسالني ليس الحماس با الوعي‪ .‬وفي نهاية كالني هذا سوف يجد القاريء خالفة اهم آراء‬
‫الشيخ وقد طلبت ننه أ يفيد بها القاريء أثناء لقائي بله فلي ندينلة نونتريلال الكنديلة خريلف‬
‫عام ‪2003‬م‪ .‬والمناقشات التي كانت تحدث كنا نقوم بكتابتها سرية ونهربها بطرق خافلة عبلر‬
‫المالبس وكتبتها زوجتي في نسخة خافة خارج السجن‪ .‬وطلول فتلرة السلجن للم نتللق زيلارة‬
‫واحدة ولكن سمح لنا في الفترة ااخيرة بإدخال بعض الكتب وشيئا نلن الطعلام‪ .‬وكانلت اانلور‬
‫وردية في تلك اايام‪ .‬وهي التي تقول أ حالة العلرب أنهلم فلي ظلا اسلتعمار بغليض وسلرطا‬
‫داخلي وهو ادهى وأنر نن أي احتالل خارجي‪ .‬وهو يلروي عللة العلرب الداخليلة وكلا الشليخ‬
‫يؤكد على المعنى القرآني قا هو نن عند أنفسكم وبما كسبتم أيديكم‪.‬‬
‫استطعنا فلي فتلرة السلجن نلن بللورة فكلرة العملا السللمي والمقاونلة المدنيلة وللو أ العملا‬
‫اإلسالني آنن بهذا ااسلوب لوفر الكثير بما فيهلا الصلدام نلع أنريكلا وكارثلة سلبتمبر ‪2001‬م‬
‫التي نقلت الصراع نن الداخا إلى الخارج إلى اإلطار الدولي‪ .‬ولكن الكالم النظري شيء وقانو‬
‫التاريخ شيء نختلف‪ .‬واانم تتعلم بالعذاب أكثر نن الوعظ‪ .‬وباللكمات أكثر نن الكلمات؟‬
‫وفي يوم اجتمعت بزنيلي الدكتور حسن نصري والرجلا نسلتقر فلي ألمانيلا وعنلده عيلادة فلي‬
‫ندينة آخن‪ .‬وكنت في ننزله في ندينة كيفلر في الشلمال الغربلي نلن ألمانيلا قبلا انتقالله آلخلن‬
‫فقال لي ولم تكلن أحلداث سلبتمبر قلد وقعلت‪ :‬كيلف اسلتطاع جلودت برؤيلا اختراقيلة ا يبللور‬
‫نظريته حول الالعنف والمقاونة السلمية قبا ااحداث بثالثين سلنة‪ .‬وأظلن أ العجلب نعله قلد‬
‫أفبح أضعافا بعد أحداث سبتمبر ‪2001‬م‪.‬‬
‫وأذكر أننا كنا في السجن وحرب تشرين قد وقعت فكتبنا لعلدنا اللدباغ أ يخرجنلا نلن السلجن‬
‫ويستفيد نن إنكانياتي كطبيب فإذا انقضت الحرب أعادني إلى السجن ولكنه كا نشغوال بتمجيد‬
‫ربه في القصر الجمهوري‪ .‬ويونها كتبلت ال للتنظليم ‪ ..‬ال للسلرية ‪ ..‬ال للعنلف‪ .‬وخرجنلا برؤيلة‬
‫واضحة في نشكلة العنف في العما اإلسالني الذي تكلا الحقا عام ‪ 1982‬م بكتلابي حلول النقلد‬
‫الذاتي للحركات اإلسالنية الذي أثار ضجة حين فدوره‪.‬‬
‫في الستينات كا الشيخ يتحدى البعثيين ويحاضر في المساجد وكا ذلك نسموحا به على نحلو‬
‫غانض‪ .‬وكا يقول كفرت بآلهتكم الوحدة والحرية واالشتراكية الثالوث المقدس عنلدكم‪ .‬وكلا‬
‫يلقى عليه القبض ثم يطلق‪ .‬وكا ونا زال يؤنن بالمقاونة السلمية انها إحياء للضمير وتخللي‬
‫عن السلالح والعضلالت‪ .‬وهلذه الفكلرة نملت عنلده حتلى أفلبحت شلجرة يسلتظا تحتهلا أنلاس‬
‫كثيرو ‪ .‬وهي جيدة نن الناحية البراغماتية وتحافظ على حياة نن يدخا الصراع البشري‪ .‬ولكن‬
‫القليا فهم عليه وااندر نن اتبعه على نذهبه ونن تابعه فترة ثم تعرض للمضلايقات والعلذابات‬
‫تخلى عنه في نرحلة الحقة‪ .‬ونضى الرجا لوحده تقريبا حتى اليوم وليس عنلده حلزب أو تيلار‬
‫أو تجمع با يشبه أبو ذر الغفاري يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحلده‪ .‬وكلماتله حتلى اآل‬
‫ليس لها فدى وإ كا البعض بدأ بمغازلتنا بعد نجيء الجبار اانريكي ليس إيمانا بالسالم با‬
‫خوفا نن العصا اانريكية المسلطة فوق الرؤوس‪.‬‬
‫ونن خالل النقاش الطويا في نشكلة العنلف والالعنلف وفللت أخيلرا إللى القناعلة التلي بلدأت‬
‫أجمع أطرافها واحبك خيوطها أ عالم السالم والكفاح السللمي قلارة نميلزة‪ .‬وهلذا واضلح فلي‬
‫كتابلات ااسللتاذ جللودت ونقاالتلله انلله يللرى أ العملا السلللمي والعنفللي يشللبه عمللا العضللالت‬
‫والدناغ‪ .‬فال يسلتويا نلثال‪ .‬وأ قلوة العقلا هلي ااعظلم عنلد اإلنسلا ‪ .‬وا اسلتخدام السلالح‬
‫توديع للعقا وارتها آللة السالح‪ .‬وأ الديموقراطية شرطها ااساسي إلغاء العنلف‪ .‬فلال يمكلن‬
‫أ تجتمع الديموقراطية والعنف إال إذا اتحد الماء نع النار؟‬

‫‪289‬‬
‫هكذا تبلورت المسألة عندي أ السالم أو الكفاح السلمي قارة نختلفة عن كلا نلا اعتلاد العلرب‬
‫والمسلمو عليه با والعالم على فهمه فهلو أسللوب اانبيلاء فلي تحلري اإلنسلا نلن عالقلات‬
‫القوة‪.‬‬
‫جودت سعيد يعيش أفكاره وينسجم نع نا يقول وال يأبه لما يتنازع عليه الناس نن نسكن جميا‬
‫وفراش وثير وطعام لذيذ ودخا كبير وسيارة فارهة با يعيش على أبسط شيء ولن يترك خلفله‬
‫ثروات وعقارات وأسهم وسيارات با أفكار وكتب ونحاضرات هوروح تسري نن أنرناه لملن‬
‫كا عنده قدرة التقاط الموجة‪.‬‬
‫إنه يعيش بعشرة رياالت في الشهر ويرقع ثوبه ويخصف نعله وأحيانا يربطه بااسالك ويللبس‬
‫القليا ويعتمر (القلبغ) الشركسي الذي يذكرك بأنه نن أها الكهف ويحللب بقرتله ويربلي نحلله‬
‫في هضبة الجلوال فيعطلي أهلله أكثلر اللدخا ويعليش عللى ااقلا القليلا وهلو دخلا نتواضلع‪.‬‬
‫وباختصار إنه يعيش فقيرا بيده وبإرادتله‪ .‬وكلا يمكلن أ يأخلذ عقلدا نرفهلا ً نلن السلعوديين‬
‫الذين ألحوا عليه بالقدوم ولكنه قال لي لو ذهبت إلى هناك لملا نملوت ووفللت إللى نلا وفللت‬
‫إليه نن تخوم الفكر الحالية‪ .‬هكذا يقول وال أذهب إلى هذا وال أوافقه عليله‪ .‬اننلي حاليلا أعليش‬
‫في السعودية وفلتي نع العالم وليس نع المحنطين‪.‬‬
‫جودت سعيد كأنه ليس نن أها الدنيا وأبرز نا فيه حبه للعلم بدو حدود‪ .‬يركلب دراجلة قديملة‬
‫وبيته غرفتا نتواضعتا إحداها نليئة بالكتب‪ .‬وإذا لقي النلاس أكلرنهم وهلش فلي وجلوههم‪.‬‬
‫وإذا تحدثوا عن العقارات واانوال أنسك‪ .‬وعندنا كتب لمجلة المجلة وسلألوا علن حسلابه وللم‬
‫يكن له حساب استغنى عن تلقي المكافأة المالية حتى تلدخا عللى الخلط أحلدهم فقلال إ الرجلا‬
‫يأكا نما تأكلو ويشرب نما تشربو ويحتاج للدواء وتذكرة السفر فدفعوا له بعلد نلرور أكثلر‬
‫نن سنة وكتب لهم بذلك سنة كانلة بلدو نكافلآت عللى نقاالتله‪ .‬واشلار عبلد العزيلز الخمليس‬
‫رئيس تحرير نجلة المجلة يونها إلى ذلك‪.‬‬
‫جودت سعيد إ تحدث الناس باافكار اشترك‪ .‬وإ تحدثوا عن طعلام ونتلاع حلول الحلديث إللى‬
‫التاريخ والفلسفة وإال سكت وانتنع عن الكالم‪ .‬فدناغه نبلرنج عللى نوجلة اافكلار فقلط‪ .‬نثلا‬
‫الراديو الذي ال يفتح إال على نوجة نحددة‪ .‬فال احب على قلبله نلن الفكلر والعلملاء‪ .‬وال أبغلض‬
‫إليه نن الهذرنة وتضييع الوقت والحديث في اللباس والعقارات واانلوال والتافله نلن اانلور‪.‬‬
‫ولم أجده إال قارئا ً أو نتحدثاً‪ .‬وعنده قدرة أ يتحدث عشر ساعات نتوافللة بلدو شلرب قلدح‬
‫ناء‪ .‬وفي يوم أخذته إلى ننطقة الصبورة في دنشلق نلن أجلا شلراء قطعلة أرض وبنلاء بيلت‬
‫فيها ثم التفت اجد الرجا وقلد وضلع أختيله بجانبله وهلو يشلرح لهملا كتلاب شلروط النهضلة‪.‬‬
‫وعرفت يونها أنه يجب أ ال يستشار في أنور الدنيا انه ليس نن أها الدنيا‪.‬‬
‫وسللوف يغللادر جللودت هللذا العللالم فيللذكره التللاريخ نثللا سللبينوزا وايللرازنس نللن الفالسللفة‬
‫اإلنسانيين‪ .‬وهاجمه الكثير ولكنه يقابا السيئة بالحسنة‪ .‬ولربما يكتشف فكره بعد نوته بقر أو‬
‫قرنين لقد كا هنا رجا عظيم يذكرك بعظمة هللا والكو أ اجتمعت به وتحدث إليك‪.‬‬
‫وأثناء اجتماعي به في نونتريال المدينلة الكنديلة فلي خريلف علام ‪2003‬م قللت لله ربملا نفيلد‬
‫القاري لو شرحت لنا باختصار عن كتبك وفلسفتك ونظرتك لمستقبا العالم اإلسلالني فكتلب للي‬
‫بعض أوراق وهو كعادته ال يراسله أحد إال أجابه ونن نشى إليه أتاه هروللة ونلا نطلق أحلد إال‬
‫أفغى إليه بدقة وباهتمام وكأنه طفا وهي سمة الفيلسوف اإلنسا عنلدنا يحملا روح الدهشلة‬
‫وحب االستطالع ويريد نعرفة كا شيء‪.‬‬
‫لقد بلغ الشيخ نن العمر نع كتابة هذه ااسطر ‪ 73‬عانلا ً ولكنله نلا زال نشليط عللى اللرغم نلن‬
‫عملية على المعدة أراحته نن القرحة بعد اختالط‪ .‬وهو يعيش أقرب للطبيعلة قليلا الطعلام كثيلر‬
‫الوعظ نشيط في الحديث يستيقظ كا يوم قبلا الفجلر فيكتلب ويقلرأ فلي كراسلات كثيلرة يحملهلا‬
‫وكا كتاب العقلية العملية لبوردو الفيلسوف الفرنسي أنيسه في نونتريال ويقول عنه أنه يحفر‬
‫في النفسية االجتماعية ويكشف عن قوانين التحكم‪.‬‬
‫واليكم نا كتب الشيخ في نونتريال‪:‬‬

‫‪290‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬
‫سللألني الللدكتور خللالص جلبللي أ أكتللب للله خالفللة نللا كتبلت فللي‬
‫نحاولتي في الحديث عن نشكلة المسلمين‪.‬‬
‫فأقول ولدت عام‪ 1931‬نيالدية فلي قريلة تبعلد علن دنشلق نحلو ‪ 80‬كلم جنلوب غلرب سلوريا‬
‫الحالية‪ .‬وفي شباط فبراير عام ‪ 1946‬خرجت نلن سلوريا بسليارة للمسلافرين نلن دنشلق إللى‬
‫حيفا وننهلا إللى القلاهرة بالقطلار وللم تكلن فلنعت نلا يسلمى اآل بإسلرائيا نلن قبلا الغلرب‬
‫ونؤسسة اانم المتحدة وبقيت في القاهرة عشر سنوات وشهدت ااحداث نن اغتيال النقراشي‬
‫واغتيال حسن البنا ونحنة فلسلطين علام ‪ 48‬ثلم ثلورة نحملد نجيلب ثلم عبلد النافلر وشلهدت‬
‫العدوا الثالثي عام ‪ 56‬كما كنت هناك حين اعدم عبد القادر عودة وأفحابه ثم غادرت القاهرة‬
‫وأنا أحن إلى ذكريات القاهرة واايام التي قضيتها في دار الكتب المصرية وأنا أحما فلي نفسلي‬
‫ه ّم نشكلة العالم اإلسالني وفي سوريا كنت في ااحداث التي حدثت عام ‪ 1965‬وبعدها نباشرة‬
‫أحسست بدافع ال يمكن نقاونته بضرورة أ أكتب (نذهب ابن آدم ااول) أو نشكلة العنلف فلي‬
‫العما اإلسالني وطبع الكتاب اول نرة في دنشق عام ‪ 1966‬كتبته بعجلة خشية أ أضليع فلي‬
‫ااحداث نن غير أ أكو بينلت نلوقفي نلن أسللوب العملا اإلسلالني وخافلة بعلد أ شلهدت‬
‫ااحداث التي حدثت في نصر وتمنيت أ أساهم في تجنيب سوريا نن نثا نلا حلدث فلي نصلر‬
‫نن النزاعات الدنوية المؤلمة ونا حدث عندنا بعد ذلك كا أسوأ‪ .‬وكنلت كتبلت فلي ذللك الوقلت‬
‫في كتاب نذهب ابن آدم ااول أو نشكلة العنف في العما اإلسالني تحت عنوا داخلي‬
‫سبب اإللحاح‬
‫هوالذي يجعلني شديد الحرص واإللحاح في هذا الموضوع هو نا أتوقعه في العقود القادنة نن‬
‫إنكا اشتداد الصراع وتضخم النزاع وزيادة عجز المسللمين وتضلاعف عقلدهم وعجلزهم علن‬
‫نواجهتها‪ .‬فعلى الدعاة إلى هللا أ يتبصروا للمسلمين فإ اايام القادنلة سلتكو أعنلف علليهم‬
‫نن اايام الماضية إال إذا جددنا اللدعوة عللى أسلاس سلنة اانبيلاء فلي دخلولهم حلبلة الصلراع‬
‫وزادهم (ربنا هللا) ونا علينا إال البالغ المبينه‬
‫هذا الكالم نن الصفحة ‪ 210‬نن كتاب نذهب ابن آدم ااول أو نشكلة العنف في العما اإلسالني‬
‫الطبعة الخانسة عام ‪ 1993‬واآل بعد طبع الكتاب للمرة ااول نضلى ‪ 37‬عانلا أي نحلو أربعلة‬
‫عقللود وفللارت المواجهللة نللع العمللا اإلسللالني نشللكلة عالميللة بعللد (‪ 2001 )9-11‬وانفجللار‬
‫المشكلة اإلسالنية إلى نستوى عالمي لما قلت قبا أربعة عقود (نا أتوقعله فلي العقلود القادنلة‬
‫نن إنكا اشتداد الصراع وزيادة عجز المسلمين ‪..‬الخ) إ نا حدث نن هذه التوقعات أكبر نملا‬
‫كا يمكن توقعه ولكنني أتوقع اآل أننا في آخر النفق المظلم وأننا سنخرج نلن ظلالم الماضلي‬
‫إلى فجر أعمال ونواجهات سلمية جاءت إرهافاتها فلي ثلورة إيلرا السللمي اللذي هلز العلالم‬
‫وإ كا ااسلوب الذي نارسه الخميني كا تكتيكا وليس اسلتراتيجية إال أ إعلال تركيلا أننلا‬
‫(سنستشير الشعب في رأيه) في السماح للقوات اانريكية بالمرور نن تركيا إلى العلراق شليء‬
‫جديد في العلالم اإلسلالني‪ .‬وأنلا اآل أتوقلع أ يتعلاظم ااسللوب اإليرانلي ليصلا إللى نسلتوى‬
‫(سنستشير الشعب وال نفرض عليه وفلايتنا) كملا وفللت إليله تركيلا‪ .‬وااتلراك أول نلن كفلر‬
‫باإلسالم وكأنهم أول نن عاد نن المسلمين إلى أ الشورى للشعب أول عودة ننذ نعاويلة لليعم‬
‫هذا ااسلوب في العالم اإلسالني في العقود القادنة‪ .‬وأنا نلوقن بلذلك وأقلول لللذين سيشلهدو‬
‫العقود القادنة إ هذا التوجه طريق ذو اتجاه واحد فقط وأنا أزيد في الجعا ونرجو اللنقص فلي‬
‫ااجا إنه حتما قادم ولم ينطفئ هذا النور‪.‬‬
‫ونوضوع نذهب ابن آدم ااول كبر حجمه عندي حيث حاولت أ أكتب حول نذهب ابن آدم بعلد‬
‫الكتاب ااول كتابا ثانيا حول نفس الموضوع بعنوا هكن كابن آدمه كتبته بعد ثالثة عقلود نلن‬
‫الكتاب ااول‪.‬‬

‫‪291‬‬
‫واآل أرى أنه لم يبق في العالم إال نذهبا نذهب نن يريد حا المشكالت بلل (اقتلنلك) ونلذهب‬
‫نلن يقللول (للئن بسللطت إلللى يلدك لتقتلنللي نلا أنللا بباسللط يلدي إليلك اقتللك إنللي أخللاف هللا رب‬
‫العالمين) وأنا أفهم اآل نن كلمة أبن آدم الذي رفض الدخول إلى الصراع الجسلدي تحقلق عللم‬
‫هللا في اإلنسا نن أنه سيقضي اإلنسا على الفساد في اارض وسيقضلي عللى سلفك اللدناء؛‬
‫با سيصا اإلنسا إلى درجة أ يتذكر نا سلفك نلن اللدناء نخجلال أ يتحلدث عنله وال يللوث‬
‫لسانه كمن يأكا لم أخيه نيتا فكرهتموه‪ .‬تللك أنلة قلد خللت لهلا نلا كسلبت ولكلم نلا كسلبتم وال‬
‫تسألو عما كانوا يعملو ‪.‬‬
‫إ الحوار الذي جرى بين ابني آدم هو الحوار بين قد أفلح نن زكاهلا وقلد خلاب نلن دسلاها إ‬
‫التزكية تمكث في اارض وإ التدسية تذهب جفاء‪ .‬وكا يوم تطلع فيه الشمس والبشر يتقدنو‬
‫ليحققوا نوقف ابن آدم الذي رفض أ يدافع علن نفسله كأنله يقلول إ هللا نفلخ فلي نلن روحله‬
‫وجعلني أفهم اانور بعواقبها ولن أتراجع إلى نلة شريعة الغاب والناب وللن اسلتخدم يلدي فلي‬
‫التعانا نع روح هللا في اإلنسا الذي جعا اإلنسلا فلي أحسلن تقلويم وللن أقبلا أ أعلود إللى‬
‫أسفا سافلين‪ .‬ورأينا كيف تطور هذا االتجاه حيث االتحاد ااوربي الذي كلا جنينلا فوللد حلديثا‬
‫فألغوا حكم اإلعدام‪ .‬ا آيات اافاق واانفس التي هي نرجع القرآ فرض عليهم أ يلغوا حكم‬
‫اإلعلدام علللى اإلنسللا ‪ .‬وهللم يتحللدو اآل نللن غيللر أ يرسلللوا جيوشللا للفللتح وإنمللا يضللعو‬
‫شروطا لقبول الذين يقدنو الطلبات لالنضمام إليهم‪ .‬وهلذا خللق جديلد للم يسلبق لله نثيلا فلي‬
‫التاريخ‪ .‬ويمكن أ يكو نواة لوحدة عالمية نبنية على العدل‪ .‬وقد يرتفع إلى نستوى اإلحسا ‪.‬‬
‫إ البدء نن العدل كلمة السلواء وقابلا أ يتحلول إللى اإلحسلا اللذي يحلول النفلوس اانلارة‬
‫بالسوء إللى النفلوس المطمئنلة والقللوب السلقيمة إللى القللوب السلليمة التلي لليس فيهلا غلا‪.‬‬
‫واإلنسا فناعة وقد أفلح نن زكاها وقد خاب نن دساها‪ .‬والعانا الملؤثر فيهملا قلانو الحلق‬
‫والباطا الذي يذهب فيه الزبد جفاء ويمكث في اارض نا ينفع الناس‪ .‬وهلذا هلو قلانو النسلخ‬
‫دائما‪ .‬والذي يقوم بالنسخ هو اانفع للناس جميعا‪ .‬وكأ ابلن آدم يقلول اخيله أنلا فلار عنلدي‬
‫روح هللا العقا الذي يفهم العواقب أرفض العودة إلى استخدام العضالت في التأثير عللى الجهلاز‬
‫العصبي في اإلنسا ونن غير جهد كبير فار يمكن فهمه اآل ‪.‬‬
‫وفي عام ‪ 1972‬طبعت كتابي الثاني كتاب (حتى يغيروا نا بأنفسهم) حاولت إعراب هذه الجمللة‬
‫القرآنيلة علللى أسللاس قواعللد النحللو فللي اللغللة العربيلة نللن أ فللي هللذه اآليللة فعلللين وفللاعلين‬
‫ونفعولين‪ .‬الفعال هما يغيلر ويغيلر والفلاعال الفاعلا ليغيلر ااول هلو هللا تعلالى اللذي يخللق‬
‫النتائج نن ااسباب يخلق النعم الصحة الجسدية والصلحة النفسلية والفاعلا الثلاني هلم ااقلوام‬
‫ونفعولهم نا باانفس البشرية بالقدرة على ربط ااسباب بالنتائج‪ .‬هذه هي المعرفة والعلم الذي‬
‫يمكن إعطاؤه لانسا فيغير نا بنفسه بمعرفة أسباب الصحة والمرض الذي يطرأ على اإلنسا‬
‫على جسده وعلى نفسه وفي هذا الكتلاب حاوللت أ أبلين أ نصليره فلار بيلده ا تغييلر نلا‬
‫باانفس وظيفة اإلنسا وفعله ووظيفة هللا وفعله هو خلق النتائج حين يغير الناس نلا بأنفسلهم‬
‫وعما هللا في هذا تابع لعما اإلنسا ‪ .‬ويقول هللا أنا ال أغير نا بكم نن نعمة أو نقمة حتى تغيروا‬
‫أنتم نا بأنفسكم؟ ولكن وضعنا نحن في العالم اإلسالني نقول أنت الذي تفعا كا شليء ونحلن ال‬
‫دخا لنا فيه‪ .‬ولكن هللا لن يغير سلننه انهلا ثابتلة للن تجلد لسلنة هللا تبلديال وللن تجلد لسلنة هللا‬
‫تحويال‪ .‬وكأ الناس ال يكشفو سنن هللا وال يقبلونها إال إذا ذاقوا العذاب االيم (ولنلذيقنهم نلن‬
‫العذاب اادنى دو العلذاب ااكبلر لعلهلم يرجعلو ) إ اللذين عطللوا عقلولهم (ال يؤننلو وللو‬
‫جاءتهم كا آية حتى يروا العذاب االيم)‬
‫وااوربيو بعد أ ذاقوا العذابات االيملة فلي حلروب دينيلة وحلروب قونيلة وحلروب عالميلة‬
‫غيروا نا بأنفسهم نن االستعالء واالسلتكبار فقبللوا أ يغيلروا أسلاليبهم وقبللوا كلملة السلواء‬
‫فأفبحوا بنعمة سنن هللا إخوانا ال فضا احد على أحلد‪ .‬ونحلن العلرب والمسللمو علينلا أ ال‬
‫نتبلد وأ ال تأخذنا العزة باهلل باإلثم ونقبا أ نغير نا بأنفسنا لنخرج نلن هلذا التملزق والتلدابر‬
‫واستعداء بعضلنا عللى بعلض كملا فلي حلرب الخلليج ااوللى والثانيلة‪ .‬وجلاءت اادهلى الثالثلة‬

‫‪292‬‬
‫باحتالل العراق ونحن ال نشم رائحة التوجه إلى التعاو فضال عن االتحاد نثا االتحاد ااوربلي‪.‬‬
‫وإنني ادعو جميع عقلالء اانلة إللى أ يلدعوا بلدو أ يجرننلا شلنآ قلوم عللى أ ال نعلدل‬
‫فنسارع إلى الدعوة إلى نثا هذا االتحاد الذي لم ينزل نن السلماء وإنملا توللد فلي اارض‪ .‬نلن‬
‫العناء والعذاب والخسائر في اانفس واانوال‪ .‬وأ نقول إ نا يرينا هللا نلن آيلات فلي االتحلاد‬
‫ااوربي نن غير أ يخسر أحد شيئا ويلربح الجميلع أفضلا عنلد هللا ورسلوله وعنلد الملؤننين‬
‫وعند عقالء الناس أجمعين نما نحن عليه وأ نسارع بلاإلعال بلالفم الملآل وبلاليقين الثابلت‬
‫نن أ هناك بديال عما نحن عليه نن الهوا والذلة والمسكنة والتدابير وشماتة بعضلنا بلبعض‬
‫بديال يحدث أناننا ونن جيراننا ولليس نلن الغيلب وفلي كوكلب آخلر‪ .‬يحللو نشلكالتهم بكلملة‬
‫السواء بالعدل واإلحسا نن غير أ يخسر أحد شيئا ويربح الجميع ال يخسر أرضا وال ناال وال‬
‫نكانة با سيزداد الجميع ربحلا فلي كلا نجلاالت الحيلاة ويقلر لنلا بلذلك اآلخلرو ويفلرح بلذلك‬
‫المستضعفو وال يمكن للمستكبرين أ يفعلوا شيئا ويعترفو بأننلا فلرنا نسلمع ونعقلا وأننلا‬
‫بلغنا الرشد بالبدء بهذا العما الذي ينبغي فورا أ نبدأ به‪ .‬فإذا غيرنا نا بأنفسلنا نلن أ طبيعلة‬
‫النفس اإلنسانية تعطي باإلقناع نا ال تعطيه باإلكراه فستنفتح لنا أبواب نظنها نوفدة وأسلاليب‬
‫لافالح ناله نن نفاذ وقد تهيأت النفوس لمثا هذا العما فعلينا أ نكو نن السلابقين ااوللين‬
‫ونكو نن الذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها فما وعميانا وعند ذلك سيأتي نصر هللا‬
‫والفتح المبين الذي يفرح به المؤننو وكانوا أحق بها وأهلها‪.‬‬
‫وفي عام ‪ 1980‬كتبت كتاب (العما قدرة وإرادة)‬
‫أردت أ أبين فيه أ العما اإلنساني نن زوجين قدرة وإرادة‪ .‬إ حركة اإلنسا ليسلت كحركلة‬
‫اافالك ذو اتجاه واحد وإنما قلدرة وإرادة وسليلة وغايلة‪ .‬وحاوللت أ أبلين أ لنلا إرادة ولكلن‬
‫نجها الوسائا‪ .‬وضربت المثا باام والتي وهبها هللا الرحمة في حب نولودهلا لسلنا فلي حاجلة‬
‫أ نعلمها ذلك ولكن علينا أ نعلمها كيف تستطيع أ تهب نولودها الصحة الجسلمية والصلحة‬
‫النفسية‪ .‬فعلى قدر علمها تحقق فنع الجسم السليم والقلب السليم نن الغا‪ .‬وهذا الواجلب عللى‬
‫اام هو الواجب على اانة اآل لنجعا عما اانة ناجحة في تحقيق إرادتهلا‪ .‬وذللك ال يكلو إال‬
‫بأ نعرف ناذا حدث في العالم وكيف تعلم اإلنسا تسخير المادة فصلنع المحركلات اآلليلة التلي‬
‫أراحت الناس وحملتهم في أرجاء اارض وفي الفضاء‪ .‬وتعلم الناس علم فحة ااجساد فطاللت‬
‫ااعمللار وقلللت اآلالم وبقللى علللى اإلنسللا أ يعلللم سللنن اانفللس وتزكيتهللا وليرشللد اسللتخدام‬
‫اإلنسا وأ هلذا الجانلب هلو ااهلم وهلو نلا يحتلاج إليله المسللمو ليتعلملوه فيلملوا شلملهم‬
‫الممزق ويستعينوا بسنة هللا في الذين سبقونا فنتقبا أحسن نلا علملوا ونتجلاوز علن سليئاتهم‪.‬‬
‫ولما ننظر كيف بدأ الخلق نعما أ العما خلق نن زوجين لكا نخلوق ولكن نعلم أيضا أنا خلقنا‬
‫نن نفس واحدة وجعا ننها زوجها وبث ننهما رجاال كثيرا ونساء كذلك خلق نن القدرة اإلرادة‬
‫وخلق ننهما ذرية كثيرة ليكونوا خلفاء هللا في اارض ليقيموا العدل واإلحسا ‪.‬‬
‫وفي عام ‪ 1987‬كتبت كتاب( إقرأ وربك ااكرم) وكا هدفي نن هذا الكتلاب أ أرفلع نلن قيملة‬
‫العلم والعقا وال يمكن أ ترتفع قيمة اإلنسا إال بالعقا والعلم فأردت تعريف العلم والعقا وكا‬
‫هذا هاجسي حيث اإلنسا بعقله يكو إنسلا ولليس بجسلده (فأنلت بالعقلا ال بالجسلم إنسلا )‬
‫واإلنسا يولد وال يعلم شيئا ولكن عنده قدرة أ يتعلم ويعقا‪ .‬وهلو ال يوللد وعنلده عللم وعقلا‬
‫وإنما يولد وعنده رأسمال عظيم جدا هو الفهم والقدرة على الفهم‪ .‬وفي سفر اانثال (أنلا الفهلم‬
‫لي القدرة)‪ .‬وحين بدأت أدير في ذهني تعريف العلم والعقا وتذكرت أ اإلنسا يولد بدو عللم‬
‫وعقا وإنما يتعلم ويصير يعقا بعد ذلك وال يتم التعلم إال بالقراءة ا العلم بالقراءة فلار للعللم‬
‫وجود خارج عقا اإلنسا ‪ .‬أي أ المعلونات التي يحصلها اإلنسلا يمكلن أ ينقلهلا نلن ذهنله‬
‫ويضعها في الكلمات‪ .‬ثم تعلم اإلنسا أ يضع الكلمات عللى اللورق ككتابلة فصلار للعللم وجلود‬
‫وبقاء وحفظ خارج دناغ اإلنسا الذي يعود إلى التراب‪.‬‬
‫إ تقنية القراءة أكبر وأعظم تقنية وفا إليها اإلنسا وكيفية وفول اإلنسا إلى هذه التقنيلة‬
‫نعروفة في التاريخ ا التاريخ فار له وجود حلين فلار لله وجلود باالنتقلال إللى اللورق إللى‬

‫‪293‬‬
‫الرنز بالحروف الهجائية التي كثير نن هذه الحلروف فلي أول كثيلر نلن سلور القلرآ أللم حلم‬
‫عسق فحبس اإلنسا العلم في هذه الحروف ولم يكن عجيبا أ يكو أول كلمة في آخلر رسلالة‬
‫كلمة (إقرأ) دو سائر الكلمات حتى اسم هللا جاء بعد كلمة إقرأ باسم ربك وا حصول اإلنسلا‬
‫على العلم ارتبط بالقراءة ولن يكو اني نكا بعد نا أوحي إلى اإلنسا اانلي فملن هنلا نلرة‬
‫أخرى دليا على ختم النبوات لتكو هذه الرسالة رسلالة التلي حملهلا اانلي وللم يلدع أنله نلن‬
‫عنده‪ .‬وختم النبوة انتقال إلى عهد جديد إلى نوع جديد نن التلقي عن هللا ال يمكن أ ينكره عقا‬
‫إنسا إال إذا أنكر قبا ذلك عقله وقوة الفهم عنلد اإلنسلا وذللك حلين فلار بهلذا الكتلاب اللذي‬
‫اشتق اسمه نن القراءة وهو القرآ حيلث جلاء فلي القلرآ نرجعيلة القلرآ حلين قلال القلرآ‬
‫(سنريهم آياتنا في اآلفاق وفي أنفسهم حتى يتبين له أنله الحلق أوللم يكلف بربلك أنله عللى كلا‬
‫شيء شهيد) حين فار نصدر المعرفة نن آيلات هللا فلي اآلفلاق واانفلس وكلا نلن تمكلن نلن‬
‫استخدام اآلفاق واالنفس بمردود أعلى (خير وأبقى) فقد جاء بجديد ينسخ نا قبله (نا ننسخ نن‬
‫آية أو ننسها نأت بخير ننها)‬
‫فمن هنا غيرت اسم كتابي إلى اسم أقرأ وربك ااكرم‬
‫وتركت كلمة العلم والعقا كأسماء للكتاب نع أ الذي دفعني لكتابلة الكتلاب هلو إعطلاء تعريلف‬
‫للعلم والعقا وشعرت بأ القراءة بها نحصا علم ااولين ولكن إضافة شيء جديد لعللم ااوللين‬
‫يكو في التعانا اافضا نع الواقع (آيات اافلاق واانفلس) واآليلة البرهلا واللدليا والحجلة‪.‬‬
‫والقرآ يعتبر اآليات والبراهين واادلة والحجج هي العواقلب النافعلة (كلذلك يضلرب هللا الحلق‬
‫والباطا فأنا الزبد فيذهب جفاء وأنا نا ينفع الناس فيمكث في اارض كذلك يضرب هللا اانثال)‬
‫الرعد ‪17‬‬
‫ونراتب الوجود خمسة ‪-1‬وجود الشيء في ذاته كالشمس والبرق ‪ -2‬وجود فلورة ذهنيلة فلي‬
‫عقا اإلنسا ‪-3‬ثم تحول هذه الصورة الذهنية إلى كالم ينطق به اإلنسا ‪-4‬ثم تحول هذا الكلالم‬
‫المنطوق به بالفم إلى كلمات نكتوبة على الورق ‪-5‬وهذه كلها كانت سنن وقلوانين للم يكلن لهلا‬
‫وجود نادي فيزيائي فتحولت هذه السنن إلى هذه اانور ااربعة السابقة وهناك سنن لم يتجسلد‬
‫بعد في الوجود المادي والمراتب ااربعة السابقة كا واحدة ننها أقا داللة نما قبلهلا فالكتابلة ‪4‬‬
‫أقا داللة نن الكالم المنطوق‪ 3‬والكالم المنطوق أقا داللة نن الصلورة الذهنيلة التلي فلي دنلاغ‬
‫اإلنسا ‪4‬والصورة الذهنية أقا دالللة نلن الوجلود الخلارجي كالشلمس والبلرق وقلد كلا فهلم‬
‫الناس لحركة الشمس خطأ وكا نن الصعب أ يتحول إلى ذهلن اإلنسلا أ اارض هلي التلي‬
‫تدور حول الشمس فمن هنا كا ال إكراه في الدين ال إكراه في الصور الذهنية ا تغيير الصور‬
‫الذهنية باإلقناع باادلة وليس فرضها بالقوة‪.‬‬
‫وتعريف العلم والعقا دليله (التنبؤ؟) والتسخير التنبوء بمعرفة سنن حركة الشموس والكواكلب‬
‫وااقمار وأ لها سننا تتكرر‪ .‬والتسخير نثا تسخير البرق والكهرباء وكشلف قلوانين الملرض‬
‫لجسد اإلنسا ‪ .‬فمن كشف نا ينفع الناس في التنبوء والتسخير فهذا هو العلم نن أدوات الكتابة‬
‫الورق والقلم إلى تغيير اإلنسا إلى أحسن تقويم‪ .‬فمن استطاع أ يبتكر وسائا لتزكية اانفلس‬
‫البشرية بزنن أقا ونردود أكثر فسيبقى هذا الكشف وينسخ ااقا نردودا وااقا بقاء حتى يأتي‬
‫نا هو خير وأبقى آخر‪ .‬فلهذا لما فار نعرفة الحق والباطا هو اانفع للناس يمكلث فلي اارض‬
‫والزبد الذي ال ينفع أو يضر يذهب جفاء ولهذا إبراهيم سأل قونه عن اافنام هلا ينفعلونكم أو‬
‫يضرو كا جوابهم با وجدنا آباءنا كذلك يفعلو ‪.‬‬
‫وكا جهدي ينصب على هذا لتوضيحه بالسير في اارض والنظر كيف بدأ الخللق وبرؤيلة آيلات‬
‫هللا في اآلفاق واانفس حتى يتبين الحق نلن الباطلا وأ الحلق لله البقلاء واللدوام والباطلا لله‬
‫الزوال والفناء‪ .‬وهذا الفهم نور وطمأنينة للنفس وسالم للقلب‪ .‬وهذا سيعم العالم‪ .‬ا كا شليء‬
‫يصير علما يصير عالميا‪ .‬هو الذي أرسا رسوله بالهدى ودين الحلق ليظهلره عللى اللدين كلله‪.‬‬
‫على هذا نحيا وعليها نموت وعليها نبعث إ شاء هللا نن اآلننين سلبحا ربلك رب العلزة عملا‬
‫يصفو وسالم على المرسلين والحمد هلل رب العالمين آني‬

‫‪294‬‬

You might also like