Professional Documents
Culture Documents
القانون
القانون
المقدمة:
الخاتمة
المقدمة:
إن دارسة أي علم من العلوم ال يمكن أن تكتمل إال بدارسة مناهج البحث فيه ،ولهذا قال العلماء:
"إن مناهج البحث في أي علم من العلوم هي جزء ال يتجزأ من ذلك العلم" .1هذا وتخضع كتابة أي بحث قانوني إلى مقاييس
منهجية .فأساس قيام البحث والهدف منه هو حل مشكلة محددة يذكرها الباحث في المقدمة ،ويضع منذ البداية الفرضيات التي
اقترحها لحل هذه اإلشكالية ،بحيث يصل في نهاية بحثه إلى اإلجابة عن استفسار أساسي :هل حلت مشكلة البحث؟ وهل
تحقق إثبات فرضية البحث والبرهنة عليها؟
لذا فإن المعرفة الواعية بمناهج البحث القانوني تمكن الباحث من إتقان البحث وتالفي الكثير من الخطوات المتعثرة
التي ال تفيد شيئا .وال تعد المناهج القانونية هدفا في حد ذاته ،وإنما هي وسيلة للتفكير السليم توصل الباحث في النهاية إلى
حلول قابلة للتطبيق قصد حل المشكالت والقضايا التي يبحثها.
والبحث العلمي في مجال القانون يحتل أهمية قصوى ،حيث أن تحقيق العدالة التي ينشدها القانون ال يمكن تحقيقها
إال بالوصول إلى الحقيقة التي هي جوهر العدالة .وال سبيل للوصول إلى الحقيقة إال عن طريق البحث العلمي الذي عن طريقه
يمكن الكشف عن حقيقة األسباب الكامنة وراء المشكالت القانونية فيسهل حينئذ التوصل إلى الحل القانوني المناسب لها وبهذا
الصدد سنتطرق إلى أحد منهجيات البحث العلمي القانوني والتي تتمثل في ماهية االستدالل التجريبي؟
وبشكل مفصل ومنفصل سنتطرق إلى كل من المنهج االستدالل والتجريبي كل على حدا.
المبحث األول :ماهية المنهج االستدالل
صنف المنهج االستداللي ضمن المناهج العلمية األساسية ،وهو منهج قديم النشأة ،فأول من استخدمه هم اليونان،
ليبلوره "ديكارت" ،وكمنهج علمي قائم استخدم في البداية في مجال الرياضيات ،ليتم تعميمه على بعض للوم األخرى ومنها
العلوم القانونية.
فكيف يمكن االستفادة من المنهج االستداللي في مجال العلوم القانونية؟
قبل اإلجابة عن هذا التساؤل ،ينبغي الوقوف عند تعريفه وخصائصه ،تم االنتقال بعدها إلى تبيان مبادئه وأدواته،
ليتسنى فهم تطبيقاته في مجال العلوم القانونية ،ونختم بتقديره.
منهجا عقليا ،منطقيا ،صارما .لكونه يقوم على أساس ثبات األشياء والحقائق والظواهر. -
وهو منهج تحليلي تفسيري ،يعتمد على المنطق والعقل. -
ومنهجا استنباطيا ينتقل من العام إلى الخاص حيث أن الباحث يحاول من خالله إثبات أن ما يصدق على الكل يصدق -
على الجزء أيضا.
المطلب الثاني :مبادئ االستدالل
هي قضايا وتصورات أولية ،تقسم إلى ثالث مبادئ:
-1البديهية :قضية بينة بذاتها ،ال يمكن البرهنة عليها ،فهي صادقة ال تحتاج إلى إثبات .مثالها:
"من يملك األكثر يملك األقل"" ،الكل أكبر من كل جزء من أجزائه".
-2المسلمة أو المصادرة :قضية تركيبية يضعها العقل ،ويسلم بها ،دون برهان ،فهي ليست بينة بنفسها ،وأقل يقينية
من البديهية ،ومع ذلك يطالب بالتسليم بصحتها ،وصحتها تتبين من نتائجها .فيسلم بها نظرا لفائدتها المتمثلة في إمكانية أن
ت ستنتج منها العديد من النتائج دون الوقوع في التناقض ،مثالها" :اإلنسان يفعل وفقا لما يرى فيه األنفع"" .كل إنسان يطلب
السعادة".
-3التعريفات :مجموع الصفات التي يتكون منها مفهوم الشيء مميزا عما عداه .ويشترط أن يعبر عن ماهية الشيء،
وأن يكون جامعا مانعا.
المطلب الثالث :أدوات المنهج االستداللي وتطبيقها في مجال العلوم القانونية:
وهي مجموع الوسائل واألدوات التي يستعين بها الباحث لالنتقال من قضية وصوال إلى أخرى تعد بمثابة نتيجة .وهي:
القياس :هو قول مسلم من قضايا إذا سلمت لزم عنها قول آخر .ويطلق عليه بـ" :تحصيل حاصل" ،لكونه ال يأتي -1
بالجديد.
التجريب العقلي :قيام الباحث ،في داخل عقله ،بمناقشة الفروض والتحقيقات. -2
التركيب :عملية عقلية تبدأ من قضية صحيحة معلومة بقصد استخراج النتائج ،ومعرفة مدى صحتها. -3
تطبيقات المنهج االستداللي في مجال العلوم القانونية
نظرا للخصائص التي يتميز ا المنهج االستداللي ،طبق في مجال القانون تطبيقا واسعا ،وذلك لتحليل وتأصيل
الظواهر االجتماعية والقانونية والسياسية الستنباط القواعد والقوانين .فاستخدم في فلسفة القانون ،وفي تفسير أصل وغاية
الدولة ،والقانون ،والسلطة ،واألمة ،والحرب والسلم وغيرها.
وعلى صعيد الدراسات األكاديمية ،يستخدم المنهج االستداللي من قبل الباحث إلنجاز أبحاثه العلمية وفي إعداد
مذكرات التخرج ،لما تحتاج إليه من تحليل وتفسير وتركيب وكذا تكييف للقضايا القانونية.
وأيضا يطبق المنهج االستداللي من قبل الفقه القانوني ،لكون هذا األخير يختص بتفسير وتحليل وشرح النصوص
القانونية ،للوقوف على إيجابيا ا وتسليط الضوء على ثغرا ا ،وهذا األمر يتطلب إعمال العقل والمنطق ،وفي بعض الحاالت
اللجوء إلى القياس.
وأما على صعيد التشريع ،فإن المشرع ولسن قواعد قانونية يحتاج كذلك إلى إعمال المنطق والعقل ،ومحاولة فهم
الواقع واإللمام بمختلف جوانبه ،لتتناسب القاعدة القانونية مع بيئة ا تمع ونظامه العام وآدابه العامة وشريعته .وكذا لتخاطب
أفراده بصورة عامة ومجردة.
هذا وينشط المنهج االستداللي في مجال القضاء ،كون أن عمل القاضي عبارة عن عملية عقلية منطقية قياسية.
فللوصول إلى حل للنزاع المعروض أمامه ،يقوم بوضع مقدمة صغرى تتمثل في الواقعة القانونية ،ثم الكشف عن المقدمة
الكبرى المتمثلة في النص القانوني ،وبواسطة التجريب العقلي والقياس والتركيب يسقط النص القانوني على الواقعة ،فإن
تماشى معها وانطبق عليها فذاك هو الحل أو الحكم .ويساعد هذا المنهج في التدقيق في كالم الشهود والوثائق لمعرفة مدى
صحتها.
-مع بروز مناهج علمية أكثر واقعية وموضوعية وخاصة "المنهج التجريبي" ،ظهرت جوانب قصور المنهج
االستداللي.
-ألن مبادئ المنهج االستداللي هي قضايا غير قابلة للبرهنة ،فإن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى افتقار هذا المنهج إلى
مقومات وخصائص مناهج البحث العلمي.
-وقف المنهج االستداللي -لكونه منهج جامد ،مطلقا في نظرته لألشياء -عاجزا عن دراسة بعض الظواهر الحركية
والمتطورة ،والشديدة التعقيد.
ورغم هذه االنتقادات ،ال يمكن إنكار الدور الفعال الذي يؤذيه في مجال العلوم القانونية كما هو موضح أعاله.
والمالحظة أو المشاهدة في معناها العام الواسع هي" :االنتباه العفوي إلى حادثة أو واقعة أو ظاهرة أو شيء ما دون قصد أو
سبق إصرار وتعمد أو إرادة".
أما المالحظة العلمية فهي" :المشاهدة الحسية المقصودة والمنظمة والدقيقة للحوادث واألمور واألشياء والظواهر والوقائع،
بغية اكتشاف أسبابها وقوانينها ونظرياتها.
وتنقسم المالحظة على أساس آدائها ،أي من حيث عفويتها وعدم عفويتها ومن حيث بساطتها وعدم بساطتها إلى نوعين
أساسيين هما:
• المالحظة البسيطة :وهي المشاهدة أو االنتباه العفوي العرضي دون قصد أو تركيز أو دوافع محددة أو استعداد
مسبق .فهي تعتمد على الحواس مباشرة وأساسا.
ورغم ذلك إال أن لها قيمتها العلمية ،ألن كثيرا من االكتشافات والقوانين والنظريات العلمية ،وخاصة في مجال العلوم
الطبيعية ،قد تم تحقيقها بناء على المالحظة العفوية والبسيطة ،مثل قوانين ونظريات سقوط األجسام ،ودوران األرض
والجاذبية.
• المالحظة العلمية المسلحة :وهي المشاهدة المقصودة والمنظمة والدقيقة لألشياء والوقائع والظواهر واألمور ،بغية
معرفة أحوالها وأوصافها وأصنافها وفصائلها ،من أجل وضع فرضيات بشأنها وإجراء عملية التجريب عليها ،الستنباط
القوانين والنظريات الالزمة.
وال تعتمد المالحظة العلمية المسلحة على مجرد الحواس مباشرة بل هي تستخدم أدوات ووسائل تكنولوجية لمساعدة
وتقوية الحواس ،واكتشافها الظواهر والوقائع واألشياء واألمور بفاعلية ودقة أكثر .ولهذا يطلق كلود برنارد عليها بالمالحظة
المسلحة ألنها تعتمد على وسائل وأدوات تكنولوجية مقوية ومدعمة للنظر والحس.
وفي مجال العلوم االجتماعية عامة والعلوم القانونية خاصة ،يمكن تقسيمها إلى نوعين آخرين هما:
• المالحظة بالمشاركة :نكون أمامها حينما يشارك الباحث المبحثين في األنشطة التي يقومون بها ،فيكون له دورين:
دور الباحث ودور العضو المشارك في الجماعة.
والمالحظة بالمشاركة ،إما أن تكون صريحة ،يعلن من خاللها الباحث للمبحثين عن هويته وأهدافه من المشاركة .أو أن
تكون مستترة ،فيخفي الباحث هويته وأهدافه عن المبحثين ويتعامل معهم على أنه واحد منهم .وهذه األخيرة أنسب لحفاظها
على أمن الباحث ،ولعدم تأثر الدراسة بتغيير المبحثين لطباعهم وسلوكهم.
• المالحظة دون المشاركة :من خاللها يراقب الباحث المبحثين دون مشاركتهم في يومياتهم وأنشطتهم ،بحيث يكتفي
بتسجيل المالحظات من خالل المعلومات التي تحصل عليها بوسائل وسيطة.
المطلب الرابع :المنهج التجريبي في مجال العلوم القانونية واإلدارية
بدأت عملية ازدهار ونضوج النزعة العلمية الموضوعية مع بداية القرن ،18فأصبحت العلوم االجتماعية والعلوم
القانونية ميدانا أصيال إلعمال وتطبيق المنهج التجريبي في البحوث والدراسات االجتماعية بصفة عامة ،والعلوم والقانونية
واإلدارية بصفة خاصة .لتسود النزعة التجريبية الموضوعية على حساب النزعة العقلية التأملية والميتافيزيقية التي أصبحت
تتناقض مع الروح والنزعة العلمية الناشئة.
وهكذا طبق المنهج التجريبي كمنهج بحث علمي في بحوث ودراسة العديد من الظواهر االجتماعية والقانونية
واإلدارية ،مثل :البحوث والدراسات المتعلقة بظاهرة عالقة القانون بالحياة االجتماعية .وكذا عالقة القانون بمبدأ تقسيم
العمل ،والبحوث والدراسات المتعلقة بعالقة ظاهرة القانون بالبيئة االجتماعية والثقافية واالقتصادية والسياسية ،والدراسات
المرتبطة بعالقة الدولة والسلطة والقانون ،وتلك المتعلقة باتخاذ القرارات اإلدارية والرقابة اإلدارية.
مثال :استخدم "إميل دوركايم" المنهج التجريبي في دراسة واكتشاف وتفسير العالقة بين القانون والروابط والعالقات
االجتماعية ،ومدى التأثير المتبادل بينهما ،وذلك في كتابه المعروف "تفسير العمل االجتماعي" المنشور عام 1839وفي
مقاله المعنون بـ"قانون التطور الجنائي المنشور بحولية علم االجتماع" .واستخدمه "مونتيسكيو في بحوثه ودراساته
االجتماعية ،السياسية والقانونية التي تضمنها كتابه "روح القوانين" الصادر عام .1748كما طبق "ماركس فيبد" المنهج
التجريبي في دراسة وبحث العالقة بين المجتمع الصناعي والنمط البيروقراطي والقانون .وأيضا الدراسة التي قام بها األستاذ
"مورو بيروجو" حول ظاهرة البيروقراطية والمجتمع في مصر الحديثة عامي .1954 -1953ومن أشهر تطبيقاته ،الدراسة
التي قامت بها بولندا عام 1960إلصالح نظامها القضائي وقانون اإلجراءات والمرافعات.
الخاتمة
إن التطبيق السليم للمنهج المقارن واالستفادة منه بطريقة إيجابية من شأنه أن يساهم في تطوير النظام القانوني
وتحسين المستوى الحضاري للدول والشعوب.