Professional Documents
Culture Documents
Document
Document
تقديم إشكالي :إن المتأمل في عنوان المحور أول ما يتبادر إلى ذهنه هو أن ما يقوم به اإلنسان من أنشطة
وأشغال تختلف عن تلك التي تقوم بها الكائنات األخرى .لذا تتساءل :ما الذي يميز الشغل عند اإلنسان عن
الشغل لدى الحيوان؟ وما المقصود أوال بالشغل؟ ولماذا هو خاصية إنسانية؟ وهل ما تقوم به الكائنات األخرى
ال يرقى إلى مستوى الشغل أو ما يقوم به اإلنسان من أنشطة؟
موقف كارل ماركس ،تحليل نص الشغل كفعل بين اإلنسان والطبيعة
يتميز الشغل كفاعلية إنسانية تجاه الطبيعة بكونه جاء أو ظهر كثمرة للتفكير والتخطيط بالسابق على اإلنجاز
بالنسبة لإلنسان واإلنسان عندما يشتغل يحرك القوى الكامنة فيه فيحول الطبيعة وبغير من طبيعته ذاتها فينمي
تلك القوى أو الملكات الكامنة فيه ،بينما العمليات التي يقوم بها الحيوان فال يمكن اعتبارها شغال بالرغم من
الدقة والبراعة التي تميزها فهي ال تعدو كونها عمليات غريزية ال تغير من طبيعته شيئا .وهذا على خالف
اإلنسان الذي كما أسلفنا فإنه إذ يغير الطبيعة يغير من ماهيته كذلك.
يعتبر كارل ماركس أن االنسان وحده يشتغل ، :و عن طريق هذا العمل يحول االنسان العالم ،و بفضله يتميز
االنسان عن الحيوان ،فالنحل مثال حتى و هي بارعة في صنع خاليا العسل إال أنها ال تضع تصورا عقليا
وقبليا لما تقوم به ،و المهم أنها ال تخلق به قطيعة مع الطبيعة .عكس االنسان الذي يتمثل نتيجة عمله في
ذهنه حتى قبل بدئه .ومن ثم يفتقد الحيوان لهذه الميزة ألنه يقوم بكل شيء بطريقة غريزية .بينما العمل
االنساني يتميز بأنه وليد الذكاء
موقف موسكوفيتشي ،تحليل نص الشغل وأبعاده
يعتبر الشغل فعل إنساني يسمح بما هو مهارة أو معرفة بتحول النظام العضوي البشري أي نمط حياته،
إضافة إلى التأثير بشكل مباشر أو غير مباشر فى قوى الطبيعة ،بحيث يتمكن اإلنسان بواسطة الشغل من
إعادة إنتاج القوى الطبيعية أو تطويرها وبفعل فعل الشغل تبرز ملكات اإلنسان وتتطور مهاراته .وهكذا
فالشغل كفعل إنساني أساسي يخلق حسب موسكوفيتشي نوعين من اآلثار :منتوجات وإبداعات المنتوجات
ضرورية لحفظ البقاء .واإلبداعات تؤثر في اإلنسان وتؤكد تفوقه على الطبيعة.
موقف فريدريك نيتشه تحليل نص لماذا ال يجب تمجيد الشغل ؟
ببين نيتشه وعلى خالف ماركس وموسكوفيتشي أن الشغل ال يدفع اإلنسان إلى اكتشاف ذاته وتطوير
المهارات لكامنة فيه ،بقدر ما يدفعه – حسب نستشهد .إلى قتل تفرده وتميزه ،بحيث يعرقل تطور العقل
ويمنع من إشباع الفرد لرغباته الطبيعية إن تمجيد الشغل هو تثبيت للقيم الكاذبة والبحث عن الثروة بأي ثمن
ولو على حساب الجسد والحياة والتفكير أي أن الشغل في نظر نيتشه وسيلة لضبط األفراد وتحقيق مجتمع
أكثر اننا واستقرارا.
هكذا نجد أن الفيلسوف األلماني نيتشه يوجه نقدا للشغل الشاق من الصباح إلى المساء ،باعتباره مصدر شقاء
للفرد ويقتل مواهبه وميوالته الشخصية ،حيث يصبح هذا األخير أداة طيعة في يد الجماعة تحقق من خالله
مصالحها وأهدافها اإليديولوجية
موقف مشيل فوكو ،تحليل نص الشغل أو العمل متحدث للموت
يبرز فوكو من خالل نصه أهم الدوافع التي جعلت اإلنسان يشتغل ،فالشغل في نظره نشاط أو فعل إنساني ال
يجد تفسيره ،إال باعتباره ردة فعل من اإلنسان في اتجاه تحدي الموت .فاإلنسان لجأ إلى الشغل بفعل تهديدات
الموت .ذلك أن تزايد عدد السكان وتقلص الموارد الطبيعية ،هو ما دفع اإلنسان إلى الشغل والعمل بحثا عن
مصادر وموارد جديدة للغذاء وضمان استمرار وجوده وكلما زاد النمو الديمغرافي ،أصبح الشغل أكثر
صعوبة .يقول فوكو" :إن البشرية ال تشتغل في كل فترة من حياتها إال تحت تهديد فكرة الموت إذ كل مجتمع
إذا لم يعثر على ثروات جديدة محكوم عليه بالفناء ،وبالعكس من ذلك فقدر ما يتزايد البشر بقدر ما اكثر معهم
أعمال متنوعة متباعدة فيما بينها وأكثر صعوبة من ذي قبل.
خالصة
إن االنسان في الشغل ال يغير فقط المواد التي يشتغل عليها بل يغير ذاته أيضا ،ويتجدد وعيه يتطور – .إن
الشغل عمل واع قصدي منظم ومفكر فيه – .إن الشغل هو إثبات لوجود االنسان ككائن مفكر – .يصنع
االنسان ذاته بواسطة الشغل وينتجها باستمرار عبر عملية التأثير والتأثر التي تمارس بينه وبين الطبيعة
كتخريج عام ،نقول :إن الشغل ظاهرة استأثرت باهتمام الفالسفة والسياسيين والسوسيولوجيين ،وعلماء
االقتصاد وغيرهم .ففي الوقت الذي يرتبط فيه الشغل عند البعض باإلنتاجية والتقنية ،والتصنيع ،والتقدم
والتخلف ...الخ ؛ يرتبط عند آخرين بااللتزام ،وخلق الذات للذات ،وخلق الذات لآلخر ،والرغبة والحرية
واالستالب ...الخ .ومهما تعددت األطروحات ،فإننا ال نستطيع أن نتصور العالم اليوم دون ظاهرة الشغل ،أو
حياة ليس فيها عمل ،إال إذا كنا طوباويين أو مستغرقين في أحالم اليقظة ؛ وكما قال كاراليل " :إنه من
الحماقة أن نلعن الشمس ألنها ال تشعل لنا لفائف التبغ" .ومن ثمة ،البد من االعتقاد بالبعد الفلسفي للشغل
باعتباره عالقة ميتافزيقية جديدة بين الذات ونفسها ،بين الذات والمجتمع.
2