Professional Documents
Culture Documents
168
168
يتخولنا بالموعظة في األيام كراهة السامة علينا .وقد علق ابن حجر على ذلك بقوله :ويستفاد
من الحديث استحباب ترك المداومة في الجد في العمل الصالح خشية المالل ،وإن كانت المواظبة مطلوبة،
لكنها على قسمين :إما كل يوم مع عدم التكلف ،وإما يوم بعد يوم ،فيكون يوم الترك ألجل الراحة ؛ ليقبل على
الثاني بنشاط ،وإما أن يكون يومًا في الجمعة ،ويختلف باختالف األحوال واألشخاص والضابط الحاجة مع
1
مراعاة وجود النشاط.
قضية الظرف مهمة جدًا في موقف المخاطب ،ومدى استجابته وتشوقه لما يسمع وفي رفضه وعدم
إقباله ،ويمكن أن نلمس فيها المسائل التالية :
أ -إن من حصافة الداعية أن يتخير الحالة المناسبة للحديث ،فإذا كان المخاطب في حالة نعاس أو في انتظار
طعام تأخر عن موعده ،أو كان في انتظار خبر مهم ،أو في حالة من الكرب الشديد ....فإن استعداد المخاطب
الستقبال المعلومات ،والتفاعل معها سيكون معدومًا أو محدودًا؛ وربما عد ذلك في نظره نوعًا من الخروج
على اللباقة .إن الحاجات الملحة تصرف انتباهنا عن كل ما حولنا بل إنها تؤثر في توازننا العقلي والنفسي؛
ومن ثم كان من آداب القاضي امتناعه عن القضاء إذا كان جائعًا أو حاقنًا أو ناعسا ...
ب -من الضروري للداعية أن يعرف المعلومات التي يشتد عليها طلب المخاطب؛ فيقدمها له في أوانها ،وفي
اإلطار الذي يخدم الدعوة وباألسلوب الذي يشبع حاجة المخاطب ،ويشده في الوقت نفسه نحو القيم والمبادئ
اإلسالمية.
وقد أجريت دراسة في جامعة بنسلفانيا) حول انتشار األفكار ،تبين منها ما يلي:
1
فتح الباري١٦٣ :
169
يزداد الطلب على المعلومة عندما يزداد الشك لدى األفراد حول فكرة من االفكار حتى يصل الناس الى شئ من۱
اليقين
۲- تزداد درجة قبول المعلومات الجديدة في حالة وجود غموض و ابهام حول قضية من القضايا
-٣2 .كلما كانت إمكانية تجريب تطبيقات فكرة أعظم ،أو أمكن رؤية االخرين يستخدمونها كان ذلك ادعى الى قبولها
ويمكن أن يضاف إلى ذلك ما ذكر من خصائص السلع والخدمات الحديثة التي تحوز على القبول ،ونسبة إقبال
::الناس عليها حيث وجد التالي
إن بعض األفكار والمعلومات هي بالنسبة للناس بمثابة الخبز ،وبعضها بمثابة اللحم ،وبعضها بمثابة الفاكهة ،وبعضها
سمعوه حتى ملوه .والداعية الناجح هو الذي يدرك ذلك ،ويتصرف على أساسه ،وإن سبب إخفاق كثير من وسائل
اإلعالم وسبب تأزم جوانب عديدة من الخطاب اإلسالمي هو بالضبط هذه المسألة؛ فما يقال باستمرار أقل أهمية وتلبية
إن أمة اإلسالم تشعر اليوم بالدونية ،ويطوق عنقها مشكالت على كل الصعد ،وهي بحاجة ماسة إلى من يعرفها على
170
2
انظر االتصال و السلوك االنساني 188 :
3
.....السابق
الى هذه الحالة المنكورة ,كما انها بحاجة الو من يأخذ بيدها نحو بر االمان من خالل الطرح البصير و التفكير العميق
ج -من أهم ما تجب مراعاته في الخطاب األخذ بعين االعتبار الوضعية الثقافية للمخاطب ,اذن ان الفوارق بين
العامة والمثقفين هائلة ،بل إن الفوارق بين ما نسميهم مثقفين كبيرة؛ حتى يمكن القول :إن كثيرين منهم ينبغي
مخاطبتهم على موجة خاصة بهم وبأسلوب خاص؛ ألن هناك اختالفًا واسعًا بينهم في أسس الثقافة ومشخصاتها.
واألسلوب الخاص هو تعبير عن ثقافة خاصة والتكلف في هذا المجال غير ذي فائدة وإن الصفوة أو النخبة هم أهل
الثقافة العليا ،وهؤالء هم الذين تكونت ثقافتهم بطريقة واعية بواسطة القراءة والحوار والممارسة العملية ،وهم الذين
يمثلون ثقافة األمة أمام الثقافات األخرى ،وهم الذين يتولون غربلة الوافد من األفكار والمعلومات وإدخاله إلى الثقافة
الشعبية؛ ومن ثم فإن كسبهم للدعوة يكون في العادة عمًال مكلفًا لكن الفوائد التي يمكن أن تعود على الدعوة ،وعلى
األمة من وراء هدايتهم ال تحصى ..وفي المرحلة المكية حيث التأسيس الفذ للقاعدة الصلبة كان رسول هللا ﷺ
يدعو :اللهم أعز اإلسالم بأحب هذين الرجلين إليك عمرو بن هشام أو عمر بن الخطاب .4وتشير دراسات عديدة إلى
األهمية المتزايدة التي تكتسبها الصفوة في التأثير في الرأي العام وقيادة الناس وصيانة ثقافتهم وتوجهاتهم .ومن تلك
الدراسات دراسة (روبر) حيث انتهى إلى الخروج بفرض أسماء نظرية الدارة ذات المركز المشترك .وتقوم هذه
النظرية إلى افتراض أن األفكار تتخلل الجماهير ببطء شديد حيث تتحرك في دوائر ذات مركز موحد ابتداء من قادة
الرأي أو الفكر أو كبار المفكرين إلى حوارييهم ،ثم إلى مجموعة األفراد ذوي التأثير القوي على المجموعات ثم
المفكرين ذوي التأثير األقل ثم األفراد العاملين في المجال السياسي أو االقتصادي أو اإلداري ثم عامة الناس .5وهذا
171
4
اخرجه الترميذي
5
االعالم و االتصال بالجماهير80 :
على مراحل حتى تصل إلى العامة .وحين تكون األفكار مبسطة فإن بإمكان العامة أن يتلقوها من أية جهة وأحيانًا من
وسائل االتصال دون واسطة ،لكن األفكار المعقدة والدقيقة يصعب انتقالها من مصدرها إلى العامة دون وسائط ودون
أ -بناء األرضية المشتركة؛ فليس من مصلحة الدعوة ،وال األمة أن تبحث في أوجه التخالف بين أبنائها حتى تعمق
الشروخ واالنقسامات .وتتكون األرضية المشتركة من الخطوط العقدية العريضة ،ومن معطيات التراث والتاريخ،
ومن خالل األهداف والمصير المشترك والمصالح العليا لألمة ،إلى جانب المبادئ اإلنسانية العامة من نحو العدل
واإلحسان وحب الخير ومناصرة المظلوم ومساعدة الضعيف ومحاصرة الشر والتماسك االجتماعي وبلورة العدو
المشترك والتركيز على هذه القضايا سوف يكون إطارًا أشمل ندير فيه الخالفات الكبرى ،ونعبر من خالله إلى توحيد
ب -ثقافة الصفوة وفكرهم أقرب إلى التعقيد والفكر المعقد يحتوي باستمرار على مسائل مبلورة ومسائل آخذة في
التبلور ،ومقوالت نصفها مدرك والنصف اآلخر خيال وما يطرحه المفكرون من أفكار كبرى بعضه له أمثلة وصور
ذهنية مدركة وبعضه ال نماذج له ،لكنه يوسع األفق ويساعد في إيجاد البدائل ...والداعية الناجح هو القادر على أن
.يحاور أولئك من خالل طريقة في التفكير مشابهة ،ومن خالل أسلوب يتسم بالمرونة وشيء من الغموض واإليحاء
ج -يتضايق المفكرون وأبناء الصفوة عامة من األسلوب الذي يعرض األمور والمشكالت من وجهة نظر واحدة،
وربما نظروا إلى ذلك على أنه نوع من الغرور أو ضيق األفق أو العدوانية ،ومن ثم فإن عرض وجهات النظر
األخرى بوضوح وبإيجاز يعد شيئًا حسنًا ومنتجًا ،لكن ال يفعل الداعية ذلك إال إذا كان واثقًا من قدراته المخاطب
172
بها وببراهينها ،وإال فقد تكون النتائج سلبية .ومما وصف به أسلوب الفخر الرازي في تفسيره أنه كان يسوق الشبه نقدًا،
د -الدقة أمر حيوي في مخاطبة الخاصة؛ إذ ينبغي أن تحسب حسابًا لكل كلمة تقولها ،وتعني الدقة إدراك مرامي كل
كلمة تقولها ،وما يمكن أن يفهم منها ،وما يمكن أن يجد فيه المخاطب مأخذًا عليك ،ويستخدمه ضدك في وقت الحق،
كما أن الدقة تعني نوعًا من الترابط المنطقي بين المقدمات والنتائج ،وعدم سوق القطعيات مساق الظنيات أو سوق
الظنيات مساق القطعيات وإعطاء األدلة التي بحوزة الداعية القدر المكافئ لها من االهتمام دون مبالغة
هـ -التوثيق واإلحصاء مهمان جدًا ،وعلى الداعية أن يعتمد األسلوب اإلحصائي الذي يعتمد الرقم ،وأن يكون في
.الوقت نفسه عالمًا بمصدر معلوماته و قادرا على توثيقها و نسبتها الى اصحابها
و -يحتاج الداعية في خطابه إلى العامة أن يلقنهم المقدمات والنتائج معًا؛ ألن وضعيتهم الذهنية والثقافية ال تمكنهم
من الوصول إلى المحكات النهائية في كل قضية ،أما في خطاب أفراد الصفوة فينبغي أن نبتعد قدر اإلمكان عن فرض
النتائج على المخاطب ،ألن بنيته الثقافية والعقلية تجعل آلية االستخالص للنتائج لديه ثرية ومتنوعة؛ مما يجعل ما تقوله
له أقل مما يصل إليه ،كما أن المعرفة الواسعة توجد لدى صاحبها نوعًا من اإلباء الرافض ألي شيء يقسره على
خالصة معينة
ز -يالحظ أننا في أحاديثنا كثيرًا ما نستهلك الوقت في الحديث عن المسائل الجزئية والمشتتة ،وهذا يسود في
صفوف الصفوة والعامة على حد سواء ،وهذا يولد في أكثر األمر الشعور باإلحباط واليأس من أي تقدم .وأرى أن
الحديث في صفوف الصفوة ينبغي أن ينطلق دائمًا من رؤية شاملة المختلف جوانب الوضع الحضاري ومحاولة الربط
بين تلك الجوانب ولمس وجوه تأثير وتأثر بعضها ببعض ،ثم محاولة االنتهاء إلى نتائج محددة عبر الحوار والجدل
.بالتي هي أحسن واالنتهاء إلى بعض المقوالت النهائية ,وننهي بعضا من الجدول العقيم المغلق