You are on page 1of 272

‫قضية ليروج‬

‫للكاتب‪ :‬إميل جابوريو‬

‫جلوبال جراي للكتب اإلليكترونية‬


‫قضية ليروج‬

‫للكاتب‪ :‬إميل جابوريو‬

‫‪1866‬‬
‫قضية ليروج‬

‫للكاتب‪ :‬إميل جابوريو‬

‫تم إنشاء هذا اإلصدار ونشره بواسطة جلوبال غراي‬

‫© جلوبال غراي ‪.2019‬‬


‫احصل على المزيد من الكتب اإللكترونية المجانية من‬

‫‪globalgreyebooks.com‬‬
‫المحتويات‬
‫الفصل ‪1‬‬
‫الفصل ‪2‬‬
‫الفصل ‪3‬‬
‫الفصل ‪4‬‬
‫الفصل ‪5‬‬
‫الفصل ‪6‬‬
‫الفصل ‪7‬‬
‫الفصل ‪8‬‬
‫الفصل ‪9‬‬
‫الفصل ‪10‬‬
‫الفصل ‪11‬‬
‫الفصل ‪12‬‬
‫الفصل ‪13‬‬
‫الفصل ‪14‬‬
‫الفصل ‪15‬‬
‫الفصل ‪16‬‬
‫الفصل ‪17‬‬
‫الفصل ‪18‬‬
‫الفصل ‪19‬‬
‫الفصل ‪20‬‬
‫الفصل األول‬

‫في يوم الخميس‪ ،‬السادس من مارس‪ ،1862 ،‬وبعد يومين من عي‪NN‬د الفط‪NN‬يرة‪ ،‬حض‪NN‬رت خمس نس‪NN‬اء من‬
‫قرية ال جونشير إلى مركز الشرطة في بوجيفال‪.‬‬
‫أفادوا بأّنه لم ير أحد األرمل‪NN‬ة ل‪NN‬يروج‪ ،‬واح‪NN‬دة من ج‪NN‬يرانهم‪ ،‬ال‪NN‬تي تعيش بمفرده‪NN‬ا في م‪NN‬نزل ن‪NN‬ائي‪ ،‬من‪NN‬ذ‬
‫يومين‪ .‬ولقد طرقوا الباب عدة مرات‪ ،‬ولكن دون جدوى‪ .‬إذ إن النوافذ والب‪NN‬اب‪ ،‬كليهم‪NN‬ا‪ ،‬مغلق‪NN‬ان‪ ،‬وك‪NN‬ان‬
‫من المستحيل الحصول على نظرة داخل منزلها‪.‬‬
‫أثار هذا الصمت وهذا االختفاء المفاجئ شكوكهم‪ .‬فخشوا أن يكون هن‪NN‬اك جريم‪NN‬ة‪ ،‬أو على األق‪NN‬ل وق‪NN‬وع‬
‫حادث ما‪ .‬وبناًء على ذلك‪ ،‬طلبوا تدّخ ل الشرطة لتفحص المنزل بإقتحام الباب ودخوله‪.‬‬
‫بوجيفال هي قرية نهرية جميلة‪ ،‬تزدحم بالناس في أيام األحد بسبب الرحالت النهرية‪ .‬وعلى ال‪NN‬رغم من‬
‫وقوع بعض المخالفات البسيطة في المنطقة‪ ،‬فإن الجرائم نادرة فيها‪.‬‬
‫في بادئ األمر‪ ،‬رفض مفتش الشرطة اإلستماع إلى النساء‪ ،‬ولكن إص‪NN‬رارهّن جعل‪NN‬ه يواف‪NN‬ق في النهاي‪NN‬ة‪.‬‬
‫فقد دعا عريف الدرك‪ ،‬مع اث‪NN‬نين من رجال‪NN‬ه‪ ،‬واس‪NN‬تدعى أخص‪NN‬ائي األقف‪NN‬ال‪ ،‬وتوّج ه ب‪NN‬رفقتهم إلى م‪NN‬نزل‬
‫جيران األرملة ليروج‪.‬‬
‫تدين ال جونشير بعض الشهرة لمخ‪NN‬ترع الس‪NN‬كة الحديدي‪NN‬ة المنزلق‪NN‬ة‪ ،‬ال‪NN‬ذي ق‪NN‬ام خالل الس‪NN‬نوات األخ‪NN‬يرة‬
‫بتجارب علنية لنظامه في المنطقة المجاورة‪ .‬وهي قرية صغيرة غير مهم‪NN‬ة‪ ،‬تق‪NN‬ع على س‪NN‬فح الت‪NN‬ل ال‪NN‬ذي‬
‫يط‪N‬ل على نه‪N‬ر الس‪N‬ين بين ال م‪N‬الميزون وبوجيف‪N‬ال‪ .‬وتبع‪N‬د نح‪N‬و عش‪N‬رين دقيق‪N‬ة س‪N‬يرًا على األق‪NN‬دام عن‬
‫الطريق الرئيسية التي تمر عبر روئيل وب‪NN‬ورت م‪NN‬ارلي وت‪NN‬ذهب من ب‪NN‬اريس إلى س‪NN‬ان جيرم‪NN‬ان‪ ،‬ويمكن‬
‫الوصول إليها عن طريق طريق صعب ووعر غير معروف للمهندسين الحكوميين‪.‬‬

‫تبعت الحفلة‪ ،‬التي قادها رجال الدرك‪ ،‬الطريق الرئيسي الذي إمتد هن‪NN‬ا على ط‪NN‬ول النه‪NN‬ر ح‪NN‬تى وص‪NN‬لت‬
‫إلى هذا الممر‪ ،‬الذي تحولت فيه‪ ،‬وتعثرت بسبب التضاريس الوعرة لألرض لمسافة تقدر بمائ‪NN‬ة ي‪NN‬اردة‪،‬‬
‫عندما وصلت أمام كوخ ذو مظهر متواضع ولكن محترم للغاية‪ .‬وق‪NN‬د ش‪NN‬يد ه‪NN‬ذا الك‪NN‬وخ على األرجح من‬
‫قبل بعض أصحاب المحال الباريسيين المغرمين بجمال الطبيعة‪ ،‬حيث تم قط‪NN‬ع جمي‪NN‬ع األش‪NN‬جار بعناي‪NN‬ة‪.‬‬
‫ويتكون من غرفتين على الطابق األرضي وسطح فوقهما‪ .‬وتمتد حوله حديقة مهمل‪NN‬ة إلى ح‪NN‬د كب‪NN‬ير‪ ،‬ولم‬
‫تكن محمية بشكل جيد ضد اللصوص الليليين‪ ،‬إذ كانت تحيط بها ج‪NN‬دار حج‪NN‬ري متهال‪NN‬ك بارتف‪NN‬اع ثالث‪NN‬ة‬
‫أقدام‪ ،‬ومتصدع ومتهاوي في العديد من األماكن‪ .‬كان هناك باب خشبي خفي‪NN‬ف‪ ،‬مثبت بش‪NN‬كل غ‪NN‬ير متقن‬
‫في مكانه بواسطة قطع من األسالك‪ ،‬يسمح بالدخول إلى الحديقة‪.‬‬

‫"هنا هو"‪ ،‬قالت النساء‪.‬‬

‫توقف المفتش‪ .‬خالل مسيرته القصيرة‪ ،‬تزايد عدد المتابعين له بسرعة‪ ،‬وتضمن اآلن جمي‪NN‬ع األش‪NN‬خاص‬
‫المتحرين والمتكاسلين من الجوار‪ .‬وجد نفسه محاًطا بحوالي أربعين فرًدا يحترقون بالفضول‪.‬‬
‫"ال يس‪NN‬مح ألي ش‪NN‬خص ب‪NN‬دخول الحديق‪NN‬ة"‪ ،‬ق‪NN‬ال المفتش‪ ،‬ولض‪NN‬مان الطاع‪NN‬ة‪ ،‬وض‪NN‬ع رجلي ال‪NN‬درك على‬
‫الحراسة أمام المدخل‪ ،‬ثم تقدم نحو المنزل برفقة الرقيب وصانع األقفال‪.‬‬
‫ط‪NN‬رق ع‪NN‬دة م‪NN‬رات بق‪NN‬وة بعص‪NN‬اه المص‪NN‬نوعة من الرص‪NN‬اص‪ ،‬أوًال على الب‪NN‬اب‪ ،‬ثم بالتع‪NN‬اقب على جمي‪NN‬ع‬
‫الشبابيك‪ .‬وبعد كل ضربة‪ ،‬وضع أذنه على الخشب واستمع‪ .‬لم يسمع شيًئا‪ ،‬فالتفت إلى صانع األقفال‪.‬‬
‫"افتح!" قال‪.‬‬
‫بدأ صانع األقفال العمل على فك القفل‪ ،‬ولكنه سمع صراًخ ا عالًيا من حشد الناس خارج البوابة‪.‬‬
‫"المفتاح!" صاحوا‪" .‬هنا المفتاح!"‬

‫كان صبي يلعب مع أحد أصدقائه‪ ،‬عمره حوالي اثني عشر عاًم ا‪ ،‬قد رأى مفتاحًا ضخًم ا في الخندق عند‬
‫جانب الطريق‪ .‬فقد التقطه وحمله بفخر إلى الكوخ‪.‬‬
‫"أعطه لي يا صبي"‪ ،‬قال الرقيب‪" .‬سنرى‪".‬‬
‫تمت تجربة المفتاح‪ ،‬وتبين أنه مفتاح المنزل‪.‬‬
‫تبادل المفتش وصانع األقفال النظرات المليئة بالشكوك الخبيثة‪.‬‬
‫"هذا يبدو سيًئا"‪ ،‬همهم الرقيب‪.‬‬
‫دخلوا المنزل‪ ،‬في حين ك‪NN‬ان الحش‪NN‬د‪ ،‬ال‪NN‬ذي ك‪NN‬ان يتحكم في‪NN‬ه رج‪NN‬ال ال‪NN‬درك بص‪NN‬عوبة‪ ،‬ينتظ‪NN‬ر بص‪NN‬بر أو‬
‫يميلون أعناقهم بفضول‪ ،‬لمشاهدة أو سماع شيء من ما يجري داخل الكوخ‪.‬‬
‫ولم يخيب أمل الذين توقعوا اكتشاف جريمة‪ .‬فقد كان المفتش مقتنًعا ب‪N‬ذلك بمج‪N‬رد أن ع‪N‬بر عتب‪N‬ة الب‪N‬اب‪.‬‬
‫فكل شيء في الغرفة األولى يشير بحزن شديد إلى وجود مجرم منذ وقت قريب‪ .‬تم تكس‪NN‬ير األث‪NN‬اث‪ ،‬وتم‬
‫كسر خزانة مالبس واثنين من الصناديق الكبيرة‪.‬‬
‫في الغرفة الداخلية‪ ،‬التي تستخدم كغرفة نوم‪ ،‬كان الفوضى أكبر‪ .‬بدا وكأن يًدا غاض‪NN‬بة إس‪NN‬تمتعت بتقلب‬
‫كل شيء بشراسة‪ .‬بالقرب من المدفأة‪ ،‬كان جثة األرمل‪NN‬ة ل‪NN‬وروج الميت‪NN‬ة ملق‪NN‬اة على وجهه‪NN‬ا في الرم‪NN‬اد‪،‬‬
‫وكانت جهة واحدة من وجهها وشعرها محترقة‪ ،‬وكانت المعجزة أن النار لم تلتهم مالبسها‪.‬‬
‫"أوغاد!" صاح الرقيب‪" .‬هل لم يكن بإمكانهم السرقة دون قتل السيدة الفقيرة؟"‬
‫"ولكن أين تمت إصابتها؟" سأل المفتش‪" ،‬لم أر أي دماء‪".‬‬
‫"انظر هنا بين الكتفين"‪ ،‬رد الرقيب‪" ،‬ضربتان شرستان‪ ،‬باإليمان الخاص بي‪ .‬سأراهن بشرايطي أنه‪NN‬ا‬
‫لم تكن لديها وقت للصراخ‪".‬‬
‫انحنى فوق الجثة ولمسها‪.‬‬

‫"إنها باردة تماًم ا"‪ ،‬واص‪NN‬ل حديث‪NN‬ه‪" ،‬ويب‪NN‬دو لي أنه‪NN‬ا لم تع‪NN‬د جام‪NN‬دة للغاي‪NN‬ة‪ .‬لق‪NN‬د م‪NN‬رت على األق‪NN‬ل س‪NN‬تة‬
‫وثالثون ساعة منذ أن تلقت ضربة الموت‪".‬‬
‫بدأ المفتش في كتابة تقرير رسمي قصير على زاوية الطاولة‪.‬‬
‫"لسنا هنا للحديث‪ ،‬بل إلكتشاف المذنبين"‪ ،‬قال للرقيب‪" .‬لتنق‪NN‬ل األخب‪NN‬ار على الف‪NN‬ور إلى قاض‪NN‬ي الس‪NN‬الم‬
‫والعمدة‪ ،‬وأرسل هذه الرسالة دون تأخير إلى القصر الع‪NN‬دلي‪ .‬يمكن للقاض‪NN‬ي التحقيقي أن يك‪NN‬ون هن‪NN‬ا في‬
‫غضون ساعتين‪ .‬في غضون ذلك‪ ،‬سأبدأ في إجراء تحقيق مبدئي‪".‬‬
‫"هل أنقل الرسالة؟" سأل الرقيب من رجال الدرك‪.‬‬
‫"ال‪ ،‬أرسل أحد رجالك؛ ستكون مفيدًا لي هن‪NN‬ا في إبق‪NN‬اء ه‪NN‬ؤالء الن‪NN‬اس في النظ‪NN‬ام‪ ،‬وفي العث‪NN‬ور على أي‬
‫شهود قد أحتاج إليهم‪ .‬يجب أن نترك كل شيء هنا كما هو‪ .‬سأتمركز في الغرفة األخرى‪".‬‬
‫غادر أحد رجال الدرك بسرعة نحو محطة رويل‪ ،‬وب‪NN‬دأ المفتش تحقيقات‪NN‬ه بش‪NN‬كل رس‪NN‬مي وفًق ا لم‪NN‬ا ينص‬
‫عليه القانون‪.‬‬
‫"من كانت األرملة لوروج؟ من أين جاءت؟ ماذا كانت تفعل؟ وعلى ماذا تعتمد وكي‪NN‬ف ك‪NN‬انت تعيش؟ م‪NN‬ا‬
‫هي عاداتها وأخالقها‪ ،‬وما هو نوع الصحبة التي تحافظ عليها؟ هل كانت ل‪NN‬ديها أي‪NN‬ه أع‪NN‬داء ؟ ه‪NN‬ل ك‪NN‬انت‬
‫بخيلة؟ هل كانت تعتبر ثرية؟"‬
‫كان المفتش يدرك أهمية التحقق من كل هذا‪ ،‬ولكن على الرغم من وجود شهود كثر‪ ،‬إال أنهم لم يمتلك‪NN‬وا‬
‫الكثير من المعلومات‪ .‬كانت شهادات الجيران‪ ،‬الذين تم إستجوابهم بشكل متتاٍل ‪ ،‬فارغة وغ‪NN‬ير منس‪NN‬جمة‬
‫وغير مكتملة‪ .‬ال أحد يعرف أي شيء عن الضحية التي كانت غريب‪NN‬ة في البالد‪ .‬عالوة على ذل‪NN‬ك‪ ،‬تق‪NN‬دم‬
‫العديد من الشهود‪ ،‬الذين جاؤوا تدفعهم رغبة قليلة في تقديم المعلوم‪N‬ات ورغب‪N‬ة أك‪N‬بر إلش‪N‬باع فض‪N‬ولهم‪.‬‬
‫كانت زوجة بستاني ودية مع المتوفاة‪ ،‬وام‪NN‬رأة ت‪NN‬بيع الحليب ك‪NN‬انت تتعام‪NN‬ل معه‪NN‬ا‪ ،‬هم‪NN‬ا الوحي‪NN‬دين ال‪NN‬ذين‬
‫استطاعا تقديم بعض التفاصيل الدقيقة والتافهة في نفس الوقت‪.‬‬
‫بعبارة أخرى‪ ،‬بعد ثالث ساعات من التحقيق المتعب‪ ،‬وبعد تلقي ك‪NN‬ل أخب‪NN‬ار البل‪NN‬دة‪ ،‬وبع‪NN‬د االس‪NN‬تماع إلى‬
‫أشهر التعليقات السخيفة‪ ،‬هذا ما بدا األكثر موثوقية للمفتش‪.‬‬

‫قبل اثني عشر عامًا‪ ،‬في بداية عام ‪ ،1850‬ظهرت امرأة تدعى ليروج في بوجيفال ومعها عرب‪NN‬ة كب‪NN‬يرة‬
‫محمل‪NN‬ة باألث‪NN‬اث والبياض‪NN‬ات وممتلكاته‪NN‬ا الشخص‪NN‬ية‪ .‬ن‪NN‬زلت في حان‪NN‬ة‪ ،‬معلن‪NN‬ة عن نيته‪NN‬ا االس‪NN‬تقرار في‬
‫المنطقة‪ ،‬وذهبت فورًا تبحث عن م‪N‬نزل‪ .‬عن‪N‬دما وج‪N‬دت ه‪N‬ذا الم‪N‬نزل ش‪N‬اغرًا‪ ،‬واعتق‪N‬دت أن‪N‬ه سيناس‪N‬بها‪،‬‬
‫استأجرته دون محاولة تخفيض الشروط‪ ،‬بإيجار ثالثمائة وعشرين فرنك‪ًN‬ا ي‪N‬دفع نص‪NN‬ف س‪N‬نوي ومق‪N‬دمًا‪،‬‬
‫لكنها رفضت توقيع عقد إيجار‪.‬‬

‫بعد استئجار المنزل‪ ،‬شغلته في نفس اليوم‪ ،‬وأنفقت حوالي مائة فرنك على اإلصالحات‪.‬‬

‫كانت امرأة في الرابعة والخمس‪NN‬ين أو الخامس‪NN‬ة والخمس‪NN‬ين من العم‪NN‬ر‪ ،‬جي‪NN‬دة المظه‪NN‬ر‪ ،‬نش‪NN‬يطة‪ ،‬وتتمت‪NN‬ع‬
‫بصحة ممتازة‪ .‬ال يعرف أحد أسباب إختيارها اإلقامة في بلد ال تعرف فيه أحدًا‪ .‬كان ُيعتقد أنه‪NN‬ا أتت من‬
‫نورماندي‪ ،‬حيث كانت ترتدي كثيرًا في الصباح الباكر قبعة قطنية بيضاء‪ .‬ه‪NN‬ذه القبع‪NN‬ة الليلي‪NN‬ة لم تمنعه‪NN‬ا‬
‫من إرتداء مالبس راقية خالل النهار؛ بالفعل‪ ،‬كانت ع‪NN‬ادًة ترت‪NN‬دي مالبس رائع‪NN‬ة وأش‪NN‬رطة مبهرج‪NN‬ة في‬
‫قبعاتها‪ ،‬وتغطي نفسها بالمجوهرات مثل القديس في الكنيسة‪ .‬من دون شك عاشت على الساحل‪ ،‬فالسفن‬
‫والبحر كانت تتكرر بإستمرار في كالمها‪.‬‬

‫لم تحب الحديث عن زوجها الذي قالت إن‪NN‬ه لقي حتف‪NN‬ه في ح‪NN‬ادث غ‪NN‬رق س‪NN‬فينة‪ .‬لكنه‪NN‬ا لم تع‪ِN‬ط أب‪NN‬دًا أدنى‬
‫تفاصيل‪ .‬في مناسبة معينة قالت‪ ،‬بحضور بائعة الحليب وثالثة أشخاص آخ‪NN‬رين‪" ،‬لم تكن هن‪NN‬اك ام‪NN‬رأة‬
‫أكثر بؤسا مني خالل حياتي الزوجية"‪ .‬وفي مناسبة أخرى ق‪NN‬الت‪" :‬ك‪NN‬ل ش‪NN‬يء جدي‪NN‬د‪ ،‬ك‪NN‬ل ش‪NN‬يء رائ‪NN‬ع!‬
‫المكنسة الجديدة تكنس وتنظف‪ .‬زوجي المتوفى لم يحبني سوى لمدة عام واحد!"‪.‬‬

‫كانت األرملة ليروج ُتعد غنية‪ ،‬أو على األقل في وضع مادي جيد جدًا‪ ،‬ولم تكن بخيل‪NN‬ة‪ .‬أقرض‪NN‬ت ام‪NN‬رأة‬
‫في ال مالميزون ستين فرنكًا لتدفع إيجارها‪ ،‬ولم تس‪NN‬مح له‪NN‬ا بإعادته‪NN‬ا‪ .‬في م‪NN‬رة أخ‪NN‬رى‪ ،‬أقرض‪NN‬ت م‪NN‬ائتي‬
‫فرنك لصياد من بورت ‪-‬مارلي‪ .‬كانت تحب المآكل اللذيذة‪ ،‬وأنفقت الكثير على طعامها‪ ،‬واشترت النبي‪NN‬ذ‬
‫بنصف برمي‪N‬ل‪ .‬ك‪N‬انت تج‪N‬د ل‪N‬ذة في معامل‪N‬ة معارفه‪N‬ا‪ ،‬وك‪N‬ان عش‪N‬اؤها ممت‪N‬از‪ .‬إذا أط‪N‬رت على ظروفه‪N‬ا‬
‫الميسورة‪ ،‬لم تنكر ذلك بشدة‪ .‬كثيرًا ما سمعت تقول‪" :‬ليس لدي أي شيء في الصناديق‪ ،‬لكن لدي كل ما‬
‫أريد‪ .‬إذا أردت المزيد‪ ،‬يمكنني الحصول عليه"‪.‬‬
‫فوق ذلك‪ ،‬لم تفلت منها أدنى إشارة إلى حياتها الماضية أو بلدها أو عائلتها‪ .‬ك‪NN‬انت محب‪NN‬ة للح‪NN‬ديث ج‪NN‬دًا‪،‬‬
‫لكن كل ما كانت تقوله كان لضرر جيرانها‪ .‬ك‪N‬ان ُيف‪N‬ترض‪ ،‬وم‪N‬ع ذل‪N‬ك‪ ،‬أنه‪N‬ا رأت الع‪N‬الم‪ ،‬وأنه‪N‬ا تع‪N‬رف‬
‫الكثير‪ .‬كانت تفقد الثقة بشكل كبير وحصنت نفسها في منزلها الريفي كقلع‪NN‬ة‪ .‬لم تخ‪NN‬رج أب‪NN‬دًا في المس‪NN‬اء‪،‬‬
‫وكان معروفًا أنها كانت تسكر في عشائها بانتظام وتذهب إلى الفراش بعد قلي‪N‬ل‪ .‬ن‪N‬ادرًا م‪N‬ا ك‪N‬ان الغرب‪N‬اء‬
‫يزورونها؛ أربع أو خمس مرات زارتها س‪NN‬يدة مص‪NN‬حوبة بش‪NN‬اب‪ ،‬وفي مناس‪NN‬بة واح‪NN‬دة زاره‪NN‬ا اثن‪NN‬ان من‬
‫الرجال‪ ،‬أحدهما شاب واآلخر كبير في السن ومزّين‪ ،‬أتوا في عربة فاخرة‪.‬‬
‫في الختام‪ ،‬لم تكن المتوفاة محبوبة كثيرًا من قبل جيرانها‪ .‬كانت مالحظاتها غالبًا مزعجة ومقززة في فم‬
‫امرأة من سنها‪ .‬سمعت وهي تعطي امرأة شابة أسوأ النصائح‪ .‬كان تاجر خن‪NN‬ازير‪ ،‬ينتمي إلى بوجيف‪NN‬ال‪،‬‬
‫في حيرة من أعماله‪ ،‬وأغرى بثروته‪NN‬ا المفترض‪NN‬ة‪ ،‬وأعلن عن حب‪NN‬ه له‪NN‬ا في بعض األحي‪NN‬ان‪ .‬وم‪NN‬ع ذل‪NN‬ك‪،‬‬
‫رفضت تقدماته‪ ،‬معلنة أنه ك‪NN‬ان كافي‪ًN‬ا له‪NN‬ا أن ت‪NN‬تزوج م‪NN‬رة واح‪NN‬دة‪ .‬في ع‪NN‬دة مناس‪NN‬بات ش‪NN‬وهد رج‪NN‬ال في‬
‫منزلها؛ أوًال‪ ،‬واحد شاب‪ ،‬كان له مظهر موظ‪NN‬ف في ش‪NN‬ركة الس‪NN‬كك الحديدي‪NN‬ة؛ ثم آخ‪NN‬ر‪ ،‬طوي‪NN‬ل‪ ،‬مس‪NN‬ن‪،‬‬
‫محروق من الشمس‪ ،‬كان يرتدي زي العمال‪ ،‬وكان يبدو وكأنه ش‪NN‬رير‪ .‬أفي‪NN‬د ب‪NN‬أن ه‪NN‬ؤالء الرج‪NN‬ال ك‪NN‬انوا‬
‫عشاقها‪.‬‬
‫أثناء استجواب الشهود‪ ،‬سجل المفوض ما قالوه في صورة مختصرة أكثر‪ ،‬وك‪NN‬ان وص‪NN‬ل إلى ه‪NN‬ذا الح‪NN‬د‬
‫عندما وصل المحقق المكلف‪ ،‬مصحوبًا برئيس شرطة المباحث وأحد مرؤوسيه‪.‬‬
‫كان الس‪N‬يد داب‪N‬ورون رجًال في الثامن‪N‬ة والثالثين من العم‪N‬ر‪ ،‬وذا مظه‪N‬ر ج‪N‬ذاب؛ متع‪N‬اطف رغم ب‪N‬روده؛‬
‫يظهر على وجهه تعبير حلو وحزين إلى حد ما‪ .‬لقد ظل هذا الحزن الدائم معه منذ ش‪NN‬فائه‪ ،‬قب‪NN‬ل ع‪NN‬امين‪،‬‬
‫من مرض أليم كاد يكون مميتًا‪.‬‬
‫كان محققًا مكلفًا منذ عام ‪ ،1859‬واكتسب بسرعة أعلى سمعة‪ .‬كان صبور‪ ،‬وحاد‪ ،‬كان يعرف بمه‪NN‬ارة‬
‫فائقة كيف يتدخل في أكثر األمور تعقيدًا‪ ،‬ومن وسط ألف خيط يمسك بالص‪N‬حيح‪ .‬ليس أح‪N‬د أفض‪N‬ل من‪N‬ه‪،‬‬
‫مس‪NN‬لحًا بمنط‪NN‬ق ال يه‪NN‬ادن ‪ ،‬في ح‪NN‬ل تل‪NN‬ك المش‪NN‬كالت الرهيب‪NN‬ة ال‪NN‬تي تمث‪NN‬ل فيه‪NN‬ا ‪ - X‬في الج‪NN‬بر‪ ،‬الكمي‪NN‬ة‬
‫المجهول‪NN‬ة ‪ -‬المج‪NN‬رم‪ .‬ب‪NN‬ارع في اس‪NN‬تنتاج المجه‪NN‬ول من المعل‪NN‬وم‪ ،‬تف‪NN‬وق في جم‪NN‬ع الحق‪NN‬ائق ‪ ،‬وفي رب‪NN‬ط‬
‫مجموعة من األدلة الساحقة بالظروف التافهة‪ ،‬والتي تبدو على ما يبدو غير مهمة‪.‬‬
‫على الرغم من أنه كان يمتلك مؤهالت لمنصبه كث‪N‬يرة وقيم‪N‬ة‪ ،‬إال أن‪N‬ه ك‪N‬ان يث‪N‬ور بالش‪N‬ك والريب‪N‬ة ح‪N‬ول‬
‫قدراته الخاصة‪ ،‬وكان يمارس وظيفته الرهيبة بحذر وتردد‪ .‬كان يفتق‪NN‬ر إلى الج‪NN‬رأة ليخ‪NN‬اطر بالمفاج‪NN‬آت‬
‫السريعة التي يلجأ إليها زمالؤه في سبيل الحقيقة‪.‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬فإنه ك‪NN‬ان يش‪NN‬مئز من خ‪NN‬داع المتهمين‪ ،‬أو وض‪NN‬ع الفخ‪NN‬اخ لهم؛ فق‪N‬ط فك‪NN‬رة إمكاني‪NN‬ة وج‪NN‬ود خط‪NN‬أ‬
‫قضائي كانت ترعبه‪ .‬كان يقال عنه في المحاكم‪" :‬إنه رجل ذو أيدي مرتعشة"‪ .‬ما كان يس‪NN‬عى إلي‪NN‬ه ليس‬
‫اإلدانة‪ ،‬وال االحتماالت األكثر احتماًال‪ ،‬بل اليقين األكثر تطرًفا‪ .‬ال يستريح حتى يوم تض‪NN‬طر في‪NN‬ه المتهم‬
‫لالنحناء أمام األدلة؛ حتى إنه تم مزاحه بأنه ال يسعى الكتشاف المجرمين بل المبرئين‪.‬‬
‫رئيس شرطة المباحث ليس غير المشهور جيفرول‪ .‬إنه رجل قادر حًقا‪ ،‬ولكنه يفتقر إلى الثب‪NN‬ات‪ ،‬وقاب‪NN‬ل‬
‫لإلعمال بعناد ال يصدق‪ .‬إذا فق‪NN‬د مس‪NN‬اًرا‪ ،‬فإن‪NN‬ه ال يس‪NN‬تطيع أن يع‪NN‬ترف ب‪NN‬ذلك‪ ،‬وال يس‪NN‬تطيع أن يع‪NN‬ود إلى‬
‫الوراء‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن جرأته وثباته تجعل من المستحيل إرباكه؛ وبفض‪NN‬ل قوت‪NN‬ه الشخص‪NN‬ية الهائل‪NN‬ة ال‪NN‬تي‬
‫تختبئ تحت مظهر هزيل‪ ،‬لم يتردد أبًدا في مواجهة أشجع المجرمين‪.‬‬
‫لكن تخصص‪NN‬ه‪ ،‬وانتص‪NN‬اره‪ ،‬ومج‪NN‬ده‪ ،‬ه‪NN‬و ذاك‪NN‬رة الوج‪NN‬وه‪ ،‬ال‪NN‬تي تف‪NN‬وق اإليم‪NN‬ان‪ ،‬ح‪NN‬تى يك‪NN‬اد يك‪NN‬ون ذل‪NN‬ك‬
‫مستحيًال‪ .‬فإذا رأى وجهًا لمدة خمس دقائق‪ ،‬فهذا يكفي‪ ،‬حيث يتم تصنيف مالكه ويمكن التعرف عليه في‬
‫أي وقت‪ .‬ولن تؤثر عليه صعوبات المكان أو عدم االحتمالي‪NN‬ة في الظ‪NN‬روف أو أش‪NN‬كال التنك‪NN‬ر األك‪NN‬ثر ال‬
‫ُيصّد ق‪ .‬والسبب‪ ،‬كما يّد عي‪ ،‬هو أنه ينظر فقط إلى عيني الرجل‪ ،‬دون إيالء اهتمام ألي ميزة أخرى‪.‬‬
‫تم اختبار هذه الق‪N‬درة بش‪NN‬دة قب‪NN‬ل بض‪NN‬عة أش‪NN‬هر في بواس‪NN‬ي ‪ ،‬من خالل التجرب‪NN‬ة التالي‪NN‬ة‪ .‬تم تغطي‪NN‬ة ثالث‪NN‬ة‬
‫سجناء بأغطية حتى يتم تمويه طولهم تماًم ا‪ .‬كانوا يرتدون أقنعة س‪NN‬ميكة على وج‪NN‬وههم ‪ ،‬ال يظه‪NN‬ر منه‪NN‬ا‬
‫شيء سوى العيون ‪ ،‬التي تم إنشاء ثقوب فيها ؛ وبهذه الحالة ‪ ،‬تم عرضهم على جيفرول‪.‬‬
‫وبدون أدنى تردد ‪ ،‬تعرف جيفرول على السجناء وأسمائهم‪ .‬هل ساعدته الصدفة وحدها؟‬
‫المرؤوس الذي جلبه جيفرول ك‪N‬ان مج‪N‬رم ق‪N‬ديم ‪ ،‬تم التص‪N‬الح مع‪N‬ه م‪N‬ع الق‪N‬انون‪ .‬ش‪N‬خص بمهنت‪N‬ه ‪ ،‬ذكي‬
‫كثعلب ‪ ،‬وحسد رئيسه الذي يقدر قدراته بدرجة خفيفة‪ .‬اسمه ليكوك‪.‬‬
‫وفي هذا الوقت ‪ ،‬كان الضابط المفوض قد تعب تماًم ا من مسؤولياته ‪ ،‬فرحب بالقاضي المحقق ووكالئه‬
‫كأحرار‪ .‬وسرد بسرعة الحقائق التي تم جمعها وقرأ تقريره الرسمي‪.‬‬
‫"لقد تقدمت بشكل جيد جًدا ‪ "،‬الحظ القاضي المحقق‪" .‬كل شيء م‪NN‬ذكور بوض‪NN‬وح ؛ وم‪NN‬ع ذل‪NN‬ك ‪ ،‬هن‪NN‬اك‬
‫حقيقة واحدة لم تحققها‪".‬‬
‫"ما هو ذلك ‪ ،‬يا سيدي؟" إستفسر المفوض‪.‬‬
‫"في أي يوم ظهرت األرملة ليروج آلخر مرة ‪ ،‬وفي أي ساعة؟"‬
‫"كنت سأصل إلى ذلك في وقت الحق‪ .‬ظهرت آلخر مرة وتحدثت معها في مساء ي‪N‬وم الثالث‪N‬اء الكب‪N‬ير ‪،‬‬
‫في الساعة الخامسة و‪ 20‬دقيقة‪ .‬كانت حينها تعود من بوجيفال وتحمل سلة مشتريات‪".‬‬
‫"هل أنت متأكد من الساعة يا سيدي؟" إستفسر جيفرول‪.‬‬
‫"بشكل تام ‪ ،‬ولهذا السبب ؛ فإن الشاهدين الذين قدموا لي هذه الحقيقة ‪ ،‬وهما إمرأة تدعى تيلييه وص‪NN‬انع‬
‫براميل يعيش بالقرب من هنا ‪ ،‬نزال من الحافلة التي تغادر من م‪NN‬ارلي في ك‪NN‬ل س‪NN‬اعة ‪ ،‬عن‪NN‬دما الحظ‪NN‬وا‬
‫األرملة في الطريق المتقاطع ‪ ،‬وتسارعوا للحاق بها‪ .‬وتحدثوا معها وغادروه‪NN‬ا فق‪NN‬ط عن‪NN‬دما وص‪NN‬لوا إلى‬
‫باب منزلها‪".‬‬
‫"وما الذي كانت تحمله في سلة التسوق؟" سأل القاضي المحقق‪.‬‬
‫"الشهود ال يستطيعون القول‪ .‬إنهم يعرفون فقط أنها حملت زجاجتين مختومتين من النبيذ ‪ ،‬وأخ‪NN‬رى من‬
‫البراندي‪ .‬وكانت تشتكي لهم من الصداع ‪ ،‬وتقول‪' :‬على الرغم من أنه من المعتاد اإلستمتاع بأنفس‪NN‬نا في‬
‫يوم الثالثاء الكبير ‪ ،‬إال أنني سأذهب إلى الفراش' "‪.‬‬
‫"إذن ‪ ،‬إذن!" صاح رئيس شرطة المباحث‪" .‬أعرف أين أبحث!"‬
‫"هل تعتقد ذلك؟" استفسر السيد دابورون‪.‬‬
‫"من الواضح بما فيه الكفاية‪ .‬يجب أن نجد الرجل الطويل الذي يبدو أنه مح‪NN‬روق من الش‪NN‬مس ‪ ،‬الش‪NN‬جاع‬
‫الذي يرتدي البل‪N‬وزة‪ .‬ك‪N‬ان البران‪N‬دي والنبي‪N‬ذ مخصص‪N‬ين لتس‪N‬ليته‪ .‬ك‪N‬انت األرمل‪N‬ة تنتظ‪N‬ره للعش‪N‬اء‪ .‬ج‪N‬اء‬
‫بالتأكيد ‪ ،‬الشجاع الودود!"‬
‫"أوه!" صرخ جندي الدرك ‪ ،‬واضًحا مستنكًر ا ‪" ،‬كانت عجوز للغاية وقبيحة جدًا!"‬
‫نظر جيفرول إلى الزميل الصادق بتعبير من الشفقة المزيفة‪" .‬اعلم ذلك ‪ ،‬يا جن‪N‬دي" ‪ ،‬ق‪NN‬ال ‪" ،‬أن ام‪N‬رأة‬
‫لديها المال دائًم ا شابة وجميلة ‪ ،‬إذا أرادت ذلك!"‬
‫"ربما يكون في ذلك شيء" ‪ ،‬الح‪N‬ظ القاض‪N‬ي المحق‪N‬ق "لكن ه‪N‬ذا ليس م‪N‬ا يث‪N‬ير انتب‪N‬اهي أك‪N‬ثر‪ .‬أن‪N‬ا أك‪N‬ثر‬
‫إعجاًبا بتصريح هذه المرأة السيئة الحظ‪' .‬إذا أردت المزيد ‪ ،‬كنت قد حصلت عليه'"‪.‬‬

‫"لقد لفت انتباهي أيًض ا ذلك" ‪ ،‬وافق المفوض‪.‬‬

‫لكن جيفرول لم يعد يتعب نفسه في اإلستماع‪ .‬واصل اإللتزام برأيه الخاص ‪ ،‬وبدأ في فحص كل زاوي‪NN‬ة‬
‫من الغرفة بدقة‪ .‬ثم إلتفت فجأة إلى المفوض‪" .‬اآلن وأنا أفكر في األمر" ‪ ،‬ص‪NN‬رخ ‪" ،‬أليس ي‪NN‬وم الثالث‪NN‬اء‬
‫هو اليوم الذي تغير فيه الطقس؟ لقد كان الصقيع لمدة أسبوعين ‪ ،‬وفي تلك الليلة بدأ المطر‪ .‬في أي وقت‬
‫بدأ المطر هنا؟"‬
‫"في الساعة التاسعة والنصف" ‪ ،‬أجاب الجندي‪" .‬خرجت من العشاء ألقوم بجولتي في صاالت الرقص‬
‫‪ ،‬عندما تعرضت لزخة مطرية أمام شارع رو دي بيشور‪ .‬في غضون عشر دقائق ‪ ،‬كان هن‪NN‬اك نص‪NN‬ف‬
‫بوصة من الماء في الطريق‪".‬‬
‫"حسًنا جًدا" ‪ ،‬قال جيف‪N‬رول‪" .‬إذا ج‪NN‬اء الرج‪NN‬ل بع‪NN‬د الس‪NN‬اعة التاس‪NN‬عة والنص‪NN‬ف ‪ ،‬يجب أن يك‪NN‬ون ح‪NN‬ذاؤه‬
‫متسًخ ا جًدا‪ .‬إذا كانت جافة ‪ ،‬فقد وصل في وقت س‪NN‬ابق‪ .‬يجب أن يتم مالحظته‪NN‬ا ‪ ،‬ألن األرض‪NN‬ية ملمع‪NN‬ة‪.‬‬
‫هل كانت هناك آثار لألقدام ‪ ،‬يا سيدي المفوض؟"‬
‫"يجب أن أعترف أننا لم نفكر في البحث عنها‪".‬‬
‫"أه!" صرخ رئيس المباحث بلهجة االستياء ‪" ،‬هذا مزعج!"‬
‫"إنتظر" ‪ ،‬أض‪N‬اف المف‪N‬وض ‪" ،‬ال ي‪N‬زال هن‪N‬اك وقت ل‪N‬نرى م‪N‬ا إذا ك‪N‬ان هن‪N‬اك أي ش‪N‬يء ‪ ،‬ليس في ه‪N‬ذه‬
‫الغرفة ‪ ،‬ولكن في األخرى‪ .‬لم نقم بتحريك أي شيء هناك‪ .‬يمكن التمييز بسهولة بين خطواتي وخطوات‬
‫الجندي‪ .‬دعنا نرى‪".‬‬

‫عندما فتح المفوض باب الغرفة الثاني‪NN‬ة ‪ ،‬توق‪NN‬ف جيف‪NN‬رول عن‪NN‬ده‪" .‬أطلب اإلذن‪ ،‬س‪NN‬يدي" ‪ ،‬ق‪NN‬ال للقاض‪NN‬ي‬
‫المحقق ‪" ،‬لفحص الغرفة قبل السماح ألي شخص آخر بالدخول‪ .‬إنه مهم جًدا بالنسبة لي‪".‬‬
‫"بالتأكيد" ‪ ،‬وافق السيد دابورون‪.‬‬

‫دخل جيفرول أوًال ‪ ،‬وظل اآلخرون على عتبة الباب‪ .‬نظروا جميًعا إلى مشهد الجريمة‪ .‬كل شيء ‪ ،‬كم‪NN‬ا‬
‫قال المفوض ‪ ،‬يبدو أنه تم إسقاطه من قبل مجنون غاضب‪ .‬في وسط الغرفة ‪ ،‬كان هن‪N‬اك طاول‪N‬ة مغط‪N‬اة‬
‫بقماش ليني رائع ‪ ،‬أبيض كالثلج‪ .‬على هذه الطاولة زجاجة نبيذ مفتوح‪NN‬ة بالك‪NN‬اد تم لمس‪NN‬ها ‪ ،‬وأخ‪NN‬رى من‬
‫البراندي تم تناول خمسة أو سته كؤوس تقريبًا منها‪.‬‬
‫على الجانب األيمن ‪ ،‬مقابل الحائط ‪ ،‬كانت هناك خزانتان من الجوز الجميل ‪ ،‬بأقفال زخرفي‪NN‬ة ‪ ،‬وك‪NN‬انت‬
‫على كل جانب من النافذة ؛ كانت كالهما خاليتين ‪ ،‬وكانت المحتويات مبعثرة في جميع االتجاهات‪.‬‬
‫كانت هناك مالبس وأغطية وأشياء أخرى مبع‪NN‬ثرة ومجع‪NN‬دة ورميت في جمي‪NN‬ع أنح‪NN‬اء الغرف‪NN‬ة‪ .‬في نهاي‪NN‬ة‬
‫الغرف‪NN‬ة‪ ،‬ب‪NN‬القرب من الم‪NN‬دفأة‪ ،‬تم فتح خزان‪NN‬ة كب‪NN‬يرة تس‪NN‬تخدم لتخ‪NN‬زين األواني‪ .‬على الج‪NN‬انب اآلخ‪NN‬ر من‬
‫المدفأة‪ ،‬تم تحطيم األمانة القديم‪NN‬ة ال‪NN‬تي تحت‪NN‬وي على قم‪NN‬ة من الرخ‪NN‬ام وتم تفتيته‪NN‬ا إلى ش‪NN‬ظايا‪ ،‬وربم‪NN‬ا تم‬
‫البحث في أعماقها‪ .‬تم خلع المكتب وعّلق بمفصل واح‪NN‬د‪ .‬تم س‪NN‬حب األدراج ورميه‪NN‬ا على األرض‪ .‬على‬
‫الجانب األيسر من الغرفة‪ ،‬كان السرير موضوع وقد تم تفكيكه وإسقاطه بالكام‪NN‬ل‪ .‬ح‪NN‬تى القش الموج‪NN‬ود‬
‫في المرتبة تم سحبه وفحصه‪.‬‬
‫"ال يوجد أي انطباع‪ "،‬همس جيفرول بخيبة أمل‪" .‬يجب أنه وصل قبل الساعة التاسعة والنص‪NN‬ف‪ .‬يمكن‬
‫للجميع الدخول اآلن‪".‬‬
‫سار مباشرة إلى جثة األرمل‪NN‬ة‪ ،‬حيث إنح‪NN‬نى ب‪NN‬القرب منه‪NN‬ا‪" .‬ال يمكن الق‪NN‬ول‪ "،‬ت‪NN‬ذمر‪" ،‬أن العم‪NN‬ل لم يتم‬
‫بشكل صحيح! القاتل ليس مبتدئًا!"‬
‫ثم نظر يمينًا ويسارًا وأضاف‪" :‬يا إلهي! ك‪NN‬ان الش‪NN‬يطان الفق‪NN‬ير مش‪NN‬غوًال بطهي طعام‪NN‬ه عن‪NN‬دما ض‪NN‬ربها؛‬
‫إنظ‪NN‬روا إلى مقالة لحم الخ‪NN‬نزير وال‪NN‬بيض على الموق‪NN‬د‪ .‬لم يكن ال‪NN‬وحش يمتل‪NN‬ك الص‪NN‬بر الك‪NN‬افي لإلنتظ‪NN‬ار‬
‫للعشاء‪ .‬كان السيد مستعجًال‪ ،‬لذلك ضرب الض‪NN‬ربة وه‪NN‬و ص‪NN‬ائم‪ ،‬وبالت‪NN‬الي ال يمكن‪NN‬ه االس‪NN‬تناد إلى فرح‪NN‬ة‬
‫الحلوى في دفاعه!"‬
‫"من الواضح‪ "،‬قال قاضي التحقيق للمحقق الشرطي‪" ،‬أن السرقة كانت الدافع وراء الجريمة‪".‬‬
‫"محتمل‪ "،‬أجاب جيفرول بطريقة ماكرة‪" .‬وهذا يفسر غياب مالعق الفضة من الطاولة‪".‬‬
‫"انظروا هنا! بعض قطع الذهب في هذا الدرج!" صاح ليكوك‪ ،‬ال‪NN‬ذي ك‪NN‬ان يبحث عن أم‪NN‬وره الخاص‪NN‬ة‪،‬‬
‫"ثالثمائة وعشرون فرنك!"‬
‫"حسًنا‪ ،‬لم أتوقع ذلك!" صاح جيف‪N‬رول‪ ،‬محرًج ا قليًال‪ .‬ولكن‪N‬ه س‪N‬رعان م‪N‬ا تع‪N‬افى من حرج‪N‬ه وأض‪N‬اف‪:‬‬
‫"يجب أن يكون قد نسيها‪ ،‬وهذا يحدث كثيًرا‪ .‬لق‪N‬د ع‪N‬رفت ق‪N‬اتاًل ‪ ،‬بع‪N‬د ارتك‪N‬اب الجريم‪N‬ة‪ ،‬أص‪N‬بح مرتبًك ا‬
‫لدرج‪N‬ة أن‪N‬ه غ‪N‬ادر دون أن يت‪N‬ذكر أخ‪N‬ذ الغنيم‪N‬ة‪ ،‬ال‪N‬تي ارتكب الجريم‪N‬ة من أجله‪N‬ا‪ .‬ربم‪N‬ا أص‪N‬يب الرج‪N‬ل‬
‫بالحماسة أو تم توقيفه‪ .‬ربما أحد طرق الباب‪ .‬وما يجعلني أكثر استعداًدا للتفكير في ذلك هو أن الغبي لم‬
‫يترك الشمعة مشتعلة‪ .‬ترى‪،‬لقد أخذ عناء إطفائها‪".‬‬
‫"هذا ال يثبت شيًئا‪ "،‬قال ليكوك‪" .‬ربما يكون رجًال اقتصادًيا وحريًصا‪".‬‬
‫استمرت تحقيقات المحققين في جميع أنح‪NN‬اء الم‪NN‬نزل‪ ،‬ولكن أدق البحث لم ي‪NN‬ؤدي إلى اكتش‪NN‬اف أي ش‪NN‬يء‬
‫بالمرة؛ ال دلي‪NN‬ل واح‪NN‬د يمكن اس‪NN‬تخدامه في إدان‪NN‬ة أي ش‪NN‬خص‪ ،‬وال ح‪NN‬تى تلميح ض‪NN‬عيف يمكن اس‪NN‬تخدامه‬
‫كنقطة انطالق‪ .‬حتى أوراق المرأة المتوفاة‪ ،‬إن ك‪NN‬انت تمتل‪NN‬ك أي وث‪NN‬ائق‪ ،‬ق‪NN‬د اختفت‪ .‬لم يتم العث‪NN‬ور على‬
‫حرف وال حتى شريحة ورق‪ .‬من حين آلخر‪ ،‬توقف جيفرول ليسب أو يتذمر‪" .‬يا إلهي! إنه عمل ذكي!‬
‫اللص هو شخص بارد!"‬
‫"حسًنا‪ ،‬ما رأيك في ذلك؟" طلب القاضي التحقيق في النهاية‪.‬‬
‫"إنها لعبة مرسومة يا سيدي"‪ ،‬أجاب جيفرول‪" .‬نحن محتارون ح‪NN‬تى اآلن‪ .‬الفاس‪NN‬د اتخ‪NN‬ذ ت‪NN‬دابيره بح‪NN‬ذر‬
‫كبير‪ ،‬لكنني سألقي القبض عليه‪ .‬قبل الليل‪ ،‬سأرسل دستة من الرجال للمطاردة‪ .‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬فهو‬
‫متأكد من أنه سيقع في أيدينا‪ .‬لقد سرق األدوات الفضية والمجوهرات‪ .‬إنه ضائع!"‬
‫"على الرغم من ذلك"‪ ،‬قال السيد دابورون‪" ،‬لم نتقدم أكثر مما كنا عليه هذا الصباح!"‬
‫"حسًنا!" تذمر جيفرول‪" .‬ال يستطيع اإلنسان أن يفعل أكثر مما يستطيع!"‬
‫"آه!" همس ليكوك بصوت منخفض ولكن مسموع تماًم ا‪" ،‬لماذا ال يكون السيد تيروكلير الكبير هنا؟"‬
‫"ماذا يمكن أن يفعل أكثر مما فعلنا؟" رد جيفرول وهو يلقي نظرة غاضبة على مرؤوسه‪ .‬انحنى ليكوك‬
‫وظل صامًتا‪ ،‬سعيًدا من الداخل بأنه جرح رئيسه‪.‬‬
‫"من هو السيد تيروكلير الكبير؟" سأل السيد دابورون‪" .‬يبدو لي أني س‪NN‬معت االس‪NN‬م‪ ،‬ولك‪NN‬ني ال أس‪NN‬تطيع‬
‫تذكر المكان‪".‬‬
‫"إنه رجل غريب!" صاح ليكوك‪" .‬كان يعمل سابًقا كموظف في مون دو بييه‪ "،‬أضاف جيفرول‪" ،‬لكنه‬
‫اآلن رجل ثري‪ ،‬يدعى تاباريه‪ .‬يحب اللعب بدور المحقق كهواية‪".‬‬
‫"وتزيد من دخله"‪ ،‬ألمح المفوض‪.‬‬
‫"هو؟" صاح ليكوك‪" .‬ال يوجد خطر من ذلك‪ .‬يعمل كثيًر ا من أجل المجد والنجاح بحيث ينفق في بعض‬
‫األحيان المال من جيبه الخاص‪ .‬إنها هوايته‪ ،‬ترى! في مقر الشرطة‪ ،‬لقد أطلقن‪NN‬ا علي‪NN‬ه اس‪NN‬م 'تيروكل‪NN‬ير'‪،‬‬
‫من عبارة يتكرر استخدامها باستمرار‪ .‬آه‪ ،‬إنه حاد‪ ،‬الفأر الكب‪NN‬ير! إن‪NN‬ه ه‪NN‬و من ح‪NN‬ل القض‪NN‬ية ال‪NN‬تي تتعل‪NN‬ق‬
‫بزوجة المصرفي‪ ،‬تذكر‪ ،‬الذي تخمن أن السيدة قد سرقت نفسها‪ ،‬والذي أثبت ذلك‪".‬‬
‫"صحيح!" رد جيفرول‪" ،‬وكان هو أيًض ا الذي كاد أن يقط‪NN‬ع رأس الفق‪NN‬ير ديريم‪NN‬ه لقت‪NN‬ل زوجت‪NN‬ه‪ ،‬ام‪NN‬رأة‬
‫سيئة بالفعل؛ وكل هذا الوقت كان الفقير بريء‪".‬‬
‫"نحن نضيع وقتنا‪ ،‬س‪NN‬ادة"‪ ،‬ق‪NN‬اطع الس‪NN‬يد داب‪NN‬ورون‪ .‬ثم‪ ،‬ومخاطًب ا ليك‪NN‬وك‪ ،‬أض‪NN‬اف‪" :‬اذهب وابحث عن‬
‫السيد تاباريه‪ .‬لقد سمعت الكثير عنه‪ ،‬وسأكون سعيًدا برؤيته يعمل هنا‪".‬‬
‫انطلق ليكوك بسرعة‪،‬وكان جيفرول متواضًعا بشكل جدي‪" .‬لديك بالطبع‪ ،‬يا سيدي‪ ،‬الح‪NN‬ق في المطالب‪NN‬ة‬
‫بخدمات من ترغب فيهم"‪ ،‬بدأ يقول‪" :‬ولكن‪"،‬‬
‫"ال تفقد صوابك‪ ،‬جيفرول"‪ ،‬قاطعه السيد داب‪NN‬ورون‪" .‬لق‪N‬د عرفت‪NN‬ك لف‪N‬ترة طويل‪NN‬ة‪ ،‬وأع‪N‬رف قيمت‪NN‬ك؛ لكن‬
‫اليوم‪ ،‬نختلف في الرأي‪ .‬أنت تتمسك تماًم ا برجل الصيف المرتدي بلوزة‪ ،‬وأنا‪ ،‬من جه‪NN‬تي‪ ،‬مقتن‪NN‬ع بأن‪NN‬ك‬
‫لست على المسار الصحيح!"‬
‫"أعتقد أنني على حق"‪ ،‬رد المحقق‪" ،‬وآمل أن أثبت ذلك‪ .‬سأجد الفاسد‪ ،‬مهما كانت هويته!"‬
‫"ال أريد أفضل من ذلك"‪ ،‬قال السيد دابورون‪" .‬فقط‪ ،‬اسمح لي‪ ،‬يا سيدي‪ ،‬بأن أعطي ‪ -‬م‪NN‬اذا أق‪NN‬ول دون‬
‫اإلخالل باالحترام؟ ‪ -‬نصيحة؟"‬
‫"تحدث!"‬
‫"أنصحك‪ ،‬يا سيدي‪ ،‬بعدم الثقة بالسيد تاباريه الكبير‪" ".‬حًقا؟ وألي سبب؟"‬
‫"يسمح الرجل العجوز لنفسه باالندفاع أكثر من الالزم بالمظاهر‪ .‬أصبح محقًقا هاوًي ا من أج‪NN‬ل الش‪NN‬هرة‪،‬‬
‫تماًم ا كالمؤلف‪ .‬وبم‪N‬ا أن‪N‬ه أك‪N‬ثر غ‪N‬روًرا من الط‪N‬اووس‪ ،‬فمن المحتم‪N‬ل أن يفق‪N‬د أعص‪NN‬ابه ويص‪NN‬بح عني‪ًN‬دا‬
‫للغاية‪ .‬فور وجوده في وجه جريمة‪ ،‬مثل هذه على سبيل المثال‪ ،‬يدعي أنه يمكنه شرح ك‪NN‬ل ش‪NN‬يء ف‪NN‬وًرا‪.‬‬
‫وينجح في إختراع قصة تتوافق تماًم ا مع الوضع‪ .‬ويدعي‪ ،‬بمساعدة حقيقة واحدة فقط‪ ،‬أن‪N‬ه يمكن‪N‬ه إع‪N‬ادة‬
‫بناء جمي‪N‬ع تفاص‪N‬يل جريم‪N‬ة قت‪N‬ل‪ ،‬تمث‪N‬ل م‪N‬ا يص‪N‬ور العلم‪N‬اء حيواًن ا ق‪N‬ديًم ا من عظم‪N‬ة واح‪N‬دة‪ .‬في بعض‬
‫األحيان يتنبأ بشكل صحيح‪ ،‬ولكن في كثير من األحيان يخطئ‪ .‬على سبيل المث‪NN‬ال‪ ،‬قض‪NN‬ية الخي‪NN‬اط ال‪NN‬ذي‬
‫تعرض للظلم‪ ،‬الفقير ديريمه‪ ،‬بدوني‪."...‬‬
‫"أشكرك على نص‪NN‬يحتك"‪ ،‬ق‪NN‬اطع الس‪NN‬يد داب‪NN‬ورون‪" ،‬وسأس‪NN‬تفيد منه‪NN‬ا‪ .‬اآلن‪ ،‬ي‪NN‬ا مف‪NN‬وض‪ ،‬من المهم ج‪ًNN‬دا‬
‫معرفة من أي جزء من البالد جاءت األرملة لوروج"‪.‬‬
‫تم استجواب مجموعة من الشهود مرة أخرى بإشراف عريف الدركيين‪.‬‬
‫ولكن لم يتم الحصول على أي معلومات جديدة‪ .‬كان من الواضح أن األرملة لوروج ك‪N‬انت ام‪N‬رأة ح‪N‬ذرة‬
‫للغاية‪ ،‬فعلى الرغم من كثرة كالمها‪ ،‬لم يبَق شيء منسجم بأي شكل مع سيرتها الذاتية في ذاك‪N‬رة أه‪N‬ل ال‬
‫جونشير‪.‬‬
‫وم‪NN‬ع ذل‪NN‬ك‪ ،‬ح‪NN‬اول جمي‪NN‬ع األش‪NN‬خاص المس‪NN‬تجوبين بإص‪NN‬رار أن يوص‪NN‬لوا إلى اعتق‪NN‬اداتهم الشخص‪NN‬ية‬
‫والتخمينات‪ .‬تأييد الرأي العام لجيفرول‪ .‬وقد أدانت كل األصوات الرجل الطويل الذي يحمل على ظهره‬
‫البلوزة الرمادية‪ .‬يجب أن يكون هو الجاني‪ .‬تذكر الجميع مظهره الشرس ال‪NN‬ذي أرعب جمي‪NN‬ع الحي‪ .‬لق‪N‬د‬
‫هدد امرأة مساًء وضرب طفال في ي‪NN‬وم آخ‪NN‬ر‪ .‬لم يتمكن‪NN‬وا من تحدي‪NN‬د هوي‪NN‬ة الطف‪NN‬ل أو الم‪NN‬رأة‪ ،‬ولكن ه‪NN‬ذه‬
‫األعمال الوحشية كانت علنية بشكل واس‪N‬ع‪ .‬ب‪N‬دأ الس‪N‬يد داب‪N‬ورون يي‪N‬أس من الحص‪N‬ول على أي توض‪N‬يح‪،‬‬
‫عندما جلب شخص ما زوجة بقال في بوجيفال‪ ،‬حيث كانت الضحية تتعامل مع المحل‪ ،‬وطف‪NN‬ل يبل‪NN‬غ من‬
‫العمر ‪ 13‬عاًم ا‪ ،‬الذي كان يعرف‪ ،‬حسب القول‪ ،‬شيًئا مؤكًدا‪.‬‬
‫ظهرت زوجة البقالة أوًال‪ .‬سمعت األرملة لوروج تتحدث عن ابنها الذي ال يزال على قيد الحياة‪.‬‬
‫"هل أنت متأكد تماًم ا من ذلك؟" سأل القاضي التحقيق‪.‬‬
‫"نعم‪ ،‬كم‪N‬ا أن‪N‬ني موج‪N‬ودة اآلن"‪ ،‬أج‪N‬ابت الس‪N‬يدة‪" ،‬في تل‪N‬ك الليل‪N‬ة‪ ،‬نعم‪ ،‬ك‪N‬انت مخم‪N‬ورة بعض الش‪N‬يء‪،‬‬
‫وبقيت في محلي أكثر من ساعة"‪.‬‬
‫"وماذا قالت؟"‬
‫"أعتقد أنني ال زلت أراها اآلن"‪ ،‬استمرت البقالة‪" :‬كانت تستند إلى العداد بالقرب من الم‪NN‬يزان‪ ،‬تم‪NN‬ازح‬
‫صياًدا من مارلي‪ ،‬العجوز حسون‪ ،‬الذي يمكن‪NN‬ه أن يخ‪NN‬برك بالش‪NN‬يء نفس‪NN‬ه؛ وك‪NN‬انت تس‪NN‬ميه بح‪NN‬ار المي‪NN‬اه‬
‫العذبة‪" .‬زوجي"‪ ،‬قالت‪" :‬ك‪N‬ان بحرًي ا حقيقًي ا‪ ،‬وال‪N‬دليل على ذل‪N‬ك ه‪N‬و أن‪N‬ه ك‪N‬ان يبقى أحياًن ا س‪N‬نوات في‬
‫رحل‪NN‬ة‪ ،‬وك‪NN‬ان يع‪NN‬ود دائًم ا بج‪NN‬وز الهن‪NN‬د‪ .‬ل‪NN‬دي ابن يعم‪NN‬ل بح‪NN‬اًرا‪ ،‬مث‪NN‬ل وال‪NN‬ده المت‪NN‬وفى‪ ،‬في البحري‪NN‬ة‬
‫اإلمبراطورية"‪.‬‬
‫"هل ذكرت اسم ابنها؟"‬
‫"لم تذكره في تلك المرة‪ ،‬ولكن في ليلة أخرى‪ ،‬عندما كانت مخم‪NN‬ورة ج‪ًNN‬دا‪ ،‬ق‪NN‬الت لن‪NN‬ا إن اس‪NN‬م ابنه‪NN‬ا ه‪NN‬و‬
‫جاك‪ ،‬وأنها لم تره منذ فترة طويلة"‪.‬‬
‫"هل تحدثت بسوء عن زوجها؟"‬
‫"ال‪ ،‬لم تفعل ذلك! فقط قالت إنه كان غيوًرا ووحشًيا‪ ،‬على الرغم من أنه ك‪NN‬ان رجاًل جي‪ًNN‬دا في األس‪NN‬اس‪،‬‬
‫وأنه جعل حياتها مؤلمة‪ .‬كان ضعيف العقل‪ ،‬وكان يصنع األفكار من العدم‪ .‬في الواقع‪ ،‬كان مخلًصا جًدا‬
‫ليكون حكيًم ا"‪.‬‬
‫"هل جاء ابنها لزيارتها بينما كانت تعيش هنا؟"‬
‫"لم تخبرني بذلك"‪.‬‬
‫"هل أنفقت الكثير من المال معك؟"‬
‫"ذلك يعتمد‪ .‬حوالي ‪ 60‬فرنًك ا في الشهر؛ أحياًنا أكثر‪ ،‬ألنها تش‪NN‬تري دائًم ا أفض‪NN‬ل البران‪NN‬دي‪ .‬دفعت نق‪ًNN‬دا‬
‫عن كل شيء اشترته"‪.‬‬
‫المرأة التي لم تكن تعلم أكثر من ذلك تم إخراجها‪ .‬والطف‪N‬ل‪ ،‬ال‪NN‬ذي تم جلب‪NN‬ه اآلن‪ ،‬ك‪NN‬ان ينتمي إلى وال‪NN‬دين‬
‫ظروفهم سهلة‪ .‬كان طوياًل وقوًيا لعمره‪ ،‬وكان لديه عيون ذكية ومالمح تعبيرية عن اليقظ‪NN‬ة والمك‪NN‬ر‪ .‬لم‬
‫يبدو وجود القاضي المخيف له أي تأثير‪.‬‬
‫"دعنا نسمع‪ ،‬يا صبي‪ "،‬قال السيد دابورون‪" ،‬ما تعرفه‪".‬‬
‫"حسًنا‪ ،‬يا سيدي‪ ،‬منذ بضعة أيام‪ ،‬في األحد الماضي‪ ،‬رأيت رجًال عند بوابة حديقة السيدة لوروج‪".‬‬
‫"في أي وقت من اليوم؟"‬
‫"في الصباح الباكر‪ .‬كنت ذاهًبا إلى الكنيسة للخدمة في القداس الثاني‪".‬‬
‫"حسًنا‪ "،‬واصل القاضي‪" ،‬وكان هذا الرجل طوياًل ومحروًقا من الشمس‪ ،‬ومرتدًيا بلوزة؟"‬
‫"ال‪ ،‬سيدي‪ ،‬على العكس‪ ،‬كان قصيًرا جًدا وسميًنا وعجوًز ا جًدا‪".‬‬
‫"هل أنت متأكد أنك لست مخطًئا؟"‬
‫"متأكد تماًم ا‪ "،‬أجاب الصبي‪" ،‬رأيته عن قرب وجًها لوجه‪ ،‬ألنني تحدثت معه‪".‬‬
‫"ُقل لي‪ ،‬ماذا حدث؟"‬

‫"حسًنا‪ ،‬يا سيدي‪ ،‬كنت أمر بالقرب من البوابة عندما رأيت هذا الرجل السمين عند الب‪NN‬اب‪ .‬ب‪NN‬دا متض‪NN‬ايًقا‬
‫جًدا‪ ،‬بل إنه كان غاضًبا جًدا! كان وجهه أحمر‪ ،‬أو باألحرى أرجواني‪ ،‬حتى منتصف رأسه‪ ،‬ال‪NN‬ذي كنت‬
‫أرى جيًدا‪ ،‬ألنه كان عارًيا‪ ،‬ولديه قليل جًدا من الشعر عليه‪".‬‬
‫"هل تحدث إليك أواًل ؟"‬
‫"نعم‪ ،‬يا سيدي‪ ،‬رأىني وناداني‪" ،‬أهًال يا فتى!" عندما تقدمت إليه‪ ،‬وسألني إذا كان لدينا زوًجا جي‪ًNN‬دا من‬
‫الساقين؟ أجبت بنعم‪ .‬ثم أخذني من األذن‪ ،‬ولكن دون إيذاء‪ ،‬وقال‪" :‬بما أن األمر كذلك‪ ،‬إذا قمت بتشغيل‬
‫مهم‪NN‬ة بالنس‪NN‬بة لي‪ ،‬س‪NN‬أعطيك عش‪NN‬ر س‪NN‬نتيمات‪ .‬اركض إلى نه‪NN‬ر الس‪NN‬ين؛ وعن‪NN‬دما تص‪NN‬ل إلى الرص‪NN‬يف‪،‬‬
‫ستالحظ قارًبا كبيًر ا راسيًا‪ .‬اصعد على متنه‪ ،‬واسأل عن الكابتن جيرفيه‪ :‬من المؤكد أنه سيعرفني جيًدا‪.‬‬
‫قل له أنني بحاجة إلى الذهاب إلى هافر على الفور‪ ،‬وسيعطيك ما تحتاجه من المال لشراء التذكرة‪".‬‬
‫"لو كان جميع الشهود مثل هذا الصبي الذكي‪ "،‬همس القاضي‪" ،‬كم سيكون األمر ممتًعا!"‬
‫"اآلن‪ "،‬قال القاضي‪" ،‬أخبرنا كيف قمت بتنفيذ مهمتك؟"‬
‫"ذهبت إلى القارب‪ ،‬سيدي‪ ،‬وجدت الرجل‪ ،‬وأخبرته؛ وهذا كل شيء‪".‬‬
‫استمع جيفرول بأكثر اهتمام إلى هذا الحديث‪ ،‬وانحنى نحو أذن السيد دابورون وق‪NN‬ال بص‪NN‬وت منخفض‪:‬‬
‫"هل تسمح لي‪ ،‬سيدي‪ ،‬بأن أسأل هذا الصبي بعض األسئلة؟"‬
‫"بالتأكيد‪ ،‬السيد جيفرول‪".‬‬
‫"تعال اآلن‪ ،‬ي‪N‬ا ص‪N‬ديقي الص‪N‬غير‪ "،‬ق‪N‬ال جيف‪N‬رول‪" ،‬إذا رأيت ه‪N‬ذا الرج‪N‬ل م‪N‬رة أخ‪N‬رى‪ ،‬ه‪N‬ل س‪N‬تتعرف‬
‫عليه؟"‬
‫"نعم‪ ،‬بالتأكيد!"‬
‫"إذن‪ ،‬كان هناك شيء ملحوظ في شكله؟"‬
‫"نعم‪ ،‬أعتقد ذلك! كان وجهه بلون الطوب!"‬
‫"وهل هذا كل شيء؟"‬
‫"حسًنا‪ ،‬نعم‪ ،‬سيدي‪".‬‬
‫"ولكن عليك أن تتذكر كيف كان ملبًسا؛ هل كان يرتدي بلوزة؟"‬
‫"ال‪ ،‬كان يرتدي سترة‪ .‬كانت تحت الذراعين جيوب كبيرة ج‪ًNN‬دا‪ ،‬ومن إح‪NN‬داها ك‪NN‬ان يظه‪NN‬ر من‪NN‬ديل أزرق‬
‫ُم نقط‪".‬‬
‫"ما نوع السروال الذي كان يرتديه؟"‬
‫"ال أتذكر‪".‬‬
‫"وماذا عن سترته؟"‬
‫"دعني أرى‪ "،‬أجاب الصبي‪" ،‬ال أعتقد أنه كان يرتدي سترة‪ .‬وم‪NN‬ع ذل‪NN‬ك‪ - ،‬ال‪ ،‬أت‪NN‬ذكر جي‪ًNN‬دا أن‪NN‬ه لم يكن‬
‫يرتدي سترة؛ كان يرتدي كرافاط طويلة‪ ،‬مثبتة بالقرب من رقبته بحلقة كبيرة‪".‬‬
‫"أها!" قال جيفرول بمظهر الرض‪NN‬ا‪" ،‬أنت ص‪NN‬بي ذكي‪ ،‬وأراهن أن‪NN‬ه إذا ح‪NN‬اولت بج‪NN‬د أن تت‪NN‬ذكر‪ ،‬س‪NN‬تجد‬
‫بعض التفاصيل األخرى لتعطينا إياها‪".‬‬
‫انحنى الصبي برأسه وظل صامًتا‪ .‬كان واضًح ا من تجاعيد جبينه الصغيرة أنه يبذل جهًدا ش‪N‬ديًدا لت‪N‬ذكر‪.‬‬
‫"نعم" صاح فجأة‪" ،‬أتذكر شيًئا آخر‪".‬‬
‫"ماذا؟"‬
‫"كان الرجل يرتدي حلقات كبيرة جًدا في أذنيه‪".‬‬
‫"برافو!" صاح جيفرول‪" ،‬هنا وصف كام‪NN‬ل‪ .‬س‪NN‬أعثر على الرج‪NN‬ل اآلن‪ .‬يمكن للس‪NN‬يد داب‪NN‬ورون إص‪NN‬دار‬
‫أمر اعتقاله في أي وقت يريد‪".‬‬
‫"أعتقد فعال أن شهادة هذا الطفل ذات أهمية كبيرة"‪ ،‬قال السيد داب‪NN‬ورون‪ ،‬وم ‪N‬ااًل إلى الص‪NN‬بي وأض‪NN‬اف‪:‬‬
‫"هل يمكنك أن تخبرنا‪ ،‬يا صديقي الصغير‪ ،‬ماذا كانت هذه القارب محملة به؟"‬
‫"ال‪ ،‬سيدي‪ ،‬لم أستطع أن أرى ألنها كانت مسقوفة‪".‬‬
‫"إلى أين كانت تتجه‪ ،‬صعوًدا على نهر السين أو نزواًل ؟"‬
‫"ال‪ ،‬سيدي‪ ،‬كانت مرسوة‪".‬‬
‫"نحن نعلم ذلك"‪ ،‬ق‪N‬ال جيف‪N‬رول‪" ،‬يس‪N‬ألك القاض‪N‬ي اآلن عن اتج‪N‬اه رأس الق‪N‬ارب‪ ،‬نح‪N‬و ب‪N‬اريس أو نح‪N‬و‬
‫مارلي؟"‬
‫"بدت الطرفان من القارب لي متشابهين‪".‬‬
‫قام رئيس شرطة المباحث بإيماءة تعبير خيبة أمل‪.‬‬
‫"على األقل"‪ ،‬قال وهو يخاطب الصبي مرة أخرى‪" ،‬هل الحظت اس‪NN‬م الق‪NN‬ارب؟ أنت تس‪NN‬تطيع الق‪NN‬راءة‪،‬‬
‫أفترض أن يجب أن نعرف أسماء القوارب التي نركبها‪".‬‬
‫"ال‪ ،‬لم أر أي اسم"‪ ،‬قال الصبي الصغير‪.‬‬
‫"إذا ك‪NN‬ان الق‪NN‬ارب مرس ‪ًN‬و ا في الرص‪NN‬يف"‪ ،‬الح‪NN‬ظ الس‪NN‬يد داب‪NN‬ورون‪" ،‬فمن الم‪NN‬رجح أن س‪NN‬كان بوجيف‪NN‬ال‬
‫الحظوه‪".‬‬
‫"صحيح‪ ،‬سيدي"‪ ،‬وافق القاضي‪.‬‬
‫"نعم"‪ ،‬قال جيفرول‪" ،‬ويجب أن يكون البحارة قد نزلوا على الشاطئ‪ .‬سأعرف ك‪NN‬ل ش‪NN‬يء عن ذل‪NN‬ك في‬
‫متجر النبيذ‪ .‬ولكن ما نوع الرجل الذي يدعى جيرفيه‪ ،‬صديقي الصغير؟"‬
‫"مثل جميع البحارة في هذا المنطقة‪ ،‬سيدي‪".‬‬
‫كان الصبي يستعد للمغادرة عندما دعاه السيد دابورون للعودة‪.‬‬
‫"قبل أن تذهب‪ ،‬يا صبي‪ ،‬هل تحدثت مع أي شخص من هذا االجتماع قبل اليوم؟"‬
‫"نعم‪ ،‬سيدي‪ ،‬أخبرت أمي بكل شيء عند عودتي من الكنيسة‪ ،‬وأعطيتها العشرة سنتيمات‪".‬‬
‫"وقلت لنا الحقيقة الكاملة؟" واصل القاضي‬
‫"تعلم أنها مس‪N‬ألة خط‪N‬يرة ج‪ًN‬دا أن تح‪N‬اول النص‪NN‬ب على العدال‪N‬ة‪ .‬فهي تكتش‪N‬ف ذل‪N‬ك دائًم ا‪ ،‬ومن واج‪N‬بي‬
‫تحذيرك بأنها تفرض أشد العقوبات على الكاذبين‪".‬‬
‫انحرج الصبي الصغير وأحمر وجهه مثل الكرز‪ ،‬وأدار رأسه لألسفل‪.‬‬
‫"أرى أنك قد أخفيت شيًئا عنا"‪ ،‬استمر السيد دابورون‪،‬‬
‫"ألست تعلم أن الشرطة تعرف كل شيء؟"‬
‫"عفًو ا‪ ،‬سيدي"‪ ،‬صرخ الصبي واندفع بالبكاء‪،‬‬
‫"عفًو ا‪ ،‬ال تعاقبني ولن أفعل ذلك مرة أخرى‪".‬‬
‫"أخبرنا‪ ،‬إذن‪ ،‬كيف خدعتنا؟"‬
‫"حسًنا‪ ،‬سيدي‪ ،‬لم يكن الرجل قد أعطاني عشرة سنتيمات‪ ،‬بل أعطاني عشرين سنتيًم ا‪ .‬وأعطيت نصفها‬
‫فقط ألمي‪ ،‬واحتفظت بالباقي لشراء الرخام‪".‬‬
‫"صديقي الصغير"‪ ،‬قال القاضي المحقق‪،‬‬
‫"في هذه المرة‪ ،‬أنا أغفر لك‪ .‬ولكن اجعله درًسا لبقية حياتك‪ .‬يمكنك اآلن الذهاب‪ ،‬وت‪NN‬ذكر أن‪NN‬ه ال ج‪NN‬دوى‬
‫من محاولة إخفاء الحقيقة؛ فهي دائًم ا تظهر!"‬
‫الفصل ‪2‬‬
‫أيقظت اإلفادتان األخيرت‪NN‬ان في عق‪N‬ل الس‪NN‬يد داب‪NN‬ورون بعض األم‪NN‬ل الخفي‪NN‬ف‪ .‬في وس‪NN‬ط الظالم‪ ،‬تحص‪NN‬ل‬
‫أبسط المصابيح على بريق مذهل‪.‬‬
‫"سأذهب إلى بوجيفال على الفور‪ ،‬إذا وافقت على هذه الخطوة‪ ،‬سيدي"‪ ،‬اقترح جيفرول‪.‬‬
‫"ربما األفضل أن تصبر قليًال"‪ ،‬أجاب السيد دابورون‪.‬‬
‫"رأينا هذا الرجل يوم األحد الصباح‪ .‬سنستفسر عن حركات ويدو ليروج في ذلك اليوم‪".‬‬
‫تم استدعاء ثالثة جيران‪ .‬جميعهم أكدوا أن األرملة لم تخ‪NN‬رج من س‪NN‬ريرها ي‪NN‬وم األح‪NN‬د‪ .‬الم‪NN‬رأة واح‪NN‬دة ‪،‬‬
‫عندما سمعت أنها مريضة ‪ ،‬زارتها وقالت‪" :‬آه! لقد كان لدي حادث مروع الليلة الماضية‪".‬‬
‫لم يعطي حينها أحد أهمية لهذه الكلمات‪.‬‬
‫"يصبح الرجل ذو الحلقات في أذنيه أكثر أهمية"‪ ،‬قال القاضي عندما انسحبت المرأة‪.‬‬
‫"يجب عليك العثور عليه مجدًدا‪ :‬يجب أن تراقب هذا ‪ ،‬يا سيد جيفرول‪".‬‬
‫"قبل ثمانية أيام ‪ ،‬سأجده" ‪ ،‬أجاب رئيس شرطة المباحث‬
‫"إذا ك‪NN‬ان علي أن أبحث في ك‪NN‬ل ق‪NN‬ارب على الس‪NN‬ين من مص‪NN‬دره إلى المحي‪NN‬ط‪ .‬أن‪NN‬ا أع‪NN‬رف اس‪NN‬م الك‪NN‬ابتن‬
‫جيرفيس‪ .‬سيخبرني مكتب المالحة بشيء ما‪".‬‬
‫قاطعه ليكوك ‪ ،‬الذي اندفع إلى المنزل بأنفاس متقطعة‪.‬‬
‫"هنا طابار القديم" ‪ ،‬قال‪.‬‬
‫"لقد قابلته للتو عندما كان يخرج‪ .‬ما هذا الرجل! لم ينتظر القطار ‪ ،‬بل أعطى أنا ال أعرف كم لصهريج‬
‫؛ وقد قادنا إلى هنا في خمسين دقيقة!" ظهر رجل عند الباب ‪ ،‬وكانت مظهره ليست كم‪NN‬ا ك‪NN‬ان يف‪NN‬ترض‬
‫بشخص انضم إلى الشرطة للشرف وحده‪ .‬كان عمره بالتأكيد ستين عاًم ا ولم يبدو أص‪NN‬غر‪ .‬ك‪NN‬ان قص‪NN‬يًرا‬
‫ونحيًفا ومنحنًيا إلى حد ما ‪ ،‬وكان يستند على مقبض عاج محفور من عصا سميكة‪ .‬كان وجهه ال‪NN‬دائري‬
‫يرتدي تعبير الدهشة الدائم ‪ ،‬الممزوج ب‪NN‬القلق ‪ ،‬ال‪NN‬ذي جع‪NN‬ل ث‪NN‬روات ممثلين كومي‪NN‬ديين اث‪NN‬نين في مس‪NN‬رح‬
‫باليه رويال‪ .‬كان حليًقا بدقة ‪ ،‬وكانت لهذا الوجه القصير والشفاه الكبيرة والودودة واألنف المرتفع بشكل‬
‫مزعج ‪ ،‬مث‪NN‬ل الج‪NN‬زء الع‪NN‬ريض من ق‪NN‬رون س‪NN‬اكس‪ .‬ك‪NN‬انت عين‪NN‬اه ذات ل‪NN‬ون رم‪NN‬ادي ممل‪NN‬ة ‪ ،‬وص‪NN‬غيرتان‬
‫وحمراء عن‪NN‬د الجف‪NN‬ون ‪ ،‬وخالي‪NN‬ة تماًم ا من التعب‪NN‬ير‪ .‬وم‪NN‬ع ذل‪NN‬ك ‪ ،‬فإنه‪NN‬ا تتعب الم‪NN‬راقب بحركته‪NN‬ا الالفت‪NN‬ة‬
‫لالنتباه‪ .‬بضعة شعرات مستقيمة تظلل جبينه ‪ ،‬الذي ينح‪NN‬در مث‪NN‬ل جب‪NN‬ل الرم‪NN‬ل ‪ ،‬وع‪NN‬بر ن‪NN‬درتهما يخفي‪NN‬ان‬
‫أذنيه الطويلتين والقبيحتين‪ .‬كان هندامه يبدو مريح للغاية ‪ ،‬نظيًفا مثل فرنك جديد ‪ ،‬وع‪NN‬رض الكث‪NN‬ير من‬
‫القمصان البيضاء الالمعة وارتداء قفازات حريرية وجزمات جلدية‪ .‬كانت سلسلة ذهبية طويلة وض‪NN‬خمة‬
‫‪ ،‬تبدو عادية جًدا ‪ ،‬ملتفة ثالث مرات حول عنقه ‪ ،‬وتسقط بشكل شالالت في جيب سترته‪.‬‬
‫وقف السيد طاباريه الملقب تيراوكلير عند عتبة الباب وانحنى تقريًبا حتى األرض‪ ،‬يحني ظهره العجوز‬
‫بشكل قوس‪ ،‬وبأبسط األصوات طلب‪" :‬أشرف القاضي المحقق على استدعائي؟"‬

‫"نعم!" رد السيد دابورون‪ ،‬مضيًفا بدون ص‪NN‬وت‪" :‬وإذا كنت رجًال موهوًب ا‪ ،‬فال يوج‪N‬د ش‪N‬يء يش‪N‬ير إلى‬
‫ذلك في مظهرك على األقل‪".‬‬

‫"أنا هنا"‪ ،‬استمر العجوز‪" ،‬بالكامل على خدمة العدالة‪".‬‬


‫"أريد معرفة"‪ ،‬قال السيد دابورون‪" ،‬ه‪NN‬ل يمكن‪NN‬ك اكتش‪NN‬اف بعض األدل‪NN‬ة ال‪NN‬تي تض‪NN‬عنا على أث‪NN‬ر القات‪NN‬ل‪.‬‬
‫سأشرح‬
‫—"أوه‪ ،‬أعرف الكثير عنه!" قاطع السيد طاباريه‪" .‬لق‪NN‬د أخ‪NN‬برني ليك‪NN‬وك بالحق‪NN‬ائق الرئيس‪NN‬ية‪ ،‬بق‪NN‬در م‪NN‬ا‬
‫أرغب في معرفته‪".‬‬

‫"ومع ذلك—" بدأ رئيس شرطة المباحث‪.‬‬

‫"إذا سمحتم لي‪ ،‬أفضل االستمرار بدون تفاصيل‪ ،‬ألكون أكثر سيطرة على انطباع‪NN‬اتي الخاص‪NN‬ة‪ .‬عن‪NN‬دما‬
‫يعرف المرء رأي اآلخرين‪ ،‬ال يمكن أن يتأثر بهذا الرأي‪ .‬سأبدأ على الفور بأبحاثي‪ ،‬بمساعدة ليك‪NN‬وك‪".‬‬
‫وبينما يتحدث العجوز‪ ،‬توسعت عيناه الرماديتان الصغيرتان وأص‪NN‬بحتا المع‪NN‬تين مث‪NN‬ل الياقوت‪NN‬ات‪ .‬وجه‪NN‬ه‬
‫انعكس عليه االرتياح الداخلي‪ ،‬حتى التجاعيد بدت تض‪NN‬حك‪ .‬أص‪NN‬بحت ص‪NN‬ورته مس‪NN‬تقيمة تقريب‪ًN‬ا‪ ،‬وك‪NN‬ان‬
‫خطوته شبه مرًنا عندما اندفع إلى الغرفة الداخلية‪.‬‬
‫ظل هناك لمدة نصف ساعة تقريبًا‪ ،‬ثم خرج يركض‪ ،‬ثم عاد مرة أخرى وخ‪NN‬رج م‪NN‬رة أخ‪NN‬رى‪ ،‬ثم اختفى‬
‫مرة أخرى وظهر مرة أخرى بعد لحظات‪ .‬لم يستطع القاضي المحق‪NN‬ق إال أن يقارن‪NN‬ه ب‪NN‬الكلب الب‪NN‬ارع في‬
‫الشم‪ ،‬حتى أن أنفه المنحني صعد ونزل وكأنه يحاول اكتشاف رائحة دقيقة تركها القات‪NN‬ل‪ .‬ط‪NN‬وال ال‪NN‬وقت‬
‫تحدث بص‪NN‬وت ع‪NN‬اٍل وبحرك‪NN‬ات كث‪NN‬يرة‪ ،‬يخ‪NN‬اطب نفس‪NN‬ه‪ ،‬وي‪NN‬وبخ نفس‪NN‬ه‪ ،‬ويص‪NN‬يح بأص‪NN‬وات ص‪NN‬غيرة من‬
‫االنتصار أو التشجيع‪ .‬لم يترك ليكوك لحظة راحة‪ .‬كان يريد هذا أو ذاك أو غيره‪N‬ا‪ .‬ط‪N‬الب ب‪N‬ورق وقلم‪.‬‬
‫ثم طلب مجرفة‪ ،‬وأخيرًا صاح يطلب جص‪ ،‬وبعض الماء وزجاجة زيت‪.‬‬
‫بعد مرور أكثر من ساعة‪ ،‬بدأ القاضي المحقق يشعر باالنزعاج‪ ،‬وسأل عن ما حدث للمحقق الهاٍو ‪.‬‬
‫"هو في الطريق"‪ ،‬أجاب الرقيب "مستلقيًا على الطين ويخلط بعض الجص في صحن‪ .‬يق‪NN‬ول إن‪NN‬ه انتهى‬
‫تقريبًا‪ ،‬وأنه سيعود قريبًا‪".‬‬
‫وبالفعل عاد تقريبًا على الف‪NN‬ور‪ ،‬فرًح ا ومنتص‪ًNN‬را‪ ،‬يب‪NN‬دو أن‪NN‬ه أص‪NN‬غر بعش‪NN‬رين عاًم ا على األق‪NN‬ل‪ .‬وتابع‪NN‬ه‬
‫ليكوك‪ ،‬يحمل السلة بأقصى حذر‪.‬‬
‫"لقد حللت اللغز!" قال طاباريه للقاضي المحقق‪.‬‬
‫"اآلن كل شيء واضح وواضح كشمس الظهيرة‪ .‬ليكوك‪ ،‬يا ولدي‪ ،‬ضع السلة على الطاولة‪".‬‬
‫في هذه اللحظة‪ ،‬عاد جيفرول من بعثته مبتهًجا أيًضا‪.‬‬
‫"أنا على أثر الرجل ذي األقراط"‪ ،‬قال‬
‫"ذهب القارب في اتجاه النهر‪ .‬لقد حصلت على وصف دقيق للسيد جيرفيه‪".‬‬
‫"ماذا اكتشفت‪ ،‬يا سيد طاباريه!" سأل القاضي المحقق‪.‬‬
‫دقق العجوز المحترف البالغ في السبعينيات من عمره‪ ،‬النظر في سلة السفر الخاصة به بعناي‪NN‬ة‪ ،‬وأف‪NN‬رغ‬
‫محتوياتها على الطاولة بعناية‪ ،‬وهي كتلة كبيرة من الطين‪ ،‬وعدة ورق‪NN‬ات كب‪NN‬يرة‪ ،‬وثالث‪NN‬ة أو أرب‪NN‬ع كت‪NN‬ل‬
‫صغيرة من الجص الرطب‪ .‬وق‪N‬ف العج‪N‬وز وراء الطاول‪N‬ة‪ ،‬وب‪N‬دا وكأن‪N‬ه مس‪N‬تعرض خي‪N‬ال يق‪N‬وم بالخ‪N‬دع‬
‫والتالعب بأموال المشاهدين في الساحات العام‪NN‬ة‪ .‬وق‪NN‬د تعرض‪NN‬ت مالبس‪NN‬ه للتل‪NN‬ف بش‪NN‬دة‪ ،‬وك‪NN‬انت مغط‪NN‬اة‬
‫بالطين حتى الذقن‪.‬‬
‫"أوًال"‪ ،‬قال بصوت متكلف من التواضع‪" ،‬لم يكن السرقة لها عالقة بالجريمة التي تشغل اهتمامنا‪".‬‬
‫"طبًعا ال!" همس جيفرول‪.‬‬
‫"سأثبت ذلك"‪ ،‬استمر العجوز طاباريه‪،‬‬
‫"باألدلة‪ .‬وفيما بعد‪ ،‬سأعرض رأيي المتواضع بشأن الدافع الحقيقي‪ .‬وثانًيا‪ ،‬وصل القاتل هنا قبل الساعة‬
‫التاسعة والنصف؛ وهذا يعني قبل بدء األمطار‪ .‬لم يتمكن أحد‪ ،‬حتى مثل جيفرول‪ ،‬من اكتشاف أي آث‪NN‬ار‬
‫ألق‪NN‬دام متس‪NN‬خة‪ ،‬ولكن تحت الطاول‪NN‬ة‪ ،‬حيث وض‪NN‬ع قدمي‪NN‬ه‪ ،‬وج‪NN‬دت الغب‪NN‬ار‪ .‬وب‪NN‬ذلك نض‪NN‬من أن الجريم‪NN‬ة‬
‫حصلت في تلك الساعة‪ .‬لم تكن األرملة تتوقع زائرها على اإلطالق‪ .‬ب‪NN‬دأت في ف‪NN‬ك نفس‪NN‬ها من المالبس‪،‬‬
‫وكانت تحرك ساعة القوقعة عندما ُصدمت الباب‪".‬‬
‫"هذه تفاصيل مطلقة!" صاح الكوميسير‪.‬‬
‫"لكن يمكن إثباتها بسهولة"‪ ،‬أجاب الهاوي‪.‬‬
‫"انظر إلى هذه الساعة القوقعة فوق المكتب؛ إنها من تلك التي تعمل لم‪N‬دة أرب‪N‬ع عش‪N‬رة أو خمس‪N‬ة عش‪N‬ر‬
‫ساعة على األكثر‪ ،‬فلقد فحصتها‪ .‬اآلن‪ ،‬من المحتمل جًدا‪ ،‬بل مؤكد‪ ،‬أن األرملة كانت تلفها كل ليل‪NN‬ة قب‪NN‬ل‬
‫النوم‪ .‬فكيف يتم إيقاف الساعة عند الخامسة؟ ألنها يجب أن تكون لمستها‪ .‬عندما كانت تس‪NN‬حب السلس‪NN‬لة‪،‬‬
‫صدم القاتل‪ .‬كدليل‪ ،‬فإنني أريك هذه الكرسي الموجود تحت الساعة‪ ،‬وعلى المقع‪NN‬د بص‪NN‬مة ق‪NN‬دم واض‪NN‬حة‬
‫جًدا‪ .‬اآلن انظر إلى ث‪NN‬وب الض‪NN‬حية؛ فهي تخلص‪NN‬ت من الج‪NN‬زء العل‪NN‬وي من‪NN‬ه‪ .‬من أج‪NN‬ل فتح الب‪NN‬اب بش‪NN‬كل‬
‫أسرع‪ ،‬لم تنتظر لترتديه مرة أخرى‪ ،‬ولكنها رمت هذا الشال القديم بسرعة على كتفيها‪".‬‬
‫"باهلل عليك!" صرخ الرقيب‪ ،‬مصدوًم ا بوضوح‪.‬‬
‫"كانت األرملة"‪ ،‬استمر العجوز‪،‬‬
‫"تعرف الشخص الذي صدم الباب‪ .‬عجلتها في فتح الباب تشير إلى هذه االحتمالية‪ ،‬وم‪NN‬ا يلي يثبت ذل‪NN‬ك‪.‬‬
‫القاتل دخل بسهولة‪ .‬إنه شاب‪ ،‬أعلى من الوسط قليًال‪ ،‬يرتدي مالبس أنيقة‪ .‬ك‪NN‬ان يرت‪NN‬دي قبع‪NN‬ة عالي‪NN‬ة في‬
‫تلك الليلة‪ ،‬وكان يحمل مظلة‪ ،‬وكان يدخن سيجارة ترابوكوس في حامل السجائر‪".‬‬
‫"هذا سخيف!" صاح جيفرول‪" .‬هذا أكثر مما يجوز‪".‬‬
‫"ربما كانت كثيرة ج‪ًNN‬دا"‪ ،‬رد العج‪NN‬وز طاباري‪NN‬ه‪" .‬على أي ح‪NN‬ال‪ ،‬ه‪NN‬ذه هي الحقيق‪NN‬ة‪ .‬إذا لم تكن دقيًق ا في‬
‫تحرياتك‪ ،‬فال أستطيع مساعدتك؛ على أي حال‪ ،‬أن‪NN‬ا أبحث وأج‪NN‬د‪ .‬كث‪NN‬يًر ا‪ ،‬تق‪NN‬ول؟ حس‪ًN‬نا‪ ،‬انظ‪NN‬ر إلى ه‪NN‬ذه‬
‫الكتل الرطبة من الجص‪ .‬إنها تمثل كعب حذاء القاتل‪ ،‬الذي وجدت بصمته الكاملة بالقرب من الحوض‪،‬‬
‫حيث تم العثور على المفتاح‪ .‬على هذه األوراق‪ ،‬لقد وضعت بصمة القدم ال‪NN‬تي ال يمكن‪NN‬ني رفعه‪NN‬ا‪ ،‬ألنه‪NN‬ا‬
‫على بعض الرمال‪ .‬انظر! الكعب مرتفع‪ ،‬والقوس محدد‪ ،‬والنعل صغير وضيق ‪ -‬حذاء أني‪NN‬ق ينتمي إلى‬
‫قدم محافظ عليها بوضوح‪ .‬ابحث عن هذه البصمة على طول الطريق؛ وستجدها مرة أخ‪NN‬رى م‪NN‬رتين‪ .‬ثم‬
‫ستجدها متكررة خمس مرات في الحديقة حيث لم يكن أحد آخ‪NN‬ر‪ ،‬وتثبت ه‪NN‬ذه اآلث‪NN‬ار‪ ،‬على الطريق‪N‬ة‪ ،‬أن‬
‫الغريب لم ينقر على الباب‪ ،‬ولكن النافذة‪ ،‬تحتها يلمع بريق من الضوء‪ .‬عند مدخل الحديقة‪ ،‬قف‪NN‬ز الرج‪NN‬ل‬
‫لتجنب مربع الزهور! نقطة الق‪NN‬دم‪ ،‬المطبوع‪NN‬ة بش‪NN‬كل أعم‪NN‬ق من المعت‪NN‬اد‪ ،‬تثبت ذل‪NN‬ك‪ .‬لق‪NN‬د قف‪NN‬ز أك‪NN‬ثر من‬
‫مترين بسهولة‪ ،‬مما يثبت أنه نشيط‪ ،‬وبالتالي شاب"‪.‬‬
‫تحدث العجوز طاباريه بصوت منخفض وواضح‪ ،‬وعيناه تحدق في أذني المس‪NN‬تمعين‪ ،‬ي‪NN‬راقب االنطب‪NN‬اع‬
‫الذي يتركه عليهم‪.‬‬
‫"هل يدهشك القبعة‪ ،‬يا جيفرول؟"‪ ،‬استمر في السؤال‪" .‬انظر فقط إلى الدائرة المرسومة في الغب‪N‬ار على‬
‫الطاولة الرخامية للمكتب‪ .‬هل يدهشك ذلك ألنني ذك‪NN‬رت ارتفاع‪N‬ه؟ خ‪NN‬ذ عن‪NN‬اء النظ‪NN‬ر إلى أعلى الخ‪NN‬زائن‬
‫وسترى أن القاتل مرر يديه عليها‪ .‬لذلك فهو أطول م‪NN‬ني‪ .‬ال تق‪NN‬ل أن‪NN‬ه ص‪NN‬عد على كرس‪NN‬ي‪ ،‬ألن‪NN‬ه في ه‪NN‬ذه‬
‫الحالة‪ ،‬كان سيرى ولن يضطر إلى الشعور‪ .‬أتدهش بشأن المظلة؟ ه‪N‬ذا الكتل‪N‬ة من الترب‪N‬ة تظه‪N‬ر بص‪NN‬مة‬
‫ممتازة ليس فقط لنهاية العصا‪ ،‬ولكن حتى للقطعة الدائرية الصغيرة من الخش‪NN‬ب ال‪NN‬تي توض‪NN‬ع دائًم ا في‬
‫نهاية الحرير‪ .‬ربما ال يمكن بإمكانك تجاوز التصريح بأنه تدخن سيجار؟ ها هو نهاي‪N‬ة ترابوك‪N‬وس ال‪N‬ذي‬
‫وجدته بين الرماد‪ .‬هل تم عضها في النهاية؟ ال‪ .‬هل تم ترطيبها باللعاب؟ ال‪ .‬إًذ ا من كان يدخنها اس‪NN‬تخدم‬
‫حامل السيجار‪".‬‬
‫كان ليكوك غير قادر على إخفاء إعجابه المتحمس‪ ،‬وفرك يديه بصمت‪ .‬بدا المف‪NN‬وض م‪NN‬ذهواًل ‪ ،‬في حين‬
‫كان السيد دابورون مسروًر ا‪ .‬كانت وجه جيفرول‪ ،‬بالعكس‪ ،‬أطول قليًال‪ .‬أما الرقيب‪ ،‬فكان ُم ْد َم ًرا‪.‬‬

‫"واآلن"‪ ،‬استمر العجوز‪" ،‬اتبعني بعناي‪NN‬ة‪ .‬لق‪NN‬د تتبعن‪NN‬ا الش‪NN‬اب إلى ال‪NN‬داخل‪ .‬كي‪NN‬ف ش‪NN‬رح وج‪NN‬وده في ه‪NN‬ذه‬
‫الساعة‪ ،‬ال أعرف‪ ،‬لكن الشيء المؤكد هو أنه قال لألرملة إنه لم يتناول الغ‪NN‬داء‪ .‬وك‪NN‬انت الم‪NN‬رأة الكريم‪NN‬ة‬
‫سعيدة جًدا بهذا الخبر‪ ،‬وبدأت على الفور في إعداد وجبة طعام‪ .‬لم تكن هذه الوجبة لها‪ ،‬حيث وجدت في‬
‫الخزانة بقايا طعامها الخاص؛ حيث تناولت السمك؛ وستؤكد التشريح صحة هذه البيانات‪ .‬باإلض‪NN‬افة إلى‬
‫ذلك‪ ،‬يمكنكم أن تروا بأنفسكم‪ ،‬ال يوجد سوى كأس واحد على الطاولة‪ ،‬وسكين واحد‪ .‬ولكن من ه‪N‬و ه‪N‬ذا‬
‫الشاب؟ بوضوح‪ ،‬رأت األرملة أنه رجل ذو رتبة عالية من خالل وجود مفرش طاولة نظيف للغاي‪NN‬ة في‬
‫الخزانة‪ .‬هل استخدمته؟ ال‪ ،‬فقد أخرجت لضيفها طاولة طعام نظيفة‪ ،‬أفضلها‪ .‬وهذا الزجاج الرائع‪ ،‬هدية‬
‫بال شك‪ ،‬ومن الواضح أنها لم تستخدم هذا السكين ذو المقبض المصنوع من العاج كثيًرا‪".‬‬
‫"كالمك صحيح جًدا"‪ ،‬همس السيد دابورون‪" ،‬صحيح جًدا‪".‬‬
‫"حسًنا‪ ،‬اآلن لدينا الشاب جالًسا‪ .‬بدأ بشرب كأس من النبيذ‪ ،‬بينما كانت األرمل‪NN‬ة تض‪NN‬ع مقالة على الن‪NN‬ار‪.‬‬
‫ثم‪ ،‬وقع قلبه‪ ،‬طلب البراندي‪ ،‬وشرب حوالي خمسة أكواب صغيرة‪ .‬بعد صراع داخلي دام عش‪NN‬ر دق‪NN‬ائق‬
‫(الوقت الذي يجب أن يستغرقه طهي الخنزير المقدد والبيض)‪ ،‬ق‪NN‬ام الش‪NN‬اب واق‪NN‬ترب من األرمل‪NN‬ة‪ ،‬ال‪NN‬تي‬
‫ك‪NN‬انت تجلس وميالن‪NN‬ة على طبخه‪NN‬ا‪ .‬طعنه‪NN‬ا م‪NN‬رتين في ظهره‪NN‬ا‪ ،‬لكنه‪NN‬ا لم تمت ف‪NN‬وًر ا‪ .‬ارتفعت نص‪NN‬فين‬
‫وأمسكت بالقاتل باليدين‪ ،‬بينما انسحب هو‪ ،‬رفعها فجأة وألقاه‪NN‬ا على األرض في الموض‪NN‬ع ال‪NN‬ذي ترون‪NN‬ه‬
‫اآلن‪ .‬هذا الصراع القصير مشار إليه بموضع الجث‪NN‬ة؛ حيث يجلس ويتع‪NN‬رض للض‪NN‬رب في الظه‪NN‬ر‪ ،‬فمن‬
‫الطبيعي أن يسقط على ظهره‪ .‬استخدم القاتل سالًحا حاًدا وضيًقا‪ ،‬والذي كان‪ ،‬إال إذا كنت مخطًئا‪ ،‬نهاية‬
‫السيف‪ ،‬المشحذ واألزرار كانت مكسورة‪ .‬عند مسح السالح على تنورة الضحية‪ ،‬ترك القاتل هذا الدليل‪.‬‬
‫لم يصب القاتل بأذى في الصراع‪ .‬يجب أن تكون الضحية قد التصقت بيديه بعناية؛ لكنه لم يخلع قفازاته‬
‫البنفسجية اللون؛"‬
‫"قفازات! لماذا هذا الخيال؟" صاح جيفرول‪.‬‬

‫هل فحصت أظافر المرأة الميتة‪ ،‬السيد جيفرول؟‬


‫ال‪.‬‬
‫حسًنا‪ ،‬افعل ذلك‪ ،‬ثم قل لي هل أنا مخطئ؟‬
‫المرأة‪ ،‬التي توفيت اآلن‪ ،‬نأتي إلى هدف اغتيالها‪.‬‬
‫ماذا كان يريد هذا الشاب الرائع الملبس؟ المال؟ األشياء الثمينة؟‬
‫ال! ال! مئات الم‪NN‬رات ال! م‪NN‬ا ك‪NN‬ان يري‪NN‬ده‪ ،‬وم‪NN‬ا ك‪NN‬ان يبحث عن‪NN‬ه‪ ،‬وم‪NN‬ا وج‪NN‬ده‪ ،‬هي أوراق‪ ،‬ومس‪NN‬تندات‪،‬‬
‫ورسائل‪ ،‬علم بأنها في حوزة الضحية‪ .‬ليجد هذه األشياء‪ ،‬قلب كل شيء رأًسا على عقب‪ ،‬قلب الخزائن‪،‬‬
‫فك األغطية‪ ،‬كسر الخزانة التي لم يج‪N‬د مفتاحه‪N‬ا‪ ،‬وح‪N‬تى ف‪NN‬رغ المرتب‪N‬ة من الس‪N‬رير‪ .‬وأخ‪N‬يًرا وج‪N‬د ه‪N‬ذه‬
‫الوثائق‪.‬‬
‫وهل تع‪N‬رف م‪N‬اذا فع‪N‬ل به‪N‬ا؟ حرقه‪N‬ا‪ ،‬ب‪N‬الطبع‪ ،‬ليس في الموق‪N‬د‪ ،‬ولكن في الم‪N‬دفأة الص‪N‬غيرة في الغرف‪N‬ة‬
‫األمامية‪ .‬وبعد إنجاز هدفه‪ ،‬ماذا فعل بعد ذلك؟‬
‫هرب‪ ،‬وحمل معه كل ما يجد قيمة‪ ،‬لتضليل الكشف عنه‪ ،‬ولتوحي بحدوث س‪NN‬رقة‪ .‬ل‪NN‬ف ك‪NN‬ل ش‪NN‬يء ال‪NN‬ذي‬
‫وجده يستحق االحتفاظ به بمنديل كان سيستخدمه في العشاء‪ ،‬وطفى الش‪NN‬معة‪ ،‬وف‪NN‬ر هارًب ا‪ ،‬مغلًق ا الب‪NN‬اب‬
‫من الخارج‪ ،‬ورمي المفتاح في حفرة‪ .‬وهذا كل ما حدث‪.‬‬
‫"السيد تاباريه"‪ ،‬قال القاضي "إن تحقيقك رائع‪ ،‬وأنا واثق من صواب افتراضاتك"‪.‬‬

‫"أحسنت!" صاح لكوك "أليس هو المهيب‪ ،‬الشيخ تيراوكلير الكبير؟"‬

‫"هرمي" صاح جيفرول ساخرًا "أخشى‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬أن يك‪N‬ون ش‪N‬ابنا الرائ‪N‬ع وس‪N‬يًم ا قليًال في حم‪N‬ل حزم‪N‬ة‬
‫مغطاة بمنديل أبيض كالثلج‪ ،‬والتي يمكن رؤيتها بسهولة من بعيد‪".‬‬

‫"لم يحملها مسافة مئة ميل"‪ ،‬رد السيد تاباريه‬


‫"يمكنك أن تصدق‪ ،‬أنه لن يكون مجنوًنا بدرجة أن يأخذ الحافلة للوص‪NN‬ول إلى محط‪NN‬ة الس‪NN‬كك الحديدي‪NN‬ة‪.‬‬
‫كال‪ ،‬عاد سيًر ا على األقدام عبر الطريق األقصر‪ ،‬التي تح‪NN‬دها النه‪NN‬ر‪ .‬وعن‪NN‬د وص‪NN‬وله إلى الس‪NN‬ين‪ ،‬إذا لم‬
‫يكن أكثر ذكاًء مما أعتقد‪ ،‬كان أول اهتمامه رمي هذه الحزمة التي تكشف عنها في الماء‪".‬‬
‫"هل تعتقد ذلك يا السيد تيراوكلير؟" سأل جيفرول‪.‬‬

‫"ال يهمني أن أراهن عليه‪ ،‬وأفضل دلي‪NN‬ل على إعتق‪NN‬ادي ه‪NN‬و أن‪NN‬ني أرس‪NN‬لت ثالث‪NN‬ة رج‪NN‬ال‪ ،‬تحت إش‪NN‬راف‬
‫جندي شرطة‪ ،‬لجر السين من أقرب نقطة من هنا‪ .‬إذا نجحوا في العثور على الحزمة‪ ،‬وعدتهم بمكافأة‪".‬‬
‫"من جيبك الخاص‪ ،‬أيها المتحمس الكبير؟" "نعم‪ ،‬سيد جيفرول‪ ،‬من جيبي الخاص‪".‬‬
‫"ولكن إذا وجدوا هذه الحزمة!" همس السيد دابورون‪.‬‬
‫تم تقطيع كالمه بدخول جندي شرطة يقول‪" :‬هذا من‪NN‬ديل مل‪NN‬وث مليء باألطب‪NN‬اق والم‪NN‬ال والمج‪NN‬وهرات‪،‬‬
‫والذي وجدوه هؤالء الرجال‪ .‬يطالبون بمكافأة مائة فرنك التي وعدناهم بها‪".‬‬
‫أخرج السيد تاباريه بطاقة بنكية من محفظته وسلمها للجندي‪.‬‬
‫"اآلن"‪ ،‬طالبه بصوت متحدٍي وبعيٍد عن جيفرول‪" ،‬ما الذي يفكر فيه قاضي التحقيق بعد هذا؟"‬
‫"أنه‪ ،‬بفضل اختراقك المذهل‪ ،‬سنكتشف ‪"-‬‬
‫لم يكمل الجملة‪ .‬دخل الطبيب المستدعى إلجراء الفحص الطبي الشرعي الغرفة‪ .‬بعد إنجاز ه‪NN‬ذه المهم‪NN‬ة‬
‫المزعجة‪ ،‬لم يفعل سوى تأكيد تصريحات وتخمينات السيد تاباريه‪ .‬وأوضح الط‪NN‬بيب‪ ،‬كم‪NN‬ا فع‪NN‬ل الرج‪NN‬ل‬
‫العجوز‪ ،‬موقف الجثة‪ .‬في رأيه أيًض ا‪ ،‬كان هن‪N‬اك ص‪NN‬راع‪ .‬وأش‪N‬ار إلى دائ‪N‬رة زرق‪NN‬اء‪ ،‬ال يمكن اكتش‪N‬افها‬
‫بشكل واضح‪ ،‬حول عنق الضحية‪ ،‬التي يبدو أنها نتيجة قبضة قوية من القاتل‪ .‬وأخيًر ا‪ ،‬أعلن أن األرملة‬
‫لوروج تناولت الطعام قبل ثالث ساعات من ضربة الجاني‪.‬‬
‫لم يتبقى اآلن سوى جمع األشياء المختلفة التي ستكون مفيدة لإلدعاء الع‪NN‬ام‪ ،‬وق‪NN‬د تش‪NN‬جع في وقت الح‪NN‬ق‬
‫المذنب‪ .‬فحص السيد تاباريه بعناية شديدة أظافر المرأة الميتة؛ و‪ ،‬بإتباع الحذر الالنه‪NN‬ائي‪ ،‬إس‪NN‬تخرج من‬
‫وراءها ع‪NN‬دة ش‪NN‬ظايا ص‪NN‬غيرة من الجل‪NN‬د‪ .‬لم يكن أك‪NN‬بر ه‪NN‬ذه الش‪NN‬ظايا س‪NN‬وى ج‪NN‬زء بحجم الج‪NN‬زء الخ‪NN‬امس‬
‫والعشرين من بوصة‪ ،‬ولكن بالرغم من ذلك‪ ،‬كان لونها مم‪NN‬يًز ا بس‪NN‬هولة‪ .‬وض‪NN‬ع جانًب ا أيًض ا الج‪NN‬زء من‬
‫المالبس الذي استخدمه القاتل لمسح سالحه‪ .‬هذه‪ ،‬باإلضافة إلى الحزم‪N‬ة ال‪N‬تي تم اس‪N‬تردادها من الس‪N‬ين‪،‬‬
‫والصبات المختلفة التي قام بها الرجل العجوز‪ ،‬كانت كل آثار ما تركها القاتل وراءه‪.‬‬
‫لم يكن األمر كبيًر ا‪ ،‬ولكن هذا القليل ك‪N‬ان ه‪N‬ائاًل في عي‪N‬ون الس‪N‬يد داب‪N‬ورون‪ ،‬وك‪N‬ان لدي‪N‬ه آم‪N‬ال قوي‪N‬ة في‬
‫الكشف عن الجاني‪ .‬أكبر عائق للنجاح في كش‪N‬ف الج‪N‬رائم الغامض‪N‬ة ه‪N‬و الخط‪N‬أ في تق‪N‬دير ال‪N‬دافع‪ .‬إذا تم‬
‫توجيه األبحاث باتجاه خاطئ في المرحلة األولى‪ ،‬فإنها تح‪NN‬ول بعي‪ًNN‬دا عن الحقيق‪NN‬ة‪ ،‬بمق‪NN‬دار ال‪NN‬وقت ال‪NN‬ذي‬
‫تمتد فيه‪ .‬وبفضل السيد تاباريه العجوز‪ ،‬شعر قاضي التحقيق بالثقة في أنه في المسار الصحيح‪.‬‬
‫وكان الليل قد حل‪ .‬لم يكن لدى السيد دابورون شيء آخر ليفعله في ال جونش‪NN‬ير‪ .‬لكن جيف‪NN‬رول‪ ،‬ال‪NN‬ذي ال‬
‫يزال متشبًثا برأيه في ال‪NN‬ذنب ال‪NN‬ذي يحم‪NN‬ل الحلق‪NN‬ات في أذني‪NN‬ه‪ ،‬أعلن أن‪NN‬ه س‪NN‬يبقى في بوجيف‪NN‬ال‪ .‬وق‪NN‬رر أن‬
‫يستغل المساء في زيارة محالت النبيذ المختلفة‪ ،‬والبحث عن شهود ج‪NN‬دد إن أمكن‪ .‬في لحظ‪NN‬ة المغ‪NN‬ادرة‪،‬‬
‫بعدما تمنى الكوميساري والحزب بأكمله للسيد دابورون ليلة سعيدة‪ ،‬طلب هذا األخير من الس‪NN‬يد تاباري‪NN‬ه‬
‫مرافقته‪.‬‬

‫"كنت على وش‪NN‬ك طلب ه‪NN‬ذا الش‪NN‬رف"‪ ،‬أج‪NN‬اب الرج‪NN‬ل العج‪NN‬وز‪ .‬خرج‪NN‬وا مًع ا‪ ،‬وك‪NN‬ان الجريم‪NN‬ة ال‪NN‬تي تم‬
‫اكتشافها والتي كانوا يفكرون بها موضوع حديثهما الطبيعي‪.‬‬

‫"هل سنتعرف على سوابق هذه المرأة أم ال!" تكرر السيد تاباريه العجوز‪" .‬ك‪NN‬ل ش‪NN‬يء يعتم‪NN‬د على ذل‪NN‬ك‬
‫اآلن!"‬

‫"سنتعرف عليها إذا صدقت زوجة البقالة"‪ ،‬أجاب السيد دابورون‪" .‬إذا كان زوج أرملة ل‪NN‬وروج بَّح اًرا‪،‬‬
‫وإذا كان ابنها جاك في البحرية‪ ،‬فيمكن لوزير البحري‪NN‬ة تزوي‪NN‬دنا بمعلوم‪NN‬ات ت‪NN‬ؤدي قريًب ا إلى اكتش‪NN‬افهم‪.‬‬
‫سأكتب إلى الوزير هذه الليلة نفسها‪".‬‬

‫وصلوا إلى محطة رويل‪ ،‬واستقلوا القط‪NN‬ار‪ .‬حظي‪NN‬وا بح‪NN‬ظ س‪NN‬عيد ب‪NN‬أنهم حص‪NN‬لوا على عرب‪NN‬ة من الدرج‪NN‬ة‬
‫األولى ألنفسهم‪ .‬لكن السيد تاباريه العجوز لم يكن مستعًدا للحديث بعد اآلن‪ .‬يفكر ويبحث ويجمع؛ وك‪NN‬ان‬
‫يمكن قراءة تفكيره بوضوح من خالل وجهه‪ .‬كان السيد دابورون يراقبه بفضول وشعر بجاذبي‪NN‬ة غريب‪NN‬ة‬
‫نحو هذا الرجل العجوز الغ‪NN‬ريب‪ ،‬ال‪NN‬ذي دفع‪NN‬ه ذوق‪NN‬ه األص‪NN‬لي إلى تك‪NN‬ريس خدمات‪NN‬ه للش‪NN‬رطة الس‪NN‬رية في‬
‫شارع القدس‪.‬‬
‫"السيد تاباريه"‪ ،‬سأله فجأة‪" ،‬هل تعمل مع الشرطة منذ فترة طويلة؟"‬
‫"تسع سنوات‪ ،‬السيد دابورون‪ ،‬أكثر من تسع سنوات؛ وإسمح لي باإلعتراف أنني مندهش قليًال من أن‪NN‬ك‬
‫لم تسمع عني من قبل‪".‬‬
‫"بالتأكيد كنت أعرفك من خالل الس‪NN‬معة"‪ ،‬أج‪NN‬اب الس‪NN‬يد داب‪NN‬ورون؛ "ولكن إس‪NN‬مك لم يتب‪NN‬ادر إلى ذه‪NN‬ني‪،‬‬
‫وكان فقط بسبب س‪NN‬ماعي عن إش‪NN‬ادتكم أن‪NN‬ني جئت بفك‪NN‬رة ممت‪NN‬ازة لطلب مس‪NN‬اعدتك‪ .‬ولكن م‪NN‬ا ه‪NN‬و س‪NN‬بب‬
‫إختيارك لهذه الوظيفة؟"‬
‫"الحزن‪ ،‬سيدي‪ ،‬الوحدة‪ ،‬التعب‪ .‬آه‪ ،‬لم أكن دائمًا سعيًدا!"‬
‫"لقد قيل لي أنك غني‪ ،‬أليس كذلك؟"‬
‫أومأ الرجل العجوز بحزن عميق‪ ،‬كاشفًا الخداعات األكثر قسوة‪" .‬أنا بحالة جيدة‪ ،‬سيدي"‪ ،‬أجاب "ولكن‬
‫لم أكن دائًم ا ك‪NN‬ذلك‪ .‬ح‪NN‬تى عم‪NN‬ر خمس‪NN‬ة وأربعين عاًم ا‪ ،‬ك‪NN‬انت حي‪NN‬اتي سلس‪NN‬لة من الحرمان‪NN‬ات الس‪NN‬خيفة‬
‫والعديمة الفائدة‪ .‬كان لدي أب يضيع شبابي‪ ،‬يدمر حياتي‪ ،‬ويجعلني أكثر البشر بؤسًا‪".‬‬
‫هناك رجال ال يستطيعون التخلص من عاداتهم المهنية‪.‬‬
‫كان السيد دابورون في جميع األوقات والمواسم قاضًيا تحقيًقا يحب البحث‪.‬‬
‫"كيف‪ ،‬سيد تاباريه‪ ،‬أبيك الذي يحمل كل مصائبك؟"‬
‫"آه‪ ،‬نعم‪ ،‬سيدي! لقد غفرت له في النهاي‪NN‬ة؛ لكن‪NN‬ني كنت ألعن‪NN‬ه بش‪NN‬دة‪ .‬في أولى هجم‪NN‬ات الغض‪NN‬ب‪ ،‬رميت‬
‫على ذاكرت‪NN‬ه ك‪NN‬ل اإلهان‪NN‬ات ال‪NN‬تي يمكن أن تلهمه‪NN‬ا الكراهي‪NN‬ة العنيف‪NN‬ة‪ ،‬عن‪NN‬دما علمت‪ ...‬لكن س‪NN‬أثقفك عن‬
‫تاريخي‪ ،‬سيد دابورون‪ .‬عندما كان عمري خمسة وعشرين عاًم ا‪ ،‬كنت أربح ألفي فرنك سنوًيا كموظ‪NN‬ف‬
‫في "مونتي دو بييت"‪ .‬في صباح من األيام‪ ،‬دخل والدي في سكني‪ ،‬وأعلن لي بشكل مف‪N‬اجئ أن‪N‬ه مفلس‪،‬‬
‫وبال طعام أو مأوى‪ .‬ظهر في حالة يأس‪ ،‬وتحدث عن قتل نفسه‪ .‬كنت أحب والدي‪.‬‬
‫بشكل طبيعي‪ ،‬حاولت أن أطمئنه؛ تفاخرت بوضعي‪ ،‬وشرحت له بعض التفاص‪NN‬يل‪ ،‬أناقش‪NN‬ته مع‪NN‬ه ب‪NN‬أنني‬
‫أكسب وسيلة العيش‪ ،‬وأنه لن يفتقر ألي شيء؛ وبدأت‪ ،‬للبدء‪ ،‬في العيش مًعا‪ .‬وبمجرد قولها‪ ،‬تم التنفي‪NN‬ذ‪،‬‬
‫ولمدة عشرين عاًم ا كنت محموًم ا بالعجوز‪"-‬‬
‫"ماذا! أتندم على سلوكك الرائع‪ ،‬سيد تاباريه؟"‬
‫"أندم عليه! يعني أنه يستحق أن يسمم بالخبز الذي أعطيته إياه‪".‬‬
‫لم يتمكن السيد دابورون من إخفاء لفتة الدهشة التي لم تفوت إنتباه الرجل العجوز‪.‬‬
‫"اسمع‪ ،‬قبل أن تدينني"‪ ،‬واصل الرج‪NN‬ل العج‪NN‬وز‪" ،‬كنُت في الخامس‪NN‬ة والعش‪NN‬رين من عم‪NN‬ري‪ ،‬أح‪NN‬رمُت‬
‫نفسي من أي شيء ألجل والدي ‪ -‬ال أصدقاء‪ ،‬ال تحليق في الحب‪ ،‬ال شيء‪ .‬في المساء‪ ،‬كنُت أعمل على‬
‫نسخ أوراق قانونية لموثق‪ .‬حتى السجائر كنُت أحرم نفسي منها‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬كان العج‪NN‬وز يش‪NN‬تكي دوًم ا؛‬
‫يحن إلى ثروت‪NN‬ه المفق‪NN‬ودة‪ ،‬يري‪NN‬د أم‪NN‬وااًل مع‪NN‬دودة ليش‪NN‬تري به‪NN‬ا ه‪NN‬ذا‪ ،‬أو ذاك؛ لم تفلح جه‪NN‬ودي البذل‪NN‬ة في‬
‫إرضائه‪ .‬يا إلهي‪ ،‬فقط السماء تعرف ماذا عانيت! لم أول‪NN‬د ألعيش وحي‪ًNN‬دا وأش‪NN‬يخ مث‪NN‬ل كلب‪ .‬كنُت أت‪NN‬وق‬
‫إلى متعة الحياة الزوجية واألسرية‪ .‬كان حلمي الزواج وحب زوجة جي‪NN‬دة‪ ،‬تحب‪NN‬ني قليًال‪ ،‬ورؤي‪NN‬ة أطف‪NN‬ال‬
‫أبرياء وأصحاء يلهون ح‪NN‬ول ركب‪NN‬تي‪ .‬ولكن‪ ،‬عن‪NN‬دما دخلت ه‪NN‬ذه األفك‪NN‬ار إلى قل‪NN‬بي وجبرت‪NN‬ني على بك‪NN‬اء‬
‫دموع الحنين‪ ،‬تمردت عليها‪ .‬قلت لنفسي‪' :‬يا ولدي‪ ،‬عندما تكسب ثالثة آالف فرنك سنوًيا‪ ،‬وتحتاج لدعم‬
‫أبيك العجوز المحبوب‪ ،‬فمن واجبك الحفاظ على عزوبيتك وإخماد مثل هذه الرغبات‪ '.‬ولكن‪ ،‬قابلت فتاة‬
‫صغيرة‪ .‬لقد مَّرت ثالثون عاًم ا على ذلك الوقت‪ ،‬انظر إلَّي ‪ ،‬أنا متأكد أنني أحمر كالطماطم‪ .‬ك‪NN‬ان اس‪NN‬مها‬
‫أورتانس‪.‬‬
‫من يدري ماذا حدث لها؟ كانت جميلة وفقيرة‪ .‬كنت رجاًل عجوًز ا عند وفاة والدي‪ ،‬الوغد‪ ،‬ال‪"..‬‬
‫"سيد تاباريه!" قاطع قاضي التحقيق‪" ،‬حسنًا ال تخجل‪ ،‬سيد تاباريه!"‬
‫"لكنني قد قلت لك بالفعل‪ ،‬أنا قد غف‪N‬رت ل‪N‬ه‪ ،‬س‪N‬يدي‪ .‬وم‪N‬ع ذل‪N‬ك‪ ،‬س‪N‬تفهم غض‪NN‬بي قريًب ا‪ .‬في ي‪N‬وم وفات‪N‬ه‪،‬‬
‫وجدت في خزانته مذكرة تفيد بدخل يصل إلى عشرين ألف فرنك!"‬
‫"كيف هذا! هل كان ثريًا؟"‬
‫"نعم‪ ،‬كان ثريًا جًدا‪ ،‬ألن ذلك لم يكن كل ش‪NN‬يء‪ :‬ك‪NN‬ان يمتل‪NN‬ك في الق‪NN‬رب من أورلي‪NN‬ان ممتلك‪NN‬ات ت‪NN‬أجرت‬
‫بمبلغ ستة آالف فرنك سنوي ويمتلك منزلي الذي أعيش فيه اآلن‪ ،‬حيث عشنا مًعا‪ ،‬وكنت أدف‪NN‬ع اإليج‪NN‬ار‬
‫كل ثالثة أشهر للحارس‪ ،‬كنت أحمق‪ ،‬وحمار‪ ، ،‬وحيوان غبي ‪ ،‬وكنت أحرم نفسي من المال الذي يعود‬
‫لي! وإلضفاء لمسة من النفاق‪ ،‬ترك وصية تعلن فيها‪ ،‬باسم الثالوث األقدس‪ ،‬أنه لم يكن لديه هدف آخ‪NN‬ر‬
‫في القي‪NN‬ام ب‪NN‬ذلك إال لص‪NN‬الحي الشخص‪NN‬ي‪ .‬أراد‪ ،‬كم‪NN‬ا كتب‪ ،‬أن يجعل‪NN‬نى أعت‪NN‬اد على النظ‪NN‬ام واإلقتص‪NN‬اد‪،‬‬
‫ويحافظ علي من إرتكاب الحماقات‪ .‬وكنُت في الخامسة واألربعين من عمري‪ ،‬ولمدة عشرين عاًم ا كنُت‬
‫ألوم نفسي إذا أنفقت سوى سنًتا واحدة بال فائ‪NN‬دة‪ .‬على العم‪NN‬وم‪ ،‬ك‪NN‬ان ق‪NN‬د اس‪NN‬تثمر في قل‪NN‬بي الحن‪NN‬و الخ‪NN‬ير‪،‬‬
‫لقد ‪ ...‬باه! بكلمتي‪ ،‬يكفي إلشمئزاز الجنس البشري من البذل األبوي!"‬
‫غضب السيد تاباريه‪ ،‬على الرغم من حقيقته ومبرراته‪ ،‬كان مض‪NN‬حًك ا للغاي‪NN‬ة‪ ،‬ح‪NN‬تى أن الس‪NN‬يد داب‪NN‬ورون‬
‫واجه صعوبة بالغة في إخفاء ضحكته‪ ،‬على الرغم من حزن الحكاية الحقيقي‪ .‬وقال‪" :‬على األق‪NN‬ل‪ ،‬يجب‬
‫أن تكون هذه الثروة قد أعطتك السعادة‪ ".‬فأجاب السيد تاباريه‪" :‬ال على اإلطالق‪ ،‬جاءت مت‪NN‬أخرة ج‪ًNN‬دا‪،‬‬
‫فما فائدة الخ‪NN‬بز إذا لم يكن ل‪NN‬دينا أس‪NN‬نان؟ لق‪N‬د مض‪NN‬ى عم‪NN‬ر ال‪NN‬زواج‪ .‬وم‪NN‬ع ذل‪NN‬ك‪ ،‬اس‪NN‬تقالت وظيف‪N‬تي ألتيح‬
‫الفرصة لشخص أفقر مني‪ .‬وفي نهاية الشهر‪ ،‬كنت مرهًق ا ومش‪NN‬تاًقا للحي‪NN‬اة‪ ،‬ولتع‪NN‬ويض العواط‪NN‬ف ال‪NN‬تي‬
‫حرمت منها‪ ،‬قررت إعطاء نفسي شغفًا‪ ،‬وهو الجمع بين الكتب‪ .‬هل تعتق‪N‬د‪ ،‬س‪N‬يدي‪ ،‬أن‪N‬ه من الض‪N‬روري‬
‫أن يكون الرجل متعلًم ا ودرس الكتب؟" فأجاب السيد دابورون‪" :‬أن‪NN‬ا أعلم‪ ،‬عزي‪NN‬زي الس‪NN‬يد تاباري‪NN‬ه‪ ،‬أن‪NN‬ه‬
‫يجب أن يكون للرجل المال‪ .‬أن‪NN‬ا مع‪NN‬روف بشخص‪NN‬ية مرض‪NN‬ية لجم‪NN‬ع الكتب‪ ،‬يمكن أن يك‪NN‬ون ق‪NN‬ادًرا على‬
‫القراءة‪ ،‬ولكنه بالتأكيد ال يستطيع التوقيع بنفسه‪ ".‬فق‪N‬ال الس‪NN‬يد تاباري‪NN‬ه‪" :‬ه‪NN‬ذا ممكن ج‪ًNN‬دا‪ .‬يمكن‪NN‬ني أيًض ا‬
‫القراءة‪ ،‬وقرأت كل الكتب التي اش‪N‬تريتها‪ .‬جمعت ك‪N‬ل م‪N‬ا وجدت‪N‬ه متعلًق ا بالش‪N‬رطة‪ ،‬س‪N‬واء ك‪N‬ان قليًال أو‬
‫كثيًر ا‪ ،‬مذكرات‪ ،‬تقارير‪ ،‬كتيبات‪ ،‬خطابات‪ ،‬روايات‪ ،‬كل شيء كان مناسًبا لي‪ ،‬وإلتهمته‪NN‬ا‪ .‬لدرج‪NN‬ة أن‪NN‬ني‬
‫انجذبت تدريجًيا إلى القوة الغامض‪NN‬ة ال‪NN‬تي ت‪NN‬راقب وتحمي المجتم‪NN‬ع من عتم‪NN‬ة ش‪NN‬ارع ج‪NN‬روزاليم‪ ،‬وال‪NN‬تي‬
‫تخترق كل مكان‪ ،‬وترف‪NN‬ع الحجب األك‪N‬ثر معقوفي‪N‬ة‪ ،‬وت‪N‬رى خل‪N‬ف ك‪N‬ل م‪N‬ؤامرة‪ ،‬وتع‪N‬رف بالض‪NN‬بط قيم‪N‬ة‬
‫الرجل‪ ،‬وثمن الضمير‪ ،‬والتي تتراكم في ملفاتها األسرار األكثر فظاع‪NN‬ة‪ ،‬واألك‪NN‬ثر ع‪NN‬اًرا! عن‪NN‬دما ق‪NN‬رأت‬
‫مذكرات المحققين الشهيرة‪ ،‬كانوا أكثر جاذبية بالنسبة لي من خراف‪NN‬ات أفض‪NN‬ل كتابن‪NN‬ا‪ ،‬وأص‪NN‬بحت ملهًم ا‬
‫باإلعجاب الحماسي لهؤالء الرجال‪ ،‬الذين كانوا حساسيين للغاية‪ ،‬متفتحي الذهن‪ ،‬مرني العقل كالصلب‪،‬‬
‫ماهري الحيلة والتسلسل‪ ،‬يتبعون الجريمة في كل مكان بالقانون ‪ ،‬عبر غابات الشرعية‪ ،‬بال هوادة‪ ،‬مثل‬
‫البرابرة في عمق الغابات األمريكي‪NN‬ة يط‪NN‬اردون أع‪N‬داءهم‪ .‬إنت‪NN‬ابني الرغب‪NN‬ة في أن أص‪NN‬بح عجل‪NN‬ة في ه‪NN‬ذا‬
‫الجهاز الرائع‪ ،‬مساعدة صغيرة في معاقبة الجريمة وانتص‪N‬ار ال‪N‬براءة‪ .‬وج‪N‬ربت ذل‪N‬ك‪ ،‬ووج‪N‬دت أن‪N‬ني لم‬
‫أنجح سيًئا جًدا‪ ".‬وسأل السيد دابورون‪" :‬هل يرضيك هذا العمل؟"‬
‫أدين اليه‪NN‬ا‪ ،‬ي‪NN‬ا س‪NN‬يدي‪ ،‬أروع متع‪NN‬اتي‪ .‬وداع ‪ًN‬ا للمل‪NN‬ل! من‪NN‬ذ أن تخليت عن البحث عن الكتب للبحث عن‬
‫الرجال‪ .‬أنا أه‪NN‬ز كتفي عن‪NN‬دما أرى رجًال أحمق‪ًN‬ا ي‪NN‬دفع خمس‪NN‬ة وعش‪NN‬رين فرنًك ا مقاب‪NN‬ل ص‪NN‬يد األرنب‪ .‬م‪NN‬ا‬
‫الجائزة في ذلك؟ امنحني صيد اإلنسان! فهذا‪ ،‬على األق‪N‬ل‪ ،‬يس‪N‬تدعي الق‪N‬درات الذهني‪N‬ة‪ ،‬واالنتص‪N‬ار ليس‬
‫مخزيًا! اللعب في رياض‪N‬تي يجم‪N‬ع بين الص‪N‬ياد والفريس‪N‬ة؛ حيث يمتل‪N‬ك كالهم‪N‬ا ال‪N‬ذكاء والق‪N‬وة والمك‪N‬ر‪.‬‬
‫األس‪NN‬لحة تك‪NN‬اد تك‪NN‬ون متس‪NN‬اوية‪ .‬أهـ! ل‪NN‬و علم الن‪NN‬اس إث‪NN‬ارة ه‪NN‬ذه األلع‪NN‬اب الخفي‪NN‬ة ال‪NN‬تي تلعب بين الج‪NN‬اني‬
‫والمحقق‪ ،‬ألراد الجميع العمل في مكتب شارع القدس‪ .‬الشقاء هو أن الفن يصبح مفقودًا‪ .‬الجرائم الكبيرة‬
‫نادرة الحدوث اآلن‪ .‬فقد خلفت جيل الجناة األقوياء والجريئين مكانه للصوص الرخيصة الذين يح‪NN‬اولون‬
‫الس‪NN‬رقة‪ .‬القلي‪NN‬ل من المج‪NN‬رمين ال‪NN‬ذين يس‪NN‬مع عنهم بين الحين واآلخ‪NN‬ر هم جبن‪NN‬اء مث‪NN‬ل الحمقى‪ .‬يض‪NN‬عون‬
‫تواقيعهم على أفعالهم اإلجرامية‪ ،‬وي‪NN‬تركون ح‪NN‬تى بطاق‪NN‬اتهم ملق‪N‬اة‪ .‬ليس هن‪NN‬اك فض‪NN‬يلة في القبض عليهم‪.‬‬
‫بمجرد كشف جريمتهم‪ ،‬يمكنك الذهاب واعتقالهم ‪-‬‬
‫"على ما يبدو لي‪ "،‬تدخل السيد دابورون‪ ،‬مبتسمًا‪" ،‬أن قاتلنا ليس متخلًفا بهذا القدر"‪.‬‬
‫"إنه استثناء‪ ،‬سيدي‪ ،‬وسيكون لدي أكبر سعادة في تعقبه‪ .‬س‪NN‬أفعل ك‪NN‬ل ش‪NN‬يء من أج‪NN‬ل ذل‪NN‬ك‪ ،‬ح‪NN‬تى أض‪NN‬ع‬
‫نفسي في موقف محرج إذا ل‪N‬زم األم‪N‬ر‪ .‬ألن‪N‬ني يجب أن أع‪N‬ترف‪ ،‬ي‪N‬ا س‪N‬يدي داب‪N‬ورون‪ "،‬أض‪NN‬اف بخج‪N‬ل‬
‫طفيف‪" ،‬أنني ال أفتخر بإنجازاتي أمام أصدقائي؛ بل أخفيها بعناية قصوى‪ .‬ربما س‪NN‬يكونون أق‪NN‬ل ح‪NN‬رارة‬
‫عندما يعرفون أن تيراكلير وتاباريه هما شخص واحد‪".‬‬
‫عاد الحديث تدريجًيا إلى الجريمة‪ .‬واتفق الجمي‪N‬ع على أن يق‪N‬وم الس‪N‬يد تاباري‪N‬ه ب‪N‬التثبيت في بوجيف‪N‬ال في‬
‫أول فرصة في الصباح‪ .‬وأعرب السيد دابورون عن عزمه على إبالغه بأي دليل يظهر‪ ،‬واس‪NN‬تدعائه إذا‬
‫تمكن من الحصول على أوراق أرملة ليروج‪.‬‬
‫"سأكون دائمًا في خدمتك‪ ،‬يا سيد تاباريه"‪ ،‬قال القاض‪NN‬ي في الخت‪N‬ام‪" ،‬إذا ك‪N‬ان ل‪N‬ديك أي حاج‪N‬ة للتح‪N‬دث‬
‫معي‪ ،‬ال تتردد في القدوم ليًال كما في النهار‪ .‬نادرًا م‪NN‬ا أخ‪NN‬رج‪ ،‬وس‪NN‬تجدني دائم‪ًN‬ا إم‪NN‬ا في م‪NN‬نزلي بش‪NN‬ارع‬
‫جاكوب‪ ،‬أو في مكتبي في القصر العدلي‪ .‬سوف أعطي تعليمات للسماح لك بالدخول عندما تأتي‪".‬‬
‫في هذه اللحظة‪ ،‬دخل القطار المحطة‪ .‬وبعد أن استدعى السيد دابورون سيارة أجرة‪ ،‬عرض مقعًدا على‬
‫السيد تاباريه‪ ،‬لكن الرجل العجوز رفض‪.‬‬
‫"ال يستحق العناء"‪ ،‬أجاب‪" ،‬فأنا أعيش‪ ،‬كما أخبرتك بالفعل‪ ،‬في شارع سانت الزار‪ ،‬على بعد خطوات‬
‫قليلة من هنا‪".‬‬
‫"إلى الغد‪ ،‬إذن!" قال السيد دابورون‪.‬‬
‫"إلى الغد"‪ ،‬رد السيد تاباريه‪ ،‬وأضاف "سننجح"‪.‬‬
‫الفصل ‪3‬‬
‫كان منزل السيد تاباريه على ُبعد أربع دقائق فقط سيًر ا على األقدام من محطة السكك الحديدية في سانت‬
‫الزار‪ .‬كانت بناية جيدة البناء ومحافًظا عليها بعناي‪NN‬ة‪ ،‬وربم‪NN‬ا ك‪NN‬انت تول‪NN‬د دخًال جي‪ًNN‬دا على ال‪NN‬رغم من أّن‬
‫اإليجارات لم تكن مرتفعة جًدا‪ .‬وجد الرجل العجوز مساحة وف‪NN‬يرة في‪NN‬ه‪ .‬ك‪NN‬ان يقطن الط‪NN‬ابق األول ال‪NN‬ذي‬
‫يطل على الشارع‪ ،‬وكان يتألف من شقق جميلة ومريحة ومجهزة بشكل جيد‪ ،‬وكان أهّم ها مجموعته من‬
‫الكتب‪ .‬كان يعيش ببساطة بسبب ذوقه وعادته‪ ،‬وكان يخدمه خادٌم عجوز‪ ،‬وفي المناس‪NN‬بات الكب‪NN‬يرة ك‪NN‬ان‬
‫الحارس يقدم له يد المساعدة‪.‬‬
‫لم يكن لدى أي ش‪N‬خص في الم‪N‬نزل أدنى ش‪N‬ك ح‪N‬ول مهن‪N‬ة المال‪N‬ك‪ .‬باإلض‪N‬افة إلى ذل‪N‬ك‪ ،‬س‪N‬يتوقع من أي‬
‫عمي‪NN‬ل ش‪NN‬رطة متواض‪NN‬ع أن يمتل‪NN‬ك درج‪NN‬ة من ال‪N‬ذكاء لم يمنحه‪NN‬ا أح‪NN‬د للس‪NN‬يد تاباري‪NN‬ه‪ .‬في الواق‪NN‬ع‪ ،‬اعُت بر‬
‫اس‪NN‬تمراره في ع‪NN‬دم االنتب‪NN‬اه عن‪NN‬دما يتح‪NN‬دث مع‪NN‬ه اآلخ‪NN‬رون عن دوافعهم وأح‪NN‬والهم‪ ،‬عالم‪NN‬ة على الغب‪NN‬اء‬
‫البدائي‪.‬‬
‫من الصحيح أن جميع من عرفه الحظوا غراب‪NN‬ة عادات‪NN‬ه‪ .‬أعطت غيابات‪NN‬ه المتك‪NN‬ررة عن الم‪NN‬نزل مظه‪ًNN‬را‬
‫غريًبا وغامًض ا ألفعاله‪ .‬لم يكن أي شخص متساٍو في األخالق أكثر تبايًنا من هذا الرج‪NN‬ل العج‪NN‬وز‪ .‬ك‪NN‬ان‬
‫يأتي إلى المنزل لتناول وجباته في أوقات غير منتظمة‪ ،‬ويأكل ما يريد وعندما يريد‪ .‬كما كان يخ‪NN‬رج في‬
‫أي ساعة من النهار أو الليل‪ ،‬وكان ينام في الخارج كثيًر ا‪ ،‬وحتى يختفي لفترات طويلة تماًم ا‪ .‬باإلض‪NN‬افة‬
‫إلى ذلك‪ ،‬كان يستقبل أغرب الزوار‪ ،‬رجااًل ذوي مظاهر مشبوهة وأشخاًص ا بمظهر سيء ومشؤوم‪.‬‬
‫أدى هذا النمط الغير منتظم للعيش إلى سلب الرجل العج‪NN‬وز الكث‪NN‬ير من االح‪NN‬ترام‪ .‬يعتق‪NN‬د الكث‪NN‬يرون أنهم‬
‫يرون فيه شخًصا فاسًدا ال يهتم بمص‪NN‬در دخل‪NN‬ه في األم‪NN‬اكن المش‪NN‬بوهة‪ .‬وس‪NN‬يعلقون على بعض‪NN‬هم البعض‬
‫قائلين‪" :‬أليس من المخزي أن يفعل شخٌص في سنه هذا؟"‬
‫كان الرجل العجوز على علم بجميع هذه األحاديث الفارغة‪ ،‬ولكنه كان يضحك عليها‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬لم‬
‫يمنع هذا األمر العديد من المستأجرين لديه من السعي إلى االقتراب منه والتقرب منه‪ .‬كانوا يدعونه إلى‬
‫تناول العشاء‪ ،‬لكنه كان يرفض تقريًبا دائًم ا‪.‬‬
‫كان يزور شخًصا واحًدا فقط في المنزل‪ ،‬ولكنه كان حميًم ا جًدا معها حتى أنه كان يقضي وقًتا أطول‬
‫في شقتها من شقته الخاصة‪ .‬كانت سيدة أرملة تدعى السيدة جيردي‪ ،‬وكانت تعيش مع ابنها نويل الذي‬
‫تعلقت به بشدة‪ .‬كان نويل جيردي رجًال يبلغ من العمر ‪ 33‬عاًم ا‪ ،‬لكنه بدا أكبر سًنا؛ طويل القامة ومبني‬
‫الجسم‪ ،‬ولديه وجه نبيل وذكي‪ ،‬وعيون سوداء كبيرة‪ ،‬وشعر أسود يتموج بشكل طبيعي‪ .‬كان محامًيا‬
‫ويشتهر بموهبته وجدارته‪ ،‬وكان قد حظي بشهرة معينة‪ .‬كان يعمل بجد وكان بارًدا وتأملًيا‪ ،‬على الرغم‬
‫من تفانيه في مهنته‪ ،‬وكان يظهر بعض الصرامة في المبادئ واألخالق‪.‬‬
‫في شقة السيدة جيردي‪ ،‬شعر السيد تاباريه العجوز بأنه في بيته‪ .‬اعتبرها قريبة له ونظر إلى نويل ك‪NN‬ابن‬
‫له‪ .‬على الرغم من خمسين عاًم ا لديها‪ ،‬فقد فكر في الكثير من األحيان في طلب ي‪N‬دها‪ ،‬ولكن‪N‬ه امتن‪N‬ع ليس‬
‫بسبب خوفه من الرفض بل بسبب نتيجته‪ .‬سيؤدي االق‪NN‬تراح وال‪NN‬رفض إلى قط‪NN‬ع العالق‪NN‬ات الحالي‪NN‬ة ال‪NN‬تي‬
‫تسعده‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬قدم في وصيته التي أودعها لدى موثقه الشاب ال‪NN‬دفاع عن الم‪NN‬دعى الع‪NN‬ام الوحي‪NN‬د‪ ،‬م‪NN‬ع‬
‫شرط وحيد بتأسيس جائزة سنوية قدرها ألفا فرنك لعمي‪NN‬ل الش‪NN‬رطة ال‪NN‬ذي يكش‪NN‬ف أك‪NN‬ثر جريم‪NN‬ة غامض‪NN‬ة‬
‫وعنيفة خالل العام‪.‬‬
‫على الرغم من قصر المسافة إلى بيته‪ ،‬استغرق السيد تاباريه العجوز ربع ساعة جيدة في الوصول إليه‪.‬‬
‫عند مغادرته للسيد دابورون‪ ،‬رجعت أفك‪NN‬اره إلى مش‪NN‬هد الجريم‪NN‬ة‪ .‬وك‪NN‬ان العج‪NN‬وز معتم‪ًNN‬دا على تك‪NN‬راره‬
‫لنفس‪N‬ه عب‪N‬ارة "إذا أردت المزي‪N‬د‪ ،‬يمكن‪N‬ني الحص‪N‬ول علي‪N‬ه" ال‪N‬تي تم ذكره‪N‬ا من قب‪N‬ل الحليبي‪N‬ة عن وي‪N‬دو‬
‫ليروج‪.‬‬
‫"كل شيء في هذا"‪ ،‬همس العجوز‪" .‬كانت ويدو ليروج تملك بعض السر الهام الذي كان يملك أشخاص‬
‫غنيون وقويون الحوافز األقوى إلخفائه‪ .‬كانت تملكهم في سلطتها‪ ،‬وهذا كان ثروته‪NN‬ا‪ .‬جعلتهم يرقص‪NN‬ون‬
‫على أنغامها؛ ربما ذهبت بعيًدا جًدا‪ ،‬لذلك قاموا بقمعها‪ .‬ولكن م‪NN‬ا ه‪NN‬و ه‪NN‬ذا الس‪NN‬ر وكي‪NN‬ف حص‪NN‬لت علي‪NN‬ه؟‬
‫على األرجح‪ ،‬كانت في شبابها خادمة في بعض العائالت الكبيرة‪ .‬وبينما كانت هناك‪ ،‬شاهدت أو سمعت‬
‫أو اكتشفت شيًئا ‪ -‬ما هو؟ يبدو واضًحا أن النساء هن‪N‬ا الس‪N‬بب‪ .‬ه‪N‬ل س‪N‬اعدت س‪N‬يدتها في بعض العالق‪N‬ات‬
‫الحب؟ ما هو األكثر احتماال؟ وفي هذه الحالة‪ ،‬يص‪NN‬بح الموض‪NN‬وع أك‪NN‬ثر تعقي‪ًNN‬دا‪ .‬ليس فق‪NN‬ط يجب العث‪NN‬ور‬
‫على المرأة ولكن أيًض ا عشيقها؛ ألنه هو الذي تحرك في هذا األمر‪ .‬إنه‪ ،‬أو أنا أخطأ بشكل كب‪NN‬ير‪ ،‬رج‪NN‬ل‬
‫من أصل نبيل‪ .‬شخص من رتبة أدنى لن يكون ببساطة استأجر قاتاًل ‪ .‬هذا الرج‪NN‬ل لم ي‪NN‬تردد؛ لق‪NN‬د ض‪NN‬رب‬
‫بنفسه وبذلك تجنب اإلساءة أو الحماقة من شريك جنائي‪ .‬إنه لص ش‪NN‬جاع‪ ،‬مليء ب‪NN‬الجرأة واله‪NN‬دوء‪ ،‬ألن‬
‫الجريمة تم تنفيذها بشكل رائع‪ .‬لم يترك هذا الزميل شيًئا خلف‪N‬ه يمكن أن يتس‪N‬بب ل‪N‬ه في مش‪N‬اكل خط‪N‬يرة‪.‬‬
‫ولكن بالنسبة لي‪ ،‬جيفرول‪ ،‬الذي يعتقد في السرقة‪ ،‬لن يرى شيًئا‪ .‬ولحسن الحظ‪ ،‬كنت هناك‪ .‬ومع ذل‪NN‬ك‪،‬‬
‫يصعب أن يكون ذلك فقط"‪ ،‬واصل العجوز‪" .‬يجب أن يكون شيًئا أسوأ من مجرد قصة حب بسيطة"‪.‬‬
‫دخل السيد تاباريه العجوز المدخل الرئيسي للبيت‪ ،‬ورأى حارس البوابة ال‪NN‬ذي ك‪NN‬ان يجلس بج‪NN‬وار ناف‪NN‬ذة‬
‫كوخه‪ ،‬وهو يمر تحت مصباح الغاز‪.‬‬
‫"آه"‪ ،‬قال الحارس‪" ،‬لقد عاد المالك أخيرًا"‪" .‬نعم‪ ،‬إنه عاد"‪ ،‬ردت زوجته‪" ،‬ولكن يب‪NN‬دو أن أميرت‪NN‬ه لن‬
‫تتعامل معه هذه الليلة‪ ،‬فهو يبدو أكثر فوضى من أي وقت مضى"‪" .‬أليس هذا مقزًز ا "‪ ،‬ق‪NN‬ال الح‪NN‬ارس‪،‬‬
‫"وهل هو في حالة واضحة! يعامله نساءه الجميالت بشكل جيد! سأضطر في إحدى هذه الصباحات إلى‬
‫أخذه إلى مصحة لألمراض العقلية بس‪NN‬ترة معزول‪NN‬ة"‪" .‬انظ‪NN‬ر إلي‪NN‬ه اآلن!" قاطعت‪NN‬ه زوجت‪NN‬ه‪" ،‬انظ‪NN‬ر إلي‪NN‬ه‬
‫اآلن‪ ،‬في وسط الفناء!"‪.‬‬
‫توقف العجوز عند طرف المدخل الرئيسي‪ ،‬وخلع قبعت‪NN‬ه‪ ،‬وفي حين يتح‪NN‬دث إلى نفس‪NN‬ه‪ ،‬يتح‪NN‬رك بعن‪NN‬ف‪.‬‬
‫"ال"‪ ،‬قال‪" ،‬لم أحصل على الحل بعد‪ ،‬أنا قريب منه؛ ولكنني لم أجده حتى اآلن"‪ .‬ص‪NN‬عد ال‪NN‬درج وج‪NN‬رى‬
‫جرسه‪ ،‬ونسي أن لديه مفتاح الباب في جيبه‪ .‬فتحت خادمته الباب‪ ،‬وق‪NN‬الت ل‪NN‬ه‪" :‬أنت! س‪NN‬يدي‪ ،‬وفي ه‪NN‬ذه‬
‫الساعة؟" "ماذا تقولين؟" سأل العجوز‪" .‬أقول"‪ ،‬أجابت الخادمة‪" ،‬إن الساعة أكثر من الثامنة والنصف‪.‬‬
‫ظننت أنك لن تعود هذا المساء‪ .‬هل تناولت العشاء؟" "ال‪ ،‬لم أتناوله حتى اآلن"‪" .‬حس‪ًN‬نا‪ ،‬لحس‪NN‬ن الح‪NN‬ظ‪،‬‬
‫لقد حافظت على وجبتك الدافئة‪ .‬يمكن‪NN‬ك الجل‪NN‬وس إليه‪NN‬ا على الف‪NN‬ور"‪ .‬جلس الس‪NN‬يد تاباري‪NN‬ه العج‪NN‬وز على‬
‫الطاولة‪ ،‬وساعد نفسه على الحساء‪ ،‬ولكنه فجأة نسي أن يأكل‪ ،‬وبقي‪ ،‬مع ملعقته في اله‪NN‬واء‪ ،‬وكأن‪NN‬ه تلقى‬
‫فكرة مفاجئة‪" .‬بالتأكي‪NN‬د‪ ،‬لق‪NN‬د جن"‪ ،‬فك‪NN‬رت خادمت‪NN‬ه م‪NN‬انيت‪" ،‬انظ‪NN‬ر إلى تعب‪NN‬يره الغ‪NN‬بي‪ .‬من في حواس‪NN‬ه‬
‫سيعيش الحياة التي يعيشها؟" لمسته على كتفه‪ ،‬وصاحت في أذنه‪ ،‬كما لو كان أص‪NN‬م‪" :‬أال تأك‪NN‬ل؟ ألس‪NN‬ت‬
‫جائًعا؟" "نعم‪ ،‬نعم"‪ ،‬همس‪ ،‬في محاولة آلية للهروب من الصوت الذي يدوي في أذنيه‪" ،‬أنا جائع ج‪ًNN‬دا‪،‬‬
‫فمن‪NN‬ذ الص‪NN‬باح اض‪NN‬طررت إلى‪ "...‬ق‪NN‬اطع نفس‪NN‬ه‪ ،‬وبقي م‪NN‬ع فم‪NN‬ه مفتوًح ا‪ ،‬وعيني‪NN‬ه تنظ‪NN‬ر إلى الف‪NN‬راغ‪.‬‬
‫"اضطررت إلى ماذا؟" تكررت مانيت‪" .‬يا رعد!" صاح‪ ،‬وهو يرفع قبضتيه المشدودتين نحو الس‪NN‬قف‪،‬‬
‫"يا رعد السماء! لقد وجدتها!" كان حركته عنيفة ومفاجئة بما يكفي لتثير قليًال قلق الخادم‪NN‬ة‪ ،‬وانس‪NN‬حبت‬
‫إلى نهاية الغرفة‪ ،‬بالقرب من الباب‪" .‬نعم"‪ ،‬استمر في الح‪NN‬ديث‪" ،‬من المؤك‪NN‬د أن هن‪NN‬اك طفاًل !" اق‪NN‬تربت‬
‫مانيت منه بسرعة‪ ،‬وسألته بدهشة‪" :‬طفل؟" "ماذا بعد!" صاح‪ ،‬بلغة غاضبة‪" ،‬م‪NN‬اذا تفعلين هن‪NN‬اك؟ ه‪NN‬ل‬
‫وصل جرأتك إلى هذا الحد حتى تلتقطي الكلمات ال‪NN‬تي تفلت م‪NN‬ني؟ أرج‪NN‬وك أن تنحي لي مكان‪NN‬ك‪ ،‬وتبقي‬
‫هناك حتى أدعوك"‪" .‬إنه يجن"‪ ،‬فكرت مانيت‪ ،‬واختفت بسرعة‪.‬‬
‫عاد السيد تاباريه العجوز إلى مقعده‪ ،‬وبسرعة شديدة ابتلع حساءه الب‪NN‬ارد تماًم ا‪ .‬وق‪NN‬ال لنفس‪NN‬ه‪" :‬لم‪NN‬اذا لم‬
‫أفكر في ذلك من قبل؟ يا تعاسة اإلنسانية! أنا أشيخ‪ ،‬ودماغي ق‪NN‬د تعب‪ .‬إن‪NN‬ه واض‪NN‬ح كالنه‪NN‬ار؛ ف‪NN‬الظروف‬
‫تشير جميعها إلى هذا االستنتاج"‪ .‬ثم قرع جرسه‪ ،‬وعادت الخادمة‪" .‬أحضري اللحم المشوي‪ ،‬واتركيني‬
‫وحدي"‪ ،‬واصل العجوز‪ ،‬وهو ينحت بعنف ساق اللحم المشوي‪ .‬وتابع ق‪NN‬ائًال‪" :‬نعم‪ ،‬هن‪NN‬اك طف‪NN‬ل‪ ،‬وه‪NN‬ذه‬
‫هي قصته! إن األرملة لوروج‪ ،‬عندما كانت شابة‪ ،‬كانت في خدمة سيدة كبيرة غنية جًدا‪ .‬زوجها‪ ،‬بحار‪،‬‬
‫غادر على األرجح في رحلة طويلة‪ .‬وكانت السيدة على عالقة عاطفية مع عشيقها وجدت نفسها ح‪NN‬امًال‪.‬‬
‫فاعتمدت على األرملة لوروج‪ ،‬ومن خالل مساعدتها‪ ،‬تم إجراء والدة سرية"‪.‬‬
‫ثم استدعى الخادمة مانيت مرة أخرى‪ ،‬وقال لها‪" :‬أحض‪N‬ري الحل‪N‬وى‪ ،‬وانص‪N‬رفي!" لم يكن ه‪N‬ذا المال‪N‬ك‬
‫يستحق طباًخ ا ممتاًز ا مثل مانيت‪ .‬وكان من الصعب عليه تذكر ما أكل للعشاء‪ ،‬أو ح‪NN‬تى م‪NN‬ا يأكل‪NN‬ه اآلن؛‬
‫فقد كان يأكل مربى األجاص‪ .‬وتابع يق‪NN‬ول‪" :‬لكن‪ ،‬م‪NN‬اذا ح‪NN‬دث للطف‪NN‬ل؟ ه‪NN‬ل تم ت‪NN‬دميره؟ ال‪ ،‬ألن األرمل‪NN‬ة‬
‫لوروج‪ ،‬الشريكة في جناية القتل الجنيني‪ ،‬لن تكون أكثر وجًعا‪ .‬لقد تم الحفاظ على الطف‪NN‬ل‪ ،‬وثق‪NN‬ل عناي‪NN‬ة‬
‫األرملة بتربيته‪ .‬لقد تمكنوا من أخذ الرضيع منها‪ ،‬لكنهم لم يستطيعوا أخذ دالئل والدته ووجوده‪ .‬هنا هو‬
‫فتح الباب‪ .‬األب هو الرجل ذو العربة الفاخرة؛ واألم هي الس‪N‬يدة ال‪N‬تي ج‪N‬اءت م‪N‬ع الش‪N‬اب الوس‪N‬يم‪ .‬ه‪N‬اه!‬
‫هاه! يمكنني بالفعل أن أصدق أن العزيزة العجوز لم ينقصها شيء‪ .‬لديها سر يستحق مزرع‪NN‬ة في ب‪NN‬ري‪.‬‬
‫لكن العج‪N‬وزة ك‪N‬انت مس‪N‬رفة؛ إن نفقاته‪N‬ا ومطالباته‪N‬ا زادت من ع‪N‬ام إلى ع‪N‬ام‪ .‬ي‪N‬ا تعاس‪N‬ة اإلنس‪N‬انية! لق‪N‬د‬
‫اعتمدت على العصا بشدة‪ ،‬وكسرتها‪ .‬هددت‪ .‬خافوا‪ ،‬وقالوا‪" :‬لنهي هذا!" ولكن من يتولى ه‪NN‬ذه المهم‪NN‬ة؟‬
‫األب؟ ال‪ ،‬إنه عجوز جًدا‪ .‬بواسطة جوبي‪NN‬تر! االبن‪ ،‬الطف‪NN‬ل نفس‪NN‬ه! س‪NN‬ينقذ أم‪NN‬ه‪ ،‬الول‪NN‬د الش‪NN‬جاع! لق‪NN‬د قت‪NN‬ل‬
‫الشاهد وأحرق الدليل!"‬
‫وفي ذلك الوقت‪ ،‬كانت مانيت‪ ،‬التي كانت تستمع بكل روحها‪ ،‬تجمع كلم‪NN‬ة‪ ،‬أو حلًف ا‪ ،‬أو ص‪NN‬وًتا لض‪NN‬ربة‬
‫على الطاولة‪ ،‬لكن هذا كل ما سمعته‪" .‬بالتأكيد"‪ ،‬فكرت في نفس‪NN‬ها‪" ،‬يج‪NN‬ول النس‪NN‬اء في رأس‪NN‬ه"‪ .‬فتغلبت‬
‫فضولها على حذرها‪ ،‬وعندما لم تسمع أي شيء آخر‪ ،‬جربت فتح الباب قليًال‪ .‬وفي تلك اللحظة‪ ،‬أمسكها‬
‫العجوز في الفعل‪" .‬يريد السيد قهوته؟"‪ ،‬سألتها بتواضع‪" .‬نعم‪ ،‬يمكنك إحضارها لي"‪ ،‬أجابها‪.‬‬
‫حاول أن يبتلع قهوته دفعة واحدة‪ ،‬لكنه حروق نفسه بشدة حتى أن األلم جعله ينتقل فج‪NN‬أة من التأم‪NN‬ل إلى‬
‫الواقع‪.‬‬
‫"الرعد!"‪ ،‬تذمر‪" ،‬لكنها ساخنة جدا! تبا للقضية! جعلتني أفقد صوابي‪ .‬هم على حق عندما يقولون إن‪NN‬ني‬
‫متحمس للغاية‪ .‬ولكن من بينهم جميًعا يستطيع أن يقوم بتحليل كامل لتاريخ الجريمة باستخدام المالحظ‪NN‬ة‬
‫والعقل فقط؟ بالتأكيد ليس جيفرول‪ ،‬المسكين! لن يشعر إال باإلحباط والذل‪ ،‬ألن‪NN‬ه لم يفلح في ش‪NN‬يء‪ .‬ه‪NN‬ل‬
‫يجب علّي أن أذهب للسيد دابورون؟ ال‪ ،‬ليس اآلن‪ .‬الليل ضروري لي لفحص جميع التفاص‪NN‬يل وت‪NN‬رتيب‬
‫أفكاري بشكل منهجي‪ .‬لكن من ناحية أخرى‪ ،‬إذا جلست هنا وحيًدا‪ ،‬فإن هذه القضية الملعون‪NN‬ة س‪NN‬تجعلني‬
‫أتألم بالتأمل‪ ،‬وبم‪N‬ا أن‪N‬ني للت‪N‬و أكلت الكث‪N‬ير‪ ،‬فق‪N‬د أع‪N‬اني من أزم‪N‬ة هض‪NN‬مية‪ .‬باهلل علي‪N‬ك! س‪N‬أزور الس‪N‬يدة‬
‫جيردي‪ :‬لقد كانت تشعر بعدم الراحة منذ بضعة أيام‪ .‬سأتحدث مع نويل‪ ،‬وهذا سيغير مسار أفكاري"‪.‬‬
‫انتهى من تناول قهوته وقام من الطاولة‪ ،‬وإرتدى معطفه وأخذ قبعته وعكازه‪" .‬أتسوق‪ ،‬س‪NN‬يدي؟" س‪NN‬ألته‬
‫مانيت‪.‬‬
‫"نعم"‪.‬‬
‫"هل ستتأخر؟"‬
‫"ربما"‪.‬‬
‫"ولكنك ستعود الليلة؟"‬
‫"ال أعلم"‪.‬‬
‫بعد دقيقة واحدة‪ ،‬كان السيد تاباريه يرن جرس صديقه‪.‬‬
‫عاشت السيدة جيردي بأسلوب يليق باالحترام‪ .‬كان ل‪NN‬ديها م‪NN‬ا يكفي الحتياجاته‪NN‬ا‪ ،‬وك‪NN‬انت ممارس‪NN‬ة ابنه‪NN‬ا‬
‫للمهنة‪ ،‬التي كانت بالفعل كبيرة‪ ،‬قد جعلهما غنيين تقريًبا‪ .‬عاشت بشكل هادئ ج‪ًNN‬دا‪ ،‬وباس‪NN‬تثناء ص‪NN‬ديقين‬
‫واحد أو اثنين يدعوهما نويل أحياًنا للعشاء‪ ،‬لم تستقبل الكث‪NN‬ير من ال‪NN‬زوار‪ .‬خالل أك‪NN‬ثر من خمس‪NN‬ة عش‪NN‬ر‬
‫عاًم ا من زيارات السيد تاباري‪NN‬ه المألوف‪NN‬ة للش‪NN‬قة‪ ،‬لم يلت‪NN‬ق ب‪NN‬ه س‪NN‬وى الك‪NN‬اهن القس‪NN‬يم‪ ،‬وأح‪NN‬د أس‪NN‬اتذة نوي‪NN‬ل‬
‫القدامى‪ ،‬وشقيقة السيدة جيردي‪ ،‬المتقاعد الكولونيل‪ .‬عندما يحدث أن يأتي هؤالء الزوار الثالثة في نفس‬
‫المساء‪ ،‬وهو أمر نادر إلى حد ما‪ ،‬يلعبون لعبة دائري‪NN‬ة تس‪NN‬مى بوس‪NN‬طن‪ .‬في المس‪NN‬اءات األخ‪NN‬رى‪ ،‬تك‪NN‬ون‬
‫لعبة البيكيه أو األربعة هي القاعدة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬نويل نادًر ا ما يبقى في غرفة الجلوس‪ ،‬بل يغلق نفسه بع‪NN‬د‬
‫العشاء في دراسته‪ ،‬التي تشكل بالنسبة له مع غرفة نومه شقة منفصلة عن شقة والدته‪ ،‬ويغمر نفس‪NN‬ه في‬
‫أوراق القانون‪ .‬كان من المفترض أن يعم‪N‬ل ح‪N‬تى س‪N‬اعات مت‪N‬أخرة من اللي‪N‬ل‪ .‬في كث‪N‬ير من األحي‪N‬ان في‬
‫الشتاء‪ ،‬لم يطفئ مصباحه إال قبل الفجر‪.‬‬
‫كانت األم واالبن يعيش‪NN‬ان بش‪NN‬كل كام‪NN‬ل لبعض‪NN‬هما‪ ،‬كم‪NN‬ا أن جمي‪NN‬ع من يع‪NN‬رفهم يس‪NN‬تمتعون بتك‪NN‬رار ذل‪NN‬ك‪.‬‬
‫يحب‪NN‬ون ويكرم‪NN‬ون نوي‪NN‬ل على الرعاي‪NN‬ة ال‪NN‬تي يوليه‪NN‬ا لوالدت‪NN‬ه وعلى تفاني‪NN‬ه األك‪NN‬ثر من االب‪NN‬ني‪ ،‬وعلى‬
‫التضحيات التي يفترض أنه يق‪NN‬وم به‪NN‬ا في أن يعيش في س‪NN‬نه مث‪NN‬ل الرج‪NN‬ل العج‪NN‬وز‪ .‬ك‪NN‬ان الج‪NN‬يران ع‪NN‬ادًة‬
‫يقارنون بين سلوك هذا الشاب المثالي وبين سلوك السيد تاباريه‪ ،‬العجوز الذي ال يتغ‪NN‬ير‪ ،‬ال‪NN‬ذي ال ش‪NN‬عر‬
‫لديه‪.‬‬
‫أما بالنسبة للسيدة جيردي‪ ،‬فلم ترى شيًئا س‪NN‬وى إبنه‪NN‬ا في الع‪NN‬الم بأس‪NN‬ره‪ .‬ك‪NN‬ان حبه‪NN‬ا ق‪NN‬د أخ‪NN‬ذ فعلًي ا ش‪NN‬كل‬
‫العبادة‪ .‬تعتقد أنها ترى في نويل جميع الكماالت الجسدية واألخالقية المجتمعة‪ .‬يب‪NN‬دو له‪NN‬ا أن‪NN‬ه من الرتب‪NN‬ة‬
‫العليا بالنسبة لبقية البشرية‪.‬إذا تحدث نويل‪ ،‬كانت تصمت وتستمع‪ ،‬فكلمته كانت أمًرا مقدًس ا‪ ،‬ونص‪N‬يحته‬
‫كانت مرسوًم ا من القدر‪ .‬العناية بابنها‪ ،‬دراسة أذواقه‪ ،‬توقع رغبات‪NN‬ه‪ ،‬ك‪NN‬انت اله‪NN‬دف الوحي‪NN‬د في حياته‪NN‬ا‪.‬‬
‫كانت أًم ا حقيقية‪.‬‬
‫"ه‪N‬ل يمكن رؤي‪N‬ة الس‪N‬يدة ج‪N‬يردي؟" س‪N‬أل الس‪N‬يد تاباري‪N‬ه الفت‪N‬اة ال‪N‬تي فتحت الب‪N‬اب‪ ،‬ودخ‪N‬ل الغرف‪N‬ة دون‬
‫االنتظار للحصول على إجابة‪ ،‬وكأن‪NN‬ه يعتق‪NN‬د أن وج‪NN‬وده ال يمكن أن يك‪NN‬ون غ‪NN‬ير موف‪NN‬ق ويجب أن يك‪NN‬ون‬
‫مرحًبا به‪.‬‬
‫كانت شمعة واحدة تضيء غرفة الجلوس‪ ،‬التي لم تكن في ترتيبها المعتاد‪ .‬لقد تم دفع الطاول‪NN‬ة الص‪NN‬غيرة‬
‫الخشبية‪ ،‬التي كانت ع‪NN‬ادة في وس‪NN‬ط الغرف‪NN‬ة‪ ،‬إلى الزاوي‪NN‬ة‪ .‬ك‪NN‬انت كرس‪NN‬ي الس‪NN‬يدة ج‪NN‬يردي الكب‪NN‬ير ق‪NN‬رب‬
‫النافذة‪ ،‬وكانت الصحيفة متجعدة ملقاة على السجاد‪.‬‬
‫الحظ المحقق الهاوي كل ذلك في لمحة‪" .‬هل حدث أي حادث؟" سأل الفتاة‪.‬‬
‫"ال تتحدث عنه‪ ،‬سيدي‪ :‬لقد كان لدينا توتًرا! أوه‪ ،‬مث‪N‬ل ه‪N‬ذا الت‪N‬وتر!" "م‪N‬اذا ح‪N‬دث؟ أخ‪N‬برني بس‪N‬رعة!"‬
‫"هل تعلم أن السيدة ك‪N‬انت تع‪N‬اني من‪N‬ذ ش‪N‬هر تقريًب ا؟ لم تكن تأك‪N‬ل ش‪N‬يًئا‪ ،‬يمكن‪N‬ني أن أق‪NN‬ول ذل‪N‬ك‪ .‬والي‪N‬وم‬
‫صباًح ا‪ ،‬قالت لي‪" "-‬نعم‪ ،‬نعم! ولكن‪ ،‬ماذا عن هذا المساء؟"‬

‫بعد العشاء‪ ،‬دخلت السيدة كالعادة إلى غرفة الجلوس‪ .‬جلست وأخذت إحدى صحف السيد نوي‪NN‬ل‪ .‬بمج‪NN‬رد‬
‫أن بدأت القراءة‪ ،‬أطلقت صرخة كب‪NN‬يرة‪ ،‬أوه‪ ،‬ص‪NN‬رخة فظيع‪NN‬ة! تس‪NN‬ارعنا إليه‪NN‬ا؛ إن الس‪NN‬يدة س‪NN‬قطت على‬
‫األرض وكأنها ميتة‪ .‬رفع السيد نويل جسدها وحملها إلى غرفتها‪ .‬أردت أن أحض‪NN‬ر الط‪NN‬بيب‪ ،‬لكن‪NN‬ه ق‪NN‬ال‬
‫إنه ليس هناك حاجة؛ إنه يعرف ما الذي يحدث لها‪.‬‬
‫"وكيف حالها اآلن؟"‬
‫"لقد عادت إلى وعيها؛ أعني‪ ،‬أفترض ذلك‪ ،‬ألن السيد نويل طردني من الغرفة‪ .‬كل ما أعرف‪NN‬ه ه‪NN‬و أنه‪NN‬ا‬
‫كانت تتحدث قبل قليل‪ ،‬وتتحدث بصوت عاٍل جًدا‪ ،‬ألنني سمعتها‪ .‬أه‪ ،‬يا سيدي‪ ،‬كل شيء غريب جًدا!"‬
‫"ما الذي غريب؟"‬
‫"ما سمعت السيدة جيردي تقوله للسيد نويل‪".‬‬
‫"أها! يا فتاتي!" سخر السيد تاباريه العجوز‪" .‬إذا كنِت تستمعين من خالل الثقوب‪ ،‬أليس كذلك؟"‬
‫"ال‪ ،‬يا سيدي‪ ،‬أؤكد لك‪ ،‬ولكن السيدة صرخت وكأنها مفقودة‪ .‬قالت‪"...‬‬
‫"يا فتاتي!" قاطع السيد تاباريه العجوز بح‪NN‬زم‪" .‬نس‪NN‬مع دائم‪ًN‬ا األش‪NN‬ياء بش‪NN‬كل خ‪NN‬اطئ عن‪NN‬د اإلس‪NN‬تماع من‬
‫خالل الثقوب‪ .‬اسألي مانيت إذا كان األمر كذلك‪".‬‬
‫سعت الفتاة المسكينة‪ ،‬المحتارة‪ ،‬لتبرير نفسها‪.‬‬
‫"كفى‪ ،‬كفى!" قال العجوز‪" .‬ع‪ِN‬د إلى عمل‪ِN‬ك ‪ :‬ال يلزم‪ِN‬ك إزع‪N‬اج الس‪NN‬يد نوي‪NN‬ل؛ يمكن‪NN‬ني االنتظ‪NN‬ار ل‪NN‬ه هن‪NN‬ا‬
‫بسهولة‪".‬‬
‫وبعدما أرضى بالتوبيخ الذي وجه‪NN‬ه‪ ،‬التق‪NN‬ط الص‪NN‬حيفة وجلس بج‪NN‬انب الم‪NN‬دفأة‪ ،‬ووض‪NN‬ع الش‪NN‬معة بج‪NN‬واره‬
‫ليتمكن من القراءة بسهولة‪ .‬لم يمِض دقيقة حتى صدم في كرسيه‪ ،‬وكاد أن يصرخ من ال‪N‬رعب والدهش‪N‬ة‬
‫الذين أصاباه‪.‬‬
‫هذه كانت الكلمات األولى التي الحت عيناه‪.‬‬
‫"جريمة فظيعة أدت إلى هلع قرية ال جونشير‪ .‬تم إغتيال أرملة فقيرة‪ ،‬تدعى ل‪N‬يروج‪ ،‬ال‪N‬تي ك‪N‬انت تتمت‪N‬ع‬
‫باإلحترام والحب العام من المجتمع‪ ،‬في منزلها‪ .‬قام ضباط الش‪N‬رطة بالتحقيق‪N‬ات األولي‪N‬ة المعت‪N‬ادة‪ ،‬وك‪N‬ل‬
‫شيء يشير إلى أن الشرطة بالفعل على أثر مرتكب هذه الجريمة الخسيسة‪".‬‬
‫"الرعد!" قال السيد تاباريه العجوز لنفسه‪" ،‬هل يمكن أن تكون السيدة جيردي؟"‬
‫لم تكن هذه الفكرة سوى ومضة عابرة في ذهنه‪ ،‬فسقط مرة أخرى في كرسيه‪ ،‬وهو يهز رأسه ويت‪NN‬ذمر‪،‬‬
‫قائًال‪" ،‬حًقا‪ ،‬هذا األمر الذي يحدث في ال جونشير يجعلني أجّن ‪ .‬ال يمكنني التفكير في شيء سوى أرملة‬
‫ليروج‪ .‬سأرى صورتها في كل شيء اآلن‪".‬‬
‫في الوقت نفسه‪ ،‬دفعه الفضول الذي ال يمكن السيطرة علي‪NN‬ه إلى ق‪NN‬راءة الص‪NN‬حيفة بأكمله‪NN‬ا‪ .‬لم يج‪NN‬د ش‪NN‬يًئا‬
‫بإس‪NN‬تثناء ه‪NN‬ذه األس‪NN‬طر لي‪NN‬برر أو يش‪NN‬رح أدنى ش‪NN‬عور‪" .‬يب‪NN‬دو أن ه‪NN‬ذه مص‪NN‬ادفة غريب‪NN‬ة للغاي‪NN‬ة في نفس‬
‫الوقت"‪ ،‬فكر العامل الشرطي الزاجل العنيد‪ .‬ثم الحظ أن الصحيفة كانت ممزقة قليًال في الجزء السفلي‪،‬‬
‫ومحطمة‪ ،‬كما لو أن شخًص ا قبض بشكل تشنجي عليها‪ ،‬وتكرر يقول‪" ،‬هذا غريب!"‬
‫في هذه اللحظة‪ ،‬فتحت باب غرفة السيدة جيردي‪ ،‬وظهر السيد نويل على عتبته‪.‬‬
‫ال شك أن حادثة والدته قد أثرت بشدة عليه‪ ،‬إذ كان شاحبًا جدًا ووجهه الهادئ عادًة كان يعبر عن ح‪NN‬زن‬
‫عميق‪ .‬بدا مندهشًا لرؤية السيد تاباريه العجوز‪.‬‬
‫"أهًال بك يا عزيزي نويل!" صاح العجوز‪" .‬أرجوك‪ ،‬طمني‪ ،‬كيف حال والدتك؟"‬
‫"السيدة جيردي بخير‪ ،‬كما هو متوقع‪".‬‬
‫"السيدة جيردي!" تكرر العجوز بتعجب‪ ،‬لكنه أكمل قائًال‪" :‬يبدو أنكم تعرضتم لصدمة كبيرة‪".‬‬
‫"بالفعل"‪ ،‬أجاب المحامي وهو جالسًا‪" .‬لقد تعرضت لصدمة شديدة‪".‬‬
‫كان نويل يبذل جهودًا كبيرة للحفاظ على هدوئه‪ ،‬واإلستماع إلى العجوز‪ ،‬والرد عليه‪ .‬في ال‪NN‬وقت نفس‪NN‬ه‪،‬‬
‫كان السيد تاباريه العجوز يشعر بالقلق ولم يالحظ شيئًا غير ذلك‪.‬‬
‫"على األقل‪ ،‬يا صديقي"‪ ،‬قال العجوز‪" ،‬أخبرني عما حدث؟"‬
‫تردد الشاب لحظة كأنه يتشاور مع نفسه‪ .‬ال شك أنه لم يكن مستعدًا لهذا السؤال‪ ،‬ولم يعرف م‪NN‬ا الج‪NN‬واب‬
‫الذي يجب أن يعطيه‪ ،‬وأخيرًا أجاب‪:‬‬
‫"تعرضت السيدة جيردي لصدمة شديدة بعد قراءتها في ه‪N‬ذه الص‪NN‬حيفة فق‪N‬رة تتح‪N‬دث عن إغتي‪N‬ال ام‪N‬رأة‬
‫تهمها كثيرًا‪".‬‬
‫"أه!" رد السيد تاباريه العجوز‪.‬‬
‫كان العجوز في حالة من اإلرتباك‪ ،‬حيث كان يريد إستجواب نويل‪ ،‬لكن‪NN‬ه ك‪NN‬ان يخش‪NN‬ى الكش‪NN‬ف عن س‪NN‬ر‬
‫إرتباطه بالشرطة‪ .‬بالفعل كاد يفضح نفسه بسبب حماسه للسؤال‪" ،‬أيعرف والدتك األرملة ليروج؟" بذل‬
‫جهدًا إلمتصاص حماسه‪ ،‬وبصعوبة تمكن من إخفاء س‪NN‬عادته‪ ،‬إذ ك‪NN‬ان مس‪NN‬رورًا لوج‪NN‬وده فج‪NN‬أة على أث‪NN‬ر‬
‫سابقة ضحية ال جونشير‪.‬‬
‫"كانت"‪ ،‬واصل نويل‪" ،‬عبدة للسيدة جيردي‪ ،‬ومخلصة له‪NN‬ا بك‪NN‬ل الط‪NN‬رق! ك‪NN‬انت ستض‪NN‬حي بنفس‪NN‬ها من‬
‫أجلها بإشارة منها‪".‬‬
‫"إذن‪ ،‬يا صديقي‪ ،‬كنت تعرف هذه المرأة المسكينة!"‬
‫"لم أرها منذ فترة طويلة ج‪NN‬دًا"‪ ،‬أج‪NN‬اب نوي‪NN‬ل‪ ،‬ال‪N‬ذي ب‪NN‬دا ص‪NN‬وته مكس‪NN‬ورًا بس‪NN‬بب العاطف‪N‬ة‪" ،‬لك‪NN‬ني كنت‬
‫أعرفها جيدًا‪ .‬يجب أن أقول حتى أنني كنت أحبها بحنان‪ .‬كانت ممرضتي‪".‬‬
‫"هي‪ ،‬هذه المرأة؟" تعثر السيد تاباريه العجوز‪.‬‬
‫هذه المرة كان مندهشًا‪ .‬المرأة األرملة ليروج ممرضة نويل؟ إنه غير محظوظ‪ .‬بدا واضحًا أن القدر ق‪NN‬د‬
‫اختاره كأداة له‪ ،‬ويقوده بيده‪ .‬كان على وشك الحصول على جميع المعلومات ال‪NN‬تي يش‪NN‬تاق إليه‪NN‬ا‪ ،‬وال‪NN‬تي‬
‫كان قد ييأس من الحصول عليها قبل نصف ساعة‪ .‬بقي جالسًا أمام نوي‪NN‬ل به‪NN‬ذه الدهش‪NN‬ة والص‪NN‬مت‪ .‬لكن‪NN‬ه‬
‫فهم أنه‪ ،‬ما لم يريد أن يعرض نفسه للخطر‪ ،‬يجب أن يتحدث‪.‬‬
‫"إنها مصيبة كبيرة"‪ ،‬همس أخيرًا‪.‬‬
‫"أنا ال أستطيع أن أقول كيف هي األم‪NN‬ور بالنس‪NN‬بة للس‪NN‬يدة ج‪NN‬يردي"‪ ،‬أج‪NN‬اب نوي‪NN‬ل بمظه‪NN‬ر ك‪NN‬ئيب‪" ،‬لكن‬
‫بالنسبة لي‪ ،‬إنها مصيبة هائلة! أنا مصاب بالذهول بسبب األذى الذي أصاب هذه المرأة الفق‪N‬يرة‪ .‬موته‪NN‬ا‪،‬‬
‫يا سيد تاباريه‪ ،‬دمر ك‪NN‬ل أحالمي المس‪NN‬تقبلية‪ ،‬وربم‪NN‬ا ه‪NN‬دم أك‪NN‬ثر أملي الغ‪NN‬الي‪ .‬لق‪N‬د ك‪NN‬ان علي أن أنتقم من‬
‫إصابات قاسية؛ ولكن موتها كسر الس‪N‬الح في ي‪N‬دي‪ ،‬وأدي بي إلى الي‪N‬أس والعج‪N‬ز‪ .‬ي‪N‬ا لألس‪N‬ف! أن‪N‬ا حق‪ًN‬ا‬
‫محظوظ بالكاد‪".‬‬
‫"أنت محظوظ؟" صاح السيد تاباريه العجوز‪ ،‬مت‪N‬أثرًا بح‪N‬زن نوي‪N‬ل العزي‪N‬ز‪" .‬باس‪N‬م هللا‪ ،‬م‪N‬ا ال‪N‬ذي ح‪N‬دث‬
‫لك؟"‬
‫"أعاني"‪ ،‬همس المحامي‪" ،‬وأعاني بشدة‪ .‬ليس فقط أنني أخش‪NN‬ى أن الظلم ال يمكن إص‪NN‬الحه‪ ،‬ولكن هن‪NN‬ا‬
‫أنا بال دفاع تمامًا‪ ،‬معرضًا لشعاب اإلفتراء‪ .‬يمكن أن يتهمون‪NN‬ني بإبت‪NN‬داع الك‪NN‬ذب‪ ،‬وب‪NN‬أنني مت‪NN‬آمر طم‪NN‬وح‬
‫ليس لديه إحترام للحقيقة‪ ،‬وال ضمير‪" .‬‬
‫تخدشر السيد تاباريه العجوز‪ .‬ما هي الصلة بين شرف نويل واإلغتيال في ال جونشير؟ كان عقل‪N‬ه ي‪N‬دور‬
‫في دوامة‪ .‬أفكار مشوشة ومرتبكة تتداخل بشكل ال يمكن فك تشابكها‪.‬‬
‫"تعال‪ ،‬تعال‪ ،‬نويل"‪ ،‬قال‪" ،‬إسترِخ‪ .‬من سيصدق االفتراء الذي يطلقون‪NN‬ه علي‪NN‬ك؟ اب‪NN‬ق قوي‪ًN‬ا‪ ،‬أليس ل‪NN‬ديك‬
‫أصدقاء؟ أليس أنا هنا؟ تثق بي‪ ،‬قل لي ما يزعجك‪ ،‬وسيكون من المستغرب حقًا إذا لم يس‪NN‬تطع بينن‪NN‬ا‪ ،‬أن‬
‫نجد الحّل لهذه المشكلة‪".‬‬

‫انطلق المحامي بقرار مفاجئ‪ ،‬فرحب السيد تاباريه العجوز بذلك‪.‬‬

‫"نعم‪ "،‬قاطعه‪" ،‬سوف تعرف كل شيء‪ .‬في الواقع‪ ،‬لقد تعبت من حمل هذا السر ال‪NN‬ذي يخنق‪NN‬ني وح‪NN‬دي‪.‬‬
‫ُيهيجني الدور الذي ألعبه وُيرهقني‪ .‬أحتاج إلى صديق يعّز يني‪ ،‬وأحت‪NN‬اج إلى مستش‪NN‬ار يش‪NN‬جعني‪ ،‬ألن‪NN‬ه ال‬
‫يمكن للشخص أن يحكم على قضيته بنفسه‪ ،‬وهذه الجريمة ألقتني في هاوية من التردد‪".‬‬

‫"أنت تعلم"‪ ،‬رد السيد تاباريه العجوز بلط‪NN‬ف‪" ،‬أن‪NN‬ني أعت‪NN‬برك اب‪NN‬ني ال‪NN‬روحي‪ .‬ال ت‪NN‬تردد في الس‪NN‬ماح لي‬
‫بخدمتك‪".‬‬
‫"إذن"‪ ،‬بدأ المحامي‪" ،‬لكن ليس هنا‪ :‬يجب أال يتم االستماع إلى ما أريد قوله‪ .‬لنذهب إلى مكتبي‪".‬‬

‫الفصل ‪4‬‬
‫عندما جلس نويل وتاباريه العجوز مواجهين لبعضهما البعض في مكتب نويل وتم إغالق الباب بعناية‪،‬‬
‫شعر العجوز بالقلق وقال‪" :‬ماذا لو احتاجت والدتك لشيء ما؟"‬
‫"إذا رنت مدام جيردي‪ "،‬أجاب الشاب بجفاف‪" ،‬سيعتني بها الخادم‪".‬‬
‫أذهل هذا الالمباالة واالزدراء البارد تاباريه العجوز‪ ،‬حيث اعتاد على العالقات المودة الموجودة دائًم ا‬
‫بين األم وابنها‪.‬‬
‫"من أجل السماء‪ ،‬نويل"‪ ،‬قال‪" ،‬أهدئ نفسك‪ .‬ال تدع نفسك تنهار بسبب شعور الت ‪ .Irritation‬لديك‪،‬‬
‫أرى‪ ،‬بعض الضغينة الصغيرة ضد والدتك‪ ،‬التي ستنساها غًدا‪ .‬ال تتحدث عنها بهذا النبرة المتجمدة؛‬
‫ولكن أخبرني ماذا تعني عندما تسميها مدام جيردي؟"‬
‫"ماذا أعني؟" أجاب المحامي بنبرة خافتة‪" ،‬ماذا أعني؟"‬
‫ثم نهض من كرسيه المريح وأخذ عدة خطوات حول الغرفة‪ ،‬وعاد إلى مكانه بالقرب من العجوز وقال‪:‬‬
‫‪-‬‬
‫"ألنها‪ ،‬يا موسيو تاباريه‪ ،‬مدام جيردي ليست والدتي!"‬
‫سقطت هذه الجملة مثل ضربة ثقيلة على رأس المحقق الهاوي‪.‬‬
‫"آه!" قال بالنبرة التي يتبناها المرء عند رفض اقتراح غير معقول‪" ،‬هل تعرف حًقا ما تقوله‪ ،‬نويل؟‬
‫هل يمكن تصديقه؟ هل هو محتمل؟"‬
‫"إنه غير محتمل‪ "،‬أجاب نويل بتأكيد غريب كان معتاًدا عليه‪" :‬إنه ال يصدق‪ ،‬إذا أردت؛ ولكنه حقيقي‪.‬‬
‫هذا يعني أنه منذ ثالث وثالثين سنة‪ ،‬منذ والدتي‪ ،‬لعبت هذه المرأة مسرحية رائعة وغير الئقة لتعزيز‬
‫وتثري ابنها ‪ -‬ألن لديها ابن ‪ -‬على حسابي!"‬
‫"صديقي"‪ ،‬بدأ السيد تاباريه العجوز‪ ،‬الذي في الخلفية من المشهد الذي تحدث عنه هذا الكشف المذهل‪،‬‬
‫رأى مرة أخرى شبح األرملة لو روج المقتولة‪ .‬ولكن نويل لم يسمع‪ ،‬ويبدو أنه لم يكن في حالة جيدة‬
‫لالستماع‪ .‬فالشاب‪ ،‬الذي كان عادة بارًدا ومتحكًم ا في نفسه‪ ،‬لم يعد قادًر ا على السيطرة على غضبه‪ .‬في‬
‫اللحظة التي سمع فيها صوته الخاص‪ ،‬أصبح أكثر حيوية‪ ،‬تماًم ا كما يحدث مع الحصان الجيد عند‬
‫سماعه أصوات الركاب‪.‬‬
‫"هل كان أي رجل"‪ ،‬واص‪NN‬ل "أك‪NN‬ثر تمي‪NN‬يًز ا‪ ،‬وأك‪NN‬ثر خ‪NN‬داًعا‪ ،‬مم‪NN‬ا كنت علي‪NN‬ه! أن‪NN‬ا ال‪NN‬ذي كنت أحب ه‪NN‬ذه‬
‫المرأة‪ ،‬ولم أعرف كيف أظهر محبتي لها‪ ،‬وكنت قد ضحيت بشبابي من أجلها! كيف يجب أن تك‪NN‬ون ق‪NN‬د‬
‫ضحكت علي! لقد بدأت نذالتها منذ لحظة أخذها لي على ركبتيه‪NN‬ا ألول م‪NN‬رة؛ وح‪NN‬تى ه‪NN‬ذه األي‪NN‬ام القليل‪NN‬ة‬
‫الماض‪NN‬ية‪ ،‬أبقت على دوره‪NN‬ا اللعين ب‪NN‬دون ت‪NN‬ردد‪ .‬ك‪NN‬ان حبه‪NN‬ا لي ليس س‪NN‬وى نف‪NN‬اق! ووالئه‪NN‬ا ك‪NN‬ان ك‪NN‬ذًبا!‬
‫وعناقاتها‪ ،‬كذًبا! وأنا كنت أعشقها! يا ليتني أستطيع أن أسترد كل العناق الذي قدمته لها مقاب‪NN‬ل تقبيالته‪NN‬ا‬
‫الخائن‪NN‬ة! ولم‪NN‬اذا ك‪NN‬ان ك‪NN‬ل ه‪NN‬ذا البطول‪NN‬ة في الخ‪NN‬داع‪ ،‬والح‪NN‬ذر‪ ،‬والخ‪NN‬داع؟ ليخون‪NN‬ني بش‪NN‬كل أك‪NN‬ثر أماًن ا‪،‬‬
‫وليس‪NN‬رقني‪ ،‬ويس‪NN‬لبني‪ ،‬ويلقي بك‪NN‬ل م‪NN‬ا ينتمي لي بش‪NN‬كل ش‪NN‬رعي على طفله‪NN‬ا اللعين؛ اس‪NN‬مي‪ ،‬اس‪NN‬م نبي‪NN‬ل‪،‬‬
‫ثروتي‪ ،‬ورثة أميرية!"‬
‫"نحن نقترب من الحقيقة!"‪ ،‬فكر السيد تاباريه العجوز‪ ،‬الذي كان يتالشى سريًعا في زميل إم‪ .‬جيفرول؛‬
‫ثم قال بصوت عاٍل ‪" ،‬هذا أمر خطير جًدا‪ ،‬كل ما قلت‪N‬ه‪ ،‬عزي‪N‬زي نوي‪N‬ل‪ ،‬خط‪N‬ير ج‪ًN‬دا‪ .‬يجب أن نعتق‪N‬د أن‬
‫السيدة جيردي لديها مقدار من الجرأة والق‪NN‬درة ال‪NN‬تي ال يمكن العث‪NN‬ور عليه‪NN‬ا بس‪NN‬هولة في ام‪NN‬رأة‪ .‬يجب أن‬
‫يكون لها مساعدون‪ ،‬مستشارون‪ ،‬ربما تم إجبارها‪ .‬من هم شركاؤها؟ لم تستطع إدارة كل هذا بمفرده‪NN‬ا؛‬
‫ربما زوجها نفسه‪".‬‬
‫"زوجها!" تدخل المحامي‪ ،‬مع ضحكة‪" .‬أها! لقد صدقت أنها أرملة‪ُ .‬طرد ذلك! إنها لم تكن لديها أبًدا‬
‫زوج‪ ،‬السيد جيردي المتوفي لم يكن موجوًدا‪ .‬كنت طفاًل ال شرعية‪ ،‬عزيزي سيد تاباريه‪ ،‬نويل‪ ،‬ابن‬
‫فتاة جيردي وأب ال يعرفها!"‬
‫"أها!" صاح العجوز‪" ،‬فهذا هو السبب في إلغاء زواجك من مداموازيل ليفرنوا قبل أربع سنوات؟"‬
‫"نعم‪ ،‬يا صديقي‪ ،‬هذا هو السبب‪ .‬وما هي المصائب التي ك‪NN‬ان يمكن تفاديه‪NN‬ا من خالل ه‪NN‬ذا ال‪NN‬زواج م‪NN‬ع‬
‫فتاة شابة أحببتها! ومع ذلك‪ ،‬لم أشتِك منها ال‪N‬تي كنت أس‪N‬ميها وال‪N‬دتي آن‪N‬ذاك‪ .‬بكت‪ ،‬إتهمت نفس‪N‬ها‪ ،‬ب‪N‬دت‬
‫جاهزة للموت من الحزن‪ :‬وأن‪NN‬ا‪ ،‬األحم‪NN‬ق! تعزيته‪NN‬ا بأفض‪NN‬ل م‪NN‬ا يمكن‪NN‬ني‪ ،‬جففت دموعه‪NN‬ا‪ ،‬وأع‪N‬ذرتها في‬
‫عينيها‪ .‬ال‪ ،‬لم يكن لديها زوج‪ .‬هل يوجد لدى هذه النساء أزواج؟ كانت عش‪NN‬يقة وال‪NN‬دي؛ وفي الي‪NN‬وم ال‪NN‬ذي‬
‫كان فيه قد تسلق منها‪ ،‬أخذ قبعته ورمى عليها ثالثمائة ألف فرنك‪ ،‬ثمن المتع التي قدمتها له‪".‬‬
‫ربما كان نويل سيس‪NN‬تمر في الكالم لف‪N‬ترة أط‪NN‬ول ليس‪NN‬كب غض‪NN‬به الغاض‪NN‬ب؛ لكن الس‪NN‬يد تاباري‪NN‬ه العج‪NN‬وز‬
‫أوقفه‪ .‬شعر العجوز بأنه على وشك التعرف على قصة مشابهة تماًم ا لتل‪NN‬ك ال‪NN‬تي تخيله‪NN‬ا‪ ،‬وك‪NN‬ادت ش‪NN‬وقه‬
‫لمعرفة ما إذا كان قد حزر بشكل صحيح‪ ،‬يجعله ينسى تعبير أي تعاطف لمصائب صديقه‪.‬‬
‫"يا فتى الحبيب"‪ ،‬قال‪" ،‬ال تنحرف عن الموضوع‪ .‬أنت تطلب مني النصيحة‪ ،‬وربما أنا أفضل مستش‪N‬ار‬
‫يمكن أن تختاره‪ .‬لذلك‪ ،‬تعال إلى النقطة‪ .‬كيف تعرفت على هذا؟ هل لديك أي دليل؟ وأين هم؟"‬
‫يجب أن يكون النبرة الحاسمة التي تحدث بها العجوز قد أيقظت إنتباه نويل؛ لكنه لم يالحظ ذل‪NN‬ك‪ .‬لم يكن‬
‫لديه وقت للتفكير‪ .‬لذلك أجاب‪:‬‬
‫"لقد عرفت الحقيقة منذ ثالثة أسابيع‪ .‬لقد اكتشفت ذلك بالصدفة‪ .‬لدي دالئل أخالقية مهم‪NN‬ة‪ ،‬لكنه‪NN‬ا مج‪NN‬رد‬
‫أدلة افتراضية‪ .‬كلمة واحدة من األرملة لوروج‪ ،‬كلمة واحدة فقط‪ ،‬كانت كفيلة بإثباتها‪ .‬لكنها لم تعد قادرة‬
‫على نطق هذه الكلمة‪ ،‬حيث أنهم قتلوها؛ لكنها قالتها لي‪ .‬اآلن‪ ،‬ستنكر مدام جيردي الكل‪ .‬أعرفها؛ ح‪NN‬تى‬
‫لو كانت تحت الحاجز‪ ،‬ستنكرها‪ .‬وال‪NN‬دى بال ش‪NN‬ك س‪NN‬يتحول ض‪NN‬دي‪ .‬أن‪NN‬ا متأك‪NN‬د‪ ،‬ول‪NN‬دي دالئ‪NN‬ل؛ لكن ه‪NN‬ذه‬
‫الجريمة تجعل من وجود دالئلي عبًثا‪ ،‬وتجعل من ثقتي مجرد تباٍه!"‬
‫"اشرح لي كل شيء"‪ ،‬قال السيد تاباري‪N‬ه العج‪N‬وز بع‪N‬د ف‪N‬ترة من الص‪N‬مت‪" ،‬ك‪N‬ل ش‪N‬يء‪ ،‬تفهم‪ .‬في بعض‬
‫األحيان‪ ،‬يمكن لنا الُّنصح بشكل جيد‪ .‬سنقرر ماذا يجب فعله بعد ذلك‪".‬‬
‫“قب‪NN‬ل ثالث‪NN‬ة أس‪NN‬ابيع”‪ ،‬ب‪NN‬دأ نوي‪NN‬ل‪“ ،‬وأن‪NN‬ا أبحث عن بعض الوث‪NN‬ائق القديم‪NN‬ة‪ ،‬فتحت مكتب م‪NN‬دام ج‪NN‬يردي‪.‬‬
‫بالصدفة‪ ،‬قمت بإزاحة أحد األرف‪N‬ف الص‪N‬غيرة‪ :‬تس‪N‬اقطت بعض األوراق‪ ،‬وس‪N‬قطت حزم‪N‬ة من الرس‪N‬ائل‬
‫أمام عي‪NN‬ني‪ .‬دفع‪NN‬ني ن‪NN‬وع من االن‪NN‬دفاع الميك‪NN‬انيكي‪ ،‬ال‪NN‬ذي ال يمكن‪NN‬ني تفس‪NN‬يره‪ ،‬لف‪N‬ك الحزم‪NN‬ة‪ ،‬وب‪NN‬دافع من‬
‫الفضول الذي ال يقاوم‪ ،‬قرأت الرسالة األولى التي وقعت يدي عليها‪”.‬‬
‫“لقد فعلت خطأ”‪ ،‬الحظ السيد تاباريه‪.‬‬
‫“ليكن كذلك؛ على أي حال‪ ،‬قرأت‪ .‬بعد عشرة أسطر‪ ،‬كنت مقتنعًا ب‪NN‬أن ه‪NN‬ذه الرس‪NN‬ائل من وال‪NN‬دي‪ ،‬ال‪NN‬ذي‬
‫كانت مدام جيردي‪ ،‬رغم صلواتي‪ ،‬تخفي دائمًا اس‪N‬مه ع‪N‬ني‪ .‬يمكن‪N‬ك فهم إه‪N‬تزازي الع‪N‬اطفي‪ .‬قمت بأخ‪N‬ذ‬
‫الحزمة‪ ،‬واغلقت نفسي في هذه الغرفة‪ ،‬وإلتهمت المراسالت من البداية حتى النهاية‪”.‬‬
‫“وقد عوقبت بقسوة‪ ،‬يا فتى يا مسكين!”‬
‫“صحيح‪ ،‬ولكن من يمكنه في موقفي أن يقاوم؟ هذه الرسائل سببت لي ألم‪ًN‬ا كب‪NN‬يرًا‪ ،‬ولكنه‪NN‬ا ت‪NN‬وفر ال‪NN‬دليل‬
‫على ما قلته لك للتو‪".‬‬
‫“لقد حافظت على هذه الرسائل على األقل؟”‬
‫“لديها هنا‪ ،‬السيد تاباريه”‪ ،‬أجاب نويل‪“ ،‬وحتى تفهم الحالة التي طلبت فيها نصيحتك‪ ،‬سأقرأها لك‪”.‬‬
‫فتح المحامي درًج ا من مكتبه‪ ،‬وضغط على زر غير مرئي‪ ،‬ومن مكان سري موجود في الرف العل‪NN‬وي‬
‫السميك‪ ،‬إستخرج حزمة من الرسائل‪“ .‬تفهم‪ ،‬يا صديقي”‪ ،‬استأنف المحامي‪“ ،‬أنني سأوفر عليك جمي‪NN‬ع‬
‫التفاصيل التافهة التي‪ ،‬على أي حال‪ ،‬تضيف وزنها الخاص إلى الباقي‪ .‬سأتعامل فقط مع الحقائق األكثر‬
‫أهمية‪ ،‬التي تتعلق مباشرة بالقضية‪”.‬‬
‫استقر السيد تاباريه العجوز في كرسيه‪ ،‬مشتعًال بالفضول؛ حيث كانت وجهه وعيناه تعبران عن االنتباه‬
‫الشديد‪ .‬بعد اختيار استغرق بعض الوقت‪ ،‬فتح المح‪NN‬امي رس‪NN‬الة‪ ،‬وب‪NN‬دأ في الق‪NN‬راءة بص‪NN‬وت يرتج‪NN‬ف في‬
‫بعض األحيان‪ ،‬على الرغم من محاوالته لجعله هادًئا‪.‬‬
‫“‘محبتي العزيزة فاليري‪-’،‬‬

‫“فاليري”‪ ،‬قال‪“ ،‬هي مدام جيردي‪”.‬‬


‫“أعلم‪ ،‬أعلم‪ ،‬ال تقاطع نفسك‪ ”.‬ثم استأنف نويل‪.‬‬
‫“‘محبتي العزيزة فاليري‪،‬‬
‫“‘هذا يوم سعيد‪ .‬صباح اليوم‪ ،‬تلقيت رسالتك الحبيبة‪ ،‬لقد غطيتها بالقبالت‪ ،‬وقرأتها مئة م‪NN‬رة‪ ،‬واآلن تم‬
‫إضافتها إلى الرسائل األخرى هنا على قلبي‪ .‬هذه الرس‪NN‬الة‪ ،‬ي‪NN‬ا حبيب‪NN‬تي! ك‪NN‬ادت أن تقتل‪NN‬ني من الف‪NN‬رح‪ .‬لم‬
‫تكن خدعة‪ ،‬إذن؛ إنها حقيقية! قد بارك هللا حبنا‪ .‬سنقوم بإنجاب ابن‪.‬‬
‫“‘سأنجب ابنًا‪ ،‬صورة حية لحبيبتي فاليري المعشوقة! يا ليتني لو كانت بيننا مسافة أقل! لم‪NN‬اذا ال يوج‪NN‬د‬
‫لدي أجنحة حتى أستطيع التحليق إليِك والوق‪NN‬وف عن‪NN‬د ق‪NN‬دميِك ‪ ،‬والوق‪NN‬وع في ذراعي‪ِN‬ك ‪ ،‬تحت ت‪NN‬أثير الل‪NN‬ذة‬
‫الحلوة! ال! لم يحن وقٌت مثل هذا اللحظة التي تمر بها لعنُت ال‪NN‬زواج القات‪NN‬ل ال‪NN‬ذي فرض‪NN‬ه علَّي عائل‪NN‬ة ال‬
‫يمكن أن تمحى دموعي بفعله‪ .‬ال أستطيع أن أتحمل هذه المرأة‪ ،‬التي تحمل اسمي‪ ،‬برغم ما هي في‪NN‬ه من‬
‫ضحية براءة‪ ،‬وجرمها هو بما فعله والدينا‪ .‬وإلكمال بؤسي‪ ،‬فإنها ستجعلني أيضًا قريبًا أًبا‪ .‬من يس‪NN‬تطيع‬
‫وصف حزني حينما أقارن بين أحوال هذين الطفلين؟‬
‫“‘األول‪ ،‬ابن حبيبتي العزيزة‪ ،‬لن يكون لديه أًبا‪ ،‬وال عائل‪NN‬ة‪ ،‬وال ح‪NN‬تى إس‪ًN‬م ا‪ ،‬ألن الق‪NN‬انون ال‪NN‬ذي وض‪NN‬ع‬
‫لجعل العاشقين سعداء يمنعني من االعتراف به‪ .‬بينما اآلخ‪N‬ر‪ ،‬ابن زوج‪NN‬تي المكروه‪NN‬ة‪ ،‬بمج‪NN‬رد والدت‪NN‬ه‪،‬‬
‫سيكون غنًيا‪ ،‬ونبياًل ‪ ،‬ومحاًطا بالتفاني والتحية‪ ،‬مع موق‪NN‬ع كب‪N‬ير في الع‪N‬الم‪ .‬ال أس‪N‬تطيع تحم‪N‬ل فك‪N‬رة ه‪N‬ذا‬
‫الظلم الرهيب! كيف يمكن منعه‪ ،‬ال أعرف‪ :‬ولكن تأكد من أنني سأجد الطريق‪NN‬ة‪ .‬ال‪NN‬ثروة األك‪NN‬بر يجب أن‬
‫تأتي إلى من ترغب فيه‪ ،‬ومن تحب‪ ،‬ومن تعتبره األغلى‪ ،‬وسوف تأتي إليه‪ ،‬ألني أريدها كذلك‪”’.‬‬
‫“من أين تمت كتابة تلك الرسالة؟” سأل السيد تاباريه العجوز‪ .‬فاألسلوب الذي كتب بها قد حس‪NN‬م بالفع‪NN‬ل‬
‫نقطة مهمة في عقله‪.‬‬
‫“انظر”‪ ،‬أجاب نويل‪ ،‬وسلم الرسالة للرجل العجوز‪ ،‬الذي قرأ‪" :‬فينيسيا‪ ،‬ديسمبر ‪."١٨٢٨‬‬
‫“تدركون‪ ”،‬استأنف المحامي‪“ ،‬جمي‪N‬ع أهمي‪N‬ة ه‪N‬ذه الرس‪N‬الة األولى‪ .‬إنه‪N‬ا كم‪N‬ا ل‪N‬و ك‪N‬انت بياًن ا مختص‪ًN‬را‬
‫للحقائق‪ .‬إن والدي‪ ،‬الذي تزوج رغًم ا عن‪NN‬ه‪ ،‬يعش‪NN‬ق عش‪NN‬يقته ويك‪NN‬ره زوجت‪NN‬ه‪ .‬وكالهم‪NN‬ا يج‪NN‬دان نفس‪NN‬يهما‬
‫حوامل في نفس ال‪N‬وقت‪ ،‬ولم يخ‪ِN‬ف مش‪N‬اعره تج‪N‬اه الطفلين الل‪N‬ذين س‪N‬يولدان‪ .‬في النهاي‪N‬ة‪ ،‬يمكن أن ن‪N‬رى‬
‫بوضوح نبض فكرة ستتحقق فيما بعد‪ ،‬والتي لن يخاف بعدها والدي من تنفيذها‪ ،‬بالرغم من كل القوانين‬
‫البشرية واإللهية!"‬
‫وكأنه يتحدث وهو يدافع عن القضية‪ ،‬قاطعه السيد تاباريه العجوز‪.‬‬
‫"ال يلزم تفسير ذلك"‪ ،‬قال‪" .‬الحمد هلل‪ ،‬ما قرأته اآلن واضح بما في‪N‬ه الكفاي‪N‬ة‪ .‬لس‪N‬ت خب‪N‬يًر ا في مث‪N‬ل ه‪N‬ذه‬
‫المسائل‪ ،‬أنا بسيط مثل عضو هيئة المحلفين‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬أفهمها بشكل رائع حتى اآلن"‪.‬‬
‫"أتجاوز العديد من الرسائل"‪ ،‬إستمر نويل‪" ،‬وأصل إلى هذه المراسلة المؤرخ‪N‬ة ‪ 23‬ين‪N‬اير ‪ .1829‬إنه‪N‬ا‬
‫طويل‪NN‬ة ج‪ًNN‬دا‪ ،‬ومليئة ب‪NN‬أمور غريب‪NN‬ة تماًم ا عن الموض‪NN‬وع ال‪NN‬ذي نناقش‪NN‬ه اآلن‪ .‬وم‪NN‬ع ذل‪NN‬ك‪ ،‬تحت‪NN‬وي على‬
‫مقطعين‪ ،‬يشهدان على نمو مشروع والدي البطيء والثابت‪' .‬الق‪NN‬در‪ ،‬األق‪NN‬وى من إرادتي‪ ،‬يربط‪NN‬ني به‪NN‬ذا‬
‫البلد؛ ولكن روحي معك يا فاليري! بدون توقف‪ ،‬تتوقف أفكاري عند الثمن المعشوق لحبنا الذي يتح‪NN‬رك‬
‫في داخلِك ‪ .‬احرصي‪ ،‬يا عزيزتي‪ ،‬احرصي على نفسك‪ ،‬اآلن تمتلكين قيمة مضاعفة‪ .‬إنه العاشق‪ ،‬األب‪،‬‬
‫الذي يتوسل إليك‪ .‬الجزء األخير من رس‪NN‬التِك يج‪NN‬رح قل‪NN‬بي‪ .‬أليس إهان‪NN‬ة لي‪ ،‬أن تع‪NN‬ربي عن قلق‪ِN‬ك بش‪NN‬أن‬
‫مستقبل طفلنا! يا الهي! إنها تحبني‪ ،‬تعرفني‪ ،‬ومع ذلك تشكك فَّي !'‬
‫"أتجاوز"‪ ،‬قال نويل‪" ،‬صفحتين من النثر المتهور‪ ،‬وأتوقف عند هذه األس‪NN‬طر القليل‪NN‬ة في النهاي‪NN‬ة‪' .‬حال‪NN‬ة‬
‫الكونتيسة تجعلها تعاني كثيًرا! زوج‪N‬ة مس‪N‬كينة! أكرهه‪N‬ا وأش‪N‬فق عليه‪N‬ا في نفس ال‪N‬وقت‪ .‬يب‪N‬دو أنه‪N‬ا تنب‪N‬أ‬
‫بسبب حزني وبرودي‪ .‬بانخفاض ترددها الخج‪NN‬ول وحالوته‪NN‬ا الثابت‪NN‬ة‪ ،‬يمكن للم‪NN‬رء أن يعتق‪NN‬د أنه‪NN‬ا تطلب‬
‫الغفران التحادنا السعيد‪ .‬مخلوقة مضحية الفقيرة! قد يكون قد أعطت قلبها لشخص آخ‪NN‬ر قب‪NN‬ل أن تج‪NN‬رى‬
‫إلى المذبح‪ .‬ستكون مصائرنا متشابهة في هذه الحالة‪ .‬قلبك الطيب سيغفر لي شفقتي عليها‪'.‬‬
‫"هي ك‪NN‬انت وال‪NN‬دتي"‪ ،‬ص‪NN‬اح المح‪NN‬امي بص‪NN‬وت مرتج‪NN‬ف‪" .‬قديس‪NN‬ة! وه‪NN‬و يطلب العف‪NN‬و لش‪NN‬فقتها! ام‪NN‬رأة‬
‫مسكينة‪".‬‬
‫مرر يديه على عينيه‪ ،‬كما لو كان يحاول إيقاف دموعه‪ ،‬وأضاف‪" :‬لقد توفيت!"‪.‬‬
‫على الرغم من عدم صبره‪ ،‬لم يجرؤ السيد تاباريه العجوز على الكالم‪ .‬باإلضافة إلى ذل‪NN‬ك‪ ،‬ش‪NN‬عر بح‪NN‬دة‬
‫ب‪NN‬الحزن العمي‪NN‬ق لص‪NN‬ديقه الش‪NN‬اب‪ ،‬واحترم‪NN‬ه‪ .‬بع‪NN‬د ف‪NN‬ترة ص‪NN‬مت طويل‪NN‬ة‪ ،‬رف‪NN‬ع نوي‪NN‬ل رأس‪NN‬ه وع‪NN‬اد إلى‬
‫المراسالت‪.‬‬
‫"كل الرسائل التي تليها"‪ ،‬قال‪" ،‬تحمل آثار انشغال والدي بشأن ابنه الغير ش‪NN‬رعي‪ .‬وم‪NN‬ع ذل‪NN‬ك‪ ،‬أض‪NN‬عها‬
‫جانبًا‪ .‬لكن هذا ما يلفت انتباهي في الرسالة المكتوب‪N‬ة من روم‪N‬ا في ‪ 5‬م‪N‬ارس ‪' .1829‬اب‪N‬ني‪ ،‬ابنن‪N‬ا‪ ،‬ه‪N‬ذه‬
‫هي قلقتي الكبرى والوحيدة‪ .‬كيف يمكنني تأمين ل‪NN‬ه الموق‪NN‬ع المس‪NN‬تقبلي ال‪NN‬ذي أحلم ب‪NN‬ه؟ لم يكن النبالء في‬
‫األزمان السابقة يشعرون بهذا القل‪N‬ق‪ .‬في تل‪N‬ك األي‪N‬ام‪ ،‬كنت س‪N‬أذهب إلى المل‪N‬ك ال‪N‬ذي ك‪N‬ان بكلم‪N‬ة واح‪N‬دة‬
‫سيضمن موقف الطفل في العالم‪ .‬اليوم‪ ،‬الملك الذي يحكم بصعوبة على المواطنين المتمردين ال يستطيع‬
‫القيام بأي شيء‪ .‬فقدت النبالء حقوقهم‪ ،‬ويتم التعامل مع أرفع األشخاص في البالد على النحو نفسه الذي‬
‫يتم التعامل مع أدنى الفالحين!' وأسفل الصفحة‪ ،‬أجد‪' ،‬يحب قلبي أن يتصور صورة ابننا‪ .‬س‪NN‬يمتلك روح‬
‫وعقل وجمال وسحر كل والدت‪NN‬ه‪ .‬س‪NN‬يورث من وال‪NN‬ده الفخ‪NN‬ر والش‪NN‬جاعة ومش‪NN‬اعر نبيل‪NN‬ة‪ .‬واآلخ‪N‬ر‪ ،‬كي‪NN‬ف‬
‫س‪NN‬يكون؟ أرتعب عن‪NN‬دما أفك‪NN‬ر في ذل‪NN‬ك‪ .‬يمكن للكراهي‪NN‬ة أن تخل‪NN‬ق وحش‪ًN‬ا فحس‪NN‬ب‪ .‬يحج‪NN‬ز الس‪NN‬ماء الق‪NN‬وة‬
‫والجمال ألطفال الحب!' الوحش‪ ،‬هذا أنا!" قال المحامي بغضب شديد‪" .‬في حين أن اآلخر ‪ -‬لكن دعونا‬
‫نتجاهل هذه اإلجراءات األولية الفاضحة‪ .‬لقد أردت فقط حتى اآلن أن أظه‪NN‬ر ل‪NN‬ك انح‪NN‬راف عق‪NN‬ل وال‪NN‬دي‬
‫تحت تأثير شغفه‪ .‬سنصل قريًبا إلى الموضوع"‪.‬‬
‫كان السيد تاباريه مندهشًا من قوة هذا الشغف الذي كان يقلب رماده‪ .‬ربما ش‪NN‬عر ب‪NN‬ذلك بش‪NN‬كل أك‪NN‬ثر ح‪NN‬دة‬
‫بسبب تلك التعابير ال‪NN‬تي أع‪NN‬ادت احي‪NN‬اء ش‪NN‬بابه‪ .‬فه‪NN‬و يفهم م‪NN‬دى ق‪NN‬وة مث‪NN‬ل ه‪NN‬ذا الحب ويخ‪NN‬اف من التكهن‬
‫بالنتيجة‪.‬‬
‫"هذا هو"‪ ،‬استأنف نويل ممسكًا بورق‪N‬ة ‪" ،‬ليس واح‪N‬دًا من تل‪N‬ك الرس‪N‬ائل الطويل‪N‬ة ال‪N‬تي ق‪N‬رأت لكم منه‪N‬ا‬
‫مقتطفات قصيرة‪ ،‬بل هو بليت بسيطة‪ .‬مؤرخة من البندقية في بداية شهر م‪NN‬ايو‪ ،‬قص‪NN‬يرة لكنه‪NN‬ا حاس‪NN‬مة‪،‬‬
‫'عزيزتي فاليري‪ ،‬أخبريني‪ ،‬بأقرب ما يمكن‪ ،‬بتاريخ والدتك المحتمل‪ .‬أنا أنتظر ردك بقلق تتص‪NN‬ورينه‪،‬‬
‫لو استطعتي تخمين مشاريعي بخصوص طفلنا'‪".‬‬
‫"ال أعرف"‪ ،‬قال نويل‪" ،‬هل فهمت السيدة ج‪NN‬يردي؛ على أي ح‪NN‬ال‪ ،‬يجب أنه‪NN‬ا أج‪NN‬ابت على الف‪NN‬ور‪ ،‬ألن‬
‫هذا ما كتبه والدي في الرابع عشر‪' :‬إجابتك‪ ،‬حبيبتي‪ ،‬هي ما لم أجرؤ على توقعه‪ .‬المش‪NN‬روع ال‪NN‬ذي كنت‬
‫قد تصورته اآلن قابل للتنفيذ‪ .‬أش‪NN‬عر باله‪NN‬دوء واألم‪NN‬ان أك‪NN‬ثر اآلن‪ .‬س‪NN‬يحمل ابنن‪NN‬ا اس‪NN‬مي‪ .‬لن أض‪NN‬طر إلى‬
‫فصل نفسي عنه‪ .‬سيتربى بجانبي في قصري‪ ،‬تحت عيني‪ ،‬على ركب‪N‬تي‪ ،‬في ذراعي‪ .‬ه‪N‬ل س‪N‬أكون قوي‪ًN‬ا‬
‫بما فيه الكفاية لتحمل هذا الزائد من السعادة؟ لدي روح للحزن‪ ،‬فهل لدي روح أيًض ا للفرح؟ يا حبيب‪NN‬تي‪،‬‬
‫يا طفلي الثمين‪ ،‬ال تخافوا‪ ،‬فقلبي واسع بما فيه الكفاية ألحبكما! أنا أغادر غدًا إلى نابولي‪ ،‬حيث س‪NN‬أكتب‬
‫لك بالتفصيل‪ .‬أيًا كان ما يحدث‪ ،‬ول‪N‬و ك‪N‬ان علي أن أض‪NN‬حي بالمص‪NN‬الح الهام‪N‬ة الموكل‪N‬ة إلي‪ ،‬س‪N‬أكون في‬
‫باريس في الساعة الحرجة‪ .‬وجودي سيضاعف شجاعتك‪ ،‬قوة حبي ستخفف معاناتك‪".‬‬
‫"أعتذر عن التصرف عليك‪ ،‬نويل"‪ ،‬قال السيد تاباريه العجوز‪" ،‬هل تعرف ما هي األمور الهام‪NN‬ة ال‪NN‬تي‬
‫إحتجزت والدك خارج البالد؟"‬
‫"والدي‪ ،‬صديقي الق‪NN‬ديم"‪ ،‬أج‪NN‬اب المح‪NN‬امي‪" ،‬على ال‪NN‬رغم من ش‪NN‬بابه‪ ،‬ك‪NN‬ان واح‪ًNN‬دا من أص‪NN‬دقاء تش‪NN‬ارلز‬
‫العاشر وأحد المستشارين له‪ .‬وكان قد تم تكليفه بمهم‪NN‬ة س‪NN‬رية في إيطالي‪NN‬ا‪ .‬وال‪NN‬دي ه‪NN‬و الك‪NN‬ونت ريت‪NN‬و دو‬
‫كومارين‪".‬‬
‫"واو!"‪ ،‬صاح العجوز‪ .‬ولتثبيت االسم في ذاكرته‪ ،‬كررها عدة مرات بين أسنانه‪" ،‬ريتو دو كومارين‪".‬‬
‫ظل نويل صامتًا لبضع دقائق‪ .‬بعد أن بدا وكأنه يفعل كل شيء للسيطرة على غضبه‪ ،‬بدا محطمًا تمام ‪ًN‬ا‪،‬‬
‫كأنه قرر عدم محاولة شيء إلصالح األذى الذي لحق به‪.‬‬
‫"في منتصف شهر مايو‪ ،‬بالتالي"‪ ،‬استمر‪" ،‬والدي في نابولي‪ .‬وخالل وجوده هناك‪ ،‬يجرؤ ه‪NN‬ذا الرج‪NN‬ل‬
‫الحكيم والمعتدل والدبلوماسي والنبيل‪ ،‬بدافع شغفه الجنوني‪ ،‬على االع‪NN‬تراف ب‪NN‬أكثر مش‪NN‬روع وحشاش‪NN‬ة‪.‬‬
‫استمعوا!‬
‫"حبيبتي الغالية‪،‬‬
‫"إنه جيرمان‪ ،‬خادمي الق‪NN‬ديم‪ ،‬ال‪NN‬ذي سيس‪NN‬لمك ه‪NN‬ذه الرس‪NN‬الة‪ .‬أرس‪NN‬لته إلى نورمان‪NN‬دي‪ ،‬مكلًف ا بمهم‪NN‬ة ذات‬
‫طبيعة حساسة‪ .‬إنه من الخدم الذين يمكن الوثوق بهم تماًم ا‪.‬‬
‫"حان الوقت لشرح مشاريعي بخصوص ابني‪ .‬خالل ثالثة أسابيع‪ ،‬على أبعد تقدير‪ ،‬سأكون في باريس‪.‬‬
‫"إذا لم تخدعني توقعاتي‪ ،‬فإن الكونتيسة وأنت ستكونان محتجزتين في نفس الوقت‪ .‬فترة زمنية قد تصل‬
‫إلى ثالثة أو أربعة أيام لن تؤثر على خطتي‪ .‬هذا ما قررته‪.‬‬
‫"سيتم تكليف ممرضتين في نورماندي‪ ،‬حيث تقع معظم ممتلكاتي‪ ،‬برعاية طفلي‪ .‬إحداهما‪ ،‬التي يعرفه‪NN‬ا‬
‫جيرمان‪ ،‬والتي سأرسله معها‪ ،‬ستكون في مصلحتنا‪ .‬س‪NN‬يتم تكلي‪NN‬ف ه‪NN‬ذه الم‪NN‬رأة‪ ،‬ف‪NN‬اليري‪ ،‬برعاي‪NN‬ة ابنن‪NN‬ا‪.‬‬
‫ستغادر هاتان المرأتان باريس في نفس اليوم‪ ،‬حيث سيرافق جيرمان الشخص الذي ستكون له مسؤولية‬
‫ابن الكونتيسة‪.‬‬
‫"سيتم تدبير حادث مخطط له مسبًقا إلجب‪NN‬ار ه‪NN‬اتين الممرض‪NN‬تين على قض‪NN‬اء ليل‪NN‬ة واح‪NN‬دة على الطري‪NN‬ق‪.‬‬
‫سيتولى جيرم‪NN‬ان الترتيب‪NN‬ات لكي يتعين عليهم‪NN‬ا الن‪NN‬وم في نفس ال‪NN‬نزل‪ ،‬وفي نفس الغرف‪NN‬ة! وخالل اللي‪NN‬ل‪،‬‬
‫ستقوم ممرضتنا بتبديل الرضع في أسرتهما‪.‬‬
‫"لقد توقعت كل شيء‪ ،‬كما سأشرح لك‪ ،‬واتخذت كل احتياط‪NN‬ات لمن‪NN‬ع س‪NN‬رنا من الكش‪NN‬ف‪ .‬ل‪NN‬دي جيرم‪NN‬ان‬
‫تعليمات بشأن توفير قطعتين من األقمشة لألطفال تماًم ا متشابهتين‪ .‬ساعده بنصيحتك‪.‬‬
‫"قلبك األمومي‪ ،‬يا فاليري العزيزة‪ ،‬قد ينزف ربما عند التفكير في حرمانك من المعانق البريئة لطفل‪NN‬ك‪.‬‬
‫ستتعوضين عن ذلك بالتفكير في الموقف الذي تأملين تأمينه له عن طريق التضحية‪ .‬م‪NN‬ا هي الزي‪NN‬ادة في‬
‫الحنان التي تخدمه بقوة مثل هذا االنفصال؟ أما بالنسبة لآلخر‪ ،‬فأنا أع‪NN‬رف قلب‪NN‬ك المحب‪ ،‬س‪NN‬تحنو علي‪NN‬ه‪.‬‬
‫أليس هذا دليًال آخر على محبتك لي؟ باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬لن يكون لديه شيء يشكو منه‪ .‬فلم يعرف شيًئا‪،‬‬
‫لذلك لن يكون لديه شيء يشعر بالندم عليه‪ ،‬وسيحصل على كل ما يمكن أن يوفره المال في هذا العالم‪".‬‬
‫"‘ال تقل لي إن هذا المحاولة إجرامية‪ .‬ال‪ ،‬يا حبيبتي‪ ،‬ال‪ .‬فنجاح خطتنا يعتم‪NN‬د على العدي‪NN‬د من الظ‪NN‬روف‬
‫غير المحتملة‪ ،‬والعديد من الصدف التي تترك لإلرادة المستقلة‪ ،‬بحيث لن ننجح إال بحماي‪NN‬ة واض‪NN‬حة من‬
‫القدر‪ .‬إذا نجحت محاولتنا‪ ،‬فسيكون ذلك ألن السماء قد قضت بذلك‪.‬‬
‫"‘في الوقت نفسه‪ ،‬أتمنى‪"’.‬‬
‫"كما توقعت‪ "،‬همس السيد تاباريه العجوز‪.‬‬
‫"والرجل البائس‪ "،‬صاح نويل‪" ،‬يجرؤ على استدعاء مساعدة القدر! إنه يريد جعل السماء شريًك ا له!"‬
‫"لكن"‪ ،‬سأل الرجل العجوز‪" ،‬كيف استقبلت والدتك‪ ،‬أعني‪ ،‬مدام جيردي هذا االقتراح؟"‬
‫"يبدو أنه‪NN‬ا رفض‪NN‬ته في البداي‪NN‬ة‪ ،‬ألن هن‪NN‬ا عش‪NN‬رون ص‪NN‬فحة من اإلقن‪NN‬اع المقن‪NN‬ع من الك‪NN‬ونت‪ ،‬يحثه‪NN‬ا على‬
‫الموافقة عليه‪ ،‬ويحاول إقناعها‪ .‬يا هذه المرأة!"‬
‫"تعال‪ ،‬يا طفلي"‪ ،‬قال السيد تاباريه بلطف‪" ،‬ال تكن ظالمًا جدًا‪ .‬يبدو أنك توج‪NN‬ه ك‪NN‬ل غض‪NN‬بك ض‪NN‬د م‪NN‬دام‬
‫جيردي؟ حقًا‪ ،‬في رأيي‪ ،‬الكونت هو أكثر جدارة بغضبك منها‪".‬‬
‫"صحيح"‪ ،‬قاطع نويل‪ ،‬بدرجة من العنف‪" ،‬صحيح‪ ،‬الكونت مذنب‪ ،‬جدًا م‪NN‬ذنب‪ .‬إن‪NN‬ه ص‪NN‬احب الم‪NN‬ؤامرة‬
‫اللئيمة‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬ال يوجد لدي أي كراهية ضده‪ .‬لقد ارتكب جريم‪NN‬ة‪ ،‬ولكن لدي‪NN‬ه ع‪NN‬ذر‪ ،‬ش‪NN‬غفه‪ .‬وعالوة‬
‫على ذل‪NN‬ك‪ ،‬لم يخ‪NN‬دعني وال‪NN‬دي مث‪NN‬ل ه‪NN‬ذه الم‪NN‬رأة البائس‪NN‬ة‪ ،‬ك‪NN‬ل س‪NN‬اعة من حي‪NN‬اتي ط‪NN‬وال ثالثين عاًم ا‪.‬‬
‫وباإلضافة إلى ذلك‪ ،‬لقد تعرض الكومت دي كوماران لعق‪NN‬اب ق‪NN‬اس‪ ،‬ح‪NN‬تى وقت اآلن‪ ،‬ال يمكن‪NN‬ني س‪NN‬وى‬
‫العفو والشفقة عليه‪".‬‬
‫"أه‪ ،‬لذلك تعرض للعقاب؟" استجوب الرجل العجوز‪.‬‬
‫"نعم‪ ،‬بشكل فظيع‪ ،‬كما ستقر‪ .‬ولكن اسمحوا لي باالستمرار‪ .‬نحو نهاية مايو‪ ،‬أو باألحرى‪ ،‬خالل األي‪NN‬ام‬
‫األولى من يوني‪NN‬و‪ ،‬يجب أن يك‪NN‬ون الك‪NN‬ونت ق‪NN‬د وص‪NN‬ل إلى ب‪NN‬اريس‪ ،‬ألن المراس‪NN‬لة تتوق‪NN‬ف‪ .‬رأى م‪NN‬دام‬
‫جيردي‪ ،‬وتم اتخاذ الترتيبات النهائية للمؤامرة‪ .‬هناهيك عن هذه المذكرة التي تزيل كل الشكوك في ه‪NN‬ذا‬
‫الصدد‪ .‬في اليوم الذي كتب في‪NN‬ه‪ ،‬ك‪NN‬ان الك‪NN‬ونت في الخدم‪NN‬ة في ال‪NN‬تيلري‪ ،‬ولم يتمكن من مغ‪NN‬ادرة موقع‪NN‬ه‪.‬‬
‫كتبها حتى في مكتب الملك‪ ،‬على ورق الملك‪ ،‬انظر إلى الشعار الملكي! تم االتفاق والم‪NN‬رأة ال‪NN‬تي وافقت‬
‫على أن تصبح آلة لمشاريع والدي في باريس‪ .‬يبلغ عشيقته بهذا الخبر‪".‬‬
‫"‘عزيزتي فاليري‪ -،‬أبلغني جرمان بوص‪N‬ول مربي‪N‬ة ابن‪N‬ك‪ ،‬ابنن‪N‬ا‪ .‬ستتص‪N‬ل بمنزل‪N‬ك خالل النه‪N‬ار‪ .‬يمكن‬
‫االعتماد عليها؛ فالمكافأة الرائعة تضمن سريتها‪ .‬وم‪N‬ع ذل‪N‬ك‪ ،‬ال ت‪N‬ذكري خططن‪N‬ا له‪N‬ا؛ فق‪N‬د فهمت أن‪N‬ك ال‬
‫تعرفين شيًئا‪ .‬أريد أن أتحمل المسؤولية الوحيدة عن الفعل؛ فهو أكثر ح‪NN‬ذًرا‪ .‬ه‪NN‬ذه الم‪NN‬رأة هي من موالي‪NN‬د‬
‫نورماندي‪ .‬ولدت على ممتلكاتنا‪ ،‬تقريًبا في منزلنا‪ .‬زوجها بحار شجاع وصادق‪ .‬اسمها كلودين لوروج‪.‬‬
‫"‘كن شجاعة‪ ،‬يا حبيبتي‪ .‬أنا أطلب منك التضحية األكبر التي يمكن لعاشق أن يأمله‪NN‬ا من أم‪ .‬الس‪NN‬ماء‪ ،‬لم‬
‫تعد بإمكانك الشك في ذلك‪ ،‬تحمينا‪ .‬كل شيء يتوقف اآلن على مهارتنا وحذرنا‪ ،‬حتى نضمن النجاح!’"‬
‫على األقل‪ ،‬كان السيد تاباريه مس‪N‬تنيًرا بش‪N‬أن نقط‪N‬ة واح‪N‬دة‪ .‬لم تع‪N‬د البحث عن ماض‪N‬ي األرمل‪N‬ة ل‪N‬وروج‬
‫صعًبا‪ .‬لم يتمكن من كبح تعبير االرتياح الذي خرج منه‪ ،‬والذي لم يالحظه نويل‪.‬‬
‫"هذه المذكرة"‪ ،‬استأنف المحامي‪" ،‬تنهي مراسالت الكونت مع مدام جيردي‪".‬‬
‫"ماذا!" صاح العجوز‪" ،‬أنت ال تملك شيًئا آخر؟"‬
‫"لدي أيًضا عش‪N‬رة أس‪N‬طر‪ ،‬كتبت بع‪N‬د س‪N‬نوات عدي‪N‬دة‪ ،‬وال‪N‬تي تحم‪N‬ل بالتأكي‪N‬د بعض ال‪N‬وزن‪ ،‬ولكنه‪N‬ا في‬
‫النهاية دليل أخالقي فقط‪".‬‬
‫"يا لألسف!" همس السيد تاباريه‪ .‬وضع نويل الرسائل ال‪NN‬تي ك‪NN‬انت في ي‪NN‬ده على المكتب‪ ،‬ثم التفت نح‪NN‬و‬
‫صديقه العجوز ونظر إليه بثبات‪.‬‬
‫"لنفترض"‪ ،‬قال ببطء وشدد على ك‪NN‬ل مقط‪NN‬ع من الكلم‪NN‬ات‪" ،‬لنف‪NN‬ترض أن جمي‪NN‬ع المعلوم‪NN‬ات ال‪NN‬تي ل‪NN‬دي‬
‫تنتهي هنا‪ .‬سنفترض‪ ،‬للحظة‪ ،‬أني ال أعلم شيًئا أكثر مما تعرفه اآلن‪ .‬ما هو رأيك؟"‬
‫ظل السيد تاباريه العجوز بدون رد لبضع دقائق؛ كان يقدر االحتماالت الناتج‪NN‬ة عن رس‪NN‬ائل الك‪NN‬ونت دي‬
‫كوماران‪.‬‬
‫"بالنسبة لي"‪ ،‬قال أخيًر ا‪" ،‬أعتقد بضميري أنك لست ابن مدام جيردي‪".‬‬
‫"وأنت على حق!" أجاب المحامي بقوة‪" .‬ستص‪NN‬دق بس‪NN‬هولة‪ ،‬أليس ك‪NN‬ذلك‪ ،‬أن‪NN‬ني ذهبت ورأيت كل‪NN‬ودين‪.‬‬
‫كانت تحبني هذه السيدة الفقيرة التي قدمت لي حليبها‪ ،‬وك‪NN‬انت تع‪NN‬اني من الظلم ال‪NN‬ذي تعرض‪NN‬ت ل‪NN‬ه‪ .‬ه‪NN‬ل‬
‫يجب أن أقولها‪ ،‬كان تواطؤها في هذه المسألة يثقل ض‪NN‬ميرها؛ ك‪NN‬انت ن‪NN‬دًم ا كب‪NN‬يًرا ج‪ًNN‬دا على ش‪NN‬يخوختها‪.‬‬
‫رأيتها‪ ،‬واستجوبتها‪ ،‬وأخبرتني بكل شيء‪ .‬نجحت خط‪NN‬ة الك‪NN‬ونت‪ ،‬المص‪NN‬ممة ببس‪NN‬اطة وب‪NN‬ذكاء‪ ،‬دون أي‬
‫مجهود‪ .‬ثالثة أيام بعد والدتي‪ ،‬ارُتِكَب الجريمة‪ ،‬وأنا‪ ،‬الرضيع الفق‪NN‬ير والع‪NN‬اجز‪ُ ،‬خ ِد عت‪ُ ،‬و ح‪NN‬رمت من‬
‫حقي‪ ،‬وُنِس بِت إلى والدي الطبيعي‪ ،‬ال‪NN‬ذي ك‪NN‬ان يجب أن يك‪NN‬ون وص‪NN‬يي الط‪NN‬بيعي! ك‪NN‬انت كل‪NN‬ودين فق‪N‬يرة!‬
‫وعدتني بشهادتها في اليوم الذي أطالب فيه بحقوقي!"‬
‫"وذهبت‪ ،‬حاملة سرها!" همس العجوز بصوت يعّبر عن األسف‪.‬‬
‫"ربما!" أجاب نويل‪" ،‬لدي أمل وحي‪NN‬د‪ .‬ك‪NN‬انت كل‪NN‬ودين تمتل‪NN‬ك ع‪NN‬دة رس‪NN‬ائل كتبت إليه‪NN‬ا من‪NN‬ذ زمن بعي‪NN‬د‪،‬‬
‫بعضها من الكونت‪ ،‬وبعضها من مدام جيردي‪ ،‬رسائل غير منتبهة وصريحة‪ .‬س‪NN‬يتم العث‪NN‬ور عليه‪NN‬ا‪ ،‬بال‬
‫شك‪ ،‬وسيكون شهادتها حاسمة‪ .‬لقد حملت هذه الرس‪NN‬ائل في ي‪NN‬دي‪ ،‬وقرأته‪NN‬ا؛ وك‪NN‬انت كل‪NN‬ودين تري‪NN‬د م‪NN‬ني‬
‫االحتفاظ بها‪ ،‬فلماذا لم أفعل ذلك؟"‬
‫ال! لم يكن هناك أمل في هذا الجانب‪ ،‬وكان الس‪NN‬يد تاباري‪NN‬ه العج‪NN‬وز يع‪NN‬رف ذل‪NN‬ك أفض‪NN‬ل من أي ش‪NN‬خص‬
‫آخر‪ .‬ربما كانت هذه الرسائل بالضبط ما يريده القاتل ال‪NN‬ذي قت‪NN‬ل ال جونش‪NN‬ير‪ ،‬لق‪NN‬د وج‪NN‬دها وأحرقه‪NN‬ا م‪NN‬ع‬
‫األوراق األخرى في المدفأة الصغيرة‪ .‬كان الهاوي القديم في الكشف عن الجرائم يبدأ في فهم األمر‪.‬‬
‫"على كل حال"‪ ،‬قال‪" ،‬من خالل ما أعرفه عن أم‪NN‬ورك‪ ،‬وال‪NN‬تي أعتق‪NN‬د أن‪NN‬ني أعرفه‪NN‬ا بش‪NN‬كل جي‪NN‬د مثلم‪NN‬ا‬
‫أعرف أموري‪ ،‬يبدو لي أن الكونت لم يفي بوعود الثروة الزاهية التي قطعها لمدام جيردي نيابتك عنه‪".‬‬

‫"وهو لم يحتفظ بها حتى بأدنى درجة‪ ،‬يا صديقي القديم‪".‬‬


‫"هذا اآلن"‪ ،‬صاح العجوز بغضب‪" ،‬أكثر خسة من كل الباقي‪".‬‬
‫"ال تتهم والدي"‪ ،‬أجاب نويل بجدية‪" ،‬كان عالقته بمدام جيردي طويلة‪ .‬أتذكر رجًال متعجرًفا كان ي‪NN‬أتي‬
‫أحياًنا ليزورني في المدرسة‪ ،‬وال يمكن أن يكون سوى الكونت‪ .‬ولكن االنفصال حدث‪".‬‬
‫"بطبيعة الحال"‪ ،‬سخر السيد تاباريه العجوز‪" ،‬رجل نبيل عظيم ‪"-‬‬
‫"انتظر قبل الحكم"‪ ،‬قاطع المحامي‪" ،‬كان ل‪NN‬دى الس‪NN‬يد دي كوم‪NN‬اران أس‪NN‬بابه‪ .‬ك‪NN‬انت عش‪NN‬يقته خائن‪NN‬ة ل‪NN‬ه‪،‬‬
‫اكتشف ذلك‪ ،‬وطردها بحق الغضب‪ .‬وكتب العشرة األسطر التي ذكرتها لك‪".‬‬
‫بحث نوي‪NN‬ل لف‪NN‬ترة طويل‪NN‬ة بين األوراق المبع‪NN‬ثرة على الطاول‪NN‬ة‪ ،‬واخت‪NN‬ار في النهاي‪NN‬ة رس‪NN‬الة أك‪NN‬ثر باهت‪NN‬ة‬
‫وتجعيًدا من األخرى‪ .‬يمكن للمرء أن يخمن من ع‪N‬دد الطي‪N‬ات في الورق‪NN‬ة أنه‪N‬ا ق‪NN‬د تمت قراءته‪N‬ا وإع‪N‬ادة‬
‫قراءتها عدة مرات‪ .‬حتى الكتابة كانت هنا وهناك ممسوحة جزئيًا‪.‬‬
‫"في هذه الرسالة"‪ ،‬قال بصوت مرير‪" ،‬لم تعد مدام جيردي ف‪NN‬اليري المعش‪NN‬وقة‪' :‬ص‪NN‬ديق‪ ،‬ق‪NN‬اس كجمي‪NN‬ع‬
‫األصدقاء الحقيقيين‪ ،‬فتح عينّي ‪ .‬كنُت متردًدا‪ .‬لق‪N‬د تم مراقبت‪N‬ك‪ ،‬والي‪N‬وم‪ ،‬لألس‪N‬ف‪ ،‬ال يمكن‪N‬ني ال‪N‬تردد بع‪N‬د‬
‫اآلن‪ .‬أنِت ‪ ،‬فاليري‪ ،‬أنت التي منحتك أكثر من حياتي‪ ،‬أنِت تخدعيني وكنِت تخدعيني منذ فترة طويلة‪ .‬يا‬
‫رجٌل تعيس‪ ،‬لم أعد متأكًدا من أنني أب ولدك‪"'.‬‬
‫"ولكن هذه المذكرة دليل"‪ ،‬صاح السيد تاباري‪NN‬ه العج‪NN‬وز‪" ،‬دلي‪NN‬ل س‪NN‬احق‪ .‬كي‪NN‬ف يمكن أن يك‪NN‬ون ش‪NN‬ك في‬
‫نسبه مهًم ا بالنسبة للكونت‪ ،‬إذا لم يضحي بابنه الشرعي من أج‪NN‬ل غ‪NN‬ير ش‪NN‬رعي؟ نعم‪ ،‬لق‪NN‬د قلت الحقيق‪NN‬ة‪،‬‬
‫وكان عقابه شديًدا‪".‬‬
‫"أرادت مدام جيردي"‪ ،‬استأنف نويل‪" ،‬تبرير نفسها‪ .‬كتبت إلى الكونت‪ ،‬لكن‪NN‬ه أرج‪NN‬ع له‪NN‬ا رس‪NN‬ائلها دون‬
‫فتحها‪ .‬حاولت زيارته‪ ،‬لكنه لم يستقبلها‪ .‬وأخيًر ا‪ ،‬تعبت من محاوالتها العديدة والعبثية لرؤيته‪ .‬علمت أن‬
‫كل شيء قد انتهى عندما جلبها مستشار الكونت لي لتوقيع اتفاقية قانونية بمبلغ خمسة عش‪NN‬ر أل‪NN‬ف فرن‪NN‬ك‬
‫سنوًيا‪ .‬ابنها احتل مكاني‪ ،‬وأفسدتني األم‪".‬‬
‫ثالث أو أربع طقات خفيفة على باب الدراسة قاطعت نويل‪" .‬من هنا؟" سأل دون حراك‪.‬‬
‫"سيدي"‪ ،‬أجاب الخادم من الجانب اآلخر من الباب‪" ،‬ترغب السيدة في التحدث إليك"‪.‬‬
‫يبدو أن المحامي تردد قليًال‪.‬‬
‫"اذهب يا ابني"‪ ،‬نصح السيد تاباري‪NN‬ه العج‪NN‬وز‪" ،‬ال تكن ال رحم‪NN‬ة في‪NN‬ك‪ ،‬فح‪NN‬ق االنتق‪NN‬ام ليس للمتعص‪NN‬بين‬
‫فقط"‪.‬‬
‫انتهز نويل بعض الشك ومر بهمة مرئية‪ ،‬وعبر إلى غرفة النوم التي تستخدمها مدام جيردي‪.‬‬
‫"يا فتى الفقير!" فكر السيد تاباريه العجوز حينما بقي وحيدًا‪" .‬م‪NN‬ا اكتش‪NN‬فه قات‪NN‬ل! وكي‪NN‬ف يجب أن يش‪NN‬عر‬
‫به‪ .‬هذا شاب نبيل! قلب شجاع! بصراحته ونزاهته ال يشك حتى في مصدر الصدمة‪ .‬لحس‪NN‬ن الح‪NN‬ظ‪ ،‬أن‪NN‬ا‬
‫ذكي بما يكفي الث‪NN‬نين‪ ،‬وفي ال‪NN‬وقت ال‪NN‬ذي يي‪NN‬أس من العدال‪NN‬ة‪ ،‬أن‪NN‬ا واث‪NN‬ق من الحص‪NN‬ول عليه‪NN‬ا ل‪NN‬ه‪ .‬بفض‪NN‬ل‬
‫معلوماته‪ ،‬أنا اآلن على الطريق الص‪N‬حيح‪ .‬يمكن للطف‪N‬ل اآلن التنب‪N‬ؤ بأي‪N‬دي من ق‪N‬ام به‪N‬ذا الض‪N‬ربة‪ .‬ولكن‬
‫كيف حدث هذا؟ سيخبرني دون أن يدرك ذلك‪ .‬لو كان لدي واحدة من تلك الرسائل لمدة أربعة وعشرين‬
‫ساعة‪ .‬ومن المحتمل أنه عّد ها‪ .‬إذا طلبت واحدة‪ ،‬يجب أن أع‪N‬ترف باتص‪NN‬الي بالش‪NN‬رطة‪ .‬من األفض‪NN‬ل أن‬
‫أأخذ واحدة‪ ،‬أيًا كانت‪ ،‬فقط للتحقق من الخط اليدوي‪".‬‬
‫لقد أدخل السيد تاباريه العجوز للتو إحدى الرسائل في أعماق جيبه الواسع ‪ ،‬عندما عاد المحامي‪.‬‬
‫كان أحد تلك الرجال ذو الشخصية المشكلة الذين ال يفقدون سيطرتهم على النفس‪ .‬كان ذكًي ا للغاي‪NN‬ة وق‪NN‬د‬
‫عاد نفسه إلى التمويه ‪ ،‬وهو درع للطموح‪.‬‬
‫عندما دخل الغرفة‪ ،‬لم يظهر شيء في سلوكه يدل على م‪NN‬ا ح‪NN‬دث بين م‪NN‬دام ج‪NN‬يردي ونفس‪NN‬ه‪ .‬ك‪NN‬ان هادئ‪ًN‬ا‬
‫تمامًا‪ ،‬كما كان عندما كان جالًسا في كرسيه‪ ،‬يستمع إلى قصص عمالئه التي ال نهاية لها‪.‬‬
‫"حسًنا"‪ ،‬سأل السيد تاباريه العجوز‪" ،‬كيف حالها اآلن؟"‬
‫"أسوأ"‪ ،‬أجاب نويل‪" .‬هي اآلن في حال‪NN‬ة ه‪NN‬ذيان وال تع‪NN‬رف م‪NN‬اذا تق‪NN‬ول‪ .‬لق‪NN‬د ه‪NN‬اجمتني بأبش‪NN‬ع الش‪NN‬تائم‪،‬‬
‫اتهمتني بأنني أحقر الناس! أعتقد حًقا أنها ستفقد عقلها‪".‬‬
‫"من الممكن أن يحدث ذلك بسبب أسباب أقل من ذلك"‪ ،‬همس السيد تاباريه العجوز‪" ،‬وأعتق‪NN‬د أن‪NN‬ه يجب‬
‫عليك أن تستدعي الطبيب‪".‬‬
‫"لقد فعلت ذلك للتو‪".‬‬
‫عاد المحامي إلى مكتبه وكان يعيد ترتيب الرسائل المبعثرة حس‪NN‬ب تواريخه‪NN‬ا‪ .‬يب‪NN‬دو أن‪NN‬ه نس‪NN‬ي أن‪NN‬ه س‪NN‬أل‬
‫نصيحة صديقه العجوز‪ ،‬ولم يظهر أي رغبة في استئناف الحوار المقطوع‪ .‬هذا لم يكن م‪NN‬ا يري‪NN‬ده الس‪NN‬يد‬
‫تاباريه العجوز‪.‬‬
‫"كلما تفكرت في قصتك‪ ،‬عزيزي نويل"‪ ،‬لفت انتباهه العجوز‪" ،‬كلما تحّيرت أكثر‪ .‬حق‪ًN‬ا‪ ،‬ال أع‪NN‬رف م‪NN‬ا‬
‫القرار الذي يجب اتخاذه لو كنت في موقفك‪".‬‬
‫"نعم‪ ،‬يا صديقي العجوز"‪ ،‬رد المحامي بحزن‪" ،‬إنه موقف يمكن أن يحير حتى أكثر الخبرات عمًقا من‬
‫خبرتك‪".‬‬
‫حاول المحقق الهاوي العجوز معاقبة االبتسامة الساخرة التي حومت للحظة حول شفتيه بصعوبة‪.‬‬
‫"أعترف به بتواضع"‪ ،‬قال‪ ،‬مس‪NN‬تمتًعا بالتص‪NN‬رف بطريق‪NN‬ة بس‪NN‬يطة ج‪ًNN‬دا‪" ،‬ولكن‪NN‬ك‪ ،‬م‪NN‬اذا فعلت؟ يجب أن‬
‫يكون رد فعلك األول هو طلب تفسير من مدام جيردي‪".‬‬
‫أدلى نويل بحركة مذعورة‪ ،‬لم يالحظها السيد تاباريه العج‪NN‬وز‪ ،‬ال‪NN‬ذي ك‪NN‬ان مش‪NN‬غواًل في محاول‪NN‬ة إعط‪NN‬اء‬
‫الدور الذي يريده للحوار‪.‬‬
‫"كان هذا ما فعلته بالفعل"‪ ،‬أجاب نويل‪" ،‬وماذا قالت؟"‬

‫"ماذا يمكن أن تقول! هل لم تتأثر باالكتشاف؟"‬


‫"ماذا! هل لم تحاول تبرير نفسها؟" ‪ ،‬سأل المحقق الهاوي العجوز بدهشة‪.‬‬
‫"ال شيء‪ ،‬بالتأكيد يا صديقي‪ .‬فهل زرت منزل السيد دو كوماران؟"‬
‫"أوه! لم أقرر القيام بذلك ف‪NN‬وًرا"‪ ،‬واص‪NN‬ل نوي‪NN‬ل‪" ،‬في البداي‪NN‬ة‪ ،‬جع‪NN‬ل اكتش‪NN‬افي يقرب‪NN‬ني من الجن‪NN‬ون‪ .‬ثم‪،‬‬
‫احتجت إلى وقت للتأم‪NN‬ل‪ .‬ش‪NN‬عرت ب‪NN‬آالف األحاس‪NN‬يس المتض‪NN‬اربة‪ .‬في لحظ‪NN‬ة‪ ،‬ك‪NN‬ان غض‪NN‬بي يحجب عن‬
‫عيني‪ ،‬وفي اللحظة التالية‪ ،‬يتخلى الشجاعة عني‪ .‬كنت أريد‪ ،‬وأنا ال أريد‪ .‬كنت غير متحدد‪ ،‬غير متأكد‪،‬‬
‫مجنون‪ .‬أرعبني الفضيحة التي يجب أن تنشأ عن نشر مثل هذه القضية‪ .‬أردت‪ ،‬وما زلت أري‪NN‬د اس‪NN‬تعادة‬
‫اسمي‪ ،‬هذا مؤكد‪ .‬ولكن قبل استعادته‪ ،‬أرغب في الحفاظ عليه ب‪NN‬دون أي تش‪NN‬ويه‪ .‬كنت أبحث عن وس‪NN‬يلة‬
‫لترتيب كل شيء‪ ،‬بدون ضجيج‪ ،‬بدون فضيحة‪".‬‬
‫"في النهاية‪ ،‬لكنك قررت؟"‬
‫"نعم‪ ،‬بعد صراع دام خمسة عشر يوًم ا‪ ،‬خمسة عش‪NN‬ر يوًم ا من التع‪NN‬ذيب واأللم! آه‪ ،‬م‪NN‬ا عانيت‪NN‬ه في ذل‪NN‬ك‬
‫الوقت! تهملت أعمالي التجارية‪ ،‬ألنني لم أكن قادًرا على العم‪NN‬ل‪ .‬خالل النه‪NN‬ار‪ ،‬ح‪NN‬اولت بجه‪NN‬د إلره‪NN‬اق‬
‫جسدي‪ ،‬حتى أستطيع أن أنسى في النوم‪ .‬أمل باطل! منذ أن وجدت هذه الرسائل‪ ،‬لم أنم ساعة‪".‬‬
‫من حين آلخر‪ ،‬كان السيد تاباريه العجوز يحرص بخفة على النظر إلى ساعته‪" .‬سيكون السيد دابورون‬
‫في الفراش"‪ ،‬فكر في نفسه‪.‬‬
‫"في صباح أحد األيام‪ ،‬بعد ليلة من الغضب‪ ،‬قررت إنهاء كل الشكوك‪ .‬كنت في حال‪NN‬ة يأس‪NN‬ية من العق‪N‬ل‪،‬‬
‫تشبه حالة الالعب‪ ،‬بعد خسائر متتالية‪ ،‬يراهن فيه‪N‬ا على الورق‪NN‬ة األخ‪N‬يرة ال‪N‬تي لدي‪N‬ه‪ .‬أخ‪N‬ذت الش‪N‬جاعة‪،‬‬
‫استدعيت سيارة أجرة وتوجهت إلى منزل دو كوماران‪".‬‬
‫هنا‪ ،‬سمح المحقق الهاوي العجوز لنفسه بالتنفس براحة‪.‬‬
‫"إنه واحد من أروع المنازل في فوب‪NN‬ورغ س‪NN‬ان جيرم‪NN‬ان‪ ،‬ي‪NN‬ا ص‪NN‬ديقي‪ ،‬م‪NN‬نزٌل س‪NN‬اٍم ‪ ،‬يلي‪NN‬ق بكب‪NN‬ار النبالء‬
‫األغنياء عشرين مرة‪ .‬يدخل المرء المنزل من فناء كبير‪ ،‬على يمينه ويساره المستودعات‪ ،‬التي تحت‪NN‬وي‬
‫على عشرين حصاًنا ذو قيمة عالية‪ ،‬ومنازل العربات‪ .‬وفي النهاية‪ ،‬يتص‪NN‬اعد الواجه‪NN‬ة الرئيس‪NN‬ية للمب‪NN‬نى‬
‫الرئيسي‪ ،‬مهيبًة وصارمة‪ ،‬مع نواف‪N‬ذها الض‪N‬خمة ومزدوج‪N‬ة الط‪N‬ابق من الرخ‪N‬ام‪ .‬وخل‪N‬ف الم‪N‬نزل يوج‪N‬د‬
‫حديقة رائعة‪ ،‬يمكنني أن أقول أنها حديقة بارك‪ ،‬مظللة بأقدم األشجار التي ربما توجد في باريس كلها‪".‬‬
‫لم يكن هذا الوصف المتحمس على اإلطالق ما يريده السيد تاباريه‪ .‬ولكن ماذا يستطيع أن يفعل‪ ،‬وكي‪NN‬ف‬
‫يمكنه أن يضغط على نويل للحصول على نتيجة زيارته! ق‪NN‬د يث‪NN‬ير كلم‪NN‬ة غ‪NN‬ير حكيم‪NN‬ة ش‪NN‬كوك المح‪NN‬امي‬
‫وتكشف له أنه ال يتحدث إلى صديق وإنما إلى محقق‪.‬‬
‫"ألم يتم عرض المنزل واألرضيات عليك؟" سأل الرجل العجوز‪.‬‬
‫"ال‪ ،‬لكنني فحصتهما بمفردي‪ .‬منذ اكتش‪NN‬فت أن‪NN‬ني ال‪NN‬وريث الوحي‪NN‬د لريت‪NN‬و دو كوم‪NN‬اران‪ ،‬اكتش‪NN‬فت س‪NN‬يرة‬
‫عائلتي الجديدة"‪.‬‬
‫"وأنا واقٌف أمام منزل أجدادي"‪ ،‬واصل نويل "ال يمكنك أن تفهم زيادة مشاعري‪ .‬هنا‪ ،‬قلت لنفسي‪ ،‬هذا‬
‫هو المنزل الذي ُو لدت فيه‪ .‬هذا هو المنزل الذي كان يجب أن تكون تربيتي فيه؛ وقبل كل شيء‪ ،‬هذا هو‬
‫المكان الذي يجب أن أحكم فيه اليوم‪ ،‬حيث أقف كاغٍر وغ‪N‬ريب‪ ،‬محطًم ا بال‪N‬ذكريات الحزين‪N‬ة والمري‪N‬رة‬
‫التي مات بها الرجال المنفيون‪ .‬قارنت بين مص‪NN‬ائر أخي البراق‪NN‬ة ومس‪NN‬يرتي الحزين‪NN‬ة والمتعب‪NN‬ة؛ وك‪NN‬ادت‬
‫غضبي أن يسيطر على عقلي‪ .‬حركت‪NN‬ني الرغب‪NN‬ة الجنوني‪NN‬ة إلى إجب‪NN‬ار األب‪NN‬واب واالن‪NN‬دفاع إلى الص‪NN‬الون‬
‫الكبير‪ ،‬وطرد المتس‪N‬لل‪ ،‬ابن الس‪N‬يدة ج‪N‬يردي‪ ،‬ال‪N‬ذي احت‪N‬ل مك‪N‬ان ابن الكونت‪N‬ة دو كوم‪N‬اران! خارًج ا‪ ،‬ي‪N‬ا‬
‫متطاول‪ ،‬خارًجا من هنا‪ .‬أنا س‪NN‬يد المك‪NN‬ان هن‪NN‬ا‪ .‬ع‪NN‬ادت الحكم‪NN‬ة إلى عقلي المض‪NN‬طرب‪ ،‬وكبحت ن‪NN‬زوتي‪.‬‬
‫ومرة أخرى وقفُت أمام مسكن آبائي‪ .‬كم أحب نحته القديم‪ ،‬وأشجاره العظيمة الجميلة‪ ،‬وجدرانه المظلل‪NN‬ة‬
‫التي تعبت من أقدام أمي الفقيرة! أحب كل شيء‪ ،‬حتى الش‪NN‬عار الفخ‪NN‬ور‪ ،‬ال‪NN‬ذي يرف‪NN‬ع رأس‪NN‬ه ف‪NN‬وق الب‪NN‬اب‬
‫الرئيسي‪ ،‬مرمًيا تحديه إلى نظريات هذا العصر الذي يرفض الطبقية"‪.‬‬
‫هذه العبارة األخيرة تتعارض مع قواعد اآلراء التي يتبعها نويل عادًة‪ ،‬مما اضطر السيد تاباريه العجوز‬
‫إلى أن يحول وجهه ليخفي ابتسامته‪.‬‬
‫"يا بشرى الفقراء!" فكر في نفسه "هو سيد كبير اآلن"‪.‬‬
‫"عندما قدمت نفسي"‪ ،‬واصل المحامي "طلبت أن أرى الكونت دو كوماران‪ .‬أجاب البواب السويسري‪،‬‬
‫الذي كان يرتدي زًيا فخًم ا‪ ،‬أن الكونت يسافر‪ ،‬ولكن الفيك‪N‬ونت في الم‪N‬نزل‪ .‬ه‪N‬ذا يتع‪N‬ارض م‪N‬ع خططي‪،‬‬
‫لكن‪NN‬ني كنت ق‪NN‬د انطلقت بالفع‪NN‬ل‪ .‬ل‪NN‬ذلك أص‪NN‬ريت على التح‪NN‬دث م‪NN‬ع االبن ب‪NN‬دًال من األب‪ .‬نظ‪NN‬ر الب‪NN‬واب‬
‫السويسري إلي بدهشة‪ .‬بدا له أنني شخص تافه جًدا لدرجة أنه يتردد لبعض الوقت فيما إذا كنت شخًص ا‬
‫كافًيا للحصول على شرف الدخول لزيارة الفيكونت"‪.‬‬
‫"ولكن قل لي‪ ،‬هل رأيته؟" سأل السيد تاباريه العجوز‪ ،‬ال يستطيع إخفاء شدة شوقه‪.‬‬
‫"بالطبع‪ ،‬على الفور"‪ ،‬أجاب المحامي بصوت من السخرية المرة‪" .‬هل يمكن أن ينتج الفحص‪ ،‬برأي‪NN‬ك‪،‬‬
‫بشيء آخر غير صالحتي؟ ال‪ ،‬ربما كانت الكرافات البيضاء والزي األس‪NN‬ود ينتج‪NN‬ان تأثيرهم‪NN‬ا الط‪NN‬بيعي‪.‬‬
‫قام البّو اب السويسري بتوجيهي إلى الشاس‪NN‬ور ال‪NN‬ذي يرت‪NN‬دي قبع‪NN‬ة مزين‪NN‬ة ب‪NN‬الريش ويق‪N‬ودني ع‪N‬بر الفن‪NN‬اء‬
‫الداخلي إلى الردهة الفاخرة‪ ،‬حيث كان خمسة أو س‪N‬تة خ‪N‬دم يطمح‪N‬ون على مقاع‪N‬دهم‪ .‬طلب أح‪N‬د ه‪N‬ؤالء‬
‫السادة مني أن أتبعه‪ .‬قادني عبر معرض اللوحات الواس‪NN‬عة‪ ،‬وع‪NN‬بر الغ‪NN‬رف الفس‪NN‬يحة ال‪NN‬تي ك‪NN‬انت أثاثه‪NN‬ا‬
‫يتالشى تحت غطاءاتها‪ ،‬وأخيًر ا أوصلني إلى يد خادم السيد ألبرت‪ .‬هذا ه‪N‬و االس‪N‬م ال‪N‬ذي يع‪N‬رف ب‪N‬ه ابن‬
‫السيدة جيردي‪ ،‬ويعني اسمي"‪.‬‬
‫"أفهم‪ ،‬أفهم"‪.‬‬
‫"لقد تم فحصي؛ اآلن كان علي أن أخضع المتحان‪ .‬طلب الخادم أن يتم إبالغه بمن أن‪NN‬ا‪ ،‬ومن أين جئت‪،‬‬
‫وما هو مهنتي‪ ،‬وما هي مطالبي‪ ،‬وكل م‪NN‬ا يتعل‪NN‬ق ب‪NN‬ذلك‪ .‬أجبت ببس‪NN‬اطة‪ ،‬أن‪NN‬ني أرغب في محادث‪NN‬ة م‪NN‬دتها‬
‫خمس دقائق مع الفيكونت حول مسألة مهمة بالنسبة لي‪ ،‬وبالرغم من أن الفيك‪NN‬ونت لم يكن يعرف‪NN‬ني‪ ،‬فق‪NN‬د‬
‫وافق على استقبالي بلطف"‪.‬‬
‫كان من السهل أن يالحظ أن استقبال الفيكونت للمح‪NN‬امي ق‪NN‬د أغض‪NN‬به وأن‪NN‬ه اعت‪NN‬بره إهان‪NN‬ة‪ .‬لم يس‪NN‬تطع أن‬
‫يسامح ألبرت خدمه وخادمه‪ .‬نسي كلمات الدوق الشهير الذي قال "أدفع خدمي ليكونوا وقحين‪ ،‬لتوفيري‬
‫عناء وسخرية كوني كذلك"‪ .‬كان السيد تاباريه العجوز مفاج‪ًN‬أ من ع‪N‬رض الش‪N‬باب للم‪N‬رارة في التح‪N‬دث‬
‫عن هذه التفاصيل الهامشية‪.‬‬
‫"يا لها من ضيقة أفق"‪ ،‬فكر‪" ،‬من شخص ذو ذكاء كهذا! هل يمكن أن يكون ص‪NN‬حيًحا أن تك‪NN‬ون وقاح‪NN‬ة‬
‫الخدم سر كراهية الشعب لألرستقراطية اللطيفة والمهذبة؟"‬
‫"دخلت إلى غرفة صغيرة"‪ ،‬واصل نويل‪" ،‬كانت مفروشة ببساطة‪ ،‬وكانت السالح ه‪NN‬و الزين‪NN‬ة الوحي‪NN‬دة‬
‫فيها‪ .‬هذه األسلحة‪ ،‬التي ترتبط بالجدران‪،‬كانت من جمي‪NN‬ع األزم‪NN‬ان والبل‪NN‬دان‪ ،‬لم أر في مس‪NN‬احة ص‪NN‬غيرة‬
‫مثل هذه الكمية من البنادق والمسدسات والسيوف والشماسي واألسلحة األخرى‪ .‬ك‪NN‬انت ال‪NN‬ذكريات تع‪NN‬ود‬
‫بشكل طبيعي إلى السالح الذي استخدمه القاتل في جريمة أرملة ليروج‪.‬‬
‫"كان الفيكونت"‪ ،‬تحدث نوي‪NN‬ل ببطء‪" ،‬مس‪NN‬تلقًيا بنص‪NN‬ف جس‪NN‬ده على ال‪NN‬ديفان عن‪NN‬دما دخلت‪ .‬ك‪NN‬ان يرت‪NN‬دي‬
‫جاكيت من الحرير الفاخر وسروااًل واسًعا من نفس الخامة‪ ،‬وكان يحمل حول عنقه وشاًحا أبيض كب‪NN‬ير‪.‬‬
‫ال يوجد لدي أي مشاعر مرة ضد هذا الشاب؛ فهو لم يؤذني قط بمعرفته‪ ،‬وك‪NN‬ان يجه‪NN‬ل جريم‪NN‬ة وال‪NN‬دينا‪.‬‬
‫لذلك يمكنني التحدث عن‪NN‬ه بالع‪NN‬دل‪ .‬فه‪NN‬و جمي‪NN‬ل الش‪NN‬كل‪ ،‬ويتص‪NN‬رف بكرام‪NN‬ة ويحم‪NN‬ل اس‪ًN‬م ا ال ينتمي إلي‪NN‬ه‬
‫بصورة نبيلة‪ .‬إنه يتماثل معي في الطول والبشرة الداكنة‪ ،‬وربما يشبهني إذا لم يكن يرتدي لحيته‪ .‬إال أنه‬
‫يبدو أصغر بخمسة أو ستة سنوات؛ ولكن يمكن تفسير ذلك بسهولة‪ ،‬إنه لم يعم‪NN‬ل وال ناض‪NN‬ل وال ع‪NN‬انى‪.‬‬
‫إنه واحد من المحظوظين الذين يصلون دون الحاجة إلى البدء‪ ،‬أو الذين يم‪NN‬رون بحي‪NN‬اة مريح‪NN‬ة بحيث ال‬
‫يتأذون أبًدا بارتطامات عربتهم‪ .‬عندما رآني‪ ،‬قام بالنهوض وتحية بلطف"‪.‬‬
‫"يجب أنك كنت متحمًسا بشدة"‪ ،‬الحظ تاباريه العجوز‪.‬‬

‫"أقل مما أشعر ب‪N‬ه في ه‪N‬ذه اللحظ‪N‬ة‪ .‬خمس‪N‬ة عش‪N‬ر يوًم ا من الع‪N‬ذاب ال‪N‬ذهني المس‪N‬بق يس‪N‬تنزف مش‪N‬اعر‬
‫اإلنسان‪ .‬أجبت على السؤال الذي رأيت‪NN‬ه على ش‪NN‬فتيه‪' .‬س‪NN‬يدي'‪ ،‬قلت 'أنت ال تعرف‪NN‬ني‪ ،‬ولكن ه‪NN‬ذا ليس ذو‬
‫أهمية كبيرة‪ .‬جئت إليك‪ ،‬مكلًفا بمهمة خطيرة جًدا‪ ،‬حزينة جًدا‪ ،‬تمس شرف االسم الذي تحمله'‪ .‬بال شك‪،‬‬
‫لم يصدقني‪ ،‬ألنه بلهجة وقحة‪ ،‬سألني 'هل ستكون طوياًل ؟' أجبت ببساطة 'نعم'"‪.‬‬

‫"من فضلك"‪ ،‬قاطع تاباريه العجوز‪ ،‬اآلن أصبح متحمًسا جًدا‪" ،‬ال تغفل أي تفصيلة؛ ربم‪NN‬ا تك‪NN‬ون مهم‪NN‬ة‬
‫جًدا‪ ،‬تفهم ذلك"‪.‬‬
‫"ظهر الفيكونت"‪ ،‬واصل نويل‪" ،‬غاضًبا جًدا‪' .‬الحقيقة'‪ ،‬شرح‪' ،‬لقد قمت بترتيب وقتي بالفعل‪ .‬ه‪NN‬ذه هي‬
‫الساعة التي أزور فيها السيدة الشابة التي أنا مخطوب لها‪ ،‬م‪NN‬داموازيل دارالنج‪ .‬ه‪NN‬ل يمكنن‪NN‬ا تأجي‪NN‬ل ه‪NN‬ذه‬
‫المحادثة؟'"‬

‫"جيد‪ ،‬امرأة أخرى!"‪ ،‬قال العجوز لنفسه‪.‬‬

‫"أجبت الفيكونت‪ ،‬أن التفسير ال يمكن أن يك‪N‬ون م‪N‬ؤجًال‪ ،‬وكم‪N‬ا رأيت‪N‬ه يس‪N‬تعد إلرس‪N‬الي‪ ،‬اس‪N‬تخرجت من‬
‫جيبي المراسالت الخاصة بالكونت‪ ،‬وقدمت إحدى الرسائل ل‪N‬ه‪ .‬بمج‪N‬رد أن ع‪N‬رف خ‪N‬ط الكتاب‪N‬ة الخ‪N‬اص‬
‫بوالده‪ ،‬أصبح أكثر تسامًح ا‪ ،‬وأعلن نفسه في خدمتي‪ ،‬وطلب اإلذن بكتابة كلم‪NN‬ة اعت‪NN‬ذار إلى الس‪NN‬يدة ال‪NN‬تي‬
‫كان متوقًعا منه زيارتها‪ .‬بعد أن كتب الرسالة بسرعة‪ ،‬سلمها إلى خادم‪NN‬ه‪ ،‬وأم‪NN‬ره أن يرس‪NN‬ل على الف‪NN‬ور‬
‫إلى السيدة دارالنج‪ .‬ثم طلب مني العبور إلى الغرفة التالية‪ ،‬والتي كانت مكتبته"‪.‬‬

‫"كلمة واحدة"‪ ،‬قاطع العجوز‪" ،‬هل كان مضطرًبا عند رؤية الرسائل؟"‬

‫"ال بأس به على اإلطالق‪ .‬بعد إغالق الباب بعناية‪ ،‬أشار إلى كرسي وجلس‪ ،‬وق‪NN‬ال 'اآلن‪ ،‬ي‪NN‬رجى ش‪NN‬رح‬
‫نفسك'‪ .‬كان لدي الوقت للتحضير لهذه المقابلة بينما كنتظر في الغرفة األمامية‪ .‬ق‪NN‬ررت ال‪NN‬ذهاب مباش‪NN‬رة‬
‫إلى النقطة‪' .‬س‪NN‬يدي'‪ ،‬قلت 'مهم‪NN‬تي مؤلم‪NN‬ة‪ .‬الحق‪NN‬ائق ال‪NN‬تي أن‪NN‬ا على وش‪NN‬ك الكش‪NN‬ف عنه‪NN‬ا ليس‪NN‬ت معقول‪NN‬ة‪.‬‬
‫أرجوك‪ ،‬ال تجيبني ح‪NN‬تى تق‪N‬رأ الرس‪NN‬ائل ال‪NN‬تي ل‪NN‬دي هن‪NN‬ا‪ .‬أتوس‪NN‬ل إلي‪NN‬ك‪ ،‬قب‪NN‬ل ك‪NN‬ل ش‪NN‬يء‪ ،‬أن تحاف‪NN‬ظ على‬
‫هدوئك'‪ .‬نظر إلي بتعجب شديد وأجاب 'تحدث! يمكنني أن أسمع الك‪NN‬ل'‪ .‬وقفت وقلت 'س‪NN‬يدي‪ ،‬يجب علي‬
‫إخبارك أنك لست االبن الشرعي للسيد دو كوماران‪ ،‬كم‪NN‬ا س‪NN‬تثبت ل‪NN‬ك ه‪NN‬ذه المراس‪NN‬الت‪ .‬االبن الش‪NN‬رعي‬
‫موج‪NN‬ود‪ ،‬وه‪NN‬و من يرس‪NN‬لني'‪ .‬وبينم‪NN‬ا أتح‪NN‬دث‪ ،‬نظ‪NN‬رت إلى عيني‪NN‬ه ورأيت توهًج ا مؤقًت ا من الغض‪NN‬ب‪.‬‬
‫للحظات ‪ ،‬اعتقدت أنه على وشك االنقضاض على حلقي‪ .‬لكن‪N‬ه تع‪N‬افى س‪N‬ريًعا‪' .‬الرس‪N‬ائل'‪ ،‬ق‪NN‬ال بص‪NN‬وت‬
‫قصير‪ .‬وسلمتها إليه"‪.‬‬

‫"كيف!" صرخ العجوز تاباريه‪" ،‬هذه الرسائل ‪ -‬الحقيقية؟ كيف هذا االستخفاف!"‬
‫"ولماذا؟"‬
‫"لو كان ‪ -‬ال أعرف‪ ،‬ولكن‪ "-‬تردد العجوز‪.‬‬
‫وضع المحامي يده على كتف صديقه‪" .‬كنت هناك"‪ ،‬قال بصوت هامس‪" .‬وأعدك ب‪NN‬أن الرس‪NN‬ائل لم تكن‬
‫في خطر‪".‬‬
‫تحولت مالمح نول إلى تعبير من الشراسة بحيث كاد العجوز يخاف‪ ،‬وانتقل إلى الخلف بشكل غري‪NN‬زي‪.‬‬
‫"كان سيقتله"‪ ،‬فكر العجوز‪.‬‬
‫"ما فعلته لك هذا المساء‪ ،‬يا صديقي"‪ ،‬استؤنف المحامي‪" ،‬لقد فعلته للفيكونت‪ .‬لقد س‪NN‬هلت المهم‪NN‬ة‪ ،‬على‬
‫األقل في الوقت الحاضر‪ ،‬بعدم قراءة كل هذه الرسائل المئة وستة وخمسين‪ .‬قلت له أن يتوقف فقط عن‪NN‬د‬
‫تلك التي تحمل صليًبا‪ ،‬وأن يقرأ بعناية الممرات المشار إليها بقلم أحمر‪".‬‬
‫"لقد كان تقليًص ا لعقوبته"‪ ،‬الحظ العجوز‪.‬‬
‫"كان جالًسا"‪ ،‬استمر نول‪" ،‬أمام طاولة صغيرة‪ ،‬هشة حتى ال يمكن االستناد عليها‪ .‬كنت أق‪NN‬ف بظه‪NN‬ري‬
‫إلى الموقد الذي كان يشتعل فيه النار‪ .‬رصدت حركاته الخفيفة بعناية‪ ،‬وفحص‪NN‬ت مالمح‪NN‬ه عن ق‪NN‬رب‪ .‬لم‬
‫أَر مثل هذا المشهد الحزين في حياتي‪ ،‬ولن أنساه إذا عشت أل‪NN‬ف ع‪NN‬ام‪ .‬في أق‪NN‬ل من خمس دق‪NN‬ائق ‪ ،‬تغ‪NN‬ير‬
‫وجهه إلى حد كبير بحيث لن يعرفه حتى خادمه الشخصي‪ .‬كان يحمل مندياًل في يده‪ ،‬وكان يمسح شفتيه‬
‫ميكانيكًيا من وقت آلخر‪ .‬أصبح شاحًبا وأشاحب‪ ،‬وأصبحت شفتاه بيضاء كمنديله‪ .‬وقفت قط‪NN‬رات كب‪NN‬يرة‬
‫من العرق على جبينه‪ ،‬وأصبحت عيناه باهتتين ومغيمتين‪ ،‬كما لو أن فيلًم ا غطى عيني‪NN‬ه‪ .‬لم يخ‪NN‬رج من‪NN‬ه‬
‫أي صرخة أو تنهيدة أو زفير أو حركة‪ ،‬ولم ينطق بأي كلمة‪ .‬في لحظة واحدة‪ ،‬شعرت بالشفقة ل‪NN‬ه ح‪NN‬تى‬
‫كادت أن أنتزع الرسائل من يديه‪ ،‬وألقيها في الن‪N‬ار‪ ،‬وأحمل‪N‬ه في ذراعي‪ ،‬وأص‪NN‬رخ‪' :‬ال‪ ،‬أنت أخي! انَس‬
‫كل شيء؛ دعنا نبقى كما نحن ونحب بعضنا البعض!'"‬
‫أخذ العجوز يد نول وضغط عليها‪" .‬آه!"‪ ،‬قال‪" ،‬أعرف صبي الكريم‪".‬‬
‫"إذا لم أفعل ذلك‪ ،‬يا صديقي‪ ،‬فه‪NN‬ذا ألن‪NN‬ني فك‪NN‬رت في نفس‪NN‬ي‪' ،‬بمج‪NN‬رد أن يتم ت‪NN‬دمير ه‪NN‬ذه الرس‪NN‬ائل‪ ،‬ه‪NN‬ل‬
‫سيتعرف علي كأخ له؟'"‬
‫"آه‪ ،‬صحيح جًدا‪".‬‬
‫"بعد حوالي نصف ساعة‪ ،‬انتهى من الق‪NN‬راءة‪ .‬وق‪NN‬ف ووج‪NN‬ه نح‪NN‬وي مباش‪NN‬رة‪ ،‬وق‪NN‬ال‪' :‬أنت على ح‪NN‬ق‪ ،‬ي‪NN‬ا‬
‫سيدي‪ .‬إذا كانت هذه الرسائل مكتوبة حًقا من قبل والدي‪ ،‬كما أعتقد‪ ،‬فإنها تثبت بوضوح أنني لس‪NN‬ت ابن‬
‫الكونتيسة دي كوماران‪ '.‬لم أجب‪' .‬وفي الوقت نفسه'‪ ،‬واصل‪' ،‬هذه فرضيات فقط‪ .‬هل لديك دليل آخ‪NN‬ر؟'‬
‫كنت أتوقع الكث‪N‬ير من االعتراض‪NN‬ات األخ‪N‬رى‪' .‬جيرم‪N‬ان'‪ ،‬قلت‪' ،‬يمكن‪N‬ه الح‪N‬ديث‪ '.‬أخ‪N‬برني أن جيرم‪N‬ان‬
‫توفي منذ عدة سنوات‪ .‬ثم تحدثت عن الممرضة‪ ،‬األرمل‪NN‬ة ل‪NN‬وروج ‪ -‬ش‪NN‬رحت كي‪NN‬ف يمكن العث‪NN‬ور عليه‪NN‬ا‬
‫واستجوابها‪ ،‬مضيًفا أنها تعيش في ال جونشير‪".‬‬
‫"وماذا قال لك بعد ذلك‪ ،‬نول؟"‪ ،‬سأل العجوز بقلق‪.‬‬
‫ظل صامًتا في البداية وبدا يفكر‪ .‬فجأة‪ ،‬ضرب جبينه وقال‪' :‬أت‪NN‬ذكر‪ ،‬أعرفه‪NN‬ا‪ .‬رافقت وال‪NN‬دي إلى منزله‪NN‬ا‬
‫ثالث مرات‪ ،‬وفي وجودي أعطاها مبلًغ ا كبيًر ا من المال‪ '.‬الحظت ل‪NN‬ه أن ه‪NN‬ذا ك‪NN‬ان دليال آخ‪NN‬ر‪ .‬لم ي‪NN‬رد‪،‬‬
‫لكنه تجول في الغرفة‪ .‬في النهاية‪ ،‬تحول نحوي قائًال‪' :‬سيدي‪ ،‬أتعرف على ابن الك‪NN‬ونت دي كوم‪NN‬اران؟'‬
‫أجبت‪' :‬أنا هو‪ '.‬أخذ ينحني رأسه ويتمتم‪' :‬ظننت ذلك‪ '.‬ثم أخذ يمسك بيدي وأضاف‪' :‬أخي‪ ،‬لس‪NN‬ت أحم‪NN‬ل‬
‫لك أي شكوى‪"'.‬‬
‫"يبدو لي"‪ ،‬الحظ العجوز‪" ،‬أنه كان يمكنه ترك ذلك لك لتقوله‪ ،‬وبمزيد من العدل والمنطق‪".‬‬
‫"ال‪ ،‬يا صديقي‪ ،‬ألنه مظلوم أكثر مني‪ .‬لم يتم تخفيضي‪ ،‬ألنني لم أكن أعرف‪ ،‬بينما هو!""‬
‫أومأ العميل القديم برأسه‪ ،‬وكان يضطر إلخفاء أفكاره التي كانت تخنقه‪.‬‬
‫"عاد نويل بعد فترة من الصمت وقال‪" :‬في النهاية‪ ،‬سألته عما يعتزم القيام به‪" .‬اس‪NN‬تمع‪ "،‬ق‪NN‬ال‪" ،‬أتوق‪NN‬ع‬
‫وصول والدي في حوالي ثمانية إلى عشرة أيام‪ .‬ستسمح لي به‪NN‬ذا الت‪NN‬أخير‪ .‬بمج‪NN‬رد عودت‪NN‬ه‪ ،‬سأش‪NN‬رح ل‪NN‬ه‬
‫األمر‪ ،‬وستتم العدالة‪ .‬أعطيك كلمتي الشرف‪ .‬خذ رسائلك واتركني وحدي‪ .‬هذا الخبر صدمني تمامًا‪ .‬في‬
‫لحظة أفقد كل شيء‪ :‬اسمًا عظيمًا حملته دائمًا بكرامة‪ ،‬وموقًعا رائًع ا‪ ،‬وث‪N‬روة هائل‪N‬ة‪ ،‬وربم‪N‬ا أهم ش‪N‬يء‪،‬‬
‫المرأة التي تعني لي أكثر من الحياة‪ .‬وفي المقابل‪ ،‬سأجد أًم ا‪ .‬س‪NN‬نعوض بعض‪NN‬نا البعض‪ .‬وس‪NN‬أحاول‪ ،‬ي‪NN‬ا‬
‫سيدي‪ ،‬أن أجعلها تنساك‪ ،‬ألنها يجب أن تحبك‪ ،‬وستشتاق إليك‪".‬‬

‫"هل قال ذلك حقًا؟" "تقريًبا حرفًيا‪".‬‬

‫"منافق!" تذمر الرجل العجوز بين أسنانه‪" .‬ماذا قلت؟" سأل نويل‪.‬‬

‫"أقول إنه شاب رائع‪ ،‬وسيسرني أن أتعرف عليه‪".‬‬

‫"لم أريه الرسالة المش‪NN‬يرة إلى االنفص‪NN‬ال‪ "،‬أض‪NN‬اف نوي‪NN‬ل‪" ،‬من األفض‪NN‬ل أال يع‪NN‬رف عن س‪NN‬لوك الس‪NN‬يدة‬
‫جيردي‪ .‬تحرمت بشكل طوعي من هذا الدليل‪ ،‬بدًال من إلحاق المزيد من األلم به‪".‬‬
‫"واآلن؟"‬

‫"ماذا يجب أن أفعل؟ أنتظر عودة الكونت‪ .‬سأتصرف بحرية أكبر بعد سماع ما لديه ليقوله‪ .‬غدًا سأطلب‬
‫اإلذن لفحص أوراق كل‪NN‬ودين‪ .‬إذا وج‪NN‬دت الرس‪NN‬ائل‪ ،‬فأن‪NN‬ا محف‪NN‬وظ‪ ،‬وإذا لم أج‪NN‬دها‪ ،‬لكن كم‪NN‬ا قلت ل‪NN‬ك‪ ،‬لم‬
‫أصمم على أي خطة منذ سماعي باالغتيال‪ .‬اآلن‪ ،‬ماذا تنصح؟"‬

‫"النصيحة القصيرة تتطلب تأماًل طويًال‪ "،‬أجاب الرجل العجوز الذي كان مستعجًال للرحي‪NN‬ل‪" .‬ي‪NN‬ا إلهي‪،‬‬
‫يا فتى الشقاء‪ ،‬كم كنت مهموًم ا!"‬

‫"رهيب! وباإلضافة إلى ذلك‪ ،‬لدي مشاكل مالية‪" ".‬كيف! أنت الذي ال تنفق شيًئا؟"‬

‫"لقد شرعت في اتفاقات مختلفة‪ .‬هل يمكنني اآلن استخدام ث‪NN‬روة الس‪NN‬يدة ج‪NN‬يردي ال‪NN‬تي اس‪NN‬تخدمتها ح‪NN‬تى‬
‫اآلن كما لو كانت خاصتي؟ ال أعتقد ذلك‪".‬‬

‫"بالتأكيد ال ينبغي لك ذلك‪ .‬ولكن اسمع! أنا سعيد ألنك تحدثت عن هذا‪ .‬يمكنك أن تقدم لي خدمة‪".‬‬

‫"بكل سرور‪ .‬ما هو؟"‬

‫"لقد قفلُت في خزانتي الخاصة اثني عشر إلى خمسة عشرة ألف فرنك‪ ،‬مما يزعج‪NN‬ني كث‪NN‬يًرا‪ .‬ت‪NN‬رى‪ ،‬أن‪NN‬ا‬
‫كبير في السن‪ ،‬ولست شجاًعا جًدا‪ ،‬إذا سمع أحد أن لدي هذا المال‪"-‬‬

‫"أخشى أنني ال أستطيع‪ "-‬بدأ المحامي‪.‬‬

‫"هراء!" قال الرجل العجوز‪" ،‬غدًا س‪NN‬أعطيها ل‪NN‬ك لتحتف‪NN‬ظ به‪NN‬ا‪ ".‬ولكن عن‪NN‬دما ت‪NN‬ذكر أن‪NN‬ه على وش‪NN‬ك أن‬
‫يضع نفسه تحت تصرف م‪ .‬دابورون‪ ،‬وأن‪NN‬ه ربم‪NN‬ا لن يك‪NN‬ون ح‪ًNN‬ر ا في الغ‪NN‬د‪ ،‬أض‪NN‬اف بس‪NN‬رعة‪" ،‬ال‪ ،‬ليس‬
‫غًدا؛ ب‪NN‬ل ه‪NN‬ذا المس‪NN‬اء‪ .‬لن يبقى ه‪NN‬ذا الم‪NN‬ال اللعين ليل‪NN‬ة أخ‪NN‬رى في ح‪NN‬وزتي‪ ".‬خ‪NN‬رج بعجل‪NN‬ة‪ ،‬وظه‪NN‬ر بع‪NN‬د‬
‫لحظات‪ ،‬محمًال في يده خمسة عشر ألف فرن‪NN‬ك في أوراق نقدي‪NN‬ة بقيم‪NN‬ة ألفي فرن‪NN‬ك للورق‪NN‬ة‪" .‬إذا لم تكن‬
‫كافية‪ "،‬قال وهو يمُّد ها لنويل‪" ،‬فيمكنك الحصول على المزيد‪".‬‬
‫"على أي حال‪ "،‬أجاب المحامي‪" ،‬سأعطيك إيصاًال لهذه‪" ".‬آه‪ ،‬ال تهتم‪ .‬الوقت كاٍف لذلك غًدا‪".‬‬
‫"وإذا مت الليلة؟"‬
‫"حينها‪ "،‬قال الرجل العجوز لنفسه وهو يفكر في وصيته‪" ،‬سأظل مديًنا لك‪ .‬تصبح على خير!" أضاف‬
‫بصوت عال‪" ،‬طلبت مني نص‪NN‬يحة‪ ،‬وس‪NN‬أحتاج إلى اللي‪NN‬ل للتفك‪NN‬ير‪ .‬في ال‪NN‬وقت الح‪NN‬الي‪ ،‬دم‪NN‬ائي ت‪NN‬دور في‬
‫دائرة‪ ،‬يجب أن أخرج إلى الهواء الطلق‪ .‬إذا نمت اآلن‪ ،‬فأنا متأكد أن لدي كابوًسا مريًع ا‪ .‬تحلى بالص‪NN‬بر‬
‫والشجاعة يا صديقي‪ .‬من يدري إذا كان القدر يعمل لصالحك في هذه اللحظة؟"‬
‫خرج الرجل‪ ،‬وترك نويل باب غرفته مفتوًح ا‪ ،‬في حين استمع إلى صوت خطواته وهو ينزل ال‪NN‬درج‪ .‬لم‬
‫يمِض وقت طويل حتى وصله صوت الصراخ‪" :‬افتح‪ ،‬من فض‪NN‬لك"‪ ،‬وص‪NN‬وت الب‪NN‬اب المقبض ال‪NN‬ذي يتم‬
‫طرقه‪.‬‬
‫وانتظر بضع دقائق قبل أن يمأل المزيد من الزيت في مصباحه‪ .‬ثم أخ‪NN‬ذ ظرًف ا ص‪NN‬غيًرا من درج مكتب‪NN‬ه‪،‬‬
‫وأدخل األوراق النقدية التي قدمها له صديقه القديم في جيبه‪ ،‬وخرج من غرفته‪ ،‬وقفل الباب بالمفتاح‪.‬‬

‫وعندما وصل إلى الطابق السفلي‪ ،‬توقف للحظات‪ ،‬وصمت لك‪NN‬أن ص‪NN‬وت أنين الس‪NN‬يدة ج‪NN‬يردي يمكن أن‬
‫يصل إليه حيث يقف‪ .‬لكنه لم يسمع شيًئا‪ ،‬ونزل الدرج بخطى خفيفة‪ .‬وبعد دقيقة‪ ،‬كان في الشارع‪.‬‬
‫الفصل ‪5‬‬
‫كان بيت السيدة جيردي مزودًا بدار للعربات‪ُ ،‬تستخدم كمخزن لألشياء القديمة‪ .‬حيث يتم تراكم األثاث‬
‫المكسور واألدوات التي فقدت قيمتها‪ ،‬واألشياء التي أصبحت غير مجدية أو ثقيلة‪ .‬كما كان يستخدم‬
‫لتخزين الحطب والفحم لالستخدام في الشتاء‪ .‬وكانت هناك باب صغير يفتح على الشارع كان في حالة‬
‫عدم االستخدام لعدة سنوات‪ ،‬لكن نويل قام بإصالحه سرًا ووضع قفل عليه‪ ،‬حتى يتمكن من الخروج أو‬
‫الدخول في أي وقت دون أن يعلم به الحارس أو أي شخص آخر‪ .‬وكان من خالل هذا الباب الذي خرج‬
‫الدعوى‪ ،‬لكن لم يفعل ذلك إال بأقصى حذر في فتحه وإغالقه‪ .‬وبمجرد خروجه إلى الشارع‪ ،‬توقف‬
‫للحظات كما لو كان يتردد في أي اتجاه يجب عليه الذهاب‪ .‬ثم توجه ببطء في اتجاه محطة السكة الحديد‬
‫سانت الزار‪ ،‬وعندما مرت سيارة أجرة‪ ،‬أوقفها‪" .‬شارع فوبورغ مونتمارت‪ ،‬في زاوية شارع‬
‫بروفانس‪ "،‬قال نويل‪ ،‬داخل السيارة‪" ،‬وقود بسرعة"‪.‬‬
‫ونزل الداعوى في المكان المحدد‪ ،‬وأرسل السائق‪ .‬وعندما رأى السائق يغادر‪ ،‬دخل نويل إلى شارع‬
‫بروفانس‪ ،‬وبعد المشي لبضعة أمتار‪ ،‬طرق جرس أحد البيوت الفخمة في الشارع‪ .‬وفور فتح الباب‪ ،‬قام‬
‫الحارس بإجراء تحية محترمة ولكنها تحمل بعض االستغراب‪ ،‬وهذه التحية التي يحتفظ بها حراس‬
‫المباني في باريس ألصحابها المفضلين‪ ،‬وهم األشخاص الذين يتمتعون بالكرم والجاهزية للمساعدة‪.‬‬
‫وعندما وصل إلى الطابق الثاني‪ ،‬توقف الدعوى‪ ،‬وأخرج مفتاًح ا من جيبه‪ ،‬وفتح الباب الموجود أمامه‪،‬‬
‫ودخل كأنه في منزله‪ .‬ولكن عندما سمع صوت المفتاح في القفل‪ ،‬ركضت خادمة السيدة التي كانت‬
‫شابة وجميلة نوحا نحوه‪.‬‬
‫"أهًال بك‪ ،‬يا سيدي"‪ ،‬صاحت‪.‬‬
‫لم يبدو نويل يالحظ ذلك‪ ،‬وقال‪" :‬هل السيدة هنا؟"‬
‫"نعم‪ ،‬سيدي‪ ،‬وغاضبة جًدا‪ .‬صباح اليوم أرادت إرسال شخص إليك‪ .‬وقبل قليل تحدثت عن الذهابها‬
‫للبحث عنك بنفسها‪ ،‬ولكنني واجهت صعوبة كبيرة في إقناعها بعدم عدم تعّد ي أوامرك"‪.‬‬
‫"حسًنا"‪ ،‬قال الداعوى‪.‬‬
‫"السيدة في غرفة التدخين‪ "،‬واصلت الخادمة‪" ،‬أنا أعد لها فنجان شاي‪ .‬هل تريد واحًدا‪ ،‬سيدي؟"‬
‫"نعم"‪ ،‬أجاب نويل‪" ،‬أريد منك تشغيل الضوء‪ ،‬شارلوت"‪.‬‬

‫ومر نويل عبر غرفة الطعام الفخمة وصالة الرسم الرائعة بطراز لويس الرابع عشر‪ ،‬ودخل غرفة‬
‫التدخين‪ .‬وكانت هذه الغرفة كبيرة نسبًيا‪ ،‬ولها سقف عاٍل جًدا‪ .‬ومن الداخل‪ ،‬يمكن للشخص أن يشعر‬
‫تماًم ا كأنه في بيت ماندرين غني في اإلمبراطورية الصينية‪ .‬فقد تم استيراد األثاث والسجاد والستائر‬
‫والصور من هونج كونج أو شنغهاي بشكل واضح‪ .‬وكان هناك حائط من الحرير الفاخر يصور‬
‫شخصيات ملونة ببراعة‪ ،‬ويخفي األبواب عن الرؤية‪ .‬وكانت جميع إمبراطوريات الشمس والقمر‬
‫مصورة عليه في مناظر زاهية باللون األحمر‪ :‬ماندرينات بدينين يحيط بهم حملة المصابيح‪ ،‬ورجال‬
‫مثقفون ينامون تحت الشمسيات بينما يستنشقون األفيون‪ ،‬وفتيات صغيرات بحاجبين مرتفعين يتعثرن‬
‫بأقدامهن الملفوفة بالشاش‪ ،‬وغيرها الكثير‪ .‬وكان السجاد‪ ،‬الذي ُصنع بتقنية غير معروفة لدى‬
‫األوروبيين‪ُ ،‬م رصع بالفواكه والزهور‪ ،‬بحيث يمكن أن يخدع النحل‪ .‬وكان الجدران واألركان مكتظة‬
‫بأثاث طريف وغير متناسق‪ ،‬مثل الطاوالت ذات األسطح المصنوعة من البورسلين وخزائن األخشاب‬
‫الثمينة‪ .‬وكانت هناك أيًض ا خزائن زخرفية ورفوف تم شراؤها من لين تسي‪ ،‬تاهان سو تشيو‪ ،‬المدينة‬
‫الفنية‪ ،‬وألف غرض نادر وثمين‪ ،‬بدًء ا من العصي المصنوعة من العاج التي تستخدم بدًال من الشوك‪،‬‬
‫إلى فناجين الشاي المصنوعة من البورسلين‪ ،‬التي كانت أرق من فقاعات الصابون‪ ،‬وتحف من عصر‬
‫كين لونغ‪ .‬وكان هناك ديوان كبير جًدا‪.‬‬
‫عندما دخل نويل‪ ،‬كانت امرأة شابة ال تزال مستلقية على الكنبة‪ ،‬تدخن سيجارة‪ .‬على الرغم من حرارة‬
‫المناطق االستوائية‪ ،‬كانت ملفوفة بشاالت كشمير ثقيلة‪ .‬كانت صغيرة الحجم‪ ،‬ولكن فقط النساء‬
‫الصغيرات يمكنهن أن يجمعن في أشخاصهن كل الكمال‪ .‬والنساء اللواتي يتجاوز طولهن المتوسط يجب‬
‫أن يكونن إما محاوالت أو أخطاء في الطبيعة‪ .‬وبغض النظر عن مدى جمالهن‪ ،‬فإنهن يعرضن دائًم ا‬
‫بعض العيوب‪ ،‬مثل عمل النحات‪ ،‬الذي على الرغم من وجود عبقريته‪ ،‬يحاول للمرة األولى نحًتا على‬
‫نطاق واسع‪ .‬كانت صغيرة الحجم‪ ،‬ولكن عنقها وكتفيها وذراعيها كانت لها االنحناءات األكثر روعة‪.‬‬
‫كانت يديها‪ ،‬بأصابعها المدببة وأظافرها الوردية‪ ،‬تبدو وكأنها مجوهرات تحافظ عليها بعناية‪ .‬كانت‬
‫قدميها المغطاة بجوارب حريرية رقيقة تقريًبا كشبكة العنكبوت‪ ،‬عجائب؛ وليس ألنها أعادت إلى الذهن‬
‫القدم األسطورية التي وضعت سندريال في الحذاء الزجاجي‪ ،‬ولكن األخرى‪ ،‬الحقيقية جًدا‪ ،‬الشهيرة جًدا‬
‫والملموسة جًدا‪ ،‬التي كانت تقدمها صاحبتها الجميلة (زوجة مصرفي مشهور) كنموذج إما من البرونز‬
‫أو الرخام لعدد كبير من المعجبين بها‪ .‬لم تكن مالمح وجهها جميلة‪ ،‬وال حتى جذابة؛ ولكن كانت‬
‫مالمحها تلك التي ال ينساها اإلنسان بسهولة؛ ألنها‪ ،‬في النظرة األولى‪ ،‬تذهل المشاهد مثل البرق‪ .‬كانت‬
‫جبينها مرتفًعا قليًال‪ ،‬وكان فمها كبيًر ا بشكل ال يخفى‪ ،‬على الرغم من االنتعاش المزعج لشفتيها‪ .‬كانت‬
‫حواجبها مثالية لدرجة أنها تبدو وكأنها رسمت بحبر الهند‪ ،‬ولكن لألسف استخدم القلم بشكل ثقيل‪ ،‬مما‬
‫أعطاها تعبيًر ا غير لطيف عندما تعبس‪ .‬من ناحية أخرى‪ ،‬كان بشرتها الناعمة نضرة ذهبية ثرية‪،‬‬
‫وكانت عيناها السوداوان الناعمتان والمخمليتان تمتلكقوة مغناطيسية هائلة‪ .‬كانت أسنانها المعة ببريق‬
‫لؤلؤي وبياض‪ ،‬وكان شعرها الكثيف واألسود والالمع كجناح غراب‪.‬‬
‫عندما شاهدت نويل وهو يدفع الستائر الحريرية على جانبيه‪ ،‬ارتفعت االمرأة نصف الجسد واستندت‬
‫على كوعها‪ ،‬وقالت‪" :‬لقد جئت أخيرًا؟" بصوت يعبر عن اإلزعاج‪" ،‬أنت لطيف جدًا"‪.‬‬
‫شعر المحامي باالختناق تقريبًا بسبب درجة حرارة الغرف‪NN‬ة المرتفع‪NN‬ة الض‪NN‬اغطة‪" .‬كم ه‪NN‬و دافئ!" ق‪NN‬ال‪،‬‬
‫"إنه يكفي ليخنق المرء!" "أال تشعر بذلك؟" ردت الشابة‪" .‬حس‪ًN‬نا‪ ،‬أن‪NN‬ا في الواق‪NN‬ع أرتج‪NN‬ف! وم‪NN‬ع ذل‪NN‬ك‪،‬‬
‫يصعب علّي االنتظار‪ ،‬فهو يؤثر على أعصابي‪ .‬ولقد كنت أنتظركم منذ يوم أمس‪" ".‬كان من المس‪NN‬تحيل‬
‫بالفع‪NN‬ل بالنس‪NN‬بة لي أن أأتي"‪ ،‬أوض‪NN‬ح نوي‪NN‬ل‪" ،‬من المس‪NN‬تحيل بالفع‪NN‬ل!" "علمت‪ ،‬وم‪NN‬ع ذل‪NN‬ك"‪ ،‬اس‪NN‬تمرت‬
‫السيدة‪" ،‬أن اليوم هو يوم تسوية حساباتي؛ وأن علّي تسوية عدة حسابات ثقيلة‪ .‬ج‪NN‬اء جمي‪NN‬ع التج‪NN‬ار‪ ،‬ولم‬
‫يكن لدي نصف بني ألعطيهم‪ .‬أرسل صانع العربات فاتورته‪ ،‬ولكن لم يكن هناك أي مال‪ .‬ثم ظهر ذل‪NN‬ك‬
‫اللص العجوز كليرجو‪ ،‬الذي قدمت له كفالة بقيمة ثالثة آالف فرنك‪ ،‬وأثار ضجة فظيعة‪ .‬كل ه‪NN‬ذا ممت‪NN‬ع‬
‫حًقا!" انحنى نويل كصبي معاقب ألنه تجاهل دروسه‪" .‬لم يمض عليه سوى يوم واح‪NN‬د"‪ ،‬همس‪" .‬وه‪NN‬ذا‬
‫ليس ش‪NN‬يًئا أليس ك‪NN‬ذلك؟" ردت الش‪NN‬ابة‪" .‬رج‪NN‬ل يح‪NN‬ترم نفس‪NN‬ه‪ ،‬ي‪NN‬ا ص‪NN‬ديقي‪ ،‬ق‪NN‬د يس‪NN‬مح لتوقيع‪NN‬ه الخ‪NN‬اص‬
‫بالتشريد‪ ،‬ولكنه لن يسمح بذلك لتوقي‪NN‬ع عش‪NN‬يقته! أتري‪NN‬د أن ت‪NN‬دمر س‪NN‬معتي تماًم ا؟ تعلم جي‪ًNN‬دا أن االعتب‪NN‬ار‬
‫الوحيد الذي أتلقاه هو ما يدفعه مالي‪ .‬لذلك‪ ،‬بمجرد عدم قدرتي على الدفع‪ ،‬س‪NN‬يكون ك‪NN‬ل ش‪NN‬يء ق‪NN‬د انتهى‬
‫بالنس‪N‬بة لي‪" ".‬عزي‪N‬زتي جول‪N‬ييت"‪ ،‬ب‪N‬دأ المح‪N‬امي بلط‪N‬ف‪" .‬أوه‪ ،‬نعم! ه‪N‬ذا كل‪N‬ه جمي‪N‬ل ج‪ًN‬دا"‪ ،‬قاطعته‪N‬ا‪.‬‬
‫"عزيزتك جولييت! عشيقتك المعشوقة! ما دام أنك هن‪N‬ا‪ ،‬فه‪N‬و جمي‪N‬ل حًق ا‪ ،‬ولكن ال يوج‪N‬د ش‪N‬يء بمج‪N‬رد‬
‫خروجك‪ .‬هل تتذكر أن هناك شخًص ا يدعى جولييت؟" "كيف أنت غير عادلة!" رد نوي‪NN‬ل‪" .‬أال تع‪NN‬رفين‬
‫أنني دائًم ا أفكر فيك؟ ألم أثبت لك ذل‪NN‬ك أل‪NN‬ف م‪NN‬رة؟ انظ‪NN‬ري هن‪NN‬ا! س‪NN‬أثبت ل‪NN‬ك ذل‪NN‬ك م‪NN‬رة أخ‪NN‬رى في ه‪NN‬ذه‬
‫اللحظة‪ ".‬أخرجع نويل إلى جيبه وأخرج الحزم‪NN‬ة الص‪NN‬غيرة ال‪NN‬تي أخ‪NN‬ذها من درج مكتب‪NN‬ه‪ ،‬وبع‪NN‬د فتحه‪NN‬ا‪،‬‬
‫عرض عليها صندوق فيلفيت جميل‪" .‬ها هو"‪ ،‬قال بحماس‪" ،‬السوار الذي ترغبين فيه كثيًر ا منذ أسبوع‬
‫في بوتيك بوغرو‪ ".‬أمسكت السيدة جولييت‪ ،‬دون أن تتحرك‪ ،‬بتلك الص‪NN‬ندوق‪ ،‬وبع‪NN‬د فتحه‪NN‬ا بال اهتم‪NN‬ام‪،‬‬
‫نظرت فقط إلى الجوهرة وقالت فقط "آه!" "هل ه‪NN‬ذا ه‪NN‬و ال‪NN‬ذي تري‪NN‬دين؟" س‪NN‬أل نوي‪NN‬ل‪" .‬نعم‪ ،‬لكن‪NN‬ه ك‪NN‬ان‬
‫أجمل كثيًر ا في نافذة المتجر‪ ".‬أغلقت الص‪NN‬ندوق ورمت‪NN‬ه على طاول‪NN‬ة ص‪NN‬غيرة بجانبه‪NN‬ا بال اهتم‪NN‬ام‪" .‬أن‪NN‬ا‬
‫محظوظة هذا المساء"‪ ،‬قال المحامي بخيبة أمل كبيرة‪" .‬لماذا؟" "أرى بوضوح أن السوار ال يرضيك‪".‬‬
‫"أوه‪ ،‬بل يرضيني‪ .‬أعتقد أن‪NN‬ه جمي‪NN‬ل‪ ...‬باإلض‪NN‬افة إلى أن‪NN‬ه س‪NN‬يكمل ال‪NN‬زوجين‪ ".‬ك‪NN‬ان اآلن دور نوي‪NN‬ل في‬
‫القول "آه!" وبما أن جولييت لم تقل شيًئا‪ ،‬أضاف‪" :‬حسًنا‪ ،‬إذا كنت راضية‪ ،‬فأنت ال تظهر ذلك‪" ".‬أوه!‬
‫فهذا ما تستهدفه!" صاحت السيدة‪" .‬أنا لس‪NN‬ت ش‪NN‬اكرة بم‪NN‬ا في‪NN‬ه الكفاي‪NN‬ة ليناس‪NN‬بك! تجلب لي هدي‪NN‬ة‪ ،‬ويجب‬
‫علي أن أدفع على الفور‪ ،‬وأمأل المنزل بصيحات الفرح‪ ،‬وألقي نفسي على ركبتي قدامك‪ ،‬وأسميك س‪NN‬يًدا‬
‫عظيًم ا ورائًعا!" لم يتمكن نويل هذه المرة من إخفاء لمحة من الصبر‪ ،‬التي الحظته‪NN‬ا جول‪NN‬ييت بوض‪NN‬وح‬
‫كب‪NN‬ير‪ ،‬مم‪NN‬ا أس‪NN‬عدتها كث‪NN‬يًرا‪" .‬ه‪NN‬ل س‪NN‬يكون ه‪NN‬ذا كافي‪NN‬ا؟" اس‪NN‬تمرت في الق‪NN‬ول‪" .‬ه‪NN‬ل يجب علي اس‪NN‬تدعاء‬
‫شارلوت‪ ،‬حتى تعجب بالسوار الفاخر ه‪NN‬ذا‪ ،‬ه‪NN‬ذا النص‪NN‬ب ال‪NN‬ذي س‪NN‬خرت من‪NN‬ه؟ ه‪NN‬ل يجب علي اس‪NN‬تدعاء‬
‫الحارس وأدعو الطباخ ألخبرهم كم أنا سعيدة بأن لدي عش‪NN‬يًقا رائًع ا وعظيًم ا؟" ح‪NN‬رك المح‪NN‬امي كتفي‪NN‬ه‬
‫كفيلسوف ال يالحظ تهكم األطفال‪" .‬ما هو الفائدة من هذه النكات المهينة؟" قال‪.‬‬
‫"إذا كان لديك أي شكوى حقيقية ض‪NN‬دي‪ ،‬من األفض‪NN‬ل أن تق‪N‬ول ذل‪NN‬ك ببس‪NN‬اطة وجدي‪NN‬ة‪" ".‬حس‪ًN‬نا"‪ ،‬ق‪NN‬الت‬
‫جولييت‪" ،‬لنكن جادين‪ .‬وبما أن األمر كذلك‪ ،‬فسأخبرك أنه كان من األفضل نسيان السوار‪ ،‬وأن تحضر‬
‫لي أمًسا أو هذا الصباح الثمانية آالف فرن‪NN‬ك ال‪NN‬تي أردته‪NN‬ا‪" ".‬لم أس‪NN‬تطع الحض‪NN‬ور‪" ".‬ك‪NN‬ان يتعين علي‪NN‬ك‬
‫إرسالها؛ فمرسلون ال يزالون موج‪N‬ودين عن‪N‬د زواي‪N‬ا الش‪N‬وارع‪" ".‬إذا كنت لم أحض‪N‬رها ولم أرس‪N‬لها‪ ،‬ي‪N‬ا‬
‫جولييت العزيزة‪ ،‬فهو ألني لم أكن أملكها‪ .‬كان لدي مشكلة كافية في الحصول عليها متعهدة بتسليمها لي‬
‫غًدا‪ .‬إذا كان لدي المبلغ هذا المساء‪ ،‬فهو بفضل فرصة لم أكن أستطيع االعتماد عليها قبل ساعة‪ ،‬ولكني‬
‫استفدت منها على مسؤوليتي الشخصية‪" ".‬يا فقير!" قالت جولييت بلمسة ساخرة من الشفقة في صوتها‪.‬‬
‫"هل تجرؤ على قول أن‪NN‬ك واجهت ص‪NN‬عوبة في الحص‪NN‬ول على عش‪NN‬رة آالف فرن‪NN‬ك‪ ،‬أنت؟" "نعم‪ ،‬أن‪NN‬ا!"‬
‫نظرت الشابة إلى عشيقها واندلعت في نوب‪NN‬ة من الض‪NN‬حك‪" .‬أنت رائ‪NN‬ع حًق ا عن‪NN‬دما تتظ‪NN‬اهر بأن‪NN‬ك ش‪NN‬اب‬
‫فقير!" قالت‪" .‬أنا لست أتظ‪N‬اهر‪" ".‬ه‪N‬ذا م‪N‬ا تقول‪N‬ه ي‪N‬ا حبي‪N‬بي‪ .‬لكن‪N‬ني أرى م‪N‬ا تس‪N‬تهدفه‪ .‬ه‪N‬ذا االع‪N‬تراف‬
‫اللطيف هو المقدمة‪ ،‬وغًدا سوف تعلن أن أمورك معقدة للغاية‪ ،‬وبعد غد‪ ...‬أنت تص‪NN‬بح بخياًل ج‪ًNN‬دا‪ .‬إنه‪NN‬ا‬
‫فضيلة لم تكن تمتلكها من قبل‪ .‬أال تندم بالفعل على المال ال‪NN‬ذي أعطيت‪NN‬ني إي‪NN‬اه؟" "ام‪NN‬رأة بائس‪NN‬ة!" همس‬
‫نويل‪ ،‬مفقًدا صبره بسرعة‪" .‬حًقا"‪ ،‬واصلت السيدة‪" ،‬أشفق علي‪N‬ك كث‪N‬يًرا‪ .‬عاش‪N‬ق مس‪N‬كين! ه‪N‬ل يجب أن‬
‫أقوم بجمع تبرعات لك؟ في مكانك‪ ،‬سألتجأ إلى الخير العام‪".‬‬
‫لم يستطع نويل تحمل األمر بعد‪ ،‬على ال‪NN‬رغم من ق‪NN‬راره بالبق‪N‬اء هادًئ ا‪" .‬أتعتق‪N‬دين أنه‪NN‬ا أم‪NN‬ر مض‪NN‬حك؟"‬
‫صاح هو‪" .‬حسًنا‪ ،‬دعيني أخبرِك ‪ ،‬جولييت‪ ،‬إنني مفلس‪ ،‬ولقد اس‪NN‬تنفذت آخ‪NN‬ر م‪NN‬واردي! لق‪NN‬د تم تقليص‪NN‬ي‬
‫إلى الحيل!" تألقت عينا الشابة‪ .‬نظرت إلى عشيقها بحنان‪" .‬أوه‪ ،‬لو كان ذلك صحيًح ا‪ ،‬عزيزي!" قالت‪.‬‬
‫"لو كنُت أستطيع اإليمان بِك !" أصيب المحامي بجرح في قلبه‪" .‬تؤمن بي"‪ ،‬فك‪NN‬ر‪" ،‬وتس‪NN‬عد به‪NN‬ذا‪ .‬إنه‪NN‬ا‬
‫تكرهني‪ ".‬كان مخطًئا‪ .‬فكرة أن رجال قد أحبه‪NN‬ا بم‪NN‬ا يكفي ليفق‪N‬ر نفس‪NN‬ه من أجله‪NN‬ا‪ ،‬دون أن يس‪NN‬مح لنفس‪NN‬ه‬
‫باالنتق‪NN‬اد‪ ،‬مألت ه‪NN‬ذه الم‪NN‬رأة ب‪NN‬الفرح‪ .‬ش‪NN‬عرت بأنه‪NN‬ا على وش‪NN‬ك الوق‪NN‬وع في حب الرج‪NN‬ل‪ ،‬اآلن الفق‪NN‬ير‬
‫والمتذلل‪ ،‬الذي كانت تحتقره عندما كان غنًيا ومتكبًر ا‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬تغ‪NN‬ير تعب‪NN‬ير عينيه‪NN‬ا فج‪NN‬أة‪" :‬ي‪NN‬ا ل‪NN‬ه من‬
‫أحمق أنا"‪ ،‬صاحت‪" ،‬كنت على وشك اإليم‪NN‬ان بك‪NN‬ل ذل‪NN‬ك ومحاول‪NN‬ة تعزيت‪NN‬ك‪ .‬ال تتظ‪NN‬اهر بأن‪NN‬ك من تل‪NN‬ك‬
‫السادة الذين يبثون أموالهم على نطاق واسع‪ .‬قل هذا لشخص آخر ياص‪NN‬ديقي! جمي‪NN‬ع الرج‪NN‬ال في زمانن‪NN‬ا‬
‫يحس‪NN‬بون مث‪NN‬ل القرض‪NN‬اء‪ .‬هن‪NN‬اك فق‪NN‬ط بعض األغبي‪NN‬اء ال‪NN‬ذين يفق‪NN‬رون أنفس‪NN‬هم اآلن‪ ،‬بعض األش‪NN‬بال‬
‫المتعجرفين‪ ،‬وأحياًنا رجل عجوز مغرم‪ .‬حسًنا‪ ،‬أنت رج‪N‬ل ه‪N‬ادئ ج‪ًN‬دا‪ ،‬ج‪N‬اد ج‪ًN‬دا‪ ،‬وج‪N‬دير بالثق‪N‬ة ج‪ًN‬دا‪،‬‬
‫ولكن فوق كل شيء‪ ،‬أنت رجل قوي جًدا‪" ".‬ليس معك على أي ح‪NN‬ال"‪ ،‬همس نوي‪NN‬ل‪" .‬هي‪NN‬ا‪ ،‬توق‪NN‬ف عن‬
‫هذه السخافات! أنت تعلم جيًدا ماذا تفعل‪ .‬بدًال من قلب‪ ،‬ل‪NN‬ديِك ص‪NN‬فرين كب‪NN‬يرين‪ ،‬تماًم ا مث‪NN‬ل هومب‪NN‬ورغ‪.‬‬
‫عندما تعجبت بي‪ ،‬قلت في نفسك‪' ،‬سأنفق كل هذا على العاطفة'‪ ،‬ولقد حافظت على وعدِك ‪ .‬إنها استثمار‬
‫مثل أي استثمار آخر‪ ،‬حيث يتلقى المرء فوائد في شكل متعة‪ .‬أنت قادر على جميع اإلسراف في الع‪NN‬الم‪،‬‬
‫بمقدار أربعة آالف فرنك في الشهر! إذا احتاج األمر إلى فرنك إضافي‪ ،‬فس‪NN‬وف تس‪NN‬تعيد قلب‪NN‬ك وقبعت‪NN‬ك‪،‬‬
‫وتذهب بهما إلى أحد منافسّي في المنطقة‪".‬‬
‫"صحيح"‪ ،‬أجاب المحامي ببرودة‪" ،‬أنا أعرف كيف أحسب‪ ،‬وهذه المه‪NN‬ارة مفي‪NN‬دة لي ج‪ًNN‬دا‪ .‬تمكن‪NN‬ني من‬
‫معرفة بالضبط كيف وأين تخلصت من ثروتي‪" ".‬إًذ ا‪ ،‬أنت حًقا تعرف؟" سخرت جولييت‪.‬‬
‫"وأستطيع أن أخبرك‪ ،‬سيدتي"‪ ،‬استمر في الحديث‪" .‬في البداية‪ ،‬لم تكني متطلبة جًدا‪ ،‬لكن الشهية تزداد‬
‫م‪NN‬ع األك‪NN‬ل‪ .‬أردت الرفاهي‪NN‬ة‪ ،‬فل‪NN‬ديِك اآلن‪ ،‬األث‪NN‬اث الفخم‪ ،‬وال‪NN‬ديكور الكام‪NN‬ل‪ ،‬والفس‪NN‬اتين المب‪NN‬الغ فيه‪NN‬ا‪ ،‬لم‬
‫أرفض لِك أي شيء‪ .‬طلبت العربة والحصان‪ ،‬فقدمتهما لِك ‪ .‬ولم أذك‪NN‬ر أل‪NN‬ف ش‪NN‬يء آخ‪NN‬ر‪ .‬لم أحس‪NN‬ب ه‪NN‬ذا‬
‫الخزانة الصينية وال العشرات من األساور‪ .‬إجمالي المبلغ أربعمائة ألف فرنك!"‬
‫"هل أنت متأكد؟"‬
‫"كما يستطيع الشخص الذي تلقى هذا المبلغ وليس لديه بعد اآلن‪".‬‬
‫"أربعمائة ألف فرنك‪ ،‬ما أروع! هل ال يوجد سنتيمات؟"‬
‫"ال‪".‬‬
‫"إًذ ا‪ ،‬يا صديقي‪ ،‬إذا قمت بإعداد حسابي‪ ،‬ستدين لي بشيء ما‪".‬‬
‫دخلت الخادم‪NN‬ة بص‪NN‬ينية الش‪NN‬اي وقطعت ه‪NN‬ذا ال‪NN‬دويتو الع‪NN‬اطفي‪ ،‬ال‪NN‬ذي تك‪NN‬رر أك‪NN‬ثر من م‪NN‬رة بين نوي‪NN‬ل‬
‫وجولييت‪ .‬صمت المحامي بسبب الخادمة‪ .‬فعلت جولييت الشيء نفسه بسبب عشيقها‪ ،‬ألنها ال تخفي عن‬
‫شارلوت‪ ،‬التي كانت معها منذ ثالث سنوات‪ ،‬شيًئا‪ ،‬حتى األحباء أحياًنا‪.‬‬
‫كانت السيدة جولييت شافور باريسية‪ .‬ولدت حوالي عام ‪ 1839‬في أعلى نهاية فوبورغ مونم‪NN‬ارت‪ .‬ك‪NN‬ان‬
‫والدها مجهوال‪ .‬كانت طفولتها تتنوع بين الضرب والعن‪NN‬اق على ح‪NN‬د س‪NN‬واء بغض النظ‪NN‬ر عن غض‪NN‬بهما‪.‬‬
‫عاشت كأفضل م‪NN‬ا تس‪NN‬تطيع‪ ،‬على الحل‪NN‬وى والفواك‪NN‬ه التالف‪NN‬ة‪ ،‬ح‪NN‬تى أن مع‪NN‬دتها اآلن يمكن أن تتحم‪NN‬ل أي‬
‫شيء‪ .‬في سن اإلثني عشرة‪ ،‬كانت هزيلة مثل الظفر‪ ،‬خضراء مثل التف‪NN‬اح في يوني‪NN‬و‪ ،‬وأك‪NN‬ثر فس‪NN‬ادا من‬
‫سجناء سجن سانت الزار‪ .‬كان بروذوم يقول أن هذه الطفلة الوقحة المبكرة خالية تماًم ا من األخالق‪ .‬لم‬
‫يكن لديها أدنى فكرة عن المعنى األخالقي‪ ،‬وكانت تعتقد أن العالم مليء بالن‪NN‬اس األمن‪NN‬اء ال‪NN‬ذين يعيش‪NN‬ون‬
‫مثل أمها وأصدقائها‪ .‬لم تخَش هللا وال الشيطان‪ ،‬ولكنها كانت تخشى الشرطة‪.‬‬
‫كانت تخشى أيًض ا بعض األشخاص الغامضين والقاسيين الذين سمعت عنهم‪ ،‬الذين يسكنون بالقرب من‬
‫قصر العدل‪ ،‬والذين يشعرون بمتعة شريرة في مشاهدة الفتيات الجميالت في ورط‪NN‬ة‪ .‬وبم‪NN‬ا أنه‪NN‬ا لم تع‪NN‬د‬
‫تعد بالجمال‪ ،‬فقد كانت على وشك وضعها في متجر‪ ،‬عندما منحه‪NN‬ا رج‪NN‬ل عج‪NN‬وز ومح‪NN‬ترم‪ ،‬ال‪NN‬ذي ك‪NN‬ان‬
‫يعرف أمها من‪NN‬ذ بعض الس‪NN‬نوات‪ ،‬حمايت‪NN‬ه‪ .‬ه‪NN‬ذا الرج‪NN‬ل العج‪NN‬وز‪ ،‬الحكيم والم‪NN‬ؤدب مث‪NN‬ل جمي‪NN‬ع الرج‪NN‬ال‬
‫العجائز‪ ،‬كان متذوًقا وكان يعرف أنه يجب أن يزرع ليحصد‪.‬‬
‫قرر في البداية أن يمنح حمايته لموهوبته الخفيفة التعليم‪ .‬حصل لها على معلمين‪ ،‬الذين علموه‪NN‬ا الكتاب‪NN‬ة‬
‫والعزف على البيانو والرقص خالل أقل من ثالث سنوات‪ .‬لكنه لم يوفر لها عشيًقا‪ .‬لذلك‪ ،‬وجدت لنفسها‬
‫عشيًقا‪ ،‬فناًنا علمها شيًئا جديًدا‪ ،‬لكنها غادرت عشها بعد ثالثة أشهر‪ ،‬مع كل م‪N‬ا تملك‪N‬ه ملفوًف ا في من‪N‬ديل‬
‫قطني‪.‬‬
‫خالل األربع سنوات التي تلت ذلك‪ ،‬عاشت حياة شاقة‪ ،‬وكان لها أحياًنا األم‪NN‬ل فق‪NN‬ط للعيش‪ ،‬وه‪NN‬و األم‪NN‬ر‬
‫الذي ال يتخلى عنه بشكل كام‪NN‬ل فت‪NN‬اة ش‪NN‬ابة تع‪NN‬رف أن ل‪NN‬ديها عي‪NN‬ون جميل‪NN‬ة‪ .‬تن‪NN‬وعت حياته‪NN‬ا بين النج‪NN‬اح‬
‫والفشل‪ .‬حظت ب‪NN‬الثراء م‪NN‬رتين‪ ،‬لكنه‪NN‬ا لم تحاف‪NN‬ظ علي‪NN‬ه‪ .‬م‪NN‬ع مس‪NN‬اعدة العب متج‪NN‬ول‪ ،‬ظه‪NN‬رت للت‪NN‬و على‬
‫مسرح صغير‪ ،‬وتحدثت كلماتها بشكل جيد‪ ،‬عندما قابلها نويل من الصدفة‪ ،‬وأحبها وجعلها عشيقته‪.‬‬
‫لم يزعجها محاميها في البداية‪ .‬بعد بضعة أشهر‪ ،‬لم تتحمله‪ .‬كانت تكرهه على أسلوبه الراقي والمهذب‪،‬‬
‫ومظهره الرجولي‪ ،‬وهوائه المميز‪ ،‬وازدراءه‪ ،‬الذي لم يكن يخفيه‪ ،‬لكل م‪NN‬ا ه‪NN‬و منخفض وب‪NN‬ذيء‪ ،‬وقب‪NN‬ل‬
‫كل شيء بسبب صبره الثابت الذي ال ش‪NN‬يء يمكن أن يفني‪NN‬ه‪ ،‬ك‪NN‬انت ش‪NN‬كواها الكب‪NN‬يرة ض‪NN‬ده هي أن‪NN‬ه ليس‬
‫مضحًك ا على اإلطالق‪ ،‬وأيًضا أنه يرفض تماًم ا إرشادها إلى تل‪NN‬ك األم‪NN‬اكن ال‪NN‬تي يمكن فيه‪NN‬ا لألش‪NN‬خاص‬
‫التعبير عن روحهم بحرية‪ .‬بدأت في إضاعة المال للتسلية بنفسها‪ ،‬وزاد كرهها لعشيقها في نفس الوتيرة‬
‫التي زادت فيها طموحاتها وتضحياته‪ .‬جعلت‪NN‬ه الرج‪NN‬ل األك‪NN‬ثر بؤًس ا وعاملت‪NN‬ه ك‪NN‬الكلب‪ ،‬وليس بس‪NN‬بب أي‬
‫سوء في طبيعتها‪ ،‬بل كان ذلك من مبدأ‪ .‬كانت مقتنعة بأن المرأة تحب بنس‪NN‬بة إلى المت‪NN‬اعب ال‪NN‬تي تس‪NN‬ببها‬
‫واألذى ال‪NNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNN‬ذي تس‪NNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNN‬ببه‪.‬‬
‫لم تكن جول‪NN‬ييت ش‪NN‬ريرة‪ ،‬وك‪NN‬انت تعتق‪NN‬د أن ل‪NN‬ديها الكث‪NN‬ير للش‪NN‬كوى من‪NN‬ه‪ .‬ك‪NN‬ان حلم حياته‪NN‬ا ه‪NN‬و أن تحب‬
‫بالطريقة التي تشعر بها‪ ،‬ولكنها كانت تعتبر نفسها لعبة في يد عشاقها‪ .‬فهمت ذلك‪ ،‬وكونها كانت فخورة‬
‫بطبيعتها‪ ،‬فقد غضبت الفكرة‪ .‬حلمت برجل يكون مخلًص ا بما فيه الكفاية ليقدم تضحية حقيقية من أجلها‪،‬‬
‫عاشق ينحدر إلى مستواها بدًال من محاولة رفعها إلى مستواه‪ .‬فقدت األمل في اللقاء بمثل هذا الرجل‪ .‬لم‬
‫تؤثر إسراف نويل عليها بأي شكل من األشكال‪ ،‬وكانت تعتقد أنه غني جًدا‪ ،‬وعلى الرغم من ش‪NN‬راهتها‪،‬‬
‫فإنها لم تهتم كثيًر ا بالمال‪ .‬كان يمكن لنويل أن يفوز بها بسهولة أك‪N‬بر من خالل ص‪NN‬راحة وحش‪N‬ية تظه‪N‬ر‬
‫لها وضعه بوضوح‪ .‬خسر حبها بسبب حساسية تمويهه الذي تركها جاهلة بالتضحيات التي ك‪NN‬ان يق‪NN‬دمها‬
‫من أجلها‪.‬‬
‫كان نويل يعشق جولييت‪ .‬حتى اليوم الذي رآها فيه‪ ،‬كان يعيش كالحكيم‪ .‬هذا‪ ،‬أول عاطف‪NN‬ة ل‪NN‬ه‪ ،‬أحرقت‪NN‬ه‪،‬‬
‫ومن الكارثة‪ ،‬أنقذ فقط المظاهر‪ .‬بقيت الجدران األربعة متماس‪NN‬كة‪ ،‬ولكن داخ‪NN‬ل ه‪NN‬ذا الم‪NN‬نزل تم ت‪NN‬دميره‪.‬‬
‫حتى األبطال لهم نقاط ضعف‪ ،‬أخيليس قتل بجرح في قدمه‪ .‬حتى أفضل الدروع المصنوعة بمه‪NN‬ارة له‪NN‬ا‬
‫عيب في مكان ما‪ .‬كان نويل معرًض ا للهجوم من خالل جولييت‪ ،‬وكان بفضلها عرضة لكل شيء ولك‪NN‬ل‬
‫شخص‪ .‬في غضون أربع سنوات‪ ،‬أنفق هذا الشاب النم‪NN‬وذجي‪ ،‬المح‪NN‬امي ذو الس‪NN‬معة الزكي‪NN‬ة‪ ،‬الم‪NN‬تزمت‬
‫األخالقي‪ ،‬ليس فقط ثروته الخاصة عليها‪ ،‬بل أيًض ا ثروة السيدة جيردي‪.‬‬
‫كان يحبها بجنون‪ ،‬بدون تفكير‪ ،‬بدون قياس‪ ،‬وعيناه مغلقتان‪ .‬بجانبه‪NN‬ا‪ ،‬نس‪NN‬ي ك‪NN‬ل الح‪NN‬ذر وفك‪NN‬ر بص‪NN‬وت‬
‫عاٍل ‪ .‬في غرفة نومها‪ ،‬تخلى عن قناع التمويه الذي يرتديه عادة‪ ،‬وعرضت نفسه كما تعرض‪NN‬ت أطراف‪NN‬ه‬
‫للحمام‪ .‬شعر بالعجز تجاهها لدرجة أنه لم يحاول أبًدا المكافحة‪ .‬كانت تمتلكه‪ .‬في بعض األحيان‪ ،‬ح‪NN‬اول‬
‫بشدة االعتراض على شهواتها الدمارية‪ ،‬ولكنها جعلته مطيًعا كالصفصاف‪ .‬تحت األنظار المظلمة له‪NN‬ذه‬
‫الفتاة‪ ،‬تذوب أقوى القرارات الخاصة به أسرع من الثلج تحت شمس أبريل‪ .‬كانت تعذبه‪ ،‬لكنها كانت لها‬
‫القدرة على جعله ينسى كل شيء بابتسامة أو دمعة أو قبلة‪ .‬بعيًدا عن المستحيل‪ ،‬يع‪N‬ود العق‪N‬ل في ف‪NN‬ترات‬
‫متباعدة‪ ،‬وفي لحظاته الواعية‪ ،‬يقول لنفسه‪:‬‬
‫"إنها ال تحبني‪ .‬إنها تتسلية على حسابي!" ولكن االعتق‪NN‬اد في حبه‪NN‬ا انطب‪NN‬ع بش‪NN‬دة في قلب‪NN‬ه لدرج‪NN‬ة أن‪NN‬ه لم‬
‫يس‪NN‬تطع اقتالع‪NN‬ه‪ .‬جع‪NN‬ل نفس‪NN‬ه وحًش ا من الغ‪NN‬يرة‪ ،‬ومن ثم تج‪NN‬ادل نفس‪NN‬ه بش‪NN‬أن وفائه‪NN‬ا‪ .‬في العدي‪NN‬د من‬
‫المناسبات‪ ،‬كان لديه أسباب قوية للشك في ثباتها‪ ،‬ولكن‪NN‬ه لم يكن لدي‪NN‬ه الش‪NN‬جاعة إلعالن ش‪NN‬كوكه‪" .‬إذا لم‬
‫أكن مخطًئا‪ ،‬فسوف يتعين علي الرحيل عنه‪NN‬ا"‪ ،‬فك‪NN‬ر في نفس‪NN‬ه‪" ،‬أو أن أقب‪NN‬ل ك‪NN‬ل ش‪NN‬يء في المس‪NN‬تقبل‪".‬‬
‫عندما يفكر في االنفصال عن جولييت‪ ،‬يرتجف‪ ،‬ويشعر بأن عاطفته قوية بم‪NN‬ا يكفي إلجب‪NN‬اره على تقب‪NN‬ل‬
‫أدنى إهانة‪ .‬حتى هذه الشكوك المحطمة للقلب‪ ،‬يفضلها على اليقين األكثر رعًبا‪.‬‬
‫تواجد الخادمة الذي استغرق وقتا طويال في ترتيب طاول‪NN‬ة الش‪NN‬اي منح نوي‪NN‬ل فرص‪NN‬ة الس‪NN‬تعادة توازن‪NN‬ه‪.‬‬
‫نظر إلى جولييت؛ وغادر غضبه‪ .‬بدأ يتساءل بالفعل عما إذا كان قد تعامل بقسوة معها‪ .‬عن‪NN‬دما انس‪NN‬حبت‬
‫شارلوت‪ ،‬جاء وجلس على الديوان بجانب عشيقته‪ ،‬وحاول أن يضع ذراعيه حولها‪ .‬قال بن‪NN‬برة مداعب‪NN‬ة‪:‬‬
‫"تعالي"‪ ،‬قد غضبت بما فيه الكفاي‪N‬ة ه‪N‬ذا المس‪N‬اء‪ .‬إذا ك‪N‬ان هن‪N‬اك خط‪N‬أ‪ ،‬فق‪N‬د ع‪N‬وقبت بم‪N‬ا يكفي‪ .‬قبلي‪N‬ني‪،‬‬
‫واصنعي الصلح‪".‬‬
‫دفعته بغضب وقالت بنبرة جافة ‪" -‬اتركيني! مرات عدة يجب أن أخبرك أنني أش‪NN‬عر بالراح‪NN‬ة ج‪NN‬دا ه‪NN‬ذا‬
‫المساء‪".‬‬
‫"أتعانين‪ ،‬حبيبتي؟" استأنف المحامي "أين؟ هل أستدعي الطبيب؟"‬
‫"ليس هناك حاجة‪ .‬أعرف طبيعة مرضي؛ يس‪NN‬مى المل‪NN‬ل‪ .‬أنت لس‪NN‬ت الط‪NN‬بيب ال‪NN‬ذي يمكن أن يفع‪NN‬ل ش‪NN‬يئا‬
‫بالنسبة لي‪".‬‬
‫نهض نويل بمظهر محبط وأخذ مكانه بجانب طاولة الش‪NN‬اي مواجه‪NN‬ا له‪NN‬ا‪ .‬أظه‪NN‬ر استس‪NN‬المه كي‪NN‬ف اعت‪NN‬اد‬
‫على هذه الرفض‪ .‬رفضت جولييت إياه؛ لكنه عاد دائًم ا مثل الكلب المسكين الذي ينتظر طوال اليوم وقًتا‬
‫لن تكون فيه مداعباته غير مناسبة‪ .‬قال "لقد أخبرتني كثيًر ا خالل األشهر القليلة الماضية أنني أزعج‪NN‬ك‪.‬‬
‫ماذا فعلت؟"‬
‫"ال شيء‪".‬‬
‫هال‪ ،‬إذن ‪،‬لماذا ‪-‬؟‬
‫“حياتي ليست أكثر من َنْذ هً مستمًر ا”‪ ،‬أجابت الفتاة الشابة‪” .‬هل هذا لذنبي؟ هل تعتقد أنه مسٍل للغاية أن‬
‫تكون عشيقتك؟ انظر إلى نفسك‪ .‬هل يوجد كائن آخر حزين كم‪N‬ا أنت ‪ ،‬ومم‪N‬ل كم‪N‬ا أنت ‪ ،‬وغ‪N‬ير مرت‪N‬اح‬
‫كما أنت ‪،‬وآكل لشك أكبر مما أنت عليه!”‬

‫“استقبالك لي ‪ ،‬عزيزتي جولييت” ‪ ،‬جرأ نويل “كاٍف إلطف‪NN‬اء البهج‪NN‬ة وتجمي‪NN‬د ك‪NN‬ل االنفع‪NN‬ال‪ .‬ثم يخ‪NN‬اف‬
‫المرء دائًم ا عندما يحب!”‬

‫“حق‪NN‬ا! إذن يجب البحث عن ام‪NN‬رأة تناس‪NN‬ب الش‪NN‬خص ‪ ،‬أو ص‪NN‬نعها حس‪NN‬ب الطلب ؛ أغلقه‪NN‬ا في القب‪NN‬و ‪،‬‬
‫واصعد بها مرة واحدة في اليوم ‪ ،‬في نهاية العشاء ‪ ،‬أو مع الشامبانيا فقط للتسلية”‪.‬‬

‫"كان من األفضل بالنسبة لي أال آتي" ‪ ،‬همس المحامي‪.‬‬

‫"بالطبع‪ .‬يجب أن أبقى وحدي هنا ‪ ،‬دون أي شيء لشغل وقتي إال سيجارة وكتاب غبي ‪ ،‬أنا أنام فوق‪NN‬ه؟‬
‫هل تسمي هذا وجوًدا ‪ ،‬دون التحرك من المنزل حتى؟"‬
‫"هي حياة جميع النساء المحترمات اللواتي أعرفهن" ‪ ،‬رد المحامي بجفاء‪.‬‬

‫"إذن ال أستطيع مدحهن على متعتهن‪ .‬حسًنا ‪ ،‬على الرغم من ذلك ‪ ،‬أنا لست امرأة محترمة ‪ ،‬ويمكن‪NN‬ني‬
‫أن أخبرك أنني متعبة من العيش مغلقة بشكل أوثق من زوجة التركي ‪ ،‬مع وجهك لوحده للتسلية"‪.‬‬
‫"تعيشين مغلقة ‪ ،‬أنت؟"‬

‫"بالتأكيد!" واصلت جولييت ‪ ،‬بمرارة متزايدة‪" .‬تعال ‪ ،‬هل جلبت أحد أصدقائك هنا؟ ال ‪ ،‬تخفيني‪ .‬متى‬
‫عرضت علي ذراعك للتمشية؟ أبدا ‪ ،‬س‪N‬يتلوث كرامت‪N‬ك ‪ ،‬إذا رأوك في رفق‪N‬تي‪ .‬يوج‪N‬د ل‪N‬دي س‪N‬يارة‪ .‬ه‪N‬ل‬
‫دخلتها نصف دوزين مرة؟ ربما‪ .‬لكن بعد ذلك تنزل الستائر! أخرج وحيدة‪ .‬أتمشى وحيدة!"‬
‫"دائًم ا نفس األغنية المعادة" ‪ ،‬قاطع نويل ‪ ،‬والغضب يسيطر عليه ‪" ،‬دائًم ا هذه الشكاوى غير الم‪NN‬بررة‪.‬‬
‫كما لو أنك ما زلت تتعلمين السبب الذي يجعل هذه الحالة موجودة"‪.‬‬

‫"أعرف جيًدا" ‪ ،‬تابعت الفتاة الشابة ‪" ،‬أنك تخجل مني‪ .‬ومع ذلك ‪ ،‬أعرف الكثير من األشخاص األك‪NN‬بر‬
‫منك ‪ ،‬الذين ال يهتمون بأن يروني مع عشيقاتهم‪ .‬يرتعد سيدي السمه العظيم جيردي الذي قد ألوث‪N‬ه ‪ ،‬في‬
‫حين أن أبناء أشراف العائالت ليسوا خائفين من إظهار أنفسهم في األماكن العامة في رفقة أغبى النس‪NN‬اء‬
‫المدلالت"‪.‬‬

‫في النهاية لم يستطع نويل تحملها ألكثر من ذلك ‪ ،‬لسعادة كبيرة لمدام شافور‪.‬‬

‫"لقد انتهت هذه االتهامات المتبادلة!" صرخ وهو يرتفع‪" .‬إذا كنت أخفي عالقاتنا ‪ ،‬فهذا ألن‪NN‬ني مض‪NN‬طر‬
‫للقيام بذلك‪ .‬ما هي شكواك؟ لديك حرية غير مقيدة‪ .‬وتستخدمينها أيًض ا ‪ ،‬وبشكل كبير لدرج‪NN‬ة أن أفعال‪NN‬ك‬
‫تهرب مني تماًم ا‪ .‬تتهمينني بخلق فراغ حولك‪.‬‬

‫من المالم؟ هل ضجرت من وجود سعيد وهادئ؟ كان أصدقائي سيأتون لزيارتنا في م‪NN‬نزل يتناس‪NN‬ب م‪NN‬ع‬
‫إمكانيات متواضعة‪ .‬هل يمكنني إحضارهم هنا؟ عند رؤية كل هذه الرفاهي‪NN‬ة ‪ ،‬وه‪NN‬ذا الع‪NN‬رض المغ‪NN‬رور‬
‫من حماقتي ‪ ،‬فسوف يسأل بعضهم البعض عن المك‪NN‬ان ال‪NN‬ذي حص‪NN‬لت في‪NN‬ه على ك‪NN‬ل الم‪NN‬ال ال‪NN‬ذي أنفقت‪NN‬ه‬
‫عليِك ‪ .‬قد أكون لدي عشيقة ‪ ،‬لكن ليس ل‪NN‬دي الح‪NN‬ق في إه‪NN‬دار ث‪NN‬روة ال تنتمي لي‪ .‬إذا علم أص‪NN‬دقائي غ‪ًNN‬دا‬
‫أنني الذي يعتني بك ‪ ،‬فسوف تتدمر فرصي في المستقبل‪ .‬أي عميل سيثق بمص‪NN‬الحه لإلمع‪NN‬ة ال‪NN‬ذي أفق‪NN‬ر‬
‫نفسه للمرأة التي كانت موضع حديث ك‪N‬ل ب‪N‬اريس؟ أن‪N‬ا لس‪N‬ت شخًص ا عظيًم ا ‪ ،‬ليس ل‪N‬دي اس‪N‬م ت‪N‬اريخي‬
‫لتشويهه ‪ ،‬وال ثروة هائلة لخسارتها‪ .‬أنا مجرد نويل جيردي ‪ ،‬محام‪ .‬سمعتي هي كل م‪NN‬ا أمل‪NN‬ك‪ .‬أع‪NN‬ترف‬
‫أنها خاطئة‪ .‬على الرغم من ذلك ‪ ،‬يجب علي االحتفاظ بها ‪ ،‬وسأحتفظ بها"‪.‬‬
‫جولييت التي كانت تعرف نويل بشكل جيد ‪ ،‬رأت أنها ذهبت بعيًدا بما يكفي‪ .‬لذلك ‪ ،‬ق‪NN‬ررت إعادت‪NN‬ه إلى‬
‫مزاج جيد مرة أخرى‪" .‬صديقي" ‪ ،‬قالت بحنان ‪" ،‬لم أرد إزعاجك‪ .‬يجب أن تكون متسامًحا ‪ ،‬أن‪NN‬ا س‪NN‬يئة‬
‫الطبع للغاية هذا المساء"‪.‬‬
‫هذا التغيير المفاجئ أسعد المحامي ‪ ،‬وكاد يكفي لتهدئة غضبه‪" .‬ستجعليني أجن جنون ‪ًN‬ا بظلم‪NN‬ك" ‪ ،‬ق‪NN‬ال‪.‬‬
‫"بينما أستنفد مخيلتي إليجاد ما يمكن أن يرضيك ‪ ،‬أنت تهاجم باستمرار جديتي‪ .‬وم‪NN‬ع ذل‪NN‬ك ‪ ،‬لم يمض‪NN‬ي‬
‫أكثر من ثمان وأربعين ساعة منذ أن غرقنا في كل مرح عيد الكرنفال‪ .‬احتفلت بعيد الثالثاء الكب‪NN‬ير مث‪NN‬ل‬
‫الطالب‪ .‬ذهبنا إلى مسرح‪ .‬ثم لبست ثوًبا ‪ ،‬ورافقتك إلى حفلة الرقص في األوبرا ‪ ،‬وح‪NN‬تى دع‪NN‬وت اث‪NN‬نين‬
‫من أصدقائي لتناول العشاء معنا"‪.‬‬
‫"كان ممتًعا حًقا!" أجابت الفتاة الشابة ‪ ،‬وهي تعمل وجًها ممتقًعا‪" .‬أعتقد ذلك"‪.‬‬
‫"أتفعلين! ثم لست صعبة اإلرضاء‪ .‬ذهبنا إلى فودفيل ‪ ،‬وهذا ص‪NN‬حيح ‪ ،‬لكن بش‪N‬كل منفص‪NN‬ل ‪ ،‬كم‪N‬ا نفع‪N‬ل‬
‫دائًم ا ‪ ،‬أنا وحدي في األعلى ‪ ،‬أنت في األسفل‪ .‬في الحفلة بديِت كما لو أن‪NN‬ك ت‪NN‬دفنين الش‪NN‬يطان‪ .‬في مائ‪NN‬دة‬
‫العشاء ‪ ،‬كان أص‪NN‬دقاؤك متك‪NN‬ئين ك‪NN‬زوج من الب‪NN‬وم‪ .‬أطعت أوام‪NN‬رك بتظ‪NN‬اهري ب‪NN‬أنني ال أعرف‪NN‬ك تقريًب ا‪.‬‬
‫شربِت مثل اإلسفنجة ‪ ،‬دون أن أتمكن من معرفة ما إذا كنت سكرانا أم ال"‪.‬‬
‫"هذا يثبت" ‪ ،‬قاطع نويل ‪" ،‬أنه يجب علينا أال نفرض أذواقنا‪ .‬دعنا نتحدث عن شيء آخر"‪.‬‬
‫خطا بضع خطوات في الغرفة ‪ ،‬ثم نظر إلى ساعته وقال‪" :‬تقريًبا الس‪NN‬اعة الواح‪NN‬دة ؛ حبيب‪NN‬تي ‪ ،‬يجب أن‬
‫أتركك"‪.‬‬
‫"ماذا! لن تبقى؟"‬
‫"ال ‪ ،‬ألسفي الشديد‪ .‬أمي مريضة بخطورة"‪.‬‬
‫كشف وعّد األوراق النقدية التي تلقاها من الطاباري العجوز على الطاولة‪.‬‬
‫"يا جولييت الصغيرة" ‪ ،‬قال ‪" ،‬هنا ليس ثمانية آالف فرنك ‪ ،‬ب‪NN‬ل عش‪NN‬رة آالف‪ .‬لن ترين‪NN‬ني م‪NN‬رة أخ‪NN‬رى‬
‫لبضعة أيام"‪.‬‬
‫"هل تغادر باريس إذن؟"‬
‫"ال‪ .‬لكن وق‪NN‬تي بالكام‪NN‬ل س‪NN‬يمتص في ش‪NN‬أن ذو أهمي‪NN‬ة هائل‪NN‬ة بالنس‪NN‬بة لي‪ .‬إذا نجحت في مؤسس‪NN‬تي ‪،‬‬
‫عزيزتي ‪ ،‬فإن سعادتنا المستقبلية مؤمنة ‪ ،‬وسترين بعد ذلك ما إذا كنت أحبك!"‬
‫"يا حبيبي نويل‪ ،‬قل لي ما هو عليه‪" ".‬ال أستطيع حالًيا‪".‬‬
‫"أرجوك قل لي"‪ ،‬توسلت الشابة المعَّلقة على عنقه‪ ،‬ورفعت نفسها على أصابع ق‪NN‬دميها لتض‪NN‬غط ش‪NN‬فتيها‬
‫على شفتيه‪ .‬عانقها الدعوة‪ ،‬وبدا أن عزمه يتزعزع‪.‬‬
‫"ال"‪ ،‬قال في النهاية‪" ،‬بشكل جدي‪ ،‬ال أستطيع‪ .‬ما هو الفائدة من إيقاظ اآلمال فيك التي ال يمكن تحقيقها‬
‫أبًدا؟ اآلن‪ ،‬يا حبيبتي‪ ،‬اسمعي لي‪ .‬مهما حدث‪ ،‬يجب عليك بأي حال من األحوال عدم العودة مرة أخرى‬
‫إلى منزلي‪ ،‬كما فعلت مرة واحدة بتهور‪ .‬ال تكتبي لي حتى‪ .‬بعدم االنصياع‪ ،‬يمكن أن تتسببي في إلح‪NN‬اق‬
‫ضرر ال يعوض بي‪ .‬إذا حدث أي حادث‪ ،‬أرسلي العج‪NN‬وز كل‪NN‬يرجو إلي‪ .‬س‪NN‬يزورني في الي‪NN‬وم ال‪NN‬ذي يلي‬
‫غًدا‪ ،‬ألنه يمتلك بعض الفواتير الخاصة بي‪".‬‬
‫انتفضت جولييت‪ ،‬وهددت نويل بإيماءة متمردة‪" .‬لن تخبرني شيًئا؟" أصرت‪.‬‬
‫"ليس هذا المساء‪ ،‬ولكن قريًبا جًدا"‪ ،‬أجاب المحامي‪ ،‬محرًج ا من نظرة عشيقته الحادة‪.‬‬
‫"دائًم ا بعض الغموض!" صاحت جولييت‪ ،‬مستفزة من عدم نجاح رقتها‪.‬‬
‫"هذا سيكون األخير‪ ،‬أقسم لك!"‬
‫"نويل‪ ،‬يا رجلي الطيب"‪ ،‬قالت الشابة بصوت جاد‪" ،‬أنت تخبئ شيًئا عني‪ .‬أن‪NN‬ا أفهم‪NN‬ك‪ ،‬كم‪NN‬ا تعلم؛ ألن‪NN‬ه‬
‫منذ عدة أيام هناك شيء ما يحدث معك‪ ،‬لقد تغيرت تماًم ا‪".‬‬
‫"أقسم لك‪ ،‬جولييت ‪"-‬‬
‫"ال‪ ،‬ال تقسم بشيء؛ فلن أصدقك‪ .‬فقط تذكر‪ ،‬ال تحاول خداعي‪ ،‬أنا امرأة قادرة على االنتقام‪".‬‬
‫كان المحامي بوضوح غير مرتاح‪" .‬الشأن المذكور"‪ ،‬تلعثم‪" ،‬يمكن أن يفشل بنفس القدر الذي يمكن أن‬
‫ينجح‪".‬‬
‫"كفى"‪ ،‬قاطعت جولييت؛ "سيتم االمتثال إلرادتك‪ .‬أنا أعدك بذلك‪ .‬تع‪NN‬ال‪ ،‬س‪NN‬يدي‪ ،‬قّبل‪NN‬ني‪ .‬أن‪NN‬ا ذاهب‪NN‬ة إلى‬
‫الفراش‪".‬‬
‫لم يكن الباب قد ُأغلق عندما جلست شارلوت على الكنبة ب‪NN‬القرب من س‪NN‬يدتها‪ .‬ل‪NN‬و ك‪NN‬ان المح‪NN‬امي يس‪NN‬تمع‬
‫عند الباب‪ ،‬لربما سمع مدام جولييت تقول‪" :‬ال‪ ،‬حًقا‪ ،‬ال أستطيع أن أحمل‪NN‬ه بع‪NN‬د اآلن‪ .‬إن‪NN‬ه مم‪NN‬ل ج‪ًNN‬دا‪ ،‬ي‪NN‬ا‬
‫فتاتي‪ .‬أه! لو لم أكن خائفة منه‪ ،‬ألتركه على الفور؛ ولكنه قادر على قتلي!"‬
‫ح‪NN‬اولت الفت‪NN‬اة دفاًع ا عن نوي‪NN‬ل‪ ،‬لكن س‪NN‬يدتها لم تس‪NN‬تمع‪ .‬همس‪NN‬ت‪" :‬لم‪NN‬اذا يغيب عن الحض‪NN‬ور‪ ،‬وم‪NN‬ا ه‪NN‬و‬
‫مخططه؟ غياب لمدة ثمانية أيام مريب‪ .‬هل ين‪NN‬وي ال‪NN‬زواج ب‪NN‬أي ح‪NN‬ال من األح‪NN‬وال؟ أه‪ ،‬ل‪NN‬و علمت! إن‪NN‬ك‬
‫ترهقني حتى الموت‪ ،‬نويل الطيب‪ ،‬وقررت أن أترك‪NN‬ك لنفس‪NN‬ك في أح‪NN‬د ه‪NN‬ذه األي‪NN‬ام الجميل‪NN‬ة؛ ولكن‪NN‬ني ال‬
‫أستطيع السماح لك بمغادرتي أوال‪ .‬فلو افترضنا أنه ين‪N‬وي ال‪N‬زواج؟ ولكن‪N‬ني لن أس‪N‬مح ب‪N‬ذلك‪ .‬يجب علّي‬
‫االستفسار‪".‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬لم يكن نويل يستمع عند الباب‪ .‬س‪N‬ار في ش‪N‬ارع دو بروف‪NN‬ونس بأس‪N‬رع م‪N‬ا يمكن‪ ،‬ووص‪NN‬ل إلى‬
‫شارع سانت الزار‪ ،‬ودخل المنزل كما خرج‪ ،‬من باب الحظيرة‪ .‬لم يكن قد جلس في مكتبه إال للحظات‪،‬‬
‫عندما طرقت الخادمة الباب‪.‬‬
‫"سيدي"‪ ،‬صاحت‪" ،‬أجبني باسم هللا!‪".‬‬
‫فتح الباب بعدما تضايق‪" :‬ماذا؟"‬
‫"سيدي"‪ ،‬تلعثمت الفتاة بالبكاء‪" ،‬ه‪NN‬ذه هي الم‪NN‬رة الثالث‪NN‬ة ال‪NN‬تي أط‪NN‬رق فيه‪NN‬ا‪ ،‬ولم تجيب‪ .‬تع‪NN‬ال‪ ،‬أرج‪NN‬وك‪.‬‬
‫أخشى أن تكون السيدة محتضرة!"‬
‫تبعها إلى غرفة مدام جيردي‪ .‬يجب أن يكون وجد الفقيرة تغيًرا فادًح ا‪ ،‬ألنه لم يتمكن من احت‪NN‬واء حرك‪NN‬ة‬
‫الرعب‪ .‬تكافح المريضة بصعوبة تحت غطائها‪ .‬ك‪N‬ان وجهه‪N‬ا ش‪N‬احًبا بش‪N‬كل ليفي‪ ،‬كم‪N‬ا ل‪N‬و لم يكن هن‪N‬اك‬
‫نقطة دم في أوردتها؛ وكانت عيناها‪ ،‬التي تلمع بضوء مظلم‪ ،‬مليئة بالغبار الناعم‪ .‬شعرها‪ ،‬ال‪NN‬ذي تركت‪NN‬ه‬
‫على خديهاوعلى كتفيها‪ ،‬مساهم في ظهورها البريء‪ .‬تنطق بين الحين واآلخر ب‪NN‬أنين معت‪NN‬دل‪ ،‬أو تت‪NN‬ذمر‬
‫كلمات غير مفهومة‪ .‬في بعض األحيان‪ ،‬تجبره‪NN‬ا آالم أش‪NN‬د من الس‪NN‬ابق على إطالق ص‪NN‬رخة من األلم‪ .‬لم‬
‫تتعرف على نويل‪.‬‬
‫"ترى يا سيدي"‪ ،‬قالت الخادمة‪.‬‬
‫"نعم‪ ،‬من كان يتوقع أن يتق‪NN‬دم مرض‪NN‬ها به‪NN‬ذه الس‪NN‬رعة؟ س‪NN‬رعة‪ ،‬اذهب إلى ال‪NN‬دكتور ه‪NN‬يرف‪ ،‬ق‪NN‬ل ل‪NN‬ه أن‬
‫يستيقظ ويأتي على الفور‪ ،‬قل له إنها من أجلي‪ ".‬وجلس في كرسي مريح‪ ،‬يواجه المرأة المعانية‪.‬‬
‫الدكتور هيرف كان أحد أصدقاء نويل‪ ،‬زميل دراسة قديم‪ ،‬ورفيق أيام الطالب‪ .‬لم تختلف حي‪NN‬اة الط‪NN‬بيب‬
‫عن حياة معظم الشباب الذين دخلوا ممارسة المهنة األص‪N‬عب واألك‪N‬ثر خط‪N‬ورة في ب‪N‬اريس‪ ،‬حيث ي‪N‬رى‬
‫الشخص العديد من األطباء الشباب الموهوبين مضطرين لكسب لقمة العيش بتقديم خدماتهم للتجار الذين‬
‫يروجون المخدرات‪ .‬كان هيرف رجًال شجاًعا ومعتم‪ًN‬دا على نفس‪N‬ه بش‪N‬كل الفت‪ ،‬وبع‪N‬د انته‪N‬اء دراس‪N‬ته‪،‬‬
‫قال لنفسه‪" :‬ال‪ ،‬لن أذهب وأدفن نفسي في الريف‪ ،‬سأبقى في باريس‪ ،‬سأص‪NN‬بح مش‪NN‬هوًرا هن‪NN‬اك‪ .‬س‪NN‬أكون‬
‫جراح رئيسي في مستشفى‪ ،‬وفارس في ليجيون دونور‪".‬‬
‫للدخول في هذا المسار الشائك الذي يؤدي إلى قوس االنتصار الرائع‪ ،‬أدخل األكاديمي المس‪NN‬تقبلي نفس‪NN‬ه‬
‫في ديون بقيمة عشرين ألف فرنك لت‪N‬أثيث ش‪N‬قة ص‪N‬غيرة‪ .‬هن‪N‬ا‪ ،‬ومجه‪ًN‬ز ا بص‪NN‬بر ال يعيق‪N‬ه ش‪N‬يء‪ ،‬وق‪NN‬رار‬
‫حديدي ال يمكن اإلطاحة به‪ ،‬كافح وانتظر‪ .‬يفهم هذا العذاب الذي يتحمل‪NN‬ه الفق‪NN‬ير الفخ‪NN‬ور فق‪NN‬ط من خالل‬
‫تجربته! إن التكنولوجيا المتطورة ظلمت األش‪NN‬خاص وع‪NN‬اقبتهم بط‪NN‬رق أقس‪NN‬ى من وحش‪NN‬ية البري‪NN‬ة‪ .‬يجب‬
‫على الطبيب المجهول البدء بخدمة الفقراء الذين ال يس‪NN‬تطيعون دف‪NN‬ع تكاليف‪NN‬ه‪ .‬في بعض األحي‪NN‬ان‪ ،‬يك‪NN‬ون‬
‫المريض غير ممتن‪ ،‬وهو متهور بالوعود أثناء الخطر؛ لكنه عندما يتع‪NN‬افى‪ ،‬يس‪NN‬تهزئ ب‪NN‬الطبيب وينس‪NN‬ى‬
‫دفع أجرته‪.‬‬
‫بعد سبع سنوات من الثبات البطولي‪ ،‬حقق ه‪NN‬يرف أخ‪NN‬يًرا دائ‪NN‬رة من المرض‪NN‬ى ال‪NN‬ذين ي‪NN‬دفعون ل‪NN‬ه‪ .‬خالل‬
‫ذلك‪ ،‬عاش ودفع الفائدة المفرطة لديونه‪ ،‬لكنه يستمر في التقدم‪ .‬لقد لفت انتباه الجمه‪N‬ور بثالث‪N‬ة أو أربع‪N‬ة‬
‫كتيبات‪ ،‬وجائزة حصل عليها دون الكثير من المؤامرات‪ .‬لكن‪NN‬ه لم يع‪NN‬د الش‪NN‬اب المتحمس الش‪NN‬جاع‪ ،‬ال‪NN‬ذي‬
‫كان يملك اإليمان واألمل في زياراته األولى‪ .‬ال يزال يريد‪ ،‬وأكثر من ذلك‪ ،‬الحصول على التميز‪ ،‬لكن‪NN‬ه‬
‫لم يعد يتوقع أي متعة من نجاحه‪ .‬استنزف هذا الشعور في األيام التي لم يكن لديه ما يدفع به ثمن وجبته‪.‬‬
‫ال يهم مدى كبر ثروته في المستقبل‪ ،‬فقد دفع ثمًنا باهًظا للغاية‪ .‬بالنسبة ل‪NN‬ه‪ ،‬النج‪NN‬اح المس‪NN‬تقبلي ه‪NN‬و ن‪NN‬وع‬
‫من االنتق‪N‬ام‪ .‬عن‪N‬دما ال يتج‪N‬اوز عم‪N‬ره الخامس‪N‬ة والثالثين‪ ،‬فإن‪N‬ه مل‪N‬ل من الع‪N‬الم وال ي‪N‬ؤمن بش‪N‬يء‪ .‬وراء‬
‫مظهر اإلحسان العام‪ ،‬يخفي االزدراء العام‪ .‬أصبحت حساسيته‪ ،‬التي حَّد ها الش‪N‬دة‪ ،‬مؤذي‪N‬ة‪ .‬وبينم‪N‬ا ي‪N‬رى‬
‫من خالل كل األقنعة التي يرتديها اآلخرون‪ ،‬يخفي تماسكه بعناية تحت قناع النعومة والمرح‪ .‬لكنه طيب‬
‫القلب‪ ،‬يحب أصدقائه‪ ،‬ومخلص لهم‪.‬‬
‫وصل بجهد‪ ،‬وكان يرتدي مالبسه بسرعة كبيرة‪ .‬كانت أول كلماته عند دخوله‪" :‬ما األمر؟"‬
‫ضغط نويل يده بص‪NN‬مت‪ ،‬وكإجاب‪NN‬ة‪ ،‬أش‪NN‬ار إلى الس‪NN‬رير‪ .‬في أق‪NN‬ل من دقيق‪NN‬ة‪ ،‬أمس‪NN‬ك الط‪NN‬بيب بالمص‪NN‬باح‪،‬‬
‫فحص المرأة المريضة‪ ،‬وعاد إلى صديقه‪" .‬ماذا حدث؟" سأله بحدة‪" .‬من الضروري أن أعرف‪".‬‬
‫صدم المحامي من السؤال‪" .‬أعرف ماذا؟" تلعثم‪.‬‬
‫"كل شيء!" أجاب هيرف‪" .‬إنها تع‪NN‬اني من الته‪NN‬اب في المخ‪ .‬ال يمكن الخط‪NN‬أ به‪NN‬ذا‪ .‬إنه‪NN‬ا ليس‪NN‬ت ش‪NN‬كوى‬
‫شائعة‪ ،‬على الرغم من العمل المستمر لهذا العضو‪ .‬ما ال‪NN‬ذي يمكن أن يس‪NN‬بب ذل‪NN‬ك؟ ال يوج‪NN‬د إص‪NN‬ابة في‬
‫المخ أو غطاء العظم الخاص به‪ ،‬فاألذى يجب أن يكون ناجًم ا عن بعض العواطف العنيفة‪ ،‬حزًنا شديًدا‪،‬‬
‫كارثة مفاجئة‪"...‬‬
‫قاطعه نويل بإشارة‪ ،‬وجذب‪N‬ه إلى فتح‪N‬ة الناف‪N‬ذة‪" .‬نعم‪ ،‬ص‪N‬ديقي"‪ ،‬ق‪N‬ال بص‪N‬وت منخفض‪" ،‬لق‪N‬د تعرض‪N‬ت‬
‫السيدة جيردي أللم نفسي شديد‪ ،‬لقد تعرضت لتع‪N‬ذيب فظي‪N‬ع من الن‪N‬دم‪ .‬اس‪N‬تمع‪ ،‬ه‪N‬يرف‪ ،‬سأكش‪N‬ف س‪N‬رنا‬
‫لشرفك وصداقتك‪ .‬السيدة جيردي ليست والدتي؛ لقد سلبتني لتثري ابنها ب‪NN‬ثروتي واس‪NN‬مي‪ .‬اكتش‪NN‬فت ه‪NN‬ذا‬
‫الغش الذي ال يستحق منذ ثالثة أسابيع؛ تعرف ذلك‪ ،‬وترعبه‪NN‬ا النت‪NN‬ائج‪ .‬من‪NN‬ذ ذل‪NN‬ك الحين‪ ،‬ك‪NN‬انت تحتض‪NN‬ر‬
‫دقيقة بعد دقيقة‪".‬‬
‫توق‪NN‬ع المح‪NN‬امي أن يتلقى بعض التعجب‪NN‬ات وع‪NN‬دًدا كب‪NN‬يًرا من األس‪NN‬ئلة من ص‪NN‬ديقه‪ ،‬لكن الط‪NN‬بيب اس‪NN‬تقبل‬
‫التفسير بدون تعليق‪ ،‬كبيان بسيط‪ ،‬ضروري لفهم الحالة‪.‬‬
‫"ثالثة أسابيع"‪ ،‬همس‪" ،‬إًذ ا هذا يفسر كل شيء‪ .‬هل ظهرت عليها عالمات المعاناة خالل هذه الفترة؟"‬
‫"كانت تشكو من صداع عنيف‪ ،‬وضبابية في الرؤية‪ ،‬وآالم ال تطاق في أذنيها‪ ،‬ولكنها أرجعت ك‪NN‬ل ذل‪NN‬ك‬
‫إلى اإلمساك‪".‬‬
‫"ال تخفي عني شيًئا‪ ،‬هيرف‪ .‬هل حالتها خطيرة جًدا؟"‬
‫"جًدا خطيرة‪ ،‬يا صديقي‪ ،‬ومميتة بشكل ال يتغير‪ ،‬حتى إني أشعر ب‪N‬أني أق‪NN‬وم بمهم‪N‬ة مي‪N‬ؤوس منه‪N‬ا عن‪N‬د‬
‫محاولة العالج‪".‬‬
‫"أيها هللا العظيم!"‬
‫"لقد طلبت الحقيقة‪ ،‬وقد قلت لك‪ .‬لو كان بإمكاني الشجاعة‪ ،‬فهذا ألن‪NN‬ك أخبرت‪NN‬ني أن ه‪NN‬ذه الس‪NN‬يدة الفق‪NN‬يرة‬
‫ليست والدتك‪ .‬ال شيء قصير من المعجزة يمكن أن ينقذها؛ ولكن ه‪NN‬ذا المعج‪NN‬زة يمكن أن نأم‪NN‬ل ونس‪NN‬تعد‬
‫له‪ .‬واآلن للعمل!"‬
‫الفصل ‪6‬‬
‫كان ساعة محطة سانت الزار تدق الحادية عشر عندما غادر السيد تاباريه بعد توديعه نويل‪ ،‬وما زال‬
‫محتاًر ا بما سمعه للتو‪ .‬لزم عليه‪ ،‬في الوقت المناسب‪ ،‬ضبط نفسه‪ ،‬لكنه اآلن يقدر بشكل كامل حريته‬
‫في العمل‪ .‬وكان يتمايل بسعادة‪ ،‬ولكنه في الوقت نفسه يشعر بالدوار من تعاقب هذه الكشوفات غير‬
‫المتوقعة‪ ،‬التي ضمنها بصورة مفاجئة كمية كبيرة من الحقيقة‪.‬‬

‫على الرغم من إسراعه للوصول إلى السيد دابورون‪ ،‬إال أنه لم يأخذ سيارة أجرة‪ ،‬بل شعر بضرورة‬
‫المشي‪ .‬فهو من األشخاص الذين يحتاجون إلى ممارسة الرياضة ليرى األشياء بوضوح‪ .‬عندما يتحرك‪،‬‬
‫تتم مطابقة أفكاره وتصنيفها في دماغه‪ ،‬تماًم ا كحبوب القمح عندما يهتزون في البوشل‪.‬‬

‫وصل إلى شارع شوزيه دانتان بخطوات ثابتة دون عجل‪ ،‬وعبر البوليفار الذي يضم مقاهيه المشرقة‪،‬‬
‫وتوجه إلى شارع ريشيليو‪ .‬كان يمشي بدون وعي تجاه األشياء الخارجية‪ ،‬يتعثر ويتقلب على تضاريس‬
‫الرصيف‪ ،‬أو ينزلق على األرصفة الدهنية‪ .‬إذا اتبع الطريق الصحيح‪ ،‬فإنه كان يتحرك بنابض‬
‫ميكانيكي يهديه‪ .‬كان عقله يتجول عشوائًيا في حقل االحتماالت‪ ،‬ويتبع الخيط الغامض‪ ،‬الذي امسك به‬
‫بصورة شبه غير ملحوظة في ال جونشير‪.‬‬

‫مثل جميع األشخاص الذين يعانون من العواطف القوية دون أن يدركوا ذلك‪ ،‬كان يتحدث بصوت عاٍل ‪،‬‬
‫دون أن يفكر في اآلذان الغير محترمة التي قد تسمع حديثه وعباراته المنفصلة‪ .‬في كل خطوة‪ ،‬نلتقي في‬
‫باريس بأشخاص يتحدثون إلى أنفسهم‪ ،‬ويكشفون بال وعي ألربعة رياح سراياهم األسرار األعمق‪ ،‬مثل‬
‫القوارير المكسورة التي تسمح لمحتوياتها بالفرار‪ .‬غالًبا ما يخطئ األشخاص الذين يمرون بجانب‬
‫هؤالء المتحدثين بمونولوجاتهم الغريبة بالنسبة للمجانين‪ .‬وأحياًنا يتبع المتطفلون هؤالء الحديثين‬
‫المنفردين‪ ،‬ويمتعون أنفسهم باالستماع إلى تلك االعترافات الغريبة‪ .‬وكانت هذه الفضيحة من هذا النوع‬
‫هي التي أفشت سر انهيار ريسكارا‪ ،‬البنكير الثري‪ .‬وكذلك كان المبريث‪ ،‬القاتل في شارع فينيس‪ ،‬قد‬
‫خان نفسه بنفس الطريقة‪.‬‬
‫صرخ السيد تاباريه العجوز‪" :‬ما هذه الحّظة السعيدة! ما هذا الحظ العجيب! يمكن لجيفرول أن يختلف‬
‫معي‪ ،‬لكن الحظ هو العامل األذكى في الشرطة‪ .‬من الذي كان سيتخيل مثل هذه القصة؟ لم أكن‪ ،‬ومع‬
‫ذلك‪ ،‬بعيًدا عن الواقع‪ .‬تخّم نت أن هناك طفًال في القضية‪ .‬ولكن من سيتخيل استبدال الطفل؟ هذا مثال‬
‫بارز على خطورة اتباع األفكار المسبقة في التحقيق الشرطي‪ .‬نخاف من عدم المألوف ؛ وكما في هذه‬
‫الحالة‪ ،‬يثبت العدم المألوف األكبر في العديد من األحيان أنه الحقيقة‪ .‬نتراجع أمام السخافة‪ ،‬ومن‬
‫المفروض أن ندرس السخافة‪ .‬كل شيء ممكن‪ .‬لن أتخلى عن ألف تاجر على ما تعلمته هذا المساء‪.‬‬
‫سأقوم بقتل طائرين بحجر واحد‪ .‬سُأسِّلم المجرم‪ ،‬وسُأعيد نويل إلى الواجهة ليستعيد لقبه وثروته‪ .‬هناك‪،‬‬
‫على األقل‪ ،‬شخص يستحق ما سيحصل عليه‪ .‬هذه المرة‪ ،‬لن أشعر باألسف لرؤية شاب ينجح‪ ،‬الذي‬
‫ترعرع في مدرسة الشدائد‪ .‬لكن‪ ،‬عفًو ا! سيكون مثل كل اآلخرين‪ .‬ستدور رأسه بسبب االزدهار‪.‬‬
‫بالفعل‪ ،‬بدأ يتحدث عن أسالفه‪ ... .‬فقير البشرية‪ ،‬كاد يجعلني أضحك‪".‬‬
‫لكنه تفاجأ أكثر بالسيدة جيردي األم‪ .‬امرأة كنت سأعفو عنها بدون االنتظار لسماع اعترافها‪ .‬عندما‬
‫أفكر في أنني كنت على وشك االقتراح لها‪ ،‬جاهًز ا للزواج بها! بررر! في هذا الفكر‪ ،‬هز العجوز‬
‫رأسه‪ .‬رأى نفسه متزوًج ا‪ ،‬وفجأة‪ ،‬اكتشف سابقة أعمال السيدة تاباريه‪ ،‬وأصبح متورًطا في محاكمة‬
‫مخجلة‪ ،‬ومهدًدا بالفضيحة واإلحراج‪.‬‬
‫واص‪NN‬ل الس‪NN‬يد تاباري‪NN‬ه العج‪NN‬وز‪" :‬عن‪NN‬دما أفك‪NN‬ر‪ "،‬واص‪NN‬ل "أن ص‪NN‬ديقي جيف‪NN‬رول يقف‪NN‬ز وراء الرج‪NN‬ل ذو‬
‫األقراط! اركض يا صبي‪ ،‬اركض! السفر شيء جيد للشباب‪ .‬ألن يكون غاضًبا؟ سيتمنى وفاتي‪ .‬لكني ال‬
‫أهتم‪ .‬إذا أراد أي ش‪N‬خص إي‪N‬ذائي‪ ،‬فس‪N‬يحميني الس‪N‬يد داب‪N‬ورون‪ .‬أحس‪N‬نت! هن‪N‬اك ش‪N‬خص أري‪N‬د أن أعم‪N‬ل‬
‫لصالحه‪ .‬أستطيع أن أراه اآلن‪ ،‬يفتح عينيه كالصحون‪ ،‬عندما أقول ل‪N‬ه 'لق‪N‬د وج‪N‬دت الل‪N‬ئيم!' س‪N‬يفخر ب‪N‬أن‬
‫يدين لي بشيء‪ .‬ستجلب هذه الدراسة له الشرف‪ ،‬إذا لم تكن العدالة هي العدالة‪ .‬س‪NN‬يتم تعيين‪NN‬ه على األق‪NN‬ل‬
‫ضابًطا في ليجيون دونور‪ .‬هذا أفضل! أنا أحبه‪ .‬إذا ك‪NN‬ان نائًم ا‪ ،‬فس‪NN‬أوقظه بطريق‪NN‬ة ممتع‪NN‬ة‪ .‬ألن يقه‪NN‬رني‬
‫باألسئلة؟ يريد أن يعرف كل شيء على الفور"‪.‬‬

‫توقف السيد تاباريه العجوز‪ ،‬الذي كان يعبر حالًيا جسر س‪NN‬ان ب‪NN‬ير‪ ،‬فج‪NN‬أة وق‪NN‬ال‪" :‬لكن التفاص‪NN‬يل!" ق‪NN‬ال‬
‫"بالفعل! ليس لدي أي تفاصيل‪ ،‬فقط أعرف الحقائق األساسية"‪ .‬ثم اس‪NN‬تأنف س‪NN‬يره وق‪NN‬ال‪" :‬هم على ح‪NN‬ق‬
‫في المكتب‪ ،‬أنا متحمٌس جًدا‪ ،‬أقفز إلى االستنتاجات‪ ،‬كما يقول جيفرول‪ .‬عندما كنت مع نويل‪ ،‬كان يجب‬
‫علّي التحقيق فيه‪ ،‬والحصول على كمية كبيرة من التفاصيل المفيدة‪ ،‬لكني لم أفكر حتى في ذلك‪ .‬ش‪NN‬ربت‬
‫من كالمه‪ .‬لقد كنت أريده أن يحكي القصة في جملة واحدة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬هو م‪NN‬ا ه‪NN‬و ع‪NN‬ادل؛ عن‪NN‬دما يتعقب‬
‫اإلنسان الغزال‪ ،‬ال يتوقف لقتل عص‪N‬فور‪ .‬لك‪N‬ني أرى اآلن بوض‪N‬وح‪ ،‬أن‪N‬ني لم أس‪N‬تخرج من‪N‬ه المعلوم‪N‬ات‬
‫الكافية‪ .‬من ناحية أخرى‪ ،‬من خالل االستجواب المتكرر له‪ ،‬كنت قد أيقظت الشكوك في عقل نويل‪ ،‬وقد‬
‫أدى ذلك إلى اكتشافه بأنني أعمل من أجل شارع القدس‪ .‬بالتأكيد‪ ،‬ال أخجل من ارتب‪NN‬اطي بالش‪NN‬رطة‪ ،‬ب‪NN‬ل‬
‫أنا فخور به‪ .‬ولكن في نفس الوقت‪ ،‬أفضل أال يعلم أحد بذلك‪ .‬الناس جاهلون جًدا‪ ،‬يكرهون الشرطة التي‬
‫تحميهم‪ ،‬لذلك يجب أن أكون هادًئا وأتصرف بأفضل طريقة ممكنة‪ ،‬ألنني اآلن في نهاية رحلتي"‪.‬‬
‫كان السيد دابورون قد ذهب للنوم‪ ،‬ولكنه أمر خادمه بالترتيبات‪ ،‬بحيث كان ل‪NN‬دى الس‪NN‬يد تاباري‪NN‬ه فق‪NN‬ط أن‬
‫يذكر اسمه‪ ،‬ليتم إيصاله على الفور إلى غرفة نوم المحقق العام‪ .‬عند رؤي‪NN‬ة المحق‪NN‬ق ه‪NN‬اوي ‪ ،‬ق‪NN‬ام الس‪NN‬يد‬
‫داب‪NN‬ورون من س‪NN‬ريره‪ ،‬ق‪NN‬ائًال‪" :‬هن‪NN‬اك ش‪NN‬يء غ‪NN‬ير ع‪NN‬ادي! م‪NN‬اذا اكتش‪NN‬فت؟ ه‪NN‬ل ل‪NN‬ديك أي مؤش‪NN‬ر؟"‬
‫"أفضل من ذلك"‪ ،‬أجاب الرجل العجوز‪ ،‬وهو يبتسم بالسعادة‪" .‬تحدث بسرعة!"‬

‫"أعرف الجاني!"‬
‫كان السيد تاباريه العجوز يجب أن يكون راضيًا ؛ فقد أنتج بالتأكيد تأثيًر ا‪ .‬قفز المحقق في سريره وق‪NN‬ال‪:‬‬
‫"هل هذا ممكن؟"‬
‫"لي شرف تكراره لكم‪ ،‬سيدي"‪ ،‬اس‪N‬تأنف الرج‪N‬ل العج‪N‬وز‪" ،‬أن‪N‬ا أع‪N‬رف م‪N‬رتكب جريم‪N‬ة ال جونش‪N‬ير‪".‬‬
‫"وأنا"‪ ،‬قال السيد دابورون‪" ،‬أعلنك أعظم محقق في ك‪NN‬ل األزم‪NN‬ان‪ ،‬الماض‪NN‬ية والمس‪NN‬تقبلية‪ .‬بالتأكي‪NN‬د‪ ،‬لن‬
‫أقوم بأي تحقيق مستقبلي بدون مساعدتك‪".‬‬
‫"أنت لطيف جًدا‪ ،‬سيدي‪ .‬لم يكن لدي القليل أو شيء أبًدا للقيام به في هذا األم‪NN‬ر‪ .‬االكتش‪NN‬اف يرج‪NN‬ع فق‪NN‬ط‬
‫إلى الص‪NNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNN‬دفة‪".‬‬
‫"أنت متواضع‪ ،‬السيد تاباريه‪ .‬الصدفة تساعد فق‪N‬ط األذكي‪N‬اء‪ ،‬وه‪N‬ذا م‪N‬ا ي‪N‬زعج األغبي‪N‬اء‪ .‬ولكن أرج‪N‬وك‪،‬‬
‫اجلس وت‪NNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNN‬ابع‪".‬‬
‫ثم بوضوح ودقة ال يعتقد الكثيرون أنه يمتلكهما‪ ،‬أعاد الرجل العجوز للمحق‪NN‬ق ك‪NN‬ل م‪NN‬ا تعلم‪NN‬ه من نوي‪NN‬ل‪.‬‬
‫ونقل االقتباسات من الرسائل من الذاكرة‪ ،‬تقريًبا دون تغيير كلمة‪.‬‬
‫"هذه الرسائل"‪ ،‬أضاف‪" ،‬رأيتها؛ ولقد أخذت حتى واحدة‪ ،‬للتحقق من الكتابة‪ .‬ها هي‪".‬‬
‫"نعم"‪ ،‬همس المحقق ‪" -‬نعم‪ ،‬السيد تاباريه‪ ،‬لقد اكتشفت الج‪N‬اني‪ .‬ال‪N‬دليل واض‪N‬ح ح‪N‬تى للعمي‪N‬ان‪ .‬الس‪N‬ماء‬
‫أرادت هذا‪ .‬الجريمة تولد الجريمة‪ .‬إن الخطيئة العظمى لألب جعلت من االبن قاتال‪".‬‬
‫"لم أذكر لك األسماء‪ ،‬سيدي"‪ ،‬استأنف السيد تاباريه العجوز‪" ،‬أردت أن أسمع رأيك أوًال‪".‬‬
‫"أوه! يمكنك االسما‪ "،‬ق‪NN‬اطع الس‪NN‬يد داب‪NN‬ورون بدرج‪NN‬ة من الحم‪NN‬اس‪" ،‬ال يهم كم يرتف‪NN‬ع األم‪NN‬ر‪ ،‬ف‪NN‬المحقق‬
‫الفرنسي لم يتردد أبًدا‪".‬‬
‫"أعلم ذلك‪ ،‬سيدي‪ ،‬لكننا نرتفع بشدة هذه المرة‪ .‬األب الذي ضحى بابن‪NN‬ه الش‪NN‬رعي من أج‪NN‬ل طفل‪NN‬ه الغ‪NN‬ير‬
‫شرعي هو الكونت ريتو دي كوم‪N‬اران‪ ،‬والقات‪N‬ل لألرمل‪N‬ة ل‪N‬وروج ه‪N‬و الطف‪N‬ل الغ‪N‬ير ش‪N‬رعي‪ ،‬الفيك‪N‬ونت‬
‫ألبرت دي كوماران!"‬
‫كان السيد تاباريه العجوز‪ ،‬مثل فنان متمكن‪ ،‬قد نطق بهذه الكلمات ببطء وبترك‪NN‬يز متعم‪NN‬د‪ ،‬متوقًع ا بثق‪NN‬ة‬
‫إنتاج انطباع كبير‪ .‬لقد تجاوزت توقعاته بكث‪N‬ير‪ .‬أص‪N‬يب الس‪N‬يد داب‪N‬ورون بالدهش‪N‬ة‪ .‬بقي ص‪N‬امًدا‪ ،‬وعين‪N‬اه‬
‫واسعتان بالصدمة‪.‬‬

‫بشكل آلي‪ ،‬كرر السيد دابورون كلمة بال معنى كان يح‪N‬اول تثبيته‪N‬ا في ذاكرت‪N‬ه‪" :‬أل‪N‬برت دي كوم‪N‬اران!‬
‫ألبرت دي كوماران!"‬

‫"نعم"‪ ،‬أصر السيد تاباري‪NN‬ه العج‪NN‬وز‪" ،‬الفيك‪NN‬ونت النبي‪NN‬ل‪ .‬إن‪NN‬ه ألم‪NN‬ر ال يص‪NN‬دق‪ ،‬أعلم ذل‪NN‬ك‪ ".‬لكن‪NN‬ه الح‪N‬ظ‬
‫التغيير في وجه المحق‪N‬ق‪ ،‬وش‪N‬عر ب‪N‬الخوف قليًال‪ ،‬ف‪NN‬اقترب من الس‪N‬رير وس‪N‬أل‪" :‬ه‪N‬ل أنت بص‪NN‬حة جي‪N‬دة‪،‬‬
‫س‪NNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNN‬يدي؟"‬
‫"نعم"‪ ،‬أجاب السيد دابورون‪ ،‬دون معرفة بالضبط ما يقوله‪" .‬أنا بخير جًدا‪ ،‬ولكن الصدمة واالنفع‪NN‬ال‪"-‬‬
‫"أنا أفهم ذلك"‪ ،‬قال العجوز‪.‬‬

‫"نعم‪ ،‬ليس من المستغرب‪ ،‬أليس كذلك؟ أود أن أكون وحدي لبض‪NN‬ع دق‪NN‬ائق‪ .‬ال تغ‪NN‬ادر الم‪NN‬نزل ‪ ،‬يجب أن‬
‫نتحدث بعض الوقت حول هذا الموضوع‪ .‬يرجى االنتقال إلى مكتبي ‪ ،‬يجب أن يكون هناك ما يزال ن‪NN‬ار‬
‫مشتعلة هناك‪ .‬سأنضم إليك مباشرًة‪".‬‬

‫ثم خرج السيد دابورون ببطء من السرير‪ ،‬وارتدى رداء الن‪NN‬وم‪ ،‬وجلس‪ ،‬أو ب‪NN‬األحرى س‪NN‬قط‪ ،‬في كرس‪NN‬ي‬
‫مريح‪ .‬عكست وجهه‪ ،‬الذي حاول في ممارسة وظائفه الصارمة إعطاء ثبات الرخ‪NN‬ام‪ ،‬التح‪NN‬رك القاس‪NN‬ي؛‬
‫في حين كشفت عينيه عن األلم الذي كان يشعر به داخلًيا‪ .‬أوقد اسم كوماران‪ ،‬الذي تم نطقه بش‪NN‬كل غ‪NN‬ير‬
‫متوقع‪ ،‬أذكريات حزينة فيه‪ ،‬وفتح جرًحا لم يلتئم جيًدا‪ .‬هذا االسم أعاد إلي‪NN‬ه ح‪NN‬دًثا ق‪NN‬د أطف‪NN‬أ بقس‪NN‬وة ش‪NN‬بابه‬
‫وأفسد حياته‪ .‬بشكل غير إرادي‪ ،‬عادت أفكاره إلى هذه الحقبة‪ ،‬حتى يذوق مرارتها مج‪NN‬دًدا‪ .‬قب‪NN‬ل س‪NN‬اعة‪،‬‬
‫كان يبدو له بعيًدا‪ ،‬ومختبًئا في ضباب الماضي؛ لكن كلمة واحدة كفيلة بإعادتها‪ ،‬واضحة ومحددة‪ .‬يب‪NN‬دو‬
‫له اآلن أن هذا الحدث‪ ،‬الذي تورط فيه اسم ألبرت دي كوماران‪ ،‬يعود إلى األمس‪ .‬في الواقع‪ ،‬م‪NN‬رت م‪NN‬ا‬
‫يقرب من عامين منذ ذلك الحين‪.‬‬

‫ينتمي بيير ماري داب‪NN‬ورون إلى واح‪NN‬دة من أق‪NN‬دم الع‪NN‬ائالت في بوات‪NN‬و‪ .‬ش‪NN‬غل ثالث‪N‬ة أو أربع‪NN‬ة من أس‪NN‬الفه‬
‫مراكز هامة في المقاطعة تباًعا‪ .‬فلماذا لم يتركوا لذريتهم لقًبا نبياًل وشعاًرا؟‬
‫يمتلك والد المحقق حوالي ثمانمائة ألف فرنك من األراض‪NN‬ي األك‪NN‬ثر قيم‪NN‬ة ح‪NN‬ول القص‪NN‬ر الح‪NN‬ديث الق‪NN‬بيح‬
‫الذي يسكنه‪ .‬وبفضل والدته التي تنتمي إلى عائلة كوتيفيز‪-‬لوكس‪ ،‬فه‪N‬و يرتب‪N‬ط ب‪N‬أعلى النبالء في بوات‪N‬و‪،‬‬
‫وهي واحدة من أكثر الطبقات االجتماعية الحصرية في فرنسا‪ ،‬كما يعلم الجميع‪.‬‬

‫عندما حصل على تعيينه في باريس‪ ،‬جعلت عالقاته النبيلة من‪NN‬ه شخًص ا مرحًب ا ب‪NN‬ه على الف‪NN‬ور من قب‪NN‬ل‬
‫خمسة أو ستة عائالت أرستقراطية‪ ،‬ولم يمِض وقت طويل حتى وسع دائرته من المعارف‪.‬‬

‫ولكن‪NN‬ه لم يمتل‪NN‬ك أي من الم‪NN‬ؤهالت ال‪NN‬تي تض‪NN‬من النج‪NN‬اح االجتم‪NN‬اعي‪ .‬ك‪NN‬ان ب‪NN‬ارًدا وج‪NN‬دًيا ح‪NN‬تى الح‪NN‬زن‪،‬‬
‫محجوًز ا وخجواًل حتى اإلفراط‪ .‬كان عقله يفتقر إلى اللمعان والخف‪N‬ة؛ ولم يكن لدي‪NN‬ه س‪NN‬هولة في االنتق‪N‬ام‪،‬‬
‫وال في فن الحوار اللطيف بدون موض‪NN‬وع‪ .‬وك‪NN‬ان ع‪NN‬اجًز ا عن الك‪NN‬ذب ودف‪NN‬ع الثن‪NN‬اء الباله‪NN‬ة‪ .‬مث‪NN‬ل معظم‬
‫الرجال الذين يشعرون بشدة‪ ،‬لم يكن قادًرا على تفس‪NN‬ير انطباعات‪NN‬ه على الف‪NN‬ور‪ .‬ك‪NN‬ان يحت‪NN‬اج إلى التفك‪NN‬ير‬
‫والتأمل في نفسه‪.‬‬

‫ومع ذلك‪ ،‬كان يطلب لصفاته األكثر صالبة وجدارة‪ :‬لنبل مشاعره‪ ،‬والتزامه اللطيف‪ ،‬ولتأكيد عالقات‪NN‬ه‪.‬‬
‫تعلم أولئك الذين عرفوه بعمق تقدير حكمت‪NN‬ه الس‪NN‬ليمة‪ ،‬وحس‪NN‬ه الع‪NN‬الي بالش‪NN‬رف‪ ،‬واكتش‪NN‬فوا تحت س‪NN‬طحه‬
‫البارد قلًبا حنوًنا‪ ،‬وحساسية مفرطة‪ ،‬ودقة تقريًبا أنثوي‪NN‬ة‪ .‬بعب‪NN‬ارة أخ‪NN‬رى‪ ،‬على ال‪NN‬رغم من أن‪NN‬ه ق‪NN‬د يك‪NN‬ون‬
‫محجوًبا في غرفة مليئة بالغرباء أو األغبياء‪ ،‬إال أنه يسحر جميع القلوب في دائرة صغيرة‪ ،‬حيث يش‪NN‬عر‬
‫بالدفء في جو من التعاطف‪.‬‬
‫األخالق واللغة والعادات وحتى الزي‪ ،‬حافظت عليها‪ ،‬فهي تنتمي إلى تلك الحقب‪NN‬ة ال‪NN‬تي كتب الروائي‪NN‬ون‬
‫عنها فقط ليظهروا عيوبها‪ .‬إن مظهرها وحده سيخبرنا بالمزيد من المعلومات من مق‪NN‬ال ش‪NN‬امل‪ ،‬وس‪NN‬اعة‬
‫من المحادثة معها‪ ،‬ستخبرنا بالمزيد مما سيقوله كتاب‪.‬‬
‫ولدت في إم‪NN‬ارة ص‪NN‬غيرة‪ ،‬حيث ه‪NN‬رب وال‪NN‬ديها في انتظ‪NN‬ار العق‪NN‬اب والتوب‪NN‬ة من ش‪NN‬عب مخطئ ومتم‪NN‬رد‪.‬‬
‫نشأت بين النبالء القدامى من الهجرة‪ ،‬في شقة قديمة ومزخرفة بالذهب‪ ،‬تماًم ا كما ل‪NN‬و ك‪NN‬انت في متح‪NN‬ف‬
‫للغرائب‪ .‬استيقظ عقلها بين ضجيج المحادثات القديمة‪ ،‬أثيرت خيالها ألول مرة من خالل ح‪NN‬وارات أق‪NN‬ل‬
‫فائدة من تجمع أشخاص صم مدعوون للتصويت على مزاي‪NN‬ا عم‪NN‬ل بعض الموس‪NN‬يقيين المش‪NN‬هورين‪ .‬هن‪NN‬ا‬
‫امتصت جمل‪N‬ة من األفك‪N‬ار‪ ،‬ال‪N‬تي إذا تم تطبيقه‪N‬ا على أش‪N‬كال المجتم‪N‬ع الح‪N‬الي‪ ،‬فهي ال ت‪N‬زال كالتماثي‪N‬ل‬
‫اآلشورية لطفل محبوس حتى سن العشرين في متحف‪.‬‬

‫مرت اإلمبراطورية األولى واالستعادة وملكية يولي‪NN‬و والجمهوري‪NN‬ة الثاني‪NN‬ة واإلمبراطوري‪NN‬ة الثاني‪NN‬ة تحت‬
‫نوافذها‪ ،‬لكنها لم تحرك ساكًنا‪ .‬كل ما ح‪NN‬دث من‪NN‬ذ ‪ ،1789‬تعتبره‪NN‬ا لم تح‪NN‬دث‪ .‬بالنس‪NN‬بة له‪NN‬ا‪ ،‬هي ك‪NN‬ابوس‬
‫منتظرة إلطالق سراحها‪ .‬تنظر إلى كل شيء‪ ،‬لكنها تنظر من خالل نظاراتها الجميلة التي تظهر لها كل‬
‫شيء كما ترغب‪ ،‬والتي يمكن الحصول عليها من تجار األوهام‪.‬‬

‫على الرغم من أنها تبلغ من العمر ‪ 68‬عاًم ا‪ ،‬إال أنها مستقيمة مثل الخشبة‪ ،‬ولم تمرض قط‪ .‬إنه‪NN‬ا حيوي‪NN‬ة‬
‫ونشطة بشكل مفرط‪ ،‬وال يمكنها االسترخاء س‪NN‬وى عن‪NN‬دما تن‪NN‬ام‪ ،‬أو عن‪NN‬دما تلعب لعبته‪NN‬ا المفض‪NN‬لة بيكي‪NN‬ه‪.‬‬
‫تتناول أرب‪NN‬ع وجب‪NN‬ات في الي‪NN‬وم‪ ،‬تأك‪NN‬ل مث‪NN‬ل عام‪NN‬ل الزراع‪NN‬ة‪ ،‬وتش‪NN‬رب النبي‪NN‬ذ ب‪NN‬دون م‪NN‬اء‪ .‬تعت‪NN‬بر النس‪NN‬اء‬
‫السخيفات في قرننا الحالي‪ ،‬الالتي يعيشن لمدة أس‪NN‬بوع على ف‪NN‬راخ الت‪NN‬دجين‪ ،‬ويغم‪NN‬رن األفك‪NN‬ار العظيم‪NN‬ة‬
‫بالماء والعبارات الطويلة‪ .‬كانت دائًم ا إيجابية‪ ،‬وكلمتها سريعة وسهلة الفهم‪ .‬ال تتردد في استخدام الكلمة‬
‫األكثر مالءمة للتعبير عن معناها‪ .‬ف‪NN‬إذا اعترض‪NN‬ت بعض اآلذان الحساس‪NN‬ة‪ ،‬ف‪NN‬ذلك س‪NN‬يكون أس‪NN‬وأ بكث‪NN‬ير!‬
‫تكره النفاق بشدة‪.‬‬

‫تؤمن باهلل‪ ،‬لكنها تؤمن أيًض ا بالسيد فولتير‪ ،‬حتى أن تفانيها في ال‪N‬دين قاب‪N‬ل للش‪N‬ك‪ .‬وم‪N‬ع ذل‪N‬ك‪ ،‬فهي على‬
‫عالقة جيدة بكاهن كنيستها‪ ،‬وتحرص كثيًر ا على ترتيب عشائها في األيام التي تكرمه فيه‪NN‬ا بدعوت‪NN‬ه إلى‬
‫طاولتها‪ .‬تعتبره عسكرًيا‪ ،‬مفيًدا جًدا لخالصها‪ ،‬وقادًر ا على فتح باب الجنة بالنسبة لها‪.‬‬

‫ُتَع اَم ُل بمث‪NN‬ل ه‪NN‬ذا الش‪NN‬كل‪ ،‬معزول‪NN‬ة تماًم ا مث‪NN‬ل الط‪NN‬اعون‪ .‬الجمي‪NN‬ع يخش‪NN‬ون ص‪NN‬وتها الع‪NN‬الي وتس‪NN‬ريباتها‬
‫المروعة‪ ،‬وص‪NN‬راحتها في الكالم ال‪NN‬تي تح‪NN‬اول به‪NN‬ا الحص‪NN‬ول على الح‪NN‬ق في ق‪NN‬ول األش‪NN‬ياء األك‪NN‬ثر غ‪N‬ير‬
‫مريحة التي تخطر في بالها‪ .‬من عائلتها‪ ،‬لم يبق إال حفيدتها‪ ،‬التي توفي والدها وهو صغير جًدا‪.‬‬
‫تمتلك ثروة كبيرة في األصل‪ ،‬وتم استعادتها جزئًيا عن طريق التعويض الذي يسمح به الحكومة‪ ،‬لكنه‪NN‬ا‬
‫تم إدارتها بأس‪N‬وأ طريق‪N‬ة ممكن‪N‬ة‪ .‬لم تتمكن إال من الحف‪N‬اظ على دخ‪N‬ل ق‪NN‬دره عش‪N‬رون أل‪N‬ف فرن‪N‬ك‪ ،‬ال‪N‬ذي‬
‫يتناقص يوًم ا بعد يوم‪ .‬كما أنها مالكة للمنزل الص‪NN‬غير الجمي‪NN‬ل ال‪NN‬ذي تس‪NN‬كن في‪NN‬ه‪ ،‬ال‪NN‬ذي يق‪NN‬ع ب‪NN‬القرب من‬
‫الجيش الفرنسي‪ ،‬بين فناء ضيق نسبًيا وحديقة واسعة جًدا‪.‬‬

‫وهكذا‪ ،‬ترى نفسها األشد سوًء ا حًظا من جميع خل‪NN‬ق هللا‪ ،‬وتقض‪NN‬ي معظم حياته‪NN‬ا تش‪NN‬كو فقره‪NN‬ا‪ .‬من حين‬
‫آلخر‪ ،‬وخاصة بعد بعض المضاربات السيئة االستثمارية‪ ،‬تع‪NN‬ترف ب‪NN‬أن م‪NN‬ا تخش‪NN‬اه أك‪NN‬ثر ه‪NN‬و أن تم‪NN‬وت‬
‫على فراش المساكين‪.‬‬
‫قدم له الصديق دابورون مساًء إلى السيدة دوكة دارالنج‪ ،‬بع‪NN‬دما جذب‪NN‬ه إلى منزله‪NN‬ا بم‪NN‬زاج م‪NN‬رح‪ ،‬ق‪NN‬ائًال‪:‬‬
‫"تعال معي‪ ،‬وسأريك ظاهرة‪ ،‬شبح من الماضي في جسد ولحم"‪.‬‬
‫الوضعية المحيرة للم‪NN‬اركيزة جعلت القاض‪NN‬ي يش‪NN‬عر ب‪NN‬الحيرة في الم‪NN‬رة األولى ال‪NN‬تي قاب‪NN‬ل فيه‪NN‬ا‪ ،‬ولكنه‪NN‬ا‬
‫أمتعته كثيًر ا في زيارته الثانية‪ ،‬ولهذا السبب‪ ،‬عاد مرة أخرى‪ .‬ولكن بعد فترة‪ ،‬لم تعد تسليه‪ ،‬على الرغم‬
‫من أنه كان زائًر ا مخلًصا ودائًم ا إلى غرفة اللون الوردي التي تقضي فيها معظم حياتها‪.‬‬
‫تطورت لدى السيدة دارالنج ص‪NN‬داقة ش‪N‬ديدة م‪N‬ع القاض‪NN‬ي‪ ،‬وأص‪NN‬بحت م‪N‬دًحا في‪N‬ه بش‪N‬كل ملح‪N‬وظ‪ .‬ق‪NN‬الت‪:‬‬
‫"رجل شاب ساحر للغاية‪ ،‬رقيق وحساس! لألسف‪ ،‬لم يولد في عائل‪NN‬ة نبيل‪NN‬ة!" (قص‪NN‬دت س‪NN‬يًدا من أص‪NN‬ل‬
‫نبيل‪ ،‬لكنها استخدمت العب‪NN‬ارة متجاهل‪NN‬ة حقيق‪NN‬ة أن األش‪NN‬خاص غ‪NN‬ير النبالء ول‪NN‬دوا على اإلطالق) "يمكن‬
‫استقباله على أي حال؛ فأسالفه كانوا أشخاًص ا الئقين ج‪ًNN‬دا‪ ،‬وك‪NN‬انت أم‪NN‬ه كوتيف‪NN‬يز ال‪NN‬تي‪ ،‬على أي ح‪NN‬ال‪،‬‬
‫انحرفت‪ .‬أتمنى له الخير‪ ،‬وسأفعل كل ما بوسعي لدفعه قدًم ا"‪.‬‬
‫كانت أقوى دليل على صداقتها هو أنه‪NN‬ا تنح‪NN‬ني لنط‪NN‬ق اس‪NN‬مه مث‪NN‬ل ب‪NN‬اقي الن‪NN‬اس‪ .‬ك‪NN‬انت تحاف‪NN‬ظ على ه‪NN‬ذا‬
‫التصرف السخيف من نسيان أسماء األشخاص الذين ليس‪NN‬وا من النبالء‪ ،‬وال‪NN‬ذين في رأيه‪NN‬ا ليس لهم ح‪NN‬ق‬
‫في األسماء‪ .‬كانت متأك‪N‬دة ج‪ًN‬دا من ه‪N‬ذه الع‪N‬ادة‪ ،‬ح‪N‬تى إذا ح‪N‬دث بطريق‪N‬ة م‪N‬ا أن تلف‪N‬ظ اس‪ًN‬م ا كه‪N‬ذا بش‪N‬كل‬
‫صحيح‪ ،‬فإنها تكرره على الفور بتعديل ساخر‪ .‬خالل زيارته األولى‪ ،‬اس‪NN‬تمتع القاض‪NN‬ي داب‪NN‬ورون كث‪NN‬يًرا‬
‫بسماع اسمه يتغير في كل مرة تخاطبه فيها‪ .‬وبعد ذلك بثالثة أشهر‪ ،‬بدأت تناديه باسم دابورون بوضوح‬
‫تام‪ ،‬كما لو كان دوًقا في مكان ما‪ ،‬ولورًدا في مكان آخر‪.‬‬
‫كانت تبذل جهوًدا أحياًنا إلثبات للقاضي الكريم أن‪NN‬ه نبي‪NN‬ل‪ ،‬أو على األق‪NN‬ل يجب أن يك‪NN‬ون ك‪NN‬ذلك‪ .‬وك‪NN‬انت‬
‫سعيدة لو استطاعت إقناعه بأن يتبنى لقًبا ما وأن يحفر خوذة على بطاقاته الشخصية‪.‬‬

‫"كيف يمكن ذلك‪ "،‬قالت‪" ،‬أن أسالفك‪ ،‬الذين كانوا بارزين وأثري‪NN‬اء ولهم نف‪N‬وذ‪ ،‬لم يفك‪NN‬روا في االرتق‪N‬اء‬
‫من الطبقة العادية والحصول على لقب ألحفادهم؟ اليوم‪ ،‬ستمتلك نسبًا مقبولة‪".‬‬
‫"ك‪NN‬ان أس‪NN‬الفي حكم‪NN‬اء‪ "،‬رد الس‪NN‬يد داب‪NN‬ورون‪" .‬فاألولوي‪NN‬ة بالنس‪NN‬بة لهم ك‪NN‬انت أن يكون‪NN‬وا األوائ‪NN‬ل بين‬
‫مواطنيهم‪ ،‬بدًال من أن يكونوا األخيرين بين النبالء‪".‬‬
‫ثم شرحت الماركيزة‪ ،‬وأثبتت بالدليل‪ ،‬أن هناك هاوية بين المواطن األك‪N‬ثر ت‪N‬أثيًرا وث‪N‬راًء وأص‪N‬غر ف‪N‬رع‬
‫نبيل‪ ،‬وأن جميع األموال في العالم ال يمكن أن تسد هذا الفجوة‪.‬‬

‫لم يعرف أولئك الذين كانوا مندهشين من تكرار زيارات القاضي لهذه "آثار الماضي" المشهورة‪ ،‬حفيدة‬
‫هذه السيدة‪ ،‬أو على األقل لم يتذكروها؛ فهي كانت تخرج نادًر ا! وكانت الماركيزة العجوز ال تهتم‪ ،‬على‬
‫حد قولها‪ ،‬بالتعامل مع جاسوس شاب سيكون في طريقها عندما تروي بعض قصصها المختارة‪.‬‬

‫كلير دارالنج كانت في السابعة عشرة من عمرها‪ .‬كانت رشيقة للغاية ورقيقة في طريقته‪NN‬ا‪ ،‬وجميل‪NN‬ة في‬
‫براءتها الطبيعية‪ .‬كان لديها كم هائل من الشعر البني الفاتح الناعم الذي يت‪NN‬دلى في خص‪NN‬الت على عنقه‪NN‬ا‬
‫وكتفيه‪NN‬ا المتناس‪NN‬قين‪ .‬ك‪NN‬انت قوامه‪NN‬ا ال ي‪NN‬زال نحيًف ا إلى ح‪NN‬د م‪NN‬ا‪ ،‬لكن مالمحه‪NN‬ا ت‪NN‬ذكرنا بوج‪NN‬وه األرواح‬
‫السماوية األكثر جماًال‪ .‬كان لعينيها الزرقاوين‪ ،‬المظللتين برموش طويل‪NN‬ة ذات ل‪NN‬ون أغم‪NN‬ق من ش‪NN‬عرها‪،‬‬
‫التعابير الرائعة فوق كل شيء‪.‬‬

‫كان لديها بعض الهواء القديم‪ ،‬نتيجة ارتباطها بجدتها‪ ،‬مما أضاف سحًر ا آخر إلى طريق‪NN‬ة الفت‪NN‬اة الش‪NN‬ابة‪.‬‬
‫ولكنها كانت أكثر حكمة من قريبتها‪ .‬ونظًر ا ألن تعليمها لم يتم إهماله‪ ،‬فقد امتصت أفكاًر ا صحيحة جيدة‬
‫عن العالم الذي تعيش في‪NN‬ه‪ .‬ولق‪NN‬د اكتس‪NN‬بت كل‪NN‬ير ه‪NN‬ذا التعليم واألفك‪NN‬ار العملي‪NN‬ة من مربيته‪NN‬ا‪ ،‬ال‪NN‬تي تحم‪NN‬ل‬
‫المسؤولية الكاملة عن تنمية عقلها‪.‬‬

‫وكانت هذه المربية‪ ،‬اآلنسة شميت‪ ،‬اختيرت عشوائًيا‪ ،‬لكنها بح‪NN‬ظ س‪NN‬عيد ك‪NN‬انت مطلع‪NN‬ة وتمتل‪NN‬ك مب‪NN‬ادئ‪.‬‬
‫كانت‪ ،‬كما هو موج‪NN‬ود في الج‪NN‬انب اآلخ‪NN‬ر من ال‪NN‬راين‪ ،‬ام‪NN‬رأة رومانس‪NN‬ية وعملي‪NN‬ة في ال‪NN‬وقت نفس‪NN‬ه‪ ،‬من‬
‫الحساسية األعلى والفضيلة األشد صرامة‪ .‬وه‪NN‬ذه الس‪NN‬يدة الطيب‪NN‬ة‪ ،‬في حين تأخ‪NN‬ذ تلمي‪NN‬ذتها في رحل‪NN‬ة إلى‬
‫أرض الخيال والتصورات الشعرية‪ ،‬تعطيها في نفس الوقت أكثر التعليمات العملية في األم‪NN‬ور المتعلق‪NN‬ة‬
‫بالحياة الفعلية‪ .‬فكشفت لكل‪N‬ير جمي‪N‬ع الخص‪NN‬ائص الفري‪N‬دة في الفك‪N‬ر واألس‪N‬لوب ال‪N‬تي جعلت ج‪N‬دتها تب‪N‬دو‬
‫سخيفة‪ ،‬وعلمتها كيفية تجنبها‪ ،‬ولكن دون التوقف عن احترامها‪.‬‬

‫في كل مساء‪ ،‬عن‪N‬دما يص‪N‬ل الس‪N‬يد داب‪N‬ورون إلى م‪N‬نزل الس‪N‬يدة دارالنج‪ ،‬ك‪N‬ان من المؤك‪N‬د أن يج‪N‬د كل‪N‬ير‬
‫جالسة بجانب جدتها‪ ،‬وهذا هو السبب الذي يدفعه إلى الزيارة‪ .‬بينما يس‪NN‬تمع ب‪NN‬أذن غ‪NN‬ير مبالي‪NN‬ة لخراف‪NN‬ات‬
‫السيدة العجوز وقصصها الطويلة عن الهجرة‪ ،‬ك‪NN‬ان يح‪NN‬ترف النظ‪NN‬ر إلى كل‪NN‬ير كالمتعص‪NN‬ب أليدول‪NN‬ه‪ .‬في‬
‫كثير من األحيان‪ ،‬ينسى نفسه لحظة ويتناسى تمامًا وج‪NN‬ود الس‪NN‬يدة العج‪NN‬وز‪ ،‬على ال‪NN‬رغم من أن ص‪NN‬وتها‬
‫العالي كان يثقب طبلة أذنه كاإلبرة‪ .‬ثم يجيبها بطريقة غير منطقية‪ ،‬ويقع في أخطاء غريبة‪ ،‬التي يحاول‬
‫بعدها تفسيرها‪ .‬لكن‪NN‬ه لم يكن بحاج‪NN‬ة لتعبئة نفس‪NN‬ه‪ ،‬فالس‪NN‬يدة دارالنج لم تش‪NN‬عر بغي‪NN‬اب غرامه‪NN‬ا؛ إذ ك‪NN‬انت‬
‫أسئلتها طويلة جدًا‪ ،‬ولم تهتم باإلجابات‪ .‬كانت سعيدة بوج‪NN‬ود من يس‪NN‬تمع لح‪NN‬ديثها‪ ،‬طالم‪NN‬ا أن‪NN‬ه يظه‪NN‬ر من‬
‫حين آلخر عالمات الحياة‪.‬‬
‫عندما اضطر إلى الجلوس للعب بطاقات البيكيه‪ ،‬ك‪N‬ان يلعن في نفس‪N‬ه اللعب‪N‬ة ومخترعه‪N‬ا الش‪N‬نيع‪ .‬لم يكن‬
‫يولي اهتمامًا لبطاقاته‪ ،‬وكان يرتكب أخطاء كل لحظة‪ ،‬يتخلص من بطاقات يجب أن يحتفظ به‪NN‬ا وينس‪NN‬ى‬
‫القطع‪ .‬كانت السيدة العجوز مستاءة من هذه االنحرافات المس‪NN‬تمرة‪ ،‬لكنه‪NN‬ا لم ت‪NN‬تردد في االس‪NN‬تفادة منه‪NN‬ا‪.‬‬
‫كانت تنظر إلى البطاقات الغ‪NN‬ير مرغوب‪NN‬ة‪ ،‬وتغيره‪NN‬ا بالبطاق‪NN‬ات ال‪NN‬تي تناس‪NN‬بها‪ ،‬في حين تس‪NN‬جل نقاط‪ًN‬ا لم‬
‫تحققها بجرأة‪ ،‬وتأخذ المال الذي ربحته بدون شعور بالخجل أو الندم‪.‬‬
‫كان خجل الس‪N‬يد داب‪N‬ورون ش‪N‬ديدًا‪ ،‬وك‪N‬انت كل‪N‬ير غ‪N‬ير اجتماعي‪N‬ة للغاي‪N‬ة‪ ،‬ول‪N‬ذلك ن‪N‬ادرًا م‪N‬ا يتح‪N‬دثان م‪N‬ع‬
‫بعضهما البعض‪ .‬خالل فصل الشتاء بأكمله‪ ،‬لم يخاطب القاضي الفتاة الشابة مرات قليلة فقط‪ ،‬وفي ه‪NN‬ذه‬
‫المناسبات النادرة‪ ،‬كان يحف‪N‬ظ المقول‪NN‬ة ال‪NN‬تي ين‪NN‬وي تكراره‪NN‬ا بش‪NN‬كل آلي‪ ،‬عالم‪ًN‬ا جي‪NN‬دًا بأن‪NN‬ه من دون ه‪NN‬ذا‬
‫االحتياط‪ ،‬فمن المحتمل أنه لن يتمكن من إنهاء ما يجب قوله‪.‬‬
‫ولكن على األقل كان يشاهدها‪ ،‬يتنفس نفس الهواء معها‪ ،‬ويسمع صوتها الذي يهز روحه بنغمات‪NN‬ه النقي‪NN‬ة‬
‫والمنسجمة‪.‬‬
‫من خالل مراقبته المستمرة لعينيها‪ ،‬تعلم كيفية فهم جميع تعابيرهما‪ .‬كان يعتق‪NN‬د أن‪NN‬ه يس‪NN‬تطيع ق‪NN‬راءة ك‪NN‬ل‬
‫أفكاره‪NNN‬ا من خاللهم‪NNN‬ا‪ ،‬وأن‪NNN‬ه يمكن‪NNN‬ه النظ‪NNN‬ر إلى روحه‪NNN‬ا كم‪NNN‬ا ينظ‪NNN‬ر من خالل ناف‪NNN‬ذة مفتوح‪NNN‬ة‪.‬‬
‫"إنها سعيدة اليوم"‪ ،‬يقول لنفس‪NN‬ه‪ ،‬ثم يش‪NN‬عر بالس‪NN‬عادة‪ .‬في بعض األحي‪NN‬ان‪ ،‬يعتق‪NN‬د أنه‪NN‬ا "تعرض‪NN‬ت لبعض‬
‫اإلزعاج اليوم"‪ ،‬وفي الحالة الفورية يشعر بالحزن‪.‬‬

‫كانت فكرة طلب يده تتقدم إلى خياله مراًر ا وتكراًر ا‪ ،‬لكنه لم يجرؤ على التفك‪NN‬ير في ذل‪NN‬ك‪ .‬وعلى ال‪NN‬رغم‬
‫من معرفته بتحيزات الماركيزة وتفانيها في األلق‪NN‬اب وخوفه‪NN‬ا من أي اق‪NN‬تراب من ال‪NN‬تزوير‪ ،‬ك‪NN‬ان مقتنًع ا‬
‫بأنها ستغلق فمه في الكلمة األولى بـ "ال" حاسمة وستصمد‪ .‬ومحاول‪NN‬ة األم‪NN‬ر س‪NN‬يعرض س‪NN‬عادته الحالي‪NN‬ة‬
‫الضخمة التي يعتقد أنه يعيشها للخطر‪ ،‬ألن الحب يعيش على مصائبه الخاصة‪.‬‬

‫"م‪NN‬رة واح‪NN‬دة يتم رفض‪NN‬ي"‪ ،‬يفك‪NN‬ر‪" ،‬يتم إغالق الب‪NN‬اب في وجهي‪ .‬وبع‪NN‬دها وداًع ا للس‪NN‬عادة‪ ،‬ألن الحي‪NN‬اة‬
‫ستنتهي بالنسبة لي"‪ .‬من ناحية أخرى‪ ،‬يتب‪NN‬ادر إلى ذهن‪NN‬ه أن شخًص ا آخ‪NN‬ر ق‪NN‬د ي‪NN‬رى م‪NN‬داموازيل دارالنج‬
‫ويحبها‪ ،‬وعلى إثر ذلك‪ ،‬يسأل عنها ويحصل عليها‪ .‬في كلتا الحالتين‪ ،‬سيفقدها في النهاية إما بالمخ‪NN‬اطرة‬
‫باالقتراح‪ ،‬أو بالتردد المستمر‪ .‬وعند بداية الربيع‪ ،‬اتخذ قراره‪.‬‬

‫في بعد ظهيرة جميلة في شهر أبريل‪ ،‬اتجه نحو منزل السيدة دارالنج‪ ،‬وهو بحاج‪NN‬ة حقيقي‪NN‬ة إلى ش‪NN‬جاعة‬
‫أكثر من أي جندي يواجه مدفعية‪ .‬هو‪ ،‬مثل الجندي‪ ،‬يهمس لنفسه "النصر أو الموت!" كانت الم‪NN‬اركيزة‬
‫ق‪NNN‬د خ‪NNN‬رجت بع‪NNN‬د اإلفط‪NNN‬ار قلياًل وع‪NNN‬ادت للت‪NNN‬و بغض‪NNN‬ب ش‪NNN‬ديد‪ ،‬وك‪NNN‬انت تص‪NNN‬رخ مث‪NNN‬ل النس‪NNN‬ر‪.‬‬
‫هذا ما حدث‪ .‬كان لديها بعض العمل الذي قام به رس‪NN‬ام مج‪NN‬اور قب‪NN‬ل ثماني‪NN‬ة أو عش‪NN‬رة أش‪NN‬هر‪ ،‬وق‪NN‬د تق‪N‬دم‬
‫العامل بطلب دفع المبلغ مائة مرة دون جدوى‪ .‬تعبت من هذا اإلجراء‪ ،‬فقد دعا الماركيزة العالية والقوية‬
‫دارالنج أمام العدالة‪ .‬هذا االستدعاء أثار غضب الماركيزة‪ ،‬لكنها حافظت على الموضوع لنفس‪NN‬ها‪ ،‬حيث‬
‫قررت‪ ،‬بحكمتها‪ ،‬االتصال بالقاضي وطلب منه ت‪NN‬وبيخ الرس‪NN‬ام ال‪NN‬وقح ال‪NN‬ذي ج‪NN‬رأ على إزعاجه‪NN‬ا بس‪NN‬بب‬
‫مبلغضئيل من المال‪ .‬يمكن تخمين نتيجة هذا المشروع الرائع‪ .‬تم إجبار القاضي على طرده‪NN‬ا ب‪NN‬القوة من‬
‫مكتبه‪ ،‬وهو ما جعلها تشعر بالغضب‪.‬‬
‫وجد السيد دابورون الماركيزة في الحجرة الزهري‪NN‬ة نص‪NN‬ف عاري‪NN‬ة‪ ،‬ش‪NN‬عرها مبع‪NN‬ثر وأحم‪NN‬ر كالفاواني‪NN‬ا‪،‬‬
‫ومحاطة بأشالء من الزجاج والص‪NN‬ين ال‪N‬تي س‪N‬قطت من ي‪N‬ديها في أول لحظ‪N‬ات ش‪N‬غفها‪ .‬لألس‪N‬ف‪ ،‬لم يكن‬
‫هناك أيًض ا كالير ومربيتها‪ .‬كانت خادمة تح‪N‬اول غم‪N‬ر الس‪N‬يدة العج‪N‬وز بجمي‪N‬ع أن‪N‬واع المي‪N‬اه‪ ،‬على أم‪N‬ل‬
‫تهدئة أعصابها‪.‬‬

‫استقبلته السيدة دابورون كرسول مباشر من الرب‪ .‬في أقل من نصف ساعة‪ ،‬أخ‪N‬برت قص‪NN‬تها‪ ،‬مخلوط‪N‬ة‬
‫بالكثير من التعابير الوسخة والشتائم‪.‬‬

‫"أتفهم هذا القاضي؟!" صاحت‪" ،‬يجب أن يكون جاكوبين مجنون‪ ،‬ابًنا للهوام‪ ،‬الذين غس‪NN‬لوا أي‪NN‬ديهم ب‪NN‬دم‬
‫ملكهم‪ .‬أه‪ ،‬يا صديقي‪ ،‬أرى الدهشة واالستياء في نظرت‪NN‬ك‪ .‬اس‪NN‬تمع إلى ش‪NN‬كوى ه‪NN‬ذا الخ‪NN‬ائن ال‪NN‬وقح ال‪NN‬ذي‬
‫جعلته يعيش من خالل توظيفي له! وعندما وجهت بعض االحتجاجات الشديدة له‪NN‬ذا القاض‪NN‬ي‪ ،‬كم‪NN‬ا ك‪NN‬ان‬
‫واجبي‪ ،‬طردني! هل تسمع؟ طردني!"‬

‫في هذه الذكرى المؤلمة‪ ،‬قامت بحركة تهديدية بذراعها‪ ،‬وأص‪NN‬ابت زجاج‪N‬ة عط‪N‬ر جميل‪N‬ة ك‪N‬انت تحمله‪N‬ا‬
‫خادمتها في يدها‪ .‬قوة الضربة أرسلتها إلى الطرف اآلخر من الغرفة‪ ،‬حيث تحطمت إلى قطع صغيرة‪.‬‬
‫"أحمقة‪ ،‬محرجة!" صاحت الماركيزة‪ ،‬مفرغة غضبها على الفتاة المرعوبة‪.‬‬
‫كان السيد دابورون‪ ،‬في البداية‪ ،‬مشوًش ا‪ ،‬ثم حاول اآلن تهدئة غضبها‪ .‬لم ت‪NN‬تيح ل‪NN‬ه الفرص‪NN‬ة لنط‪NN‬ق ثالث‬
‫كلمات‪.‬‬
‫"حمًدا هلل أنك هنا"‪ ،‬استمرت قائلة‪" ،‬أنت دائًم ا مستعد لخ‪NN‬دمتي‪ ،‬أع‪NN‬رف ذل‪NN‬ك‪ .‬أعتم‪NN‬د علي‪NN‬ك! س‪NN‬تمارس‬
‫نفوذك وأصدقائك القويين وائتمانك‪ ،‬لترمي هذا الرس‪NN‬ام الب‪NN‬ائس وه‪NN‬ذا الش‪NN‬رير القاض‪NN‬ي في ب‪NN‬ئر عمي‪NN‬ق‪،‬‬
‫لتعليمهم االحترام المستحق المرأة من مستواي"‪.‬‬
‫لم يسمح القاضي لنفسه حتى بابتسامة على هذا الطلب الحاسم‪ .‬لق‪N‬د س‪N‬مع الكث‪N‬ير من الخطاب‪N‬ات الس‪N‬خيفة‬
‫تصدر من شفتيها دون أن يسخر منها‪ .‬أليست هي جدة كالير؟ لو لم يكن هن‪NN‬اك ش‪NN‬يء آخ‪NN‬ر‪ ،‬فإن‪NN‬ه يحبه‪NN‬ا‬
‫ويكرمها بسبب ذلك فقط‪ .‬بارك لها بسبب حفيدتها‪ ،‬كما يبارك معجب الطبيعة السماء على الزهرة البرية‬
‫التي تسعده بعطرها‪.‬‬

‫كان غضب السيدة العجوز رهيًبا‪ ،‬ولم يكن قصير األمد‪ .‬ولكن في نهاية المطاف‪ ،‬ك‪NN‬انت‪ ،‬أو على األق‪NN‬ل‬
‫تبدو‪ ،‬مهدأة‪ .‬استعادوا زيها‪ ،‬وأصلحوا فوض‪NN‬ى تجميله‪N‬ا‪ ،‬وجمع‪N‬وا ش‪N‬ظايا الزج‪N‬اج والص‪NN‬ين المكس‪N‬ورة‪.‬‬
‫هزمتها عنفها الخاص‪ ،‬وكانت ردة الفعل فورية وكاملة‪ .‬سقطت متعبة ومنهكة في كرسي‪.‬‬
‫كان هذا النتيجة المهيبة بفضل القاضي‪ .‬لتحقيق ذلك‪ ،‬ك‪NN‬ان علي‪NN‬ه اس‪NN‬تخدام ك‪NN‬ل قدرات‪NN‬ه‪ ،‬وممارس‪NN‬ة أك‪NN‬ثر‬
‫صبًر ا وحنكة‪ .‬كان انتصاره أكثر جدارة بالثناء‪ ،‬ألنه جاء بدون أي تحضير لهذه المغامرة‪ ،‬التي ت‪NN‬دخلت‬
‫في خطته المنظم‪NN‬ة‪ .‬وفي الم‪NN‬رة األولى ال‪NN‬تي ش‪NN‬عر فيه‪NN‬ا بم‪NN‬ا يكفي من الش‪NN‬جاعة ليتح‪NN‬دث‪ ،‬ب‪NN‬دا أن الح‪NN‬ظ‬
‫يعارضه‪ ،‬ألن هذا الحدث العكسي قد قلب خططه رأًسا على عقب‪.‬‬

‫ومع ذلك‪ ،‬فإنه بتسلح بالشجاعة المهنية لنفسه‪ ،‬تحدث السيدة العج‪N‬وز بطريق‪N‬ة مهدئ‪N‬ة‪ .‬لم يكن أحمًق ا بم‪N‬ا‬
‫فيه الكفاية ليتناقض معها‪ .‬بالعكس‪ ،‬احتضن هوايتها‪ .‬كان مضحًك ا ومؤثًر ا بالتناوب‪.‬‬

‫هاجم مؤلفي الثورة‪ ،‬ولعن أخطائها‪ ،‬وندب جرائمها‪ ،‬وبكى تقريًبا على نتائجها الكارثية‪ .‬ب‪NN‬دأ م‪NN‬ع المهين‬
‫مارات وصواًل إلى القاضي الخائن الذي أساء إليها‪ .‬لقد شتم س‪N‬لوكه الفاض‪N‬ح بألف‪N‬اظ جي‪N‬دة‪ ،‬وك‪N‬ان قاس‪ًN‬يا‬
‫جًدا فيما يتعلق بالرسام النصاب والمخادع‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬اعتقد أنه من األفضل تركهما بدون العق‪NN‬اب ال‪NN‬ذي‬
‫يستحقانه‪ ،‬وانتهى بتوحيد أنه قد يكون األفضل دفع مبلغ مالي‪.‬‬

‫للقول الكلمة األليمة "ال‪N‬دفع"‪ ،‬أث‪N‬ارت الس‪N‬يدة داب‪N‬ورون غض‪ًN‬با ش‪N‬ديًدا وقف‪N‬زت على ق‪N‬دميها بأقص‪N‬ى ح‪N‬د‬
‫للهجوم‪.‬‬
‫"ادف‪NN‬ع!" ص‪NN‬رخت الم‪NN‬اركيزة‪" .‬ح‪NN‬تى يس‪NN‬تمروا ه‪NN‬ؤالء األوغ‪NN‬اد في عن‪NN‬ادهم! احثهم على االس‪NN‬تمرار‬
‫بالضعف الخطير! لن أفعل ذلك أبًدا! باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬لل‪N‬دفع يجب أن يك‪N‬ون ل‪N‬ديك الم‪N‬ال! وليس ل‪N‬دي‬
‫أي شيء!"‬

‫"لكن!" قال السيد دابورون‪" ،‬إنها ال تزيد عن ‪ 87‬فرنًك ا!"‬

‫"وأليس هذا شيًئا؟" سألت الماركيزة؛ "أنت تتحدث بحماقة يا سيدي العزي‪NN‬ز‪ .‬من الس‪NN‬هل رؤي‪NN‬ة أن ل‪NN‬ديك‬
‫المال؛ ألنساب أسالفك لم يكون لهم مكانة‪ ،‬ومرت الثورة بمائة قدم ف‪NN‬وق رؤوس‪N‬هم‪ .‬من ي‪N‬دري إذا ك‪N‬انوا‬
‫الرابحين من ذلك؟ أخذت كل شيء من دي أرالنج‪ .‬ماذا سيفعلون بي إذا لم أدفع؟"‬

‫"حسًنا‪ ،‬سيدتي‪ ،‬يمكنهم فعل العديد من األشياء‪ .‬يمكنهم إفناءك تماًم ا بالتكاليف‪ .‬يمكنهم حجز أثاثك‪".‬‬
‫"آه!" صرخت المرأة العجوز‪" ،‬لم تنتِه الثورة حتى اآلن‪ .‬س‪NN‬يبتلعنا جميًع ا‪ ،‬أيه‪NN‬ا الفق‪NN‬ير الب‪NN‬ائس! آه! أنتم‬
‫سعداء‪ ،‬أنتم الذين تنتمون إلى الشعب! أرى بوضوح أني يجب أن أدف‪NN‬ع له‪NN‬ذا الرج‪NN‬ل دون ت‪NN‬أخير‪ ،‬وه‪NN‬ذا‬
‫أمر مروع بالنسبة لي‪ ،‬ألنه ليس لدي شيء‪ ،‬وأجبر على القيام بمثل هذه التضحيات من أجل حفيدتي!"‬

‫أدهش هذا البيان القاضي لدرجة كب‪N‬يرة ح‪N‬تى أن‪N‬ه ك‪N‬رر بص‪NN‬وت منخفض نص‪NN‬ف العب‪N‬ارة "تض‪NN‬حيات؟"‬
‫عفوًيا‪.‬‬

‫"بالتأكيد!" استأنفت الماركيزة‪" .‬من دونها‪ ،‬هل كان يجب علي أن أعيش كما أفعل‪ ،‬وأرفض لنفسي ك‪NN‬ل‬
‫شيء من أجل تناسب حالتي المادية؟ بالطبع ال! كنت سأستثمر ثروتي في صندوق الضمان االجتماعي‪.‬‬
‫ولكنني أعرف‪ ،‬الحمد هلل‪ ،‬واجبات األمومة؛ وأقتنص كل ما أستطيع لحفيدتي الصغيرة كلير‪".‬‬

‫بدت هذه الوالءات مثالية جًدا للسيد دابورون حتى أنه لم يستطع أن ينطق بكلمة واحدة‪.‬‬

‫"آه! أنا قلقة بشكل مريع بشأن هذه الطفلة العزيزة"‪ ،‬استمرت الماركيزة‪" .‬أعترف‪ ،‬سيدي دابورون‪،‬إن‪NN‬ه‬
‫يجعلني دائخة عندما أتساءل كيف سأزوجها‪".‬‬

‫احمر القاضي من السعادة‪ .‬لقد حانت فرصته أخيًر ا؛ يجب عليه االستفادة منها على الفور‪.‬‬
‫"يبدو لي"‪ ،‬تلعثم القاضي‪" ،‬أن إيجاد زوٍج لآلنسة كلير ال ينبغي أن يكون صعًبا‪".‬‬

‫"لألسف‪ ،‬يبدو صعًبا‪ .‬إنها جميلة بما يكفي‪ ،‬أعترف بذلك‪ ،‬على ال‪NN‬رغم من كونه‪NN‬ا نحيف‪NN‬ة‪ ،‬ولكن في ه‪NN‬ذه‬
‫األي‪NN‬ام‪ ،‬ال يهم الجم‪NN‬ال‪ .‬الرج‪NN‬ال جش‪NN‬عون للغاي‪NN‬ة‪ ،‬يفك‪NN‬رون فق‪NN‬ط في الم‪NN‬ال‪ .‬ال أع‪NN‬رف أي واح ‪ٍN‬د يمتل‪NN‬ك‬
‫الشجاعة الكافية للزواج بابنة دي أرالنج مقابل عيونها الساطعة‪".‬‬

‫"أعتقد أنك تبالغين"‪ ،‬الحظ السيد دابورون بخجل‪.‬‬


‫"ال‪ ،‬ال أبًدا‪ .‬ثق بخبرتي التي أكبر بكثير من خبرتك‪ .‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬عندما أجد صهًرا‪ ،‬سيس‪NN‬بب لي‬
‫ألف متاعب‪ .‬يؤكد لي ذلك محامّي ‪ .‬يبدو أنه سأجبر على تق‪NN‬ديم حس‪NN‬اب عن م‪NN‬يراث كل‪NN‬ير‪ .‬كم‪NN‬ا ل‪NN‬و أن‪NN‬ني‬
‫أبقيت حساباٍت على اإلطالق! إن‪N‬ه عيب! آه! ل‪N‬و ك‪N‬انت ل‪N‬دى كل‪N‬ير أي ش‪N‬عور ب‪N‬الواجب األب‪N‬وي‪ ،‬لك‪N‬انت‬
‫اتخذت الحجاب بصمت في ديٍر أينما كان‪ .‬سأبذل كل ما بوسعي لدفع المهر الالزم؛ لكنها ال تحبني‪".‬‬

‫شعر السيد دابورون أن الوقت قد حان للتحدث‪ .‬جمع شجاعته‪ ،‬مثلما يفع‪NN‬ل الف‪NN‬ارس الجي‪NN‬د عن‪NN‬دما يجم‪NN‬ع‬
‫حصانه عند القفز فوق سياج‪ ،‬وبصوٍت حاول تعزيزه‪ ،‬قال‪" :‬حسًنا! سيدتي‪ ،‬أعتقد أنني أع‪NN‬رف شخًص ا‬
‫مناسًبا لآلنسة كلير‪ ،‬رجاًل صادًقا يحبها وسيفعل كل ما في وسعه لجعلها سعيدة‪".‬‬

‫"هذا"‪ ،‬قالت مدام دارالنج‪" ،‬مفهوم دائًم ا‪".‬‬

‫"الرجل الذي أتحدث عنه"‪ ،‬استمر القاضي‪" ،‬ال يزال شاًبا وثرًيا‪ .‬سيكون سعيًدا جًدا بأن يتزوج اآلنس‪NN‬ة‬
‫كلير بدون مهر‪ .‬لن يرفض فحص حسابات الوصاية الخاصة بك‪ ،‬بل سيطلب منك استثمار ثروت‪NN‬ك كم‪NN‬ا‬
‫تريد‪".‬‬

‫"حًقا! دابورون‪ ،‬يا صديقي‪ ،‬أنت لست بحمق!" صاحت المرأة العجوز‪.‬‬

‫"إذا كنِت تفضلين عدم استثمار ثروتك في صندوق الضمان االجتماعي‪ ،‬سيسمح ل‪NN‬ك ص‪NN‬هرك بم‪NN‬ا يكفي‬
‫لتعويض ما تجديننقًص ا في الوقت الحالي‪".‬‬
‫"آه! حًقا أنا أختنق"‪ ،‬قاطعت الماركيزة‪" .‬ماذا! أنت تعرف رجًال كهذا ولم تذكره لي من قبل! كان يجب‬
‫عليك أن تقدمه لي منذ فترة طويلة‪".‬‬

‫"لم أجرؤ‪ ،‬سيدتي‪ ،‬كنت خائًفا—"‬

‫"سريًعا! قل لي من هو هذا الصهر المثالي‪ ،‬هذا الطائر األبيض النادر؟ أين يتواجد؟"‬
‫شعر القاضي بارتعاش غريب في قلبه؛ ك‪NN‬ان على وش‪NN‬ك أن ي‪NN‬راهن س‪NN‬عادته على كلم‪NN‬ة واح‪NN‬دة‪ .‬وأخ‪NN‬يًرا‬
‫تلعثم‪" :‬إنه أنا‪ ،‬سيدتي!"‬

‫كان صوته ونظرته وحركته تتوسل‪ .‬كان مندهًش ا من جرأته الخاصة‪ ،‬خائًفا من أن ينتص‪NN‬ر على خجل‪NN‬ه‪،‬‬
‫وكان على وشك الوقوع على قدمي الس‪N‬يدة العج‪N‬وز‪ .‬ولكنه‪N‬ا ض‪NN‬حكت ح‪N‬تى جفونه‪N‬ا امتألت دموًع ا‪ ،‬ثم‬
‫حركت كتفيها‪ ،‬وقالت‪" :‬حًقا‪ ،‬العزيز دابورون أمٌر مضحٌك جًدا‪ ،‬سيجعلني أموت من الضحك! إنه مسٍل‬
‫جًدا!" وبعد ذلك انفجرت في الضحك مرة أخ‪N‬رى‪ .‬لكنه‪N‬ا ت‪N‬وقفت فج‪N‬أة‪ ،‬عن‪N‬د ذروة ض‪NN‬حكها‪ ،‬وتص‪NN‬نعت‬
‫أكثر تكريًم ا‪" .‬هل أنت جاٌد في كل ما قلته لي‪ ،‬السيد دابورون؟" سألته‪.‬‬

‫"لقد قلت الحقيقة"‪ ،‬همس القاضي‪" .‬فأنت غني جًدا؟"‬

‫"ورثت‪ ،‬سيدتي‪ ،‬من والدتي حوالي عشرين ألف فرنك سنوًيا‪ .‬أحد أعمامي‪ ،‬الذي توفي الع‪NN‬ام الماض‪NN‬ي‪،‬‬
‫وصية لي بأكثر من مائة ألف كورون‪ .‬والدي يستحق حوالي مليون فرنك‪ .‬وإذا طلبت منه نص‪NN‬فها غ‪ًNN‬دا‪،‬‬
‫فسيعطيني إياها‪ .‬وإذا كان من الضروري لسعادتي أن يعطيني جميع ثروت‪NN‬ه‪ ،‬فس‪NN‬يكون راض‪ًNN‬يا ج‪ًNN‬دا‪ ،‬إذا‬
‫كنت أترك له إدارتها‪".‬‬

‫أشارت مدام دارالنج له بالص‪NN‬مت؛ ولم‪NN‬دة خمس دق‪NN‬ائق على األق‪NN‬ل‪ ،‬ظلت غارق‪NN‬ة في التفك‪NN‬ير‪ ،‬وجبينه‪NN‬ا‬
‫مستنٌد على يديها‪ .‬ثم رفعت رأسها‪.‬‬

‫"اس‪NN‬تمع"‪ ،‬ق‪NN‬الت‪" ،‬ل‪NN‬و كنت ق‪NN‬د كنت جريًئ ا لتق‪NN‬ديم ه‪NN‬ذا االق‪NN‬تراح إلى وال‪NN‬د كل‪NN‬ير‪ ،‬لك‪NN‬ان ق‪NN‬د دع‪NN‬ا خدم‪NN‬ه‬
‫ليطردوك‪ .‬من أجالل اسمنا يجب أن أفعل الشيء نفسه؛ ولكني ال أستطيع فعل ذلك‪ .‬أن‪NN‬ا كب‪NN‬يرة في الس‪NN‬ن‬
‫ومنعزلة؛ أنا فقيرة؛ وتزعجني اآلفاق المستقبلية لحفيدتي‪ .‬هذا هو عذري‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ال أستطيع الموافقة‬
‫على التحدث إلى كلير عن هذا التحالف المريع‪ .‬ما يمكنني أن أعدك به‪ ،‬وهذا يعتبر كثيًرا‪ ،‬ه‪NN‬و أن‪NN‬ني لن‬
‫أكون ضدك‪ .‬اتخذ خطواتك الخاصة؛ قدم طلبك لآلنسة دارالنج وحاول إقناعها‪ .‬إذا قالت "نعم" بإرادتها‬
‫الحرة‪ ،‬فلن أقول "ال"‪".‬‬
‫السيد دابورون‪ ،‬متحمس بالسعادة‪ ،‬كاد أن يعانق السيدة العجوز‪ .‬اعتبره‪NN‬ا أفض‪NN‬ل وأك‪NN‬ثر النس‪NN‬اء تم‪NN‬يًز ا‪،‬‬
‫دون أن يالحظ سهولة إقناع هذا الروح الفخور‪ .‬كان يعيش في جنون‪ ،‬تقريًبا مجنوًنا‪.‬‬
‫"انتظر!" ق‪NN‬الت الس‪NN‬يدة العج‪NN‬وز‪" ،‬لم تنجح بع‪NN‬د في قض‪NN‬يتك‪ .‬أم‪NN‬ك‪ ،‬بالتأكي‪NN‬د‪ ،‬ك‪NN‬انت كوتف‪NN‬يز‪ ،‬ويجب أن‬
‫أسامحها على الزواج البائس‪ ،‬ولكن والدك ه‪N‬و مج‪N‬رد الس‪N‬يد داب‪N‬ورون‪ .‬ه‪N‬ذا االس‪N‬م‪ ،‬عزي‪N‬زي‪ ،‬مض‪N‬حك‬
‫ببساطة‪ .‬ه‪NN‬ل تعتق‪N‬د أن‪NN‬ه من الس‪NN‬هل جع‪NN‬ل فت‪NN‬اة ص‪NN‬غيرة ت‪NN‬دعى "دارالنج" لم‪NN‬دة تقريًب ا ‪ 18‬عاًم ا تص‪NN‬بح‬
‫دابورون؟"‬
‫لم يبد القاضي اهتماًم ا بهذا االعتراض‪.‬‬
‫"على أية حال"‪ ،‬واصلت السيدة العجوز‪" ،‬حص‪NN‬ل وال‪NN‬دك على كوتف‪NN‬يز‪ ،‬ل‪NN‬ذلك يمكن‪NN‬ك الف‪NN‬وز ب‪NN‬دارالنج‪.‬‬
‫على أساس الزواج في العائالت النبيلة‪ ،‬قد ينتهي األمر بدابورون بالتنبيه"‪ .‬نص‪NN‬حها بش‪NN‬كل أخ‪NN‬ير‪ ،‬تظن‬
‫أن كلير هي بما يبدو عليها‪ ،‬خجولة‪ ،‬لطيفة ومطيعة‪ .‬وأخ‪NN‬بره أن‪NN‬ه يجب علي‪NN‬ه أن ينتب‪NN‬ه‪ ،‬حيث إنه‪NN‬ا قوي‪NN‬ة‬
‫وشرسة وعني‪N‬دة مث‪N‬ل الم‪N‬اركيز وال‪N‬دها ال‪N‬ذي ك‪N‬ان أس‪N‬وأ من حم‪N‬ار أوف‪NN‬يرني‪ .‬وبمج‪N‬رد أن تواف‪NN‬ق كل‪N‬ير‬
‫بإرادتها الحرة‪ ،‬فإن شروطهما متفق عليها‪.‬‬
‫غادر القاضي من منزل دارالنج بنجاح‪ ،‬حيث كان قلبه ينتفخ بالقلق‪ .‬سار برأس مرف‪NN‬وع وص‪NN‬دره منتفخ‬
‫ويتنفس الهواء النقي بكامل قوة رئتيه‪ .‬كان سعيًدا جًدا! بدا السماء أزرًقا أكثر بالنسبة له‪ ،‬والشمس أك‪NN‬ثر‬
‫لمعاًنا‪ .‬شعر هذا القاضي الجدي برغبة جنونية في إيق‪NN‬اف الم‪NN‬ارة‪ ،‬ليض‪NN‬مهم في ذراعي‪NN‬ه‪ ،‬ويص‪NN‬رخ لهم‪:‬‬
‫"هل سمعتم؟ الماركيزة وافقت!" سار‪ ،‬وبدا له أن األرض تتحرك تحت خطواته‪ .‬إما أنه‪NN‬ا ص‪NN‬غيرة ج‪ًNN‬دا‬
‫لتحمل كل هذه السعادة‪ ،‬أو أنه أصبح خفيف الوزن جًدا لدرجة أنه سيطير بعيًدا نحو النجوم‪.‬‬

‫كم هي كبيرة القالع التي بناها في الهواء بناًء على ما قالته له السيدة دارالنج! س‪N‬يقدم اس‪N‬تقالته‪ ،‬وس‪N‬يبني‬
‫على ضفاف اللوار‪ ،‬ليس بعيًدا عن تور‪ ،‬فيال ساحرة ص‪NN‬غيرة‪ .‬ي‪NN‬رى ذل‪NN‬ك بالفع‪NN‬ل‪ ،‬م‪NN‬ع واجهته‪NN‬ا تواج‪NN‬ه‬
‫الشمس الصاعدة‪ ،‬محاطة بالزهور‪ ،‬ومظللة بأشجار منتشرة‪ .‬يفرش هذا المسكن ب‪NN‬أفخم األس‪NN‬اليب‪ .‬يري‪NN‬د‬
‫تقديم صندوق مذهل‪ ،‬يليق باللؤلؤة التي على وشك الحصول عليها‪ .‬ألنه ليس لديه ش‪NN‬ك‪ ،‬ال يوج‪NN‬د غيم‪NN‬ة‬
‫تحجب األفق المتأللئ بآماله‪ ،‬وال صوت في قعر قلبه يقف لينادي "احذر!"‪.‬‬
‫منذ ذلك اليوم‪ ،‬أصبحت زياراته إلى السيدة دارالنج أكثر تكرارًا‪ .‬يمكن القول إن‪NN‬ه يعيش في منزله‪NN‬ا‪ .‬في‬
‫حين يحافظ على سلوكه االحترامي والمحتفظ تجاه كلير‪ ،‬يس‪NN‬عى جاه‪ًNN‬دا ليص‪NN‬بح ش‪NN‬يًئا في حياته‪NN‬ا‪ .‬الحب‬
‫الحقيقي مبدع‪ .‬علم كي‪NN‬ف يتغلب على خجل‪NN‬ه‪ ،‬ويتح‪NN‬دث إلى حبيب‪NN‬ة نفس‪NN‬ه‪ ،‬ويش‪NN‬جعها على الح‪NN‬ديث مع‪NN‬ه‪،‬‬
‫ويثير اهتمامها‪ .‬يذهب في مسعى لجمع كل األخبار إلسعادها‪ .‬يقرأ كل الكتب الجديدة‪ ،‬ويحض‪NN‬ر ك‪NN‬ل م‪NN‬ا‬
‫يصلح لها للقراءة‪.‬‬
‫بدأ ينجح تدريجيًا‪ ،‬بفضل الثبات األدق‪ ،‬في ترويض هذه الفتاة الشابة الخجولة‪ .‬بدأ يدرك أن خوفه‪NN‬ا من‪NN‬ه‬
‫قد اختفى تقريًبا‪ ،‬وأنها لم تعد تستقبله بالهواء البارد والكئيب الذي سبق وأبعدها عن‪NN‬ه‪ .‬ش‪NN‬عر أن‪NN‬ه يكتس‪NN‬ب‬
‫ثقتها بشكل غير ملحوظ‪ .‬ما زالت تحمر عندما تتح‪NN‬دث مع‪NN‬ه‪ ،‬ولكنه‪NN‬ا لم تع‪NN‬د ت‪NN‬تردد في الخط‪NN‬اب األول‪.‬‬
‫ح‪NN‬تى تج‪NN‬رأت في بعض األحي‪NN‬ان على ط‪NN‬رح س‪NN‬ؤال علي‪NN‬ه‪ .‬إذا س‪NN‬معت عن مس‪NN‬رحية وأرادت معرف‪NN‬ة‬
‫الموضوع‪ ،‬سيذهب السيد دابورون على الفور لمش‪NN‬اهدتها‪ ،‬ويكتب تقري‪ًNN‬را ك‪NN‬امًال عنه‪NN‬ا‪ ،‬وُيرس‪NN‬لها إليه‪NN‬ا‬
‫عبر البريد‪ .‬في بعض األحيان‪ ،‬تكلفه ببعض المهام الصغيرة ال‪NN‬تي لن يتن‪NN‬ازل عن تنفي‪NN‬ذها ح‪NN‬تى لس‪NN‬فارة‬
‫روسية‪.‬‬
‫مرة واحدة‪ ،‬قرر أن يرسل إليها باقة زهور رائعة‪ .‬قبلتها بتعجب مضطرب‪ ،‬لكنها طلبت منه عدم تكرار‬
‫العرض‪.‬‬
‫جرت الدموع على خديه‪ ،‬ترك وجوده محطم القلب وأكثر الرجال حزًنا‪" .‬ال تحبني"‪ ،‬فكر‪" ،‬لن تحب‪NN‬ني‬
‫أبًدا"‪ .‬لكن بعد ثالثة أيام‪ ،‬وهو يبدو حزيًنا جًدا‪ ،‬طلبت منه شراء بعض الزهور التي ك‪NN‬انت في الموض‪NN‬ة‬
‫آنذاك‪ ،‬والتي كانت ترغب في وضعها على مكتبها‪ .‬أرسل لها ما يكفي لملء المنزل من العلية إلى القبو‪.‬‬
‫"ستحبني"‪ ،‬همس لنفسه في فرحته‪.‬‬
‫لم تتوقف هذه األحداث الصغيرة ولكن الكبيرة عن لعب البيكيه‪ .‬فقط‪ ،‬بدأت الفتاة الشابة تظه‪NN‬ر اهتمامه‪NN‬ا‬
‫باللعب‪ ،‬وكانت تأخذ جانب القاض‪NN‬ي تقريًب ا دائًم ا ض‪NN‬د الس‪NN‬يدة دارالنج‪ .‬لم تفهم اللعب‪NN‬ة بش‪NN‬كل جي‪NN‬د‪ ،‬لكن‬
‫عندما يغش الالعب القديم بشكل واضح‪ ،‬ستالحظ ذلك‪ ،‬وتقول بابتسامة‪" :‬إنها تسرقك‪ ،‬السيد داب‪NN‬ورون‪،‬‬
‫إنها تسرقك!" كان سيمنح ثروته بأكملها ليسمع هذا الصوت الحلو يردده‪.‬‬
‫كان ذلك في فصل الصيف‪ ،‬غالًبا ما تقبل ذراعه في المساء‪ ،‬وفي حين يبقى الس‪NN‬يدة دارالنج في الناف‪NN‬ذة‪،‬‬
‫جالسة في كرسيها‪ ،‬يتجوالن حول الحديقة‪ ،‬مداعبين الط‪NN‬رق المبلل‪NN‬ة بالحص‪NN‬ى الن‪NN‬اعم ال‪NN‬ذي يمح‪NN‬و آث‪NN‬ار‬
‫خطواتها‪ .‬تحدثت معه بفرح‪ ،‬كأخت محبوبة‪ ،‬بينما ك‪NN‬ان مض‪NN‬طًرا إلجب‪NN‬ار مش‪NN‬اعره‪ ،‬المتن‪NN‬اع عن تقبي‪NN‬ل‬
‫رأسها األشقر الصغير‪ ،‬التي رفعتها الرياح الخفيفة ونثرتها كغيوم صغيرة‪ .‬في ه‪N‬ذه اللحظ‪N‬ات‪ ،‬يب‪N‬دو ل‪N‬ه‬
‫أنه يسير في مسار ساحر مزين بالزهور‪ ،‬وفي نهايته يظهر السعادة‪.‬‬
‫عندما حاول التحدث عن آماله للسيدة دارالنج‪ ،‬كانت تق‪NN‬ول‪" :‬تع‪NN‬رف م‪NN‬ا اتفقن‪NN‬ا علي‪NN‬ه‪ .‬ال كلم‪NN‬ة‪ .‬بالفع‪NN‬ل‪،‬‬
‫صوت الضمير يوبخني ألني قدمت مثل هذا الشيء‪ .‬التفكير في أن يكون لي يوًم ا ما حفيدة تدعى نفس‪NN‬ها‬
‫السيدة دابورون! يجب عليك أن تلقي عريضة إلى الملك‪ ،‬يا صديقي‪ ،‬لتغيير اسمك‪".‬‬
‫لو كان هذا المراقب الحاد يدرس شخصية إلهته بدًال من إدمانه على األحالم السعيدة‪ ،‬فقد يكون قد وضع‬
‫نفسه على حذر‪ .‬وفي الوقت نفسه‪ ،‬الحظ تغيرات غريبة في مزاجها‪ .‬في بعض األيام‪ ،‬كانت س‪NN‬عيدة وال‬
‫تهتم كأنها طفلة‪ .‬ثم‪ ،‬لمدة أس‪NN‬بوع‪ ،‬بقيت حزين‪NN‬ة ومكتئب‪NN‬ة‪ .‬رأى القاض‪NN‬ي الفت‪NN‬اة في ه‪NN‬ذه الحال‪NN‬ة في الي‪NN‬وم‬
‫التالي لحفل راقص‪ ،‬الذي كانت جدتها قد أصرت على أن تحضره‪ ،‬وتجرأ وسألها عن سبب حزنها‪.‬‬
‫"أوه! هذا"‪ ،‬أجابت هي‪ ،‬وهي تلتهج بتنهد عميق‪" ،‬هو سري‪ ،‬سر حتى جدتي ال تعرفه‪".‬‬
‫نظر إليها السيد دابورون‪ .‬اعتقد أنه رأى دمعة بين رموشها الطويلة‪.‬‬
‫"في يوم من األيام"‪ ،‬واصلت هي‪" ،‬قد أثقفك‪ :‬ربما يكون ذلك ضروريًا‪".‬‬
‫كان القاضي أعمى وأصم‪" .‬أنا أيًض ا"‪ ،‬أجاب‪" ،‬لدي سر‪ ،‬أريد االعتراف به إليك بالمثل‪".‬‬
‫عندما انسحب في منتصف الليل‪ ،‬قال لنفسه‪" :‬غًدا سأعترف بك‪N‬ل ش‪N‬يء له‪N‬ا‪ ".‬ثم م‪N‬ر أك‪N‬ثر من خمس‪N‬ين‬
‫يوًم ا‪ ،‬خاللها كرر لنفسه‪" :‬غًدا!" وأخيًر ا‪ ،‬حدث ذلك في مساء من شهر أغسطس؛ كان الحر في النه‪NN‬ار‬
‫مرهًقا‪ ،‬وفيما اقترب الظالم‪ ،‬ارتفعت األوراق؛ توجد عالمات على عاصفة في الجو‪.‬‬
‫جلسا مًعا في أسفل الحديقة‪ ،‬تحت الكرمة المزينة بالنبات‪NN‬ات الغريب‪NN‬ة‪ ،‬ومن خالل األغص‪NN‬ان‪ ،‬رأي‪NN‬ا ث‪NN‬وب‬
‫السيدة دارالنج‪ ،‬التي كانت تتجول بعد عشاءها‪ .‬بقيا طويًال دون الكالم‪ ،‬يتمتعان بعط‪NN‬ر الزه‪NN‬ور وجم‪NN‬ال‬
‫الليل الهادئ‪.‬‬
‫تجرأ السيد دابورون على أخذ يد الفتاة الصغيرة‪ .‬كانت هذه المرة األولى‪ ،‬ولمسة بشرتها الرقيقة أث‪NN‬ارت‬
‫كل ألياف جسده‪ ،‬ودفعت الدماء للتدفق إلى دماغه‪.‬‬
‫"آنسة"‪ ،‬تلعثم‪" ،‬كلير ‪"-‬‬
‫التفت نحوه عيناها الجميلتان‪ ،‬مليئتان بالدهشة‪.‬‬

‫"اعُف عّني"‪ ،‬استمّر هو‪" ،‬اعُف عّني‪ .‬تحّد ثُت مع جّد ِتَك قبل أْن أتجّرأ وأرف‪َN‬ع عيَنْي إلي‪NN‬ك‪ .‬أال تفهُم ني؟‬
‫كلمٌة من شفتيَك سُتقّرُر سعادتي أو بؤسي المستقبلين‪ .‬كلير‪ ،‬اآلنسة‪ ،‬ال تحتِقريني‪ :‬أحُّبِك !"‬

‫وفيما كان القاضي يتحدث‪ ،‬نظرت اآلنسة دارالنج إليه وكأنها تشُّك في دَّق ِة حواِس ها؛ لكن عن‪NN‬دما نط‪َNN‬ق‬
‫بكلمِة "أحُّبِك " بلغِة العاطفة األكثر تفاًنيًا‪ ،‬فَّك ت يدها بقوٍة وأطلقت صرخًة مكتومًة‪.‬‬

‫"أنَت ؟" همسْت ‪" ،‬هل حًّقا أنَت ؟"‬


‫بهذا اللحظة الحرجة من حياته‪ ،‬لم يكن السيد دابورون قادًر ا على إطالِق كلمٍة‪ .‬الشعوُر بالمصيبِة الهائلِة‬
‫ك‪NN‬ان يض‪NN‬غُط على قلب‪NN‬ه‪ .‬فم‪NN‬اذا ك‪NN‬انت مش‪NN‬اعُره حين رأى كل‪NN‬ير تنه‪NN‬اُر في البك‪NN‬اء؟ غطْت وجَهه‪NN‬ا بي‪NN‬ديها‬
‫وكررْت ‪:‬‬

‫"أنا بائسٌة جدًا‪ ،‬جدًا بائسٌة!"‬

‫"أنِت بائسٌة؟" صاَح القاضي أخيًر ا‪" ،‬وبسببي؟ كلير‪ ،‬أنِت قاسيٌة! بحِّق الس‪NN‬ماء‪ ،‬م‪NN‬اذا فعلُت ؟ م‪NN‬ا األم‪NN‬ر؟‬
‫اتكلمي! أي شيٍء غير هذا القلِق الذي يقتلني‪".‬‬

‫انحنى على ركبتيه أمامها على الممَّر الحصوي وحاوَل مجدًدا أْن يأخذ ي‪NN‬دها‪ ،‬لكنه‪NN‬ا رَّد ْت علي‪NN‬ه بإيم‪NN‬اءٍة‬
‫ترحميٍة‪.‬‬

‫"دعني أبكي"‪ ،‬قالْت ‪" ،‬أشعُر بألٍم شديد‪ ،‬ستكرهني‪ ،‬أشعر بذلك‪ .‬من يعلم‪ ،‬ربما ستحتِقريني‪ ،‬ولكني أقسُم‬
‫بالسماِء أَّنني لم أتوَّقع ما قلَته لي اآلن‪ ،‬لم يخطر لي حتى بالشِّك في ذلك!"‬

‫ظّل السيد دابورون على ركبتيه في انتظاِر حكِم ه‪.‬‬

‫"نعم"‪ ،‬أكملْت كلير‪" ،‬ستعتِقُد أَّنَك ُكْنَت ضحيَة تالُع ٍب مقيت‪ .‬أرى اآلَن ! أفهُم ك‪َّNN‬ل ش‪NN‬يء! ال ُيمكُن ‪ ،‬دوَن‬
‫ُح ٍب عميٍق‪ ،‬أن ُيصِبَح الرجُل ك‪َّN‬ل م‪N‬ا ُكْنَت لي‪ .‬ي‪N‬ا لألس‪N‬ف! كنُت طفل‪ًN‬ة فحس‪N‬ب‪ُ ،‬أعِط يُت نفس‪N‬ي للس‪N‬عادِة‬
‫الكبيرِة في وجوِد صديق! ألسُت وحيدًة في العالِم وكأَّنني ضائعٌة في صحراِء ال نهايَة له‪NN‬ا؟ كنُت س‪NN‬اذجًة‬
‫ومتهورًة عندما فتحُت قلبي لك‪ ،‬كأٍب أفضل‪ ،‬أكثُر تساُم ًحا‪".‬‬
‫كشفت هذه الكلمات على القاضي األسفل حجم خطأه‪ .‬فكما يضربه الكماشة الثقيل‪N‬ة‪ ،‬تحّطمت أمام‪N‬ه أمل‪N‬ه‬
‫الهش في ألف جزء‪ .‬رفع نفسه ببطء‪ ،‬وبصوت من الالماراة إعتذر قائًال‪" :‬والدك!"‬

‫شعرت اآلنسة دارالنج كم هي ق‪N‬د ج‪N‬رحت ه‪N‬ذا الرج‪N‬ل ال‪N‬ذي ال يمكنه‪N‬ا ح‪N‬تى فهم حّب ه العمي‪N‬ق‪" .‬نعم"‪،‬‬
‫أكملت‪" ،‬أن‪N‬ا أحب‪N‬ك ك‪N‬أب! عن‪N‬دما أرى أن‪N‬ك‪ ،‬ال‪N‬ذي تظه‪N‬ر ع‪N‬ادًة بالجدي‪N‬ة والتقش‪N‬ف‪ ،‬تص‪N‬بح لي كلم‪N‬احن‬
‫وتسامح‪ ،‬شكرت السماء إلرسال حامي ليحل محل الذين ماتوا‪".‬‬
‫لم يستطع السيد دابورون إيقاف نفسه عن النحيب؛ فقد كان قلبه يتحطم‪.‬‬

‫"كلمٌة واحدٌة"‪ ،‬استكملت كلير "كلم‪ٌN‬ة واح‪NN‬دٌة‪ ،‬لك‪NN‬انت ق‪NN‬د أض‪NN‬اءت لي األم‪NN‬ر‪ .‬لم‪NN‬اذا لم تنط‪NN‬ق به‪NN‬ا؟ كنُت‬
‫سعيدًة للغاية باالعتماد عليك‪ ،‬كطف‪N‬ل على أم‪NN‬ه‪ ،‬وب‪NN‬أي ف‪NN‬رٍح داخلي قلت لنفس‪NN‬ي‪" :‬أن‪NN‬ا متأك‪NN‬دٌة من وج‪NN‬ود‬
‫صديٍق واحد‪ ،‬قلٍب واحٍد يتدفُق إليه تفاضلي!"؟ لماذا لم تكن ثقتي أك‪NN‬بر؟ لم‪NN‬اذا حجبت س‪NN‬ري عن‪NN‬ك؟ لق‪NN‬د‬
‫كنُت أستطيُع تجاوز هذه الكارث‪NN‬ة المريع‪NN‬ة‪ .‬ك‪NN‬ان علّي أن أخ‪NN‬برك من‪ُN‬ذ زمٍن بعي‪NN‬د‪ .‬لم أع‪NN‬د أمل‪NN‬ك حري‪NN‬تي‬
‫وسعادتي‪ ،‬أعطيت حياتي لشخٍص آخر‪".‬‬

‫ك‪NN‬ان مص‪NN‬ير الس‪NN‬يد داب‪NN‬ورون الحلي‪NN‬ف في الس‪NN‬حاب‪ ،‬ثم يس‪NN‬قط بقس‪NN‬وة على األرض؛ فلم يمكن وص‪NN‬ف‬
‫معاناته‪" .‬من األفضل أن أتكلم"‪ ،‬أج‪NN‬اب‪" ،‬ولكن ال‪ ،‬أن‪NN‬ا م‪NN‬ديٌن لص‪NN‬متك‪ ،‬كل‪NN‬ير‪ ،‬س‪NN‬تكون س‪NN‬تة أش‪NN‬هر من‬
‫األوهام اللذيذة‪ ،‬ستة أشهر من األحالم الساحرة هي نصيبي من سعادة الحياة‪".‬‬

‫ما زالت آخر أشعة النهار تتيح للقاضي رؤية اآلنسة دارالنج‪ .‬كان وجهها الجميل أبيض كالرخام وثابًتا‪.‬‬
‫تدحرجت الدموع الثقيلة بصمت على خديها‪ .‬بدا للسيد دابورون أنه يش‪NN‬اهد مش‪NN‬هًدا مرعًب ا لتمث‪NN‬اٍل يبكي‪.‬‬
‫"أنِت تحبين شخًص ا آخ‪N‬ر"‪ ،‬ق‪N‬ال أخ‪N‬يًرا‪" ،‬آخ‪N‬ر! وج‪N‬دِت شخًص ا يس‪N‬تحق حّب ِك ‪ ،‬فلم‪N‬اذا ال تق‪N‬وم ج‪ّN‬د تِك‬
‫بإستقباله؟"‬

‫"هناك عوائق معينة"‪ ،‬همست كلير‪" ،‬عوائق قد ال نتمكن من إزالتها‪ ،‬ولكن فتاة مثلي ال يمكنها أن تحب‬
‫سوى مرة واحدة‪ .‬إما أن تتزوج من من تحب‪ ،‬أو تنتمي إلى السماء!"‬

‫"عوائ‪NN‬ق معين‪NN‬ة!"‪ ،‬ق‪NN‬ال الس‪NN‬يد داب‪NN‬ورون بص‪NN‬وت هامش‪NN‬ي‪" .‬أنِت تح‪NN‬بين رجًال‪ ،‬وه‪NN‬و يعلم ذل‪NN‬ك‪ ،‬ولكن‬
‫العوائق تمنعه؟"‬

‫"أنا فقيرة"‪ ،‬أجابت اآلنسة دارالنج‪" ،‬وعائلته غنية جدًا‪ .‬والده قاٍس وال يرحم‪".‬‬
‫"والده!" صاح القاضي‪ ،‬بمرارة لم يكن يحلم بإخفائها‪" .‬والده‪ ،‬وعائلته‪ ،‬يمنعونه! أنِت فقيرة وهو غ‪NN‬ني‪،‬‬
‫وهذا يمنعه! ومع ذلك يعلم أنِك تحبينه! لماذا لسُت في مكانه؟ ولماذا ليس لدي الكون بأس‪NN‬ره ض‪NN‬دي؟ م‪NN‬ا‬
‫الذي يمكن أن يقارن بالتضحية من أجل الحب؟ كما أفهمها‪ .‬أال تكون هذه هي الفرح‪NN‬ة العظيم‪NN‬ة ب‪NN‬دًال من‬
‫التضحية؟ العاناة‪ ،‬والكفاح‪ ،‬واالنتظار‪ ،‬واألم‪NN‬ل ال‪NN‬دائم‪ ،‬والتف‪NN‬اني الكام‪NN‬ل في اآلخ‪NN‬ر‪ .‬ه‪NN‬ذا ه‪NN‬و تص‪NN‬وري‬
‫للحب‪".‬‬

‫"هكذا أحب"‪ ،‬قالت كلير ببساطة‪.‬‬

‫هذا الجواب سحق القاضي‪ .‬يمكنه فهمه‪ .‬يعرف أن‪NN‬ه ليس لدي‪NN‬ه أي أم‪NN‬ل؛ ولكن‪NN‬ه يش‪NN‬عر بمتع‪NN‬ة مريع‪NN‬ة في‬
‫تعذيب نفسه وإثبات بؤسه بواسطة األلم الشديد‪.‬‬

‫"لكن"‪ ،‬أصر‪" ،‬كيف تعرفِت عليه‪ ،‬وتحدثِت إليه؟ أين ومتى؟ ال تستقبل اآلنسة دارالنج أحدًا‪".‬‬

‫"يجب علّي أن أخبرك بكل شيء اآلن‪ ،‬سيدي"‪ ،‬أجابت كلير بكبرياء‪" .‬لقد عرفت‪NN‬ه من‪NN‬ذ وقت بعي‪NN‬د‪ .‬ك‪NN‬ان‬
‫ذلك في منزل أحد أصدقاء جّد تي‪ ،‬الذي يعتبره عائلته‪ ،‬اآلنسة غويلو العجوز‪ .‬هن‪NN‬اك تح‪NN‬دثنا م‪NN‬ع بعض‪NN‬نا‬
‫البعض‪ ،‬ومنذ ذلك الحين نلتقي مع بعضنا البعض هناك‪".‬‬

‫"آه!" صاح السيد دابورون‪ ،‬الذي فتحت عيناه فجأة‪" ،‬أتذكر اآلن‪ .‬قب‪N‬ل بض‪NN‬عة أي‪N‬ام من زيارت‪N‬ك لآلنس‪N‬ة‬
‫غويلو‪ ،‬كنِت أكثر حيويًة مما عهدنا‪ ،‬وعندما عدِت‪ ،‬كنِت غالًبا حزينة‪".‬‬

‫"هذا ألنني أرى كم يتألم بسبب العوائق التي ال يستطيع التغلب عليها"‪ ،‬أجابت كلير بفخر‪.‬‬
‫"إذًا‪ ،‬فعائلته هي الراقية جدًا حتى تحتقر تحالفًا مع عائلتك؟" سأل القاضي بصوت حاد‪.‬‬

‫"كان يجب علّي أن أخبرك بكل ش‪N‬يء‪ ،‬دون االنتظ‪N‬ار ليس‪N‬ألني أح‪N‬د‪ ،‬س‪N‬يدي"‪ ،‬أج‪N‬ابت اآلنس‪N‬ة دارالنج‪،‬‬
‫"حتى اسمه‪ .‬يدعى ألبير دي كوماران‪".‬‬
‫في هذه اللحظة‪ ،‬كانت الماركيزة‪ ،‬التي اعتقدت أنها قد مشت بم‪N‬ا في‪N‬ه الكفاي‪N‬ة‪ ،‬تس‪N‬تعد للع‪N‬ودة إلى غرف‪NN‬ة‬
‫النوم الخاصة بها باللون ال‪NN‬وردي‪ .‬ل‪NN‬ذلك‪ ،‬اق‪NN‬تربت من المظل‪NN‬ة وص‪NN‬احت بص‪NN‬وت ع‪N‬اٍل ‪" :‬ينتظ‪NN‬رك لعب‪NN‬ة‬
‫البيكيه‪ ،‬سيادة القاضي!"‬

‫بشكل آلي‪ ،‬استيقظ القاضي وهو يتلعثم قائًال‪" :‬أنا آٍت‪".‬‬

‫لكن كلير أوقفته‪" .‬لم أطلب منك الحفاظ على سري‪ ،‬سيدي"‪ ،‬قالت‪" ،‬يا لها من ساذجة!"‬

‫"أنا أعرف"‪ ،‬استأنفت كل‪NN‬ير‪" ،‬أن‪NN‬ني يمكن‪NN‬ني االعتم‪NN‬اد علي‪NN‬ك‪ ،‬ولكن‪ ،‬بغض النظ‪NN‬ر عم‪NN‬ا س‪NN‬يحدث‪ ،‬ف‪NN‬إن‬
‫هدوئي قد انتهى‪".‬‬

‫نظر القاضي إليها بتعجب‪ ،‬وبدا عليه أن عينيه تسألها‪.‬‬

‫"من المؤكد"‪ ،‬استمرت كلير‪" ،‬أن م‪NN‬ا لم أراه أن‪NN‬ا‪ ،‬الفت‪NN‬اة الش‪NN‬ابة والغ‪NN‬ير مخض‪NN‬رمة‪ ،‬لم يفلت من إش‪NN‬ارة‬
‫جدتي‪ .‬أنها ال تزال تستقبلك‪ ،‬وهذا يعد تشجيًعا ضمنًيا لتقديمك للخطبة؛ األمر الذي أراه‪ ،‬دع‪NN‬وني أق‪NN‬ول‪،‬‬
‫شرًفا كبيًرا لنفسي‪".‬‬

‫"لقد ذكرت من قبل‪ ،‬اآلنسة‪ "،‬رد القاضي‪" ،‬أن الماركيزة قد وافقت على تمنياتي‪".‬‬

‫ثم روى القاضي بإيجاز لقائه مع مدام دارالنج‪ ،‬مع الحرص‪ ،‬بالطبع‪ ،‬على تجاهل المس‪N‬ألة المادي‪N‬ة ال‪N‬تي‬
‫أثرت بشدة على السيدة العجوز‪.‬‬

‫"أرى بوضوح تأثير هذا على هدوئي"‪ ،‬قالت كلير بحزن‪" .‬عندما تعلم ج‪NN‬دتي ب‪NN‬أنني لم أتل‪NN‬ق خطابات‪NN‬ك‪،‬‬
‫ستغضب كثيرًا‪".‬‬
‫"أنِت َتْقِد ِر يَنِني ِبَش ْك ٍل َخ اِط ٍئ ي‪NN‬ا اآلنس‪NN‬ة"‪ ،‬ق‪NN‬اطع الس‪NN‬يد داب‪NN‬ورون‪" ،‬ليس ل‪NN‬دي ش‪NN‬يء ألقول‪NN‬ه للم‪NN‬اركيزة‪.‬‬
‫سأنسحب وسيتم اإلنتهاء من كل شيء‪ .‬وال شك أنها ستعتقد أني غّيرت رأيي!"‬
‫"أنَت طيٌب وكريم‪ ،‬أعلُم بذلك جيًدا!"‬

‫"سأذهب"‪ ،‬أكمل السيد دابورون‪" ،‬وقريًبا ستنسى حتى اسم المسكين الذي تحطمت آماله في الحياة‪".‬‬

‫"أنَت ال تقصد ما تقول"‪ ،‬قالت الفتاة الشابة بسرعة‪.‬‬

‫"حسًنا‪ ،‬ال‪ .‬أحتضن هذا الوهم األخير‪ ،‬أنك ستتذكرينني فيما بعد بس‪N‬عادة‪ .‬أحياًن ا س‪N‬تقولين‪' :‬أحّب ني'‪ ،‬وال‬
‫زلُت أرغب في أن أبقى صديقك‪ ،‬نعم‪ ،‬صديقك األكثر تفاًني‪".‬‬

‫ثم قامت كلير بدورها بإمساك يدي السيد دابورون وقالت بحركة مؤثرة‪" :‬نعم‪ ،‬أنَت على ح‪NN‬ق‪ ،‬يجب أن‬
‫تبقى صديقي‪ .‬دعونا ننسى ما حدث‪ ،‬ما قلته الليلة‪ ،‬وتبقى لي‪ ،‬كما في الماض‪NN‬ي‪ ،‬أفض‪NN‬ل‪ ،‬وأك‪NN‬ثر اإلخ‪N‬وة‬
‫تساهاًل ‪".‬‬

‫وكانت الظالم قد حل‪ ،‬ولم تستطع رؤيته‪ ،‬لكنها كانت تعلم أنه كان يبكي‪ ،‬ألنه كان بطيًئا في الرد‪.‬‬

‫"هل ه‪NN‬ذا ممكن؟"‪ ،‬همس بص‪NN‬وٍت خ‪NN‬افٍت‪" ،‬أنِت من تتح‪NN‬دثين عن نس‪NN‬يان؟! ه‪NN‬ل تش‪NN‬عرين بالق‪NN‬درة على‬
‫النسيان؟! أال ترين أنني أحبك ألف مرة أكثر مما تحبين‪...‬؟" توقف عن‪NN‬دما ح‪NN‬اول نط‪NN‬ق اس‪NN‬م كوم‪NN‬اران‪،‬‬
‫وثم بجهٍد أضاف‪" :‬وسأحبك دائًم ا‪".‬‬

‫خرجوا من المظلة‪ ،‬وكانوا اآلن يقفون ليس بعيًدا من الدرج المؤدي إلى البيت‪.‬‬

‫"واآلن‪ ،‬اآلنسة"‪ ،‬استأنف السيد دابورون‪" ،‬اسمحي لي أن أقول‪ :‬وداًعا! ستراني قليًال‪ .‬لن أعود إال بم‪NN‬ا‬
‫يكفي لتجنب مظهر االنقطاع‪".‬‬

‫كان صوته يرتجف‪ ،‬حتى كان من الصعب عليه جعله واضًحا‪.‬‬


‫"مهم‪NN‬ا يح‪NN‬دث"‪ ،‬أض‪NN‬اف‪" ،‬ت‪NN‬ذكري أن هن‪NN‬اك كائًن ا مؤس‪ًN‬فا في الع‪NN‬الم ينتمي إلي‪ِN‬ك تماًم ا‪ .‬إذا ك‪NN‬ان ل‪NN‬ديِك‬
‫حاجةلوالء الصديق‪ ،‬تعالي إلّي ‪ ،‬تعالي إلى صديقِك ‪ .‬اآلن‪ ،‬انتهى‪ ...‬لدي الشجاعة‪ .‬كلير‪ ،‬اآلنس‪NN‬ة‪ ،‬للم‪NN‬رة‬
‫األخيرة‪ ،‬وداًعا!"‬
‫لم تكن أقل حركة منه‪ .‬تقّد مت نحوه بشكل غري‪NN‬زي‪ ،‬وللم‪NN‬رة األولى واألخ‪NN‬يرة‪ ،‬لمس‪NN‬ت ش‪NN‬فتاه الب‪NN‬اردتين‬
‫جبين الشخص الذي أحبته كثيًر ا‪ .‬صعدوا الدرج‪ ،‬وكانت تتكئ على ذراعه‪ ،‬ودخل‪NN‬وا الص‪NN‬الون الزه‪NN‬ري‬
‫حيث كانت الماركيزة جالسة‪ ،‬تحرك الورق بانتظار ضحيتها‪.‬‬

‫"ماذا‪ ،‬يا القاضي النزيه"‪ ،‬صاحت الماركيزة‪.‬‬

‫لكن السيد دابورون شعر بالغثيان‪ .‬لم يكن يستطيع حمل الورق‪ .‬تلعثم في إبداء بعض األع‪NN‬ذار الس‪NN‬خيفة‪،‬‬
‫تحدث عن األعمال الضرورية‪ ،‬والواجبات التي يجب االنتب‪NN‬اه إليه‪NN‬ا‪ ،‬وعن ش‪NN‬عوره ب‪NN‬المرض المف‪NN‬اجئ‪،‬‬
‫وخرج‪ ،‬متشبًثا بالجدران‪.‬‬

‫أثارت رحيله غضب الالعبة القديمة‪ .‬التفت إلى حفيدتها ال‪NN‬تي ذهبت إلخف‪NN‬اء ارتباكه‪NN‬ا بعي‪ًNN‬دا عن ش‪NN‬موع‬
‫طاولة الورق‪ ،‬وسألت‪" :‬ما الذي حدث لدابورون هذا المساء؟"‬

‫"ال أعرف‪ ،‬سيدتي"‪ ،‬تلعثمت كلير‪.‬‬

‫"يبدو لي"‪ ،‬استمرت الم‪NN‬اركيزة‪" ،‬أن القاض‪NN‬ي الص‪NN‬غير يس‪NN‬مح لنفس‪NN‬ه باتخ‪NN‬اذ حري‪NN‬ات غريب‪NN‬ة‪ .‬يجب أن‬
‫يتذكر مكانته الحقيقية‪ ،‬أو سينتهي باالعتقاد بأنه مساٍو لنا‪".‬‬

‫حاولت كلير تفسير سلوك القاضي‪" :‬لقد كان يشكو طوال الليل‪ ،‬جدتي‪ ،‬ربما هو مريض‪".‬‬

‫"وإذا كان كذلك؟" صاحت العجوز‪" .‬أليس من واجبه ممارسة بعض التحف‪NN‬ظ‪ ،‬تق‪NN‬ديًرا لش‪NN‬رف وجودن‪NN‬ا؟‬
‫أعتقد أنني سردت لكم قصة جدكم الكبير‪ ،‬دوق سانت هورلوج‪ ،‬الذي اختير لالنضمام إلى فريق ال‪NN‬ورق‬
‫الملكي عند عودتهم من الصيد‪ ،‬ولعب طوال الليل وخسر بأفضل طريقة ممكنة مائتين وعشرين دوالًرا‪.‬‬
‫الحظ الجميع مرحه وحسن مزاجه‪ .‬تم التعرف على يوم الغد فق‪NN‬ط‪ ،‬أن‪NN‬ه خالل الص‪NN‬يد‪ ،‬س‪NN‬قط من فرس‪NN‬ه‪،‬‬
‫وجلس على طاولة الورق الخاصة بجاللته م‪NN‬ع ض‪NN‬لع مكس‪NN‬ور‪ .‬لم يقم أح‪NN‬د ب‪NN‬أي تعلي‪NN‬ق‪ ،‬ألن ه‪NN‬ذا العم‪NN‬ل‬
‫العادي من اللط‪NN‬ف الع‪NN‬ادي في تل‪NN‬ك األي‪NN‬ام ك‪NN‬ان يب‪NN‬دو طبيعًي ا تماًم ا‪ .‬ه‪NN‬ذا ال‪NN‬دابورون الص‪NN‬غير‪ ،‬إذا ك‪NN‬ان‬
‫مريًض ا‪ ،‬كان يجب أن يثبت أصالته بعدم إبداء أي شيء عن ذلك‪ ،‬والبقاء للعب ال‪N‬ورق‪ .‬لكن‪N‬ه بخ‪N‬ير كم‪N‬ا‬
‫أنا بخير‪ .‬من يعرف إلى أي لعبة ذهب للعبها في مكان آخر!"‬
‫الفصل ‪7‬‬
‫لم يعد السيد دابورون إلى منزله بعد مغادرته اآلنسة دارالنج‪ .‬طوال الليل تجول عشوائيًا‪ ،‬يسعى لتهدئة‬
‫جبينه المحموم وتخفيف تعبه الشديد‪.‬‬

‫"يا حمقى!" قال لنفسه‪" ،‬أنا ألف مرة حمقى ألنني أملت‪ ،‬وصدقت‪ ،‬أنها ستحبني‪ .‬أحمق! كيف يمكنني‬
‫أن أجرؤ على حلم بامتالك هذا الجمال والنبل والجمال! كانت مثيرة لإلعجاب هذه المساء‪ ،‬عندما كانت‬
‫وجهها مغموًر ا بالدموع! هل يمكن أن يكون هناك شيء أكثر مالئمة؟ ما هو العبارة السامية التعبيرية‬
‫التي كانت عيناها تتحدث عنه! يجب أن تحبه كثيرًا! وأنا؟ هي تحبني كأب‪ ،‬قالت لي بذلك‪ ،‬كأب! وهل‬
‫يمكن أن يكون خالف ذلك؟ أليس هذا هو العدل؟ هل يمكن لشخص مثلي‪ ،‬الذي يبدو كما لو كان قاضيًا‬
‫مكتئبًا وشديد النظرة‪ ،‬أن يكون حبيًبا في عينيها؟ أليس من الجريمة أن أحلم بتوحيد تلك البراءة العذراء‬
‫مع معرفتي الشنيعة بالعالم؟ بالنسبة لها‪ ،‬المستقبل ما زال أرض األوهام الجميلة‪ ،‬بينما تالشت كل‬
‫خياالتي منذ زمن بعيد‪ .‬إنها شابة مثل البراءة‪ ،‬وأنا شخص كهذا الشر‪".‬‬

‫شعر القاضي الذي ال يسعه الحظ بالخجل الشديد‪ .‬فهو يفهم كل‪NN‬ير‪ ،‬ويعت‪NN‬ذر له‪NN‬ا‪ .‬ويت‪NN‬وب على نفس‪NN‬ه ألن‪N‬ه‬
‫أظهر لها كيف يعاني؛ إللقاء ظل على حياتها‪ .‬ال يمكنه أن يغفر لنفسه ألنه تح‪NN‬دث عن حب‪NN‬ه‪ .‬ه‪NN‬ل لم يكن‬
‫يجب عليه أن يتنبأ بما حدث؟ ‪ -‬أنها سترفضه‪ ،‬وأنه سيحرم نفسه من س‪NN‬عادة رؤيته‪NN‬ا وس‪NN‬ماعها والعش‪NN‬ق‬
‫بها صمًتا؟‬

‫"يجب أن يكون لدى الفتاة الشابة والرومانسية‪ "،‬يتابع‪" ،‬عشيق يمكنها أن تحلم ب‪NN‬ه‪ ،‬يمكنه‪NN‬ا أن تحتض‪NN‬نه‬
‫في خيالها كمثال‪ ،‬وتشعر بالرضا عندما تراه مليًئا بالنبل والشجاعة والبطولة‪ .‬م‪NN‬اذا س‪NN‬تراه إذا حلمت بي‬
‫بعد ذلك؟ ستتخيلني ملفوًفا بثوب جنائزي‪ ،‬في أعماق زنزانة مظلمة‪ ،‬يتعام‪N‬ل م‪N‬ع ج‪N‬انين أوحش‪N‬اء‪ .‬أليس‬
‫هذا هو مهنتي‪ ،‬النزول إلى كل الحفر األخالقية‪ ،‬إلثارة قذارة الجريمة؟ ألس‪NN‬ت مض‪NN‬طًرا لغس‪NN‬ل المالبس‬
‫القذرة ألكثر أعضاء المجتمع فساًدا في السرية والظالم؟ أه‪ ،‬بعض المهن مميتة‪ .‬أال يجب على القاضي‪،‬‬
‫مثل الكاهن‪ ،‬أن يحكم نفسه على العزلة والعزوبية؟ يعرف كليهما كل شيء‪ ،‬يس‪NN‬مع ك‪NN‬ل ش‪NN‬يء‪ ،‬وزيهم‪NN‬ا‬
‫تقريًبا متشابه‪ ،‬ولكن بينما يحمل الكاهن الرحمة في ثنايا ثوبه األسود‪ ،‬يحمل القاضي الرعب‪ .‬األول ه‪NN‬و‬
‫الرحمة‪ ،‬والثاني هو العقاب‪ .‬هذه هي الصور التي س‪NN‬تتبادر إلى ال‪NN‬ذهن عن‪NN‬دما يفك‪NN‬ر فّي ‪ ،‬بينم‪NN‬ا اآلخ‪NN‬ر ‪-‬‬
‫اآلخر ‪."...-‬‬
‫واصل الرجل البائس سيره الهائج على طول األرصفة المهج‪NN‬ورة‪ .‬ك‪NN‬ان ي‪NN‬ذهب برأس‪NN‬ه الع‪NN‬اري وعيني‪NN‬ه‬
‫مرعوبتين‪ .‬لتنفس بحرية أكبر‪ ،‬قام بتمزيق ربطة عنقه بال وعي ورماها إلى الرياح‪.‬‬

‫في بعض األحيان‪ ،‬يعبر طريق مارة وحيد‪ ،‬ال‪NN‬ذي يتوق‪NN‬ف مت‪NN‬أثًرا بالش‪NN‬فقة‪ ،‬ويتح‪NN‬ول لمش‪NN‬اهدة الش‪NN‬خص‬
‫البائس الذي يراه على وشك فقدان عقله‪ .‬في طريق جانبي‪NN‬ة‪ ،‬ب‪NN‬القرب من غريني‪NN‬ل‪ ،‬توق‪NN‬ف بعض ض‪NN‬باط‬
‫الش‪NN‬رطة وح‪NN‬اولوا اس‪NN‬تجوابه‪ .‬ع‪NN‬رض عليهم بش‪NN‬كل ميك‪NN‬انيكي بطاقت‪NN‬ه‪ .‬قرأوه‪NN‬ا وس‪NN‬محوا ل‪NN‬ه ب‪NN‬المرور‪،‬‬
‫مقتنعين بأنه كان في حالة سكر‪.‬‬

‫بدأ الغضب ‪ -‬غضًبا ش‪NN‬ديًدا ‪ -‬في اس‪NN‬تبدال ش‪NN‬عوره األول باالستس‪NN‬الم‪ .‬تن‪NN‬امت في قلب‪NN‬ه الكراهي‪NN‬ة‪ ،‬أق‪NN‬وى‬
‫وأكثر عنًفا حتى من حبه لكل‪NN‬ير‪ .‬ذل‪NN‬ك اآلخ‪NN‬ر‪ ،‬ذل‪NN‬ك الفيك‪NN‬ونت العتي‪NN‬د‪ ،‬ال‪NN‬ذي لم يس‪NN‬تطع التغلب على تل‪NN‬ك‬
‫العوائق البسيطة‪ ،‬يا ليته كان هناك تحت ركبته!‬

‫في تلك اللحظة‪ ،‬شعر هذا الرجل النبيل والفخور‪ ،‬هذا القاضي الصارم والجدي‪ ،‬برغبة ال يمكن تحمله‪NN‬ا‬
‫في االنتقام‪ .‬بدأ يفهم الكراهية التي تسلح نفسها بالسكين‪ ،‬وتتربص في األماكن النائية؛ ال‪NN‬تي تض‪NN‬رب في‬
‫الظالم‪ ،‬سواء من األمام أو من الخلف ال يهم‪ ،‬ولكنها تضرب‪ ،‬وتقتل‪ ،‬وإنما يمكن إشباع ثأرها بالدم‪.‬‬

‫في تلك الساعة المحددة‪ ،‬كان من المفترض أن يكون مشغوًال بإجراء تحقي‪NN‬ق في قض‪NN‬ية ام‪NN‬رأة مس‪NN‬كينة‪،‬‬
‫اتهمت بطعن أحد رفاقها البائسين‪ .‬كانت غيورة على المرأة التي حاولت أن تأخذ حبيبها منها‪ ،‬الذي كان‬
‫جنديًا‪ ،‬خشن األدب‪ ،‬ودائًم ا في حالة سكر‪.‬‬

‫شعر السيد دابورون بالشفقة على هذه المخلوق‪NN‬ة البائس‪NN‬ة‪ ،‬ال‪NN‬تي ب‪NN‬دأ في اس‪NN‬تجوابها الي‪NN‬وم الس‪NN‬ابق‪ .‬ك‪NN‬انت‬
‫قبيحة جًدا‪ ،‬بل مقززة حًقا‪ ،‬ولكن تعبير عينيها عندما تتحدث عن جنديها عاد إلى ذاكرة القاضي‪.‬‬
‫"إنها تحبه بصدق"‪ ،‬فكر هو‪" ،‬إذا ما عانى كل من أعضاء الهيئة المحلفة ما أعانيه اآلن‪ ،‬لك‪N‬انت بريئة‪.‬‬
‫ولكن كم من الرجال في هذا العالم يحبون بشغف؟ ربما ال يتجاوز واحًدا من بين عشرين‪".‬‬

‫قرر أن يوصي بأن تتمتع هذه الفتاة برحمة المحكمة‪ ،‬وأن يخفف من ذنبها قدر اإلمكان‪.‬‬
‫لقد قرر بنفسه اآلن القيام بجريمة‪ .‬كان عازًم ا على قتل ألبرت دي كوماران‪.‬‬

‫خالل بقية الليل‪ ،‬أصبح أكثر عزًم ا على هذا القرار‪ ،‬مثيًرا لنفس‪NN‬ه أس‪NN‬باًبا مجنون‪NN‬ة أل‪NN‬ف م‪NN‬رة‪ ،‬وج‪NN‬د فيه‪NN‬ا‬
‫الضرورة والتبرير لهذا االنتقام‪.‬‬

‫في السابعة صباًح ا‪ ،‬وجد نفسه في أحد أزقة بوا دو بولون‪ ،‬ليس بعيًدا من البحيرة‪ .‬توجه على الف‪NN‬ور إلى‬
‫بورت مايو‪ ،‬حصل على سيارة أجرة‪ ،‬وتوجه إلى منزله‪.‬‬

‫ظل في هذا الهذيان طوال الليل‪ ،‬ولكن بدون معاناة‪ .‬لم يشعر بالتعب‪ .‬كان هادًئا وب‪NN‬ارًدا‪ ،‬يتص‪NN‬رف تحت‬
‫سلطة هلوسة‪ ،‬تقريًبا مثل النائم السائر‪.‬‬

‫فكر وتفكر‪ ،‬ولكن بدون عقل‪N‬ه‪ .‬ف‪N‬ور وص‪N‬وله إلى الم‪N‬نزل‪ ،‬تلبس بعناي‪N‬ة كم‪N‬ا ك‪N‬ان يفع‪N‬ل فيم‪N‬ا س‪N‬بق عن‪N‬د‬
‫زيارته لم‪NN‬اركيزة دارالنج‪ ،‬وخ‪NN‬رج‪ .‬زار أوًال ح‪NN‬رفي ال‪NN‬دروع واش‪NN‬ترى مسدًس ا ص‪NN‬غيًرا‪ ،‬طلب من‪NN‬ه أن‬
‫يحمله بدقة تحت أعين‪NN‬ه‪ ،‬ووض‪NN‬عه في جيب‪NN‬ه‪ .‬ثم ق‪NN‬ام بزي‪NN‬ارة أش‪NN‬خاص مختلفين يعتق‪NN‬د أنهم ق‪NN‬ادرون على‬
‫إخباره بنادي الفيكونت‪ .‬لم يالحظ أحد حالته النفسية الغريبة‪ ،‬ألن أساليبه ومحادثاته كانت طبيعية للغاية‪.‬‬

‫لم يكن حتى بعد الظهر حتى قدم له صديق شاب اسم نادي ألبرت دي كوماران‪ ،‬وعرض عليه أن يق‪NN‬وده‬
‫إليه‪ ،‬ألنه كان عضًو ا فيه أيًضا‪.‬‬
‫قبل مواطنه بدافع الحماسة‪ ،‬ثّم ر م‪ .‬دابورون الدعوة‪ ،‬وتوّجه‪NN‬وا مًع ا‪ .‬خالل الم‪NN‬رور‪ ،‬أحكم قبض‪NN‬ته على‬
‫مقبض المسّد س الذي كان يخفيه‪ ،‬وفّك ر فقط في الجريم‪NN‬ة ال‪NN‬تي ك‪NN‬ان عازًم ا على ارتكابه‪NN‬ا‪ ،‬وفي وس‪NN‬يلة‬
‫ضمان دقة هدفه‪.‬‬

‫"سيحدث هذا فضيًعا"‪ ،‬فك‪NN‬ر‪" ،‬وخاص‪NN‬ة إذا لم أنجح في إطالق الرصاص‪NN‬ة على رأس‪NN‬ي‪ .‬س‪ُN‬أعتقل وُألقى‬
‫في السجن‪ ،‬وُأحاَك م في المحاكم‪ .‬سيتشّو ه اسمي! باه! ما الفائدة من ذلك؟ إن كلير ال تحبني‪ ،‬فماذا يهم‪NN‬ني‬
‫بقية األمور؟ والدي سيموت بال شّك من الحزن‪ ،‬ولكن يجب أن أنتقم!"‬
‫عند وصولهما إلى النادي‪ ،‬أشار صديقه إلى شاب مظلم البشرة جًدا‪ ،‬وبمظهر متكبر‪ ،‬أو على األقل ه‪NN‬ذا‬
‫ما بدا له‪ ،‬كان جالًسا على طاولة ويقرأ مراجعة‪ .‬إنه الفيكونت‪.‬‬

‫توّج ه م‪ .‬دابورون نحوه دون أن يستّل سالحه‪ .‬ولكّنه‪ ،‬عندما كان على بعد ثنائي األمتار‪ ،‬ندم على فعلت‪NN‬ه‬
‫فجأة‪ ،‬وهرب‪ ،‬مترًك ا صديقه مذهواًل بالمشهد الذي لم يكن يفهمه تماًم ا‪.‬‬

‫لن يكن ألبرت دي كوماران مرة أخرى قريًبا من الموت بهذا الشكل‪.‬‬

‫عندما وصل إلى الشارع‪ ،‬بدا لم‪ .‬داب‪NN‬ورون أن األرض تتح‪NN‬رك من تحت‪NN‬ه‪ ،‬وأن ك‪NN‬ل ش‪NN‬يء حول‪NN‬ه ي‪NN‬دور‪.‬‬
‫حاول أن يصرخ‪ ،‬لكنه لم يتمّك ن من إصدار صوت؛ ضرب الهواء بيديه‪ ،‬وت‪NN‬رّنح للحظ‪NN‬ة‪ ،‬ثّم س‪NN‬قط على‬
‫األرض‪.‬‬

‫جرى الماّر ون وساعدوا الشرطة في رفعه‪ .‬وج‪N‬دوا في أح‪N‬د جيوب‪N‬ه عنوان‪N‬ه‪ ،‬وحمل‪N‬وه إلى الم‪N‬نزل‪ .‬عن‪N‬د‬
‫استعادته وعيه‪ ،‬كان في سريره‪ ،‬وعند قدم سريره‪ ،‬الحظ والده‪.‬‬

‫"ماذا حدث؟" سأل‪ .‬بحذر شديد‪ ،‬أخبروه أنه ت‪NN‬ردد لم‪NN‬دة س‪NN‬تة أس‪NN‬ابيع بين الحي‪NN‬اة والم‪NN‬وت‪ .‬وأن األطب‪NN‬اء‬
‫أعلنوا إنقاذ حياته‪ ،‬واآلن‪ ،‬عندما استعاد عقله‪ ،‬ستسير األمور على ما يرام‪.‬‬

‫استنزفه خمس دقائق من الحديث‪ .‬وأغلق عينيه‪ ،‬وح‪NN‬اول جم‪NN‬ع أفك‪NN‬اره‪ ،‬لكنه‪NN‬ا تح‪NN‬وم هن‪NN‬ا وهن‪NN‬اك بش‪NN‬كل‬
‫عشوائي‪ ،‬مثل أوراق الخري‪N‬ف في ال‪N‬ريح‪ .‬ب‪N‬دت الماض‪NN‬ي مغّط اة بض‪NN‬باب أس‪N‬ود؛ لكن في وس‪N‬ط الظالم‬
‫واالرتباك‪ ،‬ظهر كل ما يتعلق بآنسة دارالنج واضًحا ومشرًقا‪ .‬ظهرت أمامه كل أفعاله منذ لحظة عن‪NN‬دما‬
‫عانق كلير‪ .‬ارتعش‪ ،‬وكان شعره بلحظة مبلاًل بالعرق‪.‬‬
‫كاد أن يصبح قاتاًل ‪ .‬والدليل على أنه استعاد كامل قدراته العقلية هو أن سؤااًل في الق‪NN‬انون الجن‪NN‬ائي وج‪NN‬د‬
‫طريقه إلى عقله‪.‬‬

‫"هل كان يجب إدانتي عندما ارتكبت الجريمة؟" يقول لنفسه‪" .‬نعم‪ .‬هل كنت مسؤواًل عن فعلتي؟ ال‪ .‬هل‬
‫الجريمة مجرد نتيجة لالنحراف العقلي؟ هل كنت مجنوًنا؟ أم كنت في ذلك الحال‪NN‬ة العقلي‪NN‬ة الغريب‪NN‬ة ال‪NN‬تي‬
‫تسبق عادة المحاولة الغير قانونية؟ من يستطيع القول؟ لماذا لم يمر جمي‪NN‬ع القض‪NN‬اة بأزم‪NN‬ة غ‪NN‬ير مفهوم‪NN‬ة‬
‫مثل تلك التي مررت بها أنا؟ ولكن من سيصدقني إذا كنت سأروي تجربتي؟"‬

‫بعد بضعة أيام‪ ،‬تعافى بما فيه الكفاية ليخبر والده بكل شيء‪ .‬وقفز السيد الكبير على كتفيه وأك‪NN‬د ل‪NN‬ه أنه‪NN‬ا‬
‫مجرد ذكرى من هذيانه‪.‬‬

‫شعر الرجل الكبير الطيب بالحزن عند سماع قصة خطبة ابنه الغ‪NN‬ير محظوظ‪NN‬ة‪ ،‬دون أن ي‪NN‬رى في ذل‪NN‬ك‬
‫كارثة ال يمكن إصالحها‪ .‬نصحه بالتفكير في شيء آخر‪ ،‬ووضع ثروته بأكملها تحت تص‪NN‬رفه‪ ،‬ونص‪NN‬حه‬
‫بالزواج من وريثة بواتيفين قوية وسعيدة وصحية جًدا‪ ،‬التي ستلد له بعض األطفال الجميلين‪ .‬ثم‪ ،‬بم‪N‬ا أن‬
‫ممتلكاته تعاني من غيابه‪ ،‬عاد إلى الوطن‪ .‬شهران الحًقا‪ ،‬استأنف القاضي التحقيقات العادية‪ .‬لكنه‪ ،‬مهما‬
‫حاول‪ ،‬لم يقوم بواجباته إال كجسد بدون روح‪ .‬شعر أن شيًئا ما قد انكسر‪.‬‬

‫مرة واحدة‪ ،‬قام بزيارة صديقته القديمة‪ ،‬الماركيزة‪ .‬عندما رآها‪ ،‬أطلقت صرخة رعب‪ .‬اعتبرت‪NN‬ه ش‪NN‬بًحا‪،‬‬
‫ألنه تغير كثيًر ا في المظهر‪ .‬وألنها كانت تخشى الوج‪NN‬وه المحزن‪NN‬ة‪ ،‬أص‪NN‬بحت بع‪NN‬د ذل‪NN‬ك تغل‪NN‬ق الب‪NN‬اب في‬
‫وجهه‪.‬‬

‫كانت كلير مريضة لمدة أسبوع بع‪NN‬د رؤيت‪NN‬ه‪" .‬كم أحب‪NN‬ني"‪ ،‬فك‪NN‬رت لنفس‪NN‬ها! "لق‪NN‬د ك‪NN‬اد يقتله‪NN‬ا! ه‪NN‬ل يمكن‬
‫أللبرت أن يحبني بنفس القدر؟" لم تجرؤ على اإلجابة على نفسها‪ .‬شعرت برغبة في مواساته والتح‪NN‬دث‬
‫معه ومحاولة شيء ما‪ ،‬لكنه لم يأِت مرة أخرى‪.‬‬
‫لم يكن السيد دابورون رجًال يستسلم بدون صراع‪ .‬حاول‪ ،‬كما نص‪NN‬حه وال‪NN‬ده‪ ،‬تش‪NN‬تيت أفك‪NN‬اره‪ .‬بحث عن‬
‫المتعة‪ ،‬ووجد االشمئزاز‪ ،‬وليس النسيان‪ .‬غالب‪ًN‬ا م‪NN‬ا وص‪NN‬ل إلى عتب‪NN‬ة البغ‪NN‬اء؛ لكن الش‪NN‬خص النقي كل‪NN‬ير‪،‬‬
‫المرتدي بثياب بيضاء‪ ،‬كان يحجب األبواب دائمًا أمامه‪.‬‬

‫ثم احتمى بالعمل‪ ،‬كالمالذ اآلمن؛ فحكم على نفسه بالعمل الدؤوب األك‪NN‬ثر اس‪NN‬تمرارية‪ ،‬وح‪NN‬رم نفس‪NN‬ه من‬
‫التفكير في كلير‪ ،‬كما يمنع المريض الذي يعاني من السل نفسه من التأمل في مرضه‪.‬‬
‫جعلت حماسه ونشاطه الحماسي له سمعة رجل طم‪NN‬وح يمكن‪NN‬ه الوص‪NN‬ول بعي‪ًNN‬دا؛ لكن‪NN‬ه لم يهتم بش‪NN‬يء في‬
‫العالم‪.‬‬

‫وأخيًر ا‪ ،‬وجد‪ ،‬ليس الراحة‪ ،‬ولكن الخدر الالوجع الذي يتبع عادة الك‪NN‬وارث الكب‪NN‬يرة‪ .‬ب‪NN‬دأت ف‪NN‬ترة الش‪NN‬فاء‬
‫النسياني‪.‬‬

‫هذه هي األحداث التي استدعتها ذاكرة السيد دابورون عندما نط‪NN‬ق الس‪NN‬يد تاباري‪NN‬ه بأس‪NN‬م كوم‪NN‬ارين‪ .‬ك‪NN‬ان‬
‫يعتقد أنها دفنت تحت رم‪NN‬اد ال‪NN‬زمن‪ ،‬وإذا به‪NN‬ا تع‪NN‬ود‪ ،‬تمام‪ًN‬ا كم‪NN‬ا تظه‪NN‬ر تل‪NN‬ك األح‪NN‬رف المرس‪NN‬ومة بح‪NN‬بر‬
‫متعاطف عند وضعها أمام النار‪ .‬في لحظة‪ ،‬فردت أمام ذاكرته بسرعة حلم يبطل الزمن والمكان‪.‬‬

‫لبض‪NN‬ع دق‪NN‬ائق‪ ،‬ش‪NN‬اهد تمثي‪NN‬ل حيات‪NN‬ه الخاص‪NN‬ة‪ .‬ك‪NN‬ان في نفس ال‪NN‬وقت الممث‪NN‬ل والمش‪NN‬اهد‪ ،‬يجلس هن‪NN‬اك في‬
‫كرسيه‪ ،‬وفي نفس الوقت يظهر على المسرح‪ .‬كان يمثل‪ ،‬وكان يحكم على نفسه‪.‬‬

‫كانت أولى أفكاره‪ ،‬يجب االعتراف بها‪ ،‬هي الكراهية‪ ،‬تليها شعوٌر مش‪NN‬ين باالرتي‪NN‬اح‪ .‬ق‪NN‬دم الص‪NN‬دفة ه‪NN‬ذا‬
‫الرجل المفضل من قبل كلير إلى يديه‪ ،‬هذا الرجل الذي لم يعد ن‪N‬بياًل وال مش‪N‬هوًرا بثروت‪N‬ه وأس‪N‬الفه‪ ،‬ب‪N‬ل‬
‫كان نتيجة لعالقة مع سيدة الليل‪ .‬ك‪N‬ان ق‪N‬د ارتكب جريم‪N‬ة قت‪N‬ل جبان‪N‬ة للحف‪N‬اظ على اس‪N‬م مس‪N‬روق‪ .‬وه‪N‬و‪،‬‬
‫القاضي‪ ،‬على وشك االستمتاع بالشعور الالنهائي بضرب عدوه بسيف العدالة‪.‬‬

‫لكن هذا كان فكًر ا مؤقًتا‪ .‬ضميره الحيادي تمرد ضده‪ ،‬وجعل صوته القوي يسمع‪.‬لم يكن السيد دابورون‬
‫رجًال يستس‪NN‬لم ب‪NN‬دون ص‪NN‬راع‪ .‬ح‪NN‬اول‪ ،‬كم‪NN‬ا نص‪NN‬حه وال‪NN‬ده‪ ،‬تش‪NN‬تيت أفك‪NN‬اره‪ .‬بحث عن المتع‪NN‬ة‪ ،‬ووج‪NN‬د‬
‫االشمئزاز‪ ،‬وليس النسيان‪ .‬غالبًا ما وصل إلى عتبة البغ‪NN‬اء؛ لكن الش‪NN‬خص النقي كل‪NN‬ير‪ ،‬المرت‪NN‬دي بثي‪NN‬اب‬
‫بيضاء‪ ،‬كان يحجب األبواب دائمًا أمامه‪.‬‬

‫ثم احتمى بالعمل‪ ،‬كالمالذ اآلمن؛ فحكم على نفسه بالعمل الدؤوب األك‪NN‬ثر اس‪NN‬تمرارية‪ ،‬وح‪NN‬رم نفس‪NN‬ه من‬
‫التفكير في كلير‪ ،‬كما يمنع المريض الذي يعاني من السل نفسه من التأمل في مرضه‪.‬‬
‫جعلت حماسه ونشاطه الحماسي له سمعة رجل طم‪NN‬وح يمكن‪NN‬ه الوص‪NN‬ول بعي‪ًNN‬دا؛ لكن‪NN‬ه لم يهتم بش‪NN‬يء في‬
‫العالم‪.‬‬

‫وأخيًر ا‪ ،‬وجد‪ ،‬ليس الراحة‪ ،‬ولكن الخدر الالوجع الذي يتبع عادة الك‪NN‬وارث الكب‪NN‬يرة‪ .‬ب‪NN‬دأت ف‪NN‬ترة الش‪NN‬فاء‬
‫النسياني‪.‬‬

‫هذه هي األحداث التي استدعتها ذاكرة السيد دابورون عندما نط‪NN‬ق الس‪NN‬يد تاباري‪NN‬ه بأس‪NN‬م كوم‪NN‬ارين‪ .‬ك‪NN‬ان‬
‫يعتقد أنها دفنت تحت رم‪NN‬اد ال‪NN‬زمن‪ ،‬وإذا به‪NN‬ا تع‪NN‬ود‪ ،‬تمام‪ًN‬ا كم‪NN‬ا تظه‪NN‬ر تل‪NN‬ك األح‪NN‬رف المرس‪NN‬ومة بح‪NN‬بر‬
‫متعاطف عند وضعها أمام النار‪ .‬في لحظة‪ ،‬فردت أمام ذاكرته بسرعة حلم يبطل الزمن والمكان‪.‬‬

‫لبض‪NN‬ع دق‪NN‬ائق‪ ،‬ش‪NN‬اهد تمثي‪NN‬ل حيات‪NN‬ه الخاص‪NN‬ة‪ .‬ك‪NN‬ان في نفس ال‪NN‬وقت الممث‪NN‬ل والمش‪NN‬اهد‪ ،‬يجلس هن‪NN‬اك في‬
‫كرسيه‪ ،‬وفي نفس الوقت يظهر على المسرح‪ .‬كان يمثل‪ ،‬وكان يحكم على نفسه‪.‬‬

‫كانت أولى أفكاره‪ ،‬يجب االعتراف بها‪ ،‬هي الكراهية‪ ،‬تليها شعوٌر مش‪NN‬ين باالرتي‪NN‬اح‪ .‬ق‪NN‬دم الص‪NN‬دفة ه‪NN‬ذا‬
‫الرجل المفضل من قبل كلير إلى يديه‪ ،‬هذا الرجل الذي لم يعد ن‪N‬بياًل وال مش‪N‬هوًرا بثروت‪N‬ه وأس‪N‬الفه‪ ،‬ب‪N‬ل‬
‫كان نتيجة لعالقة مع سيدة الليل‪ .‬ك‪N‬ان ق‪N‬د ارتكب جريم‪N‬ة قت‪N‬ل جبان‪N‬ة للحف‪N‬اظ على اس‪N‬م مس‪N‬روق‪ .‬وه‪N‬و‪،‬‬
‫القاضي‪ ،‬على وشك االستمتاع بالشعور الالنهائي بضرب عدوه بسيف العدالة‪.‬‬

‫لكن هذا كان فكًرا مؤقًتا‪ .‬ضميره الحيادي تمرد ضده‪ ،‬وجعل صوته القوي يسمع‪.‬‬
‫"هل يوجد أي شيء أكثر وحشيًة من ارتباط ه‪NN‬اتين الفك‪NN‬رتين‪ ،‬الكراهي‪NN‬ة والعدال‪NN‬ة؟ ه‪NN‬ل يمكن للقاض‪NN‬ي‪،‬‬
‫دون أن يحتقر نفسه أكثر مما يحتقر بهؤالء الكائنات البغيض‪N‬ة ال‪N‬تي ي‪N‬دينها‪ ،‬أن يت‪N‬ذكر أن المج‪N‬رم ال‪N‬ذي‬
‫يحكم عليه قد كان ع‪N‬دوه؟ ه‪NN‬ل يح‪NN‬ق للقاض‪NN‬ي التحقي‪NN‬ق اس‪NN‬تخدام ص‪NN‬الحياته االس‪NN‬تثنائية في التعام‪NN‬ل م‪NN‬ع‬
‫السجين؛ طالما أنه يحمل أدنى نوع من االنتقام منه؟"‬

‫وكرر السيد دابورون لنفسه ما كان يفكر فيه بشكل متكرر خالل العام‪ ،‬عند ب‪NN‬دء التحقي‪NN‬ق‪" :‬وأن‪NN‬ا أيًض ا‪،‬‬
‫تقريًبا قمت بارتكاب جريمة قتل بشعة!"‬
‫واآلن كان واجبه أن يأمر بالقبض عليه‪ ،‬والتحقيق معه‪ ،‬وتس‪NN‬ليمه إلى المحكم‪NN‬ة الجنائي‪NN‬ة العلي‪NN‬ا‪ ،‬الرج‪NN‬ل‬
‫الذي كان قد عزم مرة واحدة على قتله‪.‬‬

‫والعالم كله‪ ،‬صحيح‪ ،‬لم يعرف عن هذه الجريمة من الفكر والني‪NN‬ة ش‪NN‬يًئا؛ لكن ه‪NN‬ل يمكن‪NN‬ه نفس‪NN‬ه نس‪NN‬يانها؟‬
‫أليس هذا‪ ،‬من بين كل األمور‪ ،‬حالة يجب فيها أن يتنحى عنها؟ أليس من األفضل له أن يتراجع وينظ‪NN‬ف‬
‫يديه من الدم الذي سفك‪ ،‬ويترك لشخص آخر مهمة االنتقام باسم المجتمع؟‬

‫"ال"‪ ،‬قال لنفسه‪" ،‬سيكون خيانة جبانًة ال تليق بي"‪.‬‬

‫حدث للرجل المرتبك مشروٌع من السخاء المجنون‪" .‬إذا أنقذته‪ "،‬همس‪" ،‬إذا تركت‪NN‬ه لهيبت‪NN‬ه وحيات‪NN‬ه من‬
‫أجل كلير‪ .‬ولكن كيف يمكنني إنقاذه؟ للقيام بذلك‪ ،‬يتوجب علّي إخفاء اكتشافات تاباريت القديم‪N‬ة‪ ،‬وجعل‪N‬ه‬
‫شريًك ا بضمان صمته‪ .‬سيتعين علين‪NN‬ا اتب‪NN‬اع مس‪NN‬ار خ‪NN‬اطئ‪ ،‬االنض‪NN‬مام إلى جيف‪N‬رول في البحث عن قات‪NN‬ل‬
‫وهمي‪ .‬هل هذا ممكن؟ باإلض‪NN‬افة إلى أن إنق‪N‬اذ أل‪NN‬برت يع‪NN‬د إهان‪ًN‬ة لنوي‪NN‬ل؛ إن‪NN‬ه ض‪NN‬مان لإلفالت من أك‪NN‬ثر‬
‫الجرائم البغيضة‪ .‬بإختصار‪ ،‬هذا ال يزال يضحي بالعدالة من أجل مشاعري"‪.‬‬

‫عانى القاضي كثيًرا‪ .‬كيف يختار مساًر ا في وسط كل ه‪NN‬ذه الح‪NN‬يرة؟ ت‪NN‬ردده الق‪NN‬وى المختلف‪NN‬ة‪ ،‬م‪NN‬تردد بين‬
‫القرارات المتضادة‪ ،‬يتأرجح ذهنه من طرٍف إلى طرٍف ‪.‬‬

‫ماذا يستطيع أن يفعل؟ عقله‪ ،‬بعد هذا الصدمة الجديدة والغير متوقعة‪ ،‬يحاول بال جدوى استعادة توازنه‪.‬‬
‫"االستقالة؟" هكذا تساءل القاضي نفسه‪" .‬أين ستكون شجاعتي في ذلك؟ أال يتوجب علي أن أظ‪NN‬ل ممثًال‬
‫للقانون‪ ،‬غير معرض للعواطف والتحيز؟ ألس‪NN‬ت ض‪NN‬عيًفا ح‪NN‬تى ال أس‪NN‬تطيع التخلص من شخص‪NN‬يتي عن‪NN‬د‬
‫تولي منص‪NN‬بي؟ أال يمكن‪NN‬ني‪ ،‬على األق‪NN‬ل في ال‪NN‬وقت الح‪NN‬الي‪ ،‬تجاه‪NN‬ل الماض‪NN‬ي؟ واج‪NN‬بي ه‪NN‬و متابع‪NN‬ة ه‪NN‬ذا‬
‫التحقيق‪ ،‬وكلير بنفسها سترغب في أن أتصرف هكذا‪ .‬هل ستتزوج امرأة رجًال مش‪NN‬تبهًا ب‪NN‬ه في جريم‪NN‬ة؟‬
‫ال أبدًا‪ .‬إذا كان بريئًا‪ ،‬سينجو؛ وإذا كان مذنبًا‪ ،‬فليموت!"‬

‫كان هذا تفكيرًا سليمًا‪ ،‬ولكن في أعماق قلبه‪ ،‬تلك األفكار الخائفة تثقبه بأشواكها‪ .‬أراد أن يطمئن نفسه‪.‬‬
‫"هل ما زلت أكره هذا الشاب؟" واصل قائًال‪" .‬ال‪ ،‬بالتأكيد‪ .‬إذا فضلت كلير علي‪NN‬ه‪ ،‬ف‪NN‬إن األلم ه‪NN‬و بس‪NN‬بب‬
‫كلير وليس بسببه‪ .‬غضبي كان مجرد نوبة هستيرية مؤقتة‪ .‬سأثبت ذلك‪ ،‬بالسماح ل‪NN‬ه بتجدي‪NN‬د الثق‪NN‬ة ف‪NN‬يي‪،‬‬
‫فليجدني مستشاًر ا باإلضافة إلى كوني قاضًيا‪ .‬إذا كان بريئًا‪ ،‬فسيستخدم كل الوسائل المتاحة لدي إلثب‪NN‬ات‬
‫براءته‪ .‬نعم‪ ،‬أنا جدير بأن أكون قاضيه‪ .‬السماء‪ ،‬التي تق‪NN‬رأ ك‪NN‬ل أفك‪NN‬اري‪ ،‬تعلم أن‪NN‬ني أحب كل‪NN‬ير بم‪NN‬ا في‪NN‬ه‬
‫الكفاية ألرغب بصدق في براءة حبيبها‪".‬‬

‫فقط بعد ذلك‪ ،‬يبدو للسيد دابورون أنه يدرك بشكل غامض مرور ال‪N‬وقت‪ .‬ك‪N‬انت الس‪N‬اعة الثالث‪N‬ة ص‪NN‬باحًا‬
‫تقريًبا‪.‬‬

‫"يا هللا!" صاح‪" ،‬السيد تاباريه ينتظرني‪ .‬ربما سأجده نائًم ا‪".‬‬

‫ولكن السيد تاباريه لم ينم‪ .‬لم يالحظ مرور الوقت كما فعل القاضي‪.‬‬

‫اقتصرت عشر دقائق عليه إلجراء جرد لمحتويات مكتب الس‪NN‬يد داب‪NN‬ورون‪ ،‬ال‪NN‬ذي ك‪NN‬ان كب‪NN‬يرًا ومفروش‪NN‬ا‬
‫بشكل جميل وفًقا لمنصبه وحالته المادية‪ .‬وبعد أن التقط مصباًح ا‪ ،‬أعجب من الصور الس‪NN‬تة الثمين‪NN‬ة ج‪ًNN‬دا‬
‫التي تزين الجدران‪ .‬ومن ثم فحص بفضول كبير فنون البرونزيات النادرة الموجودة في الغرفة‪ ،‬ثم ألقى‬
‫نظرة متخصصة على الخزانة الكتبية‪.‬‬

‫بعد ذلك‪ ،‬التقط صحيفة مسائية من الطاولة وجلس في كرسي واسع أمام المدفأة‪.‬‬
‫لم يقرأ ثلث المقالة الرئيسية‪ ،‬التي كانت ‪ -‬كجميع مقاالت األوقات ‪ -‬مشغولة حصًر ا بالقضية الرومانية‪،‬‬
‫عن‪N‬دما ت‪N‬رك الورق‪NN‬ة ت‪N‬نزلق من يدي‪N‬ه وانغمس في التأم‪N‬ل‪ .‬فك‪N‬رة ثابت‪N‬ة‪ ،‬أق‪NN‬وى من إرادت‪N‬ه‪ ،‬وأك‪N‬ثر إث‪N‬ارة‬
‫لالهتمام من السياسة‪ ،‬أعادته بقوة إلى ال جونشير‪ ،‬حيث انتحرت األرملة لوروج المقتولة‪ .‬كالطفل الذي‬
‫يبني ويهدم بيت الورق مراًر ا وتك‪NN‬راًرا‪ ،‬ي‪NN‬رتب ويش‪NN‬ابك سلس‪NN‬لة اس‪NN‬تنتاجاته وحجج‪NN‬ه بش‪NN‬كل متب‪NN‬ادل في‬
‫عقله‪.‬‬

‫بالنسبة إليه‪ ،‬لم يكن هناك شك بعد اآلن في هذا األمر الحزين‪ ،‬وبدا له أن السيد دابورون يشاركه آرائ‪NN‬ه‪.‬‬
‫ولكن‪ ،‬ال تزال هناك صعوبات كثيرة يجب مواجهتها!‬
‫بين القاضي التحقيق والمتهم‪ ،‬يوجد محكمة عليا‪ ،‬مؤسسة رائعة تعد ض‪NN‬ماًنا للجمي‪NN‬ع‪ ،‬وس‪NN‬يط ق‪NN‬وي‪ ،‬هي‬
‫المحلفون‪.‬‬

‫والمحلفون‪ ،‬الحمد هلل‪ ،‬ال يكتفون باالقتناع األخالقي‪ .‬االحتم‪NN‬االت األق‪NN‬وى ال يمكن أن تجعلهم يص‪NN‬درون‬
‫حكًم ا إيجابًيا‪.‬‬

‫وضع المحلفون على أرٍض محايدة‪ ،‬بين االدعاء والدفاع‪ ،‬يتطلب إثبات‪NN‬ات مادي‪NN‬ة وملموس‪NN‬ة‪ .‬حيث ي‪NN‬دين‬
‫القاضي التحقيق عشرين مرة واحدة بكل ثقة في ضميره‪ ،‬يبرئ المحلفون لعدم وجود إثباتات مرضية‪.‬‬

‫لقد أكد اإلعدام المؤس‪N‬ف لليس‪N‬ورك بالتأكي‪N‬د اإلفالت من العق‪N‬اب للعدي‪N‬د من الجن‪N‬اة؛ لكن من الض‪NN‬روري‬
‫القول إنه يبرر التردد في قبول اإلثباتات الظرفية في جرائم اإلعدام‪.‬‬

‫بشكل عام‪ ،‬يصعب على وزير العدل تأمين إدانة جنائية إال في حاالت القبض على المجرم أثناء ارتكابه‬
‫للجريمة‪ ،‬أو اعترافه بذنبه‪.‬‬

‫في بعض األحيان‪ ،‬يكون قاضي التحقيق هو األكثر قلًقا مثل المتهم نفسه‪ .‬تكون معظم الج‪NN‬رائم غامض‪NN‬ة‬
‫بطريقة ما‪ ،‬ربما ال يمكن فهمها بواسطة العدال‪NN‬ة والش‪NN‬رطة‪ ،‬ومهم‪NN‬ة المح‪NN‬امي هي اكتش‪NN‬اف ه‪NN‬ذا النقط‪NN‬ة‬
‫الضعيفة ووضع دفاع عميله عليها‪ .‬من خالل إشارته إلى هذا الش‪N‬ك في ذهن المحلفين‪ ،‬ي‪N‬دخل في ذهنهم‬
‫عدم الثقة في األدل‪NN‬ة بأكمله‪NN‬ا‪ .‬وغالًب ا م‪NN‬ا يمكن أن يغ‪NN‬ير اكتش‪NN‬اف اس‪NN‬تنتاج مش‪NN‬وه ب‪NN‬ذكاء مظه‪NN‬ر القض‪NN‬ية‬
‫بالكامل أمام المحلفين من قضية قوية إلى ضعيفة‪ .‬تفسير هذا التعقيد يفس‪NN‬ر الط‪NN‬ابع الع‪NN‬اطفي ال‪NN‬ذي يك‪NN‬ثر‬
‫وجوده في محاكم الجنايات‪.‬‬
‫وكلم‪NN‬ا تق‪N‬دمت الحض‪NN‬ارة‪ ،‬زاد ال‪NN‬تردد وال‪NN‬تردد ل‪N‬دى المحلفين في المحاكم‪NN‬ات الهام‪NN‬ة‪ .‬فعبء المس‪NN‬ؤولية‬
‫يضغط على الرجل الذي يحترم ضميره‪ .‬وبالفعل‪ ،‬يتراجع أعداد كبيرة عن فكرة عقوبة اإلع‪NN‬دام؛ وكلم‪NN‬ا‬
‫وجدت المحلفة نقطة تسمح لها بوجود شك‪ ،‬فإنها ستتخلص من مسؤولية اإلدانة‪ .‬لق‪NN‬د ش‪NN‬اهدنا أع‪NN‬داًدا من‬
‫األشخاص يوقعون نداءات للرحمة للمجرم المحكوم علي‪NN‬ه‪ ،‬المحك‪NN‬وم على جريم‪NN‬ة القت‪NN‬ل األب‪NN‬وي! ومن‪NN‬ذ‬
‫لحظة أدائه اليمين‪ ،‬يولي كل محلف أهمية أقل لألدلة التي يأتي لالستماع إليه‪NN‬ا مم‪NN‬ا يولي‪NN‬ه للخط‪NN‬ر ال‪NN‬ذي‬
‫يواجهه من تحمل آالم الندم‪ .‬فبدًال من المخاطرة بإدانة رجل بريء واحد‪ ،‬فإنه سيسمح لعش‪NN‬رين شخًص ا‬
‫من األشرار بالهروب من العقاب‪.‬‬

‫يجب أن ي‪NN‬أتي االته‪NN‬ام إلى المحلفين‪ ،‬مس‪NN‬لًحا بك‪NN‬ل األدل‪NN‬ة‪ .‬وه‪NN‬ذه مهم‪NN‬ة ش‪NN‬اقة للقاض‪NN‬ي التحقي‪NN‬ق‪ ،‬ومليئة‬
‫بالصعوبات‪ ،‬وتتطلب ترتيب وتكثيف هذه األدلة‪ ،‬خاصة إذا كان المتهم يتحلى بالهدوء ومتأكًدا من ع‪NN‬دم‬
‫ترك أي أثر لذنب‪N‬ه‪ .‬في ه‪N‬ذه الح‪N‬االت‪ ،‬يتح‪N‬دى المتهم من عم‪N‬ق زنزانت‪N‬ه هج‪N‬وم العدال‪N‬ة‪ ،‬ويض‪NN‬حك على‬
‫قاضي التحقيق‪ .‬إنه صراع مرير‪ ،‬يكفي لجعل اإلنسان يرتجف من مسؤولية القاض‪NN‬ي‪ ،‬عن‪NN‬دما يت‪NN‬ذكر أن‬
‫هذا الرجل المسجون‪ ،‬بال عون وال توجيه‪ ،‬قد يكون بريًئا بعد كل شيء‪ .‬ومدى صعوبة مقاومة القاض‪NN‬ي‬
‫لضمائره األخالقية!‬

‫حتى عندما تشير األدلة الظنية بوضوح إلى الجاني‪ ،‬ويعترف العقل السليم به‪ ،‬يض‪NN‬طر الع‪NN‬دل في بعض‬
‫األحيان إلى االعتراف بالهزيمة‪ ،‬نظًر ا لعدم توفر ما يعتبره المحلف‪N‬ون إثبات‪NN‬ات كافي‪NN‬ة لإلدان‪NN‬ة‪ .‬وبالت‪NN‬الي‪،‬‬
‫يفلت الكثير من الجرائم من العقاب‪ .‬وقال أحد الم‪NN‬دعين الع‪NN‬امين الق‪NN‬دامى في ي‪NN‬وم من األي‪NN‬ام إن‪NN‬ه يع‪NN‬رف‬
‫ثالثة قتلة يعيشون بثراء وسعادة واحترام‪ ،‬وسينتهي األمر بهم ب‪NN‬الموت في أس‪NN‬رتهم‪ ،‬ويش‪NN‬يعون ب‪NN‬الحزن‬
‫ويمدحون في نعوتهم‪.‬‬
‫عندما يخطر ببال تاباريه العجوز فكرة هروب القاتل من عقوب‪NN‬ة جريمت‪NN‬ه‪ ،‬يغلي دم‪NN‬ه بش‪NN‬دة‪ ،‬ت‪NN‬ارًة كأن‪NN‬ه‬
‫يتذكر إهانة قاتلة‪ .‬في رأيه‪ ،‬ال يمكن أن يحدث حدٌث مثل هذا إال بسبب عجز المتهمين بالتحقيق األولي‪،‬‬
‫وخبث الشرطة‪ ،‬أو غباء قاضي التحقيق‪" .‬ليس أنا"‪ ،‬هكذا يتلفظ متباهيًا بنفسه بفخر النجاح‪" ،‬من سيدع‬
‫الفريس‪NN‬ة يفلت‪ .‬ال يمكن أن ي‪NN‬رتكب أي جريم‪NN‬ة دون أن يتم العث‪NN‬ور على مرتكبه‪NN‬ا‪ ،‬إال إذا ك‪NN‬ان مجنون‪ًN‬ا‪،‬‬
‫ويصعب فهم دافعه‪ .‬سأقضي حياتي في مطاردة المجرم‪ ،‬قبل أن أع‪NN‬ترف بالهزيم‪NN‬ة‪ ،‬كم‪NN‬ا فع‪NN‬ل جيف‪NN‬رول‬
‫مرارًا وتكرارًا‪".‬‬

‫وبمساعدة الصدفة‪ ،‬نجح تاباريه المحقق الهاوي مرًة أخرى‪ ،‬وهو يكرر هذا لنفسه‪ .‬ولكن‪ ،‬ما هي األدل‪NN‬ة‬
‫التي يمكنه تقديمها لالتهام؟ وما هي الفخاخ التي يمكنه استعمالها إلجبار المتهم الذكي على الخيانة؟ وم‪NN‬ا‬
‫هي الخدع الجديدة والمضمونة التي يستطيع اللجوء إليها؟ يستنزف المحقق الهاوي نفسه في مجموع‪NN‬ات‬
‫دقيقة ولكنها غير عملية‪ ،‬ويتوقف دائمًا بسبب هذا الجمه‪NN‬ور المط‪NN‬الب الص‪NN‬عب‪ .‬ك‪NN‬ان غارق‪ًN‬ا في أفك‪NN‬اره‬
‫حتى لم يسمع صوت الباب ولم يدرك وجود القاضي‪.‬‬
‫"س‪NN‬امحني‪ ،‬الس‪NN‬يد تاباري‪NN‬ه‪ ،‬ألني تركت‪NN‬ك وحي‪NN‬دًا لف‪NN‬ترة طويل‪NN‬ة"‪ ،‬ص‪NN‬وت القاض‪NN‬ي داب‪NN‬ورون يوقظ‪NN‬ه من‬
‫تأمالته‪ .‬قام العجوز وانحنى باحترام‪.‬‬

‫"وهللا‪ ،‬سيدي"‪ ،‬أجاب "لم يكن لدي الوقت ألشعر بوحدتي"‪ .‬عبر دابورون الغرفة وجلس‪ ،‬يواجه محققه‬
‫أمام طاولة صغيرة مكدسة باألوراق والوثائق المتعلقة بالجريمة‪ .‬بدا متعبًا جدًا‪.‬‬
‫"لقد تفكرت كثيرًا"‪ ،‬بدأ القاضي‪" ،‬في هذه القضية‪"-‬‬
‫"وأنا أيضًا"‪ ،‬قاطع تاباريه العجوز‪" ،‬كنت أتساءل عن سلوك الفيكونت في لحظة اعتقال‪NN‬ه‪ .‬ال ش‪NN‬يء أهم‬
‫برأيي من سلوكه في ذلك الوقت‪ .‬هل سيغضب؟ هل سيحاول تخويف العمالء؟ ه‪NN‬ل س‪NN‬يهدد بط‪NN‬ردهم من‬
‫المنزل؟ هذه هي تكتيكات المجرمين ذوي اللقب‪ .‬ولكن رأيي هو أن‪NN‬ه س‪NN‬يبقى هادئ‪ًN‬ا تمام‪ًN‬ا‪ .‬س‪NN‬يعلن نفس‪NN‬ه‬
‫ضحية سوء فهم‪ ،‬وسيصر على إج‪NN‬راء مقابل‪NN‬ة فوري‪NN‬ة م‪NN‬ع قاض‪NN‬ي التحقي‪NN‬ق‪ .‬بمج‪NN‬رد أن يتم منح‪NN‬ه ذل‪NN‬ك‪،‬‬
‫سيشرح كل شيء بسرعة كبيرة‪".‬‬

‫تحدث العجوز عن أمور تخص االستنتاجات بلهجة ثقة بالنفس‪ ،‬حتى لم يس‪NN‬تطع القاض‪NN‬ي داب‪NN‬ورون كبح‬
‫ابتسامته‪.‬‬
‫"لم نصل بعد إلى هذا الحد"‪ ،‬قال القاضي‪.‬‬
‫"ولكننا سنصل‪ ،‬في غضون ساعات قليلة"‪ ،‬رد تاباريه العجوز بسرعة‪" .‬أفترض أن‪NN‬ك س‪NN‬تأمر ب‪NN‬القبض‬
‫على الفيكونت دو كوماران في فجر اليوم‪".‬‬
‫رجف القاضي‪ ،‬كمن يرى الجراح يضع أدواته على الطاولة عندما يدخل الغرفة‪.‬‬
‫لقد حان وقت العمل‪ .‬شعر القاضي باآلن ما يعد بين القرار العقالني والعمل الجسدي المطلوب لتنفيذه‪.‬‬
‫"أنت سريع جدًا‪ ،‬السيد تاباريه"‪ ،‬قال‪" ،‬ال تتعرض ألي عوائق‪".‬‬
‫"ال يوجد أي عوائق‪ ،‬بمجرد التأكد من الجاني‪ .‬من غير الذي يمكنه أن يرتكب هذه الجريم‪NN‬ة؟ من غ‪NN‬يره‬
‫إال هو الذي كان له مصلحة في إسكات وتدمير شهادة ورثة األرملة ليروج‪ .‬فقط هو‪ .‬فق‪NN‬ير نوي‪NN‬ل‪ ،‬ال‪NN‬ذي‬
‫هو بمثابة األمانة‪ ،‬حذره وتحرك‪ .‬إذا فشلنا في تثبيت إدانته‪ ،‬فإنه سيظل دو كوم‪NN‬اران أك‪NN‬ثر من أي وقت‬
‫مضى؛ والمحامي الشاب سيكون نويل جيردي حتى الموت‪".‬‬
‫"نعم‪ ،‬ولكن‪"-‬‬
‫ثبت العجوز عيني‪NN‬ه على القاض‪NN‬ي بنظ‪NN‬رة اس‪NN‬تغراب‪" .‬إذن‪ ،‬أنت ت‪NN‬رى بعض الص‪NN‬عوبات‪ ،‬ي‪NN‬ا س‪NN‬يدي؟"‪،‬‬
‫سأله‪.‬‬
‫"بالتأكيد!" رد القاضي دابورون‪" .‬هذا األمر يتطلب أقصى درجات الحذر‪ .‬في حاالت مث‪NN‬ل ه‪NN‬ذه‪ ،‬يجب‬
‫أن ال يتم الضرب حتى يتم التأكد‪ ،‬ولدينا فق‪NN‬ط افتراض‪NN‬ات‪ .‬م‪NN‬اذا ل‪NN‬و كن‪NN‬ا مخط‪NN‬ئين؟ العدال‪NN‬ة‪ ،‬لألس‪NN‬ف‪ ،‬ال‬
‫يمكنها إصالح أخطائها‪ .‬عندما تضع يد العدالة بشكل ظالم على شخص ما‪ ،‬فإنها تترك طابع العار الذي‬
‫ال يمكن محوه أبًدا‪ .‬قد تدرك خطأه‪NN‬ا وتعلن ذل‪NN‬ك بص‪NN‬وت ع‪NN‬اٍل ‪ ،‬ولكن دون ج‪NN‬دوى! رأي ال‪NN‬رأي الع‪NN‬ام‪،‬‬
‫السخيف والغبي‪ ،‬لن يغفر للرجل المتهم بالشك‪".‬‬
‫كان العجوز يستمع إلى هذه المالحظات بقلب يغرق في اليأس‪ .‬لن يمنعه هذا النوع من االعتبارات‪.‬‬
‫"شكوكنا مبررة جي‪ًNN‬دا"‪ ،‬واص‪NN‬ل القاض‪NN‬ي‪" .‬ولكن‪ ،‬إذا أدت بن‪NN‬ا إلى الخط‪NN‬أ‪ ،‬ف‪NN‬إن عجلتن‪NN‬ا س‪NN‬تكون كارث‪NN‬ة‬
‫فظيعة لهذا الشاب‪ ،‬دون التحدث عن اآلث‪N‬ار ال‪NN‬تي س‪NN‬تؤثر في تقليص س‪NN‬لطة وكرام‪NN‬ة العدال‪NN‬ة‪ ،‬وتض‪NN‬عف‬
‫االحترام الذي يشكل قوتها‪ .‬مثل هذا الخطأ سيستدعي المناقشة‪ ،‬ويثير الشك في وقت في تاريخن‪NN‬ا عن‪NN‬دما‬
‫تميل جميع العقول إلى تحدي السلطات المشكلة‪".‬‬
‫انحنى على الطاولة‪ ،‬وبدا وكأنه يفكر عميًقا‪.‬‬
‫"ليس لدي الحظ"‪ ،‬فكر تاباريه العج‪NN‬وز‪" .‬أن‪NN‬ا أتعام‪NN‬ل م‪NN‬ع ش‪NN‬خص يرتج‪NN‬ف‪ .‬عن‪NN‬دما يجب أن يتص‪NN‬رف‪،‬‬
‫يصدر خطابات؛ بدًال من توقيع أوامر القبض‪ ،‬يطرح نظريات‪ .‬إن‪NN‬ه م‪NN‬ذهول من اكتش‪NN‬افي‪ ،‬وال يس‪NN‬تطيع‬
‫التعامل مع الوضع‪ .‬بدًال من أن يكون سعيًدا بظهوري بأخبار نجاحنا‪ ،‬لقد كان س‪NN‬يعطي عش‪NN‬رين فرنًك ا‪،‬‬
‫أعتقد‪ ،‬ليتركه وحده‪ .‬أه! إنه سيضع األسماك الصغيرة في شباكه بكل سرور‪ ،‬لكن‪NN‬ه يخ‪NN‬اف من األس‪NN‬ماك‬
‫الكبيرة‪ .‬األسماك الكبيرة خطيرة‪ ،‬ويفضل السماح لها بالسباحة بعيًدا‪".‬‬
‫"ربما"‪ ،‬قال القاضي دابورون بصوت عاٍل ‪" ،‬سيكون كافيًا إصدار أمر تفتيش‪ ،‬واستدعاء المتهم للمثول‬
‫أمام القضاء‪".‬‬
‫"فإن كل شيء قد ُفِقد!" صاح تاباريه العجوز‪" .‬وما السبب؟"‬
‫"ألننا نواجه جاِنًيا ذا قدرات مميزة‪ .‬حدٌث محظ‪NN‬وظ ج‪ًNN‬دا وض‪NN‬عنا على أث‪NN‬ره‪ .‬إذا منحن‪NN‬اه ال‪NN‬وقت للتنفس‪،‬‬
‫فس‪NNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNN‬يفلت من‪NNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNN‬ا‪".‬‬
‫كان الجواب الوحيد هو انحناء ال‪N‬رأس‪ ،‬ال‪N‬ذي ق‪N‬د يك‪N‬ون القاض‪N‬ي داب‪N‬ورون قص‪N‬د ب‪N‬ه اإليم‪N‬اء بالموافق‪N‬ة‪.‬‬
‫"من الواضح"‪ ،‬واصل العجوز‪" ،‬أن خصمنا توقع كل ش‪N‬يء‪ ،‬بالفع‪N‬ل ك‪N‬ل ش‪N‬يء‪ ،‬ح‪N‬تى إمكاني‪N‬ة الش‪N‬بهة‬
‫المرتبطة بش‪NN‬خص يحت‪NN‬ل موقًع ا عالًي ا‪ .‬أوه! إن احتياطات‪NN‬ه ق‪NN‬د اتخ‪NN‬ذت بالكام‪NN‬ل‪ .‬إذا كنتم راض‪NN‬ين بطلب‬
‫حضوره‪ ،‬فسينجو‪ .‬سيظهر أمامكم بكل هدوء مثل كاتبك‪ ،‬بال اهتمام كم‪NN‬ا ل‪NN‬و ك‪NN‬ان ي‪NN‬أتي ل‪NN‬ترتيب مراس‪NN‬م‬
‫مبارزة‪ .‬سيقدم لكم دفاًعا رائًعا‪ ،‬دفاًعا ال يمكن تشكيك به‪ .‬سيعرض عليكم أنه قضى مساء وليلة الثالث‪NN‬اء‬
‫مع شخصيات ذات مراتب عالية‪ .‬وباختصار‪ ،‬سيكون جهازه الص‪NN‬غير مص‪NN‬مًم ا بحرفي‪NN‬ة‪ ،‬وس‪NN‬يتم ترتيب‪NN‬ه‬
‫بشكل جيد‪ ،‬وسيعمل جميع عجالت‪NN‬ه بش‪NN‬كل رائ‪NN‬ع‪ ،‬ح‪NN‬تى لن يتبقى لكم س‪NN‬وى فتح الب‪NN‬اب وإخراج‪NN‬ه ب‪NN‬أكثر‬
‫االعتذارات التواضعية‪ .‬الوسيلة الوحيدة لتأمين اإلدانة هي مفاج‪NN‬أة المج‪NN‬رم بس‪NN‬رعة ال يمكن‪NN‬ه االس‪NN‬تعداد‬
‫لها‪ .‬انهالوا عليه مثل الصاعقة‪ ،‬اعتقلوه عندما يستيقظ‪ ،‬وجذبوه إلى هنا وهو ال يزال شاحًبا من الدهشة‪،‬‬
‫واستجوبوه على الفور‪ .‬أه! لو كنت قاضًيا تحقيق‪".‬‬
‫توقف تاباريه العجوز فجأة‪ ،‬خائًفا من فكرة أنه قد يكون قّص ر في االح‪NN‬ترام‪ ،‬لكن القاض‪NN‬ي داب‪NN‬ورون لم‬
‫يظهر أي عالمة على االنزعاج‪.‬‬
‫"تابع"‪ ،‬قال بصوت مشجع‪" ،‬تابع‪".‬‬
‫"إفترض‪ ،‬إذن"‪ ،‬واصل المحقق‪" ،‬أنا هو القاضي المحقق‪ .‬أقوم بإعتق‪N‬ال رجلي و‪ ،‬بع‪NN‬د عش‪NN‬رين دقيق‪N‬ة‪،‬‬
‫يقف أمامي‪ .‬ال أتسلى بطرح أسئلة متنوعة ومعقدة‪.‬‬
‫ال‪ ،‬أذهب مباشرة إلى الهدف‪ .‬أغرقه بثقل يقيني‪ ،‬أثبت له بوضوح أني أعرف ك‪N‬ل ش‪N‬يء‪ ،‬ح‪N‬تى يرض‪NN‬خ‬
‫ويستسلم‪ ،‬ال يرى أي فرصة للهروب‪ .‬سأقول له‪' :‬صديقي‪ ،‬جئت‪NN‬ني ب‪NN‬دفاعك‪ ،‬جي‪NN‬د ج‪ًNN‬دا‪ ،‬لك‪NN‬ني ملم بتل‪NN‬ك‬
‫الطريقة من الدفاع‪ .‬لن تجدي معي بها‪ .‬أنا أعرف ك‪NN‬ل ش‪NN‬يء عن الس‪NN‬اعات ال‪NN‬تي ال تحاف‪NN‬ظ على ال‪NN‬وقت‬
‫الصحيح‪ ،‬وكل األشخاص الذين لم يفارقوا رؤيتك‪ .‬في الوقت نفسه‪ ،‬هذا ما فعلت‪.‬‬
‫في الساعة الثامنة وعشرين دقيقة‪ ،‬انزلقت ببراع‪NN‬ة؛ في الس‪NN‬اعة الثامن‪NN‬ة وخمس‪NN‬ة وثالثين دقيق‪NN‬ة‪ ،‬أخ‪NN‬ذت‬
‫القطار من محطة سانت الزار؛ في الساعة التاس‪NN‬عة‪ ،‬ن‪NN‬زلت في محط‪NN‬ة روئي‪NN‬ل واتجهت نح‪NN‬و طري‪NN‬ق ال‬
‫جونشير؛ في الربع بعد التاسعة‪ ،‬طرقت على نافذة منزل األرملة لوروج‪ ،‬وتم قبول دخولك‪ .‬طلبت ش‪NN‬يًئا‬
‫لألكل؛ وفوق كل شيء‪ ،‬شيًئا للشرب‪ .‬في الساعة الثامنة وعشرين دقيقة‪ ،‬غرزت نهاية مسننة من س‪NN‬يف‬
‫بين كتفيها‪ .‬قتلتها! ثم أسكبت ك‪N‬ل ش‪N‬يء في الم‪N‬نزل وأح‪N‬رقت بعض الوث‪N‬ائق المهم‪N‬ة؛ ثم ربطت ك‪N‬ل م‪N‬ا‬
‫تمكنت من العثور عليه من األشياء الثمينة في منديل وذهبت بها‪ ،‬لتجعل الشرطة تعتق‪N‬د أن الجريم‪N‬ة هي‬
‫عمل لص‪ .‬أغلقت الباب ورميت المفتاح بعيدًا‪ .‬وصلت إلى السين‪ ،‬وألقيت الحزمة في الماء‪ ،‬ثم ه‪NN‬رعت‬
‫إلى محطة القطار سيًر ا على األقدام‪ ،‬وفي الحادية عشرة عدت إلى أصدقائك‪ .‬لق‪NN‬د لعبت لعبت‪NN‬ك ببراع‪NN‬ة‪،‬‬
‫لكنك نسيت أن تتخذ إحتياطات ضد خصمين‪ ،‬المحقق الذي ال يسهل إخفاؤه‪ ،‬ي‪NN‬دعى ت‪NN‬يراوكالير‪ ،‬وآخ‪NN‬ر‬
‫أكثر ذكاًء ‪ ،‬يدعى الصدفة‪.‬‬
‫بينهما‪ ،‬ف‪NN‬ازوا ب‪NN‬ك‪ .‬عالوة على ذل‪NN‬ك‪ ،‬كنت أحمًق ا الرت‪NN‬داء ح‪NN‬ذاء ص‪NN‬غير ج‪ًNN‬دا‪ ،‬وحافظ‪NN‬ة قف‪N‬ازات الكي‪NN‬د‬
‫الخاصة بك‪ ،‬باإلضافة إلى إرتداء قبعة حريري‪NN‬ة ومظل‪NN‬ة ت‪NN‬زعج نفس‪NN‬ك به‪NN‬ا‪ .‬اآلن‪ ،‬اع‪NN‬ترف ب‪NN‬ذنبك‪ ،‬فه‪NN‬و‬
‫الشيء الوحيد الذي تبقى لك القيام به‪ ،‬وسأعطيك اإلذن لتدخين الس‪N‬جائر ال‪N‬ترابوكو الرائع‪N‬ة ال‪N‬تي تحبه‪N‬ا‬
‫كثيًر ا‪ ،‬والتي تدخنها دائًم ا بفوهة من العاج‪".‬‬

‫خالل هذه الخطاب‪ ،‬زاد السيد تاباريه في الطول بمقدار بضع بوصات‪ ،‬ك‪NN‬ان حماس‪NN‬ه كب‪NN‬يًرا له‪NN‬ذا الح‪NN‬د‪.‬‬
‫نظر إلى القاضي كأنه يتوقع ابتسامة تأييد منه‪.‬‬

‫"نعم"‪ ،‬واصل بعد أن استراح للتنفس‪" ،‬هذا ما سأقوله وال شيء آخر؛ وإال إذا كان هذا الرجل أك‪NN‬ثر من‬
‫مئة مرة أقوى مما أتخيل‪ ،‬إذا كان مصنوًعا من البرونز أو الرخام أو الصلب‪ ،‬فسوف يسقط عن‪NN‬د ق‪NN‬دمي‬
‫ويعترف بذنبه‪".‬‬
‫"ولكن ماذا لو كان مصنوًعا من البرونز"‪ ،‬قال السيد دابورون‪" ،‬وأنه لم يسقط عند قدميك‪ ،‬فماذا ستفعل‬
‫بعد ذلك؟"‬
‫كان السؤال يبدو أنه حير العجوز‪.‬‬
‫"هاه!"‪ ،‬تلعثم‪" ،‬ال أعلم‪ ،‬سأرى‪ ،‬سأبحث‪ ،‬لكنه سوف يعترف‪".‬‬
‫بعد فترة صمت طويلة‪ ،‬أخذ السيد دابورون قلًم ا وكتب بعض الكلمات بسرعة‪.‬‬
‫"أستسلم"‪ ،‬قال‪" ،‬س‪NN‬وف يتم اعتق‪NN‬ال الس‪NN‬يد أل‪NN‬برت دي كوم‪NN‬ارين‪ .‬ه‪NN‬ذا محس‪NN‬وم‪ .‬ستس‪NN‬تغرق اإلج‪NN‬راءات‬
‫المختلفة والتفتيشات بعض الوقت‪ ،‬وأود استخدام هذا الوقت في اس‪NN‬تجواب الك‪NN‬ونت دي كوم‪NN‬ارين‪ ،‬وال‪NN‬د‬
‫الشاب‪ ،‬وصديقكم السيد نويل جيردي‪ ،‬المحامي الشاب‪ .‬الرسائل التي يمتلكها ضرورية بالنسبة لي‪".‬‬
‫عن‪NNNN‬د ذك‪NNNN‬ر اس‪NNNN‬م ج‪NNNN‬يردي‪ ،‬تب‪NNNN‬دلت وج‪NNNN‬ه الس‪NNNN‬يد تاباري‪NNNN‬ه إلى تعب‪NNNN‬ير غ‪NNNN‬ريب من القل‪NNNN‬ق‪.‬‬
‫"لعنة هللا"‪ ،‬صاح‪" ،‬هذا ما كنت أخشاه بشدة‪" ".‬ماذا؟" سأل السيد دابورون‪.‬‬
‫"ضرورة فحص تلك الرسائل‪ ،‬سيكتشف نويل تدخلي‪ .‬سيحتقرني‪ :‬سيهرب م‪NN‬ني عن‪NN‬دما يعلم أن تاباري‪NN‬ه‬
‫وتيراوكلير ينامون تحت نفس القبعة‪ .‬قبل مضي ثمانية أيام‪ ،‬سيترك أقدم أص‪NN‬دقائي مص‪NN‬افحتي‪ ،‬كم‪NN‬ا ل‪NN‬و‬
‫أنه ليس شرًفا أن يخدم العدالة‪ .‬سأضطر لتغيير مكان إقامتي وتحمل اسم مستعار‪".‬‬
‫كان اإلزعاج الذي يشعر به العجوز كبيًر ا لدرجة أنه كاد يبكي‪ .‬لمس السيد دابورون قلبه‪.‬‬
‫"ارتاح‪ ،‬عزيزي السيد تاباريه"‪ ،‬ق‪NN‬ال‪" .‬س‪NN‬أتولى أن يجه‪NN‬ل ابن‪NN‬ك األك‪NN‬بر وابن‪NN‬ك المتب‪NN‬نى‪ ،‬بني‪NN‬امين‪ ،‬بك‪NN‬ل‬
‫شيء‪ .‬سأجعله يعتقد أنني وصلت إليه من خالل أوراق األرملة‪".‬‬
‫أمسك العجوز بيد القاضي بحماسة من االمتنان وحملها إلى شفتيه‪" .‬ألف شكر لك ي‪NN‬ا س‪NN‬يدي! أرغب في‬
‫أن يسمح لي بمشاهدة االعتقال؛ وسأكون سعيًدا بالمساعدة في التفتيشات‪".‬‬
‫"كنت أعتزم أن أطلب ذلك منك‪ ،‬السيد تاباريه"‪ ،‬أجاب القاضي‪.‬‬

‫أصبحت اللمبات شاحبة في فج‪NN‬ر الص‪NN‬باح الرم‪NN‬ادي‪ ،‬وق‪NN‬د ب‪NN‬دأ الفراغ‪N‬ات يت‪NN‬دحرجون؛ إذ ك‪NN‬انت ب‪NN‬اريس‬
‫تستيقظ‪.‬‬
‫"ليس لدي وقت للضياع"‪ ،‬واصل السيد دابورون‪" ،‬إذا أردت أن يتم اتخاذ ك‪N‬ل اإلج‪N‬راءات بش‪N‬كل جي‪N‬د‪.‬‬
‫يجب علي أن أرى النائب العام على الفور‪ ،‬س‪NN‬واء ك‪NN‬ان مس‪NN‬تيقًظا أم ال‪ .‬س‪NN‬أذهب مباش‪NN‬رة من منزل‪NN‬ه إلى‬
‫قصر العدل‪ ،‬وسأكون هناك قبل الساعة الثامنة‪ ،‬وأرغب‪ ،‬يا سيد تاباريه‪ ،‬في أن تنتظر هناك أوام‪NN‬ري‪".‬‬
‫وأش‪NNNNN‬ار العج‪NNNNN‬وز بالش‪NNNNN‬كر وك‪NNNNN‬ان على وش‪NNNNN‬ك المغ‪NNNNN‬ادرة عن‪NNNNN‬دما ظه‪NNNNN‬ر خ‪NNNNN‬ادم القاض‪NNNNN‬ي‪.‬‬
‫"ه‪NN‬ذه رس‪NN‬الة‪ ،‬س‪NN‬يدي"‪ ،‬ق‪NN‬ال‪" ،‬وص‪NN‬ل به‪NN‬ا جن‪NN‬دي ش‪NN‬رطة من بوجيف‪NN‬ال قب‪NN‬ل قلي‪NN‬ل‪ .‬ينتظ‪NN‬ر رًدا‪".‬‬
‫"حسًنا"‪ ،‬أجاب السيد دابورون‪" .‬اطلب من الرجل أن يتناول بعض المشروبات اللطيف‪NN‬ة‪ ،‬أو على األق‪NN‬ل‬
‫اعرض عليه كأًسا من النبيذ‪".‬‬

‫فتح الظرف‪" .‬آه!"‪ ،‬صاح‪" ،‬رسالة من جيفرول"‪ ،‬وقرأ‪:‬‬

‫"'إلى القاضي التحقيقي‪ .‬يشرفني أن أخبركم بأنني على عتبة الرجل الذي يرتدي أقراًطا‪ .‬س‪NN‬معت ب‪NN‬ه في‬
‫محل للنبيذ دخله صباح األحد‪ ،‬قب‪NN‬ل ال‪NN‬ذهاب إلى ك‪NN‬وخ األرمل‪NN‬ة ل‪NN‬وروج‪ .‬اش‪NN‬ترى‪ ،‬ودف‪NN‬ع ثمن ل‪NN‬ترين من‬
‫النبيذ؛ ثم‪ ،‬مفاجأة‪ ،‬ضرب جبينه وصاح "أحمق قديم! لنسياني بأن غ‪ًN‬دا ي‪N‬وم احتف‪N‬االت الق‪N‬ارب!" وطلب‬
‫فوًر ا ثالثة لترات إضافية‪ .‬وفًقا للتق‪NN‬ويم‪ ،‬يجب أن يس‪NN‬مى الق‪NN‬ارب س‪NN‬انت م‪NN‬ارتن‪ .‬تعلمت أيًض ا أن‪NN‬ه ك‪NN‬ان‬
‫محماًل بالحبوب‪ .‬أرسل رسالتي إلى الحاكمية في نفس الوقت الذي أرس‪NN‬لها إليكم‪ ،‬ح‪NN‬تى يمكن االس‪NN‬تعالم‬
‫في باريس وروان‪ .‬سيتم العثور عليه في إحدى تلك األماكن‪ .‬أنا في االنتظار‪ ،‬سيدي‪ ،‬إلخ‪\"'.‬‬

‫"فقير جيفرول!"‪ ،‬صاح السيد تاباريه‪ ،‬متفجًرا من الض‪NN‬حك‪" .‬إن‪NN‬ه يحض‪NN‬ر س‪NN‬يفه‪ ،‬والمعرك‪NN‬ة انتهت‪ .‬أال‬
‫تنوي وقف التحقيقات‪ ،‬سيدي؟"‬
‫"ال‪ ،‬بالتأكيد ال"‪ ،‬أجاب السيد دابورون؛ "فإهمال أدنى دليل يؤدي في كثير من األحيان إلى الخط‪NN‬أ‪ .‬فمن‬
‫يدري ما هو الضوء الذي قد نحصل عليه من هذا البحار؟"‬

‫الفصل ‪8‬‬
‫في نفس اليوم الذي تم اكتشاف جريمة ال جونش‪NN‬ير‪ ،‬وتحدي‪ًNN‬دا عن‪NN‬دما ك‪NN‬ان الس‪NN‬يد تاباري‪NN‬ه يج‪NN‬ري فحص‪NN‬ه‬
‫الشهير في غرف‪NN‬ة الض‪NN‬حية‪ ،‬دخ‪N‬ل ال‪N‬وزير الش‪N‬اب أل‪N‬برت دو كوم‪N‬اران إلى عربت‪N‬ه وانطل‪N‬ق إلى محط‪N‬ة‬
‫القطار الشمالية لمقابلة والده‪.‬‬
‫كان الشاب شاحًبا جًدا؛ فمالمحه المتقشرة‪ ،‬وعيناه المبهمتان‪ ،‬وشفتاه الباهتتان‪ ،‬ومظهره الع‪N‬ام كل‪N‬ه ي‪N‬دل‬
‫على إما إرهاٍق شديد أو حزٍن غير عادي‪ .‬لقد الحظ جميع الخدم‪ ،‬خالل الخمسة أي‪NN‬ام الماض‪NN‬ية‪ ،‬أن س‪NN‬يد‬
‫الشاب لم يكن في حالته العادية‪ :‬لم يتحدث كثيًر ا‪ ،‬ولم يأكل شيًئا تقريًب ا‪ ،‬ورفض رؤي‪NN‬ة أي زائ‪NN‬ر‪ .‬الح‪NN‬ظ‬
‫خادمه أن هذا التغيير الغريب يرجع إلى زيارة السيد نويل جيردي‪ ،‬ال‪N‬ذي قض‪N‬ى مع‪N‬ه ثالث س‪N‬اعات في‬
‫المكتبة صباح األحد الماضي‪.‬‬
‫كان الوزير الشاب مبتهًجا كالحسون حتى وص‪NN‬ول ه‪NN‬ذا الش‪NN‬خص‪ ،‬لكن‪NN‬ه ب‪NN‬دا كمن على ش‪NN‬فا الم‪NN‬وت من‪NN‬ذ‬
‫لحظة مغادرته‪ .‬وعندما انطلق لمقابلة والده‪ ،‬بدا الوزير الشاب يعاني بشدة‪ ،‬حتى طلب منه خادمه الس‪NN‬يد‬
‫لوبان أن ال يخرج‪ ،‬واقترح عليه أن يتركه في غرفته ويستدعي الطبيب‪.‬‬
‫ولكن الكونت دو كوماران كان متطلًبا فيما يتعلق بالواجب األبوي‪ ،‬وكان سيغفر أسوأ السلوكيات الش‪NN‬ابة‬
‫قبل ما يسمى بعدم االحترام‪ .‬لقد أعلن والده عن وصوله بالبرق قبل ‪ 24‬ساعة‪ ،‬لذلك كان من المف‪NN‬ترض‬
‫أن يكون المنزل جاهًز ا تماًم ا الستقباله‪ ،‬وكان غياب أل‪NN‬برت في محط‪NN‬ة القط‪NN‬ار س‪NN‬يعتبر إهم‪N‬ااًل فاض‪ًNN‬حا‬
‫للواجب‪.‬‬
‫وبعد خمس دقائق فقط في غرفة االنتظار‪ ،‬دق جرس وص‪N‬ول القط‪N‬ار‪ .‬وقريًب ا‪ُ ،‬فِتحت األب‪N‬واب المؤدي‪N‬ة‬
‫إلى المنصة‪ ،‬وتدفق المسافرون‪ .‬وفيما يبدأ الحشد في التقليل قليًال‪ ،‬ظهر الكونت‪ ،‬يتبعه خادم يحمل باليز‬
‫سفر مبطن بفراء نادر وثمين‪.‬‬
‫بدا الكونت دو كوماران أصغر بعشر سنوات من عمره‪ .‬كانت لحيته وشعره‪ ،‬الل‪NN‬ذين ال ي‪NN‬زاالن ك‪NN‬ثيفين‪،‬‬
‫قد تحوال إلى اللون الرمادي بشكل طفيف‪ .‬كان طويًال وعضليًا‪ ،‬يحافظ على وضع مستقيم‪ ،‬ويرفع رأسه‬
‫عالًيا‪ .‬كان مظهره نبياًل ‪ ،‬وحركاته سهلة‪ .‬كانت مالمحه المنتظم‪N‬ة تش‪N‬كل دراس‪N‬ة لعلم‪N‬اء الفيزيوغنومي‪N‬ا‪،‬‬
‫حيث تعبر جميعها عن الخير واللطف والال مباالة‪ ،‬حتى الفم الجميل الذي يبتس‪NN‬م‪ .‬ولكن في عيني‪NN‬ه يت‪NN‬ألق‬
‫أشد فخر وغطرسة‪ .‬هذا التناقض يكشف سر شخصيته‪ .‬فه‪NN‬و متش‪NN‬بث بالتحام‪NN‬ل األرس‪NN‬تقراطي بق‪NN‬در م‪NN‬ا‬
‫كانت الماركيز دي أرالنج‪ ،‬لكن‪N‬ه على األق‪N‬ل تق‪N‬دم م‪N‬ع عص‪NN‬ره أو على األق‪NN‬ل يب‪N‬دو ذل‪N‬ك‪ .‬بالكام‪N‬ل‪ ،‬كم‪N‬ا‬
‫الماركيز‪ ،‬كان يحتقر كل من لم يكن ن‪NN‬بياًل ؛ لكن ازدراءه انعكس بطريق‪N‬ة مختلف‪N‬ة‪ .‬الم‪NN‬اركيز ك‪NN‬انت تعلن‬
‫ازدرائها بصوت عاٍل وخشن؛ أما الكونت فلقد حافظ على عينيه وأذنيه مفتوح‪NN‬تين وس‪NN‬مع ورأى الكث‪NN‬ير‪.‬‬
‫كانت الماركيز غبية وال تملك شيًئا من الحكمة العامة‪ .‬وكان الكونت ذكًيا وحكيًم ا ويمتل‪NN‬ك رؤى واس‪NN‬عة‬
‫للحياة والسياسة‪ .‬كانت الماركيز تحلم بعودة التقاليد السخيفة للعصور السابقة؛ أما الكونت فكان يأمل في‬
‫أمور يمكن أن تتحقق بفعل األحداث‪ .‬كان مقتنًعا بصدق بأن النبالء في فرنسا سيستعيدون ببطء وسرية‪،‬‬
‫ولكن بالتأكيد‪ ،‬كل سلطتهم المفقودة‪ ،‬مع هيبتهم وتأثيرهم‪.‬‬
‫بعبارة أخرى‪ ،‬كان الكونت هو صورة مزيفة ُم دَّللة لطبقت‪NN‬ه؛ وك‪NN‬انت الم‪NN‬اركيز هي كاريكاتيره‪NN‬ا‪ .‬ويجب‬
‫أن يضاف إلى ذلك‪ ،‬أن السيد دو كوماران كان يع‪NN‬رف كي‪NN‬ف يتخلص من توددات‪NN‬ه الس‪NN‬احقة في حض‪NN‬ور‬
‫نظرائه‪ .‬هناك كان يستعيد شخصيته الحقيقية‪ ،‬الكبرياء والثقة بالنفس والعناد‪ ،‬ويتحمل التناقض‪NN‬ات تماًم ا‬
‫كما يتحمل الحصان البري تطبيق العنان‪ .‬في منزله‪ ،‬كان ديكتاتوًرا‪.‬‬
‫لدرى الكونت دو كوماران نحو ابنه عندما رآه‪ ،‬فسار إليه أل‪NN‬برت وقب‪NN‬ل ي‪NN‬ده بطريق‪NN‬ة نبيل‪NN‬ة ورس‪NN‬مية‪ ،‬ثم‬
‫تبادال األخبار التي جرت خالل غياب الكونت بأس‪NN‬لوب س‪NN‬ريع‪ .‬وحينئذ فق‪NN‬ط الح‪NN‬ظ الس‪NN‬يد دو كوم‪NN‬اران‬
‫التغيير في وجه ابنه‪.‬‬
‫"أنت تبدو غير مريح‪ ،‬يا فيكونت"‪ ،‬قال الكونت‪.‬‬
‫"ال‪ ،‬سيدي‪ "،‬أجاب ألبرت بكلمة واحدة‪.‬‬
‫الكونت أطلق "آه!" مصحوًبا بحركة معينة للرأس‪ ،‬والتي عبرت عن الشك الكامل بالنسبة له؛ ثم‪ ،‬التفت‬
‫إلى خادمه وأعطاه بعض األوامر بإيجاز‪.‬‬
‫"اآلن"‪ ،‬استأنف‪" ،‬دعنا نذهب بسرعة إلى المنزل‪ .‬أنا مس‪N‬تعجل ألش‪N‬عر بالراح‪N‬ة؛ وأن‪N‬ا ج‪N‬ائع‪ ،‬ألن‪N‬ني لم‬
‫أتناول شيًئا اليوم‪ ،‬سوى بعض الحساء البغيض في إحدى محطات الطريق"‪.‬‬
‫عاد السيد دو كوماران إلى باريس في حالة سوء م‪NN‬زاج‪ ،‬حيث لم تجلب رحلت‪NN‬ه إلى النمس‪NN‬ا النت‪NN‬ائج ال‪NN‬تي‬
‫كان يأملها‪ .‬وإلضفاء المزيد من عدم الرضا‪ ،‬قام بالراحة في طريق العودة في قص‪NN‬ر ص‪NN‬ديق ق‪NN‬ديم‪ ،‬م‪NN‬ع‬
‫الذي كان قد ناقش بشدة حتى تفرق‪NN‬ا دون أن يتص‪NN‬افحا‪ .‬وك‪NN‬ان الك‪NN‬ونت بمج‪NN‬رد أن جلس في عربت‪NN‬ه على‬
‫وشك الحديث عن هذا الخالف‪.‬‬
‫"لقد تشاجرت مع دوق سيرموز"‪ ،‬قال البنه‪.‬‬
‫"يبدو لي أن هذا يحدث كلما التقيتما"‪ ،‬أجاب ألبرت‪ ،‬دون النية في التهكم‪.‬‬
‫"صحيح"‪ ،‬قال الكونت‪" :‬لكن هذا أمر جدي‪ .‬قضيت أربعة أيام في قصره‪ ،‬في حالة غض‪NN‬ب ال يص‪NN‬دق‪.‬‬
‫فقد فقدت كامل احترامي له‪ .‬قام سيرموز ببيع مزرعته في جوندريسي‪ ،‬وهي واحدة من أجمل الم‪NN‬زارع‬
‫في شمال فرنسا‪ .‬وقد قطع األشجار وعرض القصر القديم‪ ،‬ال‪NN‬ذي يعت‪NN‬بر مس‪NN‬كًنا أميرًي ا‪ ،‬لل‪NN‬بيع في م‪NN‬زاد‬
‫علني ليتم تحويله إلى مصنع للسكر؛ كل ذلك بهدف‪ ،‬كما يقول‪ ،‬زيادة دخله!"‬
‫"فهل هذا هو السبب في انفعالكما؟"‪ ،‬استفسر ألبرت بدون الكثير من الصدمة‪.‬‬
‫"بالتأكيد كان كذلك! أليس ذلك ما يكفي؟"‬
‫"ولكن‪ ،‬سيدي‪ ،‬تعلم أن لدى الدوق عائلة كبيرة‪ ،‬وأنه بعيًدا عن الثراء‪".‬‬
‫"ماذا عن ذلك؟ إن النبالء الفرنس‪NN‬يين ال‪NN‬ذين ي‪NN‬بيعون أراض‪NN‬يهم يرتكب‪NN‬ون فعًال ال يلي‪NN‬ق بهم‪ .‬إنهم م‪NN‬ذنبون‬
‫بالخيانة ضد طبقتهم!"‬
‫"أوه‪ ،‬سيدي"‪ ،‬قال ألبرت بتوسل‪.‬‬
‫"قلت خيانة!"‪ ،‬واصل الكونت‪" .‬أنا أصر على هذه الكلمة‪ .‬تذكر جيدًا‪ ،‬يا ابن الفيكونت‪ ،‬إن القوة كانت‪،‬‬
‫وستظل‪ ،‬على جانب الثروة‪ ،‬خاصًة على جانب الذين يملكون األرض‪ .‬فالرج‪NN‬ال ال‪NN‬ذين عاش‪NN‬وا في ف‪NN‬ترة‬
‫الثورة الفرنسية عام ‪ 1793‬فهموا هذا المبدأ جيدًا‪ ،‬وعملوا على تطبيقه‪ .‬عن طريق إفقار النبالء‪ ،‬دمروا‬
‫مكانتهم بطريقة أكثر فعالية من خالل إلغاء ألقابهم‪ .‬األمير الذي ينزل عن جواده‪ ،‬ويخلو من خدمه‪ ،‬ليس‬
‫أكثر من أي شخص آخر‪.‬‬
‫وزي‪NN‬ر ش‪NN‬هر يولي‪NN‬و‪ ،‬ال‪NN‬ذي ق‪NN‬ال للش‪NN‬عب "اجعل‪NN‬وا أنفس‪NN‬كم أغني‪NN‬اء"‪ ،‬ليس أحمق‪ًN‬ا‪ .‬لق‪NN‬د أعطى لهم الص‪NN‬يغة‬
‫الس‪NNN‬حرية للس‪NNN‬لطة‪ .‬ولكنهم ليس ل‪NNN‬ديهم الحكم‪NNN‬ة لفهمه‪NNN‬ا‪ .‬يري‪NNN‬دون ال‪NNN‬ذهاب بس‪NNN‬رعة كب‪NNN‬يرة‪ .‬يب‪NNN‬دأون‬
‫بالمضاربات‪ ،‬ويصبحون أغنياء‪ ،‬صحيح‪ ،‬ولكن بماذا؟ أسهم‪ ،‬سندات‪ ،‬ورق‪ ،‬بإختصار‪ ،‬قم‪NN‬اش مخملي‪.‬‬
‫إنهم يفضلون االستثمار في البضائع‪ ،‬التي تدفع ثمانية أو عشرة في المائة‪ ،‬على االستثمار في الكروم أو‬
‫الحبوب التي لن تعود سوى بثالثة في المائة‪ .‬أم‪NN‬ا الم‪NN‬زارع فليس‪NN‬وا به‪NN‬ذه الحماق‪NN‬ة‪ .‬فمن‪NN‬ذ لحظ‪NN‬ة امتالكهم‬
‫لقطعة أرض بحجم منديل‪ ،‬يريدون أن يجعلوها بحجم منشفة‪.‬‬
‫إنهم بطيئون مثل الثيران التي يحرثون بها‪ ،‬ولكنهم صبورون‪ ،‬متمسكون وعنيدون‪ .‬يسير مباشرة نح‪NN‬و‬
‫هدفه‪ ،‬مضغوطًا بشدة ضد الزمام؛ وال شيء يمكن أن يوقفه أو يحوله عن مساره‪.‬‬
‫إنه يعلم أن األسهم يمكن أن ترتفع أو تنخفض‪ ،‬وال‪NN‬ثروات يمكن أن تكس‪NN‬ب أو تفق‪N‬د في البورص‪NN‬ة؛ ولكن‬
‫األرض تظل دائمًا‪ ،‬هي المعيار الحقيقي للثروة‪ .‬ليصبح المزارعون مالكي أراضي‪ ،‬يجوعون‪ ،‬يرت‪NN‬دون‬
‫الصنادل في الشتاء‪ ،‬واألغبياء الذين يسخرون منهم سيس‪NN‬تغربون الحق‪ًN‬ا عن‪NN‬دما يص‪NN‬بح الم‪NN‬زارع بمثاب‪NN‬ة‬
‫الثورة الفرنسية في ‪ ،1793‬ويصبح المزارع بارونًا بالسلطة إن لم يكن باالسم"‪.‬‬
‫"أنا الأفهم التطبيق"‪ ،‬قال الفيكونت‪.‬‬
‫"أال تفهم؟ لماذا‪ ،‬ما يفعل‪N‬ه الم‪N‬زارع ه‪N‬و م‪N‬ا يجب أن يفعل‪N‬ه النبالء! بع‪N‬د أن دم‪N‬روا ث‪N‬رواتهم‪ ،‬ك‪N‬ان يجب‬
‫عليهم إعادة بناء ث‪N‬رواتهم‪ .‬يحظ‪N‬ر علين‪N‬ا التج‪N‬ارة؛ فليكن ك‪N‬ذلك‪ :‬الزراع‪N‬ة باقي‪N‬ة‪ .‬ب‪N‬دًال من الش‪N‬كوى على‬
‫الفارغ‪ ،‬بدًال من الذهاب إلى الديون‪ ،‬في محاولة سخيفة لدعم مظهر العظمة‪ ،‬كان يجب عليهم االنسحاب‬
‫إلى مقاطعاتهم‪ ،‬وعملوا هناك‪ ،‬وتوفير‪ ،‬والتنازل عن أنفسهم‪ ،‬كما يفعل المزارع‪ ،‬وشراء األرض قطع‪NN‬ة‬
‫بقطعة‪ .‬لو اتخذوا هذا المسار‪ ،‬فإنهم سيمتلكون فرنسا اليوم‪ .‬ثرواتهم ستكون ض‪NN‬خمة؛ ألن قيم‪NN‬ة األرض‬
‫ترتفع سنة بعد سنة‪ .‬لقد زدت ثروتي بدون جهد في ثالثين عاًم ا‪ .‬بلوفيل‪ ،‬الذي كلف والدي مائ‪N‬ة ت‪N‬اج في‬
‫عام ‪ ،1817‬يستحق اليوم أكثر من مليون‪ :‬لذلك‪ ،‬عندما أسمع النبالء يشكون‪ ،‬أنا أهز الكت‪NN‬ف‪ .‬من س‪NN‬وى‬
‫أنهم هم الذين مسؤولون؟ إنهم يفقرون أنفس‪NN‬هم من ع‪NN‬ام إلى آخ‪NN‬ر‪ .‬ي‪NN‬بيعون أراض‪NN‬يهم للم‪NN‬زارعين‪ .‬قريًب ا‬
‫سيصبحون على حافة الفق‪NN‬ر‪ ،‬ويفق‪NN‬دون ش‪NN‬عاراتهم‪ .‬م‪NN‬ا يريح‪NN‬ني ه‪NN‬و أن الم‪NN‬زارع‪ ،‬بع‪NN‬د أن أص‪NN‬بح مالًك ا‬
‫لممتلكاتنا‪ ،‬سيكون قوًيا جًدا‪ ،‬وسيجبر هؤالء التجار في األوراق المالية واألسهم‪ ،‬الذين يكرههم بقدر م‪NN‬ا‬
‫أكرههم أنا‪ ،‬على العمل تحت عجالت عربته"‪.‬‬
‫توقفت العربة في هذه اللحظة في باحة منزل دو كومارين‪ ،‬بعد أن قامت بوص‪NN‬ف نص‪NN‬ف دائ‪NN‬رة مثالي‪NN‬ة‪،‬‬
‫المجد لسائقي العربات الذين يحافظون على التقاليد القديمة‪.‬‬
‫نزل الكونت أوًال‪ ،‬وواضعًا يده على ذراع ابنه‪ ،‬صعد درج الدخول الرئيسي‪ .‬في الردهة الواسعة‪ ،‬وقف‬
‫كاديٌنهم كلهم يرتدون زّيات رسمية باهظة الثمن‪ ،‬في صٍف واحد‪ .‬نظر الكونت إليهم سريعًا‪ ،‬كم‪NN‬ا ينظ‪NN‬ر‬
‫الضابط إلى جنوده في االستعراض‪ ،‬وتوجه إلى شقته في الطابق األول‪ ،‬فوق صاالت االستقبال‪.‬‬
‫لم يكن هناك تنظيٌم للمنزل أفض‪NN‬ل من م‪NN‬نزل الك‪NN‬ونت دو كوم‪NN‬ارين‪ .‬ك‪NN‬ان يمتل‪NN‬ك بش‪NN‬كل ع‪NN‬اٍل فن القي‪NN‬ادة‬
‫لجيٍش من الخدم‪ .‬لم يسبب له عدد خدمه أي إزعاٍج أو حرٍج‪ .‬ك‪NN‬انوا ض‪NN‬روريين بالنس‪NN‬بة ل‪NN‬ه‪ .‬ك‪NN‬ان تنظيم‬
‫هذا المنزل مثالًيا لدرجة أن وظائفه يتم تنفيذها كما لو كانت وظائف آلة‪ ،‬دون أي ضوض‪NN‬اء أو تغي‪N‬ير أو‬
‫جهد‪.‬‬
‫عندما عاد الكونت من رحلته‪ ،‬استيقظ الفندق النائم كما لو ك‪NN‬ان بفع‪NN‬ل س‪NN‬حٍر ‪ .‬ك‪NN‬ان ك‪NN‬ل خ‪NN‬ادم في مكان‪NN‬ه‪،‬‬
‫واستئناف األعمال التي توقفت خالل األسابيع الستة الماضية دون أي اضطراب‪ .‬وكون الكونت معروًفا‬
‫بأنه قضى اليوم في الطريق‪ ،‬تم تقديم العشاء مبكًر ا قبل الموعد المعتاد‪ .‬وكان كل من في الم‪NN‬نزل‪ ،‬ح‪NN‬تى‬
‫أدنى الخدم‪ ،‬يمثل روح المادة األولى في قواعد المنزل "ال يتم تنفيذ األوامر‪ ،‬وإنما يتم توقعها"‪.‬‬
‫لم يكن السيد دو كومارين ق‪NN‬د تخلص بع‪NN‬د من آث‪NN‬ار رحلت‪NN‬ه وتغي‪NN‬ير مالبس‪NN‬ه‪ ،‬ح‪NN‬تى أعلن خ‪NN‬ادم النبي‪NN‬ذ أن‬
‫العشاء ُم قدم‪.‬‬
‫نزل األب واالبن على الفور‪ ،‬والتقيا على عتبة غرفة الطعام‪ .‬كانت هذه الغرف‪NN‬ة كب‪NN‬يرة‪ ،‬وم‪NN‬زودة بأث‪NN‬اث‬
‫فخم للغاية‪ ،‬وكانت جميع غرف الطابق األرضي ذات أسقف عالية جدًا‪ .‬لم يكن الك‪NN‬ونت مج‪NN‬رد ش‪NN‬خص‬
‫يأكل كثيرًا‪ ،‬بل كان مغرمًا بشهيته الهائل‪NN‬ة‪ .‬ك‪NN‬ان يحب استحض‪NN‬ار أس‪NN‬ماء الرج‪NN‬ال العظم‪NN‬اء المش‪NN‬هورين‬
‫بقدراتهم المعدية‪ .‬فقد كان الملك تشارلز الخامس يبتل‪NN‬ع جب‪N‬ااًل من األطعم‪NN‬ة‪ .‬وك‪NN‬ان المل‪NN‬ك ل‪NN‬ويس الراب‪NN‬ع‬
‫عشر يبتلع في كل وجبة ما يأكل‪N‬ه س‪N‬تة رج‪N‬ال ع‪N‬اديين في وجب‪N‬ة واح‪N‬دة‪ .‬وك‪N‬ان ي‪N‬دعي أن‪N‬ه يمكن تقريب‪ًN‬ا‬
‫التعرف على صفات الرجال من خالل قدراتهم المعدية؛ وقارنهم بالمصابيح التي يتناسب ق‪NN‬در إض‪NN‬اءتها‬
‫مع كمية الزيت التي تستهلكها‪.‬‬
‫خالل النص‪NN‬ف األول من الس‪NN‬اعة األولى‪ ،‬بقي الك‪NN‬ونت وابن‪NN‬ه ص‪NN‬امتين‪ .‬ك‪NN‬ان الس‪NN‬يد دو كوم‪NN‬ارين يأك‪NN‬ل‬
‫بضميٍر حّي ‪ ،‬دون أن يالحظ أو يهتم بأن ألبرت لم يأكل شيئًا‪ ،‬ولكنه ببساطة جلس على الطاولة كم‪NN‬ا ل‪NN‬و‬
‫كان يؤيده‪ .‬عاد سوء المزاج واللغط الغير متوقع للنبيل العجوز مع الحل‪NN‬وى‪ ،‬وب‪NN‬دا أن‪NN‬ه زاد بس‪NN‬بب النبي‪NN‬ذ‬
‫البورجوندي الذي كان يفضله‪ ،‬والذي شرب منه بكثرة‪.‬‬
‫كان يفضل أيًض ا المناقشة بعد العشاء‪ ،‬حيث يرى أن المناقشة المعتدلة هي هضٌم مثالي‪ .‬وأعطته رس‪NN‬الة‬
‫تم تسليمها له عند وصوله‪ ،‬وقد وجد الوقت إللقاء نظرة عليها‪ ،‬موضوًعا ونقطة انطالق‪.‬‬
‫"وصلت إلى المنزل قبل ساعة فقط"‪ ،‬قال‪" ،‬واستلمت بالفعل موعظة من برويفرسناي"‪.‬‬
‫"إنه يكتب كثيرًا"‪ ،‬الحظ ألبرت‪.‬‬
‫"أكثر من الالزم؛ إنه يهدر نفسه في الحبر‪ .‬يذكر المزيد من مش‪NN‬اريعه الس‪NN‬خيفة وآمال‪NN‬ه الباطل‪NN‬ة‪ ،‬وي‪NN‬ذكر‬
‫أسماء عشرين رجًال من نفس فئته الذين هم ش‪NN‬ركاؤه‪ .‬بكالمي‪ ،‬يب‪NN‬دو أنهم فق‪NN‬دوا عق‪NN‬ولهم! يتح‪NN‬دثون عن‬
‫رفع العالم‪ ،‬فقط يحتاجون إلى مقبض وشيء يستندون عليه‪ .‬يجعلني أموت من الضحك!"‬
‫لمدة عشر دقائق‪ ،‬واصل الكونت إطالق سيٍل من االنتق‪NN‬ادات والس‪NN‬خرية على أفض‪NN‬ل أص‪NN‬دقائه‪ ،‬دون أن‬
‫يبدو أنه يالحظ أن العديد من عيوبهم التي يسخر منها كانت أيضًا قليًال من عيوبه الخاصة‪.‬‬
‫"إذا‪ "،‬استمر بجدي‪N‬ة أك‪N‬ثر‪" ،‬ل‪N‬و ك‪N‬ان ل‪N‬ديهم ثق‪N‬ة بأنفس‪N‬هم قليًال‪ ،‬ل‪N‬و أظه‪N‬روا قليًال من الج‪N‬رأة! ولكن ال!‬
‫يعتمدون على اآلخرين ليفعلوا م‪NN‬ا يجب عليهم فعل‪NN‬ه بأنفس‪NN‬هم‪ .‬على اإلطالق‪ ،‬إج‪NN‬راءاتهم هي سلس‪NN‬لة من‬
‫االعترافات بالعجز واإلعالنات المبكرة عن الفشل‪".‬‬
‫بعدما تم تقديم القهوة‪ ،‬قام الكونت بعمل إشارة‪ ،‬وترك الخدمة الغرفة‪.‬‬
‫"ال‪ "،‬استمر‪" ،‬أرى أماًل واحًدا فقط لألرس‪NN‬تقراطية الفرنس‪NN‬ية‪ ،‬نج‪NN‬اة واح‪NN‬دة‪ ،‬ق‪NN‬انون ص‪NN‬غير جي‪NN‬د‪ ،‬ينص‬
‫على حق األولوية لالبن األكبر‪".‬‬
‫"لن تحصل عليه‪".‬‬
‫"ال تعتقد ذلك؟ أتعارض ضد هذا اإلجراء‪ ،‬يا ويسكونت؟"‬
‫عرف ألبرت من خالل تجربته ما هو الموضوع الخطير الذي يقترب منه والذي كان يقترب منه وال‪ُNN‬ده‪.‬‬
‫وظل صامًتا‪.‬‬
‫"إًذ ا‪ ،‬لنف‪NN‬ترض أني أحلم بالمس‪NN‬تحيل!" اس‪NN‬تأنف الك‪NN‬ونت‪" .‬فلتقم باألبن‪NN‬اء األص‪NN‬غر س‪NN‬نًا وبن‪NN‬ات عائالتن‪NN‬ا‬
‫الكب‪NN‬يرة بتخليهم عن حق‪NN‬وقهم‪ ،‬عن طري‪NN‬ق تن‪NN‬ازلهم عن الم‪NN‬يراث بأكمل‪NN‬ه ألول ول‪NN‬د لم‪NN‬دة خمس‪NN‬ة أجي‪NN‬ال‪،‬‬
‫والرضا بألفي فرنك فقط في السنة‪ .‬بهذه الطريقة يمكن إعادة بناء الثروات الكبيرة‪ ،‬وتتحد العائالت ب‪N‬دًال‬
‫من تقسيمها بمجموعة من المصالح المختلفة‪".‬‬
‫"لألسف‪ "،‬اعترض الويسكونت‪" ،‬الوقت غير مواٍت لمثل هذه التفاني‪".‬‬
‫"أعلم ذلك يا سيدي"‪ ،‬رد الكونت بسرعة‪" ،‬وفي بيتي الخاص لدي دليل على ذلك‪ .‬أن‪NN‬ا‪ ،‬وال‪NN‬دك‪ ،‬حثوت‪NN‬ك‬
‫على التخلي عن فكرة الزواج من حفيدة ذلك الجاهل العجوز‪ ،‬ماركيزة دارالنج‪ .‬ولكن بدون جدوى‪ ،‬لق‪NN‬د‬
‫اضطررت في النهاية إلى االستسالم لرغباتك‪".‬‬
‫"أبي ‪ "-‬بدأ ألبرت‪.‬‬
‫"حسنًا"‪ ،‬قاطع الكونت‪" .‬لديك كلمتي‪ ،‬ولكن تذكر توقعاتي‪ :‬ستضرب ضربة قاتلة لبيتنا‪ .‬س‪NN‬تكون واح‪ًNN‬دا‬
‫من أك‪NN‬بر المالك في فرنس‪NN‬ا‪ ،‬ولكن إذا ك‪NN‬ان ل‪NN‬ديك نص‪NN‬ف دزين‪NN‬ة من األطف‪NN‬ال‪ ،‬ف‪NN‬إنهم لن يكون‪NN‬وا غن‪NN‬يين‬
‫بالكاد‪.‬وإذا كان لديهم أطفال مثل عددهم‪ ،‬فربما سترى أحفادك في الفقر!"‬

‫"أنت تضع كل شيء في أسوأ صورة يا أبي‪".‬‬

‫"دون شك‪ :‬فهذا الوسيلة الوحيدة لتوضيح الخطر ودحر الشر‪ .‬أنت تتح‪NN‬دث عن س‪NN‬عادتك في حيات‪NN‬ك‪ .‬م‪NN‬ا‬
‫هي؟ النبيل الحقيقي يفكر في اسمه قبل كل شيء‪ .‬مدموزيل دارالنج جميلة جدا وجذابة لكنها فقيرة‪".‬‬

‫"لقد وجدت وارثة لك‪".‬‬


‫"التي لن أحبها أبدا!"‬

‫"وماذا عن ذل‪NN‬ك؟ لق‪N‬د أتت بأربع‪NN‬ة ماليين فرن‪NN‬ك في حض‪NN‬نها ‪ -‬أك‪NN‬ثر مم‪NN‬ا يعطي‪NN‬ه مل‪NN‬وك الي‪NN‬وم لبن‪NN‬اتهم‪.‬‬
‫باإلضافة إلى ذلك كان لديها توقعات كبيرة‪".‬‬

‫كانت المناقشة حول هذا الموضوع ستستمر إلى ما ال نهاية لو ش‪N‬ارك أل‪N‬برت فيه‪N‬ا بنش‪N‬اط؛ لكن أفك‪N‬اره‬
‫كانت بعيدة‪ .‬أجاب من حين آلخر حتى ال يب‪N‬دو وكأن‪N‬ه أخش‪N‬ى ‪ ،‬وك‪N‬ان يجيب ببض‪N‬عة مق‪N‬اطع فق‪N‬ط‪ .‬ك‪N‬ان‬
‫غياب المعارضة مثير للغضب بالنسبة للكونت أكثر من أشد التعارض‪ .‬لذلك حشد كل جهوده لحث ابن‪NN‬ه‬
‫على المناقشة‪.‬‬

‫ومع ذلك كان سخيا في استخدام الكلمات دون حدود في اإلشارات المزعجة‪ ،‬حتى أنه فقد س‪NN‬يطرته على‬
‫نفسه في النهاية وانفجر قائًال‪" :‬على كلمتي! ابن الخ‪NN‬ادم س‪NN‬يقول نفس م‪NN‬اتقول! أي دم في عروق‪NN‬ك؟ أنت‬
‫أشبه بأحد الناس أكثر من كونك فيكونت دي كومارين!"‬

‫هناك ظروف ذهنية معينة يصبح فيه‪NN‬ا أي ح‪NN‬ديث ي‪NN‬زعج األعص‪NN‬اب‪ .‬خالل الس‪NN‬اعة األخ‪NN‬يرة ‪ ،‬تع‪NN‬رض‬
‫ألبرت لعقاب ال يطاق‪ .‬الصبر الذي استحوذ عليه أخيًر ا فر منه‪.‬‬
‫"حسًنا‪ ،‬يا سيدي"‪ ،‬أجاب‪" ،‬إذا كنت أشبه بأحد الناس‪ ،‬فقد تكون هناك أسباب جيدة لذلك‪".‬‬
‫كان النظرة التي رافقت كالم الويسكونت تعبيرية لدرج‪NN‬ة أن الك‪NN‬ونت ش‪NN‬عر بص‪NN‬دمة مفاجئة‪ .‬ترك‪NN‬ه ك‪NN‬ل‬
‫حماسه وبصوت متردد‪ ،‬سأل‪" :‬ماذا تقول يا ويسكونت؟"‬
‫لم يمِض وقت طويل على قول ألبرت هذه الجملة حتى ندم على عجلته‪ ،‬لكنه كان قد ذهب بعيًدا ليتراجع‬
‫اآلن‪.‬‬
‫"سيدي"‪ ،‬أجاب ببعض الحرج‪" ،‬لدي بعض المسائل الهامة التي يجب أن أبلغك به‪NN‬ا‪ .‬ش‪NN‬رفي‪ ،‬وش‪NN‬رفك‪،‬‬
‫وشرف بيتنا‪ ،‬كلها متورطة في األمر‪ .‬كنت أنوي تأجيل ه‪NN‬ذه الح‪NN‬ديث ح‪NN‬تى الغ‪NN‬د‪ ،‬ال أري‪NN‬د إزعاج‪NN‬ك في‬
‫مساء عودتك‪ .‬ولكن إذا كنت تريدني أن أشرح‪ ،‬فسأفعل ذلك‪".‬‬

‫استمع الكونت بقلق ال يمكن إخفاؤه‪ .‬بدا وكأنه قد تنبأ بما كان ابنه على وشك الق‪NN‬ول ب‪NN‬ه‪ ،‬وك‪NN‬ان مرعوًب ا‬
‫من نفسه ألنه تنبأ بهذا الشكل‪.‬‬
‫"صدقني‪ ،‬يا سيدي"‪ ،‬استمر ألبرت ببطء‪" ،‬بغض النظر عن ما فعلته‪ ،‬لن يرتفع ص‪NN‬وتي أب‪ًNN‬دا التهام‪NN‬ك‪.‬‬
‫كانت لطفك المس‪NN‬تمر بي مح‪NN‬ل امتن‪NN‬اني ‪"-‬أش‪NN‬ار الس‪NN‬يد دي كوم‪NN‬ارين بي‪NN‬ده‪" .‬تهدئ‪NN‬ة األح‪NN‬اديث؛ اعط‪NN‬ني‬
‫الحقائق بدون مفردات"‪ ،‬قال بصوت حاد‪.‬‬
‫ظل ألبرت لبعض الوقت بدون الرد‪ ،‬تردد في كيفية البدء‪.‬‬
‫"سيدي"‪ ،‬قال بعد حين‪" ،‬خالل غياب‪NN‬ك‪ ،‬ق‪NN‬رأت جمي‪NN‬ع المراس‪NN‬الت بين‪NN‬ك وبين الس‪NN‬يدة ج‪NN‬يردي‪ .‬الك‪NN‬ل!"‬
‫أضاف‪ ،‬يشدد على الكلمة‪ ،‬التي كانت بالفعل معبرة جًدا‪.‬‬

‫انفجر الكونت وكأنه تعرض للدغة أفعى وقام بقوة ب‪NN‬دفع كرس‪NN‬يه‪ ،‬وق‪NN‬ال بص‪NN‬وت ع‪NN‬اٍل ‪" :‬ال تتح‪NN‬دث بع‪NN‬د‬
‫اآلن! أنا أحظر عليك التحدث!" ولكنه بال شك شعر بالخجل من عنفه‪ ،‬فرفع كرسيه بص‪NN‬مت‪ ،‬واس‪NN‬تأنف‬
‫بصوت حاول جعله خفيًفا ومرًحا‪" :‬من سيكون بع‪NN‬د ذل‪NN‬ك ي‪NN‬رفض االعتق‪NN‬اد باإلحساس‪NN‬ات؟ من‪NN‬ذ س‪NN‬اعتين‬
‫فقط‪ ،‬عندما رأيت وجهك الشاحب في محط‪NN‬ة القط‪NN‬ار‪ ،‬ش‪NN‬عرت بأن‪NN‬ك تعلمت ش‪NN‬يًئا أك‪NN‬ثر أو أق‪NN‬ل من ه‪NN‬ذا‬
‫األمر‪ .‬كنت واثًقا من ذلك‪".‬‬
‫ظل هناك صمت طويل‪ .‬بات األب واالبن يتجنبان تبادل النظ‪NN‬رات‪ ،‬خش‪NN‬ية أن تص‪NN‬ادفهما نظ‪NN‬رات تع‪NN‬بر‬
‫عن الكثير في هذه اللحظة المؤلمة‪.‬‬

‫"كنت على حق‪ ،‬يا سيدي"‪ ،‬استمر الكونت‪" ،‬شرفنا متورط‪ .‬من المهم أن نقرر س‪NN‬لوكنا المس‪NN‬تقبلي دون‬
‫تأخير‪ .‬هل تتبعني إلى غرفتي؟"‬

‫رن الجرس‪ ،‬وظهر خادم القدماء تقريبًا على الفور‪.‬‬

‫"ال يوجد أحد في المنزل‪ ،‬سواء الويسكونت أو أنا‪ ،‬ألي شخص‪ ،‬أًيا كان"‪ ،‬قال السيد دي كومارين‪.‬‬
‫الفصل ‪9‬‬
‫الكشف الذي حدث للتو‪ ،‬لم يفاجئ الكونت دي كومارين بقدر ما أثار غضبه‪ .‬فمنذ عشرين عاًم ا‪ ،‬كان‬
‫يتوقع دائًم ا رؤية الحقيقة تظهر‪ .‬علم أنه ال يوجد سر يحرس بعناية شديدة حتى ال يتسرب بالصدفة‪.‬‬
‫وكانت الحقيقة معروفة ألربعة أشخاص‪ ،‬ومنهم ثالثة ما يزالون على قيد الحياة‪.‬‬

‫لم ينس أنه كان غير حذر عندما وثق األمر على الورق‪ ،‬على الرغم من أنه كان يعلم أنه ال يجب أبًدا‬
‫كتابته‪ .‬كيف يمكن لدبلوماسي حذر ورجل دولة أن يكون بهذه الغباء؟ وكيف سمح لهذه المراسالت‬
‫القاتلة بالبقاء في الوجود؟‬
‫لماذا لم يدمر هذه األدلة الساحقة‪ ،‬التي في وقت ما قد تستخدم ضده؟ ال يمكن أن تنجرف إلى هذا الغباء‬
‫إال من عاطفة سخيفة‪ ،‬عمياء وال تشعر حتى بالجنون‪.‬‬

‫طوال فترة كونه عشيًقا لفاليري‪ ،‬لم يفكر الكونت في طلب إرجاع رسائله من شريكته المحبوبة‪ .‬وإذا‬
‫كانت الفكرة قد طرأت له‪ ،‬فقد رفضها كإهانة لشخصية مالكه‪.‬‬

‫ما هو السبب الذي قد يجعله يشك في احتفاظها بالسرية؟ ال شيء‪ .‬كان من المرجح بكثير أن يفترض‬
‫أنها ترغب في إزالة كل أثر‪ ،‬حتى األخف‪ ،‬لما حدث‪ .‬أليس ابنها هو الذي استفاد من الفعل‪ ،‬والذي‬
‫اغتصب اسًم ا وثروة لشخص آخر؟‬

‫وعندما قطع الكونت بعد ثماني سنوات‪ ،‬مؤمًنا أنها غير وفية‪ ،‬العالقة التي جلبت له الكثير من السعادة‪،‬‬
‫فكر في الحصول على هذه المراسالت البائسة‪ .‬ولكنه لم يعرف كيف يفعل ذلك‪ .‬كان هناك ألف سبب‬
‫يمنعه من التحرك في هذا األمر‪.‬‬

‫أهمها‪ ،‬أنه لم يكن يرغب في رؤية هذه المرأة‪ ،‬التي كان يحبها بشدة‪ .‬لم يشعر باليقين الكافي إما من‬
‫غضبه أو من ثباته‪ .‬هل يمكنه‪ ،‬دون االنحناء‪ ،‬مقاومة االستنجاد المبكي لتلك العيون‪ ،‬التي سيطرت‬
‫عليه لفترة طويلة؟‬

‫النظر إلى معشوقته الشبابية مرة أخرى‪ ،‬كان يخشى أن يؤدي إلى مغفرته لها‪ ،‬وكان قد أصيب بجرح‬
‫مؤلم في كبريائه ومشاعره ليقبل فكرة التصالح‪.‬‬
‫من ناحية أخرى‪ ،‬الحصول على الرسائل عن طريق طرف ثالث كان مستحيًال تماًم ا‪ .‬لذلك‪ ،‬امتنع عن‬
‫أي إجراء‪ ،‬مؤجاًل ذلك إلى أجل غير محدد‪" .‬سأذهب إليها"‪ ،‬قال لنفسه‪" ،‬ولكن ليس حتى أنزعها من‬
‫قلبي بحيث تصبح لي بال أهمية‪ .‬لن أراضيها برؤية حزني‪".‬‬
‫وبهذا مرت الشهور والسنوات‪ ،‬وأخيًر ا بدأ يقول ويؤمن أن األمر قد فات األوان‪ .‬وألكثر من عشرين‬
‫عاًم ا‪ ،‬لم يمر يوم لم يسب فيه نفسه على غبائه الذي ال يغتفر‪ .‬لم يستطع أبًدا نسيان أن فوق رأسه يعلق‬
‫خطر أكثر رعًبا من سيف داموكليس‪ ،‬معلق بخيط يمكن أن ينكسر بأي حادث أدنى‪.‬‬
‫واآلن‪ ،‬قد انقطع هذا الخيط‪ .‬غالًبا ما سأل نفسه‪ ،‬عند التفكير في إمكانية مثل هذه الكارثة‪ ،‬كيف يمكنه‬
‫تفاديها؟ لقد صياغ العديد من الخطط ورفضها‪ :‬غرق نفسه‪ ،‬مثل جميع الرجال ذوي الخياالت‪ ،‬في‬
‫مشاريع كثيرة ووهمية‪ .‬واآلن‪ ،‬وجد نفسه غير مستعد‪.‬‬
‫وقف الفيكونت أحتراًم ا‪ ،‬بينما جلس والده على كرسيه الضخم‪ ،‬تحت اإلطار الكبير الذي يعرض فيه‬
‫شجرة العائلة النسبية الشهيرة ريتو دي كومارين مع فروعها الخصبة‪ .‬كان السيد العجوز يخفي تماًم ا‬
‫المخاوف القاسية التي تثقل عليه‪ .‬لم يبدو مستيقًظا أو محبًطا‪ ،‬لكن عينيه عبرت عن ازدراء أكثر من‬
‫المعتاد وثقة بالنفس مليئة باالزدراء‪.‬‬

‫"اآلن‪ ،‬يا فيكونت"‪ ،‬بدأ بصوت ثابت‪" ،‬أوضح لي نفسك‪ .‬ال يلزمني أن أخبرك بموقف األب الذي‬
‫يضطر للخجل أمام ابنه‪ .‬أنت تفهمه‪ ،‬وستشعر بي‪ .‬دعونا ندرج بعضنا البعض‪ ،‬ونحاول أن نكون‬
‫هادئين‪ .‬قل لي‪ ،‬كيف حصلت على معرفتك بهذه المراسالت؟"‬

‫كانألبرت قد حان الوقت له الستعادة توازنه والتحضير للصراع الحالي‪ ،‬إذ انتظر بفارغ الصبر أربعة‬
‫أيام لهذه المقابلة‪.‬‬

‫الصعوبة التي واجهها في نطق أول كلماته قد أفسحت اآلن المجال لسلوك كريم وفخور‪ .‬أعرب‬
‫بوضوح وحزم‪ ،‬دون أن يضيع نفسه في تفاصيل تؤجل النقطة الحقيقية في المسائل الجادة بال داٍع‪.‬‬
‫"سيدي"‪ ،‬أجاب "في صباح األحد‪ ،‬زارني شاب يدعي أن لديه معاملة مهمة جدًا معي‪ .‬فاستقبلته‪ ،‬ثم‬
‫كشف لي بعد ذلك أنني‪ ،‬ولألسف‪ ،‬لست سوى ابنك الشرعي المستبدل بسبب حبك لي‪ ،‬بدًال من الطفل‬
‫الشرعي الذي ولدته مدام دي كومارين"‪.‬‬
‫"ألم تطرد هذا الرجل من الباب؟" صاح الكونت‪.‬‬

‫"ال‪ ،‬سيدي‪ .‬كنت على وشك أن أجيبه بحدة‪ ،‬بالطبع‪ ،‬ولكنه قدم لي طردًا من الرسائل‪ ،‬وطلب مني‬
‫قراءتها قبل الرد"‪.‬‬
‫"أها!" صاح السيد دي كومارين‪" .‬كان يجب أن تلقيها في النار‪ ،‬لكان هناك نار‪ ،‬أظن؟ لقد تمسكت بها‬
‫بيديك‪ ،‬وهي ال تزال موجودة! لماذا لم أكن هناك؟"‬

‫"سيدي!" قال ألبرت بلوم‪ .‬وتذكر الموقف الذي كان قد شغله نويل ضد المدفأة‪ ،‬والطريقة التي وقف‬
‫بها‪ ،‬ثم أضاف‪" :‬حتى لو تبادرت هذه الفكرة إلى ذهني‪ ،‬فإنها كانت مستحيلة التنفيذ‪ .‬عالوة على ذلك‪،‬‬
‫عند النظر األول‪ ،‬تعرفت على خط اليد الخاص بك‪ .‬لذلك‪ ،‬أخذت الرسائل وقرأتها"‪.‬‬

‫"ثم ماذا؟"‬

‫"ثم‪ ،‬سيدي‪ ،‬أعيدت المراسلة إلى الشاب‪ ،‬وطلبت تأجياًل لمدة ثمانية أيام؛ ليس للتفكير في ذلك بنفسي ‪-‬‬
‫لم يكن هناك حاجة لذلك ‪ -‬ولكن ألنني أرى أن يجب أن ألتقي بك‪ .‬لذلك‪ ،‬أرجوك‪ ،‬أخبرني هل حدث هذا‬
‫االستبدال حًقا‪".‬‬

‫"بالتأكيد حدث‪ "،‬أجاب الكونت بعنف‪" ،‬نعم‪ ،‬بالتأكيد‪ .‬تعلم أنه حدث‪ ،‬ألنك قرأت ما كتبته إلى مدام‬
‫جيردي‪ ،‬والدتك"‪.‬‬

‫لقد توقع ألبرت هذا الرد‪ ،‬ولكنه أحدق به على أي حال‪.‬‬


‫هناك بعض المصائب الكبيرة التي يجب أن نفكر فيها باستمرار لنصدق وجودها‪ .‬وم‪NN‬ع ذل‪NN‬ك‪ ،‬لم تس‪NN‬تمر‬
‫هذه الردة الفعلية سوى لحظة واحدة‪.‬‬
‫"اعذرني‪ ،‬سيدي"‪ ،‬أجاب‪" ،‬كنت مقتنًعا تقريًبا‪ ،‬لكنني لم أتلَّق الضمانة الرسمية بعد‪ .‬ك‪NN‬ل الرس‪NN‬ائل ال‪NN‬تي‬
‫قرأتها تتحدث بوضوح عن نية األمر‪ ،‬وتفصل خطة العمل بالتفصيل‪ ،‬ولكن ال يوجد أي شيء يشير إلى‬
‫تنفيذ المشروع أو يؤكد ذلك بأي شكل من األشكال"‪.‬‬
‫نظر الكونت إلى ابنه بنظرة اس‪NN‬تغراب ش‪NN‬ديدة‪ .‬ت‪NN‬ذكر جي‪ًNN‬دا جمي‪NN‬ع الرس‪NN‬ائل‪ ،‬ويت‪NN‬ذكر أن‪NN‬ه في كتابت‪NN‬ه إلى‬
‫فاليري‪ ،‬فرح كثيًر ا بنجاحها‪ ،‬وشكرها على التصرف وفًقا لرغباته‪.‬‬
‫"إذن‪ ،‬لم تقرأها كلها‪ ،‬يا فيكونت"‪ ،‬قال‪" ،‬لم تقرأها جميًعا؟"‬
‫"قرأت كل سطر‪ ،‬سيدي‪ ،‬وباهتمام تفهم‪NN‬ه جي‪ًNN‬دا‪ .‬الرس‪NN‬الة األخ‪NN‬يرة ال‪NN‬تي تم عرض‪NN‬ها لي أعلنت ببس‪NN‬اطة‬
‫لمدام جيردي عن وصول كلودين ليروج‪ ،‬الممرضة التي تم تكليفها بتنفيذ االستبدال‪ .‬ال أعرف شيًئا بع‪NN‬د‬
‫ذلك"‪.‬‬
‫"هذه األدلة ال تعني شيًئا"‪ ،‬تذمر الكونت‪" .‬يمكن لإلنسان أن يخطط لفترة طويلة ويحتض‪NN‬ره في اللحظ‪NN‬ة‬
‫األخيرة؛ وهذا يحدث في كثير من األحيان"‪.‬‬
‫انتقد نفسه لالجابة بسرعة‪ .‬كانت لدى ألبرت شكوًك ا جدية فقط‪ ،‬وقد حولها إلى يقين‪ .‬ما هي الغباء!‬
‫"ال يمكن أن يكون هناك شك"‪ ،‬قال لنفسه‪" ،‬فاليري قد دمرت الرسائل األكثر قاطعية‪ ،‬تلك التي بدت لها‬
‫األكثر خطورة‪ ،‬تلك التي كتبتها بعد االستبدال‪ .‬ولكن لماذا حفظت هذه األخرى‪ ،‬التي يكفيه‪NN‬ا ب‪NN‬أن تك‪NN‬ون‬
‫مضرة بمفردها؟ ولماذا‪ ،‬بعد الحفاظ عليها‪ ،‬تركتها تخرج من يدها؟"‬
‫بدون حراك‪ ،‬انتظر ألبرت كلمة من الكونت‪ .‬ماذا سيكون؟ بال شك‪ ،‬ك‪NN‬ان النبي‪NN‬ل العج‪NN‬وز يق‪NN‬رر في تل‪NN‬ك‬
‫اللحظة ما يجب عليه فعله‪.‬‬
‫"ربما تكون متوفاة!" صرخ السيد دي كومارينو عالمًا‪ :‬هناك بعض المصائب الكب‪NN‬يرة ج‪NN‬دًا‪ ،‬ال‪NN‬تي يجب‬
‫على اإلنسان التفكير فيها باستمرار ليصّد ق وجودها‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬هذه الردة الفعلي‪NN‬ة لم ت‪NN‬دوم س‪NN‬وى لحظ‪NN‬ة‬
‫واحدة‪.‬‬

‫"أعذرني‪ ،‬سيدي"‪ ،‬أجاب‪" ،‬لقد كانت لدي شكوك جدية‪ ،‬لكنني لم أتلّق الضمانة الرسمية‪ .‬جميع الرسائل‬
‫التي قرأتها تحّد ثت بوض‪NN‬وح عن نّيت‪NN‬ك‪ ،‬ووّض حت خطت‪NN‬ك بالتفص‪NN‬يل‪ ،‬لكّن أًّي ا منه‪NN‬ا لم يش‪NN‬ير إلى تنفي‪NN‬ذ‬
‫المشروع أو يؤّك د ذلك بأي شكل من األشكال‪".‬‬
‫نظر الكونت إلى ابنه بنظ‪N‬رة اس‪N‬تغراب ش‪N‬ديدة‪ .‬ك‪N‬ان يت‪N‬ذّك ر جي‪ًN‬دا ك‪N‬ل الرس‪N‬ائل‪ ،‬وك‪N‬ان يت‪N‬ذّك ر أّن ه كتب‬
‫لفاليري مراًرا وتكراًر ا يفرح بنجاحها‪ ،‬ويشكرها على موافقتها على رغباته‪.‬‬

‫"ألم تقرأها جميًعا‪ ،‬يا فكونت؟" سأل‪.‬‬

‫"قرأت كل سطر‪ ،‬سيدي‪ ،‬وبعناي‪N‬ة كب‪N‬يرة‪ .‬الرس‪N‬الة األخ‪N‬يرة ال‪N‬تي عرض‪N‬ت علّي ‪ ،‬أعلنت لم‪N‬دام ج‪N‬يردي‬
‫ببساطة وصول كلودين ليروج‪ ،‬الممرضة التي كانت مكّلفة باالستبدال‪ .‬ال أعرف شيًئا بعد ذلك‪".‬‬

‫"هذه األدلة ال تعني شيًئا"‪ ،‬تذّم ر الكونت‪" .‬ال يمكن أن يخّطط اإلنسان لفترة طويلة ويتراجع في اللحظة‬
‫األخيرة‪ ،‬وهذا يحدث في كثير من األحيان‪".‬‬

‫انتقد نفسه لإلجابة بسرعة‪ .‬إّنما كانت لدى ألبرت شكوك جدية فقط‪ ،‬وقد تحّو لت ليقين‪ .‬كان ذلك غباًء !‬

‫"ال يمكن أن يكون هناك شّك "‪ ،‬قال لنفسه‪" .‬قد دّم رت فاليري الرسائل األكثر قاطعية‪ ،‬تلك التي بدت لها‬
‫األكثر خطورة‪ ،‬تلك التي كتبتها بع‪NN‬د االس‪NN‬تبدال‪ .‬ولكن لم‪NN‬اذا حفظت ه‪NN‬ذه األخ‪NN‬رى‪ ،‬ال‪NN‬تي ك‪NN‬انت مض‪ّNN‬ر ة‬
‫بمفردها؟ ولماذا‪ ،‬بعد الحفاظ عليها‪ ،‬تركتها تخرج من يدها؟"‬

‫بدون حراك‪ ،‬انتظر ألبرت حرًفا من الكونت‪ .‬ما الذي سيكون؟ بال ش‪NN‬ك‪ ،‬ك‪NN‬ان النبي‪NN‬ل العج‪NN‬وز يق‪ّNN‬رر في‬
‫تلك اللحظة ما يجب عليه فعله‪.‬‬

‫"ربما تكون متوفاة!" صرخ السيد دي كومارين بصوت عال‪.‬‬


‫وعندما فكر أن فاليري ميتة وأنه لم يرها من جديد‪ ،‬بدأ يشعر بألٍم شديد‪ .‬كان قلبه ما زال يعاني بعد أكثر‬
‫من عشرين عاًم ا من الفصل الطوعي؛ ألن حبه األول في شبابه كان عميًقا جًدا‪ .‬لقد لعنها‪ ،‬لكن اآلن عفا‬
‫عنها‪ .‬صحيح‪ ،‬كانت قد خدعته‪ ،‬لكنه لم يعرف السعادة سوى في الس‪N‬نوات ال‪N‬تي عاش‪N‬ها معه‪N‬ا‪ .‬لم تش‪N‬كل‬
‫هي أدب شبابه؟ هل شعر بلحظة من السعادة أو النسيان من‪N‬ذ أن تركه‪N‬ا؟ في حالت‪N‬ه الحالي‪N‬ة‪ ،‬يحتف‪N‬ظ قلب‪N‬ه‬
‫بذكريات سعيدة فقط‪ ،‬كإناء يحتفظ برائحة العطور الثمينة حتى يتم تدميره‪.‬‬
‫"المسكينة!" همس‪.‬‬

‫تنهد بعمق‪ .‬تراجعت جفونه ثالث أو أربع مرات‪ ،‬كما لو كانت الدمعة على وشك السقوط‪ .‬شاهده ألبرت‬
‫بفضول حريص‪ .‬كانت هذه المرة األولى التي يرى فيها الفيكونت والده عاطفًة أخ‪NN‬رى غ‪NN‬ير الطم‪NN‬وح أو‬
‫الفخر المنتصر أو المهزوم‪ .‬ولكن ‪ M. de Commarin‬لم يكن رجًال يستسلم للمشاعر لفترة طويلة‪.‬‬

‫"أخبرني‪ ،‬يا فيكونت"‪ ،‬قال‪" ،‬من أرسل إليك هذا رسول الشؤم؟"‬

‫"جاء شخصًيا‪ ،‬سيدي‪ ،‬ولم يرغب في أن يخل‪NN‬ط أي ش‪NN‬خص آخ‪NN‬ر في ه‪NN‬ذا األم‪NN‬ر المح‪NN‬زن‪ .‬الش‪NN‬اب ليس‬
‫سوى ابنك الشرعي‪ ،‬السيد نويل جيردي‪ ،‬الذي احتل مكاني‪".‬‬

‫"نعم"‪ ،‬قال الكونت بصوت منخفض‪" ،‬نويل‪ ،‬هذا هو اسمه‪ ،‬أتذكر"‪ .‬ثم‪ ،‬ب‪NN‬تردد واض‪NN‬ح‪ ،‬أض‪NN‬اف‪" :‬ه‪NN‬ل‬
‫تحدث إليك عن والدتك؟"‬

‫"بالكاد‪ ،‬سيدي‪ .‬قال لي فقط إنه جاء بال علم منها‪ ،‬وأنه عثر على السر عن طريق الصدفة وكشفه لي‪".‬‬

‫لم يسأل ‪ M. de Commarin‬أكثر من ذلك‪ .‬كان هناك المزيد ليتعلمه‪ .‬بقي لبعض الوقت في التفك‪N‬ير‪.‬‬
‫حان الوقت المحدد‪ ،‬ورأى طريقة واحدة للهروب‪.‬‬
‫"تعال‪ ،‬يا فيكونت"‪ ،‬قال بلهجة مودٍة جعلت ألبرت يندهش‪" ،‬ال تقف‪ .‬اجلس هنا بج‪NN‬انبي‪ ،‬ودعن‪NN‬ا نن‪NN‬اقش‬
‫هذه المسألة‪ .‬دعنا نوحد جهودنا لتجنب هذه الكارثة الكبيرة إن أمكن‪ .‬ثق بي كما يجب على االبن أن يثق‬
‫بوالده‪ .‬هل فكرت في ما يجب فعله؟ هل وضعت أي تصميم؟"‬
‫"يبدو لي‪ ،‬سيدي‪ ،‬أن التردد مستحيل‪" ".‬كيف؟"‬
‫"واجبي‪ ،‬يا أبي‪ ،‬واضٌح جًدا‪ .‬قبل ابنك الشرعي‪ ،‬يجب أن أستسلم بال ت‪NN‬ذمر‪ ،‬إن لم يكن بال ح‪NN‬زن‪ .‬دع‪NN‬ه‬
‫يأتي‪ .‬أنا مستعد للتنازل له عن كل ش‪N‬يء اس‪N‬تبقته عن‪N‬ه لف‪N‬ترة طويل‪N‬ة‪ ،‬دون ش‪N‬ك في الحقيق‪N‬ة‪ ،‬حب وال‪N‬ده‬
‫وثروته واسمه‪".‬‬
‫عند هذا الرد األكثر إشادًة‪ ،‬لم يستطع النبيل العجوز الحفاظ على الهدوء ال‪N‬ذي نص‪NN‬ح ب‪N‬ه البن‪N‬ه في بداي‪N‬ة‬
‫المقابلة‪ .‬ظهرت على وجهه غضٌب شديد‪ ،‬وضرب الطاولة بقبضته بغضٍب أشد مما فعل في حياته‪ .‬فق‪NN‬د‬
‫كان دائًم ا حذًرا ومحتشًم ا في جميع المناسبات‪ ،‬ولكنه أطلق سلسلة من الش‪NN‬تائم ال‪NN‬تي لم تفتخ‪NN‬ر به‪NN‬ا ح‪NN‬تى‬
‫قديًم ا ضابط الفرسان‪.‬‬
‫"وأقول لك‪ ،‬سيدي‪ ،‬أن هذا الحلم الخاص بك لن يتحقق أبًدا‪ .‬ال؛ لن يحدث ذلك‪ .‬أقسم ل‪NN‬ك‪ .‬أِع دك‪ ،‬بغض‬
‫النظر عن ما يحدث‪ ،‬بأن األمور س‪NN‬تبقى على م‪NN‬ا هي علي‪NN‬ه‪ ،‬ألنه‪NN‬ا إرادتي‪ .‬أنت فيك‪NN‬ونت دو كوم‪NN‬ارين‪،‬‬
‫وستظل فيكونت دو كومارين‪ ،‬رغمك إن لزم األمر‪ .‬ستحتفظ بلقبك حتى وفات‪NN‬ك‪ ،‬أو على األق‪NN‬ل وف‪NN‬اتي؛‬
‫ألنني لن أسمح أبًدا بتنفيذ فكرتك السخيفة‪ ،‬ما دامت روحي حّية‪".‬‬
‫"لكن‪ ،‬سيدي"‪ ،‬بدأ ألبرت بخجٍل ‪.‬‬

‫"أنت ج‪NN‬ريٌء ج‪ًNN‬دا لتق‪NN‬اطعني أثن‪NN‬اء كالمي‪ ،‬س‪NN‬يدي"‪ ،‬ص‪NN‬اح الك‪NN‬ونت‪" .‬ألس‪NN‬ت تعلم ب‪NN‬أنني أع‪NN‬رف ك‪NN‬ل‬
‫اعتراضاتك مسبًقا؟ ستقول لي إنها ظلٌم مقيت‪ ،‬س‪NN‬رقٌة ش‪NN‬ريرة‪ .‬أع‪NN‬ترف ب‪NN‬ذلك‪ ،‬وأح‪NN‬زن علي‪NN‬ه أك‪NN‬ثر مم‪NN‬ا‬
‫يمكنك‪ .‬هل تعتقد أنني اآلن ألول مرة أشعر بندمي على حماقتي الشبابية؟ لمدة عشرين عاًم ا‪ ،‬يا س‪NN‬يدي‪،‬‬
‫لقد ندمت على ابني الحقيقي؛ لمدة عشرين عاًم ا‪ ،‬لقد لعنت الشر الذي تعرض له‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬تعلمت كيف‬
‫أحافظ على الصمت وأخفي الح‪NN‬زن والن‪NN‬دم ال‪NN‬ذي غطى وس‪NN‬ادتي باألش‪NN‬واك‪ .‬في لحظ‪NN‬ة واح‪NN‬دة‪ ،‬س‪NN‬يجعل‬
‫تنازلك الغير مدروس معاناتي الطويلة عديمة الفائدة‪ .‬ال‪ ،‬لن أسمح بذلك أبًدا!"‬

‫قرأ الكونت الرد على شفاه ابنه‪ ،‬ولكنه منعه بنظرة حارقة‪.‬‬
‫"هل تعتقد"‪ ،‬واصل قائال‪" ،‬أنني لم أبِك على فكرة ابني الشرعي يقضي حياته يكافح من أجل االستقرار‬
‫المادي؟ هل تعتقد أنني لم أشعر برغبة حارقة في إصالح الخطأ الذي تعرض ل‪NN‬ه؟ ك‪NN‬انت هن‪NN‬اك أوق‪NN‬ات‪،‬‬
‫سيدي‪ ،‬عندما كنت سأعطي نصف ثروتي فقط ألحتضن ذلك الطفل من زوجٍة تق‪NN‬در بع‪NN‬د ف‪NN‬وات األوان‪.‬‬
‫لكن الخوف من إلقاء الشك على والدتك منعني‪ .‬لقد تضحيت بنفسي من أجل االسم العظيم ال‪NN‬ذي أحمل‪NN‬ه‪.‬‬
‫لقد ورثته من أسالفي بال عيب‪ .‬ليس لديك سوى خياٍر واحد‪ ،‬سيدي‪ ،‬البد أن تنسى ه‪NN‬ذا األم‪NN‬ر‪ .‬فك‪NN‬ر في‬
‫الفضيحة التي ستحدث إذا كش‪N‬فت أس‪N‬رارنا للعي‪N‬ان‪ .‬أال يمكن‪N‬ك توق‪NN‬ع ف‪NN‬رح األع‪N‬داء‪ ،‬وتل‪N‬ك الجماع‪N‬ة من‬
‫الشخصيات الصاعدة التي تحيط بنا؟ أشعر بالرعب عندما أفكر في العار والسخرية التي ستلتصق بذلك‬
‫االسم‪ .‬لقد تم تشويه اسم العديد من العائالت بالفعل‪ ،‬وأنا لن أسمح بذلك في اسم عائلتي‪".‬‬
‫ظل السيد دي كومارين صامًتا لعدة دقائق‪ ،‬وفي هذا الوقت لم يجرؤ أل‪NN‬برت على ق‪NN‬ول كلم‪NN‬ة‪ ،‬ألن‪NN‬ه ك‪NN‬ان‬
‫معتاًدا منذ الطفولة على احترام أي رغب‪NN‬ة من رغب‪NN‬ات الك‪NN‬ونت ال‪NN‬رهيب العج‪NN‬وز‪ .‬واص‪NN‬ل الك‪NN‬ونت‪" :‬ال‬
‫يوجد أي طريقة للخروج من هذا‪ .‬هل يمكنني التخلي عنك غًدا‪ ،‬وتقديم هذا نويل ك‪NN‬ابني‪ ،‬ق‪NN‬ائاًل ‪" :‬عف ‪ًN‬و ا‪،‬‬
‫لقد حدث خطأ بسيط‪ ،‬هذا هو الفيك‪NN‬ونت؟"‪ ،‬ثم س‪NN‬تتولى المح‪NN‬اكم المس‪NN‬ألة‪ .‬فم‪NN‬ا الفائ‪NN‬دة من تس‪NN‬مية أح‪NN‬دهم‬
‫بنواحي بنواحي بنواحي؟ ولكن عندما يسمى شخٌص فيك‪N‬ونت دو كوم‪N‬ارين‪ ،‬ح‪N‬تى لي‪N‬وم واح‪N‬د‪ ،‬يجب أن‬
‫يحتفظ بهذا االسم طوال حياته‪ .‬ال يمكن أن تك‪NN‬ون نفس القاع‪NN‬دة للجمي‪NN‬ع؛ ألن ل‪NN‬دينا واجب‪NN‬ات مختلف‪NN‬ة‪ .‬في‬
‫موقعنا‪ ،‬األخطاء ال ُتصلح‪ .‬فخذ الشجاعة‪ ،‬واظهر نفسك جديرًا باالس‪NN‬م ال‪NN‬ذي تحمل‪NN‬ه‪ .‬العاص‪NN‬فة ق‪NN‬د حّلت‬
‫عليك‪ ،‬فارفع رأسك لمواجهتها‪".‬‬
‫ساهمت الصالبة التي ظهرها ألبرت في زيادة غضب السيد دي كومارين‪ ،‬إذ اس‪NN‬تمر ال‪NN‬وزير العتي‪NN‬د في‬
‫االستماع كما لو أنه يؤدي واجًبا‪ ،‬دون أي تعبير عن العواطف على وجهه‪ .‬رأى الكونت أنه لم يتحرك‪.‬‬
‫"ماذا لديك للرد؟"‪ ،‬سأله‪.‬‬
‫"يبدو لي‪ ،‬سيدي‪ ،‬أنك ال تملك فكرة عن كل المخاطر التي أراها‪ .‬من الصعب السيطرة على انتفاضات‬
‫الضمير‪".‬‬

‫"حًقا!" قاطع الكونت بال احترام‪" ،‬ضميرك ينتفض؟ لقد اخترت وقتك بشكل سيء‪ .‬تأخرت جًدا في‬
‫الشكوك‪.‬‬
‫طالما رأيت أن ميراثك يتألف من لقب مشهور وعشرات الماليين‪ ،‬فقد أرضيتك‪ .‬اليوم يبدو لك أن االسم‬
‫محمل بخطأ كبير‪ ،‬جريمة إذا أردت‪ ،‬وينتفض ضميرك‪.‬‬
‫اترك هذه الحماقة‪.‬‬
‫األطفال‪ ،‬سيدي‪ ،‬مسؤولون أمام آبائهم‪ ،‬ويجب أن يطيعوهم‪ .‬سواء أردت أو لم ترد‪ ،‬يجب أن تكون‬
‫شريكي في الجريمة؛ سواء أردت أو لم ترد‪ ،‬يجب أن تحمل العبء‪ ،‬كما حملته أنا‪ .‬ومهما كانت‬
‫معاناتك‪ ،‬فتأكد أنها لن تتجاوز ما تحملته لسنوات عديدة‪".‬‬
‫"أه‪ ،‬سيدي!" صاح ألبرت‪" ،‬أليس أنا‪ ،‬المحروم‪ ،‬هو من تسبب في هذا اإلزعاج؟ أليس المحروم هو‬
‫المسؤول عن هذا األمر‪ ،‬وليس أنا؟ ال تحاول إقناعي‪ ،‬بل م‪ .‬نويل جيردي‪".‬‬
‫"‬
‫نويل!" تكرر الكونت‪.‬‬

‫"ابنك الشرعي‪ ،‬نعم‪ ،‬سيدي‪ .‬تتصرف كما لو أن نتيجة هذا األمر الحزين تعتمد على إرادتي فقط‪ .‬أتخيل‬
‫أنه من السهل التخلص من م‪ .‬جيردي وإسكاته؟ وإذا رفع صوته‪ ،‬هل تأمل أن تقنعه باالعتبارات التي‬
‫ذكرتها للتو؟"‬

‫"ال أخشاه‪".‬‬

‫"فأنت مخطئ‪ ،‬سمح لي بأن أخبرك‪ .‬فلنفترض لحظة أن هذا الشاب لديه روح نبيلة بما يكفي للتخلي عن‬
‫مطالبته برتبتك وثروتك‪ .‬أليس هناك اآلن حقد متراكم لسنوات يحثه على المعارضة لك؟ ال يستطيع أن‬
‫يشعر إال باالستياء الشديد للظلم الرهيب الذي تعرض له‪ .‬يجب أن يتوق بشغف إلى االنتقام‪ ،‬أو‬
‫باألحرى التعويض‪".‬‬
‫"ليس لديه دليل‪".‬‬
‫"لديه رسائلك‪ ،‬سيدي‪".‬‬
‫"ال تعتبر دلياًل قاطًعا‪ ،‬كما قلت لي‪".‬‬
‫"هذا صحيح‪ ،‬سيدي؛ ومع ذلك‪ ،‬إقناعوني‪ ،‬الذين لديهم مصلحة في عدم اإلقناع‪ .‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬إذا‬
‫كان يحتاج إلى شهود‪ ،‬فسيجدهم‪".‬‬

‫"من؟ أنت‪ ،‬الفيكونت؟"‬

‫"أنت‪ ،‬سيدي‪ .‬في اليوم الذي يرغب فيه‪ ،‬ستخوننا‪ .‬فلنفترض أنه تم استدعاؤك أمام محكمة‪ ،‬وأنه هناك‪،‬‬
‫تحت اليمين‪ُ ،‬يطلب منك الحديث بالحقيقة‪ ،‬فما هي اإلجابة التي ستعطيها؟"‬

‫ظل وجه السيد دو كوماران يتحول إلى اللون الداكن في هذا االفتراض الطبيعي جًدا‪ .‬تردد قليًال‪ ،‬هو‬
‫الذي كان شرفه عادة ما يكون كبيًرا‪.‬‬

‫"سأنقذ اسم أسالفي"‪ ،‬قال أخيًرا‪.‬‬

‫هز ألبرت رأسه بشك بالغ‪" .‬بسعر الكذب‪ ،‬يا أبي"‪ ،‬قال‪" .‬لن أصدق ذلك أبًدا‪ .‬ولكن لنفترض حتى ذلك‪.‬‬
‫ثم سيستدعي مدام جيردي‪".‬‬

‫"أنا سأجيب عنها!" صاح الكونت‪" ،‬مصالحها هي نفسها مصالحنا‪ .‬إذا لزم األمر‪ ،‬سأراها‪ .‬نعم"‪،‬‬
‫أضاف بجهد‪" ،‬سأزورها‪ ،‬وسأتحدث إليها‪ ،‬وأضمن أنها لن تخوننا‪".‬‬

‫"وكالودين"‪ ،‬واصل الشاب‪" ،‬هل ستصمت‪ ،‬أيًض ا؟" "مقابل المال‪ ،‬نعم؛ وسأعطيها ما تريده‪".‬‬
‫"وأنت ستثق‪ ،‬يا أبي‪ ،‬بصمت مشترى‪ ،‬كما لو أنه يمكن للوازع الضميري أن يتم شراؤه؟ ما يتم بيعه‬
‫لك‪ ،‬قد يتم بيعه لشخص آخر‪ .‬مبلغ معين قد يغلق فمها‪ ،‬ومبلغ أكبر سيفتحه‪".‬‬

‫"سأخيفها‪".‬‬

‫"تنسى‪ ،‬يا أبي‪ ،‬أن كالودين لوروج كانت ممرضة نويل جيردي‪ ،‬وأنها تهتم بسعادته‪ ،‬وأنها تحبه‪ .‬كيف‬
‫تعرف أنها لم تؤمن بالفعل بمساعدته؟ تعيش في بوجيفال‪ ،‬ذهبت إلى هناك‪ ،‬أتذكر‪ ،‬معك‪ .‬بال شك‪،‬‬
‫يراها في كثير من األحيان؛ ربما هي التي وضعته على مسار هذه المراسالت‪ .‬تحدث إلَّي عنها‪ ،‬كما لو‬
‫أنه كان متأكًدا من شهادتها‪ .‬اقترح تقريًبا علَّي الذهاب إليها للحصول على معلومات‪".‬‬

‫"يا لألسف!" صاح الكونت‪" .‬لماذا لم تمت كالودين بدًال من الوفاء جيرمان؟"‬
‫"ترى‪ ،‬سيدي"‪ ،‬استنتج ألبرت‪" ،‬أن كالودين لوروج ستجعل كل جهودكم عبًثا‪".‬‬
‫"أهًال ال!" صاح الكونت‪" .‬سأجد بعض الوسائل‪".‬‬
‫لم يكن السيد العنيد مستعًدا لالستسالم لهذا الحجة‪ ،‬حيث أن وضوحها المطلق أعمى له‪ .‬فخر دمه شل‬
‫حسه العملي المعتاد‪ .‬االعتراف بأنه هزم يذله‪ ،‬ويبدو له شيًئا ال يليق به‪ .‬لم يتذكر خالل مسيرته الطويلة‬
‫مقاومة ال يمكن الفوز عليها أو عائًقا مطلًقا‪ .‬كان على غرار جميع الرجال ذوي الخيال الواسع الذين‬
‫يقعون في حب مشاريعهم‪ ،‬والذين يتوقعون أن ينجحوا في جميع المناسبات‪ ،‬كما لو أن التمني الشديد‬
‫كان كل ما يلزم لتحويل أحالمهم إلى حقائق‪.‬‬
‫تكسر ألبرت هذه المرة الصمت الذي تهدد بأن يمتد‪.‬‬

‫"أرى‪ ،‬سيدي"‪ ،‬قال‪" ،‬أنك تخشى‪ ،‬فوق كل شيء‪ ،‬العلنية لهذه الحادثة الحزينة‪ .‬يجعلك الفضيحة‬
‫المحتملة يائًسا‪ .‬لكن ما لم نستسلم‪ ،‬ستكون الفضيحة رهيبة‪ .‬سيكون هناك محاكمة ستكون حدًثا يتحدث‬
‫عنه الجميع في أوروبا‪ .‬ستطبع الصحف الحقائق‪ ،‬مصحوبة بتعليقات الخاصة بها التي ال يعلم أحد ما‬
‫هي‪ .‬سيظهر اسمنا‪ ،‬مهما كانت نتيجة المحاكمة‪ ،‬في كل صحف العالم‪ .‬يمكن تحُّم ل ذلك‪ ،‬إذا كنا‬
‫متأكدين من النجاح؛ لكننا ملزمون بالخسارة‪ ،‬يا أبي‪ ،‬سنخسر‪ .‬ثم فكر في التعرض! فكر في العار‬
‫الموجه إلينا من قبل الرأي العام‪".‬‬
‫"أعتقد"‪ ،‬قال الكونت‪" ،‬أنك ال تحترمني وال تحبني عندما تتحدث بهذه الطريقة‪".‬‬
‫"من واجبي‪ ،‬سيدي‪ ،‬أن أشير إلى الشرور التي أراها تهددنا‪ ،‬والتي ال يزال هناك وقت لتجنبها‪.‬‬
‫مونسيور نويل جيردي هو ابنك الشرعي‪ ،‬اعترف به‪ ،‬واعترف بمطالبه العادلة‪ ،‬واستقبله‪ .‬يمكننا إجراء‬
‫التغيير بسهولة‪ .‬يسهل تفسيره‪،‬من خالل خطأ من الممرضة‪ ،‬كالودين لوروج‪ ،‬على سبيل المثال‪ .‬إذا‬
‫كان جميع األطراف موافقين‪ ،‬فلن يكون هناك أي مشكلة بهذا الصدد‪ .‬ما الذي يمنع الفيكونت الجديد دو‬
‫كومارين من مغادرة باريس واالختفاء لبعض الوقت؟ يمكنه السفر حول أوروبا لمدة أربعة أو خمس‬
‫سنوات؛ وحين ينتهي األمر‪ ،‬سيكون كل شيء قد نسي‪ ،‬ولن يذكر أحدنا‪".‬‬

‫لم يكن السيد دو كومارين يستمع؛ إنه كان مغموًر ا في التفكير‪.‬‬


‫"ولكن بدًال من المنازعة‪ ،‬يا فيكونت"‪ ،‬صاح‪" ،‬يمكننا التوفيق‪ .‬ربما يمكننا شراء هذه الرسائل‪ .‬ماذا‬
‫يريد هذا الشاب الشاب؟ موقًفا وثروة؟ سأعطيه كالهما‪ .‬سأجعله غنًيا بما يمكنه أن يتمنى‪ .‬سأعطيه‬
‫مليوًنا؛ إذا لزم األمر‪ ،‬سأعطيه اثنين‪ ،‬أو ثالثة‪ ،‬نصف ثروتي‪.‬‬
‫مع المال‪ ،‬ترى‪ ،‬الكثير من المال ‪" " -‬اسمح له‪ ،‬يا سيدي‪ ،‬إنه ابنك‪".‬‬
‫"لألسف! وأتمنى له الجحيم! سأراه‪ ،‬وسيوافق على ما أريد‪ .‬سأثبت له سوء سياسة اإلناء الفخاري الذي‬
‫يكافح مع المقالة الحديدية‪ .‬وإذا لم يكن أحمًقا‪ ،‬فسيفهم‪".‬‬
‫فرك الكونت يديه أثناء الحديث‪ .‬كان سعيًدا بهذه الخطة الرائعة للتفاوض‪ .‬ال يمكن أن تفشل في النجاح‪.‬‬
‫تتبادر إلى ذهنه مجموعة من الحجج التي تدعمها‪ .‬سيعيد شراء راحته المفقودة‪.‬‬
‫ولكن لم يبدو ألبرت متفائًال بأمل والده‪" ،‬ربما تعتبرها قسوة مني‪ ،‬سيدي"‪ ،‬قال بحزن‪" ،‬لكن يجب أن‬
‫أفشل هذا الوهم األخير لك؛ فال تخدع نفسك بفكرة التسوية الودية؛ فاالستيقاظ سيكون أكثر ألًم ا‪ .‬لقد‬
‫رأيت السيد جيردي‪ ،‬يا أبي‪ ،‬وهو ليس من األشخاص الذين يمكن تخويفهم‪ .‬إذا كان هناك إرادة قوية في‬
‫العالم‪ ،‬فهي له‪ .‬إنه حًقا ابنك‪ ،‬ويظهر تعبيره‪ ،‬مثلك‪ ،‬عزيمة حديدية‪ ،‬يمكن كسرها ولكن ال يمكن‬
‫إنحناؤها‪ .‬ال يزال صوته يرتجف من االستياء‪ ،‬بينما يتحدث إلي‪.‬‬

‫ال يزال يمكنني رؤية النار المظلمة في عينيه‪ .‬ال‪ ،‬لن يقبل أي تسوية‪ .‬سيطالب بكل شيء أو ال شيء؛‬
‫وال يمكنني القول إنه خطأ‪ .‬إذا مقاومته‪ ،‬فسيهاجمك دون أدنى اعتبار‪ .‬سيتشبث بحقوقه بعدوانية عنيدة‪.‬‬
‫سيجرك من محكمة إلى محكمة؛ ولن يتوقف إال عند الهزيمة الكاملة أو االنتصار الكامل‪".‬‬
‫كان النبيل العجوز عادة ما يتمتع بالطاعة المطلقة من ابنه‪ ،‬ولكنه تفاجأ بعناده الغير متوقع‪.‬‬

‫"ما هو غرضك من قول كل هذا؟" سأل‪" .‬هو هذا يا سيدي‪ .‬لقد كنت سأحتقر نفسي تماًم ا لو لم أمنع هذه‬
‫الكارثة العظمى عن تقدم عمرك‪ .‬اسمك ال ينتمي إلّي ‪ ،‬سأأخذ اسمي‪ .‬أنا ابنك الطبيعي؛ سأتنازل عن‬
‫مكاني البنك الشرعي‪ .‬اسمح لي باالنسحاب ولو بما يكفي من الشرف بفعل واجبي طوًعا‪ .‬ال تجبرني‬
‫على االنتظار حتى يتم طردي بعيًدا"‪.‬‬
‫"ماذا!" صرخ الكونت مصدوًم ا‪" .‬ستتخلون عني؟ ترفض مساعدتي‪ ،‬تتخذ ضدي‪ ،‬تعترف بحقوق هذا‬
‫الرجل على الرغم من رغباتي؟"‬

‫ألبرت أنحنى رأسه‪ .‬كان متحرًك ا لكنه ظل ثابًتا‪.‬‬

‫"قراري غير قابل للتراجع"‪ ،‬أجاب‪" .‬ال يمكنني أبًدا الموافقة على تجريد ابنك"‪.‬‬

‫"ولد قاٍس ‪ ،‬غير شاكر!" صرخ السيد دو كومارين‪ .‬كان غضبه كبيًر ا حتى أنه عندما وجد أنه ال‬
‫يستطيع القيام بشيء بالشتائم‪ ،‬انتقل مباشرة إلى السخرية‪.‬‬

‫"ولكن ال"‪ ،‬أكمل‪" ،‬أنت عظيم‪ ،‬أنت نبيل‪ ،‬أنت ساٍم ‪ ،‬أنت تعمل بأروع نماذج الفروسية‪ ،‬فيكونت ‪ ،‬ما‬
‫يعني‪ ،‬عزيزي السيد جيردي؛ على طريقة وقت بلوتارك! كذلك تتنازل عن اسمي وثروتي‪ ،‬وتتركني‪.‬‬
‫ستهتز من الغبار عن عتبة بيتي؛ وستخرج إلى العالم‪ .‬ال أرى سوى صعوبة واحدة في طريقك‪ .‬كيف‬
‫تتوقع العيش‪ ،‬أيها الفيلسوف الستوي؟ "‬

‫"أنا مسكين جًدا يا سيد"‪ ،‬أجاب ألبرت لهذه تدفق اإلهانات‪" ،‬وكنت ستسحقني!"‬

‫"يا فاجر! ولكن من المالم في المقام االول؟ ولكن لنرجع إلى سؤالي‪ .‬كيف وعلى أي شيء ستعيش؟‬
‫"‬

‫"أنا لست مثاليا كما ترضى بالقول يا سيدي‪ .‬يجب أن أعترف بأنني‪ ،‬فيما يتعلق بالمستقبل‪ ،‬اعتمدت‬
‫على كرمك‪ .‬أنت غني لدرجة أن ‪ 500‬ألف فرنك لن تؤثر بشكل كبير على ثروتك؛ ومن عائدات هذا‬
‫المبلغ يمكنني العيش هادًئا‪ ،‬إن لم أكن سعيًدا‪" .‬‬

‫"وماذا لو رفضت منحك هذا المال؟"‬

‫"أعرفك جيًدا بما يكفي يا سيد ألكون متأكًدا من أنك لن تفعل ذلك‪ .‬أنت عادل بما فيه الكفاية لكي ال‬
‫ترغب في تحملي وحدي عقاب األخطاء التي لست مسؤوال عنها‪.‬‬

‫ولو تركت لنفسي‪ ،‬لكنت قد أحرزت مكانة في عمري الحالي‪ .‬فقدت الوقت لمحاولة بناء وضع اآلن؛‬
‫ولكنني سأبذل قصارى جهدي‪".‬‬

‫"رائع!" قاطع الكونت‪" .‬أنت فعال رائع! لم يسمع أحد عن بطل رومانسي مثلك‪ .‬ما شخصية! ولكن‬
‫قل لي‪ ،‬ماذا تتوقع من كل هذا التنازل الخيالي؟"‬

‫"ال شيء يا سيد‪".‬‬


‫ابتسم الكونت باستهزاء البنه وقال‪" :‬التعويض بسيط للغاية‪ .‬وتتوقع أن أصدق كل هذا! ال يا سيدي‪،‬‬
‫البشر ليسوا في عادة اإلنخراط في مثل هذه األفعال الرومانسية لمجرد المتعة وحدها‪ .‬يجب أن يكون‬
‫لديك سبب ما للتصرف بهذه العظمة؛ سبب ال أراه‪".‬‬

‫"ال سبب سوى ما أخبرتك به من قبل‪".‬‬

‫"ولذلك فهو متفق عليه أنك تنوي التنازل عن كل شيء؛ حتى تتخلى عن عالقتك المزمعة مع مدموازيل‬
‫كلير دارالنج؟ أنت تنسى أنني منذ عامين أعبر عن خيبة أملي الدائمة من هذا الزواج‪".‬‬

‫" ال يا سيدي‪ .‬قد التقيت مدموازيل كلير؛ شرحت لها وضعي المؤسف‪ .‬مهما حدث فقد حلفت أن تكون‬
‫زوجتي‪".‬‬

‫"وهل تظن أن مدام دارالنج ستعطي حفيدتها للسيد جيردي؟"‬

‫"نرجو ذلك يا سيدي‪ .‬المركيزة مصابة بما فيه الكفاية بأفكار ملكية تفضل غير الشرعي من نبيل على‬
‫ابن تاجر نزيه؛ لكن لو رفضت‪ ،‬لكنا ننتظر وفاتها‪ ،‬مع عدم التمني لها‪".‬‬

‫أغضب الطريقة الهادئة التي قال بها ألبرت الكونت‪.‬‬

‫"هل هذا ابني؟" صرخ‪" .‬أبدا! ما الدم الذي في عروقك يا سيد؟ أمك الكريمة وحدها قد تخبرنا‪ ،‬بشرط‬
‫أن تعرف بنفسها‪".‬‬

‫"يا سيد"‪ ،‬صرخ ألبرت تهديديا‪" ،‬تفكر جيًدا قبل الكالم! هي أمي‪ ،‬وهذا كاٍف ‪ .‬أنا ابنها‪ ،‬لست قاضيها‪.‬‬
‫لن يهينها أحد في حضوري‪ ،‬لن أسمح بذلك يا سيد؛ وسأتحمله أقل من الكل منك‪".‬‬

‫بذل الكونت مجهوًدا كبيًر ا للحفاظ على غضبه في حدوده‪ ،‬لكن سلوك ألبرت غضبه تماًم ا‪ .‬ماذا‪ ،‬ابنه‬
‫يتمرد‪ ،‬يجرؤ على مواجهته؟! الشاب يهدده! قام الرجل العجوز بالقفز من كرسيه وتحرك نحو الشاب‬
‫كما لو كان سيضربه‪.‬‬

‫"اترك الغرفة"‪ ،‬صرخ بصوت يخنقه الغضب‪" ،‬اترك الغرفة فورا! اعزل نفسك في حجرتك‪ ،‬وتأكد‬
‫من عدم مغادرتها دون أوامري‪ .‬غدا سأعلمك بقراري‪".‬‬

‫ألبرت إنحنى احتراما لكن دون إنحناء عينيه ومشى ببطء إلى الباب‪ .‬كان قد فتحه بالفعل عندما تعرض‬
‫السيد دي كومارين إلنقالبا في المشاعر‪ ،‬متكرر في األشخاص العنيفين‪.‬‬

‫"ألبرت"‪ ،‬قال‪" ،‬تعال إلى هنا واستمع لي‪".‬‬

‫الشاب المتأثر لهذا التغيير‪.‬‬


‫"ال تذهب"‪ ،‬واصل الكونت‪" ،‬حتى أخبرك بما اعتقده‪ .‬أنت مستحق ان تكون وريثا لبيت عظيم يا سيد‪.‬‬
‫قد أغضب منك؛ لكنني ال أستطيع أبدا أن أفقد احترامك‪ .‬أنت رجل نبيل يا ألبرت‪ .‬دعني أصافحك‪".‬‬

‫كان هذا أمرا مبهجا بالنسبة لهؤالء الرجلين‪ ،‬ومثل هذا األمر الذي لم يختبره أحدهما تقريبا في حياته‪،‬‬
‫فقد ضبطا أنفسهما بسبب إتيكيت بارد‪ .‬شعر الكونت بفخر في ابنه‪ ،‬واعترف فيه بنفسه في تلك السن‪.‬‬

‫لفترة طويلة بقيت أيديهما متالصقتان‪ ،‬دون أن يتمكن أي منهما من تلفظ كلمة‪.‬‬
‫أخيرا‪ ،‬عاد السيد دي كومارين إلى مقعده‪.‬‬
‫"يجب علي أن أطلب منك مغادرتي ألبرت"‪ ،‬قال بلطف‪" ،‬يجب أن أكون وحيدا ألتأمل‪ ،‬ألحاول التعود‬
‫على هذه الضربة الرهيبة"‪.‬‬

‫و‪ ،‬بينما أغلق الشاب الباب‪ ،‬أضاف كأنه يطلق أعماق أفكاره‪" ،‬إذا تخلى عني من قد وضعت فيه كل‬
‫أملي‪ ،‬فماذا سيصبح مني؟ و ماذا سيكون من اآلخر؟"‬

‫حملت مالمح ألبرت‪ ،‬عندما غادر دراسة الكونت‪ ،‬آثار االنفعاالت العنيفة التي شعر بها خالل اللقاء‪.‬‬
‫الحظ الخدم الذين لقيهم بشكل أكبر‪ ،‬ألنهم سمعوا بعض الشيء من الشجار‪.‬‬

‫"حسنا"‪ ،‬قال خادم قديم يعمل مع العائلة منذ ثالثون عاما‪" ،‬الكونت عاني سيناريو آخر مأساوي مع‬
‫ابنه‪ .‬العجوز كان في غضب شديد‪".‬‬

‫تدخل خادم قائال‪" :‬الحظت ذلك خالل العشاء"‪ ،‬إن الكونت ضبط نفسه بما يكفي لعدم االنفجار أمامي؛‬
‫ولكنه دار اعينه بشكل عنيف"‪.‬‬
‫"ما الذي قد يكون؟"‬
‫"ثوان! هذا أكثر مما يعرفونه أنفسهم‪ .‬إن دينيس‪ ،‬الذي يتحدثان أمامه بحرية‪ ،‬يقول إنهما غالبا ما‬
‫يختصمان لساعات عديدة‪ ،‬مثل الكالب‪ ،‬حول أشياء ال يستطيع أبدا فهمها‪".‬‬
‫"أها"‪ ،‬صرخ شاب تدرب للخدمة‪" ،‬لو كنت مكان الفيكونت‪ ،‬سأجعل العجوز المسكين يهدأ جيدا!"‪.‬‬
‫"يا صديقي جوزيف"‪ ،‬قال الخادم‪" ،‬أنت غبي‪ .‬قد تكون قد سمحت ألبيك بالمضي قدما بشكل مناسب‪،‬‬
‫ألنك ال تتوقع حتى خمسة سنتات منه؛ ولقد تعلمت بالفعل كيف تكسب قوتك دون القيام بأي عمل‪ .‬ولكن‬
‫الفيكونت‪ ،‬أخبرني ماذا يستطيع القيام به‪ ،‬ماذا يدرك كيف يفعله؟ أضعه في وسط باريس‪ ،‬بأيٍد فقط‬
‫رقيقة كرأس ماله‪ ،‬وسترى‪".‬‬

‫"نعم‪ ،‬لكن لديه ممتلكات أمه في نورماندي"‪ ،‬أجاب جوزيف‪.‬‬

‫"ال أستطيع‪ ،‬من أجل الحياة"‪ ،‬قال خادم الغرفة‪" ،‬أن أرى ما الذي يجده الكونت ليشتكي منه؛ ألن ابنه‬
‫هو نموذج كامل‪ ،‬ولن أكون حزيًنا لو كان واحًدا مثله‪ .‬كانت زوجة مختلفة تماًم ا عندما كنت في خدمة‬
‫ماركيز دي كورتيفوا‪ .‬كان واحًدا يصر على عدم شعوره بالرضا‪ .‬ابنه البكر‪ ،‬الذي هو صديق‬
‫للفيكونت‪ ،‬والذي يأتي هنا أحياًنا‪ ،‬هو حفرة دون قاع فيما يتعلق بالمال‪ .‬سوف يهدر ‪ 1000‬فرنك‬
‫بسرعة أكبر من جوزيف يدخن سيجار‪" .‬‬
‫"ولكن الماركيز ليس غنيا"‪ ،‬قال رجل عجوز صغير‪ ،‬ربما كان لديه راتب ضخم بخمسة عشر فرنًك ا؛‬
‫"ليس لديه أكثر من ستين ألف فرنك من الدخل على األكثر‪".‬‬

‫"لذلك يغضب‪ .‬كل يوم هناك قصة جديدة عن ابنه‪ .‬كان لديه شقة في المنزل؛ كان يدخل ويخرج عندما‬
‫يشاء؛ كان يقضي لياليه في اللعب والشرب؛ كما جنى مع الممثالت إلى أن اضطرت الشرطة للتدخل‪.‬‬
‫باإلضافة إلى هذا الكل‪ ،‬كثيرًا ما كان علّي المساعدة في صعوده إلى غرفته ووضعه في السرير‪ ،‬عندما‬
‫أحضر النوادل من المطاعم إلى المنزل في سيارة‪ ،‬حتى أنه لم يستطع التكلم‪".‬‬

‫"ها!" صرخ جوزيف بحماس‪" ،‬يجب أن خدمة هذا الرجل مربحة للغاية‪".‬‬

‫"وفًقا للظروف‪ .‬عندما كان يلعب‪ ،‬كان سخًيا بماله؛ ولكنه دائًم ا ما كان يخسر‪ :‬وعندما كان سكراًنا‪ ،‬كان‬
‫لديه عصبية سريعة‪ ،‬ولم يدخر الضربات‪ .‬يجب أن أعترف بأن سيجاره كان رائًعا‪ .‬ولكنه كان غلظ في‬
‫حين أن الفيسكونت هنا هو طفل حقيقي للحكمة‪ .‬هو صارم في عيوبنا‪ ،‬لكنه ليس قاسيا أبدا أو وحشيا مع‬
‫خدمه‪ .‬ثم إنه موِّح د الكرم؛ والذي على المدى الطويل يدفعنا أفضل‪ .‬يجب أن أقول إنه أفضل من‬
‫األغلبية‪ ،‬وأن الكونت غير معقول تماًم ا‪".‬‬
‫هذا كان حكم الخدم‪ .‬لعل حكم المجتمع أقل إيجابية‪.‬‬

‫كان لديه ميل واضح للسيدة بروسني في السابق‪ ،‬ربما أكثر النساء شرا في باريس؛ ولكن هذا كان كل‬
‫شيء‪ .‬رفعت األمهات اللواتي لديهن بنات للزواجهن حكمه؛ ولكن‪ ،‬منذ عامين‪ ،‬تحولوا ضده‪ ،‬عندما‬
‫أصبح حبه لمادموازيل دو أرالنج معروفًا جيدًا‪.‬‬

‫في النادي استهزأوا بحكمته‪ .‬كان لديه‪ ،‬مثل اآلخرين‪ ،‬جنون شبابه؛ ولكنه سرعان ما تكدر مما ُيسمى‬
‫بالمتعة‪ .‬ظهرت المهنة النبيلة لمحبي الطعام والشراب بمظهر متواضع وممل‪ .‬لم يستمتع بقضاء لياليه‬
‫في لعب األلعاب؛ ولم يقدر جمعية تلك النساء الهشات‪ ،‬اللواتي يعطين شهرة لعشاقهن في باريس‪.‬‬

‫أكد أن الرجل الكريم ليس بالضرورة محل سخرية ألنه لن يعرض نفسه في المسرح مع هؤالء النسوة‪.‬‬
‫أخيًر ا‪ ،‬لم يستطع أحد من أصدقائه تلقيحه بشغف لسباق الخيل‪.‬‬

‫نظرًا ألن الالشيء كان يمليه‪ ،‬حاول‪ ،‬كالطامحين‪ ،‬إعطاء بعض المعنى لحياته بالعمل‪ .‬عزم‪ ،‬بعد فترة‪،‬‬
‫على المشاركة في الشؤون العامة؛ وكما الحظ استهتار الرجال في السلطة‪ ،‬أراد تجنب أمثلتهم‪ .‬شغل‬
‫نفسه بالسياسة؛ وهذا كان سبب كل مشاجراته مع والده‪ .‬كلمة "ليبرالي" كانت كافية لتلقي الكونت في‬
‫نوبات؛ وشك في أن ابنه ليبرالي منذ قراءته لمقال للفيسكونت‪ُ ،‬نشر في "ريفو دو دو موند"‪.‬‬
‫لكن أفكاره لم تمنعه من أداء دوره الرفيع‪ .‬أنفق بسخاء على العالم دخله الذي جعله ووالده فوق الجميع‬
‫قليًال‪ .‬كان منزله‪ ،‬المنفصل عن الكونت‪ ،‬منظمًا كما يجب أن يكون منزل شاب غني‪ .‬انتعاله لم يترك‬
‫شيئا ُيرغب به؛ وكان خيوله ومركباته مشهورة‪ .‬سعوا بحماس للحصول على دعوات لحفالت الصيد‬
‫الكبيرة التي شكلها كل عام نحو نهاية أكتوبر في كومارين‪ - ،‬قطعة أرض رائعة مغطاة بغابات ضخمة‪.‬‬

‫حب ألبرت لكلير ‪ -‬حب عميق ومدروس ‪ -‬لم يساهم قليًال في الحفاظ عليه من العادات وحياة االمتالك‬
‫اللطيف والممتع الذي تنتهجه أصدقاؤه‪ .‬إن الرابطة النبيلة دائما ما تكون حصنا عظيما‪ .‬في مواجهته‪ ،‬لم‬
‫ينجح السيد دي كومارين سوى في زيادة حدتها وضمان استمرارها‪ .‬هذا الشغف ‪ -‬المزعج للكونت ‪-‬‬
‫كان مصدر أكثر االنفعاالت حيوية وقوية لدى الفيسكونت‪ .‬تم طرد الملل من وجوده‪.‬‬

‫كل أفكاره ذهبت في نفس االتجاه؛ كل أفعاله كان لها هدف واحد‪ .‬هل يستطيع النظر إلى اليمين أو إلى‬
‫اليسار عندما يرى الجائزة المرغوبة بشغف في نهاية رحلته؟ قرر أنه لن يكون له زوجة سوى كلير‪،‬‬
‫رفض والده موافقته بشدة‪ .‬لقد مضى وقت طويل لتغيير هذا الرفض وهو عمل حياته‪ .‬أخيرا‪ ،‬بعد ثالث‬
‫سنوات من المثابرة‪ ،‬تغلب عليه؛ أعطى الكونت موافقته‪ .‬واآلن‪ ،‬في اللحظة التي كان ينتقط فيها سعادة‬
‫النجاح‪ ،‬وصل نويل‪ ،‬ال يرحم كالقدر‪ ،‬برسائله اللعينة‪.‬‬
‫عند مغادرته السيد دي كومارين‪ ،‬وبينما كان يصعد ببطء الدرج الذي أدى إلى شقته‪ ،‬ذهبت أفكار‬
‫ألبرت إلى كلير‪ .‬ماذا كانت تفعل في تلك اللحظة؟ تفكر فيه بالتأكيد‪ .‬كانت تعلم أن األزمة ستأتي في تلك‬
‫الليلة أو غًدا على األكثر‪ .‬ربما كانت تصلي‪ .‬حال ألبرت حال إرهاق شديد؛ شعر رأسه بالدوار وبأنه‬
‫سوف ينفجر‪ .‬طلب خادمه‪ ،‬وأمر ببعض الشاي‪.‬‬

‫"أنت تفعل الخطأ في عدم إرسال طبيب ‪ ،‬سيدي"‪ ،‬قال لوبين ‪ ،‬خادمه‪" .‬يجب أن أخالفك وأرسله‬
‫بنفسي"‪.‬‬

‫"سيكون بال جدوى"‪ ،‬أجاب ألبرت بحزن‪"،‬ال يمكنه فعل أي شيء لي"‬

‫عندما كان الخادم يغادر الغرفة‪ ،‬أضاف ‪" -‬ال تقل أي شيء عن سوء حالتي إلى أي شخص يا لوبين؛‬
‫ليس هناك أي شيء‪.‬إذا شعرت باألسوأ‪ ،‬سأطرق الجرس "‪.‬‬

‫في ذلك اللحظة‪ ،‬رؤية أي شخص‪ ،‬سماع صوت‪ ،‬الرد عليه كان أكثر مما يمكنه تحمله‪ .‬كان يتمنى أن‬
‫ُيترك وحده تمامًا‪.‬‬

‫بعد العواطف المؤلمة الناشئة عن مناقشاته مع الكونت‪ ،‬لم يستطع النوم‪ .‬فتح إحدى نوافذ المكتبة‪ ،‬ونظر‬
‫خارجًا‪ .‬كانت ليلة جميلة‪ :‬وكانت هناك قمر أليف‪ .‬عندما يرى في هذه الساعة‪ ،‬بواسطة ضوء المساء‬
‫الخفيف‪ ،‬المتذبذب‪ ،‬ظهرت حدائق القصر مرتين أكبر من المعتاد‪ .‬انبسطت أطراف األشجار الكبيرة‬
‫مثل بساط شاسع‪ ،‬حيث تخفي المنازل المجاورة؛ وظهرت األحواض الزهرية‪ ،‬المستخرجة بواسطة‬
‫الشجيرات الخضراء‪ ،‬مثل كتل سوداء كبيرة‪ ،‬بينما تألقت الجزيعات الصغيرة من الصدف‪ ،‬والقطع‬
‫الصغيرة الزجاجية‪ ،‬والحصى الالمع في الممشى المحافظ عليه بعناية‪.‬‬

‫طرقت الخيول في االسطبالت ويمكن سماع صوت سالسل ألسنة الخيول وهي تصطدم بالعوارض من‬
‫األرواف‪ .‬في مرآب العربات‪ ،‬كان الرجال يضعون بعيًدا ليال السيارة‪ ،‬التي كانت تحفظ طوال المساء‪،‬‬
‫في حال أراد الكونت الخروج‪.‬‬
‫ذكرت هذه المحيطات ألبرت بفخامة حياته السابقة‪ .‬أنهى بأنين عميق‪.‬‬

‫"هل يجب أن أخسر كل هذا؟ " وكأنه همس‪" .‬ال أستطيع‪ ،‬حتى من أجلي‪ ،‬التخلي عن هذه الفخامة دون‬
‫حزن؛ والتفكير في كلير يجعل أمرًا محزنًا حًقا‪ .‬ألم أحلم بحياة سعيدة بشكل استثنائي لها‪ ،‬نتيجة غير‬
‫ممكنة تقريًبا دون الثروة؟"‬
‫احتسبت مناداة من الكنيسة المجاورة القديسة كلوتيلد‪ ،‬ونظًر ا لبرودة الليلة‪ ،‬أغلق النافذة‪ ،‬وجلس بالقرب‬
‫من النار‪ ،‬التي أزعجها‪ .‬في أمل الحصول على راحة من أفكاره‪ ،‬أخذ صحيفة المساء التي تحتوي على‬
‫تقرير عن االغتيال في ال جونشير؛ ولكنه وجد من المستحيل قراءتها‪ :‬رقصت السطور أمام عينيه‪ .‬ثم ‪،‬‬
‫فكر في كتابة رسالة إلى كلير‪ .‬جلس إلى مكتبه‪ ،‬وكتب‪" ،‬غاليتي حبيبتي كلير"‪ ،‬لكنه لم يتمكن من‬
‫الذهاب أبعد من ذلك؛ لم توفر له العقل المشوش أي جملة واحدة‪.‬‬

‫أخيًر ا‪ ،‬في مطلع النهار‪ ،‬انهار على أحد األفرشة‪ ،‬وسقط في نوم ثقيل شغيل بالظالل‪.‬‬

‫في التاسعة والنصف من صباح اليوم‪ ،‬أيقظ بشكل مفاجئ بواسطة صوت الباب وهو يفتح بسرعة‪ .‬دخل‬
‫خادم‪ ،‬وجهه فزع‪ ،‬وبالتنفس المختل‪ ،‬من صعوده الدرج أربع مرات‪ ،‬بحيث ال يتمكن من التحدث بشكل‬
‫صحيح‪.‬‬

‫"يا سيدي"‪ ،‬قال‪" ،‬فيكونت‪ ،‬اسرع‪ ،‬اهرب واختبئ‪ ،‬أنقذ نفسك‪ ،‬هم هنا‪ ،‬هم‪"..‬‬
‫ظهر مفتش الشرطة‪ ،‬وهو يرتدي شارته‪ ،‬عند الباب‪ .‬تبعه عدد من الرجال‪ ،‬ويمكن رؤية السيد تاباريه‪،‬‬
‫وهو يحاول االختفاء قدر اإلمكان‪.‬‬

‫اقترب المفتش من ألبرت‪.‬‬

‫"أنت"‪ ،‬سأل‪" ،‬غي دي ريتوك ألبرت دي كومارين؟"‬

‫"نعم يا سيدي"‪.‬‬

‫وضع المفتش يده عليه‪ ،‬بينما ينطق بالعبارة المعتادة‪" :‬السيد دي كومارين‪ ،‬باسم القانون أعتقلك"‪.‬‬

‫"أنا‪ ،‬يا سيدي؟ أنا؟"‬

‫ألبرت‪ ،‬أيقظ بشكل مفاجئ من أحالمه المؤلمة‪ ،‬تبدو كأنه لم يفهم تمامًا ما يجري‪ ،‬سأل نفسه "هل أنا‬
‫واقع بالفعل؟ أم هذا كابوس رهيب؟"‬

‫ألقى نظرة جاهلة‪ ،‬محيرة على المفتش ورجاله والسيد تاباريه‪ ،‬الذي لم يحمل عينيه عنه‪.‬‬

‫"هذه الوثيقة"‪ ،‬أضاف المفتش وهو يفتح الورقة‪ .‬نظر ألبرت تلقائًيا إلى محتوياتها‪.‬‬

‫"كلودين مقتولة!"‪ ،‬صرخ‪.‬‬

‫ثم بهمس واطئ لكن واضح بما فيه الكفاية ليسمعه المفتش وأحد ضباطه وتاباريه المسن‪ ،‬أضاف "أنا‬
‫ضائع!"‬
‫بينما كان المفتش يجري تحقيقات‪ ،‬والتي تتبع دائًم ا االعتقال‪ ،‬انتشر ضباط الشرطة في الشقق وبدؤوا‬
‫في فحص متأن‪ .‬تلقوا أوامر باالستماع لتاباريه‪ ،‬وأرشدهم الرجل المسن في بحثهم‪ ،‬أجبرهم على فحص‬
‫الدروج والخزائن‪ ،‬وتحريك األثاث للعثور خلفه أو تحته‪ .‬ضبطوا عددًا من األشياء التابعة للفيكونت ‪-‬‬
‫وثائق ومخطوطات ومراسالت واسعة جدًا؛ لكنه كان بلذة خاصة أن تاباريه وضع يديه على أشياء‬
‫معينة‪ ،‬وصفت بشكل دقيق في ترتيبها الصحيح في تقرير رسمي‪:‬‬

‫‪ .1‬في قاعة االستقبال‪ ،‬المعلقة بجميع أنواع األسلحة‪ ،‬تم العثور على سيف مكسور وراء األفرشة‪.‬‬
‫لهذا السيف مقبض غريب وغير مثل تلك التي تباع عادة‪ .‬فهو مزين بتاج الكونت واألحرف األولية أ‪.‬‬
‫س‪ .‬تم كسره تقريبا في المنتصف؛ وال يمكن العثور على الطرف‪ .‬عند االستجواب‪ ،‬أعلن الفيسكونت‬
‫أنه ال يعرف ما حدث للطرف المفقود‪.‬‬

‫‪ .2‬في غرفة التجهيز‪ ،‬تم العثور على بنطال قماشي أسود ال يزال رطبا ويحمل بقع طين أو باألحرى‬
‫فطر‪ .‬كل الجانب الواحد مدهون بالطحالب الخضراء المشابهة لتلك التي تنمو على الجدران‪ .‬هناك‬
‫شقوق عديدة على الجانب األمامي؛ واحد بالقرب من الركبة حوالي أربع بوصات‪ .‬لم يتم تعليق هذه‬
‫البنطال مع المالبس األخرى؛ بل يبدو أنه تم إخفائه بين خزانتين كبيرتين ممتلئتين بالمالبس‪.‬‬

‫‪ .3‬في جيب البنطال المذكور آنفًا تم العثور على زوج قفازات فخارية‪ .‬شفافية اليد اليمنى تحمل بقعة‬
‫خضراء كبيرة‪ ،‬تنتجها الحشيش أو الطحالب‪ .‬تم إرهاق طرفي األصابع كأنها باالحتكاك‪ .‬على ظهور‬
‫كال القفازين ثقوب‪ ،‬تبدو أنها مصنوعة باألظافر‪.‬‬

‫‪ .4‬تم العثور أيضا في غرفة التجهيز على زوجين من األحذية‪ ،‬واحد منها‪ ،‬على الرغم من نظافته‬
‫ولمعانه‪ ،‬ال يزال رطبا جدًا؛ ومظلة مبتلة حديًثا‪ ،‬حيث انتهى طرفها ال يزال مغطى بطين ملون‪.‬‬

‫‪ .5‬في غرفة كبيرة‪ ،‬تدعى المكتبة‪ ،‬تم العثور على صندوق سيجار عالمةترابوكوس‪ ،‬وعلى المنضدة‬
‫عدد من حامالت السيجار من العنبر والصخور‪.‬‬
‫في آخر ما سجله‪ ،‬اقترب السيد تاباريه من مفتش الشرطة‪.‬‬

‫"لدي كل ما أريده"‪ ،‬أومأ‪.‬‬

‫"ولقد انتهيت"‪ ،‬أجاب المفتش‪" .‬سجيننا ال يبدو أن يعرف بالضبط كيف يتصرف‪ .‬سمعت ما قال‪.‬‬
‫أعطى في الحال‪ .‬أتوقع أن تسميه غياب الخبرة"‪.‬‬

‫"في وسط النهار"‪ ،‬أجاب المخبر غير المحترف بهمس‪" ،‬لم يكن سيكون مهزومًا تمامًا‪ .‬لكن مبكرًا‬
‫صباحًا‪ ،‬إثارة مفاجئة‪ ،‬تعرف‪ ..‬أعتقل دائمًا الشخص مبكرًا صباحًا‪ ،‬عندما يكون جائعًا ونصف مستيقظ‬
‫فقط"‪.‬‬

‫"لقد سألت بعض الخدم‪ .‬شهاداتهم غريبة نوعًا ما"‪.‬‬

‫"حسنًا؛ سنرى‪ .‬لكني يجب أن أسرع وأجد القاضي المختص‪ ،‬الذي ينتظرني بفارغ الصبر"‪.‬‬

‫كان ألبرت يبدأ في التعافي قليًال من الذهول الذي غرق فيه بسبب دخول مفتش الشرطة‪.‬‬
‫"يا سيدي"‪ ،‬سأل‪" ،‬هل ستسمح لي بالقول بعض الكلمات في حضرتك لكونت كومارين؟ أنا ضحية‬
‫بعض الخطأ‪ ،‬سيتم اكتشافه بسهولة‪".‬‬

‫"دائمًا خطأ"‪ ،‬همس تاباريه‪.‬‬

‫"ما تطلبه مستحيل"‪ ،‬أجاب المفتش‪" .‬لدي أوامر خاصة من النوع األصعب‪ .‬لم تعد تتواصل مع أحد‬
‫اآلن فصاعدًا‪ .‬هناك سيارة أجرة تستننى أسفل‪ .‬كن لطيفًا ورافقني إليها"‪.‬‬

‫عند عبور فناء االستقبال‪ ،‬الحظ ألبرت حركة كبيرة بين الخدم؛ كانوا يبدون وكأنهم فقدوا حواسهم‪.‬‬
‫أصدر السيد دينيس بعض األوامر بنبرة حادة وإلزامية‪ .‬ثم اعتقد أنه سمع أن كومارين كان قد أصابه‬
‫نوبة شلل‪ .‬بعد ذلك‪ ،‬لم يتذكر شيء‪ .‬شبه حملوه إلى السيارة التي ركبت بأسرع ما يمكن للحصانين‬
‫الصغيرين‪ .‬كان تاباريه قد هرع قبل قليل في وسيلة نقل أسرع‪.‬‬
‫الفصل ‪10‬‬

‫الزائر الذي يخاطر بنفسه في متاهة الممرات والساللم في قصر العدل‪ ،‬ويص‪NN‬عد إلى الط‪NN‬ابق الث‪NN‬الث في‬
‫الجناح األيسر‪ ،‬سيجد نفسه في صالة طويلة ومنخفضة االرتف‪NN‬اع‪ ،‬يض‪NN‬اء به‪NN‬ا بض‪NN‬عاف الن‪NN‬ور من خالل‬
‫نوافذ ضيقة‪ ،‬وتخترقها أبواب صغيرة بشكل متقطع‪ ،‬مثل الصالة في الوزارة أو ن‪N‬زل مت‪N‬دٍن ‪ .‬إنه‪N‬ا مك‪N‬اٌن‬
‫يصعب المشاهدة بتأٍن ‪ ،‬فالخيال يجعله يبدو مظلًم ا ومكئوًبا‪ .‬إنه يحتاج إلى دانتي لكتابة نقٍش يوضع ف‪NN‬وق‬
‫األبواب التي تؤدي إليه‪ .‬طوال النهار تهتز األرضيات تحت خط‪NN‬وات الجن‪NN‬ود ال‪NN‬ذين يرافق‪NN‬ون الس‪NN‬جناء‪.‬‬
‫يمكنك بالكاد أن تتذكر أي شيء سوى الشخصيات الحزينة هن‪NN‬اك‪ .‬هن‪NN‬اك اآلب‪NN‬اء أو األص‪NN‬دقاء للمتهمين‪،‬‬
‫والشهود‪ ،‬ورجال الشرطة‪ .‬في هذه الصالة‪ ،‬بعيدًا عن نظر الناس‪ ،‬يتم اتباع المنهج القض‪NN‬ائي‪ .‬ك‪NN‬ل ب‪NN‬اب‬
‫صغير‪ ،‬الذي يحمل رقمه المرسوم باألسود‪ ،‬يفتح على مكتب قاضي التحقيق‪ .‬جميع الغرف متشابهة‪:‬‬
‫إذا رأيت واحدة‪ ،‬فقد رأيتهم جميًعا‪ .‬ليس لديهم شيء مروع أو ح‪NN‬زين في ح‪NN‬د ذاتهم‪ ،‬وم‪NN‬ع ذل‪NN‬ك يص‪NN‬عب‬
‫دخول أي منهم دون ارتجاف‪ .‬إنها باردة‪ ،‬وتبدو جدرانها رطبة بالدموع التي ألقيت هناك‪ .‬ترتج‪NN‬ف عن‪NN‬د‬
‫التفكير في االعتراف‪NN‬ات ال‪NN‬تي تم اقتناص‪NN‬ها من الجن‪NN‬اة‪ ،‬واالعتراف‪NN‬ات ال‪NN‬تي تم كس‪NN‬رها بالبك‪NN‬اء هن‪NN‬اك‪ .‬في‬
‫مكتب قاضي التحقيق‪ ،‬تتلبس العدالة ثوًبا ال يخيف الجماهير‪.‬‬
‫ال يزال بسيًطا‪ ،‬ويميل تقريًبا إلى اللطف‪ .‬تقول للسجين‪" ،‬لدي أسباب قوية لالعتقاد بأن‪NN‬ك م‪NN‬ذنب‪ ،‬ولكن‬
‫أثبت لي براءتك‪ ،‬وسأطلق سراحك"‪ .‬عند دخول أحد هذه الغرف‪ ،‬سيتص‪NN‬ور الغ‪NN‬ريب أن‪NN‬ه دخ‪NN‬ل متج‪ًNN‬را‬
‫رخيًص ا بالخطأ‪ .‬األثاث من النوع األولي‪ ،‬كما هو الح‪NN‬ال في جمي‪NN‬ع األم‪NN‬اكن ال‪NN‬تي يتم فيه‪NN‬ا التعام‪NN‬ل م‪NN‬ع‬
‫أمور هامة‪ .‬فم‪NN‬ا هي أهمي‪NN‬ة المحي‪NN‬ط للقاض‪NN‬ي ال‪NN‬ذي يالح‪NN‬ق م‪NN‬رتكب جريم‪NN‬ة‪ ،‬أو للمتهم ال‪NN‬ذي ي‪NN‬دافع عن‬
‫حياته؟‬

‫الزائر الذي يخاطر بنفسه في متاهة الممرات والدرجات في قصر العدل‪ ،‬ويصعد إلى الطابق الثالث في‬
‫الجناح األيسر‪ ،‬سيجد نفسه في صالة طويلة ومنخفضة االرتف‪NN‬اع‪ ،‬يض‪NN‬اء به‪NN‬ا بض‪NN‬عاف الن‪NN‬ور من خالل‬
‫نوافذ ضيقة‪ ،‬وتخترقها أبواب صغيرة بشكل متقطع‪ ،‬مثل الصالة في الوزارة أو ن‪N‬زل مت‪N‬دٍن ‪ .‬إنه‪N‬ا مك‪N‬ان‬
‫يصعب المشاهدة بتأٍن ‪ ،‬فالخيال يجعله يبدو مظلًم ا ومكئوًبا‪.‬‬

‫إنه يحتاج إلى دانتي لكتابة نقش يوضع فوق األبواب التي ت‪NN‬ؤدي إلي‪NN‬ه‪ .‬ط‪NN‬وال النه‪NN‬ار ته‪NN‬تز األرض‪NN‬يات‬
‫تحت خط‪NN‬وات الجن‪NN‬ود ال‪NN‬ذين يرافق‪NN‬ون الس‪NN‬جناء‪ .‬يمكن‪NN‬ك بالك‪NN‬اد أن تت‪NN‬ذكر أي ش‪NN‬يء س‪NN‬وى الشخص‪NN‬يات‬
‫الحزينة هناك‪ .‬هناك اآلباء أو األصدقاء للمتهمين‪ ،‬والش‪N‬هود‪ ،‬ورج‪N‬ال الش‪N‬رطة‪ .‬في ه‪N‬ذه الص‪N‬الة‪ ،‬بعي‪ًN‬دا‬
‫عن نظر الناس‪ ،‬يتم اتباع المنهج القضائي‪ .‬كل باب صغير‪ ،‬الذي يحم‪N‬ل رقم‪N‬ه المرس‪N‬وم باألس‪N‬ود‪ ،‬يفتح‬
‫على مكتب قاضي التحقيق‪ .‬جميع الغرف متشابهة‪ :‬إذا رأيت واحدة‪ ،‬فقد رأيتهم جميًعا‪.‬‬

‫ليس لديهم شيء مروع أو حزين في حد ذاتهم‪ ،‬ومع ذل‪NN‬ك يص‪NN‬عب دخ‪NN‬ول أي منهم دون ارتج‪NN‬اف‪ .‬إنه‪NN‬ا‬
‫باردة‪ .‬تبدو ج‪NN‬درانها رطب‪NN‬ة بال‪NN‬دموع ال‪NN‬تي ألقيت هن‪NN‬اك‪ .‬ت‪NN‬ترجف عن‪NN‬د التفك‪NN‬ير في االعتراف‪NN‬ات ال‪NN‬تي تم‬
‫اقتناصها من الجناة‪ ،‬واالعترافات التي تم كسرها بالبكاء هناك‪ .‬في مكتب قاضي التحقيق‪ ،‬تتلبس العدالة‬
‫ثوًبا ال يخيف الجماهير‪ .‬ال يزال بسيًطا‪ ،‬ويميل تقريًب ا إلى اللط‪NN‬ف‪ .‬تق‪NN‬ول للس‪NN‬جين‪" ،‬ل‪NN‬دي أس‪NN‬باب قوي‪NN‬ة‬
‫لالعتقاد بأنك مذنب‪ ،‬ولكن أثبت لي براءتك‪ ،‬وسأطلق سراحك"‪ .‬عند دخول أحد هذه الغرف‪ ،‬سيتص‪NN‬ور‬
‫الغريب أنه دخل متجًرا رخيًص ا بالخطأ‪ .‬األثاث من النوع األولي‪ ،‬كما هو الحال في جميع األماكن ال‪NN‬تي‬
‫يتم فيها التعامل مع أمور هامة‪ .‬فما هي أهمية المحيط للقاضي ال‪NN‬ذي يالح‪NN‬ق م‪NN‬رتكب جريم‪NN‬ة‪ ،‬أو للمتهم‬
‫الذي يدافع عن حياته؟‬
‫يتألف األثاث الكامل لل‪NN‬رواق الخ‪NN‬ارجي لمحكم‪NN‬ة الجناي‪NN‬ات من مكتب مليء بالوث‪NN‬ائق للقاض‪NN‬ي‪ ،‬وطاول‪NN‬ة‬
‫للكاتب‪ ،‬وكرسي م‪NN‬ريح‪ ،‬وكرس‪NN‬ي أو اث‪NN‬نين بجانب‪NN‬ه‪ .‬تعل‪NN‬و الج‪NN‬دران ورق‪ًN‬ا أخض‪NN‬ر‪ ،‬والس‪NN‬تائر خض‪NN‬راء‪،‬‬
‫واألرضيات مغطاة بنفس اللون األخضر‪.‬‬

‫يحمل مكتب السيد دابورون الرقم خمسة عشر‪.‬‬

‫وصل السيد دابورون إلى مكتبه في باليه دو جوس‪NN‬تيس في الس‪NN‬اعة التاس‪NN‬عة ص‪NN‬باحًا وك‪NN‬ان ينتظ‪NN‬ر‪ .‬بع‪NN‬د‬
‫تدبير أموره‪ ،‬لم يضيع لحظة‪ ،‬وفهم باإلضافة إلى تاباري العجوز ضرورة العمل السريع‪ .‬لق‪N‬د عق‪N‬د لق‪N‬اًء‬
‫مع النيابة العامة ونظم كل شيء مع الشرطة‪.‬‬

‫باإلضافة إلى إصدار أمر القبض على ألبرت‪ ،‬قد استدعى الكونت دي كوم‪NN‬ارين وم‪NN‬دام ج‪NN‬يردي ونوي‪NN‬ل‬
‫وبعض خدم ألبرت للمثول أمامه بأسرع وقت ممكن‪.‬‬

‫اعتبر من الضروري سؤال جميع هؤالء األشخاص قبل استجواب المتهم‪ .‬عدة محقق‪NN‬ون ب‪NN‬دأوا في تنفي‪NN‬ذ‬
‫أوامره‪ ،‬وهو نفسه جالس في مكتبه‪ ،‬كقائد جنرال يقود جيشه ويأمر مساعده لب‪NN‬دء المعرك‪NN‬ة‪ ،‬ويرج‪NN‬و أن‬
‫يكون النصر حليفه‪.‬‬

‫كثيًر ا ما جلس في هذا المكتب في نفس الساعة وتحت ظروف متطابقة تقريًبا‪ .‬تم ارتكاب جريم‪N‬ة‪ ،‬وبع‪N‬د‬
‫اعتقاده بأنه اكتشف الجاني‪ ،‬أمر بإلقاء القبض عليه‪ .‬أليس هذا واجبه؟ لكنه لم يشعر ب‪NN‬القلق ال‪NN‬ذي يش‪NN‬غله‬
‫اآلن‪ .‬كثيًر ا ما أصدر أوامر القبض‪ ،‬دون أن يمتلك حتى نصف األدلة التي توجه‪NN‬ه في القض‪NN‬ية الحالي‪NN‬ة‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬لم يتمكن من تهدئة قلقه المريع الذي ال يسمح له بالراحة لحظة واحدة‪.‬‬

‫تساءل لماذا يتأخر أشخاصه في الظهور‪ .‬وقف‪NN‬ز في الغرف‪NN‬ة‪ ،‬وقف‪NN‬ز م‪NN‬رة أخ‪NN‬رى بمج‪NN‬رد س‪NN‬ماعه ص‪NN‬وت‬
‫خطوة في الممر‪ ،‬الذي كان شبه مهجوًر ا في تلك الساعة‪ ،‬ووق‪NN‬ف واس‪NN‬تمع‪ .‬في النهاي‪NN‬ة‪ ،‬دق ش‪NN‬خص م‪NN‬ا‬
‫على الباب‪ .‬كان كاتبه الذي أرسله‪ .‬لم يكن في هذا الرجل شيء مميز؛ إنه طويل ب‪NN‬دًال من كب‪NN‬ير‪ ،‬ونحي‪NN‬ل‬
‫جًدا‪.‬يتألف األثاث الكامل للرواق الخارجي لمحكمة الجنايات من مكتب مليء بالوثائق للقاضي‪ ،‬وطاول‪NN‬ة‬
‫للكاتب‪ ،‬وكرسي م‪NN‬ريح‪ ،‬وكرس‪NN‬ي أو اث‪NN‬نين بجانب‪NN‬ه‪ .‬تعل‪NN‬و الج‪NN‬دران ورق‪ًN‬ا أخض‪NN‬ر‪ ،‬والس‪NN‬تائر خض‪NN‬راء‪،‬‬
‫واألرضيات مغطاة بنفس اللون األخضر‪.‬‬

‫يحمل مكتب السيد دابورون الرقم خمسة عشر‪.‬‬

‫وصل السيد دابورون إلى مكتبه في باليه دو جوس‪NN‬تيس في الس‪NN‬اعة التاس‪NN‬عة ص‪NN‬باحًا وك‪NN‬ان ينتظ‪NN‬ر‪ .‬بع‪NN‬د‬
‫تدبير أموره‪ ،‬لم يضيع لحظة‪ ،‬وفهم باإلضافة إلى تاباري العجوز ضرورة العمل السريع‪ .‬لق‪N‬د عق‪N‬د لق‪N‬اًء‬
‫مع النيابة العامة ونظم كل شيء مع الشرطة‪.‬‬

‫باإلضافة إلى إصدار أمر القبض على ألبرت‪ ،‬قد استدعى الكونت دي كوم‪NN‬ارين وم‪NN‬دام ج‪NN‬يردي ونوي‪NN‬ل‬
‫وبعض خدم ألبرت للمثول أمامه بأسرع وقت ممكن‪.‬‬
‫اعتبر من الضروري سؤال جميع هؤالء األشخاص قبل استجواب المتهم‪ .‬عدة محقق‪NN‬ون ب‪NN‬دأوا في تنفي‪NN‬ذ‬
‫أوامره‪ ،‬وهو نفسه جالس في مكتبه‪ ،‬كقائد جنرال يقود جيشه ويأمر مساعده لب‪NN‬دء المعرك‪NN‬ة‪ ،‬ويرج‪NN‬و أن‬
‫يكون النصر حليفه‪.‬‬

‫كثيًر ا ما جلس في هذا المكتب في نفس الساعة وتحت ظروف متطابقة تقريًبا‪ .‬تم ارتكاب جريم‪N‬ة‪ ،‬وبع‪N‬د‬
‫اعتقاده بأنه اكتشف الجاني‪ ،‬أمر بإلقاء القبض عليه‪ .‬أليس هذا واجبه؟ لكنه لم يشعر ب‪NN‬القلق ال‪NN‬ذي يش‪NN‬غله‬
‫اآلن‪ .‬كثيًر ا ما أصدر أوامر القبض‪ ،‬دون أن يمتلك حتى نصف األدلة التي توجه‪NN‬ه في القض‪NN‬ية الحالي‪NN‬ة‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬لم يتمكن من تهدئة قلقه المريع الذي ال يسمح له بالراحة لحظة واحدة‪.‬‬

‫تساءل لماذا يتأخر أشخاصه في الظهور‪ .‬وقف‪NN‬ز في الغرف‪NN‬ة‪ ،‬وقف‪NN‬ز م‪NN‬رة أخ‪NN‬رى بمج‪NN‬رد س‪NN‬ماعه ص‪NN‬وت‬
‫خطوة في الممر‪ ،‬الذي كان شبه مهجوًر ا في تلك الساعة‪ ،‬ووق‪NN‬ف واس‪NN‬تمع‪ .‬في النهاي‪NN‬ة‪ ،‬دق ش‪NN‬خص م‪NN‬ا‬
‫على الباب‪ .‬كان كاتبه الذي أرسله‪ .‬لم يكن في هذا الرجل شيء مميز؛ إنه طويل ب‪NN‬دًال من كب‪NN‬ير‪ ،‬ونحي‪NN‬ل‬
‫جًدا‪.‬‬

‫انحنى أمام القاضي واعتذر عن تأخره‪ .‬كان مشغوًال ببعض الحسابات‪ ،‬التي كان يق‪NN‬وم به‪NN‬ا ك‪NN‬ل ص‪NN‬باح‪،‬‬
‫وكانت زوجته قد اضطرت إلرسال شخص إلحضاره‪.‬‬
‫"لقد حضرت في الوقت المناسب"‪ ،‬قال السيد دابورون‪" ،‬ولكن سيكون لدينا الكثير من العمل قريبًا‪ ،‬ل‪NN‬ذا‬
‫يجب أن تجهز ورقتك"‪.‬‬
‫خمس دقائق الحقًا‪ ،‬قدم الباشون السيد نوي‪N‬ل ج‪N‬يردي‪ .‬دخ‪N‬ل بطريق‪N‬ة س‪N‬هلة‪ ،‬كمح‪N‬اٍم يع‪N‬رف جي‪N‬دًا قص‪NN‬ر‬
‫العدل‪ ،‬ومن يعرف طرقه المتعرجة‪ .‬لم يشبه ص‪NN‬ديق تاب‪N‬اري العج‪N‬وز ه‪N‬ذا الص‪NN‬باح‪ ،‬ولم يمكن التع‪N‬رف‬
‫عليه كعاشق مدام جولييت‪ .‬إنه كان كائًنا آخ‪N‬ر تماًم ا‪ ،‬أو ب‪N‬األحرى اس‪N‬تعاد س‪N‬لوكه الي‪N‬ومي‪ .‬من خطوت‪N‬ه‬
‫الثابتة ووجهه الهادئ‪ ،‬لن يتخيل أحد أنه‪ ،‬بعد ليل‪NN‬ة من العاطف‪NN‬ة واإلث‪NN‬ارة‪ ،‬وبع‪NN‬د زي‪NN‬ارة س‪NN‬رية لعش‪NN‬يقته‪،‬‬
‫قضى الليل قرب والدته المريضة‪ ،‬أو على األقل شخص يتولى مكان والدته‪.‬‬
‫كم كان االختالف بينه وبين القاضي!‬
‫لم ينم السيد دابورون أيًض ا‪ ،‬ولكن يمكن بسهولة رؤية ذلك في ضعفه ونظرت‪NN‬ه القلق‪NN‬ة‪ ،‬وال‪NN‬دوائر الداكن‪NN‬ة‬
‫حول عينيه‪ .‬كان قميصه متجعًدا‪ ،‬وأكمام‪N‬ه ليس‪N‬ت نظيف‪N‬ة بعي‪ًN‬دا‪ .‬تم س‪N‬حب عقل‪N‬ه باتج‪N‬اه س‪N‬ير األح‪N‬داث‪،‬‬
‫ونسي الجسد‪ .‬على العكس‪ ،‬كان ذقن نويل المحلوق بدق‪NN‬ة يرتك‪N‬ز على كرافت‪N‬ة بيض‪NN‬اء ال يمكن انتقاده‪N‬ا‪،‬‬
‫ولم يظهر على طية ياقته‪ ،‬وتم تمشيط شعره ولحيته بعناية‪ .‬انحنى أم‪NN‬ام الس‪NN‬يد داب‪NN‬ورون وع‪NN‬رض علي‪NN‬ه‬
‫االستدعاء الذي تلقاه‪.‬‬

‫"أستدعيتني‪ ،‬يا سيدي"‪ ،‬قال‪" ،‬وأنا هنا في انتظار أوامرك"‪.‬‬


‫كان القاضي التحقيق قد التقى بالمحامي الشاب عدة مرات في قاعات العدل‪ ،‬وكان يعرفه جيًدا بالمظهر‪.‬‬
‫وتذكر أنه كان قد سمع عن السيد جيردي كرجل ذو موهبة ووعد‪ ،‬وأن سمعته ك‪NN‬انت تتص‪NN‬اعد بس‪NN‬رعة‪.‬‬
‫لذلك استقبله بصفته زميل عامل‪ ،‬ودعاه للجلوس‪.‬‬
‫انتهت اإلجراءات األولية الشائعة في استجواب جمي‪NN‬ع الش‪NN‬هود‪ ،‬حيث تمت كتاب‪NN‬ة االس‪NN‬م واللقب والعم‪NN‬ر‬
‫ومكان العمل‪ ،‬وما إلى ذلك‪ ،‬وكان القاضي قد تابع باهتمام كاتبه أثناء كتابتهم‪ ،‬ثم التفت إلى نويل‪.‬‬
‫"أفترض أنك تعرف‪ ،‬السيد جيردي"‪ ،‬بدأ‪" ،‬األمور المتعلقة بالتحقيق الذي تم استدعاؤك له؟"‬
‫"نعم‪ ،‬يا سيدي‪ ،‬جريمة قتل تلك المسكينة العجوز في ال جونشير‪".‬‬
‫"بالضبط"‪ ،‬أجاب السيد دابورون‪ .‬ثم‪ ،‬مت‪N‬ذكرًا وع‪N‬ده لتاب‪N‬اري العج‪N‬وز‪ ،‬أض‪N‬اف‪" :‬إذا ك‪N‬انت العدال‪N‬ة ق‪N‬د‬
‫استدعتك بهذه السرعة‪ ،‬فإن ذلك ألننا وجدنا اسمك مذكورًا كثيرًا في أوراق األرملة لوروج‪".‬‬
‫"ال يفاجئني ذلك"‪ ،‬رد المحامي‪" ،‬كنا مهتمين كثيرًا بتلك المسكينة العجوز التي كانت ممرضتي‪ ،‬وأعلم‬
‫أن السيدة جيردي كانت تكتب لها بانتظام‪".‬‬
‫"حسنًا‪ ،‬في هذه الحالة‪ ،‬يمكنك أن تقدم لي بعض المعلومات عنها‪".‬‬
‫"أخشى‪ ،‬يا سيدي‪ ،‬أن تكون غير كاملة‪ .‬أعرف القلي‪NN‬ل ج‪ًNN‬دا عن ه‪NN‬ذه المس‪NN‬كينة العج‪NN‬وز ل‪NN‬وروج‪ .‬لق‪NN‬د تم‬
‫أخذي منها في سن مبكرة جًدا‪ ،‬ومنذ أن كبرت لم أفك‪N‬ر فيه‪N‬ا س‪N‬وى إلرس‪N‬ال مس‪N‬اعدة ص‪N‬غيرة إليه‪N‬ا بين‬
‫الحين واآلخر‪".‬‬
‫"ألم تذهب لزيارتها؟"‬
‫"أعذرني‪ ،‬لقد ذهبت هناك لرؤيتها عدة مرات‪ ،‬لكني بقيت فقط بضع دقائق‪ .‬السيدة ج‪NN‬يردي ال‪NN‬تي ك‪NN‬انت‬
‫تراها كثيًر ا‪ ،‬والتي كانت تتحدث لها عن كل شئ‪ ،‬يمكن أن تكون أفضل مني في توضيح المعلومات‪".‬‬
‫"ولكن"‪ ،‬قال القاضي‪" ،‬أتوقع أن أرى السيدة جيردي قريًبا هنا؛ فقد تم استدعاؤها أيًض ا‪".‬‬

‫"أعلم ذلك‪ ،‬يا سيدي‪ ،‬ولكنه من المستحيل أن تحضر‪ .‬إنها مريضة في الفراش‪" ".‬بجد؟"‬
‫"بشكل جدي‪ ،‬حتى أنك ستضطر‪ ،‬أعتقد‪ ،‬إلى التخلي عن أية أمل في شهادتها‪ .‬إنها تع‪NN‬اني من م‪NN‬رض ال‬
‫يغفر‪ ،‬على حد قول صديقي الدكتور هيرف‪ .‬إنه شيء يشبه التهاب الدماغ‪ ،‬إذا لم يخب ظني‪ .‬ربما س‪NN‬يتم‬
‫إنقاذ حياتها‪ ،‬ولكنها لن تستعيد عقلها‪ .‬إذا لم تمت‪ ،‬فستكون مجنونة‪".‬‬
‫ظهر على السيد دابورون حالة انزعاج كبيرة‪" .‬هذا مزعج جًدا"‪ ،‬همس‪" .‬وتعتقد‪ ،‬يا عزيزي السيد‪ ،‬أنه‬
‫من المستحيل الحصول على أية معلومات منها؟"‬
‫"من العبث حتى األمل في ذلك‪ .‬لق‪N‬د فق‪N‬دت عقله‪N‬ا تماًم ا‪ .‬ك‪N‬انت‪ ،‬عن‪N‬دما تركته‪N‬ا‪ ،‬في حال‪N‬ة من اإلره‪N‬اق‬
‫الشديد لدرجة أنني أخشى أنها لن تعيش حتى نهاية اليوم‪".‬‬
‫"ومتى تعرضت لهذا المرض؟" "أمس في المساء‪".‬‬
‫"فجأة؟"‬
‫"نعم‪ ،‬يا سيدي؛ على األقل ‪ ،‬على ما يبدو‪ ،‬على الرغم من أنني أعتقد بأنها كانت غير بصحة جيدة على‬
‫األقل خالل األسابيع الثالث‪NN‬ة الماض‪NN‬ية‪ .‬أمس‪ ،‬ولكن‪ ،‬عن‪NN‬دما اس‪NN‬تيقظت من العش‪NN‬اء‪ ،‬بع‪NN‬د تناوله‪NN‬ا القلي‪NN‬ل‪،‬‬
‫أخذت صحيفة‪ ،‬و‪ ،‬بما في ذلك الصدفة السيئة‪ ،‬سقطت عيناه‪N‬ا بالض‪NN‬بط على األس‪N‬طر ال‪N‬تي تح‪N‬دثت عن‬
‫هذه الجريمة‪ .‬لقد أصدرت صرخة عالية على الف‪NN‬ور‪ ،‬وس‪NN‬قطت على األرض‪ ،‬وهي تهمس‪" :‬ي‪NN‬ا الرج‪NN‬ل‬
‫التعيس‪ ،‬يا الرجل التعيس!"‬
‫"المرأة التعيسة‪ ،‬تقصد‪".‬‬
‫"ال‪ ،‬يا سيدي‪ .‬لقد تكلمت بالكلمات التي تكررتها للت‪NN‬و‪ .‬من الواض‪NN‬ح أن التعلي‪NN‬ق لم يش‪NN‬ير إلى ممرض‪NN‬تي‬
‫الفقيرة‪".‬‬
‫عند هذا الرد‪ ،‬الهام ومع ذلك صادف األهمية ولكنه أدلى به بأسلوب غير م‪NN‬درك‪ ،‬رف‪NN‬ع الس‪NN‬يد داب‪NN‬ورون‬
‫عينيه إلى الشاهد‪ .‬خفض المحامي رأسه‪.‬‬

‫“وماذا حدث بعد ذلك؟” سأل القاضي بعد لحظات من الصمت‪ ،‬خاللها قام بتدوين بعض المالحظات‪.‬‬
‫"تلك الكلمات‪ ،‬يا سيدي‪ ،‬كانت آخر ما قالته السيدة جيردي‪ .‬س‪NN‬اعدتها‪ ،‬بمس‪NN‬اعدة خادمن‪NN‬ا‪ ،‬على الص‪NN‬عود‬
‫إلى فراشها‪ .‬تم إرسال الطبيب‪ ،‬ومنذ ذلك الحين‪ ،‬لم تستعد وعيها‪ .‬الطبيب ‪"-‬‬
‫"جيد"‪ ،‬قاطع السيد دابورون‪" .‬دعنا نترك ذلك للحظة الراهنة‪ .‬هل تع‪NN‬رف‪ ،‬ي‪NN‬ا س‪NN‬يدي‪ ،‬ه‪NN‬ل ك‪NN‬انت ل‪NN‬دى‬
‫األرملة ليروج أي أعداء؟"‬
‫"ال‪ ،‬ال أعلم بأي أعداء لديها‪ ،‬يا سيدي‪".‬‬
‫"لم يكن لديها أعداء؟ حسًنا‪ ،‬اآلن أخبرني‪ ،‬هل يوجد بمعرفتك أي شخص يمتل‪N‬ك أدنى مص‪N‬لحة في وف‪N‬اة‬
‫هذه المرأة الفقيرة؟"‬
‫عندما طرح القاضي السؤال‪ ،‬حافظ على نظره ثابًتا على نويل‪ ،‬ال يريد أن يح‪NN‬ول دون أن يح‪NN‬ول رأس‪NN‬ه‬
‫أو يخفضه‪.‬‬
‫ًك‬
‫بدأ المحامي بالحركة‪ ،‬وبدا أنه يتأثر بشدة‪ .‬كان مرتب ا‪ ،‬وتردد كما لو كان يدور صراع داخله‪.‬‬
‫وأخيًرا‪ ،‬بصوت ليس ثابًتا على اإلطالق‪ ،‬أجاب‪" :‬ال‪ ،‬ال أحد"‪.‬‬
‫"هل هذا حًق ا صحيح؟" سأل القاضي‪ ،‬وهو ينظر إليه بشكل أكثر دقة‪" .‬أال تعرف أي شخص يستفيد من‬
‫هذه الجريمة‪ ،‬أو يمكن أن يستفيد منها‪ ،‬بالمرة؟"‬
‫"أعرف شيًئا واحًدا فقط‪ ،‬يا سيدي"‪ ،‬أجاب نويل‪" ،‬وهو أنه‪ ،‬بالنس‪NN‬بة لي‪ ،‬تس‪NN‬بب لي في ض‪NN‬رر ال يمكن‬
‫إصالحه"‪.‬‬
‫"أخيًر ا"‪ ،‬فكر السيد دابورون‪" ،‬لقد وص‪N‬لنا إلى الرس‪N‬ائل‪ ،‬ولم أخ‪N‬ون الس‪N‬يد تاباري‪N‬ه الفق‪N‬ير‪ .‬س‪N‬يكون من‬
‫المؤسف جًدا أن نسبب أي متاعب لهذا الرج‪N‬ل النش‪N‬يط والقيم"‪ .‬ثم أض‪N‬اف بص‪N‬وت ع‪N‬اٍل ‪" :‬إص‪N‬ابة ل‪N‬ك‪،‬‬
‫عزيزي السيد؟ أتمنى أن توضح ذلك"‪.‬‬
‫تبدو حرج نويل‪ ،‬الذي أظهر بعض العالمات على ذلك من قبل‪ ،‬أكثر وضوًحا بكثير اآلن‪.‬‬
‫"أن‪NN‬ا على علم‪ ،‬ي‪NN‬ا س‪NN‬يدي"‪ ،‬أج‪NN‬اب‪" ،‬أني م‪NN‬دين للعدال‪NN‬ة بالحقيق‪NN‬ة‪ ،‬ولكن هن‪NN‬اك ظروًف ا حساس‪NN‬ة للغاي‪NN‬ة‬
‫يراهتمام رجل الشرف يرى فيها خطورة‪ .‬باإلض‪NN‬افة إلى أن‪NN‬ه من الص‪NN‬عب ج‪ًNN‬دا أن يض‪NN‬طر اإلنس‪NN‬ان إلى‬
‫كشف أسرار حزينة من هذا النوع‪ ،‬والكشف عنها قد يؤدي في بعض األحيان إلى‪."-‬‬

‫قاطع السيد دابورون بحركٍة بسيطة‪ .‬لقد أثرت النبرة الحزينة لنويل عليه‪ .‬وكونه يعرف مس‪NN‬بقًا م‪NN‬ا ال‪NN‬ذي‬
‫سيسمعه‪ ،‬فإنه شعر بالتعاطف مع الشاب المحامي‪ .‬والتفت إلى كاتبه‪.‬‬
‫"كونستانت!" قال بنبرٍة خاصة‪ .‬وهذا ك‪NN‬ان إش‪NN‬ارًة بالتأكي‪NN‬د؛ فالك‪NN‬اتب الطوي‪NN‬ل القام‪NN‬ة ق‪NN‬ام بش‪NN‬كٍل منه‪NN‬ك‪،‬‬
‫ووضع قلمه خلف أذنه‪ ،‬وخرج بخطواٍت متزنة‪.‬‬
‫بدا نويل واعيًا لهذا اللطف‪ .‬عّبر وجهه عن االمتنان الشديد‪ ،‬وعاد نظره بالشكر‪.‬‬
‫"أشكرك كثيرًا‪ ،‬يا سيدي"‪ ،‬قال بحرارة مكبوتة‪" ،‬إلحس‪NN‬انك‪ .‬م‪NN‬ا علي أن أقول‪NN‬ه ص‪NN‬عب للغاي‪NN‬ة؛ لكن‪NN‬ه لن‬
‫يكون مجهدًا بالنسبة لي اآلن‪ ،‬وأنا أتكلم أمامك"‪.‬‬
‫"ال تخف شيًئا"‪ ،‬رد القاضي‪" ،‬سأحتفظ فقط بما يبدو لي ملزًم ا بشكٍل مطلق من إفادتك‪ ،‬عزيزي"‪.‬‬
‫"أشعر بأنني لست س‪NN‬يد وض‪NN‬عي اآلن‪ ،‬ي‪NN‬ا س‪NN‬يدي"‪ ،‬ب‪NN‬دأ نوي‪NN‬ل‪" ،‬ف‪NN‬أرجو أن تس‪NN‬امحني على انفع‪NN‬الي‪ .‬إذا‬
‫خرجت مني كلمات تبدو محملة بالمرارة‪ ،‬فتقبلها عذًر ا؛ فسوف تكون غير مقص‪NN‬ودة‪ .‬ح‪NN‬تى قب‪NN‬ل بض‪NN‬عة‬
‫أيام‪ ،‬كنت أعتقد دائًم ا أنني ولدت من عالقة حرام‪ .‬تاريخي قصير‪ .‬كنت طموًحا بشكٍل ش‪NN‬ريف‪ ،‬وعملت‬
‫بجد‪ .‬فالذي ليس له اسم‪ ،‬عليه أن يصنع لنفسه اسمًا‪ ،‬كما تعلمون‪.‬‬

‫عشت حياة هادئة‪ ،‬متقاعدة ومتزمتة‪ ،‬كما يجب على الناس الذين يرغب‪NN‬ون في الوص‪NN‬ول إلى القم‪NN‬ة‪ ،‬وهم‬
‫يبدؤون من أسفل السلم‪ .‬كنت أعبد من اعتقدته والدتي‪ ،‬وكنت مقتنعًا بأنها تحبني بالمثل‪ .‬ك‪NN‬ان لش‪NN‬يء من‬
‫عار وص‪NN‬لته ب‪NN‬والدتي‪ ،‬لكن‪NN‬ني كنت أس‪NN‬تهين ب‪NN‬ه‪ .‬وبمقارن‪NN‬ة مص‪NN‬يري بمص‪NN‬ير الكث‪NN‬يرين‪ ،‬ش‪NN‬عرت ب‪NN‬أنني‬
‫أصبحت أفضل منهم‪ .‬في يوم من األيام‪ ،‬وضعت القدر في يدي كل الرسائل التي كتبها وال‪NN‬دي‪ ،‬الك‪NN‬ونت‬
‫دي كوماران‪ ،‬إلى السيدة جيردي خالل فترة كانت فيها عشيقته‪ .‬عن‪NN‬د ق‪NN‬راءة ه‪NN‬ذه الرس‪NN‬ائل‪ ،‬تيقنت أن‪NN‬ني‬
‫لست ما الذي اعتقدت نفسي عليه حتى ذلك الحين‪ ،‬وأن السيدة جيردي ليست والدتي!"‬

‫ومن دون إعطاء السيد دابورون فرصة للرد‪ ،‬عرض عليه الحقائق التي ذكرها للسيد تاباري‪NN‬ه قب‪NN‬ل اث‪NN‬ني‬
‫عشر ساعة‪ .‬كانت نفس القصة‪ ،‬بنفس الظروف‪ ،‬ونفس الكم الوفير من التفاص‪NN‬يل الدقيق‪NN‬ة واالس‪NN‬تنتاجات‬
‫المحكمة‪ .‬ولكن النبرة التي تم الحكي بها تغيرت بالكامل‪ .‬فعندما تحدث مع المحق‪NN‬ق الق‪NN‬ديم‪ ،‬ك‪NN‬ان الش‪NN‬اب‬
‫المحامي مؤكًدا وعنيًفا‪ ،‬لكنه اآلن‪ ،‬في حضرة القاضي التحقيق‪ ،‬احتوى عواطفه العنيفة‪.‬‬
‫ربما يمكن للمرء أن يتصور أنه عّد ل أسلوبه ليناسب مستمعيه‪ ،‬ويريد تحقيق نفس الت‪NN‬أثير على كالهم‪NN‬ا‪،‬‬
‫واستخدم األسلوب الذي سيحقق أفضل نتيجة‪.‬‬

‫مع الشرطي العادي مثل السيد تاباريه‪ ،‬استخدم مبالغ‪NN‬ة الغض‪NN‬ب‪ ،‬لكن م‪NN‬ع رج‪NN‬ل ذك‪NN‬اء ف‪NN‬ائق مث‪NN‬ل الس‪NN‬يد‬
‫دابورون‪ ،‬استخدم مبالغة الضبط‪ .‬مع الشرطي‪ ،‬قاوم ظروفه الظالمة‪ ،‬لكن مع القاضي‪ ،‬بدا وكأنه ينحني‬
‫بكل تحّر ر أمام القضاء األعمى‪.‬‬

‫بلغة رائعة وخفة نادرة في التعبير‪ ،‬تحدث عن مشاعره في اليوم التالي الكتشافه الحقيقة‪ ،‬حزنه وحيرت‪NN‬ه‬
‫وشكوكه‪.‬‬

‫كان يحتاج إلى دليل مؤكد لدعم هذه اليقين األخالقي‪ .‬هل يمكن أن يأم‪NN‬ل في ذل‪NN‬ك من الك‪NN‬ونت أو الس‪NN‬يدة‬
‫جيردي‪ ،‬اللذين يهتمان بإخفاء الحقيقة؟ ال‪ .‬ولكنه كان يع‪NN‬ول على ش‪NN‬هادة مربيت‪NN‬ه‪ ،‬الفق‪NN‬يرة العج‪NN‬وز ال‪NN‬تي‬
‫كانت تحبه‪ ،‬والتي ستكون سعيدة في نهاية حياتها بتحرير ضميرها من ه‪NN‬ذا العبء الثقي‪NN‬ل‪ .‬لكنه‪NN‬ا م‪NN‬اتت‬
‫اآلن‪ ،‬وأصبحت الرسائل مجرد أوراق مهملة في يديه‪.‬‬

‫ثم تحدث عن محادثته مع السيدة جيردي‪ ،‬وأعطى القاضي أكثر تفاصيل مما أعطاها لجاره القديم‪.‬‬
‫في البداية‪ ،‬نفت تماًم ا االستبدال‪ ،‬لكنه ألمح إلى أنها‪ ،‬بعد تعرضها لألسئلة واألدلة‪ ،‬قد اعترفت في لحظة‬
‫من اليأس بكل شيء‪ ،‬وأعلنت بعد ذلك أنها ستنكر ه‪NN‬ذا االع‪NN‬تراف‪ ،‬حريص‪NN‬ة على أن يحاف‪NN‬ظ ابنه‪NN‬ا على‬
‫موقعه بأي ثمن‪ .‬وفي رأي الوكيل‪ ،‬كانت هذه المشهد ه‪NN‬و البداي‪NN‬ة للهجم‪NN‬ات األولى ال‪NN‬تي تعرض‪NN‬ت له‪NN‬ا‪،‬‬
‫والتي أصابتها بالمرض الذي كانت تصارعه اآلن‪.‬‬

‫ثم وصف نويل مقابلته مع الفيكونت دي كوماران‪ ،‬وحدثت بعض االنحرافات الطفيف‪NN‬ة في س‪NN‬رده‪ ،‬لكنه‪NN‬ا‬
‫كانت ضئيلة لدرجة أنه كان من الصعب اتهامه بها‪ .‬باإلضافة إلى ذل‪NN‬ك‪ ،‬لم يكن هن‪NN‬اك ش‪NN‬يء فيه‪NN‬ا مع‪NN‬اٍد‬
‫أللبرت‪.‬‬
‫وأصر على العكس‪ ،‬وأشار إلى االنطباع الممتاز الذي خّلف‪NN‬ه ه‪NN‬ذا الش‪NN‬اب علي‪NN‬ه‪ .‬اس‪NN‬تقبل أل‪NN‬برت الكش‪NN‬ف‬
‫بالشك‪ ،‬صحيح‪ ،‬ولكن بالثبات النبيل في نفس الوقت‪ ،‬وكان مستعًدا‪ ،‬كقلب شجاع‪ ،‬لالنحن‪NN‬اء أم‪NN‬ام ت‪NN‬برير‬
‫الحق‪.‬‬
‫في الواقع‪ ،‬رسم صورة شبه متحمسة لهذا الخصم الذي لم يتل‪NN‬ق ت‪NN‬دليالت س‪NN‬يئة من الح‪NN‬ظ‪ ،‬وال‪NN‬ذي ترك‪NN‬ه‬
‫دون أي نظرة كراهية‪ ،‬والذي شعر أنه يجذبه نحوه‪ ،‬والذي في النهاية كان شقيقه‪.‬‬
‫استمع السيد دابورون إلى نويل بأكثر االنتباه ودون السماح ألي كلمة أو حركة أو عب‪NN‬وس بالكش‪NN‬ف عن‬
‫مشاعره‪.‬‬
‫"كيف‪ ،‬يا سيدي"‪ ،‬الحظ القاضي عندما توقف الشاب عن الحديث‪" ،‬يمكنك أن تخبرني أن‪NN‬ه‪ ،‬في رأي‪NN‬ك‪،‬‬
‫ال أحد مهتم بموت األرملة لوروج؟"‬
‫ولم يرد المحامي‪.‬‬
‫"يبدو لي"‪ ،‬استمر السيد دابورون‪" ،‬أن موقف الفيكونت دي كوماران أصبح بذلك شبه محص‪N‬ن‪ .‬الس‪N‬يدة‬
‫جيردي مجنونة‪ ،‬والكونت سينكر كل شيء‪ ،‬ورسائلك ال تثبت شيًئا‪ .‬ومن الواضح أن الجريمة تخدم هذا‬
‫الشاب بشكل كبير‪ ،‬وأنها ارتكبت في وقت مناسب بشكل ملحوظ"‪.‬‬
‫"أوه يا سيدي!" صاح نويل بكل طاقته‪ ،‬محتًج ا‪" ،‬هذا اإليحاء مريع"‪.‬‬
‫ًق‬
‫راقب القاضي وجه المحامي بدقة‪ .‬هل كان يتحدث بصراحة‪ ،‬أم ك‪NN‬ان يلعب دور الك‪NN‬رم؟ ه‪NN‬ل يمكن ح ا‬
‫أنه لم يشك في ذلك؟‬
‫لم يتراجع نويل أمام النظرة‪ ،‬بل تابع على الفور قائًال‪" ،‬ما هو السبب الذي يجعل ه‪NN‬ذا الش‪NN‬اب يرتج‪NN‬ف‪،‬‬
‫أو يخشى على موقفه؟ لم أنطق بكلمة تهديد‪ ،‬ح‪NN‬تى غ‪NN‬ير مباش‪NN‬رة‪ .‬لم أتق‪NN‬دم بنفس‪NN‬ي كرج‪NN‬ل غاض‪NN‬ب ألن‪NN‬ه‬
‫سرق مني‪ ،‬وأطالب بأن ُيعاد إلّي كل ما سرق‪ .‬ببساطة‪ ،‬قدمت الحقائق أللبرت‪ ،‬قائًال‪" :‬هذا هو الحقيقة‪،‬‬
‫فما رأيك يجب علينا فعله؟ كن الحكم"‪.‬‬

‫"وسألك عن الوقت؟"‬

‫"نعم‪ .‬كنت قد اقترح عليه مرافقتي لزيارة األرملة لوروج‪ ،‬التي قد تبيد كل الشكوك؛ إال أنه لم يب‪NN‬دو أن‪NN‬ه‬
‫فهمني‪ .‬لكنه كان يعرفها جيًدا‪ ،‬حيث زارها مع الكونت‪ ،‬ال‪N‬ذي ق‪NN‬دم له‪N‬ا‪ ،‬كم‪N‬ا علمت الحًق ا‪ ،‬مب‪N‬الغ مالي‪N‬ة‬
‫بشكل سخي"‪.‬‬

‫"ألم تبدو لك هذه السخاء غريبة جًدا؟"‬

‫"ال"‪.‬‬

‫"هل يمكنك أن تفسر لماذا لم يبد الفيكونت استعداًدا لمرافقتك؟"‬

‫"بالتأكيد‪ .‬لقد قال للتو أنه يرغب‪ ،‬قبل كل شيء‪ ،‬في الحصول على توضيحات من والده الذي كان غائًبا‬
‫آنذاك‪ ،‬ولكنه سيعود خالل بضعة أيام"‪.‬‬

‫الحقيقة‪ ،‬كما يعلم الجميع‪ ،‬لها لهجة ال يمكن ألحد أن يخطئها‪ .‬لم يكن لدى السيد داب‪NN‬ورون أدنى ش‪NN‬ك في‬
‫صدق شاهده‪ .‬واصل نويل بصدق القلب البريء الذي لم تمسه شبهة الشيطان‪" :‬أعجبتني فكرة التفاوض‬
‫مع والدي على الفور‪ .‬فكرت أنه من األفضل تنظيف المالبس القذرة في الم‪N‬نزل‪ ،‬ولم أرد س‪N‬وى ت‪N‬رتيب‬
‫ودي‪ .‬حتى لو كانت يدي مليئة باألدلة‪ ،‬ال يمكنني التراجع عن المحاكمة العلنية"‪.‬‬

‫"ألم تفكر في رفع دعوى قضائية؟"‬

‫"ال أبًدا‪ ،‬يا سيدي‪ ،‬بأي ثمن‪ .‬هل يمكنني‪ "،‬أضاف بفخر‪" ،‬الستعادة اسمي الحقيقي‪ ،‬أن أبدأ بتشويهه؟"‬

‫لم يستطع السيد دابورون هذه المرة إخفاء إعجابه الصادق‪" .‬مشاعر تستحق الثناء‪ ،‬يا سيدي"‪ ،‬قال‪.‬‬

‫"أعتقد"‪ ،‬أجاب نويل‪" ،‬أنها أمر طبيعي‪ .‬إذا وصل األمر إلى أس‪N‬وأ حاالت‪N‬ه‪ ،‬فق‪N‬د ق‪N‬ررت ت‪N‬رك لق‪N‬بي م‪N‬ع‬
‫ألبرت‪ .‬بال شك‪ ،‬يعتبر اسم كومارين مشهوًر ا‪ ،‬ولكني أتمنى أن يصبح اسمي المعروف أك‪N‬ثر بع‪N‬د عش‪N‬ر‬
‫سنوات‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬كنت سأطالب بتعويض مالي كبير‪ .‬ال أملك شيًئا‪ ،‬ولقد تعثرت مسيرتي المهنية كثيًرا‬
‫بسبب نقص المال‪ .‬وتم إنفاق ما كانت تدين به مدام جيردي من سخاء والدي تقريًبا بالكامل‪ .‬لقد اس‪NN‬تهلك‬
‫تعليمي ج‪NN‬زًء ا كب‪NN‬يًرا من‪NN‬ه‪ ،‬ولم يتم تغطي‪NN‬ة مص‪NN‬اريفي من مهن‪NN‬تي إال بع‪NN‬د وقت طوي‪NN‬ل‪ .‬نحن نعيش م‪NN‬دام‬
‫جيردي وأنا ببساطة شديدة‪ ،‬ولكن‪ ،‬لألسف‪ ،‬على الرغم من بس‪NN‬اطة أذواقه‪NN‬ا‪ ،‬فإنه‪NN‬ا تفتق‪NN‬ر إلى االقتص‪NN‬اد‬
‫والتنظيم‪ .‬وال يمكن ألحد أن يتصور مدى مصاريفنا الكبيرة‪ .‬ولكن ليس لدي أي شيء أللوم نفسي عليه‪،‬‬
‫مهما حدث‪ .‬في البداية‪ ،‬لم أتمكن من السيطرة على غضبي بشكل جي‪NN‬د‪ ،‬ولكن اآلن ال أحم‪NN‬ل أي مش‪NN‬اعر‬
‫سيئة‪ .‬وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬بعد سماعي بوفاة ممرضتي‪ ،‬فقدت كل آمالي"‪.‬‬
‫"كنت على خطأ‪ ،‬عزيزي السيد"‪ ،‬قال القاضي‪" .‬أنصحك باالستمرار في األمل‪ .‬ربما‪ ،‬قبل نهاية اليوم‪،‬‬
‫ستدخل في حيازة حقوقك‪ .‬ال يخفى عليك أن العدال‪N‬ة تعتق‪N‬د أنه‪N‬ا وج‪N‬دت قات‪N‬ل األرمل‪N‬ة ل‪N‬وروج‪ .‬في ه‪N‬ذه‬
‫اللحظة‪ ،‬فإن الفيكونت ألبرت‪ ،‬بال شك‪ ،‬قيد االعتقال"‪.‬‬

‫"ماذا!"‪ ،‬صاح نويل بنوع من الصدمة‪" :‬إًذ ا لم أكن مخطًئا‪ ،‬ي‪NN‬ا س‪NN‬يدي‪ ،‬في مع‪NN‬نى كلمات‪NN‬ك‪ .‬كنت أخش‪NN‬ى‬
‫فهمها"‪.‬‬

‫"لم تخطئني‪ ،‬يا سيدي"‪ ،‬قال السيد دابورون‪" .‬أشكرك على تفسيراتك الصادقة والواضحة؛ إنه‪NN‬ا س‪NN‬هلت‬
‫مهمتي بشكل كبير‪ .‬غًدا ‪ -‬ألن وقتي اليوم مشغول جًدا ‪ -‬سنكتب إفادتك مًعا إذا أردت‪ .‬ليس لدي ما أقوله‬
‫بعد‪ ،‬سوى طلب الحصول على الرسائل التي لديك والتي تعد ضرورية بالنسبة لي"‪.‬‬

‫"ستحصل عليهافي غضون ساعة‪ ،‬ي‪N‬ا س‪N‬يدي"‪ ،‬أج‪N‬اب نوي‪N‬ل‪ .‬وانس‪N‬حب بع‪N‬د أن ع‪N‬بر عن ش‪N‬كره الح‪N‬ار‬
‫للقاضي التحقيق‪.‬‬

‫ولو كان أقل انشغااًل ‪ ،‬لرأى المحامي في نهاية الممر العجوز تاباريه‪ ،‬الذي وصل للتو‪ ،‬متحمًسا وسعيًدا‪،‬‬
‫كحامل ألخبار عظيمة كما كان‪.‬‬

‫لم يتوقف سيارة األجرة التي ك‪N‬ان يس‪N‬تقلها بالك‪N‬اد عن‪N‬د بواب‪N‬ة دار الع‪N‬دل ح‪N‬تى دخ‪N‬ل الفن‪N‬اء وان‪N‬دفع نح‪N‬و‬
‫المدخل‪ .‬ولمن يراه وهو يقفز بنشاط أكثر من كاتب محامي رديء الس‪NN‬معة على درج الس‪NN‬لم الح‪NN‬اد ال‪NN‬ذي‬
‫يؤدي إلى مكتب القاضي‪ ،‬لن يصدق أنه يتخطى أكثر من خمسين عاًم ا‪ .‬ح‪NN‬تى ه‪NN‬و نفس‪NN‬ه نس‪NN‬ي ذل‪NN‬ك‪ .‬لم‬
‫يتذكر كيف قضى الليلة‪ ،‬فلم يشعر بتلك النشاط والحيوية والروح العالية من قبل‪ .‬يب‪NN‬دو أن‪NN‬ه يمل‪NN‬ك ين‪NN‬ابيع‬
‫من الفوالذ في أطرافه‪.‬‬

‫اندفع كقذيفة مدفعي‪NN‬ة إلى مكتب القاض‪NN‬ي‪ ،‬يص‪NN‬طدم بالك‪NN‬اتب المنظم بأس‪NN‬لوب غ‪NN‬ير الئ‪NN‬ق‪ ،‬دون أن يطلب‬
‫حتى عذًرا منه‪.‬‬

‫"القبض عليه!" صاح‪ ،‬وهو لم يتخ‪N‬ط العتب‪N‬ة‪" .‬تم القبض علي‪N‬ه‪ ،‬وكش‪N‬فت الحقيق‪N‬ة‪ ،‬وتم إغالق الفخ! لق‪N‬د‬
‫وجدنا الجاني"‪.‬‬

‫تقول الرواية إن العجوز تاباريه‪ ،‬في حالة تحمس غير مسبوقة‪ ،‬ك‪NN‬ان يتح‪NN‬رك بحرك‪NN‬ات طريف‪NN‬ة وعنيف‪NN‬ة‬
‫لدرجة أن الكاتب الطويل القامة ابتسم‪ ،‬ولم يتمكن من السيطرة على نفسه ليًال عندما ذهب إلى النوم‪.‬‬

‫ومع ذلك‪ ،‬كان القاضي دابورون‪ ،‬الذي كان ال ي‪N‬زال تحت ت‪N‬أثير إف‪NN‬ادة نوي‪N‬ل‪ ،‬يش‪N‬عر باالس‪N‬تياء من ه‪N‬ذه‬
‫الفرحة غير المناسبة‪ ،‬على الرغم من أنه شعر باألمان منها‪ .‬نظر اليه بصرامة‪ ،‬قائًال‪" :‬اهدأ‪ ،‬يا س‪NN‬يدي‪،‬‬
‫كن لطيفًا وارتب نفسك"‪.‬‬

‫في أي وقت آخر‪ ،‬كان العجوز يشعر بالخجل ألنه استحق هذا اللوم‪ .‬ولكن اآلن‪ ،‬لم يؤثر فيه هذا اللوم‪.‬‬
‫"ال أستطيع أن أهدأ"‪ ،‬أجاب‪" .‬لم يحدث ش‪N‬يء من ه‪N‬ذا القبي‪N‬ل من قب‪N‬ل‪ .‬تم العث‪N‬ور على ك‪N‬ل م‪N‬ا ذكرت‪N‬ه‪.‬‬
‫سيف مكسور‪ ،‬قفازات من الجل الالفندر متآكلة قليًال‪ ،‬حامل س‪NN‬يجار‪ .‬ال ينقص ش‪NN‬يء‪ .‬ستحص‪NN‬ل عليه‪NN‬ا‪،‬‬
‫والكثير من األشياء األخرى أيضًا‪ .‬لدي نظامي الخاص‪ ،‬الذي ال يبدو سيًئا على اإلطالق‪ .‬انظر فقط إلى‬
‫انتصار طريقتي في االستنتاج‪ ،‬التي سخر منها جيفرول كثيرًا‪ .‬لو كان هنا اآلن‪ ،‬ألعطيته مئة فرانك إذا‬
‫كان بإمكانه الحضور‪ .‬ولكن ال‪ ،‬جيفرول يريد القبض على الرجل الذي يرتدي األقراط‪ ،‬فه‪NN‬و ق‪NN‬ادر على‬
‫فعل ذلك‪ .‬إنه شخص رائع‪ ،‬هذا جيفرول‪ ،‬وشخص مشهور! كم تدفعون له سنويًا على مهارته؟"‬

‫"هيا‪ ،‬عزي‪N‬زي تاباري‪N‬ه الس‪N‬يد"‪ ،‬ق‪NN‬ال القاض‪NN‬ي بمج‪N‬رد أن تمكن من الح‪N‬ديث‪" ،‬كن ج‪N‬دًيا‪ ،‬إن اس‪N‬تطعت‪،‬‬
‫ودعنا نتقدم بالترتيب‪".‬‬

‫"هاه!" رد العجوز‪" ،‬ما فائدة ذلك؟ هي قضية واضحة اآلن‪ .‬عندما يقدمون الجاني إليك‪ ،‬فقط أظه‪NN‬ر ل‪NN‬ه‬
‫جزيئات الج‪NN‬ل الم‪NN‬أخوذة من خل‪NN‬ف أظ‪NN‬افر الض‪NN‬حية‪ ،‬بج‪NN‬انب قفازات‪NN‬ه الممزق‪NN‬ة‪ ،‬وس‪NN‬تغمره‪ .‬أراهن أن‪NN‬ه‬
‫سيعترف بكل شيء‪ ،hic et nunc ،‬نعم‪ ،‬أراهن رأسي ضد رأس‪NN‬ه؛ على ال‪NN‬رغم من أن ذل‪NN‬ك محف‪N‬وف‬
‫بالمخاطر‪ .‬فقد يتمكن من الخ‪N‬روج بع‪N‬د ذل‪N‬ك! إن تل‪N‬ك الفت‪N‬وات اللطف‪N‬اء في هيئة المحلفين ق‪N‬ادرون على‬
‫منحه ظروٍف تخفف عقوبته‪ .‬أهـ! جميع تلك التأخيرات تؤثر بشكل كبير على العدالة! لماذا إذًا ال يك‪NN‬ون‬
‫العالم برأيي؟ عقوبة األوغاد لن تستغرق وقًتا طويًال‪ .‬يجب إعدامهم فور القبض عليهم‪ .‬هذا هو رأيي‪".‬‬

‫تقَّر ر القاضي دابورون من هذا الجدل الكالمي‪ .‬بمجرد أن هدأت حالة االض‪NN‬طراب ل‪NN‬دى العج‪NN‬وز قليًال‪،‬‬
‫بدأ يس‪NN‬تجوبه‪ .‬واج‪NN‬ه ص‪NN‬عوبة كب‪NN‬يرة في الحص‪NN‬ول على التفاص‪NN‬يل الدقيق‪N‬ة لالعتق‪N‬ال؛ التفاص‪NN‬يل ال‪NN‬تي تم‬
‫تأكيدها فيما بعد من خالل تقرير المفوض الرسمي‪.‬‬

‫بدا القاضي مندهشًا جدًا عندما سمع أن ألبرت قال "أنا مفقود!" عند رؤية األمر القضائي‪" .‬هذا"‪ ،‬همس‬
‫"دليل رهيب ضده‪".‬‬

‫"أعتقد ذلك"‪ ،‬رد العجوز تاباريه‪" .‬في حالته العادية‪ ،‬لن يسمح لنفسه ب‪NN‬التعبير عن تل‪NN‬ك الكلم‪NN‬ات؛ ألنه‪NN‬ا‬
‫بالفعل تدمره‪ .‬لقد اعتقلناه وهو لم يستيقظ بعد‪ .‬لم يكن في السرير‪ ،‬ولكنه كان يرقد على األريكة في ن‪NN‬وم‬
‫مضطرب عندما وصلنا‪ .‬اعتنيت جيًدا بإرسال خادم مرعوب ليجري دخ‪N‬واًل مس‪N‬بًقا‪ ،‬ومتابعت‪N‬ه بع‪N‬د ذل‪N‬ك‬
‫عن قرب لرؤية التأثير‪ .‬صممت جميع ترتيباتي‪ .‬لكن ال تقلق‪ ،‬سيجد ع‪NN‬ذًرا معق‪N‬واًل له‪NN‬ذا التعب‪NN‬ير القات‪NN‬ل‪.‬‬
‫بالمناس‪NN‬بة‪ ،‬يجب أن أض‪NN‬يف أنن‪NN‬ا وج‪NN‬دناعلى األرض‪ ،‬ب‪NN‬القرب من‪NN‬ه‪ ،‬نس‪NN‬خة ملموس‪NN‬ة من "غ‪NN‬ازيت دو‬
‫فرانس" للمساء السابق‪ ،‬والتي تضمنت تقريًر ا عن الجريمة‪ .‬هذه هي المرة األولى التي يساعد فيها خبر‬
‫في الصحف على القبض على مجرم‪".‬‬

‫"نعم"‪ ،‬همس القاض‪NN‬ي في تفك‪NN‬ير عمي‪NN‬ق‪" ،‬نعم‪ ،‬أنت رج‪NN‬ل ثمين‪ ،‬الس‪NN‬يد تاباري‪NN‬ه‪ ".‬ثم‪ ،‬بص‪NN‬وٍت أعلى‪،‬‬
‫أضاف‪" :‬أنا مقتنٌع تماًم ا؛ ألن السيد جيردي للتو تركني‪".‬‬

‫"لقد رأيت نويل!" صاح العجوز‪ .‬على الفور‪ ،‬اختفت كل فخره ورضاه الذاتي‪ .‬انتشرت غيمة من القل‪NN‬ق‬
‫على محياه المشرقة كالحجاب‪" .‬نويل هنا"‪ ،‬تكرر‪ .‬ثم أضاف بخجل‪" :‬وهل يعلم؟"‬
‫"ال شيء"‪ ،‬رد القاضي دابورون‪" .‬لم يكن لدي حاجة لذكر اسمك‪ .‬وعالوة على ذلك‪ ،‬لم أكن قد وع‪NN‬دت‬
‫بالسرية المطلقة؟"‬
‫"أهـ‪ ،‬هذا كل شيء على ما يرام"‪ ،‬صاح العجوز تاباريه‪" .‬وما رأيك يا سيدي في نويل؟"‬
‫"قلبه نبيل وجدير باإلحترام بال شك"‪ ،‬قال القاضي‪" .‬طبيعة قوي‪NN‬ة ورقيق‪NN‬ة في آن واح‪NN‬د‪ .‬المش‪NN‬اعر ال‪NN‬تي‬
‫سمعته يعبر عنها هنا‪ ،‬والتي ال يمكن شك في ص‪NN‬دقها‪ ،‬كش‪NN‬فت عن ارتف‪NN‬اع ال‪NN‬روح ال‪NN‬ذي ين‪NN‬درج ض‪NN‬من‬
‫النادر‪ .‬نادًر ا ما قابلت في حياتي رجًال يستحق مثله من التع‪NN‬اطف من‪NN‬ذ البداي‪NN‬ة‪ .‬بالتأكي‪NN‬د أس‪NN‬تطيع أن أفهم‬
‫الفخر بكون أحد أصدقائه‪".‬‬
‫"بالضبط ما قلته‪ .‬لديه تأثير مماثل على الجميع‪ .‬أنا أحبه كأنه ابني الخاص‪ .‬ومهما حدث‪ ،‬فس‪NN‬وف ي‪NN‬رث‬
‫معظم ثروتي‪ ،‬نعم‪ ،‬أنا أعتزم ترك كل شيء له‪ .‬صنعت وصيتي وهي بيد الس‪NN‬يد ب‪NN‬ارون‪ ،‬م‪NN‬وثقي‪ .‬هن‪NN‬اك‬
‫إرث صغير أيًض ا للسيدة جيردي؛ ولكنني سأسحب الفقرة المتعلقة بذلك على الفور‪".‬‬
‫"السيدة جيردي‪ ،‬السيد تاباريه‪ ،‬ستكون قريًبا خارج حاجة لجميع األمور الدنيوية‪".‬‬
‫"كيف‪ ،‬ماذا تقصد؟ هل الكونتة ‪"-‬‬
‫"إنها تحت الموت وال يمكن أن تعيش حتى نهاية اليوم؛ هذا ما قاله لي السيد جيردي نفسه‪".‬‬
‫"أهـ‪ ،‬يا الهي!" صاح العجوز تاباري‪N‬ه‪" .‬م‪N‬ا ه‪N‬ذا ال‪N‬ذي تقول‪N‬ه؟ الم‪N‬وت؟ كنت أفك‪N‬ر بش‪N‬دة فيه‪N‬ا قب‪N‬ل ه‪N‬ذا‬
‫االكتشاف‪ .‬يا فقر البشرية! يبدو أن جميع المتواطئين يمرون في ذات الوقت‪ .‬لقد نسيت أن أخبرك‪ ،‬أنني‬
‫سمعت خادًم ا يخبر آخر أثناء مغادرتي لقصر كومارين‪ ،‬أن الكونت قد وق‪N‬ع في نوب‪N‬ة عن‪N‬دما س‪N‬مع خ‪N‬بر‬
‫اعتقال ابنه‪".‬‬

‫"سيكون ذلك كارثة كبيرة للسيد جيردي‪" ".‬لنويل؟"‬


‫"كنت قد استندت إلى شهادة الكونت دو كومارين الستعادة كل ما يستحقه‪ .‬ولكن بعد وفاة الكونت‪ ،‬ووفاة‬
‫األرملة لوروج‪ ،‬وموت السيدة جيردي أو جنونها‪ ،‬من يمكنه أن يخبرنا ما إذا كانت االستبدال المشار‬
‫إليه في الرسائل قد تم تنفيذه؟"‬
‫"صحيح"‪ ،‬همس العجوز تاباريه؛ "إنها حقيقة! ولم أفكر في ذلك‪ .‬ما هذه النهاية المأساوية! ألنني لست‬
‫مخطًئا؛ فأنا متأكد من أن‪"...‬‬
‫لم ينِه الجملة‪ ،‬ففتح باب مكتب القاضي دابورون‪ ،‬وظهر الكونت دو كومارين نفسه عتيق السن على‬
‫عتبة الباب‪ ،‬صلب كأحد تلك اللوحات القديمة التي تبدو كأنها مجمدة في إطاراتها المطلية بالذهب‪ .‬حرك‬
‫النبيل يده‪ ،‬وانصرف الخادمان اللذان ساعداه على الوصول إلى الباب‪.‬‬
‫الفصل ‪11‬‬
‫كان الكونت دو كومارين بالفع‪NN‬ل‪ ،‬لكن أش‪NN‬به بظل‪NN‬ه‪ .‬رأس‪NN‬ه‪ ،‬ال‪NN‬ذي ك‪NN‬ان يحمل‪NN‬ه ع‪NN‬ادة عالًي ا‪ ،‬انح‪NN‬نى على‬
‫صدره‪ ،‬وك‪NN‬ان جس‪NN‬ده مكت‪NN‬وف األي‪NN‬دي‪ ،‬وعين‪NN‬اه لم تع‪NN‬د تحت‪NN‬وي على الن‪NN‬ار المعت‪NN‬ادة لهم‪NN‬ا‪ ،‬وك‪NN‬انت يدي‪NN‬ه‬
‫ترتجف‪ .‬وكانت فوضى مالبسه المتطايرة أكثر بروزًا‪ ،‬مما يبرز التغيير الذي أص‪NN‬ابه‪ .‬في ليل‪NN‬ة واح‪NN‬دة‪،‬‬
‫شيخ بعشرين عاًم ا‪ .‬هذا الرجل‪ ،‬الذي كان فخوًرا بأنه لم ينحِن أمام العواصف‪ ،‬يبدو اآلن محطًم ا تماًم ا‪.‬‬
‫فخر اسمه كان يشكل كل قوته؛ لكن بعد تحطيمه‪ ،‬يبدو مغموًرا تماًم ا‪ .‬تفكك كل شيء في‪NN‬ه في آن واح‪NN‬د‪،‬‬
‫وفشلت كل دعائمه في الوقت نفسه‪ .‬وكان نظره البارد والخامل يكشف الغيبوب‪NN‬ة الداكن‪NN‬ة ألفك‪NN‬اره‪ .‬وك‪NN‬ان‬
‫يعرض ص‪NN‬ورة كامل‪NN‬ة للي‪NN‬أس الت‪NN‬ام‪ ،‬ح‪NN‬تى أن القاض‪NN‬ي التحقيقي ارتعش قليًال عن‪NN‬د رؤيت‪NN‬ه‪ .‬وك‪NN‬ان الس‪NN‬يد‬
‫تاباريه يبدو خائفًا‪ ،‬وحتى الكاتب القضائي بدا متأثرًا‪.‬‬

‫"كونستان"‪ ،‬قال القاضي دابورون بسرعة‪" ،‬اذهب مع السيد تاباريه وانظر إن ك‪NN‬ان هن‪NN‬اك أي خ‪NN‬بر في‬
‫الحاكمية‪".‬‬
‫غادر الكاتب الغرفة متبوعًا بالمحقق‪ ،‬الذي غادر بح‪NN‬زن‪ .‬لم يالح‪NN‬ظ الك‪NN‬ونت وج‪NN‬ودهم؛ لم ي‪NN‬وِل اهتمام‪ًN‬ا‬
‫برحيلهم‪.‬‬

‫عرض القاضي دابورون عليه مقعدًا‪ ،‬ووافق عليه بابتسامة حزينة‪" .‬أشعر بالضعف"‪ ،‬ق‪NN‬ال‪" ،‬علي‪NN‬ك أن‬
‫تعذرني لجلوسي‪".‬‬

‫اعتذارات للقاضي التحقيقي! ما تقدم كبير في الحضارة‪ ،‬عن‪NN‬دما يعت‪NN‬بر النبالء أنفس‪NN‬هم مس‪NN‬لمين للق‪N‬انون‪،‬‬
‫وينحنون ألوامره! الجميع يحترم العدالة في زمننا‪ ،‬ويخشاها قليًال‪ ،‬حتى عندما يتم تمثيلها بواسطة قاض‬
‫تحقيق بسيط ومخلص‪.‬‬

‫"ربما تشعر بالضعف جدًا يا كونت"‪ ،‬قال القاضي‪" ،‬لتعطيني التفسيرات التي كنت قد أملت بها‪".‬‬
‫"أشعر بتحسن‪ ،‬شكرًا لك"‪ ،‬رد الكونت دو كوم‪NN‬ارين‪" ،‬أن‪NN‬ا بحال‪NN‬ة جي‪NN‬دة‪ ،‬كم‪NN‬ا ه‪NN‬و متوق‪NN‬ع بع‪NN‬د الص‪NN‬دمة‬
‫التيتلقيتها‪ .‬عندما سمعت بجريمة التي يتهم بها اب‪NN‬ني‪ ،‬واعتقال‪NN‬ه‪ ،‬ص‪NN‬دمت بش‪NN‬دة‪ .‬كنت أعتق‪NN‬د أن‪NN‬ني رج‪NN‬ل‬
‫قوي‪ ،‬لكنني سقطت على األرض‪ .‬اعتقد خدمي أني ميت‪ .‬لماذا لم يحدث ذلك؟ يق‪NN‬ول لي طبي‪NN‬بي إن ق‪NN‬وة‬
‫بنيتي الجسدية هي ما أنقذتني‪ ،‬لكنني أعتقد أن السماء تريد مني العيش‪ ،‬ح‪NN‬تى أش‪NN‬رب إلى األس‪NN‬فل ك‪NN‬أس‬
‫الذل الخاص بي‪".‬‬

‫توقف فجأة‪ ،‬شبه مختنقًا بتدفق الدم الذي ارتفع إلى فمه‪.‬‬
‫ظل القاضي التحقيقي واقفًا بالقرب من الطاولة‪ ،‬شبه خائفًا من التحرك‪.‬‬
‫بعد قليل من الراحة‪ ،‬وجد الكونت الراحة‪ ،‬واستمر‪" ،‬يا رجل تعيس أنا! أم‪NN‬ا ك‪NN‬ان يجب أن أتوق‪NN‬ع ذل‪NN‬ك؟‬
‫كل شيء يظهر في نهاية المطاف‪ .‬أعاقب على خطيئتي الك‪N‬برى ‪ -‬الكبري‪N‬اء‪ .‬ظننت أن‪N‬ني محص‪N‬ن ض‪N‬د‬
‫الص‪NN‬اعقة‪ ،‬وكنت س‪NN‬ببًا في جلب العاص‪NN‬فة على بي‪NN‬تي‪ .‬أل‪NN‬برت قات‪NN‬ل! الفيك‪NN‬ونت دو كوم‪NN‬ارين متهم أم‪NN‬ام‬
‫محكمة الجنايات! أه‪ ،‬سيدي‪ ،‬عاقبني أيًض ا؛ ألنني وحدي ومنذ زمن بعيد‪ ،‬وضعت أسس ه‪NN‬ذه الجريم‪NN‬ة‪.‬‬
‫خمسة عشر قرًنا من السمعة الطاهرة ينتهي بي في العار‪".‬‬
‫اعتبر القاضي دابورون سلوك الكونت دو كومارين غير مغفور له‪ ،‬وقرر عدم السكوت عنه‪.‬‬
‫كان يتوقع أن يقابل نبياًل فخوًرا ومتعجرًفا‪ ،‬يصعب التعامل معه‪ ،‬وكان قد عزم على إذالل كبريائه‪.‬‬
‫ربما كان المعاملة القاسية التي تلقاها من السيدة دارالنج في الماضي قد أعطت‪NN‬ه‪ ،‬بص‪NN‬ورة غ‪N‬ير مدرك‪NN‬ة‪،‬‬
‫بعض الحقد ضد النبالء‪.‬‬
‫كان يفكر بشكل غامض في بعض المالحظات الحادة التي كانت ستجعل النبي‪NN‬ل العج‪NN‬وز ينح‪NN‬ني لوعي‪NN‬ه‪،‬‬
‫وتجلب له اإلحساس بموقفه‪.‬‬
‫ولكن عندما وجد نفسه في حضرة توبيخ صادق كهذا‪ ،‬تحول غضبه إلى شفقة عميقة‪ ،‬وب‪NN‬دأ يتس‪NN‬اءل عن‬
‫كيفية تخفيف حزن الكونت‪.‬‬
‫ًا‬
‫"اكتب‪ ،‬يا سيدي"‪ ،‬واصل الكونت دو كومارين بحماس‪N‬ة لم يكن ق‪NN‬ادر عليه‪N‬ا قب‪N‬ل عش‪N‬ر دق‪NN‬ائق‪" ،‬اكتب‬
‫اعترافي وال تخفي شيئًا‪ .‬لم يعد لي حاجة إلى الرحمة أو الرقة‪ .‬ماذا يجب أن أخشاه اآلن؟ أليست ع‪NN‬اري‬
‫معروضًا عالنية؟ أليس يجب أن أظهر‪ ،‬كونت ريتو دو كومارين‪ ،‬أمام المحكمة‪ ،‬ألعلن ع‪NN‬ار بيتن‪NN‬ا؟ أه‪،‬‬
‫كل شيء ضاع اآلن‪ ،‬حتى الشرف نفسه‪ .‬اكتب‪ ،‬يا س‪N‬يدي‪ ،‬ألن‪N‬ني أري‪N‬د أن يعلم الع‪N‬الم ب‪N‬أنني األك‪N‬ثر من‬
‫الل‪NN‬وم‪ .‬ولكن يجب أن يعلم‪NN‬وا أيًض ا أن العقوب‪NN‬ة ك‪NN‬انت مروع‪NN‬ة بالفع‪NN‬ل‪ ،‬وأن‪NN‬ه لم يكن هن‪NN‬اك حاج‪NN‬ة له‪NN‬ذا‬
‫المحاكمة األخيرة والرهيبة‪".‬‬

‫توقف الكونت للحظات‪ ،‬ليركز وينظم ذاكرته‪.‬‬


‫ثم استأنف بصوت أكثر ثباًتا‪ ،‬وضبط لهجته وفًقا لما كان يريد قول‪NN‬ه‪" :‬عن‪NN‬دما كنت في عم‪NN‬ر أل‪NN‬برت‪ ،‬ي‪NN‬ا‬
‫سيدي‪ ،‬اضطر والدي إلى تزويجي‪ ،‬على الرغم من اعتراضاتي‪ ،‬بأنقى وأنب‪NN‬ل الفتي‪NN‬ات الش‪NN‬ابات‪ .‬جعلت‬
‫منها أكثر النساء حزًنا‪ .‬لم أستطع أن أحبها‪ .‬كنت أحمل حًبا شديًدا لعش‪NN‬يقتي‪ ،‬ال‪NN‬تي ك‪NN‬انت تث‪NN‬ق بي وال‪NN‬تي‬
‫كنت أحبها منذ فترة طويلة‪ .‬وجدتها جميلة جًدا‪ ،‬نقية وذات عقل‪ .‬كان اسمها فاليري‪.‬‬

‫قلبي‪ ،‬كما يقال‪ ،‬ميت وبارد في داخلي‪ ،‬ولكن‪ ،‬آه! عندما أذكر هذا االسم‪ ،‬ال ي‪NN‬زال ل‪NN‬ه ت‪NN‬أثير كب‪NN‬ير علي‪.‬‬
‫على الرغم من زواجي‪ ،‬لم أستطع أن أفرط في حبي لها‪ ،‬على الرغم من أنه‪N‬ا أرادت ذل‪N‬ك‪ .‬ك‪N‬انت فك‪N‬رة‬
‫مشاركة حبي مع آخرى مقززة بالنسبة لها‪ .‬ال شك أنها كانت تحب‪NN‬ني آن‪NN‬ذاك‪ .‬اس‪NN‬تمرت عالقتن‪NN‬ا‪ ،‬وأنجبت‬
‫زوج‪NN‬تي وعش‪NN‬يقتي أطف‪N‬ااًل تقريًب ا في نفس ال‪NN‬وقت‪ .‬ه‪NN‬ذا الص‪NN‬دفة أوحت لي بفك‪NN‬رة االض‪NN‬طرار الفاجع‪NN‬ة‬
‫للتضحية بابني الشرعي ألخيه األقل حًظا‪ .‬أخبرت فاليري بهذا المشروع‪ ،‬فرفضته برهبة‪ .‬كان الغريزة‬
‫األمومية قد تنبأت بداخلها؛ لم ترغب في فصلها عن طفله‪NN‬ا‪ .‬ح‪NN‬افظت على الرس‪NN‬ائل ال‪NN‬تي كتبته‪NN‬ا لي في‬
‫ذلك الوقت كنصب تذكاري لحماقتي‪ .‬أعيد قراءتها فقط الليلة الماضية‪.‬‬

‫آه! لماذا لم أستمع لحججها وصلواتها؟ ألنني كنت مجنوًن ا‪ .‬ك‪NN‬ان ل‪NN‬ديها ن‪NN‬وع من اإلحس‪NN‬اس بالش‪NN‬ر ال‪NN‬ذي‬
‫يغمرني اليوم‪ .‬لكنني انتقلت إلى باريس؛ كان لدي السيطرة المطلقة عليها‪ .‬هددت بتركه‪NN‬ا وع‪NN‬دم رؤيته‪NN‬ا‬
‫مرة أخرى‪ .‬استس‪NN‬لمت‪ ،‬وك‪NN‬ان يت‪NN‬ولى خ‪NN‬ادمي وكل‪NN‬ودين ل‪NN‬وروج ه‪NN‬ذا االس‪NN‬تبدال الش‪NN‬رير‪ .‬ل‪NN‬ذلك ه‪N‬و ابن‬
‫عشيقتي الذي يحمل لقب الفيكونت دو كومارين‪ ،‬والذي تم اعتقاله منذ وقت قصير‪".‬‬

‫لم يكن السيد دابورون يتوقع إعالًن ا واض‪ًN‬حا بتل‪N‬ك الص‪N‬راحة‪ ،‬وخاص‪N‬ة بتل‪N‬ك الس‪N‬رعة‪ .‬ف‪N‬رح في داخل‪N‬ه‬
‫للمحامي الشاب الذي أسر قلبه بمشاعره النبيلة‪.‬‬
‫"إذن‪ ،‬يا كونت"‪ ،‬قال "أنت تعترف بأن السيد نويل جيردي هو نت‪NN‬اج زواج‪NN‬ك الش‪NN‬رعي‪ ،‬وأن‪NN‬ه فق‪NN‬ط ه‪NN‬و‬
‫الذي يحق له حمل اسمك؟"‬
‫"نعم‪ ،‬يا سيدي‪ .‬آه! كنت حينذاك أكثر سعادة بنجاح مش‪NN‬روعي مم‪NN‬ا كنت س‪NN‬أكون ل‪NN‬و حققت أي انتص‪NN‬ار‬
‫براق‪ .‬كنت مخموًر ا بفرحة وجود طفل فاليري بجانبي‪ ،‬نسيت كل شيء آخ‪NN‬ر‪ .‬لق‪NN‬د نقلت ل‪NN‬ه بعض ح‪NN‬بي‬
‫ألمه؛ أو باألحرى‪ ،‬أحببته أكثر‪ ،‬إن كان ذلك ممكًنا‪ .‬فكرة أن يحمل اسمي‪ ،‬وأن يرث ثروتي كله‪NN‬ا‪ ،‬على‬
‫حساب اآلخر‪ ،‬أسعدتني‪ .‬أما اآلخر‪ ،‬فكنت أكره‪N‬ه‪ ،‬لم أتمكن ح‪N‬تى من النظ‪N‬ر إلي‪N‬ه‪ .‬ال أت‪N‬ذكر أن‪N‬ني قبلت‪N‬ه‬
‫مرتين حتى‪ .‬وفي هذا األمر‪ ،‬انتقدني فاليري‪ ،‬التي كانت طيبة جًدا‪ .‬كنت أحرجتها بش‪NN‬دة‪ .‬ك‪NN‬انت الش‪NN‬يء‬
‫الوحيد الذي عّو ق سعادتي هو حب الكونتيس‪NN‬ة دو كوم‪NN‬ارين لمن اعتق‪NN‬دت أن‪NN‬ه ابنه‪NN‬ا‪ ،‬ودائًم ا ت‪NN‬رغب في‬
‫وضعه على ركبتيه‪NN‬ا‪ .‬ال يمكن‪NN‬ني أن أع‪NN‬بر عن م‪NN‬دى م‪NN‬ا عانيت‪NN‬ه عن‪NN‬دما رأيت زوج‪NN‬تي تغم‪NN‬ره ب‪NN‬القبالت‬
‫واالحتضانات‪ .‬ولكني حاولت بشدة أن ال تراه أكثر مم‪NN‬ا يجب‪ ،‬وهي‪ ،‬الفق‪NN‬يرة‪ ،‬لم تفهم م‪NN‬ا ي‪NN‬دور داخلي‪،‬‬
‫وظنت أنني كنت أفعل كل شيء لمنع طفلها من حبها‪ .‬م‪NN‬اتت‪ ،‬ي‪NN‬ا س‪NN‬يدي‪ ،‬وفي فمه‪NN‬ا الغف‪NN‬ران وفي قلبه‪NN‬ا‬
‫الغفران‪ ،‬وهي لم تشكو ولم تتذمر‪ ،‬وتوفيت من الحزن وهي مثل القديسات‪".‬‬
‫على الرغم من الوقت المحدود‪ ،‬لم يج‪N‬رؤ الس‪N‬يد داب‪N‬ورون على انقط‪N‬اع كالم الك‪N‬ونت‪ ،‬وط‪N‬رح الحق‪N‬ائق‬
‫بشكل مباشر‪ .‬كان يعلم أن الحمى فقط تعطيه ه‪NN‬ذه الطاق‪NN‬ة الغ‪NN‬ير طبيعي‪NN‬ة‪ ،‬وال‪NN‬تي يمكن في أي لحظ‪NN‬ة أن‬
‫تحل محلها اإلرهاق الشديد‪ .‬كان يخشى‪ ،‬إذا ما توقفت الكلمات للحظة‪ ،‬أال يكوس‪NN‬يكون لدي‪NN‬ه الق‪NN‬درة على‬
‫االستمرار في الحديث‪.‬‬

‫"لم أذرف دمعة واحدة"‪ ،‬استمر الكونت‪" .‬ما كانت هي في حياتي؟ سبب للح‪NN‬زن والن‪NN‬دم‪ .‬لكن ع‪NN‬دل هللا‪،‬‬
‫قبل عدل اإلنسان‪ ،‬كان على وش‪N‬ك أن ينتقم انتقاًم ا رهيًب ا‪ .‬في ي‪N‬وم من األي‪N‬ام‪ ،‬تم تح‪N‬ذيري ب‪N‬أن ف‪NN‬اليري‬
‫كانت تخدعني وقد فعلت ذلك لفترة طويل‪NN‬ة‪ .‬لم أس‪NN‬تطع تص‪NN‬ديق ذل‪NN‬ك في البداي‪NN‬ة؛ ب‪NN‬دا لي أم‪ًNN‬را مس‪NN‬تحياًل‬
‫ومضحًك ا‪ .‬كنت أشك في نفسي أكثر من شكي فيها‪ .‬لقد أخذتها من غرفة في السقف كانت تعمل فيها ستة‬
‫عشر ساعة يومًيا لتكسب بضعة قروش؛ كانت مدينة لي بكل شيء‪ .‬لقد جعلتها جزًء ا كبيًرا م‪NN‬ني لدرج‪NN‬ة‬
‫أنني لم أستطع تصديق خيانته‪NN‬ا‪ .‬لم أس‪NN‬تطع إقن‪NN‬اع نفس‪NN‬ي ب‪NN‬أن أش‪NN‬عر ب‪NN‬الغيرة‪ .‬على أي ح‪NN‬ال‪ ،‬تحققت من‬
‫الموضوع؛ كانت تحت المراقبة؛ حتى تجسست عليها بنفسي‪ .‬كانت قد قيل لي الحقيقة‪ .‬كانت هذه الم‪NN‬رأة‬
‫التعيسة لديها عاشق آخر ‪ ،‬وكانت قد استمرت معه ألكثر من عشر سنوات‪ .‬كان ضابًطا في الفرسان‪.‬‬

‫عندما كان يأتي إلى منزلها‪ ،‬كان يتخذ كل االحتياطات‪ .‬عادة م‪NN‬ا يغ‪NN‬ادر ح‪NN‬والي منتص‪NN‬ف اللي‪NN‬ل؛ لكن في‬
‫بعض األحيان كان يأتي لقضاء الليل‪ ،‬وفي هذه الحالة كان يغادر في الصباح الباكر‪ .‬حيث كان موج‪NN‬وًدا‬
‫بالقرب من باريس‪ ،‬كان يحصل على إجازة بشكل متكرر ويأتي لزيارتها؛ وك‪NN‬ان يظ‪NN‬ل مغلًق ا في ش‪NN‬قتها‬
‫حتى انتهاء وقته‪ .‬في إحدى المساءات‪ ،‬جلب لي جواسيسي خبًر ا بأنه كان هناك‪ .‬أسرعت إلى المنزل‪ .‬لم‬
‫تربكني تواجدي‪ .‬استقبلتني كالمعتاد‪ ،‬وضعت ذراعيها حول رقبتي‪.‬‬

‫كنت أعتقد أن جواسيسي قد خدعوني وكنت على وشك أن أخبرها بك‪N‬ل ش‪N‬يء عن‪N‬دما رأيت على البي‪N‬انو‬
‫قفاًز ا من جلد الغزال مثل الذي يرتدي‪N‬ه الجن‪N‬ود‪ .‬ال أرغب في مش‪N‬هد وال أع‪N‬رف إلى أي ح‪N‬د ق‪N‬د يأخ‪N‬ذني‬
‫غضبي‪ ،‬هربت من المكان دون قول كلمة‪ .‬لم أرها منذ ذلك الحين‪ .‬كتبت إلّي ‪ .‬لم أفتح رسائلها‪ .‬حاولت‪NN‬أن‬
‫تفرض نفسها على حضوري ‪ ،‬لكن دون جدوى؛ كان لدي تعليمات لعبيدي لم يجرؤوا على تجاهلها‪".‬‬

‫هل كان ه‪N‬ذا الك‪N‬ونت دو كوم‪N‬اران‪ ،‬ال‪N‬ذي يحتف‪N‬ل ببرودت‪N‬ه العاطفي‪N‬ة وتحفظ‪N‬ه المليء ب‪N‬االزدراء‪ ،‬ال‪N‬ذي‬
‫يتحدث هكذا‪ ،‬والذي يفتح حياته بأكملها بدون قيود‪ ،‬بدون تحفظ؟ ولمن؟ لغريب‪.‬‬

‫لكنه كان في حالة يأس من تلك الحاالت المتصلة بالجنون‪ ،‬حيث يتركنا كل التفك‪NN‬ير‪ ،‬حيث يجب أن نج‪NN‬د‬
‫مخرًج ا للعاطفة القوية جًدا‪ .‬ما الذي يهمه في هذا السر الذي حمله بشجاعة لسنوات عدي‪NN‬دة؟ أخرج‪NN‬ه من‬
‫على صدره‪ ،‬مثل الفقير الذي‪ ،‬مرهوًنا بعبئ ثقيل جًدا‪ ،‬يلقي‪NN‬ه على األرض دون أن يهتم بمك‪NN‬ان وقوع‪NN‬ه‪،‬‬
‫أو مدى إغراء العابرين له‪.‬‬

‫"ال شيء"‪ ،‬واصل قائال‪" ،‬ال‪ ،‬ال شيء‪ ،‬يمكن أن يقارب ما عانيت‪NN‬ه في ذل‪NN‬ك ال‪NN‬وقت‪ .‬ك‪NN‬ان قل‪NN‬بي مرتبًط ا‬
‫بتل‪N‬ك الم‪N‬رأة‪ .‬ك‪N‬انت مث‪N‬ل ج‪N‬زء من نفس‪N‬ي‪ .‬عن‪N‬دما انفص‪N‬لت عنه‪N‬ا‪ ،‬ب‪N‬دا لي أن‪N‬ني أقط‪N‬ع ج‪N‬زًء ا من لحمي‬
‫الخاص‪ .‬ال يمكنني وصف العواطف الغاضبة التي أثارها ذكراها داخلي‪ .‬لق‪NN‬د ازدريته‪NN‬ا وتوقعته‪NN‬ا بنفس‬
‫الحدة‪ .‬لقد كرهتها وأحببتها‪ .‬وحتى اليوم‪ ،‬كانت صورتها الشنيعة حاضرة دائًم ا في خي‪NN‬الي‪ .‬ال يمكن ألي‬
‫شيء أن يجعلني أنساها‪ .‬لم أتواسي نفسي أبًدا على فقدانها‪ .‬وليس هذا كل شيء‪ ،‬بل طرأت علّي ش‪NN‬كوك‬
‫مرعبة حول ألبرت‪ .‬هل كنت حًقا أبه؟ هل يمكن أن تفهم ما كان يعانيه؟ عندما أفكر في نفسي "ربم‪N‬ا ق‪N‬د‬
‫قدمت ابني الش‪NN‬رعي كتض‪NN‬حية البن أجن‪NN‬بي تماًم ا"‪ .‬جعلت ه‪NN‬ذه الفك‪NN‬رة أن أك‪NN‬ره الخ‪NN‬نزير ال‪NN‬ذي ي‪NN‬دعي‬
‫كومارين‪ .‬تخليت عن مشاعري العاطفية له وحل محلها كراهي‪NN‬ة ال يمكن التغلب عليه‪NN‬ا‪ .‬في تل‪NN‬ك األي‪NN‬ام‪،‬‬
‫كم مرة تصدى لرغبة مجنونة في قتله! منذ ذلك الحين‪ ،‬تعلمت كيفية تذليل كراهيتي لكن‪NN‬ني لم أتمكن من‬
‫السيطرة الكاملة عليها‪.‬‬

‫ألبرت‪ ،‬سيدي‪ ،‬كان أفضل األبناء‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬كان هناك حاجز جليدي بينن‪NN‬ا لم يس‪NN‬تطع تفس‪NN‬يره‪ .‬كنت في‬
‫كثير من األحيان على وشك اللجوء إلى المحاكم‪ ،‬واالعتراف بكل شيء‪ ،‬والمطالبة ب‪NN‬الوريث الش‪NN‬رعي‪،‬‬
‫لكن احترامي لرتبتي منعني‪ .‬لقد انكمشت أم‪NN‬ام الفض‪NN‬يحة‪ .‬خفيت من الس‪NN‬خرية أو الع‪NN‬ار ال‪NN‬ذي ق‪NN‬د يلح‪NN‬ق‬
‫اسمي به‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬لم أتمكن من إنقاذه من العار‪.‬‬

‫ظل النبيل العجوز صامتًا بعد نطق‪N‬ه به‪NN‬ذه الكلم‪NN‬ات‪ .‬في نوب‪NN‬ة من الي‪NN‬أس‪ ،‬غطى وجه‪NN‬ه بيدي‪NN‬ه‪ ،‬وان‪NN‬زلقت‬
‫دموع كبيرة بصمت على خديه المجعدة‪.‬‬
‫وفي ذلك الوقت‪ ،‬فتح باب الغرفة قليًال‪ ،‬وظهر رأس الكاتب الطويل‪.‬‬

‫وقع السيد دابورون له إشارة للدخول‪ ،‬ثم وجه كالمه إلى السيد دو كوم‪NN‬ارين بص‪NN‬وت أك‪NN‬ثر لطًف ا بس‪NN‬بب‬
‫الرحمة‪" :‬سيدي‪ ،‬في عي‪N‬ون الس‪N‬ماء‪ ،‬كم‪N‬ا في عي‪N‬ون المجتم‪N‬ع‪ ،‬ارتكبتم خطيئة عظيم‪N‬ة؛ والنت‪N‬ائج‪ ،‬كم‪N‬ا‬
‫ترى‪ ،‬هي أكثر من كارثية‪ .‬من واجبك إصالح العواقب السيئة لخطيئتك بقدر المستطاع"‪.‬‬

‫"هذا هو نيتي‪ ،‬سيدي‪ ،‬وهل يمكنني أن أقول؟ أمنيتي األعزب"‪.‬‬


‫"بال شك تفهمني‪ "،‬تابع السيد دابورون‪" .‬نعم‪ ،‬سيدي"‪ ،‬أجاب الرجل العجوز‪" ،‬نعم‪ ،‬أنا أفهمك"‪.‬‬

‫"ستكون لك عزاًء "‪ ،‬أض‪N‬اف القاض‪N‬ي‪" ،‬تعلم أن الس‪N‬يد نوي‪N‬ل ج‪N‬يردي يس‪N‬تحق بك‪N‬ل المق‪N‬اييس المنص‪N‬ب‬
‫العالي الذي تعتزم إعادت‪N‬ه ل‪N‬ه‪ .‬إن‪N‬ه رج‪N‬ل ذو موهب‪N‬ة كب‪N‬يرة‪ ،‬أفض‪N‬ل وأك‪N‬ثر ج‪N‬دارة من أي ش‪N‬خص آخ‪N‬ر‬
‫عرفته‪ .‬س‪N‬تكون ل‪N‬ديك ابن يس‪N‬تحق أس‪N‬الفه‪ .‬وأخ‪N‬يًرا‪ ،‬لم يس‪N‬قط أي من أف‪NN‬راد عائلت‪N‬ك في الع‪N‬ار‪ ،‬س‪N‬يدي‪،‬‬
‫فالنبيل ألبرت ليس كومارين"‪.‬‬

‫"ال"‪ ،‬رد الكونت بسرعة‪" ،‬كومارين لكان ميتًا في هذه الساعة؛ والدم يغسل كل شيء"‪.‬‬

‫قول النبيل العجوز جعل القاضي الذي يقوم بالتحقيق يفكر بعمق‪.‬‬
‫"أأنت متأكد بذلك"‪ ،‬قال‪" ،‬من إدانة النبيل؟"‬
‫نظر السيد دو كومارين إلى القاضي بدهشة شديدة‪.‬‬
‫ًئ‬
‫"لقد وصلت إلى باريس مساء األمس فقط"‪ ،‬أجاب‪" ،‬وأنا ال أعرف شي ا عن كل ما حدث‪ .‬أن‪NN‬ا فق‪NN‬ط أعلم‬
‫أن القانون لن يتقدم بدعوى بدون سبب مقنع ضد رجل من مرتبة النبالء مثل أل‪NN‬برت‪ .‬إذا ق‪NN‬د اعتقلتم‪NN‬وه‪،‬‬
‫فمن الواضح تماًم ا أن لديكم شيء أكثر من الشك ضده‪ ،‬وأن لديكم دالئل إيجابية‪".‬‬
‫عض السيد دابورون شفتيه‪ ،‬ولم يستطع لحظًة إخف‪NN‬اء ش‪NN‬عور االس‪NN‬تياء ال‪NN‬ذي أص‪NN‬ابه‪ .‬لق‪NN‬د تج‪NN‬اوز ح‪NN‬ذره‬
‫المعتاد وتحرك بسرعٍة كبيرة‪ .‬كان يعتقد أن عقل الكونت كان مضطرًبا بالكامل‪ ،‬ولكنه أث‪NN‬ار اآلن ش‪NN‬كه‪.‬‬
‫ال يمكن ألي مهارة في العالم إصالح مثل هذه الخطأ السيئ الحظ‪ .‬ال يمكن االعتماد على شاهد يتحص‪NN‬ن‬
‫بحذره‪ ،‬فهو يرتعد خوًفا من تورطه‪ ،‬يقيس وزن األسئلة‪ ،‬ويتردد في إجاباته‪.‬‬
‫من ناحية أخرى‪ ،‬فإن العدالة والقاضي يميالن إلى الشك في كل شيء‪ ،‬وتخيل ك‪NN‬ل ش‪NN‬يء‪ ،‬واالش‪NN‬تباه في‬
‫الجميع‪ .‬إلى أي مدى كان الكونت بعي‪ًNN‬دا عن الجريم‪NN‬ة في ال جونش‪NN‬ير؟ على ال‪NN‬رغم من الش‪NN‬ك في نس‪NN‬ب‬
‫ألبرت‪ ،‬فإنه لن يدخر جهًدا كبيًر ا إلنقاذه‪ .‬أظهرت قصته أنه اعتق‪NN‬د أن ش‪NN‬رفه في خط‪NN‬ر بنفس ق‪NN‬در ابن‪NN‬ه‪.‬‬
‫فهل ليس هو الرجل ال‪N‬ذي يح‪N‬اول بك‪N‬ل الوس‪N‬ائل إخف‪N‬اء الش‪N‬اهد غ‪N‬ير الم‪N‬ريح؟ به‪N‬ذا الش‪N‬كل تفك‪N‬ر الس‪N‬يد‬
‫دابورون‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬لم يتمكن من رؤي‪NN‬ة بوض‪NN‬وح كي‪NN‬ف يتعل‪NN‬ق اهتم‪NN‬ام الك‪NN‬ونت دو كوم‪NN‬ارين بالمس‪NN‬ألة‪.‬‬
‫جعلت هذه الحيرة القاضي غير مرتاح‪.‬‬
‫"سيدي"‪ ،‬سأل بصوت أكثر حزًم ا‪" ،‬متى علمت بكشف سرك؟"‬

‫"في المساء السابق‪ ،‬من ألبرت نفسه‪ .‬تحدث إلّي عن هذه القصة الحزين‪NN‬ة بطريق‪NN‬ة أبحث عن تفس‪NN‬ير له‪NN‬ا‬
‫اآلن‪ ،‬ما لم‪"-‬‬
‫انقطع الكونت عن الحديث‪ ،‬كأن عقله قد تعرض لصدمة بسبب غير المنطقية في االفتراض الذي قدمه‪.‬‬
‫"ما لم!"‪ ،‬استفسر القاضي بحماس‪.‬‬
‫"سيدي"‪ ،‬قال الكونت‪ ،‬دون الرد مباشرة‪" ،‬إن كان ألبرت بريًئا‪ ،‬فهو بطل‪".‬‬
‫"آه!"‪ ،‬قال القاضي بسرعة‪" ،‬أتعتقد أن لديك سبًبا لالعتقاد ببراءته؟"‬
‫كان الحقد واضًحا جًدا في كلمات السيد دابورون‪ ،‬حتى أن السيد دو كومارين كان يمكنه ويجب عليه أن‬
‫يرى شبه اإلهانة‪ .‬بدأ ينزعج ويستيقظ من مكانه‪ ،‬ويقول‪" :‬أن‪NN‬ا اآلن لس‪NN‬ت ش‪NN‬اهًدا لص‪NN‬الح أو ض‪NN‬د‪ ،‬أري‪NN‬د‬
‫فقط أن أقدم المساعدة التي استطيع تقديمها للعدالة‪ ،‬حسب واجبي‪".‬‬
‫"يجب علّي أن أتوقف!"‪ ،‬قال السيد دابورون لنفسه‪" ،‬لقد أسأت إلي‪NN‬ه اآلن! ه‪NN‬ل ه‪NN‬ذه هي الطريق‪NN‬ة لفع‪NN‬ل‬
‫األشياء‪ ،‬الخطأ بعد الخطأ؟"‬
‫"الحقائق هي هذه"‪ ،‬استأنف الكونت‪" ،‬في األمس‪ ،‬بعد أن تح‪NN‬دثت إلّي عن ه‪NN‬ذه الرس‪NN‬ائل الملعون‪NN‬ة‪ ،‬ب‪NN‬دأ‬
‫أل‪N‬برت بوض‪N‬ع فٍخ الكتش‪N‬اف الحقيق‪N‬ة ‪ -‬ألن‪N‬ه ال ي‪N‬زال يش‪N‬ك‪ ،‬حيث لم يحص‪N‬ل نوي‪N‬ل ج‪N‬يردي على كام‪N‬ل‬
‫المراسالت‪ .‬نشأت مناقشة حامية بيننا‪ .‬أعلن قراره باالستسالم لنويل‪ .‬أنا‪ ،‬من ناحية أخرى‪ ،‬كنت عازًم ا‬
‫على حل المسألة‪ ،‬بأي ثمن‪ .‬تجرأ ألبرت على معارضتي‪ .‬كانت كل محاوالتي لتحويله إلى وجهة نظري‬
‫بال جدوى‪ .‬حاولت بال جدوى لمس تلك األوتار في صدره التي افترضت أنها األكثر حساسية‪ .‬أكد بق‪NN‬وة‬
‫عزم‪NN‬ه على االع‪NN‬تزال‪ ،‬ب‪NN‬الرغم م‪NN‬ني وأعلن رض‪NN‬اه‪ ،‬إذا كنت س‪NN‬أوافق على الس‪NN‬ماح ل‪NN‬ه بحص‪NN‬وله على‬
‫مستوى متواضع‪ .‬حاولت مرة أخرى أن أهزه‪ ،‬عن طري‪NN‬ق إظه‪NN‬ار ل‪NN‬ه أن زواج‪NN‬ه المنتظ‪NN‬ر بش‪NN‬وق لم‪NN‬دة‬
‫عامين سينقطع بسبب هذه الض‪NN‬ربة‪ .‬أج‪N‬اب أن‪N‬ه ك‪N‬ان واثًق ا من ثب‪N‬ات خطيبت‪N‬ه‪ ،‬م‪N‬دومزيل دارالنج‪"".‬في‬
‫المساء السابق‪ ،‬من ألبرت نفسه‪ .‬تحدث إلّي عن هذه القصة الحزين‪NN‬ة‪ ،‬بطريق‪NN‬ة أس‪NN‬عى اآلن إلى تفس‪NN‬يرها‬
‫دون جدوى‪ ،‬إال إذا‪"...‬‬
‫توقف الكونت فجأة‪ ،‬كما لو أن عقله تأثر بعدم احتمالية االفتراض الذي قدمه‪.‬‬
‫"إّال!"‪ ،‬استفسر القاضي بحماس‪.‬‬
‫"سيدي"‪ ،‬قال الكونت دون الرد مباشرة‪" ،‬إذا كان ألبرت بريء‪ ،‬فهو بطل‪".‬‬
‫"آه!"‪ ،‬قال القاضي بسرعة‪" ،‬أتعتقد أن لديك سبًبا لالعتقاد ببراءته؟"‬
‫كان الحقد بوضوح في كلمات السيد دابورون‪ ،‬حتى أن الس‪NN‬يد دو كوم‪NN‬ارين ك‪NN‬ان يمكن‪NN‬ه ويجب علي‪NN‬ه أن‬
‫يالحظ اإلهانة‪ .‬بدأ ينزعج ويستيقظ من مكانه‪ ،‬ويقول‪" :‬أنا اآلن لست شاهًدا لصالح أو ضد‪ ،‬أرغب فقط‬
‫في تقديم المساعدة التي يمكنني تقديمها للعدالة‪ ،‬وفًقا لواجبي‪".‬‬
‫"يجب أن أتوق‪NN‬ف!"‪ ،‬ق‪NN‬ال الس‪NN‬يد داب‪NN‬ورون لنفس‪NN‬ه‪" ،‬لق‪N‬د أس‪NN‬أت إلي‪NN‬ه اآلن! ه‪NN‬ل ه‪NN‬ذه هي الطريق‪N‬ة للقي‪NN‬ام‬
‫باألمور‪ ،‬الخطأ بعد الخطأ؟"‬
‫"الحقائق هي هذه"‪ ،‬استأنف الكونت‪" ،‬في األمس‪ ،‬بعد أن تح‪NN‬دثت إلّي عن ه‪NN‬ذه الرس‪NN‬ائل الملعون‪NN‬ة‪ ،‬ب‪NN‬دأ‬
‫أل‪NN‬برت بوض‪NN‬ع فٍخ الكتش‪NN‬اف الحقيق‪NN‬ة‪ ،‬ألن‪NN‬ه ال ي‪NN‬زال يش‪NN‬ك‪ ،‬حيث لم يحص‪NN‬ل نوي‪NN‬ل ج‪NN‬يردي على كام‪NN‬ل‬
‫المراسالت‪ .‬نشأت مناقش‪N‬ة حامي‪N‬ة بينن‪N‬ا‪ .‬أعلن ق‪N‬راره باالستس‪N‬الم لنوي‪N‬ل‪ .‬وأن‪N‬ا‪ ،‬من ناحي‪N‬ة أخ‪N‬رى‪ ،‬كنت‬
‫عازًم ا على حل المسألة‪ ،‬بأي ثمن‪ .‬تجرأ ألبرت على معارضتي‪ .‬كانت كل محاوالتي لتحويله إلى وجهة‬
‫نظري بال جدوى‪ .‬حاولت بال جدوى لمس تلك األوتار في صدره التي افترض‪NN‬ت أنه‪NN‬ا األك‪NN‬ثر حساس‪NN‬ية‪.‬‬
‫أكد بقوة عزمه على االعتزال‪ ،‬بالرغم مني‪ ،‬وأعلن رض‪NN‬اه‪ ،‬إذا وافقت على الس‪NN‬ماح ل‪NN‬ه بالحص‪NN‬ول على‬
‫مستوى متواضع‪ .‬حاولت م‪NN‬رة أخ‪NN‬رى أن أه‪NN‬زه‪ ،‬من خالل إظه‪NN‬ار ل‪NN‬ه أن زواج‪NN‬ه المنتظ‪NN‬ر بش‪NN‬وق لم‪NN‬دة‬
‫عامين سينقطع بسبب هذه الضربة‪ .‬أجاب أنه كان واثًقا من ثبات خطيبته‪ ،‬مدومزيل دارالنج‪".‬‬

‫هذا االسم سقط كالصاعقة على آذان القاضي الذي يجري التحقي‪N‬ق‪ .‬قف‪N‬ز في كرس‪N‬يه‪ .‬وش‪N‬عر ب‪N‬أن وجه‪N‬ه‬
‫يتحول إلى اللون القرمزي‪ ،‬فأخذ حزمة كبيرة من األوراق من طاولته‪ ،‬ورفعها إلى وجهه‪ ،‬كما ل‪NN‬و ك‪NN‬ان‬
‫يحاول فك رموز كلمة غير مفهوم‪N‬ة‪ .‬وب‪N‬دأ يفهم ال‪N‬واجب الص‪N‬عب ال‪N‬ذي حم‪N‬ل على عاتق‪N‬ه‪ .‬وع‪N‬رف أن‪N‬ه‬
‫يعاني مثل الطفل‪ ،‬ال يمتلك هدوئه العادي وال رؤيته المستقبلية‪ .‬وشعر بأنه ق‪NN‬د ي‪NN‬رتكب أخط‪NN‬اء جس‪NN‬يمة‪.‬‬
‫لماذا قبل هذا التحقيق؟ هل يمكنه الحفاظ على تحيزه؟ ه‪NN‬ل يعتق‪NN‬د أن إرادت‪NN‬ه س‪NN‬تكون عادل‪NN‬ة تماًم ا؟ ك‪NN‬ان‬
‫سعيًدا لو أجل فحص الكونت إلى وقت آخر؛ لكن هل يمكنه ذلك؟ قالت له ضميره إن ه‪NN‬ذا س‪NN‬يكون خط ‪ًN‬أ‬
‫آخر‪ .‬فعاد إلى الفحص المؤلم‪.‬‬
‫"سيدي"‪ ،‬قال‪" ،‬المشاعر التي عبر عنها الفيكونت رائعة بال شك‪ ،‬لكن هل لم يذكر أرملة لوروج؟"‬
‫"نعم"‪ ،‬أجاب الكونت‪ ،‬الذي بدا فجأة يتألق‪ ،‬كما لو كان يتذكر بعض الظروف التي لم ينتب‪NN‬ه إليه‪NN‬ا‪" ،‬نعم‬
‫بالتأكيد"‪.‬‬
‫"يجب عليك‪ ،‬كونت‪ ،‬إعادة تك‪NN‬رار ك‪NN‬ل م‪NN‬ا ج‪NN‬رى بين الفيك‪NN‬ونت ونفس‪NN‬ك بدق‪NN‬ة ش‪NN‬ديدة‪ .‬فأن‪NN‬ا ألتمس من‪NN‬ك‬
‫االستناد على ذاكرتك ومحاولة تكرار كلماته بأقرب ما يمكن إلى ما قاله بالضبط"‪.‬‬
‫يمكن للسيد دو كومارين القيام بذلك دون صعوبة كبيرة‪ .‬لقد ح‪N‬دث انقالب ص‪N‬حي داخل‪N‬ه لبعض ال‪N‬وقت‪.‬‬
‫تحركت دماءه‪ ،‬المثارة بسبب استمرار الفحص‪ ،‬في مجراها المعتاد‪ .‬وتنقية عقله‪.‬‬
‫ُعرض عليه بإتقان مشهد المساء السابق‪ ،‬حتى التفاصيل األقل أهمية‪ .‬صوت صوت ألبرت كان ال يزال‬
‫في آذانه؛ رأى مرة أخرى حركاته العِّب رة‪ .‬وم‪NN‬ع تق‪N‬دم قص‪NN‬ته‪ ،‬وبوض‪NN‬وح ودق‪NN‬ة‪ ،‬أص‪NN‬بحت قناع‪N‬ة الس‪NN‬يد‬
‫دابورون أكثر تأكيًدا‪.‬‬

‫تحّو ل القاضي ضد ألبرت بالضبط ما كان قد فاز به الكونت من إعجاب اليوم السابق‪.‬‬
‫"ما هو التمثيل الرائع هذا!" فكر‪" .‬السيد تاباريه يمتلك بالتأكيد نوًع ا من البص‪NN‬يرة الثانوي‪NN‬ة‪ .‬يجم‪NN‬ع ه‪NN‬ذا‬
‫الشاب بجرأته الال ُيَص َّد َق وذكائه الملعون‪ .‬عبقرية الجريمة نفسها تلهمه‪ .‬إنه معجزة أننا نستطيع كش‪NN‬فه‪.‬‬
‫كيف تم االستدالل على كل شيء وترتيبه بشكل رائع؟ كيف تم إتقان هذه اللقطة مع والده‪ ،‬من أجل إثارة‬
‫الشك في حالة الكشف؟ ليس هناك جملة تفتقد الغرض منها‪ ،‬وال تمي‪NN‬ل لص‪NN‬د الش‪NN‬بهات‪ .‬م‪NN‬اذا عن التنفي‪NN‬ذ‬
‫المتقن؟ ماذا عن العناية الزائدة بالتفاصيل؟ ال ينقص شيء‪ ،‬حتى االهتمام الكبير بخطيبته‪ .‬هل أخبر حًقا‬
‫كلير؟ ربما يمكنني معرفته‪ ،‬لكن علي أن أراها مرة أخرى‪ ،‬ألتحدث إليها‪ .‬فتاة فقيرة! لتحب رجًال مثله!‬
‫ولكن خطته اآلن مكشوفة بشكل كامل‪ .‬كانت مناقشته مع الكونت هي حصان الفرسان‪ .‬إنه ال يلتزم ب‪NN‬أي‬
‫شيء‪ ،‬ويحصل على وقت‪ .‬سيثير بالطبع اعتراضات‪ ،‬ألنها ستنتهي بربطه بشكل أك‪NN‬ثر اتس‪NN‬اعًا في قلب‬
‫والده‪ .‬يمكنه بالتالي أن يجعل من تطبيقه لألوامر فضيلة له‪ ،‬ويطلب مكافأة لضعفه‪ .‬وعن‪NN‬دما يع‪NN‬ود نوي‪NN‬ل‬
‫إلى الهجوم‪ ،‬سيجد نفسه أمام الكونت‪ ،‬ال‪NN‬ذي س‪NN‬ينكر ك‪NN‬ل ش‪NN‬يء بج‪NN‬رأة‪ ،‬وي‪NN‬رفض بلط‪NN‬ف أي عالق‪NN‬ة ب‪NN‬ه‪،‬‬
‫وربما يقوم بطرده خارج المنزل‪ ،‬كمحتال ومزّور"‪.‬‬
‫كانت صدفة غريبة‪ ،‬ولكنها يمكن تفسيرها بسهولة‪ ،‬أن السيد دو كومارين‪ ،‬أثناء سرد قصته‪ ،‬وص‪NN‬ل إلى‬
‫نفس أفكار القاضي‪ ،‬واستنتج نتائج تقريًبا متطابقة‪ .‬في الواقع‪ ،‬لماذا ثّبت على كل‪NN‬ودين؟ ت‪NN‬ذكر بوض‪NN‬وح‪،‬‬
‫أنه في غضبه‪ ،‬قال البنه‪" :‬اإلنسانية ليست عادًة تفعل مثل هذه األعمال الرائعة لمج‪NN‬رد إرض‪NN‬اء ذاته‪NN‬ا"‪.‬‬
‫تم تفسير تلك اإلنسانية العظيمة اآلن‪.‬‬
‫عندما انتهى الكونت من الحديث‪ ،‬قال السيد دابورون‪" :‬أشكرك‪ ،‬سيدي‪ .‬ال يمكنني الق‪NN‬ول ش‪NN‬يًئا إيجابًي ا‪،‬‬
‫ولكن لدى العدالة أسباب وجيهة لإليمان بأن الفيكونت ألبرت لعب دوًرا مخطًطا مسبًقا في المشهد ال‪NN‬ذي‬
‫ترويه لي‪".‬‬
‫وقال الكونت‪" :‬وتم التخطيط له بشكل جيد جًدا‪ ،‬ألنه خدعني!"‬

‫تم تقطيع كالمه بدخول نويل الذي كان يحمل تحت ذراعه محفظة سوداء مزّينة بشعاره‪.‬‬
‫انحنى المحامي تحية للرجل العجوز الذي بدوره قام وانصرف بأدب إلى نهاية الغرفة‪.‬‬
‫"سيدي"‪ ،‬قال نويل بصوت خافت للقاضي‪" ،‬ستجد جميع الرسائل في هذه المحفظة‪ .‬يجب أن أطلب إذًنا‬
‫لمغادرتك على الفور‪ ،‬حيث تزداد حالة السيدة جيردي سوًء ا ساعة بعد ساعة"‪.‬‬

‫رفع نويل صوته قليًال عند نطقه لهذه الكلم‪NN‬ات األخ‪NN‬يرة‪ ،‬وس‪NN‬معها الك‪NN‬ونت‪ .‬ب‪NN‬دأ يتح‪NN‬رك وب‪NN‬ذل قص‪NN‬ارى‬
‫جهده لكبح السؤال الذي وجد طريقه من قلبه إلى شفتيه‪.‬‬
‫"لكن يجب أن تمنحني لحظة‪ ،‬سيدي العزيز"‪ ،‬رد القاضي‪.‬‬
‫ثم غادر القاضي كرسيه وأخذ المحامي بيده وقاده إلى الكونت‪.‬‬

‫"السيد دو كومارين"‪ ،‬قال‪" ،‬لدي شرف تقديم السيد نويل جيردي لكم"‪.‬‬

‫ربما كان السيد دو كومارين يتوقع مثل هذا المشهد‪ ،‬ألنه لم يتحرك عضلة في وجهه‪ :‬بقي هادًئا تماًم ا‪.‬‬

‫نويل‪ ،‬من جانبه‪ ،‬كان كرجل تلقى ضربة على رأسه؛ ترّنح واضطر إلى اللجوء إلى دعم كرسي‪.‬‬

‫ثم وقف ه‪N‬ؤالء االثن‪N‬ان‪ ،‬األب واالبن‪ ،‬يواجه‪N‬ون بعض‪N‬هما البعض‪ ،‬مت‪N‬أملين فيم‪N‬ا يب‪N‬دو‪ ،‬لكن في الواق‪N‬ع‬
‫يفحصان بعضهما البعض بالشك‪ ،‬يسعى كل منهما لجمع شيء من أفكار اآلخر‪.‬‬

‫كان السيد دابورون يتوقع نتائج أفضل من هذا اللقاء الذي كان ينتظره منذ وصول الك‪NN‬ونت‪ .‬ك‪NN‬ان يتوق‪NN‬ع‬
‫أن تجلب هذه العرضة المفاجئة مش‪NN‬هدًا م‪NN‬ؤثرًا بش‪NN‬دة‪ ،‬ال ي‪NN‬تيح لش‪NN‬اهديه ال‪NN‬وقت للتفك‪NN‬ير‪ .‬س‪NN‬يفتح الك‪NN‬ونت‬
‫ذراعيه‪ :‬سيقفز نويل في حضنه؛ وسينتظر هذا التصالح موافقة المحاكم ليكتمل‪.‬‬
‫لكن برودة األول وحرج الثاني‪ ،‬أحبطت خططه‪ .‬لذلك اعتقد أنه من الضروري التدخل‪.‬‬

‫"الكونت"‪ ،‬قال بصوت يحمل اللوم‪" ،‬تذكر أنه لم يمِض سوى بض‪NN‬ع دق‪NN‬ائق عن‪NN‬دما اع‪NN‬ترفت ب‪NN‬أن الس‪NN‬يد‬
‫جيردي هو ابنك الشرعي"‪.‬‬
‫لم يرد السيد دو كومارين‪ ،‬وبحسب عدم تأثره‪ ،‬فإنه لم يبدو كما لو أنه سمع الكالم‪.‬‬
‫لذا‪ ،‬استدعى نويل كل شجاعته وجرأة وتحدث أوًال‪" :‬سيدي"‪ ،‬تلعثم‪" ،‬ال أملك أي‪"...‬‬
‫"يمكنك أن تناديني بأبي"‪ ،‬قاطع الرجل العجوز الك‪NN‬ريم بص‪NN‬وت ليس بمحب‪NN‬ة‪ .‬ثم‪ ،‬وجه‪ًN‬ا للقاض‪NN‬ي‪ ،‬ق‪NN‬ال‪:‬‬
‫"هل يمكنني أن أكون مفيًدا لك بأي شيء أخر‪ ،‬سيدي؟"‬
‫"فقط االستماع لشهادتك والتأكد من صحتها وتوقيعها إذا وج‪NN‬دت ك‪NN‬ل ش‪NN‬يء ص‪NN‬حيًحا‪ .‬يمكن‪NN‬ك المتابع‪NN‬ة‪،‬‬
‫كونستان"‪ ،‬أضاف القاضي‪.‬‬

‫تحَّو ل الكاتب الطويل نصًفا على كرسيه وبدأ القراءة‪ .‬كان لديه طريق‪NN‬ة غريب‪NN‬ة في العبث بم‪NN‬ا كتب‪NN‬ه‪ .‬ق‪NN‬رأ‬
‫بسرعة كبيرة‪ ،‬دون أن يولي أي اهتمام للفواصل الكاملة أو الفواصل العادية‪ ،‬أو األسئلة أو األجوبة‪ ،‬بل‬
‫واصل القراءة طالما استطاع‪ .‬عندما لم يعد بإمكانه االس‪NN‬تمرار‪ ،‬استنش‪NN‬ق اله‪NN‬واء واس‪NN‬تمر كم‪NN‬ا ك‪NN‬ان من‬
‫قبل‪ .‬دون أن يشعر‪ ،‬يرتبط بالغطاس الذي يرفع رأسه فجأة فوق الماء‪ ،‬ويحصل على كمي‪NN‬ة من اله‪NN‬واء‪،‬‬
‫ثم يختفي مرة أخرى‪ .‬كان نويل الوحيد الذي استمع بتركيز إلى القراءة‪ ،‬التي كانت غير مفهومة لألذنين‬
‫غير المدربتين‪ .‬أخبرته بالعديد من األشياء المهمة التي كان علي‪N‬ه معرفته‪N‬ا‪ .‬في النهاي‪N‬ة‪ ،‬نط‪N‬ق كونس‪N‬تان‬
‫بالكلمات "وعليه‪ "،‬وما إلى ذلك‪ ،‬التي تختتم جميع التقارير الرسمية في فرنسا‪.‬‬

‫سلم القلم إلى الكونت‪ ،‬الذي وقع دون تردد‪ .‬ثم التفت النبيل العجوز إلى نويل‪.‬‬
‫"لست بصحة جيدة"‪ ،‬قال‪" ،‬عليكما‪ ،‬يا ابني"‪ ،‬مش‪N‬دًدا على ه‪N‬ذه الكلم‪N‬ة‪" ،‬مس‪N‬اعدتي على الوص‪NN‬ول إلى‬
‫العربة"‪.‬‬

‫تقدم المحامي الشاب بحماس‪ ،‬وس‪NN‬ط أنب‪NN‬اء الف‪NN‬رح على وجه‪NN‬ه‪ ،‬حيث م‪NN‬رر ذراع الك‪NN‬ونت تحت ذراع‪NN‬ه‪.‬‬
‫عندما غادراالثنان‪ ،‬لم يستطع القاضي دابورون مقاوم‪NN‬ة الفض‪NN‬ول‪ .‬س‪NN‬ارع إلى فتح الب‪NN‬اب قليًال‪ ،‬وحاف‪NN‬ظ‬
‫على جسده في الخلفية حتى ال يتم رؤيته‪ ،‬ثم نظر إلى الممر‪.‬‬

‫لم يصل الكونت ونويل إلى النهاية بعد‪ ،‬كانا يتق‪NN‬دمان ببطء‪ ،‬حيث ب‪NN‬دا الك‪NN‬ونت يس‪NN‬ير بثق‪NN‬ل وألم‪ ،‬ونوي‪NN‬ل‬
‫يخطو خطوات قصيرة‪ ،‬يميل قليًال نحو والده‪ ،‬وكانت جميع حركاته تحمل أقصى درجات االهتمام‪ .‬بقي‬
‫القاضي يراقبهم حتى اختفوا من األفق في نهاية الممر‪ ،‬ثم عاد إلى مقعده متنهًدا بعمق‪.‬‬

‫"على األقل"‪ ،‬فكر القاضي‪" ،‬لقد ساعدت في جعل شخص واحد سعيدًا‪ .‬لن تك‪N‬ون اليوم‪N‬ة س‪N‬يئة تمام‪ًN‬ا‪".‬‬
‫لكنه لم يكن لديه ال‪NN‬وقت لالنغم‪NN‬اس في أفك‪NN‬اره‪ ،‬حيث ان‪NN‬دفعت الس‪NN‬اعات بس‪NN‬رعة كب‪NN‬يرة‪ .‬أراد اس‪NN‬تجواب‬
‫ألبرت في أسرع وقت ممكن‪ ،‬وك‪NN‬ان علي‪NN‬ه م‪NN‬ا ي‪NN‬زال اس‪NN‬تقبال ش‪NN‬هادات ع‪NN‬دد من خ‪NN‬دم الك‪NN‬ونت‪ ،‬وتقري‪NN‬ر‬
‫المفتش الذي كلف بالقبض على ألبرت‪.‬‬

‫تم اس‪N‬تدعاء الخ‪N‬دم ال‪N‬ذين ك‪N‬انوا ينتظ‪N‬رون دورهم من‪N‬ذ ف‪N‬ترة طويل‪N‬ة دون ت‪N‬أخير‪ ،‬وتم اس‪N‬تجوابهم بش‪N‬كل‬
‫منفصل‪ .‬لم يكن لديهم الكثير من المعلومات إلعطاءه‪ ،‬ولكن شهادة كل واحدة كانت تعد مثل اتهام جدي‪NN‬د‪.‬‬
‫كان من السهل أن نرى أن الجميع يعتقدون أن سيدهم مذنب‪.‬‬

‫تم تقديم سلوك ألبرت منذ بداية األسبوع المميت‪ ،‬وكلماته األقل أهمية‪ ،‬وح‪NN‬تى حركات‪NN‬ه األق‪NN‬ل براهيني‪NN‬ة‪،‬‬
‫وتم تفسيرها وتفسيرها‪.‬‬

‫الرجل الذي يعيش في وسط ثالثين خادًم ا يشبه الحشرة في صندوق زجاجي تحت عدسة المستش‪NN‬رق‪ .‬ال‬
‫يفوت أي من أفعالهم الحظهم‪ ،‬فقد يكون لديه بالكاد س‪N‬ر خ‪N‬اص ب‪N‬ه‪ ،‬وإذا لم يتمكن‪N‬وا من تخمين م‪N‬ا ه‪N‬و‪،‬‬
‫فعلى األقل يعلمون أن لديه سًر ا‪ .‬من الصباح حتى المساء‪ ،‬هو نقطة المراقبة لثالثين زوًجا من العي‪NN‬ون‪،‬‬
‫مهتمة بدراسة أدق التغييرات في مالمحه‪.‬‬
‫حصل القاضي‪ ،‬بالتالي‪ ،‬على الكثير من تفاصيل السطحية ال‪NN‬تي ال تع‪NN‬ني ش‪NN‬يًئا في البداي‪NN‬ة‪ ،‬ولكن األدنى‬
‫منها قد يصبح‪ ،‬في المحاكمة‪ ،‬سؤال حياة أو موت‪.‬‬

‫من خالل تجميع هذه الشهادات‪ ،‬وتصفية وترتيبها‪ ،‬تمكن السيد دابورون من متابعة سجينه ساعة بساعة‬
‫من صباح األحد‪.‬‬

‫عندما غادر نويل‪ ،‬أمر الفيكونت بإعالم جميع ال‪NN‬زوار بأن‪NN‬ه ذهب إلى الري‪NN‬ف‪ .‬من‪NN‬ذ ذل‪NN‬ك اللحظ‪NN‬ة‪ ،‬ش‪NN‬عر‬
‫الجميع في المنزل أن هناك شيًئا خاطًئا حدث معه‪ ،‬إما أنه كان مزعًجا للغاية أو مريًضا جًدا‪.‬‬

‫لم يغادر غرفته في ذلك اليوم‪ ،‬بل طلب من يتيم الطعام إحضار العشاء له‪ .‬تناول قليًال من الطعام ‪ -‬فق‪NN‬ط‬
‫بعض الحساء وشريحة رقيقة جدًا من سمك السول مع النبي‪NN‬ذ األبيض‪ .‬وه‪NN‬و يتن‪NN‬اول طعام‪NN‬ه‪ ،‬ق‪NN‬ال للس‪NN‬يد‬
‫كونتوا‪ ،‬النادل‪" :‬تذكر الطباخ بإضافة المزيد من التوابل إلى الصلصة في المستقبل"‪ ،‬ثم أضاف بصوت‬
‫منخفض‪" ،‬آه! ألي ه‪NN‬دف؟" في المس‪NN‬اء‪ ،‬أرس‪NN‬ل خدم‪NN‬ه من ك‪NN‬ل الواجب‪NN‬ات‪ ،‬ق‪NN‬ائًال‪" :‬اذهب‪NN‬وا واس‪NN‬تمتعوا‬
‫بأنفسكم‪ ".‬حذرهم صراحة من عدم إزعاجه ما لم يرن الجرس‪.‬‬

‫في اليوم الثاني‪ ،‬لم يستيقظ حتى الظهر‪ ،‬على الرغم من أنه كان يستيقظ باكرًا ع‪NN‬ادًة‪ .‬اش‪NN‬تكى من ص‪NN‬داع‬
‫قوي وشعور بالغثيان‪ .‬تناول كوبًا من الشاي‪ .‬طلب بروهامه‪ ،‬لكنه سرعان ما ألغى األمر‪ .‬س‪NN‬مع ل‪NN‬وبين‪،‬‬
‫خادمه الشخصي‪ ،‬يقول‪" :‬أنا أتردد كثيًر ا"‪ ،‬وبعد لحظات قليلة‪" ،‬يجب علّي أن أتخذ ق‪NN‬راًرا"‪ .‬بع‪NN‬د ذل‪NN‬ك‪،‬‬
‫بدأ الكتابة‪.‬‬

‫ثم أعطى لوبين رسالة ليحملها إلى اآلنسة كلير دارالنج‪ ،‬مع تعليمات بتسليمها إليه‪NN‬ا فق‪NN‬ط أو إلى اآلنس‪NN‬ة‬
‫شميدت‪ ،‬المربية‪ .‬وكانت الرسالة الثانية‪ ،‬التي تحتوي على أوراق نقدي‪NN‬ة بقيم‪NN‬ة ألفي فرن‪NN‬ك‪ ،‬موجه‪NN‬ة إلى‬
‫جوزيف‪ ،‬ليتم إيصالها إلى نادي الفيكونت‪ .‬لم يتذكر جوزيف اسم الشخص الذي ك‪NN‬انت الرس‪NN‬الة موجه‪NN‬ة‬
‫إليه‪ ،‬لكنه لم يكن شخًص ا من النبالء‪ .‬في تلك الليلة‪ ،‬تناول ألبرت قليًال من الحس‪NN‬اء فق‪NN‬ط‪ ،‬وبقي مغلق‪ًN‬ا في‬
‫غرفته‪.‬‬

‫استيقظ باكًر ا في الثالثاء‪ .‬تجول في المنزل وكأن‪NN‬ه في مش‪NN‬كلة كب‪NN‬يرة أو ينتظ‪NN‬ر ش‪NN‬يًئا بف‪NN‬ارغ الص‪NN‬بر ولم‬
‫يصل‪ .‬عندما دخل الحديق‪N‬ة‪ ،‬س‪NN‬أل الح‪NN‬دائقي نص‪NN‬يحته بش‪NN‬أن الحديق‪N‬ة‪ .‬أج‪NN‬اب‪" :‬من األفض‪NN‬ل أن تستش‪NN‬ير‬
‫الكونت عند عودته‪".‬‬

‫لم يفطر في هذا اليوم‪ ،‬تمامًا كما فع‪NN‬ل في الي‪NN‬وم الس‪NN‬ابق‪ .‬ح‪NN‬والي الواح‪NN‬دة ظه‪NN‬رًا‪ ،‬ن‪NN‬زل إلى اإلس‪NN‬طبالت‬
‫وعانق فرسه المفضلة‪ ،‬نورما‪ ،‬بمالمح حزينة‪ .‬وهو يداعب عنقها‪ ،‬قال‪" :‬فقيرة! قديمة هذه الفتاة!"‬

‫وفي الس‪NN‬اعة الثالث‪NN‬ة‪ ،‬وص‪NN‬ل رس‪NN‬ول برس‪NN‬الة‪ .‬اس‪NN‬تلم الفيك‪NN‬ونت الرس‪NN‬الة وفتحه‪NN‬ا على مقرب‪NN‬ة من حديق‪NN‬ة‬
‫الزهور‪ .‬سمع الخدمان بوضوح يقول‪" :‬ال يمكن لها أن تقاوم‪ ".‬ثم عاد إلى الم‪NN‬نزل وأح‪NN‬رق الرس‪NN‬الة في‬
‫البوتقة الكبيرة في القاعة‪.‬‬

‫وفيما كان يجلس لتناول العشاء في السادسة‪ ،‬أصروا صديقاه‪ ،‬السيد دو كورتيف‪NN‬وا والم‪NN‬اركيز دو ش‪NN‬وز‪،‬‬
‫على رؤيته‪ ،‬على الرغم من جميع األوام‪N‬ر‪ .‬لم ي‪N‬رد أن يرفض‪N‬هما‪ .‬ك‪N‬ان ه‪N‬ذان ال‪N‬رجالن يرغب‪N‬ان في أن‬
‫ينضم إليهما في حفلة ممتعة‪ ،‬لكنه رفض‪ ،‬قائًال إن لديه موعًدا هاًم ا جًدا‪.‬‬
‫تناول العشاء بشهية أكثر مما كان عليه في األيام السابقة‪ .‬حتى طلب من النادل زجاجة من ش‪N‬اتو الفيت‪،‬‬
‫كان يشربها بمفرده‪ .‬وأثناء تناول قهوته‪ ،‬تدخن سيجاًر ا في غرفة الطعام‪ ،‬على عكس قواعد المنزل‪ .‬في‬
‫الس‪NN‬ابعة والنص‪NN‬ف‪ ،‬وفًق ا لجوزي‪NN‬ف واث‪NN‬نين من الخ‪NN‬دم‪ ،‬أو في الثامن‪NN‬ة وفًق ا لح‪NN‬ارس البواب‪NN‬ة السويس‪NN‬ري‬
‫ولوبين‪ ،‬خرج الفيكونت سيًر ا على األقدام‪ ،‬وحمل مظلة معه‪ .‬عاد إلى المنزل في الساعة الثانية صباًحا‪،‬‬
‫وأطلق فوًر ا خادمه‪ ،‬الذي انتظر له‪.‬‬
‫عند دخوله إلى غرفة الفيكونت في األربعاء‪ ،‬الحظ الخادم حالة مالبس سيده الرثة‪ .‬كانت مبللة وملطخة‬
‫بالوحل‪ ،‬وكانت البنطلونات ممزقة‪ .‬تجرأ الخادم على إدالء بتعليق حولهما‪ .‬رد ألبرت‪ ،‬بطريقة غاضبة‪،‬‬
‫"ارم األشياء القديمة في الزاوية‪ ،‬جاهزة ليتم تبرع بها"‪.‬‬
‫ظهر بأنه كان أفضل في ذلك اليوم‪ .‬تناول اإلفطار بش‪NN‬هية جي‪NN‬دة‪ ،‬والح‪NN‬ظ الن‪NN‬ادل أن‪NN‬ه ك‪NN‬ان في معنوي‪NN‬ات‬
‫ممتازة‪ .‬قضى بعض الوقت في المكتبة وأحرق كومة من األوراق‪.‬‬
‫في الخميس‪ ،‬بدا مرة أخرى غير صحي‪ .‬لم يكن قادرًا على الذهاب الستقبال الكونت‪ .‬في تلك الليلة‪ ،‬بعد‬
‫لقائه مع والده‪ ،‬ذهب إلى غرفته وبدا مريًض ا للغاية‪ .‬أراد لوبين أن يجري على الطبيب‪ :‬منع‪NN‬ه من ذل‪NN‬ك‪،‬‬
‫أو من ذكر ألي شخص أنه ليس بصحة جيدة‪.‬‬

‫هذا كان مضمون عشرين صفحة كبيرة‪ ،‬التي غطاها الكاتب الطويل بالكتابة‪ ،‬دون أن يلتفت إلى الشهود‬
‫الذين مّر وا به في زيهم الفاخر‪.‬‬

‫تمكن السيد دابورون من الحصول على هذه الشهادات في أقل من ساعتياديتان‪ .‬على الرغم من أنه ك‪NN‬ان‬
‫يدرك أهمية شهاداتهم‪ ،‬إال أن جميع هؤالء الخدم كانوا يتحدثون بكلمات كثيرة‪ .‬كانت المشكلة في إيقافهم‬
‫عندما يبدؤون‪ .‬ومن كل ما قالوه‪ ،‬يبدو أن ألبرت ك‪NN‬ان س‪NN‬يًدا جي‪ًNN‬دا ‪ -‬يخ‪NN‬دم بس‪NN‬هولة ولط‪NN‬ف ومه‪NN‬ذب م‪NN‬ع‬
‫خدمه‪ .‬والمدهش هو أنه لم يتم العث‪N‬ور على س‪N‬وى ثالث‪N‬ة من بينهم لم يب‪N‬دون س‪N‬عادتهم المطلق‪N‬ة بالح‪N‬ادث‬
‫الذي ألم بالعائلة‪ .‬كان اثنان محزونان بشدة‪ .‬ولوبين‪ ،‬على الرغم من أنه كان موضًعا للطيبة الخاصة‪ ،‬لم‬
‫يكن واحًدا منهم‪.‬‬

‫وجاء دور المحقق اآلن‪ .‬بكلمات قليلة‪ ،‬أعطى تقريًر ا عن االعتقال‪ ،‬كما وصفه تاباري‪NN‬ه الق‪NN‬ديم‪ .‬ولم ينَس‬
‫كلمة "ضائع" التي انطلقت من ألبرت‪ ،‬حيث يعتبرها اعتراًفا‪ .‬ثم قدم جميع األش‪N‬ياء ال‪N‬تي تم حجزه‪N‬ا في‬
‫شقة الفيكونت دي كومارين‪.‬‬

‫فحص القاضي األدلة المادية هذه بعناية‪ ،‬وقارنها عن كثب مع تلك المجموعة من األدلة ال‪NN‬تي تم جمعه‪NN‬ا‬
‫في ال جونشير‪ .‬بدا القاضي راضًيا أكثر من أي وقت مضى عن الخطوة التي اتخذها‪.‬‬

‫ثم وضع جميع هذه األدلة المادية على طاولته‪ ،‬وغطاها بثالثة أو أربعة ورقات كبيرة‪.‬‬

‫كان اليوم قد تقدم بعيًدا‪ ،‬ولم يكن لدى السيد دابورون الكثير من ال‪NN‬وقت لفحص المتهم قب‪NN‬ل اللي‪NN‬ل‪ .‬أت‪NN‬ذكر‬
‫اآلن أنه لم يتذوق شيًئا منذ الصباح‪ ،‬وأرسل بسرعة للحصول على زجاجة من النبيذ وبعض البسكويت‪.‬‬

‫لم يكن القاضي بحاجة إلى القوة‪ ،‬ولكن كان بحاجة إلى الشجاعة‪ .‬طوال الوقت الذي كان يأكل ويش‪NN‬رب‪،‬‬
‫كانت أفكاره تتكرر هذه العبارة الغريبة‪" :‬أنا على وشك الظهور أم‪NN‬ام الفيك‪NN‬ونت دي كوم‪NN‬ارين"‪ .‬في أي‬
‫وقت آخر‪ ،‬كان سيضحك على سخافة الفكرة‪ ،‬لكن في هذه اللحظة‪ ،‬بدا لها كإرادة القدر‪.‬‬
‫"ليكن كذلك"‪ ،‬ق‪NN‬ال لنفس‪NN‬ه‪" ،‬ه‪NN‬ذا ه‪NN‬و عق‪NN‬ابي"‪ .‬وعلى الف‪NN‬ور‪ ،‬أعطى األوام‪NN‬ر الالزم‪NN‬ة لجلب الفيك‪NN‬ونت‬
‫ألبرت أمام‪.‬‬
‫الفصل ‪12‬‬

‫لم يكن ألبرت يالحظ بشكل كبير إخراجه من المنزل إلى عزل‪NN‬ة الس‪NN‬جن‪ .‬فج‪NN‬أة تمت االس‪NN‬تيالء علي‪NN‬ه من‬
‫أفكاره المؤلمة بصوت المفوض القاسي القائل‪" :‬باسم القانون‪ ،‬أعتقل‪NN‬ك"‪ ،‬وك‪NN‬انت عقل‪NN‬ه مض‪NN‬طرًبا تماًم ا‬
‫واستغرق وقًتا طويًال الستعادة التوازن‪ .‬كل ما يليه بدا له يطفو بش‪NN‬كل غ‪NN‬ير واض‪NN‬ح في ض‪NN‬باب ك‪NN‬ثيف‪،‬‬
‫مثل تلك المشاهد الحلمية الممثلة على المسرح خلف ستارة مضاعفة مكونة من الشاش‪.‬‬

‫فيما يتعلق باألسئلة التي وجهت له‪ ،‬فقد أج‪NN‬اب دون معرف‪NN‬ة م‪NN‬ا يقول‪NN‬ه‪ .‬اث‪NN‬نين من عمالء الش‪NN‬رطة أمس‪NN‬كا‬
‫بذراعيه وساعداه على النزول ال‪NN‬درج‪ .‬لم يكن بمق‪NN‬دوره ال‪NN‬نزول بمف‪NN‬رده‪ ،‬فأطراف‪NN‬ه ال‪NN‬تي انحنت تحت‪NN‬ه لم‬
‫تستطع دعمه‪ .‬الشيء الوحيد الذي فهمه من كل ما قيل حوله هو أن الكونت قد تعرض للسكتة الدماغي‪NN‬ة؛‬
‫ولكنه حتى نسي ذلك قريًبا‪.‬‬

‫رفعوه إلى العربة التي كانت تنتظر في الفناء عند سفح الدرج‪ ،‬مشتتين بعض الشيء لوجودهم في مكان‬
‫كهذا‪ ،‬ووضعوه على المقعد الخلفي‪ .‬أما عمالء الشرطة‪ ،‬فاحتلوا المقعد األم‪N‬امي‪ ،‬في حين تس‪N‬لق الث‪N‬الث‬
‫الصندوق بجانب السائق‪ .‬خالل القيادة‪ ،‬لم يدرك تماًم ا موقفه‪ .‬ك‪NN‬ان يرق‪NN‬د بال ح‪NN‬راك في المركب‪NN‬ة الق‪NN‬ذرة‬
‫والدهنية‪ .‬جسده‪ ،‬الذي كان يتأثر بكل اهتزاز‪ ،‬بالكاد يتم تخفيفه بواسطة الينابيع المتهالك‪NN‬ة‪ ،‬وك‪NN‬ان رأس‪NN‬ه‬
‫يتذبذب على كتفيه‪ ،‬كما لو كانت عضالت عنق‪NN‬ه مكس‪NN‬ورة‪ .‬فك‪NN‬ر في األرمل‪NN‬ة ل‪NN‬وروج‪ .‬استحض‪NN‬رها كم‪NN‬ا‬
‫كانت عندما ذهب مع والده إلى ال جونشير‪ .‬كان ذلك في الربيع‪ ،‬وكانت أزهار الهوثورن تعطر اله‪NN‬واء‪.‬‬
‫وقفت العج‪N‬وز بقبع‪N‬ة بيض‪NN‬اء عن‪N‬د بواب‪N‬ة ح‪N‬ديقتها‪ :‬تح‪N‬دثت بطلب‪ .‬نظ‪N‬ر الك‪N‬ونت بعين ح‪N‬ادة إليه‪N‬ا أثن‪N‬اء‬
‫االستماع‪ ،‬ثم‪ ،‬وبعد أخذ بعض الذهب من محفظته‪ ،‬أعطاها لها‪.‬‬

‫عند وصولهم إلى وجهتهم‪ ،‬رفعوه من العربة بنفس الطريقة التي رفعوه بها عند االنطالق‪.‬‬

‫أثناء اإلجراءات الرسمية لتسجيل اسمه في سجل السجن في مكتب الس‪N‬جالت الق‪N‬ذر والكري‪N‬ه‪ ،‬وفي حين‬
‫كان يردد كل شيء بشكل ميكانيكي‪ ،‬ترك نفسه مسرًح ا لذكريات كلير بسعادة‪ .‬عاد إلى أيام بداية حبهما‪،‬‬
‫عندما كان يشك في أنه سيحظى أبًدا بسعادة أن تحبه هي بالمثل‪ ،‬وعندما كانوا يلتقون في م‪NN‬نزل اآلنس‪NN‬ة‬
‫جويلو‪.‬‬

‫كانت هذه العذراء تملك منزًال على الضفة اليسرى لنهر السين وكان مفروًش ا بأغراض غريبة األطوار‪.‬‬
‫وكانت توضع على ك‪NN‬ل أث‪NN‬اث غرف‪NN‬ة الطع‪NN‬ام وعلى الموق‪NN‬د عش‪NN‬رين كلًب ا محنًط ا من س‪NN‬الالت مختلف‪NN‬ة‪،‬‬
‫ساعدوا جميًعا أو تبادلًيا في تشجيع العذراء خالل ساعاتها الوحي‪NN‬دة‪ .‬ك‪NN‬انت تحب أن ت‪NN‬روي قصًص ا عن‬
‫هذه الحيوانات األليفة الذين لم يفشل موّد تها معهم‪.‬‬

‫بعضهم كان غريًبا‪ ،‬والبعض اآلخر فظيًعا‪ .‬وكان أحدهم‪ ،‬المحنط بش‪N‬كل فظي‪N‬ع‪ ،‬يب‪N‬دو وكأن‪N‬ه على وش‪N‬ك‬
‫االنفجار‪ .‬كم من مرة ضحك هو وكلير عليه حتى اندمجت دموعهما سوية!‬

‫ثم بدأ المسؤولون في تفتيشه‪ .‬هذا اإلذالل األكبر‪ ،‬وهذه األيدي الخشنة التي تمر على جسده‪ ،‬وضعته في‬
‫حالة من االنزعاج‪ ،‬وأثارت غضبه‪ .‬لكنها انتهت بالفع‪NN‬ل‪ ،‬وج‪ّNN‬روه على األرض‪NN‬يات المظلم‪NN‬ة والمتس‪NN‬خة‬
‫والزلقة‪ .‬ثم فتحوا باًبا ودفعوه إلى زنزانة صغيرة‪ .‬سمع بعد ذلك صوت قفل الباب وإغالقه‪.‬‬
‫كان سجيًنا‪ ،‬ووفًقا ألوامر خاصة‪ ،‬كان في حبس انف‪N‬رادي‪ .‬ش‪NN‬عر ف‪NN‬وًرا بإحس‪NN‬اس واض‪NN‬ح بالراح‪NN‬ة‪ .‬ك‪NN‬ان‬
‫وحيًدا‪.‬‬

‫لم يعد هناك أي همسات خافتة أو أصوات خشنة أو أسئلة ال هوادة فيه‪NN‬ا تط‪NN‬رح في أذني‪NN‬ه‪ .‬س‪NN‬ادت حول‪NN‬ه‬
‫صمت عميق‪ .‬بدا له أنه فر من المجتمع إلى األبد‪ ،‬وفرح بهذا األم‪NN‬ر‪ .‬لق‪NN‬د ش‪NN‬عر باالرتي‪NN‬اح ل‪NN‬و ك‪NN‬ان ه‪NN‬ذا‬
‫الصمت حتى صمت القبر‪ .‬كان جسده‪ ،‬باإلضافة إلى عقله‪ ،‬مرهًقا للغاي‪NN‬ة‪ .‬أراد الجل‪NN‬وس‪ ،‬ف‪NN‬رأى س‪NN‬ريًرا‬
‫صغيًر ا على يمينه‪،‬أمام النافذة المسَّجدة التي ك‪NN‬انت ت‪NN‬دخل القلي‪NN‬ل من الض‪NN‬وء المت‪NN‬اح‪ .‬ك‪NN‬ان ه‪NN‬ذا الس‪NN‬رير‬
‫مرحًبا به بقدر ما يكون اللوح خالًص ا لرجل يغرق‪ .‬فَّرش نفسه علي‪NN‬ه ببهج‪NN‬ة‪ ،‬ولكن‪NN‬ه ش‪NN‬عر ب‪NN‬البرد‪ ،‬فف‪َّN‬ك‬
‫غطاء الصوف الخشن ولَّف نفسه به‪ ،‬وسرعان ما نام عميق النوم‪.‬‬

‫في الممر‪ ،‬كان اثن‪NN‬ان من المحققين‪ ،‬األول ش‪NN‬اب ال ي‪NN‬زال‪ ،‬والث‪NN‬اني متق‪NN‬دم في الس‪NN‬ن‪ ،‬يض‪NN‬عان بص‪NN‬رهما‬
‫وأذنيهما بالتناوب عند فتحة الباب‪ ،‬مراقبين كل حركة للمسجون‪" .‬يا للرجل ال‪NN‬ذي ه‪NN‬و!" همس الض‪NN‬ابط‬
‫األصغر‪" .‬إذا لم يكن لدى الرجل أكثر من هذه الشجاعة‪ ،‬فعليه أن يظ‪NN‬ل ش‪NN‬ريًفا‪ .‬لن يهتم كث‪NN‬يًرا بمظه‪NN‬ره‬
‫في صباح إعدامه‪ ،‬أليس كذلك‪ ،‬سيد باالن؟"‬

‫"ذلك يتوقف على ذلك"‪ ،‬أجاب اآلخر‪" .‬يجب أن ننتظر ونرى‪ .‬قال لي لكوك إنه كان شريًر ا فظيًعا‪".‬‬
‫"أه! انظر‪ ،‬يرتب سريره ويستلقي‪ .‬هل ينوي الن‪N‬وم؟ ه‪N‬ذا جي‪N‬د! إنه‪N‬ا الم‪N‬رة األولى ال‪N‬تي أرى فيه‪N‬ا ش‪N‬يًئا‬
‫كهذا‪".‬‬
‫"هذا ألنه‪ ،‬يا رفيقي‪ ،‬لم تتعامل إال مع السارقين الصغار‪ .‬جميع المجرمين ذوي الوضع والموق‪NN‬ع الع‪NN‬الي‬
‫‪ -‬ولقد كان علي العمل مع أكثر من واحد ‪ -‬هم من هذا النوع‪ .‬في لحظة االعتقال‪ ،‬ال يستطيعون فعل أي‬
‫شيء‪ ،‬يفشل قلبهم‪ ،‬لكنهم يتعافون في اليوم التالي‪".‬‬
‫"حًقا‪ ،‬يبدو أنه ذاهب للنوم! ما هذا النكتة!"‬

‫"أقول لك يا صديقي"‪ ،‬أضاف الرجل العجوز‪ ،‬بتأكيد‪" ،‬أن‪NN‬ه ال يوج‪NN‬د ش‪NN‬يء أك‪NN‬ثر ط‪NN‬بيعي من ذل‪NN‬ك‪ .‬أن‪NN‬ا‬
‫متأكد من أن هذا الشاب لم يعش بفعالية منذ وقت الضربة‪ .‬جسده كان يشتعل بالكامل‪ .‬اآلن يعلم أن س‪NN‬ره‬
‫قد تم الكشف عنه‪ ،‬وهذا يهدئه‪".‬‬

‫"ها‪ ،‬ها! يا سيد باالن‪ ،‬أنت تمزح‪ :‬أنت تقول أن ذلك يهدئه؟"‬

‫"بالتأكيد‪ .‬ال يوجد عقاب أكثر من القلق‪ .‬كل شيء هو أفضل‪ .‬إذا كان لديك فقط دخل بقيم‪NN‬ة عش‪NN‬رة آالف‬
‫فرنك‪ ،‬فسأريك طريقة إلثبات ذلك‪ .‬سأقول لك أن ت‪NN‬ذهب إلى ه‪NN‬امبورغ وتخ‪NN‬اطر بثروت‪NN‬ك بالكام‪NN‬ل على‬
‫فرصة واحدة في لعبة الروليت‪ .‬يمكنك أن تروي لي بعد ذلك ما كانت مشاعرك أثناء دوران الكرة‪ .‬إنه‪،‬‬
‫يا صديقي‪ ،‬كما لو كان دماغك يتمزق بالمالقط‪ ،‬كما لو كان الرصاص السائل ُيصب في عظام‪NN‬ك‪ ،‬ب‪NN‬دًال‬
‫من النخاع‪ .‬هذا القلق قوي جًدا‪ ،‬حتى يشعر المرء باالرتياح‪ ،‬ويتنفس من جديد‪ ،‬حتى عندما يخس‪NN‬ر‪ .‬إن‪NN‬ه‬
‫الخراب‪ ،‬ولكن القلق ينتهي‪".‬‬

‫"حًقا‪ ،‬يا سيد باالن‪ ،‬يمكن القول إنه لو كان لديك تجربة من هذا النوع‪".‬‬

‫"أسًفا!" تنهد الكشفي العجوز‪" ،‬أنه بفضل حبي لملكة البستوني‪ ،‬حبي األليم‪ ،‬الذي تقفون معي أم‪NN‬ام ه‪NN‬ذه‬
‫الفتحة‪ .‬ولكن هذا الرجل سينام لبضع ساعات‪ ،‬ال تفقده من النظر‪ .‬سأذهب ألدخن سيجارة في الفناء‪".‬‬
‫نام ألبرت لمدة أربع ساعات‪ ،‬وعند استيقاظه‪ ،‬كانت رأسه أوضح مما ك‪N‬انت علي‪N‬ه من‪N‬ذ لقائ‪N‬ه م‪N‬ع نوي‪N‬ل‪.‬‬
‫كانت لحظة فظيعة بالنسبة له عندما أدرك وضعه بالكامل ألول مرة‪.‬‬
‫"اآلن‪ ،‬في الواقع"‪ ،‬قال لنفسه‪" ،‬أحتاج كل شجاعتي‪".‬‬
‫كان يتوق لرؤية شخص ما‪ ،‬للتحدث وليتم استجوابه وشرح وضعه‪ .‬شعر برغبة في الصراخ‪.‬‬
‫"ولكن ما فائدة ذلك؟" سأل نفسه‪" .‬شخص ما سيأتي قريًبا‪ ".‬بحث عن ساعته ليرى ال‪NN‬وقت‪ ،‬ووج‪NN‬د أنهم‬
‫سرقوها‪ .‬شعر بالحزن لذلك؛ فقد كانوا يعاملونه كأكثر األشرار الهائمين‪ .‬فحص جيبيه‪ :‬لق‪NN‬د تم تفريغهم‪NN‬ا‬
‫بعناية‪ .‬ثم فكر في مظهره الشخصي‪ ،‬وبعد االستيقاظ‪ ،‬قام بإصالح مظهره قدر اإلمك‪NN‬ان‪ .‬ض‪NN‬بط مالبس‪NN‬ه‬
‫ونظفها‪ ،‬ورتب طية قميص‪NN‬ه ورب‪NN‬ط ربطت‪NN‬ه‪ .‬ثم ص‪NN‬ب قليًال من الم‪NN‬اء على منديل‪NN‬ه وم‪NN‬رره على وجه‪NN‬ه‪،‬‬
‫مغمضًا عيني‪NN‬ه الملتهب‪NN‬تين‪ .‬ثم ح‪NN‬اول تص‪NN‬فيف لحيت‪NN‬ه وش‪NN‬عره‪ .‬لم يكن لدي‪NN‬ه أدنى فك‪NN‬رة ب‪NN‬أن أربع‪NN‬ة أعين‬
‫متطفلة تراقبه طوال الوقت‪.‬‬

‫"جيد!" همس الكشفي الشاب‪" :‬انظر كيف يرفع دجاجنا ريشه وينعم بريشه!‬
‫"قلت لك"‪ ،‬أضاف باالن‪" ،‬أنه لم ُيفاجأ‪ .‬هدوء! أعتقد أنه يتحدث‪".‬‬
‫ولكنهما لم يفاجئا بأي حركة غير متناسقة أو كلمة غير منطقية‪ ،‬والتي تنطلق ع‪NN‬ادة من الض‪NN‬عفاء عن‪NN‬دما‬
‫ينجذبون بالخوف‪ ،‬أو من األشخاص الذين يؤمنون بخصوص‪NN‬ية زن‪NN‬ازينهم‪ .‬وص‪NN‬لت إلى أذني المراق‪NN‬بين‬
‫كلمة واحدة فقط‪" :‬شرف"‪.‬‬

‫"هؤالء المتمردين من الطبقة العليا"‪ ،‬تذمر باالن "دائمًا هذه الكلمة في أفواههم‪ .‬إنما ما يخش‪NN‬ونه األك‪NN‬ثر‬
‫هو رأي عدد قليل من األصدقاء واآلالف من الغرب‪NN‬اء ال‪NN‬ذين يق‪NN‬رؤون ' ‪.'Gazette des Tribunaux‬‬
‫إنهم يفكرون فقط في رؤوسهم فيما بعد‪".‬‬

‫عندما جاءت قوات األمن الستجواب ألبرت أمام القاضي ال‪NN‬ذي يحق‪NN‬ق في القض‪NN‬ية‪ ،‬وج‪NN‬دوه جالًس ا على‬
‫جانب سريره‪ ،‬وقد وضع قدميه على السكة الحديدية‪ ،‬وكان يضع كوعيه على ركبتيه‪ ،‬ويخفي رأس‪NN‬ه في‬
‫يديه‪ .‬وقام بالنهوض عند دخولهم‪ ،‬وخطى بضع خطوات نحوهم‪ ،‬لكن حلقه الجاف ج‪ًNN‬دا ح‪NN‬تى لم يس‪NN‬تطع‬
‫الكالم بسهولة‪ .‬طلب لحظة‪ ،‬ومال نحو الطاولة الصغيرة‪ ،‬وامتأل كأسان كبيرت‪NN‬ان بالم‪NN‬اء وش‪NN‬ربهما على‬
‫التوالي‪.‬‬

‫ثم قال‪" :‬أنا جاهز!" وبخطوة ثابتة‪ ،‬تابع القوات إلى الممر الذي يؤدي إلى باليه دو جوستيس‪.‬‬
‫كان السيد دابورون حينئٍذ في حالة قلق شديد‪ .‬كان يمشي بشكل عنيف في مكتب‪NN‬ه‪ ،‬ينتظ‪NN‬ر الس‪NN‬جين‪ .‬م‪NN‬رة‬
‫أخرى‪ ،‬وللمرة العشرين منذ الصباح‪ ،‬ندم على أنه شارك في العملية‪.‬‬

‫"لعنة هذه النقط‪N‬ة العبثي‪N‬ة من الش‪N‬رف ال‪N‬تي أطاعه‪N‬ا"‪ ،‬ص‪N‬رخ في نفس‪N‬ه‪" .‬ح‪N‬اولت عدي‪ًN‬دا تطمئن نفس‪N‬ي‬
‫بمساعدة تزوير‪ .‬كنت مخطًئا في عدم االنسحاب‪ .‬ال شيء في العالم يمكن أن يغ‪NN‬ير مش‪NN‬اعري تج‪NN‬اه ه‪NN‬ذا‬
‫الشاب‪ .‬أكرهه‪ .‬أنا القاضي والحقيقة أنني في وقت ما شعرت بالرغبة في قتل‪NN‬ه‪ .‬واجهت‪NN‬ه م‪NN‬ع مس‪NN‬دس في‬
‫يدي‪ :‬لماذا لم أقدم عليه وأطلق النار؟ هل أع‪NN‬رف لم‪NN‬اذا؟ م‪NN‬ا هي الق‪NN‬وة ال‪NN‬تي أبقت إص‪NN‬بعي‪ ،‬عن‪NN‬دما ك‪NN‬ان‬
‫الضغط القليل يكفي لقتله؟ ال أستطيع القول‪ .‬لماذا ليس هو القاضي‪ ،‬وأن‪NN‬ا القات‪NN‬ل؟ إذا ك‪NN‬ان الني‪NN‬ة مجرم‪NN‬ة‬
‫مثل الفعل‪ ،‬يجب أن أعدم‪ .‬وتحت هذه الظروف‪ ،‬أجرؤ على استجوابه!"‬
‫عندما سمع صوت خطوات القوات الخاصة بالسجين في الممر‪ ،‬قال بصوت ع‪NN‬اٍل ‪" :‬إن‪NN‬ه ه‪NN‬و"‪ ،‬ثم جلس‬
‫بسرعة على مكتبه‪ ،‬يحاول إخفاء نفسه باالنحناء على ملفاته‪ ،‬كما لو أنه يحاول إخفاء نفسه‪ .‬ل‪NN‬و اس‪NN‬تخدم‬
‫الكاتب الطويل عينيه‪ ،‬الحظ المشهد الغريب لقاضي التحقيق الذي كان أكثر اضطراًبا من السجين ال‪NN‬ذي‬
‫كان على وشك استجوابه‪ .‬لكنه كان أعمى لكل ما حوله‪ ،‬وفي هذه اللحظة‪ ،‬ك‪NN‬ان ي‪NN‬درك فق‪NN‬ط خط‪NN‬أ ق‪NN‬دره‬
‫خمسة عشر سنتيمتًر ا‪ ،‬انزلق إلى حساباته‪ ،‬ولم يكن قادًر ا على تصحيحه‪.‬‬

‫دخل ألبرت مكتب القاضي برأس مرفوع‪ .‬كانت مالمحه تحم‪NN‬ل آث‪NN‬ار اإلره‪NN‬اق الش‪NN‬ديد واللي‪NN‬الي الس‪NN‬هر‪.‬‬
‫كان شاحًبا جًدا ‪ ،‬لكن عينيه كانت واضحة ومتأللئة‪.‬‬

‫أعطت األسئلة المعتادة التي تفتح مثل هذه االستجوابات فرصة للسيد دابورون الستعادة توازن‪NN‬ه‪ .‬لحس‪NN‬ن‬
‫الحظ ‪ ،‬كان قد وجد الوقت في الصباح إلعداد خطة ‪ ،‬والتي كان عليه اآلن مجرد اتباعها‪.‬‬

‫"أنت على علم ‪ ،‬يا سيدي" ‪ ،‬بدأ بلباقة تامة ‪" ،‬أن ليس لديك الحق في االسم الذي تحمله؟"‬

‫"أعلم ذلك ‪ ،‬سيدي" ‪ ،‬أجاب ألبرت ‪" ،‬أعلم كذلك أنني ابن طبيعي للسيد دي كوم‪NN‬ارين‪ .‬وأن‪NN‬ا أعلم ك‪NN‬ذلك‬
‫أن والدي لن يكون قادرًا على التعرف علّي ‪ ،‬حتى لو أراد ذلك ‪ ،‬حيث ولدت خالل حياته المتزوجة‪".‬‬

‫"ما هي مشاعرك عندما علمت بهذا؟"‬

‫"سأكذب لو قلت ‪ ،‬سيدي ‪ ،‬إذا قلت إنني لم أشعر بالحرقة‪ .‬عندما يكون الم‪N‬رء في الموق‪NN‬ف الع‪N‬الي ال‪N‬ذي‬
‫كنت فيه ‪ ،‬فإن السقوط يكون مرّو ًعا‪ .‬ومع ذلك ‪ ،‬لم أفكر لحظة واحدة في االعتراض على حقوق الس‪NN‬يد‬
‫نويل جيردي‪ .‬كنت دائًم ا أنوي ‪ ،‬وما زلت ‪ ،‬االنحياز‪ .‬وقد أبلغت السيد دي كومارين بذلك‪".‬‬

‫توقع السيد دابورون إجابة مشابهة لهذه اإلجابة ‪ ،‬تماًم ا كما تع‪NN‬ززت ش‪NN‬كوكه‪ .‬ألم ت‪NN‬دخل في خ‪NN‬ط ال‪NN‬دفاع‬
‫الذي كان يتوقعه؟ وك‪NN‬ان واجب‪NN‬ه اآلن البحث عن طريق‪NN‬ة لت‪NN‬دمير ه‪NN‬ذا ال‪NN‬دفاع ال‪NN‬ذي ك‪NN‬ان الس‪NN‬جين يع‪NN‬تزم‬
‫اإلغالق فيه مثل السلحفاة في قوقعتها‪.‬‬

‫"لم تتمكن من المعارضة للسيد جيردي" ‪ ،‬استمر القاضي ‪" ،‬بأي فرصة للنجاح‪ .‬ك‪NN‬ان ل‪NN‬ديك ‪ ،‬بالفع‪NN‬ل ‪،‬‬
‫من جانبك الكونت وأمك ؛ ولكن السيد جيردي كان في حوزته دلي‪NN‬ل مؤك‪NN‬د للف‪NN‬وز بقض‪NN‬يته ‪ ،‬وه‪NN‬و دلي‪NN‬ل‬
‫األرملة لوروج‪".‬‬

‫"لم أشك في ذلك أبًدا ‪ ،‬سيدي‪".‬‬

‫"اآلن"‪ ،‬استمر القاضي‪ ،‬وهو يح‪N‬اول إخف‪N‬اء النظ‪N‬رة ال‪N‬تي ركزه‪N‬ا على أل‪N‬برت‪" ،‬يف‪N‬ترض الع‪N‬دل أن‪N‬ك‪،‬‬
‫للتخلص من الدليل الوحيد الموجود‪ ،‬قمت بقتل األرملة لوروج"‪.‬‬

‫لم تؤثر هذه االتهامات الرهيبة المؤكدة بشدة على مالمح ألبرت‪ .‬حافظ على الس‪NN‬لوك الث‪NN‬ابت نفس‪NN‬ه‪ ،‬دون‬
‫تباهي‪.‬‬
‫"أقسم لك‪ ،‬يا س‪N‬يدي‪ ،‬باهلل وبك‪N‬ل م‪N‬ا ه‪N‬و أق‪N‬دس على األرض‪ ،‬ب‪N‬أني ب‪N‬ريء!"‪ ،‬أج‪N‬اب‪" .‬أن‪N‬ا اآلن س‪N‬جين‬
‫محاصر‪ ،‬بدون أي اتصاالت مع العالم الخارجي‪ ،‬وبالتالي ُم قي‪ٌN‬د ب‪NN‬العجز الت‪NN‬ام‪ .‬ومن خالل ش‪NN‬رفك ال‪NN‬ذي‬
‫أتمنى أن يثبت براءتي"‪.‬‬

‫"ما هذا الممثل!"‪ ،‬فكر القاضي‪" .‬هل يمكن أن يكون الجرم بهذه القوة؟"‪.‬‬

‫ألقى نظرة على أوراقه‪ ،‬وقرأ بعض المقاطع من الش‪NN‬هادات الس‪NN‬ابقة‪ ،‬وأش‪NN‬ار إلى بعض الص‪NN‬فحات ال‪NN‬تي‬
‫تحتوي على معلومات مهمة‪ .‬ثم‪ ،‬فجأة‪ ،‬استأنف القاضي‪" :‬عندما اعُتقلت‪ ،‬صرخت قائًال 'أنا مفلس'‪ .‬ماذا‬
‫تقصد بذلك؟"‪.‬‬

‫"يا سيدي‪ ،‬أتذكر أنني قلت تلك الكلمات‪ .‬عندما ع‪NN‬رفت بالجريم‪NN‬ة ال‪NN‬تي اتهمت به‪NN‬ا‪ُ ،‬ص دمت بالص‪NN‬دمة‪.‬‬
‫كان عقلي‪ ،‬لو كان يمكن‪ ،‬مض‪NN‬يًئا بلمح‪NN‬ة من المس‪NN‬تقبل‪ .‬في لحظ‪NN‬ة‪ ،‬رأيت رعب وض‪NN‬عيتي‪ .‬فهمت وزن‬
‫االتهام‪ ،‬واحتمالية حدوثه‪ ،‬وصعوبات الدفاع عن نفسي‪ .‬وصوت يصرخ في داخلي‪' :‬من األكثر اس‪NN‬تفادًة‬
‫من وفاة كلودين؟'‪ .‬وكانت المخاطرة الوشيكة أجبرتني على الصراخ بالعبارة التي تحدثت عنها"‪.‬‬

‫كانت تفسيره أكثر من معقول‪ ،‬ومن الممكن أن يكون صحيًحا‪ ،‬وحتى مرجًحا‪ .‬ك‪NN‬ان له‪NN‬ذا التفس‪NN‬ير م‪NN‬يزة‬
‫مسبقة‪ ،‬وهي "البحث عن الذين سيس‪N‬تفيدون من الجريم‪N‬ة!"‪ .‬وك‪N‬ان الس‪N‬يد داب‪N‬ورون يعجب من حض‪NN‬ور‬
‫ألبرت وموارده الخالقة‪.‬‬

‫"يبدو بالفعل"‪ ،‬اس‪NN‬تمر القاض‪NN‬ي‪" ،‬أن ل‪NN‬ديك أك‪NN‬بر اهتم‪NN‬ام به‪NN‬ذه الوف‪NN‬اة‪ .‬عالوة على ذل‪NN‬ك‪ ،‬س‪NN‬أخبرك ب‪NN‬أن‬
‫السرقة لم تكن هدف الجريمة‪ .‬تم استعادة األش‪NN‬ياء ال‪NN‬تي رميت في الس‪NN‬ين‪ ،‬ونعلم أيًض ا أن جمي‪NN‬ع وث‪NN‬ائق‬
‫األرملة تم حرقها‪ .‬هل يمكن أن تضر بأي شخص آخر غيرك؟ إذا كنت تعرف أي شخص‪ ،‬فتحدث"‪.‬‬

‫"ماذا يمكنني أن أجيب‪ ،‬يا سيدي؟ ال شيء"‪.‬‬

‫"هل كنت تزور هذه المرأة كثيًر ا؟"‪ ،‬سأل القاضي‪.‬‬

‫"ثالث أو أربع مرات مع والدي"‪.‬‬

‫"أحد سائقي الشركة يدعي أنه قادك هناك على األقل عشر مرات"‪.‬‬

‫"الرجل مخطئ‪ .‬ولكن ما الذي يهم عدد الزيارات؟"‪.‬‬

‫"هل تتذكر ترتيب الغرف؟ هل يمكنك وصفها؟"‪.‬‬

‫"بكل تأكيد‪ ،‬يا سيدي‪ .‬كانت هناك غرفتان‪ .‬كلودين كانت تنام في الغرفة الخلفية"‪.‬‬
‫"لم تكن بأي حال من األحوال غريًبا عن األرملة لوروج‪ .‬إذا كنت ق‪NN‬د ط‪NN‬رقت على ناف‪NN‬ذتها مس‪NN‬اًء ‪ ،‬ه‪NN‬ل‬
‫تعتقد أنها ستدعوك داخل؟"‬
‫"بالتأكيد‪ ،‬يا سيدي‪ ،‬وبحماسة‪".‬‬
‫"كنت مريًض ا في األيام األخيرة؟"‬
‫"كنت مريًضا جًدا‪ ،‬على األقل‪ ،‬يا سيدي‪ .‬كان جسدي ينحني تحت وطأة عبئ كبير ج‪ًNN‬دا بالنس‪NN‬بة لق‪NN‬وتي‪.‬‬
‫لم أكن‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬أفتقد الشجاعة‪".‬‬
‫"لماذا منعت خادمك‪ ،‬لوبين‪ ،‬من استدعاء الطبيب؟"‬
‫"أه‪ ،‬يا سيدي‪ ،‬كيف يمكن للطبيب أن يعالج مرضي؟ كل علمه ال يمكن أن يجعل‪N‬ني ابن ش‪N‬رعي للك‪N‬ونت‬
‫دي كومارين‪".‬‬

‫"سمع بعض التصريحات الغريبة التي قمت بها‪ .‬بدا أنه لم يعد ل‪NN‬ديك اهتم‪NN‬ام ب‪NN‬أي ش‪NN‬يء يتعل‪NN‬ق بمنزل‪NN‬ك‪.‬‬
‫قمت بتدمير عدد كبير من األوراق والرسائل‪".‬‬

‫"قررت مغادرة الكونت‪ ،‬يا سيدي‪ .‬قراري يفسر سلوكي‪".‬‬

‫أجاب ألبرت بسرعة على أسئلة القاضي‪ ،‬دون أي حرج‪ ،‬وبصوت واثق‪ .‬لم يرتعش ص‪NN‬وته‪ ،‬ال‪NN‬ذي ك‪NN‬ان‬
‫لطيًفا للغاية لألذن‪ .‬لم يخفي أي شعور‪ ،‬واحتفظ بصوته النقي والمهتز‪.‬‬

‫اعتبر السيد دابورون من الحكمة تعليق االستجواب لفترة قصيرة‪ .‬مع خصم ذكي مث‪NN‬ل ه‪NN‬ذا‪ ،‬ك‪NN‬ان يس‪NN‬ير‬
‫بطريق خاطئ بالتأكيد‪ .‬كان من الحماقة المضي قدمًا بالتفاصيل‪ ،‬ألنه لم يرهب المتهم‪ ،‬ولم يجعله ينفتح‪.‬‬
‫كان من الضروري أن يأخذه بالمفاجأة‪.‬‬

‫"قل لي بالضبط كيف قضيت وقتك مساء الثالثاء الماضي‪ ،‬من الساعة السادسة حتى منتص‪NN‬ف اللي‪NN‬ل؟"‪،‬‬
‫استأنف القاضي بشكل مفاجئ‪.‬‬

‫للمرة األولى‪ ،‬بدا ألبرت مرتبًك ا‪ .‬تحرك نظره‪ ،‬الذي كان يتمركز على القاضي حتى ذلك الحين‪.‬‬
‫"خالل مساء الثالثاء"‪ ،‬تكرر ألبرت العبارة بتردد لكسب الوقت‪.‬‬

‫"لقد حصلت عليه‪ "،‬فكر القاضي‪ ،‬متحمًسا‪ ،‬ثم أضاف بص‪NN‬وت ع‪NN‬اٍل ‪" :‬نعم‪ ،‬من الس‪NN‬اعة السادس‪NN‬ة ح‪NN‬تى‬
‫منتصف الليل‪".‬‬

‫"أخشى‪ ،‬يا سيدي‪ ،‬أنه من الصعبعلّي أن أرضيك بالكالم الدقيق‪ .‬ليس لدي ذاكرة جيدة‪".‬‬
‫"ال تقل لي ذلك!" قاطع القاضي‪" .‬إذا كنت قد سألت عن ماذا فعلت قبل ثالثة أشهر في مساء معين وفي‬
‫وقت معين‪ ،‬فأنا أفهم ترددك‪ .‬ولكن هذا يتعلق بالثالثاء‪ ،‬واليوم هو الجمعة‪ .‬عالوة على ذل‪NN‬ك‪ ،‬ه‪NN‬ذا الي‪NN‬وم‬
‫الق‪N‬ريب ك‪N‬ان آخ‪N‬ر أي‪N‬ام الكرنف‪N‬ال‪ ،‬ك‪N‬ان الثالث‪N‬اء قب‪N‬ل األربع‪N‬اء الرم‪N‬ادي‪ .‬ه‪N‬ذا الظ‪N‬رف يجب أن يس‪N‬اعد‬
‫ذاكرتك‪".‬‬
‫ًن‬
‫"ذلك المساء‪ ،‬خرجت للمشي"‪ ،‬همس ألبرت‪" .‬حس ا"‪ ،‬استمر القاضي‪" ،‬أين تناولت عشاءك؟"‬
‫"في المنزل‪ ،‬كالمعتاد‪".‬‬
‫"ال‪ ،‬ليس كالمعتاد‪ .‬في نهاية وجبتك‪ ،‬طلبت زجاجة من بوردو‪ ،‬شربتها كله‪NN‬ا‪ .‬بالتأكي‪NN‬د كنت بحاج‪NN‬ة إلى‬
‫بعض اإلثارة اإلضافية لخططك الالحقة‪".‬‬
‫"لم يكن لدي خطط"‪ ،‬أجاب المتهم بتوتر واضح‪.‬‬

‫"أنت تخطئ‪ .‬جاء صديقان للبحث عنك‪ .‬لقد أجبتهم‪ ،‬قبل الجلوس لتناول العشاء‪ ،‬بأن لديك ارتباًطا مهًم ا‬
‫للغاية للحفاظ عليه‪".‬‬

‫"كان ذلك مجرد طريقة مهذبة للتخلص منهم‪" ".‬لماذا؟"‬

‫"أال تستطيع فهم ذلك‪ ،‬ي‪NN‬ا س‪NN‬يدي؟ كنت مستس‪NN‬لًم ا‪ ،‬ولكن لم يريح‪NN‬ني ذل‪NN‬ك‪ .‬كنت أتعلم كيفي‪NN‬ة التع‪NN‬ود على‬
‫الضربة الرهيبة‪ .‬أال يبحث المرء عن العزلة في األزمة الكبرى التي يمر بها في حياته؟"‬

‫"ي‪NN‬دعي االدع‪NN‬اء أن‪NN‬ك أردت أن ت‪NN‬ترك وح‪NN‬دك لت‪NN‬ذهب إلى ال جونش‪NN‬ير‪ ،‬وقلت خالل النه‪NN‬ار‪' :‬ال يمكنه‪NN‬ا‬
‫مقاومتي'‪ .‬عن من كنت تتحدث؟"‬

‫"عن شخص قد كتبت له في المس‪NN‬اء الس‪NN‬ابق‪ ،‬وال‪NN‬ذي رد علي‪ .‬تح‪NN‬دثت الكلم‪NN‬ات وم‪NN‬ا زالت رس‪NN‬التها في‬
‫يدي‪".‬‬

‫"إذن‪ ،‬كانت هذه الرسالة من امرأة؟" "نعم‪".‬‬

‫"ماذا فعلت بها؟" "حرقتها‪".‬‬

‫"يدل هذا االحتياط على أن‪NN‬ك اعت‪NN‬برت الرس‪NN‬الة مض‪NN‬رة‪" ".‬ال على اإلطالق‪ ،‬ي‪NN‬ا س‪NN‬يدي؛ فك‪NN‬ل م‪NN‬ا ك‪NN‬انت‬
‫تتحدث عنه كان شأًنا خاًصا‪".‬‬

‫كان السيد دابورون متأكًدا من أن هذه الرسالة جاءت من اآلنسة دارالنج‪ .‬هل يجب علي‪N‬ه ط‪N‬رح الس‪N‬ؤال‬
‫مرة أخرى واالستماع إلى االسم كلير الذي يثير دائًم ا المشاعر المؤلم‪NN‬ة لدي‪NN‬ه؟ تج‪NN‬رأ على ذل‪NN‬ك‪ ،‬واس‪NN‬تند‬
‫على أوراقه بحيث ال يستطيع المتهم اكتشاف انفعاله‪.‬‬

‫"من أين جاءت هذه الرسالة؟" سأل‪" .‬من شخص ال يمكنني ذكر اسمه‪".‬‬

‫"يا سيدي"‪ ،‬قال القاضي بصرامة‪" ،‬لن أخفي عنك أن وض‪NN‬عك مع‪NN‬رض للخط‪NN‬ر بش‪NN‬كل كب‪NN‬ير‪ .‬ال تزي‪NN‬ده‬
‫سوًء ا بهذا الصمت الجانح‪ .‬أنت هنا لتروي كل شيء‪ ،‬يا سيدي‪".‬‬
‫"شؤوني الخاصة‪ ،‬نعم‪ ،‬ليس شؤون اآلخرين‪".‬‬

‫أعطى ألبرت هذا الجواب األخ‪N‬ير بلهج‪N‬ة جاف‪N‬ة‪ .‬ك‪N‬ان دائًخ ا ومنفعًال ومنزعًج ا من األس‪N‬لوب الفض‪N‬ولي‬
‫والمزعج للتحقيق الذي لم يترك له وقًتا للتنفس‪ .‬سقطت أسئلة القاضي عليه بكثافة مثل ضربات مطرق‪NN‬ة‬
‫الحداد على الحديد الساخن الذي يريد تشكيله قبل أن يبرد‪.‬‬
‫أزعجت المعارضة الظاهرة للمتهم القاضي دابورون كثيًر ا‪ .‬كما فوجئ بخطأ الكشاف القديم في التفكير؛‬
‫تماًم ا كما لو كان تاباريه ال يخطئ أبًدا‪ .‬كان تاباريه قد تنبأ بوجود ألي‪NN‬بي غ‪NN‬ير قاب‪NN‬ل لإلع‪NN‬تراض ؛ ولكن‬
‫هذا األليبي لم يظهر‪ .‬لماذا؟ هل لدى هذا الشرير الماكر شيء أفضل من ذلك؟ ما هو الدفاع الماكر الذي‬
‫يعتمد عليه؟ بال شك‪ ،‬كان يحتفظ بضربة غير متوقعة ما‪ ،‬وربما كانت ال تقاوم‪.‬‬
‫"هدوء"‪ ،‬فكر القاضي‪" .‬لم أحصل عليه بعد"‪ .‬ثم أضاف بسرعة بصوت عاٍل ‪" :‬أكم‪NN‬ل‪ .‬م‪NN‬اذا فعلت بع‪NN‬د‬
‫العشاء؟"‬
‫"خرجت للتنزه‪".‬‬

‫"ليس على الفور‪ .‬بعد أن تف‪N‬رغت الزجاج‪N‬ة‪ ،‬ت‪N‬دخن س‪N‬يجاًرا في غرف‪N‬ة الطع‪N‬ام‪ ،‬وه‪N‬و أم‪N‬ر غ‪N‬ير ع‪N‬ادي‬
‫لدرجة أنه لفت االنتباه‪ .‬ما هو نوع السيجارات التي تدخنها عادة؟"‬
‫"ترابوكوس‪".‬‬
‫"أال تستخدم حامل سيجارة‪ ،‬لحماية شفتيك من االتصال بالتبغ؟"‬
‫"نعم‪ ،‬يا سيدي"‪ ،‬أجاب ألبرت متفاجًئا جًدا من هذه السلسلة من األسئلة‪" .‬في أي وقت خرجت؟"‬
‫"حوالي الساعة الثامنة مساًء ‪".‬‬

‫"هل حملت مظلة؟"‬

‫"نعم‪".‬‬
‫"إلى أين ذهبت؟" "تجولت فقط‪".‬‬
‫"بمفردك‪ ،‬دون هدف‪ ،‬طوال المساء؟" "نعم‪ ،‬يا سيدي‪".‬‬
‫"اآلن أعد لي خطوات تجولك بعناية شديدة‪".‬‬
‫"أه‪ ،‬يا سيدي‪ ،‬هذا أمر صعب جًدا! خرجت ببساطة للتجول‪ ،‬لممارسة الرياضة‪ ،‬لطرد الخمول الذي ألم‬
‫بي لمدة ثالثة أي‪N‬ام‪ .‬ال أع‪N‬رف م‪N‬ا إذا كنت تس‪N‬تطيع تص‪NN‬وير ح‪N‬التي بالض‪NN‬بط‪ .‬كنت على وش‪N‬ك الجن‪N‬ون‪.‬‬
‫تجولت عشوائًيا على األرصفة‪ .‬تجولت في الشوارع ‪"-‬‬
‫"كل هذا غير مرجح جًدا"‪ ،‬قاطع القاضي‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬كان السيد دابورون يعلم أنه على األقل ممكن‪ .‬هل‬
‫لم يقم هو نفسه‪ ،‬في ليلة مماثلة‪ ،‬بعبور باريس بأكمله؟ ما الرد الذي يمكن أن يقدمه‪ ،‬لو سأله ش‪NN‬خص م‪NN‬ا‬
‫في الصباح التالي عن مكانه‪ ،‬إال أنه لم يلتفت‪ ،‬وال يع‪NN‬رف؟ لكن‪NN‬ه نس‪NN‬ي ذل‪NN‬ك‪ ،‬وتالش‪NN‬ت ترددات‪NN‬ه الس‪NN‬ابقة‬
‫أيًضا‪.‬‬
‫مع تقدم التحقيق‪ ،‬اس‪N‬تولت حمى التحقي‪N‬ق علي‪N‬ه‪ .‬اس‪N‬تمتع ب‪N‬العواطف المتعلق‪N‬ة بالص‪N‬راع‪ ،‬وأص‪N‬بح ش‪N‬غفه‬
‫بمهنته أقوى من أي وقت مضى‪.‬‬
‫كان مرة أخرى قاضي التحقيق‪ ،‬مثل م‪NN‬درب الفن‪NN‬ون القتالي‪NN‬ة‪ ،‬ال‪NN‬ذي أثن‪NN‬اء الت‪NN‬دريب م‪NN‬ع أع‪NN‬ز أص‪NN‬دقائه‪،‬‬
‫تحمس بصوت عاٍل ‪ ،‬ونسي نفسه‪ ،‬وقتله‪.‬‬
‫"إًذ ا"‪ ،‬استأنف السيد دابورون‪" ،‬لم تقابل أي شخص يمكن أن يؤك‪NN‬د أن‪NN‬ه رأى‪NN‬ك؟ لم تتح‪NN‬دث إلى أح‪NN‬د؟ لم‬
‫تدخل مكاًنا‪ ،‬حتى مقهى أو مسرًح ا‪ ،‬أو محل تبغ إلشعال إحدى سجائرك المفضلة ترابوكوس؟"‬
‫"ال‪ ،‬يا سيدي‪".‬‬
‫"حسًنا‪ ،‬إنها كارثة كبيرة بالنسبة لك‪ ،‬نعم‪ ،‬كارثة كبيرة جًدا؛ ألنني يجب أن أخ‪NN‬برك‪ ،‬أن‪NN‬ه ك‪NN‬ان بالض‪NN‬بط‬
‫خالل هذا المساء الثالثاء‪ ،‬بين الساعة الثامن‪N‬ة مس‪N‬اًء ومنتص‪N‬ف اللي‪N‬ل‪ ،‬تم ارتك‪N‬اب جريم‪N‬ة قت‪N‬ل األرمل‪N‬ة‬
‫ليروج‪ .‬يمكن للعدالة تحديد الساعة بالضبط‪ .‬ومرة أخرى‪ ،‬ي‪NN‬ا س‪NN‬يدي‪ ،‬في مص‪NN‬لحتك الخاص‪NN‬ة‪ ،‬أوص‪NN‬يك‬
‫بالتفكير ‪ -‬وتوجيه نداء قوي لذاكرتك‪".‬‬
‫بدا أللبرت أن هذا اإلشارة إلى اليوم والساعة المحددة للجريمة أثارت دهشته‪ .‬رفع يده إلى جبينه بحركة‬
‫يائسة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬أجاب بصوت هادئ‪" ،‬أنا محظوظ جًدا‪ ،‬يا سيدي‪ :‬لك‪NN‬ني ال أس‪NN‬تطيع أن أت‪NN‬ذكر ش‪NN‬يًئا‪".‬‬
‫كانت مفاجأة السيد دابورون كبيرة‪ .‬م‪NN‬اذا‪ ،‬ليس لدي‪NN‬ه أي دلي‪NN‬ل على ع‪NN‬دم وج‪NN‬وده في مك‪NN‬ان الجريم‪NN‬ة؟ ال‬
‫شيء؟ ال يمكن أن يكون هذا فًخ ا أو نظام دفاعي‪ .‬هل كان هذا الرجل بارًعا كما كان يتص‪NN‬ور؟ بال ش‪NN‬ك‪.‬‬
‫لكنه انتهك غير متوقع‪ .‬لم يتصور أبًدا أن االتهام سيوجه إليه‪ ،‬وكان من المعجزة أن حدث ذلك‪.‬‬
‫رفع القاضي ببطء‪ ،‬واحًدا تلو اآلخر‪ ،‬األوراق الكبيرة التي تغطي المقتنيات ال‪NN‬تي تم حجزه‪NN‬ا في غ‪NN‬رف‬
‫ألبرت‪.‬‬
‫"سننتقل"‪ ،‬واصل‪" ،‬إلى فحص االتهامات التي تقع عليك‪ .‬هل تتعرف على هذه المقتنيات كملك لك؟"‬
‫"نعم‪ ،‬يا سيدي‪ ،‬هي جميعا ملكي‪".‬‬
‫"حسًنا‪ ،‬خذ هذا السيف‪ .‬من كسره؟"‬
‫"أنا‪ ،‬يا سيدي‪ ،‬في السيف بيني وبين السيد دي كورتيفوا‪ ،‬الذي يمكن أن يشهد ب‪NN‬ذلك‪" ".‬س‪NN‬يتم اس‪NN‬تماعه‪.‬‬
‫أين الطرف المكسور؟"‬
‫"ال أعرف‪ .‬يجب أن تسأل لوبان‪ ،‬خادمي‪".‬‬
‫"بالضبط‪ .‬يقول إنه بحث عنه‪ ،‬ولم يجده‪ .‬يجب أن أخبركم بأن الضحية تلقت الضربة القاتلة من الطرف‬
‫المحدد من السيف المكسور‪ .‬هذه القطعة من القماش التي استخدمها القاتل لمس‪NN‬ح س‪NN‬الحه هي دلي‪NN‬ل على‬
‫ما أقوله‪".‬‬
‫"أرجوك‪ ،‬يا سيدي‪ ،‬اطلب منهم إجراء بحث دقيق للغاية‪ .‬من المستحيل أن ال يمكن العثور على النصف‬
‫اآلخر من السيف‪".‬‬

‫سيتم إعطاء األوامر لهذا الغرض‪ .‬انظر‪ ،‬هذا هو النسخ الدقيق لق‪NN‬دم القات‪NN‬ل المرس‪NN‬وم على ه‪NN‬ذه الورق‪NN‬ة‪.‬‬
‫سأضع إحدى حذائك عليها‪ ،‬وكما ترى‪ ،‬يتناس‪N‬ب النع‪N‬ل م‪N‬ع الرس‪N‬م بدق‪NN‬ة تام‪N‬ة‪ .‬تم ص‪NN‬ب ه‪N‬ذا الجص في‬
‫الحفرة التي تركتها الكعب‪ :‬تالحظ أنه مش‪NN‬ابه في ك‪NN‬ل ش‪NN‬يء لكعب ح‪NN‬ذائك الخاص‪NN‬ة‪ .‬أرى أيض‪NN‬ا عالم‪NN‬ة‬
‫الدبوس التي تظهر في كالهما‪".‬‬
‫تابع ألبرت بقلق ملحوظ كل حركة للقاضي‪ .‬كان من الواضح أنه يكافح ض‪NN‬د ال‪NN‬رعب المتزاي‪NN‬د‪ .‬ه‪NN‬ل ه‪NN‬و‬
‫مهاجم من قبل الرعب الذي يغمر المذنبين عندما يرون أنفسهم على وش‪NN‬ك التع‪NN‬رض للفض‪NN‬يحة؟ لجمي‪NN‬ع‬
‫مالحظات القاضي ‪ ،‬أجاب بصوت منخفض ‪" ،‬صحيح ‪ -‬صحيح تماًم ا‪".‬‬
‫"هذا كذلك"‪ ،‬واصل السيد دابورون ‪" ،‬ومع ذلك ‪ ،‬اس‪N‬تمع للمزي‪N‬د قب‪N‬ل محاول‪N‬ة ال‪N‬دفاع عن نفس‪N‬ك‪ .‬ك‪N‬ان‬
‫المجرم يحمل مظلة‪ .‬غرق طرف هذه المظلة في التربة الطينية ؛ تم العثور على جول‪NN‬ة الخش‪NN‬ب ال‪NN‬تي تم‬
‫وض‪NN‬عها في نهاي‪N‬ة الحري‪N‬ر ‪ ،‬وهي مص‪NN‬بوبة في الترب‪N‬ة‪ .‬انظ‪N‬ر إلى ه‪N‬ذا كتل‪N‬ة الترب‪N‬ة الطيني‪N‬ة المرفوع‪N‬ة‬
‫بأقصى عناية ؛ واآلن انظر إلى مظلتك‪ .‬هل تشبه الجوالت بعضها البعض أم ال؟"‬
‫"هذه األشياء ‪ ،‬سيدي ‪ ،‬تتم تصنيعها بكميات كبيرة‪".‬‬
‫"حسًنا ‪ ،‬سنتجاوز هذا الدليل‪ .‬انظر إلى نهاية س‪NN‬يجارة تم العث‪NN‬ور عليه‪NN‬ا في موق‪NN‬ع الجريم‪NN‬ة ‪ ،‬وأخ‪NN‬برني‬
‫بأي نوع هو ‪ ،‬وكيف كان يدخن‪".‬‬
‫"إنها ترابوكوس ‪ ،‬وكانت تدخن في حامل سيجار‪".‬‬
‫"مثل هذه؟" استمر القاضي في اإلصرار ‪ ،‬مشيًر ا إلى السيجار وح‪NN‬امالت العن‪NN‬بر والميش‪NN‬اوم الموج‪NN‬ودة‬
‫في مكتبة الفيكونت‪.‬‬
‫"نعم!" همر ألبرت ‪" ،‬إنها مصير ‪ ،‬صدفة غريبة‪".‬‬
‫"الصبر ‪ ،‬هذا ليس شيًئا حتى اآلن‪ .‬كان القاتل يرتدي قفازات‪ .‬أمسكت الضحية ‪ ،‬خالل صراع الموت ‪،‬‬
‫بيديه ؛ وبقيت بعض قطع الجلد في أظافرها‪ .‬تم الحفاظ على هذه القطع ‪ ،‬وهي هنا‪ .‬هي لون الخ‪NN‬زامى ‪،‬‬
‫أليس كذلك؟ اآلن‪ ،‬هنا هي القفازات ال‪N‬تي كنت ترت‪N‬ديها ي‪N‬وم الثالث‪N‬اء‪ .‬إنه‪N‬ا أيًض ا ل‪N‬ون الخ‪N‬زامى ‪ ،‬وهي‬
‫متهالكة‪ .‬قارن هذه القطع من الجلد مع قفازاتك الخاصة‪ .‬هل تتوافقان؟ هل هما من نفس اللون والجلد؟"‬
‫كان من العديد بال جدوى أن ينكر ‪ ،‬يتلفظ بالمباغتة ‪ ،‬أو يبحث عن مكر‪ .‬األدلة كانت هن‪N‬اك ‪ ،‬وك‪N‬انت ال‬
‫يمكن إنكارها‪ .‬في حين يبدو أن السيد دابورون يشغل نفسه بالكائنات الموجودة على مكتبه فقط ‪ ،‬إال أن‪NN‬ه‬
‫لم يفقد السيد ألبرت من باله‪ .‬كان ألبرت مرعوبًا‪ .‬تعرقت جبينه بعرق بارد ‪ ،‬وانس‪N‬اب قط‪N‬رة بع‪N‬د قط‪N‬رة‬
‫عبر خديه‪ .‬ترجفت يديه حتى إنها لم تعد مفيدة له‪.‬‬
‫بصوت بارد كرر باستمرار‪" :‬إنها مرعبة ‪ ،‬مرعبة!"‬
‫"أخ‪NN‬يًرا" ‪ ،‬واص‪NN‬ل القاض‪NN‬ي الالمع‪NN‬رف ال يتوق‪NN‬ف "هن‪NN‬ا هي الس‪NN‬راويل ال‪NN‬تي كنت ترت‪NN‬ديها في مس‪NN‬اء‬
‫الجريمة‪.‬‬

‫من الواضح أنها كانت مبللة جًدا قبل فترة قص‪NN‬يرة ‪ ،‬وباإلض‪NN‬افة إلى الوح‪NN‬ل عليه‪NN‬ا ‪ ،‬هن‪NN‬اك آث‪NN‬ار ت‪NN‬راب‪.‬‬
‫باإلضافة إلى أنها ممزقة عند الركبتين‪ .‬سنعترف ‪ ،‬في هذه اللحظة ‪ ،‬أنك قد ال تتذكر أين ذهبت في تل‪NN‬ك‬
‫الليلة ؛ ولكن من سيصدق أنك ال تعرف متى مزقت سراويلك وكيف مهترئة كانت قفازاتك؟"‬
‫ما هو الشجاعة التي يمكنها أن تقاوم هذه الهجمات؟ انتهت ثبات وحيوية ألبرت‪ .‬تدور عقله‪ .‬س‪NN‬قط بثقل‪NN‬ه‬
‫على كرسي‪ ،‬معلنًا‪" :‬إنه يكفي لدفعني إلى الجنون!"‬
‫"هل تعترف" ‪ ،‬طالب القاضي الذي كان نظره ثابًتا على المتهم "هل تعترف أن أرملة ل‪NN‬وروج لم يمكن‬
‫أن تطعن إال بيدك؟"‬
‫"أعترف"‪ ،‬احتج ألبرت‪" ،‬أنني ضحية إحدى تلك الصدف المرعبة التي تجعل الرجال يشكون في دلي‪NN‬ل‬
‫عقولهم‪ .‬أنا بريء‪".‬‬
‫"ثم قل لي أين قضيت مساء الثالثاء‪".‬‬
‫"آه يا سيدي!" صاح المتهم‪" ،‬يجب أن أ‪ "...‬لكنه‪ ،‬وم‪N‬ع احترام‪N‬ه لنفس‪N‬ه‪ ،‬أض‪NN‬اف بص‪NN‬وت خ‪N‬افت‪" :‬لق‪N‬د‬
‫أعطيت اإلجابة الوحيدة التي يمكنني إعطاؤها‪".‬‬
‫وقف السيد دابورون‪ ،‬بعد أن وصل إلى ضربته الكبرى‪.‬‬
‫"من واجبي ‪ "،‬قال بظل من السخرية "تعويض فشل ذاكرتك‪ .‬سأذكر لك أين ذهبت وماذا فعلت‪".‬‬

‫في مساء يوم الثالثاء في تمام الس‪N‬اعة الثامن‪N‬ة‪ ،‬بع‪N‬د أن حص‪N‬لت على الطاق‪N‬ة الرهيب‪N‬ة ال‪N‬تي تحتاجه‪N‬ا من‬
‫النبيذ الذي شربته‪ ،‬تركت منزلك‪ .‬في الساعة الثامن‪NN‬ة وخمس وثالثين دقيق‪NN‬ة‪ ،‬اتخ‪NN‬ذت القط‪NN‬ار في محط‪NN‬ة‬
‫سانت الزار‪ .‬وفي الساعة التاسعة‪ ،‬نزلت في محطة رويل‪".‬‬
‫وعدا عن إعجابه بفكر تاباريه‪ ،‬لم يتردد القاضي المحقق في تكرار تقريًبا حرفًيا التراجيد ال‪NN‬تي ابتكره‪NN‬ا‬
‫المحقق الهاٍو في الليلة السابقة‪ .‬كان لديه كل سبب‪ ،‬أثن‪NN‬اء الكالم‪ ،‬ليعجب ب‪NN‬ذكاء الرج‪NN‬ل العج‪NN‬وز‪ .‬لم ينتج‬
‫كالمه أبًدا تأثيًر ا مثل هذا في حياته‪ .‬ك‪NN‬ل جمل‪NN‬ة‪ ،‬ك‪NN‬ل كلم‪NN‬ة‪ ،‬قاله‪NN‬ا بت‪NN‬أثير كب‪NN‬ير‪ .‬تحطم الثق‪NN‬ة ال‪NN‬تي ك‪NN‬انت‬
‫تمتلكها المتهم‪ ،‬التي كانت قد هزت بالفعل‪ ،‬تدريجيًا‪ ،‬تماًم ا كم‪NN‬ا يتهش‪NN‬م الطالء الخ‪NN‬ارجي للج‪NN‬دار عن‪NN‬دما‬
‫ُيثقب بالرصاص‪.‬‬
‫وكان ألبرت‪ ،‬كما الحظ القاض‪NN‬ي المحق‪NN‬ق‪ ،‬كرج‪NN‬ل يت‪NN‬دحرج نح‪NN‬و قاع‪NN‬ة الج‪NN‬رف‪ ،‬ي‪NN‬رى ك‪NN‬ل ف‪NN‬رع وك‪NN‬ل‬
‫تجاويف يمكن أن تبطئ سقوطه تفشل في دعمه‪ ،‬ويشعر بكدم‪N‬ة جدي‪N‬دة وأك‪N‬ثر ألًم ا في ك‪N‬ل م‪N‬رة يالمس‬
‫فيها جسده هذه الفروع‪.‬‬
‫"واآلن"‪ ،‬ختم القاضي المحقق‪" ،‬استمع إلى نص‪NN‬يحة جي‪NN‬دة‪ :‬ال تص‪NN‬ر على نظ‪NN‬ام اإلنك‪NN‬ار ال‪NN‬ذي ال يمكن‬
‫الدفاع عنه‪ .‬توقف عن ذل‪N‬ك‪ .‬اعلم أن العدال‪NN‬ة ال تجه‪NN‬ل أي ش‪NN‬يء من المهم معرفت‪NN‬ه‪ .‬ص‪NN‬دقني؛ ح‪NN‬اول أن‬
‫تستحق التسامح من قضاتك‪ ،‬واعترف بذنبك‪".‬‬
‫لم يعتقد الس‪NN‬يد داب‪NN‬ورون أن المتهم سيص‪NN‬ر على تأكي‪NN‬د براءت‪NN‬ه‪ .‬تص‪NN‬ور أن‪NN‬ه س‪NN‬يتعرض لت‪NN‬دمير واض‪NN‬ح‪،‬‬
‫وسينحني للتو ساجًدا بطلب الرحمة‪ .‬لكنه كان مخطًئا‪.‬‬
‫ألبرت‪ ،‬على الرغم من انهياره الكبير‪ ،‬وجد في آخر جهد من إرادته قوة كافية لتجديد نفسه والتأكيد م‪NN‬رة‬
‫أخرى‪" ،‬أنت على حق يا سيدي"‪ ،‬قال بصوت ح‪NN‬زين ولكن ث‪NN‬ابت‪" ،‬ك‪NN‬ل ش‪NN‬يء يب‪NN‬دو كم‪NN‬ا ل‪NN‬و أن‪NN‬ه يثبت‬
‫براءتي‪ .‬في مكانك‪ ،‬كنت قد تحدثت كما فعلت‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬أقسم لك بأنني براء‪" .‬‬
‫"تعال اآلن‪ ،‬هل تصر على نفي ادعاءات االتهام؟" بدأ القاضي المحقق‪.‬‬
‫"أنا بريء"‪ ،‬قاطع ألبرت‪" .‬وأكرر ذلك‪ ،‬دون أي أمل في تغيير اقتناع‪NN‬ك ب‪NN‬أي ش‪NN‬كل من األش‪NN‬كال‪ .‬نعم‪،‬‬
‫كل شيء يشير ضدي‪ ،‬حتى سلوكي أمامك‪ .‬صحيح‪ ،‬تم ه‪N‬ز ش‪N‬جاعتي بس‪N‬بب ه‪N‬ذه المص‪N‬ادفات الص‪N‬عبة‬
‫والمدهشة والساحقة‪ .‬أنا ُم ْنَهك‪ ،‬ألنني أشعر بصعوبة إثبات براءتي‪ .‬لكنني ال أيأس‪ .‬ش‪NN‬رفي وحي‪NN‬اتي بي‪NN‬د‬
‫هللا‪ .‬في هذه اللحظة الحالية‪ ،‬وأنا أظهر لك فقداني لألمل‪ ،‬ال يزال لدي ثقة تامة في ت‪NN‬برير كام‪NN‬ل‪ .‬أنتظ‪NN‬ر‬
‫بثقة‪".‬‬
‫"ماذا تقصد؟" سأل القاضي المحقق‪.‬‬
‫"ال شيء سوى ما أقوله‪ ،‬سيدي‪".‬‬
‫"إذن‪ ،‬أنت تصر على نفي ادعاءات االتهام؟"‬
‫"أنا بريء‪".‬‬
‫"ولكن هذا هو الجنون‪".‬‬
‫"أنا بريء‪".‬‬

‫"حسًنا"‪ ،‬قال السيد دابورون‪" ،‬هذا كاٍف لليوم‪ .‬سيتم ق‪N‬راءة التقري‪N‬ر الرس‪N‬مي الس‪N‬تجوابك‪ ،‬وس‪N‬تعود إلى‬
‫العزلة‪ .‬أحثك على التفكير‪ .‬قد تأتي الليلة بمشاعر أفضل؛ إذا كنت ت‪NN‬رغب في أي وقت في التح‪NN‬دث إلي‪،‬‬
‫فأرسل كلمة‪ ،‬وسأأتي إليك‪ .‬سأعطي األوامر لذلك‪ .‬يمكنك اآلن القراءة‪ ،‬كونستان‪".‬‬
‫عندما غادر ألبرت بمرافقة الدركيين‪ ،‬هم‪NN‬ر القاض‪NN‬ي المحق‪NN‬ق بص‪NN‬وت خ‪NN‬افت‪" ،‬إن‪NN‬ه رج‪NN‬ل عني‪NN‬د حًق ا‪".‬‬
‫بالتأكيد‪ ،‬لم يعد لديه أي شك‪ .‬بالنسبة له‪ ،‬كان ألبرت بالتأكيد القاتل مثلما لو اعترف بذنبه‪ .‬حتى لو استمر‬
‫في نظام اإلنكار حتى نهاية التحقيق‪ ،‬كان من المستحيل‪ ،‬مع األدلة التي تمتلكه‪NN‬ا الش‪NN‬رطة‪ ،‬أال يتم إيقاف‪NN‬ه‬
‫للمحاكمة‪ .‬لذلك كان متأكًدا من تورطه في الجريمة‪ .‬كان بنسبة مئة لواحد‪ ،‬أن يصدر حكم باإلدانة ضده‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬لم يشعر السيد دابورون بالرضا الشديد‪ ،‬المختلط بالغرور‪ ،‬الذي كان يشعر به عادة بعد نجاح‬
‫استجوابه بنجاح وتمكنه من وضع المتهم في نفس موقف ألبرت‪ .‬شيء ما أزعج‪N‬ه وص‪N‬دمه‪ .‬ك‪N‬ان يش‪N‬عر‬
‫بعدم االرتياح في قلبه‪ .‬لقد انتصر‪ ،‬لكن انتصاره أعطاه فقط عدم االرتياح واأللم واإلحباط‪ .‬زاد من عدم‬
‫رضاه تفكير بسيط جًدا لم يفهم لماذا لم يخطر ب‪N‬ه في البداي‪N‬ة‪ ،‬وزاد من ع‪N‬دم رض‪NN‬اه وجعل‪N‬ه يغض‪NN‬ب من‬
‫نفسه‪.‬‬
‫"شيء ما قال لي"‪ ،‬همهم القاضي المحقق‪" ،‬كنت على خطأ عندما قمت بهذه القض‪NN‬ية‪ .‬أن‪NN‬ا مع‪NN‬اقب لع‪NN‬دم‬
‫اتباع ذلك الص‪NN‬وت ال‪NN‬داخلي‪ .‬ك‪NN‬ان يجب علي أن أرفض المض‪NN‬ي ق‪NN‬دًم ا في التحقي‪NN‬ق‪ .‬ك‪NN‬ان الفيك‪NN‬ونت دي‬
‫كومارين‪ ،‬على أي حال‪ ،‬متأكًدا من االعتقال والسجن واالستجواب والتفاخر والمحاكمة وربم‪NN‬ا اإلدان‪NN‬ة‪.‬‬
‫ثم‪ ،‬بعدما لم أكن مرتبًطا بالقضية‪ ،‬كنت قد ظهرت مرة أخرى أمام كلير‪ .‬ستكون حزينة بش‪NN‬دة‪ .‬كص‪NN‬ديق‬
‫لها‪ ،‬كنت أستطيع تهدئتها‪ ،‬وخلط دموعي مع دموعها‪ ،‬وتهدئة أسفها‪ .‬مع الوقت‪ ،‬ربما تتعافى وقد تنساه‪.‬‬
‫ال يمكنها إال أن تشعر باالمتنان تجاهي‪ ،‬ومن يدري ‪ !-‬بينما اآلن‪ ،‬أيًا كان ما يحدث‪ ،‬سأكون هدفًا للك‪NN‬ره‬
‫بنظرها‪ :‬لن تستطيع أن تحتمل رؤيتي‪ .‬في عينيه‪NN‬ا‪ ،‬س‪NN‬أكون دائم‪ًN‬ا قات‪NN‬ل حبيبه‪NN‬ا‪ .‬لق‪NN‬د فتحت ه‪NN‬ذا الهاوي‪NN‬ة‬
‫بيدي! لقد خسرتها للمرة الثانية‪ ،‬وبسبب خطأي‪".‬‬
‫حمل الرجل المحزون أشد اللوم على نفسه‪ .‬كان في اليأس‪ .‬لم يكره ألبرت أبًدا بهذا الشكل‪ ،‬هذا الشخص‬
‫الذي‪ ،‬ملطخ بالجريمة‪ ،‬يعترض طريق سعادته‪ .‬كما شتم السيد تاباري العجوز!‬
‫وحده‪ ،‬لم يكن السيد دابورون يمكنه أن يقرر بس‪NN‬رعة‪ .‬لك‪NN‬ان ينتظ‪NN‬ر‪ ،‬يفك‪NN‬ر في المس‪NN‬ألة‪ ،‬ينض‪NN‬ج ق‪NN‬راره‪،‬‬
‫وبالتأكيد كان سيدرك العيوب التي حدثت اآلن‪ .‬العج‪N‬وز‪ ،‬ال‪N‬ذي ين‪N‬دفع دائًم ا مث‪N‬ل الكلب الس‪N‬ائب الس‪N‬يء‬
‫التدريب‪ ،‬ويمأله الحماسة الغبية‪ ،‬أربكه ودفعه إلى فعل ما يندم عليه اآلن‪.‬‬
‫كان هذا الوقت الغ‪N‬ير م‪N‬وات لظه‪N‬ور الس‪N‬يد تاب‪N‬اري أم‪N‬ام القاض‪N‬ي المحق‪N‬ق‪ .‬لق‪N‬د تم إبالغ‪N‬ه للت‪N‬و بانته‪N‬اء‬
‫التحقيق‪ ،‬ووصل‪ ،‬متحمًسا لمعرفة ما حدث‪ ،‬متورًم ا بالفضول‪ ،‬ومليًئ ا باألم‪N‬ل الجمي‪N‬ل في س‪N‬ماع تحق‪N‬ق‬
‫توقعاته‪.‬‬
‫"ما هي اإلجابات التي قدمها؟" سأل حتى قبل أن يغلق الباب‪.‬‬
‫"من الواضح أنه مذنب"‪ ،‬أجاب القاضي المحقق بقسوة مختلفة تماًم ا عن معاملته العادية‪.‬‬

‫كان السيد تاباري العجوز‪ ،‬الذي كان يتوقع أن يتلقى الثناء بكمي‪NN‬ات كب‪NN‬يرة‪ ،‬مندهًش ا من ه‪NN‬ذا التص‪NN‬رف!‬
‫لذلك‪ ،‬كان يتردد كثيًر ا عندما قدم خدماته اإلضافية‪.‬‬
‫"لقد جئت"‪ ،‬قال بتواضع‪" ،‬لمعرفة ما إذا كانت هن‪N‬اك حاج‪N‬ة ألي تحقيق‪N‬ات لتفكي‪N‬ك اإلنك‪N‬ار ال‪N‬ذي قدم‪N‬ه‬
‫المتهم‪".‬‬
‫"لم يقدم أي إنكار"‪ ،‬أجاب القاضي المحقق بجفاف‪.‬‬
‫"كيف!" صاح المحقق‪" ،‬ال إنكار؟ الفشل! أنا أعتذر‪ :‬بالطبع‪ ،‬اعترف بكل شيء‪".‬‬
‫"ال"‪ ،‬قال القاضي المحقق بصبر محدود‪" ،‬لم يعترف بأي شيء‪ .‬يعترف بأن األدلة حاس‪NN‬مة‪ :‬ال يس‪NN‬تطيع‬
‫إعطاء حساب عن كيفية قضائه للوقت؛ لكنه ينفي ارتكاب الجريمة‪".‬‬
‫في وسط الغرفة‪ ،‬وقف السيد تاباري بفمه مفتوح وعينيه تحدقان بشكل وحشي‪ ،‬وكان في وض‪NN‬ع غ‪NN‬ريب‬
‫تماًم ا يعبر عن استغرابه الشديد‪ .‬كان مذهواًل حًقا‪ .‬على الرغم من غضبه‪ ،‬لم يستطع الس‪N‬يد داب‪N‬ورون إال‬
‫أن يبتسم‪ ،‬وحتى كونستان أبتسم‪ ،‬والذي كان يعادل تلك االبتسامة بنوبة من الضحك‪.‬‬
‫"ال إنكار‪ ،‬ال شيء؟" همس العج‪N‬وز‪" .‬ال تفس‪N‬يرات؟ الفك‪N‬رة! ال يمكن تص‪NN‬ور ذل‪N‬ك! ال إنك‪N‬ار؟ يجب أن‬
‫نكون مخطئين‪ :‬ال يمكن أن يكون الجاني‪ .‬هذا مؤكد!"‬
‫شعر القاضي المحقق بأن الهاوي العجوز كان ينتظر نتيجة االستجواب في مح‪NN‬ل النبي‪NN‬ذ في الزاوي‪NN‬ة‪ ،‬أو‬
‫أنه قد جن جنونه‪.‬‬
‫"لألسف"‪ ،‬قال‪" ،‬لسنا مخطئين‪ .‬تظهر األدلة بوضوح أن الفيكونت دي كومارين هو القاتل‪ .‬وم‪NN‬ع ذل‪NN‬ك‪،‬‬
‫إذا كنت ت‪NN‬رغب‪ ،‬يمكن‪NN‬ك االطالع على تقري‪NN‬ر كونس‪NN‬تان لالس‪NN‬تجواب‪ ،‬وقراءت‪NN‬ه بينم‪NN‬ا أن‪NN‬ا أرتب ه‪NN‬ذه‬
‫األوراق‪".‬‬
‫"حسًنا"‪ ،‬قال العجوز بقلق حماسي‪.‬‬
‫جلس في كرسي كونستان‪ ،‬ووضع كوعيه على الطاولة‪ ،‬وأدخل يديه في شعره‪ ،‬وفي ظ‪NN‬رف ال يتج‪NN‬اوز‬
‫بضع دقائق‪ ،‬قرأ التقرير بأحاسيس هائجة‪ .‬عندما انتهى‪ ،‬نهض بمالمح شاحبة ومشوهة‪.‬‬

‫"سيدي"‪ ،‬قال بصوت غريب األطوار للقاضي المحقق‪" ،‬لقد كنت السبب غير المقصود لخطأ فادح‪ .‬هذا‬
‫الرجل بريء‪".‬‬
‫"هيا‪ ،‬هيا"‪ ،‬قال السيد دابورون‪ ،‬دون التوقف عن إع‪NN‬داده للمغ‪NN‬ادرة‪" ،‬إن‪NN‬ك تفق‪NN‬د عقل‪NN‬ك‪ ،‬عزي‪NN‬زي الس‪NN‬يد‬
‫تاباري‪ .‬كيف يمكن‪ ،‬بعد كل ما قرأت هناك‪ ،‬أن‪"...‬‬
‫"نعم‪ ،‬سيدي‪ ،‬نعم‪ :‬إنه بسبب ما قرأته أناش‪NN‬دك ب‪NN‬التوقف‪ ،‬وإال سنض‪NN‬يف خط‪NN‬أ آخ‪NN‬ر إلى القائم‪NN‬ة الحزين‪NN‬ة‬
‫لألخطاء القضائية‪ .‬اقرأ هذا االستجواب بعناية؛ ال يوجد إجابة إال وتؤكد براءة هذا الرجل المؤسف‪ ،‬وال‬
‫يوجد كلمة إال وتلقي بشعاع من الضوء‪ .‬وهو ال يزال في السجن‪ ،‬ال يزال في العزلة؟"‬
‫"نعم‪ ،‬وهناك يظل إذا رغبت في ذلك"‪ ،‬قاطعه القاضي المحقق‪" .‬إنه يناسبك جيًدا التحدث بهذه الطريق‪NN‬ة‬
‫بعد طريقة حديثك الليلة الماضية‪ ،‬عندما ترددت كثيًرا‪".‬‬
‫"لكن‪ ،‬سيدي"‪ ،‬صاح المحق‪NN‬ق العج‪NN‬وز‪" ،‬م‪NN‬ا زلت أق‪NN‬ول بالض‪NN‬بط نفس الش‪NN‬يء‪ .‬ي‪NN‬ا لألس‪NN‬ف! ك‪NN‬ل ش‪NN‬يء‬
‫ضائع؛ ال أحد يفهمك‪ .‬اعذرني‪ ،‬سيدي‪ ،‬إذا نقص االحترام المس‪N‬تحق ل‪N‬ك‪ ،‬ولكن‪N‬ك لم تفهم طريق‪N‬تي‪ .‬إنه‪N‬ا‬
‫بسيطة جًدا‪ .‬إذا توفرت جريمة‪ ،‬بكل التفاصيل والظروف‪ ،‬فأنا أب‪N‬ني‪ ،‬ش‪N‬يًئا فش‪N‬يًئا‪ ،‬خط‪N‬ة اته‪N‬ام‪ ،‬ال‪N‬تي ال‬
‫أضمنها حتى تكتمل وتكون مثالية تماًم ا‪ .‬إذا وجد رجل ينطبق هذا الخطة علي‪NN‬ه بالض‪NN‬بط في ك‪NN‬ل ش‪NN‬يء‪،‬‬
‫فإنه يكون المجرم‪ :‬وإال‪ ،‬فقد وق‪N‬ع الي‪N‬د على ش‪N‬خص ب‪N‬ريء‪ .‬ليس كافي‪ًN‬ا أن تش‪N‬ير بعض التفاص‪N‬يل إلي‪N‬ه؛‬
‫يجب أن يكون كل شيء أو ال شيء‪ .‬هذا ال يخطئ‪.‬‬
‫واآلن‪ ،‬في هذه الحالة‪ ،‬كيف وصلت إلى الجاني؟ من خالل االس‪NN‬تنتاج من المع‪NN‬روف إلى المجه‪NN‬ول‪ .‬لق‪NN‬د‬
‫فحصت عمله‪ ،‬وقد ص‪N‬اغت فك‪N‬رة عن العام‪N‬ل‪ .‬العق‪N‬ل والمنط‪N‬ق يقودانن‪N‬ا إلى م‪N‬اذا؟ إلى ش‪N‬رير‪ ،‬مق‪N‬رر‪،‬‬
‫جريء وحذر‪ ،‬ملم باألمور‪ .‬وهل تعتقد أن مثل هذا الرجل سيتجاهل احتياًطا لنيتخذه األغبي‪NN‬اء؟ إن‪NN‬ه أم‪NN‬ر‬
‫ال يمكن تصوره‪ .‬ماذا! هذا الرجل ماهر لدرجة أنه يترك أثًرا ضعيًفا جًدا يفوت بصر جيفرول الم‪NN‬اهر‪،‬‬
‫وتعتقد أنه سيخاطر بسالمته عن طريق ترك ليلة كاملة بال تفسير؟ إنه غير ممكن! أنا متأكد من نظ‪NN‬امي‬
‫كما أنني متأكد من مسألة حسابية تم إثباتها‪ .‬القاتل لديه براءة‪ .‬ألبرت لم ينِفه؛ إذن هو بريء‪".‬‬

‫نظر السيد دابورون إلى المحقق بالشفقة‪ ،‬تماًم ا كما لو كان ينظر إلى مصاب بالهوس األح‪NN‬ادي‪ .‬وعن‪NN‬دما‬
‫انتهى العجوز من كالمه‪ ،‬قال القاضي له‪" :‬يا السيد تاباري الك‪N‬ريم‪ ،‬ل‪N‬ديك خط‪N‬أ واح‪N‬د فق‪N‬ط‪ .‬أنت تخطئ‬
‫بفعل الدقة الزائدة‪ ،‬وتمنح اآلخ‪NN‬رين ال‪NN‬ذكاء الرائ‪NN‬ع ال‪NN‬ذي تتمت‪NN‬ع ب‪NN‬ه بنفس‪NN‬ك‪ .‬فلم ينجح رجلن‪NN‬ا في الح‪NN‬ذر‪،‬‬
‫ببساطة ألنه يعتقد أن موقعه سيضعه خارج محاسبة الشبهة‪".‬‬
‫"ال‪ ،‬سيدي‪ ،‬ال‪ ،‬ألف مرة ال‪ .‬الجاني الخاص بي‪ ،‬الحقيقي‪ ،‬هو الذي فات القبض عليه‪ ،‬ك‪NN‬ان يخش‪NN‬ى ك‪NN‬ل‬
‫شيء‪ .‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬هل يدافع ألبرت عن نفسه؟ ال‪ .‬فهو مغمور بالتهم التي تبدو قاتل‪NN‬ة للغاي‪NN‬ة ح‪NN‬تى‬
‫تبدو تدينه دون فرصة للهروب‪ .‬هل يحاول الدفاع عن نفسه؟ ال‪ .‬يجيب ببساطة‪' :‬إنه أمر م‪NN‬رعب'‪ .‬وم‪NN‬ع‬
‫ذلك‪ ،‬أشعر طوال استجوابه بالتحفظ الذي ال يمكنني تفسيره‪".‬‬
‫"يمكنني تفسيره بسهولة جًدا‪ ،‬وأنا واثق بالغاي‪NN‬ة كأن‪NN‬ه اع‪NN‬ترف بك‪NN‬ل ش‪NN‬يء‪ .‬ل‪NN‬دي دالئ‪NN‬ل كافي‪NN‬ة ج‪ًNN‬دا على‬
‫ذلك‪".‬‬
‫"آه‪ ،‬سيدي‪ ،‬الدالئل! هناك دائًم ا دالئل كافية ضد الرجل المعتقل‪ ،‬وكانت توجد ضد ك‪N‬ل رج‪N‬ل ب‪N‬ريء تم‬
‫حكمه باإلدانة‪ .‬الدالئل! لقد كانت لديها كميات كبيرة منها ضد كايزر‪ ،‬الخياط الصغير الفقير‪ ،‬الذي‪"...‬‬
‫حاول القاضي المقاطعة بسرعة‪" :‬حسًنا‪ ،‬إذا لم يكن ه‪NN‬و‪ ،‬األك‪NN‬ثر مص‪NN‬لحة‪ ،‬ال‪NN‬ذي ارتكب الجريم‪NN‬ة‪ ،‬فمن‬
‫هو؟ أبوه‪ ،‬الكونت دي كومارين؟"‬
‫"ال‪ ،‬القاتل الحقيقي هو شاب‪".‬‬
‫انهى السيد دابورون ترتيب ورقه‪ ،‬وانتهى من استعداداته‪ .‬التقط قبعت‪NN‬ه‪ ،‬وفي حين أن‪NN‬ه يس‪NN‬تعد للخ‪NN‬روج‪،‬‬
‫أجاب‪" :‬يجب أن ترى أنني على حق‪ .‬تعال وانظر إلي في وقت الحق‪ ،‬السيد تاباري‪ ،‬وعجل ب‪NN‬التخلص‬
‫من جميع أفكارك الغبية‪ .‬غ‪ًNN‬دا س‪NN‬نتحدث م‪NN‬رة أخ‪NN‬رى عن الموض‪NN‬وع بأكمل‪NN‬ه‪ .‬أن‪NN‬ا متعب قليًال الليل‪NN‬ة"‪ .‬ثم‬
‫أضاف‪ ،‬وهو يتحدث إلى كاتبه‪" :‬قونستان‪ ،‬تفقدالمكتب التسجيلي‪ ،‬في حال رغب الس‪NN‬جين كوم‪NN‬ارين في‬
‫الحديث إلّي ‪".‬‬
‫حرك القاضي نحو الباب‪ ،‬لكن السيد تاباري وقف أمامه‪ ،‬ممنًعا خروجه‪.‬‬

‫"سيدي"‪ ،‬قال الرجل العجوز‪" ،‬باسم السماء‪ ،‬استمع إلي! إن‪NN‬ه ب‪NN‬ريء‪ ،‬أقس‪NN‬م ل‪NN‬ك‪ .‬س‪NN‬اعدني على العث‪NN‬ور‬
‫على الجاني الحقيقي‪ .‬يا سيدي‪ ،‬فكر في ندمك إذا كنت ستتسبب في‪"...‬‬

‫لكن القاضي لم يرغب في االستماع إلى المزيد‪ .‬دفع العجوز تاباري جانًبا بسرعة وخرج بعجل‪.‬‬
‫ثم التفت العجوز إلى كونستانت‪ ،‬يريد إقناعه‪ ،‬لكن دون جدوى‪ .‬فهو أس‪NN‬رع في ت‪NN‬رتيب أغراض‪NN‬ه‪ ،‬وه‪NN‬و‬
‫يفكر في حسائه الذي يبرد‪.‬‬

‫وبهذا وجد السيد تاباري نفسه خارج الغرفة وحيًدا في الممر المظلم‪ .‬لقد توقفت جميع األصوات المعتادة‬
‫في البالس وأصبح المكان هادًئا كالقبر‪ .‬بدأ الكبير في السن بالتمزيق بيديه على شعره بشكل يائس‪.‬‬

‫"آه!" صرخ‪" ،‬ألبرت بريء‪ ،‬وأنا من زرعت الشك فيه‪ .‬أنا‪ ،‬أحمق‪ ،‬ه‪NN‬و من أقن‪NN‬ع رأس القاض‪NN‬ي العني‪NN‬د‬
‫باالقتناع الذي ال يمكنني التخلص منه‪ .‬إنه بريء ويعاني األلم الفظيع‪ .‬ماذا لو قام باالنتحار! ك‪NN‬ان هن‪NN‬اك‬
‫أمثلة على رجال يائسين‪ ،‬الذين يتهمون بالباطل ويقتل‪NN‬ون أنفس‪NN‬هم في زن‪NN‬ازينهم‪ .‬ي‪NN‬ا ل‪NN‬ه من ش‪NN‬اب ب‪NN‬ائس!‬
‫ولكنني لن أتخلى عنه‪ .‬لقد دمرته‪ :‬سأنقذه! يجب أن أجد الجاني‪ ،‬وسيدفع ثمن خطأي هذا األوغاد!"‬

‫الفصل ‪13‬‬

‫بعدما رأى الكونت دو كوماران بأمان في عربته عند مدخل البالس دو جوستيس‪ ،‬بدا نويل جيردي‬
‫ممياًل للمغادرة‪ .‬وهو يستند بيٍد على باب العربة المفتوح بنصفه‪ ،‬قام بإنحناٍء مهذٍب وقال‪" :‬متى‬
‫سأتشرف بزيارتكم‪ ،‬سيدي؟"‬

‫"تعال معي اآلن"‪ ،‬قال النبيل العجوز‪.‬‬

‫ومع ذلك‪ ،‬تحدث المحامي وهو ينحني قليًال قائًال بعض األعذار‪ ،‬فقد كان لديه أمور هامة يجب العودة‬
‫إلى المنزل على الفور‪.‬‬

‫"تعال"‪ ،‬كرر الكونت بلغٍة ال تقبل الرد‪ .‬فأطاع نويل‪.‬‬

‫"لقد وجدت والدك"‪ ،‬قال السيد دو كوماران بصوت منخفض‪" ،‬لكني يجب أن أحذرك‪ ،‬أنك بنفس الوقت‬
‫تفقد استقالليتك‪".‬‬

‫انطلقت العربة‪ ،‬ولم ينتبه الكونت إلى أن نويل جلس بتواضع شديد في المقعد المقابل له إال بعد‬
‫االنطالق‪ .‬ويبدو أن هذا التواضع أغضبه كثيًرا‪.‬‬

‫"تعال هنا بجانبي يا سيدي"‪ ،‬صاح الكونت‪" ،‬ألست ابني؟"‬

‫لم يرد المحامي‪ ،‬وجلس بجوار الرجل العجوز المخيف‪ ،‬ولكنه استخدم قدًرا قلياًل من المساحة‪.‬‬

‫لقد أثر اللقاء مع السيد دابورون بشدة على نويل‪ ،‬فلم يعد لديه من الثقة بالنفس والبرودة الخارجية التي‬
‫كان يعتاد إخفاء مشاعره بها‪ .‬ولحسن الحظ‪ ،‬أعطته الرحلة بعض الوقت للتنفس واستعادة توازنه‪.‬‬

‫ولم يتبادل األب واالبن كلمًة على الطريق من البالس دو جوستيس إلى قصر الكونت دو كوماران‪.‬‬
‫وعندما توقفت العربة أمام الدرج الرئيسي المؤدي إلى المدخل الرئيسي‪ ،‬ونزل الكونت بمساعدة نويل‪،‬‬
‫شهد الخدم ضجًة كبيرة‪.‬‬

‫في الواقع‪ ،‬كان الحاضرون قليلون‪ ،‬إذ تم استدعاء معظمهم إلى البالس‪ .‬ولكن لم يمض وقت طويل بعد‬
‫اختفاء الكونت والمحامي حتى ظهر الجميع في القاعة كأنهم ظهروا بفعل السحر‪ .‬جاءوا من الحديقة‬
‫والمحطة والقبو والمطبخ‪ .‬وكانت لدى معظمهم عالمات مهنتهم‪ .‬ظهر حارس الخيل الشاب مع حذائه‬
‫الخشبي المملوء بالقش‪ ،‬يتمشى على األرضيات الرخامية كالكلب الجريح على سجادة غوبلين‪.‬‬
‫واعترف أحدهم بأنه تعّر ف على نويل كزائر لألحد السابق‪ ،‬وهذا كان كافيًا إلشعال جميع هؤالء‬
‫المثيرين للغيبة الذين يتعطشون للفضائح‪.‬‬

‫وعالوة على ذلك‪ ،‬تسببت األحداث الغير عادية في قصر الكونت دو كوماران في استنفار كبير في‬
‫المجتمع منذ الصباح‪ .‬تم تداول ألف قصة‪ ،‬تحدثت عنها‪ ،‬تصححت‪ ،‬وأضيفت إليها بواسطة األشخاص‬
‫الذين يمتلكون طبائع شريرة وخبيثة ‪ -‬بعضها ال يمكن تصديقه‪ ،‬والبعض اآلخر ببساطة سخيف‪ .‬وبلغ‬
‫‪ 20‬شخصًا‪ ،‬من النبالء جدًا وأكثر فخرًا‪ ،‬إلى إرسال خدمهم األكثر ذكاًء لزيارة خدم الكونت‪ ،‬بهدف‬
‫تعلم شيء ما بشأن الموضوع‪ .‬على الرغم من ذلك‪ ،‬لم يكن أحد يعرف أي شيء‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬تظاهر‬
‫الجميع بأنهم مطلعون بالكامل على األمر‪.‬‬

‫ليشرح أحدهم هذه الظاهرة الشائعة‪ :‬حدوث جريمة‪ ،‬تصل العدالة‪ ،‬ملفوفة بالغموض‪ ،‬وتظل الشرطة‬
‫تجهل معظم األمور‪ ،‬ومع ذلك يتم تداول تفاصيل دقيقة بالفعل في الشوارع‪.‬‬

‫"إذا‪ "،‬قال طباخ‪" ،‬هذا الرجل الطويل الذي يحمل شارًبا هو ابن الكونت الحقيقي!"‬
‫"أنت على حق"‪ ،‬قال أحد الخدم الذين رافقوا الكونت دو كوماران‪" ،‬أما اآلخر‪ ،‬فهو ليس ابنه أكثر مما‬
‫هو ابن جان هنا‪ ،‬الذي‪ ،‬بالمناسبة‪ ،‬سيتم طرده إذا تم القبض عليه في هذا الجزء من المنزل بحذائه‬
‫العامل القذر"‪.‬‬
‫"ما هذه الرواية الرومانسية!" صاح جان‪ ،‬جان‪ ،‬مستهتًر ا بالخطر المحدق به‪.‬‬

‫"تحدث مثل هذه األمور باستمرار في العائالت الكبيرة"‪ ،‬قال الطباخ‪" ،‬كيف حدث هذا؟"‬

‫"حسًنا‪ ،‬ترى‪ ،‬في يوم من األيام‪ ،‬وقبل فترة طويلة‪ ،‬عندما كانت الكونتيسة التي توفيت اآلن تتجول مع‬
‫ابنها الصغير‪ ،‬الذي كان عمره حوالي ستة أشهر‪ ،‬تم اختطاف الطفل من قبل الغجر‪ .‬كانت السيدة‬
‫الفقيرة مليئة بالحزن‪ ،‬ولكن فوق كل شيء‪ ،‬كانت خائفة جًدا من زوجها‪ ،‬الذي لم يكن لطيًفا جًدا‪ .‬فماذا‬
‫فعلت؟ اشترت طفًال من امرأة كانت تمر على الصدفة‪ ،‬ولم تالحظ طفلها‪ ،‬ولم يعرف الكونت الفرق‪".‬‬

‫"ولكن االغتيال!"‬

‫"هذا بسيط جًدا‪ .‬عندما رأت المرأة طفلها في فراش جميل مثل هذا‪ ،‬قامت بسحب دمه بشكل جيد‪،‬‬
‫وقامت بنظام البتزاز الكونت‪ .‬لم يترك الفيكونت شيًئا لنفسه‪ .‬لذلك قرر في النهاية وضع حد لذلك‪،‬‬
‫والتوصل لحسم األمور‪".‬‬

‫"واآلخر‪ ،‬الذي هو هناك‪ ،‬الرجل الطويل الذي يحمل شارًبا؟"‬


‫لو انتابه شك‪ ،‬لكان المتكلم قد واصل‪ ،‬بدون شك‪ ،‬إعطاء التفسيرات األكثر إرضاًء لكل شيء‪ ،‬لوال‬
‫انقطاعه من قبل دخول السيد لوبان‪ ،‬الذي جاء من البالس برفقة الشاب جوزيف‪ .‬انتهت نجاحاته‪ ،‬التي‬
‫كانت بّر اقة حتى اآلن‪ ،‬مثل نجم المغني الثانوي عندما يأتي نجم المساء على المسرح‪ .‬توجه الجميع نحو‬
‫خادم ألبرت‪ ،‬وجميع العيون تسأله‪ .‬وبالطبع كان يعرف كل شيء‪ ،‬وكان هو الرجل الذي يريدونه‪ .‬لم‬
‫يستغل موقفه ويجعلهم ينتظرون‪.‬‬

‫"يا للوغاء!" صاح في البداية‪" .‬ما هذا الرجل الخبيث‪ ،‬ألبرت!"‬

‫وقد أزال "السيد" و"الفيكونت" تماًم ا‪ ،‬وحظي بالموافقة العامة لفعل ذلك‪.‬‬

‫"ولكن"‪ ،‬أضاف‪" ،‬كان لدي شكوكي دائمًا‪ .‬لم يعجبني هذا الرجل نصف اإلعجاب‪ .‬ترى اآلن إلى ماذا‬
‫نعرضه يوميًا في مهنتنا‪ ،‬وهو أمر مزعج بشدة‪ .‬لم يخفي المسؤول عن القضية ذلك عني‪' .‬السيد لوبان'‪،‬‬
‫قال لي‪' ،‬من المحزن جًدا بالنسبة لرجل مثلك أن تنتظر رجال مثل هذا األحمق'‪ .‬ويجب أن تعلموا أنه‪،‬‬
‫باإلضافة إلى امرأة عجوز تبلغ من العمر أكثر من ثمانين عاًم ا‪ ،‬اغتال أيًض ا فتاة صغيرة تبلغ من العمر‬
‫اثني عشر عاًم ا‪ .‬وقال لي المسؤول إن الطفل الصغير تم تفتيته إلى قطع صغيرة‪".‬‬

‫"آه!" قال جوزيف‪" ،‬ال بد أنه كان أحمًقا كبيًر ا‪ .‬هل األشخاص األثرياء يفعلون هذه األشياء بأنفسهم‪،‬‬
‫وعندما يوجد العديد من الشياطين الفقراء الذين يسعون فقط لكسب رزقهم؟"‬
‫"باه!" قال السيد لوبان بلهجة معرفة؛ "ستراه يخرج منها بيضاء كالثلج‪ .‬يستطيع هؤالء األثرياء فعل‬
‫أي شيء‪".‬‬
‫"على أي حال"‪ ،‬قال الطباخ‪" ،‬سأعطي بكل سرور راتب شهر واحد ألكون فأرة وأستمع إلى ما يتحدث‬
‫عنه الكونت والرجل الطويل الغامض‪ .‬لو اقترب أحدهم وحاول معرفة ما يحدث‪".‬‬
‫لم تلق هذا االقتراح أي ترحيب‪ .‬عرف الخدم من الخبرة أن التجسس في المناسبات الهامة كان أسوأ من‬
‫العديد‪.‬‬
‫ًأ‬
‫كان السيد دو كومارين يعرف كل شيء عن الخدم منذ الطفولة‪ .‬كانت دراسته‪ ،‬بالتالي‪ ،‬ملج من كل‬
‫خطأ‪ .‬يمكن ألذن األكثر حدة وضعها على الثقب لكنها لن تسمع شيًئا مما يجري داخل المكان‪ ،‬حتى‬
‫عندما يكون السيد في غضب ويصبح صوته األعلى‪ .‬كان دينيس‪ ،‬خادم الكونت‪ ،‬الوحيد الذي كان لديه‬
‫فرصة لجمع المعلومات‪ ،‬لكنه كان مدفوًعا جيًدا ليكون حذًرا‪ ،‬وكان كذلك‪.‬‬
‫في هذه اللحظة‪ ،‬كان السيد دو كومارين يجلس في نفس كرسي الذي ضرب فيه بضراوة في المساء‬
‫السابق أثناء االستماع إلى ألبير‪.‬‬
‫بمجرد أن نزل من عربته‪ ،‬استعاد النبيل العجوز طراوته‪ .‬أصبح أكثر ارتفاًعا في سلوكه‪ ،‬من كان‬
‫تواضًعا عندما كان أمام القاضي‪ ،‬كما لو كان يخجل مما اعتبره اآلن ضعًفا ال يغتفر‪.‬‬
‫تساءل كيف يمكنه أن يستسلم لدافع لحظي‪ ،‬كيف يمكن لحزنه أن يخونه بهذه الطريقة الخسيسة‪.‬‬
‫عندما تذكر االعترافات التي انتزعت منه بحالة من الهذيان‪ ،‬احمر وانتقد نفسه بشدة‪ .‬كما فعل ألبير في‬
‫الليلة السابقة‪ ،‬انتعش نويل بشكل كامل‪ ،‬ووقف مستقيمًا‪ ،‬بارًدا كالرخام‪ ،‬مهذًبا‪ ،‬لكن لم يعد متواضًعا‪.‬‬
‫تبادل األب واالبن األنظار التي لم تكن تحمل أي تعاطف أو ودود‪.‬‬

‫فاحصا بعضهما البعض‪ ،‬تقريًبا قاس كل منهما اآلخر‪ ،‬تماًم ا كما يشعر اثنان من الخصوم بالطريقة التي‬
‫يتحسسون بها بأعينهم قبل االصطدام بأسلحتهم‪.‬‬
‫"سيدي"‪ ،‬قال الكونت في النهاية بصوت خشن‪" ،‬من اآلن فصاعًدا هذا المنزل هو لك‪ .‬من هذه اللحظة‬
‫فصاعًدا أنت الفيكونت دو كومارين؛ تستعيد جميع الحقوق التي حرمت منها‪ .‬استمع‪ ،‬قبل أن تشكرني‪.‬‬
‫أريد‪ ،‬على الفور‪ ،‬إزالة كل سوء فهم من عندك‪ .‬تذكر هذا جيًدا‪ ،‬سيدي؛ لو كنت سيد الوضع‪ ،‬لما‬
‫اعترفت بك أبًدا‪ :‬كان يجب أن يبقى ألبير في الموضع الذي وضعته له‪".‬‬
‫"أنا أفهمك‪ ،‬سيدي"‪ ،‬رد نويل‪" ،‬ال أعتقد أنني يمكنني أبًدا أن أقوم بفعل مثل تلك التي حرمتني من حقي‬
‫في الوالدة؛ لكني أعلن أنه إذا كان لدي النحس في فعل ذلك‪ ،‬فسأتصرف بعد ذلك كما فعلت‪ .‬كانت‬
‫رتبتك بارزة جًدا للسماح باالعتراف الطوعي‪ .‬كان أفضل بألف مرة السماح بظلم يستمر في السر‪ ،‬بدًال‬
‫من تعريض االسم لتعليقات األشرار‪".‬‬
‫أدهش هذا الجواب الكونت‪ ،‬وكان مرتاًح ا للغاية‪ .‬ولكنه لم يدع سروره يظهر‪ ،‬وكان بصوت أكثر قسوة‬
‫أنه استأنف‪.‬‬
‫"ليس لي أي حق‪ ،‬سيدي‪ ،‬في مودتك؛ ال أطلبه منك‪ ،‬ولكنني أصر في جميع األوقات على االنحياز‬
‫األقصى للتبجيل‪ .‬من التقاليد في بيتنا‪ ،‬أال يقاطع االبن أباه عندما يتحدث؛ وقد كنت قد ارتكبت ذلك للتو‪.‬‬
‫كما أن األبناء ال يحكمون على آبائهم‪ ،‬وقد فعلت ذلك أيًضا‪.‬‬

‫عندما بلغت األربعين من عمري كان والدي في طفولته الثانية؛ لكني ال أتذكر أبًدا أنني رفعت صوتي‬
‫فوق صوته‪ .‬هذا يقال‪ ،‬أنا أستمر‪ .‬قدمت التمويل الالزم إلنفاق أسرة ألبير بالكامل‪ ،‬مختلفة عن نفسي‪،‬‬
‫ألن لديه خدمة وخيول وعربات خاصة به‪ ،‬وباإلضافة إلى ذلك‪ ،‬كنت أسمح للصبي البائس بأربعة آالف‬
‫فرنك شهرًيا‪.‬‬

‫قررت‪ ،‬من أجل وقف جميع األحاديث السخيفة‪ ،‬وجعل موقفك أسهل‪ ،‬أن تعيش بمستوى أعلى؛ وهذا‬
‫األمر يتعلق بنفسي‪ .‬كما سأزيد من البدل الشهري الخاص بك إلى ستة آالف فرنك‪ ،‬والذي آمل أن تنفقه‬
‫بشكل نبيل قدر اإلمكان‪ ،‬وتجنب إعطاء أي سبب للسخرية‪ .‬ال يمكنني تحذيرك بشدة كافية من ضرورة‬
‫الحذر الشديد‪ .‬احرص على نفسك‪ .‬وزن كلماتك جيًدا‪ .‬درس أدق أفعالك‪ .‬ستكون نقطة المراقبة آلالف‬
‫المتطفلين الوقحين الذين يشكلون عالمنا؛ ستكون أخطاؤك سعادتهم‪ .‬هل تجيد التجارب الفنية؟"‬
‫"بشكل معتدل‪".‬‬

‫ال‪ ،‬ولكن في غضون ستة أشهر سأكون فارًسا جيًدا‪ ،‬أو سأكسر رقبتي‪" .‬يجب عليك أن تصبح فارًسا‬
‫وال تكسر أي شيء‪ .‬لنستمر‪" ".‬بالطبع‪ ،‬لن تحتل شقق ألبرت‪ .‬سيتم تسوية األمر بتحصينها‪ ،‬بمجرد أن‬
‫أتخلص من الشرطة‪ .‬الحمد هلل! المنزل كبير‪ .‬ستحتل الجناح اآلخر ؛ وسيكون هناك مدخل منفصل إلى‬
‫شقتك‪ ،‬بسلم آخر‪ .‬الخدم‪ ،‬والخيول‪ ،‬والعربات‪ ،‬واألثاث‪ ،‬مثلما يليق بفيكونت‪ ،‬ستكون في خدمتك‪ ،‬بأي‬
‫ثمن‪ ،‬خالل ‪ 48‬ساعة‪ .‬في يوم استالمك للشقة‪ ،‬يجب أن تبدو كما لو كنت قد تم تثبيتك هناك لسنوات‪.‬‬
‫سيكون هناك فضيحة كبيرة ؛ لكن هذا ال يمكن تجنبه‪ .‬قد يرسلك األب الحكيم بعيًدا لبضعة أشهر إلى‬
‫المحاكم النمساوية أو الروسية ؛ لكن في هذه الحالة‪ ،‬سيكون مثل هذا الحكم من المفترض سخيفًا‪ .‬أفضل‬
‫بكثير صراخ رهيب ينتهي بسرعة ‪ ،‬من الهمس المنخفض الذي يستمر إلى األبد‪ .‬تحدى الرأي العام ؛‬
‫وفي غضون ثمانية أيام‪ ،‬سيكون قد استنفد تعليقاته‪ ،‬وسيكون القصة قديمة‪ .‬لذلك‪ ،‬للعمل! هذا المساء ‪،‬‬
‫سيكون العمال هنا ؛ وأوًال وقبل كل شيء‪ ،‬يجب أن أقدمك إلى خدمي‪" .‬‬
‫لتنفيذ هذا الهدف‪ ،‬انتقل الكونت لمس الحبل الذي يدق الجرس‪ .‬أوقفه نويل‪.‬‬
‫منذ بداية هذه المقابلة‪ ،‬تجول المحامي في مناطق ألف ليلة وليلة‪ ،‬مع مصباح سحري في يده‪ .‬ألقت‬
‫الواقعية الخيالية ظاللها على أحالمه األكثر جنوًنا‪ .‬كان مذهواًل بكلمات الكونت‪ ،‬وكان بحاجة إلى كل‬
‫عقله لمحاربة الدوار الذي يأتي عليه‪ ،‬عندما يدرك ثروته الكبيرة‪.‬‬
‫بمسة سحرية‪ ،‬بدا وكأنه يستيقظ أللف وإحساس جديد غير معروف‪ .‬كان يدور في األرجواني‪ ،‬ويستحم‬
‫في الذهب‪.‬‬
‫ًف‬
‫لكنه عرف كيف يظهر بال حراك‪ .‬وقد تعلم وجهه الحفاظ على سر االنفعاالت الداخلية األكثر عن ا‪ .‬في‬
‫حين ترددت جميعواطفه الداخلية‪ ،‬بدا كمن يستمع بحزن وبرود تقريًبا‪.‬‬
‫"اسمح لي‪ ،‬سيدي"‪ ،‬قال للكونت "دون تجاوز حدود االحترام األقصى‪ ،‬أن أقول بضع كلمات‪ .‬أنا متأثر‬
‫أكثر مما يمكنني التعبير عنه بلطفك‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬أرجوك أن تؤجل تجسيد اإلحساس باللطف الذي تقدمه‪.‬‬
‫االقتراح الذي أنوي أن أقدمه قد يبدو لك جديًر ا بالنظر‪ .‬يبدو لي أن الوضع يتطلب أعظم حساسية من‬
‫جانبي‪ .‬الجيد أن يتحدى الرأي العام ‪ ،‬ولكن ليس لتحّد يه‪ .‬أنا متأكد من أنني سأحكم علي بأشد العقوبات‪.‬‬
‫إذا احتللت منزلك بهذه السرعة ‪ ،‬فماذا سيقال؟ سأظهر وكأنني غزوته ‪ ،‬وأفكر قليًال ‪ ،‬طالما نجحت ‪،‬‬
‫في تجاوز جثة المغلوب عليه‪ .‬سينتقدونني الحتاللي للسرير الذي ال يزال دافًئا من جسد ألبرت‪.‬‬
‫سيسخرون بمرارة من سرعتي في احتالله‪ .‬سيقارنونني بألبرت بالتأكيد ‪ ،‬وسيكون التحقق يتحدث عن‬
‫عيوبي ‪ ،‬حيث يبدو أنني أنتصر في وقت تعرض فيه منزلنا لكارثة كبيرة"‪.‬‬

‫الكونت استمع دون إظهار أي عالمات من عدم الموافقة‪ ،‬ربما يكون مدهوًش ا بعدل هذه األسباب‪ .‬تخيل‬
‫نويل أن قسوته كانت أكثر تظاهًر ا بالواقع‪ ،‬وهذه الفكرة أشعرته بالتشجيع‪.‬‬

‫"أرجوك‪ ،‬سيدي"‪ ،‬استمر نويل "ال تسمح لي في الوقت الحالي بتغيير طريقة عيشي‪ .‬بعدم ظهوري‪،‬‬
‫سأترك كل التعليقات الشريرة تضيع في الهواء‪ ،‬سأترك الرأي العام يتعرف بشكل أفضل على فكرة‬
‫التغيير القادم‪ .‬هناك الكثير في عدم مفاجأة العالم‪ .‬بالتوقع‪ ،‬لن يكون لدي الهواء الذي يشبه المتطفل‬
‫عندما أقدم نفسي‪.‬‬

‫بالغياب‪ ،‬سأحصل على مزايا التي يتمتع بها الغير معروف دائًم ا‪ .‬سأحصل على رأي جيد من جميع‬
‫الذين يغارون على ألبرت؛ وسأضمن كمدافعين جميع الذين سيهاجمونني غًدا‪ ،‬إذا حدث ارتفاعي بشكل‬
‫مفاجئ عليهم‪.‬‬

‫باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬من خالل هذا التأخير‪ ،‬سأعتاد على تغيير ثروتي المفاجئ‪ .‬ال ينبغي علي أن أدخل‬
‫في عالمك‪ ،‬الذي أصبح اآلن لي‪ ،‬األخالقيات التي تناسب المترف الجديد‪ .‬ال ينبغي أن يزعجني اسمي‪،‬‬
‫مثل معطف ذي مقاس سيء‪".‬‬

‫"ربما يكون األحكم"‪ ،‬همس الكونت‪.‬‬


‫أدهش هذا االستجابة السهلة التي حصل عليها نويل‪ .‬حصل على فكرة أن الكونت كان يريد فقط اختباره‬
‫وإغرائه‪ .‬في أي حال‪ ،‬سواء انتصر ببالغته‪ ،‬أو ببساطة تجنب فًخ ا‪ ،‬نجح‪ .‬زادت ثقته؛ استعاد كل ثقته‬
‫السابقة‪.‬‬

‫"يجب علي أن أضيف‪ ،‬سيدي"‪ ،‬استمر نويل "أن هناك بعض األمور المتعلقة بنفسي تتطلب اهتمامي‪.‬‬
‫قبل الدخول في حياتي الجديدة‪ ،‬يجب أن أفكر في الذين أتركهم ورائي‪ .‬لدي أصدقاء وعمالء‪ .‬هذا‬
‫الحدث أفاجأني‪ ،‬بينما أنا في بداية جني ثمار عشر سنوات من العمل الشاق والمثابرة‪ .‬لم أزرع حتى‬
‫اآلن‪ ،‬وأنا على وشك الحصاد‪ .‬اسمي معروف بالفعل‪ ،‬وحصلت على بعض التأثير‪ .‬أعترف‪ ،‬دون‬
‫خجل‪ ،‬أنني في السابق اعتنقت أفكاًرا وآراًء ا ال تناسب هذا البيت؛ ومن المستحيل في مدة يوم واحد ‪"-‬‬
‫"آه!" قاطع الكونت بلهجة ساخرة‪" ،‬أنت ليبرالي؟ إنه مرض رائج‪ .‬ألبرت كان أيًض ا ليبرالًيا كبيًرا‪".‬‬

‫"كانت أفكاري‪ ،‬سيدي"‪ ،‬قال نويل بسرعة‪" ،‬أفكار كل رجل ذكي يريد النجاح‪ .‬باإلضافة إلى ذلك‪،‬‬
‫ليست لدى جميع األحزاب هدف واحد وهو السلطة؟ إنما يختلفون في وسائل الوصول إليها‪ .‬لن أتحدث‬
‫عن هذا الموضوع بالتفصيل‪ .‬تأكد‪ ،‬يا سيدي‪ ،‬أنني سأعرف كيفية تحمل اسمي‪ ،‬والتفكير والتصرف‬
‫كرجل من رتبتي‪".‬‬

‫"آمل ذلك"‪ ،‬قال السيد دي كومارين‪" ،‬وآمل أال تجعلني يوًم ا ما أندم على البرت‪".‬‬

‫"على األقل‪ ،‬سيدي‪ ،‬لن يكون ذلك بسببي‪ .‬ولكن‪ ،‬منذ أن ذكرت اسم تلك الشاب المؤسف‪ ،‬دعونا نهتم‬
‫به‪".‬‬

‫ألقى الكونت نظرة شكوك على نويل‪" .‬ماذا يمكن فعله اآلن لأللبرت؟" سأل‪.‬‬

‫"ماذا‪ ،‬سيدي!" صرخ نويل بحماسة‪" ،‬أتريد تخليصه‪ ،‬عندما ال يوجد لديه صديق في العالم؟ ال يزال‬
‫هو ابنك يا سيدي‪ ،‬وهو أخي‪ .‬لثالثينعاًم ا‪ ،‬حمل اسم كومارين‪ .‬جميع أفراد العائلة مسؤولون مًعا‪ .‬سواء‬
‫كان بريًئا أو مذنًبا‪ ،‬فلديه الحق في االعتماد علينا؛ ونحن مدينون له بمساعدتنا‪".‬‬

‫"ما الذي تأمله بعد ذلك‪ ،‬يا سيدي؟" سأل الكونت‪.‬‬

‫"أريد إنقاذه‪ ،‬إذا كان بريئا؛ وأحب أن أعتقد أنه كذلك‪ .‬أنا محاٍم ‪ ،‬يا سيدي‪ ،‬وأرغب في الدفاع عنه‪ .‬قيل‬
‫لي إن لدي بعض الموهبة؛ وفي مثل هذه القضية يجب أن يكون لدي‪ .‬نعم‪ ،‬مهما كانت التهم ضده قوية‪،‬‬
‫سأطيح بها‪ .‬سأزيل جميع الشكوك‪ .‬ستنبثق الحقيقة عند سماع صوتي‪ .‬سأجد أصواًتا جديدة ألحث‬
‫القضاة باإليمان الذي أملكه‪ .‬سأنقذه‪ ،‬وهذه ستكون قضيتي األخيرة‪".‬‬

‫"وإذا اعترف‪ "،‬قال الكونت‪" ،‬إذا كان قد اعترف بالفعل؟"‬


‫"إذن‪ ،‬يا سيدي"‪ ،‬رد نويل بنظرة مظلمة‪" ،‬سأقدم له الخدمة األخيرة التي أطلبها من أخ‪ ،‬في مثل هذه‬
‫الكارثة‪ ،‬سأوفر له وسائل تجنب المحاكمة‪".‬‬

‫"هذا يقال بشكل جيد‪ ،‬يا سيدي"‪ ،‬قال الكونت‪" ،‬جيًدا جًدا‪ ،‬ابني!"‬
‫ومد يده إلى نويل‪ ،‬الذي ضغط عليها‪ ،‬مقبًال االعتراف باالحترام‪ .‬استنشق المحامي أنفاًسا عميقة‪ .‬أخيرًا‬
‫وجد الطريق إلى قلب هذا النبيل العتيد‪ ،‬فقد غلبه‪ ،‬وأسعده‪.‬‬

‫"لنعود إليك‪ ،‬يا سيدي"‪ ،‬واصل الكونت‪" ،‬أستسلم لألسباب التي اقترحتها‪ .‬سيتم كل شيء كما تريد‪.‬‬
‫ولكن ال تعتبر ذلك سابقة‪ .‬ال أغير خططي‪ ،‬حتى لو ثبت أنها سيئة‪ ،‬وتعارض مصالحي‪ .‬ولكن على‬
‫األقل ال يوجد شيء يمنعك من البقاء هنا من اليوم‪ ،‬وتناول وجباتك معي‪ .‬سنرى في المقام األول أين‬
‫يمكن أن تسكن‪ ،‬حتى تتولى رسمًيا الشقق التي يتعين تجهيزها لك‪".‬‬

‫لم يتردد نويل في مجدًدا في اقتحام النبيل العتيد‪.‬‬


‫"سيدي"‪ ،‬قال‪" ،‬عندما أمرتني بمتابعتك هنا‪ ،‬اطعتك‪ ،‬كواجب علي‪ .‬اآلن‪ ،‬يدعوني واجب آخر ومقدس‬
‫لالبتعاد عن هنا‪ .‬السيدة جيردي في هذه اللحظة على فراش الموت‪ .‬هل يجب أن أترك فراش الموت‬
‫لتلك التي شغلت مكان والدتي؟"‬

‫"فاليري!" همس الكونت‪ .‬وانحنى على ذراع كرسيه‪ ،‬وجهه مدفوٌن في يديه‪ .‬في لحظة واحدة‪ ،‬ارتفعت‬
‫كل الماضي أمامه‪.‬‬

‫"لقد ألحقت بي ضرًرا كبيًر ا"‪ ،‬همس كأنه يجيب أفكاره‪" .‬لقد دمرت حياتي بأكملها‪ ،‬ولكن هل يجب أن‬
‫أكون ال يرحم؟ إنها تموت بسبب االتهام الذي يحوم حول ابننا ألبرت‪ .‬وكنت أنا السبب في كل هذا‪ .‬بال‬
‫شك‪ ،‬في هذه الساعة األخيرة‪ ،‬كلمٌة مني ستكون عزاًء كبيًر ا لها‪ .‬سأرافقك‪ ،‬يا سيدي‪".‬‬
‫اهتز نويل عند هذا االقتراح الغير متوقع‪.‬‬

‫"أوه يا سيدي!" قال على عجل‪" ،‬تجنب نفسك عرًضا مؤلًم ا‪ ،‬أرجوك‪ .‬لن يكون ذهابك مفيًدا‪ .‬السيدة‬
‫جيردي ما زالت على األرجح على قيد الحياة‪ ،‬ولكن عقلها قد مات‪ .‬لم يكن دماغها قادًر ا على مقاومة‬
‫صدمٍة عنيفٍة مثل هذه‪ .‬لن تتعرف المرأة المسكينة عليك أو تفهمك‪".‬‬

‫"انطلق بمفردك‪ "،‬تنهد الكونت‪" ،‬انطلق‪ ،‬يا ابني!"‬

‫كلمات "يا ابني"‪ ،‬التي نطق بها بتركيٍز واضح‪ ،‬بدت في أذني نويل وكأنها نغمة انتصار‪.‬‬
‫وأعتذر نويل ليغادر‪ .‬حرك الكونت يده إليقافه‪.‬‬

‫"على أي حال"‪ ،‬قال‪" ،‬سيتم تجهيز مكان لك على المائدة هنا‪ .‬أتناول طعامي الرئيسي الساعة السادسة‬
‫والنصف بالضبط‪ .‬سيسعدني رؤيتك‪".‬‬

‫جرس‪ ،‬وظهر خادمه‪.‬‬


‫"دينيس"‪ ،‬قال‪" ،‬ال يؤثر أي من األوامر التي أعطيها على هذا السيد‪ .‬ستخبر ذلك لجميع الخدم‪ ،‬هذا‬
‫السيد في بيته هنا‪".‬‬

‫وّد ع المحامي‪ ،‬وشعر الكونت باالرتياح لتكونه وحيًدا مرًة أخرى‪ .‬منذ الصباح‪ ،‬اتبعت األحداث بسرعٍة‬
‫مربكٍة ‪ ،‬بحيث لم تتمكن أفكاره من مواكبتها‪ .‬في النهاية‪ ،‬كان قادًر ا على التفكير‪.‬‬

‫"إذن‪ "،‬قال لنفسه‪" ،‬هذا هو ابني الشرعي‪ .‬أنا متأكد من والدته‪ ،‬على األقل‪ .‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬سأكون‬
‫غبًيا إذا قمت بنفيه‪ ،‬فأج‪NN‬ده ص‪NN‬ورًة مطابق‪ًN‬ة لي في عم‪NN‬ر الثالثين‪ .‬إن‪NN‬ه ش‪NN‬اٌب وس‪NN‬يم‪ ،‬نوي‪NN‬ل‪ ،‬جمي‪NN‬ل ج‪ًNN‬دا‪.‬‬
‫مالمحه لصالحه بال شك‪ .‬هو ذكي وحاد البصيرة‪.‬‬

‫يعرف كيف يتواضع دون إنحدار‪ ،‬ويكون قوًيا دون انتهازية‪ .‬لم تفته الحظوة الجيدة التي أتته بتصرفاته‪.‬‬
‫أنا متفائٌل بشأن رجل يعرف كيف يتصرف في الرخاء‪ .‬يفكر بشكٍل جيد‪ ،‬وسوف يحمل عنوانه بكرام‪NN‬ة‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬ال أشعر بأي تعاطٍف معه‪ ،‬يبدو لي أنني سأندم دائًم ا على فقدان ألبرت الفق‪NN‬ير‪ .‬لم أكن أع‪NN‬رف‬
‫كيف أقدره‪ .‬يا له من شاٍب مشؤوم! إلرتكابه جريمًة بغيضًة كهذه! يجب أن يكون قد فقد عقله‪.‬‬
‫ال أحب نظرة عينيه‪ .‬يقولون إنه مث‪N‬الي‪ ،‬على األق‪NN‬ل‪ ،‬يع‪N‬بر عن أنب‪N‬ل األفك‪N‬ار والمش‪N‬اعر المناس‪N‬بة‪ .‬ه‪N‬و‬
‫لطيف وقوي وسخي وبطل‪ .‬ليس لديه شًرا‪ ،‬وهو مستعٌد للتضحية بنفسه ليعوضني عم‪NN‬ا فعلت ل‪NN‬ه‪ .‬يغف‪NN‬ر‬
‫لمدام جيردي‪ ،‬ويحب ألبرت‪ .‬هذا يكفي لجعلني أشك فيه‪ .‬ولكن جميع الش‪NN‬باب في ه‪NN‬ذه األي‪NN‬ام ك‪NN‬ذلك‪ .‬آه‪،‬‬
‫نحن نعيش في عصٍر سعيد‪ .‬يولد أطفالنا خاليين من جميع العيوب اإلنسانية‪.‬‬

‫ليس لديهم الفساد والعواطف والسلوكيات الس‪N‬يئة آلب‪N‬ائهم‪ .‬وه‪N‬ؤالء الفالس‪N‬فة المبك‪N‬رين‪ ،‬نم‪N‬اذج الحكم‪N‬ة‬
‫والفضيلة‪ ،‬غير قادرين على ارتكاب أدنى حماقٍة‪ .‬ولكن يا لألسف! كان ألبرت أيًضا مثالًي ا‪ ،‬ولكن‪NN‬ه قت‪NN‬ل‬
‫كلودين! ماذا سيفعل هذا الشاب؟ ‪ -‬ومع ذلك‪ "،‬أض‪NN‬اف‪ ،‬يتكلم بص‪NN‬وٍت خ‪NN‬افت‪" ،‬يجب أن أرافق‪NN‬ه لرؤي‪NN‬ة‬
‫فاليري!"‬

‫وعلى الرغم من أن المحامي قد غادر منذ عشر دقائق جيدة على األقل‪ ،‬إال أن السيد دو كوم‪NN‬اران‪ ،‬دون‬
‫أن ي‪NN‬درك كي‪NN‬ف م‪NN‬ر ال‪NN‬وقت‪ ،‬س‪NN‬ارع إلى الناف‪NN‬ذة على أم‪NN‬ل رؤي‪NN‬ة نوي‪NN‬ل في الفن‪NN‬اء واس‪NN‬تدعائه للع‪NN‬ودة‪.‬‬
‫لكن نويل كان بعيدًا بالفعل‪ .‬عندما غادر المنزل‪ ،‬استأجر سيارة أجرة وتم نقله بسرعة إلى شارع س‪NN‬انت‬
‫الزار‪.‬‬
‫عندما وصل إلى باب منزله‪ ،‬ألقى خمسة فرانك‪NN‬ات على الس‪NN‬ائق ب‪NN‬دًال من تس‪NN‬ليمها ل‪NN‬ه‪ ،‬وركض بس‪NN‬رعة‬
‫صعودًا األربعة طوابق‪.‬‬

‫"من الذي زارني؟" سأل الخادم‪" .‬ال أحد‪ ،‬سيدي‪".‬‬

‫بدا وكأنه تخفى عنه قلٌق كبير‪ ،‬واستمر بصوٍت أكثر هدوًء ا‪" :‬والطبيب؟"‬

‫"جاء هذا الصباح‪ ،‬سيدي"‪ ،‬أجابت الفتاة‪" ،‬وأنت كنت خارًجا‪ ،‬ولم يبُد أي أمل‪ .‬ج‪NN‬اء م‪NN‬رة أخ‪NN‬رى اآلن‪،‬‬
‫ومازال هنا‪".‬‬

‫"حسنًا‪ .‬سأذهب ألتحدث معه‪ .‬إذا اتصل أي شخص‪ ،‬فأرشده إلى مكتبي وأخبرني‪".‬‬

‫عندما دخل نويل غرفة السيدة ج‪NN‬يردي‪ ،‬رأى على الف‪NN‬ور أن‪NN‬ه لم يح‪NN‬دث أي تحس‪NN‬ن خالل غياب‪NN‬ه‪ .‬الس‪NN‬يدة‬
‫المريضة مستلقية على ظهرها بعينين ثابتتين ومالمح متشنجة‪ .‬بدت وكأنها ميتة‪ ،‬باس‪NN‬تثناء االه‪NN‬تزازات‬
‫المفاجئة التي تهزها بين الحين واآلخر‪ ،‬وتفرق بين األغطية‪.‬‬

‫وضعت فوق رأسها وعاء صغير مملوء بالماء المثلج الذي يسقط قطرة بعد قط‪NN‬رة على جبينه‪NN‬ا المغطى‬
‫ببقع زرقاء كبيرة‪ .‬كانت الطاولة والمنض‪NN‬دة مغط‪NN‬اة ب‪NN‬أواني ص‪NN‬غيرة وزجاج‪NN‬ات أدوي‪NN‬ة وأك‪NN‬واب نص‪NN‬ف‬
‫فارغة‪ .‬عند قدم السرير‪ ،‬كان قطعة من القماش الملطخة بالدم تدل على أن الطبيب استخدم للتو العلق‪NN‬ات‬
‫الدموية‪.‬‬
‫بجانب المدفأة‪ ،‬حيث كان يحترق ن‪NN‬ار كب‪NN‬يرة‪ ،‬ك‪NN‬انت راهب‪NN‬ة من رهبن‪NN‬ة الق‪NN‬ديس فنس‪NN‬نت دو ب‪NN‬ول ترك‪NN‬ع‪،‬‬
‫تراقترب السريان‪ ،‬وهي امرأة شابة‪ ،‬وجهها أبيض كالثلج‪.‬‬
‫تدلت ثيابها الرمادية الثقيلة عليها بتجاعيد غير أنيقة‪ .‬وفي كل مرة تح‪NN‬ركت فيه‪NN‬ا‪ ،‬ه‪NN‬زت سلس‪NN‬لة الخ‪NN‬رز‬
‫الطويلة المص‪NN‬نوعة من خش‪NN‬ب الص‪NN‬ندل المل‪NN‬ون‪ ،‬ال‪NN‬تي ك‪NN‬انت محمل‪NN‬ة بالص‪NN‬لبان والمي‪NN‬داليات النحاس‪NN‬ية‪،‬‬
‫وترجلت على األرض بصوت يشبه صوت سالسل الحديد‪.‬‬

‫كان الدكتور هيرف يجلس على كرسي مقابل الس‪NN‬رير‪ ،‬ويش‪NN‬اهد بانتب‪NN‬اه ش‪NN‬ديد تحض‪NN‬يرات الراهب‪NN‬ة‪ .‬قف‪NN‬ز‬
‫على قدميه عندما دخل نويل‪.‬‬

‫"أخيًر ا وصلت"‪ ،‬قال يعطي صديقه قبضة يده القوية‪.‬‬


‫"لقد تم عرقلتي في البالس"‪ ،‬قال المحامي وكأنه يشعر بضرورة شرح غياب‪N‬ه‪" ،‬وق‪NN‬د كنت‪ ،‬كم‪N‬ا يمكن‪N‬ك‬
‫تخيل‪ ،‬قلًقا بشدة"‪.‬‬

‫انحنى نحو أذن الطبيب‪ ،‬وبصوت يرتجف سأل‪" :‬هل هي تحسنت بأي شكل من األشكال؟"‬
‫هز الطبيب رأسه بمظهر يدل على اإلحباط العميق‪.‬‬
‫"هي أس‪NN‬وأ بكث‪NN‬ير"‪ ،‬أج‪NN‬اب الط‪NN‬بيب‪" ،‬فمن‪NN‬ذ الص‪NN‬باح تع‪NN‬اقبت األع‪NN‬راض الس‪NN‬يئة على بعض‪NN‬ها بس‪NN‬رعة‬
‫مرعبة"‪.‬‬
‫توقف قليًال‪ .‬قبض المحامي على ذراعه وضغط عليه بكل قوته‪ .‬حركت السيدة ج‪NN‬يردي قليًال‪ ،‬وخ‪NN‬رجت‬
‫منها شكوى ضعيفة‪.‬‬

‫"سمعتك"‪ ،‬همس نويل‪.‬‬

‫"أتمنى أن يكون األمر كذلك"‪ ،‬قال الطبيب‪" ،‬سيكون ذلك مشجًعا للغاية‪ .‬ولكن أخشى أنك مخطئ‪ .‬وم‪NN‬ع‬
‫ذلك‪ ،‬سنرى‪ ".‬تقدم الطبيب نحو السيدة جيردي‪ ،‬وبينما كان يشعر بنبض‪NN‬ها‪ ،‬فحص‪NN‬ها بعناي‪NN‬ة‪ ،‬ثم بط‪NN‬رف‬
‫إصبعه رفع جفنها بخفة‪.‬‬

‫ظهر العين باهتة وميتة وخالية من الحياة‪.‬‬

‫"تعال‪ ،‬احكم بنفسك‪ ،‬خذ يدها وتحدث إليها"‪ ،‬قال الطبيب‪.‬‬

‫فعل نويل كما أراد صديقه‪ ،‬وتقدم‪ ،‬وانحنى فوق السرير‪ ،‬بحيث ك‪NN‬اد فم‪NN‬ه يالمس أذن الم‪NN‬رأة المريض‪NN‬ة‪،‬‬
‫وهو يهمس‪" :‬أمي‪ ،‬أنا نويل‪ ،‬نويلك الخاص‪ .‬تحدثي معي‪ ،‬أعطي إشارة‪ ،‬هل تسمعيني يا أمي؟"‬
‫لم يكن هناك أي جدوى‪ ،‬فظلت ساكنة بشكل مرعب‪ .‬لم يظهر أي عالمة على الذكاء على مالمحها‪.‬‬

‫"ترى؟"‪ ،‬قال الطبيب‪" ،‬قلت لك الحقيقة"‪.‬‬


‫"السيدة الفقيرة"‪ ،‬تنهد نويل‪" ،‬هل تعاني؟"‬
‫"ال حاليًا"‪.‬‬

‫واآلن قامت الراهبة‪ ،‬وجاءت هي أيًض ا بجانب السرير‪" .‬يا دكتور"‪ ،‬قالت‪" :‬كل شيء جاهز"‪.‬‬
‫"ثم ادعو الخادمة‪ ،‬أختي‪ ،‬لمساعدتنا‪ .‬نحن ذاهبون لوضع لفتة خردلية‪".‬‬
‫أسرعت الخادمة‪ .‬كانت السيدة جيردي‪ ،‬في أحضان النساء‪ ،‬كالجثة يتم تجهيزه‪NN‬ا للم‪NN‬رة األخ‪NN‬يرة‪ .‬ك‪NN‬انت‬
‫قاسية كأنها ميتة‪ .‬يجب أن تكون قد عانت كثيًرا وطويًال‪ ،‬الفقيرة‪ ،‬ألنه كان مؤلًم ا رؤيته‪N‬ا به‪N‬ذا النحاف‪N‬ة‪.‬‬
‫كانت الراهبة نفسها متأثرة‪ ،‬على الرغم من أنها تعودت على رؤية المعاناة‪ .‬كم من مرض‪NN‬ى الس‪NN‬رير ق‪NN‬د‬
‫توفوا في حضنها خالل الخمسة عشر عاًم ا التي قضتها فوق وسادة بعد وسادة!‬

‫نويل‪ ،‬خالل هذا الوقت‪ ،‬انسحب إلى الزاوية النافذة‪ ،‬وضغط جبينه المحترق على الزجاج‪.‬‬
‫ماذا كان يفكر فيه‪ ،‬بينما تموت تلك التي أعطته العديد من األدلة على الحنان والتفاني األمومي على بعد‬
‫خطوات منه؟ هل يندم عليها؟ أم أنه ال يفكر بدًال من ذلك في الحياة الكب‪N‬يرة والرائع‪N‬ة ال‪N‬تي تنتظ‪N‬ره على‬
‫الجانب اآلخر من النهر‪ ،‬في فوبورغ سان جيرمان؟ تحول انتباهه فجأة عند سماع صوت صديقه‪.‬‬

‫"انتهى األمر"‪ ،‬قال الطبيب‪" ،‬علينا اآلن انتظار تأثير الخردل‪ .‬إذا شعرت به‪ ،‬سيكون ذلك إشارة جي‪N‬دة؛‬
‫إذا لم يكن له تأثير‪ ،‬فسنحاول التحجيم‪".‬‬

‫"وإذا لم ينجح ذلك؟"‬

‫أجاب الطبيب فقط بتحويل كتفيه‪ ،‬مما يظهر عجزه عن القيام بأكثر من ذلك‪.‬‬

‫"أفهم صمتك‪ ،‬هيرفي"‪ ،‬همس نويل‪" .‬اللعنة! لقد قلت لي الليلة الماضية إنها فقدت‪".‬‬
‫"علميًا‪ ،‬نعم‪ .‬ولكنني ال أفقد األمل بعد‪ .‬لم يمِض عاٌم بعد عندما تعافى والد زوج أحد أصدقائنا من هجوم‬
‫تقريًبا مماثل‪ ،‬ورأيته وهو أسوأ بكثير من هذا؛ كانت قد حدثت التنميالت‪".‬‬

‫"يؤذي قلبي أن أراها في هذه الحالة"‪ ،‬استأنف نويل‪" .‬ه‪NN‬ل يجب أن تم‪NN‬وت ب‪NN‬دون اس‪NN‬تعادة عقله‪NN‬ا ح‪NN‬تى‬
‫لحظة واحدة؟ ألن تعرفني‪ ،‬وتتحدث معي؟"‬

‫"من يعرف؟ هذا المرض‪ ،‬يا صديقي الفقير‪ ،‬يحير كل التنبؤات‪ .‬يمكن أن يتغير المنظر في ك‪NN‬ل لحظ‪NN‬ة‪،‬‬
‫حسبما يؤثر االلتهاب على ه‪NN‬ذا أو ذاك من أج‪NN‬زاء ال‪NN‬دماغ‪ .‬اآلن‪ ،‬هي في حال‪NN‬ة ع‪N‬دم اإلحس‪NN‬اس الكام‪NN‬ل‪،‬‬
‫واإلرهاق الكامل لجميع القدرات العقلية‪ ،‬والغيبوبة‪ ،‬والشلل تقريًبا؛ غًدا‪ ،‬قد تصاب بالتشنجات‪ ،‬وتراف‪NN‬ق‬
‫ذلك هذياًنا شديًدا‪".‬‬

‫"وهل ستتحدث في ذلك الوقت؟"‬


‫"بالتأكيد؛ ولكن هذا لن يعدل طبيعة المرض أو خطورته‪".‬‬
‫"وهل ستستعيد عقلها؟"‬

‫"ربما"‪ ،‬أجاب الطبيب‪ ،‬وهو ينظر بتمعن إلى صديقه‪" .‬ولكن لماذا تسأل عن ذلك؟"‬
‫"أها‪ ،‬يا هيرفي العزيز‪ ،‬كلمة واحدة من السيدة جيردي‪ ،‬فقط واحدة‪ ،‬ستكون لي منفعة كبيرة!"‬

‫"بالنسبة لشأنك‪ ،‬ه‪NN‬اه! حس‪ًN‬نا‪ ،‬ال يمكن‪NN‬ني أن أخ‪NN‬برك بش‪NN‬يء‪ ،‬ال يمكن‪NN‬ني أن أع‪NN‬دك بش‪NN‬يء‪ .‬ل‪NN‬ديك ف‪NN‬رص‬
‫متساوية تقريًبا في صالحك وضدك؛ فقط‪ ،‬ال تتركها‪ .‬إذا عاد عقله‪NN‬ا‪ ،‬فس‪NN‬يكون ذل‪NN‬ك لحظًي ا فق‪NN‬ط‪ ،‬ح‪NN‬اول‬
‫االستفادة من ذلك‪ .‬ولكن يجب أن أذهب"‪ ،‬أضاف الطبيب؛ "ال يوجد حاج‪N‬ة لي ح‪N‬تى اآلن‪ ،‬ول‪N‬دي ثالث‪N‬ة‬
‫مكالمات أخرى‪".‬‬
‫تابع نويل صديقه‪ .‬عندما وصلوا إلى الممر‪ ،‬سأل‪" :‬هل ستعود؟"‬
‫"هذا المساء‪ ،‬في تمام الساعة التاسعة‪ .‬لن يكون هناك حاجة لي حتى ذل‪NN‬ك الحين‪ .‬ك‪NN‬ل ش‪NN‬يء يعتم‪NN‬د على‬
‫الحارس‪ .‬لكنني اخترت لؤلؤة‪ .‬أعرفها جيًدا‪".‬‬

‫"إذن‪ ،‬لقد جلبت هذه الراهبة؟"‬


‫"نعم‪ ،‬وبدون إذنك‪ .‬هل أنت غير راٍض؟"‬
‫"بالمرة‪ .‬فقط‪ ،‬أعترف—"‬
‫"ماذا! تعمل تعابير وجهك‪ .‬هل آراؤك السياسية تمنعك من رعاية والدتك‪ ،‬يعني السيدة جيردي‪ ،‬من قبل‬
‫راهبة من سان فيسان؟"‬
‫"عزيزي هيرفي‪ ،‬أنت—"‬

‫"أها! أعرف ما تريد قوله‪ .‬إنهم ماهرون‪ ،‬مستفزون‪ ،‬خطرين‪ ،‬كل هذا ص‪N‬حيح تماًم ا‪ .‬إذا ك‪N‬ان ل‪N‬دي عم‬
‫ث‪NN‬ري ق‪NN‬ديم وأتوق‪NN‬ع أن أك‪NN‬ون وريث‪NN‬ه‪ ،‬فلن أدخ‪NN‬ل أح‪NN‬دهم إلى منزل‪NN‬ه‪ .‬في بعض األحي‪NN‬ان يتم تكلي‪NN‬ف ه‪NN‬ذه‬
‫المخلوقات الطيبة ببعض المهام الغريبة‪ .‬ولكن‪ ،‬ما الذي تخشاه من هذا؟ ال تهتم بما يقوله األغبياء‪ .‬بعيًدا‬
‫عن المال‪ ،‬فإن هؤالء الراهبات الكريمات هن أفضل ممرض‪N‬ات في الع‪N‬الم‪ .‬آم‪N‬ل أن تك‪N‬ون ل‪N‬ديك واح‪N‬دة‬
‫عندما تأتي نهايتك‪ .‬ولكن‪ ،‬وداًعا؛ أنا مستعجل‪".‬‬

‫وبغض النظر عن كرامته المهنية‪ ،‬اندفع الطبيب بسرعة نحو الدرج‪ ،‬بينما عاد نويل إلى السيدة ج‪NN‬يردي‬
‫ووجهه يعكس القلق الشديد وهو مليء بالتفكير‪.‬‬
‫وفي باب غرفة المريضة‪ ،‬كانت الراهبة تنتظر عودة المحامي‪" .‬سيدي"‪ ،‬قالت‪" ،‬سيدي"‪.‬‬
‫"هل تريد شيًئا مني‪ ،‬أختي؟"‬
‫"سيدي‪ ،‬طلبت مني الخادمة المال‪ ،‬فليس لديها المزيد واضطرت للحصول على ديون من الصيدلي"‪.‬‬
‫"عذًر ا‪ ،‬أختي"‪ ،‬قاطع نويل‪ ،‬وهو يبدو غاضًبا للغاية؛ "عذًر ا لعدم توقع طلبك‪ ،‬ولكنك ترى أنني محت‪NN‬ار‬
‫قليًال"‪.‬‬
‫ثم‪ ،‬وضع ورقة مائة فرنك على الموقد‪ ،‬وقال‪" :‬شكًر ا لك‪ ،‬أختي‪ .‬سأحتفظ بتفاصيل ما أنفق‪N‬ه‪ .‬نفع‪N‬ل ذل‪N‬ك‬
‫دائًم ا"‪ ،‬وأضافت‪" :‬إنها أك‪NN‬ثر مالءم‪NN‬ة للعائل‪NN‬ة‪ .‬فاإلنس‪NN‬ان يش‪NN‬عر ب‪NN‬القلق عن‪NN‬دما ي‪NN‬رى أحب‪NN‬اءه يع‪NN‬انون من‬
‫المرض‪ .‬ربما لم تفكر في إعطاء هذه المرأة الفقيرة العون الحلو لديننا المقدس! في مكانك‪ ،‬سيدي‪ ،‬كنت‬
‫سأرسل على الفور إلى الكاهن‪"،‬‬

‫"ماذا‪ ،‬اآلن‪ ،‬أختي؟ أال ترين حالتها؟ إنها كالميتة؛ لقد رأيت أنها لم تسمع صوتي"‪.‬‬

‫"ال يهم ذلك كثيًر ا‪ ،‬سيدي"‪ ،‬ردت الراهبة‪" ،‬ستكون قد فعلت واجبك دائًم ا‪ .‬لم ترد عليك‪ ،‬ولكن ه‪NN‬ل أنت‬
‫متأك‪N‬د من أنه‪N‬ا لن ت‪N‬رد على الك‪N‬اهن؟ أه‪ ،‬أنت ال تع‪N‬رف ك‪N‬ل ق‪N‬وة األس‪N‬رار األخ‪N‬يرة! لق‪N‬د رأيت الم‪N‬وتى‬
‫يستردون وعيهم وقوتهم الكافية لالعتراف‪ ،‬ولتلقي الجسد المقدس لربنا يسوع المسيح‪ .‬لقد سمعت كث‪NN‬يًرا‬
‫من العائالت تقول إنها ال تريد إرهاق المريض‪ ،‬وأن رؤية خادم ربنا قد يثير الرعب الذي يعجل بنهاي‪NN‬ة‬
‫األمر‪.‬‬

‫إنه خطأ مميت‪ .‬الكاهن ال يخوف‪ ،‬بل يطمئن ال‪N‬روح‪ ،‬في بداي‪N‬ة رحلته‪N‬ا الطويل‪N‬ة‪ .‬يتح‪N‬دث نياب‪N‬ة عن إل‪N‬ه‬
‫الرحمة الذي يأتي ليخلص‪ ،‬وليس لي‪N‬دمر‪ .‬يمكن‪N‬ني أن أستش‪N‬هد ل‪N‬ك بالعدي‪N‬د من ح‪N‬االت الم‪N‬وتى ال‪N‬ذين تم‬
‫شفاؤهم ببساطة باالتراجع الصحة والجمال عن العاَلم‪ ،‬ولكن األسوأ من ذلك هو تراج‪NN‬ع األخالق والقيم‪.‬‬
‫ففي هذا العصر‪ ،‬يبدو أن الناس أصبحوا أكثر انشغاًال بأمور الجسد والمظه‪NN‬ر الخ‪NN‬ارجي‪ ،‬وأق‪NN‬ل اهتمام‪ًN‬ا‬
‫بالقلب والروح‪ .‬هذا النزيف األخالقي يجب أن يوق‪NN‬ف‪ ،‬ويجب علين‪NN‬ا جميع‪ًN‬ا العم‪NN‬ل على ت‪NN‬رميم األخالق‬
‫والقيم من جديد‪ .‬فاألخالق هي األساس الذي تقوم عليه المجتمعات‪ ،‬والقيم هي األساس ال‪NN‬ذي تق‪NN‬وم علي‪NN‬ه‬
‫الحضارات‪.‬‬

‫لذلك‪ ،‬يجب علينا أن نعيد بناء هذا األساس‪ ،‬وأن نعم‪NN‬ل بج‪NN‬د لنب‪NN‬ذ األش‪NN‬ياء الس‪NN‬يئة ونحاف‪NN‬ظ على األش‪NN‬ياء‬
‫الجيدة‪ .‬وعندما نقوم بذلك‪ ،‬سنكون قادرين على بناء عالم أفضل وأكثر إنسانية‪.‬‬

‫تحدثت الراهبة بصوت حزين مثل نظرتها‪ .‬كان قلبها بال شك ليس في الكلم‪NN‬ات ال‪NN‬تي نطقته‪NN‬ا‪ .‬بال ش‪NN‬ك‪،‬‬
‫تعلمتها حين دخلت الدير‪ .‬آنذاك‪ ،‬كانت تعبر عن شيء م‪NN‬ا ك‪NN‬انت تش‪NN‬عر ب‪NN‬ه حق‪ًN‬ا‪ ،‬وتتح‪NN‬دث عن أفكاره‪NN‬ا‬
‫الخاصة‪.‬‬

‫ولكن‪ ،‬منذ ذلك الحين‪ ،‬تكررت الكلمات مرارًا وتكرارًا عندما كانت ترعى كل مريض‪ ،‬حتى فق‪N‬دت ك‪N‬ل‬
‫معناها بالنسبة لها‪ .‬أصبح نطقها ببساطة جزءًا من واجباتها كممرضة‪ ،‬تمامًا مث‪NN‬ل إع‪NN‬داد ال‪NN‬دواء وص‪NN‬نع‬
‫الخلطات‪.‬‬
‫لم يكن نويل يستمع إليها؛ فكانت أفكاره بعيدة‪" .‬أمك العزي‪NN‬زة"‪ ،‬واص‪NN‬لت الراهب‪NN‬ة‪" ،‬ه‪NN‬ذه الس‪NN‬يدة الطيب‪NN‬ة‬
‫التي تحبها كثيرًا ‪ ،‬ال شك تثق في دينها‪ .‬هل تريد تعريض خالصها للخطر؟ إذا كان بإمكانها التحدث في‬
‫وسط معاناتها الشديدة ‪"...‬‬

‫كان المحامي على وشك الرد‪ ،‬عندما أعلن الخادم أن رجًال‪ ،‬رفض الكشف عن اسمه‪ ،‬يريد التحدث معه‬
‫بخصوص العمل‪.‬‬

‫"سأذهب"‪ ،‬قال بسرعة‪.‬‬


‫"ما هي قرارك‪ ،‬يا سيدي؟"‪ ،‬أصرت الراهبة‪.‬‬
‫"أتركك حرة‪ ،‬أختي‪ ،‬لتفعلي ما تراه مناسبًا"‪.‬‬

‫ب‪NN‬دأت الم‪NN‬رأة الكريم‪NN‬ة في تالوة درس الش‪NN‬كر‪ ،‬لكن دون ج‪NN‬دوى‪ .‬اختفى نوي‪NN‬ل بع‪NN‬د أن نظ‪NN‬ر إليه‪NN‬ا بعين‬
‫غاضبة‪ ،‬وس‪NN‬معت ص‪NN‬وته بع‪NN‬د لحظ‪NN‬ات في الغرف‪NN‬ة المج‪NN‬اورة وه‪NN‬و يق‪NN‬ول‪" :‬أخ‪NN‬يرًا‪ ،‬لق‪NN‬د جئت ي‪NN‬ا الس‪NN‬يد‬
‫كليرجو‪ ،‬لقد كادت األمور تفلت من يدّي!"‪.‬‬

‫الزائر الذي كان ينتظ‪N‬ره المح‪N‬امي ه‪N‬و ش‪N‬خص مع‪N‬روف جي‪N‬دًا في ش‪N‬ارع س‪N‬انت الزار‪ ،‬وح‪N‬ول ش‪N‬ارع‬
‫بروفانس‪ ،‬وحي ن‪N‬وتردام دي ل‪N‬وريت‪ ،‬وعلى ط‪N‬ول الش‪N‬وارع الخارجي‪N‬ة‪ ،‬من ش‪N‬وزيه دي م‪N‬ارتيرز إلى‬
‫الرابطة القديمة لبريير دو كليشي‪.‬‬

‫من المفترض أال يكون السيد كليرجو مرابًح ا أكثر من كون والد السيد جوردان ك‪NN‬ان ت‪NN‬اجًرا‪ .‬فق‪NN‬ط‪ ،‬ألن‪NN‬ه‬
‫يملك الكثير من المال‪ ،‬ويكون متعاوًنا للغاية‪ ،‬يقرضه ألصدقائه؛ وعوًضا عن هذه اللط‪NN‬ف‪ ،‬يواف‪NN‬ق على‬
‫تلقي فائدة تتراوح بين خمسة عشر إلى خمسمائة في المائة‪.‬‬
‫يحب الرجل الممتاز عمالئه بشكل إيجابي‪ ،‬ويحظى بتقدير عام ألمانته‪ .‬لم يسمع عنه أبًدا أنه قد اس‪NN‬تولى‬
‫على أموال المديون‪ ،‬بل يفضل مطاردته لمدة عش‪NN‬ر س‪NN‬نوات دون توق‪NN‬ف‪ ،‬ويس‪NN‬تعيد من‪NN‬ه ش‪NN‬يًئا فش‪NN‬يًئا م‪NN‬ا‬
‫يستحقه‪.‬‬

‫يعيش في الجزء العلوي من شارع دي ال فيكت‪NN‬وار‪ .‬ليس لدي‪NN‬ه متج‪NN‬ر‪ ،‬وم‪NN‬ع ذل‪NN‬ك‪ ،‬ي‪NN‬بيع ك‪NN‬ل ش‪NN‬يء يمكن‬
‫بيعه‪ ،‬وبعض األشياء األخرى التي ال تعتبر تجارة بموجب القانون‪ .‬أي شيء ليك‪NN‬ون مفي‪ًNN‬دا أو للج‪NN‬يران‪.‬‬
‫غالًبا ما يؤكد أنه ليس غنًيا ج‪ًNN‬دا‪ .‬ومن الممكن أن يك‪NN‬ون ذل‪NN‬ك ص‪NN‬حيًحا‪ .‬فه‪NN‬و أك‪NN‬ثر شخص‪NN‬ية غريب‪NN‬ة من‬
‫الطمع‪ ،‬وجريئ بشكل فظي‪NN‬ع‪ .‬إن‪NN‬ه منفتح على إعط‪NN‬اء أموال‪NN‬ه عن‪NN‬دما يرض‪NN‬يه أح‪NN‬دهم‪ ،‬ولكن‪NN‬ه لن يق‪NN‬رض‬
‫خمسة فرنكات‪ ،‬حتى إذا كان لديه رهن على قلعة فيريير‪.‬‬

‫ومع ذلك‪ ،‬يخاطر في كثير من األحيان بكل ما لديه في أكثر األوراق السيئة حًظا‪.‬‬

‫يتألف عمالؤه المفضلون من نساء ذوات أخالق مش‪NN‬كوك فيه‪NN‬ا‪ ،‬وممثالت‪ ،‬وفن‪NN‬انين‪ ،‬وتل‪NN‬ك الشخص‪NN‬يات‬
‫المغامرة الذين يدخلون على المهن التي تعتمد بالكامل على األشخاص الذين يمارسونها‪ ،‬مث‪NN‬ل المح‪NN‬امين‬
‫واألطباء‪.‬‬
‫يقرض للنساء بناء على جمالهن الحالي‪ ،‬وللرجال بناء على موهبتهم المس‪NN‬تقبلية‪ .‬ره‪NN‬ون ض‪NN‬ئيلة! ينبغي‬
‫القول أن تمتلك حدسه سمعة كبيرة‪ .‬فهي نادرًا ما تخطئ‪ .‬الفتاة الجميلة التي تم تزويدها بواسطة كليرجو‬
‫متأكدة من أنها ستصل بعيًدا‪ .‬وكان لهندسة كليرجو سمعة عظيمة بالنسبة للفنان الذي كان في ديون لديه‪.‬‬
‫حصلت السيدة جولييت على هذا الصديق المفيد والشريف لحبيبها‪.‬‬

‫بدأ نويل‪ ،‬الذي يعرف جيًدا حساسية هذا الرجل الكريم للعناية اللطيفة واالهتمام‪ ،‬بتقديم مقعد له والسؤال‬
‫عن صحته‪ .‬وقد دخل كليرجو في التفاصيل‪ .‬ال يزال أسنانه جيدة‪ ،‬لكن بص‪NN‬ره يب‪N‬دأ في الض‪NN‬عف‪ .‬لم تع‪N‬د‬
‫ساقيه ثابتتين بالقدر الذي يريده‪ ،‬ولم يكن سمعه كامًال على ما يرام‪.‬‬

‫انتهت فصول الشكاوى‪ ،‬وقال‪" :‬تعرف‪" "،‬لهذا دعوت‪ .‬فواتيرك تستحق اليوم؛ وأنا بحاجة للمال بش‪NN‬دة‪.‬‬
‫لدي واحدة بقيمة عشرة‪ ،‬وواحدة بقيمة سبعة‪ ،‬وثلثة من خمسة آالف فرنك‪ ،‬بإجمالي ‪ 22‬ألف فرنك‪".‬‬

‫"هيا يا سيد كليرجو‪ "،‬رد نويل‪" ،‬دعنا ال نمزح‪".‬‬


‫"عفًو ا"‪ ،‬قال المرابي‪" ،‬لست أمزح على اإلطالق‪".‬‬

‫"أعتقد بأنك كذلك‪ .‬لقد مضت ثمانية أيام فقط حتى اليوم الذي كتبت فيه لك ألخبرك ب‪N‬أنني لس‪N‬ت مس‪N‬تعًدا‬
‫للوفاء بالفواتير‪ ،‬وطلبت تجديًدا!"‬
‫"أتذكر تلقي الرسالة بشكل جيد‪".‬‬
‫"وماذا تقول عن ذلك بعد ذلك؟"‬

‫"بعدما لم أجب على الرسالة‪ ،‬افترضت بأنك ستفهم أنني ال يمكنني االمتثال لطلبك‪ .‬أملت أن تبذل جه‪ًNN‬دا‬
‫للعثور على المبلغ بالنسبة لي‪".‬‬

‫تسبب إيماءة الصبر التي تجاوزتها نويل في السماح بالهروب‪.‬‬


‫"لم أفعل ذلك"‪ ،‬قال‪" ،‬لذا فأنت خذ مسارك الخاص‪ .‬ليس لدي سوى سو‪".‬‬
‫"الشيطان‪ .‬هل تعلم أنني قمت بتجديد هذه الفواتير أربع مرات بالفعل؟"‬

‫"أعلم بأن الفائدة قد دفعت بالكامل وبدقة‪ ،‬وبسعر ال يمكن أن يجعلك تندم على االستثمار‪".‬‬
‫ال يحب كليرجو الحديث عن الفائدة التي يتلقاها‪ .‬يدعي أنه مهين‪.‬‬

‫"لست أشكو؛ فقط أقول بأنك تأخذ األمور بسهولة معي‪ .‬لو وضعت توقيعك في الدورة‪ ،‬لك‪NN‬ان ك‪NN‬ل ش‪NN‬يء‬
‫قد دفع اآلن‪".‬‬
‫"ال يا ال بأس به‪".‬‬

‫"نعم‪ ،‬كنت ستجد وسيلة لتجنب التقاضي‪ .‬ولكن تقول لنفسك‪' :‬كليرجو القديم رجل طيب‪ '.‬وهذا ص‪NN‬حيح‪.‬‬
‫ولكن هذا يحدث فقط عندما يكون في مصلحتي‪ .‬اآلن‪ ،‬اليوم‪ ،‬أن‪NN‬ا في حاج‪NN‬ة ماس‪NN‬ة إلى م‪NN‬الي‪ .‬ك‪NN‬ااااماًل ‪"،‬‬
‫أضاف‪ ،‬مؤكًدا كل مقطع‪.‬‬

‫يبدو أن النبرة الحاسمة للرجل العجوز قد أثارت قلق المحامي‪.‬‬

‫"أتوجب علّي تكرار ذلك؟" قال‪" ،‬لقد استنزفت بالكامل‪ ،‬تماًم ا بالكامل!"‬
‫"حًقا؟" قال المرابي‪" ،‬حسًنا‪ ،‬أشعر باألسف ألجلك‪ ،‬ولكن سأضطر لمقاضاتك‪".‬‬

‫"وما الفائدة من ذلك؟ دعنا نلعب بصدق‪ ،‬سيد كليرجو‪ .‬هل ترغب في زي‪NN‬ادة رس‪NN‬وم المح‪NN‬امين؟ ال تري‪NN‬د‬
‫ذلك‪ ،‬أليس كذلك؟ حتى لو كلفتني كثيًر ا‪ ،‬هل سيتيح لك ذلك الحصول على س‪NN‬نتيم واح‪NN‬د؟ ستحص‪NN‬ل على‬
‫حكم ضدي‪ .‬حسًنا‪ ،‬وبعدها؟ هل تنوي تنفيذ الحكم؟ هذه ليست بيتي‪ ،‬العقد باسم السيدة جيردي‪".‬‬

‫"أعلم كل ذلك‪ .‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬بيع كل شيء هنا لن يغطي المبلغ‪".‬‬

‫"إذن تنوي وضعي في السجن‪ ،‬في كليشي! استثمار سيء‪ ،‬أحذرك‪ ،‬سيتم فق‪NN‬دان ممارس‪NN‬تي‪ ،‬وكم‪NN‬ا تعلم‪،‬‬
‫ال ممارسة‪ ،‬ال مال‪".‬‬

‫"جيد!" صاح الصديق المالي الجدير بالثقة‪" .‬اآلن تتحدث بال معنى! تسمي هذا الصراحة‪ .‬هه! إذا كنت‬
‫تعتقد بأنني قادر على نصف األشياء القاسية التي قلتها‪ ،‬فإن مالي سيكون هناك في درجك ‪ ،‬جاهز لي‪".‬‬
‫"خطأ! لن أعرف من أين أحصل عليها‪ ،‬إال إذا طلبت من السيدة جيردي‪ ،‬وهي شيء لن أفعله أبًدا‪".‬‬
‫انقطع نويل بسخرية صغيرة ومزعجة‪ ،‬تخص كليرجو العجوز‪.‬‬

‫"لن يكون ذل‪N‬ك مفي‪ًNN‬دا"‪ ،‬ق‪NN‬ال الم‪NN‬رابي‪" ،‬محفظ‪NN‬ة األم تف‪N‬رغت من‪NN‬ذ ف‪NN‬ترة طويل‪NN‬ة؛ وإذا م‪NN‬اتت الشخص‪NN‬ية‬
‫العزيزة اآلن‪ ،‬كما يقولون إنها مريضة جًدا‪ ،‬فلن أعطي مئتي نابليون عن التركة‪".‬‬

‫تحول المحامي إلى اللون األحمر من الغضب‪ ،‬وبرقت عيناه‪ .‬لكنه تظاهر واحتج بروح من الحيوية‪.‬‬
‫"نحن نعرف ما نعرفه"‪ ،‬استمر كليرجو بصوت ه‪NN‬ادئ‪" .‬قب‪NN‬ل أن يخ‪NN‬اطر الرج‪NN‬ل بمال‪NN‬ه‪ ،‬يح‪NN‬رص على‬
‫االستفسار بعض الشيء‪ .‬تم بي‪NN‬ع س‪NN‬ندات األم المتبقي‪NN‬ة في أكت‪NN‬وبر الماض‪NN‬ي‪ .‬آه! ش‪NN‬ارع بروف‪NN‬انس مك‪NN‬اٌن‬
‫مكلف! لقد قمت بتقدير‪ ،‬وال‪N‬ذي م‪N‬ا زلت أملك‪N‬ه في الم‪N‬نزل‪ .‬جول‪N‬ييت ام‪N‬رأة س‪N‬احرة‪ ،‬بالتأكي‪N‬د‪ ،‬ليس له‪N‬ا‬
‫مثيل‪ ،‬لكنها مكلفة‪ ،‬جًدا مكلفة‪".‬‬
‫كان نويل غاضًبا عند سماعه لجولييت تتحدث عنها به‪NN‬ذه الطريق‪NN‬ة من ه‪NN‬ذا الش‪NN‬خص الش‪NN‬ريف‪ .‬لكن م‪NN‬ا‬
‫الرد الذي يمكنه أن يقدمه؟ باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬ال أحد منا كامل؛ ول‪NN‬دى الس‪NN‬يد كل‪NN‬يرجو عيب ع‪NN‬دم تق‪NN‬دير‬
‫النساء بشكل صحيح‪ ،‬والذي ينبع بال شك من المع‪NN‬امالت التجاري‪NN‬ة ال‪NN‬تي ق‪NN‬ام به‪NN‬ا معهن‪ .‬إن‪NN‬ه لطي‪NN‬ف في‬
‫تعامله مع النساء‪ ،‬يثني عليهن ويدللهن‪ ،‬لكن اإلهانات الخشنة ستكون أق‪NN‬ل بش‪NN‬اعة من تل‪NN‬ك الثق‪NN‬ة الق‪NN‬ذرة‬
‫لديه‪.‬‬

‫"لقد تقدمت بشكل سريع جًدا"‪ ،‬استمر دون أن ينتبه إلى نظرات عميله السيئة‪" .‬وكنت ق‪NN‬د قلت ل‪NN‬ك ذل‪NN‬ك‬
‫من قبل‪ .‬لكنك لم تستمع‪ ،‬فأنت مجنون بهذه الفتاة‪ .‬ال يمكن‪NN‬ك رفض ش‪NN‬يء تري‪NN‬ده الفت‪NN‬اة الجميل‪NN‬ة‪ .‬أحم‪NN‬ق!‬
‫عندما تريد فتاة جميلة شيًئا ما‪ ،‬يجب أن تدعها تشتاق إليه لف‪N‬ترة من ال‪N‬وقت‪ .‬س‪N‬تكون ل‪N‬ديها ش‪N‬يء يش‪N‬غل‬
‫تفكيرها ويمنعها من التفكير في الكثير من الحماقات األخرى‪.‬‬

‫أربع رغبات قوية جيدة‪ ،‬والتي يتم إدارتها بشكل صحيح‪ ،‬يجب أن تدوم لمدة ع‪NN‬ام‪ .‬أنت ال تع‪NN‬رف كي‪NN‬ف‬
‫تعتني بمصالحك الخاصة‪ .‬أنا أعلم أن نظرة جولييت ستجعل رأس قديس حجري يدور؛ لكن يجب عليك‬
‫أن تفكر بنفسك‪ ،‬لعنة! ال يوجد سوى عشر فتيات في باريس يعيشن بمث‪NN‬ل ه‪NN‬ذا النم‪NN‬ط! وه‪NN‬ل تعتق‪NN‬د أنه‪NN‬ا‬
‫ستحبك أكثر بسبب ذلك؟ ال‪ ،‬بتاًتا‪ .‬عندما تدمرك‪ ،‬ستتركك في ورطة‪".‬‬

‫قبل نويل إغواءات بنكهة المنطق الحذر للبنكير المحترس كالرجل الذي ال يحمل مظلة يتقبل األمطار‪.‬‬

‫"ما معنى كل هذا!" سأل‪.‬‬

‫"المعنى ببساطة هو أنني لن أجدد شيكاتك‪ .‬هل فهمت؟ في الوقت الحالي‪ ،‬إذا حاولت بج‪NN‬د‪ ،‬س‪NN‬تتمكن من‬
‫تس‪NN‬ليمي المبل‪NN‬غ المطل‪NN‬وب والب‪NN‬الغ ‪ 22،000‬فرن‪NN‬ك‪ .‬ال تتجهم‪ :‬س‪NN‬تجد وس‪NN‬يلة للقي‪NN‬ام ب‪NN‬ذلك لتمنع‪NN‬ني من‬
‫االستيالء على أمالكك‪ ،‬ليس هنا‪ ،‬ألن ذلك سيكون سخيًفا‪ ،‬بل في شقة امرأتك الصغيرة‪ .‬لن يكون هن‪NN‬اك‬
‫أي سرور لديها‪ ،‬ولن تتردد في إخبارك بذلك‪".‬‬

‫"ولكن كل شيء هناك ينتمي لها‪ ،‬وليس لديك الحق—"‬

‫ماذا بشأن ذلك؟ ستعارض االستيالء‪ ،‬بال شك‪ ،‬وأتوقع أن تفعل ذلك؛ لكنها س‪NN‬تجعلك تج‪NN‬د المبل‪NN‬غ الالزم‪.‬‬
‫صدقني‪ ،‬أنت أفضل أن تتجنب الضربة‪ .‬أصر على أن أدفع اآلن‪ .‬لن أمنحك أي تأجيل إضافي؛ ألن‪NN‬ه في‬
‫غضون ثالثة أشهر‪ ،‬ستكون ق‪NN‬د اس‪N‬تنفدت آخ‪N‬ر م‪N‬واردك‪ .‬ال ج‪N‬دوى من الق‪N‬ول "ال" مث‪N‬ل ذل‪N‬ك‪ .‬أنت في‬
‫إحدى تلك الحاالت التي يجب االس‪NN‬تمرار فيه‪NN‬ا ب‪NN‬أي ثمن‪ .‬س‪NN‬تحرق الخش‪NN‬ب من س‪NN‬رير أم‪NN‬ك المحتض‪NN‬رة‬
‫لتدفئ قدمي هذا المخلوق‪ .‬من أينحصلت على عشرة آالف فرنك التي تركته‪NN‬ا معه‪NN‬ا في المس‪NN‬اء اآلخ‪NN‬ر؟‬
‫من يعرف ماذا ستحاول القيام به لجمع المال التالي؟ فكرة االحتفاظ بها لمدة خمسة عشر يوًم ا‪ ،‬أو ثالث‪NN‬ة‬
‫أيام‪ ،‬أو يوم واحد إضافي‪ ،‬يمكن أن تؤدي بك بعي‪ًN‬دا‪ .‬افتح عيني‪N‬ك‪ ،‬أن‪N‬ا أع‪N‬رف اللعب‪N‬ة جي‪ًN‬دا‪ .‬إذا لم ت‪N‬ترك‬
‫جولييت‪ ،‬ف‪NN‬أنت مفق‪N‬ود‪ .‬اس‪N‬تمع إلى بعض النص‪NN‬ائح الجي‪N‬دة‪ ،‬مجان‪ًN‬ا‪ .‬يجب أن تتخلى عنه‪N‬ا‪ ،‬في وقت م‪N‬ا‪،‬‬
‫أليس كذلك؟ افعل ذلك اليوم‪ ،‬إذًا‪.‬‬

‫كما ترى‪ ،‬فإن كليرجو ال يتورع عن قول الحقيقة لزبائنه‪ ،‬عندما ال يل‪NN‬تزمون بتعه‪NN‬داتهم‪ .‬إذا ك‪NN‬انوا غ‪NN‬ير‬
‫راضين‪ ،‬فذلك أسوأ بالنسبة لهم! ضميره مرتاح‪ .‬لن يشارك في أي عمل جاهل‪.‬‬
‫لم يعد نويل يحتمل ذلك‪ ،‬فانفجر غضبه‪.‬‬

‫"كفى"‪ ،‬صرخ بحزم‪" .‬افعل م‪N‬ا تش‪N‬اء‪ ،‬س‪N‬يدي كل‪N‬يرجو‪ ،‬لكن انت‪ِN‬ه من نص‪N‬ائحك‪ .‬أفض‪N‬ل كالم المح‪N‬امي‬
‫الواضح‪ .‬إذا ارتكبت جنوًنا‪ ،‬يمكنني إصالحه‪ ،‬وبطريق‪N‬ة ستدهش‪NN‬ك‪ .‬نعم‪ ،‬س‪NN‬يدي كل‪NN‬يرجو‪ ،‬يمكن‪NN‬ني جلب‬
‫اثنين وعشرين ألف فرنك‪ ،‬ويمكنني الحصول على مائة ألف فرنك ص‪N‬باح الغ‪N‬د‪ ،‬إذا رأيت ذل‪N‬ك مناس‪ًN‬با‪.‬‬
‫لكني لن أفعل ذلك‪ .‬ستظل إسرافي‪ ،‬وبكل احترام لك‪ ،‬سًر ا كما كانت دائًم ا‪ .‬ال أخت‪N‬ار أن يش‪N‬تبه ح‪N‬تى في‬
‫وضعي المالي الحالي‪ .‬لن أتخلى‪ ،‬من أجلك‪ ،‬عن ما كنت أسعى إليه‪ ،‬في اليوم الذي أصبح فيه على متن‬
‫يدي‪".‬‬

‫"إنه يقاوم"‪ ،‬فكر الرباوي‪" .‬إنه أقل عمًقا في المشكلة مما كنت أتصور‪".‬‬

‫"لذا"‪ ،‬استمر المحامي‪" ،‬ضع فواتيرك في يد محاميك‪ .‬دعه يقاضيني‪ .‬في غضون ثمانية أي‪NN‬ام‪ ،‬س‪NN‬أدعى‬
‫للظهور أمام محكمة التجارة‪ ،‬وسأطلب تأجياًل لمدة خمسة وعشرين يوًم ا‪ ،‬كما يمنح القضاة دائًم ا للم‪NN‬دين‬
‫المحتضر‪ .‬خمسة وعشرون وثمانية‪ ،‬في كل مكان‪ ،‬يصنعون ثالثة وثالثين يوًم ا بالضبط‪ .‬ه‪NN‬ذا بالض‪NN‬بط‬
‫اإلجازة التي أحتاجها‪ .‬لديك اختيارين‪ :‬إما أن تقبل مني فاتورة جديدة بقيمة أربعة وعش‪NN‬رين أل‪NN‬ف فرن‪NN‬ك‬
‫تدفع خالل ستة أسابيع‪ ،‬أو كما أن لدي موعًدا‪ ،‬فانتقل إلى محاميك‪".‬‬

‫" وخالل ستة أسابيع"‪ ،‬أجاب المرابي‪" ،‬ستجد نفسك في نفس الحالة التي أنت فيها اليوم‪ .‬وستكلفك أربعة‬
‫وأربعين يوًم ا أخرى مع جولييت ‪"...‬‬
‫"سيدي كليرجو‪ "،‬قاطع نويل‪" ،‬سيكون موقفي قد تغير تماًم ا قبل ذلك الوقت‪ .‬لقد انتهيت"‪ ،‬ثم قام قائًال‪:‬‬
‫"وقتي ثمين"‪.‬‬
‫"لحظة‪ ،‬يا رجل الصبر!" صاح البنكير بلطف‪" ،‬هل قلت أن القيمة المستحقة بعد خمسة وأربعين يوًم ا‬
‫هي أربعة وعشرون ألف فرنك؟"‬
‫"نعم‪ .‬هذا حوالي خمسة وسبعين في المائة‪ ،‬فائدة جيدة جًدا‪".‬‬
‫"أنا ال أختلف حول الفائدة"‪ ،‬قال السيد كليرجو‪" ،‬ولكن ‪ "...‬نظر إلي نويل بطريقة مكشوفة وهو يحك‬
‫رأسه بعنف‪ ،‬وهو حركة تدل على أن دماغه يعمل بشكل غير مدرك‪" .‬ولكن"‪ ،‬واصل‪" ،‬أرغب جًدا في‬
‫معرفة ماذا تعتمد عليه‪".‬‬
‫"لن أخبرك‪ .‬ستعرف ذلك قريًبا‪ ،‬مثل باقي العالم‪".‬‬
‫"لقد فهمت!" صاح السيد كليرجو‪" ،‬أنت تنوي الزواج! لقد وجدت وريثة‪ ،‬بالطبع‪ ،‬صغيرتك جولييت‬
‫قالت لي شيًئا من هذا القبيل هذا الصباح‪ .‬أه! أنت تنوي الزواج! هل هي جميلة؟ لكن ال يهم‪ .‬لديها‬
‫محفظة مليئة‪ ،‬أليس كذلك؟ لذلك أنت تعتزم بدء حياة جديدة؟"‬
‫"لم أقل ذلك‪".‬‬
‫"صحيح‪ .‬كن حذًر ا‪ .‬لكن يمكنني التلميح‪ .‬كلمة أخرى‪ .‬احذر العاصفة‪ .‬صغيرتك تشك بالحقيقة‪ .‬أنت‬
‫على حق‪ .‬لن يكون من الجيد البحث عن المال اآلن‪ .‬سؤال بسيط يكفي إلخبار والد شريكة حياتك‬
‫بموقفك المالي‪ ،‬وستخسر الفتاة‪ .‬اتزوج واستقر‪ .‬لكن تخلص من جولييت‪ ،‬وإال لن أعطي خمس فرنكات‬
‫للثروة‪ .‬لذا تم االتفاق‪ :‬أعد فاتورة جديدة بقيمة أربعة وعشرين ألف فرنك‪ ،‬وسأحضرها لك عندما‬
‫أحضر لك القديمة يوم االثنين‪".‬‬

‫"أليست معك الفواتير؟"‬


‫"ال‪ ،‬وبصراحة‪ ،‬أعترف أنني‪ ،‬علًم ا جيًدا بأنني لن أحصل على أي شيء منك‪ ،‬تركتها م‪NN‬ع آخ‪NN‬رين ل‪NN‬دي‬
‫محامي‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬يمكنك الراحة‪ :‬لديك كلمتي‪".‬‬
‫قام السيد كليرجو في محاولة لالنسحاب‪ ،‬لكنه عاد سريًعا قبل خروجه‪.‬‬
‫"لقد نسيت تقريًب ا"‪ ،‬ق‪NN‬ال‪" :‬بينم‪NN‬ا أنت على ذل‪NN‬ك‪ ،‬يمكن‪NN‬ك إص‪NN‬دار ف‪NN‬اتورة بقيم‪NN‬ة ‪ 26‬أل‪NN‬ف فرن‪NN‬ك‪ .‬طلبت‬
‫صغيرتك بعض الفساتين‪ ،‬والتي سأسلمها غدًا؛ بهذه الطريقة سيتم دفع الثمن‪".‬‬
‫بدأ المحامي في االعتراض‪ .‬لم يرفض بالتأكيد الدفع‪ ،‬لكنه اعتقد أنه يجب استشارته عندما يتم القيام بأي‬
‫مشتريات‪ .‬لم يعجبه هذا النهج في التصرف في أمواله‪.‬‬
‫"ماذا عنك!" قال المرابي‪ ،‬مرتجًفا كتفيه‪" ،‬هل تريد أن تجعل الفتاة غ‪NN‬ير س‪NN‬عيدة دون أي س‪NN‬بب؟ هي لن‬
‫تتركك بعد اآلن‪ ،‬يا صديقي‪ .‬يمكنك أن تكون متأكًدا من أنها ستأكل ثروتك الجدي‪NN‬دة أيض ‪ًN‬ا‪ .‬وتعلم أن‪NN‬ه إذا‬
‫كنت في حاجة إلى أي أموال للزفاف‪ ،‬فمن الكفي‪N‬ل بإعط‪N‬ائي بعض الض‪N‬مانات‪ .‬منح‪N‬ني مقدم‪N‬ة للموث‪N‬ق‪،‬‬
‫وسأرتب كل شيء‪ .‬ولكن يجب أن أذهب‪ .‬يوم االثنين إذًا‪".‬‬
‫استمع نويل‪ ،‬للتأكد من انصراف المرابي فعلًيا‪ .‬عندما سمعه يهبط الدرج‪ ،‬صرخ‪" :‬أيها الخائن‪ ،‬البخي‪NN‬ل‬
‫القذر! هل لم يحتاج إلى الكثير من اإلقناع؟ كان واثًقا تماًم ا من مقاضاتي‪ .‬كانت األم‪NN‬ور س‪NN‬تكون ممتع‪NN‬ة‬
‫لو وصل األمر إلى الكونت‪ .‬مراٍب قبيح! كنت خائًف ا في لحظ‪N‬ة من ال‪N‬وقت أن أض‪NN‬طر إلى إخب‪N‬اره بك‪N‬ل‬
‫شيء‪".‬‬
‫بينما كان يلوم المقرض على هذا النحو‪ ،‬نظر المحامي إلى ساعته‪.‬‬
‫"الساعة الخامسة والنصف بالفعل"‪ ،‬قال بتردد‪.‬‬

‫كان تردده كبيًر ا‪ .‬هل يجب أن يذهب ويتناول العشاء م‪NN‬ع وال‪NN‬ده؟ ه‪NN‬ل يمكن‪NN‬ه ت‪NN‬رك الس‪NN‬يدة ج‪NN‬يردي ال‪NN‬تي‬
‫تحتضر؟ كان يتمنى تن‪N‬اول العش‪N‬اء في قص‪NN‬ر دي كوم‪N‬اران‪ ،‬ومن ناحي‪N‬ة أخ‪N‬رى‪ ،‬ال يمكن‪N‬ه ت‪N‬رك ام‪N‬رأة‬
‫مريضة وقد تفارق الحياة في أي لحظة‪.‬‬
‫"بالتأكيد"‪ ،‬همس‪" ،‬ال يمكنني الذهاب"‪.‬‬
‫جلس على مكتبه‪ ،‬وكتب بسرعة رسالة اعتذار إلى والده‪ .‬وأخبره فيها أن السيدة جيردي قد تفارق الحياة‬
‫في أي لحظة‪ ،‬وأنه يجب أن يبقى معها‪ .‬وعندما طلب من الخادم إعطاء الرسالة لرسول ليقوم بتوص‪NN‬يلها‬
‫إلى الكونت‪ ،‬بدا أن لديه فكرة مفاجئة‪.‬‬
‫"هل يعلم أخ المريضة"‪ ،‬سأل‪" ،‬أنها مريضة بشكل خطير؟"‬
‫"ال أعرف‪ ،‬سيدي"‪ ،‬أجاب الخادم‪" ،‬على األقل‪ ،‬لم أخبره"‪.‬‬
‫"ماذا‪ ،‬لم تفكر في إرس‪N‬اله إلي‪N‬ه؟ اذهب إلى منزل‪N‬ه بس‪N‬رعة‪ .‬اطلب‪N‬وا البحث عن‪N‬ه‪ ،‬إذا لم يكن في الم‪N‬نزل‪،‬‬
‫يجب أن يأتي‪".‬‬
‫وبعد أن شعر باالرتياح‪ ،‬ذهب نويل وجلس في غرفة المريضة‪ .‬ك‪NN‬انت اللمب‪NN‬ة مض‪NN‬اءة‪ ،‬وك‪NN‬انت الراهب‪NN‬ة‬
‫تتحرك في الغرفة وترتب األشياء وتضعها في مكانها‪ .‬كانت تبدو راضية‪ ،‬ولم يفوت نويل هذا األمر‪.‬‬
‫"هل لدينا أي أمل‪ ،‬يا أخت؟" سأل‪.‬‬
‫"ربما"‪ ،‬أجابت الراهبة‪" ،‬الكاهن كان هنا‪ ،‬سيدنا؛ لم تالحظ والدتك الحبيب‪NN‬ة وج‪NN‬وده‪ ،‬لكن‪NN‬ه س‪NN‬يعود‪ .‬ه‪NN‬ذا‬
‫ليس كل شيء‪ .‬منذ وصول الكاهن‪ ،‬تحسنت العجينة تحت الضمادة بش‪NN‬كل ملح‪NN‬وظ‪ .‬الجل‪NN‬د أص‪NN‬بح أحم‪NN‬ر‬
‫تماًم ا‪ .‬أنا متأكدة من أنها تشعر بذلك‪".‬‬
‫"أعني هللا أن تكوني على حق‪ ،‬يا أخت!"‪.‬‬
‫"لقد أدعو بالفعل!"‪ ،‬قالت الراهبة‪" ،‬ولكن من المهم أال تتركها وح‪N‬دها لحظ‪N‬ة واح‪N‬دة‪ .‬لق‪N‬د قمت ب‪N‬ترتيب‬
‫كل شيء مع الخادمة‪ .‬بعد زيارة الطبيب‪ ،‬سأستلقي قليًال‪ ،‬وستراقب هي حتى الساعة الواحدة صباًحا‪ .‬ثم‬
‫سأحل محلها و‪"...‬‬
‫"ستذهبان كليهما للنوم‪ ،‬يا أخت"‪ ،‬قاطع نويل‪ ،‬بحزن‪" .‬أنا‪ ،‬الذي لن أستطيع أن أغف‪NN‬و للحظ‪NN‬ة‪ ،‬س‪NN‬أراقب‬
‫هذه الليلة‪".‬‬
‫الفصل ‪14‬‬

‫لم يعتبر السيد تاباريه العجوز نفسه مهزوًم ا‪ ،‬ألنه تم رفضه من قبل قاضي التحقيق‪ ،‬الذي كان متض‪NN‬ايًقا‬
‫بالفعل منذ فترة طويلة من االستجواب‪ .‬قد تسموها خطًأ أو إنجاًز ا‪ ،‬لكن الرجل العجوز كان أك‪NN‬ثر عن‪NN‬اًدا‬
‫من الحمار‪ .‬فبعد اليأس الشديد الذي تعرض له في الممر الخارجي لمكتب القاضي‪ ،‬ج‪NN‬اء الق‪NN‬رار الث‪NN‬ابت‬
‫ال‪NN‬ذي ه‪NN‬و الحماس‪NN‬ة ال‪NN‬تي تول‪NN‬د من الخط‪NN‬ر‪ .‬فالش‪NN‬عور ب‪NN‬الواجب حكم األم‪NN‬ر‪ .‬ه‪NN‬ل ه‪NN‬و ال‪NN‬وقت المناس‪NN‬ب‬
‫لالستسالم لليأس الالئق باالحتقار عندما يتوقف حياة إنسان على كل دقيقة؟ الخمول ال يغتفر‪.‬‬
‫لقد أدخل رجًال بريًئا في الهاوية‪ .‬ويجب أن يخرجه‪ ،‬هو وح‪N‬ده‪ ،‬إذا لم يس‪N‬اعده أح‪N‬د‪ .‬ك‪N‬ان الس‪N‬يد تاباري‪N‬ه‬
‫العجوز‪ ،‬مثل القاضي‪ ،‬متعًبا للغاية‪ .‬عندما وصل إلى الهواء الطلق‪ ،‬الحظ أنه كان يشعر بالجوع أيًض ا‪.‬‬
‫حالة العاطفة التي عاشها طوال اليوم منعته من الشعور ب‪NN‬الجوع‪ ،‬ومن‪NN‬ذ المس‪NN‬اء الس‪NN‬ابق لم يش‪NN‬رب ح‪NN‬تى‬
‫كأس ماء‪ .‬دخل مطعًم ا على البوليفار‪ ،‬وطلب العشاء‪.‬‬
‫أثناء تناوله الطعام‪ ،‬عاد إليه ليس فقط شجاعته‪ ،‬ولكن أيًض ا ثقته‪ .‬كما هو الحال مع بقية البشر‪ ،‬من‬
‫يعرف كم يمكن أن تتغير أفكار اإلنسان من البداية إلى النهاية من وجبة طعام حتى ولو كانت‬
‫‪.‬متواضعة! لقد أثبت الفيلسوف بوضوح أن البطولة هي مسألة معدة‬
‫نظر العجوز إلى الوضع بضوء أقل كآبة بكثير‪ .‬لديه الكثير من الوقت أمامه! يمكن لرجل ذكي تحقيق‬
‫الكثير في شهر واحد! هل ستفشل قدرته االستثنائية اآلن؟ بالتأكيد ال‪ .‬كان أكبر أسفه هو عدم قدرته على‬
‫‪.‬إخبار ألبرت أن شخًص ا ما يعمل من أجله‬
‫كان رجاًل آخر تماًم ا عندما قام من الطاولة‪ ،‬وكان يسير بخطوات خفيفة نحو شارع سانت الزار‪ .‬عندما‬
‫فتح الحارس الباب له‪ ،‬كان قد دق الساعة التاسعة‪ .‬صعد مباشرًة إلى الطابق الرابع لالستفسار عن‬
‫‪.‬صحة صديقته السابقة‪ ،‬التي كان يطلق عليها السيدة جيردي الرائعة‪ ،‬الجديرة بالثناء‬

‫كان نويل هو من فتح له الباب‪ ،‬نويل الذي كان يفكر بال شك في الماضي‪ ،‬ألنه بدا حزيًنا كأن المرأة‬
‫المحتضرة هي أمه الحقيقية‪ .‬ونتيجًة لهذا الحدث غير المتوقع‪ ،‬لم يتمكن السيد تاباريه العجوز من تجنب‬
‫الدخول لبضع دقائق‪ ،‬على الرغم من أنه كان يفضل عدم القيام بذلك‪ .‬كان يدرك تماًم ا أنه‪ ،‬بوجود‬
‫المحامي‪ ،‬سيضطر بالضرورة إلى الحديث عن قضية لوروج‪ ،‬وكيف يمكنه فعل ذلك‪ ،‬وهو يعرف‬
‫تفاصيل القضية بشكل أفضل بكثير من صديقه الشاب نفسه‪ ،‬دون أن يكشف سره؟ قد يكون كلمة واحدة‬
‫غير حذرة كافية للكشف عن الدور الذي يلعبه في هذه المأساة الحزينة‪ .‬وكانت على وجه الخصوص‪،‬‬
‫‪.‬من عزيزه نويل‪ ،‬اآلن فيكونت دي كوماران‪ ،‬الذي كان يرغب في إخفاء عالقته بالشرطة‬

‫ولكن‪ ،‬من ناحية أخرى‪ ،‬كان يشتاق لمعرفة ما حدث بين المحامي والكونت‪ .‬جهله بهذه النقطة الوحيدة‬
‫أثار فضوله‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ألنه لم يستطع االنسحاب‪ ،‬قرر مراقبة لغته عن كثب والبقاء في حالة تأهب‬
‫‪.‬دائم‬
‫دخل المحامي الرجل العجوز إلى غرفة السيدة جيردي‪ .‬تغيرت حالتها‪ ،‬منذ بعد الظهر‪ ،‬قليًال‪ ،‬على‬
‫الرغم من أنه من المستحيل القول ما إذا كان ذلك جيًدا أم سيًئا‪ .‬كان شيء واحد واضًحا‪ ،‬وهو أنها لم‬
‫تكن متعبة للغاية‪ .‬ال تزال عينيها مغلقتين‪ ،‬ولكن يبدو وجود اهتزاز طفيف في الجفون‪ .‬كانت تتحرك‬
‫باستمرار على وسادتها‪ ،‬وتنتفض بضعف‪.‬‬
‫‪.‬ماذا يقول الطبيب؟" سأل السيد تاباريه العجوز بصوت منخفض كما هو معتاد في غرفة المرضى"‬
‫"لقد ذهب للتو" أجاب نويل‪" .‬قريًبا سينتهي كل شيء‪".‬‬
‫‪.‬تقدم الرجل العجوز على أصابع قدميه ونظر إلى المرأة المحتضرة بحركة واضحة من العاطفة‬
‫الفقراء!" همس "هللا رحيم بأخذها‪ .‬ربما تعاني كثيًر ا‪ ،‬ولكن ما هو هذا األلم مقارنة بما ستشعر به إذا"‬
‫"علمت أن ابنها‪،‬االبن الحقيقي‪ ،‬في السجن‪ ،‬متهم بالقتل؟‬
‫"هذا ما أفكر به" قال نويل‪" ،‬ألعتني بهذا المنظر‪ .‬ألنني ال زلت أحبها‪ ،‬يا صديقي العزيز؛ سأظل أنظر‬
‫إليها كأم‪ .‬هل سمعتني ألعنها من قبل؟ لقد عاملتها بقسوة مرتين‪ .‬ظننت أنني أكرهها‪ ،‬ولكن اآلن‪ ،‬في‬
‫لحظة فقدانها‪ ،‬أنسى كل الخطأ الذي اقترفته‪ ،‬فقط ألتذكر حنانها‪ .‬نعم‪ ،‬الموت هو األفضل بالنسبة لها!‬
‫ومع ذلك‪ ،‬ال أعتقد‪ ،‬ال‪ ،‬ال أستطيع أن أعتقد أن ابنها مذنب‪".‬‬
‫"ال! ماذا‪ ،‬أنت أيًض ا؟"‬
‫وضع السيد تاباريه العجوز الكثير من الدفء والحيوية في هذا الصرخة‪ ،‬حتى نظر إليه نويل بالدهشة‪.‬‬
‫شعر بأن وجهه يحمر‪ ،‬وعّج ل في توضيح نفسه‪" .‬قلت 'أنت أيًض ا'‪ " ،‬تابع‪" ،‬ألنني‪ ،‬ربما بفضل عدم‬
‫خبرتي‪ ،‬مقتنع أيًض ا ببراءة هذا الشاب‪ .‬ال يمكنني تخيل رجًال من مثل هذا المستوى يفكر وينفذ جريمة‬
‫جبانة كهذه‪ .‬تحدثت مع العديد من األشخاص حول هذه المسألة التي أثارت الكثير من الضجة‪ ،‬والجميع‬
‫يشاركني الرأي‪ .‬لديه الرأي العام لصالحه؛ هذا شيء مهم بالفعل‪".‬‬
‫وبينما كانت الراهبة تجلس بجوار الس‪NN‬رير‪ ،‬بعي‪NN‬دة بم‪NN‬ا يكفي عن اللمب‪NN‬ة لتك‪NN‬ون في الظ‪NN‬ل‪ ،‬ك‪NN‬انت تحي‪NN‬ك‬
‫جوارب بسرعة لصالح الفقراء‪ .‬كانت هذه العملي‪N‬ة آلي‪N‬ة تماًم ا‪ ،‬وخالله‪N‬ا ك‪N‬انت تص‪N‬لي ع‪N‬ادة‪ .‬ولكن من‪N‬ذ‬
‫دخول السيد تاباريه العجوز إلى الغرفة‪ ،‬نسيت صلواتها األبدية وهي تستمع إلى المحادثة‪.‬‬
‫ماذا يعني كل ذلك؟ من يمكن أن تك‪NN‬ون ه‪NN‬ذه الم‪NN‬رأة؟ وه‪NN‬ذا الش‪NN‬اب ال‪NN‬ذي ليس ابنه‪NN‬ا‪ ،‬وال‪NN‬ذي يس‪NN‬ميها في‬
‫ال‪NN‬وقت نفس‪NN‬ه أًم ا‪ ،‬وفي ال‪NN‬وقت نفس‪NN‬ه يتح‪NN‬دث عن ابن‪NN‬ه الحقيقي المتهم بالقت‪NN‬ل؟ ك‪NN‬انت ق‪NN‬د س‪NN‬معت س‪NN‬ابًقا‬
‫تصريحات غامضة تتبادلها نويل والطبيب‪ .‬إلى أي منزل غريب قد دخلت؟ كانت تش‪NN‬عر ب‪NN‬الخوف قليًال‪،‬‬
‫وكانت ضميرها يزعجها بشدة‪ .‬هل ليست تخطئ؟ قررت أن تخبر الكاهن عن كل شيء عند عودته‪.‬‬
‫"ال‪ "،‬قال نويل‪" ،‬ال‪ ،‬سيد تاباريه‪ ،‬ليس ل‪NN‬دى ألب‪NN‬ير ال‪NN‬رأي الع‪NN‬ام لص‪NN‬الحه‪ .‬نحن أك‪NN‬ثر ح‪NN‬دة من ذل‪NN‬ك في‬
‫فرنسا‪ ،‬كما تعلم‪ .‬عندما يتم اعتقال شخص فقير‪ ،‬وربما ب‪NN‬ريء تماًم ا من الجريم‪NN‬ة المنس‪NN‬وبة إلي‪NN‬ه‪ ،‬فإنن‪NN‬ا‬
‫دائًم ا مستعدون لرمي األحجار عليه‪ .‬نحتفظ بكل شفقتنا لمن يظهر أمام محكمة الجناي‪NN‬ات‪ ،‬وال‪NN‬ذي يظه‪NN‬ر‬
‫بدون شك كمذنب‪ .‬طالما يتردد العدالة‪ ،‬نحن نقف مع االدعاء ضد المتهم‪.‬‬
‫في اللحظة التي يتم فيها إثبات أن الرجل هو مجرم‪ ،‬تنحاز كل مشاعرنا لصالحه‪ .‬هذا هو الرأي العام‪.‬‬
‫ولكنك تفهم‪ ،‬بالطبع‪ ،‬أن هذا األمر ال يؤثر علّي كثيًر ا‪ .‬أنا أحتقره إلى هذا الحد‪ ،‬حتى إذا‪ ،‬كما أتمنى‬
‫بشدة‪ ،‬لم يتم إطالق سراح ألبير‪ ،‬سأدافع عنه‪ .‬نعم‪ ،‬أخبرت الكونت دي كوماران‪ ،‬والدي‪ ،‬بذلك‪ .‬سأكون‬
‫محاميه‪ ،‬وسأنقذه‪".‬‬

‫بكل سرور‪ ،‬كان الرجل العجوز يود أن يلقي بنفسه على عنق نويل‪ .‬كان يشتاق ليقول له‪" :‬سننقذه مًعا‪".‬‬
‫لكنه كبح نفسه‪ .‬هل لن يحتقره المحامي إذا كشف له سّر ه! قرر‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬الكشف عن كل شيء إذا‬
‫أصبح ذلك ضرورًيا‪ ،‬أو إذا تدهورت وضعية ألبير‪ .‬وفي الوقت الحالي‪ ،‬رضي بتأييد صديقه الشاب‬
‫بشدة‪.‬‬

‫"برافو! يا صديقي"‪ ،‬قال‪" ،‬لديك قلب نبيل‪ .‬كنت أخشى أن أراك تفسد بسبب الثروة والمكانة؛ اعذرني‪.‬‬
‫أنت ستبقى‪ ،‬أرى‪ ،‬كما كنت دائًم ا في موقفك األكثر تواضًعا‪ .‬لكن‪ ،‬قل لي‪ ،‬هل رأيت والدك‪ ،‬الكونت؟"‬

‫واآلن‪ ،‬للمرة األولى‪ ،‬يبدو أن نويل الحظ عيون الراهبة‪ ،‬التي تلمع في الظل كأحجار كربونية بفضول‬
‫شديد‪ .‬بواسطة نظرة‪ ،‬جذب انتباه الرجل العجوز إليها‪ ،‬وقال‪" :‬رأيته‪ ،‬وكل شيء مرتب إلى رضاي‪.‬‬
‫سأخبرك بكل التفاصيل‪ ،‬فيما بعد‪ ،‬عندما نكون أكثر راحة‪ .‬أمام هذا السرير‪ ،‬أشعر بالخجل تقريًبا من‬
‫سعادتي‪".‬‬

‫اضطر السيد تاباريه إلى الرضى بهذه اإلجابة وهذا الوعد‪ .‬رأى أنه لن يتعلم شيًئا تلك الليلة‪ ،‬فتحدث‬
‫عن الذهاب إلى السرير‪ ،‬وأعلن أنه تعب جًدا بسبب ما قام به خالل اليوم‪ .‬لم يطلب نويل منه التوقف‪.‬‬
‫كان ينتظر‪ ،‬قال‪ ،‬شقيق مدام جيردي‪ ،‬الذي تم إرساله عدة مرات‪ ،‬ولكنه لم يكن في المنزل‪ .‬كان يعرف‬
‫بالكاد كيف يمكنه مقابلة هذا الشقيق مرة أخرى‪ ،‬وأضاف‪ :‬ال يزال ال يعرف ما هو السلوك الذي يجب‬
‫اتباعه‪ .‬هل ينبغي أن يخبره بكل شيء؟ لن يزيد ذلك إال من حزنه‪ .‬من ناحية أخرى‪ ،‬الصمت سيجبره‬
‫على لعب دور صعب‪ .‬نصحه الرجل العجوز بعدم القول بأي شيء؛ يمكنه شرح كل شيء الحًقا‪.‬‬

‫"يا له من رجل عظيم هو نويل!" همس السيد تاباريه العجوز‪ ،‬وهو يعود إلى شقته بأقل قدر ممكن من‬
‫الضوضاء‪ .‬كان غائًبا عن منزله لمدة ‪ 24‬ساعة‪ ،‬وكان يتوقع بشكل كامل مشهًدا رهيًبا مع خادمته‪.‬‬

‫كانت مانيت مستاءة بشدة وأعلنت مرة واحدة على األقل أنها ستبحث عن وظيفة جديدة إذا لم يغير‬
‫سيدها سلوكه‪ .‬لقد بقيت مستيقظة طوال الليل في حالة فزع شديدة‪ ،‬مستمعة ألدنى صوت على الدرج‪،‬‬
‫متوقعة في كل لحظة رؤية سيدها يعود على نقالة‪ ،‬مقتوًال‪ .‬وقد كان هناك اضطراب كبير في المنزل‪.‬‬
‫كان السيد جيردي قد نزل بعد وقت قصير من سيدها‪ ،‬ورأته يعود بعد ساعتين‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬أرسلوا‬
‫للطبيب‪ .‬وكل هذا سيقتلها‪ ،‬باإلضافة إلى أن بنيتها الجسدية ضعيفة جًدا لتسمح لها بالبقاء مستيقظة حتى‬
‫هذا الوقت‪ .‬لكن مانيت نسيت أنها لم تبَق مستيقظة بسبب سيدها أو نويل‪ ،‬بل كانت تنتظر أحد أصدقائها‬
‫القدامى‪ ،‬أحد تلك الحراس الوسيمين في باريس الذين وعدها بالزواج‪ ،‬والذين انتظرتهم دون جدوى‪،‬‬
‫الدغل!‬

‫انفجرت في اللوم‪ ،‬بينما كانت تحضر سرير سيدها‪ ،‬صادقة جًدا‪ ،‬وهي تقول إنها ال تحتفظ بأي شيء في‬
‫عقلها‪ ،‬أو تحجب فمها‪ ،‬عندما يتعلق األمر بصحته وسمعته‪ .‬لم يرد السيد تاباريه العجوز على هذا‬
‫الكالم‪ ،‬ألنه لم يكن في مزاج مناقشة األمر‪ .‬وقد انحنى رأسه إلى العاصفة‪ ،‬وتجاهل الهجوم‪ .‬ولكن‬
‫بمجرد االنتهاء من ما كانت تفعله‪ ،‬طردتها من الغرفة‪ ،‬وأقفل الباب بشدة‪.‬‬

‫بدأ يشغل نفسه بتشكيل خط جديد واتخاذ إجراءات سريعة وفاعلة‪ .‬فقد فحص الوضع بسرعة‪ ،‬هل تم‬
‫خداعه في تحقيقاته؟ ال‪ .‬هل كانت تقديراته لالحتماالت خاطئة؟ ال‪ .‬لقد بدأ بحقيقة إيجابية‪ ،‬الجريمة‪ .‬وقد‬
‫اكتشف التفاصيل؛ وتوصل إلى استنتاجاته الصحيحة‪ ،‬وكان المجرم بوضوح كما وصفه‪ .‬ال يمكن أن‬
‫يكون الرجل الذي اعتقله السيد دابورون هو الجاني‪ .‬لقد أدى ثقته في مبدأ قضائي إلى ضالله‪ ،‬عندما‬
‫أشار إلى ألبير‪.‬‬

‫"هذا هو النتيجة عند اتباع اآلراء المقبولة وتلك العب‪NN‬ارات الس‪NN‬خيفة‪ ،‬ال‪NN‬تي تش‪NN‬به عالم‪NN‬ات الطري‪NN‬ق على‬
‫طريق الجاهل! لو كنت حرًا في إلهاماتي‪ ،‬لكنت قد فحصت هذه القضية بش‪NN‬كل أعم‪NN‬ق‪ ،‬ولن أت‪NN‬رك ش‪NN‬يئًا‬
‫للصدفة‪ .‬الصيغة "ابحث عن الذي يستفيد من الجريمة" قد تكون في الكث‪NN‬ير من األحي‪NN‬ان س‪NN‬خيفة وفعال‪NN‬ة‬
‫في نفس ال‪NN‬وقت‪ .‬فورث‪NN‬ة رج‪NN‬ل قت‪NN‬ل يس‪NN‬تفيدون جميع‪ًN‬ا من الجريم‪NN‬ة‪ ،‬في حين يحص‪NN‬ل القات‪NN‬ل في أفض‪NN‬ل‬
‫األحوال على ساعة ومحفظة الضحية‪ .‬كان هناك ثالثة أشخاص مهتمين بم‪NN‬وت األرمل‪NN‬ة ل‪NN‬وروج‪ :‬ألب‪NN‬ير‬
‫والسيدة جيردي والكونت دي كومارين‪ .‬بالنسبة لي‪ ،‬فمن الواضح أن ألبير ليس الجاني‪.‬‬
‫ليست السيدة جيردي‪ ،‬التي تموت من صدمة اإلعالن غير المتوقع عن الجريمة‪ .‬لذا‪ ،‬يبقى الك‪NN‬ونت‪ .‬ه‪NN‬ل‬
‫هو الجاني؟ إذا كان كذلك‪ ،‬فإنه بالتأكيد لم يفعل ذلك بنفس‪NN‬ه‪ .‬يجب أن يك‪NN‬ون ق‪NN‬د اس‪NN‬تأجر بعض األوغ‪N‬اد‪،‬‬
‫أوغاًدا ذوي مكانة جيدة‪ ،‬يرتدون حذاء براءة اختراع جيد‪ ،‬ويدخنون س‪NN‬يجارات ترابوك‪NN‬وس بفم العن‪NN‬بر‪.‬‬
‫يفتقر هؤالء األوغاد األنيقون عادًة إلى الشجاعة‪ .‬فهم يغشون‪ ،‬ويزورون‪ ،‬لكنهم ال يقتلون‪.‬‬
‫ولكن إذا افترضنا أن الكونت حصل على بعض األوغاد المجانين‪ ،‬فإنه سيحل مكان أحدهم ب‪NN‬آخر أك‪NN‬ثر‬
‫خط‪N‬ورة‪ .‬ه‪N‬ذا س‪N‬يكون س‪N‬خيًفا‪ ،‬والك‪N‬ونت رج‪N‬ل حكيم‪ .‬ل‪N‬ذلك‪ ،‬لم يكن ل‪N‬ه أي عالق‪NN‬ة ب‪N‬األمر‪ .‬ولكي أتأك‪N‬د‬
‫بالكامل‪ ،‬سأجري بعض االستفسارات عن‪N‬ه‪ .‬وهن‪N‬اك ش‪N‬يء آخ‪N‬ر‪ ،‬األرمل‪N‬ة ل‪N‬وروج‪ ،‬ال‪N‬تي ك‪N‬انت تس‪N‬تبدل‬
‫األطفال بسهولة أثناء العناية بهم‪ ،‬من المرجح جًدا أن تتولى العديد من المهام الخطيرة األخرى‪.‬‬
‫فمن يمكن أن يقول إنها لم تفيد أشخاًص ا آخرين كان لديهم نفس االهتم‪NN‬ام في التخلص منه‪NN‬ا؟ هن‪NN‬اك س‪NN‬ر‪،‬‬
‫وأنا أتوصل إليه‪ ،‬ولكنني ال أزال لم أصل إليه بعد‪ .‬شيء واحد مؤكد‪ ،‬أال وه‪NN‬و أنه‪NN‬ا لم تقت‪NN‬ل لمن‪NN‬ع نوي‪NN‬ل‬
‫من استعادة حقوقه‪ .‬يجب أن تكون قد تم إزالتها لسبب‬
‫عاد القديم تاباريه إلى ألبرت ووزن االتهامات التي وجهت ضد الشاب‪ ،‬وحس‪NN‬ب الف‪NN‬رص ال‪NN‬تي ال ت‪NN‬زال‬
‫لصالح إطالق سراحه‪.‬‬

‫"من مظهر األمور"‪ ،‬همس‪" ،‬أرى حًظا ونفسي‪ ،‬وهذا يعني عدم وجود أي شيء في صالحه في ال‪NN‬وقت‬
‫الحالي‪ .‬وبالنسبة لالتهامات‪ ،‬فهي ال تحصى‪ .‬وم‪N‬ع ذل‪N‬ك‪ ،‬فال فائ‪N‬دة من الع‪N‬ودة إليه‪N‬ا‪ .‬أن‪N‬ا ال‪N‬ذي جمعته‪N‬ا؛‬
‫وأعرف قيمتها! في نفس الوقت‪ ،‬كل شيء وال شيء‪ .‬فم‪NN‬اذا تثبت اإلش‪NN‬ارات‪ ،‬مهم‪NN‬ا ك‪NN‬انت واض‪NN‬حة‪ ،‬في‬
‫الحاالت التي يجب فيها عدم االعتقاد حتى بأدلة حواسنا الخاصة؟ ألبرت ضحية لصدف ملحوظة للغاية؛‬
‫لكن كلمة واحدة يمكن أن تفسرها‪ .‬وقد حدثت العديد من الحاالت المشابهة‪.‬‬
‫كان األمر أسوأ حتى في قضية الخياط الصغير‪ .‬في الساعة الخامسة‪ ،‬اش‪N‬ترى س‪N‬كيًنا‪ ،‬وأظهره‪N‬ا لعش‪N‬رة‬
‫من أصدقائه‪ ،‬قائًال‪" :‬هذه لزوجتي‪ ،‬التي تكسل وتخونني مع عمالي"‪ .‬في المساء‪ ،‬سمع الجيران ش‪NN‬جاًرا‬
‫شديًدا بين الزوجين‪ ،‬وصراًخ ا وتهديداٍت ودوشًقا وضرًبا‪ ،‬ثم انتهى ك‪N‬ل ش‪N‬يء فج‪N‬أة‪ .‬وفي الي‪N‬وم الت‪N‬الي‪،‬‬
‫اختفى الخياط من منزله‪ ،‬واكتشفوا زوجته ميتة‪ ،‬والسكين نفسها مغم‪NN‬ورة في ظهره‪NN‬ا ح‪NN‬تى النص‪NN‬ل‪ .‬أه‪،‬‬
‫حسًنا! تبّين أنه لم يكن الزوج من وضع السكين هناك؛ بل كان عشيق غيور‪.‬‬
‫بعد ذلك‪ ،‬ماذا يمكن أن يصدق؟ صحيح‪ ،‬لن يشرح ألبرت كيف قضى مساء الثالثاء‪ .‬ال ي‪N‬ؤثر ذل‪N‬ك علي‪.‬‬
‫السؤال بالنسبة لي ليس حول إثبات أين كان‪ ،‬بل ح‪NN‬ول أن‪NN‬ه لم يكن في ال جونش‪NN‬ير‪ .‬ربم‪NN‬ا ك‪NN‬ان جيف‪NN‬رول‬
‫على الطريق الصحيح بعد كل شيء‪ .‬أتمنى ذلك من كل قلبي‪.‬‬
‫نعم؛ هللا يمنحه النجاح‪ .‬سوف تستحق غروري وافتراضي الجنوني العقاب الطفي‪NN‬ف من انتص‪NN‬اره علي‪.‬‬
‫ماذا لن أعطي لتأكيد براءة هذا الرجل؟ نصف ثروتي لن يكون تض‪NN‬حية كب‪NN‬يرة‪ .‬إذا لم أفلح! إذا‪ ،‬بع‪NN‬د أن‬
‫سببت الشر‪ ،‬وجدت نفسي عاجزم بعجزي عن التراجع عنه!"‬
‫ذهب القديم تاباريه للنوم وهو يرتج‪N‬ف من ه‪N‬ذه الفك‪N‬رة األخ‪N‬يرة‪ .‬وغ‪N‬رق في ن‪N‬وم عمي‪N‬ق وم‪N‬رعب‪ .‬ففي‬
‫حلمه‪ ،‬ضاع بين الحش‪N‬ود البس‪N‬يطة ال‪N‬تي تتجم‪N‬ع ي‪N‬وم اإلع‪N‬دام في س‪N‬احة دو الروكيت‪ ،‬وراقب تش‪N‬نجات‬
‫الشخص المحكوم عليه باإلعدام‪ .‬فرأى الرجل البائس‪ ،‬ويديه مقيدتان خل‪NN‬ف ظه‪NN‬ره‪ ،‬ويحمل‪NN‬ه القس بينم‪NN‬ا‬
‫يصعد الدرج الشديد االنحدار ال‪NN‬ذي ي‪NN‬ؤدي إلى منص‪NN‬ة اإلع‪NN‬دام‪ .‬ورأى الرج‪NN‬ل وه‪NN‬و يق‪NN‬ف على المنص‪NN‬ة‬
‫القاتلة‪ ،‬ويتحدى الحشد المرعوب أسفله بنظرته الفخورة‪.‬‬
‫سرعان م‪NN‬ا التقت عي‪NN‬ون المحك‪NN‬وم علي‪NN‬ه بعيني‪NN‬ه‪ ،‬وفج‪NN‬أة انقطعت حبال‪NN‬ه‪ ،‬وأش‪NN‬ار إلي‪NN‬ه‪ ،‬تاباري‪NN‬ه‪ ،‬وص‪NN‬اح‬
‫بصوت عاٍل ‪" :‬هذا الرجل هو قاتلي‪ ".‬ثم ان‪NN‬دلعت ص‪NN‬يحات عارم‪NN‬ة للس‪NN‬ب والش‪NN‬تم على المحق‪NN‬ق‪ .‬ح‪NN‬اول‬
‫الهرب‪ ،‬لكن قدميه بدت وكأنها ملتصقة باألرض‪ .‬حاول على األقل إغالق عينيه‪ ،‬لكن‪N‬ه لم يس‪N‬تطع‪ .‬فق‪N‬وة‬
‫غامضة وال تقاوم أجبرته على النظر‪ .‬ثم صاح ألبرت مرة أخرى‪" :‬أنا بريء؛ المذنب ه‪NN‬و ‪ "-‬ولكن‪NN‬ه لم‬
‫يستطع سماع االسم الذي ذكره‪ .‬وفي النهاية‪ ،‬سقط رأس المحكوم عليه‪.‬‬

‫صرخ السيد تاباريه بصوت عاٍل واستيقظ وهو يتعرق ب‪NN‬ارًدا‪ .‬اس‪NN‬تغرق األم‪NN‬ر بعض ال‪NN‬وقت ح‪NN‬تى أقن‪NN‬ع‬
‫نفسه بأن ما سمعه ورأى ليس حقيقًيا‪ ،‬وأنه في الواقع في منزل‪N‬ه‪ ،‬في س‪N‬ريره‪ .‬إن‪N‬ه ك‪N‬ان مج‪N‬رد حلم! لكن‬
‫األحالم أحياًنا‪ ،‬حسبما يقولون‪ ،‬تكون إنذاًر ا من السماء‪ .‬كانت خياله مصابة جًدا بما ح‪N‬دث لتل‪N‬ك الدرج‪N‬ة‬
‫التي بذل فيها مجهودات غير مسموعة الستدعاء االسم الذي ذكره أل‪NN‬برت‪ .‬ولكن دون ج‪NN‬دوى‪ ،‬فاس‪NN‬تيقظ‬
‫وأضاء شمعة‪ .‬جعلته الظالم يش‪NN‬عر ب‪NN‬الخوف‪ ،‬فاللي‪NN‬ل ك‪NN‬ان مليًئ ا باألش‪NN‬باح‪ .‬لم يع‪NN‬د األم‪NN‬ر يتعل‪NN‬ق ب‪NN‬النوم‪.‬‬
‫وبسبب هذه القلق والتوتر‪ ،‬اتهم نفسه بشدة وعاتبها بقسوة على المهنة التي كان يسعدها حتى ذلك الحين‪.‬‬
‫فقرة البشرية!‬
‫كان واضًحا أنه كان مجنوًنا تماًم ا في الي‪NN‬وم ال‪NN‬ذي ك‪NN‬ان يفك‪NN‬ر في البحث عن وظيف‪N‬ة في ش‪NN‬ارع الق‪N‬دس‪.‬‬
‫هواية نبيلة حًقا لرجل في عمره‪ ،‬وهو مواطن نزيه جي‪NN‬د في ب‪NN‬اريس‪ ،‬ث‪NN‬ري‪ ،‬ومح‪NN‬ترم من قب‪NN‬ل الجمي‪NN‬ع!‬
‫وأن يفتخ‪NN‬ر بأفعال‪NN‬ه‪ ،‬وأن يفتخ‪NN‬ر بذكائ‪NN‬ه‪ ،‬وأن يفتخ‪NN‬ر بح‪NN‬دة ش‪NN‬مه‪ ،‬وأن يفتخ‪NN‬ر بتل‪NN‬ك اللقب الس‪NN‬خيف‬
‫"تيراوكل‪NN‬ير"‪ .‬مج‪NN‬رد مجن‪NN‬ون! م‪NN‬اذا ك‪NN‬ان يأم‪NN‬ل أن يحق‪N‬ق من ه‪NN‬ذا االص‪NN‬طياد؟ ك‪NN‬ل أن‪NN‬واع المض‪NN‬ايقات‪،‬‬
‫وازدراء العالم‪ ،‬دون حساب خطر المساهمة في إدان‪N‬ة رج‪N‬ل ب‪N‬ريء‪ .‬لم‪N‬اذا لم يتح‪N‬ذر من قض‪N‬ية الخي‪N‬اط‬
‫الصغير؟‬
‫وبتذكر بعض السعادات التي حظي بها في الماضي‪ ،‬ومقارنتها بعذاب‪NN‬ه الح‪NN‬الي‪ ،‬ق‪NN‬رر أن‪NN‬ه لن يع‪NN‬ود له‪NN‬ذا‬
‫المجال مرة أخرى‪ .‬بمجرد إنقاذ أل‪N‬برت‪ ،‬س‪N‬يبحث عن تس‪N‬لية أق‪N‬ل خط‪N‬ورة وأك‪N‬ثر تق‪N‬ديًرا عاًم ا‪ .‬س‪N‬ينهي‬
‫العالقات التي يخجل منها‪ ،‬وسيترك الشرطة والعدالة للتعامل بأفضل ما لديهم بدونه‪.‬‬
‫وأخيرًا‪ ،‬طال انتظاره لليوم الذي ك‪NN‬ان ينتظ‪NN‬ره بف‪NN‬ورة‪ .‬ولممارس‪NN‬ة ال‪NN‬وقت‪ ،‬ق‪NN‬ام بتل‪NN‬بيس ثياب‪NN‬ه ببطء‪ ،‬م‪NN‬ع‬
‫الكثير من العناية‪ ،‬حاول إشغال عقله بتفاصيل ال داعيلها‪ ،‬ومحاولة إيهام نفسه ب‪N‬أن ال‪N‬وقت ق‪NN‬د تغ‪N‬ير عن‬
‫طريق النظر باستمرار إلى الساعة‪ ،‬ليرى ه‪NN‬ل ت‪NN‬وقفت أم ال‪ .‬وب‪NN‬الرغم من ه‪NN‬ذا الت‪NN‬أخير‪ ،‬لم يكن الس‪NN‬اعة‬
‫الثامنة عندما حضر إلى منزل القاضي‪ ،‬يطلب من‪NN‬ه أن يع‪NN‬ذره‪ ،‬بس‪NN‬بب أهمي‪NN‬ة أعمال‪NN‬ه‪ ،‬لزي‪NN‬ارة مبك‪NN‬رة ال‬
‫تخلو من الفضول‪.‬‬
‫االعتذارات كانت زائدة عن الحاجة‪ .‬لم يتأثر السيد دابورون أبًدا باتصال في الثامنة صباًح ا‪ .‬كان بالفع‪NN‬ل‬
‫في العمل‪ .‬استقبل المحقق الهاوي العجوز بلطفه المعتاد‪ ،‬وحتى أمزح مع‪NN‬ه قليًال ح‪NN‬ول إثارت‪NN‬ه المفرط‪NN‬ة‬
‫لليلة السابقة‪ .‬من كان يتوقع أن يكون أعصابه حساسة إلى هذا الحد؟ بال شك أن اللي‪NN‬ل ق‪NN‬د جلب التفك‪NN‬ير‪.‬‬
‫هل استعاد عقله؟ أم وجد الجاني الحقيقي؟‬
‫أزعج الرجل العجوز هذا النبرة الطفولية في القاضي‪ ،‬الذي اُتهم بالجدية ح‪NN‬تى الغل‪NN‬ط‪ .‬ه‪NN‬ل ال يخفي ه‪NN‬ذا‬
‫السخرية عزًم ا على عدم التأثر بأي شيء يمكن أن يقوله؟ كان يعتقد ذلك‪ ،‬وكان من دون أدنى خداع أنه‬
‫بدأ بالتماسه‪.‬‬
‫وضع القضية بشكل أكثر هدوًء ا هذه المرة‪ ،‬لكن مع ك‪NN‬ل طاق‪NN‬ة مقنع‪NN‬ة لقناع‪NN‬ة مدروس‪NN‬ة جي‪ًNN‬دا‪ .‬لق‪NN‬د ناش‪NN‬د‬
‫القلب‪ ،‬واآلن يناش‪NN‬د العق‪NN‬ل؛ ولكن على ال‪NN‬رغم من أن الش‪NN‬ك ه‪NN‬و ع‪NN‬دو مع‪NN‬دي‪ ،‬فإن‪NN‬ه لم ينجح في إقن‪NN‬اع‬
‫القاضي أو هز رأيه‪ .‬لم تكن أقواله األكثر قوة مفيدة أمام اإلقتناع المطلق للسيد دابورون‪ ،‬كم‪NN‬ا ل‪NN‬و ك‪NN‬انت‬
‫الرصاصة مصنوعة من فتات الخبز في مواجهة درع الصدر‪ .‬ولم يكن هناك شيء مدهش جًدا في ذلك‪.‬‬
‫في جانب السيد تاباريه‪ ،‬كانت هناك نظرية مدروسة بذكاء‪ ،‬كلها كالم؛ بينما كان السيد داب‪NN‬ورون يمتل‪NN‬ك‬
‫شهادات وحقائق واضحة‪ .‬وكانت ميزة القضية هي أن جميع األسباب التي قدمها الرجل العجوز لت‪NN‬برير‬
‫ألبرت كانت تعتبر رد فعل ضده‪ ،‬وتؤكد إدانته‪.‬‬
‫لم يكن انبطاح على يد القاضي متوقًعا للغاية بالنسبة للسيد تاباريه ليظهر مضطرًبا أو محبًط ا‪ .‬أعلن أن‪N‬ه‬
‫لن يصر على المزيد في الوقت الحالي؛ وأنه يثق تماًم ا في حكم‪N‬ة ونزاه‪N‬ة القاض‪N‬ي‪ .‬ك‪N‬ل م‪N‬ا يري‪N‬ده ه‪N‬و‬
‫تحذيره من االحتماالت التي ألهمها بأسفه المفرط‪.‬‬
‫وأضاف أنه سيقوم بالتحري عن مزيد من المعلومات‪ .‬لم يكونوا سوى في بداية التحقيق‪ ،‬وال يزالواجه‪NN‬ة‬
‫العديد من األمور‪ ،‬بما في ذلك ماضي األرملة ل‪N‬يروج‪ .‬ق‪N‬د يكش‪N‬ف المزي‪N‬د من الحق‪N‬ائق‪ .‬ومن يع‪N‬رف م‪N‬ا‬
‫الشهادة التي قد يقدمها الرجل ذو األقراط‪ ،‬الذي يتم مطاردته من قبل جيفرول؟ على الرغم من الغض‪NN‬ب‬
‫الشديد الذي يشعر به داخلًيا‪ ،‬ورغبته في إهانة ومعاقب‪NN‬ة ال‪NN‬ذي يس‪NN‬ميه بـ "األحم‪NN‬ق القاض‪NN‬ي" في داخل‪NN‬ه‪،‬‬
‫حاول السيد تاباريه أن يكون متواضًعا ومهذًبا‪ .‬أراد‪ ،‬قال‪ ،‬البقاء على اتصال بمختلف مراح‪NN‬ل التحقي‪NN‬ق‪،‬‬
‫ويطلب أن ُتبلغ‪NN‬ه بنت‪NN‬ائج التحقيق‪NN‬ات المس‪NN‬تقبلية‪ .‬وانتهى بطلب اإلذن للتواص‪NN‬ل م‪NN‬ع أل‪NN‬برت‪ ،‬واعتق‪NN‬د أن‬
‫خدماته تستحق هذه اللفتة البسيطة‪ .‬ويريد لقاًء دون شهود لمدة عشر دقائق فقط‪.‬‬
‫رفض السيد دابورون هذا الطلب‪ ،‬وأعلن أن المعتقل يجب أن يظل في الحبس االنف‪NN‬رادي الص‪NN‬ارم ح‪NN‬تى‬
‫اآلن‪ .‬وعلى سبيل العزاء‪ ،‬أضاف أنه قد يكون قادًر ا على إعادة النظر في هذا الق‪NN‬رار في غض‪NN‬ون ثالث‪NN‬ة‬
‫أو أربعة أيام‪ ،‬حيث ستكون الدوافع التي دفعته التخاذ هذا القرار لم تعد موجودة‪.‬‬
‫"رفضكم قاٍس ‪ ،‬سيدي"‪ ،‬قال السيد تاباريه‪" ،‬لكنني أفهمه وأستسلم له"‪.‬‬
‫هذا كان شكواه الوحي‪NN‬دة‪ ،‬وانس‪NN‬حب تقريًب ا على الف‪N‬ور‪ ،‬خائًف ا من أن‪NN‬ه لم يع‪NN‬د ق‪NN‬ادًرا على الس‪NN‬يطرة على‬
‫غضبه‪ .‬شعر بأنه‪ ،‬باإلضافة إلى السعادة الكبيرة في إنقاذ رجل بريء‪ ،‬يعرض للخط‪NN‬ر بس‪NN‬بب س‪NN‬ذاجته‪،‬‬
‫سيشعر بسعادة ال توصف في االنتقام من عناد القاضي‪.‬‬
‫"ثالثة أو أربعة أيام"‪ ،‬همس‪" ،‬هذا يعني نفس الشيء ثالثة أو أربعة سنوات بالنسبة للمعتقل البائس‪ .‬هذا‬
‫القاضي الرائع يتعامل مع األمور بسهولة‪ .‬ولكن يجب علّي أن أكتشف الحقيق‪N‬ة الحقيقي‪N‬ة في القض‪N‬ية بين‬
‫اآلن وحتى ذلك الحين"‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬كان السيد دابورون يحتاج فق‪NN‬ط إلى ثالث‪NN‬ة أو أربع‪NN‬ة أي‪NN‬ام الس‪NN‬تخراج اع‪NN‬تراف من أل‪NN‬برت‪ ،‬أو على‬
‫األقل جعله يتخلى عن نظام دفاعه‪.‬‬
‫ولم يكن صعوبة االدع‪N‬اء في ع‪N‬دم الق‪N‬درة على إنت‪NN‬اج أي ش‪NN‬اهد رأى المعتق‪N‬ل خالل مس‪NN‬اء ي‪NN‬وم الثالث‪NN‬اء‬
‫األخير‪.‬‬
‫كان يكفي شهادة واحدة في هذا الصدد لتحمل وزًنا كبيًرا جًدا‪ ،‬ولذلك‪ ،‬بمجرد مغادرة تاباري‪NN‬ه ل‪NN‬ه‪ ،‬ح‪NN‬ول‬
‫السيد دابورون كل اهتمامه في هذا االتجاه‪ .‬ال يزال يمكنه األمل في الكث‪NN‬ير‪ .‬لم يمِض اال الس‪NN‬بت‪ ،‬وك‪NN‬ان‬
‫يوم الجريمة ملحوًظا بما يكفي ليثبت في ذاكرة الناس‪ ،‬وحتى ذل‪NN‬ك الحين لم يكن هن‪NN‬اك وقت ك‪NN‬اٍف لب‪NN‬دء‬
‫تحقيٍق مناسب‪.‬‬
‫نظم أح‪NN‬د أك‪NN‬ثر خمس‪NN‬ة محققين ذوي الخ‪NN‬برة في الخدم‪NN‬ة الس‪NN‬رية ألخ‪NN‬ذ ص‪NN‬ور المعتق‪NN‬ل وإرس‪NN‬الها إلى‬
‫بوجيفال‪ ،‬حيث كانوا مكلفين بتفتيش المنطقة بأكملها بين روئيل وال جونشير‪ ،‬واالستعالم في ك‪NN‬ل مك‪NN‬ان‬
‫وإجراء التحقيقات الدقيقة‪ .‬وكانت الصور ستساعد كثيرا في جه‪N‬ودهم‪ ،‬حيث ك‪N‬ان ل‪N‬ديهم أوام‪N‬ر بع‪N‬رض‬
‫الصور في كل مكان وعلى الجميع‪ ،‬وحتى ترك عشرة ص‪NN‬ور في المنطق‪NN‬ة المج‪NN‬اورة‪ ،‬حيث ك‪NN‬ان ل‪NN‬ديهم‬
‫عدد كاٍف من الصور لهذا الغرض‪ .‬فكان من المستحيل في ليل‪NN‬ة وج‪NN‬ود العدي‪NN‬د من الن‪NN‬اس‪ ،‬أن ال يالح‪NN‬ظ‬
‫أحد وجود الشخص الذي يشبه الشخص في الص‪N‬ورة الفوتوغرافي‪N‬ة إم‪N‬ا في محط‪N‬ة الس‪N‬كك الحديدي‪N‬ة في‬
‫روئيل أو على إحدى الطرق التي تؤدي إلى ال جونشير‪ ،‬الطريق السريع والطريق على ضفاف النهر‪.‬‬

‫وبعد تنظيم هذه الخطط‪ ،‬توجه المحقق إلى قصر العدل واستدعى ألبرت‪ ،‬حيث تلقى في الصباح تقري‪ًNN‬را‬
‫يخبره باألعمال والحركات واألقوال الواردة من المعتقل‪ ،‬الذي تم مراقبته بعناية‪ .‬لم يظهر فيه أي ش‪NN‬يء‬
‫يدل على أنه مجرم‪ ،‬بل بدا حزيًنا جًدا ولكن لم ييأس‪ ،‬ولم يصرخ وال هدد وال شتم العدال‪NN‬ة‪ ،‬ولم يتح‪NN‬دث‬
‫حتى عن خطأ مميت‪ .‬بعد تناول طعام خفيف‪ ،‬توجه إلى نافذة زنزانته وبقي هناك وقًفا ألكثر من ساعة‪،‬‬
‫ثم اضطجع ونام بسالم‪.‬‬

‫“ياله من بنية قوية!” فكر السيد دابورون عند دخول المعتقل لمكتبه‪.‬‬
‫لم يكن ألبرت الرجل اليائس الذي كان علي‪NN‬ه الليل‪NN‬ة الماض‪NN‬ية‪ ،‬مرتبًك ا بس‪NN‬بب تع‪NN‬دد االتهام‪NN‬ات‪ ،‬ومفاجًئ ا‬
‫بسرعة وصولها ضده‪ ،‬ولم يبدو مستعًدا لالنكس‪NN‬ار‪ .‬س‪NN‬واء ك‪NN‬ان بريًئ ا أو م‪NN‬ذنًبا‪ ،‬أص‪NN‬بح واثًق ا من كيفي‪NN‬ة‬
‫التصرف‪ ،‬ولم يترك شًك ا في ذلك‪ .‬يعبر عيناه عن القرار البارد للتضحية بنفس‪N‬ه‪ ،‬وبعض الكبري‪N‬اء ال‪N‬ذي‬
‫يمكن أن يتخذ كاستهزاء‪ ،‬ولكنه يعبر عن الغضب النبيل لرجل مظلوم‪ .‬يمكن رؤية فيه رجل يعتم‪NN‬د على‬
‫نفسه‪ ،‬يمكنه أن يهتز ولكن ُيهزم بالمصائب‪.‬‬

‫عند رؤيته‪ ،‬فهم المحقق أنه سيتعين عليه تغيير طريقته في الهجوم‪ .‬إنه يدرك أحد تلك الطبائع التي تث‪NN‬ير‬
‫المقاومة عن‪NN‬د الهج‪NN‬وم وتق‪NN‬وي عن‪NN‬د التهدي‪NN‬د‪ .‬ل‪NN‬ذلك‪ ،‬ق‪NN‬رر التخلي عن تكتيكات‪NN‬ه الس‪NN‬ابقة ومحاول‪NN‬ة إقناع‪NN‬ه‬
‫باللطف‪ .‬إنه حيلة مملة‪ ،‬ولكنها تكاد تكون دائًم ا ناجحة‪ ،‬مثل بعض المشاهد الحزين‪NN‬ة في المس‪NN‬ارح‪ .‬يج‪NN‬د‬
‫المجرم الذي قدم طاقته لمواجهة صدمة ال‪NN‬ترهيب نفس‪NN‬ه ب‪NN‬دون حماي‪NN‬ة ض‪NN‬د اللط‪NN‬ف‪ ،‬وي‪NN‬زداد ت‪NN‬أثيره بم‪NN‬ا‬
‫يتناسب مع قلة صدقه‪ .‬واآلن‪ ،‬فإن السيد دابورون يتفوق في إنتاج المشاهد المؤثرة‪ .‬م‪NN‬ا هي االعتراف‪NN‬ات‬
‫التي حصل عليها ببضع دموع! ال أحد يعرف كيف يلمس تلك األوتار القديمة التي تهتز حتى في القلوب‬
‫األكثر فاسدة‪ :‬الشرف والحب والصالت العائلية‪.‬‬
‫مع ألبرت‪ ،‬أصبح السيد دابورون لطيًفا وودوًدا‪ ،‬ومليًئا بالرحم‪NN‬ة الحي‪NN‬ة‪ .‬ي‪NN‬ا لألس‪NN‬ف‪ ،‬كم يجب أن يع‪NN‬اني‬
‫هذا الرجل الذي كانت حياته بأكملها كتلة من الس‪NN‬حر والجم‪NN‬ال‪ .‬كي‪NN‬ف س‪NN‬قط ك‪NN‬ل ش‪NN‬يء حول‪NN‬ه في لحظ‪NN‬ة‬
‫واحدة‪ .‬من كان يتوقع ك‪NN‬ل ه‪NN‬ذا عن‪NN‬دما ك‪NN‬ان ه‪NN‬و األم‪NN‬ل الوحي‪NN‬د لعائل‪NN‬ة ثري‪NN‬ة ومش‪NN‬هورة! يت‪NN‬ذكر المحق‪NN‬ق‬
‫الماضي ويصور له أكثر الذكريات المؤثرة لشبابه ويثير رماد ك‪N‬ل مش‪N‬اعره المنطفئة‪ .‬واس‪N‬تغل ك‪N‬ل م‪N‬ا‬
‫يعرفه عن حياة السجين وعذبه باإلشارات األكثر حزًنا إلى كلير‪ .‬لماذا يصر على تحمل مصيبته الكبيرة‬
‫وحده؟ أليس لديه أحد في العالم يعتبر الشركة مصدر سعادته؟ لم‪NN‬اذا ه‪NN‬ذا الص‪NN‬مت المع‪NN‬ترض؟ أال يجب‬
‫عليه أن يسارع لتطمئنها التي تعتمد حياتها على وجوده؟ ما هو الضروري ل‪NN‬ذلك؟ كلم‪NN‬ة واح‪NN‬دة فق‪N‬ط‪ .‬ثم‬
‫سيكون‪ ،‬إن لم يكن حًر ا‪ ،‬على األقل عاد إلى العالم‪ .‬سيصبح سجنه مأوى ص‪NN‬الح للس‪NN‬كن‪ ،‬لم يع‪NN‬د عزل‪NN‬ة‪،‬‬
‫سيزوره أصدقاؤه‪ ،‬ويمكنه أن يستقبل من يريد رؤيته‪.‬‬
‫لم يكن المحقق الذي يتحدث بعد اآلن‪ ،‬بل كان والًدا‪ ،‬الذي يحتفظ في أعماق قلبه بأكبر ق‪NN‬در من التس‪NN‬امح‬
‫تجاه طفله‪ ،‬مهما حدث‪.‬‬

‫وفعل السيد دابورون المزيد من ذلك‪ .‬للحظ‪NN‬ة تخي‪NN‬ل نفس‪NN‬ه في موق‪NN‬ف أل‪NN‬برت‪ .‬م‪NN‬اذا س‪NN‬يفعل بع‪NN‬د الكش‪NN‬ف‬
‫المروع؟ بالكاد يجرؤ على سؤال نفسه‪ .‬فهو يفهم الدافع الذي دفع إلى قتل أرملة لوروج‪ ،‬ويمكنه تفس‪NN‬يره‬
‫لنفسه‪ ،‬ويمكنه تبريره تقريًبا‪( .‬فخ آخر‪ ).‬كان بالتأكيد جريمة كبيرة‪ ،‬ولكنها لم تكن بش‪NN‬عة ب‪NN‬أي ش‪NN‬كل من‬
‫األشكال للضمير أو العقل‪ .‬إنها واحدة من تلك الجرائم التي يمكن للمجتمع‪ ،‬إذا لم ينساها‪ ،‬على األق‪NN‬ل أن‬
‫يغفره‪N‬ا إلى ح‪N‬د م‪N‬ا‪ ،‬ألن ال‪N‬دافع لم يكن مخزًي ا‪ .‬أي محكم‪N‬ة لن تج‪N‬د ظروًف ا مخفف‪N‬ة للحظ‪N‬ة من الجن‪N‬ون‬
‫المبرر‪ .‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬أليس الكونت دي كومارين هوأكثر إثًم ا من االثنين؟ أليست جنونه هو ال‪NN‬ذي‬
‫أعد الطريق لحدوث هذا الحدث الرهيب؟ إن ابنه كان ضحية القدر ويستحق أقصى درجات الشفقة‪.‬‬
‫تحدث السيد دابورون لفترة طويلة حول هذا الموضوع‪ ،‬يبحث عن أشياء مناس‪NN‬بة في رأي‪NN‬ه إليق‪NN‬اف قلب‬
‫القاتل المتحجر‪ .‬ووصل دائمًا إلى نفس االستنتاج ‪ -‬حكمة االعتراف‪ .‬لكنه أضاع بالغته تماًم ا كم‪NN‬ا فع‪NN‬ل‬
‫السيد تاباريه قبل‪NN‬ه‪ .‬لم يب‪NN‬د أل‪NN‬برت أي ت‪NN‬أثير‪ .‬ك‪NN‬انت إجابات‪NN‬ه قص‪NN‬يرة‪ .‬ب‪NN‬دأ وانتهى كم‪NN‬ا في الم‪NN‬رة األولى‪،‬‬
‫بالتأكيد على براءته‪.‬‬

‫ومن المقرر تجريب اختبار واحد‪ ،‬الذي غالبًا ما يعطي النتيجة المرجوة‪.‬‬

‫في نفس اليوم‪ ،‬يوم السبت‪ ،‬وضع ألبرت أمام جثة أرملة لوروج‪ .‬بدا متأثًرا ب‪NN‬المنظر الح‪NN‬زين‪ ،‬لكن ليس‬
‫أكثر مما يكون أي شخص‪ ،‬إذا اضطر للنظر إلى ضحية اغتيال بعد أربع‪NN‬ة أي‪NN‬ام على الجريم‪NN‬ة‪ .‬وأج‪NN‬اب‬
‫أحد المتفرجين الذين صرخوا‪" :‬أه‪ ،‬لو كانت تستطيع التحدث!" "هذا س‪N‬يكون حظ‪ًN‬ا كب‪N‬يرًا بالنس‪N‬بة لي"‪،‬‬
‫أجاب ألبرت‪.‬‬

‫منذ الصباح‪ ،‬لم يحقق السيد دابورون أي مكسب‪ .‬كان علي‪NN‬ه أن يع‪NN‬ترف بفش‪NN‬ل مناورات‪NN‬ه‪ .‬ولم تنجح ه‪NN‬ذه‬
‫المحاولة األخيرة أيًض ا‪ .‬استمرار هدوء المسجون مأل زي‪NN‬ادة غض‪NN‬ب ه‪NN‬ذا الرج‪NN‬ل ال‪NN‬ذي ك‪NN‬ان متأك‪ًNN‬دا من‬
‫ذنبه‪ .‬كانت حقده واضحة للجميع‪ ،‬عندما أمر بشدة بإعادة المسجون إلى زنزانته‪.‬‬

‫"سأجبره على االعتراف!" همس بين أسنانه‪.‬‬

‫ربما ندم على تلك األدوات اللطيفة للتحقيق في العصور الوس‪NN‬طى‪ ،‬ال‪NN‬تي اض‪NN‬طرت المس‪NN‬جون لق‪NN‬ول م‪NN‬ا‬
‫يريدون سماعه‪ .‬لم يلتِق أحٌد مثل هذا الجاني من قبل‪ ،‬فماذا يمكنه أن يأمل بعقالنية في نظامه الذي ينكر‬
‫بشكل مستمر؟ هذا العناد السخيف في وجود دالئل مطلقة‪ ،‬دفع المحقق إلى غضب شديد‪ .‬إذا كان أل‪NN‬برت‬
‫قد اعترف بذنبه‪ ،‬فسيجد السيد دابورون نفسه متسامًح ا معه‪ ،‬لكن بما أنه نفى ذلك‪ ،‬فقد تعارض مع ع‪NN‬دو‬
‫ال يرحم‪.‬‬

‫كانت كذبة الموقف نفسها التي أضلت وأعمت هذا القاضي الذي كان طبيعًيا لطيًفا وكريًم ا‪ .‬فق‪NN‬د أراد في‬
‫السابق أن يثبت براءة ألبرت‪ ،‬ولكنه اآلن يرغب بشدة في إثبات إدانته‪ ،‬ولمئة سبب ال يس‪NN‬تطيع تحليله‪NN‬ا‪.‬‬
‫تذكر جيًدا أنه كان ينافس الفيكونت دي كوماران‪ ،‬وأنه كاد يقتله‪ .‬هل لم يتوب حتى الندم على توقيع أمر‬
‫االعتقال وقبول مهمة التحقيق؟ كما أن تغيير رأي السيد تاباريه الذي لم يفهمه جيًدا‪ ،‬أثار لديه الكثير من‬
‫القلق‪.‬‬

‫جميع هذه المشاعر دفعت السيد دابورون إلى الكراهية والتحريك في المسار ال‪NN‬ذي اخت‪NN‬اره‪ .‬أص‪NN‬بح اآلن‬
‫أقل ما يبحث عنه هو إثبات إدانة ألبرت وأكثر ما يريده هو تبرير سلوكه كقاٍض‪ .‬أصبح التحقي‪N‬ق ُم رهًق ا‬
‫كما لو كان شأًنا شخصًيا‪.‬‬

‫في الواقع‪ ،‬إذا كان المسجون بريًئا‪ ،‬فإنه سيصبح ال ُيبرر في عينيه‪ .‬وبقدر م‪NN‬ا يل‪NN‬وم نفس‪NN‬ه بش‪NN‬دة‪ ،‬وينم‪NN‬و‬
‫الوعي بعيوبه‪ ،‬يشعر بالمزي‪NN‬د من التماي‪NN‬ل لتجرب‪NN‬ة ك‪NN‬ل ش‪NN‬يء للف‪N‬وز على منافس‪NN‬ه الس‪NN‬ابق‪ ،‬ح‪NN‬تى يس‪NN‬يء‬
‫استخدام سلطته‪ .‬دفعته منطق األحداث للتحريك‪ .‬يبدو أن شرفه نفسه في خطر‪ ،‬وعرض نشاًطا ش‪NN‬غوًفا‪،‬‬
‫كما لم يكن يظهره في أي تحقيق من قبل‪.‬‬

‫قضى السيد دابورون يوم األحد كله في االستماع إلى تقارير المحققين الذين أرسلهم إلى بوجيف‪NN‬ال‪ .‬ق‪NN‬الوا‬
‫إنهم لم يدخروا جهًدا‪ ،‬لكنهم لم يتمكنوا من اإلبالغ عن أي شيء جديد‪ .‬سمعوا من العدي‪NN‬د من األش‪NN‬خاص‬
‫حديًثا عن امرأة تدعي أنها رأت القاتل يغادر منزل أرملة لوروج‪ ،‬ولكن لم يتمكن أح‪NN‬د من تحدي‪NN‬د هوي‪NN‬ة‬
‫هذه المرأة أو حتى إعطائهم اسمها‪.‬‬

‫على الرغم من ذلك‪ ،‬اعتبروا أنه من واجبهم إبالغ القاضي بأن تحقيًقا آخر يجري في نفس الوقت‪ .‬ك‪NN‬ان‬
‫تحت إشراف السيد تاباريه‪ ،‬الذي جاب البالد بسرعة كبيرة في عربة مجهزة بحص‪NN‬ان س‪NN‬ريع ج‪ًNN‬دا‪.‬يجب‬
‫أن يكون قد تصرف بسرعة كبيرة‪ ،‬حيث كان يظهر في كل مكان قبلهم‪ .‬يبدو أن لديه عشرة رجال تحت‬
‫أوامره‪ ،‬وأربعة منهم على األقل كانوا ينتمون بالتأكيد إلى شارع القدس‪ .‬التقوا جميًعا به‪ ،‬وتح‪NN‬دث معهم‪.‬‬
‫ألحدهم‪ ،‬قال‪" :‬م‪NN‬ا ه‪NN‬و ه‪NN‬ذا الص‪NN‬ورة ال‪NN‬ذي تعرض‪NN‬ونه؟ في أق‪NN‬ل من ال ش‪NN‬يء‪ ،‬ستحص‪NN‬ل على حش‪NN‬د من‬
‫الشهود‪ ،‬الذين سيوصفون شخًص ا يشبه الصورة أكثر من الصورة نفسها‪ ،‬وذلك لكسب ثالثة فرنكات"‪.‬‬
‫التقى بشخص آخر على الطريق السريع وضحك علي‪NN‬ه‪ ،‬فق‪NN‬ال ل‪NN‬ه‪" :‬أنت رج‪NN‬ل بس‪NN‬يط‪ ،‬تبحث عن رج‪NN‬ل‬
‫مختبئ على الطريق السريع‪ .‬انظر جانًبا قليًال‪ ،‬وربما تجده"‪ .‬ثم تحدث إلى شخصين كانا مًع ا في مقهى‬
‫في بوجيفال وأخذهما جانًبا‪ ،‬وقال لهما‪" :‬لقد وجدته‪ ،‬إنه رجل ذكي‪ ،‬جاء عن طريق ش‪NN‬اتوا‪ .‬رأت‪NN‬ه ثالث‪NN‬ة‬
‫أشخاص‪ ،‬اثنان من حمالي القطارات والشخص الثالث الذي سيكون ش‪NN‬هادته حاس‪NN‬مة‪ ،‬ألن‪NN‬ه تح‪NN‬دث إليه‪NN‬ا‬
‫وكان يدخن"‪ .‬أصبح السيد دابورون غاضبًا للغاية من السيد تاباريه العجوز‪ ،‬حتى بدأ األول في ال‪NN‬ذهاب‬
‫إلى بوجيفال‪ ،‬مصمًم ا بقوة على إعادة الرجل الحريص جًدا إلى باريس‪ ،‬واإلبالغ عن سلوكه في المكان‬
‫المناسب‪ .‬لكن الرحلة كانت عبثية‪ ،‬حيث اختفى السيد تاباريه والعربة والحصان السريع والرجال االثني‬
‫عشر‪ ،‬أو على األقل لم يتم العثور عليهم‪ .‬وعند عودته إلى الم‪NN‬نزل‪ ،‬وه‪NN‬و متعب للغاي‪NN‬ة وليس في م‪NN‬زاج‬
‫جيد‪ ،‬وجد القاضي المحقق تلغراًفا من رئيس قوة المخ‪NN‬برين ينتظ‪NN‬ره‪ ،‬ك‪NN‬ان مختص‪ًNN‬را وم‪NN‬وجًز ا‪" :‬روان‪،‬‬
‫األحد‪ .‬تم العثور على الرجل‪ ،‬هذا المساء سننطلق إلى باريس‪ ،‬وهناك شهادة قيمة جًدا‪ .‬جيفرول"‪.‬‬
‫الفصل ‪15‬‬
‫في صباح يوم اإلثنين‪ ،‬في الساعة التاسعة‪ ،‬كان السيد دابورون يستعد للذهاب إلى قصر العدل‪ ،‬حيث‬
‫كان يتوقع العثور على جيفرول ورجله‪ ،‬وربما تاباري القديم‪ .‬كانت تحضيراته تقترب من االنتهاء‬
‫عندما أعلن خادمه أن فتاة صغيرة‪ ،‬برفقة أخرى كبيرة في السن‪ ،‬ترغب في الحديث معه‪ .‬رفضت الفتاة‬
‫الكشف عن اسمها‪ ،‬مؤكدة أنها لن ترفض ذلك إذا كان ذلك ضروريًا للحصول على استقبال‪.‬‬
‫"أدخلهما"‪ ،‬قال القاضي‪.‬‬
‫ظن أنها قد تكون قريبة من أحد المتهمين الذين كانت قضيتهم تحت يديه عند وقوع هذه الجريمة‬
‫الجديدة‪ .‬قرر إرسالها بعيدًا بسرعة‪ .‬كان يقف أمام الموقد يبحث عن عنوان في صحن صيني صغير‬
‫مليء ببطاقات الزيارة‪ .‬عند سماع صوت فتح الباب‪ ،‬وصوت فستان حريري يتزحلق بجوار النافذة‪ ،‬لم‬
‫يتعب نفسه بالحركة‪ ،‬ولم يلتفت حتى لينظر‪ .‬اكتفى بإلقاء نظرة عابرة على المرآة‪.‬‬
‫لكنه بدأ بالفزع فورًا‪ ،‬كما لو رأى شبحًا‪ .‬في حيرته‪ ،‬أسقط صحن البطاقات‪ ،‬الذي وقع بصوت عاٍل‬
‫على الموقد‪ ،‬وانشطر إلى ألف قطعة‪.‬‬
‫"كلير!" تلعثم‪" ،‬كلير!"‬
‫وكما لو أنه يخشى بالتساوي أن يخدعه التوهم أو أنه فعًال يرى من نطق اسمها‪ ،‬تحول ببطء‪.‬‬
‫كانت فعًال اآلنسة دارالنج‪ ،‬هذه الفتاة الشابة التي كانت عادة ما تكون فخورة ومحتفظة‪ ،‬قد وجدت‬
‫الشجاعة للقدوم إلى منزله وحدها‪ ،‬أو على األقل كادت تكون كذلك‪ ،‬ألن معلمتها‪ ،‬التي تركتها في‬
‫الغرفة األمامية‪ ،‬ال يمكن تمثيلها‪ .‬كانت تطيع عاطفة قوية‪ ،‬حيث جعلتها تنسى خجلها العادي‪.‬‬
‫لم يكن قد ظهرت له بمظهر أكثر جاذبية حتى في الوقت الذي كان يعتبر فيه رؤيتها أكبر سعادة له‪.‬‬
‫كانت جمالها‪ ،‬الذي كان يتخفى عادة بواسطة حزنها اللطيف‪ ،‬مشرقًا والمعًا‪ .‬كانت مالمحها متحركة‬
‫بطريقة لم يرها بها من قبل‪ .‬في عينيها‪ ،‬التيأصبحت أكثر إشراقًا بفعل الدموع الحديثة التي لم يمسحها‬
‫كليًا‪ ،‬برزت العزم النبيل‪ .‬يمكن رؤية أنها تدرك أنها تؤدي واجبًا كبيرًا‪ ،‬وأنها تؤديه‪ ،‬إذا لم يكن‬
‫بالمرح‪ ،‬على األقل بالبساطة التي في ذاتها بطولة‪.‬‬
‫تقدمت بشكل هادئ ورفيع‪ ،‬ومدت يدها للقاضي بأسلوب السيدات اإلنجليزيات الذي يمكن لبعض‬
‫السيدات تقديمه بأناقة‪" .‬نحن دائمًا أصدقاء‪ ،‬أليس كذلك؟" سألت بابتسامة حزينة‪.‬‬
‫لم يجرؤ القاضي على أخذ اليد العارية التي مدتها لها‪ .‬لم يلمسها سوى بأطراف أصابعه‪ ،‬كما لو كان‬
‫يخشى من تحريك عاطفته بشكل كبير‪.‬‬
‫"نعم"‪ ،‬أجاب بصوت غير واضح‪" ،‬أنا دائمًا مخلص لك"‪.‬‬
‫جلست اآلنسة دارالنج في الكرسي الكبير‪ ،‬الذي كان فيه تاباري القديم قد خطط العتقال ألبرت في‬
‫ليلتين سابقتين‪ .‬وظل السيد دابورون يقف متكئًا على مكتبه‪.‬‬
‫"هل تعرف لماذا جئت؟" سألت الفتاة الشابة‪ .‬أجاب باإليماءة باإليجاب‪.‬‬
‫تخمن نواياها بسهولة شديدة‪ ،‬وكان يتساءل عما إذا كان سيكون قادرًا على مقاومة الصلوات من فم مثل‬
‫هذا‪ .‬ما هي الطلبات التي ستطلبها؟ ماذا يمكن أن يرفضها؟ لو كان يعلم بذلك مسبقًا‪ ،‬لما كان قد تجاوز‬
‫حالته من الدهشة‪.‬‬
‫"لقد علمت بالحادث المروع هذا فقط يوم أمس"‪ ،‬استمرت كلير‪" ،‬أعتقدت جدتي أنه من األفضل إخفاؤه‬
‫عني‪ ،‬ولكن بفضل شميدت الوفي‪ ،‬كنت ال أزال جاهلة بكل شيء‪ .‬ما أي ليلة قضيتها! في البداية كنت‬
‫مرعوبة‪ ،‬لكن عندما قالوا لي أن كل شيء يعتمد عليك‪ ،‬تالشت مخاوفي‪ .‬إنه من أجلي‪ ،‬أليس كذلك‪ ،‬أنك‬
‫توليت هذه التحقيقات؟ أنت جيد‪ ،‬أعلم ذلك! كيف يمكنني أن أعبر عن شكري؟"‬

‫ما أذالل للقاضي الكريم هذه الشكر الصادقة! نعم‪ ،‬كان قد فكر في اآلنسة دارالنج في البداي‪NN‬ة‪ ،‬لكن‪NN‬ه من‪NN‬ذ‬
‫ذلك الحين‪ ...‬لقد انحنى رأسه لتجنب نظرة كلير‪ ،‬النقية والجريئة‪" .‬ال تش‪NN‬كرينني‪ ،‬آنس‪NN‬ة"‪ ،‬تلعثم‪" ،‬ليس‬
‫لي حق الذي تفكرين به في شكرك"‪ .‬لم تالحظ كلير اضطراب القاض‪NN‬ي في البداي‪N‬ة؛ لكن تذب‪N‬ذب ص‪NN‬وته‬
‫جذب انتباهها‪ ،‬لكنها لم تشتبه بالسبب‪ .‬اعتقدت أن وجودها يذكره بذكريات حزينة‪ ،‬وأنه يحبه‪NN‬ا بالتأكي‪NN‬د‪،‬‬
‫وأنه يعاني‪ .‬هذه الفكرة حزنتها ومألتها بالندم‪" .‬ومع ذلك‪ ،‬س‪NN‬يدي"‪ ،‬اس‪NN‬تمرت كل‪NN‬ير‪" ،‬أش‪NN‬كرك على أي‬
‫حال‪ .‬قد ال أجرؤ على الذهاب إلى قاض آخر‪ ،‬للتحدث إلى شخص غريب‪.‬‬
‫بينما أنت‪ ،‬كريٌم جًدا‪ ،‬ستطمئنني‪ ،‬وتخبرني بسبب اعتقاله الخاطئ وإلقائ‪NN‬ه في الس‪NN‬جن ك‪NN‬المجرم"‪" .‬آه!"‬
‫تنه‪N‬د القاض‪N‬ي بص‪N‬وت منخفض ج‪ًN‬دا‪ ،‬لم تس‪N‬معه كل‪N‬ير بش‪N‬كل واض‪N‬ح‪ ،‬ولم تفهم مع‪N‬نى ال‪N‬ردة المروع‪N‬ة‪.‬‬
‫"معك‪ ،‬لست خائفة‪ .‬أنت صديقي‪ ،‬قلت لي ذلك‪ ،‬ولن ترفض طلباتي‪ .‬اعط‪NN‬ه حريت‪NN‬ه بس‪NN‬رعة‪ .‬ال أع‪NN‬رف‬
‫بالضبط ما هو االتهام الموجه له‪ ،‬لكني أقسم لك بأنه بريء"‪.‬‬
‫تحدثت كلير بطريقة إيجابية تماًم ا كمن ال ي‪NN‬رى أي عقب‪NN‬ة في الرغب‪NN‬ة البس‪NN‬يطة والطبيعي‪NN‬ة ال‪NN‬تي ع‪N‬برت‬
‫عنها‪ .‬يجب أن يكون التأكيد الرسمي ال‪NN‬ذي قدمت‪NN‬ه كافًي ا بم‪NN‬ا في‪NN‬ه الكفاي‪NN‬ة‪ .‬بكلم‪NN‬ة واح‪NN‬دة‪ ،‬سيص‪NN‬لح الس‪NN‬يد‬
‫دابورون كل شيء‪ .‬كان القاضي صامًتا‪ .‬كان يعجب‪NN‬ه ه‪NN‬ذا الجه‪NN‬ل المق‪NN‬دس بك‪NN‬ل ش‪NN‬يء‪ ،‬والثق‪NN‬ة الطفولي‪NN‬ة‬
‫الصادقة التي لم تشكك في شيء‪ .‬بدأت بجرحه‪ ،‬بطريقة غ‪NN‬ير مقص‪NN‬ودة‪ ،‬إال أن‪NN‬ه نس‪NN‬ي ذل‪NN‬ك تماًم ا‪ .‬ك‪NN‬ان‬
‫بالفعل رجاًل مستقيًم ا‪ ،‬صالًح ا كأفضل الناس‪ ،‬كما يثبت ذلك حقيق‪N‬ة أن‪N‬ه يرتع‪N‬د في لحظ‪N‬ة كش‪N‬ف الحقيق‪N‬ة‬
‫المأساوية‪.‬‬
‫تردد في نطق الكلمات التي ستقلب بالعاصفة المنشودة هذا الصرح الهش من سعادة هذهالفتاة الصغيرة‪.‬‬
‫كان يتردد في إخبارها بالحقيقة المروعة‪ ،‬وه‪N‬و ال‪N‬ذي ك‪N‬ان م‪N‬ذاًل ومحتق‪ًN‬را‪ ،‬ك‪N‬ان س‪N‬ينتقم اآلن‪ ،‬ولكن‪N‬ه لم‬
‫يشعر بأي شعور من الرضا الخجول‪ ،‬وهو شعور يفهم بسهولة‪.‬‬

‫"وإذا قلت لِك ‪ ،‬آنسة‪ "،‬بدأ القاضي‪" ،‬أن السيد أل‪N‬برت ليس بريًئ ا؟" رفعت كل‪N‬ير نفس‪N‬ها بلغ‪N‬ة اع‪N‬تراض‪.‬‬
‫واصل القاضي‪" :‬إذا قلت لِك إنه مذنب؟" "يا إلهي‪ ،‬سيدي!" قاطعت كل‪N‬ير‪" ،‬ال يمكن‪N‬ك التفك‪N‬ير ب‪N‬ذلك!"‬
‫"أنا أفكر بذلك‪ ،‬آنسة"‪ ،‬صرخ القاضي بصوت حزين‪" ،‬ويجب أن أضيف أنني متأكد بشكل معن‪NN‬وي من‬
‫ذلك‪ ".‬نظرت كلير إلى القاضي المحقق بدهشة عميقة‪ .‬هل يمكن حًقا أن يكون ه‪NN‬و ال‪NN‬ذي يتح‪NN‬دث هك‪NN‬ذا؟‬
‫هل سمعته بشكل صحيح؟ هل فهمت؟ لم تكن متأكدة‪.‬‬
‫هل أجاب بجدية؟ أم أنه يخدعها بمزحة قاسية وال تليق به؟ هذا ما تساءلت عنه دون أن تعرف ما تفعل‪NN‬ه‬
‫بالضبط؛ ألن كل شيء يبدو ممكًنا ومحتمًال‪ ،‬بدًال من ما قاله‪.‬‬
‫وبينما ال يجرؤ القاضي على النظر إليها‪ ،‬استمر في الحديث بصوت يعبر عن أعم‪NN‬ق م‪NN‬دى من الش‪NN‬فقة‪:‬‬
‫"أعاني بشدة من أجلك في هذه اللحظة‪ ،‬آنس‪NN‬ة‪ .‬ولكن ل‪NN‬دي الش‪NN‬جاعة الحزين‪NN‬ة ألخ‪NN‬برك بالحقيق‪NN‬ة‪ ،‬ويجب‬
‫عليك أن تجمعي شجاعتك لس‪NN‬ماعها‪ .‬من األفض‪NN‬ل بكث‪NN‬ير أن تع‪NN‬رفي ك‪NN‬ل ش‪NN‬يء من ص‪NN‬ديق‪ .‬فعلي‪ِN‬ك ب‪NN‬أن‬
‫تجمعي كل شجاعتِك وتقوي روحِك النبيلة ضد الكارثة الرهيبة‪.‬‬
‫ال‪ ،‬ال يوجد خطأ‪ .‬لم يخدع العدل‪ .‬يتهم الوزير دو كومارين بجريمة قت‪N‬ل‪ ،‬وك‪N‬ل ش‪N‬يء‪ ،‬وأنِت تفهمين‪N‬ني‪،‬‬
‫يثبت أنه ارتكبها‪ ".‬كما يفعل الطبيب الذي يصب الدواء الخطير قطرة بقطرة‪ ،‬نطق السيد دابورون ه‪NN‬ذه‬
‫الجملة األخيرة ببطء‪ ،‬كلمة بكلمة‪ .‬وراقب بعناية النتيجة‪ ،‬مستعًدا للتوقف عن الحديث إذا كانت الص‪NN‬دمة‬
‫كبيرة جًدا‪ .‬لم يكن يتصور أن هذه الفتاة الشابة‪ ،‬الخجولة للغاية‪ ،‬بحساسية تقريًبا كمرض‪ ،‬ستكون ق‪NN‬ادرة‬
‫على سماع هذا الكشف الرهيب دون تحرك‪ .‬كان يتوقع انفجاًرا من اليأس‪ ،‬والدموع‪ ،‬والص‪NN‬راخ الم‪NN‬ؤلم‪.‬‬
‫ربما تفقد الوعي‪ ،‬وكان مستعًدا الستدعاء السيد شميدت الجدير بالثقة‪.‬‬
‫كان مخطًئا‪ .‬رفعت كلير نفسها بكامل طاقتها وشجاعتها‪ .‬أشرقت خديها بلون الغضب وجففت دموعها‪.‬‬
‫"هذا كذب!" صاحت‪" ،‬والذين يقولون ذلك كذابون! ال يمكن أن يكون‪ ...‬ال‪ ،‬ال يمكن أن يكون قاتًال‪ .‬ل‪NN‬و‬
‫كان هنا‪ ،‬سيقول بنفسه 'إنه صحيح'‪ ،‬فأنا سأرفض أن أصدقه‪ ،‬وسأصرخ بأنه كذب!"‬
‫"لم يعترف بعد"‪ ،‬استمر القاضي المحقق‪" ،‬ولكنه سيعترف‪ .‬ح‪NN‬تى ل‪NN‬و لم يع‪NN‬ترف‪ ،‬هن‪NN‬اك الم المزي‪NN‬د من‬
‫األدلة مما يكفي إلدانته‪ .‬االتهامات ضده ال يمكن إنكارها‪ ،‬تماًم ا كما ال يمكن إنكار شمس تشرق علينا"‪.‬‬
‫"أهـــا!" قاطعت آنسة دارالنج بص‪NN‬وت مليء بالعاطف‪NN‬ة‪" ،‬أن‪NN‬ا أؤك‪NN‬د‪ ،‬وأك‪NN‬رر‪ ،‬أن العدال‪NN‬ة تخطئ‪ .‬نعم"‪،‬‬
‫أصرت‪ ،‬رًدا على حركة اإلنكار من القاضي‪" ،‬نعم‪ ،‬إنه بريء‪ .‬أنا متأكدة من ذلك‪ ،‬وسأعلن ذلك‪ ،‬ح‪NN‬تى‬
‫لو انضم إليك العالم كله في اتهامه‪ .‬أال ت‪NN‬رى أن‪NN‬ني أعرف‪NN‬ه بش‪NN‬كل أفض‪NN‬ل ح‪NN‬تى من نفس‪NN‬ه‪ ،‬أن إيم‪NN‬اني ب‪NN‬ه‬
‫مطلق‪ ،‬تماًم ا كإيماني باهلل‪ ،‬وأنني سأشك في نفسي قبل أن أشك فيه؟"‬
‫حاول القاضي المحقق االعتراض بخجل‪ ،‬لكن كلير قاطعته بسرعة‪.‬‬
‫"أليست يجب علي إثب‪NN‬ات ذل‪NN‬ك ل‪NN‬ك‪ ،‬س‪NN‬يدي"‪ ،‬ق‪NN‬الت‪" ،‬أنس‪NN‬ى أن‪NN‬ني فت‪NN‬اة ص‪NN‬غيرة‪ ،‬وأن‪NN‬ني ال أتح‪NN‬دث إلى‬
‫والدتي‪ ،‬ولكن إلى رجل! من أجله‪ ،‬سأفعل ذل‪NN‬ك‪ .‬لق‪N‬د حبين‪NN‬ا بعض‪NN‬نا البعض من‪NN‬ذ أرب‪NN‬ع س‪NN‬نوات‪ ،‬س‪NN‬وًيا لم‬
‫نخفي أي من أفكارنا عن اآلخر‪ ،‬لم يخفي عني أي من أفكاره‪ .‬لم يكن هناك س‪NN‬ر خالل األرب‪NN‬ع س‪NN‬نوات‪،‬‬
‫عاش فَّي وأنا عشت فيه‪ .‬أنا وحِد ي التي أستطيع أن أقول كم هو جدير بالحب‪ ،‬أن‪NN‬ا وح ‪ِN‬د ي ال‪NN‬تي أع‪NN‬رف‬
‫كل تلك الروح العظيمة‪ ،‬والفكر النبيل‪ ،‬والمشاعر الكريمة التي جعلتم من‪NN‬ه ق‪NN‬اتًال‪ .‬ولق‪N‬د رأيت‪NN‬ه‪ ،‬أيه‪NN‬ا هللا!‬
‫حزيًنا جًدا‪ ،‬بينما يحسد الجميع على حاله‪ .‬هو‪ ،‬مثلي‪ ،‬وحيد في العالم؛ لم يحب‪NN‬ه أب‪NN‬وه ق‪NN‬ط‪.‬وب‪NN‬دعم بعض‪NN‬نا‬
‫البعض‪ ،‬مررنا بأيام عديدة من الحزن‪ ،‬وفي الوقت الذي تنتهي فيه تلك التجارب‪ ،‬أصبح جريمة؟ لم‪NN‬اذا؟‬
‫قل لي‪ ،‬لماذا؟"‬
‫"ال يمكن للكونت دو كوماران‪ ،‬مادموازيل‪ ،‬أن ي‪NN‬ورث اس‪NN‬مه أو ثروت‪NN‬ه‪ ،‬وج‪NN‬اء علم ذل‪NN‬ك علي‪NN‬ه بص‪NN‬دمة‬
‫مفاجئة‪ .‬كان هناك سيدة عجوز واحدة فقط قادرة على إثبات ذلك‪ .‬وللحفاظ على موقعه‪ ،‬قتلها"‪.‬‬
‫"ما هذه الخسة‪ "،‬صاحت الفتاة الشابة‪" ،‬ما هذا االفتراء الشائن والمشين! أعلم‪ ،‬ي‪NN‬ا س‪NN‬يدي‪ ،‬تل‪NN‬ك القص‪NN‬ة‬
‫عن السقوط من العظمة؛ فهو من أخ‪N‬برني به‪N‬ا‪ .‬ص‪NN‬حيح‪ ،‬أن ه‪N‬ذا الحادث‪N‬ة أث‪N‬رت علي‪N‬ه لم‪N‬دة ثالث‪N‬ة أي‪N‬ام‪،‬‬
‫وأفزعته؛ لكنه إذا كان يشعر بالهلع‪ ،‬فإنه كان ذلك بسببي أكثر من نفس‪NN‬ه‪ .‬ك‪NN‬ان محبًط ا ألن‪NN‬ه يعتق‪NN‬د أن‪NN‬ني‬
‫ربما أشعر باألسى‪ ،‬عندما اعترف لي بأنه لم يعد قادًر ا على إعطائي كل ما يحلم به حبه‪ .‬أشعر باألسى؟‬
‫أهـــا‪ ،‬ما الذي يعنيه بالنسبة لي هذا االسم العظيم وه‪NN‬ذه ال‪NN‬ثروة الض‪NN‬خمة؟ لق‪NN‬د أس‪NN‬فرت عن أك‪NN‬بر ح‪NN‬زن‬
‫عرفت‪NN‬ه‪ .‬ه‪NN‬ل ك‪NN‬ان يحببه‪NN‬ذا الش‪NN‬يء؟ هك‪NN‬ذا ك‪NN‬ان ردي علي‪NN‬ه‪ ،‬ثم ع‪NN‬اد إلى فرحت‪NN‬ه‪ .‬وش‪NN‬كرني ق‪NN‬ائًال‪' ،‬أنِت‬
‫تحبينني؛ والباقي ليس ذو أهمية'‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬انتهى األمر‪ .‬وأنت‪ ،‬تّد عين بعد ذلك‪ ،‬أنه قتل الجبانة بدوافع‬
‫خسيسة؟ لن تجرؤ على تكرار ذلك"‪.‬‬
‫وقفت آنسة دارالنج عن الكالم‪ ،‬وابتسمت بنصرة على شفتيها‪ .‬كانت تلك االبتسامة تعني "أخيًرا وصلت‬
‫إلى هدفي‪ :‬لقد هزمتك‪ ،‬فما الذي يمكنك أن ترد على كل ما قلته؟"‪.‬‬
‫لم يترك القاضي المحقق الفتاة الشابة على وهمها السعيد لفترة طويلة‪ .‬لم يدرك م‪NN‬دى قس‪NN‬وة واس‪NN‬تفزازية‬
‫إصراره‪ .‬كانت نفس الفكرة السائدة دائًم ا! ففي إقناع كلير‪ ،‬سيبرر سلوكه لنفسه‪.‬‬
‫"إنك ال تعرفين‪ ،‬مادموازيل‪ ،‬كيف يؤثر الحادث المفاجئ على عقل اإلنس‪NN‬ان الطيب‪ .‬فق‪NN‬ط عن‪NN‬دما يفوتن‪NN‬ا‬
‫شيء ما‪ ،‬نشعر بعظمة الخسارة‪ .‬أبع‪NN‬د هللا ع‪NN‬ني ش‪NN‬ك في ك‪NN‬ل م‪NN‬ا قلِت ه‪ ،‬ولكن تخيلي حجم الص‪NN‬دمة ال‪NN‬تي‬
‫أصابت بها الكونت دو كوماران‪ .‬ه‪N‬ل يمكن‪ِN‬ك الق‪N‬ول أن‪N‬ه لم ينه‪N‬ار في الي‪N‬أس بع‪N‬د مغادرِت ك؟ فك‪N‬ري في‬
‫المدى الذي يمكن أن يتطلبه األمر‪ .‬ربما كان مشوًش ا لفترة من الوقت‪ ،‬وقد تصرف بال وعي‪ .‬ربم‪NN‬ا ه‪NN‬ذا‬
‫هو السبب الذي يجب شرح الجريمة به"‪.‬‬

‫اصفر وجه مادموازيل دارالنج وأظهرت الرعب الشديد الذي ينتابها‪ .‬اعتقد القاضي أن الش‪NN‬ك ب‪NN‬دأ ي‪NN‬ؤثر‬
‫على اعتقادها النقي والنبيل‪.‬‬
‫"يجب أن يكون مجنوًنا ‪ "،‬همست‪.‬‬
‫"ربما‪ "،‬أجاب القاض‪NN‬ي‪" .‬وم‪NN‬ع ذل‪NN‬ك‪ ،‬ت‪NN‬دل الظ‪NN‬روف المحيط‪NN‬ة بالجريم‪NN‬ة على وج‪NN‬ود خط‪NN‬ة مدروس‪NN‬ة‪.‬‬
‫فاعتقدني‪ ،‬يا مادموازيل‪ ،‬وال تكني متأكدة جًدا‪ .‬صلي وانتظ‪NN‬ري بص‪NN‬بر نتيج‪NN‬ة ه‪NN‬ذه المحاكم‪NN‬ة الرهيب‪NN‬ة‪.‬‬
‫استمعي إلى صوتي‪ ،‬فهو صوت صديق‪ .‬كنِت تثقين بي كما تثق االبنة بأبيها‪ ،‬كم‪N‬ا قلِت؛ ل‪N‬ذا ال ترفض‪N‬ي‬
‫نصيحتي‪ .‬ابقي صامتة وانتظري‪ .‬اخفي حزنك تجاه الجمي‪NN‬ع؛ ربم‪NN‬ا تن‪NN‬دمين في المس‪NN‬تقبل على تعرض‪NN‬ك‬
‫لهذا األمر‪ .‬كنِت شابة‪ ،‬بال خبرة‪ ،‬بال دليل‪ ،‬بال أم‪ ،‬ألم! لقد وضعِت أول عواطفك في المكان الخطأ"‪.‬‬
‫"ال ‪ ،‬سيدي ‪ ،‬ال" ‪ ،‬تلعثمت كل‪N‬ير‪" .‬أهـــا!" أض‪NN‬افت‪" :‬تتح‪N‬دث كالب‪N‬اقين في الع‪N‬الم‪ ،‬ذل‪N‬ك الع‪N‬الم الح‪N‬ذر‬
‫واألناني الذي أحتقره وأكرهه"‪.‬‬
‫"يا طفلة الفقراء"‪ ،‬واصل السيد دابيرون‪ ،‬ال ي‪NN‬رحم ح‪NN‬تى في ش‪NN‬فقته‪" ،‬الفت‪NN‬اة الش‪NN‬ابة األلماني‪NN‬ة! ه‪NN‬ذا ه‪NN‬و‬
‫الخداع األول لك! ال شيء يمكن تصوره أكثر رعًب ا ؛ قليالت من النس‪NN‬اء س‪NN‬تعرفن كيفي‪NN‬ة تحمل‪NN‬ه‪ .‬لكن‪ِN‬ك‬
‫شابة‪ ،‬شجاعة‪ ،‬لن يتم تدمير حيات‪NN‬ك‪ .‬في المس‪NN‬تقبل ستش‪NN‬عرين ب‪NN‬الرعب تج‪NN‬اه ه‪NN‬ذه الجريم‪NN‬ة‪ .‬ليس هن‪NN‬اك‬
‫جرح‪ ،‬أعرف ذلك بالخبرة‪ ،‬الذي ال يمكن أن يشفى بمرور الوقت"‪.‬‬
‫حاولت كلير فهم ما يقوله القاضي‪ ،‬لكن كلمات‪N‬ه وص‪NN‬لت إليه‪N‬ا كأص‪NN‬وات مشوش‪N‬ة‪ ،‬وفهمه‪N‬ا تماًم ا ه‪N‬رب‬
‫منها‪.‬‬
‫"ال أفهمك‪ ،‬سيدي"‪ ،‬قالت‪" .‬ما هي النصيحة التي تقدمها لي؟"‬
‫"النصيحة الوحيدة التي توجهها العقل‪ ،‬والتي يمكن أن توحي بها مودتي ل‪NN‬ك‪ ،‬مادموازي‪NN‬ل‪ .‬أتح‪NN‬دث إلي‪ِN‬ك‬
‫كأخ طيب ومخلص‪ .‬أقول لِك ‪' :‬ك‪N‬وني ش‪N‬جاعة‪ ،‬كل‪N‬ير‪ ،‬اتقبلي أص‪NN‬عب وأك‪N‬بر التض‪NN‬حيات ال‪N‬تي يمكن أن‬
‫تطلبها الشرف من فتاة صغيرة‪ .‬ابكي‪ ،‬نعم‪ ،‬ابكي لحبِك الخدوش‪ ،‬لكن انسيه‪ .‬صلي للسماء لتساعدك في‬
‫ذلك‪ .‬الذي أحببِته لم يعد يستحقِك "‪.‬‬
‫توقف القاضي مذعوًرا قلياًل ‪ .‬أصبحت مادموازيل دارالنج شاحبة‪.‬‬
‫لكن على الرغم من ضعف الجسد ‪ ،‬ال يزال الروح قوية‪.‬‬
‫"قلت للتو" ‪ ،‬همست ‪" ،‬أنه لم يس‪NN‬تطع ارتك‪NN‬اب ه‪NN‬ذه الجريم‪NN‬ة إال في لحظ‪NN‬ة من التش‪NN‬تت ‪ ،‬في نوب‪NN‬ة من‬
‫الجنون؟"‬
‫"نعم ‪ ،‬هذا ممكن‪".‬‬
‫"إذن ‪ ،‬سيدي ‪ ،‬ال يمكن أن يكون مذنًبا إذا لم يعرف ما فعله‪".‬‬
‫نسي المحقق القضائي سؤااًل مزعًجا معيًنا طرحه على نفسه صباًح ا في السرير بعد مرضه‪.‬‬
‫"ال يمكن للعدالة وال للمجتمع ‪ ،‬مادموازيل" ‪ ،‬أجاب "أن يأخذا ذل‪NN‬ك في االعتب‪NN‬ار‪ .‬يمكن هلل وح‪NN‬ده ال‪NN‬ذي‬
‫ي‪NN‬رى في أعم‪NN‬اق قلوبن‪NN‬ا أن يحكم ويق‪NN‬رر تل‪NN‬ك األس‪NN‬ئلة ال‪NN‬تي يجب على العدال‪NN‬ة اإلنس‪NN‬انية تجاوزه‪NN‬ا‪ .‬في‬
‫أعيننا ‪ ،‬السيد دي كومارين مج‪N‬رم‪ .‬يمكن أن تك‪N‬ون هن‪N‬اك بعض الظ‪N‬روف التخفيفي‪N‬ة لتخفي‪N‬ف العقوب‪N‬ة ‪،‬‬
‫ولكن التأثير األخالقي سيكون هو نفسه‪ .‬حتى لو تم تبرئته ‪ ،‬وأتمنى أن يحدث ذلك ‪ ،‬ولكن ب‪NN‬دون أم‪NN‬ل ‪،‬‬
‫لن يكون أقل جدارة‪ .‬سيحمل دائًم ا العار‪ ،‬واللوم من تسفيه الدم بشكل جبان‪ .‬لذلك انسيه"‪.‬‬
‫أوقفت مادموازيل دارالنج القاضي بنظرة تعبيرية تعبر عن الحقد الشديد‪.‬‬
‫"أيع‪NN‬ني ذل‪NN‬ك" ‪ ،‬ص‪NN‬احت ‪" ،‬أن‪NN‬ك تنص‪NN‬حني بترك‪NN‬ه في بالء حال‪NN‬ه‪ .‬يتخلى عن‪NN‬ه الجمي‪NN‬ع ؛ وتنص‪NN‬حني‬
‫بالتصرف مع العالم‪ .‬يتصرف الرجال على هذا النحو ‪ ،‬كما سمعت ‪ ،‬عندما يسقط أح‪NN‬د أص‪NN‬دقائهم ؛ لكن‬
‫النساء ال يفعلن ذلك أبًدا‪ .‬انظر حولك؛ مهما كان من مذلة ‪ ،‬ومهما كانت الشقاء ‪ ،‬ومهما كان منخفًض ا ‪،‬‬
‫ستجدين دائًم ا امرأة بجانبه لتسانده وتعزيه‪ .‬عندما يأخذ آخر األصدقاء الرحيل بش‪NN‬جاعة ‪ ،‬ويترك‪NN‬ه آخ‪NN‬ر‬
‫األقارب ‪ ،‬فإن المرأة تبقى"‪.‬‬
‫ندم القاضي على أنه تم إغراؤه ربما قليًال جًدا‪ .‬أخافته إثارة كلير‪ .‬حاول إيقافها ولكن دون جدوى‪.‬‬
‫"قد أكون خائفة"‪ ،‬واص‪NN‬لت بزي‪NN‬ادة طاقته‪NN‬ا‪" ،‬ولكن‪NN‬ني لس‪NN‬ت جبان‪NN‬ة‪ .‬اخ‪NN‬ترت أل‪NN‬برت بش‪NN‬كل ط‪NN‬وعي بين‬
‫الجميع‪ .‬مهما حدث ‪ ،‬لن أتخلى عنه أبًدا‪ .‬لن أقول أبًدا 'أن‪NN‬ا ال أع‪NN‬رف ه‪NN‬ذا الرج‪NN‬ل'‪ .‬لق‪NN‬د أعط‪NN‬اني نص‪NN‬ف‬
‫ثروته ونصف مجده‪ .‬سأشارك ‪ ،‬سواء أراد ذلك أم ال ‪ ،‬نصف عاره ومص‪NN‬يبته‪ .‬س‪N‬يكون العبء أق‪NN‬ل بين‬
‫اث‪N‬نين‪ .‬ض‪N‬رب! سأتمس‪N‬ك ب‪N‬ه بش‪N‬دة ح‪N‬تى ال يص‪N‬ل إلي‪N‬ه أي ض‪N‬ربة دون أن تص‪N‬ل إلي أيًض ا‪ .‬تنص‪N‬حني‬
‫بنسيانه‪ .‬فعلمني كيف‪ .‬هل يمكنني أن أنساه؟ ولو أردت؟ ولكن ال أريد ذلك‪ .‬أحبه‪ .‬لم يعد بوسعي التوقف‬
‫عن حبه كما ال يمكنني إيقاف نبض قلبي بالجهد الوحيد‪ .‬هو سجين‪ ،‬متهم بالقتل‪ .‬لذلك‪ ،‬أحبه‪ .‬هو مذنب!‬
‫فماذا عن ذل‪NN‬ك؟ أحب‪NN‬ه‪ .‬س‪NN‬تدينه ‪ ،‬ستش‪NN‬وه س‪NN‬معته‪ .‬م‪NN‬دان ومش‪NN‬وه ‪ ،‬س‪NN‬أحبه م‪NN‬ا زلت‪ .‬سترس‪NN‬له إلى س‪NN‬جن‬
‫األشغال الشاقة‪ .‬سأتبعه ؛ وفي السجن ‪ ،‬تحت زي المسجون ‪ ،‬س‪NN‬أحبه بع‪NN‬د‪ .‬إذا س‪NN‬قط في قع‪NN‬ر الهاوي‪NN‬ة ‪،‬‬
‫سأسقط معه‪ .‬حياتي هي له ‪ ،‬فليتصرف بها كيفما يش‪NN‬اء‪ .‬ال ش‪NN‬يء سيفص‪NN‬لني عن‪NN‬ه ‪ ،‬س‪NN‬وى الم‪NN‬وت! وإذا‬
‫كان عليه أن يصعد إلى منصة اإلعدام ‪ ،‬فسأموت ‪ ،‬أعرف ذلك ‪ ،‬من الضربة التي تقتله"‪.‬‬
‫كان السيد دابورون يخفي وجهه في يديه‪ .‬لم يرغب في أن تالح‪N‬ظ كل‪N‬ير أي أث‪N‬ر من العاطف‪N‬ة ال‪N‬تي ت‪N‬أثر‬
‫بها‪.‬‬
‫"كم تحبه!" فكر‪" ،‬كم تحبه!"‬
‫كان عقله غارًقا في أسوأ األفكار‪ .‬كانت جميع أشواك الغيرة تمزقه‪ .‬ما هي فرحته إذا كان هو هو الهدف‬
‫لعاطفة ال يمكن مقاومتها مثل تل‪N‬ك ال‪N‬تي ان‪N‬دفعت قبل‪N‬ه! م‪N‬اذا لن يعطي بالمقاب‪N‬ل! لدي‪N‬ه أيًض ا روح ش‪N‬ابة‬
‫وحماسية‪ ،‬وعطش محترق للحب‪ .‬ولكن من كان يفكر في ذلك؟ كان محترًم ا ومحترًم ا‪ ،‬وربم‪NN‬ا مخيًف ا‪،‬‬
‫ولكنه لم يكن محبوًبا‪ ،‬ولن يكون أبًدا‪ .‬فهل هو غير مستحق للحب؟ لماذا يمر الكثيرون من الرجال ع‪NN‬بر‬
‫الحياة بال حب‪ ،‬في حين يبدو أن بعض الكائنات األشنع يمتلكون قوة غامضة‪ ،‬تسحر وتغوي‪ ،‬وتلهم تلك‬
‫المشاعر العمياء والمتهورة التي تسعى للتأكيد على نفسها وتتسابق للتضحية بكل م‪NN‬ا ل‪NN‬ديها؟ ه‪NN‬ل للنس‪NN‬اء‬
‫أي سبب‪ ،‬أي تمييز؟‬
‫جلبت صمت مادموازيل دارالنج القاضي مرة أخرى إلى الواقع‪ .‬رفع عينيه إليها‪ .‬منه‪NN‬ارة بس‪NN‬بب عن‪NN‬ف‬
‫عاطفتها‪ ،‬اضطربت في كرسيها وك‪N‬انت تتنفس بص‪N‬عوبة بحيث خش‪N‬ى الس‪N‬يد داب‪N‬ورون أن تفق‪N‬د وعيه‪N‬ا‪.‬‬
‫تحرك بسرعة نحو الجرس ليستدعي المساعدة‪ ،‬لكن كلير الحظت الحركة ومنعته‪.‬‬
‫"ماذا تفعل؟" سألته‪.‬‬
‫"بدا أنك تعاني كثيًر ا"‪ ،‬تلعثم‪" ،‬لذلك ‪"...‬‬

‫"ال شيء يا سيدي"‪ ،‬أجابت هي‪" .‬قد أبدو ض‪NN‬عيفة‪ ،‬لك‪NN‬ني لس‪NN‬ت ك‪NN‬ذلك‪ .‬أن‪NN‬ا قوي‪NN‬ة‪ ،‬ص‪NN‬دقني‪ ،‬قوي‪NN‬ة ج‪NN‬دًا‪.‬‬
‫صحيح أني أعاني‪ ،‬كما لم أكن أعتقد أن أح‪NN‬دًا يمكن أن يع‪NN‬اني به‪NN‬ذا الق‪N‬در‪ .‬إن‪NN‬ه ق‪NN‬اٍس على فت‪NN‬اة ش‪NN‬ابة أن‬
‫تضطر للقيام بعنف على كل مشاعرها‪ .‬يجب أن تكون راضيًا‪ ،‬يا سيدي‪ .‬لقد نزعت كل األقنعة‪ ،‬وقرأت‬
‫حتى أعمق أركان قلبي‪ .‬لكنني ال أندم على ذلك؛ كان من أجله‪ .‬ما أندم عليه هو أنني خفضت نفس‪NN‬ي إلى‬
‫هذا الحد ألدافع عنه‪ .‬لكنه سيغفر لي هذا الش‪NN‬ك الوحي‪NN‬د‪ .‬لق‪NN‬د أخ‪NN‬ذتني تأكي‪NN‬داتك بالمفاج‪NN‬أة‪ .‬رج‪NN‬ل مثل‪NN‬ه ال‬
‫يحتاج إلى الدفاع؛ يجب إثبات براءته‪ ،‬وبمساعدة هللا‪ ،‬سأثبت ذلك‪".‬‬
‫بينما كانت كلير ترتفع نصف االرتفاع لالنصراف‪ ،‬احتجزها السيد دابورون بإيماءة‪ .‬في عميه‪ ،‬ظن أن‪N‬ه‬
‫سيفعل خطأ بترك هذه الفتاة الشابة المسكينة تتعرض ألي ضالالت‪ .‬بعد أن ب‪NN‬دأ األم‪NN‬ر‪ ،‬أقن‪NN‬ع نفس‪NN‬ه ب‪NN‬أن‬
‫واجبه يأمره بالتقدم حتى النهاية‪ .‬فكر في نفسه‪ ،‬بكل صدق‪ ،‬أن‪NN‬ه به‪NN‬ذا الش‪NN‬كل س‪NN‬يحمي كل‪NN‬ير من نفس‪NN‬ها‪،‬‬
‫ويوفر لها في المستقبل العديد من الندم المرير‪ .‬الجراح ال‪NN‬ذي يب‪NN‬دأ عملي‪NN‬ة مؤلم‪NN‬ة ال يتركه‪NN‬ا نص‪NN‬فها ألن‬
‫المريض يتلوى ويعاني ويصرخ‪.‬‬
‫"إنه مؤلم‪ ،‬اآلنسة ‪ "-‬بدأ يقول السيد دابورون‪ .‬لم تدعه كلير ينتهي‪.‬‬

‫"كفى يا سيدي"‪ ،‬قالت‪" :‬كل ما يمكنك قوله لن يفيدني‪ .‬أحترم قناعتك المؤلمة‪ .‬أطلب ب‪NN‬دوري من‪NN‬ك نفس‬
‫االحترام لقناعتي‪ .‬إذا كنت صديقي حقًا‪ ،‬فسأطلب منك المساعدة في مهمة إنقاذه التي سأكرس نفسي لها‪.‬‬
‫ولكن بال شك‪ ،‬لن تفعل ذلك‪".‬‬

‫"إذا كنت تعرفين األدلة التي أملكها‪ ،‬اآلنسة"‪ ،‬قال بصوت بارد يعبر عن عزمه عدم االنحياز للغض‪NN‬ب‪،‬‬
‫"إذا أفصحت لك عنها‪ ،‬فلن تأملي بعد ذلك‪".‬‬

‫"تحدث يا سيدي"‪ ،‬صاحت كلير بطريقة متسلطة‪.‬‬


‫"تريدين ذلك‪ ،‬مادموازيل؟ حسًنا‪ ،‬سأقدم لك بالتفصيل ك‪NN‬ل األدل‪NN‬ة ال‪NN‬تي جمعناه‪NN‬ا‪ .‬أن‪NN‬ا تماًم ا ملك‪NN‬ك‪ ،‬كم‪NN‬ا‬
‫تعلمين‪ .‬ولكن‪ ،‬لماذا يجب أن أرهقك بكل هذه األدلة؟ هناك واحدة فقط هي الحاسمة‪ .‬تم ارتكاب الجريمة‬
‫في مساء الثالثاء األربعاء‪ ،‬والمتهم ال يستطيع تقديم حساب عن ما فعل‪NN‬ه في تل‪NN‬ك الليل‪NN‬ة‪ .‬غ‪NN‬ادر الم‪NN‬نزل‪،‬‬
‫لكنه عاد فقط حوالي الساعة الثانية صباًح ا‪ ،‬مالبسه متسخة وممزقة‪ ،‬وقفازاته مهترئة‪".‬‬
‫"أوه! يكفي‪ ،‬سيدي‪ ،‬يكفي!" قاطعت كلير‪ ،‬التي أشرقت عيناها مرة أخرى بالسعادة‪" .‬أنت تقول إنه كان‬
‫في مساء الثالثاء األربعاء؟"‬
‫"نعم‪ ،‬مادموازيل‪".‬‬
‫"أها! كنت متأكدة"‪ ،‬صاحت بانتصار‪" .‬قلت لكم بالفعل أنه ال يمكن أن يكون مذنًبا‪".‬‬
‫وضعت كلير يديها مًعا‪ ،‬وكان واضًح ا من حركة شفتيها أنها تدعو‪ .‬إن عبارة اإليمان األكثر تمثياًل ال‪NN‬تي‬
‫رسمها بعض رسامي اإليطاليين أضاءت وجهها الجميل أثناء تقديم شكرها هلل في انفعال شكرها‪.‬‬
‫كان القاضي منزعًجا جًدا حتى نسي أن يعجب منها‪ .‬وقد انتظر للحصول على تفسير‪.‬‬
‫"حسًنا؟" سأل بلهفة‪.‬‬
‫"سيدي"‪ ،‬أجابت كلير‪" ،‬إذا كانت تلك هي أقوى دليل لديك‪ ،‬فهي لم تعد موجودة‪ .‬قض‪NN‬ى أل‪NN‬برت المس‪NN‬اء‬
‫الذي تتحدث عنه بأكمله معي‪".‬‬
‫"معك؟" تلعثم القاضي‪" .‬نعم‪ ،‬معي‪ ،‬في منزلي‪".‬‬
‫كان السيد دابورون مندهًش ا جًدا‪ .‬هل كان يحلم؟ بالكاد عرف‪.‬‬
‫"ماذا!" صاح‪" ،‬كان الفيكونت في منزلك؟ جدتك‪ ،‬رفيقتك‪ ،‬خدمك‪ ،‬هم جميًعا رأوه وتحدثوا إليه؟"‬
‫"ال‪ ،‬سيدي‪ .‬جاء وغادر بسرية‪ .‬لم يرغب في أن يراه أحد‪ ،‬وأراد أن يكون وحده معي‪".‬‬
‫"آه!" قال القاضي بصوت من االرتياح‪ .‬كانت هذه الزفيرة تعني "كل شيء واضح ‪ -‬واض‪NN‬ح ج‪ًNN‬دا‪ .‬إنه‪NN‬ا‬
‫مصممة على إنقاذه‪ ،‬حتى لو كان على حس‪NN‬اب س‪NN‬معتها‪ .‬فت‪NN‬اة فق‪NN‬يرة! ولكن ه‪NN‬ل ه‪NN‬ذه الفك‪NN‬رة ج‪NN‬اءت له‪NN‬ا‬
‫فقط؟"‬
‫تفس‪NN‬ر الزف‪NN‬يرة بطريق‪NN‬ة مختلف‪NN‬ة تماًم ا من قب‪NN‬ل اآلنس‪NN‬ة دارالنج‪ .‬ظنت أن الس‪NN‬يد داب‪NN‬ورون من‪NN‬دهش من‬
‫موافقتها على استقبال ألبرت‪.‬‬
‫"إن مفاجأتك إهانة‪ ،‬سيدي"‪ ،‬قالت‪" .‬آنسة!"‬
‫"ابنة عائلتي‪ ،‬سيدي‪ ،‬يمكنها استقبال خطيبها دون خطر حدوث أي شيء يجعلها تخجل‪".‬‬
‫كانت تتحدث هكذا‪ ،‬وفي الوقت نفسه كانت حمراء الوجه بالخجل والحزن والغضب‪ .‬ب‪NN‬دأت تك‪NN‬ره الس‪NN‬يد‬
‫دابورون‪.‬‬
‫"لم يكن لدي فكرة إهانة مثلما تتخيلين‪ ،‬آنسة"‪ ،‬قال القاضي‪" .‬لقد كنت فقط أتساءل لماذا ذهب الس‪NN‬يد دو‬
‫كوماران بسرية إلى منزلك‪ ،‬عندما كان زواجه القريب يمنحه الحق في الظهور علًنا في جميع األوقات‪.‬‬
‫ال يزال لدي شك‪ ،‬كيف يمكنه‪ ،‬في مثل ه‪NN‬ذه الزي‪NN‬ارة‪ ،‬الحص‪NN‬ول على مالبس‪NN‬ه في الحال‪NN‬ة ال‪NN‬تي وج‪NN‬دناها‬
‫فيها‪".‬‬
‫"أي أنك تشكك في كالمي‪ ،‬سيدي"‪ ،‬أجابت كلير بمرارة‪.‬‬
‫"الظروف كهذه‪ ،‬مادموازيل"‪ ،‬قال القاضي‪.‬‬

‫"إذا فأنت تتهمني بالكذب‪ ،‬سيدي‪ .‬اعلم أنه لو كنا مجرمين‪ ،‬لم ننزل لتبرير أنفسنا‪ ،‬ولم نتوس‪NN‬ل أو نطلب‬
‫الغفران‪".‬‬
‫كان النبرة الفاتنة والمزدوجة لآلنسة دارالنج ال يمكن أن تث‪NN‬ير غض‪NN‬ب القاض‪NN‬ي‪ .‬كم ك‪NN‬انت قاس‪NN‬ية مع‪NN‬ه!‬
‫وفقط ألنه لم يوافق على أن يكون غبًيا لديها‪.‬‬
‫"قبل كل شيء‪ ،‬مادموازيل"‪ ،‬أجاب بحزم‪" ،‬أنا قاٍض ‪ ،‬وعلي أن أؤدي واجبي‪ .‬تم ارتكاب جريمة‪ ،‬وكل‬
‫شيء يشير إلى أن السيد ألبرت دو كوماران هو الم‪NN‬ذنب‪ .‬أعتقل‪NN‬ه‪ ،‬وأفحص‪NN‬ه‪ ،‬وأج‪NN‬د أدل‪NN‬ة س‪NN‬احقة ض‪NN‬ده‪.‬‬
‫تأتين وتقولين إنها كاذبة؛ هذا ليس كافًيا‪ .‬طالما أنك تخاطبني كصديق‪ ،‬فسوف تجدني لطيًفا وودوًدا‪ .‬لكن‬
‫اآلن األوان أن تخاطبي القاضي‪ ،‬وهو الذي يجيب‪" :‬أثبتي ذلك"‪".‬‬
‫"كلمتي‪ ،‬سيدي‪ "،‬قالت اآلنسة دارالنج ببطء‪" .‬اثبت ذلك!"‬
‫ارتفعت اآلنسة دارالنج ببطء‪ ،‬وألقت نظرة مليئة بالدهشة والشك على القاضي‪.‬‬
‫"أتريد حًقا‪ ،‬سيدي‪ ،‬أن تجد ألبرت مذنًبا؟ هل يمنحك ذلك متع‪NN‬ة كب‪NN‬يرة إلدانت‪NN‬ه؟ ه‪NN‬ل تك‪NN‬ره ه‪NN‬ذا الس‪NN‬جين‬
‫الذي يقع مصيره في يديك؟ يمكن للمرء أن يفكر بذلك‪ .‬هل يمكنك ضمان عدم تحيزك؟ ه‪NN‬ل ت‪NN‬زن بعض‬
‫الذكريات بشدة في الميزان؟ هل أنت متأكد من أنك‪ ،‬وبحمل القانون‪ ،‬ال تنتقم من منافس؟"‬
‫"هذا أمر ال يطاق"‪ ،‬همس القاضي‪" ،‬هذا أمر ال يطاق!"‬
‫"هل تعرف الموقف غير المعتاد والخطير الذي نحن فيه اآلن؟ يوًم ا م‪NN‬ا‪ ،‬ت‪NN‬ذكرت‪ ،‬أعلنت حب‪NN‬ك لي‪ .‬ب‪NN‬دا‬
‫لي صادًقا وصريًح ا‪ ،‬لمس قلبي‪ .‬كنت مضطرة لرفضك ألنني أحببت شخًصا آخر‪ ،‬وشفقت علي‪NN‬ك‪ .‬اآلن‬
‫يتم اتهام ذلك الشخص اآلخر بالقتل‪ ،‬وأنت القاضي الخ‪NN‬اص ب‪NN‬ه؛ وأج‪NN‬د نفس‪NN‬ي بينكم‪NN‬ا‪ ،‬أتوس‪NN‬ل إلي‪NN‬ك من‬
‫أجله‪ .‬بالشروع في التحقيق‪ ،‬اكتسبت فرصة للمساعدة في إنقاذه؛ ومع ذلك‪ ،‬يبدو أنك ضده‪".‬‬
‫كل كلمة تنطق به‪N‬ا كل‪N‬ير تس‪N‬قط على قلب الس‪N‬يد داب‪N‬ورون مث‪N‬ل ص‪N‬فعة على وجه‪N‬ه‪ .‬ه‪N‬ل هي حًق ا ال‪N‬تي‬
‫تتحدث؟ من أين جاءت هذه الجرأة المفاجئة التي جعلتها تختار كل تل‪NN‬ك الكلم‪NN‬ات ال‪NN‬تي وج‪NN‬دت ص‪NN‬دًا في‬
‫قلبه؟‬
‫"آنسة"‪ ،‬قال القاضي‪" ،‬كان حزنك كثيًر ا عليك‪ .‬يمكنني أن أغفر م‪NN‬ا قلت‪NN‬ه للت‪NN‬و‪ .‬جهل‪NN‬ك ب‪NN‬األمور يجعل‪NN‬ك‬
‫ظالمة‪ .‬إذا كنت تعتقدين أن مصير ألبرت يعتمد على مزاجي‪ ،‬فأنت مخطئة‪ .‬أن تقنع‪NN‬ني ليس ش‪NN‬يًئا‪ ،‬إن‪NN‬ه‬
‫ضروري أن تقنع اآلخرين‪ .‬أن أصدقك هو شيء ط‪NN‬بيعي ج‪ًNN‬دا‪ ،‬أن‪NN‬ا أعرف‪NN‬ك‪ .‬ولكن م‪NN‬ا هي ال‪NN‬وزن ال‪NN‬ذي‬
‫سيعطيه اآلخرون لش‪NN‬هادتك‪ ،‬عن‪NN‬دما ت‪NN‬ذهب إليهم بقص‪NN‬ة حقيقي‪NN‬ة ‪ -‬حقيقي‪NN‬ة للغاي‪NN‬ة‪ ،‬ولكنه‪NN‬ا غ‪N‬ير مرجح‪NN‬ة‬
‫بشدة؟"‬
‫اندمجت الدموعينا كلير بالدموع‪.‬‬
‫"إذا كنت قد أسأت لك بشكل غير عادل‪ ،‬يا سيدي"‪ ،‬قالت‪" ،‬ف‪NN‬أرجوك س‪NN‬امحني؛ فح‪NN‬زني جعل‪NN‬ني أنس‪NN‬ى‬
‫نفسي‪".‬‬
‫"ال يمكنك إساءتي‪ ،‬آنسة"‪ ،‬رد القاضي‪" .‬لقد قلت لك بالفعل إنني مخلص لخدمتك‪".‬‬
‫"فمن فضلك‪ ،‬سيدي‪ ،‬ساعدني في إثبات صحة ما قلته‪ .‬سأخبرك كل شيء‪".‬‬
‫كان السيد دابورون مقتنًعا تماًم ا بأن كلير تسعى لخداعه‪ ،‬لكن ثقتها أدهشته‪ .‬تساءل عن األس‪NN‬طورة ال‪NN‬تي‬
‫كانت تستعد لصنعها‪.‬‬
‫"يا سيدي"‪ ،‬بدأت كلير‪" ،‬أنت تعرف ما هي العقبات التي واجهت زواجي من ألبرت‪ .‬لم يوافق الك‪NN‬ونت‬
‫دو كوماران على قبولي ككنسة‪ ،‬ألني فقيرة‪ ،‬ال أمتل‪NN‬ك ش‪NN‬يًئا‪ .‬اس‪NN‬تغرق األم‪NN‬ر من أل‪NN‬برت خمس س‪NN‬نوات‬
‫لالنتصار على اعتراضات والده‪ .‬مرتين استسلم الك‪NN‬ونت؛ م‪NN‬رتين س‪NN‬حب موافقت‪NN‬ه‪ ،‬ال‪NN‬تي ق‪NN‬ال إنه‪NN‬ا تمت‬
‫ب‪NN‬اإلكراه‪ .‬وأخ‪NN‬يًرا‪ ،‬قب‪NN‬ل ح‪NN‬والي ش‪NN‬هر‪ ،‬ق‪NN‬دم موافقت‪NN‬ه بمحض إرادت‪NN‬ه‪ .‬ولكن ه‪NN‬ذه ال‪NN‬ترددات والت‪NN‬أخيرات‬
‫والرفض ألمت بجدية بجدتي‪ .‬تعرف طبيعتها الحساسة؛ وفي ه‪NN‬ذه الحال‪NN‬ة‪ ،‬يجب أن أع‪NN‬ترف أنه‪NN‬ا ك‪NN‬انت‬
‫على حق‪.‬‬
‫على الرغم من أن يوم الزفاف قد ُحدد‪ ،‬أعلنت الم‪N‬اركيزة أن‪N‬ه ال ينبغي علين‪N‬ا أن نت‪N‬ورط م‪N‬رة أخ‪N‬رى أو‬
‫نضحك عليها بأي عجلة ظ‪NN‬اهرة لل‪NN‬زواج به‪NN‬ذا ال‪NN‬زواج الم‪NN‬ربح‪ ،‬ال‪NN‬ذي تهمن‪NN‬ا الكث‪NN‬ير من قب‪NN‬ل ب‪NN‬الطموح‪.‬‬
‫قررت‪ ،‬بالتالي‪ ،‬أنه حتى إعالن العرس‪ ،‬يجب أن ُيسمح أللبرت بالدخول إلى المنزل كل يوم آخ‪NN‬ر لم‪NN‬دة‬
‫ساعتين في فترة ما بعد الظهر‪ ،‬وبحضورها‪.‬‬
‫لم نتمكن من إقناعها بتغيير هذا القرار‪ .‬هذا ه‪N‬و ح‪N‬ال األم‪N‬ور‪ ،‬عن‪N‬دما ج‪N‬اءت لي في ص‪N‬باح ي‪N‬وم األح‪N‬د‬
‫رسالة من ألبرت‪ .‬قال لي إن األعمال الهامة ستمنعه من الحضور‪ ،‬على الرغم من أنه يومه الع‪N‬ادي‪ .‬م‪N‬ا‬
‫الذي يمكن أن يحدث ليمنعه من الحضور؟ خشيت شيًئا سيًئا‪ .‬في اليوم التالي‪ ،‬انتظرته بشغف وانهم‪NN‬اك‪،‬‬
‫عندما أحضر خادمه شميدت رسالة لي‪ .‬في تلك الرسالة‪ ،‬يتوسل لي ألبرت بأن أمنح‪NN‬ه مقابل‪NN‬ة‪ .‬فك‪NN‬ان من‬
‫الضروري‪ ،‬كتب‪ ،‬أن يكون لدينا محادثة طويلة‪ ،‬وحده‪ ،‬ودون تأخير‪.‬‬
‫وأضاف أن مستقبلنا بأكمله يتوقف على هذه المقابلة‪ .‬ترك لي تحديد اليوم والساعة‪ ،‬محًثا على عدم الثقة‬
‫بأي شخص‪ .‬لم أتردد‪ .‬أرسلت له كلمة لنلتقي مساء الثالثاء‪ ،‬عند بوابة الحديقة الصغيرة‪ ،‬التي تفتح على‬
‫شارع نائي‪ .‬إلعالمي بوجوده‪ ،‬كان عليه أن يطرق الباب عن‪N‬دما ي‪N‬دق س‪N‬اعة التاس‪N‬عة في اإلنفالي‪N‬د‪ .‬كنت‬
‫أعلم أن جدتي قد دعت ع‪NN‬دًدا من أص‪NN‬دقائها في تل‪NN‬ك الليل‪NN‬ة‪ ،‬واعتق‪NN‬دت أن‪NN‬ني يمكن‪NN‬ني التظ‪NN‬اهر بالص‪NN‬داع‬
‫واالنسحاب باكًر ا‪ ،‬وبالتالي أن أكون حرة‪ .‬وتوقعت أيًض ا أن السيدة دارالنج ستحتفظ بشميدت معها‪".‬‬
‫"ع‪NNNN‬ذًرا‪ ،‬آنس‪NNNN‬ة"‪ ،‬ق‪NNNN‬اطع الس‪NNNN‬يد داب‪NNNN‬ورون‪" ،‬أي ي‪NNNN‬وم كتبِت رس‪NNNN‬التِك إلى الس‪NNNN‬يد أل‪NNNN‬برت؟"‬
‫"يوم الثالثاء‪".‬‬
‫"هل يمكنِك تحديد الوقت؟"‬
‫"يجب أنني أرسلت الرسالة بين الساعتين والثالثة بعد الظهر‪".‬‬
‫"شكًرا لِك ‪ ،‬آنسة‪ُ .‬يرجى االستمرار‪".‬‬
‫"تحققت جميع توقع‪N‬اتي"‪ ،‬اس‪N‬تمرت كل‪N‬ير‪" ،‬انس‪N‬حبت في الليل‪N‬ة ذاته‪N‬ا وذهبت إلى الحديق‪N‬ة قب‪N‬ل الموع‪N‬د‬
‫المحدد‪.‬‬
‫كنت قد حصلت على مفتاح الباب الصغير‪ ،‬وحاولت فتحه‪ ،‬لكن لم أستطع بسبب تلف القفل‪ .‬حاولت بكل‬
‫قواي دون جدوى‪ .‬كنت يائسة عندما دقت ساعة التاسعة‪ .‬وفي ذلك الوقت‪ ،‬طرق السيد ألبرت الباب‪.‬‬
‫أخبرته بالحادثة ورميت له المفتاح ليح‪NN‬اول فتح الب‪NN‬اب‪ ،‬لكن‪NN‬ه لم ينجح‪ .‬طلبت من‪NN‬ه تأجي‪NN‬ل الموع‪NN‬د‪ ،‬لكن‪NN‬ه‬
‫رفض‪ ،‬مؤكًدا أن األمر مهم وال يمكن تأجيله‪ .‬تح‪NN‬دثنا من خالل الب‪NN‬اب‪ ،‬وفي النهاي‪NN‬ة‪ ،‬أعلن أن‪NN‬ه سيتس‪NN‬لق‬
‫الجدار إذا لم أمنعه‪ .‬لم أجرؤ على الرفض‪ ،‬وتحدى المخاوف‪ ،‬وقال إنه سيحاول تسلق الجدار‪.‬‬
‫كنت خائفة ج‪ًNN‬دا وأرتعش كالورق‪NN‬ة‪ .‬لحس‪NN‬ن الح‪NN‬ظ‪ ،‬ك‪NN‬ان الس‪NN‬يد أل‪NN‬برت نش‪NN‬يًطا وتس‪NN‬لق الج‪NN‬دار ب‪NN‬دون أي‬
‫إصابات‪ .‬جاء ليخبرني عن الحادثة التي تعرض لها‪ .‬جلسنا على المقعد الصغير الموجود أمام األشجار‪،‬‬
‫ثم اتجأنا إلى الكوخ‪ ،‬حيث تم حمايتنا من المطر‪.‬‬
‫غادر السيد ألبرت بعد منتصف الليل‪ ،‬مطمئًنا وس‪NN‬عيًدا‪ .‬ع‪N‬اد بنفس الطري‪NN‬ق‪ ،‬ولكن بش‪NN‬كل أق‪NN‬ل خط‪NN‬ورة‪،‬‬
‫حيث استخدم سلم البستاني الذي وضعته بجانب الجدار بعد أن وصل إلى الجانب اآلخر‪".‬‬
‫أثار هذا الشرح‪ ،‬ال‪N‬ذي أعطي بأبس‪N‬ط وأك‪N‬ثر طريق‪N‬ة طبيعي‪N‬ة‪ ،‬ح‪N‬يرة الس‪N‬يد داب‪N‬ورون‪ .‬م‪N‬اذا ك‪N‬ان يفك‪N‬ر؟‬
‫"آنس‪NNNN‬ة"‪ ،‬س‪NNNN‬ألها‪" ،‬ه‪NNNN‬ل ب‪NNNN‬دأ المط‪NNNN‬ر يتس‪NNNN‬اقط عن‪NNNN‬دما تس‪NNNN‬لق الس‪NNNN‬يد أل‪NNNN‬برت الج‪NNNN‬دار؟"‬
‫"كال‪ ،‬يا سيدي‪ ،‬بدأت القطرات األولى تتساقط عندما كنا على المقعد‪ .‬أتذكر ذلك جي‪ًN‬دا‪ ،‬ألن‪N‬ه فتح مظلت‪N‬ه‬
‫وأنا فكرت في بول وفيرجينيا‪".‬‬

‫"عذًر ا لمدة دقيقة‪ ،‬آنسة"‪ ،‬قال القاضي‪.‬‬


‫جلس على مكتبه وكتب بس‪NN‬رعة رس‪NN‬التين‪ .‬في األولى‪ ،‬أم‪NN‬ر بإحض‪NN‬ار أل‪NN‬برت على الف‪NN‬ور إلى مكتب‪NN‬ه في‬
‫البالس دو جوستيس‪ .‬في الثانية‪ ،‬وجه المحق‪NN‬ق بال‪NN‬ذهاب على الف‪NN‬ور إلى دار دارالنج في فوب‪NN‬ورغ س‪NN‬ان‬
‫جرمان‪ ،‬وفحص الجدار في قاع الحديق‪NN‬ة وت‪NN‬دوين أي عالم‪NN‬ات على تس‪NN‬لق الج‪NN‬دار‪ ،‬إذا ك‪NN‬انت موج‪NN‬ودة‪.‬‬
‫وأوضح أن الجدار قد تم تسلقه مرتين‪ ،‬قبل وأثناء المطر؛ لذلك ستكون عالمات الذهاب والعودة مختلف‪NN‬ة‬
‫عن بعضها البعض‪.‬‬

‫حث المحقق على الحذر الشديد‪ ،‬واختراع ذريعة معقولة تفسر تحقيقاته‪.‬‬

‫بعد االنتهاء من الكتابة‪ ،‬جرس القاضي لخادمه الذي ظهر في الحال‪.‬‬

‫"هذه"‪ ،‬ق‪NN‬ال‪" ،‬هم‪NN‬ا رس‪NN‬التان يجب علي‪NN‬ك أن تأخ‪NN‬ذهما إلى ك‪NN‬اتبي‪ ،‬كونس‪NN‬تان‪ .‬ق‪NN‬ل ل‪NN‬ه أن يقرأهم‪NN‬ا وينف‪N‬ذ‬
‫األوامر التي تحتوي عليها على الفور‪ ،‬فوًر ا‪ ،‬هل فهمت؟ اركض‪ ،‬خذ سيارة أجرة‪ ،‬وكن سريًعا!‬
‫أه! كلمة واحدة‪ .‬إذا لم يكن كونستان في مكتبي‪ ،‬فليبحث عنه‪ .‬فهو لن يكون بعيًدا‪ ،‬ألن‪NN‬ه ينتظ‪NN‬رني‪ .‬اذهب‬
‫بسرعة!"‬
‫ثم تحول السيد دابورون وقال لكلير‪" :‬هل حافظِت على الرسالة‪ ،‬آنسة‪ ،‬التي طلب فيها السيد ألبرت ه‪NN‬ذا‬
‫المقابلة؟"‬
‫"نعم‪ ،‬يا سيدي‪ ،‬وأعتقد أنني أحملها معي‪".‬‬
‫نهضت‪ ،‬بحثت في جيبها‪ ،‬وأخرجت ورقة متجعدة كثيًر ا‪" .‬ها هي!"‬
‫أخذ المحقق الورق‪NN‬ة‪ .‬ع‪N‬بر ش‪N‬ك في ذهن‪N‬ه‪ .‬يح‪N‬دث أن تك‪N‬ون الرس‪N‬الة المث‪N‬يرة للش‪N‬ك في جيب كل‪N‬ير بك‪N‬ل‬
‫سهولة‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬ال تحمل الفتيات الصغيرات عادة طلبات لمقابالت سرية معهم‪ .‬في لمحة‪ ،‬قرأ عش‪NN‬رة‬
‫أسطر من المذكرة‪.‬‬
‫"ال تاريخ‪ "،‬همس‪" ،‬ال طابع‪ ،‬ال شيء على اإلطالق‪".‬‬
‫لم تسمع كلير كالمه‪ .‬كانت تحاول بشدة العثور على أدلة أخرى عن المقابلة‪.‬‬
‫"سيدي"‪ ،‬قالت فجأة‪" ،‬غالًبا ما يحدث‪ ،‬عندما نرغب في أن نكون ونعتقد أننا وحدنا‪ ،‬نحن مراقبون على‬
‫أي حال‪ .‬استدِع‪ ،‬أرجوك‪ ،‬جميع خدم جدتي‪ ،‬واستفسر ممن رأوا ألبرت تلك الليلة‪".‬‬
‫"استفسر من خدمك! هل يمكنك أن تحلمي بشيء كهذا‪ ،‬آنسة؟"‬
‫"ماذا‪ ،‬سيدي؟ هل تخشى أن يتعرض سري للخطر؟ ما الذي يهم‪ ،‬إذا كان سيتم إطالق سراحه فقط؟"‬
‫لم يستطع السيد داب‪N‬ورون إال أن يعجب به‪N‬ا‪ .‬م‪N‬ا ه‪N‬و ال‪N‬والء الرائ‪N‬ع في ه‪N‬ذه الفت‪N‬اة الش‪N‬ابة‪ ،‬س‪N‬واء ك‪N‬انت‬
‫تتحدث الحقيقة أم ال! يمكنه فهم العنف الذي كانت تفعل‪NN‬ه لمش‪NN‬اعرها خالل الس‪NN‬اعة الماض‪NN‬ية‪ ،‬ه‪NN‬و ال‪NN‬ذي‬
‫يعرف شخصيتها جيًدا‪.‬‬
‫"هذا ليس كل شيء"‪ ،‬أضافت "المفتاح الذي رميته أللبرت‪ ،‬لم يعد إلّي ‪ .‬يجب أن يكون نسي ذلك‪ .‬إذا تم‬
‫العثور عليه في حوزته‪ ،‬فسيثبت جيًدا أنه كان في الحديقة‪".‬‬
‫"سأعطي األوامر المناسبة بشأن ذلك‪ ،‬آنسة‪".‬‬
‫"هناك شيء آخر"‪ ،‬واصلت كلير‪" ،‬بينما أنا هنا‪ ،‬أرسل شخًص ا لفحص الجدار‪".‬‬
‫بدت وكأنها تفكر في كل شيء‪.‬‬
‫"تم فعل ذلك بالفعل‪ ،‬آنسة"‪ ،‬رد السيد دابورون‪" ،‬لن أخفي عنك أن إح‪NN‬دى الرس‪NN‬ائل ال‪NN‬تي أرس‪NN‬لتها للت‪NN‬و‬
‫أمرت بفحص جدار جدتك‪ ،‬فحص سري‪ ،‬عليك االطمئنان‪".‬‬
‫ارتفعت كلير بفرح‪ ،‬وللمرة الثانية وجهت يدها للمحقق‪.‬‬
‫"أوه‪ ،‬شكًر ا!"‪ ،‬قالت "شكًر ا جزيال! اآلن يمكنني أن أرى تماًم ا أنك معي‪ .‬لكن لدي فك‪NN‬رة أخ‪NN‬رى‪ :‬يجب‬
‫أن يكون ألبرت لديه المذكرة التي كتبتها يوم الثالثاء‪".‬‬
‫"ال‪ ،‬آنسة‪ ،‬أحرقها‪".‬‬
‫انسحبت كلير‪ ،‬ظنت أنها شعرت بلمسة من السخرية في رد الفعل المحق‪N‬ق‪ .‬لم يكن هن‪N‬اك ش‪N‬يء من ه‪N‬ذا‬
‫القبيل‪ .‬تذكر السيد دابورون الرسالة التي رماها ألبرت في النار يوم الثالثاء بعد الظهر‪ .‬لم يكن بإمكانه‪NN‬ا‬
‫س‪NN‬وى أن تك‪NN‬ون الرس‪NN‬الة ال‪NN‬تي أرس‪NN‬لتها كل‪NN‬ير إلي‪NN‬ه‪ .‬ك‪NN‬انت إليه‪NN‬ا‪ ،‬إذن‪ ،‬تطب‪NN‬ق عليه‪NN‬ا عب‪NN‬ارة "ال يمكنه‪NN‬ا‬
‫مقاومتي"‪ .‬فهم اآلن اإلجراء والتعليق‪.‬‬
‫"هل يمكنك فهم ذلك‪ ،‬آنسة"‪ ،‬سأل اآلن‪" ،‬كيف يمكن للسيد دو كوم‪NN‬اران أن يحي‪NN‬ل العدال‪NN‬ة عن مس‪NN‬ارها‬
‫ويعرضني الرتكاب خطأ مؤسف للغاية‪ ،‬عندما كان من السهل جًدا أن يخبرني بكل هذا؟"‬
‫"يبدو لي‪ ،‬سيدي‪ ،‬أن الرجل الشريف ال يستطيع االعتراف بأنه حصل على مقابلة سرية من سيدة‪ ،‬حتى‬
‫يحصل على إذن كامل منها للقيام بذلك‪ .‬يجب أن يخاطر بحيات‪NN‬ه ب‪NN‬دًال من ش‪NN‬رف من اعتم‪NN‬د علي‪NN‬ه‪ .‬ولكن‬
‫تأكد أن ألبرت اعتمد علّي ‪".‬‬
‫لم يكن هناك شيء يمكن الرد عليه‪ ،‬وأعربت كلمات اآلنسة دارالنج عن معنى إحدى إجابات أل‪NN‬برت في‬
‫االستجواب‪.‬‬
‫"هذا ليس كل شيء بعد‪ ،‬آنسة"‪ ،‬واصل المحقق "عليك تكرار كل ما قلتيه لي هنا‪ ،‬في مكت‪NN‬بي في قص‪NN‬ر‬
‫العدل‪ .‬سيقوم كاتبي بتدوين شهادتك‪ ،‬ويجب عليك التوقيع عليها‪ .‬هذا اإلجراء سيكون مؤلًم ا بالنسبة ل‪N‬ك‪،‬‬
‫ولكنه إجراء ضروري‪".‬‬
‫"آه‪ ،‬يا سيدي‪ ،‬سأفعل ذلك بكل سرور‪ .‬ماذا يمكنني أن أرفض‪ ،‬وأنا أعلم أنه في الس‪NN‬جن؟ كنت مص‪NN‬ممة‬
‫على القيام بكل شيء‪ .‬لو تم محاكمته في المحكمة‪ ،‬لكنت ذهبت هناك‪ .‬نعم‪ ،‬كنت سأذهب‪ ،‬وأم‪NN‬ام الجمي‪NN‬ع‬
‫كنت س‪NN‬أقول الحقيق‪NN‬ة‪ .‬بال ش‪NN‬ك"‪ ،‬أض‪NN‬افت بح‪NN‬زن‪" ،‬لكن‪NN‬ني كنت س‪NN‬أتعرض للكث‪NN‬ير من المخ‪NN‬اطر‪ .‬كنت‬
‫سأكون معتبرة بطلة من الرومانسية‪ ،‬ولكن ما الذي يهم الرأي العام‪ ،‬واللوم أو الموافق‪NN‬ة من الع‪NN‬الم‪ ،‬وأن‪NN‬ا‬
‫متأكدة من حبه؟"‬

‫ارتفعت من مقعدها‪ ،‬وضبطت ثوبها وأربطة قبعتها‪.‬‬

‫"هل من الضروري"‪ ،‬سألت "أن أنتظر عودة عمالء الشرطة الذين يفحصون الجدار؟"‬

‫"ال داعي لذلك‪ ،‬آنسة"‪.‬‬

‫"إذن"‪ ،‬واصلت بصوت حلو‪" ،‬أستطيع فقط التوسل"‪ ،‬وضعت يديها مًعا‪" ،‬أناشدك"‪ ،‬عيناه‪NN‬ا تس‪NN‬تغيث‪،‬‬
‫"لتطلقوا ألبرت من السجن‪".‬‬

‫"سيتم إطالق سراحه في أقرب وقت ممكن؛ أعطيك كلمتي‪".‬‬

‫"أوه‪ ،‬اليوم يا عزيزي السيد دابورون‪ ،‬الي‪N‬وم‪ ،‬أرج‪N‬وك‪ ،‬اآلن‪ ،‬ف‪NN‬وًرا! بم‪N‬ا أن‪N‬ه ب‪N‬ريء‪ ،‬كن لطيًف ا‪ ،‬ف‪NN‬أنت‬
‫صديقنا‪ .‬هل تريد مني أن أنزل على ركبتي؟"‬

‫كان لدى المحقق وقت قصير لتمديد ذراعيه ومنعها‪.‬‬

‫كان يختنق بالعاطفة‪ ،‬الرجل البائس! أه! كم يتوق ألن يكون محبوًسا مثل السجين!‬
‫"ما تطلبينه مني مستحيل‪ ،‬آنسة"‪ ،‬قال بصوت شبه غير مسموع‪" ،‬غير قابل للتط‪NN‬بيق‪ ،‬على ش‪NN‬رفي‪ .‬ل‪NN‬و‬
‫كان يتوقف األمر علي‪ ،‬لم أستطع‪ ،‬حتى لو كان مذنًبا‪ ،‬أن أراك تبكين وأقاوم‪".‬‬
‫لم تعد اآلنسة دارالنج‪ ،‬التي كانت حتى ذلك الحين ثابتة‪ ،‬قادرة على كبح دموعها‪.‬‬
‫"يا فتاة شقية أنا!" صاحت‪" ،‬إنه يعاني‪ ،‬إنه في السجن‪ ،‬وأنا ح‪NN‬رة‪ ،‬ولكن ال يمكن‪NN‬ني فع‪NN‬ل ش‪NN‬يء ل‪NN‬ه! ي‪NN‬ا‬
‫إلهي العظيم! ألهمني بأقوال تالمس قلوب الناس! عن‪NN‬دما يجب علي أن ألقي نفس‪NN‬ي على ق‪NN‬دمي من أج‪NN‬ل‬
‫الحصول على عفوه؟"‬
‫توقفت فجأة‪ ،‬مفاجأة بأنها قد نطقت بهذه الكلمة‪.‬‬

‫"عفًو ا!" تكررت بحدة‪" ،‬ليس لديه حاجة للعفو‪ .‬لماذا أنا امرأة فقط؟ هل ال يمكنني أن أج‪NN‬د رجال واح‪NN‬دا‬
‫سيساعدني؟ نعم"‪ ،‬قالت بعد لحظة من التفكير‪" ،‬هن‪N‬اك رج‪N‬ل واح‪N‬د ي‪N‬دين بنفس‪N‬ه ألل‪N‬برت‪ ،‬ألن‪N‬ه ه‪N‬و من‬
‫وضعه في هذا الموقف ‪ -‬الكونت دي كومارين‪ .‬إنه والده‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬تخلى عنه‪ .‬أه‪ ،‬حسًنا! سأذكره ب‪NN‬أن‬
‫لديه ال يزال ابًنا‪".‬‬

‫قام المحقق ليصحبها إلى الباب‪ ،‬لكنها اختفت بالفعل‪ ،‬ومعها شمت الطيب القلب‪.‬‬

‫غرق السيد دابورون‪ ،‬أكثر من األموات‪ ،‬مرة أخرى في كرسيه‪ .‬امتألت عيناه بالدموع‪.‬‬

‫"وهذا هو ما هي عليه!" همس‪" .‬آه! لم أصنع اختياًرا سيًئا! لقد تنب‪NN‬أت وفهمت جمي‪NN‬ع ص‪NN‬فاتها الجي‪NN‬دة‪".‬‬
‫لم يحبها كثيًر ا من قبل‪ ،‬وشعر أنه لن يتعافى أبًدا من عدم حصوله على حبه‪NN‬ا بالمقاب‪NN‬ل‪ .‬ولكن في خض‪NN‬م‬
‫تأمالته‪ ،‬مرت فكرة مفاجئة مثل البرق عبر عقله‪.‬‬

‫هل تحدثت كل‪NN‬ير بالحقيق‪NN‬ة؟ ه‪NN‬ل لم تكن تلعب دوًرا مع‪ًNN‬دا مس‪NN‬بًقا؟ ال‪ ،‬بالتأكي‪NN‬د ال! لكنه‪NN‬ا ق‪NN‬د تك‪NN‬ون ق‪NN‬د تم‬
‫خداعها‪ ،‬قد تكون الضحية لبعض الخدع الماكرة‪.‬‬

‫في هذه الحالة‪ ،‬تحققت تنبؤات تاباري القديمة‪ .‬ك‪NN‬ان تاب‪NN‬اري ق‪NN‬د ق‪NN‬ال‪" :‬ابحث عن خ‪NN‬بر يثبت براءت‪NN‬ه بال‬
‫ش‪NNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNN‬ك‪".‬‬
‫كيف يمكنه إظهار كذب هذا الخبر‪ ،‬المخط‪NN‬ط ل‪NN‬ه مس‪NN‬بًقا‪ ،‬وال‪NN‬ذي أك‪NN‬ده كل‪NN‬ير‪ ،‬ال‪NN‬تي تم خ‪NN‬داعها ب‪NN‬دورها؟‬
‫كيف يمكنه الكشف عن خطة محكم‪NN‬ة‪ ،‬حيث اس‪NN‬تطاع المس‪NN‬جون بال خط‪NN‬ر االنتظ‪NN‬ار لنت‪NN‬ائج معين‪NN‬ة‪ ،‬م‪NN‬ع‬
‫ذراعيه المطوية‪ ،‬دون أن يتحرك بنفسه في المسألة؟‬

‫ومع ذلك‪ ،‬إذا كانت قصة كلير صحيحة‪ ،‬وألبرت بريء!‬

‫تكافح القاضي في خضم صعوبات ال يمكن حلها‪ ،‬بدون خطة‪ ،‬بدون فكرة‪.‬‬
‫فقام‪.‬‬

‫"أوه!" قال بصوت عاٍل ‪ ،‬كما لو كان يشجع نفسه‪" ،‬في البالس‪ ،‬سيتم فك العقدة‪".‬‬
‫الفصل ‪16‬‬
‫تفاجأ السيد دابورون بزيارة كلير‪.‬‬
‫ولكن السيد دو كوماران كان أكثر تفاجًأ‪ ،‬عندما همس له خادمه أن اآلنسة دارالنج ترغب في محادثته‬
‫لبضع دقائق‪.‬‬
‫كسر السيد دابورون صحًنا جمياًل للبطاقات‪ ،‬وأسقط السيد دو كوماران سكينه على صحنه أثناء وجبة‬
‫الفطور‪ ،‬وكما يفعل القاضي‪ ،‬صرخ "كلير!"‪.‬‬
‫تردد في استقبالها‪ ،‬خائًفا من مشهد مؤلم ومزعج‪ .‬فهي ال تمتلك إال مودة ضئيلة جًدا له‪ ،‬والذي رفضها‬
‫لفترة طويلة بعناد‪ .‬فماذا يريد منها؟ بالطبع لالستفسار عن ألبرت‪ .‬وماذا يمكن أن يجيبها؟ ربما ستعاني‬
‫من هجوم عصبي أو غير ذلك‪ ،‬وسيبدو مضطرًبا تماًم ا‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فكر في مدى معاناتها‪ ،‬وشفق عليها‪.‬‬
‫شعر بأنه سيكون قاسًيا وال يليق به أن يبتعد عنها التي كانت ستصبح كاالبنة له‪ ،‬الفيكونتيسة دو‬
‫كوماران‪.‬‬
‫أرسل لها رسالة‪ ،‬يطلب منها االنتظار بضع دقائق في إحدى غرف الجلوس الصغيرة في الطابق‬
‫األرضي‪.‬‬
‫لم يجعلها تنتظر طويًال‪ ،‬حيث تدمر شهيته مجرد إعالن زيارتها‪ .‬كان مستعًدا تماًم ا ألي شيء مزعج‪.‬‬
‫عندما ظهر‪ ،‬حَّياها كلير بإحدى االنحناءات الرشيقة والمهيبة التي تميزت بها ماركيزة دارالنج‪.‬‬
‫"سيدي"‪ ،‬بدأت‪" ،‬أتيِت ‪ ،‬أليس كذلك‪ ،‬يا فتاتي الفقيرة‪ ،‬لتحصلي على أخبار الفتى البائس؟" سأل السيد‬
‫دو كوماران‪.‬‬
‫قاطع كلير وتوجه مباشرة إلى الموضوع‪ ،‬إلنهاء األمر المزعج بأسرع وقت ممكن‪.‬‬
‫"ال‪ ،‬سيدي"‪ ،‬ردت الفتاة الصغيرة‪" ،‬أنا آتية‪ ،‬بل على العكس‪ ،‬ألحمل لكم خبًرا‪ .‬ألبرت بريء"‪.‬‬
‫نظر الكونت إليها بعناية شديدة‪ ،‬مقتنًعا بأن الحزن أثر على عقلها؛ ولكن في هذه الحالة‪ ،‬كان جنونها‬
‫هادًئا جًدا‪.‬‬
‫"لم أشك في ذلك أبًدا"‪ ،‬استمرت كلير‪" ،‬لكن اآلن لدي الدليل األكثر إيجابية"‪.‬‬
‫"هل أنِت متأكدة تماًم ا مما تقولين؟" سأل الكونت‪ ،‬حيث كانت عيناه تفضح شكه‪.‬‬
‫فهمت اآلنسة دارالنج تفكيره‪ ،‬بعد لقائها مع السيد دابورون الذي أعطاها تجربة‪.‬‬
‫"أنا ال أقول شيًئا غير دقيق‪ ،‬ويمكن بسهولة إثباته‪ .‬لقد جئت للتو من السيد دابورون‪ ،‬القاضي المحقق‪،‬‬
‫الذي يعد أحد أصدقاء جدتي؛ وبعد ما قلته له‪ ،‬أصبح مقتنًعا بأن ألبرت بريء"‪.‬‬
‫"هل قال لك ذلك‪ ،‬كلير!" صرخ الكونت‪" .‬طفلتي‪ ،‬هل أنِت متأكدة‪ ،‬أم أنِك مخطئة؟"‬
‫"ال‪ ،‬سيدي‪ .‬قلت له شيًئا ال يعرفه أحد‪ ،‬والذي ال يستطيع ألبرت‪ ،‬الذي هو شخص أصيل‪ ،‬الحديث عنه‪.‬‬
‫قلت له إن ألبرت قضى مساء الجريمة برفقتي في حديقة جدتي‪ .‬كان قد طلب رؤيتي‪"...‬‬
‫"ولكن كلمتك لن تكون كافية"‪.‬‬
‫"هناك دليل‪ ،‬والعدالة لديها هذه األدلة اآلن"‪.‬‬
‫"يا إلهي! هل هذا ممكن حًقا؟" صاح الكونت‪ ،‬الذي كان يعيش في حالة من الذعر‪.‬‬
‫"آه‪ ،‬سيدي!" قالت اآلنسة دارالنج بمرارة‪" ،‬أنت مثل القاضي؛ كنت تؤمن بالمستحيل‪ .‬أنت والده‪،‬‬
‫وكنت تشك فيه! أنت ال تعرفه‪ ،‬فكنت تتخلى عنه‪ ،‬دون أن تحاول الدفاع عنه‪ .‬آه‪ ،‬لم أتردد لحظة‬
‫واحدة!"‬
‫يسهل إقناع اإلنسان بصدق ما يتوق إليه بشدة‪.‬‬
‫ولم يكن من الصعب إقناع السيد دو كوماران‪ .‬دون تفكير وال مناقشة‪ ،‬وثق في تصريحات كلير‪.‬‬
‫شاركها في قناعاتها‪ ،‬دون أن يتساءل عما إذا كان من الحكمة أو الحذر القيام بذلك‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬كان قد تغلب عليه اليقين الذي أعطاه القاضي‪ ،‬وقال لنفسه إن الشيء األكثر غير محتمل هو‬
‫الحقيقة‪ ،‬وأنحنى رأسه‪ .‬وكلمة واحدة من فتاة صغيرة قلبت هذا اليقين رأًسا على عقب‪ .‬ألبرت بريء!‬
‫نزل هذا الفكر على قلبه مثل ندى السماء‪.‬‬
‫ظهرت كلير له كحاملة للسعادة واألمل‪.‬‬
‫خالل األيام الثالثة األخيرة‪ ،‬كان قد اكتشف مدى مودته أللبرت‪ .‬كان يحبه بحنان‪ ،‬ألنه لم يستطع أبًدا‬
‫التخلي عنه‪ ،‬على الرغم من شكوكه الرهيبة فيما يتعلق بأبوته‪.‬‬
‫لثالثة أيام‪ ،‬كاد علم الجريمة المنسوبة البنه الشقي‪ ،‬وفكرة العقاب الذي ينتظره‪ ،‬أن تقتل األب‪ .‬وبعد كل‬
‫ذلك‪ ،‬كان بريئا!‬
‫ال مزيد من العار‪ ،‬وال مزيد من المحاكمات المخزية‪ ،‬وال مزيد من البقع على الشعار؛ لن يسمع اسم‬
‫كوماران في المحاكم‪.‬‬
‫"ولكن‪ ،‬إذًا‪ ،‬اآلنسة"‪ ،‬سأل الكونت‪" ،‬هل سيتم اإلفراج عنه؟"‬
‫"آه‪ ،‬يا سيدي‪ ،‬طلبت منهم أن يفرجوا عنه فوًر ا‪ .‬إنه من العدل‪ ،‬أليس كذلك‪ ،‬حيث إنه بريء؟ ولكن‬
‫القاضي أجاب بأن األمر غير ممكن؛ أنه ليس السيد الرئيس؛ أن مصير ألبرت يتوقف على العديد من‬
‫اآلخرين‪ .‬كان ذلك حينما قررت اللجوء إليكم للمساعدة"‪.‬‬
‫"هل يمكنني القيام بشيء ما؟"‬
‫"آمل على األقل ذلك‪ .‬أنا فقط فتاة فقيرة وجاهلة جًدا‪ ،‬وال أعرف أحًدا في العالم‪ .‬ال أعرف ما الذي يمكن‬
‫القيام به لتحريره من السجن‪ .‬يجب‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬أن يكون هناك وسيلة للحصول على العدالة‪ .‬ألن تحاول‬
‫فعل كل ما يمكن القيام به‪ ،‬يا سيدي‪ ،‬أنت‪ ،‬الذي أنت أبوه؟"‬
‫"نعم"‪ ،‬أجاوب الكونت دو كوماران بسرعة‪" ،‬نعم‪ ،‬ودون فقدان لحظة"‪.‬‬
‫منذ اعتقال ألبرت‪ ،‬غمر الكونت في غيبوبة مملة‪ .‬في حزنه العميق‪ ،‬لم يفعل شيًئا ليتخلص من هذا‬
‫الشلل العقلي‪ ،‬حيث جالس طوال اليوم دون حراك‪ .‬يبدو أنه يتمتع بحالة تمنعه من الشعور بضخامة‬
‫مصيبته‪ .‬صوت كلير يدوي في أذنه كصوت البوق المحيي لألموات‪ .‬تبدد الظالم المخيف‪ ،‬ورأى بريًقا‬
‫في األفق‪ ،‬واستعاد طاقة شبابه‪.‬‬
‫"لنذهب"‪ ،‬قال‪.‬‬
‫فجأة‪ ،‬تحول الوهج في وجهه إلى حزن‪ ،‬ممزوًجا بالغضب‪.‬‬
‫"ولكن إلى أين"‪ ،‬سأل‪" ،‬في أي باب نطرق بأمل النجاح؟ في األوقات القديمة‪ ،‬كنت أبحث عن الملك‪.‬‬
‫ولكن اليوم! حتى اإلمبراطور نفسه ال يستطيع التدخل في القانون‪ .‬سيقول لي لننتظر قرار المحاكم‪ ،‬أنه‬
‫ال يستطيع فعل أي شيء‪ .‬انتظر! وألبرت يعد الدقائق في ألم مميت! سنحصل بالتأكيد على العدالة‪،‬‬
‫ولكن الحصول عليها بسرعة هو فن يتعلم في المدارس التي لم أذهب إليها‪".‬‬
‫"لنحاول على األقل يا سيدي"‪ ،‬أصرت كلير‪" ،‬لنبحث عن قضاة وجنراالت ووزراء‪ ،‬أي شخص‪ .‬فقط‬
‫اقودني إليهم‪ .‬سأتحدث‪ ،‬وسترى إن لم ننجح‪".‬‬
‫أخذ الكونت يدي كلير الصغيرتين بين يديه‪ ،‬وضغط عليهما لحظة فاضاًل عندها بالحنان األبوي‪.‬‬
‫"فتاة شجاعة!" صاح‪" ،‬أنت امرأة نبيلة وشجاعة‪ ،‬كلير! الدم الحسن ال يفشل أبًدا‪ .‬لم أكن أعرفك‪ .‬نعم‪،‬‬
‫ستكونين ابنتي‪ ،‬وستكونين سعيدتين مًعا‪ ،‬ألبرت وأنِت ‪ .‬ولكن ال يجب علينا الجري هنا وهناك‪ ،‬مثل‬
‫اإلوز البري‪ .‬نحن بحاجة إلى شخص يخبرنا بمن يجب مخاطبته‪ ،‬دلياًل ‪ ،‬محامًيا‪ ،‬محاًم ا‪ .‬آه!"‪ ،‬صاح‪،‬‬
‫"لقد تذكرته‪ ،‬نويل!"‬
‫رفعت كلير عينيها إلى عيني الكونت بدهشة‪.‬‬
‫"إنه ابني"‪ ،‬أجاب السيد دو كوماران بوضوح‪" ،‬االبن اآلخر أللبرت‪ .‬أفضل وأكرم الرجال"‪ ،‬أضاف‪،‬‬
‫يكرر عبارة قد قالها من قبل السيد دابيرون‪" .‬إنه محاٍم ‪ ،‬يعرف كل شيء عن الباليه‪ ،‬وسيخبرنا بما يجب‬
‫القيام به‪".‬‬

‫أثقل اسم نويل‪ ،‬الذي ُطرح في وسط هذه المحادثة المليئة باألمل‪ ،‬قلب كلير‪.‬‬

‫الحظ الكونت خوفها‪.‬‬

‫"ال تشعري بالقلق‪ ،‬يا طفلتي"‪ ،‬قال‪" ،‬نويل صالح وسأخبرك بالمزيد‪ ،‬إنه يحب ألبرت‪ .‬ال تهزي رأسك‬
‫هكذا‪ ،‬لقد قال لي نويل نفسه‪ ،‬في هذا المكان نفسه‪ ،‬أنه ال يعتقد أن ألبرت مذنب‪ .‬وأعلن أنه ينوي القيام‬
‫بكل شيء لتبديد الخطأ القاتل‪ ،‬وأنه سيكون محاميه‪".‬‬
‫لم تبد الشابة الصغيرة رضًا عن هذه األقوال‪ .‬فكرت في نفسها‪" :‬إذن‪ ،‬ما الذي فعله نويل من أجل‬
‫ألبرت؟" لكنها لم تعلق أي تعليق‪.‬‬

‫"سأرسل له"‪ ،‬واصل السيد دو كوماران‪" ،‬هو اآلن مع والدة ألبرت‪ ،‬التي ربته‪ ،‬والتي ترقد اآلن على‬
‫فراش الموت‪".‬‬

‫"والدة ألبرت!"‬

‫"نعم‪ ،‬يا طفلتي‪ .‬سيشرح لك ألبرت ما يمكن أن يبدو لك غامًض ا‪ .‬واآلن يتعين علينا اإلسراع‪".‬‬

‫توقف فجأة‪ .‬فكر في أنه‪ ،‬بدًال من إرسال نويل إلى منزل السيدة جيردي‪ ،‬يمكنه الذهاب إليه هو شخصًيا‪.‬‬
‫سيشاهد فاليري! ولقد شتمت رغبته في رؤيتها مراًرا وتكراًرا!‬

‫إنها إحدى تلك األفعال التي يحث عليها القلب‪ ،‬ولكنها ال يجرؤ عليها اإلنسان‪ ،‬ألن هناك آالف األسباب‬
‫والمصالح الدقيقة التي تتعارض معها‪.‬‬

‫يتمنى اإلنسان ويشتاق لها‪ ،‬ولكنه يكافح ويقاوم‪ .‬ولكن إذا تاحت الفرصة‪ ،‬يكون اإلنسان سعيًدا جًدا‬
‫لالستفادة منها؛ ليحصل بذلك على عذر يستخدمه لتسكين ضميره‪.‬‬

‫من خالل االستسالم لدفعات مشاعره‪ ،‬يمكن اإلنسان أن يقول‪" :‬لم أكن أريده‪ ،‬لكنها كانت القدرة‪".‬‬

‫"من الممكن أن يكون الذهاب إلى نويل أسرع"‪ ،‬الحظ الكونت‪" ،‬لننطلق‪ ،‬يا سيدي‪".‬‬

‫"ال أدري بالضبط‪ ،‬يا طفلتي"‪ ،‬قال السيد العجوز متردًدا‪" ،‬هل يمكنني أن أأخذك معي؟ هل ينبغي علي‬
‫فعل ذلك؟ اللياقة االجتماعية‪"...‬‬
‫"أها‪ ،‬يا سيدي‪ ،‬اللياقة االجتماعية ليس لها عالقة بهذا!" ردت كلير بنفسجيتها‪" .‬معك‪ ،‬ومن أجله‪،‬‬
‫يمكنني الذهاب إلى أي مكان‪ .‬أليس من الضروري أن أقدم بعض التوضيحات؟ فقط أرسل كلمة إلى‬
‫جدتي عن طريق شميدت‪ ،‬الذي سيعود هنا وينتظر عودتي‪ .‬أنا جاهزة‪ ،‬يا سيدي‪".‬‬

‫"حسنًا‪ ،‬إذًا"‪ ،‬قال الكونت‪.‬‬

‫ثم‪ ،‬بجرسه بعنف‪ ،‬استدعى الخادم‪" :‬عربتي‪".‬‬

‫عندما نزلوا الدرج‪ ،‬أصر الكونت على أن تأخذ كلير ذراعه‪ .‬ظهرت مجدًدا األدب واألناقة الرائعة‬
‫لصديق الكونت دارتوا‪.‬‬

‫"لقد أخذَت عشريَن عاًم ا من عمري"‪ ،‬قال‪" ،‬فمن الحق أن أكرس لك الشباب الذي أعادته إلي‪".‬‬
‫وبمجرد أن دخلت كلير العربة‪ ،‬قال للفرسان‪" :‬شارع السانت الزار‪ ،‬بسرعة!"‬
‫عندما يقول الكونت "بسرعة"‪ ،‬عند دخوله للعربة‪ ،‬يتعين على المشاة ترك الطريق‪ .‬لكن السائق كان‬
‫سائًقا ماهًر ا‪ ،‬ووصلوا دون حادث‪.‬‬
‫بمساعدة توجيهات الحارس‪ ،‬توجه الكونت والفتاة الصغيرة نحو شقة السيدة جيردي‪ .‬صعد الكونت‬
‫ببطء‪ ،‬متشبًثا بقوة بالحاجز‪ ،‬وكان يتوقع أن يراها مرة أخرى! كانت المشاعر تضغط على قلبه مثل‬
‫الفك‪.‬‬
‫"السيد نويل جيردي؟" سأل الخادم‪.‬‬
‫لقد خرج المحامي للتو‪ .‬لم تعرف إلى أين ذهب‪ ،‬لكنه قال إنه لن يكون خارًج ا أكثر من نصف ساعة‪.‬‬
‫"سننتظره‪ ،‬إذن"‪ ،‬قال الكونت‪.‬‬
‫تقدم‪ ،‬وانحرف الخادم ليمررهم‪ .‬لقد كان نويل قد منعها بشدة من قبول أي زائرين‪ ،‬لكن الكونت دو‬
‫كوماران كان واحًدا من الذين يجعلون الخدم ينسون كل أوامرهم عندما يظهرون‪.‬‬
‫كان ثالثة أشخاص في الغرفة التي قّد مهم الخادم للكونت وآنسة دارالنج‪ .‬كانوا الكاهن الرعوي‪،‬‬
‫والطبيب‪ ،‬ورجل طويل القامة‪ ،‬ضابط في جيش الشرف‪ ،‬وكانت مالمحه ومظهره يشيران إلى أنه‬
‫جندي قديم‪ .‬كانوا يتحدثون بالقرب من المدفأة‪ ،‬ويبدو أن وصول الغرباء أثار دهشتهم الشديدة‪.‬‬
‫عندما قام الجندي بتقديم كرسي آلنسة دارالنج؛ ترددوا في التحية‪ ،‬ولكن هذا التردد كان قصيًرا‪ ،‬حيث‬
‫عرض الجندي على الفور كرسًيا آلنسة دارالنج‪ .‬اعتبر الكونت وجوده في هذا الوقت غير مناسب‪،‬‬
‫وظن أنه مدعو لتقديم نفسه وشرح زيارته‪" .‬ستعذروني‪ ،‬سادتي‪ ،‬إذا كنُت غير متزن فيما سأقول‪ ،‬لم‬
‫أكن أعتقد أنني سأكون كذلك عندما طلبت االنتظار لنويل‪ ،‬الذي يحتاج إليه عندي بشدة‪ .‬أنا الكونت دو‬
‫كوماران"‪ .‬عند ذكر هذا االسم‪ ،‬ترك الجندي ظهر الكرسي الذي كان يمسكه‪ ،‬ورفع رأسه بغضب‪،‬‬
‫وظهر لمحة غاضبة في عينيه‪ ،‬وقام بإيماءة تهديد‪.‬‬
‫حركت شفتاه‪ ،‬كما لو كان سيتحدث‪ ،‬لكنه امتنع عن ذلك وانحنى برأسه إلى النافذة‪ .‬لم ينتبه الكونت أو‬
‫الرجالن اآلخران إلى سلوكه الغريب‪ ،‬لكن لم تفلت هذه الحادثة من انتباه كلير‪ .‬بينما جلست آنسة‬
‫دارالنج بصدمة بعض الشيء‪ ،‬توجه الكونت‪ ،‬الذي كان محرًجا جًدا‪ ،‬إلى الكاهن وسأل بصوت خافت‪:‬‬
‫"ما هي حالة السيدة جيردي‪ ،‬أرجوك؟" سمع الطبيب السؤال بأذن حادة‪ ،‬وتقدم بسرعة‪ .‬كان من دواعي‬
‫سروره أن يتحدث إلى شخص مشهور مثل الكونت دو كوماران وأن يتعرف عليه‪" .‬أخشى‪ ،‬سيدي‪،‬‬
‫أنها لن تعيش طوال اليوم"‪.‬‬
‫ضغط الكونت يده على جبينه‪ ،‬كما لو شعر بألم مفاجئ هناك‪ .‬تردد في االستفسار بشكل أكبر‪ .‬بعد لحظة‬
‫من الصمت البارد‪ ،‬قرر االستمرار‪" .‬هل تعرف أصدقاءها؟" همس‪.‬‬
‫"ال‪ ،‬سيدي‪ .‬منذ المساء الماضي‪ ،‬حدث تغيير كبير‪ .‬كانت غير مرتاحة طوال الليلة الماضية‪ :‬كانت‬
‫لديها لحظات من الهذيان الشديد‪ .‬قبل ساعة تقريًبا‪ ،‬ظننا أنها كانت تستعيد حواسها‪ ،‬وأرسلنا للسيد‬
‫الكاهن"‪.‬‬
‫"بال داٍع تماًم ا‪ "،‬أضاف الكاهن‪" ،‬وهذه مأساة حزينة‪ .‬لقد فقدت عقلها تماًم ا‪ .‬فقيرة المرأة! لقد عرفتها‬
‫منذ عشر سنوات‪ .‬لقد زرتها تقريًبا كل أسبوع؛ لم أعرف شخًص ا أكثر جدارة بالثناء"‪.‬‬
‫"يجب أن تعاني بشدة"‪ ،‬قال الطبيب‪.‬‬
‫تقريًبا في نفس اللحظة‪ ،‬وكأنها لتؤكد كالم الطبيب‪ ،‬سمعوا صرخات مكتومة من الغرفة المجاورة‪ ،‬التي‬
‫كان بابها مفتوًحا قليًال‪.‬‬
‫"هل تسمع؟" صاح الكونت‪ ،‬مرتجًفا من الرأس إلى القدمين‪.‬‬
‫لم تفهم كلير شيًئا من هذا المشهد الغريب‪ .‬ضغوط الحاضر الظالمية عليها؛ شعرت وكأنها محاصرة‬
‫في جو من الشر‪ .‬خافت‪ ،‬استيقظت من كرسيها‪ ،‬واقتربت من الكونت‪" .‬هي‪ ،‬أفترض‪ ،‬هناك؟" سأل‬
‫الكونت دو كوماران‪.‬‬
‫"نعم‪ ،‬سيدي"‪ ،‬أجاب الجندي القديم بصوت خشن‪ ،‬وقد اقترب هو اآلخر‪.‬‬
‫في أي وقت آخر‪ ،‬الحظ الكونت لهجة الجندي وكان سيستنكرها‪ ،‬لكنه لم يرفع حتى عينيه‪ .‬ظل ال يشعر‬
‫بأي شيء‪ .‬أليس هي هناك‪ ،‬بالقرب منه؟ كانت أفكاره في الماضي؛ بدا له وكأنها األمس القريب الذي‬
‫تركها فيه آلخر مرة‪" .‬أود أن أراها كثيًر ا"‪ ،‬قال بخجل‪" .‬ذلك مستحيل"‪ ،‬رد الجندي القديم بصوته‬
‫الخشن‪" .‬لماذا؟" تلعثم الكونت‪.‬‬
‫"على األقل‪ ،‬يا سيد دو كوماران"‪ ،‬رد الجندي‪" ،‬اتركها تموت في سالم"‪.‬‬
‫صدم الكونت كما لو كان قد تعرض للضرب‪ .‬التقت عيناه بعيني الضابط‪ ،‬ثم خفضهما كمجرم أمام‬
‫قاضيه‪.‬‬
‫"ال شيء يمنع دخول الكونت إلى غرفة السيدة جيردي"‪ ،‬قال الطبيب الذي لم يَر في قصة كل هذا شيًئا‪.‬‬
‫"ربما لن تالحظ وجوده‪ ،‬وإذا ‪"...‬‬
‫"أوه‪ ،‬لن تشعر بشيء!" قال الكاهن‪" .‬لقد تحدثت معها للتو‪ ،‬وأخذت يدها‪ ،‬وظلت بال وعي"‪.‬‬
‫تفكر الجندي القديم بعمق‪.‬‬
‫"ادخل"‪ ،‬قال أخيًر ا للكونت‪" ،‬ربما هذه هي إرادة هللا"‪.‬‬
‫ابتعد الكونت بال حراك‪ ،‬لدرجة أن الطبيب عرض عليه المساعدة‪ .‬لكنه وضع يده بلطف‪.‬‬
‫دخل الطبيب والكاهن معه‪ ،‬وبقيت كلير والجندي القديم عتبة الباب‪ ،‬يواجهان السرير‪.‬‬
‫خطى الكونت ثالثة أو أربعة خطوات‪ ،‬واضطر للتوقف‪ .‬أراد الذهاب أبعد‪ ،‬لكنه لم يستطع‪.‬‬
‫هل يمكن أن تكون هذه النساء المحتضرة فعًال فاليري؟‬
‫قام بمحاسبة ذاكرته بشدة؛ لم يجد أي شيء في تلك السمات المتقدمة في العمر‪ ،‬ال شيء في تلك الوجوه‬
‫المشوهة‪ ،‬يستحضر فاليري الجميلة‪ ،‬العزيزة عليه في شبابه‪ .‬لم يتعرف عليها‪.‬‬
‫ولكنها عرفته‪ ،‬أو باألحرى تخمنت وجوده‪ .‬بقوة خارقة‪ ،‬رفعت نفسها‪ ،‬وكشفت كتفيها وذراعيها‬
‫النحيلة؛ ثم دفعت الجليد عن جبينها‪ ،‬ورمت شعرها الكثيف الذي ال يزال مبلاًل بالماء والعرق‪،‬‬
‫وصاحت‪" :‬غي! غي!"‪.‬‬
‫ارتجف الكونت بكل جسده‪.‬‬
‫لم يالحظ ما لفت االنتباه على الفور لجميع األشخاص اآلخرين الموجودين ‪ -‬التحول في حالة المرأة‬
‫المريضة‪ .‬تراخت مالمحها المتعرجة‪ ،‬انتشرت بها فرحة سماوية‪ ،‬وتحولت عيناها‪ ،‬التي غمرتها‬
‫المرض‪ ،‬إلى تعبير عن حنان ال نهاية له‪.‬‬
‫"غي"‪ ،‬قالت بصوت يقطع القلب بحالوته‪" ،‬لقد جئت أخيًر ا! يا إلهي‪ ،‬كم انتظرتك! ال يمكنك التفكير‬
‫في ما عانيته من غيابك‪ .‬كنت سأموت من الحزن لوال األمل في رؤيتك مجدًدا‪ .‬من منعك عني؟ هل‬
‫والداك مرة أخرى؟ كم هم قاسيان! ألم تخبرهم أن أحًدا ال يمكنه أن يحبك في هذه الحياة كما أفعل أنا؟‬
‫ال‪ ،‬ليس هذا هو السبب‪ ،‬أتذكر‪ .‬كنت غاضًبا عندما تركتني‪ .‬أراد أصدقاؤك فصلنا؛ قالوا إنني أخونك مع‬
‫شخص آخر‪ .‬من أذيت حتى أصبح لدي الكثير من األعداء!‬
‫كانوا يحسدون سعادتي؛ وكنا سعداء جًدا! لكنك لم تصدق االفتراء الشرير‪ ،‬لقد احتقرته‪ ،‬أليس كذلك؟"‬
‫فتحت الراهبة التي قامت عندما رأت عدًدا كبيًر ا من األشخاص يدخلون غرفة المريضة عينيها بدهشة‪.‬‬
‫"أخونك؟" استمرت المرأة المحتضرة‪" ،‬فقط مجنون يصدق ذلك‪ .‬أليست لي‪ ،‬لحميعي‪ ،‬قلب وروح؟‬
‫بالنسبة لي‪ ،‬أنت كل شيء‪ ،‬وال شيء يمكن أن أتوقعه أو أأمله من آخر قدمته لي بالفعل‪ .‬أليست لي‬
‫وحدي‪ ،‬منذ البداية؟ لم أتردد لحظة في تقديم نفسي بأكملها لك؛ شعرت أنني ُو لدت من أجلك‪ ،‬يا غي‪،‬‬
‫هل تتذكر؟ كنت أعمل لصانعة الدانتيل‪ ،‬وكانت أرزاقنا ضعيفة‪.‬‬
‫قلت لي أنك طالب فقير‪ ،‬فظننت أنك تحرم نفسك من أجلي‪ .‬أصررت على تزيين شقتنا الصغيرة على‬
‫كواي سانت ميشيل‪ .‬كانت جميلة‪ ،‬مع الورق الجديد المغطى بالزهور‪ ،‬التي علقناها أنفسنا‪ .‬كانت أيام‬
‫سعيدة! في المرة األولى التي خرجنا فيها إلى الريف مًعا‪ ،‬في يوم األحد‪ ،‬جئتني بفستان أجمل مما كنت‬
‫أحلم به‪ ،‬وحذاء صغير جميل‪ ،‬كان من الخجل المشي به! لكنك خدعتني! لم تكن طالًبا فقيًر ا‪ .‬في يوم من‬
‫األيام‪ ،‬وأنا أحمل عملي إلى المنزل‪ ،‬قابلتك في عربة أنيقة‪ ،‬مع خدم مرتفعين‪ ،‬يرتدون لباًسا مطرًز ا‬
‫بالذهب‪ .‬لم أستطع أن أصدق عيني‪ .‬في تلك الليلة‪ ،‬أخبرتني الحقيقة‪ ،‬أنك نبيل وغني بشكل هائل‪ .‬يا‬
‫حبيبي‪ ،‬لماذا أخبرتني؟"‬
‫هل كان عقلها سليًم ا‪ ،‬أم كان هذا مجرد هذيان؟‬
‫تدحرجت دموع كبيرة على وجه الكونت دي كوماران المتجاعز في السن‪ ،‬وتأثر الطبيب والكاهن من‬
‫هذا المشهد الحزين لرجل عجوز يبكي مثل طفل‪.‬‬
‫فقط في المساء السابق‪ ،‬كان الكونت يعتقد أن قلبه قد مات؛ واآلن كان هذا الصوت الشديد النفوذ كافًيا‬
‫الستعادة المشاعر الشابة الجديدة والقوية‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬كم من السنين مرت منذ ذلك الحين!‬
‫"بعد ذلك"‪ ،‬استمرت السيدة جيردي‪" ،‬غادرنا كواي سانت ميشيل‪ .‬أردته‪ ،‬وأطاعت‪ ،‬على الرغم من‬
‫مخاوفي‪ .‬قلت لي‪ ،‬أنه إلرضائك‪ ،‬يجب أن أبدو كسيدة كبيرة‪ .‬قدمت لي معلمين‪ ،‬لكوني جاهلة لدرجة‬
‫أنني بالكاد أعرف كيفية توقيع اسمي‪ .‬هل تتذكر التهجئة الغريبة في رسالتي األولى؟ يا غي‪ ،‬لو كنت‬
‫فعال طالبا فقيرا! عندما علمت أنك غني جًدا‪ ،‬فقدت بساطتي وسذاجتي وبهجتي‪ .‬خفت أن تعتقد أني‬
‫طامعة‪ ،‬أن تتصور أن ثروتك تؤثر على حبي‪ .‬يجب أن يكون الرجال مثلك‪ ،‬الذين لديهم ماليين‪ ،‬غير‬
‫سعداء! يجب أن يشككوا ويكونوا مليئين بالشكوك‪ ،‬وال يمكنهم أن يكونوا متأكدين ما إذا كانوا هم أنفسهم‬
‫أم ثرواتهم التي يتم حبها‪ ،‬وهذا الشك الرهيب يجعلهم مشبوهين وغيورين وقاسيين‪.‬‬
‫يا حبيبي‪ ،‬لماذا تركنا غرفتنا الصغيرة الجميلة؟ هناك كنا سعداء‪ .‬لماذا لم تتركني دائًم ا حيث وجدتني‬
‫أول مرة؟ ألم تعرف أن رؤية السعادة تزعج البشر؟ لو كنا حكماء‪ ،‬ألخفينا سعادتنا مثل الجريمة‪.‬‬
‫اعتقدت أن ترفعني‪ ،‬ولكنك جعلتني أنزل‪ .‬كنت فخوًر ا بحبنا؛ نشرته علًنا‪ .‬طلبت منك بشفقة أن تتركني‬
‫في الظالل‪ ،‬وغير معروفة‪ .‬قريًبا عرفت البلدة بأني عشيقتك‪.‬‬
‫كان الجميع يتحدثون عن المال الذي أنفقته علي‪ .‬كيف احمرت من الفخامة الفاضحة التي فرضتها علي‪.‬‬
‫كنت راضًيا‪ ،‬ألن جمالي أصبح مشهوًر ا؛ لكني بكيت ألن عاريتي أصبحت مشهورة أيًضا‪ .‬تحدث‬
‫الناس عني كنساء يدفعن عشاقهن الرتكاب أكبر الحماقات‪ .‬هل لم يكن اسمي في الصحف؟‬
‫وكان من خالل نفس الصحف التي سمعت من خاللها عن زواجك المقبل‪ .‬امرأة بائسة! كان يجب أن‬
‫أهرب منك‪ ،‬لكن لم يكن لدي الشجاعة‪ .‬استسلمت‪ ،‬دون جهد‪ ،‬ألكثر المواقف المذلة والمخجلة‪ .‬كنت‬
‫معشوقتك‪ ،‬ولكن زوجتك ماتت‪ .‬رأيتها مرة واحدة فقط‪ ،‬ولكنها نظرت إليك‪ ،‬وعرفت أنها تحبك كما ال‬
‫يستطيع أحد آخر‪ .‬يا غي‪ ،‬كان حبنا هو الذي قتلها!"‬
‫توقفت المدام د'أرالنج مرهقة‪ ،‬لكن لم يتحرك أي من المتفرجين‪ .‬استمعوا بحماسة شديدة‪ ،‬وانتظروا‬
‫بعاطفة مفتوحة لها لتستأنف كالمها‪ .‬لم تكن اآلنسة د'أرالنج بقوة للبقاء واقفة؛ فقد سقطت على ركبتيها‪،‬‬
‫وكانت تضغط منديلها على فمها لكبح نحيبها‪ .‬أليست هذه المرأة والدة آلبير؟‬

‫كانت الراهبة الصالحة وحيدة غير متأثرة؛ فقد رأت‪ ،‬كما قالت لنفسها‪ ،‬العديد من هذه الهذيانات من‬
‫قبل‪ .‬لم تفهم شيئًا مطلقًا مما يجري‪.‬‬
‫"هؤالء الناس أغبياء جدًا"‪ ،‬همست‪" ،‬إليالء اهتمام كبير لجنون شخص خارج عن ذهنه"‪ .‬ظنت أن‬
‫لديها أكثر من الحس السليم من اآلخرين‪ ،‬فتقدمت نحو السرير‪ ،‬وبدأت في تغطية المرأة المريضة‪.‬‬

‫"تعالي‪ ،‬سيدتي"‪ ،‬قالت‪" ،‬غطي نفسك‪ ،‬أو سوف تصابين بالبرد"‪" .‬أخت!"‪ ،‬عاتب الطبيب والكاهن في‬
‫نفس الوقت‪" .‬من فضلك!"‪ ،‬صرخ الجندي‪" ،‬دعيها تتحدث"‪.‬‬
‫"من"‪ ،‬استمرت المريضة‪ ،‬غير واعية بكل ما يجري حولها‪" ،‬من قال لك أنني أخدعك؟ يا اللعينة! لقد‬
‫وضعوا جواسيس علّي ؛ اكتشفوا أن ضابطًا كان يأتي لزيارتي بانتظام‪ .‬ولكن ذلك الضابط كان أخي‪،‬‬
‫العزيز لويس! عندما كان عمره ثمانية عشر عاًم ا‪ ،‬ولم يتمكن من العثور على عمل‪ ،‬التحق بالجيش‪،‬‬
‫قائًال ألمي‪ ،‬إنه سيكون هناك فم واحد أقل في األسرة‪ .‬كان جنديًا جيدًا‪ ،‬وكان ضباطه يحبونه دائمًا‪ .‬كان‬
‫يعمل أثناء خدمته؛ كان يعلم نفسه‪ ،‬وارتقى بسرعة في الرتبة‪ .‬تم ترقيته إلى رتبة مالزم‪ ،‬ثم كابتن‪،‬‬
‫وأصبح في النهاية رائدًا‪.‬‬
‫كان لويس يحبني دائمًا؛ ولو أنه بقي في باريس‪ ،‬لما سقطت‪ .‬ولكن والدتنا توفيت‪ ،‬وتركتني وحيدة في‬
‫هذه المدينة الكبيرة‪ .‬كان ضابًطا من الرتبة الدنيا عندما علم ألول مرة أن لدي عشيًقا‪ ،‬وكان غاضًبا‬
‫لدرجة أنني خائنة‪ .‬لكنه سامحني‪ ،‬قائًال إن ثباتي في خطئي هو العذر الوحيد‪ .‬أه‪ ،‬يا صديقي‪ ،‬كان أكثر‬
‫حسًدا لشرفك منك نفسك! جاء ليزورني سًر ا‪ ،‬ألنني وضعته في موقف محرج للغاية بسببي‪ .‬كنت قد‬
‫حكمت على نفسي بأال أتحدث عنه‪ ،‬أبًدا‪ ،‬أو أذكر اسمه‪.‬‬
‫هل يمكن لجندي شجاع أن يعترف بأن أخته هي عشيقة الكونت؟ كانت االحتياطات التي اتخذتها قصد‬
‫عدم الكشف عن ذلك‪ ،‬لألسف‪ ،‬فقط لتجعلك تشك في صدقي‪ .‬عندما علم لويس ما يقال‪ ،‬أراد في غضبه‬
‫األعمى أن يتحداك؛ وكان علّي أن أجعله يعتقد أنه ليس له الحق في الدفاع عني‪ .‬يا لألسف! إنني دفعت‬
‫ثمنًا باهًظا لسنوات سعادتي المسروقة! لكنك هنا‪ ،‬وكل شيء نسي‪ .‬فأنت تؤمن بي‪ ،‬أليس كذلك‪ ،‬غي؟‬
‫سأكتب إلى لويس؛ فسيأتي‪ ،‬وسيخبرك أنني ال أكذب‪ ،‬وال يمكنك أن تشك في كلمة جندي"‪.‬‬
‫"نعم‪ ،‬بشرفي"‪ ،‬قال الجندي القديم‪" ،‬ما تقوله أختي هو الحقيقة"‪.‬‬
‫لم تسمع المريضة المحتضرة كالمه؛ فتابعت بصوت ينتفض من التعب‪" :‬كيف ينعشني وجودك‪ .‬أشعر‬
‫بأني أصبحت أقوى‪ .‬كنت على وشك أن أصاب بمرض شديد‪ .‬أخشى أنني لست جميلة اليوم‪ ،‬لكن ال‬
‫يهم‪ ،‬قّبلني!" ففتحت ذراعيها وأطلقت شفتيها كأنها تريد تقبيله‪.‬‬
‫"لكن على شرٍط واحد‪ ،‬جاي‪ ،‬أن تترك لي طفلي؟ يا له من كالم‪ ،‬أترجاك‪ ،‬أتوسل إليك بأن ال تأخذه‬
‫مني؛ دعه يكون معي‪ .‬ما هي األم بدون طفلها؟ أنت تريد أن تمنحه اسًم ا مشهوًرا وثروًة هائلة‪ .‬ال!‬
‫تقول لي إن هذا التضحية ستكون من أجل مصلحته‪ .‬ال! طفلي هو لي‪ ،‬سأحتفظ به‪ .‬ال يوجد شرف أو‬
‫ثروة في العالم يمكن أن تحل محل حب األم‪ .‬أنت تريد أن تعطيني بدًال منه‪ ،‬طفل امرأة أخرى‪ .‬ال أبًدا!‬
‫ماذا؟ أتريد أن تجعل تلك المرأة تعانق طفلي؟ هذا مستحيل‪ .‬خذ هذا الطفل الغريب مني‪ ،‬فهو يمألني‬
‫بالرعب‪ ،‬أريد طفلي الخاص! أه‪ ،‬ال تصر‪ ،‬ال تهددني بالغضب‪ ،‬ال تتركني‪ .‬سأستسلم‪ ،‬ثم سأموت‪.‬‬
‫جاي‪ ،‬انَس هذا الخطر القاتل‪ ،‬فكرته وحدها جريمة‪ .‬أال يمكن لصلواتي ودموعي أن تؤثر عليك شيًئا؟‬
‫أه‪ ،‬حسًنا‪ ،‬هللا سيعاقبنا‪ .‬سيتم اكتشاف كل شيء‪ .‬سيأتي اليوم الذي سيطالب فيه هؤالء األطفال بمحاسبة‬
‫مرعبة‪ .‬جاي‪ ،‬أستشرت المستقبل‪ ،‬أرى ابني يتجه نحوي‪ ،‬غاضًبا بحق‪ .‬ماذا يقول‪ ،‬يا إلهي العظيم!‬
‫أوه‪ ،‬تلك الرسائل‪ ،‬تلك الذكريات الحلوة لحبنا! ابني‪ ،‬هو يهددني! يضربني! أه‪ ،‬ساعدني! ابن يضرب‬
‫أمه‪ .‬ال تخبر أحًدا بهذا‪ ،‬على الرغم من ذلك‪ .‬يا إلهي‪ ،‬ما هذا العذاب! لكنه يعلم جيًدا أنني أمه‪ ،‬ويتظاهر‬
‫بعدم تصديقي‪ .‬يا رب‪ ،‬هذا أمٌر مفرٌط! جاي‪ ،‬اعُف عّني‪ ،‬يا صديقي الوحيد! ليس لدي قوة للمقاومة‪،‬‬
‫وال شجاعة لالنصياع ألمرك‪".‬‬
‫في هذه اللحظة‪ُ ،‬فِتَح باب الغرفة المؤدي إلى السلم‪ ،‬وظهر نويل‪ ،‬شاحًبا كالعادة‪ ،‬لكنه هادئ ومتماسك‪.‬‬
‫رأته المريضة المحتضرة‪ ،‬وأثر الرؤية عليها كصعقة كهربائية‪ .‬هّز تها ارتجافات شديدة‪ ،‬وتحّجرت‬
‫عيناها‪ ،‬وبدت شعرها وكأنه يقف على نهايته‪ .‬رفعت نفسها على وسادتها‪ ،‬ومدت يدها في اتجاه نويل‪،‬‬
‫وصاحت بصوت عاٍل ‪" :‬قاتل!" ثم انهارت على الفور على الفراش‪ ،‬وتوفيت‪.‬‬
‫سادت صمت عميق‪.‬‬
‫هذه هي عظمة الموت والرعب الذي يرافقه‪ ،‬بحيث حتى أقوى األشخاص وأكثرهم تشكيًك ا ينحنون‬
‫رؤوسهم في حضوره‪.‬‬
‫وفي تلك األوقات‪ ،‬يتم نسيان العواطف والمصالح‪ .‬ونجد أنفسنا‪ ،‬بشكل ال إرادي‪ ،‬نتقارب مًعا‪ ،‬عندما‬
‫يفارق أحد أصدقائنا األرض في حضورنا‪.‬‬
‫تأّثر جميع الحاضرين بشدة من هذه المشاهد المؤلمة‪ ،‬وهذا االعتراف األخير‪ ،‬الذي تم سحبه كأنه‬
‫مرض الهذيان‪.‬‬
‫ولم يفاجئ أحد الكلمة األخيرة التي نطقت بها السيدة جيردي‪" ،‬قاتل"‪.‬‬
‫وكان الجميع‪ ،‬باستثناء الراهبة‪ ،‬يعلمون باالتهام الرهيب الذي ُو جه ضد ألبرت‪.‬‬
‫وعليه وقعت شماتة األم المؤسفة‪.‬‬
‫بدا نويل كمن يعاني من القلب المحطم‪ ،‬وهو يركع بجانب فراش النائمة التي كانت والدته الروحية‪،‬‬
‫ويأخذ إحدى يديها ويضغطها على شفتيه بحزن شديد‪ ،‬ويصرخ‪" :‬ماتت! إنها ماتت!"‪.‬‬

‫ونائبة الراهبة والكاهن يركعان بجواره‪ ،‬ويكررون بصوت منخفض صلوات الرحمة على روح‬
‫المتوفاة‪ ،‬ويتضرعون إلى هللا أن يرزقها رحمته وسالمه‪ ،‬وأن يجعلها سعيدة في الجنة بعدما عانت‬
‫كثيرًا في الدنيا‪.‬‬

‫وفي نفس الوقت‪ ،‬كان الكونت دو كومارين‪ ،‬الذي كان يحبها في السابق‪ ،‬مهزومًا وشاحبًا أكثر من هذه‬
‫النساء الميتة‪ .‬وتسارع كلير والطبيب لمساعدته‪ ،‬وفكوا ربطة العنق ونزعوا طوق القميص عنه‪ ،‬ألنه‬
‫كان يشعر باالختناق‪ .‬وبمساعدة الجندي القديم‪ ،‬الذي كانت عيناه الحمراوتان والممزوجتان بالدموع‬
‫تحكي عن الحزن الذي يكبته‪ ،‬نقلوا كرسي الكونت إلى النافذة المفتوحة ليتنفس قليًال من الهواء‪ .‬قبل‬
‫ثالثة أيام‪ ،‬لن يكون قادرًا على مشاهدة هذه المأساة‪ .‬ولكن القلب يتحجر بسبب الحزن‪ ،‬تمامًا كما تتقّوى‬
‫األيادي بالعمل‪.‬‬
‫"إن دموعه أنقذته"‪ ،‬همس الطبيب إلى كلير‪.‬‬
‫تدريجيًا‪ ،‬تعافى الكونت دو كومارين‪ ،‬وعادت أفكاره إلى وضعها الطبيعي‪ ،‬وعادت معها معاناته‪.‬‬
‫فاإلرهاق واإلحباط هما العواقب الطبيعية لصدمات العقل الكبيرة‪ ،‬ويبدو أن الطبيعة تجمع قواها لتحمل‬
‫البالء‪ .‬وليس من الطبيعي أن نشعر بكامل شدة األلم مرة واحدة‪ ،‬ولكننا ندرك حجم األذى وعمقه الحقًا‪.‬‬
‫وكانت عينا الكونت متجهتين إلى الفراش الذي ترقد عليه جثة فاليري‪ ،‬فهناك كانت كل ما تبقى منها‪.‬‬
‫فالروح‪ ،‬تلك الروح المخلصة والرقيقة‪ ،‬قد غادرت‪ .‬ماذا كان سيفعل لو أعاد هللا تلك المرأة المسكينة‬
‫إلى الحياة ليوم واحد‪ ،‬أو حتى لساعة واحدة؟ كيف سيتوّج ه بالتوبة إلىرجلتها‪ ،‬ليطلب مغفرتها‪ ،‬ويخبرها‬
‫بكم يكره ماضيه؟ كيف سيعترف بحب تلك المالك الذي لم ينضب؟ على سبيل الشك ودون التحقق‪،‬‬
‫ودون إعطائها فرصة للدفاع عن نفسها‪ ،‬قام بمعاملتها باالزدراء البارد‪ .‬لماذا لم يعود ليراها مرة‬
‫أخرى؟ لو فعل ذلك‪ ،‬لكان قد تجّنب عشرين عاًم ا من الشك حول والدة ألبرت‪ ،‬ولكان قادًرا على العيش‬
‫في سعادة وفرح‪.‬‬
‫ثم تذّك ر وفاة الكونتيسة‪ ،‬التي كانت تحّبه أيًض ا‪ ،‬وتوفيت بسبب حّبها له‪ .‬لم يفهمهما‪ ،‬بل قتلهما جميًعا‪.‬‬

‫وجاءت ساعة التكفير‪ ،‬ولم يكن بإمكانه أن يقول‪" :‬يا رب‪ ،‬العقوبة شديدة جًدا"‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ما هي‬
‫العقوبة والمصائب التي حّلت عليه خالل الخمسة أيام الماضية!‬

‫"نعم"‪ ،‬تلعثم‪" ،‬تنّبأت بها‪ .‬لماذا لم أستمع لها؟"‬

‫تعاطف شقيق السيدة جيردي مع الرجل العجوز الذي تعّر ض لمحنة قاسية‪ .‬وقّد م له يده قائًال‪" :‬السيد دو‬
‫كومارين‪ ،‬تغفر لك أختي منذ زمن بعيد‪ ،‬حتى إن كانت قد شعرت بأي مشاعر سلبية تجاهك‪ .‬اآلن حان‬
‫دوري؛ أنا أغفر لك بصدق‪".‬‬

‫"شكًر ا لك يا سيدي"‪ ،‬همس الكونت بصوت خافت‪" ،‬شكًر ا لك!" ثم أضاف‪" :‬ما هذا الموت؟"‬

‫"نعم"‪ ،‬همست كلير‪" ،‬فقد أطلقت أنفاسها األخيرة متصورة أن ابنها مذنب في جريمة‪ ،‬ولم نكن قادرين‬
‫على تصحيح اعتقادها‪".‬‬
‫"على األقل"‪ ،‬صاح الكونت‪" ،‬يجب أن يكون ابنها حًر ا ليؤدي واجب الوداع األخير لوالدته‪ .‬نعم‪ ،‬يجب‬
‫عليه ذلك‪ .‬نويل!"‬

‫اقترب المحامي من والده وسمع كل شيء‪" .‬لقد وعدتك‪ ،‬يا أبي‪ ،‬بإنقاذه"‪ ،‬أجاب‪.‬‬

‫للمرة األولى‪ ،‬كانت اآلنسة دارالنج ونويل يواجهان بعضهما البعض‪ .‬التقت عيونهما‪ ،‬ولم تتمالك اآلنسة‬
‫دارالنج حركة االشمئزاز التي الحظها المحامي‪.‬‬

‫"ألبرت قد تم إنقاذه بالفعل"‪ ،‬قالت بفخر‪" ،‬ما نطلبه هو تحقيق العدالة الفورية له‪ ،‬وأن يتم إطالق‬
‫سراحه على الفور‪ .‬فالقاضي اآلن يعرف الحقيقة"‪.‬‬

‫"الحقيقة؟" صاح المحامي‪.‬‬

‫"نعم؛ إن ألبرت مّر عندي في المساء الذي ارتكبت فيه الجريمة"‪ ،‬أجابت اآلنسة دارالنج‪.‬‬

‫نظر نويل إليها بدهشة؛ فإفصاح بلسانها المثير للدهشة دون تفسير قد يثير دهشته‪.‬‬

‫وقفت اآلنسة دارالنج بكبرياء‪.‬‬

‫"أنا اآلنسة كلير دارالنج‪ ،‬سيدي"‪ ،‬قالت‪.‬‬

‫ثم‪ ،‬قام الكونت دو كومارين باإلشارة إلى جميع األحداث التي ذكرتها كلير‪.‬‬

‫عندما انتهى‪ ،‬أجاب نويل‪" :‬ترى يا سيدي‪ ،‬موقفي اآلن‪ ،‬غًدا‪"...‬‬

‫"غًدا؟" قاطع الكونت‪" ،‬قلت‪ ،‬أعتقد‪ ،‬غًدا! تتطلب الشرف‪ ،‬سيدي‪ ،‬أن نتصرف اآلن‪ ،‬في هذه اللحظة‪.‬‬
‫يمكنك أن تظهر حبك لهذه المرأة الفقيرة بشكل أفضل من خالل تسليم ابنها بدًال من الصالة من أجلها"‪.‬‬
‫انحنى نويل بشدة‪.‬‬
‫"سماع رغبتك‪ ،‬يعني ‪ ،"obéissance‬قال‪" ،‬أنا ذاهب‪ .‬في هذا المساء‪ ،‬في منزلك‪ ،‬سوف أشرفك على‬
‫النتائج التي توصلت إليها‪ .‬ربما يكون بإمكاني أن أحضر ألبرت معي"‪.‬‬
‫تحدث‪ ،‬وبعد أن عانق المرأة الميتة مرة أخرى‪ ،‬خرج‪ .‬وسرعان ما انسحب الكونت واآلنسة دارالنج‬
‫أيًضا‪.‬‬
‫ذهب الجندي القديم إلى رئيس البلدية لإلعالن عن الوفاة والوفاء باإلجراءات الالزمة‪.‬‬
‫ظلت الراهبة وحيدة‪ ،‬في انتظار الكاهن الذي وعد به الكاهن الرئيسي بإرساله لمراقبة الجثة‪ .‬لم تشعر‬
‫ابنة سانت فنسنت بالخوف أو اإلحراج‪ ،‬إذ كانت في مواقف مماثلة كثيرة‪ .‬بعدما أنهت صلواتها‪ ،‬قامت‬
‫وتجولت في الغرفة‪ ،‬ترتيب كل شيء كما ينبغي في وجود الموت‪ .‬قامت بإزالة كل آثار المرض‪،‬‬
‫وحجزت زجاجات الدواء‪ ،‬وحرقت بعض السكر على مجرفة النار‪ ،‬ووضعت على طاولة مغطاة‬
‫بقماش أبيض عند رأس السرير بعض الشموع المضاءة‪ ،‬وصليب مع ماء مقدس‪ ،‬وفرع نخلة‪.‬‬
‫الفصل ‪17‬‬

‫كان السيد دابورون على إرتباك شديد وحيرة بعد كشف اآلنسة دارالنج‪ ،‬وهو يصعد الدرج الذي يؤدي‬
‫إلى مكاتب القضاة المحققين‪ ،‬عندما رأى العجوز تاباريه يتجه نحوه‪ .‬فرح السيد دابورون برؤيته‪،‬‬
‫وبادله التحية فوًر ا‪" :‬السيد تاباريه!"‬
‫لكن العجوز الذي كان يظهر عليه عالمات من اإلضطراب الشديد‪ ،‬لم يكن مستعدًا للتوقف أو لضياع‬
‫دقيقة واحدة‪.‬‬
‫"يجب أن تسامحني‪ ،‬سيدي"‪ ،‬قال‪ ،‬ميالن رأسه‪" ،‬لكنهم ينتظرونني في المنزل‪" ".‬أتمنى‪ ،‬مع ذلك‪"...‬‬
‫"أوه‪ ،‬إنه بريء"‪ ،‬قاطعه العجوز تاباريه‪" ،‬لدي بعض األدلة بالفعل‪ ،‬وقبل ثالثة أيام‪ ...‬لكنك ذاهب‬
‫لرؤية رجل جيفرول الذي يرتدي األقراط‪ .‬جيفرول ذكي جًدا؛ لقد قدرته بشكل خاطئ‪".‬‬
‫ومن دون اإلستماع لكلمة أخرى‪ ،‬سارع العجوز بعيدًا‪ ،‬وهو يقفز على ثالث درجات في كل مرة‪ ،‬على‬
‫خطر كسر عنقه‪.‬‬
‫كان السيد دابورون خائًبا ومنزعًج ا بشدة‪ ،‬وسارع هو اآلخر‪.‬‬
‫في الممر‪ ،‬على مقعد خشبي خشن أمام باب مكتبه‪ ،‬كان ألبرت ينتظره‪ ،‬تحت حراسة جارد دو باريس‪.‬‬
‫"ستستدعى على الفور‪ ،‬سيدي"‪ ،‬قال القاضي للمتهم‪ ،‬وهو يفتح باب مكتبه‪.‬‬
‫في المكتب‪ ،‬كان كونستان يتحدث مع رجل نحيف صغير‪ ،‬الذي ربما كان مواطًنا ثرًيا من باتينيول‪ ،‬لو‬
‫لم يكن للدبوس الضخم المصنوع من الذهب المزيف الذي كان يلمع في ربطة عنقه ويفضحه كمحقق‪.‬‬
‫"هل تلقيت رسائلي؟" سأل السيد دابورون كاتبه‪.‬‬
‫"لقد تم تنفيذ أوامرك‪ ،‬سيدي‪ .‬المتهم في الخارج‪ ،‬وهنا مونسيور مارتن‪ ،‬الذي وصل للتو من محيط‬
‫الجيش الشريف‪".‬‬

‫"جيد جًدا"‪ ،‬قال القاضي بصوت راٍض‪ .‬ثم‪ ،‬متجًها نحو المحقق‪" ،‬حسًنا‪ ،‬مونسيور مارتن"‪ ،‬سأل‪" ،‬ما‬
‫الذي رأيته؟"‬
‫"تم تسلق الجدران‪ ،‬سيدي"‪ ،‬قال المحقق‪.‬‬
‫"مؤخًرا؟"‬
‫"منذ خمسة أو ستة أيام"‪.‬‬
‫"هل أنت متأكد من ذلك؟"‬
‫"بنفس درجة تأكدي من رؤيتي للسيد كونستان يصلح قلمه في هذه اللحظة‪ ،‬سيدي"‪ ،‬أجاب مارتن‪.‬‬
‫"العالمات واضحة جًدا؛ إذا سمحت لي بهذا التعبير‪ .‬دخل اللص ‪ -‬أعتقد أنه كان لًص ا ‪ -‬الحديقة قبل‬
‫األمطار ورحل بعدها‪ ،‬كما كنت قد توقعت‪ .‬من السهل تحديد هذه الظروف عن طريق دراسة العالمات‬
‫على حائط الصعود والنزول من جهة الشارع‪ .‬هذه العالمات تتكون من عدة خدوش‪ُ ،‬أحدثت بوضوح‬
‫بواسطة أقدام الشخص الذي صعد الحائط‪ .‬الخدوش األولى نظيفة‪ ،‬واألخرى طينية‪ .‬اللص ‪ -‬الذي كان‬
‫رشيًقا ‪ -‬استخدم قوة معصميه لتسلق الحائط عند دخوله‪ ،‬ولكنه عند مغادرته‪ ،‬استخدم سلًم ا‪ ،‬الذي رماه‬
‫بمجرد وصوله إلى قمة الحائط‪ .‬يمكن رؤية مكان وضعه في األرض بواسطة الثقوب التي تركها وزن‬
‫اللص‪ ،‬وكذلك بالمالط الذي تم تهشيمه من أعلى الحائط‪".‬‬
‫"هل هذا كل شيء؟" سأل القاضي‪.‬‬
‫"ال بعد‪ ،‬سيدي‪ .‬تمت إزالة ثالث قطع زجاجية تغطي قمة الحائط‪ .‬تم لف عدة فروع من شجر األكاسيا‬
‫الذي يمتد فوق الحائط أو كسره‪ .‬عثرت على هذه القطعة الصغيرة من قماش السويدي الالفندر‪ ،‬والتي‬
‫يبدو لي أنها تنتمي إلى قفاز‪".‬‬
‫أمسك القاضي القطعة من قماش السويدي بشغف‪ .‬بالتأكيد كانت قد نزلت من قفاز‪.‬‬

‫"أتمنى أن تكون حرصت على عدم جذب االنتباه‪ ،‬مونسيور مارتن"‪ ،‬قال القاضي دابورون‪" ،‬في‬
‫المنزل الذي قمت بالتحقيق فيه؟"‬
‫"بالتأكيد‪ ،‬سيدي‪ .‬في البداية فحصت الجدار الخارجي بتمعن‪ .‬بعد ذلك‪ ،‬تركت قبعتي في محل للنبيذ في‬
‫الزاوية‪ ،‬وزرت منزل الماركيزة دارالنج‪ ،‬متظاهًر ا بأنني خادمة لدوقة جارية‪ ،‬تائهة بعد فقدان طائر‬
‫الببغاء المفضل لها‪ ،‬وإنني‪ ،‬إذا سمحت لي بهذا التعبير‪ ،‬كنت مقنعة في كالمي‪ .‬تم منحي إذًنا كريًم ا‬
‫الستكشاف الحديقة؛ ونظًر ا ألنني تحدثت عن سيدتي المزيفة بأسوأ األلفاظ‪ ،‬اعتقدوا بال شك أنني خادمة‬
‫حقيقية‪".‬‬
‫"أنت شخص ذكي وعاجل‪ ،‬مونسيور مارتن"‪ ،‬قاطع القاضي‪" .‬أنا راض جًدا عنك‪ ،‬وسأقوم بتقديم‬
‫تقرير إيجابي عنك إلى مقر الشرطة‪".‬‬
‫رن جرسه‪ ،‬في حين انحرف المحقق بسعادة من الثناء الذي حصل عليه‪ ،‬متحرًك ا إلى الوراء باتزان‪.‬‬
‫ثم دخل ألبرت‪.‬‬

‫"هل قررت‪ ،‬سيدي"‪ ،‬سأل القاضي المحقق بدون مقدمات‪" ،‬تزويدني بحساب صادق لكيفية قضائك ليلة‬
‫الثالثاء الماضي؟"‬
‫"لقد قلت لك بالفعل‪ ،‬سيدي‪".‬‬
‫"ال‪ ،‬سيدي‪ ،‬لم تقل؛ وأنا أندم على قولي إنك كذبت علّي "‪ .‬احمّر األلماس‪ ،‬وومضت عيناه‪ ،‬ظًّنا منه أنه‬
‫تعرض إلهانة‪.‬‬
‫"أنا أعرف كل ما فعلته في تلك الليلة"‪ ،‬استمر القاضي‪" ،‬ألن العدالة‪ ،‬كما أخبرتك بالفعل‪ ،‬ال تجهل أي‬
‫شيء مهم يجب أن تعرفه"‪.‬‬
‫ثم‪ ،‬وجه النظر مستقيًم ا نحو عيني ألبرت‪ ،‬واستمر ببطء‪" :‬لقد رأيت اآلنسة كلير دارالنج"‪ .‬عند سماع‬
‫هذا االسم‪ ،‬انفضحت مالمح المتهم‪ ،‬الذي كان مصمًم ا على الصمود‪ ،‬واسترخت‪.‬‬
‫بدا وكأنه يشعر بإحساس هائل بالسعادة‪ ،‬مثل الرجل الذي ينجو بشكل ما من خطر وشيك كان ييأس من‬
‫االبتعاد عنه‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬لم يرد على القاضي‪.‬‬
‫"اآلنسة دارالنج"‪ ،‬استمر القاضي‪" ،‬أخبرتني أين كنت يوم الثالثاء الماضي"‪.‬‬
‫ما زال ألبرت يتردد‪.‬‬
‫"أنا لست أعد لك فًخ ا"‪ ،‬أضاف السيد دابورون‪" ،‬أعطيك كلمتي الشرف‪ .‬لقد أخبرتني بكل شيء‪ ،‬هل‬
‫فهمت؟"‬
‫في هذه المرة‪ ،‬قرر ألبرت الحديث‪.‬‬
‫كانت تفسيراته تتطابق بالضبط مع تفسيرات كلير‪ ،‬بدون أي تفاصيل إضافية‪ .‬من اآلن فصاعًدا‪ ،‬ال‬
‫يمكن الشك‪.‬‬
‫لم تخدع اآلنسة دارالنج‪ .‬إما أن يكون ألبرت بريء‪ ،‬أو أنها شريكته‪.‬‬
‫هل يمكن أن تكون شريكة في جريمة بغيضة؟ ال‪ ،‬ال يمكن اتهامها حتى بذلك‪.‬‬
‫لكن من هو القاتل؟‬
‫فعندما يتم ارتكاب جريمة‪ ،‬تطالب العدالة بمعرفة الجاني‪.‬‬
‫"كما ترى‪ ،‬سيدي"‪ ،‬قال القاضي بصرامة أللبرت‪" ،‬خدعتني‪ .‬لقد خاطرت حياتك‪ ،‬سيدي‪ ،‬وما هو‬
‫أيًضا خطير جًدا‪ ،‬كشفت عني‪ ،‬كشفت عن العدالة‪ ،‬الرتكاب خطأ مؤسف للغاية‪ .‬لماذا لم تخبرني‬
‫بالحقيقة من البداية؟"‬
‫"اآلنسة دارالنج‪ ،‬سيدي"‪ ،‬أجاب ألبرت‪" ،‬عندما أتاحت لي لقاءها‪ ،‬كانت تثق بشرفي"‪.‬‬
‫"فأنت كنت على استعداد للموت قبل أن تذكر تلك المقابلة؟" قاطع السيد دابورون بلمحة من السخرية‪.‬‬
‫"هذا كله جميل جًدا‪ ،‬سيدي‪ ،‬ويستحق األيام القديمة من الشهامة!"‬
‫"أنا لست البطل الذي تصوره‪ ،‬سيدي"‪ ،‬أجاب المتهم ببساطة‪" .‬إذا قلت لك إنني لم أكن أعتمد على‬
‫كلير‪ ،‬فسأكون أقول كذبة‪ .‬كنت أنتظرها‪ .‬كنت أعلم أنها‪ ،‬بعد أن تعرفت على اعتقالي‪ ،‬ستتحدى كل‬
‫شيء إلنقاذي‪ .‬لكن أصدقائها قد يخبئون ذلك عنها‪ ،‬وهذا ما كنت أخشاه‪ .‬في هذه الحالة‪ ،‬ال أعتقد‪ ،‬بقدر‬
‫ما يمكن ألحد أن يجيب عن نفسه‪ ،‬أنني كنت سأذكر اسمها"‪.‬‬
‫لم يظهر أي شجاعة في مظهر ألبرت‪ ،‬ما قاله كان يعبر عّم ا يفكر ويشعر به‪ .‬وندم السيد داب‪NN‬ورون على‬
‫سخريته‪ ،‬وقال بلطف‪" :‬يجب عليك العودة إلى سجنك‪ ،‬ال يمكن‪NN‬ني اإلف‪NN‬راج عن‪NN‬ك ح‪NN‬تى اآلن‪ ،‬ولكن‪NN‬ك لن‬
‫تكون بعد اآلن في العزلة االنفرادية‪ ،‬سيتم التعامل معك بكل اهتمام يليق بسجين يب‪NN‬دو براءت‪NN‬ه محتمل‪NN‬ة‪".‬‬
‫وأشار ألبرت برأسه م‪NN‬ع ش‪NN‬كره ل‪NN‬ه وتم إزالت‪NN‬ه بع‪NN‬د ذل‪NN‬ك‪ .‬ثم ق‪NN‬ال القاض‪NN‬ي لكاتب‪NN‬ه‪" :‬نحن اآلن ج‪NN‬اهزون‬
‫الستجواب جيف‪NN‬رول‪ "،‬ولكن رئيس المحققين ك‪NN‬ان غائًب ا‪ ،‬ألن‪NN‬ه تم إرس‪NN‬اله من محافظ‪NN‬ة الش‪NN‬رطة‪ ،‬ولكن‬
‫شاهدة‪ ،‬الرجل ذو األقراط‪ ،‬كان ينتظر في الممر‪ .‬فأخبروه بالدخول‪ ،‬وكان أحد تل‪NN‬ك الرج‪NN‬ال القص‪NN‬يرين‬
‫والمتينين‪ ،‬الذين يشبهون السنديان بقوتهم‪ ،‬وكأنهم قادرون على حمل أي ش‪NN‬يء على أكت‪NN‬افهم العريض‪NN‬ة‪،‬‬
‫وكان ش‪NN‬عره ولحيت‪NN‬ه البيض‪NN‬اء ت‪NN‬برز مالمح‪NN‬ه المتش‪NN‬ددة والمحنط‪NN‬ة بس‪NN‬بب الطقس الس‪NN‬يئ وري‪NN‬اح البح‪NN‬ر‬
‫وحرارة المناطق االستوائية‪ ،‬وكانت لديه يدان سوداء صلبة كبيرة‪ ،‬بها أصابع قوية يمكن أن تمتل‪N‬ك ق‪NN‬وة‬
‫الفك‪ ،‬وكان لديه أقراط كبيرة على شكل مراسي معلقة من أذنيه‪.‬‬
‫وكان يرتدي زي صياد نورماندي ثري‪ ،‬خارج لالحتفال‪ .‬وكان الكاتب مضطًر ا لدفعه إلى المكتب‪ ،‬ألن‬
‫هذا االبن للمحيط كان خجواًل ومرتبًك ا عندما يكون على الش‪N‬اطئ‪ ،‬وتق‪N‬دم وه‪N‬و يت‪N‬وازن أوًال على رجل‪N‬ه‬
‫اليمنى ثم على اليسرى‪ ،‬بذلك المشي الغير منتظم للبحارة‪ ،‬الذين اعتادوا على الهز والتأرجح في الموج‪،‬‬
‫ويفاجئون بوج‪N‬ود ش‪N‬يء ث‪N‬ابت تحت أق‪N‬دامهم‪ .‬ك‪N‬ان يتلمس قبعت‪N‬ه الناعم‪N‬ة المزين‪N‬ة بمي‪N‬داليات رصاص‪N‬ية‬
‫صغيرة‪ ،‬مثل قبعة الملك لويس الحادي عشر ال‪NN‬ذاكرة العط‪NN‬رة‪ ،‬وال‪NN‬تي تزينه‪NN‬ا بعض الخي‪NN‬وط المنس‪NN‬وجة‬
‫بواسطة فتي‪N‬ات الري‪N‬ف الص‪NN‬غار‪ ،‬على إط‪N‬ار ب‪N‬دائي مك‪N‬ون من أربع‪N‬ة أو خمس‪N‬ة دب‪N‬ابيس مثبت‪N‬ة في فلين‬
‫مجوف‪ .‬ففحصه القاضيدابورون وقدره بلمحة‪ ،‬ولم يكن هن‪NN‬اك ش‪NN‬ك في أن‪NN‬ه الرج‪NN‬ل المح‪NN‬روق بالش‪NN‬مس‬
‫الذي وصفه أحد الشهود في ال جونشير‪.‬‬
‫وكان من المستحيل أيًض ا ش‪N‬ك في ص‪N‬دقه‪ ،‬فمحي‪N‬اه المفتوح‪N‬ة تعكس الص‪N‬دق واللط‪N‬ف‪ .‬وس‪N‬أله القاض‪N‬ي‬
‫التحقيقي‪" :‬ما هو اس‪N‬مك؟" فأج‪N‬اب‪" :‬م‪N‬اري بي‪N‬ير ل‪N‬وروج"‪ .‬وس‪N‬أله‪" :‬أأنت مرتب‪N‬ط بكل‪N‬ودين ل‪N‬وروج؟"‬
‫فأجاب‪" :‬نعم‪ ،‬أنا زوجها يا س‪NN‬يدي"‪ .‬واس‪NN‬تغرب الس‪NN‬يد داب‪NN‬ورون من وج‪NN‬ود ال‪NN‬زوج الحي للض‪NN‬حية وأن‬
‫الشرطة كانت تجهل وجوده‪.‬‬
‫وفكر‪" :‬ماذا يفعل هذا التقدم الرائع في االختراعات؟ اليوم‪ ،‬تماًم ا كم‪NN‬ا ك‪NN‬ان األم‪NN‬ر قب‪NN‬ل عش‪NN‬رين عاًم ا‪،‬‬
‫عندما تكون العدالة في حيرة‪ ،‬فإنه يتطلب نفس الض‪NN‬ياع الهائ‪NN‬ل من ال‪NN‬وقت والم‪NN‬ال للحص‪NN‬ول على أدنى‬
‫معلومة"‪ .‬وأضاف‪" :‬كان الجميع يعتقد أنها أرملة‪ ،‬وكانت هي نفسها تدعي ذلك"‪ .‬وأجاب الرجل‪" :‬نعم‪،‬‬
‫ألنها بذلك الطريقة أبررت بعض سلوكياتها‪ .‬باإلضافة إلى أنها كانت اتفقت بيننا على ذلك‪ .‬لق‪NN‬د أخبرته‪NN‬ا‬
‫أنني لن أستمر في التعامل معها"‪.‬‬
‫"هل حًقا؟ حسنًا‪ ،‬أتعلم أنها ميتة‪ ،‬ضحية جريمة بغيضة؟" "أخبرني بذلك المحق‪NN‬ق ال‪NN‬ذي جلب‪NN‬ني هن‪NN‬ا‪ ،‬ي‪NN‬ا‬
‫سيدي"‪ ،‬أجاب البحار وجهه يتحول إلى اللون الداكن‪" .‬كانت شريرة!" أضاف بصوت مجوف‪" .‬كيف؟‬
‫أنت‪ ،‬زوجها‪ ،‬تتهمها؟" "لدي سبب جيد جًدا لفعل ذلك‪ ،‬يا سيدي‪ .‬آه‪ ،‬والدي الميت‪ ،‬الذي تنبأ بك‪NN‬ل ش‪NN‬يء‬
‫في ذلك الوقت‪ ،‬حذرني! ض‪NN‬حكت عن‪NN‬دما ق‪NN‬ال‪' :‬اح‪NN‬ذر‪ ،‬أو ستش‪NN‬وه س‪NN‬معتنا جميًع ا'‪ .‬ك‪NN‬ان على ح‪NN‬ق‪ .‬من‬
‫خاللها‪ ،‬تم اصطيادي من قبل الشرطة‪ ،‬تماًم ا كما يتم اصطياد اللصوص ال‪NN‬ذين يتس‪NN‬للون‪ .‬في ك‪NN‬ل مك‪NN‬ان‬
‫بحثوا عني بأمر قضائي‪ ،‬يجب أن يكون الناس ق‪NN‬د ق‪NN‬الوا 'آه‪ ،‬حس‪ًN‬نا‪ ،‬فق‪N‬د ارتكب جريم‪NN‬ة!' وه‪NN‬ا أن‪NN‬ا أم‪NN‬ام‬
‫القاضي! آه‪ ،‬يا سيدي‪ ،‬ما هو العار! لقد كانت عائلة لوروج نزيه‪NN‬ة‪ ،‬من أب إلى ابن‪NN‬ه‪ ،‬من‪NN‬ذ بداي‪NN‬ة الع‪NN‬الم‪.‬‬
‫استفسر من جميع الذين تعاملوا معي‪ ،‬سيخبرونك 'إن كلمة لوروج مثل كتابة رجل آخر'‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬كانت امرأة شريرة‪ ،‬ولقد قلت لها كثيًر ا إنها ستنتهي بنهاية سيئة‪" ".‬لقد قلت له‪NN‬ا ذل‪NN‬ك؟" "أك‪NN‬ثر من‬
‫مائة مرة يا سيدي"‪" .‬لماذا؟ تعال‪ ،‬يا صديقي‪ ،‬ال تشعر بالقلق‪ ،‬ال يتعلق األمر بشرفك هنا‪ ،‬ال أحد يشكك‬
‫فيه‪ .‬متى حذرتها بهذه الحكمة؟" "آه‪ ،‬منذ وقت طويل يا س‪NN‬يدي"‪ ،‬أج‪NN‬اب البح‪NN‬ار‪" ،‬أول م‪NN‬رة ك‪NN‬انت قب‪NN‬ل‬
‫أكثر من ثالثين عاًم ا‪ .‬كان لديها الطموح حتى في دمها؛ أرادت االنخ‪NN‬راط في م‪NN‬ؤامرات العظم‪NN‬اء‪ .‬ك‪NN‬ان‬
‫هذا ه‪NN‬و م‪NN‬ا دمره‪NN‬ا‪ .‬ق‪NN‬الت إن‪NN‬ه يمكن الحص‪NN‬ول على الم‪NN‬ال عن طري‪NN‬ق حف‪NN‬ظ األس‪NN‬رار؛ وقلت إن‪NN‬ه يمكن‬
‫الحصول على الخزي وهذا كل شيء‪ .‬مساعدة العظماء على إخفاء شرورهم‪ ،‬وتوق‪NN‬ع الس‪NN‬عادة من ذل‪NN‬ك‪،‬‬
‫هو مثل جعل سريرك من األش‪N‬واك‪ ،‬في أم‪N‬ل الن‪N‬وم بش‪N‬كل جي‪N‬د‪ .‬لكنه‪N‬ا ك‪N‬انت ل‪N‬ديها إرادة خاص‪N‬ة به‪N‬ا‪".‬‬
‫"ولكنك كنت زوجها‪ "،‬أعترض السيد دابورون‪" ،‬كان لديك الح‪NN‬ق في أن ت‪NN‬أمر بطاعته‪NN‬ا‪ ".‬ه‪NN‬ز البح‪NN‬ار‬
‫رأسه وأطلق تنهيدة عميقة‪" .‬آه‪ ،‬يا سيدي! كان أنا من كنت أطيع‪".‬‬
‫المتابعة بتحقيقات قصيرة مع شاهد‪ ،‬عندما ال يكون لديك فكرة عن المعلومات ال‪NN‬تي يجلبه‪NN‬ا‪ ،‬ه‪NN‬و مج‪NN‬رد‬
‫إضاعة الوقت في محاولة للحصول عليها‪ .‬عندما تعتقد أنك تقترب من الحقيق‪NN‬ة المهم‪NN‬ة‪ ،‬فق‪NN‬د تك‪NN‬ون على‬
‫وشك تجنبها‪ .‬من األفض‪NN‬ل بكث‪NN‬ير أن تمنح الش‪NN‬اهد الفرص‪NN‬ة للح‪NN‬ديث‪ ،‬وأن تس‪NN‬تمع بعناي‪NN‬ة‪ ،‬وتض‪NN‬عه على‬
‫المسار الصحيح إذا ابتعد عنه قليًال‪ .‬هذه هي الطريق‪N‬ة األك‪NN‬ثر تأكي‪ًNN‬دا وس‪NN‬هولة‪ .‬ه‪NN‬ذا ه‪NN‬و م‪NN‬ا اتبع‪NN‬ه الس‪NN‬يد‬
‫دابورون‪ ،‬في كل األوقات يلعن غيفرول لعدم حض‪N‬وره‪ ،‬ألن‪N‬ه بكلم‪N‬ة واح‪N‬دة يمكن‪N‬ه تقص‪N‬ير االس‪N‬تجواب‬
‫بنسبة كبيرة‪ ،‬والذي لم يكن القاضي يشتبه في أهميته‪.‬‬
‫"في ماذا تورطت زوجتك من المؤامرات؟" سأله‪" .‬تابع‪ ،‬يا صديقي‪ ،‬أخبرني كل ش‪NN‬يء بالض‪NN‬بط؛ هن‪NN‬ا‪،‬‬
‫كما تعلم‪ ،‬يجب أن نمتلك ليس فقط الحقيقة‪ ،‬ولكن كل الحقيقة‪".‬‬
‫وضع لوروج قبعته على كرسي‪ .‬ثم بدأ يسحب أصابعه بالتناوب‪ ،‬مما يجعلها تكسر تقريًبا بما فيه الكفاية‬
‫لكسرها‪ ،‬وفي النهاية حك رأسه بعنف‪ .‬كانت طريقته لترتيب أفكاره‪.‬‬
‫"يجب أن أخبرك"‪ ،‬بدأ يقول "أنه سيكون على مدى ‪ 35‬عاًم ا في ي‪NN‬وم س‪NN‬انت ج‪NN‬ون من‪NN‬ذ وقعت في حب‬
‫كلودين‪ .‬كانت فتاة جميلة ومغري‪NN‬ة‪ ،‬بص‪NN‬وت أحلى من العس‪NN‬ل‪ .‬ك‪NN‬انت أجم‪NN‬ل فت‪NN‬اة في منطقتن‪NN‬ا‪ ،‬مس‪NN‬تقيمة‬
‫كالصاري‪ ،‬رشيقة كالصفصاف‪ ،‬رش‪NN‬يقة وقوي‪NN‬ة كق‪N‬ارب س‪NN‬باق‪ .‬تلم‪NN‬ع عيناه‪NN‬ا مث‪NN‬ل الس‪NN‬يدر الق‪N‬ديم‪ ،‬ك‪NN‬ان‬
‫شعرها أسود‪ ،‬وأسنانها بيضاء كاللؤلؤ‪ ،‬وكان تنفسها منعًش ا كنسيم البحر‪ .‬لألس‪NN‬ف‪ ،‬لم يكن ل‪NN‬ديها ق‪NN‬رش‪،‬‬
‫في حين كنا في ظروف سهلة‪ .‬والدتها‪ ،‬التي كانت أرملة‪ ،‬كانت امرأة سيئة‪ ،‬ووال‪N‬دي ك‪N‬ان أفض‪N‬ل رج‪N‬ل‬
‫على قيد الحياة‪ .‬عن‪N‬دما تح‪N‬دثت إلى العج‪N‬وز عن ال‪N‬زواج من كل‪N‬ودين‪ ،‬ش‪N‬تمها بش‪N‬دة‪ ،‬وبع‪N‬د ثماني‪N‬ة أي‪N‬ام‪،‬‬
‫أرسلني إلى بورتو على قارب تابع ألحد جيراننا‪ ،‬فقط ألعطيني تغييًر ا من الجو‪ ،‬عدت بعد س‪NN‬تة أش‪NN‬هر‪،‬‬
‫نحياًل كمسمار‪ ،‬لكنني كنت أكثر حًبا من أي وقت مضى‪.‬‬
‫ذكريات كلودين حرقتني مثل النار‪ .‬لم أستطع تناول الطعام أو الشراب بشكل جي‪NN‬د‪ ،‬لكن‪NN‬ني ش‪NN‬عرت أنه‪NN‬ا‬
‫تحبني قليًال بالمقابل‪ ،‬ألنني كنت ش‪N‬اًبا جي‪ًN‬دا‪ ،‬وأك‪N‬ثر من فت‪N‬اة واح‪N‬دة ك‪N‬انت تري‪N‬د ال‪N‬زواج م‪N‬ني‪ .‬ثم ق‪NN‬رر‬
‫والدي‪ ،‬بعد أن رأى أنه ال يستطيع فعل شيء‪ ،‬أن يس‪N‬مح لي بإكم‪N‬ال حم‪N‬اقتي‪ .‬ل‪N‬ذلك‪ ،‬في إح‪N‬دى اللي‪N‬الي‪،‬‬
‫بعدما عدنا من الصيد ولم أتذوق العشاء‪ ،‬ق‪NN‬ال لي‪" :‬ت‪NN‬زوج من ابن‪NN‬ة الس‪NN‬احرة‪ ،‬وال ت‪NN‬ذهب بعي‪ًNN‬دا في ه‪NN‬ذا‬
‫األمر‪ ".‬أتذكر ذلك بوضوح‪ ،‬ألنني عندما س‪NN‬معت العج‪NN‬وز يس‪NN‬مي ح‪NN‬بي بأس‪NN‬ماء س‪NN‬يئة‪ ،‬غض‪NN‬بت بش‪NN‬دة‪،‬‬
‫وكادت أن أقتله‪ .‬أهًال بالزواج الذي ال يحقق فيه اإلنسان أي شيء عند االعتراض على رغبات والديه!‬
‫كان الرجل الجدير ضائًعا في وسط ذكرياته‪ ،‬وك‪N‬ان بعي‪ًN‬دا ج‪ًN‬دا عن قص‪N‬ته‪ .‬ح‪N‬اول القاض‪N‬ي التحقي‪N‬ق في‬
‫إعادته إلى المسار الصحيح‪" :‬تعال إلى النقطة"‪ ،‬قال له‪.‬‬
‫"سأفعل ذلك‪ ،‬سيدي‪ ،‬ولكن كان من الضروري أن نب‪N‬دأ من البداي‪N‬ة‪ .‬ت‪N‬زوجت‪ .‬في المس‪N‬اء بع‪N‬د الزف‪NN‬اف‪،‬‬
‫وعندما غادر األقارب والضيوف‪ ،‬كنت على وش‪N‬ك االنض‪NN‬مام إلى زوج‪N‬تي‪ ،‬عن‪N‬دها الحظت أبي وحي‪ًN‬دا‬
‫في الزاوية يبكي‪ .‬لطالما كان المنظر مؤثًر ا لقلبي‪ ،‬وكان لدي شعور بالشر‪ ،‬لكنه انحسر بس‪N‬رعة‪ .‬الف‪N‬ترة‬
‫األولى بعد الزواج مليئة بالمتعة‪ ،‬خاصة عندما يكون الشخص مع زوجته المحبوبة‪ .‬يبدو أن‪NN‬ه يحي‪NN‬ط ب‪NN‬ك‬
‫ضباب يحول الصخور إلى قصور ومعابد بشكل كامل‪ ،‬ح‪NN‬تى يتم خ‪NN‬داع المبت‪NN‬دئين‪ .‬لم‪NN‬دة ع‪NN‬امين‪ ،‬وعلى‬
‫الرغم من بعض الخالفات الصغيرة‪ ،‬كل شيء كان يسير على ما يرام‪.‬‬
‫إن كلودين تديرني مث‪NN‬ل طف‪NN‬ل‪ ،‬هي ش‪NN‬ريرة! ك‪NN‬ان بإمكانه‪NN‬ا أن تأخ‪NN‬ذني وتربط‪NN‬ني وتحمل‪NN‬ني إلى الس‪NN‬وق‬
‫وتبيعني بدون أن أالحظ ذلك‪ .‬كان عيبها الكبير هو حبها للمجوهرات واألزياء الفاخرة‪ .‬ك‪NN‬ل م‪NN‬ا كس‪NN‬بته‪،‬‬
‫وكان عملي مزدهًرا جًدا‪ ،‬وضعته على ظهرها‪ .‬كل أسبوع كان هناك شيء جديد‪ ،‬فس‪NN‬اتين ومج‪NN‬وهرات‬
‫وقبعات‪ ،‬كل هذه األشياء التي يبتكرها التجار إلضاعة النساء‪.‬‬
‫كان الجيران يتحدثون‪ ،‬لكني اعتقدت أن كل شيء على ما يرام‪ .‬في معمودية ابننا‪ ،‬الذي سميته جاك بعد‬
‫أبي‪ ،‬إلرضائها‪ ،‬أنفقت كل ما حفظت‪NN‬ه خالل ش‪NN‬بابي‪ ،‬أك‪NN‬ثر من ثالثمائ‪NN‬ة بيس‪NN‬تول‪ ،‬وال‪NN‬تي كنت ق‪NN‬د ن‪NN‬ويت‬
‫شراء مرج يقع وسط ممتلكاتنا بها‪".‬‬
‫كان السيد دابورون يغلي من الصبر‪ ،‬لكنه لم يتمكن من فعل أي شيء‪" .‬ت‪N‬ابع‪ ،‬ت‪N‬ابع"‪ ،‬ق‪NN‬ال في ك‪N‬ل م‪N‬رة‬
‫كان لوروج يبدو على استعداد للتوقف‪.‬‬
‫"كنت راضًيا جيًدا‪ "،‬واصل البحار‪" ،‬حتى في صباح أحد األيام رأيت أحد خدمة الك‪NN‬ونت دي كوم‪NN‬اران‬
‫يدخل منزلنا؛ يق‪NN‬ع قص‪NN‬ر الك‪NN‬ونت على بع‪NN‬د مي‪NN‬ل واح‪NN‬د تقريًب ا من حيث أعيش على الج‪NN‬انب اآلخ‪NN‬ر من‬
‫المدينة‪ .‬كان اسمه جيرمان ولم أكن أحبه على اإلطالق‪ .‬كان هناك حديث في البلدة أنه تورط في إغ‪NN‬واء‬
‫الفتاة الشابة الجميلة توماسين‪ ،‬التي كانت تعيش بالقرب منا‪ .‬يبدو أنها أعجبت الك‪N‬ونت واختفت فج‪N‬أة في‬
‫يوم من األيام‪ .‬سألت زوجتي ماذا يريد هذا الرجل‪ ،‬فأجابت أنه جاء ليطلب منها رعاية طفل‪.‬‬
‫لم أكن أوافق في البداية‪ ،‬ألن وسائلنا كانت كافية للسماح لكلودين باالحتفاظ بكل حليبها لطفلنا الخ‪NN‬اص‪.‬‬
‫لكنها أعطتني أفضل األسباب‪ ،‬قالت إنها تندم على مغازالتها السابقة وإسرافها‪ .‬تريد كسب بعض المال‪،‬‬
‫وتشعر بالخجل من عدم القيام بأي شيء بينما أنا أقتل نفسي بالعمل‪ .‬ترغب في التوفير واالقتصاد‪ ،‬حتى‬
‫ال يضطر طفلنا في نهاية المطاف إلى الذهاب إلى البح‪N‬ر‪ .‬تم تحدي‪N‬د س‪N‬عر جي‪N‬د ج‪ًN‬دا له‪N‬ا‪ ،‬وال‪N‬ذي يمكنن‪N‬ا‬
‫توفيره للذهاب نحو البستول الثالثمائة‪ .‬ذلك المروحن المزعج‪ ،‬الذي أشارت إليه‪ ،‬قررني"‪.‬‬
‫"ألم تخبرك بالمهمة التي كلفت بها؟" سأل القاضي‪.‬‬
‫أدهش هذا السؤال لوروج‪ .‬اعتقد أن هناك سبًبا وجيًها للقول بأن العدالة ترى وتعرف كل شيء‪.‬‬
‫"ليس آنذاك"‪ ،‬أجاب‪" ،‬ولكن سترى‪ .‬ثمانية أيام بع‪NN‬د ذل‪NN‬ك‪ ،‬ق‪NN‬دم البري‪NN‬د رس‪NN‬الة‪ ،‬تطلب منه‪NN‬ا ال‪NN‬ذهاب إلى‬
‫باريس إلحضار الطفل‪ .‬وصلت في المساء‪" .‬حسًنا"‪ ،‬قالت "سأبدأ غ‪ًN‬دا بواس‪N‬طة الحافل‪N‬ة"‪ .‬لم أق‪N‬ل كلم‪N‬ة‬
‫حينها؛ ولكن في الصباح الت‪NN‬الي‪ ،‬عن‪NN‬دما ك‪NN‬انت على وش‪NN‬ك الجل‪NN‬وس في الحافل‪NN‬ة‪ ،‬أعلنت أن‪NN‬ا أيًض ا أن‪NN‬ني‬
‫سأذهب معها‪ .‬لم تبدو غاضبة على اإلطالق‪ ،‬ب‪NN‬ل على العكس‪ .‬قبلت‪NN‬ني‪ ،‬وكنت س‪NN‬عيًدا‪ .‬في ب‪NN‬اريس‪ ،‬ك‪NN‬ان‬
‫عليها أن تستلم الطفل من مدام جيردي‪ ،‬التي تعيش على البوليفار‪.‬‬
‫اتفقنا على أن تذهب بمفردها‪ ،‬بينما أنا أنتظرها في فندقنا‪ .‬بع‪NN‬د أن رحلت‪ ،‬ش‪NN‬عرت ب‪NN‬القلق‪ .‬خ‪NN‬رجت بع‪NN‬د‬
‫فترة قصيرة‪ ،‬وتجولت حول منزل مدام جيردي‪ ،‬واستفسرت من الخدم واآلخرين؛ وسرعان ما اكتشفت‬
‫أنها عشيقة الك‪N‬ونت دي كوم‪N‬اران‪ .‬ش‪N‬عرت باإلزع‪N‬اج لدرج‪N‬ة أن‪N‬ني ل‪N‬و كنت س‪N‬يًدا‪ ،‬ك‪N‬ان يجب أن تع‪N‬ود‬
‫زوجتي بدون الغشاء الصغير‪ .‬أنا مجرد بحار فقير‪ ،‬وأدرك أن اإلنسان في بعض األحي‪NN‬ان ينس‪NN‬ى نفس‪NN‬ه‪.‬‬
‫في بعض األحيان يتناول الكثير من الكحول‪ ،‬أو يخرج في ليلة مع بعض األصدقاء؛ ولكن للرج‪NN‬ل ال‪NN‬ذي‬
‫لديه زوجة وأطفال أن يعيش مع امرأة أخرى ويعطيها ما ينتمي حًق ا إلى ذريت‪NN‬ه المش‪NN‬روعة‪ ،‬أعتق‪NN‬د أن‪NN‬ه‬
‫سيء جًدا ‪ -‬جًدا سيًئا‪ .‬أليس كذلك‪ ،‬سيدي؟"‬
‫تحرك القاضي التحقيقي بلهفة في كرسيه‪" .‬هل هذا الرجل لن يصل إلى النقطة أبًدا"‪ ،‬زارده‪" .‬نعم‪ ،‬أنت‬
‫على حق تماًم ا"‪ ،‬أضاف بصوت عاٍل ‪" ،‬ولكن ال تهتم بأفكارك‪ .‬تابع‪ ،‬تابع!"‬
‫"كالودين‪ ،‬يا سيدي‪ ،‬كانت أكثر عناًدا من الحم‪NN‬ار‪ .‬بع‪NN‬د ثالث‪NN‬ة أي‪NN‬ام من المناقش‪NN‬ة العنيف‪NN‬ة‪ ،‬حص‪NN‬لت على‬
‫موافقتي المترددة‪ ،‬بين قبلتين‪ .‬ثم أخبرتني أننا لن نعود إلى المنزل بواسطة الحافلة‪ .‬ك‪NN‬انت الس‪NN‬يدة‪ ،‬ال‪NN‬تي‬
‫كانت تخشى التعب على طفلها‪ ،‬قد ترتبت بأن نسافر عائ‪NN‬دين إلى ال‪NN‬بيت بمراح‪NN‬ل قص‪NN‬يرة‪ ،‬في عربته‪NN‬ا‪،‬‬
‫وبخيالنها‪ .‬ألنها كانت تعيش بأسلوب كبير‪ .‬كنت غبيًا بما في‪N‬ه الكفاي‪N‬ة ألن أك‪N‬ون س‪N‬عيدًا‪ ،‬ألنه‪N‬ا أعطت‪N‬ني‬
‫فرصة لرؤية البلد براحة‪.‬‬
‫لذلك‪ ،‬تم تركيبنا مع األطفال‪ ،‬بيني وبين اآلخر‪ ،‬في عرب‪NN‬ة أنيق‪NN‬ة‪ ،‬مج‪NN‬رورة بحيوان‪NN‬ات رائع‪NN‬ة‪ ،‬وتقوده‪NN‬ا‬
‫سائق في زي خادم‪ .‬كانت زوجتي مجنونة بالفرحة؛ قبلتني مرارًا وتكرارًا‪ ،‬وجعلت صوت الذهب ي‪NN‬رن‬
‫في وجهي‪ .‬شعرت بالغباء مثل الزوج الصادق الذي يجد المال في بيت‪N‬ه ال‪N‬ذي لم يكس‪N‬به بنفس‪N‬ه‪ .‬وبم‪N‬ا أن‬
‫كالودين شعرت بما أشعر به‪ ،‬أرادت بتهدئتي‪ ،‬أن تخبرني بالحقيقة كاملة‪.‬‬
‫'انظر هنا'‪ ،‬قالت لي‪ ،‬وهي تهز جيبها الممتلئ بالمال‪' ،‬سنمتلك دائًم ا ما يكفينا من هذا‪ ،‬وهذا هو الس‪NN‬بب‪:‬‬
‫يريد الكونت‪ ،‬الذي كان لديه طفل شرعي في نفس الوقت مع هذا الغش‪NN‬اء‪ ،‬أن يحم‪NN‬ل ه‪NN‬ذا األخ‪NN‬ير اس‪NN‬مه‬
‫بدًال من اآلخر‪ ،‬ويمكن تحقيق هذا‪ ،‬بفضلي‪ .‬خالل الرحلة‪ ،‬س‪N‬نلتقي في ال‪N‬نزل‪ ،‬ال‪N‬ذي س‪N‬ننام في‪N‬ه‪ ،‬بالس‪N‬يد‬
‫جيرمان والممرضة التي تم تكليفهما باالهتمام ب‪NN‬االبن الش‪NN‬رعي‪ .‬س‪NN‬يتم وض‪NN‬عنا في نفس الغرف‪NN‬ة‪ ،‬وخالل‬
‫الليل‪ ،‬سأقوم بتبديل األطفال الصغار الذين تم تلبيسهم على النحو المقصود‪ .‬لهذا يعطيني الك‪NN‬ونت ثماني‪NN‬ة‬
‫آالف فرنك نقًدا‪ ،‬وعالوة على الحياة بقيمة ألف فرنك‪".‬‬
‫"وأنت!" ص‪NN‬رخ القاض‪NN‬ي التحقيقي‪" ،‬أنت‪ ،‬ال‪NN‬ذي ت‪NN‬دعي أن‪NN‬ك رج‪NN‬ل ص‪NN‬ادق‪ ،‬س‪NN‬محت بمث‪NN‬ل ه‪NN‬ذا األم‪NN‬ر‬
‫الشنيع‪ ،‬عندما كان كلمة واحدة كافية لمنعه؟"‬

‫"سيدي‪ ،‬أرجوك"‪ ،‬توسل ليروج‪" ،‬اسمح لي باالنتهاء"‪" .‬حسًنا‪ ،‬استمر!"‬


‫"لم أستطع أن أقول شيًئا في البداية‪ ،‬لقد اختنقت من الغضب‪ .‬يجب أن يكون وجهي مرعوًبا‪ .‬لكنها‪ ،‬التي‬
‫كانت عادة ما تخاف مني عن‪NN‬دما أغض‪NN‬ب‪ ،‬انفج‪NN‬رت بالض‪NN‬حك وق‪NN‬الت‪' :‬م‪NN‬ا أحم‪NN‬ق أنت! اس‪NN‬تمع قب‪NN‬ل أن‬
‫تتحول إلى ما هو حامض كوعاء الحليب‪ .‬الكونت هو الوحيد الذي يريد هذا التغي‪NN‬ير‪ ،‬وه‪NN‬و ال‪NN‬ذي س‪NN‬يدفع‬
‫مقابل ذلك‪ .‬والدة هذا الصغير‪ ،‬عشيقته‪ ،‬ال تريد ذلك على اإلطالق؛ إنها مجرد تظاهر بالموافقة‪ ،‬حتى ال‬
‫يحدث خالف بينها وبين عشيقها‪ ،‬وذلك ألن لديها خط‪N‬ة خاص‪N‬ة به‪N‬ا‪ .‬أخ‪N‬ذتني جانًب ا‪ ،‬خالل زي‪N‬ارتي إلى‬
‫غرفتها‪ ،‬وبعد أن جعلتني أقسم بالسرية على الصليب‪ ،‬قالت لي إنها ال تستطيع تحمل فكرة فص‪NN‬ل نفس‪NN‬ها‬
‫عن طفلها إلى األبد‪ ،‬وتربية طفل آخر‪ .‬وأضافت أنه إذا وافقت على ع‪N‬دم تغي‪N‬ير األطف‪N‬ال‪ ،‬وع‪N‬دم إخب‪N‬ار‬
‫الكونت‪ ،‬فإنها ستعطيني عشرة آالف فرنك نقًدا‪ ،‬وتضمن لي راتًبا مساوًيا للذي وعدني به الك‪NN‬ونت‪ .‬كم‪NN‬ا‬
‫أعلنت أيًض ا أنها يمكنها بسهولة معرفة ما إذا كنت أتقيد بوعدي‪ ،‬حيث قامت بوضع عالمة تعريف على‬
‫صغيرها‪ .‬لم ُتظهر لي العالمة‪ ،‬ولقد فحصته جيًدا‪ ،‬لكني لم أتمكن من العثور عليها‪ .‬هل فهمت اآلن؟ أن‪N‬ا‬
‫فقط أعتني بالطفل هنا‪ .‬أخبر الكونت أنني قمت بتغيير األطفال؛ نتلقى من الجانبين‪ ،‬ويصبح ج‪NN‬اك غنًي ا‪.‬‬
‫اآلن اقبل زوجتك الصغيرة التي لديها أكثر حكمة منك‪ ،‬يا عزيزي القديم!" ه‪NN‬ذا‪ ،‬س‪NN‬يدي‪ ،‬ه‪NN‬و كالم كالم‬
‫كالم كالم كالم كالم كالم كالم كالم كالم كالم كالم كالم كالم كالم كالم ما قاله كلودين لي‪".‬‬
‫سحب البحار الخشن من جيبه مندياًل كبيًر ا بمربعات زرقاء ونفخ أنفه بعنف ح‪NN‬تى اه‪NN‬تزت النواف‪NN‬ذ‪ .‬إنه‪NN‬ا‬
‫طريقته في البكاء‪.‬‬
‫كان السيد دابورون مرتبك‪ .‬منذ بداية هذه المأساة‪ ،‬واجه مفاجأة بعد مفاجأة‪ .‬بمجرد أن وضع أفك‪NN‬اره في‬
‫ترتيب حول نقطة‪ ،‬كانت كل انتباهه موجًها إلى نقطة أخرى‪.‬‬
‫شعر بأنه خاسر تماًم ا‪ .‬ما الذي سيتعلمه اآلن؟ كان ي‪NN‬رغب في التحقي‪NN‬ق بس‪NN‬رعة‪ ،‬ولكن‪NN‬ه رأى أن ل‪NN‬يروج‬
‫يروي قصته بصعوبة‪ ،‬ويحلل ذكرياته بجهد‪ ،‬ويتحكم فيها بخيط واح‪NN‬د يمكن أن يتش‪NN‬ابك بس‪NN‬هولة ب‪NN‬أدنى‬
‫انقطاع‪.‬‬
‫"ما اقترحته كلودين علّي "‪ ،‬واصل البحار‪" ،‬كان شنيًعا‪ ،‬وأنا رجل شريف‪ .‬لكنها استطاعت أن تجعل‪NN‬ني‬
‫أتبع رغبتها بسهولة كما يعجن الخباز العجين‪ .‬قلبت قلبي رأًسا على عقب‪ :‬جعلتني أرى األبيض ك‪NN‬الثلج‬
‫فيما كان في الواق‪N‬ع أس‪N‬ود ك‪N‬الحبر‪ .‬كم أحببته‪N‬ا! أثبتت لي أنن‪N‬ا ال ن‪N‬ؤذي أح‪ًN‬دا‪ ،‬وأنن‪N‬ا نص‪N‬نع ث‪N‬روة ج‪N‬اك‬
‫الصغير‪ ،‬وأنا صمتت‪ .‬في المساء وصلنا إلى قرية؛ وعندما توقف السائق أمام نزل‪ ،‬ق‪NN‬ال لن‪NN‬ا إنن‪NN‬ا س‪NN‬ننام‬
‫هن‪N‬اك‪ .‬دخلن‪N‬ا‪ ،‬وتخيل‪N‬وا معي من رأين‪N‬ا؟ ذل‪N‬ك الش‪N‬رير جيرم‪N‬ان‪ ،‬م‪N‬ع ممرض‪N‬ة تحم‪N‬ل طفًال يرت‪N‬دي نفس‬
‫مالبس الصغير لدينا‪ ،‬لقد صعقت‪ .‬ك‪NN‬انوا رحل‪NN‬وا هن‪NN‬اك‪ ،‬مثلن‪NN‬ا‪ ،‬في أح‪NN‬د عرب‪NN‬ات الك‪NN‬ونت‪ .‬علّي ش‪NN‬ك في‬
‫األمر‪ .‬كيف يمكنني أن أتأكد من أن كلودين لم تخترع القصة الثانية لته‪NN‬دئتي؟ لق‪NN‬د ك‪NN‬انت بالتأكي‪NN‬د ق‪NN‬ادرة‬
‫على ذلك‪ .‬كنت غاضًبا‪ .‬لقد وافقت على الشر األول‪ ،‬ولكن ليس الثاني‪ .‬قررت ع‪N‬دم فق‪N‬دان الطف‪N‬ل الغ‪NN‬ير‬
‫شرعي من بصري‪ ،‬وأقسمت عدم تغييره‪ .‬لذا‪ ،‬حافظت عليه طوال المس‪NN‬اء على ركب‪NN‬تي‪ ،‬ولتك‪NN‬ون أك‪NN‬ثر‬
‫تأكيًدا‪ ،‬ربطت منديلي حول خصره‪ .‬كانت الخطة محكمة‪ .‬بعد العشاء‪ ،‬تحدثنا عن ال‪NN‬ذهاب إلى الف‪NN‬راش‪،‬‬
‫وحينها تبّين أنه ال يوج‪N‬د س‪N‬وى غرف‪NN‬تي ن‪N‬وم مزدوج‪N‬ة في الم‪N‬نزل‪ .‬كأنه‪N‬ا ُب نيت خصيًص ا للخط‪N‬ة‪ .‬ق‪NN‬ال‬
‫صاحب النزل إن الراعيتين يمكنهما النوم في غرفة واحدة‪ ،‬وأن جيرم‪NN‬ان وأن‪NN‬ا يمكنن‪NN‬ا الن‪NN‬وم في الغرف‪NN‬ة‬
‫األخرى‪ .‬هل تفهمون‪ ،‬سيدي؟ باإلضافة إلى ذل‪N‬ك‪ ،‬خالل المس‪N‬اء‪ ،‬الحظت نظ‪N‬رات التف‪N‬اهم بين زوج‪N‬تي‬
‫والخادم الشرير‪ ،‬ويمكنكم تخيل كيف غضبت‪ .‬ك‪NN‬ان الض‪NN‬مير يتح‪NN‬دث‪ ،‬وكنت أح‪NN‬اول إس‪NN‬كاته‪ .‬كنت أعلم‬
‫جيًدا أنني كنت أفعل شيًئا خاطًئا‪ ،‬وكادت أن أتمنى الموت‪ .‬لماذا يمكن للنساء أن يدورن ض‪NN‬مائر الرج‪NN‬ل‬
‫الشريف مثل نافورة الطقس؟"‬

‫كان رُّد م‪ .‬دابورون هو ضربٌة قويٌة لكِّفه على الطاولة‪ .‬وأكمل لوروج حديثه بسرعٍة أكبر‪:‬‬

‫"أما بالنسبة لي‪ ،‬فقد قلبُت هذا ال‪NN‬ترتيب رأًس ا على عقب‪ ،‬متظ‪NN‬اهًرا ب‪NN‬الغيرة الش‪NN‬ديدة لدرج‪NN‬ة ع‪NN‬دم ت‪NN‬رك‬
‫زوجتي لحظًة‪ .‬اضطروا لالنحناء لي‪ .‬ذهبت المربية األخ‪NN‬رى للف‪NN‬راش أواًل ‪ ،‬وتبعته‪NN‬ا كل‪NN‬ودين وأن‪NN‬ا بع‪NN‬د‬
‫قليل‪ .‬خلعت زوجتي مالبسها واستلقت في الف‪NN‬راش م‪NN‬ع ابنن‪NN‬ا والطف‪NN‬ل الغ‪NN‬ير ش‪NN‬رعي‪ .‬لم أخل‪NN‬ع مالبس‪NN‬ي‪.‬‬
‫بحجة أنني سأكون عائًق ا أم‪NN‬ام األطف‪NN‬ال‪ ،‬جلس‪NN‬ت على كرس‪NN‬ي ب‪NN‬القرب من الس‪NN‬رير‪ ،‬مص‪NN‬مًم ا على ع‪NN‬دم‬
‫إغالق عينّي ‪ ،‬والحرص على مراقبتهم عن كثب‪ .‬أطفأت الشمعة‪ ،‬ألتيح للنس‪NN‬اء الن‪NN‬وم‪ ،‬ولكن‪NN‬ني لم أتمكن‬
‫من التفكير في النوم‪ ،‬وفكرت في والدي وماذا سيقول إذا علم بتصرفي‪.‬‬
‫نحو منتصف الليل‪ ،‬سمعت كلودين تتح‪NN‬رك‪ .‬حج‪NN‬زت أنفاس‪NN‬ي‪ .‬ك‪NN‬انت تس‪NN‬تعد للخ‪NN‬روج من الس‪NN‬رير‪ .‬ه‪NN‬ل‬
‫كانت ستغير األطفال؟ اآلن‪ ،‬كنت أعلم أنها لن تفعل ذلك؛ لكن حينها‪ ،‬كنت متأكًدا من أنه‪NN‬ا س‪NN‬تفعل‪ .‬كنت‬
‫في حالة من الجنون‪ ،‬وأمسكت بها من ذراعها وبدأت أضربها بعنف‪ ،‬وأفرغت كل ما في قل‪NN‬بي بص‪NN‬وت‬
‫عاٍل ‪ ،‬مثلما أتكلم على متن السفينة في العاصفة‪ .‬حلفت مثل الشيطان‪ ،‬وأث‪NN‬ارت ض‪NN‬جة فظيع‪NN‬ة‪ .‬ص‪NN‬رخت‬
‫المربية األخرى وكأنها تتعرض للقتل‪ .‬وفي هذا الضجيج‪ ،‬اقتحم جيرمان الغرفة بشمعة مضاءة‪ .‬وك‪NN‬انت‬
‫نظرة الرجل تجاهي السبب األساسي لتعرضي لذلك‪ .‬دون معرفة ماذا كنت أفعل‪ ،‬أخرجت سكيًنا إسبانًيا‬
‫ط‪NN‬وياًل من جي‪NN‬بي‪ ،‬ال‪NN‬ذي كنت أحمل‪NN‬ه دائًم ا‪ ،‬وأمس‪NN‬كت بالن‪NN‬ذل الملع‪NN‬ون ودفعت الس‪NN‬كين ع‪NN‬بر ذراع‪NN‬ه‪،‬‬
‫مصرًخ ا‪" :‬على هذا النحو‪ ،‬ال يمكن تغييره بدون علمي؛ إنه محدد مدى الحياة!"‪.‬‬
‫لم يعد لوروج قادًر ا على الكالم‪ ،‬وكانت قطرات عرق كبيرة تتصاعد على جبين‪N‬ه‪ ،‬ثم ت‪N‬نزلق على خدي‪N‬ه‬
‫وتتراكم في التجاعيد العميقة في وجهه‪ .‬كان يلهث‪ ،‬لكن نظ‪NN‬رة القاض‪NN‬ي الص‪NN‬ارمة تض‪NN‬ايقه وتحث‪NN‬ه على‬
‫المضي قدًم ا‪ ،‬كالسوط الذي يجلد العبد األسود الذي يشعر بالتعب‪.‬‬
‫"كان جرح الصغير رهيًبا‪ ،‬وانزف بشكل مخيف‪ ،‬وكان يمكن أن يموت؛ لكن‪NN‬ني لم أفك‪NN‬ر في ذل‪NN‬ك‪ .‬كنت‬
‫فقط متضايًقا بشأن المستقبل‪ ،‬وما قد يحدث بع‪NN‬د ذل‪NN‬ك‪ .‬أعلنت أن‪NN‬ني س‪NN‬أكتب ك‪NN‬ل م‪NN‬ا ح‪NN‬دث‪ ،‬وأن الجمي‪NN‬ع‬
‫سيوقع عليه‪ .‬تم ذلك‪ ،‬وكنا جميًعا نستطيع الكتابة‪ .‬لم يجرؤ جيرمان على المقاومة؛ ألنني تحدثت بس‪NN‬كين‬
‫في يدي‪ .‬كتب اسمه أوًال‪ ،‬وطلب مني عدم الحديث عنه للكونت‪ ،‬وأقسم أنه لن يتح‪N‬دث عن‪N‬ه أب‪ًN‬دا‪ ،‬وأل‪N‬زم‬
‫المربية األخرى بالسرية نفسها"‪.‬‬
‫"وهل حفظت هذه الورقة؟" سأل السيد دابورون‪.‬‬
‫"نعم‪ ،‬سيدي‪ ،‬وكما نصحني المحقق الذي اع‪NN‬ترفت ل‪NN‬ه بك‪NN‬ل ش‪NN‬يء‪ ،‬أحض‪NN‬رتها معي‪ ،‬ذهبت ألخ‪NN‬ذها من‬
‫المكان الذي كنت أحفظها فيه دائًم ا‪ ،‬ولديها اآلن"‪.‬‬
‫أخذ لوروج من جيب معطفه مفكرة قديمة مصنوعة من الجلد‪ ،‬وسحب منها ورقة صفراء قديمة ومغلق‪NN‬ة‬
‫بعناية‪" .‬ها هي"‪ ،‬قال‪" .‬لم يتم فتح الورقة منذ تلك الليلة اللعين‪NN‬ة"‪ .‬وعن‪NN‬دما فتحه‪NN‬ا القاض‪NN‬ي‪ ،‬س‪NN‬قط بعض‬
‫الغبار الذي تم اس‪N‬تخدامه للحف‪N‬اظ على الكتاب‪N‬ة عن‪N‬دما ك‪N‬انت رطب‪N‬ة لمن‪N‬ع التلطخ‪ .‬وك‪N‬انت بالفع‪N‬ل وص‪ًN‬فا‬
‫موجًز ا للمشهد الذي وصفه البحار القديم‪.‬‬
‫وكانت األمضاء األربعة هناك‪" .‬ماذا ح‪NN‬دث للش‪NN‬هود ال‪NN‬ذين وقع‪NN‬وا على ه‪NN‬ذا اإلعالن؟" همس القاض‪NN‬ي‪،‬‬
‫يتحدث إلى نفسه‪ .‬رد لوروج‪ ،‬الذي ظن أن السؤال وجه له‪" ،‬جيرمان مات‪ .‬وقيل لي إنه لقي حتفه غرًقا‬
‫أثناء القوارب‪ .‬وتم اغتيال كلودين للتو‪ ،‬لكن الممرضة األخرى ال تزال حية‪ .‬وأعرف حتى أنه‪N‬ا تح‪N‬دثت‬
‫عن األمر لزوجها‪ ،‬ألنه ألمح لي بذلك‪.‬‬
‫اسمه بروسيت‪ ،‬وهي تعيش في قرية كوماران نفسها"‪" .‬وماذا بعد؟" سأل القاضي بع‪NN‬د أن س‪NN‬جل االس‪NN‬م‬
‫والعنوان‪" .‬في اليوم التالي‪ ،‬سيدي‪ ،‬تمكنت كلودين من تهدئتي‪ ،‬واستخلصت مني وعًدا بالس‪NN‬رية‪ .‬الطف‪NN‬ل‬
‫لم يكن مريًضا تقريًبا‪ ،‬لكنه احتفظ بندبة ضخمة على ذراعه"‪" .‬هل ُأبلغت الس‪NN‬يدة ج‪NN‬يردي بم‪NN‬ا ح‪NN‬دث؟"‬
‫"ال أعتقد ذلك‪ ،‬سيدي‪ .‬ولكنني أفض‪NN‬ل الق‪NN‬ول إن‪NN‬ني ال أع‪NN‬رف"‪" .‬م‪NN‬اذا؟ ال تع‪NN‬رف؟" "نعم س‪NN‬يدي‪ ،‬أقس‪NN‬م‬
‫بذلك‪ .‬ترى‪ ،‬جهلي يأتي من ما حدث بعد ذلك"‪" .‬ماذا حدث بعد ذلك؟" تردد البحار‪.‬‬
‫"ذلك‪ ،‬سيدي‪ ،‬يخصني فقط‪ ،‬و‪"-‬‬
‫"صديقي"‪ ،‬قاطع القاضي‪" ،‬أنت رجل صادق‪ ،‬وأعتقد ذلك؛ في الواق‪NN‬ع‪ ،‬أن‪N‬ا متأك‪N‬د من ذل‪N‬ك‪ .‬ولكن م‪N‬رة‬
‫واحدة في حياتك‪ ،‬وتحت تأثير امرأة شريرة‪ ،‬فعلت خطأ‪ ،‬وأص‪NN‬بحت ش‪NN‬ريًك ا في عم‪NN‬ل م‪NN‬ذنب للغاي‪NN‬ة‪ .‬قم‬
‫بإصالح هذا الخط‪NN‬أ عن طري‪NN‬ق التح‪NN‬دث بص‪NN‬دق اآلن‪ .‬ك‪NN‬ل م‪NN‬ا يتم قول‪NN‬ه هن‪NN‬ا‪ ،‬وال‪NN‬ذي ال يتص‪NN‬ل مباش‪NN‬رة‬
‫بالجريمة‪ ،‬سيبقى سًر ا؛ حتى أنا سأنسى ذلك على الفور‪ .‬ال تخاف شيًئا‪ ،‬وإذا شعرت ببعض ال‪NN‬ذل‪ ،‬ففك‪NN‬ر‬
‫في أنه عقوبتك عن الماضي"‪.‬‬
‫"يا لألسف‪ ،‬سيدي"‪ ،‬أجاب البحار‪" ،‬لقد ُعوقبت بالفعل بشدة‪ ،‬ومن‪NN‬ذ وقت طوي‪NN‬ل ب‪NN‬دأت مش‪NN‬اكلي‪ .‬الم‪NN‬ال‬
‫الذي حصلت عليه بشكل شرير ال يجلب أي خير‪ .‬عندما وص‪NN‬لت إلى الم‪NN‬نزل‪ ،‬اش‪NN‬تريت الم‪NN‬رج الب‪NN‬ائس‬
‫بكثير أكثر مما يستحق‪ ،‬وفي اليوم الذي مشيت فيه عليه‪ ،‬وأشعر بأنه فعلًيا ملكي‪ ،‬انتهت سعادتي‪ .‬ك‪NN‬انت‬
‫كلودين مغرية‪ ،‬ولكن لديها الكثير من العيوب األخرى‪ .‬عندما أدركت كم ك‪NN‬ان ل‪NN‬دينا من الم‪NN‬ال‪ ،‬ظه‪NN‬رت‬
‫هذه العيوب‪ ،‬تماًم ا مثل النار التي تتسرب من قاع السفينة‪ ،‬وتندلع عن‪NN‬دما تفتح األب‪NN‬واب‪ .‬من المج‪NN‬رد أن‬
‫كانت جشعة‪ ،‬أصبحت منتهكة للشهوات‪ .‬في منزلنا كان هناك والئم ال نهاية لها‪ .‬كلما ذهبت إلى البح‪NN‬ر‪،‬‬
‫كانت تستضيف أسوأ النساء في المكان؛ ولم يكن هناك شيء جيد أو مكلف جًدا بالنسبة لهن‪.‬‬
‫كانت تشرب حتى تسقط على السرير‪ .‬حسًنا‪ ،‬في إحدى الليالي‪ ،‬عندما ظنت أنني في روان‪ ،‬عدت بشكل‬
‫غير متوقع‪ .‬دخلت‪ ،‬ووجدتها مع رجل‪ .‬وهذا الرجل‪ ،‬سيدي! ذلك المس‪NN‬خ الب‪NN‬ائس‪ ،‬الق‪NN‬بيح‪ ،‬الق‪NN‬ذر‪ ،‬ال‪NN‬ذي‬
‫يتجنبه الجميع؛ بكلمة كاتب البايليف‪ .‬كان من حقي قتله‪ ،‬مثل الحشرات التي كان‪ ،‬لكنه ك‪NN‬ان كائًن ا بائًس ا‬
‫ج‪ًN‬دا‪ .‬أمس‪N‬كته ب‪N‬العنق وألقيت ب‪N‬ه خ‪N‬ارج الناف‪N‬ذة‪ ،‬دون فتحه‪N‬ا! لم يقتل‪N‬ه ذل‪N‬ك‪ .‬ثم ان‪N‬ددفعت على زوج‪N‬تي‪،‬‬
‫وضربتها حتى لم تستطع الحركة"‪.‬‬
‫تحدث لوروج بصوت خشن‪ ،‬وكان يدفع أحياًنا قبضتيه إلى عينيه‪.‬‬
‫"عفوت عنها"‪ ،‬واصل‪" ،‬لكن الرجل الذي يضرب زوجته ثم يعفو عنها قد ضاع‪ .‬في المستقبل‪ ،‬اتخ‪NN‬ذت‬
‫حذًر ا أفضل‪ ،‬وأصبحت منافقة أكبر‪ ،‬وكان ذلك كل شيء‪ .‬في غض‪NN‬ون ذل‪NN‬ك‪ ،‬اس‪NN‬تعادت الس‪NN‬يدة ج‪NN‬يردي‬
‫طفلها؛ وكان لدى كلودين شيء ال يمنعها‪ .‬تمكنت من خ‪N‬داعي ألك‪N‬ثر من ع‪N‬ام‪ ،‬وهي محمي‪N‬ة ومستش‪N‬ارة‬
‫من قبل والدتها‪ ،‬التي قامت بالعيش معنا بحجة العناية بجاك‪ ،‬وكانت تقوم بخداعي‪ .‬ظننت أنها ق‪NN‬د تخلت‬
‫عن عاداتها السيئة‪ ،‬لكنها لم تفعل ذلك على اإلطالق؛ عاشت حياة مخزية للغاية‪.‬‬
‫أص‪NN‬بح م‪NN‬نزلي مالًذ ا لجمي‪NN‬ع األوغ‪NN‬اد ال‪NN‬ذين ال يفي‪NN‬دون ش‪NN‬يًئا في البالد‪ ،‬حيث ك‪NN‬انت زوج‪NN‬تي تق‪NN‬دم لهم‬
‫زجاجات من النبيذ والبراندي‪ ،‬كلما كنت بعيًدا في البحر‪ ،‬وك‪NN‬انوا يش‪NN‬ربون بش‪NN‬كل عش‪NN‬وائي‪ .‬عن‪NN‬دما نف‪NN‬د‬
‫المال‪ ،‬كتبت إلى الكونت أو عشيقته‪ ،‬واستمرت األعمال الفاضحة‪ .‬في بعض األحيان ك‪NN‬ان ل‪NN‬دي ش‪NN‬كوك‬
‫تزعجني؛ وبدون سبب‪ ،‬لمجرد نعم أو ال‪ ،‬كنت أضربها حتى أتعب‪ ،‬ثم كنت أعف‪NN‬و عنه‪NN‬ا‪ ،‬مث‪NN‬ل الجب‪NN‬ان‪،‬‬
‫مثل األحمق‪ .‬كانت حياة ملعونة‪.‬‬
‫ال أعرف أيهم‪NN‬ا أعط‪NN‬اني المزي‪NN‬د من المتع‪NN‬ة‪ ،‬إم‪NN‬ا عن‪NN‬دما أحتض‪NN‬نها‪ ،‬أو عن‪NN‬دما أض‪NN‬ربها‪ .‬ك‪NN‬ان ج‪NN‬يراني‬
‫يحتقرونني ويتجاهلوني؛ يعتقدون أنني شريك أو ض‪NN‬حية س‪NN‬اذجة‪ .‬س‪NN‬معت بع‪NN‬د ذل‪NN‬ك أنهم يعتق‪NN‬دون أن‪NN‬ني‬
‫استفدت من سلوك زوجتي؛ في حين أنها كانت تدفع لعشاقها‪ .‬على أي ح‪NN‬ال‪ ،‬ك‪NN‬ان الن‪NN‬اس يتس‪NN‬اءلون من‬
‫أين جاء المال الذي أنف‪NN‬ق في م‪NN‬نزلي‪ .‬لتمي‪NN‬يزي عن ابن عمي‪ ،‬ال‪NN‬ذي يحم‪NN‬ل نفس االس‪NN‬م‪ ،‬وض‪NN‬عوا كلم‪NN‬ة‬
‫بغيضة على اسمي‪ .‬ما هو العار! وأنا ال أعرف شيًئا عن كل هذا الفضيحة‪ ،‬ال‪ ،‬ال شيء‪ .‬ألست الزوج؟‬
‫لحسن الحظ‪ ،‬كان والدي الفقير متوفًيا‪".‬‬
‫شعر السيد دابورون بالتعاطف الصادق مع المتحدث‪.‬‬
‫"استرح لحظة‪ ،‬يا صديقي"‪ ،‬قال‪" ،‬ارتِب أفكارك"‪.‬‬

‫"ال"‪ ،‬رد البحار‪" ،‬أفضل أن أنهي األمر بسرعة‪ .‬رجل واحد‪ ،‬الكاهن‪ ،‬كان لديه الرحم‪NN‬ة ليخ‪NN‬برني به‪NN‬ذا‬
‫األمر‪ .‬إذا احتاج ليروج يومًا ما! بدون إض‪NN‬اعة لحظ‪N‬ة‪ ،‬ذهبت ورأيت محامًي ا‪ ،‬وس‪N‬ألته كي‪N‬ف يجب على‬
‫بحار شريف تصرفه إذا كان قد وق‪NN‬ع في ش‪NN‬رفة من يائس‪NN‬ة‪ .‬ق‪NN‬ال إن‪NN‬ه ال يمكن القي‪NN‬ام بش‪NN‬يء‪ .‬ال‪NN‬ذهاب إلى‬
‫المحكمة يعني ببساطة نش‪NN‬ر الع‪NN‬ار الخ‪NN‬اص بالش‪NN‬خص في العلن‪ ،‬وفص‪NN‬له لن يحق‪NN‬ق ش‪NN‬يًئا‪ .‬عن‪NN‬دما يعطي‬
‫الرجل اسمه المرأة‪ ،‬قال لي‪ ،‬فإنه ال يمكن أن يسترَّد ه‪ ،‬فهو ينتمي إليها ط‪NN‬وال حياته‪NN‬ا‪ ،‬ول‪NN‬ديها الح‪NN‬ق في‬
‫التصرف فيه‪ .‬يمكنها أن تدنس‪NN‬ه‪ ،‬وتغطي‪NN‬ه بالوح‪NN‬ل‪ ،‬وتج‪NN‬ره من مح‪NN‬ل آلخ‪NN‬ر‪ ،‬وال يس‪NN‬تطيع زوجه‪NN‬ا فع‪NN‬ل‬
‫شيء‪ .‬وبم‪NN‬ا أن ه‪NN‬ذا ه‪NN‬و الح‪NN‬ال‪ ،‬تم اتخ‪NN‬اذ ق‪NN‬راري بس‪NN‬رعة‪ .‬في نفس الي‪NN‬وم‪ ،‬ب‪NN‬اعت األرض المش‪NN‬ؤومة‪،‬‬
‫وأرسلت عائ‪NN‬داتها إلى كل‪NN‬ودين‪ ،‬وأردت ع‪NN‬دم االحتف‪NN‬اظ ب‪NN‬أي ش‪NN‬يء من ثمن الع‪NN‬ار‪ .‬ثم كتبت له‪NN‬ا رس‪NN‬الة‬
‫أخبرتها فيها أنها لن تسمع عني مجددًا‪ ،‬وأنني لست لها بشيء‪ ،‬وأنه‪NN‬ا يمكن أن تعت‪NN‬بر نفس‪NN‬ها أرمل‪NN‬ة‪ .‬في‬
‫نفس الليلة‪ ،‬غادرت مع ابني"‪.‬‬
‫"وماذا حدث لزوجتك بعد رحيلك؟"‬
‫"ال يمكنني القول‪ ،‬سيدي؛ فقط أعلم أنها غادرت المنطقة بعد عام من رحيلي‪".‬‬
‫"هل عشت معها منذ ذلك الحين؟"‬
‫"ال أبًدا‪".‬‬
‫"لكنك كنت في منزلها قبل ثالثة أيام من ارتكاب الجريمة‪".‬‬
‫"صحيح‪ ،‬ولكن كان ذلك ضرورًيا تماًم ا‪ .‬كانت لدي الكثير من المت‪N‬اعب في العث‪N‬ور عليه‪N‬ا‪ ،‬لم يكن أح‪N‬د‬
‫يعرف ماذا حدث له‪NN‬ا‪ .‬لحس‪NN‬ن الح‪NN‬ظ‪ ،‬اس‪NN‬تطاع ك‪NN‬اتب الع‪NN‬دل الخ‪NN‬اص بي الحص‪NN‬ول على عن‪NN‬وان الس‪NN‬يدة‬
‫جيردي؛ كتب لها‪ ،‬وهكذا علمت أن كلودين تعيش في ال جونشير‪ .‬كنت حينها في روما‪ .‬عرض الك‪NN‬ابتن‬
‫جيرفيه‪ ،‬الذي هو صديق لي‪ ،‬أن يأخذني إلى باريس على قاربه‪ ،‬وقبلت‪ .‬آه‪ ،‬يا سيدي‪ ،‬ما صدمة شعرت‬
‫بها عندما دخلت منزلها!‬
‫زوجتي لم تعرفني! بسبب أنها ك‪NN‬انت تخ‪NN‬بر الجمي‪NN‬ع باس‪NN‬تمرار أن‪NN‬ني ميت‪ ،‬لم يكن ل‪NN‬ديهاا ش‪NN‬ك في ذل‪NN‬ك‪.‬‬
‫عندما قلت لها اسمي‪ ،‬سقطت على كرس‪NN‬يها‪ .‬ه‪NN‬ذه الس‪NN‬يدة البائس‪NN‬ة لم تتغ‪NN‬ير على اإلطالق؛ ك‪NN‬ان بجانبه‪NN‬ا‬
‫كأس وزجاجة براندي ‪" -‬‬
‫"كل هذا ال يفسر لماذا ذهبت للبحث عن زوجتك‪".‬‬
‫"كان األمر يتعلق بجاك‪ ،‬يا سيدي‪ .‬تحول الصبي إلى رجل‪ ،‬ويريد الزواج‪ .‬ل‪NN‬ذلك‪ ،‬ك‪NN‬ان من الض‪NN‬روري‬
‫الحصول على موافقة والدته؛ وكنت أحضر لكلودين وثيقة رسمها الكاتب العدل‪ ،‬ووقعت عليها‪ .‬هذا ه‪NN‬و‬
‫الوثيقة‪".‬‬
‫أخذ السيد دابورون الورقة وبدا يقرأه‪NN‬ا بعناي‪NN‬ة‪ .‬بع‪NN‬د لحظ‪NN‬ة‪ ،‬س‪NN‬أل‪" :‬ه‪NN‬ل فك‪NN‬رت في من يمكن أن يك‪NN‬ون‬
‫الجاني الذي قتل زوجتك؟"‬
‫لم يرد لوروج‪.‬‬
‫"هل تشتبه في أحد؟" استمر القاضي‪.‬‬
‫"حسًنا‪ ،‬يا سيدي"‪ ،‬أجاب البحار‪" ،‬ماذا يمك‪NN‬ني أن أق‪NN‬ول؟ اعتق‪NN‬دت أن كل‪NN‬ودين ق‪NN‬د أرهقت الن‪NN‬اس ال‪NN‬ذين‬
‫تسحب منهم المال‪ ،‬أو أنها تخمرت يوًم ا ما وتحدثت بحرية شديدة‪".‬‬
‫بعد إكمال الشهادة بأكمله‪NN‬ا‪ ،‬أطل‪NN‬ق الس‪NN‬يد داب‪NN‬ورون س‪NN‬راح ل‪NN‬وروج‪ ،‬وفي ال‪NN‬وقت نفس‪NN‬ه ق‪NN‬ال ل‪NN‬ه بانتظ‪NN‬ار‬
‫جيفرول الذي سيأخذه إلى فندق حيث يمكنه االنتظار تحت تصرف العدالة حتى إشعار آخر‪.‬‬
‫"سيتم دفع جميع نفقاتك"‪ ،‬أضاف القاضي‪.‬‬
‫لم يمِض الكثير من الوقت حتى حدث ح‪N‬دث غ‪N‬ير ع‪N‬ادي ولم يح‪N‬دث من قب‪N‬ل في مكتب القاض‪NN‬ي‪ .‬ص‪NN‬عد‬
‫كونستان‪ ،‬الرجل الجاد والمبهم والصامت واألصم‪ ،‬من مقعده وتحدث‪.‬‬
‫كسر الصمت الذي دام خمسة عشر عاًم ا‪ .‬نسي نفسه حتى وصل إلى تقديم رأي‪.‬‬
‫"هذا‪ ،‬يا سيدي"‪ ،‬قال‪" ،‬أمر غير عادي للغاية‪".‬‬
‫فعًال‪ ،‬أمر غير عادي للغاية‪ ،‬فكر السيد دابورون‪ ،‬ومن المحتمل أن يقلب كل التوقعات واآلراء المسبقة‪.‬‬
‫لماذا تحرك هو‪ ،‬القاضي‪ ،‬بمثل هذه العجلة المش‪NN‬ينة؟ لم‪NN‬اذا قب‪NN‬ل المخ‪NN‬اطرة ب‪NN‬أي ش‪NN‬يء‪ ،‬لم ينتظ‪NN‬ر ح‪NN‬تى‬
‫يمتلك كل عناصر هذه القضية المهمة‪ ،‬ويمسك بكل خيوط هذه المأساة المعقدة؟‬
‫يتهم العدل بالبطء؛ لكن ه‪N‬ذا البطء بالض‪NN‬بط ه‪N‬و م‪N‬ا يش‪N‬كل قوت‪N‬ه وثبات‪N‬ه وتقريًب ا ال يخطئ‪ .‬من الص‪NN‬عب‬
‫معرفة متى تظهر األدلة‪ .‬ال يمكن معرف‪NN‬ة م‪NN‬ا ق‪NN‬د يكش‪NN‬فه ش‪NN‬هادة مهم‪NN‬ة من التحقيق‪NN‬ات ال‪NN‬تي تب‪NN‬دو عديم‪NN‬ة‬
‫الفائدة‪.‬‬

‫عندما يبدو التشابك بين المشاعر والدوافع المختلفة مستعص‪NN‬يًا‪ ،‬يظه‪N‬ر ش‪N‬خص غ‪N‬ير مع‪N‬روف‪ ،‬ق‪NN‬ادم من‬
‫مكان ال يعرفه أحد‪ ،‬وهو الذي يشرح كل شيء‪.‬‬
‫اعتبر السيد دابورون‪ ،‬الذي كان عادة أكثر الرجال حذرًا‪ ،‬أن أحد أكثر القضايا تعقيًدا كانت بسيطة‪ .‬كان‬
‫يتصرف في جريمة غامضة‪ ،‬وال‪NN‬تي تتطلب أقص‪NN‬ى درج‪NN‬ات الح‪NN‬ذر‪ ،‬بال مب‪NN‬االة كأنه‪NN‬ا قض‪NN‬ية من الجنح‬
‫البسيطة‪ .‬لماذا؟ ألن ذاكرته لم تترك له تصورا حرا‪ ،‬حكمًا‪ ،‬وتمييزًا‪ .‬كان يخشى كونه ضعيف وانتقامي‬
‫على حد سواء‪ .‬كان يعتقد أنه واثق من حقائق‪N‬ه‪ ،‬ل‪N‬ذلك تس‪N‬بب الع‪N‬داء في اندفاع‪N‬ه‪ .‬وم‪N‬ع ذل‪N‬ك‪ ،‬كم م‪N‬رة لم‬
‫يسأل نفسه‪ :‬أين الواجب؟ لكن عندما يك‪NN‬ون الم‪NN‬رء م‪NN‬ترددا ح‪NN‬ول ال‪NN‬واجب إلى ح‪NN‬د م‪NN‬ا‪ ،‬فإن‪NN‬ه يك‪NN‬ون على‬
‫الطريق الخطأ‪.‬‬
‫الجانب الفريد في كل هذا األمر هو أن أخطاء القاضي نشأت من صدقه الشديد‪ .‬لقد أضلته رق‪NN‬ة ض‪NN‬ميره‬
‫الزائدة‪ .‬الشكوك التي أزعجته مألت عقله باألشباح‪ ،‬وحفزت في داخله العداء العاطفي الذي عرض‪NN‬ه في‬
‫لحظة معينة‪.‬‬

‫واآلن‪ ،‬وهو أكثر هدوًء ا‪ ،‬فحص القضية بشكل أكثر صواًبا‪ .‬في المجمل‪ ،‬شكًر ا هلل‪ ،‬لم يتم فعل أي ش‪NN‬يء‬
‫ال يمكن إصالحه‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬لم يتهم نفسه بلطف أكثر من ذلك‪ .‬الصدفة وحدها منعته‪ .‬في تل‪NN‬ك اللحظ‪NN‬ة‪،‬‬
‫قرر أال يقوم بأي تحقيق آخر‪ .‬لقد ألهمته مهنته من اآلن فصاعًدا بكراهية ال يمكن التغلب عليها‪.‬‬

‫ثم عاد إلى األعمال المطلوبة‪ .‬على أي حال‪ ،‬سواء كان بريًئا أو مذنًبا‪ ،‬فإن ألبرت كان حًقا الفيكونت دي‬
‫كومارين‪ ،‬االبن الشرعي للكونت‪ .‬ولكن هل كان مذنًبا؟ بوضوح لم يكن كذلك‪.‬‬

‫"أعتقد‪ "،‬صاح السيد دابورون فجأة‪" ،‬أنه يجب أن أتحدث إلى الكونت دي كوم‪N‬ارين‪ .‬كونس‪N‬تان‪ ،‬أرس‪N‬ل‬
‫رسالة إلى منزله ليأتي هنا على الفور؛ إذا لم يكن في المنزل‪ ،‬يجب البحث عنه‪".‬‬

‫شعر السيد دابورون بأن مهمة غير مستحبة كانت أمام‪NN‬ه‪ .‬سيض‪NN‬طر إلى ق‪NN‬ول للنبي‪NN‬ل العج‪NN‬وز‪" :‬س‪NN‬يدي‪،‬‬
‫ابنك الشرعي ليس نويل‪ ،‬بل ألبرت‪ ".‬ما هي الموقف‪ ،‬ال فقط مؤلمة‪ ،‬بل تقريًبا تتخطى الس‪NN‬خرية! ولكن‬
‫كتعويض‪ ،‬يمكنه أن يخبره أن ألبرت بريء‪.‬‬
‫سيكون عليه أيًض ا أن يخبر نويل الحقيقة‪ :‬إنزاله إلى األرض بعد رفعه إلى الس‪N‬حاب‪ .‬م‪N‬اذا س‪N‬يكون ذل‪N‬ك‬
‫من ضربة! ولكن بال شك‪ ،‬سيقدم الكونت له بعض التعويض؛ على األقل‪ ،‬يجب أن يفعل ذلك‪.‬‬

‫"اآلن"‪ ،‬همس القاضي‪" ،‬من يمكن أن يكون الجاني؟"‬


‫عبرت فكرة على باله‪ ،‬في البداية بدت ل‪N‬ه س‪N‬خيفة‪ .‬رفض‪NN‬ها‪ ،‬ثم فك‪N‬ر فيه‪N‬ا م‪N‬رة أخ‪N‬رى‪ .‬فحص‪NN‬ها بجمي‪N‬ع‬
‫جوانبها المختلفة‪ .‬كاد يعتمدها‪ ،‬عندما دخل السيد دي كومارين‪ .‬وص‪NN‬ل رس‪NN‬ول الس‪NN‬يد داب‪NN‬ورون في تل‪NN‬ك‬
‫اللحظة التي كان فيها الكونت ينزل من عربته‪ ،‬بعد عودته مع كلير من منزل السيدة جيردي‪.‬‬

‫الفصل ‪18‬‬

‫تحدث السيد تاباري العجوز‪ ،‬لكنه أيًض ا عمل بجدية‪.‬‬

‫تم التخلي عنه من قبل قاضي التحقيق وترك له العمل بمفرده‪ ،‬لكنه بدأ العمل فوًر ا دون إضاعة لحظة‬
‫ودون أخذ لحظة راحة‪.‬‬
‫كانت قصة الكابريوليه‪ ،‬الذي يجره حصان سريع‪ ،‬دقيقة في كل تفصيل‪.‬‬
‫وبسخاء من ناحية المال‪ ،‬جمع العجوز عشرة محققين متقاعدين أو مجرمين بال عمل؛ وبقيادة صديقه‬
‫ليكوك‪ ،‬توجه إلى بوجيفال‪.‬‬
‫فعلًيا‪ ،‬بحث في الريف‪ ،‬بيًتا بيًتا‪ ،‬بعناد وصبر شخص مجنون يبحث عن إبرة في كومة قش‪.‬‬
‫ولم تذهب جهوده سدى تماًم ا‪.‬‬
‫بعد ثالثة أيام من التحقيق‪ ،‬شعر باالطمئنان النسبي بأن القاتل لم ينزل من القطار في رويل‪ ،‬كما يفعل‬
‫كل أهالي بوجيفال وال جونشير ومارلي‪ ،‬بل تابع الرحلة حتى شاتو‪.‬‬
‫ظن تاباري أنه تعرف عليه في شخص وصف له من قبل حاملي األمتعة في تلك المحطة بأنه شاب‬
‫وسيم ذو شارب أسود‪ ،‬يحمل معطًفا ومظلة‪.‬‬
‫كان هذا الشخص‪ ،‬الذي وصل بالقطار الذي غادر باريس إلى سان جرمان في الثامنة وخمسة وثالثين‬
‫دقيقة مساًء ‪ ،‬يبدو عليه عجلة شديدة‪.‬‬
‫عند خروجه من المحطة‪ ،‬انطلق بخطى سريعة على الطريق الذي يؤدي إلى بوجيفال‪ .‬وفي الطريق‪،‬‬
‫الحظه رجالن من مارلي وامرأة من ال مالميزون بسبب سرعته‪ .‬كان يدخن بينما يسرع مسرًعا‪.‬‬
‫عند عبوره الجسر الذي يصل بين الضفتين لنهر السين في بوجيفال‪ ،‬لفت انتباه المزيد من الناس إليه‪.‬‬
‫من المعتاد دفع رسوم عبور هذا الجسر‪ .‬ويبدو أن المفترض به كان قد نسي هذه الظروف‪ .‬فقد مر دون‬
‫دفع الرسوم‪ ،‬واستمر بخطواته السريعة‪ ،‬وضع كوعيه على جانبيه‪ ،‬وحافظ على نفسه‪ ،‬وكان على‬
‫حارس البوابة أن يجري خلفه ألخذ الرسوم‪.‬‬
‫وقد شعر المرء باإلزعاج الشديد بسبب هذه الظروف‪ ،‬ورمى الرجل عشرة سنتيمات وهرع‪ ،‬دون‬
‫انتظار السنتيمات التسع المتبقية‪.‬‬
‫ولم يتوقف األمر عند هذا الحد‪.‬‬
‫فمحطة القطار في رويل تذكرت أنه‪ ،‬قبل دقيقتين من وصول القطار الساعة العاشرة والربع‪ ،‬وصل‬
‫راكب مضطرب جدا‪ ،‬وكان على وشك االنفجار من شدة النفس‪ ،‬حتى ال يستطيع أن يطلب تذكرة‬
‫الدرجة الثانية إلى باريس‪.‬‬
‫وكان مظهر هذا الرجل يتطابق تماًم ا مع الوصف الذي قدمه الحمالون في شاتو وحارس البوابة على‬
‫الجسر‪.‬‬
‫وأخيًر ا‪ ،‬اعتقد الرجل العجوز أنه على أثر شخص دخل العربة نفسها التي دخلها الراكب المنفعل‪ .‬وكان‬
‫قد أخبر عن خباز يعيش في أسنيير‪ ،‬وقد كتب إليه‪ ،‬طالًبا منه أن يزور منزله‪.‬‬
‫هذه كانت معلومات الرجل العجوز تاباريه‪ ،‬عندما زار صباح اإلثنين قصر العدالة‪ ،‬لمعرفة ما إذا كان‬
‫سجل حياة األرملة لوروج السابق قد وصل‪ .‬ووجد أنه لم يصل شيء‪ ،‬لكنه التقى جيفرول ورجله في‬
‫الممر‪.‬‬
‫وكان رئيس المحققين فخوًرا وأظهر ذلك أيًض ا‪ .‬فور رؤيته لتاباريه‪ ،‬صرخ‪" :‬حسًنا‪ ،‬صياد الخيالة‬
‫الشهير‪ ،‬ما هي األخبار؟ هل أعدمت أي أوغاد منذ اليوم اآلخر؟ أنت الغشاش القديم‪ ،‬تريد أن تطردني‬
‫من مكاني يبدو!"‬
‫وكان الرجل العجوز قد تغير كثيًرا‪.‬‬
‫فالوعي بخطأه جعله متواضًعا ووديًعا‪ .‬وهذه الكلمات الطريفة‪ ،‬التي كانت قد أثارت غضبه قبل بضعة‬
‫أيام‪ ،‬اآلن لم تلمسه‪ .‬بدًال من االنتقام‪ ،‬انحنى رأسه بطريقة تائبة حتى استغرب جيفرول‪.‬‬
‫"استهزئ بي‪ ،‬السيد جيفرول الطيب"‪،‬أجاب الرجل العجوز‪" ،‬استهزئ بي دون رحمة؛ فأنت على حق‪،‬‬
‫أستحق كل ذلك"‪.‬‬

‫"آه‪ ،‬تعال اآلن"‪ ،‬قال الرئيس "أليس قد قمت ببعض األعمال الرائعة الجديدة‪ ،‬يا رجل عجوز متهور؟"‬
‫هز الرجل العجوز تاباريت رأسه بحزن‪.‬‬
‫"لقد أسلمت رجًال بريًئا"‪ ،‬قال "والعدالة لن تعيده حريته"‪.‬‬
‫كان جيفرول سعيًدا ويفرك يديه حتى تقريًبا تحطمت الجلد‪.‬‬
‫"هذا رائع"‪ ،‬صرخ "هذا رائع‪ .‬إن تقديم الجناة للعدالة ال يعني شيًئا على اإلطالق‪ .‬ولكن لتحرير‬
‫األبرياء‪ ،‬يا لها من فنية‪ .‬أنت تيراكلير‪ ،‬أنت عجوز عظيم وأنا أنحني أمامك‪".‬‬
‫وفي الوقت نفسه‪ ،‬رفع قبعته بسخرية‪.‬‬
‫"ال تسحقني"‪ ،‬رد الرجل العجوز "كما تعلم‪ ،‬على الرغم من شعري الرمادي‪ ،‬فأنا شاب في المهنة‪ .‬ألن‬
‫الصدف كانت تخدمني ثالث أو أربع مرات‪ ،‬أصبحت فخوًر ا بغباء‪ .‬لقد تعلمت في وقت متأخر أنني‬
‫لست كل ما كنت أعتقد نفسي‪ ،‬فأنا مجرد مبتدئ‪ ،‬والنجاح قد أدخلني في ذهول‪ ،‬بينما أنت‪ ،‬السيد‬
‫جيفرول‪ ،‬أنت سيدنا جميعًا‪ .‬بدًال من الضحك‪ ،‬أرجوك‪ ،‬ساعدني‪ ،‬وقدم لي نصيحتك وخبرتك‪ .‬وحده‪ ،‬ال‬
‫يمكنني فعل أي شيء‪ ،‬بينما مع مساعدتك ‪"...‬‬
‫كان جيفرول مغروًر ا بأعلى درجة‪.‬‬
‫االنضمام الرجل العجوز تاباريت له كمحقق أثار ادعاءاته بشكل كبير‪ ،‬ألنه في الواقع كان يعتقد أن‬
‫الرجل العجوز ذكًيا جًدا‪ .‬وكان هذا يلينه‪.‬‬
‫"أفترض"‪ ،‬قال بتعالي "أنك تشير إلى قضية ال جونشير؟"‬
‫"آه‪ ،‬نعم‪ ،‬عزيزي السيد جيفرول‪ ،‬أردت العمل بدون مساعدتك‪ ،‬وأوقعت نفسي في حالة سيئة جدًا‪".‬‬
‫حافظ الرجل العجوز تاباريت على مالمحه باعتباره تائًبا مثل مالمح قسيس تم اكتشافه وهو يتناول‬
‫اللحم في يوم الجمعة‪ ،‬ولكنه كان يضحك ويفرح في داخله‪.‬‬
‫"أحمق مغرور!"‪ ،‬فكر "سأمدحك كثيًر ا حتى تنتهي بفعل كل ما أريد‪".‬‬

‫رجل الشرطة جفرول حّك أنفه وأخرج شفتيه السفليتين‪ ،‬وقال‪" :‬آه‪ ،‬همم!"‪.‬‬
‫تظاهر بالتردد‪ ،‬لكن هذا األمر كان فقط ألنه استمتع بتأجيل إحراج المحقق الهاوي العجوز‪.‬‬
‫"تعال‪ "،‬قال أخيًر ا‪" ،‬انبسط‪ ،‬يا تيراكلير العجوز‪ .‬أنا شخص جيد في األساس‪ ،‬وسأساعدك‪ .‬هذا لطيف‪،‬‬
‫أليس كذلك؟ ولكن اليوم‪ ،‬أنا مشغول جًدا‪ ،‬لدي موعد للحفاظ عليه‪ .‬تعال إلّي غًدا في الصباح‪ ،‬وسنتحدث‬
‫عن ذلك‪ .‬ولكن قبل أن نفترق‪ ،‬سأعطيك ضوًء ا لتجد طريقك به‪ .‬هل تعرف من هو الشاهد الذي قدمته؟"‬
‫"ال‪ ،‬ولكن قل لي‪ ،‬يا حسن سيدي جيفرول‪".‬‬

‫"حسًنا‪ ،‬ذلك الرجل هناك على المقعد الذي ينتظر السيد دابورون هو زوج الضحية في مأساة ال‬
‫جونشير!"‬
‫"هل هذا ممكن؟" صاح العجوز تاباريه‪ ،‬مذهواًل تماًم ا‪ .‬ثم‪ ،‬بعد التفكير لحظة‪ ،‬أضاف‪" :‬أنت تمزح‬
‫معي‪".‬‬
‫"ال‪ ،‬بكالمي هذا‪ .‬اذهب واسأله عن اسمه؛ سيخبرك أن اسمه بيير ليروج‪".‬‬
‫"إذن‪ ،‬لم تكن أرملة؟"‬
‫"يبدو أنها لم تكن‪ "،‬رد جفرول بسخرية‪" ،‬حيث هو زوجها السعيد‪".‬‬
‫"يالها من صاعقة!" هّم الرجل العجوز‪" .‬وهل يعرف أي شيء؟"‬
‫في بضع جمل‪ ،‬شرح رئيس المحققين لزميله الهاوي القصة التي كان ينوي ليروج أن يرويها للقاضي‬
‫التحقيق‪.‬‬
‫"ماذا تقول عن ذلك؟" سأله عندما وصل إلى نهاية القصة‪.‬‬
‫"ماذا أقول عن ذلك؟" تلثم العجوز تاباريه‪ ،‬الذي كانت مالمحه تشير إلى الدهشة الشديدة‪" .‬ماذا أقول‬
‫عن ذلك؟ ال أقول شيًئا‪ .‬لكني أعتقد‪ ،‬ال‪ ،‬ال أعتقد أي شيء أيًضا!"‪.‬‬
‫"مفاجأة طفيفة‪ ،‬أليس كذلك؟" قال جفرول وهو يضيء‪" .‬قل بل مفاجأة ضخمة"‪ ،‬أجاب تاباريه‪.‬‬
‫لكن فجأة بدأ يتحرك وضرب جبينه بشدة بيده‪.‬‬
‫وهو يصرخ‪" :‬وصاحب المخبز الخاص بي!"‪" ،‬سأراك غًدا‪ ،‬يا سيدي جيفرول"‪" .‬هذا الرجل‬
‫مجنون"‪ ،‬فكر رئيس المحققين‪.‬‬
‫الرجل العجوز كان عاقاًل بما يكفي‪ ،‬لكنه فجأة تذكر خباز آسنييه‪ ،‬الذي طلب منه االتصال به في منزله‪.‬‬
‫هل سيجده هناك؟‬
‫عندما نزل الدرج‪ ،‬التقى بالسيد دابورون؛ ولكن كما رأينا سابًقا‪ ،‬لم يرد إال بصعوبة عليه‪.‬‬
‫سرعان ما خرج إلى الخارج‪ ،‬وركض على طول الرصيف‪.‬‬
‫"اآلن"‪ ،‬قال لنفسه‪" ،‬لنفكر‪ .‬نويل عاد إلى كونه نويل جيردي‪ .‬لن يشعر باالرتياح كثيًر ا‪ ،‬ألنه كان يفكر‬
‫في وجود اسم عريق‪ .‬إًذ ا‪ ،‬إن أراد‪ ،‬سأتبناه‪ .‬تاباريه ال يبدو جيًدا مثل كومارين‪ ،‬ولكنه على األقل اسم‪.‬‬
‫على أي حال‪ ،‬ال يؤثر قصة جيفرول على وضع ألبرت أو على إداناتي‪ .‬إنه االبن الشرعي؛ وهذا أفضل‬
‫بالنسبة له! ومع ذلك‪ ،‬لن يثبت لي براءته‪ ،‬إذا كنت أشك فيها‪ .‬فهو لم يعرف شيًئا عن هذه الظروف‬
‫المذهلة‪ ،‬على األقل كما كان والده‪ .‬يجب أن يكون قد ظن أن االستبدال قد حدث‪ .‬وكذلك‪ ،‬يجب أن تكون‬
‫السيدة جيردي ال تعرف هذه الحقائق؛ فربما ابتكرت قصة لتفسير الندبة‪ .‬ولكن السيدة جيردي على‬
‫األرجح عرفت أن نويل هو ابنها الحقيقي‪ ،‬فعندما عاد إليها‪ ،‬بالتأكيد بحثت عن العالمة التي وضعتها‬
‫عليه‪ .‬ثم‪ ،‬عندما اكتشف نويل رسائل الكونت‪ ،‬يجب أن تسرعت السيدة جيردي في شرح األمر له ‪"-‬‬
‫توقف الرجل العجوز تاباريه فجأة‪ ،‬كما لو كان التقدم أمامه عرضة لخطر ما‪ .‬كان مرعوًبا من‬
‫االستنتاج الذي توصل إليه‪.‬‬
‫"إذن‪ ،‬يجب أن يكون نويل قد اغتال األرملة ليروج‪ ،‬لمنعها من االعتراف بأن االستبدال لم يحدث‪،‬‬
‫وحرق الرسائل واألوراق التي تثبت ذلك!"‬
‫لكنه رفض هذا االفتراض برهبة‪ ،‬كما يطرد كل رجل شريف فكرة مشينة تدخل عقله بالصدفة‪.‬‬
‫"يا له من أحمق عجوز!"‪ ،‬صاح وهو يستأنف مشيه؛ "هذا هو نتيجة المهنة الرهيبة التي كنت أفتخر‬
‫بممارستها في السابق! الشك في نويل‪ ،‬صبيي‪ ،‬وريثي الوحيد‪ ،‬الشخصية الرمزية للفضيلة والشرف!‬
‫نويل‪ ،‬الذي علمت خالل عشر سنوات من التواصل الدائم بأنني أحترمه وأعجب به إلى درجة أنني‬
‫سأتحدث من أجله كما لو كنت أتحدث لنفسي! يجب أن يكون رجال طبقته يتحركون بعواطف قوية جًدا‬
‫لجعلهم يسفكون الدماء؛ ولقد عرفت نويل دائًم ا بأن لديه اثنتين فقط من العواطف‪ ،‬والدته ومهنته‪.‬‬
‫وأجدت أن أتنفس الشك بشأن هذه الروح النبيلة؟ يجب أن أكون معاقًبا! يا مجنون قديم! أليست الدرس‬
‫الذي تلقيته بالفعل مرعًبا بما فيه الكفاية؟ ألن تكون أكثر حذًرا مرة أخرى؟"‬
‫وهكذا استدل‪ ،‬حاول تجاهل أفكاره المزعجة وكبح عادته الدائمة في البحث‪ ،‬لكن في قلبه‪ ،‬صوًتا مؤلًم ا‬
‫كان يهمس باستمرار‪" :‬ماذا لو كان نويل؟"‪ .‬وصل أخيًر ا إلى شارع سانت الزار‪ ،‬وأمام باب بيته وجد‬
‫حصاًنا رائًعا مربوًطا بعربة زرقاء أنيقة‪.‬‬
‫وعندما رأى ذلك‪ ،‬توقف وقال لنفسه‪" :‬حيوان جميل! يبدو أن المستأجرين يستقبلون أشخاًص ا مهمين"‪.‬‬
‫ويبدو أنهم يستقبلون أيًضا زواًر ا من الطبق‪NN‬ة المعاكس‪NN‬ة‪ ،‬ففي ذل‪NN‬ك ال‪NN‬وقت‪ ،‬رأى الس‪NN‬يد كل‪NN‬يرجو يخ‪NN‬رج‪،‬‬
‫الس‪NN‬يد الك‪NN‬ريم كل‪NN‬يرجو‪ ،‬ال‪NN‬ذي يكش‪NN‬ف وج‪NN‬وده في م‪NN‬نزل عن اإلفالس تماًم ا كم‪NN‬ا يعلن وج‪NN‬ود المنظمين‬
‫للجنازات عن وفاة‪ .‬وقف المحقق العجوز‪ ،‬الذي يعرف الجميع‪ ،‬وكان يعرف البنكير بشكل جيد‪.‬‬
‫حتى قام بالتعامل معه مرة واحدة عندما كان يجمع الكتب‪ .‬ووقف وسأله‪" :‬هل ل‪NN‬ديك عمالء في بي‪NN‬تي ي‪NN‬ا‬
‫تمساح قديم؟" فرد السيد كليرجو بجفاء‪ ،‬ألنه ال يحب التعامل بتل‪N‬ك الودي‪N‬ة‪" :‬يب‪N‬دو ذل‪N‬ك"‪ .‬فق‪N‬ال العج‪N‬وز‬
‫تاباريه بفضول طبيعي ألي مالك عقاري يجب أن يكون ح‪NN‬ذًرا ج‪ًNN‬دا بش‪NN‬أن الحال‪NN‬ة المالي‪NN‬ة للمس‪NN‬تأجرين‪:‬‬
‫"من تفسد اآلن؟!" فأجاب السيد كليرجو بمظهر من الكرامة المسيئة‪" :‬أنا ال أفسد أحًدا‪ ،‬هل كنت تشتكي‬
‫مني عندما كنا نتعامل مًعا في السابق؟ ال أعتقد ذلك‪ .‬سألمح للمحامي الشاب ال‪NN‬ذي يعيش هن‪NN‬اك ع‪NN‬ني إذا‬
‫كنت تريد‪ ،‬وسيخبرك إذا كان لديه أي سبب ليندم على معرفتي"‪.‬‬

‫أنتجت هذه الكلمات انطباًعا مؤلًم ا على تاباريه العجوز‪ .‬ماذا؟ نويل‪ ،‬الحذر نويل‪ ،‬أح‪NN‬د زب‪NN‬ائن كل‪NN‬يرجو؟‬
‫ماذا يعني هذا؟ لربما ال يوجد ضرر في ذلك‪ ،‬ولكنه ت‪NN‬ذكر الـ ‪ ١٥‬أل‪NN‬ف فرن‪NN‬ك ال‪NN‬تي قرض‪NN‬ها لنوي‪NN‬ل ي‪NN‬وم‬
‫الخميس‪" .‬نعم"‪ ،‬قال‪ ،‬متمنًيا الحصول على مزي‪NN‬د من المعلوم‪NN‬ات‪" ،‬أعلم أن الس‪NN‬يد ج‪NN‬يردي ينف‪NN‬ق مبلًغ ا‬
‫جمياًل جًدا"‪ .‬وكان كليرجو يتمتع بالرقة عندما يتعلق األمر بالدفاع عن عمالئه‪.‬‬
‫"إنها ليست هو شخصًيا‪ "،‬اعترض‪" ،‬التي ترقص بالمال؛ إنها امرأة صغيرة ساحرة للغاي‪NN‬ة‪ .‬أه‪ ،‬إنه‪NN‬ا ال‬
‫تزيد طواًل على إصبعك‪ ،‬لكنها ستأكل الشيطان‪ ،‬نعم‪ ،‬القرون والحواف!"‪.‬‬
‫ماذا! لدى نويل عشيقة‪ ،‬امرأة يعتبرها كليرجو نفسه‪ ،‬صديق المخلوقات من هذا النوع‪ ،‬مكلف‪NN‬ة! ظه‪NN‬رت‬
‫هذه الكشفية‪ ،‬في مثل هذه اللحظة‪ ،‬وخرقت قلب العج‪NN‬وز‪ .‬ولكن‪NN‬ه تظ‪NN‬اهر‪ ،‬فاإليم‪NN‬اءة أو النظ‪NN‬رة يمكن أن‬
‫تثير شك الربا‪ ،‬وتغلق فمه‪.‬‬
‫"هذا معروف جيًدا"‪ ،‬أجاب تاباريه بلهف‪NN‬ة غ‪NN‬ير مبالي‪NN‬ة‪" ،‬يجب أن يك‪NN‬ون للش‪NN‬باب يوم‪NN‬ه‪ .‬ولكن م‪NN‬ا ال‪NN‬ذي‬
‫تفترض أن تكلفه الفتاة في السنة؟"‪.‬‬
‫"أوه‪ ،‬ال أعرف! ارتكب خط‪ًN‬أ في ع‪NN‬دم تحدي‪NN‬د الس‪NN‬عر معه‪NN‬ا‪ .‬وبحس‪NN‬ب تق‪NN‬ديري‪ ،‬يجب أن يكلفه‪NN‬ا‪ ،‬خالل‬
‫األربع سنوات التي كانت تحت حمايته‪ ،‬قرابة خمسمائة ألف فرنك"‪.‬‬
‫أربع سنوات؟ خمسمائة ألف فرنك! انفجرت هذه الكلم‪NN‬ات واألرق‪NN‬ام كقناب‪NN‬ل في دم‪NN‬اغ تاباري‪NN‬ه العج‪NN‬وز‪.‬‬
‫نصف مليون! في هذه الحالة‪ ،‬كان نويل على حافة اإلفالس‪ .‬ولكن ثم‪...‬‬
‫"إنها كثيرة ج‪ًNN‬دا"‪ ،‬ق‪NN‬ال‪ ،‬ناجًح ا في إخف‪NN‬اء ت‪NN‬أثره بجه‪NN‬ود يائس‪NN‬ة‪" ،‬إنه‪NN‬ا هائل‪NN‬ة‪ .‬لكن الس‪NN‬يد ج‪NN‬يردي لدي‪NN‬ه‬
‫موارد"‪.‬‬
‫"هو!"‪ ،‬انقطع الربا‪ ،‬مرتجًفا كتفيه‪" .‬ال شيء‪ ،‬حتى ذلك!"‪ ،‬أضاف‪ ،‬معتقًدا أن‪NN‬ه ال يوج‪NN‬د ش‪NN‬يء يس‪NN‬تحق‬
‫حتى االهتمام‪" ،‬لقد أفرغ محك الجيب‪ .‬ولكن إذا كان يدين لك ب‪NN‬أي مبل‪NN‬غ‪ ،‬ال تقل‪NN‬ق‪ .‬إن‪NN‬ه كلب م‪NN‬اكر‪ .‬إن‪NN‬ه‬
‫سيتزوج‪ ،‬ولقد جددت فواتيره لمبلغ ‪ 26‬ألف فرنك للتو‪ .‬وداًعا‪ ،‬السيد تاباريه"‪.‬‬

‫ركض الرباع بعيًدا‪ ،‬وترك العجوز الفقير واقًفا كالحجر في وسط الرصيف‪ .‬شعر بشيء من ذلك الحزن‬
‫الرهيب الذي يكسر قلب األب عندما يبدأ في تدريك أن ابنه األحبب ربما يكون أسوأ األوغاد‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬كان ثقته بنويل عالية لدرجة أن‪N‬ه ح‪N‬ارب م‪N‬ع عقل‪N‬ه لمقاوم‪N‬ة الش‪N‬كوك ال‪N‬تي تنتاب‪N‬ه‪ .‬ربم‪N‬ا ك‪N‬ان‬
‫الرباع يشيطن على صديقه‪ .‬فالناس الذين يقرضون أموالهم بأكثر من عشرة في المئة ق‪NN‬ادرون على ك‪NN‬ل‬
‫شيء‪ .‬ومن الواضح أنه قد مبالغ في حماقات نويل‪.‬‬
‫ومن المفترض أنه إذا كان صحيًح ا؟ هل لم يفعل الكثير من الرجال أشياء مجنونة من أجل النس‪NN‬اء‪ ،‬دون‬
‫أن يتوقفوا عن أن يكونوا أمناء؟‬
‫وفيما كان على وشك الدخول إلى منزله‪ ،‬ت‪N‬وقفت عاص‪N‬فة من الحري‪N‬ر وال‪N‬دانتيل والمخم‪N‬ل في الطري‪N‬ق‪.‬‬
‫خرجت فتاة شقراء جميلة وقفزت بخفة مثل الطائر إلى البروهام األزرق‪.‬‬
‫كان تاباريه العجوز رجاًل شجاًعا‪ ،‬وكانت الشابة جميل‪N‬ة للغاي‪N‬ة‪ ،‬ولكن‪N‬ه لم ينظ‪N‬ر إليه‪N‬ا ح‪N‬تى‪ .‬م‪N‬ر عليه‪N‬ا‬
‫ووجد نفسه مقابل الحارس الخاص به‪ ،‬الذي ك‪NN‬ان يق‪NN‬ف بقبعت‪NN‬ه في ي‪NN‬ده‪ ،‬ويفحص عمل‪NN‬ة فرن‪NN‬ك عش‪NN‬رون‬
‫بلطف‪.‬‬
‫"آه‪ ،‬سيدي"‪ ،‬قال الرجل‪" ،‬هذه الفتاة الجميلة‪ ،‬ولطيفة جًدا! إذا كنت قد وصلت قبل خمس دقائق فقط"‪.‬‬
‫"ما هي السيدة؟ ولماذا؟"‬
‫"هذه السيدة األنيقة‪ ،‬التي خرجت للتو‪ ،‬سيدي؛ جاءت لالستفسار عن الس‪NN‬يد ج‪NN‬يردي‪ .‬أعطت‪NN‬ني عش‪NN‬رون‬
‫فرنًك ا لإلجابة على أسئلتها‪ .‬يبدو أن السيد سيتزوج‪ ،‬وكانت منزعجة بشدة من ذلك‪ .‬مخل‪NN‬وق رائ‪NN‬ع! ل‪NN‬دي‬
‫فكرة أنها عشيقته‪ .‬أعرف اآلن لماذا يخرج كل ليلة‪".‬‬
‫"السيد جيردي؟"‬
‫"نعم‪ ،‬سيدي‪ ،‬لكنني لم أذكر ذلك لك ألنه يبدو أنه يريد إخفاءه‪ .‬لم يطلب م‪NN‬ني أب‪ًNN‬دا فتح الب‪NN‬اب ل‪NN‬ه‪ ،‬ال‪ ،‬لم‬
‫يفعل‪ .‬ينزل من الباب الصغير بجوار الحظيرة‪ .‬كثيًر ا ما قلت لنفسي‪' ،‬ربما ال يريد إزع‪NN‬اجي‪ ،‬إن‪NN‬ه يفك‪NN‬ر‬
‫بعناية‪ ،‬ويستمتع بهذا األمر كثيًرا"‪.‬‬
‫تحدث الحارس مع عيني‪NN‬ه المرك‪NN‬زتين على العمل‪NN‬ة الذهبي‪NN‬ة‪ .‬وعن‪NN‬دما رف‪NN‬ع رأس‪NN‬ه‪ ،‬رأى تاباري‪NN‬ه العج‪NN‬وز‬
‫النظرة المليئة باإلغراء في عيني الحارس وفهم الموقف على الفور‪.‬‬
‫عندما رفع رأسه لفحص مالمح سيده وماستره‪ ،‬اختفى تاباريه العجوز‪.‬‬
‫"هناك آخر!" قال الحارس لنفسه‪" .‬سأراهن مائة سو لكونه يجري وراء هذه المخلوقة الرائع‪NN‬ة! اركض‬
‫يا عجوز‪ ،‬ستحصل على القليل‪ ،‬ولكن ليس كثيًر ا‪ ،‬ألنها مكلفة جًدا!"‬
‫كان الحارس على حق‪ .‬كان تاباريه العجوز يجري وراء السيدة في البروهام األزرق‪.‬‬
‫"ستخبرني بكل ش‪N‬يء"‪ ،‬فك‪N‬ر وبطلق‪N‬ة واح‪N‬دة ك‪N‬ان في الش‪N‬ارع‪ .‬وص‪N‬ل إلي‪N‬ه في ال‪N‬وقت المناس‪N‬ب ل‪N‬يرى‬
‫البروهام األزرق يلفع في زاوية شارع سان الزار‪.‬‬
‫"يا هللا!" همس لنفسه‪" .‬سأفقدها عن بصري‪ ،‬ومع ذلك يمكنها أن تخبرني الحقيقة‪".‬‬
‫كان في حالة من الحماسة العصبية التي تولد العجائب‪ .‬ركض إلى نهاية شارع سان الزار بسرعة كأن‪NN‬ه‬
‫رجل شاب في العشرينيات‪.‬‬
‫فرح! رأى البروهام األزرق على بعد قصير في شارع دو هافر‪ ،‬متوقًفا في وسط حشد من العربات‪.‬‬
‫"لديها"‪ ،‬قال لنفسه‪ .‬نظر حوله‪ ،‬لكنه لم يجد سيارة أجرة فارغة‪ .‬لقد كان سعيًدا لو صرخ‪ ،‬مثل ريتشارد‬
‫الثالث‪" ،‬مملكتي مقابل سيارة أجرة!"‬
‫انتشل البروهام نفسه من التشابك وانطلق بسرعة نحو شارع ترونشيه‪ .‬تاباريه العجوز تابعها‪.‬‬
‫حافظ على مكانه‪ .‬لم يكن البروهام يتقدم عليه بكثير‪.‬‬

‫وهو يجري في وسط الشارع‪ ،‬في الوقت نفسه يبحث عن سيارة أجرة‪ ،‬يقول لنفسه‪" :‬اركض يا عج‪NN‬وز‪،‬‬
‫اركض‪ .‬عندما ال يكون لديك عقل‪ ،‬يجب عليك استخدام ساقيك‪ .‬لماذا لم تفكر في الحص‪NN‬ول على عن‪NN‬وان‬
‫هذه المرأة من كليرجو؟ يجب عليك التسرع‪ ،‬يا صديقي القديم‪ ،‬يجب عليك التسرع! عندما تتفرغ لتكون‬
‫محقًقا‪ ،‬يجب أن تكون مؤهاًل للمهنة‪ ،‬ولديك ساقي غزال‪".‬‬

‫لكنه كان يفقد األرض تحت قدميه‪ ،‬يفقدها بوضوح‪ .‬كان في منتصف شارع ترونشيه‪ ،‬وقد شعر ب‪NN‬التعب‬
‫الشديد‪ .‬شعر أن ساقيه ال يستطيعان حمله أكثر من مائة خطوة‪ ،‬وكان البروهام قريًبا جًدا من المادلين‪.‬‬
‫أخيًر ا‪ ،‬مرت سيارة أجرة مفتوحة‪ ،‬تتجه نحو نفس االتجاه الذي يتجه إليه‪ .‬أشار بإش‪NN‬ارة يائس‪NN‬ة‪ ،‬أش‪NN‬د من‬
‫إشارة الرجل الغارق‪ .‬شوهدت اإلشارة‪ .‬بذل قصارى جه‪NN‬ده‪ ،‬وقف‪NN‬ز بطريق‪NN‬ة مذهل‪NN‬ة داخ‪NN‬ل الس‪NN‬يارة دون‬
‫لمس الدرج‪.‬‬
‫"هناك‪ "،‬تنهد‪" ،‬هذا البروهام األزرق‪ ،‬عشرون فرنك!" "حسًنا!" أجاب السائق‪ ،‬يوِّم ًيا برأسه‪.‬‬
‫وضرب حصانه الفاسد بضربات قوية‪ ،‬وهو يهمس‪" ،‬زوج غيور يتبع زوجته‪ ،‬هذا واضح‪ .‬هيا!"‬
‫أما تاباريه العجوز‪ ،‬فاستغرق األمر وقًتا طويًال ليستعيد نفسه‪ ،‬فقد نفذت قوته تقريًبا‪.‬‬
‫لم يستطع التنفس ألكثر من دقيقة‪ .‬كانوا قريبين من البوليفارات‪ .‬وق‪NN‬ف في الس‪NN‬يارة األج‪NN‬رة‪ ،‬ويتك‪NN‬أ على‬
‫مقعد السائق‪.‬‬
‫"ال أرى البروهام في أي مكان"‪ ،‬قال‪.‬‬
‫"أنا أراها بوضوح‪ ،‬سيدي‪ .‬ولكن الحصان المستعمل لها جميل جًدا!"‬
‫"يجب أن يكون حصانك أفضل‪ .‬قلت عشرون فرنًك ا‪ ،‬سأجعلها أربعين فرنًك ا‪".‬‬
‫صفع السائق حصانه بال رحمة‪ ،‬وهو يتذمر‪" ،‬ال فائدة‪ ،‬يجب أن ألحق بها‪ .‬بالنسبة لعشرين فرنًك ا‪ ،‬كنت‬
‫سأتركها تهرب؛ ألنني أحب الفتيات‪ ،‬وأن‪N‬ا على ج‪N‬انبهن‪ .‬ولكن‪ ،‬مث‪N‬ل ه‪N‬ذا الق‪N‬بيح‪ ،‬كي‪N‬ف يمكن أن يك‪N‬ون‬
‫غيوًر ا بهذه الطريقة؟"‬
‫حاول تاباريه العجوز بكل الط‪NN‬رق أن يش‪NN‬غل عقل‪NN‬ه ب‪NN‬أمور أخ‪NN‬رى‪ .‬لم ي‪NN‬رد أن يفك‪NN‬ر قب‪NN‬ل رؤي‪NN‬ة الم‪NN‬رأة‪،‬‬
‫والحديث معها‪ ،‬واستجوابها بعناية‪.‬‬
‫كان متأكًدا من أنها بكلمة واحدة إما ستدين أو تنقذ حبيبها‪" .‬ماذا! تدين نويل؟ أه‪ ،‬حسًنا‪ ،‬نعم‪".‬‬
‫الفكرة بأن نويل هو القاتل ترهق‪NN‬ه وتعذب‪NN‬ه‪ ،‬وت‪NN‬دور في رأس‪NN‬ه ك‪NN‬العث ال‪NN‬ذي يط‪NN‬ير م‪NN‬راًرا وتك‪NN‬راًرا على‬
‫النافذة حيث يرى النور‪.‬‬
‫عندما مروا بشوزيه دانتان‪ ،‬لم يكن البروهام يبتعد سوى ثالثين خطوة‪ .‬لَّف الس‪NN‬ائق رأس‪NN‬ه‪ ،‬وق‪NN‬ال‪" :‬لكن‬
‫البروهام يتوقف‪".‬‬
‫"ثم اتوقف أيضًا‪ .‬ال تفقد األفق عنها‪ ،‬ولكن كن جاهًز ا لمتابعتها مرة أخرى فورما تنتقل‪".‬‬
‫انحنى تاباريه العجوز قدر ما استطاع خارج السيارة األجرة‪.‬‬
‫انزلت المرأة الشابة‪ ،‬عبرت الرصيف‪ ،‬ودخلت متجرًا حيث بيعت الكشمير والدانتيل‪.‬‬
‫"هناك"‪ ،‬فكر العجوز‪" ،‬هنا يذهب اآلالف من الفرنكات! نص‪NN‬ف ملي‪NN‬ون فرن‪NN‬ك في أرب‪NN‬ع س‪NN‬نوات! م‪NN‬اذا‬
‫يمكن لهذه المخلوقات فعله باألموال التي يتم إنفاقها بسخاء عليها؟ هل يأكلونها؟ على مذبح ماذا يتب‪NN‬ذلون‬
‫هذه الثروات؟ يجب أن يمتلكوا شراب الشيطان الذي يعطونه لألغبياء ال‪NN‬ذين يت‪NN‬دمرون ألجلهم‪ .‬يجب أن‬
‫يمتلكوا فًن ا خاًص ا في إع‪N‬داد وتب‪NN‬ويب المتع‪NN‬ة؛ فمن‪NN‬ذ أن يقع‪NN‬وا في حب رج‪NN‬ل‪ ،‬يض‪NN‬حي بك‪NN‬ل ش‪NN‬يء قب‪NN‬ل‬
‫تركهم‪".‬‬
‫تحركت السيارة األجرة مرة أخرى‪ ،‬ولكنها توقفت قريًبا‪.‬‬
‫لقد قام البروهام بتوقف جديد‪ ،‬هذه المرة أمام متجر لألشياء الغريبة‪.‬‬
‫"إذن تريد المرأة ش‪N‬راء نص‪N‬ف ب‪N‬اريس!" ق‪N‬ال تاباري‪N‬ه العج‪N‬وز لنفس‪N‬ه بغض‪N‬ب‪" .‬نعم‪ ،‬إذا ارتكب نوي‪N‬ل‬
‫الجريمة‪ ،‬فإنها من أجبرته عليها‪ .‬هذه هي الخمسة عشر ألف فرنك الذين يتالشون اآلن‪ .‬كم س‪NN‬تدوم له‪NN‬ا؟‬
‫يجب أن يكونت الجريمة التي ارتكبها نويل ضد األرملة ليروج ألجل المال‪ .‬إذا كان األم‪NN‬ر ك‪NN‬ذلك‪ ،‬فه‪NN‬و‬
‫أدنى وأشنع الرجال! ما هذا الوحش من التمُّلص والنفاق! والتفك‪NN‬ير في أن‪NN‬ه س‪NN‬يكون وارثي‪ ،‬إذا مت هن‪NN‬ا‬
‫من الغضب! لقد كتبت في وص‪N‬يتي بكلم‪N‬ات واض‪N‬حة‪' ،‬أورث اب‪N‬ني نوي‪N‬ل غ‪N‬يردي!' إذا ك‪N‬ان م‪N‬ذنبًا‪ ،‬فال‬
‫يوجد عقاب كاٍف له‪ .‬ولكن هذه المرأة لن تعود إلى المنزل أبًدا؟"‬
‫المرأة لم تكن في عجلة من أمرها‪ ،‬الطقس كان جميًال‪ ،‬وفستانها ال ُيقاَو م‪ ،‬وك‪NN‬انت تن‪NN‬وي إظه‪NN‬ار نفس‪NN‬ها‪.‬‬
‫زارت ثالثة أو أربعة متاجر أخرى‪ ،‬وفي النهاية توقفت في مح‪NN‬ل حلوي‪NN‬ات‪ ،‬حيث بقيت ألك‪NN‬ثر من رب‪NN‬ع‬
‫ساعة‪.‬‬

‫كان الرج‪NN‬ل العج‪NN‬وز‪ ،‬الملتهب ب‪NN‬القلق‪ ،‬يتح‪NN‬رك وي‪NN‬دوس في س‪NN‬يارته األج‪NN‬رة‪ .‬ك‪NN‬ان األم‪NN‬ر معان‪NN‬اة أن يتم‬
‫حرمانه من المفتاح للغموض المروع بسبب نزوة امرأة ال قيمة لها! كان يف‪NN‬نى ش‪NN‬وقًا لل‪NN‬ركض وراءه‪NN‬ا‪،‬‬
‫لإلمساك بها من ذراعها‪ ،‬وصراخها‪" :‬الى البيت‪ ،‬مسكينة‪ ،‬الى ال‪NN‬بيت ف‪NN‬ورًا! م‪NN‬ا ال‪NN‬ذي تفعلين‪NN‬ه هن‪NN‬ا؟ أال‬
‫تدرين أن حبيبك‪ ،‬الذي دمرِته‪ ،‬يشتبه في جريمة قتل؟ الع‪N‬ودة إلى ال‪N‬بيت‪ ،‬ألس‪N‬تجوبك‪ ،‬ألع‪N‬رف من‪N‬ك إذا‬
‫كان بريًئا أو مذنًبا‪ .‬فأنت ستخبريني دون أن تعلمي‪ .‬آه! لقد أع‪N‬ددت فخ‪ًN‬ا رائع‪ًN‬ا بالنس‪NN‬بة ل‪NN‬ك! الع‪NN‬ودة إلى‬
‫البيت‪ ،‬فهذا القلق يقتلني!"‪.‬‬

‫ع‪NN‬ادت إلى عربته‪NN‬ا‪ .‬انطلقت م‪NN‬رة أخ‪NN‬رى‪ ،‬ع‪NN‬برت ش‪NN‬ارع فوب‪NN‬ور مونم‪NN‬ارت‪ ،‬واس‪NN‬تدارت إلى ش‪NN‬ارع‬
‫بروفانس‪ ،‬ووضعت بضعفها الجميل عند باب منزلها‪ ،‬ثم غادرت‪.‬‬

‫"تعيش هنا"‪ ،‬قال السيد تاباريه العجوز‪ ،‬بصوت منخفض من االرتياح‪.‬‬

‫خرج من سيارة األجرة‪ ،‬وأعطى السائق أربعين فرنًك ا‪ ،‬وأمره باالنتظار‪ ،‬ثم تبع آثار الفتاة الصغيرة‪.‬‬

‫"الرجل العجوز مريض‪ "،‬فكر السائق؛ "وقد ُأمسك الفتاة البرونيت‪".‬‬

‫فتح المحقق باب غرفة الحارس‪.‬‬

‫"ما هو اسم السيدة التي دخلت للتو؟" طلب من الحارس‪ .‬لم يبد الحارس استعداًدا للرد‪.‬‬
‫"اسمها!" أصر الرجل العجوز‪.‬‬

‫كان النبرة حادة جدًا‪ ،‬وملحوظة جدًا‪ ،‬حتى ضاعف الحارس‪" .‬السيدة جولييت شافور‪ "،‬أجاب‪.‬‬

‫"في أي طابق تقطن؟"‬

‫"في الطابق الثاني‪ ،‬باب مقابل الدرج‪".‬‬


‫بعد دقيقة‪ ،‬كان العج‪N‬وز ينتظ‪N‬ر في غرف‪NN‬ة جول‪N‬ييت الرس‪N‬مية‪ .‬أخبرت‪N‬ه الخادم‪N‬ة أن الس‪N‬يدة ك‪N‬انت تتجه‪N‬ز‬
‫للخروج‪ ،‬وسوف تنزل قريًبا‪.‬‬
‫كان تاباريه مندهًش ا من فخامة الغرفة‪ ،‬فلم يكن هناك شيء مبالغ فيه أو سيء الذوق‪ .‬لم يكن شبيًها بش‪NN‬قة‬
‫امرأة تعيش على نفقة رجل ثري‪ .‬رأى العجوز‪ ،‬الذي يعرف الكثير عن ه‪NN‬ذه األم‪NN‬ور‪ ،‬أن ك‪NN‬ل ش‪NN‬يء في‬
‫الغرفة ثمين جًدا‪ ،‬حيث يمكن تقدير كل الحليات على الرف الموجود فوق المدفأة بح‪NN‬والي عش‪NN‬رين أل‪NN‬ف‬
‫فرنك على األقل‪.‬‬
‫"لم يب‪NNN‬الغ كل‪NNN‬يرجو في ش‪NNN‬يء"‪ ،‬فك‪NNN‬ر في نفس‪NNN‬ه تاباري‪NNN‬ه‪ ،‬فيم‪NNN‬ا تعك‪NNN‬ر دخ‪NNN‬ول جول‪NNN‬ييت تفك‪NNN‬يره‪.‬‬
‫كانت قد خلعت فستانها وألقت عليها بسرعة ثوب بيتي أسود فضفاض‪ ،‬ومزين بشرائط حريري‪NN‬ة ب‪NN‬اللون‬
‫الكرزي‪ .‬كان شعرها الجميل‪ ،‬الذي كان قد اضطرب قليًال بع‪N‬د الرحل‪N‬ة‪ ،‬ينس‪N‬اب في ت‪N‬دفقات على عنقه‪N‬ا‬
‫ويتموج خلف آذانها الرقيقة‪ .‬صدم العجوز تاباريه‪ ،‬لكنه بدأ يفهم‪.‬‬
‫"أردتم‪ ،‬سيدي‪ ،‬التحدث إلّي ؟" سألت بأناقة جولييت‪ ،‬محِّيَيًة‪.‬‬
‫"سيدتي"‪ ،‬أجاب السيد تاباريه‪" ،‬أن‪NN‬ا ص‪NN‬ديق نوي‪NN‬ل ج‪NN‬يردي‪ ،‬يمكن‪NN‬ني الق‪N‬ول أن‪NN‬ني أع‪N‬ز أص‪NN‬دقائه‪ ،‬و‪"...‬‬
‫"من فضلك‪ ،‬اجلس‪ ،‬سيدي"‪ ،‬قاطعت الشابة‪.‬‬
‫جلست على األريكة‪ ،‬وبدت أصابع قدميها الص‪NN‬غيرتين المحج‪N‬وزتين في نع‪N‬اٍل ب‪N‬اللون نفس‪N‬ه م‪N‬ع ثوبه‪N‬ا‪،‬‬
‫بينما جلس العجوز في كرسي‪.‬‬
‫"أنا هنا‪ ،‬سيدتي‪ ،‬ألمر جدي"‪ ،‬استأنف تاباريه‪" ،‬وهو وجودك عند السيد جيردي‪"...‬‬
‫"آه"‪ ،‬صرخت جولييت‪" ،‬هل يعلم بزيارتي بالفعل؟ إذًا يجب أن يوظف محقًقا‪".‬‬
‫"يا طفلتي"‪ ،‬بدأ تاباريه بصوت األبوة‪.‬‬
‫أوه! أعرف‪ ،‬يا سيدي‪ ،‬ما هي مهمت‪N‬ك‪ .‬إّن نوي‪N‬ل أرس‪N‬لك هن‪N‬ا لت‪N‬وبيخي‪ .‬منع‪N‬ني من ال‪N‬ذهاب إلى منزل‪N‬ه‪،‬‬
‫ولكنني لم أستطع االمتناع عن ذلك‪ .‬من المزعج أن يكون لديك لغًز ا في شخص حبيبك‪ ،‬رجل ال تع‪NN‬رف‬
‫عنه شيًئا‪ ،‬لغًز ا في ثياب سوداء وربطة عنق بيضاء‪ ،‬كائًنا حزيًنا وغامًض ا ‪"-‬‬
‫"كنِت غير حكيمة‪".‬‬
‫"لماذا؟ ألنه سيتزوج؟ لماذا ال يعترف بذلك؟"‬
‫"لعلها ليست صحيحة‪".‬‬
‫"أوه‪ ،‬لكنها كذلك! قال ذلك لهذا القرش العتيق كليرجو‪ ،‬الذي أعاده لي‪ .‬بأي حال‪ ،‬يجب أن يكون يخطط‬
‫لشيء في رأسه؛ فقد تغير بشكل كبير في الشهر الماضي‪ ،‬حتى ال أعرفه بالكاد‪".‬‬
‫كان السيد تاباري العجوز مهتًم ا بشكل خاص بمعرفة ما إذا كان نوي‪NN‬ل ق‪NN‬د أع‪ّN‬د اله‪NN‬روب ليل‪NN‬ة الجريم‪NN‬ة‪.‬‬
‫بالنسبة له‪ ،‬هذا هو السؤال الكبير‪ .‬إذا قام بذلك‪ ،‬فهو بالتأكيد م‪NN‬ذنب‪ .‬إذا لم يفع‪NN‬ل ذل‪NN‬ك‪ ،‬فق‪N‬د يك‪NN‬ون بريًئ ا‪.‬‬
‫وكان ال شك في أن السيدة جولييت يمكنها إلقاء الضوء على هذه النقطة‪.‬‬
‫لذلك‪ ،‬قّد م نفسه مع درسه معًّد ا‪ ،‬وفّخ ه الصغير جاهًز ا‪.‬‬
‫أحرجت انفجارات الشابة العجوز قلياًل ؛ لكنه‪ ،‬يثق في فرص الحديث‪ ،‬استأنف‪.‬‬
‫"أتعارضين على زواج نويل؟"‬
‫"زواجه!" ص‪NN‬احت جول‪NN‬ييت‪ ،‬مش‪NN‬تملة على ض‪NN‬حكة‪" .‬أه‪ ،‬الف‪NN‬تى الفق‪NN‬ير! إذا لم يقاب‪NN‬ل عقب‪NN‬ة أس‪NN‬وأ م‪NN‬ني‪،‬‬
‫فسيكون طريقه سهاًل ‪ .‬دعه يتزوج‪ ،‬كلما كان ذلك أفضل‪ ،‬وال تذكره لي بعد اآلن‪".‬‬
‫"ألسِت تحبينه‪ ،‬إذن؟" سأل العجوز‪ ،‬مندهًش ا من هذا الصراحة اللطيفة‪.‬‬
‫"استمع‪ ،‬يا سيدي‪ .‬لقد أحببته كثيًر ا‪ ،‬لكن كل شيء له نهاية‪ .‬لم‪NN‬دة أرب‪NN‬ع س‪NN‬نوات‪ ،‬أن‪NN‬ا‪ ،‬ال‪NN‬تي أحب المتع‪NN‬ة‬
‫كثيًر ا‪ ،‬عشت حياة ال تحتمل‪ .‬إذا لم يتركني نوي‪NN‬ل‪ ،‬سأض‪NN‬طر إلى ترك‪NN‬ه‪ .‬تعبت من وج‪NN‬ود عش‪NN‬يق يخج‪NN‬ل‬
‫مني ويحتقرني‪".‬‬
‫"إذا كان يحتقرك‪ ،‬يا سيدتي الجميلة‪ ،‬فهو بالكاد يظهر ذلك هنا‪ "،‬رد السيد تاب‪NN‬اري العج‪NN‬وز‪ ،‬وه‪NN‬و يلقي‬
‫نظرة دالة حول الغرفة‪.‬‬
‫"تعني"‪ ،‬قالت بينما ترفع نفسها‪" ،‬أنه ينفق الكثير من المال علّي ‪ .‬صحيح‪ .‬يدعي أنه أفسد نفس‪NN‬ه بس‪NN‬ببي‪.‬‬
‫إنه محتمل جًدا‪ .‬ولكن م‪NN‬ا ه‪NN‬ذا يهم‪NN‬ني! لس‪NN‬ت ام‪NN‬رأة جش‪NN‬عة‪ ،‬وك‪NN‬ان من األفض‪NN‬ل بالنس‪NN‬بة لي المزي‪NN‬د من‬
‫االهتمام والمزيد من الود‪ .‬إن تبذيري كان مستوحى من الغضب وعدم التش‪NN‬غيل‪ .‬يع‪NN‬املني الس‪NN‬يد ج‪NN‬ردي‬
‫مثل امرأة مرتشية‪ ،‬لذلك أتصرف كذلك‪ .‬نحن متعادلون‪".‬‬
‫"أنِت تعرفين جيًدا أنه يعشقك‪".‬‬
‫"هو؟ أقول لك إنه يخجل مني‪ .‬يخفيني كأنني مرض فظيع‪ .‬أنت األول من أص‪NN‬دقائه ال‪NN‬ذي تح‪NN‬دثت إلي‪NN‬ه‪.‬‬
‫اسأله كم مرة يأخذني في الخارج‪ .‬يمكنك أن تعتقد أن وجودي ُيهينه‪ .‬لقد ذهبن‪NN‬ا إلى المس‪NN‬رح ح‪NN‬تى الليل‪NN‬ة‬
‫الماضية! استأجر صندوًقا كامًال‪ .‬لكن هل تعتقد أنه جلس معي فيه؟ بالطبع ال‪ .‬انسل مني ولم أراه طوال‬
‫الليلة‪".‬‬
‫"لماذا؟ هل كنِت مضطرة للعودة إلى المنزل بمفردِك ؟"‬
‫"ال‪ ،‬في نهاية المسرحية‪ ،‬حوالي منتصف الليل‪ ،‬ع‪NN‬اد ليظه‪NN‬ر‪ .‬كن‪NN‬ا ق‪NN‬د اتفقن‪NN‬ا على ال‪NN‬ذهاب إلى الكرنف‪NN‬ال‬
‫المقنع في األوبرا ومن ثم تناول بعض العشاء‪ .‬أه‪ ،‬كانت ممتعة! في الكرنفال‪ ،‬لم يجرؤ على خلع غط‪NN‬اء‬
‫رأسه أو خل‪N‬ع قناع‪N‬ه‪ .‬في العش‪N‬اء‪ ،‬ك‪N‬ان علّي أن أعامل‪N‬ه كأن‪N‬ه غ‪N‬ريب تماًم ا‪ ،‬ألن بعض أص‪NN‬دقائه ك‪N‬انوا‬
‫حاضرين‪".‬‬
‫هذا هو حجة البراءة المعدة في حالة وقوع المشكلة‪ .‬لو ك‪NN‬انت جول‪NN‬ييت أق‪NN‬ل ت‪NN‬أثًرا بمش‪NN‬اعرها الخاص‪NN‬ة‪،‬‬
‫الحظت تأثر العجوز تاباريه‪ ،‬وبالتأكيد لك‪NN‬انت ح‪NN‬افظت على لس‪NN‬انها‪ .‬إن‪NN‬ه ك‪NN‬ان ش‪NN‬احًبا تماًم ا‪ ،‬ويرتج‪NN‬ف‬
‫كورقة‪.‬‬
‫"حسًنا"‪ ،‬قال‪ ،‬مبذاًل جهًدا كبيًر ا ليتحدث‪" ،‬العشاء‪ ،‬أفترض‪ ،‬لم يكن أقل مرًحا‪".‬‬
‫"مرح!" ص‪NN‬دحت الش‪NN‬ابة‪ ،‬وهي ته‪NN‬ز كتفيه‪NN‬ا‪" ،‬يب‪NN‬دو أن‪NN‬ك ال تع‪NN‬رف كث‪NN‬يًرا عن ص‪NN‬ديقك‪ .‬إذا طلبت من‪NN‬ه‬
‫العشاء‪ ،‬احرص على عدم إعطائه شيًئا يشربه‪ .‬النبيذ يجعله مرًح ا مثل موكبي‪ .‬بعد الزجاجة الثانية‪ ،‬كان‬
‫مخموًر ا بشكل ال يصدق‪ ،‬حتى فقد ما كان يحمله معه من معطف ومحفظة ومظلة وعلبة سيجار‪"...‬‬

‫لم يعد السيد تاباري العجوز قادرًا على الجلوس واالستماع‪ ،‬وقفز على قدميه كمجنون يهرول‪.‬‬
‫"أيها الشرير البائس!" ص‪NN‬رخ‪" ،‬أيه‪N‬ا الخ‪N‬ائن الل‪N‬ئيم! إن‪N‬ه ه‪N‬و؛ لكن‪N‬ني وجدت‪N‬ه!" وان‪N‬دفع خارج‪ًN‬ا‪ ،‬تارًك ا‬
‫جولييت مرعوبة لدرجة أنها استدعت خادمتها‪.‬‬
‫"طفل‪NN‬تي‪ "،‬ق‪NN‬الت‪" ،‬لق‪NN‬د ارتكبت خط‪NN‬أ فظيًع ا‪ ،‬وكش‪NN‬فت بعض األس‪NN‬رار‪ .‬أن‪NN‬ا متأك‪NN‬دة من أن ش‪NN‬يئًا مريع‪ًN‬ا‬
‫سيحدث؛ أشعر به‪ .‬هذا األشّر ‪ ،‬لم يكن صديًقا لنويل‪ ،‬جاء ليخدعني ويس‪NN‬تخدمني‪ .‬نجح في ذل‪NN‬ك‪ .‬دون أن‬
‫أعلم‪ ،‬يجب أنني تحدثت ضد نويل‪ .‬ماذا يمكن أن قلت؟ لقد فك‪NN‬رت جي‪ًNN‬دا وال أت‪NN‬ذكر ش‪NN‬يًئا؛ لكن‪NN‬ه يجب أن‬
‫يحذر على أي حال‪ .‬سأكتب له بضع كلمات‪ ،‬في حين تجد لي من يرسلها‪".‬‬
‫وفي أقل منها‪ ،‬كان السيد تاباري العجوز في سيارته األجرة ويتجه نحو مقر الشرطة‪ .‬نوي‪NN‬ل قات‪NN‬ل! ك‪NN‬ان‬
‫كرهه بال حدود‪ ،‬كما كانت مودته الثقة في الماضي‪ .‬لقد تم خداعه بطريق‪NN‬ة قاس‪NN‬ية ومش‪NN‬ينة من قب‪NN‬ل أش‪NN‬د‬
‫الرجال جرًم ا وإجراًم ا‪ .‬كان يش‪NN‬تهي االنتق‪NN‬ام‪ ،‬ويس‪NN‬أل نفس‪NN‬ه م‪NN‬ا هي العقوب‪NN‬ة ال‪NN‬تي يجب أن تك‪NN‬ون كافي‪NN‬ة‬
‫للجريمة‪.‬‬
‫"ألنه لم يقتل كلودين فحسب"‪ ،‬فكر‪" ،‬بل وضع األمور بحيث يتم اتهام رج‪NN‬ل ب‪NN‬ريء ويحكم علي‪NN‬ه‪ .‬ومن‬
‫يستطيع القول إنه لم يقتل والدته الفقيرة؟"‬
‫كان يندم على إلغاء التع‪N‬ذيب‪ ،‬والقس‪N‬وة الراقي‪N‬ة في العص‪NN‬ور الوس‪N‬طى‪ :‬التقطي‪N‬ع‪ ،‬الح‪N‬رق على الجم‪N‬رة‪،‬‬
‫العجلة‪ .‬الغيالفين يعمل بسرعة حتى ال يشعر المدان بقطع الفوالذ الب‪NN‬ارد ألعض‪NN‬امه‪ ،‬إن‪NN‬ه ليس أك‪NN‬ثر من‬
‫لطمة على الرقبة‪ .‬من خالل محاولة تخفيف ألم الموت‪ ،‬أص‪NN‬بح الغيالفين مج‪N‬رد س‪N‬خرية‪ ،‬ويمكن إلغ‪N‬اؤه‬
‫تماًم ا‪.‬‬
‫كان األمر الوحيد ال‪NN‬ذي يبقي الس‪NN‬يد تاب‪NN‬اري العج‪NN‬وز قوي‪ًN‬ا ه‪NN‬و يقين‪NN‬ه من ض‪NN‬بط نوي‪NN‬ل وتس‪NN‬ليمه للعدال‪NN‬ة‪،‬‬
‫واالنتقام منه‪.‬‬
‫"من الواضح"‪ ،‬همس‪" ،‬أن األشّر نسي أشيائه في محطة القط‪NN‬ار‪ ،‬في عجلت‪NN‬ه للع‪NN‬ودة إلى عش‪NN‬يقته‪ .‬ه‪NN‬ل‬
‫سيتم العثور عليها هناك؟ إذا كان ق‪NN‬د اتب‪NN‬ع الحكم‪NN‬ة وطلبه‪NN‬ا باس‪NN‬م مزي‪NN‬ف‪ ،‬فال أرى دلياًل آخ‪NN‬ر ض‪NN‬ده‪ .‬لن‬
‫تساعدني شهادة السيدة شافور‪ .‬العاهرة‪ ،‬بعدما شاهدت عشيقها في خطر‪ ،‬ستنكر ما أخبرتني به‪ .‬س‪NN‬تؤكد‬
‫أن نويل غادرها بعد العاش‪NN‬رة مس‪NN‬اًء ‪ .‬لك‪NN‬ني ال أس‪NN‬تطيع التفك‪NN‬ير في أن‪NN‬ه يج‪NN‬رؤ على ال‪NN‬ذهاب إلى محط‪NN‬ة‬
‫القطار مرة أخرى‪".‬‬
‫في منتصف الطريق في شارع ريشيليو‪ ،‬أصيب السيد تاباريه بدوار مفاجئ‪.‬‬
‫"أخشى أن يحدث لي نوبة"‪ ،‬فك‪NN‬ر‪" ،‬إذا م‪NN‬ا مت‪ ،‬س‪NN‬يفلت نوي‪NN‬ل ويص‪NN‬بح وري‪NN‬ثي‪ .‬يجب على اإلنس‪NN‬ان أن‬
‫يحمل وصيته معه دائًم ا‪ ،‬ليتمكن من تدميرها إذا لزم األمر‪".‬‬
‫عندما وصل بعض الخطوات‪ ،‬رأى لوحة طبيب على إحدى األبواب‪ .‬أوقف السيارة واندفع إلى ال‪NN‬داخل‪.‬‬
‫كان متحمًسا جًدا وخارًجا عن نفس‪NN‬ه‪ ،‬وك‪NN‬انت عين‪NN‬اه تع‪NN‬بر عن جن‪NN‬ون‪ .‬ل‪NN‬ذا‪ ،‬خ‪NN‬اف الط‪NN‬بيب من مريض‪NN‬ه‬
‫الغريب‪ ،‬الذي قال له بصوت مبحوح‪" :‬امنحني نقلة!"‬
‫حاول الطبيب االعتراض‪ ،‬لكن العجوز بدأ بالفعل في خلع معطفه ورفع أحد أكمام قمصانه‪.‬‬
‫"امنحني نقلة!" تكرر‪" ،‬أتريدني أن أموت؟"‬
‫أخيرًا‪ ،‬امتثل الطبيب لرغبته‪ ،‬وخرج السيد تاباريه هادًئا ومرتاًحا‪.‬‬

‫وبعد ساعة‪ ،‬وبحوزته السلطة الالزمة‪ ،‬ويصاحبه شرطي‪ ،‬توجه إلى مكتب األشياء المفق‪NN‬ودة في محط‪NN‬ة‬
‫القطار سانت الزار للبحث الالزم‪ .‬كانت النتيجة كما توقع‪ ،‬حيث علم أن‪NN‬ه في مس‪NN‬اء الثالث‪NN‬اء األخ‪NN‬ير‪ ،‬تم‬
‫العثور على معطف ومظلة في أحد عربات الدرجة الثانية للقطار رقم ‪.45‬‬
‫أظهر لهم األشياء‪ ،‬واعترف على الفور بأنها تع‪N‬ود إلى نوي‪N‬ل‪ .‬في أح‪N‬د جي‪N‬وب المعط‪N‬ف‪ ،‬وج‪N‬د قف‪N‬ازات‬
‫جلدية باللون األرجواني‪ ،‬متآكلة ومتسخة‪ ،‬باإلضافة إلى تذكرة عودة من شاتو لم تستخدم‪.‬‬
‫وبينما كان السيد تاباريه يسارع إلى الحقيقة‪ ،‬كان يعرف جيًدا ما هي‪ .‬كان قناعته‪ ،‬التي تكونت عن غير‬
‫قصد عندما حدثه كليرجو عن حماقات نويل‪ ،‬قد تع‪NN‬ززت من خالل ع‪NN‬دد من الط‪NN‬رق األخ‪NN‬رى‪ .‬وعن‪NN‬دما‬
‫كان مع جولييت‪ ،‬كان متأكًدا تماًم ا‪ ،‬ولكن في هذه اللحظة األخيرة‪ ،‬حيث أص‪NN‬بح الش‪NN‬ك مس‪NN‬تحيًال‪ ،‬ك‪NN‬انت‬
‫صدمته تامة حين رأى األدلة المرسومة ضد نويل‪.‬‬
‫"إلى األمام!" صاح أخيًر ا‪" ،‬اآلن حان الوقت العتقاله‪".‬‬
‫وبدون أن يضيع لحظة‪ ،‬سارع إلى قصر العدل‪ ،‬حيث كان يأمل في العث‪NN‬ور على قاض‪NN‬ي التحقي‪NN‬ق‪ .‬على‬
‫الرغم من ت‪NN‬أخر ال‪NN‬وقت‪ ،‬ك‪NN‬ان الس‪NN‬يد داب‪NN‬ورون ال ي‪NN‬زال في مكتب‪NN‬ه‪ ،‬حيث ك‪NN‬ان يتح‪NN‬دث م‪NN‬ع الك‪NN‬ونت دي‬
‫كوماران‪ ،‬مع تبادل الحديث حول الحقائق التي كشفها بيير لوروج‪ ،‬الذي كان يعتقد الكونت أنه مات منذ‬
‫س‪NNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNN‬نوات عدي‪NNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNN‬دة‪.‬‬
‫دخل السيد تاباريه كالعاصفة‪ ،‬مشتًتا جًدا ليالحظ وجود شخص غريب‪.‬‬
‫"سيدي"‪ ،‬ص‪NN‬اح بص‪NN‬وت م‪NN‬تردد وه‪NN‬و يكبت غض‪NN‬به‪" ،‬لق‪N‬د اكتش‪NN‬فنا القات‪NN‬ل الحقيقي! إن‪NN‬ه اب‪NN‬ني المتب‪NN‬نى‪،‬‬
‫وري‪NNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNN‬ثي‪ ،‬نوي‪NNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNN‬ل!"‬
‫"نويل!" كرر السيد دابورون متحجًر ا‪ .‬ثم بصوت أقل‪ ،‬أضاف‪" :‬كنت أشتبه به‪".‬‬
‫"هناك حاجة إلى أمر اعتقال فوري"‪ ،‬استمر العجوز‪" ،‬إذا أضعنا دقيقة‪ ،‬س‪NN‬ينجح في الف‪NN‬رار من أي‪NN‬دينا‪.‬‬
‫إذا كانت عشيقته قد أخبرته بزيارتي لها‪ ،‬فسيعرف أنه تم اكتشافه‪ .‬عجل يا سيدي‪ ،‬عجل!"‬
‫فتح السيد دابورون شفتيه ليسأل عن تفاصيل األمر‪ ،‬لكن الشرطي الق‪N‬ديم اس‪N‬تمر‪" :‬ليس ه‪N‬ذا ك‪N‬ل ش‪N‬يء‪.‬‬
‫الرجل البريء ألبرت ال يزال في السجن‪".‬‬
‫"لن يك‪NN‬ون ك‪NN‬ذلك س‪NN‬اعة أخ‪NN‬رى"‪ ،‬رد القاض‪NN‬ي‪" ،‬لحظ‪NN‬ات قب‪NN‬ل وص‪NN‬ولك‪ ،‬كنت ق‪NN‬د اتفقت على إطالق‬
‫سراحه‪ .‬يجب علينا اآلن التركيز على اآلخر‪".‬‬
‫لم يالحظ كل من السيد تاباريه والسيد داب‪N‬ورون اختف‪N‬اء الك‪N‬ونت دي كوم‪N‬اران‪ .‬عن‪N‬د س‪N‬ماع اس‪N‬م نوي‪N‬ل‪،‬‬
‫خرج الكونت بهدوء من الغرفة واندفع خارج الباب‪.‬‬
‫الفصل ‪19‬‬
‫وعد نويل بأن يبذل كل جهده‪ ،‬ويحاول حتى المستحيل‪ ،‬للحصول على إطالق سراح ألبرت‪ .‬فقد قابل‬
‫النائب العام وبعض أعضاء السلك القضائي‪ ،‬ولكنه تم صده في كل مكان‪ .‬في الرابعة عصًرا‪ ،‬زار‬
‫منزل الكونت دي كوماران إلبالغ والده بفشل جهوده‪.‬‬
‫"خرج الكونت"‪ ،‬قال دينيس‪" ،‬ولكن إذا عرفت عناء االنتظار‪"...‬‬
‫"سأنتظر"‪ ،‬أجاب نويل‪.‬‬
‫"حسًنا"‪ ،‬رد الخادم‪" ،‬هذه هي تعليمات الكونت‪ ،‬وسأريك إلى غرفته الخاصة"‪.‬‬
‫أعطت هذه الثقة نويل فكرة عن قوته الجديدة‪ .‬فهو في المنزل اآلن‪ ،‬في هذا البيت الرائع‪ ،‬هو السيد‪،‬‬
‫الوريث! نظره‪ ،‬الذي تجول في جميع أنحاء الغرفة‪ ،‬الحظ شجرة العائلة المنسوجة على الحائط‪ .‬اقترب‬
‫منها وقرأها‪.‬‬
‫كانت مثل صفحة من أشرف الصفحات المأخوذة من الكتاب الذهبي للنبالء الفرنسيين‪ .‬كانت هناك كل‬
‫األسماء التي لها مكان في تاريخنا‪ .‬وقد خلطت عائلة كوماران دمها مع جميع العائالت الكبرى؛ حتى‬
‫تزوج اثنان منهم بنات من العائالت الحاكمة‪ .‬مأل الفخر قلب المحامي‪ ،‬وزاد نبضات قلبه‪ ،‬ورفع رأسه‬
‫بكبرياء‪ ،‬وهو يهمس "فيكونت دي كوماران!"‪.‬‬
‫فتح الباب‪ .‬التفت‪ ،‬ورأى الكونت يدخل‪ .‬وعندما كان نويل على وشك أن ينحني بتواضع‪ ،‬فزع من نظرة‬
‫الكراهية والغضب واالزدراء على وجه والده‪.‬‬
‫جرى شعور بالرعب في شرايينه؛ وخفقت أسنانه؛ وشعر بأنه قد خسر‪" .‬شقي!" صرخ الكونت‪.‬‬
‫وخوًفا من عنفه الخاص‪ ،‬رمى النبيل العجوز عكازه في الزاوية‪ .‬لم يكن يريد ضرب ابنه؛ ألنه اعتبره‬
‫غير مستحق ليد الضرب‪ .‬ثم كان هناك لحظة صمت مميت‪ ،‬يبدو لهما كالقرن‪.‬‬
‫في الوقت نفسه‪ ،‬كانت عقولهم مليئة باألفكار التي تتطلب حجًم ا ليتم تدوينها‪.‬‬
‫كان لدى نويل الشجاعة ليتحدث أوًال‪" .‬سيدي"‪ ،‬بدأ‪.‬‬
‫"أسكت!" صرخ الكونت بصوت مبحوح‪" ،‬كيف يمكن أن يكون‪ ،‬هللا يغفر لي‪ ،‬أنت ابني؟ لألسف‪ ،‬ال‬
‫يمكنني الشك في ذلك اآلن! أيها الشقي‪ ،‬كنت تعلم جيًدا أنك ابن مدام جيردي‪ .‬يا لك من أجرأة الخائن!‬
‫لم ترتكب هذه الجريمة فحسب‪ ،‬بل فعلت كل شيء لتتسبب في اتهام رجل بريء بجريمتك! يا قاتل‬
‫األب‪ ،‬لقد قتلت أمك أيًضا"‪.‬‬
‫حاول المحامي أن يتلعثم في اعتراضه‪.‬‬

‫"أنت قتلتها"‪ ،‬واصل الكونت بزيادة الطاقة‪" ،‬إذا لم تكن بالسم‪ ،‬على األقل بجريمتك‪ .‬أفهم اآلن كل‬
‫شيء؛ لم تكن تتخيل في هذا الصباح‪ .‬ولكنك تعرف جيًدا مثلي ماذا كانت تقول‪ .‬كنت تستمع‪ ،‬وإذا‬
‫جرأت على الدخول في تلك اللحظة حيث كان كلمة واحدة أخرى تكشف عنك‪ ،‬فقد حسبت تأثير‬
‫وجودك‪ .‬إليك كانت توجه كلمتها األخيرة‪' ،‬قاتل'!"‬
‫بالتدريج‪ ،‬انحسر نويل إلى نهاية الغرفة‪ ،‬ووقف يتكئ على الحائط‪ ،‬رأسه للوراء‪ ،‬شعره مقزز‪ ،‬نظرته‬
‫مرعوبة‪ .‬هزة ارتجافية تهز جسده‪ .‬كان وجهه يعبر عن الرعب األكثر رهيبة للرؤية‪ ،‬رعب الجاني‬
‫المكتشف‪.‬‬
‫"أعرف كل شيء اآلن"‪ ،‬واصل الكونت‪" ،‬ولست وحدي في معرفتي‪ .‬في هذه اللحظة‪ ،‬صدر أمر‬
‫اعتقال ضدك"‪.‬‬
‫اندفعت صرخة غضب من صدر المحامي مثل صوت حشرجة مجوفة‪ .‬أصبحت شفتاه التي كانت تتدلى‬
‫من الرعب‪ ،‬ثابتة اآلن‪ .‬في وسط انتصاره‪ ،‬كان منهاًر ا‪ ،‬ولكنه كافح ضد هذا الخوف‪ .‬رفع رأسه بنظرة‬
‫تحدي‪.‬‬
‫وبدون أن ينتبه إلى نويل‪ ،‬اقترب السيد دو كوماران من مكتبه‪ ،‬وفتح درًجا‪.‬‬
‫"واجبي"‪ ،‬قال‪" ،‬كان يجب أن أتركك للجالد الذي ينتظرك‪ ،‬لكني أتذكر أنني أنا‪ ،‬لألسف‪ ،‬والدك‪.‬‬
‫اجلس‪ ،‬اكتب ووقع اعترافك بجريمتك‪ .‬ستجد بعدها أسلحة نارية في هذا الدرج‪ .‬لعل هللا يغفر لك!"‬
‫تحرك النبيل العجوز نحو الباب‪ .‬أوقفه نويل بإشارة‪ ،‬وبينما كان يستل من جيبه مسدًسا‪ ،‬قال‪" :‬ال تحتاج‬
‫إلى سالح ناري‪ ،‬سيدي؛ فقد اتخذت احتياطاتي‪ ،‬كما ترى‪ ،‬ولن يمكنهم القبض علّي حًيا‪ .‬لكن‪"...‬‬
‫"لكن؟" تكرر الكونت بصوت قاٍس‪.‬‬
‫"يجب أن أخبرك‪ ،‬سيدي"‪ ،‬واصل المحامي بصوت بارد‪" ،‬أنني ال أرغب في االنتحار‪ ،‬على األقل‬
‫حتى اآلن"‪.‬‬
‫"آه!" صاح السيد دو كوماران بقرف‪" ،‬أنت جبان!"‬
‫"ال‪ ،‬سيدي‪ ،‬لست جباًنا؛ لكني لن أنتحر حتى أتأكد من إغالق كل الفرص بوجهي‪ ،‬وأن ال يمكنني أن‬
‫أنجو"‪.‬‬
‫"يا للشقي البائس!" قال الكونت بتهديد‪" ،‬أيجب علي أن أفعلها بنفسي؟"‬
‫تحرك نحو الدرج‪ ،‬لكن نويل أغلقه بركلة‪.‬‬
‫"استمع إلي‪ ،‬سيدي"‪ ،‬قال‪ ،‬بتلك النبرة الهامشية السريعة التي يستخدمها الناس في لحظات الخطر‬
‫الشديد‪" ،‬ال ننبذد وقتنا بالكالم الباطل في اللحظات القليلة المتبقية لي‪ .‬لقد ارتكبت جريمة‪ ،‬صحيح‪ ،‬وال‬
‫أحاول تبريرها؛ لكن من هو الذي وضع أساسها‪ ،‬إن لم تكن أنت؟ واآلن‪ ،‬تفضل بإعطائي مسدس‪.‬‬
‫شكًر ا‪ ،‬لكني أرفضه‪ .‬هذه الكرم ليس ألجلي‪ ،‬فأنت تريد فقط تجنب فضيحة محاكمتي‪ ،‬والعار الذي ال‬
‫يمكن أن يتجنب أن ينعكس على اسمك"‪.‬‬
‫كان الكونت على وشك الرد‪.‬‬
‫"اعطني اإلذن"‪ ،‬قاطع نويل بطريقة متسلطة‪" .‬أنا ال أرغب في االنتحار؛ أريد إنقاذ حياتي‪ ،‬إن أمكن‪.‬‬
‫قدم لي وسيلة للهروب؛ وأعدك بأن أموت قبل أن يمسكون بي‪ .‬أقول‪ ،‬قدم لي وسيلة‪ ،‬ألنني ليس لدي‬
‫عشرين فرنًك ا في العالم‪ .‬تقريًبا انتهت األلف فرنك التي كانت معي في اليوم الذي‪ ...‬تفهمني‪ .‬ليس هناك‬
‫ما يكفي من المال في المنزل إلتمام دفن أمي بشكل الئق‪ .‬لذلك‪ ،‬أقول‪ ،‬اعطني بعض المال"‪.‬‬
‫"ال أبًدا!"‬

‫"حسًنا‪ ،‬سأسلم نفسي للعدالة‪ ،‬وسترى ما سيحدث لالسم الذي تحمله بكل حب!"‬
‫اندفع الكونت‪ ،‬جنوًنا‪ ،‬نحو مكتبه للحصول على مسدس‪ .‬وضع نويل نفسه بينه وبين المكتب‪.‬‬
‫"أرجوك‪ ،‬ال تدعنا نتورط في أي صراع"‪ ،‬قال ببرودة؛ "أنا األقوى"‪.‬‬
‫انتكأ السيد دو كوماران‪ .‬بالتحدث بهذه الطريقة عن المحاكمة والفضيحة والعار‪ ،‬ترك المحامي انطباًعا‬
‫عليه‪.‬‬
‫وبعد تردد لحظة بين حبه السمه ورغبته الشديدة في رؤية هذا الشخص المنحط معاقًبا‪ ،‬وقف النبيل‬
‫العجوز متردًدا‪.‬‬
‫وأخيًر ا‪ ،‬انتصرت مشاعره بخصوص مكانته‪.‬‬
‫"لننهي هذا"‪ ،‬قال بصوت يرتجف‪ ،‬مليء بأقصى درجات االزدراء؛ "ماذا تطلب مني؟"‬
‫"لقد قلت لك بالفعل‪ ،‬المال‪ ،‬كل ما لديك هنا‪ .‬لكن اتخذ قرارك بسرعة"‪.‬‬
‫في السبت السابق‪ ،‬سحب الكونت من بنكه المبلغ الذي كان قد خصصه لتجهيز شقق من اعتقاده أنها‬
‫البنه الشرعي‪.‬‬
‫"لدي ثمانين ألف فرنك هنا"‪ ،‬أجاب‪.‬‬
‫"هذا قليل جًدا"‪ ،‬قال المحامي؛ "ولكن اعطها لي‪ .‬لكن أقول لك أنني كنت قد حسبت عليك خمسمائة‬
‫ألف فرنك‪ .‬إذا نجحت في الهرب من مطاردي‪ ،‬فعليك أن تضع الباقي‪ ،‬أربعمائة وعشرين ألف فرنك‪،‬‬
‫تحت تصرفي‪ .‬هل تتعهد بإعطائي هذه المبالغ إذا طلبتها؟ سأجد وسيلة إلرسالها دون أي خطر على‬
‫نفسي‪ .‬بهذا الثمن‪ ،‬لن تخشي أن تسمع عني مرة أخرى"‪.‬‬
‫كرًدا على ذلك‪ ،‬فتح الكونت صندوًقا صغيًرا من الحديد مدمًج ا في الحائط‪ ،‬وأخرج لفة من أوراق البنك‬
‫التي رماها عند قدمي نويل‪.‬‬
‫ظهرت نظرة غاضبة في عيني المحامي‪ ،‬حيث خطو خطوة واحدة تجاه والده‪.‬‬
‫"آه احذر!"‪ ،‬قال بتهديد؛ "األشخاص الذين ليس لديهم شيء يخسرون خطريون‪ .‬ال يزال بمقدوري‬
‫تسليم نفسي‪ ،‬و‪"...‬‬
‫لكنه انحنى والتقط األوراق‪.‬‬
‫"هل ستعطيني كلمتك‪ "،‬استمر‪" ،‬بأن تمنحني الباقي عندما أطلبه؟"‬
‫"نعم"‪.‬‬
‫"هيا فأنا ذاهب‪ .‬ال تخف‪ ،‬سأكون مخلًص ا التفاقنا‪ ،‬لن يأخذونني حًّيا‪ .‬وداًعا يا أبي! أنت الجاني الحقيقي‬
‫في كل هذا‪ ،‬ولكنك وحدك ستفلت من العقاب‪ .‬آه‪ ،‬السماء ليست عادلة‪ .‬ألعنك!"‬
‫عندما دخل الخدم ساعة الحقة إلى غرفة الكونت‪ ،‬وجدوه ممدًدا على األرض بوجهه على السجادة‪ ،‬وال‬
‫يظهر أي عالمة على الحياة‪.‬‬
‫على متن الطريق المؤدية إلى شارع الجامعة‪ ،‬كان نويل يترنح‪.‬‬
‫بدت له الرصيف يتأرجح تحت قدميه‪ ،‬وكل شيء حوله يدور‪ .‬كان فمه جاًفا‪ ،‬وعيناه تحترقان‪ ،‬وكل‬
‫فترة وجود نوبة مفاجئة من الغثيان‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬وعجيًبا‪ ،‬شعر براحة ال تصدق‪ ،‬ولقد شعر بالسعادة‪ .‬لقد انتهى األمر‪ ،‬وانتهت اللعبة‪ .‬لم يكن‬
‫هناك المزيد من العذاب‪ ،‬وال المزيد من الخوف العبثي والرعب الغبي‪ ،‬وال المزيد من االنحناء‪ ،‬وال‬
‫المزيد من الصراعات‪ .‬من اآلن فصاعًدا‪ ،‬ليس لديه شيء يخشاه‪ .‬بعد أدائه الفظيع حتى النهاية المريرة‪،‬‬
‫يمكنه اآلن وضع قناعه جانًبا والتنفس بحرية‪.‬‬
‫خلف الطاقة اليائسة التي دفعته نحو الجرأة الوقحة أمام الكونت‪ ،‬جاءت اإلرهاق الالحق والحاجة‬
‫الملحة إلى الراحة‪ .‬وجميع الينابيع في جسده‪ ،‬الممدودة ألكثر من أسبوع‪ ،‬انهارت اآلن‪ .‬فقد انتهت‬
‫الحمى التي كانت تحافظ عليه في األيام األخيرة‪ ،‬ومع اإلرهاق‪ ،‬شعر بحاجة ملحة إلى الراحة‪ .‬وشعر‬
‫بفراغ كبير والمباالة تجاه كل شيء‪.‬‬
‫كان انغماسه في الالشعور يشبه بشدة ما يشعر به األشخاص المصابون بدوار البحر‪ ،‬حيث ال يهتمون‬
‫بأي شيء‪ ،‬وال تستطيع الحساسات أن تحركهم‪ ،‬وال يمتلكون القوة أو الشجاعة للتفكير‪ ،‬وال يمكن أن‬
‫يوقظهم من هذا الخدر حتى بوجود أي خطر كبير‪ ،‬حتى الموت نفسه‪.‬‬
‫لو جاء أحدهم إليه في تلك اللحظة‪ ،‬لن يفكر أبًدا في المقاومة‪ ،‬وال في الدفاع عن نفسه؛ لن يخطو خطوة‬
‫إلخفاء نفسه‪ ،‬أو الفرار‪ ،‬أو حتى إلنقاذ رأسه‪.‬‬
‫للحظة‪ ،‬فكر جدًيا في تسليم نفسه‪ ،‬لتحقيق السالم والهدوء‪ ،‬والتخلص من القلق بشأن سالمته‪.‬‬
‫لكنه صارع ضد هذا الغباء المنفلت‪ ،‬وفي النهاية حدثت ردة الفعل‪ ،‬حيث تخلص من هذا الضعف‬
‫الذهني والجسدي‪.‬‬
‫عادت له وعيه بموقفه وخطره‪ .‬توقع برعب السقالة‪ ،‬كما يرى الشخص عمق الهاوية بواسطة البرق‪.‬‬
‫"يجب أن أنقذ حياتي‪ "،‬فكر‪" ،‬لكن كيف؟"‬
‫استولت عليه الرعب الذي يحرم القاتل من حتى الحس العادي‪ .‬نظر حوله بشغف‪ ،‬وظن أنه يالحظ‬
‫ثالثة أو أربعة مارة ينظرون إليه بفضول‪ .‬زاد رعبه‪.‬‬
‫بدأ بالجري في اتجاه الحي الالتيني بدون هدف‪ ،‬يركض من أجل الجري‪ ،‬للهروب‪ ،‬مثل الجريمة كما‬
‫هو مصور في اللوحات‪ ،‬تهرب تحت جلدات العذاب‪.‬‬
‫لكنه توقف قريبًا‪ ،‬ألنه تذكر أن هذا السلوك الغير عادي سيجذب االنتباه‪.‬‬
‫يبدو له أن كل شيء فيه يشي بأنه القاتل؛ يعتقد أنه يقرأ االزدراء والرعب على كل وجه‪ ،‬والشك في كل‬
‫عين‪.‬‬
‫يسير‪ ،‬وهو يكرر لنفسه بشكل غريزي‪" :‬يجب أن أفعل شيًئا‪".‬‬

‫لكنه كان مضطرًبا لدرجة أنه لم يكن قادًر ا على التفكير أو التخطيط ألي شيء‪.‬‬
‫عندما تردد ال يزال في ارتكاب الجريمة‪ ،‬كان يقول لنفسه‪" :‬ربما يكتشفونني‪ ".‬ومع وجود هذا االحتمال‬
‫في االعتبار‪ ،‬كان قد وضع خطة ستجعله خارج نطاق الخوف من المطاردة‪ .‬سيفعل هذا وذاك؛ سيلجأ‬
‫إلى هذا الحيل‪ ،‬سيتخذ تلك االحتياطات‪ .‬لكن هذا االستعداد الذي لم يكن له فائدة! اآلن‪ ،‬ال يبدو أن أي‬
‫شيء من ما تخيله ممكًنا‪ .‬الشرطة تبحث عنه‪ ،‬وال يستطيع التفكير في أي مكان في العالم يشعر فيه‬
‫باألمان تماًم ا‪.‬‬
‫كان قريًبا من مسرح األوديون عندما سرعان ما وجد أفكاًر ا توقدها الظالم في عقله‪.‬‬
‫تبادر إليه أنه بما أن الشرطة بال شك تطارده بالفعل‪ ،‬سيصبح وصفه قريًبا معروًفا للجميع‪ ،‬سيفضحه‬
‫طوقه األبيض ولحيته المحفوفة باألمانة تماًم ا كما لو كان يحمل الفتة تعلن من هو عليه‪.‬‬
‫رأى محل حالقة‪ ،‬فسارع إلى الباب‪ ،‬لكنه خاف عندما كان على وشك تحريك المقبض‪.‬‬
‫قد يظن الحالق أنه غريب ألنه يريد حالقة لحيته‪ ،‬وربما سأله!‬
‫مر بجوار محل حالقة آخر‪ ،‬لكن الخوف نفسه مرة أخرى حال دون دخوله‪.‬‬
‫تدريجيًا‪ ،‬تغطى الليل‪ ،‬وبالظالم‪ ،‬بدا لـ نويل أنه يستعيد ثقته وجرأته‪.‬‬
‫بعد هذا الحادث الكارثي في الميناء‪ ،‬ارتفع األمل إلى السطح‪ .‬لماذا ال ينقذ نفسه؟ كانت هناك العديد من‬
‫الحاالت المماثلة‪ .‬يمكنه الذهاب إلى بلد أجنبي‪ ،‬وتغيير اسمه‪ ،‬وبدء حياته من جديد‪ ،‬وأن يصبح شخًصا‬
‫جديًدا تماًم ا‪ .‬لديه المال؛ وهذا هو الشيء الرئيسي‪.‬‬
‫وباإلضافة إلى ذلك‪ ،‬بمجرد أن ينفق ثمانين ألف فرنك‪ ،‬كان لديه اليقين بأنه سيحصل‪ ،‬عند أول طلب‬
‫له‪ ،‬على خمس أو ست مرات أكثر من ذلك‪.‬‬
‫كان يفكر بالفعل في الم ‪ disfrace‬الذي سيتخذه والحدود التي سيتجه إليها‪ ،‬عندما اخترقت ذكريات‬
‫جولييت قلبه كالحديد الحار‪.‬‬
‫ًا‬
‫هل كان سيغادر دونها‪ ،‬ويذهب بعيد باليقين بأنه لن يراها مرة أخرى؟ ماذا! سيطير‪ ،‬ويطارده جميع‬
‫أفراد الشرطة في العالم المتحضر‪ ،‬ويتعقب كحيوان بري‪ ،‬وهي ستبقى بسالم في باريس؟ هل هذا‬
‫ممكن؟ فلمن ارتكب هذه الجريمة؟ من أجلها‪ .‬من سيستفيد منها؟ هي‪ .‬أليس من العدل‪ ،‬إذن‪ ،‬أن تتحمل‬
‫نصيبها من العقاب؟‬
‫"إنها ال تحبني"‪ ،‬فكر المحامي بمرارة‪" ،‬إنها لم تحبني أبًدا‪ .‬ستكون سعيدة للتخلص مني إلى األبد‪ .‬لن‬
‫تشعر بالحنين لي‪ ،‬ألنني لست ضروريًا لها بعد اآلن‪ .‬الخزانة الفارغة هي عفا عليها الزمن‪ .‬جولييت‬
‫حذرة؛ لقد تمكنت من توفير ثروة صغيرة جميلة على حسابي‪ .‬وهي ستتزوج من عشيق آخر‪،‬‬
‫وستنسىني‪ ،‬وستعيش بسعادة‪ ،‬في حين أنا ‪ -‬وكنت على وشك الذهاب بعيدًا دونها!"‪.‬‬
‫صاحت صوت الحذر له‪" :‬يا رجل األسفلت األحمق! أن تجر امرأة معك‪ ،‬وامرأة جميلة أيًضا‪ ،‬ليس‬
‫سوى جذب االنتباه بغباء إليك‪ ،‬وجعل الهروب مستحيًال‪ ،‬واالستسالم لنفسك مثل األحمق"‪.‬‬
‫"ماذا عن ذلك؟" ردت العاطفة‪" .‬سننجو مًعا أو نموت‪ .‬إذا كانت ال تحبني‪ ،‬فأنا أحبها؛ يجب أن أملكها!‬
‫ستأتي‪ ،‬وإال‪"...‬‬
‫ولكن كيف يمكنه رؤية جولييت والتحدث معها وإقناعها‪ .‬الذهاب إلى منزلها كان خطًرا كبيًرا يتعين‬
‫عليه تحمله‪ .‬ربما كانت الشرطة هناك بالفعل‪.‬‬
‫"ال"‪ ،‬فكر نويل‪" ،‬ال أحد يعرف أنها عشيقتي‪ .‬لن يتم اكتشاف ذلك إال بعد يومين أو ثالثة‪ ،‬وعالوة على‬
‫ذلك‪ ،‬كان الكتابة أكثر خطورة بعد‪.‬‬
‫ترجمة إلى العربية‪ :‬وباإلضافة إلى ذلك‪ ،‬بمجرد أن تنفق الثمانون ألف فرنك له‪ ،‬كان لديه اليقين من‬
‫تلقي خمس أو ست مرات أكثر من ذلك عند أول طلب‪ .‬كان يفكر بالفعل في التنكر الذي يجب أن يتبناه‪،‬‬
‫والحدود التي يجب أن يتوجه إليها‪ ،‬عندما طعنت ذكرى جولييت قلبه كأنها قضيب حديدي ساخن‪ .‬هل‬
‫كان سيتركها ويذهب دونها‪ ،‬ويذهب بعيًدا مع اليقين أنه لن يراها مرة أخرى؟ ماذا! كان سيركب‬
‫الطائرة‪ ،‬مطارد من قبل جميع شرطة العالم المتحضر‪ ،‬تتبعه مثل الوحش البري‪ ،‬وستبقى هي بسالم في‬
‫باريس؟ هل كان ذلك ممكًنا؟ من أجل من ارتكب هذه الجريمة؟ من أجلها‪ .‬من سيحصل على منافعها؟‬
‫هي‪ .‬أليس من العدل إذن أن تتحمل نصيبها من العقوبة؟‬

‫"إنها ال تحبني"‪ ،‬فكر المحامي بمرارة‪" ،‬لم تحبني أبًدا‪ .‬ستكون سعيدة للتخلص مني إلى األبد‪ .‬لن تشتاق‬
‫إلي ألنني لم أعد ضرورًيا لها‪ .‬الصندوق الفارغ هو قطعة أثاث غير مفيدة‪ .‬جولييت حكيمة؛ تمكنت من‬
‫توفير ثروة صغيرة لطيفة‪ .‬تكتسب الثروة على حسابي‪ ،‬ستأخذ عشيًقا آخر‪ .‬ستنساني‪ ،‬وستعيش سعيدة‪،‬‬
‫بينما أنا ‪ -‬وكنت على وشك الرحيل دونها!"‬

‫صرخت صوت الحذر له‪" :‬يا رجل التعيس! سحب امرأة معك‪ ،‬وامرأة جميلة أيًضا‪ ،‬ليس إال لجذب‬
‫االنتباه إليك بغباء‪ ،‬لجعل الهروب مستحياًل ‪ ،‬لتسليم نفسك مثل أحمق‪".‬‬

‫"ماذا عن ذلك؟" أجاب الشغف‪" .‬سننجو أو سنهلك مًعا‪ .‬إذا لم تحبني‪ ،‬أنا أحبها؛ يجب أن أمتلكها!‬
‫ستأتي‪ ،‬وإال ‪"-‬‬

‫ولكن كيف يرى جولييت‪ ،‬ويتحدث معها‪ ،‬ويقنعها؟ الذهاب إلى منزلها كان مخاطرة كبيرة بالنسبة له‪.‬‬
‫ربما كانت الشرطة هناك بالفعل‪.‬‬
‫"ال"‪ ،‬فكر نويل؛ "ال أحد يعرف أنها عشيقتي‪ .‬لن يكتشف ذلك إال بعد يومين أو ثالثة أيام‪ ،‬وباإلضافة‬
‫إلى ذلك‪ ،‬سيكون كتابة رسالة أكثر خطورة‪".‬‬
‫استقل سيارة أجرة ليست بعيدة عن كارفور دي لوبسيرفاتوار‪ ،‬وبصوت خافت أخبر السائق برقم‬
‫المنزل في رو دو بروفانس الذي كان قد تسبب في كارثته‪ .‬مستلقًيا على وسائد السيارة‪ ،‬مهدًأ برّجاتها‬
‫الممّلة‪ ،‬لم يفكر نويل في المستقبل‪ ،‬ولم يفكر حتى في ما سيقوله لجولييت‪ .‬ال‪ ،‬مّر عليه بشكٍل غير‬
‫إرادي مراجعة األحداث التي أدت إلى الكارثة‪ ،‬كما يفعل اإلنسان عندما يكون على شفير الموت‪ ،‬حيث‬
‫يراجع مسرحية حياته‪ ،‬سواء كانت مأساوية أو كوميدية‪.‬‬
‫قبل شهر فقط‪ ،‬وبعد أن أفنى كل ما لديه وأصبح بال موارد على اإلطالق‪ ،‬قرر نويل‪ ،‬مهما كلف األمر‪،‬‬
‫الحصول على المال‪ ،‬حتى يتمكن من االستمرار في االحتفاظ بالسيدة جولييت‪ ،‬وفي هذه األثناء وقعت‬
‫الصدفة بيده مراسالت الكونت دي كومارين‪ .‬لم يقرأ نويل فقط الرسائل التي قرأها العجوز تاباريه‬
‫وأظهرها أللبرت‪ ،‬بل أيضًا تلك التي كتبها الكونت عندما اعتقد أن االستبدال قد حدث بالفعل‪ ،‬والتي‬
‫أثبتت بوضوح ذلك‪.‬‬
‫أعطته قراءتها ساعة من السعادة المجنونة‪.‬‬
‫ظن نفسه ابًنا شرعًيا‪ ،‬لكن والدته سرعان ما خدعته‪ ،‬وأخبرته الحقيقة‪ ،‬وأثبتت ذلك له بعدة رسائل‬
‫حصلت عليها من ويدو لوروج‪ ،‬ودعت كلودين شاهدًا عليها‪ ،‬وأظهرت له الندوب التي يحملها‪.‬‬
‫لكن المرء ال يختار الفرع الذي يحاول اإلمساك به عندما يسقط‪ .‬قرر نويل استخدام الرسائل على أي‬
‫حال‪.‬‬
‫حاول إقناع والدته بترك الكونت في جهله‪ ،‬حتى يتمكن من ابتزازه‪ .‬لكن السيدة جيردي رفضت‬
‫االقتراح بشدة‪.‬‬
‫ثم اعترف المحامي بجميع جنونه‪ ،‬وكشف حالته المالية‪ ،‬وأظهر نفسه في ضوءه الحقيقي‪ ،‬مغموًرا‬
‫بالديون‪ ،‬وطلب من والدته اللجوء إلى الكونت دي كومارين‪.‬‬
‫رفضت هذا أيًض ا‪ ،‬ولم تفلح الصلوات والتهديدات في إقناعها بالتراجع عن قرارها‪ .‬لمدة أسبوعشرين‬
‫يوًم ا‪ ،‬كان هناك صراع شديد بين األم واالبن‪ ،‬والمحامي كان الخاسر فيه‪.‬‬
‫وكانت في ذلك الوقت فكرة قتل كلودين قد تراوده‪.‬‬
‫لم تكن المرأة السعيدة صريحة مع السيدة جيردي أكثر من غيرها‪ ،‬لذلك ظن نويل حًقا أنها أرملة‪ .‬لذلك‪،‬‬
‫بعد أن قام بقمع شهادتها‪ ،‬من هو الذي يقف في طريقه؟‬
‫السيدة جيردي‪ ،‬وربما الكونت‪ .‬لم يخف منهم كثيًر ا‪ .‬إذا تحدثت السيدة جيردي‪ ،‬يمكنه دائًم ا الرد‪" :‬بعد‬
‫أن سرقت اسمي البنك‪ ،‬ستفعل كل شيء في العالم لتمكينه من االحتفاظ به"‪ .‬ولكن كيف يتخلص من‬
‫كلودين دون خطر عليه؟‬
‫بعد تفكير طويل‪ ،‬فكر المحامي في خطة شيطانية‪.‬‬
‫أحرق كل رسائل الكونت التي تثبت االستبدال‪ ،‬واحتفظ فقط بتلك التي تجعله محتماًل ‪.‬‬
‫ذهب إلى ألبرت وأظهر له هذه الرسائل األخيرة‪ ،‬متأكًدا من أنه إذا اكتشفت العدالة سبب وفاة كلودين‪،‬‬
‫فإنها ستشك فيه الذي يبدو أن لديه أكبر مصلحة في ذلك‪.‬‬
‫وليس ألنه يريد حًقا أن يشتبه في ألبرت بالجريمة‪ ،‬بل هو مجرد احتياط‪ .‬كان يعتقد أنه يمكنه ترتيب‬
‫األمور بحيث تضيع الشرطة وقتها في مالحقة مجرم وهمي‪.‬‬
‫ولم يفكر في إخراج الفيكونت دي كومارين ووضع نفسه في مكانه‪ .‬كانت خطته ببساطة هذه؛ بمجرد‬
‫ارتكاب الجريمة‪ ،‬سينتظر؛ ستأخذ األمور مجراها الطبيعي‪ ،‬سيكون هناك مفاوضات‪ ،‬وفي نهاية‬
‫المطاف سيتم التسوية بسعر ثروة‪.‬‬
‫كان واثًقا من صمت والدته‪ ،‬إذا اشتبهت به متهما باالغتيال‪.‬‬
‫بعد ترتيب كل شيء‪ ،‬قرر أن يضرب ضربة القاتل في يوم الثالثاء الكبير‪.‬‬
‫ولكي ال يهمل أي احتياط‪ ،‬أخذ جولييت إلى المسرح في نفس الليلة‪ ،‬وبعد ذلك إلى حفل الكمام في‬
‫األوبرا‪ .‬في حال تعرض ألي شيء ضده‪ ،‬حصل بذلك على الدليل الذي ال يمكن الرد عليه‪.‬‬
‫لم يؤرقه فقدان معطفه إال للحظات قليلة‪ .‬بعد التفكير‪ ،‬راح يطمئن نفسه قائال‪" :‬أها! من سيعرف أبًدا؟"‬
‫كل شيء حدث وفًقا لحساباته؛ كان في رأيه مسألة صبر‪.‬‬
‫ولكن عندما قرأت السيدة جيردي تقرير الجريمة‪ ،‬تخّم نت المرأة الحزينة عمل ابنها‪ ،‬وفي نوبات حزنها‬
‫األولى‪ ،‬أعلنت أنها ستبّلغ عنه‪.‬‬
‫كان مرعوًبا‪ .‬كانت هذه نوبة هستيرية فظيعة قد احتلت والدته‪ .‬كلمة واحدة منها قد تدّم ره‪ .‬ومع ذلك‪،‬‬
‫وضع وجه شجاع‪ ،‬وعمل على الفور وراهن كل شيء‪.‬‬
‫إن وضع الشرطة على عتبة ألبرت كان يضمن سالمته‪ ،‬ويضمن لنفسه‪ ،‬في حال النجاح المحتمل‪ ،‬اسم‬
‫وثروة الكونت دي كومارين‪.‬‬
‫زادت الظروف‪ ،‬باإلضافة إلى رعبه الخاص‪ ،‬جرأته وفطنته‪.‬‬
‫جاء زيارة السيد تاباري القديم في الوقت المناسب للغاية‪.‬‬
‫كان نويل يعرف عالقته بالشرطة‪ ،‬وتخّم ن أن الرجل العجوز سيكون ثقة قيمة‪.‬‬
‫طالما عاشت السيدة جيردي‪ ،‬خاف نويل‪ .‬في هستيريتها‪ ،‬يمكن أن تخونه في أي لحظة‪ .‬ولكن عندما‬
‫توفيت‪ ،‬اعتقد أنه آمن‪ .‬فكر في كل شيء‪ ،‬ولم يرى أي عقبة أخرى في طريقه‪ ،‬وكان واثًقا من أنه‬
‫انتصر‪.‬‬
‫واآلن تم اكتشاف كل شيء‪ ،‬وذلك عندما كان على وشك تحقيق هدف طموحه‪ .‬ولكن كيف؟ ومن قبل؟‬
‫ما هو القضاء العادل الذي أحيا سًر ا اعتقد أنه دفن مع السيدة جيردي؟‬
‫ولكن ما هو الفائدة عندما يكون اإلنسان في قاع الهاوية‪ ،‬من معرفة أي حجر سقط‪ ،‬أو السؤال عن‬
‫الجانب الذي سقط فيه؟‬
‫توقفت السيارة في شارع دو بروفانس‪ .‬خرج نويل من الباب‪ ،‬وعيناه تستكشفان المنطقة‪ ،‬ويطلق نظرة‬
‫متأنية على عمق قاعة المنزل‪ .‬لم ير أحًدا‪ ،‬فدفع األجرة من خالل النافذة األمامية‪ ،‬قبل أن يخرج من‬
‫السيارة‪ ،‬وعبر الرصيف بقفزة‪ ،‬واندفع نحو الدرج‪.‬‬
‫عندما رأته شارلوت‪ ،‬صاحت من الفرحة‪.‬‬
‫"أخيًر ا أنت أنت‪ ،‬يا سيدي!" صاحت شارلوت‪" ،‬أه‪ ،‬كانت السيدة تنتظرك بأشد الصبر! كانت قلقة‬
‫جًدا‪".‬‬
‫جولييت تنتظره! جولييت قلقة!‬
‫لم يتوقف المحامي ليطرح األسئلة‪ .‬عندما وصل إلى هذا المكان‪ ،‬بدا وكأنه استعاد هدوءه فجأة‪ .‬فهو يفهم‬
‫خطأه‪ ،‬ويعرف القيمة الدقيقة لكل دقيقة يتأخر فيها هنا‪.‬‬
‫"إذا رن الهاتف‪ "،‬قال لشارلوت‪" ،‬ال تفتحي الباب‪ .‬ال يهم ما يتم قوله أو فعله‪ ،‬ال تفتحي الباب!"‬
‫عند سماع صوت نويل‪ ،‬ركضت جولييت لتستقبله‪ .‬دفعها بلطف إلى الصالون‪ ،‬وتبعها‪ ،‬وأغلق الباب‪.‬‬
‫هناك‪ ،‬رأت وجهه ألول مرة‪.‬‬
‫كان قد تغير كثيًر ا؛ كان نظرته مرهقة للغاية‪ ،‬حتى لم تستطع االمتناع عن الصراخ‪" :‬ما األمر؟"‬
‫لم يجب نويل؛ تقدم نحوها وأخذ يدها‪.‬‬
‫"جولييت‪ "،‬طالبها بصوت هادر‪ ،‬وعيناه تلمعان‪" ،‬جولييت‪ ،‬كن صادقة؛ هل تحبينني؟"‬
‫شعرت بغريزة أن شيًئا فظيًعا حدث‪ :‬بدا وكأنها تتنفس جًو ا من الشر؛ لكنها‪ ،‬كالعادة‪ ،‬تظاهرت‬
‫بالالمباالة‪.‬‬
‫"أنت رجل سيء الطبع‪ "،‬ردت‪ ،‬وهي تعاند بشفتيها‪" ،‬هل تستحق؟"‬
‫"يكفي!" انفجر نويل‪ ،‬وهو يدوس قدميه بشراسة‪" .‬أجيبيني"‪ ،‬واصل‪ ،‬وهو يكسر يديها الجميلتين في‬
‫قبضته‪" ،‬نعم‪ ،‬أو ال؟ هل تحبينني؟"‬
‫كانت قد غلطت بحقه كثيًر ا‪ ،‬ولم تجرؤ على الشكوى من هذا القسوة األولى له‪.‬‬
‫"نعم‪ ،‬أنا أحبك"‪ ،‬تلعثمت‪" ،‬أال تعلم ذلك؟"‬
‫"لماذا؟" رد المحامي‪ ،‬وهو يفك قبضته عن يديها‪" ،‬لماذا؟ ألنه إذا كنِت تحبينني‪ ،‬يجب أن تثبتي ذلك‪.‬‬
‫إذا كنِت تحبينني‪ ،‬يجب عليِك متابعتي فوًر ا‪ ،‬تخلي عن كل شيء‪ .‬تعالي‪ ،‬هربي معي‪ ،‬الوقت يضيق‪"...‬‬
‫كانت الفتاة الصغيرة مرعوبة‪.‬‬
‫"يا سماء العظمى! ماذا حدث؟"‬
‫"ال شيء‪ ،‬إال أنني أحببتِك كثيًر ا‪ ،‬جولييت‪ .‬عندما وجدت أن ليس لدي المزيد من المال لرفاهيتِك ‪،‬‬
‫لشهواتِك ‪ ،‬أصبحت جنوني‪ .‬للحصول على المال‪ ،‬ارتكبت جريمة‪ ،‬جريمة؛ هل تفهمين؟ يطاردونني‬
‫اآلن‪ .‬يجب علي الهرب‪ .‬أتتبعيني؟"‬
‫أصبحت عينا جولييت واسعتين من الدهشة‪ ،‬لكنها شكت في نويل‪" .‬جريمة؟ أنت؟" بدأت‪.‬‬
‫"نعم‪ ،‬أنا! هل تريدين معرفة الحقيقة؟ لقد ارتكبت جريمة قتل‪ ،‬جريمة اغتيال‪ .‬ولكن كل ذلك كان من‬
‫أجلِك ‪".‬‬
‫شعر المحامي بأن جولييت ستنفض عنه بالرعب‪ .‬كان يتوقع الرعب الذي يلهب القاتل‪ .‬كان متأهًبا لذلك‬
‫مسبًقا‪ .‬اعتقد أنها ستفر منه‪ ،‬وربما سيكون هناك مشهد‪ .‬ربما تصاب بالهستيريا‪ ،‬تصرخ‪ ،‬تنادي للنجدة‪،‬‬
‫للمساعدة‪ .‬كان مخطًئا‪.‬‬
‫بقفزة‪ ،‬طارت جولييت إليه‪ ،‬ورمت نفسها عليه‪ ،‬وعانقته بذراعيها حول عنقه‪ ،‬وعانقته كما لم تفعل من‬
‫قبل‪.‬‬
‫"نعم‪ ،‬أنا أحبِك !" صاحت‪" ،‬نعم‪ ،‬لقد ارتكبَت جريمة من أجلي‪ ،‬ألنِك تحبني‪ .‬لديَك قلب‪ .‬لم أكن أعرفِك‬
‫حًقا من قبل!"‬
‫كلفه ذلك الكثير إللهام هذا الشغف في السيدة جولييت‪ ،‬لكن نويل لم يفكر في ذلك‪.‬‬
‫عاش لحظة من السعادة الشديدة‪ :‬لم يبدو له أنه يائس اآلن‪.‬‬
‫ولكن كان لديه الوعي الكافي ليتحرر من حضنها‪.‬‬
‫"هيا‪ ،‬لنذهب"‪ ،‬قال‪" ،‬الخطر الكبير هو أنني ال أعلم من أين يأتي الهجوم‪ .‬كيف اكتشفوا الحقيقة ال يزال‬
‫لغًز ا بالنسبة لي‪".‬‬
‫تذكرت جولييت زائرها المزعج في فترة الظهيرة؛ فهمت كل شيء‪.‬‬
‫"أيها النساء المسكينة‪ ،‬ما أنا عليه!" صرخت‪ ،‬ملتوية يديها في اليأس‪" ،‬أنا من خانك‪ .‬حدث هذا يوم‬
‫الثالثاء‪ ،‬أليس كذلك؟"‬
‫"نعم‪ ،‬يوم الثالثاء‪".‬‬
‫"آه‪ ،‬إذًا‪ ،‬لقد قلت كل شيء‪ ،‬بال شك‪ ،‬لصديقك العجوز الذي اعتقدُت أنِك أرسلِته‪ ،‬تاباريه!"‬
‫"هل تاباريه كان هنا؟" "نعم‪ ،‬للتو‪".‬‬
‫"تعال‪ ،‬إذًا"‪ ،‬صاح نويل‪" ،‬بسرعة‪ ،‬إنه معجزة أنه لم يعد بعد‪ ".‬أخذ ذراعها‪ ،‬ليستعجلها‪ ،‬لكنها تحررت‬
‫بمهارة‪" .‬انتظر"‪ ،‬قالت‪" ،‬لدي بعض المال والمجوهرات‪ .‬سأأخذها‪".‬‬
‫"إنها عبث‪ .‬اتركي كل شيء خلفك‪ .‬لدي ثروة‪ ،‬جولييت‪ .‬دعنا نهرب!"‬
‫لقد فتحت بالفعل صندوق مجوهراتها‪ ،‬وكانت تلقي كل شيء من القيمة التي تمتلكها بعنف في حقيبة‬
‫سفر صغيرة‪.‬‬
‫"آه‪ ،‬أنِت تدمريني"‪ ،‬صرخ نويل‪" ،‬أنِت تدمريني!" تحدث بهذا الشكل‪ ،‬لكن قلبه كان يفيض بالفرح‪.‬‬
‫"ما هذا التفاني الرفيع! إنها تحبني حًقا"‪ ،‬قال لنفسه‪" ،‬من أجلي‪ ،‬تتخلى عن حياتها السعيدة دون تردد؛‬
‫من أجلي‪ ،‬تضحي بكل شيء!"‬
‫انتهت جولييت من التحضيرات‪ ،‬وكانت تربط بسرعة قبعتها‪ ،‬عندما رن جرس الباب‪.‬‬
‫"إنهم الشرطة!" صرخ نويل‪ ،‬متحواًل إلى أشد حمرة إن أمكن‪.‬‬
‫وقفت الشابة وعشيقها كتمثالين ال يتحركان‪ ،‬مع قطرات كبيرة من العرق على جبينيهما‪ ،‬وعيونهما‬
‫متوسعة‪ ،‬وآذانهما تستمعان باهتمام‪ُ .‬سمع جرس للمرة الثانية‪ ،‬ثم للمرة الثالثة‪.‬‬
‫ظهرت شارلوت وهي تمشي بصمت‪.‬‬
‫"هناك عدة أشخاص"‪ ،‬همست‪" ،‬سمعتهم يتحدثون مًعا‪".‬‬
‫تعبوا من الجرس‪ ،‬فقرعوا الباب بشدة‪ .‬وصل صوت صوت إلى غرفة الجلوس‪ ،‬وكان بوضوح يمكن‬
‫سماع كلمة "القانون"‪.‬‬
‫"ال أمل بعد اآلن!" همس نويل‪.‬‬
‫"ال تيأس"‪ ،‬صاحت جولييت‪" ،‬جرب الدرج الخاص بالخدم!"‬
‫"يمكنك أن تتأكد أنهم لم ينسوه‪".‬‬
‫ذهبت جولييت لترى‪ ،‬وعادت محبطة ومرعوبة‪ .‬الحظت أن هناك خطوات ثقيلة على السلم‪ ،‬يحاول‬
‫شخص ما المشي بصمت‪.‬‬
‫"يجب أن يكون هناك طريقة للهروب!" صاحت بغضب‪.‬‬
‫"نعم"‪ ،‬رد نويل‪" ،‬يوجد طريقة واحدة‪ .‬لقد أعطيت كلمتي‪ .‬هم يحاولون فتح الباب‪ .‬اغلق جميع األبواب‬
‫ودعهم يكسروها‪ .‬سيعطيني ذلك الوقت‪".‬‬
‫ركضت جولييت وشارلوت لتنفيذ تعليماته‪ .‬ثم‪ ،‬ونحن نحّد ق في الصورة‪ ،‬وقف نويل متكًئا على المدفأة‪،‬‬
‫وأخذ مسدسه وأشار به نحو صدره‪.‬‬
‫لكن جولييت‪ ،‬التي عادت‪ ،‬الحظت الحركة‪ ،‬فقفزت على عشيقها‪ ،‬لكن بعنف شديد حتى أن المسدس‬
‫انحرف وانطلق الطلق‪ .‬أصاب الرصاص نويل‪ ،‬حيث اخترق معدته‪ .‬أطلق صراًخ ا مرعًبا‪.‬‬
‫جعلت جولييت موته عقاًبا رهيًبا‪ ،‬حيث أطالت معاناته‪.‬‬
‫تعثر‪ ،‬لكنه ظل واقًفا‪ ،‬يتكئ على المدفأة‪ ،‬بينما تدفق الدم بكثرة من جرحه‪.‬‬
‫تشبثت جولييت به‪ ،‬حاولت أن تنتزع المسدس من قبضته‪.‬‬
‫"لن تقتل نفسك!" صرخت‪" ،‬لن أسمح لك بذلك‪ .‬أنت لي؛ أنا أحبك! دعهم يأتون‪ .‬ماذا يمكنهم فعله بك؟‬
‫إذا وضعوك في السجن‪ ،‬يمكنك الهرب‪ .‬سأساعدك‪ ،‬سنرشو السجانين‪ .‬أه‪ ،‬سنعيش مًعا بسعادة‪ ،‬في أي‬
‫مكان‪ ،‬بعيًدا في أمريكا حيث ال أحد يعرفنا!"‬
‫كان الباب الخارجي قد استسلم؛ واآلن كانت الشرطة تحاول فتح باب الغرفة األمامية‪.‬‬
‫"دعني أنهي!" همس نويل‪" ،‬ال يجب أن يأخذوني حًيا!"‬
‫وبجهد كبير‪ ،‬وهو ينتصر على معاناته المريرة‪ ،‬تحرر من جديد ودفع جولييت بعنف‪ .‬وسقطت بالقرب‬
‫من األريكة‪.‬‬
‫ثم‪ ،‬أخذ مسدسه مرة أخرى وأشار به نحو المكان الذي يشعر فيه بنبض قلبه‪ ،‬وأطلق الزناد وسقط على‬
‫األرض‪.‬‬
‫كان الوقت مناسًبا‪ ،‬ألن الشرطة دخلت الغرفة في تلك اللحظة‪.‬‬

‫كانت أولى أفكارهم‪ ،‬أنه قبل أن يطلق النار على نفسه‪ ،‬أطلق النار على عشيقته‪ .‬عرفوا بالحاالت التي‬
‫يرغب الناس بشكل رومانسي في مغادرة هذا العالم مًعا؛ كما سمعوا اثنين من االنفجارات؛ ولكن‬
‫جولييت كانت قد وقفت بالفعل على قدميها مرة أخرى‪.‬‬
‫"طبيب!" صاحت‪" ،‬طبيب! ال يمكنه أن يكون ميًتا!"‬
‫ركض أحدهم‪ ،‬في حين قام اآلخرون‪ ،‬تحت إشراف تاباريه القديم‪ ،‬برفع الجثة ونقلها إلى غرفة نوم‬
‫السيدة جولييت حيث وضعوها على السرير‪.‬‬
‫"أتمنى ألجله أن جروحه مميتة!" همس المحقق القديم‪ ،‬الذي ترك غضبه عند الرؤية‪" .‬على أي حال‪،‬‬
‫أحببته كأنه ابني الخاص؛ ال يزال اسمه في وصيتي!"‬
‫توقف تاباريه القديم‪ .‬في ذلك الوقت‪ ،‬أصدر نويل أنيًنا‪ ،‬وفتح عينيه‪" .‬أنت ترى أنه سيعيش!" صاحت‬
‫جولييت‪.‬‬
‫هز المحامي رأسه بضعف‪ ،‬ولحظة ثم تحرك بألم على السرير‪ ،‬وأدخل يده اليمنى أوًال تحت معطفه‪ ،‬ثم‬
‫تحت وسادته‪ .‬نجح حتى في تحويل نفسه جزئًيا نحو الحائط وثم العودة مرة أخرى‪.‬‬
‫عند إشارة‪ ،‬التي فهمها الجميع على الفور‪ ،‬وضع شخص آخر وسادة أخرى تحت رأسه‪ .‬ثم بصوت‬
‫متقطع ومتشنج‪ ،‬نطق ببضع كلمات‪" :‬أنا القاتل"‪ ،‬قال‪" .‬اكتبوا ذلك‪ ،‬سأوقع عليه؛ سيسر ألبرت‪ .‬أدينه‬
‫بذلك على األقل"‪.‬‬
‫وبينما كانوا يكتبون‪ ،‬جذب رأس جولييت قريًبا من شفتيه‪.‬‬
‫"ثروتي تحت الوسادة"‪ ،‬همس‪" .‬أعطيها كلها لك"‪.‬‬
‫ارتفعت دفقة من الدم إلى فمه‪ ،‬وظن الجميع أنه ميت‪ .‬ولكنه ال يزال لديه قوة كافية لتوقيع اعترافه‪،‬‬
‫وليقول بطرافة للسيد تاباريه "آه‪ ،‬ها‪ ،‬يا صديقي‪ ،‬فأنت تشارك في عملية المحقق‪ ،‬أليس كذلك! يجب أن‬
‫يكون من المرح التصيد ألصدقائنا بأنفسنا! آه‪ ،‬لقد لعبت لعبة رائعة؛ ولكن مع وجود ثالث نساء في‬
‫اللعبة‪ ،‬كنت متأكًدا من الخسارة"‪.‬‬
‫بدأت معركة الموت‪ ،‬وعند وصول الطبيب‪ ،‬لم يتمكن سوى من اإلعالن عن وفاة السيد نويل جيردي‪،‬‬
‫المحامي‪.‬‬
‫الفصل ‪20‬‬
‫بعد بضعة أشهر‪ ،‬في إحدى الليالي‪ ،‬في منزل اآلنسة دو غويلو العجوز‪ ،‬كانت الماركيزة دارالنج‪ ،‬التي‬
‫تبدو أصغر بعشر سنوات منذ آخر مرة رأيناها‪ ،‬تخبر صديقاتها العجوزات عن حفل زفاف حفيدتها‬
‫كلير‪ ،‬التي تزوجت للتو من الفيكونت ألبرت دي كوماران‪.‬‬
‫"أقيم الزفاف"‪ ،‬قالت‪" ،‬على أرضنا في نورماندي‪ ،‬دون أي تدليالت‪ .‬أراد زوج ابنتي ذلك‪ ،‬وأعتقد أنه‬
‫بذلك كان يتحمل مسؤولية كبيرة‪ .‬كان من الضروري أن يكون هناك حفل زفاف رائع للتغطية على‬
‫الفضيحة التي نشأت بسبب الخطأ الذي تعرض له‪ .‬هذا كان رأيي‪ ،‬ولم أخفه‪ .‬لكن الولد عنيد كأبيه‪ ،‬وهذا‬
‫يعني أنه عنيد للغاية؛ استمر في عناده‪ .‬وحفيدتي الوقحة‪ ،‬التي أطاعت زوجها المستقبلي مسبًقا‪ ،‬كانت‬
‫تدعمه أيًض ا ضدي‪ .‬لكن هذا ال يهم؛ أتحدى أي شخص اليوم أن يجد شخًصا واحًدا يعترف بأنه شكك‬
‫لحظة واحدة في براءة ألبرت‪ .‬لقد تركت الشابين في سعادة شهر العسل‪ ،‬يتبادالن القبالت واألحضان‬
‫مثل زوجين من الحمام الزاجل‪ .‬يجب االعتراف بأنهم دفعوا ثمنًا باهظًا لسعادتهم‪ .‬فليكنوا سعداء‪،‬‬
‫وليكون لديهم الكثير من األطفال‪ ،‬فلن يكون عندهم صعوبة في تربيتهم وتوفير احتياجاتهم‪ .‬يجب أن‬
‫أقول أن الكونت دي كوماران تصرف كمالك ألول مرة في حياته‪ ،‬وربما للمرة األخيرة! لقد قام بتسوية‬
‫كل ثروته على ابنه‪ ،‬كلها تماًم ا‪ .‬ويعتزم العيش وحيًدا على إحدى ممتلكاته‪ .‬أخشى أن الرجل العجوز‬
‫الفقير العزيز لن يعيش طويًال‪ .‬لست متأكدًا من أنه تعافى تمامًا من الهجوم األخير‪ .‬على أي حال‪،‬‬
‫حفيدتي مستقرة‪ ،‬وبشكل رائع أيضًا‪ .‬أعلم ما تكلف لي ذلك‪ ،‬وكم سأكون اقتصادية‪ .‬ولكنني ال أفكر‬
‫كثيًر ا في تلك اآلباء الذين يترددون في أي تضحية مادية عندما يتعلق األمر بسعادة أطفالهم"‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬نسيت الماركيزة أن تذكر أن ألبرت قام بتحريرها من وضع محرج جًدا قبل أسبوع من‬
‫الزفاف‪ ،‬وقد تحمل مبلًغ ا كبيًر ا من ديونها‪.‬‬
‫منذ ذلك الحين‪ ،‬لم تقترض منه أكثر من تسعة آالف فرنك‪ ،‬ولكنها تعتزم االعتراف له في يوم من األيام‬
‫بمدى إزعاجها بسبب صانع األثاث‪ ،‬وخياطة الفساتين‪ ،‬وثالثة بائعي األقمشة‪ ،‬وخمسة أو ستة تجار‬
‫آخرين‪.‬‬
‫على أي حال‪ ،‬إنها امرأة جديرة باالحترام‪ ،‬فهي لم تقل أي شيء ضد ابن زوجها!‬
‫بعد تقديم استقالته‪ ،‬انتقل السيد دابورون إلى منزل والده في بواتو‪ ،‬حيث وجد الراحة أخيًرا؛ وسيأتي‬
‫النسيان الحًقا‪ .‬وال يزال أصدقاؤه يأملون في إقناعه بالزواج‪.‬‬
‫تم تعويض السيدة جولييت بشكل كامل عن فقدان نويل‪ .‬لم يتم سرقة الثمانين ألف فرنك الذي وضعها‬
‫تحت الوسادة‪ .‬لكنها تقريًبا انفقت جميعها اآلن‪ .‬قريًبا سيتم اإلعالن عن بيع طقم أثاث جميل‪.‬‬
‫العجوز تاباريه هو الوحيد الذي تأثر بشكل متأصل‪ .‬بعدما كان يؤمن بعدالة القضاء بشكل ال يتزعزع‪،‬‬
‫أصبح يرى اآلن أنه ال يوجد سوى أخطاء قضائية في كل مكان‪.‬‬
‫يشك الهاوي المحقق السابق في وجود الجريمة نفسها‪ ،‬ويؤكد أن دليل حواس اإلنسان ال يثبت شيًئا‪.‬‬
‫ينشر عرائض إللغاء عقوبة اإلعدام‪ ،‬وقد نظم جمعية للدفاع عن المساجين الفقراء واألبرياء‪.‬‬
‫مالحظة سريعة‪ :‬مرحًبا! أن‪/‬ا ج‪/‬ولي‪ ،‬الم‪/‬رأة ال‪/‬تي ت‪/‬دير موق‪/‬ع ‪ - Global Grey‬ال‪/‬ذي تم نش‪/‬ر ه‪/‬ذا‬
‫الكتاب اإللكتروني فيه مجاًنا‪ .‬ه‪/‬ذه هي طبع‪//‬اتي الخاص‪//‬ة‪ ،‬وآم‪//‬ل أن تكون‪//‬وا ق‪/‬د اس‪//‬تمتعتم بق‪//‬راءة ه‪/‬ذا‬
‫الكتاب بشكل خاص‪ .‬لدعم الموقع‪ ،‬وللس‪//‬ماح لي باالس‪//‬تمرار في تق‪//‬ديم ه‪//‬ذه الكتب اإللكتروني‪//‬ة عالي‪//‬ة‬
‫الجودة (ومجانية تماًم ا)‪ ،‬يرجى التفكير في التبرع بمبلغ صغير (إذا قمتم ب‪//‬ذلك بالفع‪//‬ل ‪ -‬ش‪//‬كًر ا لكم!)‪.‬‬
‫يساعد ذلك في تغطية تكاليف الموقع‪ ،‬ويتم تقدير أي مبلغ بسيط‪.‬‬
‫شكًر ا لقراءة هذا النص‪ ،‬وآمل حًقا أن ت‪//‬زوروا ‪ Global Grey‬م‪//‬رة أخ‪//‬رى ‪ -‬حيث يتم إض‪//‬افة كتب‬
‫جديدة بانتظام‪ ،‬لذا ستجدون دائًم ا شيًئا مثيًر ا لالهتمام ‪):‬‬

You might also like