Professional Documents
Culture Documents
Project 3 - Arabic Translation
Project 3 - Arabic Translation
1866
قضية ليروج
globalgreyebooks.com
المحتويات
الفصل 1
الفصل 2
الفصل 3
الفصل 4
الفصل 5
الفصل 6
الفصل 7
الفصل 8
الفصل 9
الفصل 10
الفصل 11
الفصل 12
الفصل 13
الفصل 14
الفصل 15
الفصل 16
الفصل 17
الفصل 18
الفصل 19
الفصل 20
الفصل األول
في يوم الخميس ،السادس من مارس ،1862 ،وبعد يومين من عيNNد الفطNNيرة ،حضNNرت خمس نسNNاء من
قرية ال جونشير إلى مركز الشرطة في بوجيفال.
أفادوا بأّنه لم ير أحد األرملNNة لNNيروج ،واحNNدة من جNNيرانهم ،الNNتي تعيش بمفردهNNا في مNNنزل نNNائي ،منNNذ
يومين .ولقد طرقوا الباب عدة مرات ،ولكن دون جدوى .إذ إن النوافذ والبNNاب ،كليهمNNا ،مغلقNNان ،وكNNان
من المستحيل الحصول على نظرة داخل منزلها.
أثار هذا الصمت وهذا االختفاء المفاجئ شكوكهم .فخشوا أن يكون هنNNاك جريمNNة ،أو على األقNNل وقNNوع
حادث ما .وبناًء على ذلك ،طلبوا تدّخ ل الشرطة لتفحص المنزل بإقتحام الباب ودخوله.
بوجيفال هي قرية نهرية جميلة ،تزدحم بالناس في أيام األحد بسبب الرحالت النهرية .وعلى الNNرغم من
وقوع بعض المخالفات البسيطة في المنطقة ،فإن الجرائم نادرة فيها.
في بادئ األمر ،رفض مفتش الشرطة اإلستماع إلى النساء ،ولكن إصNNرارهّن جعلNNه يوافNNق في النهايNNة.
فقد دعا عريف الدرك ،مع اثNNنين من رجالNNه ،واسNNتدعى أخصNNائي األقفNNال ،وتوّج ه بNNرفقتهم إلى مNNنزل
جيران األرملة ليروج.
تدين ال جونشير بعض الشهرة لمخNNترع السNNكة الحديديNNة المنزلقNNة ،الNNذي قNNام خالل السNNنوات األخNNيرة
بتجارب علنية لنظامه في المنطقة المجاورة .وهي قرية صغيرة غير مهمNNة ،تقNNع على سNNفح التNNل الNNذي
يطNل على نهNر السNين بين ال مNالميزون وبوجيفNال .وتبعNد نحNو عشNرين دقيقNة سNيرًا على األقNNدام عن
الطريق الرئيسية التي تمر عبر روئيل وبNNورت مNNارلي وتNNذهب من بNNاريس إلى سNNان جيرمNNان ،ويمكن
الوصول إليها عن طريق طريق صعب ووعر غير معروف للمهندسين الحكوميين.
تبعت الحفلة ،التي قادها رجال الدرك ،الطريق الرئيسي الذي إمتد هنNNا على طNNول النهNNر حNNتى وصNNلت
إلى هذا الممر ،الذي تحولت فيه ،وتعثرت بسبب التضاريس الوعرة لألرض لمسافة تقدر بمائNNة يNNاردة،
عندما وصلت أمام كوخ ذو مظهر متواضع ولكن محترم للغاية .وقNNد شNNيد هNNذا الكNNوخ على األرجح من
قبل بعض أصحاب المحال الباريسيين المغرمين بجمال الطبيعة ،حيث تم قطNNع جميNNع األشNNجار بعنايNNة.
ويتكون من غرفتين على الطابق األرضي وسطح فوقهما .وتمتد حوله حديقة مهملNNة إلى حNNد كبNNير ،ولم
تكن محمية بشكل جيد ضد اللصوص الليليين ،إذ كانت تحيط بها جNNدار حجNNري متهالNNك بارتفNNاع ثالثNNة
أقدام ،ومتصدع ومتهاوي في العديد من األماكن .كان هناك باب خشبي خفيNNف ،مثبت بشNNكل غNNير متقن
في مكانه بواسطة قطع من األسالك ،يسمح بالدخول إلى الحديقة.
توقف المفتش .خالل مسيرته القصيرة ،تزايد عدد المتابعين له بسرعة ،وتضمن اآلن جميNNع األشNNخاص
المتحرين والمتكاسلين من الجوار .وجد نفسه محاًطا بحوالي أربعين فرًدا يحترقون بالفضول.
"ال يسNNمح ألي شNNخص بNNدخول الحديقNNة" ،قNNال المفتش ،ولضNNمان الطاعNNة ،وضNNع رجلي الNNدرك على
الحراسة أمام المدخل ،ثم تقدم نحو المنزل برفقة الرقيب وصانع األقفال.
طNNرق عNNدة مNNرات بقNNوة بعصNNاه المصNNنوعة من الرصNNاص ،أوًال على البNNاب ،ثم بالتعNNاقب على جميNNع
الشبابيك .وبعد كل ضربة ،وضع أذنه على الخشب واستمع .لم يسمع شيًئا ،فالتفت إلى صانع األقفال.
"افتح!" قال.
بدأ صانع األقفال العمل على فك القفل ،ولكنه سمع صراًخ ا عالًيا من حشد الناس خارج البوابة.
"المفتاح!" صاحوا" .هنا المفتاح!"
كان صبي يلعب مع أحد أصدقائه ،عمره حوالي اثني عشر عاًم ا ،قد رأى مفتاحًا ضخًم ا في الخندق عند
جانب الطريق .فقد التقطه وحمله بفخر إلى الكوخ.
"أعطه لي يا صبي" ،قال الرقيب" .سنرى".
تمت تجربة المفتاح ،وتبين أنه مفتاح المنزل.
تبادل المفتش وصانع األقفال النظرات المليئة بالشكوك الخبيثة.
"هذا يبدو سيًئا" ،همهم الرقيب.
دخلوا المنزل ،في حين كNNان الحشNNد ،الNNذي كNNان يتحكم فيNNه رجNNال الNNدرك بصNNعوبة ،ينتظNNر بصNNبر أو
يميلون أعناقهم بفضول ،لمشاهدة أو سماع شيء من ما يجري داخل الكوخ.
ولم يخيب أمل الذين توقعوا اكتشاف جريمة .فقد كان المفتش مقتنًعا بNذلك بمجNرد أن عNبر عتبNة البNاب.
فكل شيء في الغرفة األولى يشير بحزن شديد إلى وجود مجرم منذ وقت قريب .تم تكسNNير األثNNاث ،وتم
كسر خزانة مالبس واثنين من الصناديق الكبيرة.
في الغرفة الداخلية ،التي تستخدم كغرفة نوم ،كان الفوضى أكبر .بدا وكأن يًدا غاضNNبة إسNNتمتعت بتقلب
كل شيء بشراسة .بالقرب من المدفأة ،كان جثة األرملNNة لNNوروج الميتNNة ملقNNاة على وجههNNا في الرمNNاد،
وكانت جهة واحدة من وجهها وشعرها محترقة ،وكانت المعجزة أن النار لم تلتهم مالبسها.
"أوغاد!" صاح الرقيب" .هل لم يكن بإمكانهم السرقة دون قتل السيدة الفقيرة؟"
"ولكن أين تمت إصابتها؟" سأل المفتش" ،لم أر أي دماء".
"انظر هنا بين الكتفين" ،رد الرقيب" ،ضربتان شرستان ،باإليمان الخاص بي .سأراهن بشرايطي أنهNNا
لم تكن لديها وقت للصراخ".
انحنى فوق الجثة ولمسها.
"إنها باردة تماًم ا" ،واصNNل حديثNNه" ،ويبNNدو لي أنهNNا لم تعNNد جامNNدة للغايNNة .لقNNد مNNرت على األقNNل سNNتة
وثالثون ساعة منذ أن تلقت ضربة الموت".
بدأ المفتش في كتابة تقرير رسمي قصير على زاوية الطاولة.
"لسنا هنا للحديث ،بل إلكتشاف المذنبين" ،قال للرقيب" .لتنقNNل األخبNNار على الفNNور إلى قاضNNي السNNالم
والعمدة ،وأرسل هذه الرسالة دون تأخير إلى القصر العNNدلي .يمكن للقاضNNي التحقيقي أن يكNNون هنNNا في
غضون ساعتين .في غضون ذلك ،سأبدأ في إجراء تحقيق مبدئي".
"هل أنقل الرسالة؟" سأل الرقيب من رجال الدرك.
"ال ،أرسل أحد رجالك؛ ستكون مفيدًا لي هنNNا في إبقNNاء هNNؤالء النNNاس في النظNNام ،وفي العثNNور على أي
شهود قد أحتاج إليهم .يجب أن نترك كل شيء هنا كما هو .سأتمركز في الغرفة األخرى".
غادر أحد رجال الدرك بسرعة نحو محطة رويل ،وبNNدأ المفتش تحقيقاتNNه بشNNكل رسNNمي وفًق ا لمNNا ينص
عليه القانون.
"من كانت األرملة لوروج؟ من أين جاءت؟ ماذا كانت تفعل؟ وعلى ماذا تعتمد وكيNNف كNNانت تعيش؟ مNNا
هي عاداتها وأخالقها ،وما هو نوع الصحبة التي تحافظ عليها؟ هل كانت لNNديها أيNNه أعNNداء ؟ هNNل كNNانت
بخيلة؟ هل كانت تعتبر ثرية؟"
كان المفتش يدرك أهمية التحقق من كل هذا ،ولكن على الرغم من وجود شهود كثر ،إال أنهم لم يمتلكNNوا
الكثير من المعلومات .كانت شهادات الجيران ،الذين تم إستجوابهم بشكل متتاٍل ،فارغة وغNNير منسNNجمة
وغير مكتملة .ال أحد يعرف أي شيء عن الضحية التي كانت غريبNNة في البالد .عالوة على ذلNNك ،تقNNدم
العديد من الشهود ،الذين جاؤوا تدفعهم رغبة قليلة في تقديم المعلومNات ورغبNة أكNبر إلشNباع فضNولهم.
كانت زوجة بستاني ودية مع المتوفاة ،وامNNرأة تNNبيع الحليب كNNانت تتعامNNل معهNNا ،همNNا الوحيNNدين الNNذين
استطاعا تقديم بعض التفاصيل الدقيقة والتافهة في نفس الوقت.
بعبارة أخرى ،بعد ثالث ساعات من التحقيق المتعب ،وبعد تلقي كNNل أخبNNار البلNNدة ،وبعNNد االسNNتماع إلى
أشهر التعليقات السخيفة ،هذا ما بدا األكثر موثوقية للمفتش.
قبل اثني عشر عامًا ،في بداية عام ،1850ظهرت امرأة تدعى ليروج في بوجيفال ومعها عربNNة كبNNيرة
محملNNة باألثNNاث والبياضNNات وممتلكاتهNNا الشخصNNية .نNNزلت في حانNNة ،معلنNNة عن نيتهNNا االسNNتقرار في
المنطقة ،وذهبت فورًا تبحث عن مNنزل .عنNدما وجNدت هNذا المNنزل شNاغرًا ،واعتقNدت أنNه سيناسNبها،
استأجرته دون محاولة تخفيض الشروط ،بإيجار ثالثمائة وعشرين فرنكًNا يNدفع نصNNف سNنوي ومقNدمًا،
لكنها رفضت توقيع عقد إيجار.
بعد استئجار المنزل ،شغلته في نفس اليوم ،وأنفقت حوالي مائة فرنك على اإلصالحات.
كانت امرأة في الرابعة والخمسNNين أو الخامسNNة والخمسNNين من العمNNر ،جيNNدة المظهNNر ،نشNNيطة ،وتتمتNNع
بصحة ممتازة .ال يعرف أحد أسباب إختيارها اإلقامة في بلد ال تعرف فيه أحدًا .كان ُيعتقد أنهNNا أتت من
نورماندي ،حيث كانت ترتدي كثيرًا في الصباح الباكر قبعة قطنية بيضاء .هNNذه القبعNNة الليليNNة لم تمنعهNNا
من إرتداء مالبس راقية خالل النهار؛ بالفعل ،كانت عNNادًة ترتNNدي مالبس رائعNNة وأشNNرطة مبهرجNNة في
قبعاتها ،وتغطي نفسها بالمجوهرات مثل القديس في الكنيسة .من دون شك عاشت على الساحل ،فالسفن
والبحر كانت تتكرر بإستمرار في كالمها.
لم تحب الحديث عن زوجها الذي قالت إنNNه لقي حتفNNه في حNNادث غNNرق سNNفينة .لكنهNNا لم تعِNط أبNNدًا أدنى
تفاصيل .في مناسبة معينة قالت ،بحضور بائعة الحليب وثالثة أشخاص آخNNرين" ،لم تكن هنNNاك امNNرأة
أكثر بؤسا مني خالل حياتي الزوجية" .وفي مناسبة أخرى قNNالت" :كNNل شNNيء جديNNد ،كNNل شNNيء رائNNع!
المكنسة الجديدة تكنس وتنظف .زوجي المتوفى لم يحبني سوى لمدة عام واحد!".
كانت األرملة ليروج ُتعد غنية ،أو على األقل في وضع مادي جيد جدًا ،ولم تكن بخيلNNة .أقرضNNت امNNرأة
في ال مالميزون ستين فرنكًا لتدفع إيجارها ،ولم تسNNمح لهNNا بإعادتهNNا .في مNNرة أخNNرى ،أقرضNNت مNNائتي
فرنك لصياد من بورت -مارلي .كانت تحب المآكل اللذيذة ،وأنفقت الكثير على طعامها ،واشترت النبيNNذ
بنصف برميNل .كNانت تجNد لNذة في معاملNة معارفهNا ،وكNان عشNاؤها ممتNاز .إذا أطNرت على ظروفهNا
الميسورة ،لم تنكر ذلك بشدة .كثيرًا ما سمعت تقول" :ليس لدي أي شيء في الصناديق ،لكن لدي كل ما
أريد .إذا أردت المزيد ،يمكنني الحصول عليه".
فوق ذلك ،لم تفلت منها أدنى إشارة إلى حياتها الماضية أو بلدها أو عائلتها .كNNانت محبNNة للحNNديث جNNدًا،
لكن كل ما كانت تقوله كان لضرر جيرانها .كNان ُيفNترض ،ومNع ذلNك ،أنهNا رأت العNالم ،وأنهNا تعNرف
الكثير .كانت تفقد الثقة بشكل كبير وحصنت نفسها في منزلها الريفي كقلعNNة .لم تخNNرج أبNNدًا في المسNNاء،
وكان معروفًا أنها كانت تسكر في عشائها بانتظام وتذهب إلى الفراش بعد قليNل .نNادرًا مNا كNان الغربNاء
يزورونها؛ أربع أو خمس مرات زارتها سNNيدة مصNNحوبة بشNNاب ،وفي مناسNNبة واحNNدة زارهNNا اثنNNان من
الرجال ،أحدهما شاب واآلخر كبير في السن ومزّين ،أتوا في عربة فاخرة.
في الختام ،لم تكن المتوفاة محبوبة كثيرًا من قبل جيرانها .كانت مالحظاتها غالبًا مزعجة ومقززة في فم
امرأة من سنها .سمعت وهي تعطي امرأة شابة أسوأ النصائح .كان تاجر خنNNازير ،ينتمي إلى بوجيفNNال،
في حيرة من أعماله ،وأغرى بثروتهNNا المفترضNNة ،وأعلن عن حبNNه لهNNا في بعض األحيNNان .ومNNع ذلNNك،
رفضت تقدماته ،معلنة أنه كNNان كافيًNا لهNNا أن تNNتزوج مNNرة واحNNدة .في عNNدة مناسNNبات شNNوهد رجNNال في
منزلها؛ أوًال ،واحد شاب ،كان له مظهر موظNNف في شNNركة السNNكك الحديديNNة؛ ثم آخNNر ،طويNNل ،مسNNن،
محروق من الشمس ،كان يرتدي زي العمال ،وكان يبدو وكأنه شNNرير .أفيNNد بNNأن هNNؤالء الرجNNال كNNانوا
عشاقها.
أثناء استجواب الشهود ،سجل المفوض ما قالوه في صورة مختصرة أكثر ،وكNNان وصNNل إلى هNNذا الحNNد
عندما وصل المحقق المكلف ،مصحوبًا برئيس شرطة المباحث وأحد مرؤوسيه.
كان السNيد دابNورون رجًال في الثامنNة والثالثين من العمNر ،وذا مظهNر جNذاب؛ متعNاطف رغم بNروده؛
يظهر على وجهه تعبير حلو وحزين إلى حد ما .لقد ظل هذا الحزن الدائم معه منذ شNNفائه ،قبNNل عNNامين،
من مرض أليم كاد يكون مميتًا.
كان محققًا مكلفًا منذ عام ،1859واكتسب بسرعة أعلى سمعة .كان صبور ،وحاد ،كان يعرف بمهNNارة
فائقة كيف يتدخل في أكثر األمور تعقيدًا ،ومن وسط ألف خيط يمسك بالصNحيح .ليس أحNد أفضNل منNه،
مسNNلحًا بمنطNNق ال يهNNادن ،في حNNل تلNNك المشNNكالت الرهيبNNة الNNتي تمثNNل فيهNNا - Xفي الجNNبر ،الكميNNة
المجهولNNة -المجNNرم .بNNارع في اسNNتنتاج المجهNNول من المعلNNوم ،تفNNوق في جمNNع الحقNNائق ،وفي ربNNط
مجموعة من األدلة الساحقة بالظروف التافهة ،والتي تبدو على ما يبدو غير مهمة.
على الرغم من أنه كان يمتلك مؤهالت لمنصبه كثNيرة وقيمNة ،إال أنNه كNان يثNور بالشNك والريبNة حNول
قدراته الخاصة ،وكان يمارس وظيفته الرهيبة بحذر وتردد .كان يفتقNNر إلى الجNNرأة ليخNNاطر بالمفاجNNآت
السريعة التي يلجأ إليها زمالؤه في سبيل الحقيقة.
وبالتالي ،فإنه كNNان يشNNمئز من خNNداع المتهمين ،أو وضNNع الفخNNاخ لهم؛ فقNط فكNNرة إمكانيNNة وجNNود خطNNأ
قضائي كانت ترعبه .كان يقال عنه في المحاكم" :إنه رجل ذو أيدي مرتعشة" .ما كان يسNNعى إليNNه ليس
اإلدانة ،وال االحتماالت األكثر احتماًال ،بل اليقين األكثر تطرًفا .ال يستريح حتى يوم تضNNطر فيNNه المتهم
لالنحناء أمام األدلة؛ حتى إنه تم مزاحه بأنه ال يسعى الكتشاف المجرمين بل المبرئين.
رئيس شرطة المباحث ليس غير المشهور جيفرول .إنه رجل قادر حًقا ،ولكنه يفتقر إلى الثبNNات ،وقابNNل
لإلعمال بعناد ال يصدق .إذا فقNNد مسNNاًرا ،فإنNNه ال يسNNتطيع أن يعNNترف بNNذلك ،وال يسNNتطيع أن يعNNود إلى
الوراء .ومع ذلك ،فإن جرأته وثباته تجعل من المستحيل إرباكه؛ وبفضNNل قوتNNه الشخصNNية الهائلNNة الNNتي
تختبئ تحت مظهر هزيل ،لم يتردد أبًدا في مواجهة أشجع المجرمين.
لكن تخصصNNه ،وانتصNNاره ،ومجNNده ،هNNو ذاكNNرة الوجNNوه ،الNNتي تفNNوق اإليمNNان ،حNNتى يكNNاد يكNNون ذلNNك
مستحيًال .فإذا رأى وجهًا لمدة خمس دقائق ،فهذا يكفي ،حيث يتم تصنيف مالكه ويمكن التعرف عليه في
أي وقت .ولن تؤثر عليه صعوبات المكان أو عدم االحتماليNNة في الظNNروف أو أشNNكال التنكNNر األكNNثر ال
ُيصّد ق .والسبب ،كما يّد عي ،هو أنه ينظر فقط إلى عيني الرجل ،دون إيالء اهتمام ألي ميزة أخرى.
تم اختبار هذه القNدرة بشNNدة قبNNل بضNNعة أشNNهر في بواسNNي ،من خالل التجربNNة التاليNNة .تم تغطيNNة ثالثNNة
سجناء بأغطية حتى يتم تمويه طولهم تماًم ا .كانوا يرتدون أقنعة سNNميكة على وجNNوههم ،ال يظهNNر منهNNا
شيء سوى العيون ،التي تم إنشاء ثقوب فيها ؛ وبهذه الحالة ،تم عرضهم على جيفرول.
وبدون أدنى تردد ،تعرف جيفرول على السجناء وأسمائهم .هل ساعدته الصدفة وحدها؟
المرؤوس الذي جلبه جيفرول كNان مجNرم قNديم ،تم التصNالح معNه مNع القNانون .شNخص بمهنتNه ،ذكي
كثعلب ،وحسد رئيسه الذي يقدر قدراته بدرجة خفيفة .اسمه ليكوك.
وفي هذا الوقت ،كان الضابط المفوض قد تعب تماًم ا من مسؤولياته ،فرحب بالقاضي المحقق ووكالئه
كأحرار .وسرد بسرعة الحقائق التي تم جمعها وقرأ تقريره الرسمي.
"لقد تقدمت بشكل جيد جًدا "،الحظ القاضي المحقق" .كل شيء مNNذكور بوضNNوح ؛ ومNNع ذلNNك ،هنNNاك
حقيقة واحدة لم تحققها".
"ما هو ذلك ،يا سيدي؟" إستفسر المفوض.
"في أي يوم ظهرت األرملة ليروج آلخر مرة ،وفي أي ساعة؟"
"كنت سأصل إلى ذلك في وقت الحق .ظهرت آلخر مرة وتحدثت معها في مساء يNوم الثالثNاء الكبNير ،
في الساعة الخامسة و 20دقيقة .كانت حينها تعود من بوجيفال وتحمل سلة مشتريات".
"هل أنت متأكد من الساعة يا سيدي؟" إستفسر جيفرول.
"بشكل تام ،ولهذا السبب ؛ فإن الشاهدين الذين قدموا لي هذه الحقيقة ،وهما إمرأة تدعى تيلييه وصNNانع
براميل يعيش بالقرب من هنا ،نزال من الحافلة التي تغادر من مNNارلي في كNNل سNNاعة ،عنNNدما الحظNNوا
األرملة في الطريق المتقاطع ،وتسارعوا للحاق بها .وتحدثوا معها وغادروهNNا فقNNط عنNNدما وصNNلوا إلى
باب منزلها".
"وما الذي كانت تحمله في سلة التسوق؟" سأل القاضي المحقق.
"الشهود ال يستطيعون القول .إنهم يعرفون فقط أنها حملت زجاجتين مختومتين من النبيذ ،وأخNNرى من
البراندي .وكانت تشتكي لهم من الصداع ،وتقول' :على الرغم من أنه من المعتاد اإلستمتاع بأنفسNNنا في
يوم الثالثاء الكبير ،إال أنني سأذهب إلى الفراش' ".
"إذن ،إذن!" صاح رئيس شرطة المباحث" .أعرف أين أبحث!"
"هل تعتقد ذلك؟" استفسر السيد دابورون.
"من الواضح بما فيه الكفاية .يجب أن نجد الرجل الطويل الذي يبدو أنه محNNروق من الشNNمس ،الشNNجاع
الذي يرتدي البلNوزة .كNان البرانNدي والنبيNذ مخصصNين لتسNليته .كNانت األرملNة تنتظNره للعشNاء .جNاء
بالتأكيد ،الشجاع الودود!"
"أوه!" صرخ جندي الدرك ،واضًحا مستنكًر ا " ،كانت عجوز للغاية وقبيحة جدًا!"
نظر جيفرول إلى الزميل الصادق بتعبير من الشفقة المزيفة" .اعلم ذلك ،يا جنNدي" ،قNNال " ،أن امNرأة
لديها المال دائًم ا شابة وجميلة ،إذا أرادت ذلك!"
"ربما يكون في ذلك شيء" ،الحNظ القاضNي المحقNق "لكن هNذا ليس مNا يثNير انتبNاهي أكNثر .أنNا أكNثر
إعجاًبا بتصريح هذه المرأة السيئة الحظ' .إذا أردت المزيد ،كنت قد حصلت عليه'".
لكن جيفرول لم يعد يتعب نفسه في اإلستماع .واصل اإللتزام برأيه الخاص ،وبدأ في فحص كل زاويNNة
من الغرفة بدقة .ثم إلتفت فجأة إلى المفوض" .اآلن وأنا أفكر في األمر" ،صNNرخ " ،أليس يNNوم الثالثNNاء
هو اليوم الذي تغير فيه الطقس؟ لقد كان الصقيع لمدة أسبوعين ،وفي تلك الليلة بدأ المطر .في أي وقت
بدأ المطر هنا؟"
"في الساعة التاسعة والنصف" ،أجاب الجندي" .خرجت من العشاء ألقوم بجولتي في صاالت الرقص
،عندما تعرضت لزخة مطرية أمام شارع رو دي بيشور .في غضون عشر دقائق ،كان هنNNاك نصNNف
بوصة من الماء في الطريق".
"حسًنا جًدا" ،قال جيفNرول" .إذا جNNاء الرجNNل بعNNد السNNاعة التاسNNعة والنصNNف ،يجب أن يكNNون حNNذاؤه
متسًخ ا جًدا .إذا كانت جافة ،فقد وصل في وقت سNNابق .يجب أن يتم مالحظتهNNا ،ألن األرضNNية ملمعNNة.
هل كانت هناك آثار لألقدام ،يا سيدي المفوض؟"
"يجب أن أعترف أننا لم نفكر في البحث عنها".
"أه!" صرخ رئيس المباحث بلهجة االستياء " ،هذا مزعج!"
"إنتظر" ،أضNاف المفNوض " ،ال يNزال هنNاك وقت لNنرى مNا إذا كNان هنNاك أي شNيء ،ليس في هNذه
الغرفة ،ولكن في األخرى .لم نقم بتحريك أي شيء هناك .يمكن التمييز بسهولة بين خطواتي وخطوات
الجندي .دعنا نرى".
عندما فتح المفوض باب الغرفة الثانيNNة ،توقNNف جيفNNرول عنNNده" .أطلب اإلذن ،سNNيدي" ،قNNال للقاضNNي
المحقق " ،لفحص الغرفة قبل السماح ألي شخص آخر بالدخول .إنه مهم جًدا بالنسبة لي".
"بالتأكيد" ،وافق السيد دابورون.
دخل جيفرول أوًال ،وظل اآلخرون على عتبة الباب .نظروا جميًعا إلى مشهد الجريمة .كل شيء ،كمNNا
قال المفوض ،يبدو أنه تم إسقاطه من قبل مجنون غاضب .في وسط الغرفة ،كان هنNاك طاولNة مغطNاة
بقماش ليني رائع ،أبيض كالثلج .على هذه الطاولة زجاجة نبيذ مفتوحNNة بالكNNاد تم لمسNNها ،وأخNNرى من
البراندي تم تناول خمسة أو سته كؤوس تقريبًا منها.
على الجانب األيمن ،مقابل الحائط ،كانت هناك خزانتان من الجوز الجميل ،بأقفال زخرفيNNة ،وكNNانت
على كل جانب من النافذة ؛ كانت كالهما خاليتين ،وكانت المحتويات مبعثرة في جميع االتجاهات.
كانت هناك مالبس وأغطية وأشياء أخرى مبعNNثرة ومجعNNدة ورميت في جميNNع أنحNNاء الغرفNNة .في نهايNNة
الغرفNNة ،بNNالقرب من المNNدفأة ،تم فتح خزانNNة كبNNيرة تسNNتخدم لتخNNزين األواني .على الجNNانب اآلخNNر من
المدفأة ،تم تحطيم األمانة القديمNNة الNNتي تحتNNوي على قمNNة من الرخNNام وتم تفتيتهNNا إلى شNNظايا ،وربمNNا تم
البحث في أعماقها .تم خلع المكتب وعّلق بمفصل واحNNد .تم سNNحب األدراج ورميهNNا على األرض .على
الجانب األيسر من الغرفة ،كان السرير موضوع وقد تم تفكيكه وإسقاطه بالكامNNل .حNNتى القش الموجNNود
في المرتبة تم سحبه وفحصه.
"ال يوجد أي انطباع "،همس جيفرول بخيبة أمل" .يجب أنه وصل قبل الساعة التاسعة والنصNNف .يمكن
للجميع الدخول اآلن".
سار مباشرة إلى جثة األرملNNة ،حيث إنحNNنى بNNالقرب منهNNا" .ال يمكن القNNول "،تNNذمر" ،أن العمNNل لم يتم
بشكل صحيح! القاتل ليس مبتدئًا!"
ثم نظر يمينًا ويسارًا وأضاف" :يا إلهي! كNNان الشNNيطان الفقNNير مشNNغوًال بطهي طعامNNه عنNNدما ضNNربها؛
إنظNNروا إلى مقالة لحم الخNNنزير والNNبيض على الموقNNد .لم يكن الNNوحش يمتلNNك الصNNبر الكNNافي لإلنتظNNار
للعشاء .كان السيد مستعجًال ،لذلك ضرب الضNNربة وهNNو صNNائم ،وبالتNNالي ال يمكنNNه االسNNتناد إلى فرحNNة
الحلوى في دفاعه!"
"من الواضح "،قال قاضي التحقيق للمحقق الشرطي" ،أن السرقة كانت الدافع وراء الجريمة".
"محتمل "،أجاب جيفرول بطريقة ماكرة" .وهذا يفسر غياب مالعق الفضة من الطاولة".
"انظروا هنا! بعض قطع الذهب في هذا الدرج!" صاح ليكوك ،الNNذي كNNان يبحث عن أمNNوره الخاصNNة،
"ثالثمائة وعشرون فرنك!"
"حسًنا ،لم أتوقع ذلك!" صاح جيفNرول ،محرًج ا قليًال .ولكنNه سNرعان مNا تعNافى من حرجNه وأضNاف:
"يجب أن يكون قد نسيها ،وهذا يحدث كثيًرا .لقNد عNرفت قNاتاًل ،بعNد ارتكNاب الجريمNة ،أصNبح مرتبًك ا
لدرجNة أنNه غNادر دون أن يتNذكر أخNذ الغنيمNة ،الNتي ارتكب الجريمNة من أجلهNا .ربمNا أصNيب الرجNل
بالحماسة أو تم توقيفه .ربما أحد طرق الباب .وما يجعلني أكثر استعداًدا للتفكير في ذلك هو أن الغبي لم
يترك الشمعة مشتعلة .ترى،لقد أخذ عناء إطفائها".
"هذا ال يثبت شيًئا "،قال ليكوك" .ربما يكون رجًال اقتصادًيا وحريًصا".
استمرت تحقيقات المحققين في جميع أنحNNاء المNNنزل ،ولكن أدق البحث لم يNNؤدي إلى اكتشNNاف أي شNNيء
بالمرة؛ ال دليNNل واحNNد يمكن اسNNتخدامه في إدانNNة أي شNNخص ،وال حNNتى تلميح ضNNعيف يمكن اسNNتخدامه
كنقطة انطالق .حتى أوراق المرأة المتوفاة ،إن كNNانت تمتلNNك أي وثNNائق ،قNNد اختفت .لم يتم العثNNور على
حرف وال حتى شريحة ورق .من حين آلخر ،توقف جيفرول ليسب أو يتذمر" .يا إلهي! إنه عمل ذكي!
اللص هو شخص بارد!"
"حسًنا ،ما رأيك في ذلك؟" طلب القاضي التحقيق في النهاية.
"إنها لعبة مرسومة يا سيدي" ،أجاب جيفرول" .نحن محتارون حNNتى اآلن .الفاسNNد اتخNNذ تNNدابيره بحNNذر
كبير ،لكنني سألقي القبض عليه .قبل الليل ،سأرسل دستة من الرجال للمطاردة .باإلضافة إلى ذلك ،فهو
متأكد من أنه سيقع في أيدينا .لقد سرق األدوات الفضية والمجوهرات .إنه ضائع!"
"على الرغم من ذلك" ،قال السيد دابورون" ،لم نتقدم أكثر مما كنا عليه هذا الصباح!"
"حسًنا!" تذمر جيفرول" .ال يستطيع اإلنسان أن يفعل أكثر مما يستطيع!"
"آه!" همس ليكوك بصوت منخفض ولكن مسموع تماًم ا" ،لماذا ال يكون السيد تيروكلير الكبير هنا؟"
"ماذا يمكن أن يفعل أكثر مما فعلنا؟" رد جيفرول وهو يلقي نظرة غاضبة على مرؤوسه .انحنى ليكوك
وظل صامًتا ،سعيًدا من الداخل بأنه جرح رئيسه.
"من هو السيد تيروكلير الكبير؟" سأل السيد دابورون" .يبدو لي أني سNNمعت االسNNم ،ولكNNني ال أسNNتطيع
تذكر المكان".
"إنه رجل غريب!" صاح ليكوك" .كان يعمل سابًقا كموظف في مون دو بييه "،أضاف جيفرول" ،لكنه
اآلن رجل ثري ،يدعى تاباريه .يحب اللعب بدور المحقق كهواية".
"وتزيد من دخله" ،ألمح المفوض.
"هو؟" صاح ليكوك" .ال يوجد خطر من ذلك .يعمل كثيًر ا من أجل المجد والنجاح بحيث ينفق في بعض
األحيان المال من جيبه الخاص .إنها هوايته ،ترى! في مقر الشرطة ،لقد أطلقنNNا عليNNه اسNNم 'تيروكلNNير'،
من عبارة يتكرر استخدامها باستمرار .آه ،إنه حاد ،الفأر الكبNNير! إنNNه هNNو من حNNل القضNNية الNNتي تتعلNNق
بزوجة المصرفي ،تذكر ،الذي تخمن أن السيدة قد سرقت نفسها ،والذي أثبت ذلك".
"صحيح!" رد جيفرول" ،وكان هو أيًض ا الذي كاد أن يقطNNع رأس الفقNNير ديريمNNه لقتNNل زوجتNNه ،امNNرأة
سيئة بالفعل؛ وكل هذا الوقت كان الفقير بريء".
"نحن نضيع وقتنا ،سNNادة" ،قNNاطع السNNيد دابNNورون .ثم ،ومخاطًب ا ليكNNوك ،أضNNاف" :اذهب وابحث عن
السيد تاباريه .لقد سمعت الكثير عنه ،وسأكون سعيًدا برؤيته يعمل هنا".
انطلق ليكوك بسرعة،وكان جيفرول متواضًعا بشكل جدي" .لديك بالطبع ،يا سيدي ،الحNNق في المطالبNNة
بخدمات من ترغب فيهم" ،بدأ يقول" :ولكن"،
"ال تفقد صوابك ،جيفرول" ،قاطعه السيد دابNNورون" .لقNد عرفتNNك لفNترة طويلNNة ،وأعNرف قيمتNNك؛ لكن
اليوم ،نختلف في الرأي .أنت تتمسك تماًم ا برجل الصيف المرتدي بلوزة ،وأنا ،من جهNNتي ،مقتنNNع بأنNNك
لست على المسار الصحيح!"
"أعتقد أنني على حق" ،رد المحقق" ،وآمل أن أثبت ذلك .سأجد الفاسد ،مهما كانت هويته!"
"ال أريد أفضل من ذلك" ،قال السيد دابورون" .فقط ،اسمح لي ،يا سيدي ،بأن أعطي -مNNاذا أقNNول دون
اإلخالل باالحترام؟ -نصيحة؟"
"تحدث!"
"أنصحك ،يا سيدي ،بعدم الثقة بالسيد تاباريه الكبير" ".حًقا؟ وألي سبب؟"
"يسمح الرجل العجوز لنفسه باالندفاع أكثر من الالزم بالمظاهر .أصبح محقًقا هاوًي ا من أجNNل الشNNهرة،
تماًم ا كالمؤلف .وبمNا أنNه أكNثر غNروًرا من الطNاووس ،فمن المحتمNل أن يفقNد أعصNNابه ويصNNبح عنيًNدا
للغاية .فور وجوده في وجه جريمة ،مثل هذه على سبيل المثال ،يدعي أنه يمكنه شرح كNNل شNNيء فNNوًرا.
وينجح في إختراع قصة تتوافق تماًم ا مع الوضع .ويدعي ،بمساعدة حقيقة واحدة فقط ،أنNه يمكنNه إعNادة
بناء جميNع تفاصNيل جريمNة قتNل ،تمثNل مNا يصNور العلمNاء حيواًن ا قNديًم ا من عظمNة واحNدة .في بعض
األحيان يتنبأ بشكل صحيح ،ولكن في كثير من األحيان يخطئ .على سبيل المثNNال ،قضNNية الخيNNاط الNNذي
تعرض للظلم ،الفقير ديريمه ،بدوني."...
"أشكرك على نصNNيحتك" ،قNNاطع السNNيد دابNNورون" ،وسأسNNتفيد منهNNا .اآلن ،يNNا مفNNوض ،من المهم جًNNدا
معرفة من أي جزء من البالد جاءت األرملة لوروج".
تم استجواب مجموعة من الشهود مرة أخرى بإشراف عريف الدركيين.
ولكن لم يتم الحصول على أي معلومات جديدة .كان من الواضح أن األرملة لوروج كNانت امNرأة حNذرة
للغاية ،فعلى الرغم من كثرة كالمها ،لم يبَق شيء منسجم بأي شكل مع سيرتها الذاتية في ذاكNرة أهNل ال
جونشير.
ومNNع ذلNNك ،حNNاول جميNNع األشNNخاص المسNNتجوبين بإصNNرار أن يوصNNلوا إلى اعتقNNاداتهم الشخصNNية
والتخمينات .تأييد الرأي العام لجيفرول .وقد أدانت كل األصوات الرجل الطويل الذي يحمل على ظهره
البلوزة الرمادية .يجب أن يكون هو الجاني .تذكر الجميع مظهره الشرس الNNذي أرعب جميNNع الحي .لقNد
هدد امرأة مساًء وضرب طفال في يNNوم آخNNر .لم يتمكنNNوا من تحديNNد هويNNة الطفNNل أو المNNرأة ،ولكن هNNذه
األعمال الوحشية كانت علنية بشكل واسNع .بNدأ السNيد دابNورون ييNأس من الحصNول على أي توضNيح،
عندما جلب شخص ما زوجة بقال في بوجيفال ،حيث كانت الضحية تتعامل مع المحل ،وطفNNل يبلNNغ من
العمر 13عاًم ا ،الذي كان يعرف ،حسب القول ،شيًئا مؤكًدا.
ظهرت زوجة البقالة أوًال .سمعت األرملة لوروج تتحدث عن ابنها الذي ال يزال على قيد الحياة.
"هل أنت متأكد تماًم ا من ذلك؟" سأل القاضي التحقيق.
"نعم ،كمNا أنNني موجNودة اآلن" ،أجNابت السNيدة" ،في تلNك الليلNة ،نعم ،كNانت مخمNورة بعض الشNيء،
وبقيت في محلي أكثر من ساعة".
"وماذا قالت؟"
"أعتقد أنني ال زلت أراها اآلن" ،استمرت البقالة" :كانت تستند إلى العداد بالقرب من المNNيزان ،تمNNازح
صياًدا من مارلي ،العجوز حسون ،الذي يمكنNNه أن يخNNبرك بالشNNيء نفسNNه؛ وكNNانت تسNNميه بحNNار الميNNاه
العذبة" .زوجي" ،قالت" :كNان بحرًي ا حقيقًي ا ،والNدليل على ذلNك هNو أنNه كNان يبقى أحياًن ا سNنوات في
رحلNNة ،وكNNان يعNNود دائًم ا بجNNوز الهنNNد .لNNدي ابن يعمNNل بحNNاًرا ،مثNNل والNNده المتNNوفى ،في البحريNNة
اإلمبراطورية".
"هل ذكرت اسم ابنها؟"
"لم تذكره في تلك المرة ،ولكن في ليلة أخرى ،عندما كانت مخمNNورة جًNNدا ،قNNالت لنNNا إن اسNNم ابنهNNا هNNو
جاك ،وأنها لم تره منذ فترة طويلة".
"هل تحدثت بسوء عن زوجها؟"
"ال ،لم تفعل ذلك! فقط قالت إنه كان غيوًرا ووحشًيا ،على الرغم من أنه كNNان رجاًل جيًNNدا في األسNNاس،
وأنه جعل حياتها مؤلمة .كان ضعيف العقل ،وكان يصنع األفكار من العدم .في الواقع ،كان مخلًصا جًدا
ليكون حكيًم ا".
"هل جاء ابنها لزيارتها بينما كانت تعيش هنا؟"
"لم تخبرني بذلك".
"هل أنفقت الكثير من المال معك؟"
"ذلك يعتمد .حوالي 60فرنًك ا في الشهر؛ أحياًنا أكثر ،ألنها تشNNتري دائًم ا أفضNNل البرانNNدي .دفعت نقًNNدا
عن كل شيء اشترته".
المرأة التي لم تكن تعلم أكثر من ذلك تم إخراجها .والطفNل ،الNNذي تم جلبNNه اآلن ،كNNان ينتمي إلى والNNدين
ظروفهم سهلة .كان طوياًل وقوًيا لعمره ،وكان لديه عيون ذكية ومالمح تعبيرية عن اليقظNNة والمكNNر .لم
يبدو وجود القاضي المخيف له أي تأثير.
"دعنا نسمع ،يا صبي "،قال السيد دابورون" ،ما تعرفه".
"حسًنا ،يا سيدي ،منذ بضعة أيام ،في األحد الماضي ،رأيت رجًال عند بوابة حديقة السيدة لوروج".
"في أي وقت من اليوم؟"
"في الصباح الباكر .كنت ذاهًبا إلى الكنيسة للخدمة في القداس الثاني".
"حسًنا "،واصل القاضي" ،وكان هذا الرجل طوياًل ومحروًقا من الشمس ،ومرتدًيا بلوزة؟"
"ال ،سيدي ،على العكس ،كان قصيًرا جًدا وسميًنا وعجوًز ا جًدا".
"هل أنت متأكد أنك لست مخطًئا؟"
"متأكد تماًم ا "،أجاب الصبي" ،رأيته عن قرب وجًها لوجه ،ألنني تحدثت معه".
"ُقل لي ،ماذا حدث؟"
"حسًنا ،يا سيدي ،كنت أمر بالقرب من البوابة عندما رأيت هذا الرجل السمين عند البNNاب .بNNدا متضNNايًقا
جًدا ،بل إنه كان غاضًبا جًدا! كان وجهه أحمر ،أو باألحرى أرجواني ،حتى منتصف رأسه ،الNNذي كنت
أرى جيًدا ،ألنه كان عارًيا ،ولديه قليل جًدا من الشعر عليه".
"هل تحدث إليك أواًل ؟"
"نعم ،يا سيدي ،رأىني وناداني" ،أهًال يا فتى!" عندما تقدمت إليه ،وسألني إذا كان لدينا زوًجا جيًNNدا من
الساقين؟ أجبت بنعم .ثم أخذني من األذن ،ولكن دون إيذاء ،وقال" :بما أن األمر كذلك ،إذا قمت بتشغيل
مهمNNة بالنسNNبة لي ،سNNأعطيك عشNNر سNNنتيمات .اركض إلى نهNNر السNNين؛ وعنNNدما تصNNل إلى الرصNNيف،
ستالحظ قارًبا كبيًر ا راسيًا .اصعد على متنه ،واسأل عن الكابتن جيرفيه :من المؤكد أنه سيعرفني جيًدا.
قل له أنني بحاجة إلى الذهاب إلى هافر على الفور ،وسيعطيك ما تحتاجه من المال لشراء التذكرة".
"لو كان جميع الشهود مثل هذا الصبي الذكي "،همس القاضي" ،كم سيكون األمر ممتًعا!"
"اآلن "،قال القاضي" ،أخبرنا كيف قمت بتنفيذ مهمتك؟"
"ذهبت إلى القارب ،سيدي ،وجدت الرجل ،وأخبرته؛ وهذا كل شيء".
استمع جيفرول بأكثر اهتمام إلى هذا الحديث ،وانحنى نحو أذن السيد دابورون وقNNال بصNNوت منخفض:
"هل تسمح لي ،سيدي ،بأن أسأل هذا الصبي بعض األسئلة؟"
"بالتأكيد ،السيد جيفرول".
"تعال اآلن ،يNا صNديقي الصNغير "،قNال جيفNرول" ،إذا رأيت هNذا الرجNل مNرة أخNرى ،هNل سNتتعرف
عليه؟"
"نعم ،بالتأكيد!"
"إذن ،كان هناك شيء ملحوظ في شكله؟"
"نعم ،أعتقد ذلك! كان وجهه بلون الطوب!"
"وهل هذا كل شيء؟"
"حسًنا ،نعم ،سيدي".
"ولكن عليك أن تتذكر كيف كان ملبًسا؛ هل كان يرتدي بلوزة؟"
"ال ،كان يرتدي سترة .كانت تحت الذراعين جيوب كبيرة جًNNدا ،ومن إحNNداها كNNان يظهNNر منNNديل أزرق
ُم نقط".
"ما نوع السروال الذي كان يرتديه؟"
"ال أتذكر".
"وماذا عن سترته؟"
"دعني أرى "،أجاب الصبي" ،ال أعتقد أنه كان يرتدي سترة .ومNNع ذلNNك - ،ال ،أتNNذكر جيًNNدا أنNNه لم يكن
يرتدي سترة؛ كان يرتدي كرافاط طويلة ،مثبتة بالقرب من رقبته بحلقة كبيرة".
"أها!" قال جيفرول بمظهر الرضNNا" ،أنت صNNبي ذكي ،وأراهن أنNNه إذا حNNاولت بجNNد أن تتNNذكر ،سNNتجد
بعض التفاصيل األخرى لتعطينا إياها".
انحنى الصبي برأسه وظل صامًتا .كان واضًح ا من تجاعيد جبينه الصغيرة أنه يبذل جهًدا شNديًدا لتNذكر.
"نعم" صاح فجأة" ،أتذكر شيًئا آخر".
"ماذا؟"
"كان الرجل يرتدي حلقات كبيرة جًدا في أذنيه".
"برافو!" صاح جيفرول" ،هنا وصف كامNNل .سNNأعثر على الرجNNل اآلن .يمكن للسNNيد دابNNورون إصNNدار
أمر اعتقاله في أي وقت يريد".
"أعتقد فعال أن شهادة هذا الطفل ذات أهمية كبيرة" ،قال السيد دابNNورون ،وم Nااًل إلى الصNNبي وأضNNاف:
"هل يمكنك أن تخبرنا ،يا صديقي الصغير ،ماذا كانت هذه القارب محملة به؟"
"ال ،سيدي ،لم أستطع أن أرى ألنها كانت مسقوفة".
"إلى أين كانت تتجه ،صعوًدا على نهر السين أو نزواًل ؟"
"ال ،سيدي ،كانت مرسوة".
"نحن نعلم ذلك" ،قNال جيفNرول" ،يسNألك القاضNي اآلن عن اتجNاه رأس القNارب ،نحNو بNاريس أو نحNو
مارلي؟"
"بدت الطرفان من القارب لي متشابهين".
قام رئيس شرطة المباحث بإيماءة تعبير خيبة أمل.
"على األقل" ،قال وهو يخاطب الصبي مرة أخرى" ،هل الحظت اسNNم القNNارب؟ أنت تسNNتطيع القNNراءة،
أفترض أن يجب أن نعرف أسماء القوارب التي نركبها".
"ال ،لم أر أي اسم" ،قال الصبي الصغير.
"إذا كNNان القNNارب مرس ًNو ا في الرصNNيف" ،الحNNظ السNNيد دابNNورون" ،فمن المNNرجح أن سNNكان بوجيفNNال
الحظوه".
"صحيح ،سيدي" ،وافق القاضي.
"نعم" ،قال جيفرول" ،ويجب أن يكون البحارة قد نزلوا على الشاطئ .سأعرف كNNل شNNيء عن ذلNNك في
متجر النبيذ .ولكن ما نوع الرجل الذي يدعى جيرفيه ،صديقي الصغير؟"
"مثل جميع البحارة في هذا المنطقة ،سيدي".
كان الصبي يستعد للمغادرة عندما دعاه السيد دابورون للعودة.
"قبل أن تذهب ،يا صبي ،هل تحدثت مع أي شخص من هذا االجتماع قبل اليوم؟"
"نعم ،سيدي ،أخبرت أمي بكل شيء عند عودتي من الكنيسة ،وأعطيتها العشرة سنتيمات".
"وقلت لنا الحقيقة الكاملة؟" واصل القاضي
"تعلم أنها مسNألة خطNيرة جًNدا أن تحNاول النصNNب على العدالNة .فهي تكتشNف ذلNك دائًم ا ،ومن واجNبي
تحذيرك بأنها تفرض أشد العقوبات على الكاذبين".
انحرج الصبي الصغير وأحمر وجهه مثل الكرز ،وأدار رأسه لألسفل.
"أرى أنك قد أخفيت شيًئا عنا" ،استمر السيد دابورون،
"ألست تعلم أن الشرطة تعرف كل شيء؟"
"عفًو ا ،سيدي" ،صرخ الصبي واندفع بالبكاء،
"عفًو ا ،ال تعاقبني ولن أفعل ذلك مرة أخرى".
"أخبرنا ،إذن ،كيف خدعتنا؟"
"حسًنا ،سيدي ،لم يكن الرجل قد أعطاني عشرة سنتيمات ،بل أعطاني عشرين سنتيًم ا .وأعطيت نصفها
فقط ألمي ،واحتفظت بالباقي لشراء الرخام".
"صديقي الصغير" ،قال القاضي المحقق،
"في هذه المرة ،أنا أغفر لك .ولكن اجعله درًسا لبقية حياتك .يمكنك اآلن الذهاب ،وتNNذكر أنNNه ال جNNدوى
من محاولة إخفاء الحقيقة؛ فهي دائًم ا تظهر!"
الفصل 2
أيقظت اإلفادتان األخيرتNNان في عقNل السNNيد دابNNورون بعض األمNNل الخفيNNف .في وسNNط الظالم ،تحصNNل
أبسط المصابيح على بريق مذهل.
"سأذهب إلى بوجيفال على الفور ،إذا وافقت على هذه الخطوة ،سيدي" ،اقترح جيفرول.
"ربما األفضل أن تصبر قليًال" ،أجاب السيد دابورون.
"رأينا هذا الرجل يوم األحد الصباح .سنستفسر عن حركات ويدو ليروج في ذلك اليوم".
تم استدعاء ثالثة جيران .جميعهم أكدوا أن األرملة لم تخNNرج من سNNريرها يNNوم األحNNد .المNNرأة واحNNدة ،
عندما سمعت أنها مريضة ،زارتها وقالت" :آه! لقد كان لدي حادث مروع الليلة الماضية".
لم يعطي حينها أحد أهمية لهذه الكلمات.
"يصبح الرجل ذو الحلقات في أذنيه أكثر أهمية" ،قال القاضي عندما انسحبت المرأة.
"يجب عليك العثور عليه مجدًدا :يجب أن تراقب هذا ،يا سيد جيفرول".
"قبل ثمانية أيام ،سأجده" ،أجاب رئيس شرطة المباحث
"إذا كNNان علي أن أبحث في كNNل قNNارب على السNNين من مصNNدره إلى المحيNNط .أنNNا أعNNرف اسNNم الكNNابتن
جيرفيس .سيخبرني مكتب المالحة بشيء ما".
قاطعه ليكوك ،الذي اندفع إلى المنزل بأنفاس متقطعة.
"هنا طابار القديم" ،قال.
"لقد قابلته للتو عندما كان يخرج .ما هذا الرجل! لم ينتظر القطار ،بل أعطى أنا ال أعرف كم لصهريج
؛ وقد قادنا إلى هنا في خمسين دقيقة!" ظهر رجل عند الباب ،وكانت مظهره ليست كمNNا كNNان يفNNترض
بشخص انضم إلى الشرطة للشرف وحده .كان عمره بالتأكيد ستين عاًم ا ولم يبدو أصNNغر .كNNان قصNNيًرا
ونحيًفا ومنحنًيا إلى حد ما ،وكان يستند على مقبض عاج محفور من عصا سميكة .كان وجهه الNNدائري
يرتدي تعبير الدهشة الدائم ،الممزوج بNNالقلق ،الNNذي جعNNل ثNNروات ممثلين كوميNNديين اثNNنين في مسNNرح
باليه رويال .كان حليًقا بدقة ،وكانت لهذا الوجه القصير والشفاه الكبيرة والودودة واألنف المرتفع بشكل
مزعج ،مثNNل الجNNزء العNNريض من قNNرون سNNاكس .كNNانت عينNNاه ذات لNNون رمNNادي مملNNة ،وصNNغيرتان
وحمراء عنNNد الجفNNون ،وخاليNNة تماًم ا من التعبNNير .ومNNع ذلNNك ،فإنهNNا تتعب المNNراقب بحركتهNNا الالفتNNة
لالنتباه .بضعة شعرات مستقيمة تظلل جبينه ،الذي ينحNNدر مثNNل جبNNل الرمNNل ،وعNNبر نNNدرتهما يخفيNNان
أذنيه الطويلتين والقبيحتين .كان هندامه يبدو مريح للغاية ،نظيًفا مثل فرنك جديد ،وعNNرض الكثNNير من
القمصان البيضاء الالمعة وارتداء قفازات حريرية وجزمات جلدية .كانت سلسلة ذهبية طويلة وضNNخمة
،تبدو عادية جًدا ،ملتفة ثالث مرات حول عنقه ،وتسقط بشكل شالالت في جيب سترته.
وقف السيد طاباريه الملقب تيراوكلير عند عتبة الباب وانحنى تقريًبا حتى األرض ،يحني ظهره العجوز
بشكل قوس ،وبأبسط األصوات طلب" :أشرف القاضي المحقق على استدعائي؟"
"نعم!" رد السيد دابورون ،مضيًفا بدون صNNوت" :وإذا كنت رجًال موهوًب ا ،فال يوجNد شNيء يشNير إلى
ذلك في مظهرك على األقل".
"إذا سمحتم لي ،أفضل االستمرار بدون تفاصيل ،ألكون أكثر سيطرة على انطباعNNاتي الخاصNNة .عنNNدما
يعرف المرء رأي اآلخرين ،ال يمكن أن يتأثر بهذا الرأي .سأبدأ على الفور بأبحاثي ،بمساعدة ليكNNوك".
وبينما يتحدث العجوز ،توسعت عيناه الرماديتان الصغيرتان وأصNNبحتا المعNNتين مثNNل الياقوتNNات .وجهNNه
انعكس عليه االرتياح الداخلي ،حتى التجاعيد بدت تضNNحك .أصNNبحت صNNورته مسNNتقيمة تقريبًNا ،وكNNان
خطوته شبه مرًنا عندما اندفع إلى الغرفة الداخلية.
ظل هناك لمدة نصف ساعة تقريبًا ،ثم خرج يركض ،ثم عاد مرة أخرى وخNNرج مNNرة أخNNرى ،ثم اختفى
مرة أخرى وظهر مرة أخرى بعد لحظات .لم يستطع القاضي المحقNNق إال أن يقارنNNه بNNالكلب البNNارع في
الشم ،حتى أن أنفه المنحني صعد ونزل وكأنه يحاول اكتشاف رائحة دقيقة تركها القاتNNل .طNNوال الNNوقت
تحدث بصNNوت عNNاٍل وبحركNNات كثNNيرة ،يخNNاطب نفسNNه ،ويNNوبخ نفسNNه ،ويصNNيح بأصNNوات صNNغيرة من
االنتصار أو التشجيع .لم يترك ليكوك لحظة راحة .كان يريد هذا أو ذاك أو غيرهNا .طNالب بNورق وقلم.
ثم طلب مجرفة ،وأخيرًا صاح يطلب جص ،وبعض الماء وزجاجة زيت.
بعد مرور أكثر من ساعة ،بدأ القاضي المحقق يشعر باالنزعاج ،وسأل عن ما حدث للمحقق الهاٍو .
"هو في الطريق" ،أجاب الرقيب "مستلقيًا على الطين ويخلط بعض الجص في صحن .يقNNول إنNNه انتهى
تقريبًا ،وأنه سيعود قريبًا".
وبالفعل عاد تقريبًا على الفNNور ،فرًح ا ومنتصًNNرا ،يبNNدو أنNNه أصNNغر بعشNNرين عاًم ا على األقNNل .وتابعNNه
ليكوك ،يحمل السلة بأقصى حذر.
"لقد حللت اللغز!" قال طاباريه للقاضي المحقق.
"اآلن كل شيء واضح وواضح كشمس الظهيرة .ليكوك ،يا ولدي ،ضع السلة على الطاولة".
في هذه اللحظة ،عاد جيفرول من بعثته مبتهًجا أيًضا.
"أنا على أثر الرجل ذي األقراط" ،قال
"ذهب القارب في اتجاه النهر .لقد حصلت على وصف دقيق للسيد جيرفيه".
"ماذا اكتشفت ،يا سيد طاباريه!" سأل القاضي المحقق.
دقق العجوز المحترف البالغ في السبعينيات من عمره ،النظر في سلة السفر الخاصة به بعنايNNة ،وأفNNرغ
محتوياتها على الطاولة بعناية ،وهي كتلة كبيرة من الطين ،وعدة ورقNNات كبNNيرة ،وثالثNNة أو أربNNع كتNNل
صغيرة من الجص الرطب .وقNف العجNوز وراء الطاولNة ،وبNدا وكأنNه مسNتعرض خيNال يقNوم بالخNدع
والتالعب بأموال المشاهدين في الساحات العامNNة .وقNNد تعرضNNت مالبسNNه للتلNNف بشNNدة ،وكNNانت مغطNNاة
بالطين حتى الذقن.
"أوًال" ،قال بصوت متكلف من التواضع" ،لم يكن السرقة لها عالقة بالجريمة التي تشغل اهتمامنا".
"طبًعا ال!" همس جيفرول.
"سأثبت ذلك" ،استمر العجوز طاباريه،
"باألدلة .وفيما بعد ،سأعرض رأيي المتواضع بشأن الدافع الحقيقي .وثانًيا ،وصل القاتل هنا قبل الساعة
التاسعة والنصف؛ وهذا يعني قبل بدء األمطار .لم يتمكن أحد ،حتى مثل جيفرول ،من اكتشاف أي آثNNار
ألقNNدام متسNNخة ،ولكن تحت الطاولNNة ،حيث وضNNع قدميNNه ،وجNNدت الغبNNار .وبNNذلك نضNNمن أن الجريمNNة
حصلت في تلك الساعة .لم تكن األرملة تتوقع زائرها على اإلطالق .بNNدأت في فNNك نفسNNها من المالبس،
وكانت تحرك ساعة القوقعة عندما ُصدمت الباب".
"هذه تفاصيل مطلقة!" صاح الكوميسير.
"لكن يمكن إثباتها بسهولة" ،أجاب الهاوي.
"انظر إلى هذه الساعة القوقعة فوق المكتب؛ إنها من تلك التي تعمل لمNدة أربNع عشNرة أو خمسNة عشNر
ساعة على األكثر ،فلقد فحصتها .اآلن ،من المحتمل جًدا ،بل مؤكد ،أن األرملة كانت تلفها كل ليلNNة قبNNل
النوم .فكيف يتم إيقاف الساعة عند الخامسة؟ ألنها يجب أن تكون لمستها .عندما كانت تسNNحب السلسNNلة،
صدم القاتل .كدليل ،فإنني أريك هذه الكرسي الموجود تحت الساعة ،وعلى المقعNNد بصNNمة قNNدم واضNNحة
جًدا .اآلن انظر إلى ثNNوب الضNNحية؛ فهي تخلصNNت من الجNNزء العلNNوي منNNه .من أجNNل فتح البNNاب بشNNكل
أسرع ،لم تنتظر لترتديه مرة أخرى ،ولكنها رمت هذا الشال القديم بسرعة على كتفيها".
"باهلل عليك!" صرخ الرقيب ،مصدوًم ا بوضوح.
"كانت األرملة" ،استمر العجوز،
"تعرف الشخص الذي صدم الباب .عجلتها في فتح الباب تشير إلى هذه االحتمالية ،ومNNا يلي يثبت ذلNNك.
القاتل دخل بسهولة .إنه شاب ،أعلى من الوسط قليًال ،يرتدي مالبس أنيقة .كNNان يرتNNدي قبعNNة عاليNNة في
تلك الليلة ،وكان يحمل مظلة ،وكان يدخن سيجارة ترابوكوس في حامل السجائر".
"هذا سخيف!" صاح جيفرول" .هذا أكثر مما يجوز".
"ربما كانت كثيرة جًNNدا" ،رد العجNNوز طاباريNNه" .على أي حNNال ،هNNذه هي الحقيقNNة .إذا لم تكن دقيًق ا في
تحرياتك ،فال أستطيع مساعدتك؛ على أي حال ،أنNNا أبحث وأجNNد .كثNNيًر ا ،تقNNول؟ حسًNنا ،انظNNر إلى هNNذه
الكتل الرطبة من الجص .إنها تمثل كعب حذاء القاتل ،الذي وجدت بصمته الكاملة بالقرب من الحوض،
حيث تم العثور على المفتاح .على هذه األوراق ،لقد وضعت بصمة القدم الNNتي ال يمكنNNني رفعهNNا ،ألنهNNا
على بعض الرمال .انظر! الكعب مرتفع ،والقوس محدد ،والنعل صغير وضيق -حذاء أنيNNق ينتمي إلى
قدم محافظ عليها بوضوح .ابحث عن هذه البصمة على طول الطريق؛ وستجدها مرة أخNNرى مNNرتين .ثم
ستجدها متكررة خمس مرات في الحديقة حيث لم يكن أحد آخNNر ،وتثبت هNNذه اآلثNNار ،على الطريقNة ،أن
الغريب لم ينقر على الباب ،ولكن النافذة ،تحتها يلمع بريق من الضوء .عند مدخل الحديقة ،قفNNز الرجNNل
لتجنب مربع الزهور! نقطة القNNدم ،المطبوعNNة بشNNكل أعمNNق من المعتNNاد ،تثبت ذلNNك .لقNNد قفNNز أكNNثر من
مترين بسهولة ،مما يثبت أنه نشيط ،وبالتالي شاب".
تحدث العجوز طاباريه بصوت منخفض وواضح ،وعيناه تحدق في أذني المسNNتمعين ،يNNراقب االنطبNNاع
الذي يتركه عليهم.
"هل يدهشك القبعة ،يا جيفرول؟" ،استمر في السؤال" .انظر فقط إلى الدائرة المرسومة في الغبNار على
الطاولة الرخامية للمكتب .هل يدهشك ذلك ألنني ذكNNرت ارتفاعNه؟ خNNذ عنNNاء النظNNر إلى أعلى الخNNزائن
وسترى أن القاتل مرر يديه عليها .لذلك فهو أطول مNNني .ال تقNNل أنNNه صNNعد على كرسNNي ،ألنNNه في هNNذه
الحالة ،كان سيرى ولن يضطر إلى الشعور .أتدهش بشأن المظلة؟ هNذا الكتلNة من التربNة تظهNر بصNNمة
ممتازة ليس فقط لنهاية العصا ،ولكن حتى للقطعة الدائرية الصغيرة من الخشNNب الNNتي توضNNع دائًم ا في
نهاية الحرير .ربما ال يمكن بإمكانك تجاوز التصريح بأنه تدخن سيجار؟ ها هو نهايNة ترابوكNوس الNذي
وجدته بين الرماد .هل تم عضها في النهاية؟ ال .هل تم ترطيبها باللعاب؟ ال .إًذ ا من كان يدخنها اسNNتخدم
حامل السيجار".
كان ليكوك غير قادر على إخفاء إعجابه المتحمس ،وفرك يديه بصمت .بدا المفNNوض مNNذهواًل ،في حين
كان السيد دابورون مسروًر ا .كانت وجه جيفرول ،بالعكس ،أطول قليًال .أما الرقيب ،فكان ُم ْد َم ًرا.
"واآلن" ،استمر العجوز" ،اتبعني بعنايNNة .لقNNد تتبعنNNا الشNNاب إلى الNNداخل .كيNNف شNNرح وجNNوده في هNNذه
الساعة ،ال أعرف ،لكن الشيء المؤكد هو أنه قال لألرملة إنه لم يتناول الغNNداء .وكNNانت المNNرأة الكريمNNة
سعيدة جًدا بهذا الخبر ،وبدأت على الفور في إعداد وجبة طعام .لم تكن هذه الوجبة لها ،حيث وجدت في
الخزانة بقايا طعامها الخاص؛ حيث تناولت السمك؛ وستؤكد التشريح صحة هذه البيانات .باإلضNNافة إلى
ذلك ،يمكنكم أن تروا بأنفسكم ،ال يوجد سوى كأس واحد على الطاولة ،وسكين واحد .ولكن من هNو هNذا
الشاب؟ بوضوح ،رأت األرملة أنه رجل ذو رتبة عالية من خالل وجود مفرش طاولة نظيف للغايNNة في
الخزانة .هل استخدمته؟ ال ،فقد أخرجت لضيفها طاولة طعام نظيفة ،أفضلها .وهذا الزجاج الرائع ،هدية
بال شك ،ومن الواضح أنها لم تستخدم هذا السكين ذو المقبض المصنوع من العاج كثيًرا".
"كالمك صحيح جًدا" ،همس السيد دابورون" ،صحيح جًدا".
"حسًنا ،اآلن لدينا الشاب جالًسا .بدأ بشرب كأس من النبيذ ،بينما كانت األرملNNة تضNNع مقالة على النNNار.
ثم ،وقع قلبه ،طلب البراندي ،وشرب حوالي خمسة أكواب صغيرة .بعد صراع داخلي دام عشNNر دقNNائق
(الوقت الذي يجب أن يستغرقه طهي الخنزير المقدد والبيض) ،قNNام الشNNاب واقNNترب من األرملNNة ،الNNتي
كNNانت تجلس وميالنNNة على طبخهNNا .طعنهNNا مNNرتين في ظهرهNNا ،لكنهNNا لم تمت فNNوًر ا .ارتفعت نصNNفين
وأمسكت بالقاتل باليدين ،بينما انسحب هو ،رفعها فجأة وألقاهNNا على األرض في الموضNNع الNNذي ترونNNه
اآلن .هذا الصراع القصير مشار إليه بموضع الجثNNة؛ حيث يجلس ويتعNNرض للضNNرب في الظهNNر ،فمن
الطبيعي أن يسقط على ظهره .استخدم القاتل سالًحا حاًدا وضيًقا ،والذي كان ،إال إذا كنت مخطًئا ،نهاية
السيف ،المشحذ واألزرار كانت مكسورة .عند مسح السالح على تنورة الضحية ،ترك القاتل هذا الدليل.
لم يصب القاتل بأذى في الصراع .يجب أن تكون الضحية قد التصقت بيديه بعناية؛ لكنه لم يخلع قفازاته
البنفسجية اللون؛"
"قفازات! لماذا هذا الخيال؟" صاح جيفرول.
"هرمي" صاح جيفرول ساخرًا "أخشى ،مع ذلك ،أن يكNون شNابنا الرائNع وسNيًم ا قليًال في حمNل حزمNة
مغطاة بمنديل أبيض كالثلج ،والتي يمكن رؤيتها بسهولة من بعيد".
"ال يهمني أن أراهن عليه ،وأفضل دليNNل على إعتقNNادي هNNو أنNNني أرسNNلت ثالثNNة رجNNال ،تحت إشNNراف
جندي شرطة ،لجر السين من أقرب نقطة من هنا .إذا نجحوا في العثور على الحزمة ،وعدتهم بمكافأة".
"من جيبك الخاص ،أيها المتحمس الكبير؟" "نعم ،سيد جيفرول ،من جيبي الخاص".
"ولكن إذا وجدوا هذه الحزمة!" همس السيد دابورون.
تم تقطيع كالمه بدخول جندي شرطة يقول" :هذا منNNديل ملNNوث مليء باألطبNNاق والمNNال والمجNNوهرات،
والذي وجدوه هؤالء الرجال .يطالبون بمكافأة مائة فرنك التي وعدناهم بها".
أخرج السيد تاباريه بطاقة بنكية من محفظته وسلمها للجندي.
"اآلن" ،طالبه بصوت متحدٍي وبعيٍد عن جيفرول" ،ما الذي يفكر فيه قاضي التحقيق بعد هذا؟"
"أنه ،بفضل اختراقك المذهل ،سنكتشف "-
لم يكمل الجملة .دخل الطبيب المستدعى إلجراء الفحص الطبي الشرعي الغرفة .بعد إنجاز هNNذه المهمNNة
المزعجة ،لم يفعل سوى تأكيد تصريحات وتخمينات السيد تاباريه .وأوضح الطNNبيب ،كمNNا فعNNل الرجNNل
العجوز ،موقف الجثة .في رأيه أيًض ا ،كان هنNاك صNNراع .وأشNار إلى دائNرة زرقNNاء ،ال يمكن اكتشNافها
بشكل واضح ،حول عنق الضحية ،التي يبدو أنها نتيجة قبضة قوية من القاتل .وأخيًر ا ،أعلن أن األرملة
لوروج تناولت الطعام قبل ثالث ساعات من ضربة الجاني.
لم يتبقى اآلن سوى جمع األشياء المختلفة التي ستكون مفيدة لإلدعاء العNNام ،وقNNد تشNNجع في وقت الحNNق
المذنب .فحص السيد تاباريه بعناية شديدة أظافر المرأة الميتة؛ و ،بإتباع الحذر الالنهNNائي ،إسNNتخرج من
وراءها عNNدة شNNظايا صNNغيرة من الجلNNد .لم يكن أكNNبر هNNذه الشNNظايا سNNوى جNNزء بحجم الجNNزء الخNNامس
والعشرين من بوصة ،ولكن بالرغم من ذلك ،كان لونها ممNNيًز ا بسNNهولة .وضNNع جانًب ا أيًض ا الجNNزء من
المالبس الذي استخدمه القاتل لمسح سالحه .هذه ،باإلضافة إلى الحزمNة الNتي تم اسNتردادها من السNين،
والصبات المختلفة التي قام بها الرجل العجوز ،كانت كل آثار ما تركها القاتل وراءه.
لم يكن األمر كبيًر ا ،ولكن هذا القليل كNان هNائاًل في عيNون السNيد دابNورون ،وكNان لديNه آمNال قويNة في
الكشف عن الجاني .أكبر عائق للنجاح في كشNف الجNرائم الغامضNة هNو الخطNأ في تقNدير الNدافع .إذا تم
توجيه األبحاث باتجاه خاطئ في المرحلة األولى ،فإنها تحNNول بعيًNNدا عن الحقيقNNة ،بمقNNدار الNNوقت الNNذي
تمتد فيه .وبفضل السيد تاباريه العجوز ،شعر قاضي التحقيق بالثقة في أنه في المسار الصحيح.
وكان الليل قد حل .لم يكن لدى السيد دابورون شيء آخر ليفعله في ال جونشNNير .لكن جيفNNرول ،الNNذي ال
يزال متشبًثا برأيه في الNNذنب الNNذي يحمNNل الحلقNNات في أذنيNNه ،أعلن أنNNه سNNيبقى في بوجيفNNال .وقNNرر أن
يستغل المساء في زيارة محالت النبيذ المختلفة ،والبحث عن شهود جNNدد إن أمكن .في لحظNNة المغNNادرة،
بعدما تمنى الكوميساري والحزب بأكمله للسيد دابورون ليلة سعيدة ،طلب هذا األخير من السNNيد تاباريNNه
مرافقته.
"كنت على وشNNك طلب هNNذا الشNNرف" ،أجNNاب الرجNNل العجNNوز .خرجNNوا مًع ا ،وكNNان الجريمNNة الNNتي تم
اكتشافها والتي كانوا يفكرون بها موضوع حديثهما الطبيعي.
"هل سنتعرف على سوابق هذه المرأة أم ال!" تكرر السيد تاباريه العجوز" .كNNل شNNيء يعتمNNد على ذلNNك
اآلن!"
"سنتعرف عليها إذا صدقت زوجة البقالة" ،أجاب السيد دابورون" .إذا كان زوج أرملة لNNوروج بَّح اًرا،
وإذا كان ابنها جاك في البحرية ،فيمكن لوزير البحريNNة تزويNNدنا بمعلومNNات تNNؤدي قريًب ا إلى اكتشNNافهم.
سأكتب إلى الوزير هذه الليلة نفسها".
وصلوا إلى محطة رويل ،واستقلوا القطNNار .حظيNNوا بحNNظ سNNعيد بNNأنهم حصNNلوا على عربNNة من الدرجNNة
األولى ألنفسهم .لكن السيد تاباريه العجوز لم يكن مستعًدا للحديث بعد اآلن .يفكر ويبحث ويجمع؛ وكNNان
يمكن قراءة تفكيره بوضوح من خالل وجهه .كان السيد دابورون يراقبه بفضول وشعر بجاذبيNNة غريبNNة
نحو هذا الرجل العجوز الغNNريب ،الNNذي دفعNNه ذوقNNه األصNNلي إلى تكNNريس خدماتNNه للشNNرطة السNNرية في
شارع القدس.
"السيد تاباريه" ،سأله فجأة" ،هل تعمل مع الشرطة منذ فترة طويلة؟"
"تسع سنوات ،السيد دابورون ،أكثر من تسع سنوات؛ وإسمح لي باإلعتراف أنني مندهش قليًال من أنNNك
لم تسمع عني من قبل".
"بالتأكيد كنت أعرفك من خالل السNNمعة" ،أجNNاب السNNيد دابNNورون؛ "ولكن إسNNمك لم يتبNNادر إلى ذهNNني،
وكان فقط بسبب سNNماعي عن إشNNادتكم أنNNني جئت بفكNNرة ممتNNازة لطلب مسNNاعدتك .ولكن مNNا هNNو سNNبب
إختيارك لهذه الوظيفة؟"
"الحزن ،سيدي ،الوحدة ،التعب .آه ،لم أكن دائمًا سعيًدا!"
"لقد قيل لي أنك غني ،أليس كذلك؟"
أومأ الرجل العجوز بحزن عميق ،كاشفًا الخداعات األكثر قسوة" .أنا بحالة جيدة ،سيدي" ،أجاب "ولكن
لم أكن دائًم ا كNNذلك .حNNتى عمNNر خمسNNة وأربعين عاًم ا ،كNNانت حيNNاتي سلسNNلة من الحرمانNNات السNNخيفة
والعديمة الفائدة .كان لدي أب يضيع شبابي ،يدمر حياتي ،ويجعلني أكثر البشر بؤسًا".
هناك رجال ال يستطيعون التخلص من عاداتهم المهنية.
كان السيد دابورون في جميع األوقات والمواسم قاضًيا تحقيًقا يحب البحث.
"كيف ،سيد تاباريه ،أبيك الذي يحمل كل مصائبك؟"
"آه ،نعم ،سيدي! لقد غفرت له في النهايNNة؛ لكنNNني كنت ألعنNNه بشNNدة .في أولى هجمNNات الغضNNب ،رميت
على ذاكرتNNه كNNل اإلهانNNات الNNتي يمكن أن تلهمهNNا الكراهيNNة العنيفNNة ،عنNNدما علمت ...لكن سNNأثقفك عن
تاريخي ،سيد دابورون .عندما كان عمري خمسة وعشرين عاًم ا ،كنت أربح ألفي فرنك سنوًيا كموظNNف
في "مونتي دو بييت" .في صباح من األيام ،دخل والدي في سكني ،وأعلن لي بشكل مفNاجئ أنNه مفلس،
وبال طعام أو مأوى .ظهر في حالة يأس ،وتحدث عن قتل نفسه .كنت أحب والدي.
بشكل طبيعي ،حاولت أن أطمئنه؛ تفاخرت بوضعي ،وشرحت له بعض التفاصNNيل ،أناقشNNته معNNه بNNأنني
أكسب وسيلة العيش ،وأنه لن يفتقر ألي شيء؛ وبدأت ،للبدء ،في العيش مًعا .وبمجرد قولها ،تم التنفيNNذ،
ولمدة عشرين عاًم ا كنت محموًم ا بالعجوز"-
"ماذا! أتندم على سلوكك الرائع ،سيد تاباريه؟"
"أندم عليه! يعني أنه يستحق أن يسمم بالخبز الذي أعطيته إياه".
لم يتمكن السيد دابورون من إخفاء لفتة الدهشة التي لم تفوت إنتباه الرجل العجوز.
"اسمع ،قبل أن تدينني" ،واصل الرجNNل العجNNوز" ،كنُت في الخامسNNة والعشNNرين من عمNNري ،أحNNرمُت
نفسي من أي شيء ألجل والدي -ال أصدقاء ،ال تحليق في الحب ،ال شيء .في المساء ،كنُت أعمل على
نسخ أوراق قانونية لموثق .حتى السجائر كنُت أحرم نفسي منها .ومع ذلك ،كان العجNNوز يشNNتكي دوًم ا؛
يحن إلى ثروتNNه المفقNNودة ،يريNNد أمNNوااًل معNNدودة ليشNNتري بهNNا هNNذا ،أو ذاك؛ لم تفلح جهNNودي البذلNNة في
إرضائه .يا إلهي ،فقط السماء تعرف ماذا عانيت! لم أولNNد ألعيش وحيًNNدا وأشNNيخ مثNNل كلب .كنُت أتNNوق
إلى متعة الحياة الزوجية واألسرية .كان حلمي الزواج وحب زوجة جيNNدة ،تحبNNني قليًال ،ورؤيNNة أطفNNال
أبرياء وأصحاء يلهون حNNول ركبNNتي .ولكن ،عنNNدما دخلت هNNذه األفكNNار إلى قلNNبي وجبرتNNني على بكNNاء
دموع الحنين ،تمردت عليها .قلت لنفسي' :يا ولدي ،عندما تكسب ثالثة آالف فرنك سنوًيا ،وتحتاج لدعم
أبيك العجوز المحبوب ،فمن واجبك الحفاظ على عزوبيتك وإخماد مثل هذه الرغبات '.ولكن ،قابلت فتاة
صغيرة .لقد مَّرت ثالثون عاًم ا على ذلك الوقت ،انظر إلَّي ،أنا متأكد أنني أحمر كالطماطم .كNNان اسNNمها
أورتانس.
من يدري ماذا حدث لها؟ كانت جميلة وفقيرة .كنت رجاًل عجوًز ا عند وفاة والدي ،الوغد ،ال"..
"سيد تاباريه!" قاطع قاضي التحقيق" ،حسنًا ال تخجل ،سيد تاباريه!"
"لكنني قد قلت لك بالفعل ،أنا قد غفNرت لNه ،سNيدي .ومNع ذلNك ،سNتفهم غضNNبي قريًب ا .في يNوم وفاتNه،
وجدت في خزانته مذكرة تفيد بدخل يصل إلى عشرين ألف فرنك!"
"كيف هذا! هل كان ثريًا؟"
"نعم ،كان ثريًا جًدا ،ألن ذلك لم يكن كل شNNيء :كNNان يمتلNNك في القNNرب من أورليNNان ممتلكNNات تNNأجرت
بمبلغ ستة آالف فرنك سنوي ويمتلك منزلي الذي أعيش فيه اآلن ،حيث عشنا مًعا ،وكنت أدفNNع اإليجNNار
كل ثالثة أشهر للحارس ،كنت أحمق ،وحمار ، ،وحيوان غبي ،وكنت أحرم نفسي من المال الذي يعود
لي! وإلضفاء لمسة من النفاق ،ترك وصية تعلن فيها ،باسم الثالوث األقدس ،أنه لم يكن لديه هدف آخNNر
في القيNNام بNNذلك إال لصNNالحي الشخصNNي .أراد ،كمNNا كتب ،أن يجعلNNنى أعتNNاد على النظNNام واإلقتصNNاد،
ويحافظ علي من إرتكاب الحماقات .وكنُت في الخامسة واألربعين من عمري ،ولمدة عشرين عاًم ا كنُت
ألوم نفسي إذا أنفقت سوى سنًتا واحدة بال فائNNدة .على العمNNوم ،كNNان قNNد اسNNتثمر في قلNNبي الحنNNو الخNNير،
لقد ...باه! بكلمتي ،يكفي إلشمئزاز الجنس البشري من البذل األبوي!"
غضب السيد تاباريه ،على الرغم من حقيقته ومبرراته ،كان مضNNحًك ا للغايNNة ،حNNتى أن السNNيد دابNNورون
واجه صعوبة بالغة في إخفاء ضحكته ،على الرغم من حزن الحكاية الحقيقي .وقال" :على األقNNل ،يجب
أن تكون هذه الثروة قد أعطتك السعادة ".فأجاب السيد تاباريه" :ال على اإلطالق ،جاءت متNNأخرة جًNNدا،
فما فائدة الخNNبز إذا لم يكن لNNدينا أسNNنان؟ لقNد مضNNى عمNNر الNNزواج .ومNNع ذلNNك ،اسNNتقالت وظيفNتي ألتيح
الفرصة لشخص أفقر مني .وفي نهاية الشهر ،كنت مرهًق ا ومشNNتاًقا للحيNNاة ،ولتعNNويض العواطNNف الNNتي
حرمت منها ،قررت إعطاء نفسي شغفًا ،وهو الجمع بين الكتب .هل تعتقNد ،سNيدي ،أنNه من الضNروري
أن يكون الرجل متعلًم ا ودرس الكتب؟" فأجاب السيد دابورون" :أنNNا أعلم ،عزيNNزي السNNيد تاباريNNه ،أنNNه
يجب أن يكون للرجل المال .أنNNا معNNروف بشخصNNية مرضNNية لجمNNع الكتب ،يمكن أن يكNNون قNNادًرا على
القراءة ،ولكنه بالتأكيد ال يستطيع التوقيع بنفسه ".فقNال السNNيد تاباريNNه" :هNNذا ممكن جًNNدا .يمكنNNني أيًض ا
القراءة ،وقرأت كل الكتب التي اشNتريتها .جمعت كNل مNا وجدتNه متعلًق ا بالشNرطة ،سNواء كNان قليًال أو
كثيًر ا ،مذكرات ،تقارير ،كتيبات ،خطابات ،روايات ،كل شيء كان مناسًبا لي ،وإلتهمتهNNا .لدرجNNة أنNNني
انجذبت تدريجًيا إلى القوة الغامضNNة الNNتي تNNراقب وتحمي المجتمNNع من عتمNNة شNNارع جNNروزاليم ،والNNتي
تخترق كل مكان ،وترفNNع الحجب األكNثر معقوفيNة ،وتNرى خلNف كNل مNؤامرة ،وتعNرف بالضNNبط قيمNة
الرجل ،وثمن الضمير ،والتي تتراكم في ملفاتها األسرار األكثر فظاعNNة ،واألكNNثر عNNاًرا! عنNNدما قNNرأت
مذكرات المحققين الشهيرة ،كانوا أكثر جاذبية بالنسبة لي من خرافNNات أفضNNل كتابنNNا ،وأصNNبحت ملهًم ا
باإلعجاب الحماسي لهؤالء الرجال ،الذين كانوا حساسيين للغاية ،متفتحي الذهن ،مرني العقل كالصلب،
ماهري الحيلة والتسلسل ،يتبعون الجريمة في كل مكان بالقانون ،عبر غابات الشرعية ،بال هوادة ،مثل
البرابرة في عمق الغابات األمريكيNNة يطNNاردون أعNداءهم .إنتNNابني الرغبNNة في أن أصNNبح عجلNNة في هNNذا
الجهاز الرائع ،مساعدة صغيرة في معاقبة الجريمة وانتصNار الNبراءة .وجNربت ذلNك ،ووجNدت أنNني لم
أنجح سيًئا جًدا ".وسأل السيد دابورون" :هل يرضيك هذا العمل؟"
أدين اليهNNا ،يNNا سNNيدي ،أروع متعNNاتي .وداع ًNا للملNNل! منNNذ أن تخليت عن البحث عن الكتب للبحث عن
الرجال .أنا أهNNز كتفي عنNNدما أرى رجًال أحمقًNا يNNدفع خمسNNة وعشNNرين فرنًك ا مقابNNل صNNيد األرنب .مNNا
الجائزة في ذلك؟ امنحني صيد اإلنسان! فهذا ،على األقNل ،يسNتدعي القNدرات الذهنيNة ،واالنتصNار ليس
مخزيًا! اللعب في رياضNتي يجمNع بين الصNياد والفريسNة؛ حيث يمتلNك كالهمNا الNذكاء والقNوة والمكNر.
األسNNلحة تكNNاد تكNNون متسNNاوية .أهـ! لNNو علم النNNاس إثNNارة هNNذه األلعNNاب الخفيNNة الNNتي تلعب بين الجNNاني
والمحقق ،ألراد الجميع العمل في مكتب شارع القدس .الشقاء هو أن الفن يصبح مفقودًا .الجرائم الكبيرة
نادرة الحدوث اآلن .فقد خلفت جيل الجناة األقوياء والجريئين مكانه للصوص الرخيصة الذين يحNNاولون
السNNرقة .القليNNل من المجNNرمين الNNذين يسNNمع عنهم بين الحين واآلخNNر هم جبنNNاء مثNNل الحمقى .يضNNعون
تواقيعهم على أفعالهم اإلجرامية ،ويNNتركون حNNتى بطاقNNاتهم ملقNاة .ليس هنNNاك فضNNيلة في القبض عليهم.
بمجرد كشف جريمتهم ،يمكنك الذهاب واعتقالهم -
"على ما يبدو لي "،تدخل السيد دابورون ،مبتسمًا" ،أن قاتلنا ليس متخلًفا بهذا القدر".
"إنه استثناء ،سيدي ،وسيكون لدي أكبر سعادة في تعقبه .سNNأفعل كNNل شNNيء من أجNNل ذلNNك ،حNNتى أضNNع
نفسي في موقف محرج إذا لNزم األمNر .ألنNني يجب أن أعNترف ،يNا سNيدي دابNورون "،أضNNاف بخجNل
طفيف" ،أنني ال أفتخر بإنجازاتي أمام أصدقائي؛ بل أخفيها بعناية قصوى .ربما سNNيكونون أقNNل حNNرارة
عندما يعرفون أن تيراكلير وتاباريه هما شخص واحد".
عاد الحديث تدريجًيا إلى الجريمة .واتفق الجميNع على أن يقNوم السNيد تاباريNه بNالتثبيت في بوجيفNال في
أول فرصة في الصباح .وأعرب السيد دابورون عن عزمه على إبالغه بأي دليل يظهر ،واسNNتدعائه إذا
تمكن من الحصول على أوراق أرملة ليروج.
"سأكون دائمًا في خدمتك ،يا سيد تاباريه" ،قال القاضNNي في الختNام" ،إذا كNان لNديك أي حاجNة للتحNدث
معي ،ال تتردد في القدوم ليًال كما في النهار .نادرًا مNNا أخNNرج ،وسNNتجدني دائمًNا إمNNا في مNNنزلي بشNNارع
جاكوب ،أو في مكتبي في القصر العدلي .سوف أعطي تعليمات للسماح لك بالدخول عندما تأتي".
في هذه اللحظة ،دخل القطار المحطة .وبعد أن استدعى السيد دابورون سيارة أجرة ،عرض مقعًدا على
السيد تاباريه ،لكن الرجل العجوز رفض.
"ال يستحق العناء" ،أجاب" ،فأنا أعيش ،كما أخبرتك بالفعل ،في شارع سانت الزار ،على بعد خطوات
قليلة من هنا".
"إلى الغد ،إذن!" قال السيد دابورون.
"إلى الغد" ،رد السيد تاباريه ،وأضاف "سننجح".
الفصل 3
كان منزل السيد تاباريه على ُبعد أربع دقائق فقط سيًر ا على األقدام من محطة السكك الحديدية في سانت
الزار .كانت بناية جيدة البناء ومحافًظا عليها بعنايNNة ،وربمNNا كNNانت تولNNد دخًال جيًNNدا على الNNرغم من أّن
اإليجارات لم تكن مرتفعة جًدا .وجد الرجل العجوز مساحة وفNNيرة فيNNه .كNNان يقطن الطNNابق األول الNNذي
يطل على الشارع ،وكان يتألف من شقق جميلة ومريحة ومجهزة بشكل جيد ،وكان أهّم ها مجموعته من
الكتب .كان يعيش ببساطة بسبب ذوقه وعادته ،وكان يخدمه خادٌم عجوز ،وفي المناسNNبات الكبNNيرة كNNان
الحارس يقدم له يد المساعدة.
لم يكن لدى أي شNخص في المNنزل أدنى شNك حNول مهنNة المالNك .باإلضNافة إلى ذلNك ،سNيتوقع من أي
عميNNل شNNرطة متواضNNع أن يمتلNNك درجNNة من الNذكاء لم يمنحهNNا أحNNد للسNNيد تاباريNNه .في الواقNNع ،اعُت بر
اسNNتمراره في عNNدم االنتبNNاه عنNNدما يتحNNدث معNNه اآلخNNرون عن دوافعهم وأحNNوالهم ،عالمNNة على الغبNNاء
البدائي.
من الصحيح أن جميع من عرفه الحظوا غرابNNة عاداتNNه .أعطت غياباتNNه المتكNNررة عن المNNنزل مظهًNNرا
غريًبا وغامًض ا ألفعاله .لم يكن أي شخص متساٍو في األخالق أكثر تبايًنا من هذا الرجNNل العجNNوز .كNNان
يأتي إلى المنزل لتناول وجباته في أوقات غير منتظمة ،ويأكل ما يريد وعندما يريد .كما كان يخNNرج في
أي ساعة من النهار أو الليل ،وكان ينام في الخارج كثيًر ا ،وحتى يختفي لفترات طويلة تماًم ا .باإلضNNافة
إلى ذلك ،كان يستقبل أغرب الزوار ،رجااًل ذوي مظاهر مشبوهة وأشخاًص ا بمظهر سيء ومشؤوم.
أدى هذا النمط الغير منتظم للعيش إلى سلب الرجل العجNNوز الكثNNير من االحNNترام .يعتقNNد الكثNNيرون أنهم
يرون فيه شخًصا فاسًدا ال يهتم بمصNNدر دخلNNه في األمNNاكن المشNNبوهة .وسNNيعلقون على بعضNNهم البعض
قائلين" :أليس من المخزي أن يفعل شخٌص في سنه هذا؟"
كان الرجل العجوز على علم بجميع هذه األحاديث الفارغة ،ولكنه كان يضحك عليها .ومع ذلك ،لم
يمنع هذا األمر العديد من المستأجرين لديه من السعي إلى االقتراب منه والتقرب منه .كانوا يدعونه إلى
تناول العشاء ،لكنه كان يرفض تقريًبا دائًم ا.
كان يزور شخًصا واحًدا فقط في المنزل ،ولكنه كان حميًم ا جًدا معها حتى أنه كان يقضي وقًتا أطول
في شقتها من شقته الخاصة .كانت سيدة أرملة تدعى السيدة جيردي ،وكانت تعيش مع ابنها نويل الذي
تعلقت به بشدة .كان نويل جيردي رجًال يبلغ من العمر 33عاًم ا ،لكنه بدا أكبر سًنا؛ طويل القامة ومبني
الجسم ،ولديه وجه نبيل وذكي ،وعيون سوداء كبيرة ،وشعر أسود يتموج بشكل طبيعي .كان محامًيا
ويشتهر بموهبته وجدارته ،وكان قد حظي بشهرة معينة .كان يعمل بجد وكان بارًدا وتأملًيا ،على الرغم
من تفانيه في مهنته ،وكان يظهر بعض الصرامة في المبادئ واألخالق.
في شقة السيدة جيردي ،شعر السيد تاباريه العجوز بأنه في بيته .اعتبرها قريبة له ونظر إلى نويل كNNابن
له .على الرغم من خمسين عاًم ا لديها ،فقد فكر في الكثير من األحيان في طلب يNدها ،ولكنNه امتنNع ليس
بسبب خوفه من الرفض بل بسبب نتيجته .سيؤدي االقNNتراح والNNرفض إلى قطNNع العالقNNات الحاليNNة الNNتي
تسعده .ومع ذلك ،قدم في وصيته التي أودعها لدى موثقه الشاب الNNدفاع عن المNNدعى العNNام الوحيNNد ،مNNع
شرط وحيد بتأسيس جائزة سنوية قدرها ألفا فرنك لعميNNل الشNNرطة الNNذي يكشNNف أكNNثر جريمNNة غامضNNة
وعنيفة خالل العام.
على الرغم من قصر المسافة إلى بيته ،استغرق السيد تاباريه العجوز ربع ساعة جيدة في الوصول إليه.
عند مغادرته للسيد دابورون ،رجعت أفكNNاره إلى مشNNهد الجريمNNة .وكNNان العجNNوز معتمًNNدا على تكNNراره
لنفسNه عبNارة "إذا أردت المزيNد ،يمكنNني الحصNول عليNه" الNتي تم ذكرهNا من قبNل الحليبيNة عن ويNدو
ليروج.
"كل شيء في هذا" ،همس العجوز" .كانت ويدو ليروج تملك بعض السر الهام الذي كان يملك أشخاص
غنيون وقويون الحوافز األقوى إلخفائه .كانت تملكهم في سلطتها ،وهذا كان ثروتهNNا .جعلتهم يرقصNNون
على أنغامها؛ ربما ذهبت بعيًدا جًدا ،لذلك قاموا بقمعها .ولكن مNNا هNNو هNNذا السNNر وكيNNف حصNNلت عليNNه؟
على األرجح ،كانت في شبابها خادمة في بعض العائالت الكبيرة .وبينما كانت هناك ،شاهدت أو سمعت
أو اكتشفت شيًئا -ما هو؟ يبدو واضًحا أن النساء هنNا السNبب .هNل سNاعدت سNيدتها في بعض العالقNات
الحب؟ ما هو األكثر احتماال؟ وفي هذه الحالة ،يصNNبح الموضNNوع أكNNثر تعقيًNNدا .ليس فقNNط يجب العثNNور
على المرأة ولكن أيًض ا عشيقها؛ ألنه هو الذي تحرك في هذا األمر .إنه ،أو أنا أخطأ بشكل كبNNير ،رجNNل
من أصل نبيل .شخص من رتبة أدنى لن يكون ببساطة استأجر قاتاًل .هذا الرجNNل لم يNNتردد؛ لقNNد ضNNرب
بنفسه وبذلك تجنب اإلساءة أو الحماقة من شريك جنائي .إنه لص شNNجاع ،مليء بNNالجرأة والهNNدوء ،ألن
الجريمة تم تنفيذها بشكل رائع .لم يترك هذا الزميل شيًئا خلفNه يمكن أن يتسNبب لNه في مشNاكل خطNيرة.
ولكن بالنسبة لي ،جيفرول ،الذي يعتقد في السرقة ،لن يرى شيًئا .ولحسن الحظ ،كنت هناك .ومع ذلNNك،
يصعب أن يكون ذلك فقط" ،واصل العجوز" .يجب أن يكون شيًئا أسوأ من مجرد قصة حب بسيطة".
دخل السيد تاباريه العجوز المدخل الرئيسي للبيت ،ورأى حارس البوابة الNNذي كNNان يجلس بجNNوار نافNNذة
كوخه ،وهو يمر تحت مصباح الغاز.
"آه" ،قال الحارس" ،لقد عاد المالك أخيرًا"" .نعم ،إنه عاد" ،ردت زوجته" ،ولكن يبNNدو أن أميرتNNه لن
تتعامل معه هذه الليلة ،فهو يبدو أكثر فوضى من أي وقت مضى"" .أليس هذا مقزًز ا " ،قNNال الحNNارس،
"وهل هو في حالة واضحة! يعامله نساءه الجميالت بشكل جيد! سأضطر في إحدى هذه الصباحات إلى
أخذه إلى مصحة لألمراض العقلية بسNNترة معزولNNة"" .انظNNر إليNNه اآلن!" قاطعتNNه زوجتNNه" ،انظNNر إليNNه
اآلن ،في وسط الفناء!".
توقف العجوز عند طرف المدخل الرئيسي ،وخلع قبعتNNه ،وفي حين يتحNNدث إلى نفسNNه ،يتحNNرك بعنNNف.
"ال" ،قال" ،لم أحصل على الحل بعد ،أنا قريب منه؛ ولكنني لم أجده حتى اآلن" .صNNعد الNNدرج وجNNرى
جرسه ،ونسي أن لديه مفتاح الباب في جيبه .فتحت خادمته الباب ،وقNNالت لNNه" :أنت! سNNيدي ،وفي هNNذه
الساعة؟" "ماذا تقولين؟" سأل العجوز" .أقول" ،أجابت الخادمة" ،إن الساعة أكثر من الثامنة والنصف.
ظننت أنك لن تعود هذا المساء .هل تناولت العشاء؟" "ال ،لم أتناوله حتى اآلن"" .حسًNنا ،لحسNNن الحNNظ،
لقد حافظت على وجبتك الدافئة .يمكنNNك الجلNNوس إليهNNا على الفNNور" .جلس السNNيد تاباريNNه العجNNوز على
الطاولة ،وساعد نفسه على الحساء ،ولكنه فجأة نسي أن يأكل ،وبقي ،مع ملعقته في الهNNواء ،وكأنNNه تلقى
فكرة مفاجئة" .بالتأكيNNد ،لقNNد جن" ،فكNNرت خادمتNNه مNNانيت" ،انظNNر إلى تعبNNيره الغNNبي .من في حواسNNه
سيعيش الحياة التي يعيشها؟" لمسته على كتفه ،وصاحت في أذنه ،كما لو كان أصNNم" :أال تأكNNل؟ ألسNNت
جائًعا؟" "نعم ،نعم" ،همس ،في محاولة آلية للهروب من الصوت الذي يدوي في أذنيه" ،أنا جائع جًNNدا،
فمنNNذ الصNNباح اضNNطررت إلى "...قNNاطع نفسNNه ،وبقي مNNع فمNNه مفتوًح ا ،وعينيNNه تنظNNر إلى الفNNراغ.
"اضطررت إلى ماذا؟" تكررت مانيت" .يا رعد!" صاح ،وهو يرفع قبضتيه المشدودتين نحو السNNقف،
"يا رعد السماء! لقد وجدتها!" كان حركته عنيفة ومفاجئة بما يكفي لتثير قليًال قلق الخادمNNة ،وانسNNحبت
إلى نهاية الغرفة ،بالقرب من الباب" .نعم" ،استمر في الحNNديث" ،من المؤكNNد أن هنNNاك طفاًل !" اقNNتربت
مانيت منه بسرعة ،وسألته بدهشة" :طفل؟" "ماذا بعد!" صاح ،بلغة غاضبة" ،مNNاذا تفعلين هنNNاك؟ هNNل
وصل جرأتك إلى هذا الحد حتى تلتقطي الكلمات الNNتي تفلت مNNني؟ أرجNNوك أن تنحي لي مكانNNك ،وتبقي
هناك حتى أدعوك"" .إنه يجن" ،فكرت مانيت ،واختفت بسرعة.
عاد السيد تاباريه العجوز إلى مقعده ،وبسرعة شديدة ابتلع حساءه البNNارد تماًم ا .وقNNال لنفسNNه" :لمNNاذا لم
أفكر في ذلك من قبل؟ يا تعاسة اإلنسانية! أنا أشيخ ،ودماغي قNNد تعب .إنNNه واضNNح كالنهNNار؛ فNNالظروف
تشير جميعها إلى هذا االستنتاج" .ثم قرع جرسه ،وعادت الخادمة" .أحضري اللحم المشوي ،واتركيني
وحدي" ،واصل العجوز ،وهو ينحت بعنف ساق اللحم المشوي .وتابع قNNائًال" :نعم ،هنNNاك طفNNل ،وهNNذه
هي قصته! إن األرملة لوروج ،عندما كانت شابة ،كانت في خدمة سيدة كبيرة غنية جًدا .زوجها ،بحار،
غادر على األرجح في رحلة طويلة .وكانت السيدة على عالقة عاطفية مع عشيقها وجدت نفسها حNNامًال.
فاعتمدت على األرملة لوروج ،ومن خالل مساعدتها ،تم إجراء والدة سرية".
ثم استدعى الخادمة مانيت مرة أخرى ،وقال لها" :أحضNري الحلNوى ،وانصNرفي!" لم يكن هNذا المالNك
يستحق طباًخ ا ممتاًز ا مثل مانيت .وكان من الصعب عليه تذكر ما أكل للعشاء ،أو حNNتى مNNا يأكلNNه اآلن؛
فقد كان يأكل مربى األجاص .وتابع يقNNول" :لكن ،مNNاذا حNNدث للطفNNل؟ هNNل تم تNNدميره؟ ال ،ألن األرملNNة
لوروج ،الشريكة في جناية القتل الجنيني ،لن تكون أكثر وجًعا .لقد تم الحفاظ على الطفNNل ،وثقNNل عنايNNة
األرملة بتربيته .لقد تمكنوا من أخذ الرضيع منها ،لكنهم لم يستطيعوا أخذ دالئل والدته ووجوده .هنا هو
فتح الباب .األب هو الرجل ذو العربة الفاخرة؛ واألم هي السNيدة الNتي جNاءت مNع الشNاب الوسNيم .هNاه!
هاه! يمكنني بالفعل أن أصدق أن العزيزة العجوز لم ينقصها شيء .لديها سر يستحق مزرعNNة في بNNري.
لكن العجNوزة كNانت مسNرفة؛ إن نفقاتهNا ومطالباتهNا زادت من عNام إلى عNام .يNا تعاسNة اإلنسNانية! لقNد
اعتمدت على العصا بشدة ،وكسرتها .هددت .خافوا ،وقالوا" :لنهي هذا!" ولكن من يتولى هNNذه المهمNNة؟
األب؟ ال ،إنه عجوز جًدا .بواسطة جوبيNNتر! االبن ،الطفNNل نفسNNه! سNNينقذ أمNNه ،الولNNد الشNNجاع! لقNNد قتNNل
الشاهد وأحرق الدليل!"
وفي ذلك الوقت ،كانت مانيت ،التي كانت تستمع بكل روحها ،تجمع كلمNNة ،أو حلًف ا ،أو صNNوًتا لضNNربة
على الطاولة ،لكن هذا كل ما سمعته" .بالتأكيد" ،فكرت في نفسNNها" ،يجNNول النسNNاء في رأسNNه" .فتغلبت
فضولها على حذرها ،وعندما لم تسمع أي شيء آخر ،جربت فتح الباب قليًال .وفي تلك اللحظة ،أمسكها
العجوز في الفعل" .يريد السيد قهوته؟" ،سألتها بتواضع" .نعم ،يمكنك إحضارها لي" ،أجابها.
حاول أن يبتلع قهوته دفعة واحدة ،لكنه حروق نفسه بشدة حتى أن األلم جعله ينتقل فجNNأة من التأمNNل إلى
الواقع.
"الرعد!" ،تذمر" ،لكنها ساخنة جدا! تبا للقضية! جعلتني أفقد صوابي .هم على حق عندما يقولون إنNNني
متحمس للغاية .ولكن من بينهم جميًعا يستطيع أن يقوم بتحليل كامل لتاريخ الجريمة باستخدام المالحظNNة
والعقل فقط؟ بالتأكيد ليس جيفرول ،المسكين! لن يشعر إال باإلحباط والذل ،ألنNNه لم يفلح في شNNيء .هNNل
يجب علّي أن أذهب للسيد دابورون؟ ال ،ليس اآلن .الليل ضروري لي لفحص جميع التفاصNNيل وتNNرتيب
أفكاري بشكل منهجي .لكن من ناحية أخرى ،إذا جلست هنا وحيًدا ،فإن هذه القضية الملعونNNة سNNتجعلني
أتألم بالتأمل ،وبمNا أنNني للتNو أكلت الكثNير ،فقNد أعNاني من أزمNة هضNNمية .باهلل عليNك! سNأزور السNيدة
جيردي :لقد كانت تشعر بعدم الراحة منذ بضعة أيام .سأتحدث مع نويل ،وهذا سيغير مسار أفكاري".
انتهى من تناول قهوته وقام من الطاولة ،وإرتدى معطفه وأخذ قبعته وعكازه" .أتسوق ،سNNيدي؟" سNNألته
مانيت.
"نعم".
"هل ستتأخر؟"
"ربما".
"ولكنك ستعود الليلة؟"
"ال أعلم".
بعد دقيقة واحدة ،كان السيد تاباريه يرن جرس صديقه.
عاشت السيدة جيردي بأسلوب يليق باالحترام .كان لNNديها مNNا يكفي الحتياجاتهNNا ،وكNNانت ممارسNNة ابنهNNا
للمهنة ،التي كانت بالفعل كبيرة ،قد جعلهما غنيين تقريًبا .عاشت بشكل هادئ جًNNدا ،وباسNNتثناء صNNديقين
واحد أو اثنين يدعوهما نويل أحياًنا للعشاء ،لم تستقبل الكثNNير من الNNزوار .خالل أكNNثر من خمسNNة عشNNر
عاًم ا من زيارات السيد تاباريNNه المألوفNNة للشNNقة ،لم يلتNNق بNNه سNNوى الكNNاهن القسNNيم ،وأحNNد أسNNاتذة نويNNل
القدامى ،وشقيقة السيدة جيردي ،المتقاعد الكولونيل .عندما يحدث أن يأتي هؤالء الزوار الثالثة في نفس
المساء ،وهو أمر نادر إلى حد ما ،يلعبون لعبة دائريNNة تسNNمى بوسNNطن .في المسNNاءات األخNNرى ،تكNNون
لعبة البيكيه أو األربعة هي القاعدة .ومع ذلك ،نويل نادًر ا ما يبقى في غرفة الجلوس ،بل يغلق نفسه بعNNد
العشاء في دراسته ،التي تشكل بالنسبة له مع غرفة نومه شقة منفصلة عن شقة والدته ،ويغمر نفسNNه في
أوراق القانون .كان من المفترض أن يعمNل حNتى سNاعات متNأخرة من الليNل .في كثNير من األحيNان في
الشتاء ،لم يطفئ مصباحه إال قبل الفجر.
كانت األم واالبن يعيشNNان بشNNكل كامNNل لبعضNNهما ،كمNNا أن جميNNع من يعNNرفهم يسNNتمتعون بتكNNرار ذلNNك.
يحبNNون ويكرمNNون نويNNل على الرعايNNة الNNتي يوليهNNا لوالدتNNه وعلى تفانيNNه األكNNثر من االبNNني ،وعلى
التضحيات التي يفترض أنه يقNNوم بهNNا في أن يعيش في سNNنه مثNNل الرجNNل العجNNوز .كNNان الجNNيران عNNادًة
يقارنون بين سلوك هذا الشاب المثالي وبين سلوك السيد تاباريه ،العجوز الذي ال يتغNNير ،الNNذي ال شNNعر
لديه.
أما بالنسبة للسيدة جيردي ،فلم ترى شيًئا سNNوى إبنهNNا في العNNالم بأسNNره .كNNان حبهNNا قNNد أخNNذ فعلًي ا شNNكل
العبادة .تعتقد أنها ترى في نويل جميع الكماالت الجسدية واألخالقية المجتمعة .يبNNدو لهNNا أنNNه من الرتبNNة
العليا بالنسبة لبقية البشرية.إذا تحدث نويل ،كانت تصمت وتستمع ،فكلمته كانت أمًرا مقدًس ا ،ونصNيحته
كانت مرسوًم ا من القدر .العناية بابنها ،دراسة أذواقه ،توقع رغباتNNه ،كNNانت الهNNدف الوحيNNد في حياتهNNا.
كانت أًم ا حقيقية.
"هNل يمكن رؤيNة السNيدة جNيردي؟" سNأل السNيد تاباريNه الفتNاة الNتي فتحت البNاب ،ودخNل الغرفNة دون
االنتظار للحصول على إجابة ،وكأنNNه يعتقNNد أن وجNNوده ال يمكن أن يكNNون غNNير موفNNق ويجب أن يكNNون
مرحًبا به.
كانت شمعة واحدة تضيء غرفة الجلوس ،التي لم تكن في ترتيبها المعتاد .لقد تم دفع الطاولNNة الصNNغيرة
الخشبية ،التي كانت عNNادة في وسNNط الغرفNNة ،إلى الزاويNNة .كNNانت كرسNNي السNNيدة جNNيردي الكبNNير قNNرب
النافذة ،وكانت الصحيفة متجعدة ملقاة على السجاد.
الحظ المحقق الهاوي كل ذلك في لمحة" .هل حدث أي حادث؟" سأل الفتاة.
"ال تتحدث عنه ،سيدي :لقد كان لدينا توتًرا! أوه ،مثNل هNذا التNوتر!" "مNاذا حNدث؟ أخNبرني بسNرعة!"
"هل تعلم أن السيدة كNانت تعNاني منNذ شNهر تقريًب ا؟ لم تكن تأكNل شNيًئا ،يمكنNني أن أقNNول ذلNك .واليNوم
صباًح ا ،قالت لي" "-نعم ،نعم! ولكن ،ماذا عن هذا المساء؟"
بعد العشاء ،دخلت السيدة كالعادة إلى غرفة الجلوس .جلست وأخذت إحدى صحف السيد نويNNل .بمجNNرد
أن بدأت القراءة ،أطلقت صرخة كبNNيرة ،أوه ،صNNرخة فظيعNNة! تسNNارعنا إليهNNا؛ إن السNNيدة سNNقطت على
األرض وكأنها ميتة .رفع السيد نويل جسدها وحملها إلى غرفتها .أردت أن أحضNNر الطNNبيب ،لكنNNه قNNال
إنه ليس هناك حاجة؛ إنه يعرف ما الذي يحدث لها.
"وكيف حالها اآلن؟"
"لقد عادت إلى وعيها؛ أعني ،أفترض ذلك ،ألن السيد نويل طردني من الغرفة .كل ما أعرفNNه هNNو أنهNNا
كانت تتحدث قبل قليل ،وتتحدث بصوت عاٍل جًدا ،ألنني سمعتها .أه ،يا سيدي ،كل شيء غريب جًدا!"
"ما الذي غريب؟"
"ما سمعت السيدة جيردي تقوله للسيد نويل".
"أها! يا فتاتي!" سخر السيد تاباريه العجوز" .إذا كنِت تستمعين من خالل الثقوب ،أليس كذلك؟"
"ال ،يا سيدي ،أؤكد لك ،ولكن السيدة صرخت وكأنها مفقودة .قالت"...
"يا فتاتي!" قاطع السيد تاباريه العجوز بحNNزم" .نسNNمع دائمًNا األشNNياء بشNNكل خNNاطئ عنNNد اإلسNNتماع من
خالل الثقوب .اسألي مانيت إذا كان األمر كذلك".
سعت الفتاة المسكينة ،المحتارة ،لتبرير نفسها.
"كفى ،كفى!" قال العجوز" .عِNد إلى عملِNك :ال يلزمِNك إزعNاج السNNيد نويNNل؛ يمكنNNني االنتظNNار لNNه هنNNا
بسهولة".
وبعدما أرضى بالتوبيخ الذي وجهNNه ،التقNNط الصNNحيفة وجلس بجNNانب المNNدفأة ،ووضNNع الشNNمعة بجNNواره
ليتمكن من القراءة بسهولة .لم يمِض دقيقة حتى صدم في كرسيه ،وكاد أن يصرخ من الNرعب والدهشNة
الذين أصاباه.
هذه كانت الكلمات األولى التي الحت عيناه.
"جريمة فظيعة أدت إلى هلع قرية ال جونشير .تم إغتيال أرملة فقيرة ،تدعى لNيروج ،الNتي كNانت تتمتNع
باإلحترام والحب العام من المجتمع ،في منزلها .قام ضباط الشNرطة بالتحقيقNات األوليNة المعتNادة ،وكNل
شيء يشير إلى أن الشرطة بالفعل على أثر مرتكب هذه الجريمة الخسيسة".
"الرعد!" قال السيد تاباريه العجوز لنفسه" ،هل يمكن أن تكون السيدة جيردي؟"
لم تكن هذه الفكرة سوى ومضة عابرة في ذهنه ،فسقط مرة أخرى في كرسيه ،وهو يهز رأسه ويتNNذمر،
قائًال" ،حًقا ،هذا األمر الذي يحدث في ال جونشير يجعلني أجّن .ال يمكنني التفكير في شيء سوى أرملة
ليروج .سأرى صورتها في كل شيء اآلن".
في الوقت نفسه ،دفعه الفضول الذي ال يمكن السيطرة عليNNه إلى قNNراءة الصNNحيفة بأكملهNNا .لم يجNNد شNNيًئا
بإسNNتثناء هNNذه األسNNطر ليNNبرر أو يشNNرح أدنى شNNعور" .يبNNدو أن هNNذه مصNNادفة غريبNNة للغايNNة في نفس
الوقت" ،فكر العامل الشرطي الزاجل العنيد .ثم الحظ أن الصحيفة كانت ممزقة قليًال في الجزء السفلي،
ومحطمة ،كما لو أن شخًص ا قبض بشكل تشنجي عليها ،وتكرر يقول" ،هذا غريب!"
في هذه اللحظة ،فتحت باب غرفة السيدة جيردي ،وظهر السيد نويل على عتبته.
ال شك أن حادثة والدته قد أثرت بشدة عليه ،إذ كان شاحبًا جدًا ووجهه الهادئ عادًة كان يعبر عن حNNزن
عميق .بدا مندهشًا لرؤية السيد تاباريه العجوز.
"أهًال بك يا عزيزي نويل!" صاح العجوز" .أرجوك ،طمني ،كيف حال والدتك؟"
"السيدة جيردي بخير ،كما هو متوقع".
"السيدة جيردي!" تكرر العجوز بتعجب ،لكنه أكمل قائًال" :يبدو أنكم تعرضتم لصدمة كبيرة".
"بالفعل" ،أجاب المحامي وهو جالسًا" .لقد تعرضت لصدمة شديدة".
كان نويل يبذل جهودًا كبيرة للحفاظ على هدوئه ،واإلستماع إلى العجوز ،والرد عليه .في الNNوقت نفسNNه،
كان السيد تاباريه العجوز يشعر بالقلق ولم يالحظ شيئًا غير ذلك.
"على األقل ،يا صديقي" ،قال العجوز" ،أخبرني عما حدث؟"
تردد الشاب لحظة كأنه يتشاور مع نفسه .ال شك أنه لم يكن مستعدًا لهذا السؤال ،ولم يعرف مNNا الجNNواب
الذي يجب أن يعطيه ،وأخيرًا أجاب:
"تعرضت السيدة جيردي لصدمة شديدة بعد قراءتها في هNذه الصNNحيفة فقNرة تتحNدث عن إغتيNال امNرأة
تهمها كثيرًا".
"أه!" رد السيد تاباريه العجوز.
كان العجوز في حالة من اإلرتباك ،حيث كان يريد إستجواب نويل ،لكنNNه كNNان يخشNNى الكشNNف عن سNNر
إرتباطه بالشرطة .بالفعل كاد يفضح نفسه بسبب حماسه للسؤال" ،أيعرف والدتك األرملة ليروج؟" بذل
جهدًا إلمتصاص حماسه ،وبصعوبة تمكن من إخفاء سNNعادته ،إذ كNNان مسNNرورًا لوجNNوده فجNNأة على أثNNر
سابقة ضحية ال جونشير.
"كانت" ،واصل نويل" ،عبدة للسيدة جيردي ،ومخلصة لهNNا بكNNل الطNNرق! كNNانت ستضNNحي بنفسNNها من
أجلها بإشارة منها".
"إذن ،يا صديقي ،كنت تعرف هذه المرأة المسكينة!"
"لم أرها منذ فترة طويلة جNNدًا" ،أجNNاب نويNNل ،الNذي بNNدا صNNوته مكسNNورًا بسNNبب العاطفNة" ،لكNNني كنت
أعرفها جيدًا .يجب أن أقول حتى أنني كنت أحبها بحنان .كانت ممرضتي".
"هي ،هذه المرأة؟" تعثر السيد تاباريه العجوز.
هذه المرة كان مندهشًا .المرأة األرملة ليروج ممرضة نويل؟ إنه غير محظوظ .بدا واضحًا أن القدر قNNد
اختاره كأداة له ،ويقوده بيده .كان على وشك الحصول على جميع المعلومات الNNتي يشNNتاق إليهNNا ،والNNتي
كان قد ييأس من الحصول عليها قبل نصف ساعة .بقي جالسًا أمام نويNNل بهNNذه الدهشNNة والصNNمت .لكنNNه
فهم أنه ،ما لم يريد أن يعرض نفسه للخطر ،يجب أن يتحدث.
"إنها مصيبة كبيرة" ،همس أخيرًا.
"أنا ال أستطيع أن أقول كيف هي األمNNور بالنسNNبة للسNNيدة جNNيردي" ،أجNNاب نويNNل بمظهNNر كNNئيب" ،لكن
بالنسبة لي ،إنها مصيبة هائلة! أنا مصاب بالذهول بسبب األذى الذي أصاب هذه المرأة الفقNيرة .موتهNNا،
يا سيد تاباريه ،دمر كNNل أحالمي المسNNتقبلية ،وربمNNا هNNدم أكNNثر أملي الغNNالي .لقNد كNNان علي أن أنتقم من
إصابات قاسية؛ ولكن موتها كسر السNالح في يNدي ،وأدي بي إلى اليNأس والعجNز .يNا لألسNف! أنNا حقًNا
محظوظ بالكاد".
"أنت محظوظ؟" صاح السيد تاباريه العجوز ،متNأثرًا بحNزن نويNل العزيNز" .باسNم هللا ،مNا الNذي حNدث
لك؟"
"أعاني" ،همس المحامي" ،وأعاني بشدة .ليس فقط أنني أخشNNى أن الظلم ال يمكن إصNNالحه ،ولكن هنNNا
أنا بال دفاع تمامًا ،معرضًا لشعاب اإلفتراء .يمكن أن يتهمونNNني بإبتNNداع الكNNذب ،وبNNأنني متNNآمر طمNNوح
ليس لديه إحترام للحقيقة ،وال ضمير" .
تخدشر السيد تاباريه العجوز .ما هي الصلة بين شرف نويل واإلغتيال في ال جونشير؟ كان عقلNه يNدور
في دوامة .أفكار مشوشة ومرتبكة تتداخل بشكل ال يمكن فك تشابكها.
"تعال ،تعال ،نويل" ،قال" ،إسترِخ .من سيصدق االفتراء الذي يطلقونNNه عليNNك؟ ابNNق قويًNا ،أليس لNNديك
أصدقاء؟ أليس أنا هنا؟ تثق بي ،قل لي ما يزعجك ،وسيكون من المستغرب حقًا إذا لم يسNNتطع بيننNNا ،أن
نجد الحّل لهذه المشكلة".
"نعم "،قاطعه" ،سوف تعرف كل شيء .في الواقع ،لقد تعبت من حمل هذا السر الNNذي يخنقNNني وحNNدي.
ُيهيجني الدور الذي ألعبه وُيرهقني .أحتاج إلى صديق يعّز يني ،وأحتNNاج إلى مستشNNار يشNNجعني ،ألنNNه ال
يمكن للشخص أن يحكم على قضيته بنفسه ،وهذه الجريمة ألقتني في هاوية من التردد".
"أنت تعلم" ،رد السيد تاباريه العجوز بلطNNف" ،أنNNني أعتNNبرك ابNNني الNNروحي .ال تNNتردد في السNNماح لي
بخدمتك".
"إذن" ،بدأ المحامي" ،لكن ليس هنا :يجب أال يتم االستماع إلى ما أريد قوله .لنذهب إلى مكتبي".
الفصل 4
عندما جلس نويل وتاباريه العجوز مواجهين لبعضهما البعض في مكتب نويل وتم إغالق الباب بعناية،
شعر العجوز بالقلق وقال" :ماذا لو احتاجت والدتك لشيء ما؟"
"إذا رنت مدام جيردي "،أجاب الشاب بجفاف" ،سيعتني بها الخادم".
أذهل هذا الالمباالة واالزدراء البارد تاباريه العجوز ،حيث اعتاد على العالقات المودة الموجودة دائًم ا
بين األم وابنها.
"من أجل السماء ،نويل" ،قال" ،أهدئ نفسك .ال تدع نفسك تنهار بسبب شعور الت .Irritationلديك،
أرى ،بعض الضغينة الصغيرة ضد والدتك ،التي ستنساها غًدا .ال تتحدث عنها بهذا النبرة المتجمدة؛
ولكن أخبرني ماذا تعني عندما تسميها مدام جيردي؟"
"ماذا أعني؟" أجاب المحامي بنبرة خافتة" ،ماذا أعني؟"
ثم نهض من كرسيه المريح وأخذ عدة خطوات حول الغرفة ،وعاد إلى مكانه بالقرب من العجوز وقال:
-
"ألنها ،يا موسيو تاباريه ،مدام جيردي ليست والدتي!"
سقطت هذه الجملة مثل ضربة ثقيلة على رأس المحقق الهاوي.
"آه!" قال بالنبرة التي يتبناها المرء عند رفض اقتراح غير معقول" ،هل تعرف حًقا ما تقوله ،نويل؟
هل يمكن تصديقه؟ هل هو محتمل؟"
"إنه غير محتمل "،أجاب نويل بتأكيد غريب كان معتاًدا عليه" :إنه ال يصدق ،إذا أردت؛ ولكنه حقيقي.
هذا يعني أنه منذ ثالث وثالثين سنة ،منذ والدتي ،لعبت هذه المرأة مسرحية رائعة وغير الئقة لتعزيز
وتثري ابنها -ألن لديها ابن -على حسابي!"
"صديقي" ،بدأ السيد تاباريه العجوز ،الذي في الخلفية من المشهد الذي تحدث عنه هذا الكشف المذهل،
رأى مرة أخرى شبح األرملة لو روج المقتولة .ولكن نويل لم يسمع ،ويبدو أنه لم يكن في حالة جيدة
لالستماع .فالشاب ،الذي كان عادة بارًدا ومتحكًم ا في نفسه ،لم يعد قادًر ا على السيطرة على غضبه .في
اللحظة التي سمع فيها صوته الخاص ،أصبح أكثر حيوية ،تماًم ا كما يحدث مع الحصان الجيد عند
سماعه أصوات الركاب.
"هل كان أي رجل" ،واصNNل "أكNNثر تميNNيًز ا ،وأكNNثر خNNداًعا ،ممNNا كنت عليNNه! أنNNا الNNذي كنت أحب هNNذه
المرأة ،ولم أعرف كيف أظهر محبتي لها ،وكنت قد ضحيت بشبابي من أجلها! كيف يجب أن تكNNون قNNد
ضحكت علي! لقد بدأت نذالتها منذ لحظة أخذها لي على ركبتيهNNا ألول مNNرة؛ وحNNتى هNNذه األيNNام القليلNNة
الماضNNية ،أبقت على دورهNNا اللعين بNNدون تNNردد .كNNان حبهNNا لي ليس سNNوى نفNNاق! ووالئهNNا كNNان كNNذًبا!
وعناقاتها ،كذًبا! وأنا كنت أعشقها! يا ليتني أستطيع أن أسترد كل العناق الذي قدمته لها مقابNNل تقبيالتهNNا
الخائنNNة! ولمNNاذا كNNان كNNل هNNذا البطولNNة في الخNNداع ،والحNNذر ،والخNNداع؟ ليخونNNني بشNNكل أكNNثر أماًن ا،
وليسNNرقني ،ويسNNلبني ،ويلقي بكNNل مNNا ينتمي لي بشNNكل شNNرعي على طفلهNNا اللعين؛ اسNNمي ،اسNNم نبيNNل،
ثروتي ،ورثة أميرية!"
"نحن نقترب من الحقيقة!" ،فكر السيد تاباريه العجوز ،الذي كان يتالشى سريًعا في زميل إم .جيفرول؛
ثم قال بصوت عاٍل " ،هذا أمر خطير جًدا ،كل ما قلتNه ،عزيNزي نويNل ،خطNير جًNدا .يجب أن نعتقNد أن
السيدة جيردي لديها مقدار من الجرأة والقNNدرة الNNتي ال يمكن العثNNور عليهNNا بسNNهولة في امNNرأة .يجب أن
يكون لها مساعدون ،مستشارون ،ربما تم إجبارها .من هم شركاؤها؟ لم تستطع إدارة كل هذا بمفردهNNا؛
ربما زوجها نفسه".
"زوجها!" تدخل المحامي ،مع ضحكة" .أها! لقد صدقت أنها أرملةُ .طرد ذلك! إنها لم تكن لديها أبًدا
زوج ،السيد جيردي المتوفي لم يكن موجوًدا .كنت طفاًل ال شرعية ،عزيزي سيد تاباريه ،نويل ،ابن
فتاة جيردي وأب ال يعرفها!"
"أها!" صاح العجوز" ،فهذا هو السبب في إلغاء زواجك من مداموازيل ليفرنوا قبل أربع سنوات؟"
"نعم ،يا صديقي ،هذا هو السبب .وما هي المصائب التي كNNان يمكن تفاديهNNا من خالل هNNذا الNNزواج مNNع
فتاة شابة أحببتها! ومع ذلك ،لم أشتِك منها الNتي كنت أسNميها والNدتي آنNذاك .بكت ،إتهمت نفسNها ،بNدت
جاهزة للموت من الحزن :وأنNNا ،األحمNNق! تعزيتهNNا بأفضNNل مNNا يمكنNNني ،جففت دموعهNNا ،وأعNذرتها في
عينيها .ال ،لم يكن لديها زوج .هل يوجد لدى هذه النساء أزواج؟ كانت عشNNيقة والNNدي؛ وفي اليNNوم الNNذي
كان فيه قد تسلق منها ،أخذ قبعته ورمى عليها ثالثمائة ألف فرنك ،ثمن المتع التي قدمتها له".
ربما كان نويل سيسNNتمر في الكالم لفNترة أطNNول ليسNNكب غضNNبه الغاضNNب؛ لكن السNNيد تاباريNNه العجNNوز
أوقفه .شعر العجوز بأنه على وشك التعرف على قصة مشابهة تماًم ا لتلNNك الNNتي تخيلهNNا ،وكNNادت شNNوقه
لمعرفة ما إذا كان قد حزر بشكل صحيح ،يجعله ينسى تعبير أي تعاطف لمصائب صديقه.
"يا فتى الحبيب" ،قال" ،ال تنحرف عن الموضوع .أنت تطلب مني النصيحة ،وربما أنا أفضل مستشNار
يمكن أن تختاره .لذلك ،تعال إلى النقطة .كيف تعرفت على هذا؟ هل لديك أي دليل؟ وأين هم؟"
يجب أن يكون النبرة الحاسمة التي تحدث بها العجوز قد أيقظت إنتباه نويل؛ لكنه لم يالحظ ذلNNك .لم يكن
لديه وقت للتفكير .لذلك أجاب:
"لقد عرفت الحقيقة منذ ثالثة أسابيع .لقد اكتشفت ذلك بالصدفة .لدي دالئل أخالقية مهمNNة ،لكنهNNا مجNNرد
أدلة افتراضية .كلمة واحدة من األرملة لوروج ،كلمة واحدة فقط ،كانت كفيلة بإثباتها .لكنها لم تعد قادرة
على نطق هذه الكلمة ،حيث أنهم قتلوها؛ لكنها قالتها لي .اآلن ،ستنكر مدام جيردي الكل .أعرفها؛ حNNتى
لو كانت تحت الحاجز ،ستنكرها .والNNدى بال شNNك سNNيتحول ضNNدي .أنNNا متأكNNد ،ولNNدي دالئNNل؛ لكن هNNذه
الجريمة تجعل من وجود دالئلي عبًثا ،وتجعل من ثقتي مجرد تباٍه!"
"اشرح لي كل شيء" ،قال السيد تاباريNه العجNوز بعNد فNترة من الصNمت" ،كNل شNيء ،تفهم .في بعض
األحيان ،يمكن لنا الُّنصح بشكل جيد .سنقرر ماذا يجب فعله بعد ذلك".
“قبNNل ثالثNNة أسNNابيع” ،بNNدأ نويNNل“ ،وأنNNا أبحث عن بعض الوثNNائق القديمNNة ،فتحت مكتب مNNدام جNNيردي.
بالصدفة ،قمت بإزاحة أحد األرفNف الصNغيرة :تسNاقطت بعض األوراق ،وسNقطت حزمNة من الرسNائل
أمام عيNNني .دفعNNني نNNوع من االنNNدفاع الميكNNانيكي ،الNNذي ال يمكنNNني تفسNNيره ،لفNك الحزمNNة ،وبNNدافع من
الفضول الذي ال يقاوم ،قرأت الرسالة األولى التي وقعت يدي عليها”.
“لقد فعلت خطأ” ،الحظ السيد تاباريه.
“ليكن كذلك؛ على أي حال ،قرأت .بعد عشرة أسطر ،كنت مقتنعًا بNNأن هNNذه الرسNNائل من والNNدي ،الNNذي
كانت مدام جيردي ،رغم صلواتي ،تخفي دائمًا اسNمه عNني .يمكنNك فهم إهNتزازي العNاطفي .قمت بأخNذ
الحزمة ،واغلقت نفسي في هذه الغرفة ،وإلتهمت المراسالت من البداية حتى النهاية”.
“وقد عوقبت بقسوة ،يا فتى يا مسكين!”
“صحيح ،ولكن من يمكنه في موقفي أن يقاوم؟ هذه الرسائل سببت لي ألمًNا كبNNيرًا ،ولكنهNNا تNNوفر الNNدليل
على ما قلته لك للتو".
“لقد حافظت على هذه الرسائل على األقل؟”
“لديها هنا ،السيد تاباريه” ،أجاب نويل“ ،وحتى تفهم الحالة التي طلبت فيها نصيحتك ،سأقرأها لك”.
فتح المحامي درًج ا من مكتبه ،وضغط على زر غير مرئي ،ومن مكان سري موجود في الرف العلNNوي
السميك ،إستخرج حزمة من الرسائل“ .تفهم ،يا صديقي” ،استأنف المحامي“ ،أنني سأوفر عليك جميNNع
التفاصيل التافهة التي ،على أي حال ،تضيف وزنها الخاص إلى الباقي .سأتعامل فقط مع الحقائق األكثر
أهمية ،التي تتعلق مباشرة بالقضية”.
استقر السيد تاباريه العجوز في كرسيه ،مشتعًال بالفضول؛ حيث كانت وجهه وعيناه تعبران عن االنتباه
الشديد .بعد اختيار استغرق بعض الوقت ،فتح المحNNامي رسNNالة ،وبNNدأ في القNNراءة بصNNوت يرتجNNف في
بعض األحيان ،على الرغم من محاوالته لجعله هادًئا.
“‘محبتي العزيزة فاليري-’،
"أقل مما أشعر بNه في هNذه اللحظNة .خمسNة عشNر يوًم ا من العNذاب الNذهني المسNبق يسNتنزف مشNاعر
اإلنسان .أجبت على السؤال الذي رأيتNNه على شNNفتيه' .سNNيدي' ،قلت 'أنت ال تعرفNNني ،ولكن هNNذا ليس ذو
أهمية كبيرة .جئت إليك ،مكلًفا بمهمة خطيرة جًدا ،حزينة جًدا ،تمس شرف االسم الذي تحمله' .بال شك،
لم يصدقني ،ألنه بلهجة وقحة ،سألني 'هل ستكون طوياًل ؟' أجبت ببساطة 'نعم'".
"من فضلك" ،قاطع تاباريه العجوز ،اآلن أصبح متحمًسا جًدا" ،ال تغفل أي تفصيلة؛ ربمNNا تكNNون مهمNNة
جًدا ،تفهم ذلك".
"ظهر الفيكونت" ،واصل نويل" ،غاضًبا جًدا' .الحقيقة' ،شرح' ،لقد قمت بترتيب وقتي بالفعل .هNNذه هي
الساعة التي أزور فيها السيدة الشابة التي أنا مخطوب لها ،مNNداموازيل دارالنج .هNNل يمكننNNا تأجيNNل هNNذه
المحادثة؟'"
"أجبت الفيكونت ،أن التفسير ال يمكن أن يكNون مNؤجًال ،وكمNا رأيتNه يسNتعد إلرسNالي ،اسNتخرجت من
جيبي المراسالت الخاصة بالكونت ،وقدمت إحدى الرسائل لNه .بمجNرد أن عNرف خNط الكتابNة الخNاص
بوالده ،أصبح أكثر تسامًح ا ،وأعلن نفسه في خدمتي ،وطلب اإلذن بكتابة كلمNNة اعتNNذار إلى السNNيدة الNNتي
كان متوقًعا منه زيارتها .بعد أن كتب الرسالة بسرعة ،سلمها إلى خادمNNه ،وأمNNره أن يرسNNل على الفNNور
إلى السيدة دارالنج .ثم طلب مني العبور إلى الغرفة التالية ،والتي كانت مكتبته".
"كلمة واحدة" ،قاطع العجوز" ،هل كان مضطرًبا عند رؤية الرسائل؟"
"ال بأس به على اإلطالق .بعد إغالق الباب بعناية ،أشار إلى كرسي وجلس ،وقNNال 'اآلن ،يNNرجى شNNرح
نفسك' .كان لدي الوقت للتحضير لهذه المقابلة بينما كنتظر في الغرفة األمامية .قNNررت الNNذهاب مباشNNرة
إلى النقطة' .سNNيدي' ،قلت 'مهمNNتي مؤلمNNة .الحقNNائق الNNتي أنNNا على وشNNك الكشNNف عنهNNا ليسNNت معقولNNة.
أرجوك ،ال تجيبني حNNتى تقNرأ الرسNNائل الNNتي لNNدي هنNNا .أتوسNNل إليNNك ،قبNNل كNNل شNNيء ،أن تحافNNظ على
هدوئك' .نظر إلي بتعجب شديد وأجاب 'تحدث! يمكنني أن أسمع الكNNل' .وقفت وقلت 'سNNيدي ،يجب علي
إخبارك أنك لست االبن الشرعي للسيد دو كوماران ،كمNNا سNNتثبت لNNك هNNذه المراسNNالت .االبن الشNNرعي
موجNNود ،وهNNو من يرسNNلني' .وبينمNNا أتحNNدث ،نظNNرت إلى عينيNNه ورأيت توهًج ا مؤقًت ا من الغضNNب.
للحظات ،اعتقدت أنه على وشك االنقضاض على حلقي .لكنNه تعNافى سNريًعا' .الرسNائل' ،قNNال بصNNوت
قصير .وسلمتها إليه".
"كيف!" صرخ العجوز تاباريه" ،هذه الرسائل -الحقيقية؟ كيف هذا االستخفاف!"
"ولماذا؟"
"لو كان -ال أعرف ،ولكن "-تردد العجوز.
وضع المحامي يده على كتف صديقه" .كنت هناك" ،قال بصوت هامس" .وأعدك بNNأن الرسNNائل لم تكن
في خطر".
تحولت مالمح نول إلى تعبير من الشراسة بحيث كاد العجوز يخاف ،وانتقل إلى الخلف بشكل غريNNزي.
"كان سيقتله" ،فكر العجوز.
"ما فعلته لك هذا المساء ،يا صديقي" ،استؤنف المحامي" ،لقد فعلته للفيكونت .لقد سNNهلت المهمNNة ،على
األقل في الوقت الحاضر ،بعدم قراءة كل هذه الرسائل المئة وستة وخمسين .قلت له أن يتوقف فقط عنNNد
تلك التي تحمل صليًبا ،وأن يقرأ بعناية الممرات المشار إليها بقلم أحمر".
"لقد كان تقليًص ا لعقوبته" ،الحظ العجوز.
"كان جالًسا" ،استمر نول" ،أمام طاولة صغيرة ،هشة حتى ال يمكن االستناد عليها .كنت أقNNف بظهNNري
إلى الموقد الذي كان يشتعل فيه النار .رصدت حركاته الخفيفة بعناية ،وفحصNNت مالمحNNه عن قNNرب .لم
أَر مثل هذا المشهد الحزين في حياتي ،ولن أنساه إذا عشت ألNNف عNNام .في أقNNل من خمس دقNNائق ،تغNNير
وجهه إلى حد كبير بحيث لن يعرفه حتى خادمه الشخصي .كان يحمل مندياًل في يده ،وكان يمسح شفتيه
ميكانيكًيا من وقت آلخر .أصبح شاحًبا وأشاحب ،وأصبحت شفتاه بيضاء كمنديله .وقفت قطNNرات كبNNيرة
من العرق على جبينه ،وأصبحت عيناه باهتتين ومغيمتين ،كما لو أن فيلًم ا غطى عينيNNه .لم يخNNرج منNNه
أي صرخة أو تنهيدة أو زفير أو حركة ،ولم ينطق بأي كلمة .في لحظة واحدة ،شعرت بالشفقة لNNه حNNتى
كادت أن أنتزع الرسائل من يديه ،وألقيها في النNار ،وأحملNه في ذراعي ،وأصNNرخ' :ال ،أنت أخي! انَس
كل شيء؛ دعنا نبقى كما نحن ونحب بعضنا البعض!'"
أخذ العجوز يد نول وضغط عليها" .آه!" ،قال" ،أعرف صبي الكريم".
"إذا لم أفعل ذلك ،يا صديقي ،فهNNذا ألنNNني فكNNرت في نفسNNي' ،بمجNNرد أن يتم تNNدمير هNNذه الرسNNائل ،هNNل
سيتعرف علي كأخ له؟'"
"آه ،صحيح جًدا".
"بعد حوالي نصف ساعة ،انتهى من القNNراءة .وقNNف ووجNNه نحNNوي مباشNNرة ،وقNNال' :أنت على حNNق ،يNNا
سيدي .إذا كانت هذه الرسائل مكتوبة حًقا من قبل والدي ،كما أعتقد ،فإنها تثبت بوضوح أنني لسNNت ابن
الكونتيسة دي كوماران '.لم أجب' .وفي الوقت نفسه' ،واصل' ،هذه فرضيات فقط .هل لديك دليل آخNNر؟'
كنت أتوقع الكثNير من االعتراضNNات األخNرى' .جيرمNان' ،قلت' ،يمكنNه الحNديث '.أخNبرني أن جيرمNان
توفي منذ عدة سنوات .ثم تحدثت عن الممرضة ،األرملNNة لNNوروج -شNNرحت كيNNف يمكن العثNNور عليهNNا
واستجوابها ،مضيًفا أنها تعيش في ال جونشير".
"وماذا قال لك بعد ذلك ،نول؟" ،سأل العجوز بقلق.
ظل صامًتا في البداية وبدا يفكر .فجأة ،ضرب جبينه وقال' :أتNNذكر ،أعرفهNNا .رافقت والNNدي إلى منزلهNNا
ثالث مرات ،وفي وجودي أعطاها مبلًغ ا كبيًر ا من المال '.الحظت لNNه أن هNNذا كNNان دليال آخNNر .لم يNNرد،
لكنه تجول في الغرفة .في النهاية ،تحول نحوي قائًال' :سيدي ،أتعرف على ابن الكNNونت دي كومNNاران؟'
أجبت' :أنا هو '.أخذ ينحني رأسه ويتمتم' :ظننت ذلك '.ثم أخذ يمسك بيدي وأضاف' :أخي ،لسNNت أحمNNل
لك أي شكوى"'.
"يبدو لي" ،الحظ العجوز" ،أنه كان يمكنه ترك ذلك لك لتقوله ،وبمزيد من العدل والمنطق".
"ال ،يا صديقي ،ألنه مظلوم أكثر مني .لم يتم تخفيضي ،ألنني لم أكن أعرف ،بينما هو!""
أومأ العميل القديم برأسه ،وكان يضطر إلخفاء أفكاره التي كانت تخنقه.
"عاد نويل بعد فترة من الصمت وقال" :في النهاية ،سألته عما يعتزم القيام به" .اسNNتمع "،قNNال" ،أتوقNNع
وصول والدي في حوالي ثمانية إلى عشرة أيام .ستسمح لي بهNNذا التNNأخير .بمجNNرد عودتNNه ،سأشNNرح لNNه
األمر ،وستتم العدالة .أعطيك كلمتي الشرف .خذ رسائلك واتركني وحدي .هذا الخبر صدمني تمامًا .في
لحظة أفقد كل شيء :اسمًا عظيمًا حملته دائمًا بكرامة ،وموقًعا رائًع ا ،وثNروة هائلNة ،وربمNا أهم شNيء،
المرأة التي تعني لي أكثر من الحياة .وفي المقابل ،سأجد أًم ا .سNNنعوض بعضNNنا البعض .وسNNأحاول ،يNNا
سيدي ،أن أجعلها تنساك ،ألنها يجب أن تحبك ،وستشتاق إليك".
"منافق!" تذمر الرجل العجوز بين أسنانه" .ماذا قلت؟" سأل نويل.
"لم أريه الرسالة المشNNيرة إلى االنفصNNال "،أضNNاف نويNNل" ،من األفضNNل أال يعNNرف عن سNNلوك السNNيدة
جيردي .تحرمت بشكل طوعي من هذا الدليل ،بدًال من إلحاق المزيد من األلم به".
"واآلن؟"
"ماذا يجب أن أفعل؟ أنتظر عودة الكونت .سأتصرف بحرية أكبر بعد سماع ما لديه ليقوله .غدًا سأطلب
اإلذن لفحص أوراق كلNNودين .إذا وجNNدت الرسNNائل ،فأنNNا محفNNوظ ،وإذا لم أجNNدها ،لكن كمNNا قلت لNNك ،لم
أصمم على أي خطة منذ سماعي باالغتيال .اآلن ،ماذا تنصح؟"
"النصيحة القصيرة تتطلب تأماًل طويًال "،أجاب الرجل العجوز الذي كان مستعجًال للرحيNNل" .يNNا إلهي،
يا فتى الشقاء ،كم كنت مهموًم ا!"
"رهيب! وباإلضافة إلى ذلك ،لدي مشاكل مالية" ".كيف! أنت الذي ال تنفق شيًئا؟"
"لقد شرعت في اتفاقات مختلفة .هل يمكنني اآلن استخدام ثNNروة السNNيدة جNNيردي الNNتي اسNNتخدمتها حNNتى
اآلن كما لو كانت خاصتي؟ ال أعتقد ذلك".
"بالتأكيد ال ينبغي لك ذلك .ولكن اسمع! أنا سعيد ألنك تحدثت عن هذا .يمكنك أن تقدم لي خدمة".
"لقد قفلُت في خزانتي الخاصة اثني عشر إلى خمسة عشرة ألف فرنك ،مما يزعجNNني كثNNيًرا .تNNرى ،أنNNا
كبير في السن ،ولست شجاًعا جًدا ،إذا سمع أحد أن لدي هذا المال"-
"هراء!" قال الرجل العجوز" ،غدًا سNNأعطيها لNNك لتحتفNNظ بهNNا ".ولكن عنNNدما تNNذكر أنNNه على وشNNك أن
يضع نفسه تحت تصرف م .دابورون ،وأنNNه ربمNNا لن يكNNون حًNNر ا في الغNNد ،أضNNاف بسNNرعة" ،ال ،ليس
غًدا؛ بNNل هNNذا المسNNاء .لن يبقى هNNذا المNNال اللعين ليلNNة أخNNرى في حNNوزتي ".خNNرج بعجلNNة ،وظهNNر بعNNد
لحظات ،محمًال في يده خمسة عشر ألف فرنNNك في أوراق نقديNNة بقيمNNة ألفي فرنNNك للورقNNة" .إذا لم تكن
كافية "،قال وهو يمُّد ها لنويل" ،فيمكنك الحصول على المزيد".
"على أي حال "،أجاب المحامي" ،سأعطيك إيصاًال لهذه" ".آه ،ال تهتم .الوقت كاٍف لذلك غًدا".
"وإذا مت الليلة؟"
"حينها "،قال الرجل العجوز لنفسه وهو يفكر في وصيته" ،سأظل مديًنا لك .تصبح على خير!" أضاف
بصوت عال" ،طلبت مني نصNNيحة ،وسNNأحتاج إلى الليNNل للتفكNNير .في الNNوقت الحNNالي ،دمNNائي تNNدور في
دائرة ،يجب أن أخرج إلى الهواء الطلق .إذا نمت اآلن ،فأنا متأكد أن لدي كابوًسا مريًع ا .تحلى بالصNNبر
والشجاعة يا صديقي .من يدري إذا كان القدر يعمل لصالحك في هذه اللحظة؟"
خرج الرجل ،وترك نويل باب غرفته مفتوًح ا ،في حين استمع إلى صوت خطواته وهو ينزل الNNدرج .لم
يمِض وقت طويل حتى وصله صوت الصراخ" :افتح ،من فضNNلك" ،وصNNوت البNNاب المقبض الNNذي يتم
طرقه.
وانتظر بضع دقائق قبل أن يمأل المزيد من الزيت في مصباحه .ثم أخNNذ ظرًف ا صNNغيًرا من درج مكتبNNه،
وأدخل األوراق النقدية التي قدمها له صديقه القديم في جيبه ،وخرج من غرفته ،وقفل الباب بالمفتاح.
وعندما وصل إلى الطابق السفلي ،توقف للحظات ،وصمت لكNNأن صNNوت أنين السNNيدة جNNيردي يمكن أن
يصل إليه حيث يقف .لكنه لم يسمع شيًئا ،ونزل الدرج بخطى خفيفة .وبعد دقيقة ،كان في الشارع.
الفصل 5
كان بيت السيدة جيردي مزودًا بدار للعرباتُ ،تستخدم كمخزن لألشياء القديمة .حيث يتم تراكم األثاث
المكسور واألدوات التي فقدت قيمتها ،واألشياء التي أصبحت غير مجدية أو ثقيلة .كما كان يستخدم
لتخزين الحطب والفحم لالستخدام في الشتاء .وكانت هناك باب صغير يفتح على الشارع كان في حالة
عدم االستخدام لعدة سنوات ،لكن نويل قام بإصالحه سرًا ووضع قفل عليه ،حتى يتمكن من الخروج أو
الدخول في أي وقت دون أن يعلم به الحارس أو أي شخص آخر .وكان من خالل هذا الباب الذي خرج
الدعوى ،لكن لم يفعل ذلك إال بأقصى حذر في فتحه وإغالقه .وبمجرد خروجه إلى الشارع ،توقف
للحظات كما لو كان يتردد في أي اتجاه يجب عليه الذهاب .ثم توجه ببطء في اتجاه محطة السكة الحديد
سانت الزار ،وعندما مرت سيارة أجرة ،أوقفها" .شارع فوبورغ مونتمارت ،في زاوية شارع
بروفانس "،قال نويل ،داخل السيارة" ،وقود بسرعة".
ونزل الداعوى في المكان المحدد ،وأرسل السائق .وعندما رأى السائق يغادر ،دخل نويل إلى شارع
بروفانس ،وبعد المشي لبضعة أمتار ،طرق جرس أحد البيوت الفخمة في الشارع .وفور فتح الباب ،قام
الحارس بإجراء تحية محترمة ولكنها تحمل بعض االستغراب ،وهذه التحية التي يحتفظ بها حراس
المباني في باريس ألصحابها المفضلين ،وهم األشخاص الذين يتمتعون بالكرم والجاهزية للمساعدة.
وعندما وصل إلى الطابق الثاني ،توقف الدعوى ،وأخرج مفتاًح ا من جيبه ،وفتح الباب الموجود أمامه،
ودخل كأنه في منزله .ولكن عندما سمع صوت المفتاح في القفل ،ركضت خادمة السيدة التي كانت
شابة وجميلة نوحا نحوه.
"أهًال بك ،يا سيدي" ،صاحت.
لم يبدو نويل يالحظ ذلك ،وقال" :هل السيدة هنا؟"
"نعم ،سيدي ،وغاضبة جًدا .صباح اليوم أرادت إرسال شخص إليك .وقبل قليل تحدثت عن الذهابها
للبحث عنك بنفسها ،ولكنني واجهت صعوبة كبيرة في إقناعها بعدم عدم تعّد ي أوامرك".
"حسًنا" ،قال الداعوى.
"السيدة في غرفة التدخين "،واصلت الخادمة" ،أنا أعد لها فنجان شاي .هل تريد واحًدا ،سيدي؟"
"نعم" ،أجاب نويل" ،أريد منك تشغيل الضوء ،شارلوت".
ومر نويل عبر غرفة الطعام الفخمة وصالة الرسم الرائعة بطراز لويس الرابع عشر ،ودخل غرفة
التدخين .وكانت هذه الغرفة كبيرة نسبًيا ،ولها سقف عاٍل جًدا .ومن الداخل ،يمكن للشخص أن يشعر
تماًم ا كأنه في بيت ماندرين غني في اإلمبراطورية الصينية .فقد تم استيراد األثاث والسجاد والستائر
والصور من هونج كونج أو شنغهاي بشكل واضح .وكان هناك حائط من الحرير الفاخر يصور
شخصيات ملونة ببراعة ،ويخفي األبواب عن الرؤية .وكانت جميع إمبراطوريات الشمس والقمر
مصورة عليه في مناظر زاهية باللون األحمر :ماندرينات بدينين يحيط بهم حملة المصابيح ،ورجال
مثقفون ينامون تحت الشمسيات بينما يستنشقون األفيون ،وفتيات صغيرات بحاجبين مرتفعين يتعثرن
بأقدامهن الملفوفة بالشاش ،وغيرها الكثير .وكان السجاد ،الذي ُصنع بتقنية غير معروفة لدى
األوروبيينُ ،م رصع بالفواكه والزهور ،بحيث يمكن أن يخدع النحل .وكان الجدران واألركان مكتظة
بأثاث طريف وغير متناسق ،مثل الطاوالت ذات األسطح المصنوعة من البورسلين وخزائن األخشاب
الثمينة .وكانت هناك أيًض ا خزائن زخرفية ورفوف تم شراؤها من لين تسي ،تاهان سو تشيو ،المدينة
الفنية ،وألف غرض نادر وثمين ،بدًء ا من العصي المصنوعة من العاج التي تستخدم بدًال من الشوك،
إلى فناجين الشاي المصنوعة من البورسلين ،التي كانت أرق من فقاعات الصابون ،وتحف من عصر
كين لونغ .وكان هناك ديوان كبير جًدا.
عندما دخل نويل ،كانت امرأة شابة ال تزال مستلقية على الكنبة ،تدخن سيجارة .على الرغم من حرارة
المناطق االستوائية ،كانت ملفوفة بشاالت كشمير ثقيلة .كانت صغيرة الحجم ،ولكن فقط النساء
الصغيرات يمكنهن أن يجمعن في أشخاصهن كل الكمال .والنساء اللواتي يتجاوز طولهن المتوسط يجب
أن يكونن إما محاوالت أو أخطاء في الطبيعة .وبغض النظر عن مدى جمالهن ،فإنهن يعرضن دائًم ا
بعض العيوب ،مثل عمل النحات ،الذي على الرغم من وجود عبقريته ،يحاول للمرة األولى نحًتا على
نطاق واسع .كانت صغيرة الحجم ،ولكن عنقها وكتفيها وذراعيها كانت لها االنحناءات األكثر روعة.
كانت يديها ،بأصابعها المدببة وأظافرها الوردية ،تبدو وكأنها مجوهرات تحافظ عليها بعناية .كانت
قدميها المغطاة بجوارب حريرية رقيقة تقريًبا كشبكة العنكبوت ،عجائب؛ وليس ألنها أعادت إلى الذهن
القدم األسطورية التي وضعت سندريال في الحذاء الزجاجي ،ولكن األخرى ،الحقيقية جًدا ،الشهيرة جًدا
والملموسة جًدا ،التي كانت تقدمها صاحبتها الجميلة (زوجة مصرفي مشهور) كنموذج إما من البرونز
أو الرخام لعدد كبير من المعجبين بها .لم تكن مالمح وجهها جميلة ،وال حتى جذابة؛ ولكن كانت
مالمحها تلك التي ال ينساها اإلنسان بسهولة؛ ألنها ،في النظرة األولى ،تذهل المشاهد مثل البرق .كانت
جبينها مرتفًعا قليًال ،وكان فمها كبيًر ا بشكل ال يخفى ،على الرغم من االنتعاش المزعج لشفتيها .كانت
حواجبها مثالية لدرجة أنها تبدو وكأنها رسمت بحبر الهند ،ولكن لألسف استخدم القلم بشكل ثقيل ،مما
أعطاها تعبيًر ا غير لطيف عندما تعبس .من ناحية أخرى ،كان بشرتها الناعمة نضرة ذهبية ثرية،
وكانت عيناها السوداوان الناعمتان والمخمليتان تمتلكقوة مغناطيسية هائلة .كانت أسنانها المعة ببريق
لؤلؤي وبياض ،وكان شعرها الكثيف واألسود والالمع كجناح غراب.
عندما شاهدت نويل وهو يدفع الستائر الحريرية على جانبيه ،ارتفعت االمرأة نصف الجسد واستندت
على كوعها ،وقالت" :لقد جئت أخيرًا؟" بصوت يعبر عن اإلزعاج" ،أنت لطيف جدًا".
شعر المحامي باالختناق تقريبًا بسبب درجة حرارة الغرفNNة المرتفعNNة الضNNاغطة" .كم هNNو دافئ!" قNNال،
"إنه يكفي ليخنق المرء!" "أال تشعر بذلك؟" ردت الشابة" .حسًNنا ،أنNNا في الواقNNع أرتجNNف! ومNNع ذلNNك،
يصعب علّي االنتظار ،فهو يؤثر على أعصابي .ولقد كنت أنتظركم منذ يوم أمس" ".كان من المسNNتحيل
بالفعNNل بالنسNNبة لي أن أأتي" ،أوضNNح نويNNل" ،من المسNNتحيل بالفعNNل!" "علمت ،ومNNع ذلNNك" ،اسNNتمرت
السيدة" ،أن اليوم هو يوم تسوية حساباتي؛ وأن علّي تسوية عدة حسابات ثقيلة .جNNاء جميNNع التجNNار ،ولم
يكن لدي نصف بني ألعطيهم .أرسل صانع العربات فاتورته ،ولكن لم يكن هناك أي مال .ثم ظهر ذلNNك
اللص العجوز كليرجو ،الذي قدمت له كفالة بقيمة ثالثة آالف فرنك ،وأثار ضجة فظيعة .كل هNNذا ممتNNع
حًقا!" انحنى نويل كصبي معاقب ألنه تجاهل دروسه" .لم يمض عليه سوى يوم واحNNد" ،همس" .وهNNذا
ليس شNNيًئا أليس كNNذلك؟" ردت الشNNابة" .رجNNل يحNNترم نفسNNه ،يNNا صNNديقي ،قNNد يسNNمح لتوقيعNNه الخNNاص
بالتشريد ،ولكنه لن يسمح بذلك لتوقيNNع عشNNيقته! أتريNNد أن تNNدمر سNNمعتي تماًم ا؟ تعلم جيًNNدا أن االعتبNNار
الوحيد الذي أتلقاه هو ما يدفعه مالي .لذلك ،بمجرد عدم قدرتي على الدفع ،سNNيكون كNNل شNNيء قNNد انتهى
بالنسNبة لي" ".عزيNزتي جولNييت" ،بNدأ المحNامي بلطNف" .أوه ،نعم! هNذا كلNه جميNل جًNدا" ،قاطعتهNا.
"عزيزتك جولييت! عشيقتك المعشوقة! ما دام أنك هنNا ،فهNو جميNل حًق ا ،ولكن ال يوجNد شNيء بمجNرد
خروجك .هل تتذكر أن هناك شخًص ا يدعى جولييت؟" "كيف أنت غير عادلة!" رد نويNNل" .أال تعNNرفين
أنني دائًم ا أفكر فيك؟ ألم أثبت لك ذلNNك ألNNف مNNرة؟ انظNNري هنNNا! سNNأثبت لNNك ذلNNك مNNرة أخNNرى في هNNذه
اللحظة ".أخرجع نويل إلى جيبه وأخرج الحزمNNة الصNNغيرة الNNتي أخNNذها من درج مكتبNNه ،وبعNNد فتحهNNا،
عرض عليها صندوق فيلفيت جميل" .ها هو" ،قال بحماس" ،السوار الذي ترغبين فيه كثيًر ا منذ أسبوع
في بوتيك بوغرو ".أمسكت السيدة جولييت ،دون أن تتحرك ،بتلك الصNNندوق ،وبعNNد فتحهNNا بال اهتمNNام،
نظرت فقط إلى الجوهرة وقالت فقط "آه!" "هل هNNذا هNNو الNNذي تريNNدين؟" سNNأل نويNNل" .نعم ،لكنNNه كNNان
أجمل كثيًر ا في نافذة المتجر ".أغلقت الصNNندوق ورمتNNه على طاولNNة صNNغيرة بجانبهNNا بال اهتمNNام" .أنNNا
محظوظة هذا المساء" ،قال المحامي بخيبة أمل كبيرة" .لماذا؟" "أرى بوضوح أن السوار ال يرضيك".
"أوه ،بل يرضيني .أعتقد أنNNه جميNNل ...باإلضNNافة إلى أنNNه سNNيكمل الNNزوجين ".كNNان اآلن دور نويNNل في
القول "آه!" وبما أن جولييت لم تقل شيًئا ،أضاف" :حسًنا ،إذا كنت راضية ،فأنت ال تظهر ذلك" ".أوه!
فهذا ما تستهدفه!" صاحت السيدة" .أنا لسNNت شNNاكرة بمNNا فيNNه الكفايNNة ليناسNNبك! تجلب لي هديNNة ،ويجب
علي أن أدفع على الفور ،وأمأل المنزل بصيحات الفرح ،وألقي نفسي على ركبتي قدامك ،وأسميك سNNيًدا
عظيًم ا ورائًعا!" لم يتمكن نويل هذه المرة من إخفاء لمحة من الصبر ،التي الحظتهNNا جولNNييت بوضNNوح
كبNNير ،ممNNا أسNNعدتها كثNNيًرا" .هNNل سNNيكون هNNذا كافيNNا؟" اسNNتمرت في القNNول" .هNNل يجب علي اسNNتدعاء
شارلوت ،حتى تعجب بالسوار الفاخر هNNذا ،هNNذا النصNNب الNNذي سNNخرت منNNه؟ هNNل يجب علي اسNNتدعاء
الحارس وأدعو الطباخ ألخبرهم كم أنا سعيدة بأن لدي عشNNيًقا رائًع ا وعظيًم ا؟" حNNرك المحNNامي كتفيNNه
كفيلسوف ال يالحظ تهكم األطفال" .ما هو الفائدة من هذه النكات المهينة؟" قال.
"إذا كان لديك أي شكوى حقيقية ضNNدي ،من األفضNNل أن تقNول ذلNNك ببسNNاطة وجديNNة" ".حسًNنا" ،قNNالت
جولييت" ،لنكن جادين .وبما أن األمر كذلك ،فسأخبرك أنه كان من األفضل نسيان السوار ،وأن تحضر
لي أمًسا أو هذا الصباح الثمانية آالف فرنNNك الNNتي أردتهNNا" ".لم أسNNتطع الحضNNور" ".كNNان يتعين عليNNك
إرسالها؛ فمرسلون ال يزالون موجNودين عنNد زوايNا الشNوارع" ".إذا كنت لم أحضNرها ولم أرسNلها ،يNا
جولييت العزيزة ،فهو ألني لم أكن أملكها .كان لدي مشكلة كافية في الحصول عليها متعهدة بتسليمها لي
غًدا .إذا كان لدي المبلغ هذا المساء ،فهو بفضل فرصة لم أكن أستطيع االعتماد عليها قبل ساعة ،ولكني
استفدت منها على مسؤوليتي الشخصية" ".يا فقير!" قالت جولييت بلمسة ساخرة من الشفقة في صوتها.
"هل تجرؤ على قول أنNNك واجهت صNNعوبة في الحصNNول على عشNNرة آالف فرنNNك ،أنت؟" "نعم ،أنNNا!"
نظرت الشابة إلى عشيقها واندلعت في نوبNNة من الضNNحك" .أنت رائNNع حًق ا عنNNدما تتظNNاهر بأنNNك شNNاب
فقير!" قالت" .أنا لست أتظNاهر" ".هNذا مNا تقولNه يNا حبيNبي .لكنNني أرى مNا تسNتهدفه .هNذا االعNتراف
اللطيف هو المقدمة ،وغًدا سوف تعلن أن أمورك معقدة للغاية ،وبعد غد ...أنت تصNNبح بخياًل جًNNدا .إنهNNا
فضيلة لم تكن تمتلكها من قبل .أال تندم بالفعل على المال الNNذي أعطيتNNني إيNNاه؟" "امNNرأة بائسNNة!" همس
نويل ،مفقًدا صبره بسرعة" .حًقا" ،واصلت السيدة" ،أشفق عليNك كثNيًرا .عاشNق مسNكين! هNل يجب أن
أقوم بجمع تبرعات لك؟ في مكانك ،سألتجأ إلى الخير العام".
لم يستطع نويل تحمل األمر بعد ،على الNNرغم من قNNراره بالبقNاء هادًئ ا" .أتعتقNدين أنهNNا أمNNر مضNNحك؟"
صاح هو" .حسًنا ،دعيني أخبرِك ،جولييت ،إنني مفلس ،ولقد اسNNتنفذت آخNNر مNNواردي! لقNNد تم تقليصNNي
إلى الحيل!" تألقت عينا الشابة .نظرت إلى عشيقها بحنان" .أوه ،لو كان ذلك صحيًح ا ،عزيزي!" قالت.
"لو كنُت أستطيع اإليمان بِك !" أصيب المحامي بجرح في قلبه" .تؤمن بي" ،فكNNر" ،وتسNNعد بهNNذا .إنهNNا
تكرهني ".كان مخطًئا .فكرة أن رجال قد أحبهNNا بمNNا يكفي ليفقNر نفسNNه من أجلهNNا ،دون أن يسNNمح لنفسNNه
باالنتقNNاد ،مألت هNNذه المNNرأة بNNالفرح .شNNعرت بأنهNNا على وشNNك الوقNNوع في حب الرجNNل ،اآلن الفقNNير
والمتذلل ،الذي كانت تحتقره عندما كان غنًيا ومتكبًر ا .ومع ذلك ،تغNNير تعبNNير عينيهNNا فجNNأة" :يNNا لNNه من
أحمق أنا" ،صاحت" ،كنت على وشك اإليمNNان بكNNل ذلNNك ومحاولNNة تعزيتNNك .ال تتظNNاهر بأنNNك من تلNNك
السادة الذين يبثون أموالهم على نطاق واسع .قل هذا لشخص آخر ياصNNديقي! جميNNع الرجNNال في زماننNNا
يحسNNبون مثNNل القرضNNاء .هنNNاك فقNNط بعض األغبيNNاء الNNذين يفقNNرون أنفسNNهم اآلن ،بعض األشNNبال
المتعجرفين ،وأحياًنا رجل عجوز مغرم .حسًنا ،أنت رجNل هNادئ جًNدا ،جNاد جًNدا ،وجNدير بالثقNة جًNدا،
ولكن فوق كل شيء ،أنت رجل قوي جًدا" ".ليس معك على أي حNNال" ،همس نويNNل" .هيNNا ،توقNNف عن
هذه السخافات! أنت تعلم جيًدا ماذا تفعل .بدًال من قلب ،لNNديِك صNNفرين كبNNيرين ،تماًم ا مثNNل هومبNNورغ.
عندما تعجبت بي ،قلت في نفسك' ،سأنفق كل هذا على العاطفة' ،ولقد حافظت على وعدِك .إنها استثمار
مثل أي استثمار آخر ،حيث يتلقى المرء فوائد في شكل متعة .أنت قادر على جميع اإلسراف في العNNالم،
بمقدار أربعة آالف فرنك في الشهر! إذا احتاج األمر إلى فرنك إضافي ،فسNNوف تسNNتعيد قلبNNك وقبعتNNك،
وتذهب بهما إلى أحد منافسّي في المنطقة".
"صحيح" ،أجاب المحامي ببرودة" ،أنا أعرف كيف أحسب ،وهذه المهNNارة مفيNNدة لي جًNNدا .تمكنNNني من
معرفة بالضبط كيف وأين تخلصت من ثروتي" ".إًذ ا ،أنت حًقا تعرف؟" سخرت جولييت.
"وأستطيع أن أخبرك ،سيدتي" ،استمر في الحديث" .في البداية ،لم تكني متطلبة جًدا ،لكن الشهية تزداد
مNNع األكNNل .أردت الرفاهيNNة ،فلNNديِك اآلن ،األثNNاث الفخم ،والNNديكور الكامNNل ،والفسNNاتين المبNNالغ فيهNNا ،لم
أرفض لِك أي شيء .طلبت العربة والحصان ،فقدمتهما لِك .ولم أذكNNر ألNNف شNNيء آخNNر .لم أحسNNب هNNذا
الخزانة الصينية وال العشرات من األساور .إجمالي المبلغ أربعمائة ألف فرنك!"
"هل أنت متأكد؟"
"كما يستطيع الشخص الذي تلقى هذا المبلغ وليس لديه بعد اآلن".
"أربعمائة ألف فرنك ،ما أروع! هل ال يوجد سنتيمات؟"
"ال".
"إًذ ا ،يا صديقي ،إذا قمت بإعداد حسابي ،ستدين لي بشيء ما".
دخلت الخادمNNة بصNNينية الشNNاي وقطعت هNNذا الNNدويتو العNNاطفي ،الNNذي تكNNرر أكNNثر من مNNرة بين نويNNل
وجولييت .صمت المحامي بسبب الخادمة .فعلت جولييت الشيء نفسه بسبب عشيقها ،ألنها ال تخفي عن
شارلوت ،التي كانت معها منذ ثالث سنوات ،شيًئا ،حتى األحباء أحياًنا.
كانت السيدة جولييت شافور باريسية .ولدت حوالي عام 1839في أعلى نهاية فوبورغ مونمNNارت .كNNان
والدها مجهوال .كانت طفولتها تتنوع بين الضرب والعنNNاق على حNNد سNNواء بغض النظNNر عن غضNNبهما.
عاشت كأفضل مNNا تسNNتطيع ،على الحلNNوى والفواكNNه التالفNNة ،حNNتى أن معNNدتها اآلن يمكن أن تتحمNNل أي
شيء .في سن اإلثني عشرة ،كانت هزيلة مثل الظفر ،خضراء مثل التفNNاح في يونيNNو ،وأكNNثر فسNNادا من
سجناء سجن سانت الزار .كان بروذوم يقول أن هذه الطفلة الوقحة المبكرة خالية تماًم ا من األخالق .لم
يكن لديها أدنى فكرة عن المعنى األخالقي ،وكانت تعتقد أن العالم مليء بالنNNاس األمنNNاء الNNذين يعيشNNون
مثل أمها وأصدقائها .لم تخَش هللا وال الشيطان ،ولكنها كانت تخشى الشرطة.
كانت تخشى أيًض ا بعض األشخاص الغامضين والقاسيين الذين سمعت عنهم ،الذين يسكنون بالقرب من
قصر العدل ،والذين يشعرون بمتعة شريرة في مشاهدة الفتيات الجميالت في ورطNNة .وبمNNا أنهNNا لم تعNNد
تعد بالجمال ،فقد كانت على وشك وضعها في متجر ،عندما منحهNNا رجNNل عجNNوز ومحNNترم ،الNNذي كNNان
يعرف أمها منNNذ بعض السNNنوات ،حمايتNNه .هNNذا الرجNNل العجNNوز ،الحكيم والمNNؤدب مثNNل جميNNع الرجNNال
العجائز ،كان متذوًقا وكان يعرف أنه يجب أن يزرع ليحصد.
قرر في البداية أن يمنح حمايته لموهوبته الخفيفة التعليم .حصل لها على معلمين ،الذين علموهNNا الكتابNNة
والعزف على البيانو والرقص خالل أقل من ثالث سنوات .لكنه لم يوفر لها عشيًقا .لذلك ،وجدت لنفسها
عشيًقا ،فناًنا علمها شيًئا جديًدا ،لكنها غادرت عشها بعد ثالثة أشهر ،مع كل مNا تملكNه ملفوًف ا في منNديل
قطني.
خالل األربع سنوات التي تلت ذلك ،عاشت حياة شاقة ،وكان لها أحياًنا األمNNل فقNNط للعيش ،وهNNو األمNNر
الذي ال يتخلى عنه بشكل كامNNل فتNNاة شNNابة تعNNرف أن لNNديها عيNNون جميلNNة .تنNNوعت حياتهNNا بين النجNNاح
والفشل .حظت بNNالثراء مNNرتين ،لكنهNNا لم تحافNNظ عليNNه .مNNع مسNNاعدة العب متجNNول ،ظهNNرت للتNNو على
مسرح صغير ،وتحدثت كلماتها بشكل جيد ،عندما قابلها نويل من الصدفة ،وأحبها وجعلها عشيقته.
لم يزعجها محاميها في البداية .بعد بضعة أشهر ،لم تتحمله .كانت تكرهه على أسلوبه الراقي والمهذب،
ومظهره الرجولي ،وهوائه المميز ،وازدراءه ،الذي لم يكن يخفيه ،لكل مNNا هNNو منخفض وبNNذيء ،وقبNNل
كل شيء بسبب صبره الثابت الذي ال شNNيء يمكن أن يفنيNNه ،كNNانت شNNكواها الكبNNيرة ضNNده هي أنNNه ليس
مضحًك ا على اإلطالق ،وأيًضا أنه يرفض تماًم ا إرشادها إلى تلNNك األمNNاكن الNNتي يمكن فيهNNا لألشNNخاص
التعبير عن روحهم بحرية .بدأت في إضاعة المال للتسلية بنفسها ،وزاد كرهها لعشيقها في نفس الوتيرة
التي زادت فيها طموحاتها وتضحياته .جعلتNNه الرجNNل األكNNثر بؤًس ا وعاملتNNه كNNالكلب ،وليس بسNNبب أي
سوء في طبيعتها ،بل كان ذلك من مبدأ .كانت مقتنعة بأن المرأة تحب بنسNNبة إلى المتNNاعب الNNتي تسNNببها
واألذى الNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNذي تسNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNببه.
لم تكن جولNNييت شNNريرة ،وكNNانت تعتقNNد أن لNNديها الكثNNير للشNNكوى منNNه .كNNان حلم حياتهNNا هNNو أن تحب
بالطريقة التي تشعر بها ،ولكنها كانت تعتبر نفسها لعبة في يد عشاقها .فهمت ذلك ،وكونها كانت فخورة
بطبيعتها ،فقد غضبت الفكرة .حلمت برجل يكون مخلًص ا بما فيه الكفاية ليقدم تضحية حقيقية من أجلها،
عاشق ينحدر إلى مستواها بدًال من محاولة رفعها إلى مستواه .فقدت األمل في اللقاء بمثل هذا الرجل .لم
تؤثر إسراف نويل عليها بأي شكل من األشكال ،وكانت تعتقد أنه غني جًدا ،وعلى الرغم من شNNراهتها،
فإنها لم تهتم كثيًر ا بالمال .كان يمكن لنويل أن يفوز بها بسهولة أكNبر من خالل صNNراحة وحشNية تظهNر
لها وضعه بوضوح .خسر حبها بسبب حساسية تمويهه الذي تركها جاهلة بالتضحيات التي كNNان يقNNدمها
من أجلها.
كان نويل يعشق جولييت .حتى اليوم الذي رآها فيه ،كان يعيش كالحكيم .هذا ،أول عاطفNNة لNNه ،أحرقتNNه،
ومن الكارثة ،أنقذ فقط المظاهر .بقيت الجدران األربعة متماسNNكة ،ولكن داخNNل هNNذا المNNنزل تم تNNدميره.
حتى األبطال لهم نقاط ضعف ،أخيليس قتل بجرح في قدمه .حتى أفضل الدروع المصنوعة بمهNNارة لهNNا
عيب في مكان ما .كان نويل معرًض ا للهجوم من خالل جولييت ،وكان بفضلها عرضة لكل شيء ولكNNل
شخص .في غضون أربع سنوات ،أنفق هذا الشاب النمNNوذجي ،المحNNامي ذو السNNمعة الزكيNNة ،المNNتزمت
األخالقي ،ليس فقط ثروته الخاصة عليها ،بل أيًض ا ثروة السيدة جيردي.
كان يحبها بجنون ،بدون تفكير ،بدون قياس ،وعيناه مغلقتان .بجانبهNNا ،نسNNي كNNل الحNNذر وفكNNر بصNNوت
عاٍل .في غرفة نومها ،تخلى عن قناع التمويه الذي يرتديه عادة ،وعرضت نفسه كما تعرضNNت أطرافNNه
للحمام .شعر بالعجز تجاهها لدرجة أنه لم يحاول أبًدا المكافحة .كانت تمتلكه .في بعض األحيان ،حNNاول
بشدة االعتراض على شهواتها الدمارية ،ولكنها جعلته مطيًعا كالصفصاف .تحت األنظار المظلمة لهNNذه
الفتاة ،تذوب أقوى القرارات الخاصة به أسرع من الثلج تحت شمس أبريل .كانت تعذبه ،لكنها كانت لها
القدرة على جعله ينسى كل شيء بابتسامة أو دمعة أو قبلة .بعيًدا عن المستحيل ،يعNود العقNل في فNNترات
متباعدة ،وفي لحظاته الواعية ،يقول لنفسه:
"إنها ال تحبني .إنها تتسلية على حسابي!" ولكن االعتقNNاد في حبهNNا انطبNNع بشNNدة في قلبNNه لدرجNNة أنNNه لم
يسNNتطع اقتالعNNه .جعNNل نفسNNه وحًش ا من الغNNيرة ،ومن ثم تجNNادل نفسNNه بشNNأن وفائهNNا .في العديNNد من
المناسبات ،كان لديه أسباب قوية للشك في ثباتها ،ولكنNNه لم يكن لديNNه الشNNجاعة إلعالن شNNكوكه" .إذا لم
أكن مخطًئا ،فسوف يتعين علي الرحيل عنهNNا" ،فكNNر في نفسNNه" ،أو أن أقبNNل كNNل شNNيء في المسNNتقبل".
عندما يفكر في االنفصال عن جولييت ،يرتجف ،ويشعر بأن عاطفته قوية بمNNا يكفي إلجبNNاره على تقبNNل
أدنى إهانة .حتى هذه الشكوك المحطمة للقلب ،يفضلها على اليقين األكثر رعًبا.
تواجد الخادمة الذي استغرق وقتا طويال في ترتيب طاولNNة الشNNاي منح نويNNل فرصNNة السNNتعادة توازنNNه.
نظر إلى جولييت؛ وغادر غضبه .بدأ يتساءل بالفعل عما إذا كان قد تعامل بقسوة معها .عنNNدما انسNNحبت
شارلوت ،جاء وجلس على الديوان بجانب عشيقته ،وحاول أن يضع ذراعيه حولها .قال بنNNبرة مداعبNNة:
"تعالي" ،قد غضبت بما فيه الكفايNة هNذا المسNاء .إذا كNان هنNاك خطNأ ،فقNد عNوقبت بمNا يكفي .قبليNني،
واصنعي الصلح".
دفعته بغضب وقالت بنبرة جافة " -اتركيني! مرات عدة يجب أن أخبرك أنني أشNNعر بالراحNNة جNNدا هNNذا
المساء".
"أتعانين ،حبيبتي؟" استأنف المحامي "أين؟ هل أستدعي الطبيب؟"
"ليس هناك حاجة .أعرف طبيعة مرضي؛ يسNNمى الملNNل .أنت لسNNت الطNNبيب الNNذي يمكن أن يفعNNل شNNيئا
بالنسبة لي".
نهض نويل بمظهر محبط وأخذ مكانه بجانب طاولة الشNNاي مواجهNNا لهNNا .أظهNNر استسNNالمه كيNNف اعتNNاد
على هذه الرفض .رفضت جولييت إياه؛ لكنه عاد دائًم ا مثل الكلب المسكين الذي ينتظر طوال اليوم وقًتا
لن تكون فيه مداعباته غير مناسبة .قال "لقد أخبرتني كثيًر ا خالل األشهر القليلة الماضية أنني أزعجNNك.
ماذا فعلت؟"
"ال شيء".
هال ،إذن ،لماذا -؟
“حياتي ليست أكثر من َنْذ هً مستمًر ا” ،أجابت الفتاة الشابة” .هل هذا لذنبي؟ هل تعتقد أنه مسٍل للغاية أن
تكون عشيقتك؟ انظر إلى نفسك .هل يوجد كائن آخر حزين كمNا أنت ،وممNل كمNا أنت ،وغNير مرتNاح
كما أنت ،وآكل لشك أكبر مما أنت عليه!”
“استقبالك لي ،عزيزتي جولييت” ،جرأ نويل “كاٍف إلطفNNاء البهجNNة وتجميNNد كNNل االنفعNNال .ثم يخNNاف
المرء دائًم ا عندما يحب!”
“حقNNا! إذن يجب البحث عن امNNرأة تناسNNب الشNNخص ،أو صNNنعها حسNNب الطلب ؛ أغلقهNNا في القبNNو ،
واصعد بها مرة واحدة في اليوم ،في نهاية العشاء ،أو مع الشامبانيا فقط للتسلية”.
"بالطبع .يجب أن أبقى وحدي هنا ،دون أي شيء لشغل وقتي إال سيجارة وكتاب غبي ،أنا أنام فوقNNه؟
هل تسمي هذا وجوًدا ،دون التحرك من المنزل حتى؟"
"هي حياة جميع النساء المحترمات اللواتي أعرفهن" ،رد المحامي بجفاء.
"إذن ال أستطيع مدحهن على متعتهن .حسًنا ،على الرغم من ذلك ،أنا لست امرأة محترمة ،ويمكنNNني
أن أخبرك أنني متعبة من العيش مغلقة بشكل أوثق من زوجة التركي ،مع وجهك لوحده للتسلية".
"تعيشين مغلقة ،أنت؟"
"بالتأكيد!" واصلت جولييت ،بمرارة متزايدة" .تعال ،هل جلبت أحد أصدقائك هنا؟ ال ،تخفيني .متى
عرضت علي ذراعك للتمشية؟ أبدا ،سNيتلوث كرامتNك ،إذا رأوك في رفقNتي .يوجNد لNدي سNيارة .هNل
دخلتها نصف دوزين مرة؟ ربما .لكن بعد ذلك تنزل الستائر! أخرج وحيدة .أتمشى وحيدة!"
"دائًم ا نفس األغنية المعادة" ،قاطع نويل ،والغضب يسيطر عليه " ،دائًم ا هذه الشكاوى غير المNNبررة.
كما لو أنك ما زلت تتعلمين السبب الذي يجعل هذه الحالة موجودة".
"أعرف جيًدا" ،تابعت الفتاة الشابة " ،أنك تخجل مني .ومع ذلك ،أعرف الكثير من األشخاص األكNNبر
منك ،الذين ال يهتمون بأن يروني مع عشيقاتهم .يرتعد سيدي السمه العظيم جيردي الذي قد ألوثNه ،في
حين أن أبناء أشراف العائالت ليسوا خائفين من إظهار أنفسهم في األماكن العامة في رفقة أغبى النسNNاء
المدلالت".
في النهاية لم يستطع نويل تحملها ألكثر من ذلك ،لسعادة كبيرة لمدام شافور.
"لقد انتهت هذه االتهامات المتبادلة!" صرخ وهو يرتفع" .إذا كنت أخفي عالقاتنا ،فهذا ألنNNني مضNNطر
للقيام بذلك .ما هي شكواك؟ لديك حرية غير مقيدة .وتستخدمينها أيًض ا ،وبشكل كبير لدرجNNة أن أفعالNNك
تهرب مني تماًم ا .تتهمينني بخلق فراغ حولك.
من المالم؟ هل ضجرت من وجود سعيد وهادئ؟ كان أصدقائي سيأتون لزيارتنا في مNNنزل يتناسNNب مNNع
إمكانيات متواضعة .هل يمكنني إحضارهم هنا؟ عند رؤية كل هذه الرفاهيNNة ،وهNNذا العNNرض المغNNرور
من حماقتي ،فسوف يسأل بعضهم البعض عن المكNNان الNNذي حصNNلت فيNNه على كNNل المNNال الNNذي أنفقتNNه
عليِك .قد أكون لدي عشيقة ،لكن ليس لNNدي الحNNق في إهNNدار ثNNروة ال تنتمي لي .إذا علم أصNNدقائي غًNNدا
أنني الذي يعتني بك ،فسوف تتدمر فرصي في المستقبل .أي عميل سيثق بمصNNالحه لإلمعNNة الNNذي أفقNNر
نفسه للمرأة التي كانت موضع حديث كNل بNاريس؟ أنNا لسNت شخًص ا عظيًم ا ،ليس لNدي اسNم تNاريخي
لتشويهه ،وال ثروة هائلة لخسارتها .أنا مجرد نويل جيردي ،محام .سمعتي هي كل مNNا أملNNك .أعNNترف
أنها خاطئة .على الرغم من ذلك ،يجب علي االحتفاظ بها ،وسأحتفظ بها".
جولييت التي كانت تعرف نويل بشكل جيد ،رأت أنها ذهبت بعيًدا بما يكفي .لذلك ،قNNررت إعادتNNه إلى
مزاج جيد مرة أخرى" .صديقي" ،قالت بحنان " ،لم أرد إزعاجك .يجب أن تكون متسامًحا ،أنNNا سNNيئة
الطبع للغاية هذا المساء".
هذا التغيير المفاجئ أسعد المحامي ،وكاد يكفي لتهدئة غضبه" .ستجعليني أجن جنون ًNا بظلمNNك" ،قNNال.
"بينما أستنفد مخيلتي إليجاد ما يمكن أن يرضيك ،أنت تهاجم باستمرار جديتي .ومNNع ذلNNك ،لم يمضNNي
أكثر من ثمان وأربعين ساعة منذ أن غرقنا في كل مرح عيد الكرنفال .احتفلت بعيد الثالثاء الكبNNير مثNNل
الطالب .ذهبنا إلى مسرح .ثم لبست ثوًبا ،ورافقتك إلى حفلة الرقص في األوبرا ،وحNNتى دعNNوت اثNNنين
من أصدقائي لتناول العشاء معنا".
"كان ممتًعا حًقا!" أجابت الفتاة الشابة ،وهي تعمل وجًها ممتقًعا" .أعتقد ذلك".
"أتفعلين! ثم لست صعبة اإلرضاء .ذهبنا إلى فودفيل ،وهذا صNNحيح ،لكن بشNكل منفصNNل ،كمNا نفعNل
دائًم ا ،أنا وحدي في األعلى ،أنت في األسفل .في الحفلة بديِت كما لو أنNNك تNNدفنين الشNNيطان .في مائNNدة
العشاء ،كان أصNNدقاؤك متكNNئين كNNزوج من البNNوم .أطعت أوامNNرك بتظNNاهري بNNأنني ال أعرفNNك تقريًب ا.
شربِت مثل اإلسفنجة ،دون أن أتمكن من معرفة ما إذا كنت سكرانا أم ال".
"هذا يثبت" ،قاطع نويل " ،أنه يجب علينا أال نفرض أذواقنا .دعنا نتحدث عن شيء آخر".
خطا بضع خطوات في الغرفة ،ثم نظر إلى ساعته وقال" :تقريًبا السNNاعة الواحNNدة ؛ حبيبNNتي ،يجب أن
أتركك".
"ماذا! لن تبقى؟"
"ال ،ألسفي الشديد .أمي مريضة بخطورة".
كشف وعّد األوراق النقدية التي تلقاها من الطاباري العجوز على الطاولة.
"يا جولييت الصغيرة" ،قال " ،هنا ليس ثمانية آالف فرنك ،بNNل عشNNرة آالف .لن ترينNNني مNNرة أخNNرى
لبضعة أيام".
"هل تغادر باريس إذن؟"
"ال .لكن وقNNتي بالكامNNل سNNيمتص في شNNأن ذو أهميNNة هائلNNة بالنسNNبة لي .إذا نجحت في مؤسسNNتي ،
عزيزتي ،فإن سعادتنا المستقبلية مؤمنة ،وسترين بعد ذلك ما إذا كنت أحبك!"
"يا حبيبي نويل ،قل لي ما هو عليه" ".ال أستطيع حالًيا".
"أرجوك قل لي" ،توسلت الشابة المعَّلقة على عنقه ،ورفعت نفسها على أصابع قNNدميها لتضNNغط شNNفتيها
على شفتيه .عانقها الدعوة ،وبدا أن عزمه يتزعزع.
"ال" ،قال في النهاية" ،بشكل جدي ،ال أستطيع .ما هو الفائدة من إيقاظ اآلمال فيك التي ال يمكن تحقيقها
أبًدا؟ اآلن ،يا حبيبتي ،اسمعي لي .مهما حدث ،يجب عليك بأي حال من األحوال عدم العودة مرة أخرى
إلى منزلي ،كما فعلت مرة واحدة بتهور .ال تكتبي لي حتى .بعدم االنصياع ،يمكن أن تتسببي في إلحNNاق
ضرر ال يعوض بي .إذا حدث أي حادث ،أرسلي العجNNوز كلNNيرجو إلي .سNNيزورني في اليNNوم الNNذي يلي
غًدا ،ألنه يمتلك بعض الفواتير الخاصة بي".
انتفضت جولييت ،وهددت نويل بإيماءة متمردة" .لن تخبرني شيًئا؟" أصرت.
"ليس هذا المساء ،ولكن قريًبا جًدا" ،أجاب المحامي ،محرًج ا من نظرة عشيقته الحادة.
"دائًم ا بعض الغموض!" صاحت جولييت ،مستفزة من عدم نجاح رقتها.
"هذا سيكون األخير ،أقسم لك!"
"نويل ،يا رجلي الطيب" ،قالت الشابة بصوت جاد" ،أنت تخبئ شيًئا عني .أنNNا أفهمNNك ،كمNNا تعلم؛ ألنNNه
منذ عدة أيام هناك شيء ما يحدث معك ،لقد تغيرت تماًم ا".
"أقسم لك ،جولييت "-
"ال ،ال تقسم بشيء؛ فلن أصدقك .فقط تذكر ،ال تحاول خداعي ،أنا امرأة قادرة على االنتقام".
كان المحامي بوضوح غير مرتاح" .الشأن المذكور" ،تلعثم" ،يمكن أن يفشل بنفس القدر الذي يمكن أن
ينجح".
"كفى" ،قاطعت جولييت؛ "سيتم االمتثال إلرادتك .أنا أعدك بذلك .تعNNال ،سNNيدي ،قّبلNNني .أنNNا ذاهبNNة إلى
الفراش".
لم يكن الباب قد ُأغلق عندما جلست شارلوت على الكنبة بNNالقرب من سNNيدتها .لNNو كNNان المحNNامي يسNNتمع
عند الباب ،لربما سمع مدام جولييت تقول" :ال ،حًقا ،ال أستطيع أن أحملNNه بعNNد اآلن .إنNNه ممNNل جًNNدا ،يNNا
فتاتي .أه! لو لم أكن خائفة منه ،ألتركه على الفور؛ ولكنه قادر على قتلي!"
حNNاولت الفتNNاة دفاًع ا عن نويNNل ،لكن سNNيدتها لم تسNNتمع .همسNNت" :لمNNاذا يغيب عن الحضNNور ،ومNNا هNNو
مخططه؟ غياب لمدة ثمانية أيام مريب .هل ينNNوي الNNزواج بNNأي حNNال من األحNNوال؟ أه ،لNNو علمت! إنNNك
ترهقني حتى الموت ،نويل الطيب ،وقررت أن أتركNNك لنفسNNك في أحNNد هNNذه األيNNام الجميلNNة؛ ولكنNNني ال
أستطيع السماح لك بمغادرتي أوال .فلو افترضنا أنه ينNوي الNزواج؟ ولكنNني لن أسNمح بNذلك .يجب علّي
االستفسار".
ومع ذلك ،لم يكن نويل يستمع عند الباب .سNار في شNارع دو بروفNNونس بأسNرع مNا يمكن ،ووصNNل إلى
شارع سانت الزار ،ودخل المنزل كما خرج ،من باب الحظيرة .لم يكن قد جلس في مكتبه إال للحظات،
عندما طرقت الخادمة الباب.
"سيدي" ،صاحت" ،أجبني باسم هللا!".
فتح الباب بعدما تضايق" :ماذا؟"
"سيدي" ،تلعثمت الفتاة بالبكاء" ،هNNذه هي المNNرة الثالثNNة الNNتي أطNNرق فيهNNا ،ولم تجيب .تعNNال ،أرجNNوك.
أخشى أن تكون السيدة محتضرة!"
تبعها إلى غرفة مدام جيردي .يجب أن يكون وجد الفقيرة تغيًرا فادًح ا ،ألنه لم يتمكن من احتNNواء حركNNة
الرعب .تكافح المريضة بصعوبة تحت غطائها .كNان وجههNا شNاحًبا بشNكل ليفي ،كمNا لNو لم يكن هنNاك
نقطة دم في أوردتها؛ وكانت عيناها ،التي تلمع بضوء مظلم ،مليئة بالغبار الناعم .شعرها ،الNNذي تركتNNه
على خديهاوعلى كتفيها ،مساهم في ظهورها البريء .تنطق بين الحين واآلخر بNNأنين معتNNدل ،أو تتNNذمر
كلمات غير مفهومة .في بعض األحيان ،تجبرهNNا آالم أشNNد من السNNابق على إطالق صNNرخة من األلم .لم
تتعرف على نويل.
"ترى يا سيدي" ،قالت الخادمة.
"نعم ،من كان يتوقع أن يتقNNدم مرضNNها بهNNذه السNNرعة؟ سNNرعة ،اذهب إلى الNNدكتور هNNيرف ،قNNل لNNه أن
يستيقظ ويأتي على الفور ،قل له إنها من أجلي ".وجلس في كرسي مريح ،يواجه المرأة المعانية.
الدكتور هيرف كان أحد أصدقاء نويل ،زميل دراسة قديم ،ورفيق أيام الطالب .لم تختلف حيNNاة الطNNبيب
عن حياة معظم الشباب الذين دخلوا ممارسة المهنة األصNعب واألكNثر خطNورة في بNاريس ،حيث يNرى
الشخص العديد من األطباء الشباب الموهوبين مضطرين لكسب لقمة العيش بتقديم خدماتهم للتجار الذين
يروجون المخدرات .كان هيرف رجًال شجاًعا ومعتمًNدا على نفسNه بشNكل الفت ،وبعNد انتهNاء دراسNته،
قال لنفسه" :ال ،لن أذهب وأدفن نفسي في الريف ،سأبقى في باريس ،سأصNNبح مشNNهوًرا هنNNاك .سNNأكون
جراح رئيسي في مستشفى ،وفارس في ليجيون دونور".
للدخول في هذا المسار الشائك الذي يؤدي إلى قوس االنتصار الرائع ،أدخل األكاديمي المسNNتقبلي نفسNNه
في ديون بقيمة عشرين ألف فرنك لتNأثيث شNقة صNغيرة .هنNا ،ومجهًNز ا بصNNبر ال يعيقNه شNيء ،وقNNرار
حديدي ال يمكن اإلطاحة به ،كافح وانتظر .يفهم هذا العذاب الذي يتحملNNه الفقNNير الفخNNور فقNNط من خالل
تجربته! إن التكنولوجيا المتطورة ظلمت األشNNخاص وعNNاقبتهم بطNNرق أقسNNى من وحشNNية البريNNة .يجب
على الطبيب المجهول البدء بخدمة الفقراء الذين ال يسNNتطيعون دفNNع تكاليفNNه .في بعض األحيNNان ،يكNNون
المريض غير ممتن ،وهو متهور بالوعود أثناء الخطر؛ لكنه عندما يتعNNافى ،يسNNتهزئ بNNالطبيب وينسNNى
دفع أجرته.
بعد سبع سنوات من الثبات البطولي ،حقق هNNيرف أخNNيًرا دائNNرة من المرضNNى الNNذين يNNدفعون لNNه .خالل
ذلك ،عاش ودفع الفائدة المفرطة لديونه ،لكنه يستمر في التقدم .لقد لفت انتباه الجمهNور بثالثNة أو أربعNة
كتيبات ،وجائزة حصل عليها دون الكثير من المؤامرات .لكنNNه لم يعNNد الشNNاب المتحمس الشNNجاع ،الNNذي
كان يملك اإليمان واألمل في زياراته األولى .ال يزال يريد ،وأكثر من ذلك ،الحصول على التميز ،لكنNNه
لم يعد يتوقع أي متعة من نجاحه .استنزف هذا الشعور في األيام التي لم يكن لديه ما يدفع به ثمن وجبته.
ال يهم مدى كبر ثروته في المستقبل ،فقد دفع ثمًنا باهًظا للغاية .بالنسبة لNNه ،النجNNاح المسNNتقبلي هNNو نNNوع
من االنتقNام .عنNدما ال يتجNاوز عمNره الخامسNة والثالثين ،فإنNه ملNل من العNالم وال يNؤمن بشNيء .وراء
مظهر اإلحسان العام ،يخفي االزدراء العام .أصبحت حساسيته ،التي حَّد ها الشNدة ،مؤذيNة .وبينمNا يNرى
من خالل كل األقنعة التي يرتديها اآلخرون ،يخفي تماسكه بعناية تحت قناع النعومة والمرح .لكنه طيب
القلب ،يحب أصدقائه ،ومخلص لهم.
وصل بجهد ،وكان يرتدي مالبسه بسرعة كبيرة .كانت أول كلماته عند دخوله" :ما األمر؟"
ضغط نويل يده بصNNمت ،وكإجابNNة ،أشNNار إلى السNNرير .في أقNNل من دقيقNNة ،أمسNNك الطNNبيب بالمصNNباح،
فحص المرأة المريضة ،وعاد إلى صديقه" .ماذا حدث؟" سأله بحدة" .من الضروري أن أعرف".
صدم المحامي من السؤال" .أعرف ماذا؟" تلعثم.
"كل شيء!" أجاب هيرف" .إنها تعNNاني من التهNNاب في المخ .ال يمكن الخطNNأ بهNNذا .إنهNNا ليسNNت شNNكوى
شائعة ،على الرغم من العمل المستمر لهذا العضو .ما الNNذي يمكن أن يسNNبب ذلNNك؟ ال يوجNNد إصNNابة في
المخ أو غطاء العظم الخاص به ،فاألذى يجب أن يكون ناجًم ا عن بعض العواطف العنيفة ،حزًنا شديًدا،
كارثة مفاجئة"...
قاطعه نويل بإشارة ،وجذبNه إلى فتحNة النافNذة" .نعم ،صNديقي" ،قNال بصNوت منخفض" ،لقNد تعرضNت
السيدة جيردي أللم نفسي شديد ،لقد تعرضت لتعNذيب فظيNع من النNدم .اسNتمع ،هNيرف ،سأكشNف سNرنا
لشرفك وصداقتك .السيدة جيردي ليست والدتي؛ لقد سلبتني لتثري ابنها بNNثروتي واسNNمي .اكتشNNفت هNNذا
الغش الذي ال يستحق منذ ثالثة أسابيع؛ تعرف ذلك ،وترعبهNNا النتNNائج .منNNذ ذلNNك الحين ،كNNانت تحتضNNر
دقيقة بعد دقيقة".
توقNNع المحNNامي أن يتلقى بعض التعجبNNات وعNNدًدا كبNNيًرا من األسNNئلة من صNNديقه ،لكن الطNNبيب اسNNتقبل
التفسير بدون تعليق ،كبيان بسيط ،ضروري لفهم الحالة.
"ثالثة أسابيع" ،همس" ،إًذ ا هذا يفسر كل شيء .هل ظهرت عليها عالمات المعاناة خالل هذه الفترة؟"
"كانت تشكو من صداع عنيف ،وضبابية في الرؤية ،وآالم ال تطاق في أذنيها ،ولكنها أرجعت كNNل ذلNNك
إلى اإلمساك".
"ال تخفي عني شيًئا ،هيرف .هل حالتها خطيرة جًدا؟"
"جًدا خطيرة ،يا صديقي ،ومميتة بشكل ال يتغير ،حتى إني أشعر بNأني أقNNوم بمهمNة ميNؤوس منهNا عنNد
محاولة العالج".
"أيها هللا العظيم!"
"لقد طلبت الحقيقة ،وقد قلت لك .لو كان بإمكاني الشجاعة ،فهذا ألنNNك أخبرتNNني أن هNNذه السNNيدة الفقNNيرة
ليست والدتك .ال شيء قصير من المعجزة يمكن أن ينقذها؛ ولكن هNNذا المعجNNزة يمكن أن نأمNNل ونسNNتعد
له .واآلن للعمل!"
الفصل 6
كان ساعة محطة سانت الزار تدق الحادية عشر عندما غادر السيد تاباريه بعد توديعه نويل ،وما زال
محتاًر ا بما سمعه للتو .لزم عليه ،في الوقت المناسب ،ضبط نفسه ،لكنه اآلن يقدر بشكل كامل حريته
في العمل .وكان يتمايل بسعادة ،ولكنه في الوقت نفسه يشعر بالدوار من تعاقب هذه الكشوفات غير
المتوقعة ،التي ضمنها بصورة مفاجئة كمية كبيرة من الحقيقة.
على الرغم من إسراعه للوصول إلى السيد دابورون ،إال أنه لم يأخذ سيارة أجرة ،بل شعر بضرورة
المشي .فهو من األشخاص الذين يحتاجون إلى ممارسة الرياضة ليرى األشياء بوضوح .عندما يتحرك،
تتم مطابقة أفكاره وتصنيفها في دماغه ،تماًم ا كحبوب القمح عندما يهتزون في البوشل.
وصل إلى شارع شوزيه دانتان بخطوات ثابتة دون عجل ،وعبر البوليفار الذي يضم مقاهيه المشرقة،
وتوجه إلى شارع ريشيليو .كان يمشي بدون وعي تجاه األشياء الخارجية ،يتعثر ويتقلب على تضاريس
الرصيف ،أو ينزلق على األرصفة الدهنية .إذا اتبع الطريق الصحيح ،فإنه كان يتحرك بنابض
ميكانيكي يهديه .كان عقله يتجول عشوائًيا في حقل االحتماالت ،ويتبع الخيط الغامض ،الذي امسك به
بصورة شبه غير ملحوظة في ال جونشير.
مثل جميع األشخاص الذين يعانون من العواطف القوية دون أن يدركوا ذلك ،كان يتحدث بصوت عاٍل ،
دون أن يفكر في اآلذان الغير محترمة التي قد تسمع حديثه وعباراته المنفصلة .في كل خطوة ،نلتقي في
باريس بأشخاص يتحدثون إلى أنفسهم ،ويكشفون بال وعي ألربعة رياح سراياهم األسرار األعمق ،مثل
القوارير المكسورة التي تسمح لمحتوياتها بالفرار .غالًبا ما يخطئ األشخاص الذين يمرون بجانب
هؤالء المتحدثين بمونولوجاتهم الغريبة بالنسبة للمجانين .وأحياًنا يتبع المتطفلون هؤالء الحديثين
المنفردين ،ويمتعون أنفسهم باالستماع إلى تلك االعترافات الغريبة .وكانت هذه الفضيحة من هذا النوع
هي التي أفشت سر انهيار ريسكارا ،البنكير الثري .وكذلك كان المبريث ،القاتل في شارع فينيس ،قد
خان نفسه بنفس الطريقة.
صرخ السيد تاباريه العجوز" :ما هذه الحّظة السعيدة! ما هذا الحظ العجيب! يمكن لجيفرول أن يختلف
معي ،لكن الحظ هو العامل األذكى في الشرطة .من الذي كان سيتخيل مثل هذه القصة؟ لم أكن ،ومع
ذلك ،بعيًدا عن الواقع .تخّم نت أن هناك طفًال في القضية .ولكن من سيتخيل استبدال الطفل؟ هذا مثال
بارز على خطورة اتباع األفكار المسبقة في التحقيق الشرطي .نخاف من عدم المألوف ؛ وكما في هذه
الحالة ،يثبت العدم المألوف األكبر في العديد من األحيان أنه الحقيقة .نتراجع أمام السخافة ،ومن
المفروض أن ندرس السخافة .كل شيء ممكن .لن أتخلى عن ألف تاجر على ما تعلمته هذا المساء.
سأقوم بقتل طائرين بحجر واحد .سُأسِّلم المجرم ،وسُأعيد نويل إلى الواجهة ليستعيد لقبه وثروته .هناك،
على األقل ،شخص يستحق ما سيحصل عليه .هذه المرة ،لن أشعر باألسف لرؤية شاب ينجح ،الذي
ترعرع في مدرسة الشدائد .لكن ،عفًو ا! سيكون مثل كل اآلخرين .ستدور رأسه بسبب االزدهار.
بالفعل ،بدأ يتحدث عن أسالفه ... .فقير البشرية ،كاد يجعلني أضحك".
لكنه تفاجأ أكثر بالسيدة جيردي األم .امرأة كنت سأعفو عنها بدون االنتظار لسماع اعترافها .عندما
أفكر في أنني كنت على وشك االقتراح لها ،جاهًز ا للزواج بها! بررر! في هذا الفكر ،هز العجوز
رأسه .رأى نفسه متزوًج ا ،وفجأة ،اكتشف سابقة أعمال السيدة تاباريه ،وأصبح متورًطا في محاكمة
مخجلة ،ومهدًدا بالفضيحة واإلحراج.
واصNNل السNNيد تاباريNNه العجNNوز" :عنNNدما أفكNNر "،واصNNل "أن صNNديقي جيفNNرول يقفNNز وراء الرجNNل ذو
األقراط! اركض يا صبي ،اركض! السفر شيء جيد للشباب .ألن يكون غاضًبا؟ سيتمنى وفاتي .لكني ال
أهتم .إذا أراد أي شNخص إيNذائي ،فسNيحميني السNيد دابNورون .أحسNنت! هنNاك شNخص أريNد أن أعمNل
لصالحه .أستطيع أن أراه اآلن ،يفتح عينيه كالصحون ،عندما أقول لNه 'لقNد وجNدت اللNئيم!' سNيفخر بNأن
يدين لي بشيء .ستجلب هذه الدراسة له الشرف ،إذا لم تكن العدالة هي العدالة .سNNيتم تعيينNNه على األقNNل
ضابًطا في ليجيون دونور .هذا أفضل! أنا أحبه .إذا كNNان نائًم ا ،فسNNأوقظه بطريقNNة ممتعNNة .ألن يقهNNرني
باألسئلة؟ يريد أن يعرف كل شيء على الفور".
توقف السيد تاباريه العجوز ،الذي كان يعبر حالًيا جسر سNNان بNNير ،فجNNأة وقNNال" :لكن التفاصNNيل!" قNNال
"بالفعل! ليس لدي أي تفاصيل ،فقط أعرف الحقائق األساسية" .ثم اسNNتأنف سNNيره وقNNال" :هم على حNNق
في المكتب ،أنا متحمٌس جًدا ،أقفز إلى االستنتاجات ،كما يقول جيفرول .عندما كنت مع نويل ،كان يجب
علّي التحقيق فيه ،والحصول على كمية كبيرة من التفاصيل المفيدة ،لكني لم أفكر حتى في ذلك .شNNربت
من كالمه .لقد كنت أريده أن يحكي القصة في جملة واحدة .ومع ذلك ،هو مNNا هNNو عNNادل؛ عنNNدما يتعقب
اإلنسان الغزال ،ال يتوقف لقتل عصNفور .لكNني أرى اآلن بوضNوح ،أنNني لم أسNتخرج منNه المعلومNات
الكافية .من ناحية أخرى ،من خالل االستجواب المتكرر له ،كنت قد أيقظت الشكوك في عقل نويل ،وقد
أدى ذلك إلى اكتشافه بأنني أعمل من أجل شارع القدس .بالتأكيد ،ال أخجل من ارتبNNاطي بالشNNرطة ،بNNل
أنا فخور به .ولكن في نفس الوقت ،أفضل أال يعلم أحد بذلك .الناس جاهلون جًدا ،يكرهون الشرطة التي
تحميهم ،لذلك يجب أن أكون هادًئا وأتصرف بأفضل طريقة ممكنة ،ألنني اآلن في نهاية رحلتي".
كان السيد دابورون قد ذهب للنوم ،ولكنه أمر خادمه بالترتيبات ،بحيث كان لNNدى السNNيد تاباريNNه فقNNط أن
يذكر اسمه ،ليتم إيصاله على الفور إلى غرفة نوم المحقق العام .عند رؤيNNة المحقNNق هNNاوي ،قNNام السNNيد
دابNNورون من سNNريره ،قNNائًال" :هنNNاك شNNيء غNNير عNNادي! مNNاذا اكتشNNفت؟ هNNل لNNديك أي مؤشNNر؟"
"أفضل من ذلك" ،أجاب الرجل العجوز ،وهو يبتسم بالسعادة" .تحدث بسرعة!"
"أعرف الجاني!"
كان السيد تاباريه العجوز يجب أن يكون راضيًا ؛ فقد أنتج بالتأكيد تأثيًر ا .قفز المحقق في سريره وقNNال:
"هل هذا ممكن؟"
"لي شرف تكراره لكم ،سيدي" ،اسNتأنف الرجNل العجNوز" ،أنNا أعNرف مNرتكب جريمNة ال جونشNير".
"وأنا" ،قال السيد دابورون" ،أعلنك أعظم محقق في كNNل األزمNNان ،الماضNNية والمسNNتقبلية .بالتأكيNNد ،لن
أقوم بأي تحقيق مستقبلي بدون مساعدتك".
"أنت لطيف جًدا ،سيدي .لم يكن لدي القليل أو شيء أبًدا للقيام به في هذا األمNNر .االكتشNNاف يرجNNع فقNNط
إلى الصNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNدفة".
"أنت متواضع ،السيد تاباريه .الصدفة تساعد فقNط األذكيNاء ،وهNذا مNا يNزعج األغبيNاء .ولكن أرجNوك،
اجلس وتNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNابع".
ثم بوضوح ودقة ال يعتقد الكثيرون أنه يمتلكهما ،أعاد الرجل العجوز للمحقNNق كNNل مNNا تعلمNNه من نويNNل.
ونقل االقتباسات من الرسائل من الذاكرة ،تقريًبا دون تغيير كلمة.
"هذه الرسائل" ،أضاف" ،رأيتها؛ ولقد أخذت حتى واحدة ،للتحقق من الكتابة .ها هي".
"نعم" ،همس المحقق " -نعم ،السيد تاباريه ،لقد اكتشفت الجNاني .الNدليل واضNح حNتى للعميNان .السNماء
أرادت هذا .الجريمة تولد الجريمة .إن الخطيئة العظمى لألب جعلت من االبن قاتال".
"لم أذكر لك األسماء ،سيدي" ،استأنف السيد تاباريه العجوز" ،أردت أن أسمع رأيك أوًال".
"أوه! يمكنك االسما "،قNNاطع السNNيد دابNNورون بدرجNNة من الحمNNاس" ،ال يهم كم يرتفNNع األمNNر ،فNNالمحقق
الفرنسي لم يتردد أبًدا".
"أعلم ذلك ،سيدي ،لكننا نرتفع بشدة هذه المرة .األب الذي ضحى بابنNNه الشNNرعي من أجNNل طفلNNه الغNNير
شرعي هو الكونت ريتو دي كومNاران ،والقاتNل لألرملNة لNوروج هNو الطفNل الغNير شNرعي ،الفيكNونت
ألبرت دي كوماران!"
كان السيد تاباريه العجوز ،مثل فنان متمكن ،قد نطق بهذه الكلمات ببطء وبتركNNيز متعمNNد ،متوقًع ا بثقNNة
إنتاج انطباع كبير .لقد تجاوزت توقعاته بكثNير .أصNيب السNيد دابNورون بالدهشNة .بقي صNامًدا ،وعينNاه
واسعتان بالصدمة.
بشكل آلي ،كرر السيد دابورون كلمة بال معنى كان يحNاول تثبيتهNا في ذاكرتNه" :ألNبرت دي كومNاران!
ألبرت دي كوماران!"
"نعم" ،أصر السيد تاباريNNه العجNNوز" ،الفيكNNونت النبيNNل .إنNNه ألمNNر ال يصNNدق ،أعلم ذلNNك ".لكنNNه الحNظ
التغيير في وجه المحقNق ،وشNعر بNالخوف قليًال ،فNNاقترب من السNرير وسNأل" :هNل أنت بصNNحة جيNدة،
سNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNيدي؟"
"نعم" ،أجاب السيد دابورون ،دون معرفة بالضبط ما يقوله" .أنا بخير جًدا ،ولكن الصدمة واالنفعNNال"-
"أنا أفهم ذلك" ،قال العجوز.
"نعم ،ليس من المستغرب ،أليس كذلك؟ أود أن أكون وحدي لبضNNع دقNNائق .ال تغNNادر المNNنزل ،يجب أن
نتحدث بعض الوقت حول هذا الموضوع .يرجى االنتقال إلى مكتبي ،يجب أن يكون هناك ما يزال نNNار
مشتعلة هناك .سأنضم إليك مباشرًة".
ثم خرج السيد دابورون ببطء من السرير ،وارتدى رداء النNNوم ،وجلس ،أو بNNاألحرى سNNقط ،في كرسNNي
مريح .عكست وجهه ،الذي حاول في ممارسة وظائفه الصارمة إعطاء ثبات الرخNNام ،التحNNرك القاسNNي؛
في حين كشفت عينيه عن األلم الذي كان يشعر به داخلًيا .أوقد اسم كوماران ،الذي تم نطقه بشNNكل غNNير
متوقع ،أذكريات حزينة فيه ،وفتح جرًحا لم يلتئم جيًدا .هذا االسم أعاد إليNNه حNNدًثا قNNد أطفNNأ بقسNNوة شNNبابه
وأفسد حياته .بشكل غير إرادي ،عادت أفكاره إلى هذه الحقبة ،حتى يذوق مرارتها مجNNدًدا .قبNNل سNNاعة،
كان يبدو له بعيًدا ،ومختبًئا في ضباب الماضي؛ لكن كلمة واحدة كفيلة بإعادتها ،واضحة ومحددة .يبNNدو
له اآلن أن هذا الحدث ،الذي تورط فيه اسم ألبرت دي كوماران ،يعود إلى األمس .في الواقع ،مNNرت مNNا
يقرب من عامين منذ ذلك الحين.
ينتمي بيير ماري دابNNورون إلى واحNNدة من أقNNدم العNNائالت في بواتNNو .شNNغل ثالثNة أو أربعNNة من أسNNالفه
مراكز هامة في المقاطعة تباًعا .فلماذا لم يتركوا لذريتهم لقًبا نبياًل وشعاًرا؟
يمتلك والد المحقق حوالي ثمانمائة ألف فرنك من األراضNNي األكNNثر قيمNNة حNNول القصNNر الحNNديث القNNبيح
الذي يسكنه .وبفضل والدته التي تنتمي إلى عائلة كوتيفيز-لوكس ،فهNو يرتبNط بNأعلى النبالء في بواتNو،
وهي واحدة من أكثر الطبقات االجتماعية الحصرية في فرنسا ،كما يعلم الجميع.
عندما حصل على تعيينه في باريس ،جعلت عالقاته النبيلة منNNه شخًص ا مرحًب ا بNNه على الفNNور من قبNNل
خمسة أو ستة عائالت أرستقراطية ،ولم يمِض وقت طويل حتى وسع دائرته من المعارف.
ولكنNNه لم يمتلNNك أي من المNNؤهالت الNNتي تضNNمن النجNNاح االجتمNNاعي .كNNان بNNارًدا وجNNدًيا حNNتى الحNNزن،
محجوًز ا وخجواًل حتى اإلفراط .كان عقله يفتقر إلى اللمعان والخفNة؛ ولم يكن لديNNه سNNهولة في االنتقNام،
وال في فن الحوار اللطيف بدون موضNNوع .وكNNان عNNاجًز ا عن الكNNذب ودفNNع الثنNNاء البالهNNة .مثNNل معظم
الرجال الذين يشعرون بشدة ،لم يكن قادًرا على تفسNNير انطباعاتNNه على الفNNور .كNNان يحتNNاج إلى التفكNNير
والتأمل في نفسه.
ومع ذلك ،كان يطلب لصفاته األكثر صالبة وجدارة :لنبل مشاعره ،والتزامه اللطيف ،ولتأكيد عالقاتNNه.
تعلم أولئك الذين عرفوه بعمق تقدير حكمتNNه السNNليمة ،وحسNNه العNNالي بالشNNرف ،واكتشNNفوا تحت سNNطحه
البارد قلًبا حنوًنا ،وحساسية مفرطة ،ودقة تقريًبا أنثويNNة .بعبNNارة أخNNرى ،على الNNرغم من أنNNه قNNد يكNNون
محجوًبا في غرفة مليئة بالغرباء أو األغبياء ،إال أنه يسحر جميع القلوب في دائرة صغيرة ،حيث يشNNعر
بالدفء في جو من التعاطف.
األخالق واللغة والعادات وحتى الزي ،حافظت عليها ،فهي تنتمي إلى تلك الحقبNNة الNNتي كتب الروائيNNون
عنها فقط ليظهروا عيوبها .إن مظهرها وحده سيخبرنا بالمزيد من المعلومات من مقNNال شNNامل ،وسNNاعة
من المحادثة معها ،ستخبرنا بالمزيد مما سيقوله كتاب.
ولدت في إمNNارة صNNغيرة ،حيث هNNرب والNNديها في انتظNNار العقNNاب والتوبNNة من شNNعب مخطئ ومتمNNرد.
نشأت بين النبالء القدامى من الهجرة ،في شقة قديمة ومزخرفة بالذهب ،تماًم ا كما لNNو كNNانت في متحNNف
للغرائب .استيقظ عقلها بين ضجيج المحادثات القديمة ،أثيرت خيالها ألول مرة من خالل حNNوارات أقNNل
فائدة من تجمع أشخاص صم مدعوون للتصويت على مزايNNا عمNNل بعض الموسNNيقيين المشNNهورين .هنNNا
امتصت جملNة من األفكNار ،الNتي إذا تم تطبيقهNا على أشNكال المجتمNع الحNالي ،فهي ال تNزال كالتماثيNل
اآلشورية لطفل محبوس حتى سن العشرين في متحف.
مرت اإلمبراطورية األولى واالستعادة وملكية يوليNNو والجمهوريNNة الثانيNNة واإلمبراطوريNNة الثانيNNة تحت
نوافذها ،لكنها لم تحرك ساكًنا .كل ما حNNدث منNNذ ،1789تعتبرهNNا لم تحNNدث .بالنسNNبة لهNNا ،هي كNNابوس
منتظرة إلطالق سراحها .تنظر إلى كل شيء ،لكنها تنظر من خالل نظاراتها الجميلة التي تظهر لها كل
شيء كما ترغب ،والتي يمكن الحصول عليها من تجار األوهام.
على الرغم من أنها تبلغ من العمر 68عاًم ا ،إال أنها مستقيمة مثل الخشبة ،ولم تمرض قط .إنهNNا حيويNNة
ونشطة بشكل مفرط ،وال يمكنها االسترخاء سNNوى عنNNدما تنNNام ،أو عنNNدما تلعب لعبتهNNا المفضNNلة بيكيNNه.
تتناول أربNNع وجبNNات في اليNNوم ،تأكNNل مثNNل عامNNل الزراعNNة ،وتشNNرب النبيNNذ بNNدون مNNاء .تعتNNبر النسNNاء
السخيفات في قرننا الحالي ،الالتي يعيشن لمدة أسNNبوع على فNNراخ التNNدجين ،ويغمNNرن األفكNNار العظيمNNة
بالماء والعبارات الطويلة .كانت دائًم ا إيجابية ،وكلمتها سريعة وسهلة الفهم .ال تتردد في استخدام الكلمة
األكثر مالءمة للتعبير عن معناها .فNNإذا اعترضNNت بعض اآلذان الحساسNNة ،فNNذلك سNNيكون أسNNوأ بكثNNير!
تكره النفاق بشدة.
تؤمن باهلل ،لكنها تؤمن أيًض ا بالسيد فولتير ،حتى أن تفانيها في الNدين قابNل للشNك .ومNع ذلNك ،فهي على
عالقة جيدة بكاهن كنيستها ،وتحرص كثيًر ا على ترتيب عشائها في األيام التي تكرمه فيهNNا بدعوتNNه إلى
طاولتها .تعتبره عسكرًيا ،مفيًدا جًدا لخالصها ،وقادًر ا على فتح باب الجنة بالنسبة لها.
ُتَع اَم ُل بمثNNل هNNذا الشNNكل ،معزولNNة تماًم ا مثNNل الطNNاعون .الجميNNع يخشNNون صNNوتها العNNالي وتسNNريباتها
المروعة ،وصNNراحتها في الكالم الNNتي تحNNاول بهNNا الحصNNول على الحNNق في قNNول األشNNياء األكNNثر غNير
مريحة التي تخطر في بالها .من عائلتها ،لم يبق إال حفيدتها ،التي توفي والدها وهو صغير جًدا.
تمتلك ثروة كبيرة في األصل ،وتم استعادتها جزئًيا عن طريق التعويض الذي يسمح به الحكومة ،لكنهNNا
تم إدارتها بأسNوأ طريقNة ممكنNة .لم تتمكن إال من الحفNاظ على دخNل قNNدره عشNرون ألNف فرنNك ،الNذي
يتناقص يوًم ا بعد يوم .كما أنها مالكة للمنزل الصNNغير الجميNNل الNNذي تسNNكن فيNNه ،الNNذي يقNNع بNNالقرب من
الجيش الفرنسي ،بين فناء ضيق نسبًيا وحديقة واسعة جًدا.
وهكذا ،ترى نفسها األشد سوًء ا حًظا من جميع خلNNق هللا ،وتقضNNي معظم حياتهNNا تشNNكو فقرهNNا .من حين
آلخر ،وخاصة بعد بعض المضاربات السيئة االستثمارية ،تعNNترف بNNأن مNNا تخشNNاه أكNNثر هNNو أن تمNNوت
على فراش المساكين.
قدم له الصديق دابورون مساًء إلى السيدة دوكة دارالنج ،بعNNدما جذبNNه إلى منزلهNNا بمNNزاج مNNرح ،قNNائًال:
"تعال معي ،وسأريك ظاهرة ،شبح من الماضي في جسد ولحم".
الوضعية المحيرة للمNNاركيزة جعلت القاضNNي يشNNعر بNNالحيرة في المNNرة األولى الNNتي قابNNل فيهNNا ،ولكنهNNا
أمتعته كثيًر ا في زيارته الثانية ،ولهذا السبب ،عاد مرة أخرى .ولكن بعد فترة ،لم تعد تسليه ،على الرغم
من أنه كان زائًر ا مخلًصا ودائًم ا إلى غرفة اللون الوردي التي تقضي فيها معظم حياتها.
تطورت لدى السيدة دارالنج صNNداقة شNديدة مNع القاضNNي ،وأصNNبحت مNدًحا فيNه بشNكل ملحNوظ .قNNالت:
"رجل شاب ساحر للغاية ،رقيق وحساس! لألسف ،لم يولد في عائلNNة نبيلNNة!" (قصNNدت سNNيًدا من أصNNل
نبيل ،لكنها استخدمت العبNNارة متجاهلNNة حقيقNNة أن األشNNخاص غNNير النبالء ولNNدوا على اإلطالق) "يمكن
استقباله على أي حال؛ فأسالفه كانوا أشخاًص ا الئقين جًNNدا ،وكNNانت أمNNه كوتيفNNيز الNNتي ،على أي حNNال،
انحرفت .أتمنى له الخير ،وسأفعل كل ما بوسعي لدفعه قدًم ا".
كانت أقوى دليل على صداقتها هو أنهNNا تنحNNني لنطNNق اسNNمه مثNNل بNNاقي النNNاس .كNNانت تحافNNظ على هNNذا
التصرف السخيف من نسيان أسماء األشخاص الذين ليسNNوا من النبالء ،والNNذين في رأيهNNا ليس لهم حNNق
في األسماء .كانت متأكNدة جًNدا من هNذه العNادة ،حNتى إذا حNدث بطريقNة مNا أن تلفNظ اسًNم ا كهNذا بشNكل
صحيح ،فإنها تكرره على الفور بتعديل ساخر .خالل زيارته األولى ،اسNNتمتع القاضNNي دابNNورون كثNNيًرا
بسماع اسمه يتغير في كل مرة تخاطبه فيها .وبعد ذلك بثالثة أشهر ،بدأت تناديه باسم دابورون بوضوح
تام ،كما لو كان دوًقا في مكان ما ،ولورًدا في مكان آخر.
كانت تبذل جهوًدا أحياًنا إلثبات للقاضي الكريم أنNNه نبيNNل ،أو على األقNNل يجب أن يكNNون كNNذلك .وكNNانت
سعيدة لو استطاعت إقناعه بأن يتبنى لقًبا ما وأن يحفر خوذة على بطاقاته الشخصية.
"كيف يمكن ذلك "،قالت" ،أن أسالفك ،الذين كانوا بارزين وأثريNNاء ولهم نفNوذ ،لم يفكNNروا في االرتقNاء
من الطبقة العادية والحصول على لقب ألحفادهم؟ اليوم ،ستمتلك نسبًا مقبولة".
"كNNان أسNNالفي حكمNNاء "،رد السNNيد دابNNورون" .فاألولويNNة بالنسNNبة لهم كNNانت أن يكونNNوا األوائNNل بين
مواطنيهم ،بدًال من أن يكونوا األخيرين بين النبالء".
ثم شرحت الماركيزة ،وأثبتت بالدليل ،أن هناك هاوية بين المواطن األكNثر تNأثيًرا وثNراًء وأصNغر فNرع
نبيل ،وأن جميع األموال في العالم ال يمكن أن تسد هذا الفجوة.
لم يعرف أولئك الذين كانوا مندهشين من تكرار زيارات القاضي لهذه "آثار الماضي" المشهورة ،حفيدة
هذه السيدة ،أو على األقل لم يتذكروها؛ فهي كانت تخرج نادًر ا! وكانت الماركيزة العجوز ال تهتم ،على
حد قولها ،بالتعامل مع جاسوس شاب سيكون في طريقها عندما تروي بعض قصصها المختارة.
كلير دارالنج كانت في السابعة عشرة من عمرها .كانت رشيقة للغاية ورقيقة في طريقتهNNا ،وجميلNNة في
براءتها الطبيعية .كان لديها كم هائل من الشعر البني الفاتح الناعم الذي يتNNدلى في خصNNالت على عنقهNNا
وكتفيهNNا المتناسNNقين .كNNانت قوامهNNا ال يNNزال نحيًف ا إلى حNNد مNNا ،لكن مالمحهNNا تNNذكرنا بوجNNوه األرواح
السماوية األكثر جماًال .كان لعينيها الزرقاوين ،المظللتين برموش طويلNNة ذات لNNون أغمNNق من شNNعرها،
التعابير الرائعة فوق كل شيء.
كان لديها بعض الهواء القديم ،نتيجة ارتباطها بجدتها ،مما أضاف سحًر ا آخر إلى طريقNNة الفتNNاة الشNNابة.
ولكنها كانت أكثر حكمة من قريبتها .ونظًر ا ألن تعليمها لم يتم إهماله ،فقد امتصت أفكاًر ا صحيحة جيدة
عن العالم الذي تعيش فيNNه .ولقNNد اكتسNNبت كلNNير هNNذا التعليم واألفكNNار العمليNNة من مربيتهNNا ،الNNتي تحمNNل
المسؤولية الكاملة عن تنمية عقلها.
وكانت هذه المربية ،اآلنسة شميت ،اختيرت عشوائًيا ،لكنها بحNNظ سNNعيد كNNانت مطلعNNة وتمتلNNك مبNNادئ.
كانت ،كما هو موجNNود في الجNNانب اآلخNNر من الNNراين ،امNNرأة رومانسNNية وعمليNNة في الNNوقت نفسNNه ،من
الحساسية األعلى والفضيلة األشد صرامة .وهNNذه السNNيدة الطيبNNة ،في حين تأخNNذ تلميNNذتها في رحلNNة إلى
أرض الخيال والتصورات الشعرية ،تعطيها في نفس الوقت أكثر التعليمات العملية في األمNNور المتعلقNNة
بالحياة الفعلية .فكشفت لكلNير جميNع الخصNNائص الفريNدة في الفكNر واألسNلوب الNتي جعلت جNدتها تبNدو
سخيفة ،وعلمتها كيفية تجنبها ،ولكن دون التوقف عن احترامها.
في كل مساء ،عنNدما يصNل السNيد دابNورون إلى مNنزل السNيدة دارالنج ،كNان من المؤكNد أن يجNد كلNير
جالسة بجانب جدتها ،وهذا هو السبب الذي يدفعه إلى الزيارة .بينما يسNNتمع بNNأذن غNNير مباليNNة لخرافNNات
السيدة العجوز وقصصها الطويلة عن الهجرة ،كNNان يحNNترف النظNNر إلى كلNNير كالمتعصNNب أليدولNNه .في
كثير من األحيان ،ينسى نفسه لحظة ويتناسى تمامًا وجNNود السNNيدة العجNNوز ،على الNNرغم من أن صNNوتها
العالي كان يثقب طبلة أذنه كاإلبرة .ثم يجيبها بطريقة غير منطقية ،ويقع في أخطاء غريبة ،التي يحاول
بعدها تفسيرها .لكنNNه لم يكن بحاجNNة لتعبئة نفسNNه ،فالسNNيدة دارالنج لم تشNNعر بغيNNاب غرامهNNا؛ إذ كNNانت
أسئلتها طويلة جدًا ،ولم تهتم باإلجابات .كانت سعيدة بوجNNود من يسNNتمع لحNNديثها ،طالمNNا أنNNه يظهNNر من
حين آلخر عالمات الحياة.
عندما اضطر إلى الجلوس للعب بطاقات البيكيه ،كNان يلعن في نفسNه اللعبNة ومخترعهNا الشNنيع .لم يكن
يولي اهتمامًا لبطاقاته ،وكان يرتكب أخطاء كل لحظة ،يتخلص من بطاقات يجب أن يحتفظ بهNNا وينسNNى
القطع .كانت السيدة العجوز مستاءة من هذه االنحرافات المسNNتمرة ،لكنهNNا لم تNNتردد في االسNNتفادة منهNNا.
كانت تنظر إلى البطاقات الغNNير مرغوبNNة ،وتغيرهNNا بالبطاقNNات الNNتي تناسNNبها ،في حين تسNNجل نقاطًNا لم
تحققها بجرأة ،وتأخذ المال الذي ربحته بدون شعور بالخجل أو الندم.
كان خجل السNيد دابNورون شNديدًا ،وكNانت كلNير غNير اجتماعيNة للغايNة ،ولNذلك نNادرًا مNا يتحNدثان مNع
بعضهما البعض .خالل فصل الشتاء بأكمله ،لم يخاطب القاضي الفتاة الشابة مرات قليلة فقط ،وفي هNNذه
المناسبات النادرة ،كان يحفNظ المقولNNة الNNتي ينNNوي تكرارهNNا بشNNكل آلي ،عالمًNا جيNNدًا بأنNNه من دون هNNذا
االحتياط ،فمن المحتمل أنه لن يتمكن من إنهاء ما يجب قوله.
ولكن على األقل كان يشاهدها ،يتنفس نفس الهواء معها ،ويسمع صوتها الذي يهز روحه بنغماتNNه النقيNNة
والمنسجمة.
من خالل مراقبته المستمرة لعينيها ،تعلم كيفية فهم جميع تعابيرهما .كان يعتقNNد أنNNه يسNNتطيع قNNراءة كNNل
أفكارهNNNا من خاللهمNNNا ،وأنNNNه يمكنNNNه النظNNNر إلى روحهNNNا كمNNNا ينظNNNر من خالل نافNNNذة مفتوحNNNة.
"إنها سعيدة اليوم" ،يقول لنفسNNه ،ثم يشNNعر بالسNNعادة .في بعض األحيNNان ،يعتقNNد أنهNNا "تعرضNNت لبعض
اإلزعاج اليوم" ،وفي الحالة الفورية يشعر بالحزن.
كانت فكرة طلب يده تتقدم إلى خياله مراًر ا وتكراًر ا ،لكنه لم يجرؤ على التفكNNير في ذلNNك .وعلى الNNرغم
من معرفته بتحيزات الماركيزة وتفانيها في األلقNNاب وخوفهNNا من أي اقNNتراب من الNNتزوير ،كNNان مقتنًع ا
بأنها ستغلق فمه في الكلمة األولى بـ "ال" حاسمة وستصمد .ومحاولNNة األمNNر سNNيعرض سNNعادته الحاليNNة
الضخمة التي يعتقد أنه يعيشها للخطر ،ألن الحب يعيش على مصائبه الخاصة.
"مNNرة واحNNدة يتم رفضNNي" ،يفكNNر" ،يتم إغالق البNNاب في وجهي .وبعNNدها وداًع ا للسNNعادة ،ألن الحيNNاة
ستنتهي بالنسبة لي" .من ناحية أخرى ،يتبNNادر إلى ذهنNNه أن شخًص ا آخNNر قNNد يNNرى مNNداموازيل دارالنج
ويحبها ،وعلى إثر ذلك ،يسأل عنها ويحصل عليها .في كلتا الحالتين ،سيفقدها في النهاية إما بالمخNNاطرة
باالقتراح ،أو بالتردد المستمر .وعند بداية الربيع ،اتخذ قراره.
في بعد ظهيرة جميلة في شهر أبريل ،اتجه نحو منزل السيدة دارالنج ،وهو بحاجNNة حقيقيNNة إلى شNNجاعة
أكثر من أي جندي يواجه مدفعية .هو ،مثل الجندي ،يهمس لنفسه "النصر أو الموت!" كانت المNNاركيزة
قNNNد خNNNرجت بعNNNد اإلفطNNNار قلياًل وعNNNادت للتNNNو بغضNNNب شNNNديد ،وكNNNانت تصNNNرخ مثNNNل النسNNNر.
هذا ما حدث .كان لديها بعض العمل الذي قام به رسNNام مجNNاور قبNNل ثمانيNNة أو عشNNرة أشNNهر ،وقNNد تقNدم
العامل بطلب دفع المبلغ مائة مرة دون جدوى .تعبت من هذا اإلجراء ،فقد دعا الماركيزة العالية والقوية
دارالنج أمام العدالة .هذا االستدعاء أثار غضب الماركيزة ،لكنها حافظت على الموضوع لنفسNNها ،حيث
قررت ،بحكمتها ،االتصال بالقاضي وطلب منه تNNوبيخ الرسNNام الNNوقح الNNذي جNNرأ على إزعاجهNNا بسNNبب
مبلغضئيل من المال .يمكن تخمين نتيجة هذا المشروع الرائع .تم إجبار القاضي على طردهNNا بNNالقوة من
مكتبه ،وهو ما جعلها تشعر بالغضب.
وجد السيد دابورون الماركيزة في الحجرة الزهريNNة نصNNف عاريNNة ،شNNعرها مبعNNثر وأحمNNر كالفاوانيNNا،
ومحاطة بأشالء من الزجاج والصNNين الNتي سNقطت من يNديها في أول لحظNات شNغفها .لألسNف ،لم يكن
هناك أيًض ا كالير ومربيتها .كانت خادمة تحNاول غمNر السNيدة العجNوز بجميNع أنNواع الميNاه ،على أمNل
تهدئة أعصابها.
استقبلته السيدة دابورون كرسول مباشر من الرب .في أقل من نصف ساعة ،أخNبرت قصNNتها ،مخلوطNة
بالكثير من التعابير الوسخة والشتائم.
"أتفهم هذا القاضي؟!" صاحت" ،يجب أن يكون جاكوبين مجنون ،ابًنا للهوام ،الذين غسNNلوا أيNNديهم بNNدم
ملكهم .أه ،يا صديقي ،أرى الدهشة واالستياء في نظرتNNك .اسNNتمع إلى شNNكوى هNNذا الخNNائن الNNوقح الNNذي
جعلته يعيش من خالل توظيفي له! وعندما وجهت بعض االحتجاجات الشديدة لهNNذا القاضNNي ،كمNNا كNNان
واجبي ،طردني! هل تسمع؟ طردني!"
في هذه الذكرى المؤلمة ،قامت بحركة تهديدية بذراعها ،وأصNNابت زجاجNة عطNر جميلNة كNانت تحملهNا
خادمتها في يدها .قوة الضربة أرسلتها إلى الطرف اآلخر من الغرفة ،حيث تحطمت إلى قطع صغيرة.
"أحمقة ،محرجة!" صاحت الماركيزة ،مفرغة غضبها على الفتاة المرعوبة.
كان السيد دابورون ،في البداية ،مشوًش ا ،ثم حاول اآلن تهدئة غضبها .لم تNNتيح لNNه الفرصNNة لنطNNق ثالث
كلمات.
"حمًدا هلل أنك هنا" ،استمرت قائلة" ،أنت دائًم ا مستعد لخNNدمتي ،أعNNرف ذلNNك .أعتمNNد عليNNك! سNNتمارس
نفوذك وأصدقائك القويين وائتمانك ،لترمي هذا الرسNNام البNNائس وهNNذا الشNNرير القاضNNي في بNNئر عميNNق،
لتعليمهم االحترام المستحق المرأة من مستواي".
لم يسمح القاضي لنفسه حتى بابتسامة على هذا الطلب الحاسم .لقNد سNمع الكثNير من الخطابNات السNخيفة
تصدر من شفتيها دون أن يسخر منها .أليست هي جدة كالير؟ لو لم يكن هنNNاك شNNيء آخNNر ،فإنNNه يحبهNNا
ويكرمها بسبب ذلك فقط .بارك لها بسبب حفيدتها ،كما يبارك معجب الطبيعة السماء على الزهرة البرية
التي تسعده بعطرها.
كان غضب السيدة العجوز رهيًبا ،ولم يكن قصير األمد .ولكن في نهاية المطاف ،كNNانت ،أو على األقNNل
تبدو ،مهدأة .استعادوا زيها ،وأصلحوا فوضNNى تجميلهNا ،وجمعNوا شNظايا الزجNاج والصNNين المكسNورة.
هزمتها عنفها الخاص ،وكانت ردة الفعل فورية وكاملة .سقطت متعبة ومنهكة في كرسي.
كان هذا النتيجة المهيبة بفضل القاضي .لتحقيق ذلك ،كNNان عليNNه اسNNتخدام كNNل قدراتNNه ،وممارسNNة أكNNثر
صبًر ا وحنكة .كان انتصاره أكثر جدارة بالثناء ،ألنه جاء بدون أي تحضير لهذه المغامرة ،التي تNNدخلت
في خطته المنظمNNة .وفي المNNرة األولى الNNتي شNNعر فيهNNا بمNNا يكفي من الشNNجاعة ليتحNNدث ،بNNدا أن الحNNظ
يعارضه ،ألن هذا الحدث العكسي قد قلب خططه رأًسا على عقب.
ومع ذلك ،فإنه بتسلح بالشجاعة المهنية لنفسه ،تحدث السيدة العجNوز بطريقNة مهدئNة .لم يكن أحمًق ا بمNا
فيه الكفاية ليتناقض معها .بالعكس ،احتضن هوايتها .كان مضحًك ا ومؤثًر ا بالتناوب.
هاجم مؤلفي الثورة ،ولعن أخطائها ،وندب جرائمها ،وبكى تقريًبا على نتائجها الكارثية .بNNدأ مNNع المهين
مارات وصواًل إلى القاضي الخائن الذي أساء إليها .لقد شتم سNلوكه الفاضNح بألفNاظ جيNدة ،وكNان قاسًNيا
جًدا فيما يتعلق بالرسام النصاب والمخادع .ومع ذلك ،اعتقد أنه من األفضل تركهما بدون العقNNاب الNNذي
يستحقانه ،وانتهى بتوحيد أنه قد يكون األفضل دفع مبلغ مالي.
للقول الكلمة األليمة "الNدفع" ،أثNارت السNيدة دابNورون غضًNبا شNديًدا وقفNزت على قNدميها بأقصNى حNد
للهجوم.
"ادفNNع!" صNNرخت المNNاركيزة" .حNNتى يسNNتمروا هNNؤالء األوغNNاد في عنNNادهم! احثهم على االسNNتمرار
بالضعف الخطير! لن أفعل ذلك أبًدا! باإلضافة إلى ذلك ،للNدفع يجب أن يكNون لNديك المNال! وليس لNدي
أي شيء!"
"وأليس هذا شيًئا؟" سألت الماركيزة؛ "أنت تتحدث بحماقة يا سيدي العزيNNز .من السNNهل رؤيNNة أن لNNديك
المال؛ ألنساب أسالفك لم يكون لهم مكانة ،ومرت الثورة بمائة قدم فNNوق رؤوسNهم .من يNدري إذا كNانوا
الرابحين من ذلك؟ أخذت كل شيء من دي أرالنج .ماذا سيفعلون بي إذا لم أدفع؟"
"حسًنا ،سيدتي ،يمكنهم فعل العديد من األشياء .يمكنهم إفناءك تماًم ا بالتكاليف .يمكنهم حجز أثاثك".
"آه!" صرخت المرأة العجوز" ،لم تنتِه الثورة حتى اآلن .سNNيبتلعنا جميًع ا ،أيهNNا الفقNNير البNNائس! آه! أنتم
سعداء ،أنتم الذين تنتمون إلى الشعب! أرى بوضوح أني يجب أن أدفNNع لهNNذا الرجNNل دون تNNأخير ،وهNNذا
أمر مروع بالنسبة لي ،ألنه ليس لدي شيء ،وأجبر على القيام بمثل هذه التضحيات من أجل حفيدتي!"
أدهش هذا البيان القاضي لدرجة كبNيرة حNتى أنNه كNرر بصNNوت منخفض نصNNف العبNارة "تضNNحيات؟"
عفوًيا.
"بالتأكيد!" استأنفت الماركيزة" .من دونها ،هل كان يجب علي أن أعيش كما أفعل ،وأرفض لنفسي كNNل
شيء من أجل تناسب حالتي المادية؟ بالطبع ال! كنت سأستثمر ثروتي في صندوق الضمان االجتماعي.
ولكنني أعرف ،الحمد هلل ،واجبات األمومة؛ وأقتنص كل ما أستطيع لحفيدتي الصغيرة كلير".
بدت هذه الوالءات مثالية جًدا للسيد دابورون حتى أنه لم يستطع أن ينطق بكلمة واحدة.
"آه! أنا قلقة بشكل مريع بشأن هذه الطفلة العزيزة" ،استمرت الماركيزة" .أعترف ،سيدي دابورون،إنNNه
يجعلني دائخة عندما أتساءل كيف سأزوجها".
احمر القاضي من السعادة .لقد حانت فرصته أخيًر ا؛ يجب عليه االستفادة منها على الفور.
"يبدو لي" ،تلعثم القاضي" ،أن إيجاد زوٍج لآلنسة كلير ال ينبغي أن يكون صعًبا".
"لألسف ،يبدو صعًبا .إنها جميلة بما يكفي ،أعترف بذلك ،على الNNرغم من كونهNNا نحيفNNة ،ولكن في هNNذه
األيNNام ،ال يهم الجمNNال .الرجNNال جشNNعون للغايNNة ،يفكNNرون فقNNط في المNNال .ال أعNNرف أي واح ٍNد يمتلNNك
الشجاعة الكافية للزواج بابنة دي أرالنج مقابل عيونها الساطعة".
شعر السيد دابورون أن الوقت قد حان للتحدث .جمع شجاعته ،مثلما يفعNNل الفNNارس الجيNNد عنNNدما يجمNNع
حصانه عند القفز فوق سياج ،وبصوٍت حاول تعزيزه ،قال" :حسًنا! سيدتي ،أعتقد أنني أعNNرف شخًص ا
مناسًبا لآلنسة كلير ،رجاًل صادًقا يحبها وسيفعل كل ما في وسعه لجعلها سعيدة".
"الرجل الذي أتحدث عنه" ،استمر القاضي" ،ال يزال شاًبا وثرًيا .سيكون سعيًدا جًدا بأن يتزوج اآلنسNNة
كلير بدون مهر .لن يرفض فحص حسابات الوصاية الخاصة بك ،بل سيطلب منك استثمار ثروتNNك كمNNا
تريد".
"حًقا! دابورون ،يا صديقي ،أنت لست بحمق!" صاحت المرأة العجوز.
"إذا كنِت تفضلين عدم استثمار ثروتك في صندوق الضمان االجتماعي ،سيسمح لNNك صNNهرك بمNNا يكفي
لتعويض ما تجديننقًص ا في الوقت الحالي".
"آه! حًقا أنا أختنق" ،قاطعت الماركيزة" .ماذا! أنت تعرف رجًال كهذا ولم تذكره لي من قبل! كان يجب
عليك أن تقدمه لي منذ فترة طويلة".
"سريًعا! قل لي من هو هذا الصهر المثالي ،هذا الطائر األبيض النادر؟ أين يتواجد؟"
شعر القاضي بارتعاش غريب في قلبه؛ كNNان على وشNNك أن يNNراهن سNNعادته على كلمNNة واحNNدة .وأخNNيًرا
تلعثم" :إنه أنا ،سيدتي!"
كان صوته ونظرته وحركته تتوسل .كان مندهًش ا من جرأته الخاصة ،خائًفا من أن ينتصNNر على خجلNNه،
وكان على وشك الوقوع على قدمي السNيدة العجNوز .ولكنهNا ضNNحكت حNتى جفونهNا امتألت دموًع ا ،ثم
حركت كتفيها ،وقالت" :حًقا ،العزيز دابورون أمٌر مضحٌك جًدا ،سيجعلني أموت من الضحك! إنه مسٍل
جًدا!" وبعد ذلك انفجرت في الضحك مرة أخNرى .لكنهNا تNوقفت فجNأة ،عنNد ذروة ضNNحكها ،وتصNNنعت
أكثر تكريًم ا" .هل أنت جاٌد في كل ما قلته لي ،السيد دابورون؟" سألته.
"ورثت ،سيدتي ،من والدتي حوالي عشرين ألف فرنك سنوًيا .أحد أعمامي ،الذي توفي العNNام الماضNNي،
وصية لي بأكثر من مائة ألف كورون .والدي يستحق حوالي مليون فرنك .وإذا طلبت منه نصNNفها غًNNدا،
فسيعطيني إياها .وإذا كان من الضروري لسعادتي أن يعطيني جميع ثروتNNه ،فسNNيكون راضًNNيا جًNNدا ،إذا
كنت أترك له إدارتها".
أشارت مدام دارالنج له بالصNNمت؛ ولمNNدة خمس دقNNائق على األقNNل ،ظلت غارقNNة في التفكNNير ،وجبينهNNا
مستنٌد على يديها .ثم رفعت رأسها.
"اسNNتمع" ،قNNالت" ،لNNو كنت قNNد كنت جريًئ ا لتقNNديم هNNذا االقNNتراح إلى والNNد كلNNير ،لكNNان قNNد دعNNا خدمNNه
ليطردوك .من أجالل اسمنا يجب أن أفعل الشيء نفسه؛ ولكني ال أستطيع فعل ذلك .أنNNا كبNNيرة في السNNن
ومنعزلة؛ أنا فقيرة؛ وتزعجني اآلفاق المستقبلية لحفيدتي .هذا هو عذري .ومع ذلك ،ال أستطيع الموافقة
على التحدث إلى كلير عن هذا التحالف المريع .ما يمكنني أن أعدك به ،وهذا يعتبر كثيًرا ،هNNو أنNNني لن
أكون ضدك .اتخذ خطواتك الخاصة؛ قدم طلبك لآلنسة دارالنج وحاول إقناعها .إذا قالت "نعم" بإرادتها
الحرة ،فلن أقول "ال"".
السيد دابورون ،متحمس بالسعادة ،كاد أن يعانق السيدة العجوز .اعتبرهNNا أفضNNل وأكNNثر النسNNاء تمNNيًز ا،
دون أن يالحظ سهولة إقناع هذا الروح الفخور .كان يعيش في جنون ،تقريًبا مجنوًنا.
"انتظر!" قNNالت السNNيدة العجNNوز" ،لم تنجح بعNNد في قضNNيتك .أمNNك ،بالتأكيNNد ،كNNانت كوتفNNيز ،ويجب أن
أسامحها على الزواج البائس ،ولكن والدك هNو مجNرد السNيد دابNورون .هNذا االسNم ،عزيNزي ،مضNحك
ببساطة .هNNل تعتقNد أنNNه من السNNهل جعNNل فتNNاة صNNغيرة تNNدعى "دارالنج" لمNNدة تقريًب ا 18عاًم ا تصNNبح
دابورون؟"
لم يبد القاضي اهتماًم ا بهذا االعتراض.
"على أية حال" ،واصلت السيدة العجوز" ،حصNNل والNNدك على كوتفNNيز ،لNNذلك يمكنNNك الفNNوز بNNدارالنج.
على أساس الزواج في العائالت النبيلة ،قد ينتهي األمر بدابورون بالتنبيه" .نصNNحها بشNNكل أخNNير ،تظن
أن كلير هي بما يبدو عليها ،خجولة ،لطيفة ومطيعة .وأخNNبره أنNNه يجب عليNNه أن ينتبNNه ،حيث إنهNNا قويNNة
وشرسة وعنيNدة مثNل المNاركيز والNدها الNذي كNان أسNوأ من حمNار أوفNNيرني .وبمجNرد أن توافNNق كلNير
بإرادتها الحرة ،فإن شروطهما متفق عليها.
غادر القاضي من منزل دارالنج بنجاح ،حيث كان قلبه ينتفخ بالقلق .سار برأس مرفNNوع وصNNدره منتفخ
ويتنفس الهواء النقي بكامل قوة رئتيه .كان سعيًدا جًدا! بدا السماء أزرًقا أكثر بالنسبة له ،والشمس أكNNثر
لمعاًنا .شعر هذا القاضي الجدي برغبة جنونية في إيقNNاف المNNارة ،ليضNNمهم في ذراعيNNه ،ويصNNرخ لهم:
"هل سمعتم؟ الماركيزة وافقت!" سار ،وبدا له أن األرض تتحرك تحت خطواته .إما أنهNNا صNNغيرة جًNNدا
لتحمل كل هذه السعادة ،أو أنه أصبح خفيف الوزن جًدا لدرجة أنه سيطير بعيًدا نحو النجوم.
كم هي كبيرة القالع التي بناها في الهواء بناًء على ما قالته له السيدة دارالنج! سNيقدم اسNتقالته ،وسNيبني
على ضفاف اللوار ،ليس بعيًدا عن تور ،فيال ساحرة صNNغيرة .يNNرى ذلNNك بالفعNNل ،مNNع واجهتهNNا تواجNNه
الشمس الصاعدة ،محاطة بالزهور ،ومظللة بأشجار منتشرة .يفرش هذا المسكن بNNأفخم األسNNاليب .يريNNد
تقديم صندوق مذهل ،يليق باللؤلؤة التي على وشك الحصول عليها .ألنه ليس لديه شNNك ،ال يوجNNد غيمNNة
تحجب األفق المتأللئ بآماله ،وال صوت في قعر قلبه يقف لينادي "احذر!".
منذ ذلك اليوم ،أصبحت زياراته إلى السيدة دارالنج أكثر تكرارًا .يمكن القول إنNNه يعيش في منزلهNNا .في
حين يحافظ على سلوكه االحترامي والمحتفظ تجاه كلير ،يسNNعى جاهًNNدا ليصNNبح شNNيًئا في حياتهNNا .الحب
الحقيقي مبدع .علم كيNNف يتغلب على خجلNNه ،ويتحNNدث إلى حبيبNNة نفسNNه ،ويشNNجعها على الحNNديث معNNه،
ويثير اهتمامها .يذهب في مسعى لجمع كل األخبار إلسعادها .يقرأ كل الكتب الجديدة ،ويحضNNر كNNل مNNا
يصلح لها للقراءة.
بدأ ينجح تدريجيًا ،بفضل الثبات األدق ،في ترويض هذه الفتاة الشابة الخجولة .بدأ يدرك أن خوفهNNا منNNه
قد اختفى تقريًبا ،وأنها لم تعد تستقبله بالهواء البارد والكئيب الذي سبق وأبعدها عنNNه .شNNعر أنNNه يكتسNNب
ثقتها بشكل غير ملحوظ .ما زالت تحمر عندما تتحNNدث معNNه ،ولكنهNNا لم تعNNد تNNتردد في الخطNNاب األول.
حNNتى تجNNرأت في بعض األحيNNان على طNNرح سNNؤال عليNNه .إذا سNNمعت عن مسNNرحية وأرادت معرفNNة
الموضوع ،سيذهب السيد دابورون على الفور لمشNNاهدتها ،ويكتب تقريًNNرا كNNامًال عنهNNا ،وُيرسNNلها إليهNNا
عبر البريد .في بعض األحيان ،تكلفه ببعض المهام الصغيرة الNNتي لن يتنNNازل عن تنفيNNذها حNNتى لسNNفارة
روسية.
مرة واحدة ،قرر أن يرسل إليها باقة زهور رائعة .قبلتها بتعجب مضطرب ،لكنها طلبت منه عدم تكرار
العرض.
جرت الدموع على خديه ،ترك وجوده محطم القلب وأكثر الرجال حزًنا" .ال تحبني" ،فكر" ،لن تحبNNني
أبًدا" .لكن بعد ثالثة أيام ،وهو يبدو حزيًنا جًدا ،طلبت منه شراء بعض الزهور التي كNNانت في الموضNNة
آنذاك ،والتي كانت ترغب في وضعها على مكتبها .أرسل لها ما يكفي لملء المنزل من العلية إلى القبو.
"ستحبني" ،همس لنفسه في فرحته.
لم تتوقف هذه األحداث الصغيرة ولكن الكبيرة عن لعب البيكيه .فقط ،بدأت الفتاة الشابة تظهNNر اهتمامهNNا
باللعب ،وكانت تأخذ جانب القاضNNي تقريًب ا دائًم ا ضNNد السNNيدة دارالنج .لم تفهم اللعبNNة بشNNكل جيNNد ،لكن
عندما يغش الالعب القديم بشكل واضح ،ستالحظ ذلك ،وتقول بابتسامة" :إنها تسرقك ،السيد دابNNورون،
إنها تسرقك!" كان سيمنح ثروته بأكملها ليسمع هذا الصوت الحلو يردده.
كان ذلك في فصل الصيف ،غالًبا ما تقبل ذراعه في المساء ،وفي حين يبقى السNNيدة دارالنج في النافNNذة،
جالسة في كرسيها ،يتجوالن حول الحديقة ،مداعبين الطNNرق المبللNNة بالحصNNى النNNاعم الNNذي يمحNNو آثNNار
خطواتها .تحدثت معه بفرح ،كأخت محبوبة ،بينما كNNان مضNNطًرا إلجبNNار مشNNاعره ،المتنNNاع عن تقبيNNل
رأسها األشقر الصغير ،التي رفعتها الرياح الخفيفة ونثرتها كغيوم صغيرة .في هNذه اللحظNات ،يبNدو لNه
أنه يسير في مسار ساحر مزين بالزهور ،وفي نهايته يظهر السعادة.
عندما حاول التحدث عن آماله للسيدة دارالنج ،كانت تقNNول" :تعNNرف مNNا اتفقنNNا عليNNه .ال كلمNNة .بالفعNNل،
صوت الضمير يوبخني ألني قدمت مثل هذا الشيء .التفكير في أن يكون لي يوًم ا ما حفيدة تدعى نفسNNها
السيدة دابورون! يجب عليك أن تلقي عريضة إلى الملك ،يا صديقي ،لتغيير اسمك".
لو كان هذا المراقب الحاد يدرس شخصية إلهته بدًال من إدمانه على األحالم السعيدة ،فقد يكون قد وضع
نفسه على حذر .وفي الوقت نفسه ،الحظ تغيرات غريبة في مزاجها .في بعض األيام ،كانت سNNعيدة وال
تهتم كأنها طفلة .ثم ،لمدة أسNNبوع ،بقيت حزينNNة ومكتئبNNة .رأى القاضNNي الفتNNاة في هNNذه الحالNNة في اليNNوم
التالي لحفل راقص ،الذي كانت جدتها قد أصرت على أن تحضره ،وتجرأ وسألها عن سبب حزنها.
"أوه! هذا" ،أجابت هي ،وهي تلتهج بتنهد عميق" ،هو سري ،سر حتى جدتي ال تعرفه".
نظر إليها السيد دابورون .اعتقد أنه رأى دمعة بين رموشها الطويلة.
"في يوم من األيام" ،واصلت هي" ،قد أثقفك :ربما يكون ذلك ضروريًا".
كان القاضي أعمى وأصم" .أنا أيًض ا" ،أجاب" ،لدي سر ،أريد االعتراف به إليك بالمثل".
عندما انسحب في منتصف الليل ،قال لنفسه" :غًدا سأعترف بكNل شNيء لهNا ".ثم مNر أكNثر من خمسNين
يوًم ا ،خاللها كرر لنفسه" :غًدا!" وأخيًر ا ،حدث ذلك في مساء من شهر أغسطس؛ كان الحر في النهNNار
مرهًقا ،وفيما اقترب الظالم ،ارتفعت األوراق؛ توجد عالمات على عاصفة في الجو.
جلسا مًعا في أسفل الحديقة ،تحت الكرمة المزينة بالنباتNNات الغريبNNة ،ومن خالل األغصNNان ،رأيNNا ثNNوب
السيدة دارالنج ،التي كانت تتجول بعد عشاءها .بقيا طويًال دون الكالم ،يتمتعان بعطNNر الزهNNور وجمNNال
الليل الهادئ.
تجرأ السيد دابورون على أخذ يد الفتاة الصغيرة .كانت هذه المرة األولى ،ولمسة بشرتها الرقيقة أثNNارت
كل ألياف جسده ،ودفعت الدماء للتدفق إلى دماغه.
"آنسة" ،تلعثم" ،كلير "-
التفت نحوه عيناها الجميلتان ،مليئتان بالدهشة.
"اعُف عّني" ،استمّر هو" ،اعُف عّني .تحّد ثُت مع جّد ِتَك قبل أْن أتجّرأ وأرفَNع عيَنْي إليNNك .أال تفهُم ني؟
كلمٌة من شفتيَك سُتقّرُر سعادتي أو بؤسي المستقبلين .كلير ،اآلنسة ،ال تحتِقريني :أحُّبِك !"
وفيما كان القاضي يتحدث ،نظرت اآلنسة دارالنج إليه وكأنها تشُّك في دَّق ِة حواِس ها؛ لكن عنNNدما نطَNNق
بكلمِة "أحُّبِك " بلغِة العاطفة األكثر تفاًنيًا ،فَّك ت يدها بقوٍة وأطلقت صرخًة مكتومًة.
"أنِت بائسٌة؟" صاَح القاضي أخيًر ا" ،وبسببي؟ كلير ،أنِت قاسيٌة! بحِّق السNNماء ،مNNاذا فعلُت ؟ مNNا األمNNر؟
اتكلمي! أي شيٍء غير هذا القلِق الذي يقتلني".
انحنى على ركبتيه أمامها على الممَّر الحصوي وحاوَل مجدًدا أْن يأخذ يNNدها ،لكنهNNا رَّد ْت عليNNه بإيمNNاءٍة
ترحميٍة.
"دعني أبكي" ،قالْت " ،أشعُر بألٍم شديد ،ستكرهني ،أشعر بذلك .من يعلم ،ربما ستحتِقريني ،ولكني أقسُم
بالسماِء أَّنني لم أتوَّقع ما قلَته لي اآلن ،لم يخطر لي حتى بالشِّك في ذلك!"
"نعم" ،أكملْت كلير" ،ستعتِقُد أَّنَك ُكْنَت ضحيَة تالُع ٍب مقيت .أرى اآلَن ! أفهُم كَّNNل شNNيء! ال ُيمكُن ،دوَن
ُح ٍب عميٍق ،أن ُيصِبَح الرجُل كَّNل مNا ُكْنَت لي .يNا لألسNف! كنُت طفلًNة فحسNبُ ،أعِط يُت نفسNي للسNعادِة
الكبيرِة في وجوِد صديق! ألسُت وحيدًة في العالِم وكأَّنني ضائعٌة في صحراِء ال نهايَة لهNNا؟ كنُت سNNاذجًة
ومتهورًة عندما فتحُت قلبي لك ،كأٍب أفضل ،أكثُر تساُم ًحا".
كشفت هذه الكلمات على القاضي األسفل حجم خطأه .فكما يضربه الكماشة الثقيلNة ،تحّطمت أمامNه أملNه
الهش في ألف جزء .رفع نفسه ببطء ،وبصوت من الالماراة إعتذر قائًال" :والدك!"
شعرت اآلنسة دارالنج كم هي قNد جNرحت هNذا الرجNل الNذي ال يمكنهNا حNتى فهم حّب ه العميNق" .نعم"،
أكملت" ،أنNا أحبNك كNأب! عنNدما أرى أنNك ،الNذي تظهNر عNادًة بالجديNة والتقشNف ،تصNبح لي كلمNاحن
وتسامح ،شكرت السماء إلرسال حامي ليحل محل الذين ماتوا".
لم يستطع السيد دابورون إيقاف نفسه عن النحيب؛ فقد كان قلبه يتحطم.
"كلمٌة واحدٌة" ،استكملت كلير "كلمٌNة واحNNدٌة ،لكNNانت قNNد أضNNاءت لي األمNNر .لمNNاذا لم تنطNNق بهNNا؟ كنُت
سعيدًة للغاية باالعتماد عليك ،كطفNل على أمNNه ،وبNNأي فNNرٍح داخلي قلت لنفسNNي" :أنNNا متأكNNدٌة من وجNNود
صديٍق واحد ،قلٍب واحٍد يتدفُق إليه تفاضلي!"؟ لماذا لم تكن ثقتي أكNNبر؟ لمNNاذا حجبت سNNري عنNNك؟ لقNNد
كنُت أستطيُع تجاوز هذه الكارثNNة المريعNNة .كNNان علّي أن أخNNبرك منُNذ زمٍن بعيNNد .لم أعNNد أملNNك حريNNتي
وسعادتي ،أعطيت حياتي لشخٍص آخر".
كNNان مصNNير السNNيد دابNNورون الحليNNف في السNNحاب ،ثم يسNNقط بقسNNوة على األرض؛ فلم يمكن وصNNف
معاناته" .من األفضل أن أتكلم" ،أجNNاب" ،ولكن ال ،أنNNا مNNديٌن لصNNمتك ،كلNNير ،سNNتكون سNNتة أشNNهر من
األوهام اللذيذة ،ستة أشهر من األحالم الساحرة هي نصيبي من سعادة الحياة".
ما زالت آخر أشعة النهار تتيح للقاضي رؤية اآلنسة دارالنج .كان وجهها الجميل أبيض كالرخام وثابًتا.
تدحرجت الدموع الثقيلة بصمت على خديها .بدا للسيد دابورون أنه يشNNاهد مشNNهًدا مرعًب ا لتمثNNاٍل يبكي.
"أنِت تحبين شخًص ا آخNر" ،قNال أخNيًرا" ،آخNر! وجNدِت شخًص ا يسNتحق حّب ِك ،فلمNاذا ال تقNوم جّNد تِك
بإستقباله؟"
"هناك عوائق معينة" ،همست كلير" ،عوائق قد ال نتمكن من إزالتها ،ولكن فتاة مثلي ال يمكنها أن تحب
سوى مرة واحدة .إما أن تتزوج من من تحب ،أو تنتمي إلى السماء!"
"عوائNNق معينNNة!" ،قNNال السNNيد دابNNورون بصNNوت هامشNNي" .أنِت تحNNبين رجًال ،وهNNو يعلم ذلNNك ،ولكن
العوائق تمنعه؟"
"أنا فقيرة" ،أجابت اآلنسة دارالنج" ،وعائلته غنية جدًا .والده قاٍس وال يرحم".
"والده!" صاح القاضي ،بمرارة لم يكن يحلم بإخفائها" .والده ،وعائلته ،يمنعونه! أنِت فقيرة وهو غNNني،
وهذا يمنعه! ومع ذلك يعلم أنِك تحبينه! لماذا لسُت في مكانه؟ ولماذا ليس لدي الكون بأسNNره ضNNدي؟ مNNا
الذي يمكن أن يقارن بالتضحية من أجل الحب؟ كما أفهمها .أال تكون هذه هي الفرحNNة العظيمNNة بNNدًال من
التضحية؟ العاناة ،والكفاح ،واالنتظار ،واألمNNل الNNدائم ،والتفNNاني الكامNNل في اآلخNNر .هNNذا هNNو تصNNوري
للحب".
هذا الجواب سحق القاضي .يمكنه فهمه .يعرف أنNNه ليس لديNNه أي أمNNل؛ ولكنNNه يشNNعر بمتعNNة مريعNNة في
تعذيب نفسه وإثبات بؤسه بواسطة األلم الشديد.
"لكن" ،أصر" ،كيف تعرفِت عليه ،وتحدثِت إليه؟ أين ومتى؟ ال تستقبل اآلنسة دارالنج أحدًا".
"يجب علّي أن أخبرك بكل شيء اآلن ،سيدي" ،أجابت كلير بكبرياء" .لقد عرفتNNه منNNذ وقت بعيNNد .كNNان
ذلك في منزل أحد أصدقاء جّد تي ،الذي يعتبره عائلته ،اآلنسة غويلو العجوز .هنNNاك تحNNدثنا مNNع بعضNNنا
البعض ،ومنذ ذلك الحين نلتقي مع بعضنا البعض هناك".
"آه!" صاح السيد دابورون ،الذي فتحت عيناه فجأة" ،أتذكر اآلن .قبNل بضNNعة أيNام من زيارتNك لآلنسNة
غويلو ،كنِت أكثر حيويًة مما عهدنا ،وعندما عدِت ،كنِت غالًبا حزينة".
"هذا ألنني أرى كم يتألم بسبب العوائق التي ال يستطيع التغلب عليها" ،أجابت كلير بفخر.
"إذًا ،فعائلته هي الراقية جدًا حتى تحتقر تحالفًا مع عائلتك؟" سأل القاضي بصوت حاد.
"كان يجب علّي أن أخبرك بكل شNيء ،دون االنتظNار ليسNألني أحNد ،سNيدي" ،أجNابت اآلنسNة دارالنج،
"حتى اسمه .يدعى ألبير دي كوماران".
في هذه اللحظة ،كانت الماركيزة ،التي اعتقدت أنها قد مشت بمNا فيNه الكفايNة ،تسNتعد للعNودة إلى غرفNNة
النوم الخاصة بها باللون الNNوردي .لNNذلك ،اقNNتربت من المظلNNة وصNNاحت بصNNوت عNاٍل " :ينتظNNرك لعبNNة
البيكيه ،سيادة القاضي!"
لكن كلير أوقفته" .لم أطلب منك الحفاظ على سري ،سيدي" ،قالت" ،يا لها من ساذجة!"
"أنا أعرف" ،استأنفت كلNNير" ،أنNNني يمكنNNني االعتمNNاد عليNNك ،ولكن ،بغض النظNNر عمNNا سNNيحدث ،فNNإن
هدوئي قد انتهى".
"من المؤكد" ،استمرت كلير" ،أن مNNا لم أراه أنNNا ،الفتNNاة الشNNابة والغNNير مخضNNرمة ،لم يفلت من إشNNارة
جدتي .أنها ال تزال تستقبلك ،وهذا يعد تشجيًعا ضمنًيا لتقديمك للخطبة؛ األمر الذي أراه ،دعNNوني أقNNول،
شرًفا كبيًرا لنفسي".
"لقد ذكرت من قبل ،اآلنسة "،رد القاضي" ،أن الماركيزة قد وافقت على تمنياتي".
ثم روى القاضي بإيجاز لقائه مع مدام دارالنج ،مع الحرص ،بالطبع ،على تجاهل المسNألة الماديNة الNتي
أثرت بشدة على السيدة العجوز.
"أرى بوضوح تأثير هذا على هدوئي" ،قالت كلير بحزن" .عندما تعلم جNNدتي بNNأنني لم أتلNNق خطاباتNNك،
ستغضب كثيرًا".
"أنِت َتْقِد ِر يَنِني ِبَش ْك ٍل َخ اِط ٍئ يNNا اآلنسNNة" ،قNNاطع السNNيد دابNNورون" ،ليس لNNدي شNNيء ألقولNNه للمNNاركيزة.
سأنسحب وسيتم اإلنتهاء من كل شيء .وال شك أنها ستعتقد أني غّيرت رأيي!"
"أنَت طيٌب وكريم ،أعلُم بذلك جيًدا!"
"سأذهب" ،أكمل السيد دابورون" ،وقريًبا ستنسى حتى اسم المسكين الذي تحطمت آماله في الحياة".
"حسًنا ،ال .أحتضن هذا الوهم األخير ،أنك ستتذكرينني فيما بعد بسNعادة .أحياًن ا سNتقولين' :أحّب ني' ،وال
زلُت أرغب في أن أبقى صديقك ،نعم ،صديقك األكثر تفاًني".
ثم قامت كلير بدورها بإمساك يدي السيد دابورون وقالت بحركة مؤثرة" :نعم ،أنَت على حNNق ،يجب أن
تبقى صديقي .دعونا ننسى ما حدث ،ما قلته الليلة ،وتبقى لي ،كما في الماضNNي ،أفضNNل ،وأكNNثر اإلخNوة
تساهاًل ".
وكانت الظالم قد حل ،ولم تستطع رؤيته ،لكنها كانت تعلم أنه كان يبكي ،ألنه كان بطيًئا في الرد.
"هل هNNذا ممكن؟" ،همس بصNNوٍت خNNافٍت" ،أنِت من تتحNNدثين عن نسNNيان؟! هNNل تشNNعرين بالقNNدرة على
النسيان؟! أال ترين أنني أحبك ألف مرة أكثر مما تحبين...؟" توقف عنNNدما حNNاول نطNNق اسNNم كومNNاران،
وثم بجهٍد أضاف" :وسأحبك دائًم ا".
خرجوا من المظلة ،وكانوا اآلن يقفون ليس بعيًدا من الدرج المؤدي إلى البيت.
"واآلن ،اآلنسة" ،استأنف السيد دابورون" ،اسمحي لي أن أقول :وداًعا! ستراني قليًال .لن أعود إال بمNNا
يكفي لتجنب مظهر االنقطاع".
لكن السيد دابورون شعر بالغثيان .لم يكن يستطيع حمل الورق .تلعثم في إبداء بعض األعNNذار السNNخيفة،
تحدث عن األعمال الضرورية ،والواجبات التي يجب االنتبNNاه إليهNNا ،وعن شNNعوره بNNالمرض المفNNاجئ،
وخرج ،متشبًثا بالجدران.
أثارت رحيله غضب الالعبة القديمة .التفت إلى حفيدتها الNNتي ذهبت إلخفNNاء ارتباكهNNا بعيًNNدا عن شNNموع
طاولة الورق ،وسألت" :ما الذي حدث لدابورون هذا المساء؟"
"يبدو لي" ،استمرت المNNاركيزة" ،أن القاضNNي الصNNغير يسNNمح لنفسNNه باتخNNاذ حريNNات غريبNNة .يجب أن
يتذكر مكانته الحقيقية ،أو سينتهي باالعتقاد بأنه مساٍو لنا".
حاولت كلير تفسير سلوك القاضي" :لقد كان يشكو طوال الليل ،جدتي ،ربما هو مريض".
"وإذا كان كذلك؟" صاحت العجوز" .أليس من واجبه ممارسة بعض التحفNNظ ،تقNNديًرا لشNNرف وجودنNNا؟
أعتقد أنني سردت لكم قصة جدكم الكبير ،دوق سانت هورلوج ،الذي اختير لالنضمام إلى فريق الNNورق
الملكي عند عودتهم من الصيد ،ولعب طوال الليل وخسر بأفضل طريقة ممكنة مائتين وعشرين دوالًرا.
الحظ الجميع مرحه وحسن مزاجه .تم التعرف على يوم الغد فقNNط ،أنNNه خالل الصNNيد ،سNNقط من فرسNNه،
وجلس على طاولة الورق الخاصة بجاللته مNNع ضNNلع مكسNNور .لم يقم أحNNد بNNأي تعليNNق ،ألن هNNذا العمNNل
العادي من اللطNNف العNNادي في تلNNك األيNNام كNNان يبNNدو طبيعًي ا تماًم ا .هNNذا الNNدابورون الصNNغير ،إذا كNNان
مريًض ا ،كان يجب أن يثبت أصالته بعدم إبداء أي شيء عن ذلك ،والبقاء للعب الNورق .لكنNه بخNير كمNا
أنا بخير .من يعرف إلى أي لعبة ذهب للعبها في مكان آخر!"
الفصل 7
لم يعد السيد دابورون إلى منزله بعد مغادرته اآلنسة دارالنج .طوال الليل تجول عشوائيًا ،يسعى لتهدئة
جبينه المحموم وتخفيف تعبه الشديد.
"يا حمقى!" قال لنفسه" ،أنا ألف مرة حمقى ألنني أملت ،وصدقت ،أنها ستحبني .أحمق! كيف يمكنني
أن أجرؤ على حلم بامتالك هذا الجمال والنبل والجمال! كانت مثيرة لإلعجاب هذه المساء ،عندما كانت
وجهها مغموًر ا بالدموع! هل يمكن أن يكون هناك شيء أكثر مالئمة؟ ما هو العبارة السامية التعبيرية
التي كانت عيناها تتحدث عنه! يجب أن تحبه كثيرًا! وأنا؟ هي تحبني كأب ،قالت لي بذلك ،كأب! وهل
يمكن أن يكون خالف ذلك؟ أليس هذا هو العدل؟ هل يمكن لشخص مثلي ،الذي يبدو كما لو كان قاضيًا
مكتئبًا وشديد النظرة ،أن يكون حبيًبا في عينيها؟ أليس من الجريمة أن أحلم بتوحيد تلك البراءة العذراء
مع معرفتي الشنيعة بالعالم؟ بالنسبة لها ،المستقبل ما زال أرض األوهام الجميلة ،بينما تالشت كل
خياالتي منذ زمن بعيد .إنها شابة مثل البراءة ،وأنا شخص كهذا الشر".
شعر القاضي الذي ال يسعه الحظ بالخجل الشديد .فهو يفهم كلNNير ،ويعتNNذر لهNNا .ويتNNوب على نفسNNه ألنNه
أظهر لها كيف يعاني؛ إللقاء ظل على حياتها .ال يمكنه أن يغفر لنفسه ألنه تحNNدث عن حبNNه .هNNل لم يكن
يجب عليه أن يتنبأ بما حدث؟ -أنها سترفضه ،وأنه سيحرم نفسه من سNNعادة رؤيتهNNا وسNNماعها والعشNNق
بها صمًتا؟
"يجب أن يكون لدى الفتاة الشابة والرومانسية "،يتابع" ،عشيق يمكنها أن تحلم بNNه ،يمكنهNNا أن تحتضNNنه
في خيالها كمثال ،وتشعر بالرضا عندما تراه مليًئا بالنبل والشجاعة والبطولة .مNNاذا سNNتراه إذا حلمت بي
بعد ذلك؟ ستتخيلني ملفوًفا بثوب جنائزي ،في أعماق زنزانة مظلمة ،يتعامNل مNع جNانين أوحشNاء .أليس
هذا هو مهنتي ،النزول إلى كل الحفر األخالقية ،إلثارة قذارة الجريمة؟ ألسNNت مضNNطًرا لغسNNل المالبس
القذرة ألكثر أعضاء المجتمع فساًدا في السرية والظالم؟ أه ،بعض المهن مميتة .أال يجب على القاضي،
مثل الكاهن ،أن يحكم نفسه على العزلة والعزوبية؟ يعرف كليهما كل شيء ،يسNNمع كNNل شNNيء ،وزيهمNNا
تقريًبا متشابه ،ولكن بينما يحمل الكاهن الرحمة في ثنايا ثوبه األسود ،يحمل القاضي الرعب .األول هNNو
الرحمة ،والثاني هو العقاب .هذه هي الصور التي سNNتتبادر إلى الNNذهن عنNNدما يفكNNر فّي ،بينمNNا اآلخNNر -
اآلخر ."...-
واصل الرجل البائس سيره الهائج على طول األرصفة المهجNNورة .كNNان يNNذهب برأسNNه العNNاري وعينيNNه
مرعوبتين .لتنفس بحرية أكبر ،قام بتمزيق ربطة عنقه بال وعي ورماها إلى الرياح.
في بعض األحيان ،يعبر طريق مارة وحيد ،الNNذي يتوقNNف متNNأثًرا بالشNNفقة ،ويتحNNول لمشNNاهدة الشNNخص
البائس الذي يراه على وشك فقدان عقله .في طريق جانبيNNة ،بNNالقرب من غرينيNNل ،توقNNف بعض ضNNباط
الشNNرطة وحNNاولوا اسNNتجوابه .عNNرض عليهم بشNNكل ميكNNانيكي بطاقتNNه .قرأوهNNا وسNNمحوا لNNه بNNالمرور،
مقتنعين بأنه كان في حالة سكر.
بدأ الغضب -غضًبا شNNديًدا -في اسNNتبدال شNNعوره األول باالستسNNالم .تنNNامت في قلبNNه الكراهيNNة ،أقNNوى
وأكثر عنًفا حتى من حبه لكلNNير .ذلNNك اآلخNNر ،ذلNNك الفيكNNونت العتيNNد ،الNNذي لم يسNNتطع التغلب على تلNNك
العوائق البسيطة ،يا ليته كان هناك تحت ركبته!
في تلك اللحظة ،شعر هذا الرجل النبيل والفخور ،هذا القاضي الصارم والجدي ،برغبة ال يمكن تحملهNNا
في االنتقام .بدأ يفهم الكراهية التي تسلح نفسها بالسكين ،وتتربص في األماكن النائية؛ الNNتي تضNNرب في
الظالم ،سواء من األمام أو من الخلف ال يهم ،ولكنها تضرب ،وتقتل ،وإنما يمكن إشباع ثأرها بالدم.
في تلك الساعة المحددة ،كان من المفترض أن يكون مشغوًال بإجراء تحقيNNق في قضNNية امNNرأة مسNNكينة،
اتهمت بطعن أحد رفاقها البائسين .كانت غيورة على المرأة التي حاولت أن تأخذ حبيبها منها ،الذي كان
جنديًا ،خشن األدب ،ودائًم ا في حالة سكر.
شعر السيد دابورون بالشفقة على هذه المخلوقNNة البائسNNة ،الNNتي بNNدأ في اسNNتجوابها اليNNوم السNNابق .كNNانت
قبيحة جًدا ،بل مقززة حًقا ،ولكن تعبير عينيها عندما تتحدث عن جنديها عاد إلى ذاكرة القاضي.
"إنها تحبه بصدق" ،فكر هو" ،إذا ما عانى كل من أعضاء الهيئة المحلفة ما أعانيه اآلن ،لكNانت بريئة.
ولكن كم من الرجال في هذا العالم يحبون بشغف؟ ربما ال يتجاوز واحًدا من بين عشرين".
قرر أن يوصي بأن تتمتع هذه الفتاة برحمة المحكمة ،وأن يخفف من ذنبها قدر اإلمكان.
لقد قرر بنفسه اآلن القيام بجريمة .كان عازًم ا على قتل ألبرت دي كوماران.
خالل بقية الليل ،أصبح أكثر عزًم ا على هذا القرار ،مثيًرا لنفسNNه أسNNباًبا مجنونNNة ألNNف مNNرة ،وجNNد فيهNNا
الضرورة والتبرير لهذا االنتقام.
في السابعة صباًح ا ،وجد نفسه في أحد أزقة بوا دو بولون ،ليس بعيًدا من البحيرة .توجه على الفNNور إلى
بورت مايو ،حصل على سيارة أجرة ،وتوجه إلى منزله.
ظل في هذا الهذيان طوال الليل ،ولكن بدون معاناة .لم يشعر بالتعب .كان هادًئا وبNNارًدا ،يتصNNرف تحت
سلطة هلوسة ،تقريًبا مثل النائم السائر.
فكر وتفكر ،ولكن بدون عقلNه .فNور وصNوله إلى المNنزل ،تلبس بعنايNة كمNا كNان يفعNل فيمNا سNبق عنNد
زيارته لمNNاركيزة دارالنج ،وخNNرج .زار أوًال حNNرفي الNNدروع واشNNترى مسدًس ا صNNغيًرا ،طلب منNNه أن
يحمله بدقة تحت أعينNNه ،ووضNNعه في جيبNNه .ثم قNNام بزيNNارة أشNNخاص مختلفين يعتقNNد أنهم قNNادرون على
إخباره بنادي الفيكونت .لم يالحظ أحد حالته النفسية الغريبة ،ألن أساليبه ومحادثاته كانت طبيعية للغاية.
لم يكن حتى بعد الظهر حتى قدم له صديق شاب اسم نادي ألبرت دي كوماران ،وعرض عليه أن يقNNوده
إليه ،ألنه كان عضًو ا فيه أيًضا.
قبل مواطنه بدافع الحماسة ،ثّم ر م .دابورون الدعوة ،وتوّجهNNوا مًع ا .خالل المNNرور ،أحكم قبضNNته على
مقبض المسّد س الذي كان يخفيه ،وفّك ر فقط في الجريمNNة الNNتي كNNان عازًم ا على ارتكابهNNا ،وفي وسNNيلة
ضمان دقة هدفه.
"سيحدث هذا فضيًعا" ،فكNNر" ،وخاصNNة إذا لم أنجح في إطالق الرصاصNNة على رأسNNي .سُNأعتقل وُألقى
في السجن ،وُأحاَك م في المحاكم .سيتشّو ه اسمي! باه! ما الفائدة من ذلك؟ إن كلير ال تحبني ،فماذا يهمNNني
بقية األمور؟ والدي سيموت بال شّك من الحزن ،ولكن يجب أن أنتقم!"
عند وصولهما إلى النادي ،أشار صديقه إلى شاب مظلم البشرة جًدا ،وبمظهر متكبر ،أو على األقل هNNذا
ما بدا له ،كان جالًسا على طاولة ويقرأ مراجعة .إنه الفيكونت.
توّج ه م .دابورون نحوه دون أن يستّل سالحه .ولكّنه ،عندما كان على بعد ثنائي األمتار ،ندم على فعلتNNه
فجأة ،وهرب ،مترًك ا صديقه مذهواًل بالمشهد الذي لم يكن يفهمه تماًم ا.
لن يكن ألبرت دي كوماران مرة أخرى قريًبا من الموت بهذا الشكل.
عندما وصل إلى الشارع ،بدا لم .دابNNورون أن األرض تتحNNرك من تحتNNه ،وأن كNNل شNNيء حولNNه يNNدور.
حاول أن يصرخ ،لكنه لم يتمّك ن من إصدار صوت؛ ضرب الهواء بيديه ،وتNNرّنح للحظNNة ،ثّم سNNقط على
األرض.
جرى الماّر ون وساعدوا الشرطة في رفعه .وجNدوا في أحNد جيوبNه عنوانNه ،وحملNوه إلى المNنزل .عنNد
استعادته وعيه ،كان في سريره ،وعند قدم سريره ،الحظ والده.
"ماذا حدث؟" سأل .بحذر شديد ،أخبروه أنه تNNردد لمNNدة سNNتة أسNNابيع بين الحيNNاة والمNNوت .وأن األطبNNاء
أعلنوا إنقاذ حياته ،واآلن ،عندما استعاد عقله ،ستسير األمور على ما يرام.
استنزفه خمس دقائق من الحديث .وأغلق عينيه ،وحNNاول جمNNع أفكNNاره ،لكنهNNا تحNNوم هنNNا وهنNNاك بشNNكل
عشوائي ،مثل أوراق الخريNف في الNريح .بNدت الماضNNي مغّط اة بضNNباب أسNود؛ لكن في وسNط الظالم
واالرتباك ،ظهر كل ما يتعلق بآنسة دارالنج واضًحا ومشرًقا .ظهرت أمامه كل أفعاله منذ لحظة عنNNدما
عانق كلير .ارتعش ،وكان شعره بلحظة مبلاًل بالعرق.
كاد أن يصبح قاتاًل .والدليل على أنه استعاد كامل قدراته العقلية هو أن سؤااًل في القNNانون الجنNNائي وجNNد
طريقه إلى عقله.
"هل كان يجب إدانتي عندما ارتكبت الجريمة؟" يقول لنفسه" .نعم .هل كنت مسؤواًل عن فعلتي؟ ال .هل
الجريمة مجرد نتيجة لالنحراف العقلي؟ هل كنت مجنوًنا؟ أم كنت في ذلك الحالNNة العقليNNة الغريبNNة الNNتي
تسبق عادة المحاولة الغير قانونية؟ من يستطيع القول؟ لماذا لم يمر جميNNع القضNNاة بأزمNNة غNNير مفهومNNة
مثل تلك التي مررت بها أنا؟ ولكن من سيصدقني إذا كنت سأروي تجربتي؟"
بعد بضعة أيام ،تعافى بما فيه الكفاية ليخبر والده بكل شيء .وقفز السيد الكبير على كتفيه وأكNNد لNNه أنهNNا
مجرد ذكرى من هذيانه.
شعر الرجل الكبير الطيب بالحزن عند سماع قصة خطبة ابنه الغNNير محظوظNNة ،دون أن يNNرى في ذلNNك
كارثة ال يمكن إصالحها .نصحه بالتفكير في شيء آخر ،ووضع ثروته بأكملها تحت تصNNرفه ،ونصNNحه
بالزواج من وريثة بواتيفين قوية وسعيدة وصحية جًدا ،التي ستلد له بعض األطفال الجميلين .ثم ،بمNا أن
ممتلكاته تعاني من غيابه ،عاد إلى الوطن .شهران الحًقا ،استأنف القاضي التحقيقات العادية .لكنه ،مهما
حاول ،لم يقوم بواجباته إال كجسد بدون روح .شعر أن شيًئا ما قد انكسر.
مرة واحدة ،قام بزيارة صديقته القديمة ،الماركيزة .عندما رآها ،أطلقت صرخة رعب .اعتبرتNNه شNNبًحا،
ألنه تغير كثيًر ا في المظهر .وألنها كانت تخشى الوجNNوه المحزنNNة ،أصNNبحت بعNNد ذلNNك تغلNNق البNNاب في
وجهه.
كانت كلير مريضة لمدة أسبوع بعNNد رؤيتNNه" .كم أحبNNني" ،فكNNرت لنفسNNها! "لقNNد كNNاد يقتلهNNا! هNNل يمكن
أللبرت أن يحبني بنفس القدر؟" لم تجرؤ على اإلجابة على نفسها .شعرت برغبة في مواساته والتحNNدث
معه ومحاولة شيء ما ،لكنه لم يأِت مرة أخرى.
لم يكن السيد دابورون رجًال يستسلم بدون صراع .حاول ،كما نصNNحه والNNده ،تشNNتيت أفكNNاره .بحث عن
المتعة ،ووجد االشمئزاز ،وليس النسيان .غالبًNا مNNا وصNNل إلى عتبNNة البغNNاء؛ لكن الشNNخص النقي كلNNير،
المرتدي بثياب بيضاء ،كان يحجب األبواب دائمًا أمامه.
ثم احتمى بالعمل ،كالمالذ اآلمن؛ فحكم على نفسه بالعمل الدؤوب األكNNثر اسNNتمرارية ،وحNNرم نفسNNه من
التفكير في كلير ،كما يمنع المريض الذي يعاني من السل نفسه من التأمل في مرضه.
جعلت حماسه ونشاطه الحماسي له سمعة رجل طمNNوح يمكنNNه الوصNNول بعيًNNدا؛ لكنNNه لم يهتم بشNNيء في
العالم.
وأخيًر ا ،وجد ،ليس الراحة ،ولكن الخدر الالوجع الذي يتبع عادة الكNNوارث الكبNNيرة .بNNدأت فNNترة الشNNفاء
النسياني.
هذه هي األحداث التي استدعتها ذاكرة السيد دابورون عندما نطNNق السNNيد تاباريNNه بأسNNم كومNNارين .كNNان
يعتقد أنها دفنت تحت رمNNاد الNNزمن ،وإذا بهNNا تعNNود ،تمامًNا كمNNا تظهNNر تلNNك األحNNرف المرسNNومة بحNNبر
متعاطف عند وضعها أمام النار .في لحظة ،فردت أمام ذاكرته بسرعة حلم يبطل الزمن والمكان.
لبضNNع دقNNائق ،شNNاهد تمثيNNل حياتNNه الخاصNNة .كNNان في نفس الNNوقت الممثNNل والمشNNاهد ،يجلس هنNNاك في
كرسيه ،وفي نفس الوقت يظهر على المسرح .كان يمثل ،وكان يحكم على نفسه.
كانت أولى أفكاره ،يجب االعتراف بها ،هي الكراهية ،تليها شعوٌر مشNNين باالرتيNNاح .قNNدم الصNNدفة هNNذا
الرجل المفضل من قبل كلير إلى يديه ،هذا الرجل الذي لم يعد نNبياًل وال مشNهوًرا بثروتNه وأسNالفه ،بNل
كان نتيجة لعالقة مع سيدة الليل .كNان قNد ارتكب جريمNة قتNل جبانNة للحفNاظ على اسNم مسNروق .وهNو،
القاضي ،على وشك االستمتاع بالشعور الالنهائي بضرب عدوه بسيف العدالة.
لكن هذا كان فكًر ا مؤقًتا .ضميره الحيادي تمرد ضده ،وجعل صوته القوي يسمع.لم يكن السيد دابورون
رجًال يستسNNلم بNNدون صNNراع .حNNاول ،كمNNا نصNNحه والNNده ،تشNNتيت أفكNNاره .بحث عن المتعNNة ،ووجNNد
االشمئزاز ،وليس النسيان .غالبًا ما وصل إلى عتبة البغNNاء؛ لكن الشNNخص النقي كلNNير ،المرتNNدي بثيNNاب
بيضاء ،كان يحجب األبواب دائمًا أمامه.
ثم احتمى بالعمل ،كالمالذ اآلمن؛ فحكم على نفسه بالعمل الدؤوب األكNNثر اسNNتمرارية ،وحNNرم نفسNNه من
التفكير في كلير ،كما يمنع المريض الذي يعاني من السل نفسه من التأمل في مرضه.
جعلت حماسه ونشاطه الحماسي له سمعة رجل طمNNوح يمكنNNه الوصNNول بعيًNNدا؛ لكنNNه لم يهتم بشNNيء في
العالم.
وأخيًر ا ،وجد ،ليس الراحة ،ولكن الخدر الالوجع الذي يتبع عادة الكNNوارث الكبNNيرة .بNNدأت فNNترة الشNNفاء
النسياني.
هذه هي األحداث التي استدعتها ذاكرة السيد دابورون عندما نطNNق السNNيد تاباريNNه بأسNNم كومNNارين .كNNان
يعتقد أنها دفنت تحت رمNNاد الNNزمن ،وإذا بهNNا تعNNود ،تمامًNا كمNNا تظهNNر تلNNك األحNNرف المرسNNومة بحNNبر
متعاطف عند وضعها أمام النار .في لحظة ،فردت أمام ذاكرته بسرعة حلم يبطل الزمن والمكان.
لبضNNع دقNNائق ،شNNاهد تمثيNNل حياتNNه الخاصNNة .كNNان في نفس الNNوقت الممثNNل والمشNNاهد ،يجلس هنNNاك في
كرسيه ،وفي نفس الوقت يظهر على المسرح .كان يمثل ،وكان يحكم على نفسه.
كانت أولى أفكاره ،يجب االعتراف بها ،هي الكراهية ،تليها شعوٌر مشNNين باالرتيNNاح .قNNدم الصNNدفة هNNذا
الرجل المفضل من قبل كلير إلى يديه ،هذا الرجل الذي لم يعد نNبياًل وال مشNهوًرا بثروتNه وأسNالفه ،بNل
كان نتيجة لعالقة مع سيدة الليل .كNان قNد ارتكب جريمNة قتNل جبانNة للحفNاظ على اسNم مسNروق .وهNو،
القاضي ،على وشك االستمتاع بالشعور الالنهائي بضرب عدوه بسيف العدالة.
لكن هذا كان فكًرا مؤقًتا .ضميره الحيادي تمرد ضده ،وجعل صوته القوي يسمع.
"هل يوجد أي شيء أكثر وحشيًة من ارتباط هNNاتين الفكNNرتين ،الكراهيNNة والعدالNNة؟ هNNل يمكن للقاضNNي،
دون أن يحتقر نفسه أكثر مما يحتقر بهؤالء الكائنات البغيضNة الNتي يNدينها ،أن يتNذكر أن المجNرم الNذي
يحكم عليه قد كان عNدوه؟ هNNل يحNNق للقاضNNي التحقيNNق اسNNتخدام صNNالحياته االسNNتثنائية في التعامNNل مNNع
السجين؛ طالما أنه يحمل أدنى نوع من االنتقام منه؟"
وكرر السيد دابورون لنفسه ما كان يفكر فيه بشكل متكرر خالل العام ،عند بNNدء التحقيNNق" :وأنNNا أيًض ا،
تقريًبا قمت بارتكاب جريمة قتل بشعة!"
واآلن كان واجبه أن يأمر بالقبض عليه ،والتحقيق معه ،وتسNNليمه إلى المحكمNNة الجنائيNNة العليNNا ،الرجNNل
الذي كان قد عزم مرة واحدة على قتله.
والعالم كله ،صحيح ،لم يعرف عن هذه الجريمة من الفكر والنيNNة شNNيًئا؛ لكن هNNل يمكنNNه نفسNNه نسNNيانها؟
أليس هذا ،من بين كل األمور ،حالة يجب فيها أن يتنحى عنها؟ أليس من األفضل له أن يتراجع وينظNNف
يديه من الدم الذي سفك ،ويترك لشخص آخر مهمة االنتقام باسم المجتمع؟
حدث للرجل المرتبك مشروٌع من السخاء المجنون" .إذا أنقذته "،همس" ،إذا تركتNNه لهيبتNNه وحياتNNه من
أجل كلير .ولكن كيف يمكنني إنقاذه؟ للقيام بذلك ،يتوجب علّي إخفاء اكتشافات تاباريت القديمNة ،وجعلNه
شريًك ا بضمان صمته .سيتعين علينNNا اتبNNاع مسNNار خNNاطئ ،االنضNNمام إلى جيفNرول في البحث عن قاتNNل
وهمي .هل هذا ممكن؟ باإلضNNافة إلى أن إنقNاذ ألNNبرت يعNNد إهانًNة لنويNNل؛ إنNNه ضNNمان لإلفالت من أكNNثر
الجرائم البغيضة .بإختصار ،هذا ال يزال يضحي بالعدالة من أجل مشاعري".
عانى القاضي كثيًرا .كيف يختار مساًر ا في وسط كل هNNذه الحNNيرة؟ تNNردده القNNوى المختلفNNة ،مNNتردد بين
القرارات المتضادة ،يتأرجح ذهنه من طرٍف إلى طرٍف .
ماذا يستطيع أن يفعل؟ عقله ،بعد هذا الصدمة الجديدة والغير متوقعة ،يحاول بال جدوى استعادة توازنه.
"االستقالة؟" هكذا تساءل القاضي نفسه" .أين ستكون شجاعتي في ذلك؟ أال يتوجب علي أن أظNNل ممثًال
للقانون ،غير معرض للعواطف والتحيز؟ ألسNNت ضNNعيًفا حNNتى ال أسNNتطيع التخلص من شخصNNيتي عنNNد
تولي منصNNبي؟ أال يمكنNNني ،على األقNNل في الNNوقت الحNNالي ،تجاهNNل الماضNNي؟ واجNNبي هNNو متابعNNة هNNذا
التحقيق ،وكلير بنفسها سترغب في أن أتصرف هكذا .هل ستتزوج امرأة رجًال مشNNتبهًا بNNه في جريمNNة؟
ال أبدًا .إذا كان بريئًا ،سينجو؛ وإذا كان مذنبًا ،فليموت!"
كان هذا تفكيرًا سليمًا ،ولكن في أعماق قلبه ،تلك األفكار الخائفة تثقبه بأشواكها .أراد أن يطمئن نفسه.
"هل ما زلت أكره هذا الشاب؟" واصل قائًال" .ال ،بالتأكيد .إذا فضلت كلير عليNNه ،فNNإن األلم هNNو بسNNبب
كلير وليس بسببه .غضبي كان مجرد نوبة هستيرية مؤقتة .سأثبت ذلك ،بالسماح لNNه بتجديNNد الثقNNة فNNيي،
فليجدني مستشاًر ا باإلضافة إلى كوني قاضًيا .إذا كان بريئًا ،فسيستخدم كل الوسائل المتاحة لدي إلثبNNات
براءته .نعم ،أنا جدير بأن أكون قاضيه .السماء ،التي تقNNرأ كNNل أفكNNاري ،تعلم أنNNني أحب كلNNير بمNNا فيNNه
الكفاية ألرغب بصدق في براءة حبيبها".
فقط بعد ذلك ،يبدو للسيد دابورون أنه يدرك بشكل غامض مرور الNوقت .كNانت السNاعة الثالثNة صNNباحًا
تقريًبا.
"يا هللا!" صاح" ،السيد تاباريه ينتظرني .ربما سأجده نائًم ا".
ولكن السيد تاباريه لم ينم .لم يالحظ مرور الوقت كما فعل القاضي.
اقتصرت عشر دقائق عليه إلجراء جرد لمحتويات مكتب السNNيد دابNNورون ،الNNذي كNNان كبNNيرًا ومفروشNNا
بشكل جميل وفًقا لمنصبه وحالته المادية .وبعد أن التقط مصباًح ا ،أعجب من الصور السNNتة الثمينNNة جًNNدا
التي تزين الجدران .ومن ثم فحص بفضول كبير فنون البرونزيات النادرة الموجودة في الغرفة ،ثم ألقى
نظرة متخصصة على الخزانة الكتبية.
بعد ذلك ،التقط صحيفة مسائية من الطاولة وجلس في كرسي واسع أمام المدفأة.
لم يقرأ ثلث المقالة الرئيسية ،التي كانت -كجميع مقاالت األوقات -مشغولة حصًر ا بالقضية الرومانية،
عنNدما تNرك الورقNNة تNنزلق من يديNه وانغمس في التأمNل .فكNرة ثابتNة ،أقNNوى من إرادتNه ،وأكNثر إثNارة
لالهتمام من السياسة ،أعادته بقوة إلى ال جونشير ،حيث انتحرت األرملة لوروج المقتولة .كالطفل الذي
يبني ويهدم بيت الورق مراًر ا وتكNNراًرا ،يNNرتب ويشNNابك سلسNNلة اسNNتنتاجاته وحججNNه بشNNكل متبNNادل في
عقله.
بالنسبة إليه ،لم يكن هناك شك بعد اآلن في هذا األمر الحزين ،وبدا له أن السيد دابورون يشاركه آرائNNه.
ولكن ،ال تزال هناك صعوبات كثيرة يجب مواجهتها!
بين القاضي التحقيق والمتهم ،يوجد محكمة عليا ،مؤسسة رائعة تعد ضNNماًنا للجميNNع ،وسNNيط قNNوي ،هي
المحلفون.
والمحلفون ،الحمد هلل ،ال يكتفون باالقتناع األخالقي .االحتمNNاالت األقNNوى ال يمكن أن تجعلهم يصNNدرون
حكًم ا إيجابًيا.
وضع المحلفون على أرٍض محايدة ،بين االدعاء والدفاع ،يتطلب إثباتNNات ماديNNة وملموسNNة .حيث يNNدين
القاضي التحقيق عشرين مرة واحدة بكل ثقة في ضميره ،يبرئ المحلفون لعدم وجود إثباتات مرضية.
لقد أكد اإلعدام المؤسNف لليسNورك بالتأكيNد اإلفالت من العقNاب للعديNد من الجنNاة؛ لكن من الضNNروري
القول إنه يبرر التردد في قبول اإلثباتات الظرفية في جرائم اإلعدام.
بشكل عام ،يصعب على وزير العدل تأمين إدانة جنائية إال في حاالت القبض على المجرم أثناء ارتكابه
للجريمة ،أو اعترافه بذنبه.
في بعض األحيان ،يكون قاضي التحقيق هو األكثر قلًقا مثل المتهم نفسه .تكون معظم الجNNرائم غامضNNة
بطريقة ما ،ربما ال يمكن فهمها بواسطة العدالNNة والشNNرطة ،ومهمNNة المحNNامي هي اكتشNNاف هNNذا النقطNNة
الضعيفة ووضع دفاع عميله عليها .من خالل إشارته إلى هذا الشNك في ذهن المحلفين ،يNدخل في ذهنهم
عدم الثقة في األدلNNة بأكملهNNا .وغالًب ا مNNا يمكن أن يغNNير اكتشNNاف اسNNتنتاج مشNNوه بNNذكاء مظهNNر القضNNية
بالكامل أمام المحلفين من قضية قوية إلى ضعيفة .تفسير هذا التعقيد يفسNNر الطNNابع العNNاطفي الNNذي يكNNثر
وجوده في محاكم الجنايات.
وكلمNNا تقNدمت الحضNNارة ،زاد الNNتردد والNNتردد لNدى المحلفين في المحاكمNNات الهامNNة .فعبء المسNNؤولية
يضغط على الرجل الذي يحترم ضميره .وبالفعل ،يتراجع أعداد كبيرة عن فكرة عقوبة اإلعNNدام؛ وكلمNNا
وجدت المحلفة نقطة تسمح لها بوجود شك ،فإنها ستتخلص من مسؤولية اإلدانة .لقNNد شNNاهدنا أعNNداًدا من
األشخاص يوقعون نداءات للرحمة للمجرم المحكوم عليNNه ،المحكNNوم على جريمNNة القتNNل األبNNوي! ومنNNذ
لحظة أدائه اليمين ،يولي كل محلف أهمية أقل لألدلة التي يأتي لالستماع إليهNNا ممNNا يوليNNه للخطNNر الNNذي
يواجهه من تحمل آالم الندم .فبدًال من المخاطرة بإدانة رجل بريء واحد ،فإنه سيسمح لعشNNرين شخًص ا
من األشرار بالهروب من العقاب.
يجب أن يNNأتي االتهNNام إلى المحلفين ،مسNNلًحا بكNNل األدلNNة .وهNNذه مهمNNة شNNاقة للقاضNNي التحقيNNق ،ومليئة
بالصعوبات ،وتتطلب ترتيب وتكثيف هذه األدلة ،خاصة إذا كان المتهم يتحلى بالهدوء ومتأكًدا من عNNدم
ترك أي أثر لذنبNه .في هNذه الحNاالت ،يتحNدى المتهم من عمNق زنزانتNه هجNوم العدالNة ،ويضNNحك على
قاضي التحقيق .إنه صراع مرير ،يكفي لجعل اإلنسان يرتجف من مسؤولية القاضNNي ،عنNNدما يتNNذكر أن
هذا الرجل المسجون ،بال عون وال توجيه ،قد يكون بريًئا بعد كل شيء .ومدى صعوبة مقاومة القاضNNي
لضمائره األخالقية!
حتى عندما تشير األدلة الظنية بوضوح إلى الجاني ،ويعترف العقل السليم به ،يضNNطر العNNدل في بعض
األحيان إلى االعتراف بالهزيمة ،نظًر ا لعدم توفر ما يعتبره المحلفNون إثباتNNات كافيNNة لإلدانNNة .وبالتNNالي،
يفلت الكثير من الجرائم من العقاب .وقال أحد المNNدعين العNNامين القNNدامى في يNNوم من األيNNام إنNNه يعNNرف
ثالثة قتلة يعيشون بثراء وسعادة واحترام ،وسينتهي األمر بهم بNNالموت في أسNNرتهم ،ويشNNيعون بNNالحزن
ويمدحون في نعوتهم.
عندما يخطر ببال تاباريه العجوز فكرة هروب القاتل من عقوبNNة جريمتNNه ،يغلي دمNNه بشNNدة ،تNNارًة كأنNNه
يتذكر إهانة قاتلة .في رأيه ،ال يمكن أن يحدث حدٌث مثل هذا إال بسبب عجز المتهمين بالتحقيق األولي،
وخبث الشرطة ،أو غباء قاضي التحقيق" .ليس أنا" ،هكذا يتلفظ متباهيًا بنفسه بفخر النجاح" ،من سيدع
الفريسNNة يفلت .ال يمكن أن يNNرتكب أي جريمNNة دون أن يتم العثNNور على مرتكبهNNا ،إال إذا كNNان مجنونًNا،
ويصعب فهم دافعه .سأقضي حياتي في مطاردة المجرم ،قبل أن أعNNترف بالهزيمNNة ،كمNNا فعNNل جيفNNرول
مرارًا وتكرارًا".
وبمساعدة الصدفة ،نجح تاباريه المحقق الهاوي مرًة أخرى ،وهو يكرر هذا لنفسه .ولكن ،ما هي األدلNNة
التي يمكنه تقديمها لالتهام؟ وما هي الفخاخ التي يمكنه استعمالها إلجبار المتهم الذكي على الخيانة؟ ومNNا
هي الخدع الجديدة والمضمونة التي يستطيع اللجوء إليها؟ يستنزف المحقق الهاوي نفسه في مجموعNNات
دقيقة ولكنها غير عملية ،ويتوقف دائمًا بسبب هذا الجمهNNور المطNNالب الصNNعب .كNNان غارقًNا في أفكNNاره
حتى لم يسمع صوت الباب ولم يدرك وجود القاضي.
"سNNامحني ،السNNيد تاباريNNه ،ألني تركتNNك وحيNNدًا لفNNترة طويلNNة" ،صNNوت القاضNNي دابNNورون يوقظNNه من
تأمالته .قام العجوز وانحنى باحترام.
"وهللا ،سيدي" ،أجاب "لم يكن لدي الوقت ألشعر بوحدتي" .عبر دابورون الغرفة وجلس ،يواجه محققه
أمام طاولة صغيرة مكدسة باألوراق والوثائق المتعلقة بالجريمة .بدا متعبًا جدًا.
"لقد تفكرت كثيرًا" ،بدأ القاضي" ،في هذه القضية"-
"وأنا أيضًا" ،قاطع تاباريه العجوز" ،كنت أتساءل عن سلوك الفيكونت في لحظة اعتقالNNه .ال شNNيء أهم
برأيي من سلوكه في ذلك الوقت .هل سيغضب؟ هل سيحاول تخويف العمالء؟ هNNل سNNيهدد بطNNردهم من
المنزل؟ هذه هي تكتيكات المجرمين ذوي اللقب .ولكن رأيي هو أنNNه سNNيبقى هادئًNا تمامًNا .سNNيعلن نفسNNه
ضحية سوء فهم ،وسيصر على إجNNراء مقابلNNة فوريNNة مNNع قاضNNي التحقيNNق .بمجNNرد أن يتم منحNNه ذلNNك،
سيشرح كل شيء بسرعة كبيرة".
تحدث العجوز عن أمور تخص االستنتاجات بلهجة ثقة بالنفس ،حتى لم يسNNتطع القاضNNي دابNNورون كبح
ابتسامته.
"لم نصل بعد إلى هذا الحد" ،قال القاضي.
"ولكننا سنصل ،في غضون ساعات قليلة" ،رد تاباريه العجوز بسرعة" .أفترض أنNNك سNNتأمر بNNالقبض
على الفيكونت دو كوماران في فجر اليوم".
رجف القاضي ،كمن يرى الجراح يضع أدواته على الطاولة عندما يدخل الغرفة.
لقد حان وقت العمل .شعر القاضي باآلن ما يعد بين القرار العقالني والعمل الجسدي المطلوب لتنفيذه.
"أنت سريع جدًا ،السيد تاباريه" ،قال" ،ال تتعرض ألي عوائق".
"ال يوجد أي عوائق ،بمجرد التأكد من الجاني .من غير الذي يمكنه أن يرتكب هذه الجريمNNة؟ من غNNيره
إال هو الذي كان له مصلحة في إسكات وتدمير شهادة ورثة األرملة ليروج .فقط هو .فقNNير نويNNل ،الNNذي
هو بمثابة األمانة ،حذره وتحرك .إذا فشلنا في تثبيت إدانته ،فإنه سيظل دو كومNNاران أكNNثر من أي وقت
مضى؛ والمحامي الشاب سيكون نويل جيردي حتى الموت".
"نعم ،ولكن"-
ثبت العجوز عينيNNه على القاضNNي بنظNNرة اسNNتغراب" .إذن ،أنت تNNرى بعض الصNNعوبات ،يNNا سNNيدي؟"،
سأله.
"بالتأكيد!" رد القاضي دابورون" .هذا األمر يتطلب أقصى درجات الحذر .في حاالت مثNNل هNNذه ،يجب
أن ال يتم الضرب حتى يتم التأكد ،ولدينا فقNNط افتراضNNات .مNNاذا لNNو كنNNا مخطNNئين؟ العدالNNة ،لألسNNف ،ال
يمكنها إصالح أخطائها .عندما تضع يد العدالة بشكل ظالم على شخص ما ،فإنها تترك طابع العار الذي
ال يمكن محوه أبًدا .قد تدرك خطأهNNا وتعلن ذلNNك بصNNوت عNNاٍل ،ولكن دون جNNدوى! رأي الNNرأي العNNام،
السخيف والغبي ،لن يغفر للرجل المتهم بالشك".
كان العجوز يستمع إلى هذه المالحظات بقلب يغرق في اليأس .لن يمنعه هذا النوع من االعتبارات.
"شكوكنا مبررة جيًNNدا" ،واصNNل القاضNNي" .ولكن ،إذا أدت بنNNا إلى الخطNNأ ،فNNإن عجلتنNNا سNNتكون كارثNNة
فظيعة لهذا الشاب ،دون التحدث عن اآلثNار الNNتي سNNتؤثر في تقليص سNNلطة وكرامNNة العدالNNة ،وتضNNعف
االحترام الذي يشكل قوتها .مثل هذا الخطأ سيستدعي المناقشة ،ويثير الشك في وقت في تاريخنNNا عنNNدما
تميل جميع العقول إلى تحدي السلطات المشكلة".
انحنى على الطاولة ،وبدا وكأنه يفكر عميًقا.
"ليس لدي الحظ" ،فكر تاباريه العجNNوز" .أنNNا أتعامNNل مNNع شNNخص يرتجNNف .عنNNدما يجب أن يتصNNرف،
يصدر خطابات؛ بدًال من توقيع أوامر القبض ،يطرح نظريات .إنNNه مNNذهول من اكتشNNافي ،وال يسNNتطيع
التعامل مع الوضع .بدًال من أن يكون سعيًدا بظهوري بأخبار نجاحنا ،لقد كان سNNيعطي عشNNرين فرنًك ا،
أعتقد ،ليتركه وحده .أه! إنه سيضع األسماك الصغيرة في شباكه بكل سرور ،لكنNNه يخNNاف من األسNNماك
الكبيرة .األسماك الكبيرة خطيرة ،ويفضل السماح لها بالسباحة بعيًدا".
"ربما" ،قال القاضي دابورون بصوت عاٍل " ،سيكون كافيًا إصدار أمر تفتيش ،واستدعاء المتهم للمثول
أمام القضاء".
"فإن كل شيء قد ُفِقد!" صاح تاباريه العجوز" .وما السبب؟"
"ألننا نواجه جاِنًيا ذا قدرات مميزة .حدٌث محظNNوظ جًNNدا وضNNعنا على أثNNره .إذا منحنNNاه الNNوقت للتنفس،
فسNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNيفلت منNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNا".
كان الجواب الوحيد هو انحناء الNرأس ،الNذي قNد يكNون القاضNي دابNورون قصNد بNه اإليمNاء بالموافقNة.
"من الواضح" ،واصل العجوز" ،أن خصمنا توقع كل شNيء ،بالفعNل كNل شNيء ،حNتى إمكانيNة الشNبهة
المرتبطة بشNNخص يحتNNل موقًع ا عالًي ا .أوه! إن احتياطاتNNه قNNد اتخNNذت بالكامNNل .إذا كنتم راضNNين بطلب
حضوره ،فسينجو .سيظهر أمامكم بكل هدوء مثل كاتبك ،بال اهتمام كمNNا لNNو كNNان يNNأتي لNNترتيب مراسNNم
مبارزة .سيقدم لكم دفاًعا رائًعا ،دفاًعا ال يمكن تشكيك به .سيعرض عليكم أنه قضى مساء وليلة الثالثNNاء
مع شخصيات ذات مراتب عالية .وباختصار ،سيكون جهازه الصNNغير مصNNمًم ا بحرفيNNة ،وسNNيتم ترتيبNNه
بشكل جيد ،وسيعمل جميع عجالتNNه بشNNكل رائNNع ،حNNتى لن يتبقى لكم سNNوى فتح البNNاب وإخراجNNه بNNأكثر
االعتذارات التواضعية .الوسيلة الوحيدة لتأمين اإلدانة هي مفاجNNأة المجNNرم بسNNرعة ال يمكنNNه االسNNتعداد
لها .انهالوا عليه مثل الصاعقة ،اعتقلوه عندما يستيقظ ،وجذبوه إلى هنا وهو ال يزال شاحًبا من الدهشة،
واستجوبوه على الفور .أه! لو كنت قاضًيا تحقيق".
توقف تاباريه العجوز فجأة ،خائًفا من فكرة أنه قد يكون قّص ر في االحNNترام ،لكن القاضNNي دابNNورون لم
يظهر أي عالمة على االنزعاج.
"تابع" ،قال بصوت مشجع" ،تابع".
"إفترض ،إذن" ،واصل المحقق" ،أنا هو القاضي المحقق .أقوم بإعتقNال رجلي و ،بعNNد عشNNرين دقيقNة،
يقف أمامي .ال أتسلى بطرح أسئلة متنوعة ومعقدة.
ال ،أذهب مباشرة إلى الهدف .أغرقه بثقل يقيني ،أثبت له بوضوح أني أعرف كNل شNيء ،حNتى يرضNNخ
ويستسلم ،ال يرى أي فرصة للهروب .سأقول له' :صديقي ،جئتNNني بNNدفاعك ،جيNNد جًNNدا ،لكNNني ملم بتلNNك
الطريقة من الدفاع .لن تجدي معي بها .أنا أعرف كNNل شNNيء عن السNNاعات الNNتي ال تحافNNظ على الNNوقت
الصحيح ،وكل األشخاص الذين لم يفارقوا رؤيتك .في الوقت نفسه ،هذا ما فعلت.
في الساعة الثامنة وعشرين دقيقة ،انزلقت ببراعNNة؛ في السNNاعة الثامنNNة وخمسNNة وثالثين دقيقNNة ،أخNNذت
القطار من محطة سانت الزار؛ في الساعة التاسNNعة ،نNNزلت في محطNNة روئيNNل واتجهت نحNNو طريNNق ال
جونشير؛ في الربع بعد التاسعة ،طرقت على نافذة منزل األرملة لوروج ،وتم قبول دخولك .طلبت شNNيًئا
لألكل؛ وفوق كل شيء ،شيًئا للشرب .في الساعة الثامنة وعشرين دقيقة ،غرزت نهاية مسننة من سNNيف
بين كتفيها .قتلتها! ثم أسكبت كNل شNيء في المNنزل وأحNرقت بعض الوثNائق المهمNة؛ ثم ربطت كNل مNا
تمكنت من العثور عليه من األشياء الثمينة في منديل وذهبت بها ،لتجعل الشرطة تعتقNد أن الجريمNة هي
عمل لص .أغلقت الباب ورميت المفتاح بعيدًا .وصلت إلى السين ،وألقيت الحزمة في الماء ،ثم هNNرعت
إلى محطة القطار سيًر ا على األقدام ،وفي الحادية عشرة عدت إلى أصدقائك .لقNNد لعبت لعبتNNك ببراعNNة،
لكنك نسيت أن تتخذ إحتياطات ضد خصمين ،المحقق الذي ال يسهل إخفاؤه ،يNNدعى تNNيراوكالير ،وآخNNر
أكثر ذكاًء ،يدعى الصدفة.
بينهما ،فNNازوا بNNك .عالوة على ذلNNك ،كنت أحمًق ا الرتNNداء حNNذاء صNNغير جًNNدا ،وحافظNNة قفNازات الكيNNد
الخاصة بك ،باإلضافة إلى إرتداء قبعة حريريNNة ومظلNNة تNNزعج نفسNNك بهNNا .اآلن ،اعNNترف بNNذنبك ،فهNNو
الشيء الوحيد الذي تبقى لك القيام به ،وسأعطيك اإلذن لتدخين السNجائر الNترابوكو الرائعNة الNتي تحبهNا
كثيًر ا ،والتي تدخنها دائًم ا بفوهة من العاج".
خالل هذه الخطاب ،زاد السيد تاباريه في الطول بمقدار بضع بوصات ،كNNان حماسNNه كبNNيًرا لهNNذا الحNNد.
نظر إلى القاضي كأنه يتوقع ابتسامة تأييد منه.
"نعم" ،واصل بعد أن استراح للتنفس" ،هذا ما سأقوله وال شيء آخر؛ وإال إذا كان هذا الرجل أكNNثر من
مئة مرة أقوى مما أتخيل ،إذا كان مصنوًعا من البرونز أو الرخام أو الصلب ،فسوف يسقط عنNNد قNNدمي
ويعترف بذنبه".
"ولكن ماذا لو كان مصنوًعا من البرونز" ،قال السيد دابورون" ،وأنه لم يسقط عند قدميك ،فماذا ستفعل
بعد ذلك؟"
كان السؤال يبدو أنه حير العجوز.
"هاه!" ،تلعثم" ،ال أعلم ،سأرى ،سأبحث ،لكنه سوف يعترف".
بعد فترة صمت طويلة ،أخذ السيد دابورون قلًم ا وكتب بعض الكلمات بسرعة.
"أستسلم" ،قال" ،سNNوف يتم اعتقNNال السNNيد ألNNبرت دي كومNNارين .هNNذا محسNNوم .ستسNNتغرق اإلجNNراءات
المختلفة والتفتيشات بعض الوقت ،وأود استخدام هذا الوقت في اسNNتجواب الكNNونت دي كومNNارين ،والNNد
الشاب ،وصديقكم السيد نويل جيردي ،المحامي الشاب .الرسائل التي يمتلكها ضرورية بالنسبة لي".
عنNNNNد ذكNNNNر اسNNNNم جNNNNيردي ،تبNNNNدلت وجNNNNه السNNNNيد تاباريNNNNه إلى تعبNNNNير غNNNNريب من القلNNNNق.
"لعنة هللا" ،صاح" ،هذا ما كنت أخشاه بشدة" ".ماذا؟" سأل السيد دابورون.
"ضرورة فحص تلك الرسائل ،سيكتشف نويل تدخلي .سيحتقرني :سيهرب مNNني عنNNدما يعلم أن تاباريNNه
وتيراوكلير ينامون تحت نفس القبعة .قبل مضي ثمانية أيام ،سيترك أقدم أصNNدقائي مصNNافحتي ،كمNNا لNNو
أنه ليس شرًفا أن يخدم العدالة .سأضطر لتغيير مكان إقامتي وتحمل اسم مستعار".
كان اإلزعاج الذي يشعر به العجوز كبيًر ا لدرجة أنه كاد يبكي .لمس السيد دابورون قلبه.
"ارتاح ،عزيزي السيد تاباريه" ،قNNال" .سNNأتولى أن يجهNNل ابنNNك األكNNبر وابنNNك المتبNNنى ،بنيNNامين ،بكNNل
شيء .سأجعله يعتقد أنني وصلت إليه من خالل أوراق األرملة".
أمسك العجوز بيد القاضي بحماسة من االمتنان وحملها إلى شفتيه" .ألف شكر لك يNNا سNNيدي! أرغب في
أن يسمح لي بمشاهدة االعتقال؛ وسأكون سعيًدا بالمساعدة في التفتيشات".
"كنت أعتزم أن أطلب ذلك منك ،السيد تاباريه" ،أجاب القاضي.
أصبحت اللمبات شاحبة في فجNNر الصNNباح الرمNNادي ،وقNNد بNNدأ الفراغNات يتNNدحرجون؛ إذ كNNانت بNNاريس
تستيقظ.
"ليس لدي وقت للضياع" ،واصل السيد دابورون" ،إذا أردت أن يتم اتخاذ كNل اإلجNراءات بشNكل جيNد.
يجب علي أن أرى النائب العام على الفور ،سNNواء كNNان مسNNتيقًظا أم ال .سNNأذهب مباشNNرة من منزلNNه إلى
قصر العدل ،وسأكون هناك قبل الساعة الثامنة ،وأرغب ،يا سيد تاباريه ،في أن تنتظر هناك أوامNNري".
وأشNNNNNار العجNNNNNوز بالشNNNNNكر وكNNNNNان على وشNNNNNك المغNNNNNادرة عنNNNNNدما ظهNNNNNر خNNNNNادم القاضNNNNNي.
"هNNذه رسNNالة ،سNNيدي" ،قNNال" ،وصNNل بهNNا جنNNدي شNNرطة من بوجيفNNال قبNNل قليNNل .ينتظNNر رًدا".
"حسًنا" ،أجاب السيد دابورون" .اطلب من الرجل أن يتناول بعض المشروبات اللطيفNNة ،أو على األقNNل
اعرض عليه كأًسا من النبيذ".
"'إلى القاضي التحقيقي .يشرفني أن أخبركم بأنني على عتبة الرجل الذي يرتدي أقراًطا .سNNمعت بNNه في
محل للنبيذ دخله صباح األحد ،قبNNل الNNذهاب إلى كNNوخ األرملNNة لNNوروج .اشNNترى ،ودفNNع ثمن لNNترين من
النبيذ؛ ثم ،مفاجأة ،ضرب جبينه وصاح "أحمق قديم! لنسياني بأن غًNدا يNوم احتفNاالت القNارب!" وطلب
فوًر ا ثالثة لترات إضافية .وفًقا للتقNNويم ،يجب أن يسNNمى القNNارب سNNانت مNNارتن .تعلمت أيًض ا أنNNه كNNان
محماًل بالحبوب .أرسل رسالتي إلى الحاكمية في نفس الوقت الذي أرسNNلها إليكم ،حNNتى يمكن االسNNتعالم
في باريس وروان .سيتم العثور عليه في إحدى تلك األماكن .أنا في االنتظار ،سيدي ،إلخ\"'.
"فقير جيفرول!" ،صاح السيد تاباريه ،متفجًرا من الضNNحك" .إنNNه يحضNNر سNNيفه ،والمعركNNة انتهت .أال
تنوي وقف التحقيقات ،سيدي؟"
"ال ،بالتأكيد ال" ،أجاب السيد دابورون؛ "فإهمال أدنى دليل يؤدي في كثير من األحيان إلى الخطNNأ .فمن
يدري ما هو الضوء الذي قد نحصل عليه من هذا البحار؟"
الفصل 8
في نفس اليوم الذي تم اكتشاف جريمة ال جونشNNير ،وتحديًNNدا عنNNدما كNNان السNNيد تاباريNNه يجNNري فحصNNه
الشهير في غرفNNة الضNNحية ،دخNل الNوزير الشNاب ألNبرت دو كومNاران إلى عربتNه وانطلNق إلى محطNة
القطار الشمالية لمقابلة والده.
كان الشاب شاحًبا جًدا؛ فمالمحه المتقشرة ،وعيناه المبهمتان ،وشفتاه الباهتتان ،ومظهره العNام كلNه يNدل
على إما إرهاٍق شديد أو حزٍن غير عادي .لقد الحظ جميع الخدم ،خالل الخمسة أيNNام الماضNNية ،أن سNNيد
الشاب لم يكن في حالته العادية :لم يتحدث كثيًر ا ،ولم يأكل شيًئا تقريًب ا ،ورفض رؤيNNة أي زائNNر .الحNNظ
خادمه أن هذا التغيير الغريب يرجع إلى زيارة السيد نويل جيردي ،الNذي قضNى معNه ثالث سNاعات في
المكتبة صباح األحد الماضي.
كان الوزير الشاب مبتهًجا كالحسون حتى وصNNول هNNذا الشNNخص ،لكنNNه بNNدا كمن على شNNفا المNNوت منNNذ
لحظة مغادرته .وعندما انطلق لمقابلة والده ،بدا الوزير الشاب يعاني بشدة ،حتى طلب منه خادمه السNNيد
لوبان أن ال يخرج ،واقترح عليه أن يتركه في غرفته ويستدعي الطبيب.
ولكن الكونت دو كوماران كان متطلًبا فيما يتعلق بالواجب األبوي ،وكان سيغفر أسوأ السلوكيات الشNNابة
قبل ما يسمى بعدم االحترام .لقد أعلن والده عن وصوله بالبرق قبل 24ساعة ،لذلك كان من المفNNترض
أن يكون المنزل جاهًز ا تماًم ا الستقباله ،وكان غياب ألNNبرت في محطNNة القطNNار سNNيعتبر إهمNااًل فاضًNNحا
للواجب.
وبعد خمس دقائق فقط في غرفة االنتظار ،دق جرس وصNول القطNار .وقريًب اُ ،فِتحت األبNواب المؤديNة
إلى المنصة ،وتدفق المسافرون .وفيما يبدأ الحشد في التقليل قليًال ،ظهر الكونت ،يتبعه خادم يحمل باليز
سفر مبطن بفراء نادر وثمين.
بدا الكونت دو كوماران أصغر بعشر سنوات من عمره .كانت لحيته وشعره ،اللNNذين ال يNNزاالن كNNثيفين،
قد تحوال إلى اللون الرمادي بشكل طفيف .كان طويًال وعضليًا ،يحافظ على وضع مستقيم ،ويرفع رأسه
عالًيا .كان مظهره نبياًل ،وحركاته سهلة .كانت مالمحه المنتظمNة تشNكل دراسNة لعلمNاء الفيزيوغنوميNا،
حيث تعبر جميعها عن الخير واللطف والال مباالة ،حتى الفم الجميل الذي يبتسNNم .ولكن في عينيNNه يتNNألق
أشد فخر وغطرسة .هذا التناقض يكشف سر شخصيته .فهNNو متشNNبث بالتحامNNل األرسNNتقراطي بقNNدر مNNا
كانت الماركيز دي أرالنج ،لكنNه على األقNل تقNدم مNع عصNNره أو على األقNNل يبNدو ذلNك .بالكامNل ،كمNا
الماركيز ،كان يحتقر كل من لم يكن نNNبياًل ؛ لكن ازدراءه انعكس بطريقNة مختلفNة .المNNاركيز كNNانت تعلن
ازدرائها بصوت عاٍل وخشن؛ أما الكونت فلقد حافظ على عينيه وأذنيه مفتوحNNتين وسNNمع ورأى الكثNNير.
كانت الماركيز غبية وال تملك شيًئا من الحكمة العامة .وكان الكونت ذكًيا وحكيًم ا ويمتلNNك رؤى واسNNعة
للحياة والسياسة .كانت الماركيز تحلم بعودة التقاليد السخيفة للعصور السابقة؛ أما الكونت فكان يأمل في
أمور يمكن أن تتحقق بفعل األحداث .كان مقتنًعا بصدق بأن النبالء في فرنسا سيستعيدون ببطء وسرية،
ولكن بالتأكيد ،كل سلطتهم المفقودة ،مع هيبتهم وتأثيرهم.
بعبارة أخرى ،كان الكونت هو صورة مزيفة ُم دَّللة لطبقتNNه؛ وكNNانت المNNاركيز هي كاريكاتيرهNNا .ويجب
أن يضاف إلى ذلك ،أن السيد دو كوماران كان يعNNرف كيNNف يتخلص من تودداتNNه السNNاحقة في حضNNور
نظرائه .هناك كان يستعيد شخصيته الحقيقية ،الكبرياء والثقة بالنفس والعناد ،ويتحمل التناقضNNات تماًم ا
كما يتحمل الحصان البري تطبيق العنان .في منزله ،كان ديكتاتوًرا.
لدرى الكونت دو كوماران نحو ابنه عندما رآه ،فسار إليه ألNNبرت وقبNNل يNNده بطريقNNة نبيلNNة ورسNNمية ،ثم
تبادال األخبار التي جرت خالل غياب الكونت بأسNNلوب سNNريع .وحينئذ فقNNط الحNNظ السNNيد دو كومNNاران
التغيير في وجه ابنه.
"أنت تبدو غير مريح ،يا فيكونت" ،قال الكونت.
"ال ،سيدي "،أجاب ألبرت بكلمة واحدة.
الكونت أطلق "آه!" مصحوًبا بحركة معينة للرأس ،والتي عبرت عن الشك الكامل بالنسبة له؛ ثم ،التفت
إلى خادمه وأعطاه بعض األوامر بإيجاز.
"اآلن" ،استأنف" ،دعنا نذهب بسرعة إلى المنزل .أنا مسNتعجل ألشNعر بالراحNة؛ وأنNا جNائع ،ألنNني لم
أتناول شيًئا اليوم ،سوى بعض الحساء البغيض في إحدى محطات الطريق".
عاد السيد دو كوماران إلى باريس في حالة سوء مNNزاج ،حيث لم تجلب رحلتNNه إلى النمسNNا النتNNائج الNNتي
كان يأملها .وإلضفاء المزيد من عدم الرضا ،قام بالراحة في طريق العودة في قصNNر صNNديق قNNديم ،مNNع
الذي كان قد ناقش بشدة حتى تفرقNNا دون أن يتصNNافحا .وكNNان الكNNونت بمجNNرد أن جلس في عربتNNه على
وشك الحديث عن هذا الخالف.
"لقد تشاجرت مع دوق سيرموز" ،قال البنه.
"يبدو لي أن هذا يحدث كلما التقيتما" ،أجاب ألبرت ،دون النية في التهكم.
"صحيح" ،قال الكونت" :لكن هذا أمر جدي .قضيت أربعة أيام في قصره ،في حالة غضNNب ال يصNNدق.
فقد فقدت كامل احترامي له .قام سيرموز ببيع مزرعته في جوندريسي ،وهي واحدة من أجمل المNNزارع
في شمال فرنسا .وقد قطع األشجار وعرض القصر القديم ،الNNذي يعتNNبر مسNNكًنا أميرًي ا ،للNNبيع في مNNزاد
علني ليتم تحويله إلى مصنع للسكر؛ كل ذلك بهدف ،كما يقول ،زيادة دخله!"
"فهل هذا هو السبب في انفعالكما؟" ،استفسر ألبرت بدون الكثير من الصدمة.
"بالتأكيد كان كذلك! أليس ذلك ما يكفي؟"
"ولكن ،سيدي ،تعلم أن لدى الدوق عائلة كبيرة ،وأنه بعيًدا عن الثراء".
"ماذا عن ذلك؟ إن النبالء الفرنسNNيين الNNذين يNNبيعون أراضNNيهم يرتكبNNون فعًال ال يليNNق بهم .إنهم مNNذنبون
بالخيانة ضد طبقتهم!"
"أوه ،سيدي" ،قال ألبرت بتوسل.
"قلت خيانة!" ،واصل الكونت" .أنا أصر على هذه الكلمة .تذكر جيدًا ،يا ابن الفيكونت ،إن القوة كانت،
وستظل ،على جانب الثروة ،خاصًة على جانب الذين يملكون األرض .فالرجNNال الNNذين عاشNNوا في فNNترة
الثورة الفرنسية عام 1793فهموا هذا المبدأ جيدًا ،وعملوا على تطبيقه .عن طريق إفقار النبالء ،دمروا
مكانتهم بطريقة أكثر فعالية من خالل إلغاء ألقابهم .األمير الذي ينزل عن جواده ،ويخلو من خدمه ،ليس
أكثر من أي شخص آخر.
وزيNNر شNNهر يوليNNو ،الNNذي قNNال للشNNعب "اجعلNNوا أنفسNNكم أغنيNNاء" ،ليس أحمقًNا .لقNNد أعطى لهم الصNNيغة
السNNNحرية للسNNNلطة .ولكنهم ليس لNNNديهم الحكمNNNة لفهمهNNNا .يريNNNدون الNNNذهاب بسNNNرعة كبNNNيرة .يبNNNدأون
بالمضاربات ،ويصبحون أغنياء ،صحيح ،ولكن بماذا؟ أسهم ،سندات ،ورق ،بإختصار ،قمNNاش مخملي.
إنهم يفضلون االستثمار في البضائع ،التي تدفع ثمانية أو عشرة في المائة ،على االستثمار في الكروم أو
الحبوب التي لن تعود سوى بثالثة في المائة .أمNNا المNNزارع فليسNNوا بهNNذه الحماقNNة .فمنNNذ لحظNNة امتالكهم
لقطعة أرض بحجم منديل ،يريدون أن يجعلوها بحجم منشفة.
إنهم بطيئون مثل الثيران التي يحرثون بها ،ولكنهم صبورون ،متمسكون وعنيدون .يسير مباشرة نحNNو
هدفه ،مضغوطًا بشدة ضد الزمام؛ وال شيء يمكن أن يوقفه أو يحوله عن مساره.
إنه يعلم أن األسهم يمكن أن ترتفع أو تنخفض ،والNNثروات يمكن أن تكسNNب أو تفقNد في البورصNNة؛ ولكن
األرض تظل دائمًا ،هي المعيار الحقيقي للثروة .ليصبح المزارعون مالكي أراضي ،يجوعون ،يرتNNدون
الصنادل في الشتاء ،واألغبياء الذين يسخرون منهم سيسNNتغربون الحقًNا عنNNدما يصNNبح المNNزارع بمثابNNة
الثورة الفرنسية في ،1793ويصبح المزارع بارونًا بالسلطة إن لم يكن باالسم".
"أنا الأفهم التطبيق" ،قال الفيكونت.
"أال تفهم؟ لماذا ،ما يفعلNه المNزارع هNو مNا يجب أن يفعلNه النبالء! بعNد أن دمNروا ثNرواتهم ،كNان يجب
عليهم إعادة بناء ثNرواتهم .يحظNر علينNا التجNارة؛ فليكن كNذلك :الزراعNة باقيNة .بNدًال من الشNكوى على
الفارغ ،بدًال من الذهاب إلى الديون ،في محاولة سخيفة لدعم مظهر العظمة ،كان يجب عليهم االنسحاب
إلى مقاطعاتهم ،وعملوا هناك ،وتوفير ،والتنازل عن أنفسهم ،كما يفعل المزارع ،وشراء األرض قطعNNة
بقطعة .لو اتخذوا هذا المسار ،فإنهم سيمتلكون فرنسا اليوم .ثرواتهم ستكون ضNNخمة؛ ألن قيمNNة األرض
ترتفع سنة بعد سنة .لقد زدت ثروتي بدون جهد في ثالثين عاًم ا .بلوفيل ،الذي كلف والدي مائNة تNاج في
عام ،1817يستحق اليوم أكثر من مليون :لذلك ،عندما أسمع النبالء يشكون ،أنا أهز الكتNNف .من سNNوى
أنهم هم الذين مسؤولون؟ إنهم يفقرون أنفسNNهم من عNNام إلى آخNNر .يNNبيعون أراضNNيهم للمNNزارعين .قريًب ا
سيصبحون على حافة الفقNNر ،ويفقNNدون شNNعاراتهم .مNNا يريحNNني هNNو أن المNNزارع ،بعNNد أن أصNNبح مالًك ا
لممتلكاتنا ،سيكون قوًيا جًدا ،وسيجبر هؤالء التجار في األوراق المالية واألسهم ،الذين يكرههم بقدر مNNا
أكرههم أنا ،على العمل تحت عجالت عربته".
توقفت العربة في هذه اللحظة في باحة منزل دو كومارين ،بعد أن قامت بوصNNف نصNNف دائNNرة مثاليNNة،
المجد لسائقي العربات الذين يحافظون على التقاليد القديمة.
نزل الكونت أوًال ،وواضعًا يده على ذراع ابنه ،صعد درج الدخول الرئيسي .في الردهة الواسعة ،وقف
كاديٌنهم كلهم يرتدون زّيات رسمية باهظة الثمن ،في صٍف واحد .نظر الكونت إليهم سريعًا ،كمNNا ينظNNر
الضابط إلى جنوده في االستعراض ،وتوجه إلى شقته في الطابق األول ،فوق صاالت االستقبال.
لم يكن هناك تنظيٌم للمنزل أفضNNل من مNNنزل الكNNونت دو كومNNارين .كNNان يمتلNNك بشNNكل عNNاٍل فن القيNNادة
لجيٍش من الخدم .لم يسبب له عدد خدمه أي إزعاٍج أو حرٍج .كNNانوا ضNNروريين بالنسNNبة لNNه .كNNان تنظيم
هذا المنزل مثالًيا لدرجة أن وظائفه يتم تنفيذها كما لو كانت وظائف آلة ،دون أي ضوضNNاء أو تغيNير أو
جهد.
عندما عاد الكونت من رحلته ،استيقظ الفندق النائم كما لو كNNان بفعNNل سNNحٍر .كNNان كNNل خNNادم في مكانNNه،
واستئناف األعمال التي توقفت خالل األسابيع الستة الماضية دون أي اضطراب .وكون الكونت معروًفا
بأنه قضى اليوم في الطريق ،تم تقديم العشاء مبكًر ا قبل الموعد المعتاد .وكان كل من في المNNنزل ،حNNتى
أدنى الخدم ،يمثل روح المادة األولى في قواعد المنزل "ال يتم تنفيذ األوامر ،وإنما يتم توقعها".
لم يكن السيد دو كومارين قNNد تخلص بعNNد من آثNNار رحلتNNه وتغيNNير مالبسNNه ،حNNتى أعلن خNNادم النبيNNذ أن
العشاء ُم قدم.
نزل األب واالبن على الفور ،والتقيا على عتبة غرفة الطعام .كانت هذه الغرفNNة كبNNيرة ،ومNNزودة بأثNNاث
فخم للغاية ،وكانت جميع غرف الطابق األرضي ذات أسقف عالية جدًا .لم يكن الكNNونت مجNNرد شNNخص
يأكل كثيرًا ،بل كان مغرمًا بشهيته الهائلNNة .كNNان يحب استحضNNار أسNNماء الرجNNال العظمNNاء المشNNهورين
بقدراتهم المعدية .فقد كان الملك تشارلز الخامس يبتلNNع جبNااًل من األطعمNNة .وكNNان الملNNك لNNويس الرابNNع
عشر يبتلع في كل وجبة ما يأكلNه سNتة رجNال عNاديين في وجبNة واحNدة .وكNان يNدعي أنNه يمكن تقريبًNا
التعرف على صفات الرجال من خالل قدراتهم المعدية؛ وقارنهم بالمصابيح التي يتناسب قNNدر إضNNاءتها
مع كمية الزيت التي تستهلكها.
خالل النصNNف األول من السNNاعة األولى ،بقي الكNNونت وابنNNه صNNامتين .كNNان السNNيد دو كومNNارين يأكNNل
بضميٍر حّي ،دون أن يالحظ أو يهتم بأن ألبرت لم يأكل شيئًا ،ولكنه ببساطة جلس على الطاولة كمNNا لNNو
كان يؤيده .عاد سوء المزاج واللغط الغير متوقع للنبيل العجوز مع الحلNNوى ،وبNNدا أنNNه زاد بسNNبب النبيNNذ
البورجوندي الذي كان يفضله ،والذي شرب منه بكثرة.
كان يفضل أيًض ا المناقشة بعد العشاء ،حيث يرى أن المناقشة المعتدلة هي هضٌم مثالي .وأعطته رسNNالة
تم تسليمها له عند وصوله ،وقد وجد الوقت إللقاء نظرة عليها ،موضوًعا ونقطة انطالق.
"وصلت إلى المنزل قبل ساعة فقط" ،قال" ،واستلمت بالفعل موعظة من برويفرسناي".
"إنه يكتب كثيرًا" ،الحظ ألبرت.
"أكثر من الالزم؛ إنه يهدر نفسه في الحبر .يذكر المزيد من مشNNاريعه السNNخيفة وآمالNNه الباطلNNة ،ويNNذكر
أسماء عشرين رجًال من نفس فئته الذين هم شNNركاؤه .بكالمي ،يبNNدو أنهم فقNNدوا عقNNولهم! يتحNNدثون عن
رفع العالم ،فقط يحتاجون إلى مقبض وشيء يستندون عليه .يجعلني أموت من الضحك!"
لمدة عشر دقائق ،واصل الكونت إطالق سيٍل من االنتقNNادات والسNNخرية على أفضNNل أصNNدقائه ،دون أن
يبدو أنه يالحظ أن العديد من عيوبهم التي يسخر منها كانت أيضًا قليًال من عيوبه الخاصة.
"إذا "،استمر بجديNة أكNثر" ،لNو كNان لNديهم ثقNة بأنفسNهم قليًال ،لNو أظهNروا قليًال من الجNرأة! ولكن ال!
يعتمدون على اآلخرين ليفعلوا مNNا يجب عليهم فعلNNه بأنفسNNهم .على اإلطالق ،إجNNراءاتهم هي سلسNNلة من
االعترافات بالعجز واإلعالنات المبكرة عن الفشل".
بعدما تم تقديم القهوة ،قام الكونت بعمل إشارة ،وترك الخدمة الغرفة.
"ال "،استمر" ،أرى أماًل واحًدا فقط لألرسNNتقراطية الفرنسNNية ،نجNNاة واحNNدة ،قNNانون صNNغير جيNNد ،ينص
على حق األولوية لالبن األكبر".
"لن تحصل عليه".
"ال تعتقد ذلك؟ أتعارض ضد هذا اإلجراء ،يا ويسكونت؟"
عرف ألبرت من خالل تجربته ما هو الموضوع الخطير الذي يقترب منه والذي كان يقترب منه والُNNده.
وظل صامًتا.
"إًذ ا ،لنفNNترض أني أحلم بالمسNNتحيل!" اسNNتأنف الكNNونت" .فلتقم باألبنNNاء األصNNغر سNNنًا وبنNNات عائالتنNNا
الكبNNيرة بتخليهم عن حقNNوقهم ،عن طريNNق تنNNازلهم عن المNNيراث بأكملNNه ألول ولNNد لمNNدة خمسNNة أجيNNال،
والرضا بألفي فرنك فقط في السنة .بهذه الطريقة يمكن إعادة بناء الثروات الكبيرة ،وتتحد العائالت بNدًال
من تقسيمها بمجموعة من المصالح المختلفة".
"لألسف "،اعترض الويسكونت" ،الوقت غير مواٍت لمثل هذه التفاني".
"أعلم ذلك يا سيدي" ،رد الكونت بسرعة" ،وفي بيتي الخاص لدي دليل على ذلك .أنNNا ،والNNدك ،حثوتNNك
على التخلي عن فكرة الزواج من حفيدة ذلك الجاهل العجوز ،ماركيزة دارالنج .ولكن بدون جدوى ،لقNNد
اضطررت في النهاية إلى االستسالم لرغباتك".
"أبي "-بدأ ألبرت.
"حسنًا" ،قاطع الكونت" .لديك كلمتي ،ولكن تذكر توقعاتي :ستضرب ضربة قاتلة لبيتنا .سNNتكون واحًNNدا
من أكNNبر المالك في فرنسNNا ،ولكن إذا كNNان لNNديك نصNNف دزينNNة من األطفNNال ،فNNإنهم لن يكونNNوا غنNNيين
بالكاد.وإذا كان لديهم أطفال مثل عددهم ،فربما سترى أحفادك في الفقر!"
"دون شك :فهذا الوسيلة الوحيدة لتوضيح الخطر ودحر الشر .أنت تتحNNدث عن سNNعادتك في حياتNNك .مNNا
هي؟ النبيل الحقيقي يفكر في اسمه قبل كل شيء .مدموزيل دارالنج جميلة جدا وجذابة لكنها فقيرة".
"وماذا عن ذلNNك؟ لقNد أتت بأربعNNة ماليين فرنNNك في حضNNنها -أكNNثر ممNNا يعطيNNه ملNNوك اليNNوم لبنNNاتهم.
باإلضافة إلى ذلك كان لديها توقعات كبيرة".
كانت المناقشة حول هذا الموضوع ستستمر إلى ما ال نهاية لو شNارك ألNبرت فيهNا بنشNاط؛ لكن أفكNاره
كانت بعيدة .أجاب من حين آلخر حتى ال يبNدو وكأنNه أخشNى ،وكNان يجيب ببضNعة مقNاطع فقNط .كNان
غياب المعارضة مثير للغضب بالنسبة للكونت أكثر من أشد التعارض .لذلك حشد كل جهوده لحث ابنNNه
على المناقشة.
ومع ذلك كان سخيا في استخدام الكلمات دون حدود في اإلشارات المزعجة ،حتى أنه فقد سNNيطرته على
نفسه في النهاية وانفجر قائًال" :على كلمتي! ابن الخNNادم سNNيقول نفس مNNاتقول! أي دم في عروقNNك؟ أنت
أشبه بأحد الناس أكثر من كونك فيكونت دي كومارين!"
هناك ظروف ذهنية معينة يصبح فيهNNا أي حNNديث يNNزعج األعصNNاب .خالل السNNاعة األخNNيرة ،تعNNرض
ألبرت لعقاب ال يطاق .الصبر الذي استحوذ عليه أخيًر ا فر منه.
"حسًنا ،يا سيدي" ،أجاب" ،إذا كنت أشبه بأحد الناس ،فقد تكون هناك أسباب جيدة لذلك".
كان النظرة التي رافقت كالم الويسكونت تعبيرية لدرجNNة أن الكNNونت شNNعر بصNNدمة مفاجئة .تركNNه كNNل
حماسه وبصوت متردد ،سأل" :ماذا تقول يا ويسكونت؟"
لم يمِض وقت طويل على قول ألبرت هذه الجملة حتى ندم على عجلته ،لكنه كان قد ذهب بعيًدا ليتراجع
اآلن.
"سيدي" ،أجاب ببعض الحرج" ،لدي بعض المسائل الهامة التي يجب أن أبلغك بهNNا .شNNرفي ،وشNNرفك،
وشرف بيتنا ،كلها متورطة في األمر .كنت أنوي تأجيل هNNذه الحNNديث حNNتى الغNNد ،ال أريNNد إزعاجNNك في
مساء عودتك .ولكن إذا كنت تريدني أن أشرح ،فسأفعل ذلك".
استمع الكونت بقلق ال يمكن إخفاؤه .بدا وكأنه قد تنبأ بما كان ابنه على وشك القNNول بNNه ،وكNNان مرعوًب ا
من نفسه ألنه تنبأ بهذا الشكل.
"صدقني ،يا سيدي" ،استمر ألبرت ببطء" ،بغض النظر عن ما فعلته ،لن يرتفع صNNوتي أبًNNدا التهامNNك.
كانت لطفك المسNNتمر بي محNNل امتنNNاني "-أشNNار السNNيد دي كومNNارين بيNNده" .تهدئNNة األحNNاديث؛ اعطNNني
الحقائق بدون مفردات" ،قال بصوت حاد.
ظل ألبرت لبعض الوقت بدون الرد ،تردد في كيفية البدء.
"سيدي" ،قال بعد حين" ،خالل غيابNNك ،قNNرأت جميNNع المراسNNالت بينNNك وبين السNNيدة جNNيردي .الكNNل!"
أضاف ،يشدد على الكلمة ،التي كانت بالفعل معبرة جًدا.
انفجر الكونت وكأنه تعرض للدغة أفعى وقام بقوة بNNدفع كرسNNيه ،وقNNال بصNNوت عNNاٍل " :ال تتحNNدث بعNNد
اآلن! أنا أحظر عليك التحدث!" ولكنه بال شك شعر بالخجل من عنفه ،فرفع كرسيه بصNNمت ،واسNNتأنف
بصوت حاول جعله خفيًفا ومرًحا" :من سيكون بعNNد ذلNNك يNNرفض االعتقNNاد باإلحساسNNات؟ منNNذ سNNاعتين
فقط ،عندما رأيت وجهك الشاحب في محطNNة القطNNار ،شNNعرت بأنNNك تعلمت شNNيًئا أكNNثر أو أقNNل من هNNذا
األمر .كنت واثًقا من ذلك".
ظل هناك صمت طويل .بات األب واالبن يتجنبان تبادل النظNNرات ،خشNNية أن تصNNادفهما نظNNرات تعNNبر
عن الكثير في هذه اللحظة المؤلمة.
"كنت على حق ،يا سيدي" ،استمر الكونت" ،شرفنا متورط .من المهم أن نقرر سNNلوكنا المسNNتقبلي دون
تأخير .هل تتبعني إلى غرفتي؟"
"ال يوجد أحد في المنزل ،سواء الويسكونت أو أنا ،ألي شخص ،أًيا كان" ،قال السيد دي كومارين.
الفصل 9
الكشف الذي حدث للتو ،لم يفاجئ الكونت دي كومارين بقدر ما أثار غضبه .فمنذ عشرين عاًم ا ،كان
يتوقع دائًم ا رؤية الحقيقة تظهر .علم أنه ال يوجد سر يحرس بعناية شديدة حتى ال يتسرب بالصدفة.
وكانت الحقيقة معروفة ألربعة أشخاص ،ومنهم ثالثة ما يزالون على قيد الحياة.
لم ينس أنه كان غير حذر عندما وثق األمر على الورق ،على الرغم من أنه كان يعلم أنه ال يجب أبًدا
كتابته .كيف يمكن لدبلوماسي حذر ورجل دولة أن يكون بهذه الغباء؟ وكيف سمح لهذه المراسالت
القاتلة بالبقاء في الوجود؟
لماذا لم يدمر هذه األدلة الساحقة ،التي في وقت ما قد تستخدم ضده؟ ال يمكن أن تنجرف إلى هذا الغباء
إال من عاطفة سخيفة ،عمياء وال تشعر حتى بالجنون.
طوال فترة كونه عشيًقا لفاليري ،لم يفكر الكونت في طلب إرجاع رسائله من شريكته المحبوبة .وإذا
كانت الفكرة قد طرأت له ،فقد رفضها كإهانة لشخصية مالكه.
ما هو السبب الذي قد يجعله يشك في احتفاظها بالسرية؟ ال شيء .كان من المرجح بكثير أن يفترض
أنها ترغب في إزالة كل أثر ،حتى األخف ،لما حدث .أليس ابنها هو الذي استفاد من الفعل ،والذي
اغتصب اسًم ا وثروة لشخص آخر؟
وعندما قطع الكونت بعد ثماني سنوات ،مؤمًنا أنها غير وفية ،العالقة التي جلبت له الكثير من السعادة،
فكر في الحصول على هذه المراسالت البائسة .ولكنه لم يعرف كيف يفعل ذلك .كان هناك ألف سبب
يمنعه من التحرك في هذا األمر.
أهمها ،أنه لم يكن يرغب في رؤية هذه المرأة ،التي كان يحبها بشدة .لم يشعر باليقين الكافي إما من
غضبه أو من ثباته .هل يمكنه ،دون االنحناء ،مقاومة االستنجاد المبكي لتلك العيون ،التي سيطرت
عليه لفترة طويلة؟
النظر إلى معشوقته الشبابية مرة أخرى ،كان يخشى أن يؤدي إلى مغفرته لها ،وكان قد أصيب بجرح
مؤلم في كبريائه ومشاعره ليقبل فكرة التصالح.
من ناحية أخرى ،الحصول على الرسائل عن طريق طرف ثالث كان مستحيًال تماًم ا .لذلك ،امتنع عن
أي إجراء ،مؤجاًل ذلك إلى أجل غير محدد" .سأذهب إليها" ،قال لنفسه" ،ولكن ليس حتى أنزعها من
قلبي بحيث تصبح لي بال أهمية .لن أراضيها برؤية حزني".
وبهذا مرت الشهور والسنوات ،وأخيًر ا بدأ يقول ويؤمن أن األمر قد فات األوان .وألكثر من عشرين
عاًم ا ،لم يمر يوم لم يسب فيه نفسه على غبائه الذي ال يغتفر .لم يستطع أبًدا نسيان أن فوق رأسه يعلق
خطر أكثر رعًبا من سيف داموكليس ،معلق بخيط يمكن أن ينكسر بأي حادث أدنى.
واآلن ،قد انقطع هذا الخيط .غالًبا ما سأل نفسه ،عند التفكير في إمكانية مثل هذه الكارثة ،كيف يمكنه
تفاديها؟ لقد صياغ العديد من الخطط ورفضها :غرق نفسه ،مثل جميع الرجال ذوي الخياالت ،في
مشاريع كثيرة ووهمية .واآلن ،وجد نفسه غير مستعد.
وقف الفيكونت أحتراًم ا ،بينما جلس والده على كرسيه الضخم ،تحت اإلطار الكبير الذي يعرض فيه
شجرة العائلة النسبية الشهيرة ريتو دي كومارين مع فروعها الخصبة .كان السيد العجوز يخفي تماًم ا
المخاوف القاسية التي تثقل عليه .لم يبدو مستيقًظا أو محبًطا ،لكن عينيه عبرت عن ازدراء أكثر من
المعتاد وثقة بالنفس مليئة باالزدراء.
"اآلن ،يا فيكونت" ،بدأ بصوت ثابت" ،أوضح لي نفسك .ال يلزمني أن أخبرك بموقف األب الذي
يضطر للخجل أمام ابنه .أنت تفهمه ،وستشعر بي .دعونا ندرج بعضنا البعض ،ونحاول أن نكون
هادئين .قل لي ،كيف حصلت على معرفتك بهذه المراسالت؟"
كانألبرت قد حان الوقت له الستعادة توازنه والتحضير للصراع الحالي ،إذ انتظر بفارغ الصبر أربعة
أيام لهذه المقابلة.
الصعوبة التي واجهها في نطق أول كلماته قد أفسحت اآلن المجال لسلوك كريم وفخور .أعرب
بوضوح وحزم ،دون أن يضيع نفسه في تفاصيل تؤجل النقطة الحقيقية في المسائل الجادة بال داٍع.
"سيدي" ،أجاب "في صباح األحد ،زارني شاب يدعي أن لديه معاملة مهمة جدًا معي .فاستقبلته ،ثم
كشف لي بعد ذلك أنني ،ولألسف ،لست سوى ابنك الشرعي المستبدل بسبب حبك لي ،بدًال من الطفل
الشرعي الذي ولدته مدام دي كومارين".
"ألم تطرد هذا الرجل من الباب؟" صاح الكونت.
"ال ،سيدي .كنت على وشك أن أجيبه بحدة ،بالطبع ،ولكنه قدم لي طردًا من الرسائل ،وطلب مني
قراءتها قبل الرد".
"أها!" صاح السيد دي كومارين" .كان يجب أن تلقيها في النار ،لكان هناك نار ،أظن؟ لقد تمسكت بها
بيديك ،وهي ال تزال موجودة! لماذا لم أكن هناك؟"
"سيدي!" قال ألبرت بلوم .وتذكر الموقف الذي كان قد شغله نويل ضد المدفأة ،والطريقة التي وقف
بها ،ثم أضاف" :حتى لو تبادرت هذه الفكرة إلى ذهني ،فإنها كانت مستحيلة التنفيذ .عالوة على ذلك،
عند النظر األول ،تعرفت على خط اليد الخاص بك .لذلك ،أخذت الرسائل وقرأتها".
"ثم ماذا؟"
"ثم ،سيدي ،أعيدت المراسلة إلى الشاب ،وطلبت تأجياًل لمدة ثمانية أيام؛ ليس للتفكير في ذلك بنفسي -
لم يكن هناك حاجة لذلك -ولكن ألنني أرى أن يجب أن ألتقي بك .لذلك ،أرجوك ،أخبرني هل حدث هذا
االستبدال حًقا".
"بالتأكيد حدث "،أجاب الكونت بعنف" ،نعم ،بالتأكيد .تعلم أنه حدث ،ألنك قرأت ما كتبته إلى مدام
جيردي ،والدتك".
"أعذرني ،سيدي" ،أجاب" ،لقد كانت لدي شكوك جدية ،لكنني لم أتلّق الضمانة الرسمية .جميع الرسائل
التي قرأتها تحّد ثت بوضNNوح عن نّيتNNك ،ووّض حت خطتNNك بالتفصNNيل ،لكّن أًّي ا منهNNا لم يشNNير إلى تنفيNNذ
المشروع أو يؤّك د ذلك بأي شكل من األشكال".
نظر الكونت إلى ابنه بنظNرة اسNتغراب شNديدة .كNان يتNذّك ر جيًNدا كNل الرسNائل ،وكNان يتNذّك ر أّن ه كتب
لفاليري مراًرا وتكراًر ا يفرح بنجاحها ،ويشكرها على موافقتها على رغباته.
"قرأت كل سطر ،سيدي ،وبعنايNة كبNيرة .الرسNالة األخNيرة الNتي عرضNت علّي ،أعلنت لمNدام جNيردي
ببساطة وصول كلودين ليروج ،الممرضة التي كانت مكّلفة باالستبدال .ال أعرف شيًئا بعد ذلك".
"هذه األدلة ال تعني شيًئا" ،تذّم ر الكونت" .ال يمكن أن يخّطط اإلنسان لفترة طويلة ويتراجع في اللحظة
األخيرة ،وهذا يحدث في كثير من األحيان".
انتقد نفسه لإلجابة بسرعة .إّنما كانت لدى ألبرت شكوك جدية فقط ،وقد تحّو لت ليقين .كان ذلك غباًء !
"ال يمكن أن يكون هناك شّك " ،قال لنفسه" .قد دّم رت فاليري الرسائل األكثر قاطعية ،تلك التي بدت لها
األكثر خطورة ،تلك التي كتبتها بعNNد االسNNتبدال .ولكن لمNNاذا حفظت هNNذه األخNNرى ،الNNتي كNNانت مضّNNر ة
بمفردها؟ ولماذا ،بعد الحفاظ عليها ،تركتها تخرج من يدها؟"
بدون حراك ،انتظر ألبرت حرًفا من الكونت .ما الذي سيكون؟ بال شNNك ،كNNان النبيNNل العجNNوز يقّNNرر في
تلك اللحظة ما يجب عليه فعله.
تنهد بعمق .تراجعت جفونه ثالث أو أربع مرات ،كما لو كانت الدمعة على وشك السقوط .شاهده ألبرت
بفضول حريص .كانت هذه المرة األولى التي يرى فيها الفيكونت والده عاطفًة أخNNرى غNNير الطمNNوح أو
الفخر المنتصر أو المهزوم .ولكن M. de Commarinلم يكن رجًال يستسلم للمشاعر لفترة طويلة.
"أخبرني ،يا فيكونت" ،قال" ،من أرسل إليك هذا رسول الشؤم؟"
"جاء شخصًيا ،سيدي ،ولم يرغب في أن يخلNNط أي شNNخص آخNNر في هNNذا األمNNر المحNNزن .الشNNاب ليس
سوى ابنك الشرعي ،السيد نويل جيردي ،الذي احتل مكاني".
"نعم" ،قال الكونت بصوت منخفض" ،نويل ،هذا هو اسمه ،أتذكر" .ثم ،بNNتردد واضNNح ،أضNNاف" :هNNل
تحدث إليك عن والدتك؟"
"بالكاد ،سيدي .قال لي فقط إنه جاء بال علم منها ،وأنه عثر على السر عن طريق الصدفة وكشفه لي".
لم يسأل M. de Commarinأكثر من ذلك .كان هناك المزيد ليتعلمه .بقي لبعض الوقت في التفكNير.
حان الوقت المحدد ،ورأى طريقة واحدة للهروب.
"تعال ،يا فيكونت" ،قال بلهجة مودٍة جعلت ألبرت يندهش" ،ال تقف .اجلس هنا بجNNانبي ،ودعنNNا ننNNاقش
هذه المسألة .دعنا نوحد جهودنا لتجنب هذه الكارثة الكبيرة إن أمكن .ثق بي كما يجب على االبن أن يثق
بوالده .هل فكرت في ما يجب فعله؟ هل وضعت أي تصميم؟"
"يبدو لي ،سيدي ،أن التردد مستحيل" ".كيف؟"
"واجبي ،يا أبي ،واضٌح جًدا .قبل ابنك الشرعي ،يجب أن أستسلم بال تNNذمر ،إن لم يكن بال حNNزن .دعNNه
يأتي .أنا مستعد للتنازل له عن كل شNيء اسNتبقته عنNه لفNترة طويلNة ،دون شNك في الحقيقNة ،حب والNده
وثروته واسمه".
عند هذا الرد األكثر إشادًة ،لم يستطع النبيل العجوز الحفاظ على الهدوء الNذي نصNNح بNه البنNه في بدايNة
المقابلة .ظهرت على وجهه غضٌب شديد ،وضرب الطاولة بقبضته بغضٍب أشد مما فعل في حياته .فقNNد
كان دائًم ا حذًرا ومحتشًم ا في جميع المناسبات ،ولكنه أطلق سلسلة من الشNNتائم الNNتي لم تفتخNNر بهNNا حNNتى
قديًم ا ضابط الفرسان.
"وأقول لك ،سيدي ،أن هذا الحلم الخاص بك لن يتحقق أبًدا .ال؛ لن يحدث ذلك .أقسم لNNك .أِع دك ،بغض
النظر عن ما يحدث ،بأن األمور سNNتبقى على مNNا هي عليNNه ،ألنهNNا إرادتي .أنت فيكNNونت دو كومNNارين،
وستظل فيكونت دو كومارين ،رغمك إن لزم األمر .ستحتفظ بلقبك حتى وفاتNNك ،أو على األقNNل وفNNاتي؛
ألنني لن أسمح أبًدا بتنفيذ فكرتك السخيفة ،ما دامت روحي حّية".
"لكن ،سيدي" ،بدأ ألبرت بخجٍل .
"أنت جNNريٌء جًNNدا لتقNNاطعني أثنNNاء كالمي ،سNNيدي" ،صNNاح الكNNونت" .ألسNNت تعلم بNNأنني أعNNرف كNNل
اعتراضاتك مسبًقا؟ ستقول لي إنها ظلٌم مقيت ،سNNرقٌة شNNريرة .أعNNترف بNNذلك ،وأحNNزن عليNNه أكNNثر ممNNا
يمكنك .هل تعتقد أنني اآلن ألول مرة أشعر بندمي على حماقتي الشبابية؟ لمدة عشرين عاًم ا ،يا سNNيدي،
لقد ندمت على ابني الحقيقي؛ لمدة عشرين عاًم ا ،لقد لعنت الشر الذي تعرض له .ومع ذلك ،تعلمت كيف
أحافظ على الصمت وأخفي الحNNزن والنNNدم الNNذي غطى وسNNادتي باألشNNواك .في لحظNNة واحNNدة ،سNNيجعل
تنازلك الغير مدروس معاناتي الطويلة عديمة الفائدة .ال ،لن أسمح بذلك أبًدا!"
قرأ الكونت الرد على شفاه ابنه ،ولكنه منعه بنظرة حارقة.
"هل تعتقد" ،واصل قائال" ،أنني لم أبِك على فكرة ابني الشرعي يقضي حياته يكافح من أجل االستقرار
المادي؟ هل تعتقد أنني لم أشعر برغبة حارقة في إصالح الخطأ الذي تعرض لNNه؟ كNNانت هنNNاك أوقNNات،
سيدي ،عندما كنت سأعطي نصف ثروتي فقط ألحتضن ذلك الطفل من زوجٍة تقNNدر بعNNد فNNوات األوان.
لكن الخوف من إلقاء الشك على والدتك منعني .لقد تضحيت بنفسي من أجل االسم العظيم الNNذي أحملNNه.
لقد ورثته من أسالفي بال عيب .ليس لديك سوى خياٍر واحد ،سيدي ،البد أن تنسى هNNذا األمNNر .فكNNر في
الفضيحة التي ستحدث إذا كشNفت أسNرارنا للعيNان .أال يمكنNك توقNNع فNNرح األعNداء ،وتلNك الجماعNة من
الشخصيات الصاعدة التي تحيط بنا؟ أشعر بالرعب عندما أفكر في العار والسخرية التي ستلتصق بذلك
االسم .لقد تم تشويه اسم العديد من العائالت بالفعل ،وأنا لن أسمح بذلك في اسم عائلتي".
ظل السيد دي كومارين صامًتا لعدة دقائق ،وفي هذا الوقت لم يجرؤ ألNNبرت على قNNول كلمNNة ،ألنNNه كNNان
معتاًدا منذ الطفولة على احترام أي رغبNNة من رغبNNات الكNNونت الNNرهيب العجNNوز .واصNNل الكNNونت" :ال
يوجد أي طريقة للخروج من هذا .هل يمكنني التخلي عنك غًدا ،وتقديم هذا نويل كNNابني ،قNNائاًل " :عف ًNو ا،
لقد حدث خطأ بسيط ،هذا هو الفيكNNونت؟" ،ثم سNNتتولى المحNNاكم المسNNألة .فمNNا الفائNNدة من تسNNمية أحNNدهم
بنواحي بنواحي بنواحي؟ ولكن عندما يسمى شخٌص فيكNونت دو كومNارين ،حNتى ليNوم واحNد ،يجب أن
يحتفظ بهذا االسم طوال حياته .ال يمكن أن تكNNون نفس القاعNNدة للجميNNع؛ ألن لNNدينا واجبNNات مختلفNNة .في
موقعنا ،األخطاء ال ُتصلح .فخذ الشجاعة ،واظهر نفسك جديرًا باالسNNم الNNذي تحملNNه .العاصNNفة قNNد حّلت
عليك ،فارفع رأسك لمواجهتها".
ساهمت الصالبة التي ظهرها ألبرت في زيادة غضب السيد دي كومارين ،إذ اسNNتمر الNNوزير العتيNNد في
االستماع كما لو أنه يؤدي واجًبا ،دون أي تعبير عن العواطف على وجهه .رأى الكونت أنه لم يتحرك.
"ماذا لديك للرد؟" ،سأله.
"يبدو لي ،سيدي ،أنك ال تملك فكرة عن كل المخاطر التي أراها .من الصعب السيطرة على انتفاضات
الضمير".
"حًقا!" قاطع الكونت بال احترام" ،ضميرك ينتفض؟ لقد اخترت وقتك بشكل سيء .تأخرت جًدا في
الشكوك.
طالما رأيت أن ميراثك يتألف من لقب مشهور وعشرات الماليين ،فقد أرضيتك .اليوم يبدو لك أن االسم
محمل بخطأ كبير ،جريمة إذا أردت ،وينتفض ضميرك.
اترك هذه الحماقة.
األطفال ،سيدي ،مسؤولون أمام آبائهم ،ويجب أن يطيعوهم .سواء أردت أو لم ترد ،يجب أن تكون
شريكي في الجريمة؛ سواء أردت أو لم ترد ،يجب أن تحمل العبء ،كما حملته أنا .ومهما كانت
معاناتك ،فتأكد أنها لن تتجاوز ما تحملته لسنوات عديدة".
"أه ،سيدي!" صاح ألبرت" ،أليس أنا ،المحروم ،هو من تسبب في هذا اإلزعاج؟ أليس المحروم هو
المسؤول عن هذا األمر ،وليس أنا؟ ال تحاول إقناعي ،بل م .نويل جيردي".
"
نويل!" تكرر الكونت.
"ابنك الشرعي ،نعم ،سيدي .تتصرف كما لو أن نتيجة هذا األمر الحزين تعتمد على إرادتي فقط .أتخيل
أنه من السهل التخلص من م .جيردي وإسكاته؟ وإذا رفع صوته ،هل تأمل أن تقنعه باالعتبارات التي
ذكرتها للتو؟"
"ال أخشاه".
"فأنت مخطئ ،سمح لي بأن أخبرك .فلنفترض لحظة أن هذا الشاب لديه روح نبيلة بما يكفي للتخلي عن
مطالبته برتبتك وثروتك .أليس هناك اآلن حقد متراكم لسنوات يحثه على المعارضة لك؟ ال يستطيع أن
يشعر إال باالستياء الشديد للظلم الرهيب الذي تعرض له .يجب أن يتوق بشغف إلى االنتقام ،أو
باألحرى التعويض".
"ليس لديه دليل".
"لديه رسائلك ،سيدي".
"ال تعتبر دلياًل قاطًعا ،كما قلت لي".
"هذا صحيح ،سيدي؛ ومع ذلك ،إقناعوني ،الذين لديهم مصلحة في عدم اإلقناع .باإلضافة إلى ذلك ،إذا
كان يحتاج إلى شهود ،فسيجدهم".
"أنت ،سيدي .في اليوم الذي يرغب فيه ،ستخوننا .فلنفترض أنه تم استدعاؤك أمام محكمة ،وأنه هناك،
تحت اليمينُ ،يطلب منك الحديث بالحقيقة ،فما هي اإلجابة التي ستعطيها؟"
ظل وجه السيد دو كوماران يتحول إلى اللون الداكن في هذا االفتراض الطبيعي جًدا .تردد قليًال ،هو
الذي كان شرفه عادة ما يكون كبيًرا.
هز ألبرت رأسه بشك بالغ" .بسعر الكذب ،يا أبي" ،قال" .لن أصدق ذلك أبًدا .ولكن لنفترض حتى ذلك.
ثم سيستدعي مدام جيردي".
"أنا سأجيب عنها!" صاح الكونت" ،مصالحها هي نفسها مصالحنا .إذا لزم األمر ،سأراها .نعم"،
أضاف بجهد" ،سأزورها ،وسأتحدث إليها ،وأضمن أنها لن تخوننا".
"وكالودين" ،واصل الشاب" ،هل ستصمت ،أيًض ا؟" "مقابل المال ،نعم؛ وسأعطيها ما تريده".
"وأنت ستثق ،يا أبي ،بصمت مشترى ،كما لو أنه يمكن للوازع الضميري أن يتم شراؤه؟ ما يتم بيعه
لك ،قد يتم بيعه لشخص آخر .مبلغ معين قد يغلق فمها ،ومبلغ أكبر سيفتحه".
"سأخيفها".
"تنسى ،يا أبي ،أن كالودين لوروج كانت ممرضة نويل جيردي ،وأنها تهتم بسعادته ،وأنها تحبه .كيف
تعرف أنها لم تؤمن بالفعل بمساعدته؟ تعيش في بوجيفال ،ذهبت إلى هناك ،أتذكر ،معك .بال شك،
يراها في كثير من األحيان؛ ربما هي التي وضعته على مسار هذه المراسالت .تحدث إلَّي عنها ،كما لو
أنه كان متأكًدا من شهادتها .اقترح تقريًبا علَّي الذهاب إليها للحصول على معلومات".
"يا لألسف!" صاح الكونت" .لماذا لم تمت كالودين بدًال من الوفاء جيرمان؟"
"ترى ،سيدي" ،استنتج ألبرت" ،أن كالودين لوروج ستجعل كل جهودكم عبًثا".
"أهًال ال!" صاح الكونت" .سأجد بعض الوسائل".
لم يكن السيد العنيد مستعًدا لالستسالم لهذا الحجة ،حيث أن وضوحها المطلق أعمى له .فخر دمه شل
حسه العملي المعتاد .االعتراف بأنه هزم يذله ،ويبدو له شيًئا ال يليق به .لم يتذكر خالل مسيرته الطويلة
مقاومة ال يمكن الفوز عليها أو عائًقا مطلًقا .كان على غرار جميع الرجال ذوي الخيال الواسع الذين
يقعون في حب مشاريعهم ،والذين يتوقعون أن ينجحوا في جميع المناسبات ،كما لو أن التمني الشديد
كان كل ما يلزم لتحويل أحالمهم إلى حقائق.
تكسر ألبرت هذه المرة الصمت الذي تهدد بأن يمتد.
"أرى ،سيدي" ،قال" ،أنك تخشى ،فوق كل شيء ،العلنية لهذه الحادثة الحزينة .يجعلك الفضيحة
المحتملة يائًسا .لكن ما لم نستسلم ،ستكون الفضيحة رهيبة .سيكون هناك محاكمة ستكون حدًثا يتحدث
عنه الجميع في أوروبا .ستطبع الصحف الحقائق ،مصحوبة بتعليقات الخاصة بها التي ال يعلم أحد ما
هي .سيظهر اسمنا ،مهما كانت نتيجة المحاكمة ،في كل صحف العالم .يمكن تحُّم ل ذلك ،إذا كنا
متأكدين من النجاح؛ لكننا ملزمون بالخسارة ،يا أبي ،سنخسر .ثم فكر في التعرض! فكر في العار
الموجه إلينا من قبل الرأي العام".
"أعتقد" ،قال الكونت" ،أنك ال تحترمني وال تحبني عندما تتحدث بهذه الطريقة".
"من واجبي ،سيدي ،أن أشير إلى الشرور التي أراها تهددنا ،والتي ال يزال هناك وقت لتجنبها.
مونسيور نويل جيردي هو ابنك الشرعي ،اعترف به ،واعترف بمطالبه العادلة ،واستقبله .يمكننا إجراء
التغيير بسهولة .يسهل تفسيره،من خالل خطأ من الممرضة ،كالودين لوروج ،على سبيل المثال .إذا
كان جميع األطراف موافقين ،فلن يكون هناك أي مشكلة بهذا الصدد .ما الذي يمنع الفيكونت الجديد دو
كومارين من مغادرة باريس واالختفاء لبعض الوقت؟ يمكنه السفر حول أوروبا لمدة أربعة أو خمس
سنوات؛ وحين ينتهي األمر ،سيكون كل شيء قد نسي ،ولن يذكر أحدنا".
ال يزال يمكنني رؤية النار المظلمة في عينيه .ال ،لن يقبل أي تسوية .سيطالب بكل شيء أو ال شيء؛
وال يمكنني القول إنه خطأ .إذا مقاومته ،فسيهاجمك دون أدنى اعتبار .سيتشبث بحقوقه بعدوانية عنيدة.
سيجرك من محكمة إلى محكمة؛ ولن يتوقف إال عند الهزيمة الكاملة أو االنتصار الكامل".
كان النبيل العجوز عادة ما يتمتع بالطاعة المطلقة من ابنه ،ولكنه تفاجأ بعناده الغير متوقع.
"ما هو غرضك من قول كل هذا؟" سأل" .هو هذا يا سيدي .لقد كنت سأحتقر نفسي تماًم ا لو لم أمنع هذه
الكارثة العظمى عن تقدم عمرك .اسمك ال ينتمي إلّي ،سأأخذ اسمي .أنا ابنك الطبيعي؛ سأتنازل عن
مكاني البنك الشرعي .اسمح لي باالنسحاب ولو بما يكفي من الشرف بفعل واجبي طوًعا .ال تجبرني
على االنتظار حتى يتم طردي بعيًدا".
"ماذا!" صرخ الكونت مصدوًم ا" .ستتخلون عني؟ ترفض مساعدتي ،تتخذ ضدي ،تعترف بحقوق هذا
الرجل على الرغم من رغباتي؟"
"قراري غير قابل للتراجع" ،أجاب" .ال يمكنني أبًدا الموافقة على تجريد ابنك".
"ولد قاٍس ،غير شاكر!" صرخ السيد دو كومارين .كان غضبه كبيًر ا حتى أنه عندما وجد أنه ال
يستطيع القيام بشيء بالشتائم ،انتقل مباشرة إلى السخرية.
"ولكن ال" ،أكمل" ،أنت عظيم ،أنت نبيل ،أنت ساٍم ،أنت تعمل بأروع نماذج الفروسية ،فيكونت ،ما
يعني ،عزيزي السيد جيردي؛ على طريقة وقت بلوتارك! كذلك تتنازل عن اسمي وثروتي ،وتتركني.
ستهتز من الغبار عن عتبة بيتي؛ وستخرج إلى العالم .ال أرى سوى صعوبة واحدة في طريقك .كيف
تتوقع العيش ،أيها الفيلسوف الستوي؟ "
"أنا مسكين جًدا يا سيد" ،أجاب ألبرت لهذه تدفق اإلهانات" ،وكنت ستسحقني!"
"يا فاجر! ولكن من المالم في المقام االول؟ ولكن لنرجع إلى سؤالي .كيف وعلى أي شيء ستعيش؟
"
"أنا لست مثاليا كما ترضى بالقول يا سيدي .يجب أن أعترف بأنني ،فيما يتعلق بالمستقبل ،اعتمدت
على كرمك .أنت غني لدرجة أن 500ألف فرنك لن تؤثر بشكل كبير على ثروتك؛ ومن عائدات هذا
المبلغ يمكنني العيش هادًئا ،إن لم أكن سعيًدا" .
"أعرفك جيًدا بما يكفي يا سيد ألكون متأكًدا من أنك لن تفعل ذلك .أنت عادل بما فيه الكفاية لكي ال
ترغب في تحملي وحدي عقاب األخطاء التي لست مسؤوال عنها.
ولو تركت لنفسي ،لكنت قد أحرزت مكانة في عمري الحالي .فقدت الوقت لمحاولة بناء وضع اآلن؛
ولكنني سأبذل قصارى جهدي".
"رائع!" قاطع الكونت" .أنت فعال رائع! لم يسمع أحد عن بطل رومانسي مثلك .ما شخصية! ولكن
قل لي ،ماذا تتوقع من كل هذا التنازل الخيالي؟"
"ولذلك فهو متفق عليه أنك تنوي التنازل عن كل شيء؛ حتى تتخلى عن عالقتك المزمعة مع مدموازيل
كلير دارالنج؟ أنت تنسى أنني منذ عامين أعبر عن خيبة أملي الدائمة من هذا الزواج".
" ال يا سيدي .قد التقيت مدموازيل كلير؛ شرحت لها وضعي المؤسف .مهما حدث فقد حلفت أن تكون
زوجتي".
"نرجو ذلك يا سيدي .المركيزة مصابة بما فيه الكفاية بأفكار ملكية تفضل غير الشرعي من نبيل على
ابن تاجر نزيه؛ لكن لو رفضت ،لكنا ننتظر وفاتها ،مع عدم التمني لها".
"هل هذا ابني؟" صرخ" .أبدا! ما الدم الذي في عروقك يا سيد؟ أمك الكريمة وحدها قد تخبرنا ،بشرط
أن تعرف بنفسها".
"يا سيد" ،صرخ ألبرت تهديديا" ،تفكر جيًدا قبل الكالم! هي أمي ،وهذا كاٍف .أنا ابنها ،لست قاضيها.
لن يهينها أحد في حضوري ،لن أسمح بذلك يا سيد؛ وسأتحمله أقل من الكل منك".
بذل الكونت مجهوًدا كبيًر ا للحفاظ على غضبه في حدوده ،لكن سلوك ألبرت غضبه تماًم ا .ماذا ،ابنه
يتمرد ،يجرؤ على مواجهته؟! الشاب يهدده! قام الرجل العجوز بالقفز من كرسيه وتحرك نحو الشاب
كما لو كان سيضربه.
"اترك الغرفة" ،صرخ بصوت يخنقه الغضب" ،اترك الغرفة فورا! اعزل نفسك في حجرتك ،وتأكد
من عدم مغادرتها دون أوامري .غدا سأعلمك بقراري".
ألبرت إنحنى احتراما لكن دون إنحناء عينيه ومشى ببطء إلى الباب .كان قد فتحه بالفعل عندما تعرض
السيد دي كومارين إلنقالبا في المشاعر ،متكرر في األشخاص العنيفين.
كان هذا أمرا مبهجا بالنسبة لهؤالء الرجلين ،ومثل هذا األمر الذي لم يختبره أحدهما تقريبا في حياته،
فقد ضبطا أنفسهما بسبب إتيكيت بارد .شعر الكونت بفخر في ابنه ،واعترف فيه بنفسه في تلك السن.
لفترة طويلة بقيت أيديهما متالصقتان ،دون أن يتمكن أي منهما من تلفظ كلمة.
أخيرا ،عاد السيد دي كومارين إلى مقعده.
"يجب علي أن أطلب منك مغادرتي ألبرت" ،قال بلطف" ،يجب أن أكون وحيدا ألتأمل ،ألحاول التعود
على هذه الضربة الرهيبة".
و ،بينما أغلق الشاب الباب ،أضاف كأنه يطلق أعماق أفكاره" ،إذا تخلى عني من قد وضعت فيه كل
أملي ،فماذا سيصبح مني؟ و ماذا سيكون من اآلخر؟"
حملت مالمح ألبرت ،عندما غادر دراسة الكونت ،آثار االنفعاالت العنيفة التي شعر بها خالل اللقاء.
الحظ الخدم الذين لقيهم بشكل أكبر ،ألنهم سمعوا بعض الشيء من الشجار.
"حسنا" ،قال خادم قديم يعمل مع العائلة منذ ثالثون عاما" ،الكونت عاني سيناريو آخر مأساوي مع
ابنه .العجوز كان في غضب شديد".
تدخل خادم قائال" :الحظت ذلك خالل العشاء" ،إن الكونت ضبط نفسه بما يكفي لعدم االنفجار أمامي؛
ولكنه دار اعينه بشكل عنيف".
"ما الذي قد يكون؟"
"ثوان! هذا أكثر مما يعرفونه أنفسهم .إن دينيس ،الذي يتحدثان أمامه بحرية ،يقول إنهما غالبا ما
يختصمان لساعات عديدة ،مثل الكالب ،حول أشياء ال يستطيع أبدا فهمها".
"أها" ،صرخ شاب تدرب للخدمة" ،لو كنت مكان الفيكونت ،سأجعل العجوز المسكين يهدأ جيدا!".
"يا صديقي جوزيف" ،قال الخادم" ،أنت غبي .قد تكون قد سمحت ألبيك بالمضي قدما بشكل مناسب،
ألنك ال تتوقع حتى خمسة سنتات منه؛ ولقد تعلمت بالفعل كيف تكسب قوتك دون القيام بأي عمل .ولكن
الفيكونت ،أخبرني ماذا يستطيع القيام به ،ماذا يدرك كيف يفعله؟ أضعه في وسط باريس ،بأيٍد فقط
رقيقة كرأس ماله ،وسترى".
"ال أستطيع ،من أجل الحياة" ،قال خادم الغرفة" ،أن أرى ما الذي يجده الكونت ليشتكي منه؛ ألن ابنه
هو نموذج كامل ،ولن أكون حزيًنا لو كان واحًدا مثله .كانت زوجة مختلفة تماًم ا عندما كنت في خدمة
ماركيز دي كورتيفوا .كان واحًدا يصر على عدم شعوره بالرضا .ابنه البكر ،الذي هو صديق
للفيكونت ،والذي يأتي هنا أحياًنا ،هو حفرة دون قاع فيما يتعلق بالمال .سوف يهدر 1000فرنك
بسرعة أكبر من جوزيف يدخن سيجار" .
"ولكن الماركيز ليس غنيا" ،قال رجل عجوز صغير ،ربما كان لديه راتب ضخم بخمسة عشر فرنًك ا؛
"ليس لديه أكثر من ستين ألف فرنك من الدخل على األكثر".
"لذلك يغضب .كل يوم هناك قصة جديدة عن ابنه .كان لديه شقة في المنزل؛ كان يدخل ويخرج عندما
يشاء؛ كان يقضي لياليه في اللعب والشرب؛ كما جنى مع الممثالت إلى أن اضطرت الشرطة للتدخل.
باإلضافة إلى هذا الكل ،كثيرًا ما كان علّي المساعدة في صعوده إلى غرفته ووضعه في السرير ،عندما
أحضر النوادل من المطاعم إلى المنزل في سيارة ،حتى أنه لم يستطع التكلم".
"ها!" صرخ جوزيف بحماس" ،يجب أن خدمة هذا الرجل مربحة للغاية".
"وفًقا للظروف .عندما كان يلعب ،كان سخًيا بماله؛ ولكنه دائًم ا ما كان يخسر :وعندما كان سكراًنا ،كان
لديه عصبية سريعة ،ولم يدخر الضربات .يجب أن أعترف بأن سيجاره كان رائًعا .ولكنه كان غلظ في
حين أن الفيسكونت هنا هو طفل حقيقي للحكمة .هو صارم في عيوبنا ،لكنه ليس قاسيا أبدا أو وحشيا مع
خدمه .ثم إنه موِّح د الكرم؛ والذي على المدى الطويل يدفعنا أفضل .يجب أن أقول إنه أفضل من
األغلبية ،وأن الكونت غير معقول تماًم ا".
هذا كان حكم الخدم .لعل حكم المجتمع أقل إيجابية.
كان لديه ميل واضح للسيدة بروسني في السابق ،ربما أكثر النساء شرا في باريس؛ ولكن هذا كان كل
شيء .رفعت األمهات اللواتي لديهن بنات للزواجهن حكمه؛ ولكن ،منذ عامين ،تحولوا ضده ،عندما
أصبح حبه لمادموازيل دو أرالنج معروفًا جيدًا.
في النادي استهزأوا بحكمته .كان لديه ،مثل اآلخرين ،جنون شبابه؛ ولكنه سرعان ما تكدر مما ُيسمى
بالمتعة .ظهرت المهنة النبيلة لمحبي الطعام والشراب بمظهر متواضع وممل .لم يستمتع بقضاء لياليه
في لعب األلعاب؛ ولم يقدر جمعية تلك النساء الهشات ،اللواتي يعطين شهرة لعشاقهن في باريس.
أكد أن الرجل الكريم ليس بالضرورة محل سخرية ألنه لن يعرض نفسه في المسرح مع هؤالء النسوة.
أخيًر ا ،لم يستطع أحد من أصدقائه تلقيحه بشغف لسباق الخيل.
نظرًا ألن الالشيء كان يمليه ،حاول ،كالطامحين ،إعطاء بعض المعنى لحياته بالعمل .عزم ،بعد فترة،
على المشاركة في الشؤون العامة؛ وكما الحظ استهتار الرجال في السلطة ،أراد تجنب أمثلتهم .شغل
نفسه بالسياسة؛ وهذا كان سبب كل مشاجراته مع والده .كلمة "ليبرالي" كانت كافية لتلقي الكونت في
نوبات؛ وشك في أن ابنه ليبرالي منذ قراءته لمقال للفيسكونتُ ،نشر في "ريفو دو دو موند".
لكن أفكاره لم تمنعه من أداء دوره الرفيع .أنفق بسخاء على العالم دخله الذي جعله ووالده فوق الجميع
قليًال .كان منزله ،المنفصل عن الكونت ،منظمًا كما يجب أن يكون منزل شاب غني .انتعاله لم يترك
شيئا ُيرغب به؛ وكان خيوله ومركباته مشهورة .سعوا بحماس للحصول على دعوات لحفالت الصيد
الكبيرة التي شكلها كل عام نحو نهاية أكتوبر في كومارين - ،قطعة أرض رائعة مغطاة بغابات ضخمة.
حب ألبرت لكلير -حب عميق ومدروس -لم يساهم قليًال في الحفاظ عليه من العادات وحياة االمتالك
اللطيف والممتع الذي تنتهجه أصدقاؤه .إن الرابطة النبيلة دائما ما تكون حصنا عظيما .في مواجهته ،لم
ينجح السيد دي كومارين سوى في زيادة حدتها وضمان استمرارها .هذا الشغف -المزعج للكونت -
كان مصدر أكثر االنفعاالت حيوية وقوية لدى الفيسكونت .تم طرد الملل من وجوده.
كل أفكاره ذهبت في نفس االتجاه؛ كل أفعاله كان لها هدف واحد .هل يستطيع النظر إلى اليمين أو إلى
اليسار عندما يرى الجائزة المرغوبة بشغف في نهاية رحلته؟ قرر أنه لن يكون له زوجة سوى كلير،
رفض والده موافقته بشدة .لقد مضى وقت طويل لتغيير هذا الرفض وهو عمل حياته .أخيرا ،بعد ثالث
سنوات من المثابرة ،تغلب عليه؛ أعطى الكونت موافقته .واآلن ،في اللحظة التي كان ينتقط فيها سعادة
النجاح ،وصل نويل ،ال يرحم كالقدر ،برسائله اللعينة.
عند مغادرته السيد دي كومارين ،وبينما كان يصعد ببطء الدرج الذي أدى إلى شقته ،ذهبت أفكار
ألبرت إلى كلير .ماذا كانت تفعل في تلك اللحظة؟ تفكر فيه بالتأكيد .كانت تعلم أن األزمة ستأتي في تلك
الليلة أو غًدا على األكثر .ربما كانت تصلي .حال ألبرت حال إرهاق شديد؛ شعر رأسه بالدوار وبأنه
سوف ينفجر .طلب خادمه ،وأمر ببعض الشاي.
"أنت تفعل الخطأ في عدم إرسال طبيب ،سيدي" ،قال لوبين ،خادمه" .يجب أن أخالفك وأرسله
بنفسي".
"سيكون بال جدوى" ،أجاب ألبرت بحزن"،ال يمكنه فعل أي شيء لي"
عندما كان الخادم يغادر الغرفة ،أضاف " -ال تقل أي شيء عن سوء حالتي إلى أي شخص يا لوبين؛
ليس هناك أي شيء.إذا شعرت باألسوأ ،سأطرق الجرس ".
في ذلك اللحظة ،رؤية أي شخص ،سماع صوت ،الرد عليه كان أكثر مما يمكنه تحمله .كان يتمنى أن
ُيترك وحده تمامًا.
بعد العواطف المؤلمة الناشئة عن مناقشاته مع الكونت ،لم يستطع النوم .فتح إحدى نوافذ المكتبة ،ونظر
خارجًا .كانت ليلة جميلة :وكانت هناك قمر أليف .عندما يرى في هذه الساعة ،بواسطة ضوء المساء
الخفيف ،المتذبذب ،ظهرت حدائق القصر مرتين أكبر من المعتاد .انبسطت أطراف األشجار الكبيرة
مثل بساط شاسع ،حيث تخفي المنازل المجاورة؛ وظهرت األحواض الزهرية ،المستخرجة بواسطة
الشجيرات الخضراء ،مثل كتل سوداء كبيرة ،بينما تألقت الجزيعات الصغيرة من الصدف ،والقطع
الصغيرة الزجاجية ،والحصى الالمع في الممشى المحافظ عليه بعناية.
طرقت الخيول في االسطبالت ويمكن سماع صوت سالسل ألسنة الخيول وهي تصطدم بالعوارض من
األرواف .في مرآب العربات ،كان الرجال يضعون بعيًدا ليال السيارة ،التي كانت تحفظ طوال المساء،
في حال أراد الكونت الخروج.
ذكرت هذه المحيطات ألبرت بفخامة حياته السابقة .أنهى بأنين عميق.
"هل يجب أن أخسر كل هذا؟ " وكأنه همس" .ال أستطيع ،حتى من أجلي ،التخلي عن هذه الفخامة دون
حزن؛ والتفكير في كلير يجعل أمرًا محزنًا حًقا .ألم أحلم بحياة سعيدة بشكل استثنائي لها ،نتيجة غير
ممكنة تقريًبا دون الثروة؟"
احتسبت مناداة من الكنيسة المجاورة القديسة كلوتيلد ،ونظًر ا لبرودة الليلة ،أغلق النافذة ،وجلس بالقرب
من النار ،التي أزعجها .في أمل الحصول على راحة من أفكاره ،أخذ صحيفة المساء التي تحتوي على
تقرير عن االغتيال في ال جونشير؛ ولكنه وجد من المستحيل قراءتها :رقصت السطور أمام عينيه .ثم ،
فكر في كتابة رسالة إلى كلير .جلس إلى مكتبه ،وكتب" ،غاليتي حبيبتي كلير" ،لكنه لم يتمكن من
الذهاب أبعد من ذلك؛ لم توفر له العقل المشوش أي جملة واحدة.
أخيًر ا ،في مطلع النهار ،انهار على أحد األفرشة ،وسقط في نوم ثقيل شغيل بالظالل.
في التاسعة والنصف من صباح اليوم ،أيقظ بشكل مفاجئ بواسطة صوت الباب وهو يفتح بسرعة .دخل
خادم ،وجهه فزع ،وبالتنفس المختل ،من صعوده الدرج أربع مرات ،بحيث ال يتمكن من التحدث بشكل
صحيح.
"يا سيدي" ،قال" ،فيكونت ،اسرع ،اهرب واختبئ ،أنقذ نفسك ،هم هنا ،هم"..
ظهر مفتش الشرطة ،وهو يرتدي شارته ،عند الباب .تبعه عدد من الرجال ،ويمكن رؤية السيد تاباريه،
وهو يحاول االختفاء قدر اإلمكان.
"نعم يا سيدي".
وضع المفتش يده عليه ،بينما ينطق بالعبارة المعتادة" :السيد دي كومارين ،باسم القانون أعتقلك".
ألبرت ،أيقظ بشكل مفاجئ من أحالمه المؤلمة ،تبدو كأنه لم يفهم تمامًا ما يجري ،سأل نفسه "هل أنا
واقع بالفعل؟ أم هذا كابوس رهيب؟"
ألقى نظرة جاهلة ،محيرة على المفتش ورجاله والسيد تاباريه ،الذي لم يحمل عينيه عنه.
"هذه الوثيقة" ،أضاف المفتش وهو يفتح الورقة .نظر ألبرت تلقائًيا إلى محتوياتها.
ثم بهمس واطئ لكن واضح بما فيه الكفاية ليسمعه المفتش وأحد ضباطه وتاباريه المسن ،أضاف "أنا
ضائع!"
بينما كان المفتش يجري تحقيقات ،والتي تتبع دائًم ا االعتقال ،انتشر ضباط الشرطة في الشقق وبدؤوا
في فحص متأن .تلقوا أوامر باالستماع لتاباريه ،وأرشدهم الرجل المسن في بحثهم ،أجبرهم على فحص
الدروج والخزائن ،وتحريك األثاث للعثور خلفه أو تحته .ضبطوا عددًا من األشياء التابعة للفيكونت -
وثائق ومخطوطات ومراسالت واسعة جدًا؛ لكنه كان بلذة خاصة أن تاباريه وضع يديه على أشياء
معينة ،وصفت بشكل دقيق في ترتيبها الصحيح في تقرير رسمي:
.1في قاعة االستقبال ،المعلقة بجميع أنواع األسلحة ،تم العثور على سيف مكسور وراء األفرشة.
لهذا السيف مقبض غريب وغير مثل تلك التي تباع عادة .فهو مزين بتاج الكونت واألحرف األولية أ.
س .تم كسره تقريبا في المنتصف؛ وال يمكن العثور على الطرف .عند االستجواب ،أعلن الفيسكونت
أنه ال يعرف ما حدث للطرف المفقود.
.2في غرفة التجهيز ،تم العثور على بنطال قماشي أسود ال يزال رطبا ويحمل بقع طين أو باألحرى
فطر .كل الجانب الواحد مدهون بالطحالب الخضراء المشابهة لتلك التي تنمو على الجدران .هناك
شقوق عديدة على الجانب األمامي؛ واحد بالقرب من الركبة حوالي أربع بوصات .لم يتم تعليق هذه
البنطال مع المالبس األخرى؛ بل يبدو أنه تم إخفائه بين خزانتين كبيرتين ممتلئتين بالمالبس.
.3في جيب البنطال المذكور آنفًا تم العثور على زوج قفازات فخارية .شفافية اليد اليمنى تحمل بقعة
خضراء كبيرة ،تنتجها الحشيش أو الطحالب .تم إرهاق طرفي األصابع كأنها باالحتكاك .على ظهور
كال القفازين ثقوب ،تبدو أنها مصنوعة باألظافر.
.4تم العثور أيضا في غرفة التجهيز على زوجين من األحذية ،واحد منها ،على الرغم من نظافته
ولمعانه ،ال يزال رطبا جدًا؛ ومظلة مبتلة حديًثا ،حيث انتهى طرفها ال يزال مغطى بطين ملون.
.5في غرفة كبيرة ،تدعى المكتبة ،تم العثور على صندوق سيجار عالمةترابوكوس ،وعلى المنضدة
عدد من حامالت السيجار من العنبر والصخور.
في آخر ما سجله ،اقترب السيد تاباريه من مفتش الشرطة.
"ولقد انتهيت" ،أجاب المفتش" .سجيننا ال يبدو أن يعرف بالضبط كيف يتصرف .سمعت ما قال.
أعطى في الحال .أتوقع أن تسميه غياب الخبرة".
"في وسط النهار" ،أجاب المخبر غير المحترف بهمس" ،لم يكن سيكون مهزومًا تمامًا .لكن مبكرًا
صباحًا ،إثارة مفاجئة ،تعرف ..أعتقل دائمًا الشخص مبكرًا صباحًا ،عندما يكون جائعًا ونصف مستيقظ
فقط".
"حسنًا؛ سنرى .لكني يجب أن أسرع وأجد القاضي المختص ،الذي ينتظرني بفارغ الصبر".
كان ألبرت يبدأ في التعافي قليًال من الذهول الذي غرق فيه بسبب دخول مفتش الشرطة.
"يا سيدي" ،سأل" ،هل ستسمح لي بالقول بعض الكلمات في حضرتك لكونت كومارين؟ أنا ضحية
بعض الخطأ ،سيتم اكتشافه بسهولة".
"ما تطلبه مستحيل" ،أجاب المفتش" .لدي أوامر خاصة من النوع األصعب .لم تعد تتواصل مع أحد
اآلن فصاعدًا .هناك سيارة أجرة تستننى أسفل .كن لطيفًا ورافقني إليها".
عند عبور فناء االستقبال ،الحظ ألبرت حركة كبيرة بين الخدم؛ كانوا يبدون وكأنهم فقدوا حواسهم.
أصدر السيد دينيس بعض األوامر بنبرة حادة وإلزامية .ثم اعتقد أنه سمع أن كومارين كان قد أصابه
نوبة شلل .بعد ذلك ،لم يتذكر شيء .شبه حملوه إلى السيارة التي ركبت بأسرع ما يمكن للحصانين
الصغيرين .كان تاباريه قد هرع قبل قليل في وسيلة نقل أسرع.
الفصل 10
الزائر الذي يخاطر بنفسه في متاهة الممرات والساللم في قصر العدل ،ويصNNعد إلى الطNNابق الثNNالث في
الجناح األيسر ،سيجد نفسه في صالة طويلة ومنخفضة االرتفNNاع ،يضNNاء بهNNا بضNNعاف النNNور من خالل
نوافذ ضيقة ،وتخترقها أبواب صغيرة بشكل متقطع ،مثل الصالة في الوزارة أو نNزل متNدٍن .إنهNا مكNاٌن
يصعب المشاهدة بتأٍن ،فالخيال يجعله يبدو مظلًم ا ومكئوًبا .إنه يحتاج إلى دانتي لكتابة نقٍش يوضع فNNوق
األبواب التي تؤدي إليه .طوال النهار تهتز األرضيات تحت خطNNوات الجنNNود الNNذين يرافقNNون السNNجناء.
يمكنك بالكاد أن تتذكر أي شيء سوى الشخصيات الحزينة هنNNاك .هنNNاك اآلبNNاء أو األصNNدقاء للمتهمين،
والشهود ،ورجال الشرطة .في هذه الصالة ،بعيدًا عن نظر الناس ،يتم اتباع المنهج القضNNائي .كNNل بNNاب
صغير ،الذي يحمل رقمه المرسوم باألسود ،يفتح على مكتب قاضي التحقيق .جميع الغرف متشابهة:
إذا رأيت واحدة ،فقد رأيتهم جميًعا .ليس لديهم شيء مروع أو حNNزين في حNNد ذاتهم ،ومNNع ذلNNك يصNNعب
دخول أي منهم دون ارتجاف .إنها باردة ،وتبدو جدرانها رطبة بالدموع التي ألقيت هناك .ترتجNNف عنNNد
التفكير في االعترافNNات الNNتي تم اقتناصNNها من الجنNNاة ،واالعترافNNات الNNتي تم كسNNرها بالبكNNاء هنNNاك .في
مكتب قاضي التحقيق ،تتلبس العدالة ثوًبا ال يخيف الجماهير.
ال يزال بسيًطا ،ويميل تقريًبا إلى اللطف .تقول للسجين" ،لدي أسباب قوية لالعتقاد بأنNNك مNNذنب ،ولكن
أثبت لي براءتك ،وسأطلق سراحك" .عند دخول أحد هذه الغرف ،سيتصNNور الغNNريب أنNNه دخNNل متجًNNرا
رخيًص ا بالخطأ .األثاث من النوع األولي ،كما هو الحNNال في جميNNع األمNNاكن الNNتي يتم فيهNNا التعامNNل مNNع
أمور هامة .فمNNا هي أهميNNة المحيNNط للقاضNNي الNNذي يالحNNق مNNرتكب جريمNNة ،أو للمتهم الNNذي يNNدافع عن
حياته؟
الزائر الذي يخاطر بنفسه في متاهة الممرات والدرجات في قصر العدل ،ويصعد إلى الطابق الثالث في
الجناح األيسر ،سيجد نفسه في صالة طويلة ومنخفضة االرتفNNاع ،يضNNاء بهNNا بضNNعاف النNNور من خالل
نوافذ ضيقة ،وتخترقها أبواب صغيرة بشكل متقطع ،مثل الصالة في الوزارة أو نNزل متNدٍن .إنهNا مكNان
يصعب المشاهدة بتأٍن ،فالخيال يجعله يبدو مظلًم ا ومكئوًبا.
إنه يحتاج إلى دانتي لكتابة نقش يوضع فوق األبواب التي تNNؤدي إليNNه .طNNوال النهNNار تهNNتز األرضNNيات
تحت خطNNوات الجنNNود الNNذين يرافقNNون السNNجناء .يمكنNNك بالكNNاد أن تتNNذكر أي شNNيء سNNوى الشخصNNيات
الحزينة هناك .هناك اآلباء أو األصدقاء للمتهمين ،والشNهود ،ورجNال الشNرطة .في هNذه الصNالة ،بعيًNدا
عن نظر الناس ،يتم اتباع المنهج القضائي .كل باب صغير ،الذي يحمNل رقمNه المرسNوم باألسNود ،يفتح
على مكتب قاضي التحقيق .جميع الغرف متشابهة :إذا رأيت واحدة ،فقد رأيتهم جميًعا.
ليس لديهم شيء مروع أو حزين في حد ذاتهم ،ومع ذلNNك يصNNعب دخNNول أي منهم دون ارتجNNاف .إنهNNا
باردة .تبدو جNNدرانها رطبNNة بالNNدموع الNNتي ألقيت هنNNاك .تNNترجف عنNNد التفكNNير في االعترافNNات الNNتي تم
اقتناصها من الجناة ،واالعترافات التي تم كسرها بالبكاء هناك .في مكتب قاضي التحقيق ،تتلبس العدالة
ثوًبا ال يخيف الجماهير .ال يزال بسيًطا ،ويميل تقريًب ا إلى اللطNNف .تقNNول للسNNجين" ،لNNدي أسNNباب قويNNة
لالعتقاد بأنك مذنب ،ولكن أثبت لي براءتك ،وسأطلق سراحك" .عند دخول أحد هذه الغرف ،سيتصNNور
الغريب أنه دخل متجًرا رخيًص ا بالخطأ .األثاث من النوع األولي ،كما هو الحال في جميع األماكن الNNتي
يتم فيها التعامل مع أمور هامة .فما هي أهمية المحيط للقاضي الNNذي يالحNNق مNNرتكب جريمNNة ،أو للمتهم
الذي يدافع عن حياته؟
يتألف األثاث الكامل للNNرواق الخNNارجي لمحكمNNة الجنايNNات من مكتب مليء بالوثNNائق للقاضNNي ،وطاولNNة
للكاتب ،وكرسي مNNريح ،وكرسNNي أو اثNNنين بجانبNNه .تعلNNو الجNNدران ورقًNا أخضNNر ،والسNNتائر خضNNراء،
واألرضيات مغطاة بنفس اللون األخضر.
وصل السيد دابورون إلى مكتبه في باليه دو جوسNNتيس في السNNاعة التاسNNعة صNNباحًا وكNNان ينتظNNر .بعNNد
تدبير أموره ،لم يضيع لحظة ،وفهم باإلضافة إلى تاباري العجوز ضرورة العمل السريع .لقNد عقNد لقNاًء
مع النيابة العامة ونظم كل شيء مع الشرطة.
باإلضافة إلى إصدار أمر القبض على ألبرت ،قد استدعى الكونت دي كومNNارين ومNNدام جNNيردي ونويNNل
وبعض خدم ألبرت للمثول أمامه بأسرع وقت ممكن.
اعتبر من الضروري سؤال جميع هؤالء األشخاص قبل استجواب المتهم .عدة محققNNون بNNدأوا في تنفيNNذ
أوامره ،وهو نفسه جالس في مكتبه ،كقائد جنرال يقود جيشه ويأمر مساعده لبNNدء المعركNNة ،ويرجNNو أن
يكون النصر حليفه.
كثيًر ا ما جلس في هذا المكتب في نفس الساعة وتحت ظروف متطابقة تقريًبا .تم ارتكاب جريمNة ،وبعNد
اعتقاده بأنه اكتشف الجاني ،أمر بإلقاء القبض عليه .أليس هذا واجبه؟ لكنه لم يشعر بNNالقلق الNNذي يشNNغله
اآلن .كثيًر ا ما أصدر أوامر القبض ،دون أن يمتلك حتى نصف األدلة التي توجهNNه في القضNNية الحاليNNة.
ومع ذلك ،لم يتمكن من تهدئة قلقه المريع الذي ال يسمح له بالراحة لحظة واحدة.
تساءل لماذا يتأخر أشخاصه في الظهور .وقفNNز في الغرفNNة ،وقفNNز مNNرة أخNNرى بمجNNرد سNNماعه صNNوت
خطوة في الممر ،الذي كان شبه مهجوًر ا في تلك الساعة ،ووقNNف واسNNتمع .في النهايNNة ،دق شNNخص مNNا
على الباب .كان كاتبه الذي أرسله .لم يكن في هذا الرجل شيء مميز؛ إنه طويل بNNدًال من كبNNير ،ونحيNNل
جًدا.يتألف األثاث الكامل للرواق الخارجي لمحكمة الجنايات من مكتب مليء بالوثائق للقاضي ،وطاولNNة
للكاتب ،وكرسي مNNريح ،وكرسNNي أو اثNNنين بجانبNNه .تعلNNو الجNNدران ورقًNا أخضNNر ،والسNNتائر خضNNراء،
واألرضيات مغطاة بنفس اللون األخضر.
وصل السيد دابورون إلى مكتبه في باليه دو جوسNNتيس في السNNاعة التاسNNعة صNNباحًا وكNNان ينتظNNر .بعNNد
تدبير أموره ،لم يضيع لحظة ،وفهم باإلضافة إلى تاباري العجوز ضرورة العمل السريع .لقNد عقNد لقNاًء
مع النيابة العامة ونظم كل شيء مع الشرطة.
باإلضافة إلى إصدار أمر القبض على ألبرت ،قد استدعى الكونت دي كومNNارين ومNNدام جNNيردي ونويNNل
وبعض خدم ألبرت للمثول أمامه بأسرع وقت ممكن.
اعتبر من الضروري سؤال جميع هؤالء األشخاص قبل استجواب المتهم .عدة محققNNون بNNدأوا في تنفيNNذ
أوامره ،وهو نفسه جالس في مكتبه ،كقائد جنرال يقود جيشه ويأمر مساعده لبNNدء المعركNNة ،ويرجNNو أن
يكون النصر حليفه.
كثيًر ا ما جلس في هذا المكتب في نفس الساعة وتحت ظروف متطابقة تقريًبا .تم ارتكاب جريمNة ،وبعNد
اعتقاده بأنه اكتشف الجاني ،أمر بإلقاء القبض عليه .أليس هذا واجبه؟ لكنه لم يشعر بNNالقلق الNNذي يشNNغله
اآلن .كثيًر ا ما أصدر أوامر القبض ،دون أن يمتلك حتى نصف األدلة التي توجهNNه في القضNNية الحاليNNة.
ومع ذلك ،لم يتمكن من تهدئة قلقه المريع الذي ال يسمح له بالراحة لحظة واحدة.
تساءل لماذا يتأخر أشخاصه في الظهور .وقفNNز في الغرفNNة ،وقفNNز مNNرة أخNNرى بمجNNرد سNNماعه صNNوت
خطوة في الممر ،الذي كان شبه مهجوًر ا في تلك الساعة ،ووقNNف واسNNتمع .في النهايNNة ،دق شNNخص مNNا
على الباب .كان كاتبه الذي أرسله .لم يكن في هذا الرجل شيء مميز؛ إنه طويل بNNدًال من كبNNير ،ونحيNNل
جًدا.
انحنى أمام القاضي واعتذر عن تأخره .كان مشغوًال ببعض الحسابات ،التي كان يقNNوم بهNNا كNNل صNNباح،
وكانت زوجته قد اضطرت إلرسال شخص إلحضاره.
"لقد حضرت في الوقت المناسب" ،قال السيد دابورون" ،ولكن سيكون لدينا الكثير من العمل قريبًا ،لNNذا
يجب أن تجهز ورقتك".
خمس دقائق الحقًا ،قدم الباشون السيد نويNل جNيردي .دخNل بطريقNة سNهلة ،كمحNاٍم يعNرف جيNدًا قصNNر
العدل ،ومن يعرف طرقه المتعرجة .لم يشبه صNNديق تابNاري العجNوز هNذا الصNNباح ،ولم يمكن التعNرف
عليه كعاشق مدام جولييت .إنه كان كائًنا آخNر تماًم ا ،أو بNاألحرى اسNتعاد سNلوكه اليNومي .من خطوتNه
الثابتة ووجهه الهادئ ،لن يتخيل أحد أنه ،بعد ليلNNة من العاطفNNة واإلثNNارة ،وبعNNد زيNNارة سNNرية لعشNNيقته،
قضى الليل قرب والدته المريضة ،أو على األقل شخص يتولى مكان والدته.
كم كان االختالف بينه وبين القاضي!
لم ينم السيد دابورون أيًض ا ،ولكن يمكن بسهولة رؤية ذلك في ضعفه ونظرتNNه القلقNNة ،والNNدوائر الداكنNNة
حول عينيه .كان قميصه متجعًدا ،وأكمامNه ليسNت نظيفNة بعيًNدا .تم سNحب عقلNه باتجNاه سNير األحNداث،
ونسي الجسد .على العكس ،كان ذقن نويل المحلوق بدقNNة يرتكNز على كرافتNة بيضNNاء ال يمكن انتقادهNا،
ولم يظهر على طية ياقته ،وتم تمشيط شعره ولحيته بعناية .انحنى أمNNام السNNيد دابNNورون وعNNرض عليNNه
االستدعاء الذي تلقاه.
"أعلم ذلك ،يا سيدي ،ولكنه من المستحيل أن تحضر .إنها مريضة في الفراش" ".بجد؟"
"بشكل جدي ،حتى أنك ستضطر ،أعتقد ،إلى التخلي عن أية أمل في شهادتها .إنها تعNNاني من مNNرض ال
يغفر ،على حد قول صديقي الدكتور هيرف .إنه شيء يشبه التهاب الدماغ ،إذا لم يخب ظني .ربما سNNيتم
إنقاذ حياتها ،ولكنها لن تستعيد عقلها .إذا لم تمت ،فستكون مجنونة".
ظهر على السيد دابورون حالة انزعاج كبيرة" .هذا مزعج جًدا" ،همس" .وتعتقد ،يا عزيزي السيد ،أنه
من المستحيل الحصول على أية معلومات منها؟"
"من العبث حتى األمل في ذلك .لقNد فقNدت عقلهNا تماًم ا .كNانت ،عنNدما تركتهNا ،في حالNة من اإلرهNاق
الشديد لدرجة أنني أخشى أنها لن تعيش حتى نهاية اليوم".
"ومتى تعرضت لهذا المرض؟" "أمس في المساء".
"فجأة؟"
"نعم ،يا سيدي؛ على األقل ،على ما يبدو ،على الرغم من أنني أعتقد بأنها كانت غير بصحة جيدة على
األقل خالل األسابيع الثالثNNة الماضNNية .أمس ،ولكن ،عنNNدما اسNNتيقظت من العشNNاء ،بعNNد تناولهNNا القليNNل،
أخذت صحيفة ،و ،بما في ذلك الصدفة السيئة ،سقطت عيناهNا بالضNNبط على األسNطر الNتي تحNدثت عن
هذه الجريمة .لقد أصدرت صرخة عالية على الفNNور ،وسNNقطت على األرض ،وهي تهمس" :يNNا الرجNNل
التعيس ،يا الرجل التعيس!"
"المرأة التعيسة ،تقصد".
"ال ،يا سيدي .لقد تكلمت بالكلمات التي تكررتها للتNNو .من الواضNNح أن التعليNNق لم يشNNير إلى ممرضNNتي
الفقيرة".
عند هذا الرد ،الهام ومع ذلك صادف األهمية ولكنه أدلى به بأسلوب غير مNNدرك ،رفNNع السNNيد دابNNورون
عينيه إلى الشاهد .خفض المحامي رأسه.
“وماذا حدث بعد ذلك؟” سأل القاضي بعد لحظات من الصمت ،خاللها قام بتدوين بعض المالحظات.
"تلك الكلمات ،يا سيدي ،كانت آخر ما قالته السيدة جيردي .سNNاعدتها ،بمسNNاعدة خادمنNNا ،على الصNNعود
إلى فراشها .تم إرسال الطبيب ،ومنذ ذلك الحين ،لم تستعد وعيها .الطبيب "-
"جيد" ،قاطع السيد دابورون" .دعنا نترك ذلك للحظة الراهنة .هل تعNNرف ،يNNا سNNيدي ،هNNل كNNانت لNNدى
األرملة ليروج أي أعداء؟"
"ال ،ال أعلم بأي أعداء لديها ،يا سيدي".
"لم يكن لديها أعداء؟ حسًنا ،اآلن أخبرني ،هل يوجد بمعرفتك أي شخص يمتلNك أدنى مصNلحة في وفNاة
هذه المرأة الفقيرة؟"
عندما طرح القاضي السؤال ،حافظ على نظره ثابًتا على نويل ،ال يريد أن يحNNول دون أن يحNNول رأسNNه
أو يخفضه.
ًك
بدأ المحامي بالحركة ،وبدا أنه يتأثر بشدة .كان مرتب ا ،وتردد كما لو كان يدور صراع داخله.
وأخيًرا ،بصوت ليس ثابًتا على اإلطالق ،أجاب" :ال ،ال أحد".
"هل هذا حًق ا صحيح؟" سأل القاضي ،وهو ينظر إليه بشكل أكثر دقة" .أال تعرف أي شخص يستفيد من
هذه الجريمة ،أو يمكن أن يستفيد منها ،بالمرة؟"
"أعرف شيًئا واحًدا فقط ،يا سيدي" ،أجاب نويل" ،وهو أنه ،بالنسNNبة لي ،تسNNبب لي في ضNNرر ال يمكن
إصالحه".
"أخيًر ا" ،فكر السيد دابورون" ،لقد وصNلنا إلى الرسNائل ،ولم أخNون السNيد تاباريNه الفقNير .سNيكون من
المؤسف جًدا أن نسبب أي متاعب لهذا الرجNل النشNيط والقيم" .ثم أضNاف بصNوت عNاٍل " :إصNابة لNك،
عزيزي السيد؟ أتمنى أن توضح ذلك".
تبدو حرج نويل ،الذي أظهر بعض العالمات على ذلك من قبل ،أكثر وضوًحا بكثير اآلن.
"أنNNا على علم ،يNNا سNNيدي" ،أجNNاب" ،أني مNNدين للعدالNNة بالحقيقNNة ،ولكن هنNNاك ظروًف ا حساسNNة للغايNNة
يراهتمام رجل الشرف يرى فيها خطورة .باإلضNNافة إلى أنNNه من الصNNعب جًNNدا أن يضNNطر اإلنسNNان إلى
كشف أسرار حزينة من هذا النوع ،والكشف عنها قد يؤدي في بعض األحيان إلى."-
قاطع السيد دابورون بحركٍة بسيطة .لقد أثرت النبرة الحزينة لنويل عليه .وكونه يعرف مسNNبقًا مNNا الNNذي
سيسمعه ،فإنه شعر بالتعاطف مع الشاب المحامي .والتفت إلى كاتبه.
"كونستانت!" قال بنبرٍة خاصة .وهذا كNNان إشNNارًة بالتأكيNNد؛ فالكNNاتب الطويNNل القامNNة قNNام بشNNكٍل منهNNك،
ووضع قلمه خلف أذنه ،وخرج بخطواٍت متزنة.
بدا نويل واعيًا لهذا اللطف .عّبر وجهه عن االمتنان الشديد ،وعاد نظره بالشكر.
"أشكرك كثيرًا ،يا سيدي" ،قال بحرارة مكبوتة" ،إلحسNNانك .مNNا علي أن أقولNNه صNNعب للغايNNة؛ لكنNNه لن
يكون مجهدًا بالنسبة لي اآلن ،وأنا أتكلم أمامك".
"ال تخف شيًئا" ،رد القاضي" ،سأحتفظ فقط بما يبدو لي ملزًم ا بشكٍل مطلق من إفادتك ،عزيزي".
"أشعر بأنني لست سNNيد وضNNعي اآلن ،يNNا سNNيدي" ،بNNدأ نويNNل" ،فNNأرجو أن تسNNامحني على انفعNNالي .إذا
خرجت مني كلمات تبدو محملة بالمرارة ،فتقبلها عذًر ا؛ فسوف تكون غير مقصNNودة .حNNتى قبNNل بضNNعة
أيام ،كنت أعتقد دائًم ا أنني ولدت من عالقة حرام .تاريخي قصير .كنت طموًحا بشكٍل شNNريف ،وعملت
بجد .فالذي ليس له اسم ،عليه أن يصنع لنفسه اسمًا ،كما تعلمون.
عشت حياة هادئة ،متقاعدة ومتزمتة ،كما يجب على الناس الذين يرغبNNون في الوصNNول إلى القمNNة ،وهم
يبدؤون من أسفل السلم .كنت أعبد من اعتقدته والدتي ،وكنت مقتنعًا بأنها تحبني بالمثل .كNNان لشNNيء من
عار وصNNلته بNNوالدتي ،لكنNNني كنت أسNNتهين بNNه .وبمقارنNNة مصNNيري بمصNNير الكثNNيرين ،شNNعرت بNNأنني
أصبحت أفضل منهم .في يوم من األيام ،وضعت القدر في يدي كل الرسائل التي كتبها والNNدي ،الكNNونت
دي كوماران ،إلى السيدة جيردي خالل فترة كانت فيها عشيقته .عنNNد قNNراءة هNNذه الرسNNائل ،تيقنت أنNNني
لست ما الذي اعتقدت نفسي عليه حتى ذلك الحين ،وأن السيدة جيردي ليست والدتي!"
ومن دون إعطاء السيد دابورون فرصة للرد ،عرض عليه الحقائق التي ذكرها للسيد تاباريNNه قبNNل اثNNني
عشر ساعة .كانت نفس القصة ،بنفس الظروف ،ونفس الكم الوفير من التفاصNNيل الدقيقNNة واالسNNتنتاجات
المحكمة .ولكن النبرة التي تم الحكي بها تغيرت بالكامل .فعندما تحدث مع المحقNNق القNNديم ،كNNان الشNNاب
المحامي مؤكًدا وعنيًفا ،لكنه اآلن ،في حضرة القاضي التحقيق ،احتوى عواطفه العنيفة.
ربما يمكن للمرء أن يتصور أنه عّد ل أسلوبه ليناسب مستمعيه ،ويريد تحقيق نفس التNNأثير على كالهمNNا،
واستخدم األسلوب الذي سيحقق أفضل نتيجة.
مع الشرطي العادي مثل السيد تاباريه ،استخدم مبالغNNة الغضNNب ،لكن مNNع رجNNل ذكNNاء فNNائق مثNNل السNNيد
دابورون ،استخدم مبالغة الضبط .مع الشرطي ،قاوم ظروفه الظالمة ،لكن مع القاضي ،بدا وكأنه ينحني
بكل تحّر ر أمام القضاء األعمى.
بلغة رائعة وخفة نادرة في التعبير ،تحدث عن مشاعره في اليوم التالي الكتشافه الحقيقة ،حزنه وحيرتNNه
وشكوكه.
كان يحتاج إلى دليل مؤكد لدعم هذه اليقين األخالقي .هل يمكن أن يأمNNل في ذلNNك من الكNNونت أو السNNيدة
جيردي ،اللذين يهتمان بإخفاء الحقيقة؟ ال .ولكنه كان يعNNول على شNNهادة مربيتNNه ،الفقNNيرة العجNNوز الNNتي
كانت تحبه ،والتي ستكون سعيدة في نهاية حياتها بتحرير ضميرها من هNNذا العبء الثقيNNل .لكنهNNا مNNاتت
اآلن ،وأصبحت الرسائل مجرد أوراق مهملة في يديه.
ثم تحدث عن محادثته مع السيدة جيردي ،وأعطى القاضي أكثر تفاصيل مما أعطاها لجاره القديم.
في البداية ،نفت تماًم ا االستبدال ،لكنه ألمح إلى أنها ،بعد تعرضها لألسئلة واألدلة ،قد اعترفت في لحظة
من اليأس بكل شيء ،وأعلنت بعد ذلك أنها ستنكر هNNذا االعNNتراف ،حريصNNة على أن يحافNNظ ابنهNNا على
موقعه بأي ثمن .وفي رأي الوكيل ،كانت هذه المشهد هNNو البدايNNة للهجمNNات األولى الNNتي تعرضNNت لهNNا،
والتي أصابتها بالمرض الذي كانت تصارعه اآلن.
ثم وصف نويل مقابلته مع الفيكونت دي كوماران ،وحدثت بعض االنحرافات الطفيفNNة في سNNرده ،لكنهNNا
كانت ضئيلة لدرجة أنه كان من الصعب اتهامه بها .باإلضافة إلى ذلNNك ،لم يكن هنNNاك شNNيء فيهNNا معNNاٍد
أللبرت.
وأصر على العكس ،وأشار إلى االنطباع الممتاز الذي خّلفNNه هNNذا الشNNاب عليNNه .اسNNتقبل ألNNبرت الكشNNف
بالشك ،صحيح ،ولكن بالثبات النبيل في نفس الوقت ،وكان مستعًدا ،كقلب شجاع ،لالنحنNNاء أمNNام تNNبرير
الحق.
في الواقع ،رسم صورة شبه متحمسة لهذا الخصم الذي لم يتلNNق تNNدليالت سNNيئة من الحNNظ ،والNNذي تركNNه
دون أي نظرة كراهية ،والذي شعر أنه يجذبه نحوه ،والذي في النهاية كان شقيقه.
استمع السيد دابورون إلى نويل بأكثر االنتباه ودون السماح ألي كلمة أو حركة أو عبNNوس بالكشNNف عن
مشاعره.
"كيف ،يا سيدي" ،الحظ القاضي عندما توقف الشاب عن الحديث" ،يمكنك أن تخبرني أنNNه ،في رأيNNك،
ال أحد مهتم بموت األرملة لوروج؟"
ولم يرد المحامي.
"يبدو لي" ،استمر السيد دابورون" ،أن موقف الفيكونت دي كوماران أصبح بذلك شبه محصNن .السNيدة
جيردي مجنونة ،والكونت سينكر كل شيء ،ورسائلك ال تثبت شيًئا .ومن الواضح أن الجريمة تخدم هذا
الشاب بشكل كبير ،وأنها ارتكبت في وقت مناسب بشكل ملحوظ".
"أوه يا سيدي!" صاح نويل بكل طاقته ،محتًج ا" ،هذا اإليحاء مريع".
ًق
راقب القاضي وجه المحامي بدقة .هل كان يتحدث بصراحة ،أم كNNان يلعب دور الكNNرم؟ هNNل يمكن ح ا
أنه لم يشك في ذلك؟
لم يتراجع نويل أمام النظرة ،بل تابع على الفور قائًال" ،ما هو السبب الذي يجعل هNNذا الشNNاب يرتجNNف،
أو يخشى على موقفه؟ لم أنطق بكلمة تهديد ،حNNتى غNNير مباشNNرة .لم أتقNNدم بنفسNNي كرجNNل غاضNNب ألنNNه
سرق مني ،وأطالب بأن ُيعاد إلّي كل ما سرق .ببساطة ،قدمت الحقائق أللبرت ،قائًال" :هذا هو الحقيقة،
فما رأيك يجب علينا فعله؟ كن الحكم".
"وسألك عن الوقت؟"
"نعم .كنت قد اقترح عليه مرافقتي لزيارة األرملة لوروج ،التي قد تبيد كل الشكوك؛ إال أنه لم يبNNدو أنNNه
فهمني .لكنه كان يعرفها جيًدا ،حيث زارها مع الكونت ،الNذي قNNدم لهNا ،كمNا علمت الحًق ا ،مبNالغ ماليNة
بشكل سخي".
"ال".
"بالتأكيد .لقد قال للتو أنه يرغب ،قبل كل شيء ،في الحصول على توضيحات من والده الذي كان غائًبا
آنذاك ،ولكنه سيعود خالل بضعة أيام".
الحقيقة ،كما يعلم الجميع ،لها لهجة ال يمكن ألحد أن يخطئها .لم يكن لدى السيد دابNNورون أدنى شNNك في
صدق شاهده .واصل نويل بصدق القلب البريء الذي لم تمسه شبهة الشيطان" :أعجبتني فكرة التفاوض
مع والدي على الفور .فكرت أنه من األفضل تنظيف المالبس القذرة في المNنزل ،ولم أرد سNوى تNرتيب
ودي .حتى لو كانت يدي مليئة باألدلة ،ال يمكنني التراجع عن المحاكمة العلنية".
"ال أبًدا ،يا سيدي ،بأي ثمن .هل يمكنني "،أضاف بفخر" ،الستعادة اسمي الحقيقي ،أن أبدأ بتشويهه؟"
لم يستطع السيد دابورون هذه المرة إخفاء إعجابه الصادق" .مشاعر تستحق الثناء ،يا سيدي" ،قال.
"أعتقد" ،أجاب نويل" ،أنها أمر طبيعي .إذا وصل األمر إلى أسNوأ حاالتNه ،فقNد قNررت تNرك لقNبي مNع
ألبرت .بال شك ،يعتبر اسم كومارين مشهوًر ا ،ولكني أتمنى أن يصبح اسمي المعروف أكNثر بعNد عشNر
سنوات .ومع ذلك ،كنت سأطالب بتعويض مالي كبير .ال أملك شيًئا ،ولقد تعثرت مسيرتي المهنية كثيًرا
بسبب نقص المال .وتم إنفاق ما كانت تدين به مدام جيردي من سخاء والدي تقريًبا بالكامل .لقد اسNNتهلك
تعليمي جNNزًء ا كبNNيًرا منNNه ،ولم يتم تغطيNNة مصNNاريفي من مهنNNتي إال بعNNد وقت طويNNل .نحن نعيش مNNدام
جيردي وأنا ببساطة شديدة ،ولكن ،لألسف ،على الرغم من بسNNاطة أذواقهNNا ،فإنهNNا تفتقNNر إلى االقتصNNاد
والتنظيم .وال يمكن ألحد أن يتصور مدى مصاريفنا الكبيرة .ولكن ليس لدي أي شيء أللوم نفسي عليه،
مهما حدث .في البداية ،لم أتمكن من السيطرة على غضبي بشكل جيNNد ،ولكن اآلن ال أحمNNل أي مشNNاعر
سيئة .وعلى الرغم من ذلك ،بعد سماعي بوفاة ممرضتي ،فقدت كل آمالي".
"كنت على خطأ ،عزيزي السيد" ،قال القاضي" .أنصحك باالستمرار في األمل .ربما ،قبل نهاية اليوم،
ستدخل في حيازة حقوقك .ال يخفى عليك أن العدالNة تعتقNد أنهNا وجNدت قاتNل األرملNة لNوروج .في هNذه
اللحظة ،فإن الفيكونت ألبرت ،بال شك ،قيد االعتقال".
"ماذا!" ،صاح نويل بنوع من الصدمة" :إًذ ا لم أكن مخطًئا ،يNNا سNNيدي ،في معNNنى كلماتNNك .كنت أخشNNى
فهمها".
"لم تخطئني ،يا سيدي" ،قال السيد دابورون" .أشكرك على تفسيراتك الصادقة والواضحة؛ إنهNNا سNNهلت
مهمتي بشكل كبير .غًدا -ألن وقتي اليوم مشغول جًدا -سنكتب إفادتك مًعا إذا أردت .ليس لدي ما أقوله
بعد ،سوى طلب الحصول على الرسائل التي لديك والتي تعد ضرورية بالنسبة لي".
"ستحصل عليهافي غضون ساعة ،يNا سNيدي" ،أجNاب نويNل .وانسNحب بعNد أن عNبر عن شNكره الحNار
للقاضي التحقيق.
ولو كان أقل انشغااًل ،لرأى المحامي في نهاية الممر العجوز تاباريه ،الذي وصل للتو ،متحمًسا وسعيًدا،
كحامل ألخبار عظيمة كما كان.
لم يتوقف سيارة األجرة التي كNان يسNتقلها بالكNاد عنNد بوابNة دار العNدل حNتى دخNل الفنNاء وانNدفع نحNو
المدخل .ولمن يراه وهو يقفز بنشاط أكثر من كاتب محامي رديء السNNمعة على درج السNNلم الحNNاد الNNذي
يؤدي إلى مكتب القاضي ،لن يصدق أنه يتخطى أكثر من خمسين عاًم ا .حNNتى هNNو نفسNNه نسNNي ذلNNك .لم
يتذكر كيف قضى الليلة ،فلم يشعر بتلك النشاط والحيوية والروح العالية من قبل .يبNNدو أنNNه يملNNك ينNNابيع
من الفوالذ في أطرافه.
اندفع كقذيفة مدفعيNNة إلى مكتب القاضNNي ،يصNNطدم بالكNNاتب المنظم بأسNNلوب غNNير الئNNق ،دون أن يطلب
حتى عذًرا منه.
"القبض عليه!" صاح ،وهو لم يتخNط العتبNة" .تم القبض عليNه ،وكشNفت الحقيقNة ،وتم إغالق الفخ! لقNد
وجدنا الجاني".
تقول الرواية إن العجوز تاباريه ،في حالة تحمس غير مسبوقة ،كNNان يتحNNرك بحركNNات طريفNNة وعنيفNNة
لدرجة أن الكاتب الطويل القامة ابتسم ،ولم يتمكن من السيطرة على نفسه ليًال عندما ذهب إلى النوم.
ومع ذلك ،كان القاضي دابورون ،الذي كان ال يNزال تحت تNأثير إفNNادة نويNل ،يشNعر باالسNتياء من هNذه
الفرحة غير المناسبة ،على الرغم من أنه شعر باألمان منها .نظر اليه بصرامة ،قائًال" :اهدأ ،يا سNNيدي،
كن لطيفًا وارتب نفسك".
في أي وقت آخر ،كان العجوز يشعر بالخجل ألنه استحق هذا اللوم .ولكن اآلن ،لم يؤثر فيه هذا اللوم.
"ال أستطيع أن أهدأ" ،أجاب" .لم يحدث شNيء من هNذا القبيNل من قبNل .تم العثNور على كNل مNا ذكرتNه.
سيف مكسور ،قفازات من الجل الالفندر متآكلة قليًال ،حامل سNNيجار .ال ينقص شNNيء .ستحصNNل عليهNNا،
والكثير من األشياء األخرى أيضًا .لدي نظامي الخاص ،الذي ال يبدو سيًئا على اإلطالق .انظر فقط إلى
انتصار طريقتي في االستنتاج ،التي سخر منها جيفرول كثيرًا .لو كان هنا اآلن ،ألعطيته مئة فرانك إذا
كان بإمكانه الحضور .ولكن ال ،جيفرول يريد القبض على الرجل الذي يرتدي األقراط ،فهNNو قNNادر على
فعل ذلك .إنه شخص رائع ،هذا جيفرول ،وشخص مشهور! كم تدفعون له سنويًا على مهارته؟"
"هيا ،عزيNزي تاباريNه السNيد" ،قNNال القاضNNي بمجNرد أن تمكن من الحNديث" ،كن جNدًيا ،إن اسNتطعت،
ودعنا نتقدم بالترتيب".
"هاه!" رد العجوز" ،ما فائدة ذلك؟ هي قضية واضحة اآلن .عندما يقدمون الجاني إليك ،فقط أظهNNر لNNه
جزيئات الجNNل المNNأخوذة من خلNNف أظNNافر الضNNحية ،بجNNانب قفازاتNNه الممزقNNة ،وسNNتغمره .أراهن أنNNه
سيعترف بكل شيء ،hic et nunc ،نعم ،أراهن رأسي ضد رأسNNه؛ على الNNرغم من أن ذلNNك محفNوف
بالمخاطر .فقد يتمكن من الخNروج بعNد ذلNك! إن تلNك الفتNوات اللطفNاء في هيئة المحلفين قNادرون على
منحه ظروٍف تخفف عقوبته .أهـ! جميع تلك التأخيرات تؤثر بشكل كبير على العدالة! لماذا إذًا ال يكNNون
العالم برأيي؟ عقوبة األوغاد لن تستغرق وقًتا طويًال .يجب إعدامهم فور القبض عليهم .هذا هو رأيي".
تقَّر ر القاضي دابورون من هذا الجدل الكالمي .بمجرد أن هدأت حالة االضNNطراب لNNدى العجNNوز قليًال،
بدأ يسNNتجوبه .واجNNه صNNعوبة كبNNيرة في الحصNNول على التفاصNNيل الدقيقNة لالعتقNال؛ التفاصNNيل الNNتي تم
تأكيدها فيما بعد من خالل تقرير المفوض الرسمي.
بدا القاضي مندهشًا جدًا عندما سمع أن ألبرت قال "أنا مفقود!" عند رؤية األمر القضائي" .هذا" ،همس
"دليل رهيب ضده".
"أعتقد ذلك" ،رد العجوز تاباريه" .في حالته العادية ،لن يسمح لنفسه بNNالتعبير عن تلNNك الكلمNNات؛ ألنهNNا
بالفعل تدمره .لقد اعتقلناه وهو لم يستيقظ بعد .لم يكن في السرير ،ولكنه كان يرقد على األريكة في نNNوم
مضطرب عندما وصلنا .اعتنيت جيًدا بإرسال خادم مرعوب ليجري دخNواًل مسNبًقا ،ومتابعتNه بعNد ذلNك
عن قرب لرؤية التأثير .صممت جميع ترتيباتي .لكن ال تقلق ،سيجد عNNذًرا معقNواًل لهNNذا التعبNNير القاتNNل.
بالمناسNNبة ،يجب أن أضNNيف أننNNا وجNNدناعلى األرض ،بNNالقرب منNNه ،نسNNخة ملموسNNة من "غNNازيت دو
فرانس" للمساء السابق ،والتي تضمنت تقريًر ا عن الجريمة .هذه هي المرة األولى التي يساعد فيها خبر
في الصحف على القبض على مجرم".
"نعم" ،همس القاضNNي في تفكNNير عميNNق" ،نعم ،أنت رجNNل ثمين ،السNNيد تاباريNNه ".ثم ،بصNNوٍت أعلى،
أضاف" :أنا مقتنٌع تماًم ا؛ ألن السيد جيردي للتو تركني".
"لقد رأيت نويل!" صاح العجوز .على الفور ،اختفت كل فخره ورضاه الذاتي .انتشرت غيمة من القلNNق
على محياه المشرقة كالحجاب" .نويل هنا" ،تكرر .ثم أضاف بخجل" :وهل يعلم؟"
"ال شيء" ،رد القاضي دابورون" .لم يكن لدي حاجة لذكر اسمك .وعالوة على ذلك ،لم أكن قد وعNNدت
بالسرية المطلقة؟"
"أهـ ،هذا كل شيء على ما يرام" ،صاح العجوز تاباريه" .وما رأيك يا سيدي في نويل؟"
"قلبه نبيل وجدير باإلحترام بال شك" ،قال القاضي" .طبيعة قويNNة ورقيقNNة في آن واحNNد .المشNNاعر الNNتي
سمعته يعبر عنها هنا ،والتي ال يمكن شك في صNNدقها ،كشNNفت عن ارتفNNاع الNNروح الNNذي ينNNدرج ضNNمن
النادر .نادًر ا ما قابلت في حياتي رجًال يستحق مثله من التعNNاطف منNNذ البدايNNة .بالتأكيNNد أسNNتطيع أن أفهم
الفخر بكون أحد أصدقائه".
"بالضبط ما قلته .لديه تأثير مماثل على الجميع .أنا أحبه كأنه ابني الخاص .ومهما حدث ،فسNNوف يNNرث
معظم ثروتي ،نعم ،أنا أعتزم ترك كل شيء له .صنعت وصيتي وهي بيد السNNيد بNNارون ،مNNوثقي .هنNNاك
إرث صغير أيًض ا للسيدة جيردي؛ ولكنني سأسحب الفقرة المتعلقة بذلك على الفور".
"السيدة جيردي ،السيد تاباريه ،ستكون قريًبا خارج حاجة لجميع األمور الدنيوية".
"كيف ،ماذا تقصد؟ هل الكونتة "-
"إنها تحت الموت وال يمكن أن تعيش حتى نهاية اليوم؛ هذا ما قاله لي السيد جيردي نفسه".
"أهـ ،يا الهي!" صاح العجوز تاباريNه" .مNا هNذا الNذي تقولNه؟ المNوت؟ كنت أفكNر بشNدة فيهNا قبNل هNذا
االكتشاف .يا فقر البشرية! يبدو أن جميع المتواطئين يمرون في ذات الوقت .لقد نسيت أن أخبرك ،أنني
سمعت خادًم ا يخبر آخر أثناء مغادرتي لقصر كومارين ،أن الكونت قد وقNع في نوبNة عنNدما سNمع خNبر
اعتقال ابنه".
"كونستان" ،قال القاضي دابورون بسرعة" ،اذهب مع السيد تاباريه وانظر إن كNNان هنNNاك أي خNNبر في
الحاكمية".
غادر الكاتب الغرفة متبوعًا بالمحقق ،الذي غادر بحNNزن .لم يالحNNظ الكNNونت وجNNودهم؛ لم يNNوِل اهتمامًNا
برحيلهم.
عرض القاضي دابورون عليه مقعدًا ،ووافق عليه بابتسامة حزينة" .أشعر بالضعف" ،قNNال" ،عليNNك أن
تعذرني لجلوسي".
اعتذارات للقاضي التحقيقي! ما تقدم كبير في الحضارة ،عنNNدما يعتNNبر النبالء أنفسNNهم مسNNلمين للقNانون،
وينحنون ألوامره! الجميع يحترم العدالة في زمننا ،ويخشاها قليًال ،حتى عندما يتم تمثيلها بواسطة قاض
تحقيق بسيط ومخلص.
"ربما تشعر بالضعف جدًا يا كونت" ،قال القاضي" ،لتعطيني التفسيرات التي كنت قد أملت بها".
"أشعر بتحسن ،شكرًا لك" ،رد الكونت دو كومNNارين" ،أنNNا بحالNNة جيNNدة ،كمNNا هNNو متوقNNع بعNNد الصNNدمة
التيتلقيتها .عندما سمعت بجريمة التي يتهم بها ابNNني ،واعتقالNNه ،صNNدمت بشNNدة .كنت أعتقNNد أنNNني رجNNل
قوي ،لكنني سقطت على األرض .اعتقد خدمي أني ميت .لماذا لم يحدث ذلك؟ يقNNول لي طبيNNبي إن قNNوة
بنيتي الجسدية هي ما أنقذتني ،لكنني أعتقد أن السماء تريد مني العيش ،حNNتى أشNNرب إلى األسNNفل كNNأس
الذل الخاص بي".
توقف فجأة ،شبه مختنقًا بتدفق الدم الذي ارتفع إلى فمه.
ظل القاضي التحقيقي واقفًا بالقرب من الطاولة ،شبه خائفًا من التحرك.
بعد قليل من الراحة ،وجد الكونت الراحة ،واستمر" ،يا رجل تعيس أنا! أمNNا كNNان يجب أن أتوقNNع ذلNNك؟
كل شيء يظهر في نهاية المطاف .أعاقب على خطيئتي الكNبرى -الكبريNاء .ظننت أنNني محصNن ضNد
الصNNاعقة ،وكنت سNNببًا في جلب العاصNNفة على بيNNتي .ألNNبرت قاتNNل! الفيكNNونت دو كومNNارين متهم أمNNام
محكمة الجنايات! أه ،سيدي ،عاقبني أيًض ا؛ ألنني وحدي ومنذ زمن بعيد ،وضعت أسس هNNذه الجريمNNة.
خمسة عشر قرًنا من السمعة الطاهرة ينتهي بي في العار".
اعتبر القاضي دابورون سلوك الكونت دو كومارين غير مغفور له ،وقرر عدم السكوت عنه.
كان يتوقع أن يقابل نبياًل فخوًرا ومتعجرًفا ،يصعب التعامل معه ،وكان قد عزم على إذالل كبريائه.
ربما كان المعاملة القاسية التي تلقاها من السيدة دارالنج في الماضي قد أعطتNNه ،بصNNورة غNير مدركNNة،
بعض الحقد ضد النبالء.
كان يفكر بشكل غامض في بعض المالحظات الحادة التي كانت ستجعل النبيNNل العجNNوز ينحNNني لوعيNNه،
وتجلب له اإلحساس بموقفه.
ولكن عندما وجد نفسه في حضرة توبيخ صادق كهذا ،تحول غضبه إلى شفقة عميقة ،وبNNدأ يتسNNاءل عن
كيفية تخفيف حزن الكونت.
ًا
"اكتب ،يا سيدي" ،واصل الكونت دو كومارين بحماسNة لم يكن قNNادر عليهNا قبNل عشNر دقNNائق" ،اكتب
اعترافي وال تخفي شيئًا .لم يعد لي حاجة إلى الرحمة أو الرقة .ماذا يجب أن أخشاه اآلن؟ أليست عNNاري
معروضًا عالنية؟ أليس يجب أن أظهر ،كونت ريتو دو كومارين ،أمام المحكمة ،ألعلن عNNار بيتنNNا؟ أه،
كل شيء ضاع اآلن ،حتى الشرف نفسه .اكتب ،يا سNيدي ،ألنNني أريNد أن يعلم العNالم بNأنني األكNثر من
اللNNوم .ولكن يجب أن يعلمNNوا أيًض ا أن العقوبNNة كNNانت مروعNNة بالفعNNل ،وأنNNه لم يكن هنNNاك حاجNNة لهNNذا
المحاكمة األخيرة والرهيبة".
قلبي ،كما يقال ،ميت وبارد في داخلي ،ولكن ،آه! عندما أذكر هذا االسم ،ال يNNزال لNNه تNNأثير كبNNير علي.
على الرغم من زواجي ،لم أستطع أن أفرط في حبي لها ،على الرغم من أنهNا أرادت ذلNك .كNانت فكNرة
مشاركة حبي مع آخرى مقززة بالنسبة لها .ال شك أنها كانت تحبNNني آنNNذاك .اسNNتمرت عالقتنNNا ،وأنجبت
زوجNNتي وعشNNيقتي أطفNااًل تقريًب ا في نفس الNNوقت .هNNذا الصNNدفة أوحت لي بفكNNرة االضNNطرار الفاجعNNة
للتضحية بابني الشرعي ألخيه األقل حًظا .أخبرت فاليري بهذا المشروع ،فرفضته برهبة .كان الغريزة
األمومية قد تنبأت بداخلها؛ لم ترغب في فصلها عن طفلهNNا .حNNافظت على الرسNNائل الNNتي كتبتهNNا لي في
ذلك الوقت كنصب تذكاري لحماقتي .أعيد قراءتها فقط الليلة الماضية.
آه! لماذا لم أستمع لحججها وصلواتها؟ ألنني كنت مجنوًن ا .كNNان لNNديها نNNوع من اإلحسNNاس بالشNNر الNNذي
يغمرني اليوم .لكنني انتقلت إلى باريس؛ كان لدي السيطرة المطلقة عليها .هددت بتركهNNا وعNNدم رؤيتهNNا
مرة أخرى .استسNNلمت ،وكNNان يتNNولى خNNادمي وكلNNودين لNNوروج هNNذا االسNNتبدال الشNNرير .لNNذلك هNو ابن
عشيقتي الذي يحمل لقب الفيكونت دو كومارين ،والذي تم اعتقاله منذ وقت قصير".
لم يكن السيد دابورون يتوقع إعالًن ا واضًNحا بتلNك الصNراحة ،وخاصNة بتلNك السNرعة .فNرح في داخلNه
للمحامي الشاب الذي أسر قلبه بمشاعره النبيلة.
"إذن ،يا كونت" ،قال "أنت تعترف بأن السيد نويل جيردي هو نتNNاج زواجNNك الشNNرعي ،وأنNNه فقNNط هNNو
الذي يحق له حمل اسمك؟"
"نعم ،يا سيدي .آه! كنت حينذاك أكثر سعادة بنجاح مشNNروعي ممNNا كنت سNNأكون لNNو حققت أي انتصNNار
براق .كنت مخموًر ا بفرحة وجود طفل فاليري بجانبي ،نسيت كل شيء آخNNر .لقNNد نقلت لNNه بعض حNNبي
ألمه؛ أو باألحرى ،أحببته أكثر ،إن كان ذلك ممكًنا .فكرة أن يحمل اسمي ،وأن يرث ثروتي كلهNNا ،على
حساب اآلخر ،أسعدتني .أما اآلخر ،فكنت أكرهNه ،لم أتمكن حNتى من النظNر إليNه .ال أتNذكر أنNني قبلتNه
مرتين حتى .وفي هذا األمر ،انتقدني فاليري ،التي كانت طيبة جًدا .كنت أحرجتها بشNNدة .كNNانت الشNNيء
الوحيد الذي عّو ق سعادتي هو حب الكونتيسNNة دو كومNNارين لمن اعتقNNدت أنNNه ابنهNNا ،ودائًم ا تNNرغب في
وضعه على ركبتيهNNا .ال يمكنNNني أن أعNNبر عن مNNدى مNNا عانيتNNه عنNNدما رأيت زوجNNتي تغمNNره بNNالقبالت
واالحتضانات .ولكني حاولت بشدة أن ال تراه أكثر ممNNا يجب ،وهي ،الفقNNيرة ،لم تفهم مNNا يNNدور داخلي،
وظنت أنني كنت أفعل كل شيء لمنع طفلها من حبها .مNNاتت ،يNNا سNNيدي ،وفي فمهNNا الغفNNران وفي قلبهNNا
الغفران ،وهي لم تشكو ولم تتذمر ،وتوفيت من الحزن وهي مثل القديسات".
على الرغم من الوقت المحدود ،لم يجNرؤ السNيد دابNورون على انقطNاع كالم الكNونت ،وطNرح الحقNائق
بشكل مباشر .كان يعلم أن الحمى فقط تعطيه هNNذه الطاقNNة الغNNير طبيعيNNة ،والNNتي يمكن في أي لحظNNة أن
تحل محلها اإلرهاق الشديد .كان يخشى ،إذا ما توقفت الكلمات للحظة ،أال يكوسNNيكون لديNNه القNNدرة على
االستمرار في الحديث.
"لم أذرف دمعة واحدة" ،استمر الكونت" .ما كانت هي في حياتي؟ سبب للحNNزن والنNNدم .لكن عNNدل هللا،
قبل عدل اإلنسان ،كان على وشNك أن ينتقم انتقاًم ا رهيًب ا .في يNوم من األيNام ،تم تحNذيري بNأن فNNاليري
كانت تخدعني وقد فعلت ذلك لفترة طويلNNة .لم أسNNتطع تصNNديق ذلNNك في البدايNNة؛ بNNدا لي أمًNNرا مسNNتحياًل
ومضحًك ا .كنت أشك في نفسي أكثر من شكي فيها .لقد أخذتها من غرفة في السقف كانت تعمل فيها ستة
عشر ساعة يومًيا لتكسب بضعة قروش؛ كانت مدينة لي بكل شيء .لقد جعلتها جزًء ا كبيًرا مNNني لدرجNNة
أنني لم أستطع تصديق خيانتهNNا .لم أسNNتطع إقنNNاع نفسNNي بNNأن أشNNعر بNNالغيرة .على أي حNNال ،تحققت من
الموضوع؛ كانت تحت المراقبة؛ حتى تجسست عليها بنفسي .كانت قد قيل لي الحقيقة .كانت هذه المNNرأة
التعيسة لديها عاشق آخر ،وكانت قد استمرت معه ألكثر من عشر سنوات .كان ضابًطا في الفرسان.
عندما كان يأتي إلى منزلها ،كان يتخذ كل االحتياطات .عادة مNNا يغNNادر حNNوالي منتصNNف الليNNل؛ لكن في
بعض األحيان كان يأتي لقضاء الليل ،وفي هذه الحالة كان يغادر في الصباح الباكر .حيث كان موجNNوًدا
بالقرب من باريس ،كان يحصل على إجازة بشكل متكرر ويأتي لزيارتها؛ وكNNان يظNNل مغلًق ا في شNNقتها
حتى انتهاء وقته .في إحدى المساءات ،جلب لي جواسيسي خبًر ا بأنه كان هناك .أسرعت إلى المنزل .لم
تربكني تواجدي .استقبلتني كالمعتاد ،وضعت ذراعيها حول رقبتي.
كنت أعتقد أن جواسيسي قد خدعوني وكنت على وشك أن أخبرها بكNل شNيء عنNدما رأيت على البيNانو
قفاًز ا من جلد الغزال مثل الذي يرتديNه الجنNود .ال أرغب في مشNهد وال أعNرف إلى أي حNد قNد يأخNذني
غضبي ،هربت من المكان دون قول كلمة .لم أرها منذ ذلك الحين .كتبت إلّي .لم أفتح رسائلها .حاولتNNأن
تفرض نفسها على حضوري ،لكن دون جدوى؛ كان لدي تعليمات لعبيدي لم يجرؤوا على تجاهلها".
هل كان هNذا الكNونت دو كومNاران ،الNذي يحتفNل ببرودتNه العاطفيNة وتحفظNه المليء بNاالزدراء ،الNذي
يتحدث هكذا ،والذي يفتح حياته بأكملها بدون قيود ،بدون تحفظ؟ ولمن؟ لغريب.
لكنه كان في حالة يأس من تلك الحاالت المتصلة بالجنون ،حيث يتركنا كل التفكNNير ،حيث يجب أن نجNNد
مخرًج ا للعاطفة القوية جًدا .ما الذي يهمه في هذا السر الذي حمله بشجاعة لسنوات عديNNدة؟ أخرجNNه من
على صدره ،مثل الفقير الذي ،مرهوًنا بعبئ ثقيل جًدا ،يلقيNNه على األرض دون أن يهتم بمكNNان وقوعNNه،
أو مدى إغراء العابرين له.
"ال شيء" ،واصل قائال" ،ال ،ال شيء ،يمكن أن يقارب ما عانيتNNه في ذلNNك الNNوقت .كNNان قلNNبي مرتبًط ا
بتلNك المNرأة .كNانت مثNل جNزء من نفسNي .عنNدما انفصNلت عنهNا ،بNدا لي أنNني أقطNع جNزًء ا من لحمي
الخاص .ال يمكنني وصف العواطف الغاضبة التي أثارها ذكراها داخلي .لقNNد ازدريتهNNا وتوقعتهNNا بنفس
الحدة .لقد كرهتها وأحببتها .وحتى اليوم ،كانت صورتها الشنيعة حاضرة دائًم ا في خيNNالي .ال يمكن ألي
شيء أن يجعلني أنساها .لم أتواسي نفسي أبًدا على فقدانها .وليس هذا كل شيء ،بل طرأت علّي شNNكوك
مرعبة حول ألبرت .هل كنت حًقا أبه؟ هل يمكن أن تفهم ما كان يعانيه؟ عندما أفكر في نفسي "ربمNا قNد
قدمت ابني الشNNرعي كتضNNحية البن أجنNNبي تماًم ا" .جعلت هNNذه الفكNNرة أن أكNNره الخNNنزير الNNذي يNNدعي
كومارين .تخليت عن مشاعري العاطفية له وحل محلها كراهيNNة ال يمكن التغلب عليهNNا .في تلNNك األيNNام،
كم مرة تصدى لرغبة مجنونة في قتله! منذ ذلك الحين ،تعلمت كيفية تذليل كراهيتي لكنNNني لم أتمكن من
السيطرة الكاملة عليها.
ألبرت ،سيدي ،كان أفضل األبناء .ومع ذلك ،كان هناك حاجز جليدي بيننNNا لم يسNNتطع تفسNNيره .كنت في
كثير من األحيان على وشك اللجوء إلى المحاكم ،واالعتراف بكل شيء ،والمطالبة بNNالوريث الشNNرعي،
لكن احترامي لرتبتي منعني .لقد انكمشت أمNNام الفضNNيحة .خفيت من السNNخرية أو العNNار الNNذي قNNد يلحNNق
اسمي به ،ومع ذلك ،لم أتمكن من إنقاذه من العار.
ظل النبيل العجوز صامتًا بعد نطقNه بهNNذه الكلمNNات .في نوبNNة من اليNNأس ،غطى وجهNNه بيديNNه ،وانNNزلقت
دموع كبيرة بصمت على خديه المجعدة.
وفي ذلك الوقت ،فتح باب الغرفة قليًال ،وظهر رأس الكاتب الطويل.
وقع السيد دابورون له إشارة للدخول ،ثم وجه كالمه إلى السيد دو كومNNارين بصNNوت أكNNثر لطًف ا بسNNبب
الرحمة" :سيدي ،في عيNون السNماء ،كمNا في عيNون المجتمNع ،ارتكبتم خطيئة عظيمNة؛ والنتNائج ،كمNا
ترى ،هي أكثر من كارثية .من واجبك إصالح العواقب السيئة لخطيئتك بقدر المستطاع".
"ستكون لك عزاًء " ،أضNاف القاضNي" ،تعلم أن السNيد نويNل جNيردي يسNتحق بكNل المقNاييس المنصNب
العالي الذي تعتزم إعادتNه لNه .إنNه رجNل ذو موهبNة كبNيرة ،أفضNل وأكNثر جNدارة من أي شNخص آخNر
عرفته .سNتكون لNديك ابن يسNتحق أسNالفه .وأخNيًرا ،لم يسNقط أي من أفNNراد عائلتNك في العNار ،سNيدي،
فالنبيل ألبرت ليس كومارين".
"ال" ،رد الكونت بسرعة" ،كومارين لكان ميتًا في هذه الساعة؛ والدم يغسل كل شيء".
قول النبيل العجوز جعل القاضي الذي يقوم بالتحقيق يفكر بعمق.
"أأنت متأكد بذلك" ،قال" ،من إدانة النبيل؟"
نظر السيد دو كومارين إلى القاضي بدهشة شديدة.
ًئ
"لقد وصلت إلى باريس مساء األمس فقط" ،أجاب" ،وأنا ال أعرف شي ا عن كل ما حدث .أنNNا فقNNط أعلم
أن القانون لن يتقدم بدعوى بدون سبب مقنع ضد رجل من مرتبة النبالء مثل ألNNبرت .إذا قNNد اعتقلتمNNوه،
فمن الواضح تماًم ا أن لديكم شيء أكثر من الشك ضده ،وأن لديكم دالئل إيجابية".
عض السيد دابورون شفتيه ،ولم يستطع لحظًة إخفNNاء شNNعور االسNNتياء الNNذي أصNNابه .لقNNد تجNNاوز حNNذره
المعتاد وتحرك بسرعٍة كبيرة .كان يعتقد أن عقل الكونت كان مضطرًبا بالكامل ،ولكنه أثNNار اآلن شNNكه.
ال يمكن ألي مهارة في العالم إصالح مثل هذه الخطأ السيئ الحظ .ال يمكن االعتماد على شاهد يتحصNNن
بحذره ،فهو يرتعد خوًفا من تورطه ،يقيس وزن األسئلة ،ويتردد في إجاباته.
من ناحية أخرى ،فإن العدالة والقاضي يميالن إلى الشك في كل شيء ،وتخيل كNNل شNNيء ،واالشNNتباه في
الجميع .إلى أي مدى كان الكونت بعيًNNدا عن الجريمNNة في ال جونشNNير؟ على الNNرغم من الشNNك في نسNNب
ألبرت ،فإنه لن يدخر جهًدا كبيًر ا إلنقاذه .أظهرت قصته أنه اعتقNNد أن شNNرفه في خطNNر بنفس قNNدر ابنNNه.
فهل ليس هو الرجل الNذي يحNاول بكNل الوسNائل إخفNاء الشNاهد غNير المNريح؟ بهNذا الشNكل تفكNر السNيد
دابورون .ومع ذلك ،لم يتمكن من رؤيNNة بوضNNوح كيNNف يتعلNNق اهتمNNام الكNNونت دو كومNNارين بالمسNNألة.
جعلت هذه الحيرة القاضي غير مرتاح.
"سيدي" ،سأل بصوت أكثر حزًم ا" ،متى علمت بكشف سرك؟"
"في المساء السابق ،من ألبرت نفسه .تحدث إلّي عن هذه القصة الحزينNNة بطريقNNة أبحث عن تفسNNير لهNNا
اآلن ،ما لم"-
انقطع الكونت عن الحديث ،كأن عقله قد تعرض لصدمة بسبب غير المنطقية في االفتراض الذي قدمه.
"ما لم!" ،استفسر القاضي بحماس.
"سيدي" ،قال الكونت ،دون الرد مباشرة" ،إن كان ألبرت بريًئا ،فهو بطل".
"آه!" ،قال القاضي بسرعة" ،أتعتقد أن لديك سبًبا لالعتقاد ببراءته؟"
كان الحقد واضًحا جًدا في كلمات السيد دابورون ،حتى أن السيد دو كومارين كان يمكنه ويجب عليه أن
يرى شبه اإلهانة .بدأ ينزعج ويستيقظ من مكانه ،ويقول" :أنNNا اآلن لسNNت شNNاهًدا لصNNالح أو ضNNد ،أريNNد
فقط أن أقدم المساعدة التي استطيع تقديمها للعدالة ،حسب واجبي".
"يجب علّي أن أتوقف!" ،قال السيد دابورون لنفسه" ،لقد أسأت إليNNه اآلن! هNNل هNNذه هي الطريقNNة لفعNNل
األشياء ،الخطأ بعد الخطأ؟"
"الحقائق هي هذه" ،استأنف الكونت" ،في األمس ،بعد أن تحNNدثت إلّي عن هNNذه الرسNNائل الملعونNNة ،بNNدأ
ألNبرت بوضNع فٍخ الكتشNاف الحقيقNة -ألنNه ال يNزال يشNك ،حيث لم يحصNل نويNل جNيردي على كامNل
المراسالت .نشأت مناقشة حامية بيننا .أعلن قراره باالستسالم لنويل .أنا ،من ناحية أخرى ،كنت عازًم ا
على حل المسألة ،بأي ثمن .تجرأ ألبرت على معارضتي .كانت كل محاوالتي لتحويله إلى وجهة نظري
بال جدوى .حاولت بال جدوى لمس تلك األوتار في صدره التي افترضت أنها األكثر حساسية .أكد بقNNوة
عزمNNه على االعNNتزال ،بNNالرغم مNNني وأعلن رضNNاه ،إذا كنت سNNأوافق على السNNماح لNNه بحصNNوله على
مستوى متواضع .حاولت مرة أخرى أن أهزه ،عن طريNNق إظهNNار لNNه أن زواجNNه المنتظNNر بشNNوق لمNNدة
عامين سينقطع بسبب هذه الضNNربة .أجNاب أنNه كNان واثًق ا من ثبNات خطيبتNه ،مNدومزيل دارالنج"".في
المساء السابق ،من ألبرت نفسه .تحدث إلّي عن هذه القصة الحزينNNة ،بطريقNNة أسNNعى اآلن إلى تفسNNيرها
دون جدوى ،إال إذا"...
توقف الكونت فجأة ،كما لو أن عقله تأثر بعدم احتمالية االفتراض الذي قدمه.
"إّال!" ،استفسر القاضي بحماس.
"سيدي" ،قال الكونت دون الرد مباشرة" ،إذا كان ألبرت بريء ،فهو بطل".
"آه!" ،قال القاضي بسرعة" ،أتعتقد أن لديك سبًبا لالعتقاد ببراءته؟"
كان الحقد بوضوح في كلمات السيد دابورون ،حتى أن السNNيد دو كومNNارين كNNان يمكنNNه ويجب عليNNه أن
يالحظ اإلهانة .بدأ ينزعج ويستيقظ من مكانه ،ويقول" :أنا اآلن لست شاهًدا لصالح أو ضد ،أرغب فقط
في تقديم المساعدة التي يمكنني تقديمها للعدالة ،وفًقا لواجبي".
"يجب أن أتوقNNف!" ،قNNال السNNيد دابNNورون لنفسNNه" ،لقNد أسNNأت إليNNه اآلن! هNNل هNNذه هي الطريقNة للقيNNام
باألمور ،الخطأ بعد الخطأ؟"
"الحقائق هي هذه" ،استأنف الكونت" ،في األمس ،بعد أن تحNNدثت إلّي عن هNNذه الرسNNائل الملعونNNة ،بNNدأ
ألNNبرت بوضNNع فٍخ الكتشNNاف الحقيقNNة ،ألنNNه ال يNNزال يشNNك ،حيث لم يحصNNل نويNNل جNNيردي على كامNNل
المراسالت .نشأت مناقشNة حاميNة بيننNا .أعلن قNراره باالستسNالم لنويNل .وأنNا ،من ناحيNة أخNرى ،كنت
عازًم ا على حل المسألة ،بأي ثمن .تجرأ ألبرت على معارضتي .كانت كل محاوالتي لتحويله إلى وجهة
نظري بال جدوى .حاولت بال جدوى لمس تلك األوتار في صدره التي افترضNNت أنهNNا األكNNثر حساسNNية.
أكد بقوة عزمه على االعتزال ،بالرغم مني ،وأعلن رضNNاه ،إذا وافقت على السNNماح لNNه بالحصNNول على
مستوى متواضع .حاولت مNNرة أخNNرى أن أهNNزه ،من خالل إظهNNار لNNه أن زواجNNه المنتظNNر بشNNوق لمNNدة
عامين سينقطع بسبب هذه الضربة .أجاب أنه كان واثًقا من ثبات خطيبته ،مدومزيل دارالنج".
هذا االسم سقط كالصاعقة على آذان القاضي الذي يجري التحقيNق .قفNز في كرسNيه .وشNعر بNأن وجهNه
يتحول إلى اللون القرمزي ،فأخذ حزمة كبيرة من األوراق من طاولته ،ورفعها إلى وجهه ،كما لNNو كNNان
يحاول فك رموز كلمة غير مفهومNة .وبNدأ يفهم الNواجب الصNعب الNذي حمNل على عاتقNه .وعNرف أنNه
يعاني مثل الطفل ،ال يمتلك هدوئه العادي وال رؤيته المستقبلية .وشعر بأنه قNNد يNNرتكب أخطNNاء جسNNيمة.
لماذا قبل هذا التحقيق؟ هل يمكنه الحفاظ على تحيزه؟ هNNل يعتقNNد أن إرادتNNه سNNتكون عادلNNة تماًم ا؟ كNNان
سعيًدا لو أجل فحص الكونت إلى وقت آخر؛ لكن هل يمكنه ذلك؟ قالت له ضميره إن هNNذا سNNيكون خط ًNأ
آخر .فعاد إلى الفحص المؤلم.
"سيدي" ،قال" ،المشاعر التي عبر عنها الفيكونت رائعة بال شك ،لكن هل لم يذكر أرملة لوروج؟"
"نعم" ،أجاب الكونت ،الذي بدا فجأة يتألق ،كما لو كان يتذكر بعض الظروف التي لم ينتبNNه إليهNNا" ،نعم
بالتأكيد".
"يجب عليك ،كونت ،إعادة تكNNرار كNNل مNNا جNNرى بين الفيكNNونت ونفسNNك بدقNNة شNNديدة .فأنNNا ألتمس منNNك
االستناد على ذاكرتك ومحاولة تكرار كلماته بأقرب ما يمكن إلى ما قاله بالضبط".
يمكن للسيد دو كومارين القيام بذلك دون صعوبة كبيرة .لقد حNدث انقالب صNحي داخلNه لبعض الNوقت.
تحركت دماءه ،المثارة بسبب استمرار الفحص ،في مجراها المعتاد .وتنقية عقله.
ُعرض عليه بإتقان مشهد المساء السابق ،حتى التفاصيل األقل أهمية .صوت صوت ألبرت كان ال يزال
في آذانه؛ رأى مرة أخرى حركاته العِّب رة .ومNNع تقNدم قصNNته ،وبوضNNوح ودقNNة ،أصNNبحت قناعNة السNNيد
دابورون أكثر تأكيًدا.
تحّو ل القاضي ضد ألبرت بالضبط ما كان قد فاز به الكونت من إعجاب اليوم السابق.
"ما هو التمثيل الرائع هذا!" فكر" .السيد تاباريه يمتلك بالتأكيد نوًع ا من البصNNيرة الثانويNNة .يجمNNع هNNذا
الشاب بجرأته الال ُيَص َّد َق وذكائه الملعون .عبقرية الجريمة نفسها تلهمه .إنه معجزة أننا نستطيع كشNNفه.
كيف تم االستدالل على كل شيء وترتيبه بشكل رائع؟ كيف تم إتقان هذه اللقطة مع والده ،من أجل إثارة
الشك في حالة الكشف؟ ليس هناك جملة تفتقد الغرض منها ،وال تميNNل لصNNد الشNNبهات .مNNاذا عن التنفيNNذ
المتقن؟ ماذا عن العناية الزائدة بالتفاصيل؟ ال ينقص شيء ،حتى االهتمام الكبير بخطيبته .هل أخبر حًقا
كلير؟ ربما يمكنني معرفته ،لكن علي أن أراها مرة أخرى ،ألتحدث إليها .فتاة فقيرة! لتحب رجًال مثله!
ولكن خطته اآلن مكشوفة بشكل كامل .كانت مناقشته مع الكونت هي حصان الفرسان .إنه ال يلتزم بNNأي
شيء ،ويحصل على وقت .سيثير بالطبع اعتراضات ،ألنها ستنتهي بربطه بشكل أكNNثر اتسNNاعًا في قلب
والده .يمكنه بالتالي أن يجعل من تطبيقه لألوامر فضيلة له ،ويطلب مكافأة لضعفه .وعنNNدما يعNNود نويNNل
إلى الهجوم ،سيجد نفسه أمام الكونت ،الNNذي سNNينكر كNNل شNNيء بجNNرأة ،ويNNرفض بلطNNف أي عالقNNة بNNه،
وربما يقوم بطرده خارج المنزل ،كمحتال ومزّور".
كانت صدفة غريبة ،ولكنها يمكن تفسيرها بسهولة ،أن السيد دو كومارين ،أثناء سرد قصته ،وصNNل إلى
نفس أفكار القاضي ،واستنتج نتائج تقريًبا متطابقة .في الواقع ،لماذا ثّبت على كلNNودين؟ تNNذكر بوضNNوح،
أنه في غضبه ،قال البنه" :اإلنسانية ليست عادًة تفعل مثل هذه األعمال الرائعة لمجNNرد إرضNNاء ذاتهNNا".
تم تفسير تلك اإلنسانية العظيمة اآلن.
عندما انتهى الكونت من الحديث ،قال السيد دابورون" :أشكرك ،سيدي .ال يمكنني القNNول شNNيًئا إيجابًي ا،
ولكن لدى العدالة أسباب وجيهة لإليمان بأن الفيكونت ألبرت لعب دوًرا مخطًطا مسبًقا في المشهد الNNذي
ترويه لي".
وقال الكونت" :وتم التخطيط له بشكل جيد جًدا ،ألنه خدعني!"
تم تقطيع كالمه بدخول نويل الذي كان يحمل تحت ذراعه محفظة سوداء مزّينة بشعاره.
انحنى المحامي تحية للرجل العجوز الذي بدوره قام وانصرف بأدب إلى نهاية الغرفة.
"سيدي" ،قال نويل بصوت خافت للقاضي" ،ستجد جميع الرسائل في هذه المحفظة .يجب أن أطلب إذًنا
لمغادرتك على الفور ،حيث تزداد حالة السيدة جيردي سوًء ا ساعة بعد ساعة".
رفع نويل صوته قليًال عند نطقه لهذه الكلمNNات األخNNيرة ،وسNNمعها الكNNونت .بNNدأ يتحNNرك وبNNذل قصNNارى
جهده لكبح السؤال الذي وجد طريقه من قلبه إلى شفتيه.
"لكن يجب أن تمنحني لحظة ،سيدي العزيز" ،رد القاضي.
ثم غادر القاضي كرسيه وأخذ المحامي بيده وقاده إلى الكونت.
"السيد دو كومارين" ،قال" ،لدي شرف تقديم السيد نويل جيردي لكم".
ربما كان السيد دو كومارين يتوقع مثل هذا المشهد ،ألنه لم يتحرك عضلة في وجهه :بقي هادًئا تماًم ا.
نويل ،من جانبه ،كان كرجل تلقى ضربة على رأسه؛ ترّنح واضطر إلى اللجوء إلى دعم كرسي.
ثم وقف هNؤالء االثنNان ،األب واالبن ،يواجهNون بعضNهما البعض ،متNأملين فيمNا يبNدو ،لكن في الواقNع
يفحصان بعضهما البعض بالشك ،يسعى كل منهما لجمع شيء من أفكار اآلخر.
كان السيد دابورون يتوقع نتائج أفضل من هذا اللقاء الذي كان ينتظره منذ وصول الكNNونت .كNNان يتوقNNع
أن تجلب هذه العرضة المفاجئة مشNNهدًا مNNؤثرًا بشNNدة ،ال يNNتيح لشNNاهديه الNNوقت للتفكNNير .سNNيفتح الكNNونت
ذراعيه :سيقفز نويل في حضنه؛ وسينتظر هذا التصالح موافقة المحاكم ليكتمل.
لكن برودة األول وحرج الثاني ،أحبطت خططه .لذلك اعتقد أنه من الضروري التدخل.
"الكونت" ،قال بصوت يحمل اللوم" ،تذكر أنه لم يمِض سوى بضNNع دقNNائق عنNNدما اعNNترفت بNNأن السNNيد
جيردي هو ابنك الشرعي".
لم يرد السيد دو كومارين ،وبحسب عدم تأثره ،فإنه لم يبدو كما لو أنه سمع الكالم.
لذا ،استدعى نويل كل شجاعته وجرأة وتحدث أوًال" :سيدي" ،تلعثم" ،ال أملك أي"...
"يمكنك أن تناديني بأبي" ،قاطع الرجل العجوز الكNNريم بصNNوت ليس بمحبNNة .ثم ،وجهًNا للقاضNNي ،قNNال:
"هل يمكنني أن أكون مفيًدا لك بأي شيء أخر ،سيدي؟"
"فقط االستماع لشهادتك والتأكد من صحتها وتوقيعها إذا وجNNدت كNNل شNNيء صNNحيًحا .يمكنNNك المتابعNNة،
كونستان" ،أضاف القاضي.
تحَّو ل الكاتب الطويل نصًفا على كرسيه وبدأ القراءة .كان لديه طريقNNة غريبNNة في العبث بمNNا كتبNNه .قNNرأ
بسرعة كبيرة ،دون أن يولي أي اهتمام للفواصل الكاملة أو الفواصل العادية ،أو األسئلة أو األجوبة ،بل
واصل القراءة طالما استطاع .عندما لم يعد بإمكانه االسNNتمرار ،استنشNNق الهNNواء واسNNتمر كمNNا كNNان من
قبل .دون أن يشعر ،يرتبط بالغطاس الذي يرفع رأسه فجأة فوق الماء ،ويحصل على كميNNة من الهNNواء،
ثم يختفي مرة أخرى .كان نويل الوحيد الذي استمع بتركيز إلى القراءة ،التي كانت غير مفهومة لألذنين
غير المدربتين .أخبرته بالعديد من األشياء المهمة التي كان عليNه معرفتهNا .في النهايNة ،نطNق كونسNتان
بالكلمات "وعليه "،وما إلى ذلك ،التي تختتم جميع التقارير الرسمية في فرنسا.
سلم القلم إلى الكونت ،الذي وقع دون تردد .ثم التفت النبيل العجوز إلى نويل.
"لست بصحة جيدة" ،قال" ،عليكما ،يا ابني" ،مشNدًدا على هNذه الكلمNة" ،مسNاعدتي على الوصNNول إلى
العربة".
تقدم المحامي الشاب بحماس ،وسNNط أنبNNاء الفNNرح على وجهNNه ،حيث مNNرر ذراع الكNNونت تحت ذراعNNه.
عندما غادراالثنان ،لم يستطع القاضي دابورون مقاومNNة الفضNNول .سNNارع إلى فتح البNNاب قليًال ،وحافNNظ
على جسده في الخلفية حتى ال يتم رؤيته ،ثم نظر إلى الممر.
لم يصل الكونت ونويل إلى النهاية بعد ،كانا يتقNNدمان ببطء ،حيث بNNدا الكNNونت يسNNير بثقNNل وألم ،ونويNNل
يخطو خطوات قصيرة ،يميل قليًال نحو والده ،وكانت جميع حركاته تحمل أقصى درجات االهتمام .بقي
القاضي يراقبهم حتى اختفوا من األفق في نهاية الممر ،ثم عاد إلى مقعده متنهًدا بعمق.
"على األقل" ،فكر القاضي" ،لقد ساعدت في جعل شخص واحد سعيدًا .لن تكNون اليومNة سNيئة تمامًNا".
لكنه لم يكن لديه الNNوقت لالنغمNNاس في أفكNNاره ،حيث انNNدفعت السNNاعات بسNNرعة كبNNيرة .أراد اسNNتجواب
ألبرت في أسرع وقت ممكن ،وكNNان عليNNه مNNا يNNزال اسNNتقبال شNNهادات عNNدد من خNNدم الكNNونت ،وتقريNNر
المفتش الذي كلف بالقبض على ألبرت.
تم اسNتدعاء الخNدم الNذين كNانوا ينتظNرون دورهم منNذ فNترة طويلNة دون تNأخير ،وتم اسNتجوابهم بشNكل
منفصل .لم يكن لديهم الكثير من المعلومات إلعطاءه ،ولكن شهادة كل واحدة كانت تعد مثل اتهام جديNNد.
كان من السهل أن نرى أن الجميع يعتقدون أن سيدهم مذنب.
تم تقديم سلوك ألبرت منذ بداية األسبوع المميت ،وكلماته األقل أهمية ،وحNNتى حركاتNNه األقNNل براهينيNNة،
وتم تفسيرها وتفسيرها.
الرجل الذي يعيش في وسط ثالثين خادًم ا يشبه الحشرة في صندوق زجاجي تحت عدسة المستشNNرق .ال
يفوت أي من أفعالهم الحظهم ،فقد يكون لديه بالكاد سNر خNاص بNه ،وإذا لم يتمكنNوا من تخمين مNا هNو،
فعلى األقل يعلمون أن لديه سًر ا .من الصباح حتى المساء ،هو نقطة المراقبة لثالثين زوًجا من العيNNون،
مهتمة بدراسة أدق التغييرات في مالمحه.
حصل القاضي ،بالتالي ،على الكثير من تفاصيل السطحية الNNتي ال تعNNني شNNيًئا في البدايNNة ،ولكن األدنى
منها قد يصبح ،في المحاكمة ،سؤال حياة أو موت.
من خالل تجميع هذه الشهادات ،وتصفية وترتيبها ،تمكن السيد دابورون من متابعة سجينه ساعة بساعة
من صباح األحد.
عندما غادر نويل ،أمر الفيكونت بإعالم جميع الNNزوار بأنNNه ذهب إلى الريNNف .منNNذ ذلNNك اللحظNNة ،شNNعر
الجميع في المنزل أن هناك شيًئا خاطًئا حدث معه ،إما أنه كان مزعًجا للغاية أو مريًضا جًدا.
لم يغادر غرفته في ذلك اليوم ،بل طلب من يتيم الطعام إحضار العشاء له .تناول قليًال من الطعام -فقNNط
بعض الحساء وشريحة رقيقة جدًا من سمك السول مع النبيNNذ األبيض .وهNNو يتنNNاول طعامNNه ،قNNال للسNNيد
كونتوا ،النادل" :تذكر الطباخ بإضافة المزيد من التوابل إلى الصلصة في المستقبل" ،ثم أضاف بصوت
منخفض" ،آه! ألي هNNدف؟" في المسNNاء ،أرسNNل خدمNNه من كNNل الواجبNNات ،قNNائًال" :اذهبNNوا واسNNتمتعوا
بأنفسكم ".حذرهم صراحة من عدم إزعاجه ما لم يرن الجرس.
في اليوم الثاني ،لم يستيقظ حتى الظهر ،على الرغم من أنه كان يستيقظ باكرًا عNNادًة .اشNNتكى من صNNداع
قوي وشعور بالغثيان .تناول كوبًا من الشاي .طلب بروهامه ،لكنه سرعان ما ألغى األمر .سNNمع لNNوبين،
خادمه الشخصي ،يقول" :أنا أتردد كثيًر ا" ،وبعد لحظات قليلة" ،يجب علّي أن أتخذ قNNراًرا" .بعNNد ذلNNك،
بدأ الكتابة.
ثم أعطى لوبين رسالة ليحملها إلى اآلنسة كلير دارالنج ،مع تعليمات بتسليمها إليهNNا فقNNط أو إلى اآلنسNNة
شميدت ،المربية .وكانت الرسالة الثانية ،التي تحتوي على أوراق نقديNNة بقيمNNة ألفي فرنNNك ،موجهNNة إلى
جوزيف ،ليتم إيصالها إلى نادي الفيكونت .لم يتذكر جوزيف اسم الشخص الذي كNNانت الرسNNالة موجهNNة
إليه ،لكنه لم يكن شخًص ا من النبالء .في تلك الليلة ،تناول ألبرت قليًال من الحسNNاء فقNNط ،وبقي مغلقًNا في
غرفته.
استيقظ باكًر ا في الثالثاء .تجول في المنزل وكأنNNه في مشNNكلة كبNNيرة أو ينتظNNر شNNيًئا بفNNارغ الصNNبر ولم
يصل .عندما دخل الحديقNة ،سNNأل الحNNدائقي نصNNيحته بشNNأن الحديقNة .أجNNاب" :من األفضNNل أن تستشNNير
الكونت عند عودته".
لم يفطر في هذا اليوم ،تمامًا كما فعNNل في اليNNوم السNNابق .حNNوالي الواحNNدة ظهNNرًا ،نNNزل إلى اإلسNNطبالت
وعانق فرسه المفضلة ،نورما ،بمالمح حزينة .وهو يداعب عنقها ،قال" :فقيرة! قديمة هذه الفتاة!"
وفي السNNاعة الثالثNNة ،وصNNل رسNNول برسNNالة .اسNNتلم الفيكNNونت الرسNNالة وفتحهNNا على مقربNNة من حديقNNة
الزهور .سمع الخدمان بوضوح يقول" :ال يمكن لها أن تقاوم ".ثم عاد إلى المNNنزل وأحNNرق الرسNNالة في
البوتقة الكبيرة في القاعة.
وفيما كان يجلس لتناول العشاء في السادسة ،أصروا صديقاه ،السيد دو كورتيفNNوا والمNNاركيز دو شNNوز،
على رؤيته ،على الرغم من جميع األوامNر .لم يNرد أن يرفضNهما .كNان هNذان الNرجالن يرغبNان في أن
ينضم إليهما في حفلة ممتعة ،لكنه رفض ،قائًال إن لديه موعًدا هاًم ا جًدا.
تناول العشاء بشهية أكثر مما كان عليه في األيام السابقة .حتى طلب من النادل زجاجة من شNاتو الفيت،
كان يشربها بمفرده .وأثناء تناول قهوته ،تدخن سيجاًر ا في غرفة الطعام ،على عكس قواعد المنزل .في
السNNابعة والنصNNف ،وفًق ا لجوزيNNف واثNNنين من الخNNدم ،أو في الثامنNNة وفًق ا لحNNارس البوابNNة السويسNNري
ولوبين ،خرج الفيكونت سيًر ا على األقدام ،وحمل مظلة معه .عاد إلى المنزل في الساعة الثانية صباًحا،
وأطلق فوًر ا خادمه ،الذي انتظر له.
عند دخوله إلى غرفة الفيكونت في األربعاء ،الحظ الخادم حالة مالبس سيده الرثة .كانت مبللة وملطخة
بالوحل ،وكانت البنطلونات ممزقة .تجرأ الخادم على إدالء بتعليق حولهما .رد ألبرت ،بطريقة غاضبة،
"ارم األشياء القديمة في الزاوية ،جاهزة ليتم تبرع بها".
ظهر بأنه كان أفضل في ذلك اليوم .تناول اإلفطار بشNNهية جيNNدة ،والحNNظ النNNادل أنNNه كNNان في معنويNNات
ممتازة .قضى بعض الوقت في المكتبة وأحرق كومة من األوراق.
في الخميس ،بدا مرة أخرى غير صحي .لم يكن قادرًا على الذهاب الستقبال الكونت .في تلك الليلة ،بعد
لقائه مع والده ،ذهب إلى غرفته وبدا مريًض ا للغاية .أراد لوبين أن يجري على الطبيب :منعNNه من ذلNNك،
أو من ذكر ألي شخص أنه ليس بصحة جيدة.
هذا كان مضمون عشرين صفحة كبيرة ،التي غطاها الكاتب الطويل بالكتابة ،دون أن يلتفت إلى الشهود
الذين مّر وا به في زيهم الفاخر.
تمكن السيد دابورون من الحصول على هذه الشهادات في أقل من ساعتياديتان .على الرغم من أنه كNNان
يدرك أهمية شهاداتهم ،إال أن جميع هؤالء الخدم كانوا يتحدثون بكلمات كثيرة .كانت المشكلة في إيقافهم
عندما يبدؤون .ومن كل ما قالوه ،يبدو أن ألبرت كNNان سNNيًدا جيًNNدا -يخNNدم بسNNهولة ولطNNف ومهNNذب مNNع
خدمه .والمدهش هو أنه لم يتم العثNور على سNوى ثالثNة من بينهم لم يبNدون سNعادتهم المطلقNة بالحNادث
الذي ألم بالعائلة .كان اثنان محزونان بشدة .ولوبين ،على الرغم من أنه كان موضًعا للطيبة الخاصة ،لم
يكن واحًدا منهم.
وجاء دور المحقق اآلن .بكلمات قليلة ،أعطى تقريًر ا عن االعتقال ،كما وصفه تاباريNNه القNNديم .ولم ينَس
كلمة "ضائع" التي انطلقت من ألبرت ،حيث يعتبرها اعتراًفا .ثم قدم جميع األشNياء الNتي تم حجزهNا في
شقة الفيكونت دي كومارين.
فحص القاضي األدلة المادية هذه بعناية ،وقارنها عن كثب مع تلك المجموعة من األدلة الNNتي تم جمعهNNا
في ال جونشير .بدا القاضي راضًيا أكثر من أي وقت مضى عن الخطوة التي اتخذها.
ثم وضع جميع هذه األدلة المادية على طاولته ،وغطاها بثالثة أو أربعة ورقات كبيرة.
كان اليوم قد تقدم بعيًدا ،ولم يكن لدى السيد دابورون الكثير من الNNوقت لفحص المتهم قبNNل الليNNل .أتNNذكر
اآلن أنه لم يتذوق شيًئا منذ الصباح ،وأرسل بسرعة للحصول على زجاجة من النبيذ وبعض البسكويت.
لم يكن القاضي بحاجة إلى القوة ،ولكن كان بحاجة إلى الشجاعة .طوال الوقت الذي كان يأكل ويشNNرب،
كانت أفكاره تتكرر هذه العبارة الغريبة" :أنا على وشك الظهور أمNNام الفيكNNونت دي كومNNارين" .في أي
وقت آخر ،كان سيضحك على سخافة الفكرة ،لكن في هذه اللحظة ،بدا لها كإرادة القدر.
"ليكن كذلك" ،قNNال لنفسNNه" ،هNNذا هNNو عقNNابي" .وعلى الفNNور ،أعطى األوامNNر الالزمNNة لجلب الفيكNNونت
ألبرت أمام.
الفصل 12
لم يكن ألبرت يالحظ بشكل كبير إخراجه من المنزل إلى عزلNNة السNNجن .فجNNأة تمت االسNNتيالء عليNNه من
أفكاره المؤلمة بصوت المفوض القاسي القائل" :باسم القانون ،أعتقلNNك" ،وكNNانت عقلNNه مضNNطرًبا تماًم ا
واستغرق وقًتا طويًال الستعادة التوازن .كل ما يليه بدا له يطفو بشNNكل غNNير واضNNح في ضNNباب كNNثيف،
مثل تلك المشاهد الحلمية الممثلة على المسرح خلف ستارة مضاعفة مكونة من الشاش.
فيما يتعلق باألسئلة التي وجهت له ،فقد أجNNاب دون معرفNNة مNNا يقولNNه .اثNNنين من عمالء الشNNرطة أمسNNكا
بذراعيه وساعداه على النزول الNNدرج .لم يكن بمقNNدوره الNNنزول بمفNNرده ،فأطرافNNه الNNتي انحنت تحتNNه لم
تستطع دعمه .الشيء الوحيد الذي فهمه من كل ما قيل حوله هو أن الكونت قد تعرض للسكتة الدماغيNNة؛
ولكنه حتى نسي ذلك قريًبا.
رفعوه إلى العربة التي كانت تنتظر في الفناء عند سفح الدرج ،مشتتين بعض الشيء لوجودهم في مكان
كهذا ،ووضعوه على المقعد الخلفي .أما عمالء الشرطة ،فاحتلوا المقعد األمNامي ،في حين تسNلق الثNالث
الصندوق بجانب السائق .خالل القيادة ،لم يدرك تماًم ا موقفه .كNNان يرقNNد بال حNNراك في المركبNNة القNNذرة
والدهنية .جسده ،الذي كان يتأثر بكل اهتزاز ،بالكاد يتم تخفيفه بواسطة الينابيع المتهالكNNة ،وكNNان رأسNNه
يتذبذب على كتفيه ،كما لو كانت عضالت عنقNNه مكسNNورة .فكNNر في األرملNNة لNNوروج .استحضNNرها كمNNا
كانت عندما ذهب مع والده إلى ال جونشير .كان ذلك في الربيع ،وكانت أزهار الهوثورن تعطر الهNNواء.
وقفت العجNوز بقبعNة بيضNNاء عنNد بوابNة حNديقتها :تحNدثت بطلب .نظNر الكNونت بعين حNادة إليهNا أثنNاء
االستماع ،ثم ،وبعد أخذ بعض الذهب من محفظته ،أعطاها لها.
عند وصولهم إلى وجهتهم ،رفعوه من العربة بنفس الطريقة التي رفعوه بها عند االنطالق.
أثناء اإلجراءات الرسمية لتسجيل اسمه في سجل السجن في مكتب السNجالت القNذر والكريNه ،وفي حين
كان يردد كل شيء بشكل ميكانيكي ،ترك نفسه مسرًح ا لذكريات كلير بسعادة .عاد إلى أيام بداية حبهما،
عندما كان يشك في أنه سيحظى أبًدا بسعادة أن تحبه هي بالمثل ،وعندما كانوا يلتقون في مNNنزل اآلنسNNة
جويلو.
كانت هذه العذراء تملك منزًال على الضفة اليسرى لنهر السين وكان مفروًش ا بأغراض غريبة األطوار.
وكانت توضع على كNNل أثNNاث غرفNNة الطعNNام وعلى الموقNNد عشNNرين كلًب ا محنًط ا من سNNالالت مختلفNNة،
ساعدوا جميًعا أو تبادلًيا في تشجيع العذراء خالل ساعاتها الوحيNNدة .كNNانت تحب أن تNNروي قصًص ا عن
هذه الحيوانات األليفة الذين لم يفشل موّد تها معهم.
بعضهم كان غريًبا ،والبعض اآلخر فظيًعا .وكان أحدهم ،المحنط بشNكل فظيNع ،يبNدو وكأنNه على وشNك
االنفجار .كم من مرة ضحك هو وكلير عليه حتى اندمجت دموعهما سوية!
ثم بدأ المسؤولون في تفتيشه .هذا اإلذالل األكبر ،وهذه األيدي الخشنة التي تمر على جسده ،وضعته في
حالة من االنزعاج ،وأثارت غضبه .لكنها انتهت بالفعNNل ،وجّNNروه على األرضNNيات المظلمNNة والمتسNNخة
والزلقة .ثم فتحوا باًبا ودفعوه إلى زنزانة صغيرة .سمع بعد ذلك صوت قفل الباب وإغالقه.
كان سجيًنا ،ووفًقا ألوامر خاصة ،كان في حبس انفNرادي .شNNعر فNNوًرا بإحسNNاس واضNNح بالراحNNة .كNNان
وحيًدا.
لم يعد هناك أي همسات خافتة أو أصوات خشنة أو أسئلة ال هوادة فيهNNا تطNNرح في أذنيNNه .سNNادت حولNNه
صمت عميق .بدا له أنه فر من المجتمع إلى األبد ،وفرح بهذا األمNNر .لقNNد شNNعر باالرتيNNاح لNNو كNNان هNNذا
الصمت حتى صمت القبر .كان جسده ،باإلضافة إلى عقله ،مرهًقا للغايNNة .أراد الجلNNوس ،فNNرأى سNNريًرا
صغيًر ا على يمينه،أمام النافذة المسَّجدة التي كNNانت تNNدخل القليNNل من الضNNوء المتNNاح .كNNان هNNذا السNNرير
مرحًبا به بقدر ما يكون اللوح خالًص ا لرجل يغرق .فَّرش نفسه عليNNه ببهجNNة ،ولكنNNه شNNعر بNNالبرد ،ففَّNك
غطاء الصوف الخشن ولَّف نفسه به ،وسرعان ما نام عميق النوم.
في الممر ،كان اثنNNان من المحققين ،األول شNNاب ال يNNزال ،والثNNاني متقNNدم في السNNن ،يضNNعان بصNNرهما
وأذنيهما بالتناوب عند فتحة الباب ،مراقبين كل حركة للمسجون" .يا للرجل الNNذي هNNو!" همس الضNNابط
األصغر" .إذا لم يكن لدى الرجل أكثر من هذه الشجاعة ،فعليه أن يظNNل شNNريًفا .لن يهتم كثNNيًرا بمظهNNره
في صباح إعدامه ،أليس كذلك ،سيد باالن؟"
"ذلك يتوقف على ذلك" ،أجاب اآلخر" .يجب أن ننتظر ونرى .قال لي لكوك إنه كان شريًر ا فظيًعا".
"أه! انظر ،يرتب سريره ويستلقي .هل ينوي النNوم؟ هNذا جيNد! إنهNا المNرة األولى الNتي أرى فيهNا شNيًئا
كهذا".
"هذا ألنه ،يا رفيقي ،لم تتعامل إال مع السارقين الصغار .جميع المجرمين ذوي الوضع والموقNNع العNNالي
-ولقد كان علي العمل مع أكثر من واحد -هم من هذا النوع .في لحظة االعتقال ،ال يستطيعون فعل أي
شيء ،يفشل قلبهم ،لكنهم يتعافون في اليوم التالي".
"حًقا ،يبدو أنه ذاهب للنوم! ما هذا النكتة!"
"أقول لك يا صديقي" ،أضاف الرجل العجوز ،بتأكيد" ،أنNNه ال يوجNNد شNNيء أكNNثر طNNبيعي من ذلNNك .أنNNا
متأكد من أن هذا الشاب لم يعش بفعالية منذ وقت الضربة .جسده كان يشتعل بالكامل .اآلن يعلم أن سNNره
قد تم الكشف عنه ،وهذا يهدئه".
"ها ،ها! يا سيد باالن ،أنت تمزح :أنت تقول أن ذلك يهدئه؟"
"بالتأكيد .ال يوجد عقاب أكثر من القلق .كل شيء هو أفضل .إذا كان لديك فقط دخل بقيمNNة عشNNرة آالف
فرنك ،فسأريك طريقة إلثبات ذلك .سأقول لك أن تNNذهب إلى هNNامبورغ وتخNNاطر بثروتNNك بالكامNNل على
فرصة واحدة في لعبة الروليت .يمكنك أن تروي لي بعد ذلك ما كانت مشاعرك أثناء دوران الكرة .إنه،
يا صديقي ،كما لو كان دماغك يتمزق بالمالقط ،كما لو كان الرصاص السائل ُيصب في عظامNNك ،بNNدًال
من النخاع .هذا القلق قوي جًدا ،حتى يشعر المرء باالرتياح ،ويتنفس من جديد ،حتى عندما يخسNNر .إنNNه
الخراب ،ولكن القلق ينتهي".
"حًقا ،يا سيد باالن ،يمكن القول إنه لو كان لديك تجربة من هذا النوع".
"أسًفا!" تنهد الكشفي العجوز" ،أنه بفضل حبي لملكة البستوني ،حبي األليم ،الذي تقفون معي أمNNام هNNذه
الفتحة .ولكن هذا الرجل سينام لبضع ساعات ،ال تفقده من النظر .سأذهب ألدخن سيجارة في الفناء".
نام ألبرت لمدة أربع ساعات ،وعند استيقاظه ،كانت رأسه أوضح مما كNانت عليNه منNذ لقائNه مNع نويNل.
كانت لحظة فظيعة بالنسبة له عندما أدرك وضعه بالكامل ألول مرة.
"اآلن ،في الواقع" ،قال لنفسه" ،أحتاج كل شجاعتي".
كان يتوق لرؤية شخص ما ،للتحدث وليتم استجوابه وشرح وضعه .شعر برغبة في الصراخ.
"ولكن ما فائدة ذلك؟" سأل نفسه" .شخص ما سيأتي قريًبا ".بحث عن ساعته ليرى الNNوقت ،ووجNNد أنهم
سرقوها .شعر بالحزن لذلك؛ فقد كانوا يعاملونه كأكثر األشرار الهائمين .فحص جيبيه :لقNNد تم تفريغهمNNا
بعناية .ثم فكر في مظهره الشخصي ،وبعد االستيقاظ ،قام بإصالح مظهره قدر اإلمكNNان .ضNNبط مالبسNNه
ونظفها ،ورتب طية قميصNNه وربNNط ربطتNNه .ثم صNNب قليًال من المNNاء على منديلNNه ومNNرره على وجهNNه،
مغمضًا عينيNNه الملتهبNNتين .ثم حNNاول تصNNفيف لحيتNNه وشNNعره .لم يكن لديNNه أدنى فكNNرة بNNأن أربعNNة أعين
متطفلة تراقبه طوال الوقت.
"جيد!" همس الكشفي الشاب" :انظر كيف يرفع دجاجنا ريشه وينعم بريشه!
"قلت لك" ،أضاف باالن" ،أنه لم ُيفاجأ .هدوء! أعتقد أنه يتحدث".
ولكنهما لم يفاجئا بأي حركة غير متناسقة أو كلمة غير منطقية ،والتي تنطلق عNNادة من الضNNعفاء عنNNدما
ينجذبون بالخوف ،أو من األشخاص الذين يؤمنون بخصوصNNية زنNNازينهم .وصNNلت إلى أذني المراقNNبين
كلمة واحدة فقط" :شرف".
"هؤالء المتمردين من الطبقة العليا" ،تذمر باالن "دائمًا هذه الكلمة في أفواههم .إنما ما يخشNNونه األكNNثر
هو رأي عدد قليل من األصدقاء واآلالف من الغربNNاء الNNذين يقNNرؤون ' .'Gazette des Tribunaux
إنهم يفكرون فقط في رؤوسهم فيما بعد".
عندما جاءت قوات األمن الستجواب ألبرت أمام القاضي الNNذي يحقNNق في القضNNية ،وجNNدوه جالًس ا على
جانب سريره ،وقد وضع قدميه على السكة الحديدية ،وكان يضع كوعيه على ركبتيه ،ويخفي رأسNNه في
يديه .وقام بالنهوض عند دخولهم ،وخطى بضع خطوات نحوهم ،لكن حلقه الجاف جًNNدا حNNتى لم يسNNتطع
الكالم بسهولة .طلب لحظة ،ومال نحو الطاولة الصغيرة ،وامتأل كأسان كبيرتNNان بالمNNاء وشNNربهما على
التوالي.
ثم قال" :أنا جاهز!" وبخطوة ثابتة ،تابع القوات إلى الممر الذي يؤدي إلى باليه دو جوستيس.
كان السيد دابورون حينئٍذ في حالة قلق شديد .كان يمشي بشكل عنيف في مكتبNNه ،ينتظNNر السNNجين .مNNرة
أخرى ،وللمرة العشرين منذ الصباح ،ندم على أنه شارك في العملية.
"لعنة هذه النقطNة العبثيNة من الشNرف الNتي أطاعهNا" ،صNرخ في نفسNه" .حNاولت عديًNدا تطمئن نفسNي
بمساعدة تزوير .كنت مخطًئا في عدم االنسحاب .ال شيء في العالم يمكن أن يغNNير مشNNاعري تجNNاه هNNذا
الشاب .أكرهه .أنا القاضي والحقيقة أنني في وقت ما شعرت بالرغبة في قتلNNه .واجهتNNه مNNع مسNNدس في
يدي :لماذا لم أقدم عليه وأطلق النار؟ هل أعNNرف لمNNاذا؟ مNNا هي القNNوة الNNتي أبقت إصNNبعي ،عنNNدما كNNان
الضغط القليل يكفي لقتله؟ ال أستطيع القول .لماذا ليس هو القاضي ،وأنNNا القاتNNل؟ إذا كNNان النيNNة مجرمNNة
مثل الفعل ،يجب أن أعدم .وتحت هذه الظروف ،أجرؤ على استجوابه!"
عندما سمع صوت خطوات القوات الخاصة بالسجين في الممر ،قال بصوت عNNاٍل " :إنNNه هNNو" ،ثم جلس
بسرعة على مكتبه ،يحاول إخفاء نفسه باالنحناء على ملفاته ،كما لو أنه يحاول إخفاء نفسه .لNNو اسNNتخدم
الكاتب الطويل عينيه ،الحظ المشهد الغريب لقاضي التحقيق الذي كان أكثر اضطراًبا من السجين الNNذي
كان على وشك استجوابه .لكنه كان أعمى لكل ما حوله ،وفي هذه اللحظة ،كNNان يNNدرك فقNNط خطNNأ قNNدره
خمسة عشر سنتيمتًر ا ،انزلق إلى حساباته ،ولم يكن قادًر ا على تصحيحه.
دخل ألبرت مكتب القاضي برأس مرفوع .كانت مالمحه تحمNNل آثNNار اإلرهNNاق الشNNديد والليNNالي السNNهر.
كان شاحًبا جًدا ،لكن عينيه كانت واضحة ومتأللئة.
أعطت األسئلة المعتادة التي تفتح مثل هذه االستجوابات فرصة للسيد دابورون الستعادة توازنNNه .لحسNNن
الحظ ،كان قد وجد الوقت في الصباح إلعداد خطة ،والتي كان عليه اآلن مجرد اتباعها.
"أنت على علم ،يا سيدي" ،بدأ بلباقة تامة " ،أن ليس لديك الحق في االسم الذي تحمله؟"
"أعلم ذلك ،سيدي" ،أجاب ألبرت " ،أعلم كذلك أنني ابن طبيعي للسيد دي كومNNارين .وأنNNا أعلم كNNذلك
أن والدي لن يكون قادرًا على التعرف علّي ،حتى لو أراد ذلك ،حيث ولدت خالل حياته المتزوجة".
"سأكذب لو قلت ،سيدي ،إذا قلت إنني لم أشعر بالحرقة .عندما يكون المNرء في الموقNNف العNالي الNذي
كنت فيه ،فإن السقوط يكون مرّو ًعا .ومع ذلك ،لم أفكر لحظة واحدة في االعتراض على حقوق السNNيد
نويل جيردي .كنت دائًم ا أنوي ،وما زلت ،االنحياز .وقد أبلغت السيد دي كومارين بذلك".
توقع السيد دابورون إجابة مشابهة لهذه اإلجابة ،تماًم ا كما تعNNززت شNNكوكه .ألم تNNدخل في خNNط الNNدفاع
الذي كان يتوقعه؟ وكNNان واجبNNه اآلن البحث عن طريقNNة لتNNدمير هNNذا الNNدفاع الNNذي كNNان السNNجين يعNNتزم
اإلغالق فيه مثل السلحفاة في قوقعتها.
"لم تتمكن من المعارضة للسيد جيردي" ،استمر القاضي " ،بأي فرصة للنجاح .كNNان لNNديك ،بالفعNNل ،
من جانبك الكونت وأمك ؛ ولكن السيد جيردي كان في حوزته دليNNل مؤكNNد للفNNوز بقضNNيته ،وهNNو دليNNل
األرملة لوروج".
"اآلن" ،استمر القاضي ،وهو يحNاول إخفNاء النظNرة الNتي ركزهNا على ألNبرت" ،يفNترض العNدل أنNك،
للتخلص من الدليل الوحيد الموجود ،قمت بقتل األرملة لوروج".
لم تؤثر هذه االتهامات الرهيبة المؤكدة بشدة على مالمح ألبرت .حافظ على السNNلوك الثNNابت نفسNNه ،دون
تباهي.
"أقسم لك ،يا سNيدي ،باهلل وبكNل مNا هNو أقNدس على األرض ،بNأني بNريء!" ،أجNاب" .أنNا اآلن سNجين
محاصر ،بدون أي اتصاالت مع العالم الخارجي ،وبالتالي ُم قيٌNد بNNالعجز التNNام .ومن خالل شNNرفك الNNذي
أتمنى أن يثبت براءتي".
"ما هذا الممثل!" ،فكر القاضي" .هل يمكن أن يكون الجرم بهذه القوة؟".
ألقى نظرة على أوراقه ،وقرأ بعض المقاطع من الشNNهادات السNNابقة ،وأشNNار إلى بعض الصNNفحات الNNتي
تحتوي على معلومات مهمة .ثم ،فجأة ،استأنف القاضي" :عندما اعُتقلت ،صرخت قائًال 'أنا مفلس' .ماذا
تقصد بذلك؟".
"يا سيدي ،أتذكر أنني قلت تلك الكلمات .عندما عNNرفت بالجريمNNة الNNتي اتهمت بهNNاُ ،ص دمت بالصNNدمة.
كان عقلي ،لو كان يمكن ،مضNNيًئا بلمحNNة من المسNNتقبل .في لحظNNة ،رأيت رعب وضNNعيتي .فهمت وزن
االتهام ،واحتمالية حدوثه ،وصعوبات الدفاع عن نفسي .وصوت يصرخ في داخلي' :من األكثر اسNNتفادًة
من وفاة كلودين؟' .وكانت المخاطرة الوشيكة أجبرتني على الصراخ بالعبارة التي تحدثت عنها".
كانت تفسيره أكثر من معقول ،ومن الممكن أن يكون صحيًحا ،وحتى مرجًحا .كNNان لهNNذا التفسNNير مNNيزة
مسبقة ،وهي "البحث عن الذين سيسNتفيدون من الجريمNة!" .وكNان السNيد دابNورون يعجب من حضNNور
ألبرت وموارده الخالقة.
"يبدو بالفعل" ،اسNNتمر القاضNNي" ،أن لNNديك أكNNبر اهتمNNام بهNNذه الوفNNاة .عالوة على ذلNNك ،سNNأخبرك بNNأن
السرقة لم تكن هدف الجريمة .تم استعادة األشNNياء الNNتي رميت في السNNين ،ونعلم أيًض ا أن جميNNع وثNNائق
األرملة تم حرقها .هل يمكن أن تضر بأي شخص آخر غيرك؟ إذا كنت تعرف أي شخص ،فتحدث".
"أحد سائقي الشركة يدعي أنه قادك هناك على األقل عشر مرات".
"بكل تأكيد ،يا سيدي .كانت هناك غرفتان .كلودين كانت تنام في الغرفة الخلفية".
"لم تكن بأي حال من األحوال غريًبا عن األرملة لوروج .إذا كنت قNNد طNNرقت على نافNNذتها مسNNاًء ،هNNل
تعتقد أنها ستدعوك داخل؟"
"بالتأكيد ،يا سيدي ،وبحماسة".
"كنت مريًض ا في األيام األخيرة؟"
"كنت مريًضا جًدا ،على األقل ،يا سيدي .كان جسدي ينحني تحت وطأة عبئ كبير جًNNدا بالنسNNبة لقNNوتي.
لم أكن ،ومع ذلك ،أفتقد الشجاعة".
"لماذا منعت خادمك ،لوبين ،من استدعاء الطبيب؟"
"أه ،يا سيدي ،كيف يمكن للطبيب أن يعالج مرضي؟ كل علمه ال يمكن أن يجعلNني ابن شNرعي للكNونت
دي كومارين".
"سمع بعض التصريحات الغريبة التي قمت بها .بدا أنه لم يعد لNNديك اهتمNNام بNNأي شNNيء يتعلNNق بمنزلNNك.
قمت بتدمير عدد كبير من األوراق والرسائل".
أجاب ألبرت بسرعة على أسئلة القاضي ،دون أي حرج ،وبصوت واثق .لم يرتعش صNNوته ،الNNذي كNNان
لطيًفا للغاية لألذن .لم يخفي أي شعور ،واحتفظ بصوته النقي والمهتز.
اعتبر السيد دابورون من الحكمة تعليق االستجواب لفترة قصيرة .مع خصم ذكي مثNNل هNNذا ،كNNان يسNNير
بطريق خاطئ بالتأكيد .كان من الحماقة المضي قدمًا بالتفاصيل ،ألنه لم يرهب المتهم ،ولم يجعله ينفتح.
كان من الضروري أن يأخذه بالمفاجأة.
"قل لي بالضبط كيف قضيت وقتك مساء الثالثاء الماضي ،من الساعة السادسة حتى منتصNNف الليNNل؟"،
استأنف القاضي بشكل مفاجئ.
للمرة األولى ،بدا ألبرت مرتبًك ا .تحرك نظره ،الذي كان يتمركز على القاضي حتى ذلك الحين.
"خالل مساء الثالثاء" ،تكرر ألبرت العبارة بتردد لكسب الوقت.
"لقد حصلت عليه "،فكر القاضي ،متحمًسا ،ثم أضاف بصNNوت عNNاٍل " :نعم ،من السNNاعة السادسNNة حNNتى
منتصف الليل".
"أخشى ،يا سيدي ،أنه من الصعبعلّي أن أرضيك بالكالم الدقيق .ليس لدي ذاكرة جيدة".
"ال تقل لي ذلك!" قاطع القاضي" .إذا كنت قد سألت عن ماذا فعلت قبل ثالثة أشهر في مساء معين وفي
وقت معين ،فأنا أفهم ترددك .ولكن هذا يتعلق بالثالثاء ،واليوم هو الجمعة .عالوة على ذلNNك ،هNNذا اليNNوم
القNريب كNان آخNر أيNام الكرنفNال ،كNان الثالثNاء قبNل األربعNاء الرمNادي .هNذا الظNرف يجب أن يسNاعد
ذاكرتك".
ًن
"ذلك المساء ،خرجت للمشي" ،همس ألبرت" .حس ا" ،استمر القاضي" ،أين تناولت عشاءك؟"
"في المنزل ،كالمعتاد".
"ال ،ليس كالمعتاد .في نهاية وجبتك ،طلبت زجاجة من بوردو ،شربتها كلهNNا .بالتأكيNNد كنت بحاجNNة إلى
بعض اإلثارة اإلضافية لخططك الالحقة".
"لم يكن لدي خطط" ،أجاب المتهم بتوتر واضح.
"أنت تخطئ .جاء صديقان للبحث عنك .لقد أجبتهم ،قبل الجلوس لتناول العشاء ،بأن لديك ارتباًطا مهًم ا
للغاية للحفاظ عليه".
"أال تستطيع فهم ذلك ،يNNا سNNيدي؟ كنت مستسNNلًم ا ،ولكن لم يريحNNني ذلNNك .كنت أتعلم كيفيNNة التعNNود على
الضربة الرهيبة .أال يبحث المرء عن العزلة في األزمة الكبرى التي يمر بها في حياته؟"
"يNNدعي االدعNNاء أنNNك أردت أن تNNترك وحNNدك لتNNذهب إلى ال جونشNNير ،وقلت خالل النهNNار' :ال يمكنهNNا
مقاومتي' .عن من كنت تتحدث؟"
"عن شخص قد كتبت له في المسNNاء السNNابق ،والNNذي رد علي .تحNNدثت الكلمNNات ومNNا زالت رسNNالتها في
يدي".
"يدل هذا االحتياط على أنNNك اعتNNبرت الرسNNالة مضNNرة" ".ال على اإلطالق ،يNNا سNNيدي؛ فكNNل مNNا كNNانت
تتحدث عنه كان شأًنا خاًصا".
كان السيد دابورون متأكًدا من أن هذه الرسالة جاءت من اآلنسة دارالنج .هل يجب عليNه طNرح السNؤال
مرة أخرى واالستماع إلى االسم كلير الذي يثير دائًم ا المشاعر المؤلمNNة لديNNه؟ تجNNرأ على ذلNNك ،واسNNتند
على أوراقه بحيث ال يستطيع المتهم اكتشاف انفعاله.
"من أين جاءت هذه الرسالة؟" سأل" .من شخص ال يمكنني ذكر اسمه".
"يا سيدي" ،قال القاضي بصرامة" ،لن أخفي عنك أن وضNNعك معNNرض للخطNNر بشNNكل كبNNير .ال تزيNNده
سوًء ا بهذا الصمت الجانح .أنت هنا لتروي كل شيء ،يا سيدي".
"شؤوني الخاصة ،نعم ،ليس شؤون اآلخرين".
أعطى ألبرت هذا الجواب األخNير بلهجNة جافNة .كNان دائًخ ا ومنفعًال ومنزعًج ا من األسNلوب الفضNولي
والمزعج للتحقيق الذي لم يترك له وقًتا للتنفس .سقطت أسئلة القاضي عليه بكثافة مثل ضربات مطرقNNة
الحداد على الحديد الساخن الذي يريد تشكيله قبل أن يبرد.
أزعجت المعارضة الظاهرة للمتهم القاضي دابورون كثيًر ا .كما فوجئ بخطأ الكشاف القديم في التفكير؛
تماًم ا كما لو كان تاباريه ال يخطئ أبًدا .كان تاباريه قد تنبأ بوجود أليNNبي غNNير قابNNل لإلعNNتراض ؛ ولكن
هذا األليبي لم يظهر .لماذا؟ هل لدى هذا الشرير الماكر شيء أفضل من ذلك؟ ما هو الدفاع الماكر الذي
يعتمد عليه؟ بال شك ،كان يحتفظ بضربة غير متوقعة ما ،وربما كانت ال تقاوم.
"هدوء" ،فكر القاضي" .لم أحصل عليه بعد" .ثم أضاف بسرعة بصوت عاٍل " :أكمNNل .مNNاذا فعلت بعNNد
العشاء؟"
"خرجت للتنزه".
"ليس على الفور .بعد أن تفNرغت الزجاجNة ،تNدخن سNيجاًرا في غرفNة الطعNام ،وهNو أمNر غNير عNادي
لدرجة أنه لفت االنتباه .ما هو نوع السيجارات التي تدخنها عادة؟"
"ترابوكوس".
"أال تستخدم حامل سيجارة ،لحماية شفتيك من االتصال بالتبغ؟"
"نعم ،يا سيدي" ،أجاب ألبرت متفاجًئا جًدا من هذه السلسلة من األسئلة" .في أي وقت خرجت؟"
"حوالي الساعة الثامنة مساًء ".
"نعم".
"إلى أين ذهبت؟" "تجولت فقط".
"بمفردك ،دون هدف ،طوال المساء؟" "نعم ،يا سيدي".
"اآلن أعد لي خطوات تجولك بعناية شديدة".
"أه ،يا سيدي ،هذا أمر صعب جًدا! خرجت ببساطة للتجول ،لممارسة الرياضة ،لطرد الخمول الذي ألم
بي لمدة ثالثة أيNام .ال أعNرف مNا إذا كنت تسNتطيع تصNNوير حNالتي بالضNNبط .كنت على وشNك الجنNون.
تجولت عشوائًيا على األرصفة .تجولت في الشوارع "-
"كل هذا غير مرجح جًدا" ،قاطع القاضي .ومع ذلك ،كان السيد دابورون يعلم أنه على األقل ممكن .هل
لم يقم هو نفسه ،في ليلة مماثلة ،بعبور باريس بأكمله؟ ما الرد الذي يمكن أن يقدمه ،لو سأله شNNخص مNNا
في الصباح التالي عن مكانه ،إال أنه لم يلتفت ،وال يعNNرف؟ لكنNNه نسNNي ذلNNك ،وتالشNNت تردداتNNه السNNابقة
أيًضا.
مع تقدم التحقيق ،اسNتولت حمى التحقيNق عليNه .اسNتمتع بNالعواطف المتعلقNة بالصNراع ،وأصNبح شNغفه
بمهنته أقوى من أي وقت مضى.
كان مرة أخرى قاضي التحقيق ،مثل مNNدرب الفنNNون القتاليNNة ،الNNذي أثنNNاء التNNدريب مNNع أعNNز أصNNدقائه،
تحمس بصوت عاٍل ،ونسي نفسه ،وقتله.
"إًذ ا" ،استأنف السيد دابورون" ،لم تقابل أي شخص يمكن أن يؤكNNد أنNNه رأىNNك؟ لم تتحNNدث إلى أحNNد؟ لم
تدخل مكاًنا ،حتى مقهى أو مسرًح ا ،أو محل تبغ إلشعال إحدى سجائرك المفضلة ترابوكوس؟"
"ال ،يا سيدي".
"حسًنا ،إنها كارثة كبيرة بالنسبة لك ،نعم ،كارثة كبيرة جًدا؛ ألنني يجب أن أخNNبرك ،أنNNه كNNان بالضNNبط
خالل هذا المساء الثالثاء ،بين الساعة الثامنNة مسNاًء ومنتصNف الليNل ،تم ارتكNاب جريمNة قتNل األرملNة
ليروج .يمكن للعدالة تحديد الساعة بالضبط .ومرة أخرى ،يNNا سNNيدي ،في مصNNلحتك الخاصNNة ،أوصNNيك
بالتفكير -وتوجيه نداء قوي لذاكرتك".
بدا أللبرت أن هذا اإلشارة إلى اليوم والساعة المحددة للجريمة أثارت دهشته .رفع يده إلى جبينه بحركة
يائسة .ومع ذلك ،أجاب بصوت هادئ" ،أنا محظوظ جًدا ،يا سيدي :لكNNني ال أسNNتطيع أن أتNNذكر شNNيًئا".
كانت مفاجأة السيد دابورون كبيرة .مNNاذا ،ليس لديNNه أي دليNNل على عNNدم وجNNوده في مكNNان الجريمNNة؟ ال
شيء؟ ال يمكن أن يكون هذا فًخ ا أو نظام دفاعي .هل كان هذا الرجل بارًعا كما كان يتصNNور؟ بال شNNك.
لكنه انتهك غير متوقع .لم يتصور أبًدا أن االتهام سيوجه إليه ،وكان من المعجزة أن حدث ذلك.
رفع القاضي ببطء ،واحًدا تلو اآلخر ،األوراق الكبيرة التي تغطي المقتنيات الNNتي تم حجزهNNا في غNNرف
ألبرت.
"سننتقل" ،واصل" ،إلى فحص االتهامات التي تقع عليك .هل تتعرف على هذه المقتنيات كملك لك؟"
"نعم ،يا سيدي ،هي جميعا ملكي".
"حسًنا ،خذ هذا السيف .من كسره؟"
"أنا ،يا سيدي ،في السيف بيني وبين السيد دي كورتيفوا ،الذي يمكن أن يشهد بNNذلك" ".سNNيتم اسNNتماعه.
أين الطرف المكسور؟"
"ال أعرف .يجب أن تسأل لوبان ،خادمي".
"بالضبط .يقول إنه بحث عنه ،ولم يجده .يجب أن أخبركم بأن الضحية تلقت الضربة القاتلة من الطرف
المحدد من السيف المكسور .هذه القطعة من القماش التي استخدمها القاتل لمسNNح سNNالحه هي دليNNل على
ما أقوله".
"أرجوك ،يا سيدي ،اطلب منهم إجراء بحث دقيق للغاية .من المستحيل أن ال يمكن العثور على النصف
اآلخر من السيف".
سيتم إعطاء األوامر لهذا الغرض .انظر ،هذا هو النسخ الدقيق لقNNدم القاتNNل المرسNNوم على هNNذه الورقNNة.
سأضع إحدى حذائك عليها ،وكما ترى ،يتناسNب النعNل مNع الرسNم بدقNNة تامNة .تم صNNب هNذا الجص في
الحفرة التي تركتها الكعب :تالحظ أنه مشNNابه في كNNل شNNيء لكعب حNNذائك الخاصNNة .أرى أيضNNا عالمNNة
الدبوس التي تظهر في كالهما".
تابع ألبرت بقلق ملحوظ كل حركة للقاضي .كان من الواضح أنه يكافح ضNNد الNNرعب المتزايNNد .هNNل هNNو
مهاجم من قبل الرعب الذي يغمر المذنبين عندما يرون أنفسهم على وشNNك التعNNرض للفضNNيحة؟ لجميNNع
مالحظات القاضي ،أجاب بصوت منخفض " ،صحيح -صحيح تماًم ا".
"هذا كذلك" ،واصل السيد دابورون " ،ومع ذلك ،اسNتمع للمزيNد قبNل محاولNة الNدفاع عن نفسNك .كNان
المجرم يحمل مظلة .غرق طرف هذه المظلة في التربة الطينية ؛ تم العثور على جولNNة الخشNNب الNNتي تم
وضNNعها في نهايNة الحريNر ،وهي مصNNبوبة في التربNة .انظNر إلى هNذا كتلNة التربNة الطينيNة المرفوعNة
بأقصى عناية ؛ واآلن انظر إلى مظلتك .هل تشبه الجوالت بعضها البعض أم ال؟"
"هذه األشياء ،سيدي ،تتم تصنيعها بكميات كبيرة".
"حسًنا ،سنتجاوز هذا الدليل .انظر إلى نهاية سNNيجارة تم العثNNور عليهNNا في موقNNع الجريمNNة ،وأخNNبرني
بأي نوع هو ،وكيف كان يدخن".
"إنها ترابوكوس ،وكانت تدخن في حامل سيجار".
"مثل هذه؟" استمر القاضي في اإلصرار ،مشيًر ا إلى السيجار وحNNامالت العنNNبر والميشNNاوم الموجNNودة
في مكتبة الفيكونت.
"نعم!" همر ألبرت " ،إنها مصير ،صدفة غريبة".
"الصبر ،هذا ليس شيًئا حتى اآلن .كان القاتل يرتدي قفازات .أمسكت الضحية ،خالل صراع الموت ،
بيديه ؛ وبقيت بعض قطع الجلد في أظافرها .تم الحفاظ على هذه القطع ،وهي هنا .هي لون الخNNزامى ،
أليس كذلك؟ اآلن ،هنا هي القفازات الNتي كنت ترتNديها يNوم الثالثNاء .إنهNا أيًض ا لNون الخNزامى ،وهي
متهالكة .قارن هذه القطع من الجلد مع قفازاتك الخاصة .هل تتوافقان؟ هل هما من نفس اللون والجلد؟"
كان من العديد بال جدوى أن ينكر ،يتلفظ بالمباغتة ،أو يبحث عن مكر .األدلة كانت هنNاك ،وكNانت ال
يمكن إنكارها .في حين يبدو أن السيد دابورون يشغل نفسه بالكائنات الموجودة على مكتبه فقط ،إال أنNNه
لم يفقد السيد ألبرت من باله .كان ألبرت مرعوبًا .تعرقت جبينه بعرق بارد ،وانسNاب قطNرة بعNد قطNرة
عبر خديه .ترجفت يديه حتى إنها لم تعد مفيدة له.
بصوت بارد كرر باستمرار" :إنها مرعبة ،مرعبة!"
"أخNNيًرا" ،واصNNل القاضNNي الالمعNNرف ال يتوقNNف "هنNNا هي السNNراويل الNNتي كنت ترتNNديها في مسNNاء
الجريمة.
من الواضح أنها كانت مبللة جًدا قبل فترة قصNNيرة ،وباإلضNNافة إلى الوحNNل عليهNNا ،هنNNاك آثNNار تNNراب.
باإلضافة إلى أنها ممزقة عند الركبتين .سنعترف ،في هذه اللحظة ،أنك قد ال تتذكر أين ذهبت في تلNNك
الليلة ؛ ولكن من سيصدق أنك ال تعرف متى مزقت سراويلك وكيف مهترئة كانت قفازاتك؟"
ما هو الشجاعة التي يمكنها أن تقاوم هذه الهجمات؟ انتهت ثبات وحيوية ألبرت .تدور عقله .سNNقط بثقلNNه
على كرسي ،معلنًا" :إنه يكفي لدفعني إلى الجنون!"
"هل تعترف" ،طالب القاضي الذي كان نظره ثابًتا على المتهم "هل تعترف أن أرملة لNNوروج لم يمكن
أن تطعن إال بيدك؟"
"أعترف" ،احتج ألبرت" ،أنني ضحية إحدى تلك الصدف المرعبة التي تجعل الرجال يشكون في دليNNل
عقولهم .أنا بريء".
"ثم قل لي أين قضيت مساء الثالثاء".
"آه يا سيدي!" صاح المتهم" ،يجب أن أ "...لكنه ،ومNع احترامNه لنفسNه ،أضNNاف بصNNوت خNافت" :لقNد
أعطيت اإلجابة الوحيدة التي يمكنني إعطاؤها".
وقف السيد دابورون ،بعد أن وصل إلى ضربته الكبرى.
"من واجبي "،قال بظل من السخرية "تعويض فشل ذاكرتك .سأذكر لك أين ذهبت وماذا فعلت".
في مساء يوم الثالثاء في تمام السNاعة الثامنNة ،بعNد أن حصNلت على الطاقNة الرهيبNة الNتي تحتاجهNا من
النبيذ الذي شربته ،تركت منزلك .في الساعة الثامنNNة وخمس وثالثين دقيقNNة ،اتخNNذت القطNNار في محطNNة
سانت الزار .وفي الساعة التاسعة ،نزلت في محطة رويل".
وعدا عن إعجابه بفكر تاباريه ،لم يتردد القاضي المحقق في تكرار تقريًبا حرفًيا التراجيد الNNتي ابتكرهNNا
المحقق الهاٍو في الليلة السابقة .كان لديه كل سبب ،أثنNNاء الكالم ،ليعجب بNNذكاء الرجNNل العجNNوز .لم ينتج
كالمه أبًدا تأثيًر ا مثل هذا في حياته .كNNل جملNNة ،كNNل كلمNNة ،قالهNNا بتNNأثير كبNNير .تحطم الثقNNة الNNتي كNNانت
تمتلكها المتهم ،التي كانت قد هزت بالفعل ،تدريجيًا ،تماًم ا كمNNا يتهشNNم الطالء الخNNارجي للجNNدار عنNNدما
ُيثقب بالرصاص.
وكان ألبرت ،كما الحظ القاضNNي المحقNNق ،كرجNNل يتNNدحرج نحNNو قاعNNة الجNNرف ،يNNرى كNNل فNNرع وكNNل
تجاويف يمكن أن تبطئ سقوطه تفشل في دعمه ،ويشعر بكدمNة جديNدة وأكNثر ألًم ا في كNل مNرة يالمس
فيها جسده هذه الفروع.
"واآلن" ،ختم القاضي المحقق" ،استمع إلى نصNNيحة جيNNدة :ال تصNNر على نظNNام اإلنكNNار الNNذي ال يمكن
الدفاع عنه .توقف عن ذلNك .اعلم أن العدالNNة ال تجهNNل أي شNNيء من المهم معرفتNNه .صNNدقني؛ حNNاول أن
تستحق التسامح من قضاتك ،واعترف بذنبك".
لم يعتقد السNNيد دابNNورون أن المتهم سيصNNر على تأكيNNد براءتNNه .تصNNور أنNNه سNNيتعرض لتNNدمير واضNNح،
وسينحني للتو ساجًدا بطلب الرحمة .لكنه كان مخطًئا.
ألبرت ،على الرغم من انهياره الكبير ،وجد في آخر جهد من إرادته قوة كافية لتجديد نفسه والتأكيد مNNرة
أخرى" ،أنت على حق يا سيدي" ،قال بصوت حNNزين ولكن ثNNابت" ،كNNل شNNيء يبNNدو كمNNا لNNو أنNNه يثبت
براءتي .في مكانك ،كنت قد تحدثت كما فعلت ،ومع ذلك ،أقسم لك بأنني براء" .
"تعال اآلن ،هل تصر على نفي ادعاءات االتهام؟" بدأ القاضي المحقق.
"أنا بريء" ،قاطع ألبرت" .وأكرر ذلك ،دون أي أمل في تغيير اقتناعNNك بNNأي شNNكل من األشNNكال .نعم،
كل شيء يشير ضدي ،حتى سلوكي أمامك .صحيح ،تم هNز شNجاعتي بسNبب هNذه المصNادفات الصNعبة
والمدهشة والساحقة .أنا ُم ْنَهك ،ألنني أشعر بصعوبة إثبات براءتي .لكنني ال أيأس .شNNرفي وحيNNاتي بيNNد
هللا .في هذه اللحظة الحالية ،وأنا أظهر لك فقداني لألمل ،ال يزال لدي ثقة تامة في تNNبرير كامNNل .أنتظNNر
بثقة".
"ماذا تقصد؟" سأل القاضي المحقق.
"ال شيء سوى ما أقوله ،سيدي".
"إذن ،أنت تصر على نفي ادعاءات االتهام؟"
"أنا بريء".
"ولكن هذا هو الجنون".
"أنا بريء".
"حسًنا" ،قال السيد دابورون" ،هذا كاٍف لليوم .سيتم قNراءة التقريNر الرسNمي السNتجوابك ،وسNتعود إلى
العزلة .أحثك على التفكير .قد تأتي الليلة بمشاعر أفضل؛ إذا كنت تNNرغب في أي وقت في التحNNدث إلي،
فأرسل كلمة ،وسأأتي إليك .سأعطي األوامر لذلك .يمكنك اآلن القراءة ،كونستان".
عندما غادر ألبرت بمرافقة الدركيين ،همNNر القاضNNي المحقNNق بصNNوت خNNافت" ،إنNNه رجNNل عنيNNد حًق ا".
بالتأكيد ،لم يعد لديه أي شك .بالنسبة له ،كان ألبرت بالتأكيد القاتل مثلما لو اعترف بذنبه .حتى لو استمر
في نظام اإلنكار حتى نهاية التحقيق ،كان من المستحيل ،مع األدلة التي تمتلكهNNا الشNNرطة ،أال يتم إيقافNNه
للمحاكمة .لذلك كان متأكًدا من تورطه في الجريمة .كان بنسبة مئة لواحد ،أن يصدر حكم باإلدانة ضده.
ومع ذلك ،لم يشعر السيد دابورون بالرضا الشديد ،المختلط بالغرور ،الذي كان يشعر به عادة بعد نجاح
استجوابه بنجاح وتمكنه من وضع المتهم في نفس موقف ألبرت .شيء ما أزعجNه وصNدمه .كNان يشNعر
بعدم االرتياح في قلبه .لقد انتصر ،لكن انتصاره أعطاه فقط عدم االرتياح واأللم واإلحباط .زاد من عدم
رضاه تفكير بسيط جًدا لم يفهم لماذا لم يخطر بNه في البدايNة ،وزاد من عNدم رضNNاه وجعلNه يغضNNب من
نفسه.
"شيء ما قال لي" ،همهم القاضي المحقق" ،كنت على خطأ عندما قمت بهذه القضNNية .أنNNا معNNاقب لعNNدم
اتباع ذلك الصNNوت الNNداخلي .كNNان يجب علي أن أرفض المضNNي قNNدًم ا في التحقيNNق .كNNان الفيكNNونت دي
كومارين ،على أي حال ،متأكًدا من االعتقال والسجن واالستجواب والتفاخر والمحاكمة وربمNNا اإلدانNNة.
ثم ،بعدما لم أكن مرتبًطا بالقضية ،كنت قد ظهرت مرة أخرى أمام كلير .ستكون حزينة بشNNدة .كصNNديق
لها ،كنت أستطيع تهدئتها ،وخلط دموعي مع دموعها ،وتهدئة أسفها .مع الوقت ،ربما تتعافى وقد تنساه.
ال يمكنها إال أن تشعر باالمتنان تجاهي ،ومن يدري !-بينما اآلن ،أيًا كان ما يحدث ،سأكون هدفًا للكNNره
بنظرها :لن تستطيع أن تحتمل رؤيتي .في عينيهNNا ،سNNأكون دائمًNا قاتNNل حبيبهNNا .لقNNد فتحت هNNذا الهاويNNة
بيدي! لقد خسرتها للمرة الثانية ،وبسبب خطأي".
حمل الرجل المحزون أشد اللوم على نفسه .كان في اليأس .لم يكره ألبرت أبًدا بهذا الشكل ،هذا الشخص
الذي ،ملطخ بالجريمة ،يعترض طريق سعادته .كما شتم السيد تاباري العجوز!
وحده ،لم يكن السيد دابورون يمكنه أن يقرر بسNNرعة .لكNNان ينتظNNر ،يفكNNر في المسNNألة ،ينضNNج قNNراره،
وبالتأكيد كان سيدرك العيوب التي حدثت اآلن .العجNوز ،الNذي ينNدفع دائًم ا مثNل الكلب السNائب السNيء
التدريب ،ويمأله الحماسة الغبية ،أربكه ودفعه إلى فعل ما يندم عليه اآلن.
كان هذا الوقت الغNير مNوات لظهNور السNيد تابNاري أمNام القاضNي المحقNق .لقNد تم إبالغNه للتNو بانتهNاء
التحقيق ،ووصل ،متحمًسا لمعرفة ما حدث ،متورًم ا بالفضول ،ومليًئ ا باألمNل الجميNل في سNماع تحقNق
توقعاته.
"ما هي اإلجابات التي قدمها؟" سأل حتى قبل أن يغلق الباب.
"من الواضح أنه مذنب" ،أجاب القاضي المحقق بقسوة مختلفة تماًم ا عن معاملته العادية.
كان السيد تاباري العجوز ،الذي كان يتوقع أن يتلقى الثناء بكميNNات كبNNيرة ،مندهًش ا من هNNذا التصNNرف!
لذلك ،كان يتردد كثيًر ا عندما قدم خدماته اإلضافية.
"لقد جئت" ،قال بتواضع" ،لمعرفة ما إذا كانت هنNاك حاجNة ألي تحقيقNات لتفكيNك اإلنكNار الNذي قدمNه
المتهم".
"لم يقدم أي إنكار" ،أجاب القاضي المحقق بجفاف.
"كيف!" صاح المحقق" ،ال إنكار؟ الفشل! أنا أعتذر :بالطبع ،اعترف بكل شيء".
"ال" ،قال القاضي المحقق بصبر محدود" ،لم يعترف بأي شيء .يعترف بأن األدلة حاسNNمة :ال يسNNتطيع
إعطاء حساب عن كيفية قضائه للوقت؛ لكنه ينفي ارتكاب الجريمة".
في وسط الغرفة ،وقف السيد تاباري بفمه مفتوح وعينيه تحدقان بشكل وحشي ،وكان في وضNNع غNNريب
تماًم ا يعبر عن استغرابه الشديد .كان مذهواًل حًقا .على الرغم من غضبه ،لم يستطع السNيد دابNورون إال
أن يبتسم ،وحتى كونستان أبتسم ،والذي كان يعادل تلك االبتسامة بنوبة من الضحك.
"ال إنكار ،ال شيء؟" همس العجNوز" .ال تفسNيرات؟ الفكNرة! ال يمكن تصNNور ذلNك! ال إنكNار؟ يجب أن
نكون مخطئين :ال يمكن أن يكون الجاني .هذا مؤكد!"
شعر القاضي المحقق بأن الهاوي العجوز كان ينتظر نتيجة االستجواب في محNNل النبيNNذ في الزاويNNة ،أو
أنه قد جن جنونه.
"لألسف" ،قال" ،لسنا مخطئين .تظهر األدلة بوضوح أن الفيكونت دي كومارين هو القاتل .ومNNع ذلNNك،
إذا كنت تNNرغب ،يمكنNNك االطالع على تقريNNر كونسNNتان لالسNNتجواب ،وقراءتNNه بينمNNا أنNNا أرتب هNNذه
األوراق".
"حسًنا" ،قال العجوز بقلق حماسي.
جلس في كرسي كونستان ،ووضع كوعيه على الطاولة ،وأدخل يديه في شعره ،وفي ظNNرف ال يتجNNاوز
بضع دقائق ،قرأ التقرير بأحاسيس هائجة .عندما انتهى ،نهض بمالمح شاحبة ومشوهة.
"سيدي" ،قال بصوت غريب األطوار للقاضي المحقق" ،لقد كنت السبب غير المقصود لخطأ فادح .هذا
الرجل بريء".
"هيا ،هيا" ،قال السيد دابورون ،دون التوقف عن إعNNداده للمغNNادرة" ،إنNNك تفقNNد عقلNNك ،عزيNNزي السNNيد
تاباري .كيف يمكن ،بعد كل ما قرأت هناك ،أن"...
"نعم ،سيدي ،نعم :إنه بسبب ما قرأته أناشNNدك بNNالتوقف ،وإال سنضNNيف خطNNأ آخNNر إلى القائمNNة الحزينNNة
لألخطاء القضائية .اقرأ هذا االستجواب بعناية؛ ال يوجد إجابة إال وتؤكد براءة هذا الرجل المؤسف ،وال
يوجد كلمة إال وتلقي بشعاع من الضوء .وهو ال يزال في السجن ،ال يزال في العزلة؟"
"نعم ،وهناك يظل إذا رغبت في ذلك" ،قاطعه القاضي المحقق" .إنه يناسبك جيًدا التحدث بهذه الطريقNNة
بعد طريقة حديثك الليلة الماضية ،عندما ترددت كثيًرا".
"لكن ،سيدي" ،صاح المحقNNق العجNNوز" ،مNNا زلت أقNNول بالضNNبط نفس الشNNيء .يNNا لألسNNف! كNNل شNNيء
ضائع؛ ال أحد يفهمك .اعذرني ،سيدي ،إذا نقص االحترام المسNتحق لNك ،ولكنNك لم تفهم طريقNتي .إنهNا
بسيطة جًدا .إذا توفرت جريمة ،بكل التفاصيل والظروف ،فأنا أبNني ،شNيًئا فشNيًئا ،خطNة اتهNام ،الNتي ال
أضمنها حتى تكتمل وتكون مثالية تماًم ا .إذا وجد رجل ينطبق هذا الخطة عليNNه بالضNNبط في كNNل شNNيء،
فإنه يكون المجرم :وإال ،فقد وقNع اليNد على شNخص بNريء .ليس كافيًNا أن تشNير بعض التفاصNيل إليNه؛
يجب أن يكون كل شيء أو ال شيء .هذا ال يخطئ.
واآلن ،في هذه الحالة ،كيف وصلت إلى الجاني؟ من خالل االسNNتنتاج من المعNNروف إلى المجهNNول .لقNNد
فحصت عمله ،وقد صNاغت فكNرة عن العامNل .العقNل والمنطNق يقوداننNا إلى مNاذا؟ إلى شNرير ،مقNرر،
جريء وحذر ،ملم باألمور .وهل تعتقد أن مثل هذا الرجل سيتجاهل احتياًطا لنيتخذه األغبيNNاء؟ إنNNه أمNNر
ال يمكن تصوره .ماذا! هذا الرجل ماهر لدرجة أنه يترك أثًرا ضعيًفا جًدا يفوت بصر جيفرول المNNاهر،
وتعتقد أنه سيخاطر بسالمته عن طريق ترك ليلة كاملة بال تفسير؟ إنه غير ممكن! أنا متأكد من نظNNامي
كما أنني متأكد من مسألة حسابية تم إثباتها .القاتل لديه براءة .ألبرت لم ينِفه؛ إذن هو بريء".
نظر السيد دابورون إلى المحقق بالشفقة ،تماًم ا كما لو كان ينظر إلى مصاب بالهوس األحNNادي .وعنNNدما
انتهى العجوز من كالمه ،قال القاضي له" :يا السيد تاباري الكNريم ،لNديك خطNأ واحNد فقNط .أنت تخطئ
بفعل الدقة الزائدة ،وتمنح اآلخNNرين الNNذكاء الرائNNع الNNذي تتمتNNع بNNه بنفسNNك .فلم ينجح رجلنNNا في الحNNذر،
ببساطة ألنه يعتقد أن موقعه سيضعه خارج محاسبة الشبهة".
"ال ،سيدي ،ال ،ألف مرة ال .الجاني الخاص بي ،الحقيقي ،هو الذي فات القبض عليه ،كNNان يخشNNى كNNل
شيء .باإلضافة إلى ذلك ،هل يدافع ألبرت عن نفسه؟ ال .فهو مغمور بالتهم التي تبدو قاتلNNة للغايNNة حNNتى
تبدو تدينه دون فرصة للهروب .هل يحاول الدفاع عن نفسه؟ ال .يجيب ببساطة' :إنه أمر مNNرعب' .ومNNع
ذلك ،أشعر طوال استجوابه بالتحفظ الذي ال يمكنني تفسيره".
"يمكنني تفسيره بسهولة جًدا ،وأنا واثق بالغايNNة كأنNNه اعNNترف بكNNل شNNيء .لNNدي دالئNNل كافيNNة جًNNدا على
ذلك".
"آه ،سيدي ،الدالئل! هناك دائًم ا دالئل كافية ضد الرجل المعتقل ،وكانت توجد ضد كNل رجNل بNريء تم
حكمه باإلدانة .الدالئل! لقد كانت لديها كميات كبيرة منها ضد كايزر ،الخياط الصغير الفقير ،الذي"...
حاول القاضي المقاطعة بسرعة" :حسًنا ،إذا لم يكن هNNو ،األكNNثر مصNNلحة ،الNNذي ارتكب الجريمNNة ،فمن
هو؟ أبوه ،الكونت دي كومارين؟"
"ال ،القاتل الحقيقي هو شاب".
انهى السيد دابورون ترتيب ورقه ،وانتهى من استعداداته .التقط قبعتNNه ،وفي حين أنNNه يسNNتعد للخNNروج،
أجاب" :يجب أن ترى أنني على حق .تعال وانظر إلي في وقت الحق ،السيد تاباري ،وعجل بNNالتخلص
من جميع أفكارك الغبية .غًNNدا سNNنتحدث مNNرة أخNNرى عن الموضNNوع بأكملNNه .أنNNا متعب قليًال الليلNNة" .ثم
أضاف ،وهو يتحدث إلى كاتبه" :قونستان ،تفقدالمكتب التسجيلي ،في حال رغب السNNجين كومNNارين في
الحديث إلّي ".
حرك القاضي نحو الباب ،لكن السيد تاباري وقف أمامه ،ممنًعا خروجه.
"سيدي" ،قال الرجل العجوز" ،باسم السماء ،استمع إلي! إنNNه بNNريء ،أقسNNم لNNك .سNNاعدني على العثNNور
على الجاني الحقيقي .يا سيدي ،فكر في ندمك إذا كنت ستتسبب في"...
لكن القاضي لم يرغب في االستماع إلى المزيد .دفع العجوز تاباري جانًبا بسرعة وخرج بعجل.
ثم التفت العجوز إلى كونستانت ،يريد إقناعه ،لكن دون جدوى .فهو أسNNرع في تNNرتيب أغراضNNه ،وهNNو
يفكر في حسائه الذي يبرد.
وبهذا وجد السيد تاباري نفسه خارج الغرفة وحيًدا في الممر المظلم .لقد توقفت جميع األصوات المعتادة
في البالس وأصبح المكان هادًئا كالقبر .بدأ الكبير في السن بالتمزيق بيديه على شعره بشكل يائس.
"آه!" صرخ" ،ألبرت بريء ،وأنا من زرعت الشك فيه .أنا ،أحمق ،هNNو من أقنNNع رأس القاضNNي العنيNNد
باالقتناع الذي ال يمكنني التخلص منه .إنه بريء ويعاني األلم الفظيع .ماذا لو قام باالنتحار! كNNان هنNNاك
أمثلة على رجال يائسين ،الذين يتهمون بالباطل ويقتلNNون أنفسNNهم في زنNNازينهم .يNNا لNNه من شNNاب بNNائس!
ولكنني لن أتخلى عنه .لقد دمرته :سأنقذه! يجب أن أجد الجاني ،وسيدفع ثمن خطأي هذا األوغاد!"
الفصل 13
بعدما رأى الكونت دو كوماران بأمان في عربته عند مدخل البالس دو جوستيس ،بدا نويل جيردي
ممياًل للمغادرة .وهو يستند بيٍد على باب العربة المفتوح بنصفه ،قام بإنحناٍء مهذٍب وقال" :متى
سأتشرف بزيارتكم ،سيدي؟"
ومع ذلك ،تحدث المحامي وهو ينحني قليًال قائًال بعض األعذار ،فقد كان لديه أمور هامة يجب العودة
إلى المنزل على الفور.
"لقد وجدت والدك" ،قال السيد دو كوماران بصوت منخفض" ،لكني يجب أن أحذرك ،أنك بنفس الوقت
تفقد استقالليتك".
انطلقت العربة ،ولم ينتبه الكونت إلى أن نويل جلس بتواضع شديد في المقعد المقابل له إال بعد
االنطالق .ويبدو أن هذا التواضع أغضبه كثيًرا.
لم يرد المحامي ،وجلس بجوار الرجل العجوز المخيف ،ولكنه استخدم قدًرا قلياًل من المساحة.
لقد أثر اللقاء مع السيد دابورون بشدة على نويل ،فلم يعد لديه من الثقة بالنفس والبرودة الخارجية التي
كان يعتاد إخفاء مشاعره بها .ولحسن الحظ ،أعطته الرحلة بعض الوقت للتنفس واستعادة توازنه.
ولم يتبادل األب واالبن كلمًة على الطريق من البالس دو جوستيس إلى قصر الكونت دو كوماران.
وعندما توقفت العربة أمام الدرج الرئيسي المؤدي إلى المدخل الرئيسي ،ونزل الكونت بمساعدة نويل،
شهد الخدم ضجًة كبيرة.
في الواقع ،كان الحاضرون قليلون ،إذ تم استدعاء معظمهم إلى البالس .ولكن لم يمض وقت طويل بعد
اختفاء الكونت والمحامي حتى ظهر الجميع في القاعة كأنهم ظهروا بفعل السحر .جاءوا من الحديقة
والمحطة والقبو والمطبخ .وكانت لدى معظمهم عالمات مهنتهم .ظهر حارس الخيل الشاب مع حذائه
الخشبي المملوء بالقش ،يتمشى على األرضيات الرخامية كالكلب الجريح على سجادة غوبلين.
واعترف أحدهم بأنه تعّر ف على نويل كزائر لألحد السابق ،وهذا كان كافيًا إلشعال جميع هؤالء
المثيرين للغيبة الذين يتعطشون للفضائح.
وعالوة على ذلك ،تسببت األحداث الغير عادية في قصر الكونت دو كوماران في استنفار كبير في
المجتمع منذ الصباح .تم تداول ألف قصة ،تحدثت عنها ،تصححت ،وأضيفت إليها بواسطة األشخاص
الذين يمتلكون طبائع شريرة وخبيثة -بعضها ال يمكن تصديقه ،والبعض اآلخر ببساطة سخيف .وبلغ
20شخصًا ،من النبالء جدًا وأكثر فخرًا ،إلى إرسال خدمهم األكثر ذكاًء لزيارة خدم الكونت ،بهدف
تعلم شيء ما بشأن الموضوع .على الرغم من ذلك ،لم يكن أحد يعرف أي شيء ،ومع ذلك ،تظاهر
الجميع بأنهم مطلعون بالكامل على األمر.
ليشرح أحدهم هذه الظاهرة الشائعة :حدوث جريمة ،تصل العدالة ،ملفوفة بالغموض ،وتظل الشرطة
تجهل معظم األمور ،ومع ذلك يتم تداول تفاصيل دقيقة بالفعل في الشوارع.
"إذا "،قال طباخ" ،هذا الرجل الطويل الذي يحمل شارًبا هو ابن الكونت الحقيقي!"
"أنت على حق" ،قال أحد الخدم الذين رافقوا الكونت دو كوماران" ،أما اآلخر ،فهو ليس ابنه أكثر مما
هو ابن جان هنا ،الذي ،بالمناسبة ،سيتم طرده إذا تم القبض عليه في هذا الجزء من المنزل بحذائه
العامل القذر".
"ما هذه الرواية الرومانسية!" صاح جان ،جان ،مستهتًر ا بالخطر المحدق به.
"تحدث مثل هذه األمور باستمرار في العائالت الكبيرة" ،قال الطباخ" ،كيف حدث هذا؟"
"حسًنا ،ترى ،في يوم من األيام ،وقبل فترة طويلة ،عندما كانت الكونتيسة التي توفيت اآلن تتجول مع
ابنها الصغير ،الذي كان عمره حوالي ستة أشهر ،تم اختطاف الطفل من قبل الغجر .كانت السيدة
الفقيرة مليئة بالحزن ،ولكن فوق كل شيء ،كانت خائفة جًدا من زوجها ،الذي لم يكن لطيًفا جًدا .فماذا
فعلت؟ اشترت طفًال من امرأة كانت تمر على الصدفة ،ولم تالحظ طفلها ،ولم يعرف الكونت الفرق".
"ولكن االغتيال!"
"هذا بسيط جًدا .عندما رأت المرأة طفلها في فراش جميل مثل هذا ،قامت بسحب دمه بشكل جيد،
وقامت بنظام البتزاز الكونت .لم يترك الفيكونت شيًئا لنفسه .لذلك قرر في النهاية وضع حد لذلك،
والتوصل لحسم األمور".
وقد أزال "السيد" و"الفيكونت" تماًم ا ،وحظي بالموافقة العامة لفعل ذلك.
"ولكن" ،أضاف" ،كان لدي شكوكي دائمًا .لم يعجبني هذا الرجل نصف اإلعجاب .ترى اآلن إلى ماذا
نعرضه يوميًا في مهنتنا ،وهو أمر مزعج بشدة .لم يخفي المسؤول عن القضية ذلك عني' .السيد لوبان'،
قال لي' ،من المحزن جًدا بالنسبة لرجل مثلك أن تنتظر رجال مثل هذا األحمق' .ويجب أن تعلموا أنه،
باإلضافة إلى امرأة عجوز تبلغ من العمر أكثر من ثمانين عاًم ا ،اغتال أيًض ا فتاة صغيرة تبلغ من العمر
اثني عشر عاًم ا .وقال لي المسؤول إن الطفل الصغير تم تفتيته إلى قطع صغيرة".
"آه!" قال جوزيف" ،ال بد أنه كان أحمًقا كبيًر ا .هل األشخاص األثرياء يفعلون هذه األشياء بأنفسهم،
وعندما يوجد العديد من الشياطين الفقراء الذين يسعون فقط لكسب رزقهم؟"
"باه!" قال السيد لوبان بلهجة معرفة؛ "ستراه يخرج منها بيضاء كالثلج .يستطيع هؤالء األثرياء فعل
أي شيء".
"على أي حال" ،قال الطباخ" ،سأعطي بكل سرور راتب شهر واحد ألكون فأرة وأستمع إلى ما يتحدث
عنه الكونت والرجل الطويل الغامض .لو اقترب أحدهم وحاول معرفة ما يحدث".
لم تلق هذا االقتراح أي ترحيب .عرف الخدم من الخبرة أن التجسس في المناسبات الهامة كان أسوأ من
العديد.
ًأ
كان السيد دو كومارين يعرف كل شيء عن الخدم منذ الطفولة .كانت دراسته ،بالتالي ،ملج من كل
خطأ .يمكن ألذن األكثر حدة وضعها على الثقب لكنها لن تسمع شيًئا مما يجري داخل المكان ،حتى
عندما يكون السيد في غضب ويصبح صوته األعلى .كان دينيس ،خادم الكونت ،الوحيد الذي كان لديه
فرصة لجمع المعلومات ،لكنه كان مدفوًعا جيًدا ليكون حذًرا ،وكان كذلك.
في هذه اللحظة ،كان السيد دو كومارين يجلس في نفس كرسي الذي ضرب فيه بضراوة في المساء
السابق أثناء االستماع إلى ألبير.
بمجرد أن نزل من عربته ،استعاد النبيل العجوز طراوته .أصبح أكثر ارتفاًعا في سلوكه ،من كان
تواضًعا عندما كان أمام القاضي ،كما لو كان يخجل مما اعتبره اآلن ضعًفا ال يغتفر.
تساءل كيف يمكنه أن يستسلم لدافع لحظي ،كيف يمكن لحزنه أن يخونه بهذه الطريقة الخسيسة.
عندما تذكر االعترافات التي انتزعت منه بحالة من الهذيان ،احمر وانتقد نفسه بشدة .كما فعل ألبير في
الليلة السابقة ،انتعش نويل بشكل كامل ،ووقف مستقيمًا ،بارًدا كالرخام ،مهذًبا ،لكن لم يعد متواضًعا.
تبادل األب واالبن األنظار التي لم تكن تحمل أي تعاطف أو ودود.
فاحصا بعضهما البعض ،تقريًبا قاس كل منهما اآلخر ،تماًم ا كما يشعر اثنان من الخصوم بالطريقة التي
يتحسسون بها بأعينهم قبل االصطدام بأسلحتهم.
"سيدي" ،قال الكونت في النهاية بصوت خشن" ،من اآلن فصاعًدا هذا المنزل هو لك .من هذه اللحظة
فصاعًدا أنت الفيكونت دو كومارين؛ تستعيد جميع الحقوق التي حرمت منها .استمع ،قبل أن تشكرني.
أريد ،على الفور ،إزالة كل سوء فهم من عندك .تذكر هذا جيًدا ،سيدي؛ لو كنت سيد الوضع ،لما
اعترفت بك أبًدا :كان يجب أن يبقى ألبير في الموضع الذي وضعته له".
"أنا أفهمك ،سيدي" ،رد نويل" ،ال أعتقد أنني يمكنني أبًدا أن أقوم بفعل مثل تلك التي حرمتني من حقي
في الوالدة؛ لكني أعلن أنه إذا كان لدي النحس في فعل ذلك ،فسأتصرف بعد ذلك كما فعلت .كانت
رتبتك بارزة جًدا للسماح باالعتراف الطوعي .كان أفضل بألف مرة السماح بظلم يستمر في السر ،بدًال
من تعريض االسم لتعليقات األشرار".
أدهش هذا الجواب الكونت ،وكان مرتاًح ا للغاية .ولكنه لم يدع سروره يظهر ،وكان بصوت أكثر قسوة
أنه استأنف.
"ليس لي أي حق ،سيدي ،في مودتك؛ ال أطلبه منك ،ولكنني أصر في جميع األوقات على االنحياز
األقصى للتبجيل .من التقاليد في بيتنا ،أال يقاطع االبن أباه عندما يتحدث؛ وقد كنت قد ارتكبت ذلك للتو.
كما أن األبناء ال يحكمون على آبائهم ،وقد فعلت ذلك أيًضا.
عندما بلغت األربعين من عمري كان والدي في طفولته الثانية؛ لكني ال أتذكر أبًدا أنني رفعت صوتي
فوق صوته .هذا يقال ،أنا أستمر .قدمت التمويل الالزم إلنفاق أسرة ألبير بالكامل ،مختلفة عن نفسي،
ألن لديه خدمة وخيول وعربات خاصة به ،وباإلضافة إلى ذلك ،كنت أسمح للصبي البائس بأربعة آالف
فرنك شهرًيا.
قررت ،من أجل وقف جميع األحاديث السخيفة ،وجعل موقفك أسهل ،أن تعيش بمستوى أعلى؛ وهذا
األمر يتعلق بنفسي .كما سأزيد من البدل الشهري الخاص بك إلى ستة آالف فرنك ،والذي آمل أن تنفقه
بشكل نبيل قدر اإلمكان ،وتجنب إعطاء أي سبب للسخرية .ال يمكنني تحذيرك بشدة كافية من ضرورة
الحذر الشديد .احرص على نفسك .وزن كلماتك جيًدا .درس أدق أفعالك .ستكون نقطة المراقبة آلالف
المتطفلين الوقحين الذين يشكلون عالمنا؛ ستكون أخطاؤك سعادتهم .هل تجيد التجارب الفنية؟"
"بشكل معتدل".
ال ،ولكن في غضون ستة أشهر سأكون فارًسا جيًدا ،أو سأكسر رقبتي" .يجب عليك أن تصبح فارًسا
وال تكسر أي شيء .لنستمر" ".بالطبع ،لن تحتل شقق ألبرت .سيتم تسوية األمر بتحصينها ،بمجرد أن
أتخلص من الشرطة .الحمد هلل! المنزل كبير .ستحتل الجناح اآلخر ؛ وسيكون هناك مدخل منفصل إلى
شقتك ،بسلم آخر .الخدم ،والخيول ،والعربات ،واألثاث ،مثلما يليق بفيكونت ،ستكون في خدمتك ،بأي
ثمن ،خالل 48ساعة .في يوم استالمك للشقة ،يجب أن تبدو كما لو كنت قد تم تثبيتك هناك لسنوات.
سيكون هناك فضيحة كبيرة ؛ لكن هذا ال يمكن تجنبه .قد يرسلك األب الحكيم بعيًدا لبضعة أشهر إلى
المحاكم النمساوية أو الروسية ؛ لكن في هذه الحالة ،سيكون مثل هذا الحكم من المفترض سخيفًا .أفضل
بكثير صراخ رهيب ينتهي بسرعة ،من الهمس المنخفض الذي يستمر إلى األبد .تحدى الرأي العام ؛
وفي غضون ثمانية أيام ،سيكون قد استنفد تعليقاته ،وسيكون القصة قديمة .لذلك ،للعمل! هذا المساء ،
سيكون العمال هنا ؛ وأوًال وقبل كل شيء ،يجب أن أقدمك إلى خدمي" .
لتنفيذ هذا الهدف ،انتقل الكونت لمس الحبل الذي يدق الجرس .أوقفه نويل.
منذ بداية هذه المقابلة ،تجول المحامي في مناطق ألف ليلة وليلة ،مع مصباح سحري في يده .ألقت
الواقعية الخيالية ظاللها على أحالمه األكثر جنوًنا .كان مذهواًل بكلمات الكونت ،وكان بحاجة إلى كل
عقله لمحاربة الدوار الذي يأتي عليه ،عندما يدرك ثروته الكبيرة.
بمسة سحرية ،بدا وكأنه يستيقظ أللف وإحساس جديد غير معروف .كان يدور في األرجواني ،ويستحم
في الذهب.
ًف
لكنه عرف كيف يظهر بال حراك .وقد تعلم وجهه الحفاظ على سر االنفعاالت الداخلية األكثر عن ا .في
حين ترددت جميعواطفه الداخلية ،بدا كمن يستمع بحزن وبرود تقريًبا.
"اسمح لي ،سيدي" ،قال للكونت "دون تجاوز حدود االحترام األقصى ،أن أقول بضع كلمات .أنا متأثر
أكثر مما يمكنني التعبير عنه بلطفك .ومع ذلك ،أرجوك أن تؤجل تجسيد اإلحساس باللطف الذي تقدمه.
االقتراح الذي أنوي أن أقدمه قد يبدو لك جديًر ا بالنظر .يبدو لي أن الوضع يتطلب أعظم حساسية من
جانبي .الجيد أن يتحدى الرأي العام ،ولكن ليس لتحّد يه .أنا متأكد من أنني سأحكم علي بأشد العقوبات.
إذا احتللت منزلك بهذه السرعة ،فماذا سيقال؟ سأظهر وكأنني غزوته ،وأفكر قليًال ،طالما نجحت ،
في تجاوز جثة المغلوب عليه .سينتقدونني الحتاللي للسرير الذي ال يزال دافًئا من جسد ألبرت.
سيسخرون بمرارة من سرعتي في احتالله .سيقارنونني بألبرت بالتأكيد ،وسيكون التحقق يتحدث عن
عيوبي ،حيث يبدو أنني أنتصر في وقت تعرض فيه منزلنا لكارثة كبيرة".
الكونت استمع دون إظهار أي عالمات من عدم الموافقة ،ربما يكون مدهوًش ا بعدل هذه األسباب .تخيل
نويل أن قسوته كانت أكثر تظاهًر ا بالواقع ،وهذه الفكرة أشعرته بالتشجيع.
"أرجوك ،سيدي" ،استمر نويل "ال تسمح لي في الوقت الحالي بتغيير طريقة عيشي .بعدم ظهوري،
سأترك كل التعليقات الشريرة تضيع في الهواء ،سأترك الرأي العام يتعرف بشكل أفضل على فكرة
التغيير القادم .هناك الكثير في عدم مفاجأة العالم .بالتوقع ،لن يكون لدي الهواء الذي يشبه المتطفل
عندما أقدم نفسي.
بالغياب ،سأحصل على مزايا التي يتمتع بها الغير معروف دائًم ا .سأحصل على رأي جيد من جميع
الذين يغارون على ألبرت؛ وسأضمن كمدافعين جميع الذين سيهاجمونني غًدا ،إذا حدث ارتفاعي بشكل
مفاجئ عليهم.
باإلضافة إلى ذلك ،من خالل هذا التأخير ،سأعتاد على تغيير ثروتي المفاجئ .ال ينبغي علي أن أدخل
في عالمك ،الذي أصبح اآلن لي ،األخالقيات التي تناسب المترف الجديد .ال ينبغي أن يزعجني اسمي،
مثل معطف ذي مقاس سيء".
"يجب علي أن أضيف ،سيدي" ،استمر نويل "أن هناك بعض األمور المتعلقة بنفسي تتطلب اهتمامي.
قبل الدخول في حياتي الجديدة ،يجب أن أفكر في الذين أتركهم ورائي .لدي أصدقاء وعمالء .هذا
الحدث أفاجأني ،بينما أنا في بداية جني ثمار عشر سنوات من العمل الشاق والمثابرة .لم أزرع حتى
اآلن ،وأنا على وشك الحصاد .اسمي معروف بالفعل ،وحصلت على بعض التأثير .أعترف ،دون
خجل ،أنني في السابق اعتنقت أفكاًرا وآراًء ا ال تناسب هذا البيت؛ ومن المستحيل في مدة يوم واحد "-
"آه!" قاطع الكونت بلهجة ساخرة" ،أنت ليبرالي؟ إنه مرض رائج .ألبرت كان أيًض ا ليبرالًيا كبيًرا".
"كانت أفكاري ،سيدي" ،قال نويل بسرعة" ،أفكار كل رجل ذكي يريد النجاح .باإلضافة إلى ذلك،
ليست لدى جميع األحزاب هدف واحد وهو السلطة؟ إنما يختلفون في وسائل الوصول إليها .لن أتحدث
عن هذا الموضوع بالتفصيل .تأكد ،يا سيدي ،أنني سأعرف كيفية تحمل اسمي ،والتفكير والتصرف
كرجل من رتبتي".
"آمل ذلك" ،قال السيد دي كومارين" ،وآمل أال تجعلني يوًم ا ما أندم على البرت".
"على األقل ،سيدي ،لن يكون ذلك بسببي .ولكن ،منذ أن ذكرت اسم تلك الشاب المؤسف ،دعونا نهتم
به".
ألقى الكونت نظرة شكوك على نويل" .ماذا يمكن فعله اآلن لأللبرت؟" سأل.
"ماذا ،سيدي!" صرخ نويل بحماسة" ،أتريد تخليصه ،عندما ال يوجد لديه صديق في العالم؟ ال يزال
هو ابنك يا سيدي ،وهو أخي .لثالثينعاًم ا ،حمل اسم كومارين .جميع أفراد العائلة مسؤولون مًعا .سواء
كان بريًئا أو مذنًبا ،فلديه الحق في االعتماد علينا؛ ونحن مدينون له بمساعدتنا".
"أريد إنقاذه ،إذا كان بريئا؛ وأحب أن أعتقد أنه كذلك .أنا محاٍم ،يا سيدي ،وأرغب في الدفاع عنه .قيل
لي إن لدي بعض الموهبة؛ وفي مثل هذه القضية يجب أن يكون لدي .نعم ،مهما كانت التهم ضده قوية،
سأطيح بها .سأزيل جميع الشكوك .ستنبثق الحقيقة عند سماع صوتي .سأجد أصواًتا جديدة ألحث
القضاة باإليمان الذي أملكه .سأنقذه ،وهذه ستكون قضيتي األخيرة".
"هذا يقال بشكل جيد ،يا سيدي" ،قال الكونت" ،جيًدا جًدا ،ابني!"
ومد يده إلى نويل ،الذي ضغط عليها ،مقبًال االعتراف باالحترام .استنشق المحامي أنفاًسا عميقة .أخيرًا
وجد الطريق إلى قلب هذا النبيل العتيد ،فقد غلبه ،وأسعده.
"لنعود إليك ،يا سيدي" ،واصل الكونت" ،أستسلم لألسباب التي اقترحتها .سيتم كل شيء كما تريد.
ولكن ال تعتبر ذلك سابقة .ال أغير خططي ،حتى لو ثبت أنها سيئة ،وتعارض مصالحي .ولكن على
األقل ال يوجد شيء يمنعك من البقاء هنا من اليوم ،وتناول وجباتك معي .سنرى في المقام األول أين
يمكن أن تسكن ،حتى تتولى رسمًيا الشقق التي يتعين تجهيزها لك".
"فاليري!" همس الكونت .وانحنى على ذراع كرسيه ،وجهه مدفوٌن في يديه .في لحظة واحدة ،ارتفعت
كل الماضي أمامه.
"لقد ألحقت بي ضرًرا كبيًر ا" ،همس كأنه يجيب أفكاره" .لقد دمرت حياتي بأكملها ،ولكن هل يجب أن
أكون ال يرحم؟ إنها تموت بسبب االتهام الذي يحوم حول ابننا ألبرت .وكنت أنا السبب في كل هذا .بال
شك ،في هذه الساعة األخيرة ،كلمٌة مني ستكون عزاًء كبيًر ا لها .سأرافقك ،يا سيدي".
اهتز نويل عند هذا االقتراح الغير متوقع.
"أوه يا سيدي!" قال على عجل" ،تجنب نفسك عرًضا مؤلًم ا ،أرجوك .لن يكون ذهابك مفيًدا .السيدة
جيردي ما زالت على األرجح على قيد الحياة ،ولكن عقلها قد مات .لم يكن دماغها قادًر ا على مقاومة
صدمٍة عنيفٍة مثل هذه .لن تتعرف المرأة المسكينة عليك أو تفهمك".
كلمات "يا ابني" ،التي نطق بها بتركيٍز واضح ،بدت في أذني نويل وكأنها نغمة انتصار.
وأعتذر نويل ليغادر .حرك الكونت يده إليقافه.
"على أي حال" ،قال" ،سيتم تجهيز مكان لك على المائدة هنا .أتناول طعامي الرئيسي الساعة السادسة
والنصف بالضبط .سيسعدني رؤيتك".
وّد ع المحامي ،وشعر الكونت باالرتياح لتكونه وحيًدا مرًة أخرى .منذ الصباح ،اتبعت األحداث بسرعٍة
مربكٍة ،بحيث لم تتمكن أفكاره من مواكبتها .في النهاية ،كان قادًر ا على التفكير.
"إذن "،قال لنفسه" ،هذا هو ابني الشرعي .أنا متأكد من والدته ،على األقل .باإلضافة إلى ذلك ،سأكون
غبًيا إذا قمت بنفيه ،فأجNNده صNNورًة مطابقًNة لي في عمNNر الثالثين .إنNNه شNNاٌب وسNNيم ،نويNNل ،جميNNل جًNNدا.
مالمحه لصالحه بال شك .هو ذكي وحاد البصيرة.
يعرف كيف يتواضع دون إنحدار ،ويكون قوًيا دون انتهازية .لم تفته الحظوة الجيدة التي أتته بتصرفاته.
أنا متفائٌل بشأن رجل يعرف كيف يتصرف في الرخاء .يفكر بشكٍل جيد ،وسوف يحمل عنوانه بكرامNNة.
ومع ذلك ،ال أشعر بأي تعاطٍف معه ،يبدو لي أنني سأندم دائًم ا على فقدان ألبرت الفقNNير .لم أكن أعNNرف
كيف أقدره .يا له من شاٍب مشؤوم! إلرتكابه جريمًة بغيضًة كهذه! يجب أن يكون قد فقد عقله.
ال أحب نظرة عينيه .يقولون إنه مثNالي ،على األقNNل ،يعNبر عن أنبNل األفكNار والمشNاعر المناسNبة .هNو
لطيف وقوي وسخي وبطل .ليس لديه شًرا ،وهو مستعٌد للتضحية بنفسه ليعوضني عمNNا فعلت لNNه .يغفNNر
لمدام جيردي ،ويحب ألبرت .هذا يكفي لجعلني أشك فيه .ولكن جميع الشNNباب في هNNذه األيNNام كNNذلك .آه،
نحن نعيش في عصٍر سعيد .يولد أطفالنا خاليين من جميع العيوب اإلنسانية.
ليس لديهم الفساد والعواطف والسلوكيات السNيئة آلبNائهم .وهNؤالء الفالسNفة المبكNرين ،نمNاذج الحكمNة
والفضيلة ،غير قادرين على ارتكاب أدنى حماقٍة .ولكن يا لألسف! كان ألبرت أيًضا مثالًي ا ،ولكنNNه قتNNل
كلودين! ماذا سيفعل هذا الشاب؟ -ومع ذلك "،أضNNاف ،يتكلم بصNNوٍت خNNافت" ،يجب أن أرافقNNه لرؤيNNة
فاليري!"
وعلى الرغم من أن المحامي قد غادر منذ عشر دقائق جيدة على األقل ،إال أن السيد دو كومNNاران ،دون
أن يNNدرك كيNNف مNNر الNNوقت ،سNNارع إلى النافNNذة على أمNNل رؤيNNة نويNNل في الفنNNاء واسNNتدعائه للعNNودة.
لكن نويل كان بعيدًا بالفعل .عندما غادر المنزل ،استأجر سيارة أجرة وتم نقله بسرعة إلى شارع سNNانت
الزار.
عندما وصل إلى باب منزله ،ألقى خمسة فرانكNNات على السNNائق بNNدًال من تسNNليمها لNNه ،وركض بسNNرعة
صعودًا األربعة طوابق.
بدا وكأنه تخفى عنه قلٌق كبير ،واستمر بصوٍت أكثر هدوًء ا" :والطبيب؟"
"جاء هذا الصباح ،سيدي" ،أجابت الفتاة" ،وأنت كنت خارًجا ،ولم يبُد أي أمل .جNNاء مNNرة أخNNرى اآلن،
ومازال هنا".
"حسنًا .سأذهب ألتحدث معه .إذا اتصل أي شخص ،فأرشده إلى مكتبي وأخبرني".
عندما دخل نويل غرفة السيدة جNNيردي ،رأى على الفNNور أنNNه لم يحNNدث أي تحسNNن خالل غيابNNه .السNNيدة
المريضة مستلقية على ظهرها بعينين ثابتتين ومالمح متشنجة .بدت وكأنها ميتة ،باسNNتثناء االهNNتزازات
المفاجئة التي تهزها بين الحين واآلخر ،وتفرق بين األغطية.
وضعت فوق رأسها وعاء صغير مملوء بالماء المثلج الذي يسقط قطرة بعد قطNNرة على جبينهNNا المغطى
ببقع زرقاء كبيرة .كانت الطاولة والمنضNNدة مغطNNاة بNNأواني صNNغيرة وزجاجNNات أدويNNة وأكNNواب نصNNف
فارغة .عند قدم السرير ،كان قطعة من القماش الملطخة بالدم تدل على أن الطبيب استخدم للتو العلقNNات
الدموية.
بجانب المدفأة ،حيث كان يحترق نNNار كبNNيرة ،كNNانت راهبNNة من رهبنNNة القNNديس فنسNNنت دو بNNول تركNNع،
تراقترب السريان ،وهي امرأة شابة ،وجهها أبيض كالثلج.
تدلت ثيابها الرمادية الثقيلة عليها بتجاعيد غير أنيقة .وفي كل مرة تحNNركت فيهNNا ،هNNزت سلسNNلة الخNNرز
الطويلة المصNNنوعة من خشNNب الصNNندل الملNNون ،الNNتي كNNانت محملNNة بالصNNلبان والميNNداليات النحاسNNية،
وترجلت على األرض بصوت يشبه صوت سالسل الحديد.
كان الدكتور هيرف يجلس على كرسي مقابل السNNرير ،ويشNNاهد بانتبNNاه شNNديد تحضNNيرات الراهبNNة .قفNNز
على قدميه عندما دخل نويل.
انحنى نحو أذن الطبيب ،وبصوت يرتجف سأل" :هل هي تحسنت بأي شكل من األشكال؟"
هز الطبيب رأسه بمظهر يدل على اإلحباط العميق.
"هي أسNNوأ بكثNNير" ،أجNNاب الطNNبيب" ،فمنNNذ الصNNباح تعNNاقبت األعNNراض السNNيئة على بعضNNها بسNNرعة
مرعبة".
توقف قليًال .قبض المحامي على ذراعه وضغط عليه بكل قوته .حركت السيدة جNNيردي قليًال ،وخNNرجت
منها شكوى ضعيفة.
"أتمنى أن يكون األمر كذلك" ،قال الطبيب" ،سيكون ذلك مشجًعا للغاية .ولكن أخشى أنك مخطئ .ومNNع
ذلك ،سنرى ".تقدم الطبيب نحو السيدة جيردي ،وبينما كان يشعر بنبضNNها ،فحصNNها بعنايNNة ،ثم بطNNرف
إصبعه رفع جفنها بخفة.
فعل نويل كما أراد صديقه ،وتقدم ،وانحنى فوق السرير ،بحيث كNNاد فمNNه يالمس أذن المNNرأة المريضNNة،
وهو يهمس" :أمي ،أنا نويل ،نويلك الخاص .تحدثي معي ،أعطي إشارة ،هل تسمعيني يا أمي؟"
لم يكن هناك أي جدوى ،فظلت ساكنة بشكل مرعب .لم يظهر أي عالمة على الذكاء على مالمحها.
واآلن قامت الراهبة ،وجاءت هي أيًض ا بجانب السرير" .يا دكتور" ،قالت" :كل شيء جاهز".
"ثم ادعو الخادمة ،أختي ،لمساعدتنا .نحن ذاهبون لوضع لفتة خردلية".
أسرعت الخادمة .كانت السيدة جيردي ،في أحضان النساء ،كالجثة يتم تجهيزهNNا للمNNرة األخNNيرة .كNNانت
قاسية كأنها ميتة .يجب أن تكون قد عانت كثيًرا وطويًال ،الفقيرة ،ألنه كان مؤلًم ا رؤيتهNا بهNذا النحافNة.
كانت الراهبة نفسها متأثرة ،على الرغم من أنها تعودت على رؤية المعاناة .كم من مرضNNى السNNرير قNNد
توفوا في حضنها خالل الخمسة عشر عاًم ا التي قضتها فوق وسادة بعد وسادة!
نويل ،خالل هذا الوقت ،انسحب إلى الزاوية النافذة ،وضغط جبينه المحترق على الزجاج.
ماذا كان يفكر فيه ،بينما تموت تلك التي أعطته العديد من األدلة على الحنان والتفاني األمومي على بعد
خطوات منه؟ هل يندم عليها؟ أم أنه ال يفكر بدًال من ذلك في الحياة الكبNيرة والرائعNة الNتي تنتظNره على
الجانب اآلخر من النهر ،في فوبورغ سان جيرمان؟ تحول انتباهه فجأة عند سماع صوت صديقه.
"انتهى األمر" ،قال الطبيب" ،علينا اآلن انتظار تأثير الخردل .إذا شعرت به ،سيكون ذلك إشارة جيNدة؛
إذا لم يكن له تأثير ،فسنحاول التحجيم".
أجاب الطبيب فقط بتحويل كتفيه ،مما يظهر عجزه عن القيام بأكثر من ذلك.
"أفهم صمتك ،هيرفي" ،همس نويل" .اللعنة! لقد قلت لي الليلة الماضية إنها فقدت".
"علميًا ،نعم .ولكنني ال أفقد األمل بعد .لم يمِض عاٌم بعد عندما تعافى والد زوج أحد أصدقائنا من هجوم
تقريًبا مماثل ،ورأيته وهو أسوأ بكثير من هذا؛ كانت قد حدثت التنميالت".
"يؤذي قلبي أن أراها في هذه الحالة" ،استأنف نويل" .هNNل يجب أن تمNNوت بNNدون اسNNتعادة عقلهNNا حNNتى
لحظة واحدة؟ ألن تعرفني ،وتتحدث معي؟"
"من يعرف؟ هذا المرض ،يا صديقي الفقير ،يحير كل التنبؤات .يمكن أن يتغير المنظر في كNNل لحظNNة،
حسبما يؤثر االلتهاب على هNNذا أو ذاك من أجNNزاء الNNدماغ .اآلن ،هي في حالNNة عNدم اإلحسNNاس الكامNNل،
واإلرهاق الكامل لجميع القدرات العقلية ،والغيبوبة ،والشلل تقريًبا؛ غًدا ،قد تصاب بالتشنجات ،وترافNNق
ذلك هذياًنا شديًدا".
"ربما" ،أجاب الطبيب ،وهو ينظر بتمعن إلى صديقه" .ولكن لماذا تسأل عن ذلك؟"
"أها ،يا هيرفي العزيز ،كلمة واحدة من السيدة جيردي ،فقط واحدة ،ستكون لي منفعة كبيرة!"
"بالنسبة لشأنك ،هNNاه! حسًNنا ،ال يمكنNNني أن أخNNبرك بشNNيء ،ال يمكنNNني أن أعNNدك بشNNيء .لNNديك فNNرص
متساوية تقريًبا في صالحك وضدك؛ فقط ،ال تتركها .إذا عاد عقلهNNا ،فسNNيكون ذلNNك لحظًي ا فقNNط ،حNNاول
االستفادة من ذلك .ولكن يجب أن أذهب" ،أضاف الطبيب؛ "ال يوجد حاجNة لي حNتى اآلن ،ولNدي ثالثNة
مكالمات أخرى".
تابع نويل صديقه .عندما وصلوا إلى الممر ،سأل" :هل ستعود؟"
"هذا المساء ،في تمام الساعة التاسعة .لن يكون هناك حاجة لي حتى ذلNNك الحين .كNNل شNNيء يعتمNNد على
الحارس .لكنني اخترت لؤلؤة .أعرفها جيًدا".
"أها! أعرف ما تريد قوله .إنهم ماهرون ،مستفزون ،خطرين ،كل هذا صNحيح تماًم ا .إذا كNان لNدي عم
ثNNري قNNديم وأتوقNNع أن أكNNون وريثNNه ،فلن أدخNNل أحNNدهم إلى منزلNNه .في بعض األحيNNان يتم تكليNNف هNNذه
المخلوقات الطيبة ببعض المهام الغريبة .ولكن ،ما الذي تخشاه من هذا؟ ال تهتم بما يقوله األغبياء .بعيًدا
عن المال ،فإن هؤالء الراهبات الكريمات هن أفضل ممرضNات في العNالم .آمNل أن تكNون لNديك واحNدة
عندما تأتي نهايتك .ولكن ،وداًعا؛ أنا مستعجل".
وبغض النظر عن كرامته المهنية ،اندفع الطبيب بسرعة نحو الدرج ،بينما عاد نويل إلى السيدة جNNيردي
ووجهه يعكس القلق الشديد وهو مليء بالتفكير.
وفي باب غرفة المريضة ،كانت الراهبة تنتظر عودة المحامي" .سيدي" ،قالت" ،سيدي".
"هل تريد شيًئا مني ،أختي؟"
"سيدي ،طلبت مني الخادمة المال ،فليس لديها المزيد واضطرت للحصول على ديون من الصيدلي".
"عذًر ا ،أختي" ،قاطع نويل ،وهو يبدو غاضًبا للغاية؛ "عذًر ا لعدم توقع طلبك ،ولكنك ترى أنني محتNNار
قليًال".
ثم ،وضع ورقة مائة فرنك على الموقد ،وقال" :شكًر ا لك ،أختي .سأحتفظ بتفاصيل ما أنفقNه .نفعNل ذلNك
دائًم ا" ،وأضافت" :إنها أكNNثر مالءمNNة للعائلNNة .فاإلنسNNان يشNNعر بNNالقلق عنNNدما يNNرى أحبNNاءه يعNNانون من
المرض .ربما لم تفكر في إعطاء هذه المرأة الفقيرة العون الحلو لديننا المقدس! في مكانك ،سيدي ،كنت
سأرسل على الفور إلى الكاهن"،
"ماذا ،اآلن ،أختي؟ أال ترين حالتها؟ إنها كالميتة؛ لقد رأيت أنها لم تسمع صوتي".
"ال يهم ذلك كثيًر ا ،سيدي" ،ردت الراهبة" ،ستكون قد فعلت واجبك دائًم ا .لم ترد عليك ،ولكن هNNل أنت
متأكNد من أنهNا لن تNرد على الكNاهن؟ أه ،أنت ال تعNرف كNل قNوة األسNرار األخNيرة! لقNد رأيت المNوتى
يستردون وعيهم وقوتهم الكافية لالعتراف ،ولتلقي الجسد المقدس لربنا يسوع المسيح .لقد سمعت كثNNيًرا
من العائالت تقول إنها ال تريد إرهاق المريض ،وأن رؤية خادم ربنا قد يثير الرعب الذي يعجل بنهايNNة
األمر.
إنه خطأ مميت .الكاهن ال يخوف ،بل يطمئن الNروح ،في بدايNة رحلتهNا الطويلNة .يتحNدث نيابNة عن إلNه
الرحمة الذي يأتي ليخلص ،وليس ليNدمر .يمكنNني أن أستشNهد لNك بالعديNد من حNاالت المNوتى الNذين تم
شفاؤهم ببساطة باالتراجع الصحة والجمال عن العاَلم ،ولكن األسوأ من ذلك هو تراجNNع األخالق والقيم.
ففي هذا العصر ،يبدو أن الناس أصبحوا أكثر انشغاًال بأمور الجسد والمظهNNر الخNNارجي ،وأقNNل اهتمامًNا
بالقلب والروح .هذا النزيف األخالقي يجب أن يوقNNف ،ويجب علينNNا جميعًNا العمNNل على تNNرميم األخالق
والقيم من جديد .فاألخالق هي األساس الذي تقوم عليه المجتمعات ،والقيم هي األساس الNNذي تقNNوم عليNNه
الحضارات.
لذلك ،يجب علينا أن نعيد بناء هذا األساس ،وأن نعمNNل بجNNد لنبNNذ األشNNياء السNNيئة ونحافNNظ على األشNNياء
الجيدة .وعندما نقوم بذلك ،سنكون قادرين على بناء عالم أفضل وأكثر إنسانية.
تحدثت الراهبة بصوت حزين مثل نظرتها .كان قلبها بال شك ليس في الكلمNNات الNNتي نطقتهNNا .بال شNNك،
تعلمتها حين دخلت الدير .آنذاك ،كانت تعبر عن شيء مNNا كNNانت تشNNعر بNNه حقًNا ،وتتحNNدث عن أفكارهNNا
الخاصة.
ولكن ،منذ ذلك الحين ،تكررت الكلمات مرارًا وتكرارًا عندما كانت ترعى كل مريض ،حتى فقNدت كNل
معناها بالنسبة لها .أصبح نطقها ببساطة جزءًا من واجباتها كممرضة ،تمامًا مثNNل إعNNداد الNNدواء وصNNنع
الخلطات.
لم يكن نويل يستمع إليها؛ فكانت أفكاره بعيدة" .أمك العزيNNزة" ،واصNNلت الراهبNNة" ،هNNذه السNNيدة الطيبNNة
التي تحبها كثيرًا ،ال شك تثق في دينها .هل تريد تعريض خالصها للخطر؟ إذا كان بإمكانها التحدث في
وسط معاناتها الشديدة "...
كان المحامي على وشك الرد ،عندما أعلن الخادم أن رجًال ،رفض الكشف عن اسمه ،يريد التحدث معه
بخصوص العمل.
بNNدأت المNNرأة الكريمNNة في تالوة درس الشNNكر ،لكن دون جNNدوى .اختفى نويNNل بعNNد أن نظNNر إليهNNا بعين
غاضبة ،وسNNمعت صNNوته بعNNد لحظNNات في الغرفNNة المجNNاورة وهNNو يقNNول" :أخNNيرًا ،لقNNد جئت يNNا السNNيد
كليرجو ،لقد كادت األمور تفلت من يدّي!".
الزائر الذي كان ينتظNره المحNامي هNو شNخص معNروف جيNدًا في شNارع سNانت الزار ،وحNول شNارع
بروفانس ،وحي نNوتردام دي لNوريت ،وعلى طNول الشNوارع الخارجيNة ،من شNوزيه دي مNارتيرز إلى
الرابطة القديمة لبريير دو كليشي.
من المفترض أال يكون السيد كليرجو مرابًح ا أكثر من كون والد السيد جوردان كNNان تNNاجًرا .فقNNط ،ألنNNه
يملك الكثير من المال ،ويكون متعاوًنا للغاية ،يقرضه ألصدقائه؛ وعوًضا عن هذه اللطNNف ،يوافNNق على
تلقي فائدة تتراوح بين خمسة عشر إلى خمسمائة في المائة.
يحب الرجل الممتاز عمالئه بشكل إيجابي ،ويحظى بتقدير عام ألمانته .لم يسمع عنه أبًدا أنه قد اسNNتولى
على أموال المديون ،بل يفضل مطاردته لمدة عشNNر سNNنوات دون توقNNف ،ويسNNتعيد منNNه شNNيًئا فشNNيًئا مNNا
يستحقه.
يعيش في الجزء العلوي من شارع دي ال فيكتNNوار .ليس لديNNه متجNNر ،ومNNع ذلNNك ،يNNبيع كNNل شNNيء يمكن
بيعه ،وبعض األشياء األخرى التي ال تعتبر تجارة بموجب القانون .أي شيء ليكNNون مفيًNNدا أو للجNNيران.
غالًبا ما يؤكد أنه ليس غنًيا جًNNدا .ومن الممكن أن يكNNون ذلNNك صNNحيًحا .فهNNو أكNNثر شخصNNية غريبNNة من
الطمع ،وجريئ بشكل فظيNNع .إنNNه منفتح على إعطNNاء أموالNNه عنNNدما يرضNNيه أحNNدهم ،ولكنNNه لن يقNNرض
خمسة فرنكات ،حتى إذا كان لديه رهن على قلعة فيريير.
ومع ذلك ،يخاطر في كثير من األحيان بكل ما لديه في أكثر األوراق السيئة حًظا.
يتألف عمالؤه المفضلون من نساء ذوات أخالق مشNNكوك فيهNNا ،وممثالت ،وفنNNانين ،وتلNNك الشخصNNيات
المغامرة الذين يدخلون على المهن التي تعتمد بالكامل على األشخاص الذين يمارسونها ،مثNNل المحNNامين
واألطباء.
يقرض للنساء بناء على جمالهن الحالي ،وللرجال بناء على موهبتهم المسNNتقبلية .رهNNون ضNNئيلة! ينبغي
القول أن تمتلك حدسه سمعة كبيرة .فهي نادرًا ما تخطئ .الفتاة الجميلة التي تم تزويدها بواسطة كليرجو
متأكدة من أنها ستصل بعيًدا .وكان لهندسة كليرجو سمعة عظيمة بالنسبة للفنان الذي كان في ديون لديه.
حصلت السيدة جولييت على هذا الصديق المفيد والشريف لحبيبها.
بدأ نويل ،الذي يعرف جيًدا حساسية هذا الرجل الكريم للعناية اللطيفة واالهتمام ،بتقديم مقعد له والسؤال
عن صحته .وقد دخل كليرجو في التفاصيل .ال يزال أسنانه جيدة ،لكن بصNNره يبNدأ في الضNNعف .لم تعNد
ساقيه ثابتتين بالقدر الذي يريده ،ولم يكن سمعه كامًال على ما يرام.
انتهت فصول الشكاوى ،وقال" :تعرف" "،لهذا دعوت .فواتيرك تستحق اليوم؛ وأنا بحاجة للمال بشNNدة.
لدي واحدة بقيمة عشرة ،وواحدة بقيمة سبعة ،وثلثة من خمسة آالف فرنك ،بإجمالي 22ألف فرنك".
"أعتقد بأنك كذلك .لقد مضت ثمانية أيام فقط حتى اليوم الذي كتبت فيه لك ألخبرك بNأنني لسNت مسNتعًدا
للوفاء بالفواتير ،وطلبت تجديًدا!"
"أتذكر تلقي الرسالة بشكل جيد".
"وماذا تقول عن ذلك بعد ذلك؟"
"بعدما لم أجب على الرسالة ،افترضت بأنك ستفهم أنني ال يمكنني االمتثال لطلبك .أملت أن تبذل جهًNNدا
للعثور على المبلغ بالنسبة لي".
"أعلم بأن الفائدة قد دفعت بالكامل وبدقة ،وبسعر ال يمكن أن يجعلك تندم على االستثمار".
ال يحب كليرجو الحديث عن الفائدة التي يتلقاها .يدعي أنه مهين.
"لست أشكو؛ فقط أقول بأنك تأخذ األمور بسهولة معي .لو وضعت توقيعك في الدورة ،لكNNان كNNل شNNيء
قد دفع اآلن".
"ال يا ال بأس به".
"نعم ،كنت ستجد وسيلة لتجنب التقاضي .ولكن تقول لنفسك' :كليرجو القديم رجل طيب '.وهذا صNNحيح.
ولكن هذا يحدث فقط عندما يكون في مصلحتي .اآلن ،اليوم ،أنNNا في حاجNNة ماسNNة إلى مNNالي .كNNااااماًل "،
أضاف ،مؤكًدا كل مقطع.
"أتوجب علّي تكرار ذلك؟" قال" ،لقد استنزفت بالكامل ،تماًم ا بالكامل!"
"حًقا؟" قال المرابي" ،حسًنا ،أشعر باألسف ألجلك ،ولكن سأضطر لمقاضاتك".
"وما الفائدة من ذلك؟ دعنا نلعب بصدق ،سيد كليرجو .هل ترغب في زيNNادة رسNNوم المحNNامين؟ ال تريNNد
ذلك ،أليس كذلك؟ حتى لو كلفتني كثيًر ا ،هل سيتيح لك ذلك الحصول على سNNنتيم واحNNد؟ ستحصNNل على
حكم ضدي .حسًنا ،وبعدها؟ هل تنوي تنفيذ الحكم؟ هذه ليست بيتي ،العقد باسم السيدة جيردي".
"أعلم كل ذلك .باإلضافة إلى ذلك ،بيع كل شيء هنا لن يغطي المبلغ".
"إذن تنوي وضعي في السجن ،في كليشي! استثمار سيء ،أحذرك ،سيتم فقNNدان ممارسNNتي ،وكمNNا تعلم،
ال ممارسة ،ال مال".
"جيد!" صاح الصديق المالي الجدير بالثقة" .اآلن تتحدث بال معنى! تسمي هذا الصراحة .هه! إذا كنت
تعتقد بأنني قادر على نصف األشياء القاسية التي قلتها ،فإن مالي سيكون هناك في درجك ،جاهز لي".
"خطأ! لن أعرف من أين أحصل عليها ،إال إذا طلبت من السيدة جيردي ،وهي شيء لن أفعله أبًدا".
انقطع نويل بسخرية صغيرة ومزعجة ،تخص كليرجو العجوز.
"لن يكون ذلNك مفيًNNدا" ،قNNال المNNرابي" ،محفظNNة األم تفNرغت منNNذ فNNترة طويلNNة؛ وإذا مNNاتت الشخصNNية
العزيزة اآلن ،كما يقولون إنها مريضة جًدا ،فلن أعطي مئتي نابليون عن التركة".
تحول المحامي إلى اللون األحمر من الغضب ،وبرقت عيناه .لكنه تظاهر واحتج بروح من الحيوية.
"نحن نعرف ما نعرفه" ،استمر كليرجو بصوت هNNادئ" .قبNNل أن يخNNاطر الرجNNل بمالNNه ،يحNNرص على
االستفسار بعض الشيء .تم بيNNع سNNندات األم المتبقيNNة في أكتNNوبر الماضNNي .آه! شNNارع بروفNNانس مكNNاٌن
مكلف! لقد قمت بتقدير ،والNذي مNا زلت أملكNه في المNنزل .جولNييت امNرأة سNاحرة ،بالتأكيNد ،ليس لهNا
مثيل ،لكنها مكلفة ،جًدا مكلفة".
كان نويل غاضًبا عند سماعه لجولييت تتحدث عنها بهNNذه الطريقNNة من هNNذا الشNNخص الشNNريف .لكن مNNا
الرد الذي يمكنه أن يقدمه؟ باإلضافة إلى ذلك ،ال أحد منا كامل؛ ولNNدى السNNيد كلNNيرجو عيب عNNدم تقNNدير
النساء بشكل صحيح ،والذي ينبع بال شك من المعNNامالت التجاريNNة الNNتي قNNام بهNNا معهن .إنNNه لطيNNف في
تعامله مع النساء ،يثني عليهن ويدللهن ،لكن اإلهانات الخشنة ستكون أقNNل بشNNاعة من تلNNك الثقNNة القNNذرة
لديه.
"لقد تقدمت بشكل سريع جًدا" ،استمر دون أن ينتبه إلى نظرات عميله السيئة" .وكنت قNNد قلت لNNك ذلNNك
من قبل .لكنك لم تستمع ،فأنت مجنون بهذه الفتاة .ال يمكنNNك رفض شNNيء تريNNده الفتNNاة الجميلNNة .أحمNNق!
عندما تريد فتاة جميلة شيًئا ما ،يجب أن تدعها تشتاق إليه لفNترة من الNوقت .سNتكون لNديها شNيء يشNغل
تفكيرها ويمنعها من التفكير في الكثير من الحماقات األخرى.
أربع رغبات قوية جيدة ،والتي يتم إدارتها بشكل صحيح ،يجب أن تدوم لمدة عNNام .أنت ال تعNNرف كيNNف
تعتني بمصالحك الخاصة .أنا أعلم أن نظرة جولييت ستجعل رأس قديس حجري يدور؛ لكن يجب عليك
أن تفكر بنفسك ،لعنة! ال يوجد سوى عشر فتيات في باريس يعيشن بمثNNل هNNذا النمNNط! وهNNل تعتقNNد أنهNNا
ستحبك أكثر بسبب ذلك؟ ال ،بتاًتا .عندما تدمرك ،ستتركك في ورطة".
قبل نويل إغواءات بنكهة المنطق الحذر للبنكير المحترس كالرجل الذي ال يحمل مظلة يتقبل األمطار.
"المعنى ببساطة هو أنني لن أجدد شيكاتك .هل فهمت؟ في الوقت الحالي ،إذا حاولت بجNNد ،سNNتتمكن من
تسNNليمي المبلNNغ المطلNNوب والبNNالغ 22،000فرنNNك .ال تتجهم :سNNتجد وسNNيلة للقيNNام بNNذلك لتمنعNNني من
االستيالء على أمالكك ،ليس هنا ،ألن ذلك سيكون سخيًفا ،بل في شقة امرأتك الصغيرة .لن يكون هنNNاك
أي سرور لديها ،ولن تتردد في إخبارك بذلك".
ماذا بشأن ذلك؟ ستعارض االستيالء ،بال شك ،وأتوقع أن تفعل ذلك؛ لكنها سNNتجعلك تجNNد المبلNNغ الالزم.
صدقني ،أنت أفضل أن تتجنب الضربة .أصر على أن أدفع اآلن .لن أمنحك أي تأجيل إضافي؛ ألنNNه في
غضون ثالثة أشهر ،ستكون قNNد اسNتنفدت آخNر مNواردك .ال جNدوى من القNول "ال" مثNل ذلNك .أنت في
إحدى تلك الحاالت التي يجب االسNNتمرار فيهNNا بNNأي ثمن .سNNتحرق الخشNNب من سNNرير أمNNك المحتضNNرة
لتدفئ قدمي هذا المخلوق .من أينحصلت على عشرة آالف فرنك التي تركتهNNا معهNNا في المسNNاء اآلخNNر؟
من يعرف ماذا ستحاول القيام به لجمع المال التالي؟ فكرة االحتفاظ بها لمدة خمسة عشر يوًم ا ،أو ثالثNNة
أيام ،أو يوم واحد إضافي ،يمكن أن تؤدي بك بعيًNدا .افتح عينيNك ،أنNا أعNرف اللعبNة جيًNدا .إذا لم تNترك
جولييت ،فNNأنت مفقNود .اسNتمع إلى بعض النصNNائح الجيNدة ،مجانًNا .يجب أن تتخلى عنهNا ،في وقت مNا،
أليس كذلك؟ افعل ذلك اليوم ،إذًا.
كما ترى ،فإن كليرجو ال يتورع عن قول الحقيقة لزبائنه ،عندما ال يلNNتزمون بتعهNNداتهم .إذا كNNانوا غNNير
راضين ،فذلك أسوأ بالنسبة لهم! ضميره مرتاح .لن يشارك في أي عمل جاهل.
لم يعد نويل يحتمل ذلك ،فانفجر غضبه.
"كفى" ،صرخ بحزم" .افعل مNا تشNاء ،سNيدي كلNيرجو ،لكن انتِNه من نصNائحك .أفضNل كالم المحNامي
الواضح .إذا ارتكبت جنوًنا ،يمكنني إصالحه ،وبطريقNة ستدهشNNك .نعم ،سNNيدي كلNNيرجو ،يمكنNNني جلب
اثنين وعشرين ألف فرنك ،ويمكنني الحصول على مائة ألف فرنك صNباح الغNد ،إذا رأيت ذلNك مناسًNبا.
لكني لن أفعل ذلك .ستظل إسرافي ،وبكل احترام لك ،سًر ا كما كانت دائًم ا .ال أختNار أن يشNتبه حNتى في
وضعي المالي الحالي .لن أتخلى ،من أجلك ،عن ما كنت أسعى إليه ،في اليوم الذي أصبح فيه على متن
يدي".
"إنه يقاوم" ،فكر الرباوي" .إنه أقل عمًقا في المشكلة مما كنت أتصور".
"لذا" ،استمر المحامي" ،ضع فواتيرك في يد محاميك .دعه يقاضيني .في غضون ثمانية أيNNام ،سNNأدعى
للظهور أمام محكمة التجارة ،وسأطلب تأجياًل لمدة خمسة وعشرين يوًم ا ،كما يمنح القضاة دائًم ا للمNNدين
المحتضر .خمسة وعشرون وثمانية ،في كل مكان ،يصنعون ثالثة وثالثين يوًم ا بالضبط .هNNذا بالضNNبط
اإلجازة التي أحتاجها .لديك اختيارين :إما أن تقبل مني فاتورة جديدة بقيمة أربعة وعشNNرين ألNNف فرنNNك
تدفع خالل ستة أسابيع ،أو كما أن لدي موعًدا ،فانتقل إلى محاميك".
" وخالل ستة أسابيع" ،أجاب المرابي" ،ستجد نفسك في نفس الحالة التي أنت فيها اليوم .وستكلفك أربعة
وأربعين يوًم ا أخرى مع جولييت "...
"سيدي كليرجو "،قاطع نويل" ،سيكون موقفي قد تغير تماًم ا قبل ذلك الوقت .لقد انتهيت" ،ثم قام قائًال:
"وقتي ثمين".
"لحظة ،يا رجل الصبر!" صاح البنكير بلطف" ،هل قلت أن القيمة المستحقة بعد خمسة وأربعين يوًم ا
هي أربعة وعشرون ألف فرنك؟"
"نعم .هذا حوالي خمسة وسبعين في المائة ،فائدة جيدة جًدا".
"أنا ال أختلف حول الفائدة" ،قال السيد كليرجو" ،ولكن "...نظر إلي نويل بطريقة مكشوفة وهو يحك
رأسه بعنف ،وهو حركة تدل على أن دماغه يعمل بشكل غير مدرك" .ولكن" ،واصل" ،أرغب جًدا في
معرفة ماذا تعتمد عليه".
"لن أخبرك .ستعرف ذلك قريًبا ،مثل باقي العالم".
"لقد فهمت!" صاح السيد كليرجو" ،أنت تنوي الزواج! لقد وجدت وريثة ،بالطبع ،صغيرتك جولييت
قالت لي شيًئا من هذا القبيل هذا الصباح .أه! أنت تنوي الزواج! هل هي جميلة؟ لكن ال يهم .لديها
محفظة مليئة ،أليس كذلك؟ لذلك أنت تعتزم بدء حياة جديدة؟"
"لم أقل ذلك".
"صحيح .كن حذًر ا .لكن يمكنني التلميح .كلمة أخرى .احذر العاصفة .صغيرتك تشك بالحقيقة .أنت
على حق .لن يكون من الجيد البحث عن المال اآلن .سؤال بسيط يكفي إلخبار والد شريكة حياتك
بموقفك المالي ،وستخسر الفتاة .اتزوج واستقر .لكن تخلص من جولييت ،وإال لن أعطي خمس فرنكات
للثروة .لذا تم االتفاق :أعد فاتورة جديدة بقيمة أربعة وعشرين ألف فرنك ،وسأحضرها لك عندما
أحضر لك القديمة يوم االثنين".
كان تردده كبيًر ا .هل يجب أن يذهب ويتناول العشاء مNNع والNNده؟ هNNل يمكنNNه تNNرك السNNيدة جNNيردي الNNتي
تحتضر؟ كان يتمنى تنNاول العشNاء في قصNNر دي كومNاران ،ومن ناحيNة أخNرى ،ال يمكنNه تNرك امNرأة
مريضة وقد تفارق الحياة في أي لحظة.
"بالتأكيد" ،همس" ،ال يمكنني الذهاب".
جلس على مكتبه ،وكتب بسرعة رسالة اعتذار إلى والده .وأخبره فيها أن السيدة جيردي قد تفارق الحياة
في أي لحظة ،وأنه يجب أن يبقى معها .وعندما طلب من الخادم إعطاء الرسالة لرسول ليقوم بتوصNNيلها
إلى الكونت ،بدا أن لديه فكرة مفاجئة.
"هل يعلم أخ المريضة" ،سأل" ،أنها مريضة بشكل خطير؟"
"ال أعرف ،سيدي" ،أجاب الخادم" ،على األقل ،لم أخبره".
"ماذا ،لم تفكر في إرسNاله إليNه؟ اذهب إلى منزلNه بسNرعة .اطلبNوا البحث عنNه ،إذا لم يكن في المNنزل،
يجب أن يأتي".
وبعد أن شعر باالرتياح ،ذهب نويل وجلس في غرفة المريضة .كNNانت اللمبNNة مضNNاءة ،وكNNانت الراهبNNة
تتحرك في الغرفة وترتب األشياء وتضعها في مكانها .كانت تبدو راضية ،ولم يفوت نويل هذا األمر.
"هل لدينا أي أمل ،يا أخت؟" سأل.
"ربما" ،أجابت الراهبة" ،الكاهن كان هنا ،سيدنا؛ لم تالحظ والدتك الحبيبNNة وجNNوده ،لكنNNه سNNيعود .هNNذا
ليس كل شيء .منذ وصول الكاهن ،تحسنت العجينة تحت الضمادة بشNNكل ملحNNوظ .الجلNNد أصNNبح أحمNNر
تماًم ا .أنا متأكدة من أنها تشعر بذلك".
"أعني هللا أن تكوني على حق ،يا أخت!".
"لقد أدعو بالفعل!" ،قالت الراهبة" ،ولكن من المهم أال تتركها وحNدها لحظNة واحNدة .لقNد قمت بNترتيب
كل شيء مع الخادمة .بعد زيارة الطبيب ،سأستلقي قليًال ،وستراقب هي حتى الساعة الواحدة صباًحا .ثم
سأحل محلها و"...
"ستذهبان كليهما للنوم ،يا أخت" ،قاطع نويل ،بحزن" .أنا ،الذي لن أستطيع أن أغفNNو للحظNNة ،سNNأراقب
هذه الليلة".
الفصل 14
لم يعتبر السيد تاباريه العجوز نفسه مهزوًم ا ،ألنه تم رفضه من قبل قاضي التحقيق ،الذي كان متضNNايًقا
بالفعل منذ فترة طويلة من االستجواب .قد تسموها خطًأ أو إنجاًز ا ،لكن الرجل العجوز كان أكNNثر عنNNاًدا
من الحمار .فبعد اليأس الشديد الذي تعرض له في الممر الخارجي لمكتب القاضي ،جNNاء القNNرار الثNNابت
الNNذي هNNو الحماسNNة الNNتي تولNNد من الخطNNر .فالشNNعور بNNالواجب حكم األمNNر .هNNل هNNو الNNوقت المناسNNب
لالستسالم لليأس الالئق باالحتقار عندما يتوقف حياة إنسان على كل دقيقة؟ الخمول ال يغتفر.
لقد أدخل رجًال بريًئا في الهاوية .ويجب أن يخرجه ،هو وحNده ،إذا لم يسNاعده أحNد .كNان السNيد تاباريNه
العجوز ،مثل القاضي ،متعًبا للغاية .عندما وصل إلى الهواء الطلق ،الحظ أنه كان يشعر بالجوع أيًض ا.
حالة العاطفة التي عاشها طوال اليوم منعته من الشعور بNNالجوع ،ومنNNذ المسNNاء السNNابق لم يشNNرب حNNتى
كأس ماء .دخل مطعًم ا على البوليفار ،وطلب العشاء.
أثناء تناوله الطعام ،عاد إليه ليس فقط شجاعته ،ولكن أيًض ا ثقته .كما هو الحال مع بقية البشر ،من
يعرف كم يمكن أن تتغير أفكار اإلنسان من البداية إلى النهاية من وجبة طعام حتى ولو كانت
.متواضعة! لقد أثبت الفيلسوف بوضوح أن البطولة هي مسألة معدة
نظر العجوز إلى الوضع بضوء أقل كآبة بكثير .لديه الكثير من الوقت أمامه! يمكن لرجل ذكي تحقيق
الكثير في شهر واحد! هل ستفشل قدرته االستثنائية اآلن؟ بالتأكيد ال .كان أكبر أسفه هو عدم قدرته على
.إخبار ألبرت أن شخًص ا ما يعمل من أجله
كان رجاًل آخر تماًم ا عندما قام من الطاولة ،وكان يسير بخطوات خفيفة نحو شارع سانت الزار .عندما
فتح الحارس الباب له ،كان قد دق الساعة التاسعة .صعد مباشرًة إلى الطابق الرابع لالستفسار عن
.صحة صديقته السابقة ،التي كان يطلق عليها السيدة جيردي الرائعة ،الجديرة بالثناء
كان نويل هو من فتح له الباب ،نويل الذي كان يفكر بال شك في الماضي ،ألنه بدا حزيًنا كأن المرأة
المحتضرة هي أمه الحقيقية .ونتيجًة لهذا الحدث غير المتوقع ،لم يتمكن السيد تاباريه العجوز من تجنب
الدخول لبضع دقائق ،على الرغم من أنه كان يفضل عدم القيام بذلك .كان يدرك تماًم ا أنه ،بوجود
المحامي ،سيضطر بالضرورة إلى الحديث عن قضية لوروج ،وكيف يمكنه فعل ذلك ،وهو يعرف
تفاصيل القضية بشكل أفضل بكثير من صديقه الشاب نفسه ،دون أن يكشف سره؟ قد يكون كلمة واحدة
غير حذرة كافية للكشف عن الدور الذي يلعبه في هذه المأساة الحزينة .وكانت على وجه الخصوص،
.من عزيزه نويل ،اآلن فيكونت دي كوماران ،الذي كان يرغب في إخفاء عالقته بالشرطة
ولكن ،من ناحية أخرى ،كان يشتاق لمعرفة ما حدث بين المحامي والكونت .جهله بهذه النقطة الوحيدة
أثار فضوله .ومع ذلك ،ألنه لم يستطع االنسحاب ،قرر مراقبة لغته عن كثب والبقاء في حالة تأهب
.دائم
دخل المحامي الرجل العجوز إلى غرفة السيدة جيردي .تغيرت حالتها ،منذ بعد الظهر ،قليًال ،على
الرغم من أنه من المستحيل القول ما إذا كان ذلك جيًدا أم سيًئا .كان شيء واحد واضًحا ،وهو أنها لم
تكن متعبة للغاية .ال تزال عينيها مغلقتين ،ولكن يبدو وجود اهتزاز طفيف في الجفون .كانت تتحرك
باستمرار على وسادتها ،وتنتفض بضعف.
.ماذا يقول الطبيب؟" سأل السيد تاباريه العجوز بصوت منخفض كما هو معتاد في غرفة المرضى"
"لقد ذهب للتو" أجاب نويل" .قريًبا سينتهي كل شيء".
.تقدم الرجل العجوز على أصابع قدميه ونظر إلى المرأة المحتضرة بحركة واضحة من العاطفة
الفقراء!" همس "هللا رحيم بأخذها .ربما تعاني كثيًر ا ،ولكن ما هو هذا األلم مقارنة بما ستشعر به إذا"
"علمت أن ابنها،االبن الحقيقي ،في السجن ،متهم بالقتل؟
"هذا ما أفكر به" قال نويل" ،ألعتني بهذا المنظر .ألنني ال زلت أحبها ،يا صديقي العزيز؛ سأظل أنظر
إليها كأم .هل سمعتني ألعنها من قبل؟ لقد عاملتها بقسوة مرتين .ظننت أنني أكرهها ،ولكن اآلن ،في
لحظة فقدانها ،أنسى كل الخطأ الذي اقترفته ،فقط ألتذكر حنانها .نعم ،الموت هو األفضل بالنسبة لها!
ومع ذلك ،ال أعتقد ،ال ،ال أستطيع أن أعتقد أن ابنها مذنب".
"ال! ماذا ،أنت أيًض ا؟"
وضع السيد تاباريه العجوز الكثير من الدفء والحيوية في هذا الصرخة ،حتى نظر إليه نويل بالدهشة.
شعر بأن وجهه يحمر ،وعّج ل في توضيح نفسه" .قلت 'أنت أيًض ا' " ،تابع" ،ألنني ،ربما بفضل عدم
خبرتي ،مقتنع أيًض ا ببراءة هذا الشاب .ال يمكنني تخيل رجًال من مثل هذا المستوى يفكر وينفذ جريمة
جبانة كهذه .تحدثت مع العديد من األشخاص حول هذه المسألة التي أثارت الكثير من الضجة ،والجميع
يشاركني الرأي .لديه الرأي العام لصالحه؛ هذا شيء مهم بالفعل".
وبينما كانت الراهبة تجلس بجوار السNNرير ،بعيNNدة بمNNا يكفي عن اللمبNNة لتكNNون في الظNNل ،كNNانت تحيNNك
جوارب بسرعة لصالح الفقراء .كانت هذه العمليNة آليNة تماًم ا ،وخاللهNا كNانت تصNلي عNادة .ولكن منNذ
دخول السيد تاباريه العجوز إلى الغرفة ،نسيت صلواتها األبدية وهي تستمع إلى المحادثة.
ماذا يعني كل ذلك؟ من يمكن أن تكNNون هNNذه المNNرأة؟ وهNNذا الشNNاب الNNذي ليس ابنهNNا ،والNNذي يسNNميها في
الNNوقت نفسNNه أًم ا ،وفي الNNوقت نفسNNه يتحNNدث عن ابنNNه الحقيقي المتهم بالقتNNل؟ كNNانت قNNد سNNمعت سNNابًقا
تصريحات غامضة تتبادلها نويل والطبيب .إلى أي منزل غريب قد دخلت؟ كانت تشNNعر بNNالخوف قليًال،
وكانت ضميرها يزعجها بشدة .هل ليست تخطئ؟ قررت أن تخبر الكاهن عن كل شيء عند عودته.
"ال "،قال نويل" ،ال ،سيد تاباريه ،ليس لNNدى ألبNNير الNNرأي العNNام لصNNالحه .نحن أكNNثر حNNدة من ذلNNك في
فرنسا ،كما تعلم .عندما يتم اعتقال شخص فقير ،وربما بNNريء تماًم ا من الجريمNNة المنسNNوبة إليNNه ،فإننNNا
دائًم ا مستعدون لرمي األحجار عليه .نحتفظ بكل شفقتنا لمن يظهر أمام محكمة الجنايNNات ،والNNذي يظهNNر
بدون شك كمذنب .طالما يتردد العدالة ،نحن نقف مع االدعاء ضد المتهم.
في اللحظة التي يتم فيها إثبات أن الرجل هو مجرم ،تنحاز كل مشاعرنا لصالحه .هذا هو الرأي العام.
ولكنك تفهم ،بالطبع ،أن هذا األمر ال يؤثر علّي كثيًر ا .أنا أحتقره إلى هذا الحد ،حتى إذا ،كما أتمنى
بشدة ،لم يتم إطالق سراح ألبير ،سأدافع عنه .نعم ،أخبرت الكونت دي كوماران ،والدي ،بذلك .سأكون
محاميه ،وسأنقذه".
بكل سرور ،كان الرجل العجوز يود أن يلقي بنفسه على عنق نويل .كان يشتاق ليقول له" :سننقذه مًعا".
لكنه كبح نفسه .هل لن يحتقره المحامي إذا كشف له سّر ه! قرر ،مع ذلك ،الكشف عن كل شيء إذا
أصبح ذلك ضرورًيا ،أو إذا تدهورت وضعية ألبير .وفي الوقت الحالي ،رضي بتأييد صديقه الشاب
بشدة.
"برافو! يا صديقي" ،قال" ،لديك قلب نبيل .كنت أخشى أن أراك تفسد بسبب الثروة والمكانة؛ اعذرني.
أنت ستبقى ،أرى ،كما كنت دائًم ا في موقفك األكثر تواضًعا .لكن ،قل لي ،هل رأيت والدك ،الكونت؟"
واآلن ،للمرة األولى ،يبدو أن نويل الحظ عيون الراهبة ،التي تلمع في الظل كأحجار كربونية بفضول
شديد .بواسطة نظرة ،جذب انتباه الرجل العجوز إليها ،وقال" :رأيته ،وكل شيء مرتب إلى رضاي.
سأخبرك بكل التفاصيل ،فيما بعد ،عندما نكون أكثر راحة .أمام هذا السرير ،أشعر بالخجل تقريًبا من
سعادتي".
اضطر السيد تاباريه إلى الرضى بهذه اإلجابة وهذا الوعد .رأى أنه لن يتعلم شيًئا تلك الليلة ،فتحدث
عن الذهاب إلى السرير ،وأعلن أنه تعب جًدا بسبب ما قام به خالل اليوم .لم يطلب نويل منه التوقف.
كان ينتظر ،قال ،شقيق مدام جيردي ،الذي تم إرساله عدة مرات ،ولكنه لم يكن في المنزل .كان يعرف
بالكاد كيف يمكنه مقابلة هذا الشقيق مرة أخرى ،وأضاف :ال يزال ال يعرف ما هو السلوك الذي يجب
اتباعه .هل ينبغي أن يخبره بكل شيء؟ لن يزيد ذلك إال من حزنه .من ناحية أخرى ،الصمت سيجبره
على لعب دور صعب .نصحه الرجل العجوز بعدم القول بأي شيء؛ يمكنه شرح كل شيء الحًقا.
"يا له من رجل عظيم هو نويل!" همس السيد تاباريه العجوز ،وهو يعود إلى شقته بأقل قدر ممكن من
الضوضاء .كان غائًبا عن منزله لمدة 24ساعة ،وكان يتوقع بشكل كامل مشهًدا رهيًبا مع خادمته.
كانت مانيت مستاءة بشدة وأعلنت مرة واحدة على األقل أنها ستبحث عن وظيفة جديدة إذا لم يغير
سيدها سلوكه .لقد بقيت مستيقظة طوال الليل في حالة فزع شديدة ،مستمعة ألدنى صوت على الدرج،
متوقعة في كل لحظة رؤية سيدها يعود على نقالة ،مقتوًال .وقد كان هناك اضطراب كبير في المنزل.
كان السيد جيردي قد نزل بعد وقت قصير من سيدها ،ورأته يعود بعد ساعتين .وبعد ذلك ،أرسلوا
للطبيب .وكل هذا سيقتلها ،باإلضافة إلى أن بنيتها الجسدية ضعيفة جًدا لتسمح لها بالبقاء مستيقظة حتى
هذا الوقت .لكن مانيت نسيت أنها لم تبَق مستيقظة بسبب سيدها أو نويل ،بل كانت تنتظر أحد أصدقائها
القدامى ،أحد تلك الحراس الوسيمين في باريس الذين وعدها بالزواج ،والذين انتظرتهم دون جدوى،
الدغل!
انفجرت في اللوم ،بينما كانت تحضر سرير سيدها ،صادقة جًدا ،وهي تقول إنها ال تحتفظ بأي شيء في
عقلها ،أو تحجب فمها ،عندما يتعلق األمر بصحته وسمعته .لم يرد السيد تاباريه العجوز على هذا
الكالم ،ألنه لم يكن في مزاج مناقشة األمر .وقد انحنى رأسه إلى العاصفة ،وتجاهل الهجوم .ولكن
بمجرد االنتهاء من ما كانت تفعله ،طردتها من الغرفة ،وأقفل الباب بشدة.
بدأ يشغل نفسه بتشكيل خط جديد واتخاذ إجراءات سريعة وفاعلة .فقد فحص الوضع بسرعة ،هل تم
خداعه في تحقيقاته؟ ال .هل كانت تقديراته لالحتماالت خاطئة؟ ال .لقد بدأ بحقيقة إيجابية ،الجريمة .وقد
اكتشف التفاصيل؛ وتوصل إلى استنتاجاته الصحيحة ،وكان المجرم بوضوح كما وصفه .ال يمكن أن
يكون الرجل الذي اعتقله السيد دابورون هو الجاني .لقد أدى ثقته في مبدأ قضائي إلى ضالله ،عندما
أشار إلى ألبير.
"هذا هو النتيجة عند اتباع اآلراء المقبولة وتلك العبNNارات السNNخيفة ،الNNتي تشNNبه عالمNNات الطريNNق على
طريق الجاهل! لو كنت حرًا في إلهاماتي ،لكنت قد فحصت هذه القضية بشNNكل أعمNNق ،ولن أتNNرك شNNيئًا
للصدفة .الصيغة "ابحث عن الذي يستفيد من الجريمة" قد تكون في الكثNNير من األحيNNان سNNخيفة وفعالNNة
في نفس الNNوقت .فورثNNة رجNNل قتNNل يسNNتفيدون جميعًNا من الجريمNNة ،في حين يحصNNل القاتNNل في أفضNNل
األحوال على ساعة ومحفظة الضحية .كان هناك ثالثة أشخاص مهتمين بمNNوت األرملNNة لNNوروج :ألبNNير
والسيدة جيردي والكونت دي كومارين .بالنسبة لي ،فمن الواضح أن ألبير ليس الجاني.
ليست السيدة جيردي ،التي تموت من صدمة اإلعالن غير المتوقع عن الجريمة .لذا ،يبقى الكNNونت .هNNل
هو الجاني؟ إذا كان كذلك ،فإنه بالتأكيد لم يفعل ذلك بنفسNNه .يجب أن يكNNون قNNد اسNNتأجر بعض األوغNاد،
أوغاًدا ذوي مكانة جيدة ،يرتدون حذاء براءة اختراع جيد ،ويدخنون سNNيجارات ترابوكNNوس بفم العنNNبر.
يفتقر هؤالء األوغاد األنيقون عادًة إلى الشجاعة .فهم يغشون ،ويزورون ،لكنهم ال يقتلون.
ولكن إذا افترضنا أن الكونت حصل على بعض األوغاد المجانين ،فإنه سيحل مكان أحدهم بNNآخر أكNNثر
خطNورة .هNذا سNيكون سNخيًفا ،والكNونت رجNل حكيم .لNذلك ،لم يكن لNه أي عالقNNة بNاألمر .ولكي أتأكNد
بالكامل ،سأجري بعض االستفسارات عنNه .وهنNاك شNيء آخNر ،األرملNة لNوروج ،الNتي كNانت تسNتبدل
األطفال بسهولة أثناء العناية بهم ،من المرجح جًدا أن تتولى العديد من المهام الخطيرة األخرى.
فمن يمكن أن يقول إنها لم تفيد أشخاًص ا آخرين كان لديهم نفس االهتمNNام في التخلص منهNNا؟ هنNNاك سNNر،
وأنا أتوصل إليه ،ولكنني ال أزال لم أصل إليه بعد .شيء واحد مؤكد ،أال وهNNو أنهNNا لم تقتNNل لمنNNع نويNNل
من استعادة حقوقه .يجب أن تكون قد تم إزالتها لسبب
عاد القديم تاباريه إلى ألبرت ووزن االتهامات التي وجهت ضد الشاب ،وحسNNب الفNNرص الNNتي ال تNNزال
لصالح إطالق سراحه.
"من مظهر األمور" ،همس" ،أرى حًظا ونفسي ،وهذا يعني عدم وجود أي شيء في صالحه في الNNوقت
الحالي .وبالنسبة لالتهامات ،فهي ال تحصى .ومNع ذلNك ،فال فائNدة من العNودة إليهNا .أنNا الNذي جمعتهNا؛
وأعرف قيمتها! في نفس الوقت ،كل شيء وال شيء .فمNNاذا تثبت اإلشNNارات ،مهمNNا كNNانت واضNNحة ،في
الحاالت التي يجب فيها عدم االعتقاد حتى بأدلة حواسنا الخاصة؟ ألبرت ضحية لصدف ملحوظة للغاية؛
لكن كلمة واحدة يمكن أن تفسرها .وقد حدثت العديد من الحاالت المشابهة.
كان األمر أسوأ حتى في قضية الخياط الصغير .في الساعة الخامسة ،اشNترى سNكيًنا ،وأظهرهNا لعشNرة
من أصدقائه ،قائًال" :هذه لزوجتي ،التي تكسل وتخونني مع عمالي" .في المساء ،سمع الجيران شNNجاًرا
شديًدا بين الزوجين ،وصراًخ ا وتهديداٍت ودوشًقا وضرًبا ،ثم انتهى كNل شNيء فجNأة .وفي اليNوم التNالي،
اختفى الخياط من منزله ،واكتشفوا زوجته ميتة ،والسكين نفسها مغمNNورة في ظهرهNNا حNNتى النصNNل .أه،
حسًنا! تبّين أنه لم يكن الزوج من وضع السكين هناك؛ بل كان عشيق غيور.
بعد ذلك ،ماذا يمكن أن يصدق؟ صحيح ،لن يشرح ألبرت كيف قضى مساء الثالثاء .ال يNؤثر ذلNك علي.
السؤال بالنسبة لي ليس حول إثبات أين كان ،بل حNNول أنNNه لم يكن في ال جونشNNير .ربمNNا كNNان جيفNNرول
على الطريق الصحيح بعد كل شيء .أتمنى ذلك من كل قلبي.
نعم؛ هللا يمنحه النجاح .سوف تستحق غروري وافتراضي الجنوني العقاب الطفيNNف من انتصNNاره علي.
ماذا لن أعطي لتأكيد براءة هذا الرجل؟ نصف ثروتي لن يكون تضNNحية كبNNيرة .إذا لم أفلح! إذا ،بعNNد أن
سببت الشر ،وجدت نفسي عاجزم بعجزي عن التراجع عنه!"
ذهب القديم تاباريه للنوم وهو يرتجNف من هNذه الفكNرة األخNيرة .وغNرق في نNوم عميNق ومNرعب .ففي
حلمه ،ضاع بين الحشNود البسNيطة الNتي تتجمNع يNوم اإلعNدام في سNاحة دو الروكيت ،وراقب تشNنجات
الشخص المحكوم عليه باإلعدام .فرأى الرجل البائس ،ويديه مقيدتان خلNNف ظهNNره ،ويحملNNه القس بينمNNا
يصعد الدرج الشديد االنحدار الNNذي يNNؤدي إلى منصNNة اإلعNNدام .ورأى الرجNNل وهNNو يقNNف على المنصNNة
القاتلة ،ويتحدى الحشد المرعوب أسفله بنظرته الفخورة.
سرعان مNNا التقت عيNNون المحكNNوم عليNNه بعينيNNه ،وفجNNأة انقطعت حبالNNه ،وأشNNار إليNNه ،تاباريNNه ،وصNNاح
بصوت عاٍل " :هذا الرجل هو قاتلي ".ثم انNNدلعت صNNيحات عارمNNة للسNNب والشNNتم على المحقNNق .حNNاول
الهرب ،لكن قدميه بدت وكأنها ملتصقة باألرض .حاول على األقل إغالق عينيه ،لكنNه لم يسNتطع .فقNوة
غامضة وال تقاوم أجبرته على النظر .ثم صاح ألبرت مرة أخرى" :أنا بريء؛ المذنب هNNو "-ولكنNNه لم
يستطع سماع االسم الذي ذكره .وفي النهاية ،سقط رأس المحكوم عليه.
صرخ السيد تاباريه بصوت عاٍل واستيقظ وهو يتعرق بNNارًدا .اسNNتغرق األمNNر بعض الNNوقت حNNتى أقنNNع
نفسه بأن ما سمعه ورأى ليس حقيقًيا ،وأنه في الواقع في منزلNه ،في سNريره .إنNه كNان مجNرد حلم! لكن
األحالم أحياًنا ،حسبما يقولون ،تكون إنذاًر ا من السماء .كانت خياله مصابة جًدا بما حNدث لتلNك الدرجNة
التي بذل فيها مجهودات غير مسموعة الستدعاء االسم الذي ذكره ألNNبرت .ولكن دون جNNدوى ،فاسNNتيقظ
وأضاء شمعة .جعلته الظالم يشNNعر بNNالخوف ،فالليNNل كNNان مليًئ ا باألشNNباح .لم يعNNد األمNNر يتعلNNق بNNالنوم.
وبسبب هذه القلق والتوتر ،اتهم نفسه بشدة وعاتبها بقسوة على المهنة التي كان يسعدها حتى ذلك الحين.
فقرة البشرية!
كان واضًحا أنه كان مجنوًنا تماًم ا في اليNNوم الNNذي كNNان يفكNNر في البحث عن وظيفNة في شNNارع القNدس.
هواية نبيلة حًقا لرجل في عمره ،وهو مواطن نزيه جيNNد في بNNاريس ،ثNNري ،ومحNNترم من قبNNل الجميNNع!
وأن يفتخNNر بأفعالNNه ،وأن يفتخNNر بذكائNNه ،وأن يفتخNNر بحNNدة شNNمه ،وأن يفتخNNر بتلNNك اللقب السNNخيف
"تيراوكلNNير" .مجNNرد مجنNNون! مNNاذا كNNان يأمNNل أن يحقNق من هNNذا االصNNطياد؟ كNNل أنNNواع المضNNايقات،
وازدراء العالم ،دون حساب خطر المساهمة في إدانNة رجNل بNريء .لمNاذا لم يتحNذر من قضNية الخيNاط
الصغير؟
وبتذكر بعض السعادات التي حظي بها في الماضي ،ومقارنتها بعذابNNه الحNNالي ،قNNرر أنNNه لن يعNNود لهNNذا
المجال مرة أخرى .بمجرد إنقاذ ألNبرت ،سNيبحث عن تسNلية أقNل خطNورة وأكNثر تقNديًرا عاًم ا .سNينهي
العالقات التي يخجل منها ،وسيترك الشرطة والعدالة للتعامل بأفضل ما لديهم بدونه.
وأخيرًا ،طال انتظاره لليوم الذي كNNان ينتظNNره بفNNورة .ولممارسNNة الNNوقت ،قNNام بتلNNبيس ثيابNNه ببطء ،مNNع
الكثير من العناية ،حاول إشغال عقله بتفاصيل ال داعيلها ،ومحاولة إيهام نفسه بNأن الNوقت قNNد تغNير عن
طريق النظر باستمرار إلى الساعة ،ليرى هNNل تNNوقفت أم ال .وبNNالرغم من هNNذا التNNأخير ،لم يكن السNNاعة
الثامنة عندما حضر إلى منزل القاضي ،يطلب منNNه أن يعNNذره ،بسNNبب أهميNNة أعمالNNه ،لزيNNارة مبكNNرة ال
تخلو من الفضول.
االعتذارات كانت زائدة عن الحاجة .لم يتأثر السيد دابورون أبًدا باتصال في الثامنة صباًح ا .كان بالفعNNل
في العمل .استقبل المحقق الهاوي العجوز بلطفه المعتاد ،وحتى أمزح معNNه قليًال حNNول إثارتNNه المفرطNNة
لليلة السابقة .من كان يتوقع أن يكون أعصابه حساسة إلى هذا الحد؟ بال شك أن الليNNل قNNد جلب التفكNNير.
هل استعاد عقله؟ أم وجد الجاني الحقيقي؟
أزعج الرجل العجوز هذا النبرة الطفولية في القاضي ،الذي اُتهم بالجدية حNNتى الغلNNط .هNNل ال يخفي هNNذا
السخرية عزًم ا على عدم التأثر بأي شيء يمكن أن يقوله؟ كان يعتقد ذلك ،وكان من دون أدنى خداع أنه
بدأ بالتماسه.
وضع القضية بشكل أكثر هدوًء ا هذه المرة ،لكن مع كNNل طاقNNة مقنعNNة لقناعNNة مدروسNNة جيًNNدا .لقNNد ناشNNد
القلب ،واآلن يناشNNد العقNNل؛ ولكن على الNNرغم من أن الشNNك هNNو عNNدو معNNدي ،فإنNNه لم ينجح في إقنNNاع
القاضي أو هز رأيه .لم تكن أقواله األكثر قوة مفيدة أمام اإلقتناع المطلق للسيد دابورون ،كمNNا لNNو كNNانت
الرصاصة مصنوعة من فتات الخبز في مواجهة درع الصدر .ولم يكن هناك شيء مدهش جًدا في ذلك.
في جانب السيد تاباريه ،كانت هناك نظرية مدروسة بذكاء ،كلها كالم؛ بينما كان السيد دابNNورون يمتلNNك
شهادات وحقائق واضحة .وكانت ميزة القضية هي أن جميع األسباب التي قدمها الرجل العجوز لتNNبرير
ألبرت كانت تعتبر رد فعل ضده ،وتؤكد إدانته.
لم يكن انبطاح على يد القاضي متوقًعا للغاية بالنسبة للسيد تاباريه ليظهر مضطرًبا أو محبًط ا .أعلن أنNه
لن يصر على المزيد في الوقت الحالي؛ وأنه يثق تماًم ا في حكمNة ونزاهNة القاضNي .كNل مNا يريNده هNو
تحذيره من االحتماالت التي ألهمها بأسفه المفرط.
وأضاف أنه سيقوم بالتحري عن مزيد من المعلومات .لم يكونوا سوى في بداية التحقيق ،وال يزالواجهNNة
العديد من األمور ،بما في ذلك ماضي األرملة لNيروج .قNد يكشNف المزيNد من الحقNائق .ومن يعNرف مNا
الشهادة التي قد يقدمها الرجل ذو األقراط ،الذي يتم مطاردته من قبل جيفرول؟ على الرغم من الغضNNب
الشديد الذي يشعر به داخلًيا ،ورغبته في إهانة ومعاقبNNة الNNذي يسNNميه بـ "األحمNNق القاضNNي" في داخلNNه،
حاول السيد تاباريه أن يكون متواضًعا ومهذًبا .أراد ،قال ،البقاء على اتصال بمختلف مراحNNل التحقيNNق،
ويطلب أن ُتبلغNNه بنتNNائج التحقيقNNات المسNNتقبلية .وانتهى بطلب اإلذن للتواصNNل مNNع ألNNبرت ،واعتقNNد أن
خدماته تستحق هذه اللفتة البسيطة .ويريد لقاًء دون شهود لمدة عشر دقائق فقط.
رفض السيد دابورون هذا الطلب ،وأعلن أن المعتقل يجب أن يظل في الحبس االنفNNرادي الصNNارم حNNتى
اآلن .وعلى سبيل العزاء ،أضاف أنه قد يكون قادًر ا على إعادة النظر في هذا القNNرار في غضNNون ثالثNNة
أو أربعة أيام ،حيث ستكون الدوافع التي دفعته التخاذ هذا القرار لم تعد موجودة.
"رفضكم قاٍس ،سيدي" ،قال السيد تاباريه" ،لكنني أفهمه وأستسلم له".
هذا كان شكواه الوحيNNدة ،وانسNNحب تقريًب ا على الفNور ،خائًف ا من أنNNه لم يعNNد قNNادًرا على السNNيطرة على
غضبه .شعر بأنه ،باإلضافة إلى السعادة الكبيرة في إنقاذ رجل بريء ،يعرض للخطNNر بسNNبب سNNذاجته،
سيشعر بسعادة ال توصف في االنتقام من عناد القاضي.
"ثالثة أو أربعة أيام" ،همس" ،هذا يعني نفس الشيء ثالثة أو أربعة سنوات بالنسبة للمعتقل البائس .هذا
القاضي الرائع يتعامل مع األمور بسهولة .ولكن يجب علّي أن أكتشف الحقيقNة الحقيقيNة في القضNية بين
اآلن وحتى ذلك الحين".
نعم ،كان السيد دابورون يحتاج فقNNط إلى ثالثNNة أو أربعNNة أيNNام السNNتخراج اعNNتراف من ألNNبرت ،أو على
األقل جعله يتخلى عن نظام دفاعه.
ولم يكن صعوبة االدعNاء في عNدم القNدرة على إنتNNاج أي شNNاهد رأى المعتقNل خالل مسNNاء يNNوم الثالثNNاء
األخير.
كان يكفي شهادة واحدة في هذا الصدد لتحمل وزًنا كبيًرا جًدا ،ولذلك ،بمجرد مغادرة تاباريNNه لNNه ،حNNول
السيد دابورون كل اهتمامه في هذا االتجاه .ال يزال يمكنه األمل في الكثNNير .لم يمِض اال السNNبت ،وكNNان
يوم الجريمة ملحوًظا بما يكفي ليثبت في ذاكرة الناس ،وحتى ذلNNك الحين لم يكن هنNNاك وقت كNNاٍف لبNNدء
تحقيٍق مناسب.
نظم أحNNد أكNNثر خمسNNة محققين ذوي الخNNبرة في الخدمNNة السNNرية ألخNNذ صNNور المعتقNNل وإرسNNالها إلى
بوجيفال ،حيث كانوا مكلفين بتفتيش المنطقة بأكملها بين روئيل وال جونشير ،واالستعالم في كNNل مكNNان
وإجراء التحقيقات الدقيقة .وكانت الصور ستساعد كثيرا في جهNودهم ،حيث كNان لNديهم أوامNر بعNرض
الصور في كل مكان وعلى الجميع ،وحتى ترك عشرة صNNور في المنطقNNة المجNNاورة ،حيث كNNان لNNديهم
عدد كاٍف من الصور لهذا الغرض .فكان من المستحيل في ليلNNة وجNNود العديNNد من النNNاس ،أن ال يالحNNظ
أحد وجود الشخص الذي يشبه الشخص في الصNورة الفوتوغرافيNة إمNا في محطNة السNكك الحديديNة في
روئيل أو على إحدى الطرق التي تؤدي إلى ال جونشير ،الطريق السريع والطريق على ضفاف النهر.
وبعد تنظيم هذه الخطط ،توجه المحقق إلى قصر العدل واستدعى ألبرت ،حيث تلقى في الصباح تقريًNNرا
يخبره باألعمال والحركات واألقوال الواردة من المعتقل ،الذي تم مراقبته بعناية .لم يظهر فيه أي شNNيء
يدل على أنه مجرم ،بل بدا حزيًنا جًدا ولكن لم ييأس ،ولم يصرخ وال هدد وال شتم العدالNNة ،ولم يتحNNدث
حتى عن خطأ مميت .بعد تناول طعام خفيف ،توجه إلى نافذة زنزانته وبقي هناك وقًفا ألكثر من ساعة،
ثم اضطجع ونام بسالم.
“ياله من بنية قوية!” فكر السيد دابورون عند دخول المعتقل لمكتبه.
لم يكن ألبرت الرجل اليائس الذي كان عليNNه الليلNNة الماضNNية ،مرتبًك ا بسNNبب تعNNدد االتهامNNات ،ومفاجًئ ا
بسرعة وصولها ضده ،ولم يبدو مستعًدا لالنكسNNار .سNNواء كNNان بريًئ ا أو مNNذنًبا ،أصNNبح واثًق ا من كيفيNNة
التصرف ،ولم يترك شًك ا في ذلك .يعبر عيناه عن القرار البارد للتضحية بنفسNه ،وبعض الكبريNاء الNذي
يمكن أن يتخذ كاستهزاء ،ولكنه يعبر عن الغضب النبيل لرجل مظلوم .يمكن رؤية فيه رجل يعتمNNد على
نفسه ،يمكنه أن يهتز ولكن ُيهزم بالمصائب.
عند رؤيته ،فهم المحقق أنه سيتعين عليه تغيير طريقته في الهجوم .إنه يدرك أحد تلك الطبائع التي تثNNير
المقاومة عنNNد الهجNNوم وتقNNوي عنNNد التهديNNد .لNNذلك ،قNNرر التخلي عن تكتيكاتNNه السNNابقة ومحاولNNة إقناعNNه
باللطف .إنه حيلة مملة ،ولكنها تكاد تكون دائًم ا ناجحة ،مثل بعض المشاهد الحزينNNة في المسNNارح .يجNNد
المجرم الذي قدم طاقته لمواجهة صدمة الNNترهيب نفسNNه بNNدون حمايNNة ضNNد اللطNNف ،ويNNزداد تNNأثيره بمNNا
يتناسب مع قلة صدقه .واآلن ،فإن السيد دابورون يتفوق في إنتاج المشاهد المؤثرة .مNNا هي االعترافNNات
التي حصل عليها ببضع دموع! ال أحد يعرف كيف يلمس تلك األوتار القديمة التي تهتز حتى في القلوب
األكثر فاسدة :الشرف والحب والصالت العائلية.
مع ألبرت ،أصبح السيد دابورون لطيًفا وودوًدا ،ومليًئا بالرحمNNة الحيNNة .يNNا لألسNNف ،كم يجب أن يعNNاني
هذا الرجل الذي كانت حياته بأكملها كتلة من السNNحر والجمNNال .كيNNف سNNقط كNNل شNNيء حولNNه في لحظNNة
واحدة .من كان يتوقع كNNل هNNذا عنNNدما كNNان هNNو األمNNل الوحيNNد لعائلNNة ثريNNة ومشNNهورة! يتNNذكر المحقNNق
الماضي ويصور له أكثر الذكريات المؤثرة لشبابه ويثير رماد كNل مشNاعره المنطفئة .واسNتغل كNل مNا
يعرفه عن حياة السجين وعذبه باإلشارات األكثر حزًنا إلى كلير .لماذا يصر على تحمل مصيبته الكبيرة
وحده؟ أليس لديه أحد في العالم يعتبر الشركة مصدر سعادته؟ لمNNاذا هNNذا الصNNمت المعNNترض؟ أال يجب
عليه أن يسارع لتطمئنها التي تعتمد حياتها على وجوده؟ ما هو الضروري لNNذلك؟ كلمNNة واحNNدة فقNط .ثم
سيكون ،إن لم يكن حًر ا ،على األقل عاد إلى العالم .سيصبح سجنه مأوى صNNالح للسNNكن ،لم يعNNد عزلNNة،
سيزوره أصدقاؤه ،ويمكنه أن يستقبل من يريد رؤيته.
لم يكن المحقق الذي يتحدث بعد اآلن ،بل كان والًدا ،الذي يحتفظ في أعماق قلبه بأكبر قNNدر من التسNNامح
تجاه طفله ،مهما حدث.
وفعل السيد دابورون المزيد من ذلك .للحظNNة تخيNNل نفسNNه في موقNNف ألNNبرت .مNNاذا سNNيفعل بعNNد الكشNNف
المروع؟ بالكاد يجرؤ على سؤال نفسه .فهو يفهم الدافع الذي دفع إلى قتل أرملة لوروج ،ويمكنه تفسNNيره
لنفسه ،ويمكنه تبريره تقريًبا( .فخ آخر ).كان بالتأكيد جريمة كبيرة ،ولكنها لم تكن بشNNعة بNNأي شNNكل من
األشكال للضمير أو العقل .إنها واحدة من تلك الجرائم التي يمكن للمجتمع ،إذا لم ينساها ،على األقNNل أن
يغفرهNا إلى حNد مNا ،ألن الNدافع لم يكن مخزًي ا .أي محكمNة لن تجNد ظروًف ا مخففNة للحظNة من الجنNون
المبرر .باإلضافة إلى ذلك ،أليس الكونت دي كومارين هوأكثر إثًم ا من االثنين؟ أليست جنونه هو الNNذي
أعد الطريق لحدوث هذا الحدث الرهيب؟ إن ابنه كان ضحية القدر ويستحق أقصى درجات الشفقة.
تحدث السيد دابورون لفترة طويلة حول هذا الموضوع ،يبحث عن أشياء مناسNNبة في رأيNNه إليقNNاف قلب
القاتل المتحجر .ووصل دائمًا إلى نفس االستنتاج -حكمة االعتراف .لكنه أضاع بالغته تماًم ا كمNNا فعNNل
السيد تاباريه قبلNNه .لم يبNNد ألNNبرت أي تNNأثير .كNNانت إجاباتNNه قصNNيرة .بNNدأ وانتهى كمNNا في المNNرة األولى،
بالتأكيد على براءته.
ومن المقرر تجريب اختبار واحد ،الذي غالبًا ما يعطي النتيجة المرجوة.
في نفس اليوم ،يوم السبت ،وضع ألبرت أمام جثة أرملة لوروج .بدا متأثًرا بNNالمنظر الحNNزين ،لكن ليس
أكثر مما يكون أي شخص ،إذا اضطر للنظر إلى ضحية اغتيال بعد أربعNNة أيNNام على الجريمNNة .وأجNNاب
أحد المتفرجين الذين صرخوا" :أه ،لو كانت تستطيع التحدث!" "هذا سNيكون حظًNا كبNيرًا بالنسNبة لي"،
أجاب ألبرت.
منذ الصباح ،لم يحقق السيد دابورون أي مكسب .كان عليNNه أن يعNNترف بفشNNل مناوراتNNه .ولم تنجح هNNذه
المحاولة األخيرة أيًض ا .استمرار هدوء المسجون مأل زيNNادة غضNNب هNNذا الرجNNل الNNذي كNNان متأكًNNدا من
ذنبه .كانت حقده واضحة للجميع ،عندما أمر بشدة بإعادة المسجون إلى زنزانته.
ربما ندم على تلك األدوات اللطيفة للتحقيق في العصور الوسNNطى ،الNNتي اضNNطرت المسNNجون لقNNول مNNا
يريدون سماعه .لم يلتِق أحٌد مثل هذا الجاني من قبل ،فماذا يمكنه أن يأمل بعقالنية في نظامه الذي ينكر
بشكل مستمر؟ هذا العناد السخيف في وجود دالئل مطلقة ،دفع المحقق إلى غضب شديد .إذا كان ألNNبرت
قد اعترف بذنبه ،فسيجد السيد دابورون نفسه متسامًح ا معه ،لكن بما أنه نفى ذلك ،فقد تعارض مع عNNدو
ال يرحم.
كانت كذبة الموقف نفسها التي أضلت وأعمت هذا القاضي الذي كان طبيعًيا لطيًفا وكريًم ا .فقNNد أراد في
السابق أن يثبت براءة ألبرت ،ولكنه اآلن يرغب بشدة في إثبات إدانته ،ولمئة سبب ال يسNNتطيع تحليلهNNا.
تذكر جيًدا أنه كان ينافس الفيكونت دي كوماران ،وأنه كاد يقتله .هل لم يتوب حتى الندم على توقيع أمر
االعتقال وقبول مهمة التحقيق؟ كما أن تغيير رأي السيد تاباريه الذي لم يفهمه جيًدا ،أثار لديه الكثير من
القلق.
جميع هذه المشاعر دفعت السيد دابورون إلى الكراهية والتحريك في المسار الNNذي اختNNاره .أصNNبح اآلن
أقل ما يبحث عنه هو إثبات إدانة ألبرت وأكثر ما يريده هو تبرير سلوكه كقاٍض .أصبح التحقيNق ُم رهًق ا
كما لو كان شأًنا شخصًيا.
في الواقع ،إذا كان المسجون بريًئا ،فإنه سيصبح ال ُيبرر في عينيه .وبقدر مNNا يلNNوم نفسNNه بشNNدة ،وينمNNو
الوعي بعيوبه ،يشعر بالمزيNNد من التمايNNل لتجربNNة كNNل شNNيء للفNوز على منافسNNه السNNابق ،حNNتى يسNNيء
استخدام سلطته .دفعته منطق األحداث للتحريك .يبدو أن شرفه نفسه في خطر ،وعرض نشاًطا شNNغوًفا،
كما لم يكن يظهره في أي تحقيق من قبل.
قضى السيد دابورون يوم األحد كله في االستماع إلى تقارير المحققين الذين أرسلهم إلى بوجيفNNال .قNNالوا
إنهم لم يدخروا جهًدا ،لكنهم لم يتمكنوا من اإلبالغ عن أي شيء جديد .سمعوا من العديNNد من األشNNخاص
حديًثا عن امرأة تدعي أنها رأت القاتل يغادر منزل أرملة لوروج ،ولكن لم يتمكن أحNNد من تحديNNد هويNNة
هذه المرأة أو حتى إعطائهم اسمها.
على الرغم من ذلك ،اعتبروا أنه من واجبهم إبالغ القاضي بأن تحقيًقا آخر يجري في نفس الوقت .كNNان
تحت إشراف السيد تاباريه ،الذي جاب البالد بسرعة كبيرة في عربة مجهزة بحصNNان سNNريع جًNNدا.يجب
أن يكون قد تصرف بسرعة كبيرة ،حيث كان يظهر في كل مكان قبلهم .يبدو أن لديه عشرة رجال تحت
أوامره ،وأربعة منهم على األقل كانوا ينتمون بالتأكيد إلى شارع القدس .التقوا جميًعا به ،وتحNNدث معهم.
ألحدهم ،قال" :مNNا هNNو هNNذا الصNNورة الNNذي تعرضNNونه؟ في أقNNل من ال شNNيء ،ستحصNNل على حشNNد من
الشهود ،الذين سيوصفون شخًص ا يشبه الصورة أكثر من الصورة نفسها ،وذلك لكسب ثالثة فرنكات".
التقى بشخص آخر على الطريق السريع وضحك عليNNه ،فقNNال لNNه" :أنت رجNNل بسNNيط ،تبحث عن رجNNل
مختبئ على الطريق السريع .انظر جانًبا قليًال ،وربما تجده" .ثم تحدث إلى شخصين كانا مًع ا في مقهى
في بوجيفال وأخذهما جانًبا ،وقال لهما" :لقد وجدته ،إنه رجل ذكي ،جاء عن طريق شNNاتوا .رأتNNه ثالثNNة
أشخاص ،اثنان من حمالي القطارات والشخص الثالث الذي سيكون شNNهادته حاسNNمة ،ألنNNه تحNNدث إليهNNا
وكان يدخن" .أصبح السيد دابورون غاضبًا للغاية من السيد تاباريه العجوز ،حتى بدأ األول في الNNذهاب
إلى بوجيفال ،مصمًم ا بقوة على إعادة الرجل الحريص جًدا إلى باريس ،واإلبالغ عن سلوكه في المكان
المناسب .لكن الرحلة كانت عبثية ،حيث اختفى السيد تاباريه والعربة والحصان السريع والرجال االثني
عشر ،أو على األقل لم يتم العثور عليهم .وعند عودته إلى المNNنزل ،وهNNو متعب للغايNNة وليس في مNNزاج
جيد ،وجد القاضي المحقق تلغراًفا من رئيس قوة المخNNبرين ينتظNNره ،كNNان مختصًNNرا ومNNوجًز ا" :روان،
األحد .تم العثور على الرجل ،هذا المساء سننطلق إلى باريس ،وهناك شهادة قيمة جًدا .جيفرول".
الفصل 15
في صباح يوم اإلثنين ،في الساعة التاسعة ،كان السيد دابورون يستعد للذهاب إلى قصر العدل ،حيث
كان يتوقع العثور على جيفرول ورجله ،وربما تاباري القديم .كانت تحضيراته تقترب من االنتهاء
عندما أعلن خادمه أن فتاة صغيرة ،برفقة أخرى كبيرة في السن ،ترغب في الحديث معه .رفضت الفتاة
الكشف عن اسمها ،مؤكدة أنها لن ترفض ذلك إذا كان ذلك ضروريًا للحصول على استقبال.
"أدخلهما" ،قال القاضي.
ظن أنها قد تكون قريبة من أحد المتهمين الذين كانت قضيتهم تحت يديه عند وقوع هذه الجريمة
الجديدة .قرر إرسالها بعيدًا بسرعة .كان يقف أمام الموقد يبحث عن عنوان في صحن صيني صغير
مليء ببطاقات الزيارة .عند سماع صوت فتح الباب ،وصوت فستان حريري يتزحلق بجوار النافذة ،لم
يتعب نفسه بالحركة ،ولم يلتفت حتى لينظر .اكتفى بإلقاء نظرة عابرة على المرآة.
لكنه بدأ بالفزع فورًا ،كما لو رأى شبحًا .في حيرته ،أسقط صحن البطاقات ،الذي وقع بصوت عاٍل
على الموقد ،وانشطر إلى ألف قطعة.
"كلير!" تلعثم" ،كلير!"
وكما لو أنه يخشى بالتساوي أن يخدعه التوهم أو أنه فعًال يرى من نطق اسمها ،تحول ببطء.
كانت فعًال اآلنسة دارالنج ،هذه الفتاة الشابة التي كانت عادة ما تكون فخورة ومحتفظة ،قد وجدت
الشجاعة للقدوم إلى منزله وحدها ،أو على األقل كادت تكون كذلك ،ألن معلمتها ،التي تركتها في
الغرفة األمامية ،ال يمكن تمثيلها .كانت تطيع عاطفة قوية ،حيث جعلتها تنسى خجلها العادي.
لم يكن قد ظهرت له بمظهر أكثر جاذبية حتى في الوقت الذي كان يعتبر فيه رؤيتها أكبر سعادة له.
كانت جمالها ،الذي كان يتخفى عادة بواسطة حزنها اللطيف ،مشرقًا والمعًا .كانت مالمحها متحركة
بطريقة لم يرها بها من قبل .في عينيها ،التيأصبحت أكثر إشراقًا بفعل الدموع الحديثة التي لم يمسحها
كليًا ،برزت العزم النبيل .يمكن رؤية أنها تدرك أنها تؤدي واجبًا كبيرًا ،وأنها تؤديه ،إذا لم يكن
بالمرح ،على األقل بالبساطة التي في ذاتها بطولة.
تقدمت بشكل هادئ ورفيع ،ومدت يدها للقاضي بأسلوب السيدات اإلنجليزيات الذي يمكن لبعض
السيدات تقديمه بأناقة" .نحن دائمًا أصدقاء ،أليس كذلك؟" سألت بابتسامة حزينة.
لم يجرؤ القاضي على أخذ اليد العارية التي مدتها لها .لم يلمسها سوى بأطراف أصابعه ،كما لو كان
يخشى من تحريك عاطفته بشكل كبير.
"نعم" ،أجاب بصوت غير واضح" ،أنا دائمًا مخلص لك".
جلست اآلنسة دارالنج في الكرسي الكبير ،الذي كان فيه تاباري القديم قد خطط العتقال ألبرت في
ليلتين سابقتين .وظل السيد دابورون يقف متكئًا على مكتبه.
"هل تعرف لماذا جئت؟" سألت الفتاة الشابة .أجاب باإليماءة باإليجاب.
تخمن نواياها بسهولة شديدة ،وكان يتساءل عما إذا كان سيكون قادرًا على مقاومة الصلوات من فم مثل
هذا .ما هي الطلبات التي ستطلبها؟ ماذا يمكن أن يرفضها؟ لو كان يعلم بذلك مسبقًا ،لما كان قد تجاوز
حالته من الدهشة.
"لقد علمت بالحادث المروع هذا فقط يوم أمس" ،استمرت كلير" ،أعتقدت جدتي أنه من األفضل إخفاؤه
عني ،ولكن بفضل شميدت الوفي ،كنت ال أزال جاهلة بكل شيء .ما أي ليلة قضيتها! في البداية كنت
مرعوبة ،لكن عندما قالوا لي أن كل شيء يعتمد عليك ،تالشت مخاوفي .إنه من أجلي ،أليس كذلك ،أنك
توليت هذه التحقيقات؟ أنت جيد ،أعلم ذلك! كيف يمكنني أن أعبر عن شكري؟"
ما أذالل للقاضي الكريم هذه الشكر الصادقة! نعم ،كان قد فكر في اآلنسة دارالنج في البدايNNة ،لكنNNه منNNذ
ذلك الحين ...لقد انحنى رأسه لتجنب نظرة كلير ،النقية والجريئة" .ال تشNNكرينني ،آنسNNة" ،تلعثم" ،ليس
لي حق الذي تفكرين به في شكرك" .لم تالحظ كلير اضطراب القاضNNي في البدايNة؛ لكن تذبNذب صNNوته
جذب انتباهها ،لكنها لم تشتبه بالسبب .اعتقدت أن وجودها يذكره بذكريات حزينة ،وأنه يحبهNNا بالتأكيNNد،
وأنه يعاني .هذه الفكرة حزنتها ومألتها بالندم" .ومع ذلك ،سNNيدي" ،اسNNتمرت كلNNير" ،أشNNكرك على أي
حال .قد ال أجرؤ على الذهاب إلى قاض آخر ،للتحدث إلى شخص غريب.
بينما أنت ،كريٌم جًدا ،ستطمئنني ،وتخبرني بسبب اعتقاله الخاطئ وإلقائNNه في السNNجن كNNالمجرم"" .آه!"
تنهNد القاضNي بصNوت منخفض جًNدا ،لم تسNمعه كلNير بشNكل واضNح ،ولم تفهم معNنى الNردة المروعNة.
"معك ،لست خائفة .أنت صديقي ،قلت لي ذلك ،ولن ترفض طلباتي .اعطNNه حريتNNه بسNNرعة .ال أعNNرف
بالضبط ما هو االتهام الموجه له ،لكني أقسم لك بأنه بريء".
تحدثت كلير بطريقة إيجابية تماًم ا كمن ال يNNرى أي عقبNNة في الرغبNNة البسNNيطة والطبيعيNNة الNNتي عNبرت
عنها .يجب أن يكون التأكيد الرسمي الNNذي قدمتNNه كافًي ا بمNNا فيNNه الكفايNNة .بكلمNNة واحNNدة ،سيصNNلح السNNيد
دابورون كل شيء .كان القاضي صامًتا .كان يعجبNNه هNNذا الجهNNل المقNNدس بكNNل شNNيء ،والثقNNة الطفوليNNة
الصادقة التي لم تشكك في شيء .بدأت بجرحه ،بطريقة غNNير مقصNNودة ،إال أنNNه نسNNي ذلNNك تماًم ا .كNNان
بالفعل رجاًل مستقيًم ا ،صالًح ا كأفضل الناس ،كما يثبت ذلك حقيقNة أنNه يرتعNد في لحظNة كشNف الحقيقNة
المأساوية.
تردد في نطق الكلمات التي ستقلب بالعاصفة المنشودة هذا الصرح الهش من سعادة هذهالفتاة الصغيرة.
كان يتردد في إخبارها بالحقيقة المروعة ،وهNو الNذي كNان مNذاًل ومحتقًNرا ،كNان سNينتقم اآلن ،ولكنNه لم
يشعر بأي شعور من الرضا الخجول ،وهو شعور يفهم بسهولة.
"وإذا قلت لِك ،آنسة "،بدأ القاضي" ،أن السيد ألNبرت ليس بريًئ ا؟" رفعت كلNير نفسNها بلغNة اعNتراض.
واصل القاضي" :إذا قلت لِك إنه مذنب؟" "يا إلهي ،سيدي!" قاطعت كلNير" ،ال يمكنNك التفكNير بNذلك!"
"أنا أفكر بذلك ،آنسة" ،صرخ القاضي بصوت حزين" ،ويجب أن أضيف أنني متأكد بشكل معنNNوي من
ذلك ".نظرت كلير إلى القاضي المحقق بدهشة عميقة .هل يمكن حًقا أن يكون هNNو الNNذي يتحNNدث هكNNذا؟
هل سمعته بشكل صحيح؟ هل فهمت؟ لم تكن متأكدة.
هل أجاب بجدية؟ أم أنه يخدعها بمزحة قاسية وال تليق به؟ هذا ما تساءلت عنه دون أن تعرف ما تفعلNNه
بالضبط؛ ألن كل شيء يبدو ممكًنا ومحتمًال ،بدًال من ما قاله.
وبينما ال يجرؤ القاضي على النظر إليها ،استمر في الحديث بصوت يعبر عن أعمNNق مNNدى من الشNNفقة:
"أعاني بشدة من أجلك في هذه اللحظة ،آنسNNة .ولكن لNNدي الشNNجاعة الحزينNNة ألخNNبرك بالحقيقNNة ،ويجب
عليك أن تجمعي شجاعتك لسNNماعها .من األفضNNل بكثNNير أن تعNNرفي كNNل شNNيء من صNNديق .فعليِNك بNNأن
تجمعي كل شجاعتِك وتقوي روحِك النبيلة ضد الكارثة الرهيبة.
ال ،ال يوجد خطأ .لم يخدع العدل .يتهم الوزير دو كومارين بجريمة قتNل ،وكNل شNيء ،وأنِت تفهمينNني،
يثبت أنه ارتكبها ".كما يفعل الطبيب الذي يصب الدواء الخطير قطرة بقطرة ،نطق السيد دابورون هNNذه
الجملة األخيرة ببطء ،كلمة بكلمة .وراقب بعناية النتيجة ،مستعًدا للتوقف عن الحديث إذا كانت الصNNدمة
كبيرة جًدا .لم يكن يتصور أن هذه الفتاة الشابة ،الخجولة للغاية ،بحساسية تقريًبا كمرض ،ستكون قNNادرة
على سماع هذا الكشف الرهيب دون تحرك .كان يتوقع انفجاًرا من اليأس ،والدموع ،والصNNراخ المNNؤلم.
ربما تفقد الوعي ،وكان مستعًدا الستدعاء السيد شميدت الجدير بالثقة.
كان مخطًئا .رفعت كلير نفسها بكامل طاقتها وشجاعتها .أشرقت خديها بلون الغضب وجففت دموعها.
"هذا كذب!" صاحت" ،والذين يقولون ذلك كذابون! ال يمكن أن يكون ...ال ،ال يمكن أن يكون قاتًال .لNNو
كان هنا ،سيقول بنفسه 'إنه صحيح' ،فأنا سأرفض أن أصدقه ،وسأصرخ بأنه كذب!"
"لم يعترف بعد" ،استمر القاضي المحقق" ،ولكنه سيعترف .حNNتى لNNو لم يعNNترف ،هنNNاك الم المزيNNد من
األدلة مما يكفي إلدانته .االتهامات ضده ال يمكن إنكارها ،تماًم ا كما ال يمكن إنكار شمس تشرق علينا".
"أهـــا!" قاطعت آنسة دارالنج بصNNوت مليء بالعاطفNNة" ،أنNNا أؤكNNد ،وأكNNرر ،أن العدالNNة تخطئ .نعم"،
أصرت ،رًدا على حركة اإلنكار من القاضي" ،نعم ،إنه بريء .أنا متأكدة من ذلك ،وسأعلن ذلك ،حNNتى
لو انضم إليك العالم كله في اتهامه .أال تNNرى أنNNني أعرفNNه بشNNكل أفضNNل حNNتى من نفسNNه ،أن إيمNNاني بNNه
مطلق ،تماًم ا كإيماني باهلل ،وأنني سأشك في نفسي قبل أن أشك فيه؟"
حاول القاضي المحقق االعتراض بخجل ،لكن كلير قاطعته بسرعة.
"أليست يجب علي إثبNNات ذلNNك لNNك ،سNNيدي" ،قNNالت" ،أنسNNى أنNNني فتNNاة صNNغيرة ،وأنNNني ال أتحNNدث إلى
والدتي ،ولكن إلى رجل! من أجله ،سأفعل ذلNNك .لقNد حبينNNا بعضNNنا البعض منNNذ أربNNع سNNنوات ،سNNوًيا لم
نخفي أي من أفكارنا عن اآلخر ،لم يخفي عني أي من أفكاره .لم يكن هناك سNNر خالل األربNNع سNNنوات،
عاش فَّي وأنا عشت فيه .أنا وحِد ي التي أستطيع أن أقول كم هو جدير بالحب ،أنNNا وح ِNد ي الNNتي أعNNرف
كل تلك الروح العظيمة ،والفكر النبيل ،والمشاعر الكريمة التي جعلتم منNNه قNNاتًال .ولقNد رأيتNNه ،أيهNNا هللا!
حزيًنا جًدا ،بينما يحسد الجميع على حاله .هو ،مثلي ،وحيد في العالم؛ لم يحبNNه أبNNوه قNNط.وبNNدعم بعضNNنا
البعض ،مررنا بأيام عديدة من الحزن ،وفي الوقت الذي تنتهي فيه تلك التجارب ،أصبح جريمة؟ لمNNاذا؟
قل لي ،لماذا؟"
"ال يمكن للكونت دو كوماران ،مادموازيل ،أن يNNورث اسNNمه أو ثروتNNه ،وجNNاء علم ذلNNك عليNNه بصNNدمة
مفاجئة .كان هناك سيدة عجوز واحدة فقط قادرة على إثبات ذلك .وللحفاظ على موقعه ،قتلها".
"ما هذه الخسة "،صاحت الفتاة الشابة" ،ما هذا االفتراء الشائن والمشين! أعلم ،يNNا سNNيدي ،تلNNك القصNNة
عن السقوط من العظمة؛ فهو من أخNبرني بهNا .صNNحيح ،أن هNذا الحادثNة أثNرت عليNه لمNدة ثالثNة أيNام،
وأفزعته؛ لكنه إذا كان يشعر بالهلع ،فإنه كان ذلك بسببي أكثر من نفسNNه .كNNان محبًط ا ألنNNه يعتقNNد أنNNني
ربما أشعر باألسى ،عندما اعترف لي بأنه لم يعد قادًر ا على إعطائي كل ما يحلم به حبه .أشعر باألسى؟
أهـــا ،ما الذي يعنيه بالنسبة لي هذا االسم العظيم وهNNذه الNNثروة الضNNخمة؟ لقNNد أسNNفرت عن أكNNبر حNNزن
عرفتNNه .هNNل كNNان يحببهNNذا الشNNيء؟ هكNNذا كNNان ردي عليNNه ،ثم عNNاد إلى فرحتNNه .وشNNكرني قNNائًال' ،أنِت
تحبينني؛ والباقي ليس ذو أهمية' .وبعد ذلك ،انتهى األمر .وأنت ،تّد عين بعد ذلك ،أنه قتل الجبانة بدوافع
خسيسة؟ لن تجرؤ على تكرار ذلك".
وقفت آنسة دارالنج عن الكالم ،وابتسمت بنصرة على شفتيها .كانت تلك االبتسامة تعني "أخيًرا وصلت
إلى هدفي :لقد هزمتك ،فما الذي يمكنك أن ترد على كل ما قلته؟".
لم يترك القاضي المحقق الفتاة الشابة على وهمها السعيد لفترة طويلة .لم يدرك مNNدى قسNNوة واسNNتفزازية
إصراره .كانت نفس الفكرة السائدة دائًم ا! ففي إقناع كلير ،سيبرر سلوكه لنفسه.
"إنك ال تعرفين ،مادموازيل ،كيف يؤثر الحادث المفاجئ على عقل اإلنسNNان الطيب .فقNNط عنNNدما يفوتنNNا
شيء ما ،نشعر بعظمة الخسارة .أبعNNد هللا عNNني شNNك في كNNل مNNا قلِت ه ،ولكن تخيلي حجم الصNNدمة الNNتي
أصابت بها الكونت دو كوماران .هNل يمكنِNك القNول أنNه لم ينهNار في اليNأس بعNد مغادرِت ك؟ فكNري في
المدى الذي يمكن أن يتطلبه األمر .ربما كان مشوًش ا لفترة من الوقت ،وقد تصرف بال وعي .ربمNNا هNNذا
هو السبب الذي يجب شرح الجريمة به".
اصفر وجه مادموازيل دارالنج وأظهرت الرعب الشديد الذي ينتابها .اعتقد القاضي أن الشNNك بNNدأ يNNؤثر
على اعتقادها النقي والنبيل.
"يجب أن يكون مجنوًنا "،همست.
"ربما "،أجاب القاضNNي" .ومNNع ذلNNك ،تNNدل الظNNروف المحيطNNة بالجريمNNة على وجNNود خطNNة مدروسNNة.
فاعتقدني ،يا مادموازيل ،وال تكني متأكدة جًدا .صلي وانتظNNري بصNNبر نتيجNNة هNNذه المحاكمNNة الرهيبNNة.
استمعي إلى صوتي ،فهو صوت صديق .كنِت تثقين بي كما تثق االبنة بأبيها ،كمNا قلِت؛ لNذا ال ترفضNي
نصيحتي .ابقي صامتة وانتظري .اخفي حزنك تجاه الجميNNع؛ ربمNNا تنNNدمين في المسNNتقبل على تعرضNNك
لهذا األمر .كنِت شابة ،بال خبرة ،بال دليل ،بال أم ،ألم! لقد وضعِت أول عواطفك في المكان الخطأ".
"ال ،سيدي ،ال" ،تلعثمت كلNير" .أهـــا!" أضNNافت" :تتحNدث كالبNاقين في العNالم ،ذلNك العNالم الحNذر
واألناني الذي أحتقره وأكرهه".
"يا طفلة الفقراء" ،واصل السيد دابيرون ،ال يNNرحم حNNتى في شNNفقته" ،الفتNNاة الشNNابة األلمانيNNة! هNNذا هNNو
الخداع األول لك! ال شيء يمكن تصوره أكثر رعًب ا ؛ قليالت من النسNNاء سNNتعرفن كيفيNNة تحملNNه .لكنِNك
شابة ،شجاعة ،لن يتم تدمير حياتNNك .في المسNNتقبل ستشNNعرين بNNالرعب تجNNاه هNNذه الجريمNNة .ليس هنNNاك
جرح ،أعرف ذلك بالخبرة ،الذي ال يمكن أن يشفى بمرور الوقت".
حاولت كلير فهم ما يقوله القاضي ،لكن كلماتNه وصNNلت إليهNا كأصNNوات مشوشNة ،وفهمهNا تماًم ا هNرب
منها.
"ال أفهمك ،سيدي" ،قالت" .ما هي النصيحة التي تقدمها لي؟"
"النصيحة الوحيدة التي توجهها العقل ،والتي يمكن أن توحي بها مودتي لNNك ،مادموازيNNل .أتحNNدث إليِNك
كأخ طيب ومخلص .أقول لِك ' :كNوني شNجاعة ،كلNير ،اتقبلي أصNNعب وأكNبر التضNNحيات الNتي يمكن أن
تطلبها الشرف من فتاة صغيرة .ابكي ،نعم ،ابكي لحبِك الخدوش ،لكن انسيه .صلي للسماء لتساعدك في
ذلك .الذي أحببِته لم يعد يستحقِك ".
توقف القاضي مذعوًرا قلياًل .أصبحت مادموازيل دارالنج شاحبة.
لكن على الرغم من ضعف الجسد ،ال يزال الروح قوية.
"قلت للتو" ،همست " ،أنه لم يسNNتطع ارتكNNاب هNNذه الجريمNNة إال في لحظNNة من التشNNتت ،في نوبNNة من
الجنون؟"
"نعم ،هذا ممكن".
"إذن ،سيدي ،ال يمكن أن يكون مذنًبا إذا لم يعرف ما فعله".
نسي المحقق القضائي سؤااًل مزعًجا معيًنا طرحه على نفسه صباًح ا في السرير بعد مرضه.
"ال يمكن للعدالة وال للمجتمع ،مادموازيل" ،أجاب "أن يأخذا ذلNNك في االعتبNNار .يمكن هلل وحNNده الNNذي
يNNرى في أعمNNاق قلوبنNNا أن يحكم ويقNNرر تلNNك األسNNئلة الNNتي يجب على العدالNNة اإلنسNNانية تجاوزهNNا .في
أعيننا ،السيد دي كومارين مجNرم .يمكن أن تكNون هنNاك بعض الظNروف التخفيفيNة لتخفيNف العقوبNة ،
ولكن التأثير األخالقي سيكون هو نفسه .حتى لو تم تبرئته ،وأتمنى أن يحدث ذلك ،ولكن بNNدون أمNNل ،
لن يكون أقل جدارة .سيحمل دائًم ا العار ،واللوم من تسفيه الدم بشكل جبان .لذلك انسيه".
أوقفت مادموازيل دارالنج القاضي بنظرة تعبيرية تعبر عن الحقد الشديد.
"أيعNNني ذلNNك" ،صNNاحت " ،أنNNك تنصNNحني بتركNNه في بالء حالNNه .يتخلى عنNNه الجميNNع ؛ وتنصNNحني
بالتصرف مع العالم .يتصرف الرجال على هذا النحو ،كما سمعت ،عندما يسقط أحNNد أصNNدقائهم ؛ لكن
النساء ال يفعلن ذلك أبًدا .انظر حولك؛ مهما كان من مذلة ،ومهما كانت الشقاء ،ومهما كان منخفًض ا ،
ستجدين دائًم ا امرأة بجانبه لتسانده وتعزيه .عندما يأخذ آخر األصدقاء الرحيل بشNNجاعة ،ويتركNNه آخNNر
األقارب ،فإن المرأة تبقى".
ندم القاضي على أنه تم إغراؤه ربما قليًال جًدا .أخافته إثارة كلير .حاول إيقافها ولكن دون جدوى.
"قد أكون خائفة" ،واصNNلت بزيNNادة طاقتهNNا" ،ولكنNNني لسNNت جبانNNة .اخNNترت ألNNبرت بشNNكل طNNوعي بين
الجميع .مهما حدث ،لن أتخلى عنه أبًدا .لن أقول أبًدا 'أنNNا ال أعNNرف هNNذا الرجNNل' .لقNNد أعطNNاني نصNNف
ثروته ونصف مجده .سأشارك ،سواء أراد ذلك أم ال ،نصف عاره ومصNNيبته .سNيكون العبء أقNNل بين
اثNنين .ضNرب! سأتمسNك بNه بشNدة حNتى ال يصNل إليNه أي ضNربة دون أن تصNل إلي أيًض ا .تنصNحني
بنسيانه .فعلمني كيف .هل يمكنني أن أنساه؟ ولو أردت؟ ولكن ال أريد ذلك .أحبه .لم يعد بوسعي التوقف
عن حبه كما ال يمكنني إيقاف نبض قلبي بالجهد الوحيد .هو سجين ،متهم بالقتل .لذلك ،أحبه .هو مذنب!
فماذا عن ذلNNك؟ أحبNNه .سNNتدينه ،ستشNNوه سNNمعته .مNNدان ومشNNوه ،سNNأحبه مNNا زلت .سترسNNله إلى سNNجن
األشغال الشاقة .سأتبعه ؛ وفي السجن ،تحت زي المسجون ،سNNأحبه بعNNد .إذا سNNقط في قعNNر الهاويNNة ،
سأسقط معه .حياتي هي له ،فليتصرف بها كيفما يشNNاء .ال شNNيء سيفصNNلني عنNNه ،سNNوى المNNوت! وإذا
كان عليه أن يصعد إلى منصة اإلعدام ،فسأموت ،أعرف ذلك ،من الضربة التي تقتله".
كان السيد دابورون يخفي وجهه في يديه .لم يرغب في أن تالحNظ كلNير أي أثNر من العاطفNة الNتي تNأثر
بها.
"كم تحبه!" فكر" ،كم تحبه!"
كان عقله غارًقا في أسوأ األفكار .كانت جميع أشواك الغيرة تمزقه .ما هي فرحته إذا كان هو هو الهدف
لعاطفة ال يمكن مقاومتها مثل تلNك الNتي انNدفعت قبلNه! مNاذا لن يعطي بالمقابNل! لديNه أيًض ا روح شNابة
وحماسية ،وعطش محترق للحب .ولكن من كان يفكر في ذلك؟ كان محترًم ا ومحترًم ا ،وربمNNا مخيًف ا،
ولكنه لم يكن محبوًبا ،ولن يكون أبًدا .فهل هو غير مستحق للحب؟ لماذا يمر الكثيرون من الرجال عNNبر
الحياة بال حب ،في حين يبدو أن بعض الكائنات األشنع يمتلكون قوة غامضة ،تسحر وتغوي ،وتلهم تلك
المشاعر العمياء والمتهورة التي تسعى للتأكيد على نفسها وتتسابق للتضحية بكل مNNا لNNديها؟ هNNل للنسNNاء
أي سبب ،أي تمييز؟
جلبت صمت مادموازيل دارالنج القاضي مرة أخرى إلى الواقع .رفع عينيه إليها .منهNNارة بسNNبب عنNNف
عاطفتها ،اضطربت في كرسيها وكNانت تتنفس بصNعوبة بحيث خشNى السNيد دابNورون أن تفقNد وعيهNا.
تحرك بسرعة نحو الجرس ليستدعي المساعدة ،لكن كلير الحظت الحركة ومنعته.
"ماذا تفعل؟" سألته.
"بدا أنك تعاني كثيًر ا" ،تلعثم" ،لذلك "...
"ال شيء يا سيدي" ،أجابت هي" .قد أبدو ضNNعيفة ،لكNNني لسNNت كNNذلك .أنNNا قويNNة ،صNNدقني ،قويNNة جNNدًا.
صحيح أني أعاني ،كما لم أكن أعتقد أن أحNNدًا يمكن أن يعNNاني بهNNذا القNدر .إنNNه قNNاٍس على فتNNاة شNNابة أن
تضطر للقيام بعنف على كل مشاعرها .يجب أن تكون راضيًا ،يا سيدي .لقد نزعت كل األقنعة ،وقرأت
حتى أعمق أركان قلبي .لكنني ال أندم على ذلك؛ كان من أجله .ما أندم عليه هو أنني خفضت نفسNNي إلى
هذا الحد ألدافع عنه .لكنه سيغفر لي هذا الشNNك الوحيNNد .لقNNد أخNNذتني تأكيNNداتك بالمفاجNNأة .رجNNل مثلNNه ال
يحتاج إلى الدفاع؛ يجب إثبات براءته ،وبمساعدة هللا ،سأثبت ذلك".
بينما كانت كلير ترتفع نصف االرتفاع لالنصراف ،احتجزها السيد دابورون بإيماءة .في عميه ،ظن أنNه
سيفعل خطأ بترك هذه الفتاة الشابة المسكينة تتعرض ألي ضالالت .بعد أن بNNدأ األمNNر ،أقنNNع نفسNNه بNNأن
واجبه يأمره بالتقدم حتى النهاية .فكر في نفسه ،بكل صدق ،أنNNه بهNNذا الشNNكل سNNيحمي كلNNير من نفسNNها،
ويوفر لها في المستقبل العديد من الندم المرير .الجراح الNNذي يبNNدأ عمليNNة مؤلمNNة ال يتركهNNا نصNNفها ألن
المريض يتلوى ويعاني ويصرخ.
"إنه مؤلم ،اآلنسة "-بدأ يقول السيد دابورون .لم تدعه كلير ينتهي.
"كفى يا سيدي" ،قالت" :كل ما يمكنك قوله لن يفيدني .أحترم قناعتك المؤلمة .أطلب بNNدوري منNNك نفس
االحترام لقناعتي .إذا كنت صديقي حقًا ،فسأطلب منك المساعدة في مهمة إنقاذه التي سأكرس نفسي لها.
ولكن بال شك ،لن تفعل ذلك".
"إذا كنت تعرفين األدلة التي أملكها ،اآلنسة" ،قال بصوت بارد يعبر عن عزمه عدم االنحياز للغضNNب،
"إذا أفصحت لك عنها ،فلن تأملي بعد ذلك".
"إذا فأنت تتهمني بالكذب ،سيدي .اعلم أنه لو كنا مجرمين ،لم ننزل لتبرير أنفسنا ،ولم نتوسNNل أو نطلب
الغفران".
كان النبرة الفاتنة والمزدوجة لآلنسة دارالنج ال يمكن أن تثNNير غضNNب القاضNNي .كم كNNانت قاسNNية معNNه!
وفقط ألنه لم يوافق على أن يكون غبًيا لديها.
"قبل كل شيء ،مادموازيل" ،أجاب بحزم" ،أنا قاٍض ،وعلي أن أؤدي واجبي .تم ارتكاب جريمة ،وكل
شيء يشير إلى أن السيد ألبرت دو كوماران هو المNNذنب .أعتقلNNه ،وأفحصNNه ،وأجNNد أدلNNة سNNاحقة ضNNده.
تأتين وتقولين إنها كاذبة؛ هذا ليس كافًيا .طالما أنك تخاطبني كصديق ،فسوف تجدني لطيًفا وودوًدا .لكن
اآلن األوان أن تخاطبي القاضي ،وهو الذي يجيب" :أثبتي ذلك"".
"كلمتي ،سيدي "،قالت اآلنسة دارالنج ببطء" .اثبت ذلك!"
ارتفعت اآلنسة دارالنج ببطء ،وألقت نظرة مليئة بالدهشة والشك على القاضي.
"أتريد حًقا ،سيدي ،أن تجد ألبرت مذنًبا؟ هل يمنحك ذلك متعNNة كبNNيرة إلدانتNNه؟ هNNل تكNNره هNNذا السNNجين
الذي يقع مصيره في يديك؟ يمكن للمرء أن يفكر بذلك .هل يمكنك ضمان عدم تحيزك؟ هNNل تNNزن بعض
الذكريات بشدة في الميزان؟ هل أنت متأكد من أنك ،وبحمل القانون ،ال تنتقم من منافس؟"
"هذا أمر ال يطاق" ،همس القاضي" ،هذا أمر ال يطاق!"
"هل تعرف الموقف غير المعتاد والخطير الذي نحن فيه اآلن؟ يوًم ا مNNا ،تNNذكرت ،أعلنت حبNNك لي .بNNدا
لي صادًقا وصريًح ا ،لمس قلبي .كنت مضطرة لرفضك ألنني أحببت شخًصا آخر ،وشفقت عليNNك .اآلن
يتم اتهام ذلك الشخص اآلخر بالقتل ،وأنت القاضي الخNNاص بNNه؛ وأجNNد نفسNNي بينكمNNا ،أتوسNNل إليNNك من
أجله .بالشروع في التحقيق ،اكتسبت فرصة للمساعدة في إنقاذه؛ ومع ذلك ،يبدو أنك ضده".
كل كلمة تنطق بهNا كلNير تسNقط على قلب السNيد دابNورون مثNل صNفعة على وجهNه .هNل هي حًق ا الNتي
تتحدث؟ من أين جاءت هذه الجرأة المفاجئة التي جعلتها تختار كل تلNNك الكلمNNات الNNتي وجNNدت صNNدًا في
قلبه؟
"آنسة" ،قال القاضي" ،كان حزنك كثيًر ا عليك .يمكنني أن أغفر مNNا قلتNNه للتNNو .جهلNNك بNNاألمور يجعلNNك
ظالمة .إذا كنت تعتقدين أن مصير ألبرت يعتمد على مزاجي ،فأنت مخطئة .أن تقنعNNني ليس شNNيًئا ،إنNNه
ضروري أن تقنع اآلخرين .أن أصدقك هو شيء طNNبيعي جًNNدا ،أنNNا أعرفNNك .ولكن مNNا هي الNNوزن الNNذي
سيعطيه اآلخرون لشNNهادتك ،عنNNدما تNNذهب إليهم بقصNNة حقيقيNNة -حقيقيNNة للغايNNة ،ولكنهNNا غNير مرجحNNة
بشدة؟"
اندمجت الدموعينا كلير بالدموع.
"إذا كنت قد أسأت لك بشكل غير عادل ،يا سيدي" ،قالت" ،فNNأرجوك سNNامحني؛ فحNNزني جعلNNني أنسNNى
نفسي".
"ال يمكنك إساءتي ،آنسة" ،رد القاضي" .لقد قلت لك بالفعل إنني مخلص لخدمتك".
"فمن فضلك ،سيدي ،ساعدني في إثبات صحة ما قلته .سأخبرك كل شيء".
كان السيد دابورون مقتنًعا تماًم ا بأن كلير تسعى لخداعه ،لكن ثقتها أدهشته .تساءل عن األسNNطورة الNNتي
كانت تستعد لصنعها.
"يا سيدي" ،بدأت كلير" ،أنت تعرف ما هي العقبات التي واجهت زواجي من ألبرت .لم يوافق الكNNونت
دو كوماران على قبولي ككنسة ،ألني فقيرة ،ال أمتلNNك شNNيًئا .اسNNتغرق األمNNر من ألNNبرت خمس سNNنوات
لالنتصار على اعتراضات والده .مرتين استسلم الكNNونت؛ مNNرتين سNNحب موافقتNNه ،الNNتي قNNال إنهNNا تمت
بNNاإلكراه .وأخNNيًرا ،قبNNل حNNوالي شNNهر ،قNNدم موافقتNNه بمحض إرادتNNه .ولكن هNNذه الNNترددات والتNNأخيرات
والرفض ألمت بجدية بجدتي .تعرف طبيعتها الحساسة؛ وفي هNNذه الحالNNة ،يجب أن أعNNترف أنهNNا كNNانت
على حق.
على الرغم من أن يوم الزفاف قد ُحدد ،أعلنت المNاركيزة أنNه ال ينبغي علينNا أن نتNورط مNرة أخNرى أو
نضحك عليها بأي عجلة ظNNاهرة للNNزواج بهNNذا الNNزواج المNNربح ،الNNذي تهمنNNا الكثNNير من قبNNل بNNالطموح.
قررت ،بالتالي ،أنه حتى إعالن العرس ،يجب أن ُيسمح أللبرت بالدخول إلى المنزل كل يوم آخNNر لمNNدة
ساعتين في فترة ما بعد الظهر ،وبحضورها.
لم نتمكن من إقناعها بتغيير هذا القرار .هذا هNو حNال األمNور ،عنNدما جNاءت لي في صNباح يNوم األحNد
رسالة من ألبرت .قال لي إن األعمال الهامة ستمنعه من الحضور ،على الرغم من أنه يومه العNادي .مNا
الذي يمكن أن يحدث ليمنعه من الحضور؟ خشيت شيًئا سيًئا .في اليوم التالي ،انتظرته بشغف وانهمNNاك،
عندما أحضر خادمه شميدت رسالة لي .في تلك الرسالة ،يتوسل لي ألبرت بأن أمنحNNه مقابلNNة .فكNNان من
الضروري ،كتب ،أن يكون لدينا محادثة طويلة ،وحده ،ودون تأخير.
وأضاف أن مستقبلنا بأكمله يتوقف على هذه المقابلة .ترك لي تحديد اليوم والساعة ،محًثا على عدم الثقة
بأي شخص .لم أتردد .أرسلت له كلمة لنلتقي مساء الثالثاء ،عند بوابة الحديقة الصغيرة ،التي تفتح على
شارع نائي .إلعالمي بوجوده ،كان عليه أن يطرق الباب عنNدما يNدق سNاعة التاسNعة في اإلنفاليNد .كنت
أعلم أن جدتي قد دعت عNNدًدا من أصNNدقائها في تلNNك الليلNNة ،واعتقNNدت أنNNني يمكنNNني التظNNاهر بالصNNداع
واالنسحاب باكًر ا ،وبالتالي أن أكون حرة .وتوقعت أيًض ا أن السيدة دارالنج ستحتفظ بشميدت معها".
"عNNNNذًرا ،آنسNNNNة" ،قNNNNاطع السNNNNيد دابNNNNورون" ،أي يNNNNوم كتبِت رسNNNNالتِك إلى السNNNNيد ألNNNNبرت؟"
"يوم الثالثاء".
"هل يمكنِك تحديد الوقت؟"
"يجب أنني أرسلت الرسالة بين الساعتين والثالثة بعد الظهر".
"شكًرا لِك ،آنسةُ .يرجى االستمرار".
"تحققت جميع توقعNاتي" ،اسNتمرت كلNير" ،انسNحبت في الليلNة ذاتهNا وذهبت إلى الحديقNة قبNل الموعNد
المحدد.
كنت قد حصلت على مفتاح الباب الصغير ،وحاولت فتحه ،لكن لم أستطع بسبب تلف القفل .حاولت بكل
قواي دون جدوى .كنت يائسة عندما دقت ساعة التاسعة .وفي ذلك الوقت ،طرق السيد ألبرت الباب.
أخبرته بالحادثة ورميت له المفتاح ليحNNاول فتح البNNاب ،لكنNNه لم ينجح .طلبت منNNه تأجيNNل الموعNNد ،لكنNNه
رفض ،مؤكًدا أن األمر مهم وال يمكن تأجيله .تحNNدثنا من خالل البNNاب ،وفي النهايNNة ،أعلن أنNNه سيتسNNلق
الجدار إذا لم أمنعه .لم أجرؤ على الرفض ،وتحدى المخاوف ،وقال إنه سيحاول تسلق الجدار.
كنت خائفة جًNNدا وأرتعش كالورقNNة .لحسNNن الحNNظ ،كNNان السNNيد ألNNبرت نشNNيًطا وتسNNلق الجNNدار بNNدون أي
إصابات .جاء ليخبرني عن الحادثة التي تعرض لها .جلسنا على المقعد الصغير الموجود أمام األشجار،
ثم اتجأنا إلى الكوخ ،حيث تم حمايتنا من المطر.
غادر السيد ألبرت بعد منتصف الليل ،مطمئًنا وسNNعيًدا .عNاد بنفس الطريNNق ،ولكن بشNNكل أقNNل خطNNورة،
حيث استخدم سلم البستاني الذي وضعته بجانب الجدار بعد أن وصل إلى الجانب اآلخر".
أثار هذا الشرح ،الNذي أعطي بأبسNط وأكNثر طريقNة طبيعيNة ،حNيرة السNيد دابNورون .مNاذا كNان يفكNر؟
"آنسNNNNة" ،سNNNNألها" ،هNNNNل بNNNNدأ المطNNNNر يتسNNNNاقط عنNNNNدما تسNNNNلق السNNNNيد ألNNNNبرت الجNNNNدار؟"
"كال ،يا سيدي ،بدأت القطرات األولى تتساقط عندما كنا على المقعد .أتذكر ذلك جيًNدا ،ألنNه فتح مظلتNه
وأنا فكرت في بول وفيرجينيا".
حث المحقق على الحذر الشديد ،واختراع ذريعة معقولة تفسر تحقيقاته.
"هذه" ،قNNال" ،همNNا رسNNالتان يجب عليNNك أن تأخNNذهما إلى كNNاتبي ،كونسNNتان .قNNل لNNه أن يقرأهمNNا وينفNذ
األوامر التي تحتوي عليها على الفور ،فوًر ا ،هل فهمت؟ اركض ،خذ سيارة أجرة ،وكن سريًعا!
أه! كلمة واحدة .إذا لم يكن كونستان في مكتبي ،فليبحث عنه .فهو لن يكون بعيًدا ،ألنNNه ينتظNNرني .اذهب
بسرعة!"
ثم تحول السيد دابورون وقال لكلير" :هل حافظِت على الرسالة ،آنسة ،التي طلب فيها السيد ألبرت هNNذا
المقابلة؟"
"نعم ،يا سيدي ،وأعتقد أنني أحملها معي".
نهضت ،بحثت في جيبها ،وأخرجت ورقة متجعدة كثيًر ا" .ها هي!"
أخذ المحقق الورقNNة .عNبر شNك في ذهنNه .يحNدث أن تكNون الرسNالة المثNيرة للشNك في جيب كلNير بكNل
سهولة ،ومع ذلك ،ال تحمل الفتيات الصغيرات عادة طلبات لمقابالت سرية معهم .في لمحة ،قرأ عشNNرة
أسطر من المذكرة.
"ال تاريخ "،همس" ،ال طابع ،ال شيء على اإلطالق".
لم تسمع كلير كالمه .كانت تحاول بشدة العثور على أدلة أخرى عن المقابلة.
"سيدي" ،قالت فجأة" ،غالًبا ما يحدث ،عندما نرغب في أن نكون ونعتقد أننا وحدنا ،نحن مراقبون على
أي حال .استدِع ،أرجوك ،جميع خدم جدتي ،واستفسر ممن رأوا ألبرت تلك الليلة".
"استفسر من خدمك! هل يمكنك أن تحلمي بشيء كهذا ،آنسة؟"
"ماذا ،سيدي؟ هل تخشى أن يتعرض سري للخطر؟ ما الذي يهم ،إذا كان سيتم إطالق سراحه فقط؟"
لم يستطع السيد دابNورون إال أن يعجب بهNا .مNا هNو الNوالء الرائNع في هNذه الفتNاة الشNابة ،سNواء كNانت
تتحدث الحقيقة أم ال! يمكنه فهم العنف الذي كانت تفعلNNه لمشNNاعرها خالل السNNاعة الماضNNية ،هNNو الNNذي
يعرف شخصيتها جيًدا.
"هذا ليس كل شيء" ،أضافت "المفتاح الذي رميته أللبرت ،لم يعد إلّي .يجب أن يكون نسي ذلك .إذا تم
العثور عليه في حوزته ،فسيثبت جيًدا أنه كان في الحديقة".
"سأعطي األوامر المناسبة بشأن ذلك ،آنسة".
"هناك شيء آخر" ،واصلت كلير" ،بينما أنا هنا ،أرسل شخًص ا لفحص الجدار".
بدت وكأنها تفكر في كل شيء.
"تم فعل ذلك بالفعل ،آنسة" ،رد السيد دابورون" ،لن أخفي عنك أن إحNNدى الرسNNائل الNNتي أرسNNلتها للتNNو
أمرت بفحص جدار جدتك ،فحص سري ،عليك االطمئنان".
ارتفعت كلير بفرح ،وللمرة الثانية وجهت يدها للمحقق.
"أوه ،شكًر ا!" ،قالت "شكًر ا جزيال! اآلن يمكنني أن أرى تماًم ا أنك معي .لكن لدي فكNNرة أخNNرى :يجب
أن يكون ألبرت لديه المذكرة التي كتبتها يوم الثالثاء".
"ال ،آنسة ،أحرقها".
انسحبت كلير ،ظنت أنها شعرت بلمسة من السخرية في رد الفعل المحقNق .لم يكن هنNاك شNيء من هNذا
القبيل .تذكر السيد دابورون الرسالة التي رماها ألبرت في النار يوم الثالثاء بعد الظهر .لم يكن بإمكانهNNا
سNNوى أن تكNNون الرسNNالة الNNتي أرسNNلتها كلNNير إليNNه .كNNانت إليهNNا ،إذن ،تطبNNق عليهNNا عبNNارة "ال يمكنهNNا
مقاومتي" .فهم اآلن اإلجراء والتعليق.
"هل يمكنك فهم ذلك ،آنسة" ،سأل اآلن" ،كيف يمكن للسيد دو كومNNاران أن يحيNNل العدالNNة عن مسNNارها
ويعرضني الرتكاب خطأ مؤسف للغاية ،عندما كان من السهل جًدا أن يخبرني بكل هذا؟"
"يبدو لي ،سيدي ،أن الرجل الشريف ال يستطيع االعتراف بأنه حصل على مقابلة سرية من سيدة ،حتى
يحصل على إذن كامل منها للقيام بذلك .يجب أن يخاطر بحياتNNه بNNدًال من شNNرف من اعتمNNد عليNNه .ولكن
تأكد أن ألبرت اعتمد علّي ".
لم يكن هناك شيء يمكن الرد عليه ،وأعربت كلمات اآلنسة دارالنج عن معنى إحدى إجابات ألNNبرت في
االستجواب.
"هذا ليس كل شيء بعد ،آنسة" ،واصل المحقق "عليك تكرار كل ما قلتيه لي هنا ،في مكتNNبي في قصNNر
العدل .سيقوم كاتبي بتدوين شهادتك ،ويجب عليك التوقيع عليها .هذا اإلجراء سيكون مؤلًم ا بالنسبة لNك،
ولكنه إجراء ضروري".
"آه ،يا سيدي ،سأفعل ذلك بكل سرور .ماذا يمكنني أن أرفض ،وأنا أعلم أنه في السNNجن؟ كنت مصNNممة
على القيام بكل شيء .لو تم محاكمته في المحكمة ،لكنت ذهبت هناك .نعم ،كنت سأذهب ،وأمNNام الجميNNع
كنت سNNأقول الحقيقNNة .بال شNNك" ،أضNNافت بحNNزن" ،لكنNNني كنت سNNأتعرض للكثNNير من المخNNاطر .كنت
سأكون معتبرة بطلة من الرومانسية ،ولكن ما الذي يهم الرأي العام ،واللوم أو الموافقNNة من العNNالم ،وأنNNا
متأكدة من حبه؟"
"هل من الضروري" ،سألت "أن أنتظر عودة عمالء الشرطة الذين يفحصون الجدار؟"
"إذن" ،واصلت بصوت حلو" ،أستطيع فقط التوسل" ،وضعت يديها مًعا" ،أناشدك" ،عيناهNNا تسNNتغيث،
"لتطلقوا ألبرت من السجن".
"أوه ،اليوم يا عزيزي السيد دابورون ،اليNوم ،أرجNوك ،اآلن ،فNNوًرا! بمNا أنNه بNريء ،كن لطيًف ا ،فNNأنت
صديقنا .هل تريد مني أن أنزل على ركبتي؟"
كان يختنق بالعاطفة ،الرجل البائس! أه! كم يتوق ألن يكون محبوًسا مثل السجين!
"ما تطلبينه مني مستحيل ،آنسة" ،قال بصوت شبه غير مسموع" ،غير قابل للتطNNبيق ،على شNNرفي .لNNو
كان يتوقف األمر علي ،لم أستطع ،حتى لو كان مذنًبا ،أن أراك تبكين وأقاوم".
لم تعد اآلنسة دارالنج ،التي كانت حتى ذلك الحين ثابتة ،قادرة على كبح دموعها.
"يا فتاة شقية أنا!" صاحت" ،إنه يعاني ،إنه في السجن ،وأنا حNNرة ،ولكن ال يمكنNNني فعNNل شNNيء لNNه! يNNا
إلهي العظيم! ألهمني بأقوال تالمس قلوب الناس! عنNNدما يجب علي أن ألقي نفسNNي على قNNدمي من أجNNل
الحصول على عفوه؟"
توقفت فجأة ،مفاجأة بأنها قد نطقت بهذه الكلمة.
"عفًو ا!" تكررت بحدة" ،ليس لديه حاجة للعفو .لماذا أنا امرأة فقط؟ هل ال يمكنني أن أجNNد رجال واحNNدا
سيساعدني؟ نعم" ،قالت بعد لحظة من التفكير" ،هنNاك رجNل واحNد يNدين بنفسNه أللNبرت ،ألنNه هNو من
وضعه في هذا الموقف -الكونت دي كومارين .إنه والده ،ومع ذلك ،تخلى عنه .أه ،حسًنا! سأذكره بNNأن
لديه ال يزال ابًنا".
قام المحقق ليصحبها إلى الباب ،لكنها اختفت بالفعل ،ومعها شمت الطيب القلب.
غرق السيد دابورون ،أكثر من األموات ،مرة أخرى في كرسيه .امتألت عيناه بالدموع.
"وهذا هو ما هي عليه!" همس" .آه! لم أصنع اختياًرا سيًئا! لقد تنبNNأت وفهمت جميNNع صNNفاتها الجيNNدة".
لم يحبها كثيًر ا من قبل ،وشعر أنه لن يتعافى أبًدا من عدم حصوله على حبهNNا بالمقابNNل .ولكن في خضNNم
تأمالته ،مرت فكرة مفاجئة مثل البرق عبر عقله.
هل تحدثت كلNNير بالحقيقNNة؟ هNNل لم تكن تلعب دوًرا معًNNدا مسNNبًقا؟ ال ،بالتأكيNNد ال! لكنهNNا قNNد تكNNون قNNد تم
خداعها ،قد تكون الضحية لبعض الخدع الماكرة.
في هذه الحالة ،تحققت تنبؤات تاباري القديمة .كNNان تابNNاري قNNد قNNال" :ابحث عن خNNبر يثبت براءتNNه بال
شNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNك".
كيف يمكنه إظهار كذب هذا الخبر ،المخطNNط لNNه مسNNبًقا ،والNNذي أكNNده كلNNير ،الNNتي تم خNNداعها بNNدورها؟
كيف يمكنه الكشف عن خطة محكمNNة ،حيث اسNNتطاع المسNNجون بال خطNNر االنتظNNار لنتNNائج معينNNة ،مNNع
ذراعيه المطوية ،دون أن يتحرك بنفسه في المسألة؟
تكافح القاضي في خضم صعوبات ال يمكن حلها ،بدون خطة ،بدون فكرة.
فقام.
"أوه!" قال بصوت عاٍل ،كما لو كان يشجع نفسه" ،في البالس ،سيتم فك العقدة".
الفصل 16
تفاجأ السيد دابورون بزيارة كلير.
ولكن السيد دو كوماران كان أكثر تفاجًأ ،عندما همس له خادمه أن اآلنسة دارالنج ترغب في محادثته
لبضع دقائق.
كسر السيد دابورون صحًنا جمياًل للبطاقات ،وأسقط السيد دو كوماران سكينه على صحنه أثناء وجبة
الفطور ،وكما يفعل القاضي ،صرخ "كلير!".
تردد في استقبالها ،خائًفا من مشهد مؤلم ومزعج .فهي ال تمتلك إال مودة ضئيلة جًدا له ،والذي رفضها
لفترة طويلة بعناد .فماذا يريد منها؟ بالطبع لالستفسار عن ألبرت .وماذا يمكن أن يجيبها؟ ربما ستعاني
من هجوم عصبي أو غير ذلك ،وسيبدو مضطرًبا تماًم ا .ومع ذلك ،فكر في مدى معاناتها ،وشفق عليها.
شعر بأنه سيكون قاسًيا وال يليق به أن يبتعد عنها التي كانت ستصبح كاالبنة له ،الفيكونتيسة دو
كوماران.
أرسل لها رسالة ،يطلب منها االنتظار بضع دقائق في إحدى غرف الجلوس الصغيرة في الطابق
األرضي.
لم يجعلها تنتظر طويًال ،حيث تدمر شهيته مجرد إعالن زيارتها .كان مستعًدا تماًم ا ألي شيء مزعج.
عندما ظهر ،حَّياها كلير بإحدى االنحناءات الرشيقة والمهيبة التي تميزت بها ماركيزة دارالنج.
"سيدي" ،بدأت" ،أتيِت ،أليس كذلك ،يا فتاتي الفقيرة ،لتحصلي على أخبار الفتى البائس؟" سأل السيد
دو كوماران.
قاطع كلير وتوجه مباشرة إلى الموضوع ،إلنهاء األمر المزعج بأسرع وقت ممكن.
"ال ،سيدي" ،ردت الفتاة الصغيرة" ،أنا آتية ،بل على العكس ،ألحمل لكم خبًرا .ألبرت بريء".
نظر الكونت إليها بعناية شديدة ،مقتنًعا بأن الحزن أثر على عقلها؛ ولكن في هذه الحالة ،كان جنونها
هادًئا جًدا.
"لم أشك في ذلك أبًدا" ،استمرت كلير" ،لكن اآلن لدي الدليل األكثر إيجابية".
"هل أنِت متأكدة تماًم ا مما تقولين؟" سأل الكونت ،حيث كانت عيناه تفضح شكه.
فهمت اآلنسة دارالنج تفكيره ،بعد لقائها مع السيد دابورون الذي أعطاها تجربة.
"أنا ال أقول شيًئا غير دقيق ،ويمكن بسهولة إثباته .لقد جئت للتو من السيد دابورون ،القاضي المحقق،
الذي يعد أحد أصدقاء جدتي؛ وبعد ما قلته له ،أصبح مقتنًعا بأن ألبرت بريء".
"هل قال لك ذلك ،كلير!" صرخ الكونت" .طفلتي ،هل أنِت متأكدة ،أم أنِك مخطئة؟"
"ال ،سيدي .قلت له شيًئا ال يعرفه أحد ،والذي ال يستطيع ألبرت ،الذي هو شخص أصيل ،الحديث عنه.
قلت له إن ألبرت قضى مساء الجريمة برفقتي في حديقة جدتي .كان قد طلب رؤيتي"...
"ولكن كلمتك لن تكون كافية".
"هناك دليل ،والعدالة لديها هذه األدلة اآلن".
"يا إلهي! هل هذا ممكن حًقا؟" صاح الكونت ،الذي كان يعيش في حالة من الذعر.
"آه ،سيدي!" قالت اآلنسة دارالنج بمرارة" ،أنت مثل القاضي؛ كنت تؤمن بالمستحيل .أنت والده،
وكنت تشك فيه! أنت ال تعرفه ،فكنت تتخلى عنه ،دون أن تحاول الدفاع عنه .آه ،لم أتردد لحظة
واحدة!"
يسهل إقناع اإلنسان بصدق ما يتوق إليه بشدة.
ولم يكن من الصعب إقناع السيد دو كوماران .دون تفكير وال مناقشة ،وثق في تصريحات كلير.
شاركها في قناعاتها ،دون أن يتساءل عما إذا كان من الحكمة أو الحذر القيام بذلك.
نعم ،كان قد تغلب عليه اليقين الذي أعطاه القاضي ،وقال لنفسه إن الشيء األكثر غير محتمل هو
الحقيقة ،وأنحنى رأسه .وكلمة واحدة من فتاة صغيرة قلبت هذا اليقين رأًسا على عقب .ألبرت بريء!
نزل هذا الفكر على قلبه مثل ندى السماء.
ظهرت كلير له كحاملة للسعادة واألمل.
خالل األيام الثالثة األخيرة ،كان قد اكتشف مدى مودته أللبرت .كان يحبه بحنان ،ألنه لم يستطع أبًدا
التخلي عنه ،على الرغم من شكوكه الرهيبة فيما يتعلق بأبوته.
لثالثة أيام ،كاد علم الجريمة المنسوبة البنه الشقي ،وفكرة العقاب الذي ينتظره ،أن تقتل األب .وبعد كل
ذلك ،كان بريئا!
ال مزيد من العار ،وال مزيد من المحاكمات المخزية ،وال مزيد من البقع على الشعار؛ لن يسمع اسم
كوماران في المحاكم.
"ولكن ،إذًا ،اآلنسة" ،سأل الكونت" ،هل سيتم اإلفراج عنه؟"
"آه ،يا سيدي ،طلبت منهم أن يفرجوا عنه فوًر ا .إنه من العدل ،أليس كذلك ،حيث إنه بريء؟ ولكن
القاضي أجاب بأن األمر غير ممكن؛ أنه ليس السيد الرئيس؛ أن مصير ألبرت يتوقف على العديد من
اآلخرين .كان ذلك حينما قررت اللجوء إليكم للمساعدة".
"هل يمكنني القيام بشيء ما؟"
"آمل على األقل ذلك .أنا فقط فتاة فقيرة وجاهلة جًدا ،وال أعرف أحًدا في العالم .ال أعرف ما الذي يمكن
القيام به لتحريره من السجن .يجب ،مع ذلك ،أن يكون هناك وسيلة للحصول على العدالة .ألن تحاول
فعل كل ما يمكن القيام به ،يا سيدي ،أنت ،الذي أنت أبوه؟"
"نعم" ،أجاوب الكونت دو كوماران بسرعة" ،نعم ،ودون فقدان لحظة".
منذ اعتقال ألبرت ،غمر الكونت في غيبوبة مملة .في حزنه العميق ،لم يفعل شيًئا ليتخلص من هذا
الشلل العقلي ،حيث جالس طوال اليوم دون حراك .يبدو أنه يتمتع بحالة تمنعه من الشعور بضخامة
مصيبته .صوت كلير يدوي في أذنه كصوت البوق المحيي لألموات .تبدد الظالم المخيف ،ورأى بريًقا
في األفق ،واستعاد طاقة شبابه.
"لنذهب" ،قال.
فجأة ،تحول الوهج في وجهه إلى حزن ،ممزوًجا بالغضب.
"ولكن إلى أين" ،سأل" ،في أي باب نطرق بأمل النجاح؟ في األوقات القديمة ،كنت أبحث عن الملك.
ولكن اليوم! حتى اإلمبراطور نفسه ال يستطيع التدخل في القانون .سيقول لي لننتظر قرار المحاكم ،أنه
ال يستطيع فعل أي شيء .انتظر! وألبرت يعد الدقائق في ألم مميت! سنحصل بالتأكيد على العدالة،
ولكن الحصول عليها بسرعة هو فن يتعلم في المدارس التي لم أذهب إليها".
"لنحاول على األقل يا سيدي" ،أصرت كلير" ،لنبحث عن قضاة وجنراالت ووزراء ،أي شخص .فقط
اقودني إليهم .سأتحدث ،وسترى إن لم ننجح".
أخذ الكونت يدي كلير الصغيرتين بين يديه ،وضغط عليهما لحظة فاضاًل عندها بالحنان األبوي.
"فتاة شجاعة!" صاح" ،أنت امرأة نبيلة وشجاعة ،كلير! الدم الحسن ال يفشل أبًدا .لم أكن أعرفك .نعم،
ستكونين ابنتي ،وستكونين سعيدتين مًعا ،ألبرت وأنِت .ولكن ال يجب علينا الجري هنا وهناك ،مثل
اإلوز البري .نحن بحاجة إلى شخص يخبرنا بمن يجب مخاطبته ،دلياًل ،محامًيا ،محاًم ا .آه!" ،صاح،
"لقد تذكرته ،نويل!"
رفعت كلير عينيها إلى عيني الكونت بدهشة.
"إنه ابني" ،أجاب السيد دو كوماران بوضوح" ،االبن اآلخر أللبرت .أفضل وأكرم الرجال" ،أضاف،
يكرر عبارة قد قالها من قبل السيد دابيرون" .إنه محاٍم ،يعرف كل شيء عن الباليه ،وسيخبرنا بما يجب
القيام به".
أثقل اسم نويل ،الذي ُطرح في وسط هذه المحادثة المليئة باألمل ،قلب كلير.
"ال تشعري بالقلق ،يا طفلتي" ،قال" ،نويل صالح وسأخبرك بالمزيد ،إنه يحب ألبرت .ال تهزي رأسك
هكذا ،لقد قال لي نويل نفسه ،في هذا المكان نفسه ،أنه ال يعتقد أن ألبرت مذنب .وأعلن أنه ينوي القيام
بكل شيء لتبديد الخطأ القاتل ،وأنه سيكون محاميه".
لم تبد الشابة الصغيرة رضًا عن هذه األقوال .فكرت في نفسها" :إذن ،ما الذي فعله نويل من أجل
ألبرت؟" لكنها لم تعلق أي تعليق.
"سأرسل له" ،واصل السيد دو كوماران" ،هو اآلن مع والدة ألبرت ،التي ربته ،والتي ترقد اآلن على
فراش الموت".
"والدة ألبرت!"
"نعم ،يا طفلتي .سيشرح لك ألبرت ما يمكن أن يبدو لك غامًض ا .واآلن يتعين علينا اإلسراع".
توقف فجأة .فكر في أنه ،بدًال من إرسال نويل إلى منزل السيدة جيردي ،يمكنه الذهاب إليه هو شخصًيا.
سيشاهد فاليري! ولقد شتمت رغبته في رؤيتها مراًرا وتكراًرا!
إنها إحدى تلك األفعال التي يحث عليها القلب ،ولكنها ال يجرؤ عليها اإلنسان ،ألن هناك آالف األسباب
والمصالح الدقيقة التي تتعارض معها.
يتمنى اإلنسان ويشتاق لها ،ولكنه يكافح ويقاوم .ولكن إذا تاحت الفرصة ،يكون اإلنسان سعيًدا جًدا
لالستفادة منها؛ ليحصل بذلك على عذر يستخدمه لتسكين ضميره.
من خالل االستسالم لدفعات مشاعره ،يمكن اإلنسان أن يقول" :لم أكن أريده ،لكنها كانت القدرة".
"من الممكن أن يكون الذهاب إلى نويل أسرع" ،الحظ الكونت" ،لننطلق ،يا سيدي".
"ال أدري بالضبط ،يا طفلتي" ،قال السيد العجوز متردًدا" ،هل يمكنني أن أأخذك معي؟ هل ينبغي علي
فعل ذلك؟ اللياقة االجتماعية"...
"أها ،يا سيدي ،اللياقة االجتماعية ليس لها عالقة بهذا!" ردت كلير بنفسجيتها" .معك ،ومن أجله،
يمكنني الذهاب إلى أي مكان .أليس من الضروري أن أقدم بعض التوضيحات؟ فقط أرسل كلمة إلى
جدتي عن طريق شميدت ،الذي سيعود هنا وينتظر عودتي .أنا جاهزة ،يا سيدي".
عندما نزلوا الدرج ،أصر الكونت على أن تأخذ كلير ذراعه .ظهرت مجدًدا األدب واألناقة الرائعة
لصديق الكونت دارتوا.
"لقد أخذَت عشريَن عاًم ا من عمري" ،قال" ،فمن الحق أن أكرس لك الشباب الذي أعادته إلي".
وبمجرد أن دخلت كلير العربة ،قال للفرسان" :شارع السانت الزار ،بسرعة!"
عندما يقول الكونت "بسرعة" ،عند دخوله للعربة ،يتعين على المشاة ترك الطريق .لكن السائق كان
سائًقا ماهًر ا ،ووصلوا دون حادث.
بمساعدة توجيهات الحارس ،توجه الكونت والفتاة الصغيرة نحو شقة السيدة جيردي .صعد الكونت
ببطء ،متشبًثا بقوة بالحاجز ،وكان يتوقع أن يراها مرة أخرى! كانت المشاعر تضغط على قلبه مثل
الفك.
"السيد نويل جيردي؟" سأل الخادم.
لقد خرج المحامي للتو .لم تعرف إلى أين ذهب ،لكنه قال إنه لن يكون خارًج ا أكثر من نصف ساعة.
"سننتظره ،إذن" ،قال الكونت.
تقدم ،وانحرف الخادم ليمررهم .لقد كان نويل قد منعها بشدة من قبول أي زائرين ،لكن الكونت دو
كوماران كان واحًدا من الذين يجعلون الخدم ينسون كل أوامرهم عندما يظهرون.
كان ثالثة أشخاص في الغرفة التي قّد مهم الخادم للكونت وآنسة دارالنج .كانوا الكاهن الرعوي،
والطبيب ،ورجل طويل القامة ،ضابط في جيش الشرف ،وكانت مالمحه ومظهره يشيران إلى أنه
جندي قديم .كانوا يتحدثون بالقرب من المدفأة ،ويبدو أن وصول الغرباء أثار دهشتهم الشديدة.
عندما قام الجندي بتقديم كرسي آلنسة دارالنج؛ ترددوا في التحية ،ولكن هذا التردد كان قصيًرا ،حيث
عرض الجندي على الفور كرسًيا آلنسة دارالنج .اعتبر الكونت وجوده في هذا الوقت غير مناسب،
وظن أنه مدعو لتقديم نفسه وشرح زيارته" .ستعذروني ،سادتي ،إذا كنُت غير متزن فيما سأقول ،لم
أكن أعتقد أنني سأكون كذلك عندما طلبت االنتظار لنويل ،الذي يحتاج إليه عندي بشدة .أنا الكونت دو
كوماران" .عند ذكر هذا االسم ،ترك الجندي ظهر الكرسي الذي كان يمسكه ،ورفع رأسه بغضب،
وظهر لمحة غاضبة في عينيه ،وقام بإيماءة تهديد.
حركت شفتاه ،كما لو كان سيتحدث ،لكنه امتنع عن ذلك وانحنى برأسه إلى النافذة .لم ينتبه الكونت أو
الرجالن اآلخران إلى سلوكه الغريب ،لكن لم تفلت هذه الحادثة من انتباه كلير .بينما جلست آنسة
دارالنج بصدمة بعض الشيء ،توجه الكونت ،الذي كان محرًجا جًدا ،إلى الكاهن وسأل بصوت خافت:
"ما هي حالة السيدة جيردي ،أرجوك؟" سمع الطبيب السؤال بأذن حادة ،وتقدم بسرعة .كان من دواعي
سروره أن يتحدث إلى شخص مشهور مثل الكونت دو كوماران وأن يتعرف عليه" .أخشى ،سيدي،
أنها لن تعيش طوال اليوم".
ضغط الكونت يده على جبينه ،كما لو شعر بألم مفاجئ هناك .تردد في االستفسار بشكل أكبر .بعد لحظة
من الصمت البارد ،قرر االستمرار" .هل تعرف أصدقاءها؟" همس.
"ال ،سيدي .منذ المساء الماضي ،حدث تغيير كبير .كانت غير مرتاحة طوال الليلة الماضية :كانت
لديها لحظات من الهذيان الشديد .قبل ساعة تقريًبا ،ظننا أنها كانت تستعيد حواسها ،وأرسلنا للسيد
الكاهن".
"بال داٍع تماًم ا "،أضاف الكاهن" ،وهذه مأساة حزينة .لقد فقدت عقلها تماًم ا .فقيرة المرأة! لقد عرفتها
منذ عشر سنوات .لقد زرتها تقريًبا كل أسبوع؛ لم أعرف شخًص ا أكثر جدارة بالثناء".
"يجب أن تعاني بشدة" ،قال الطبيب.
تقريًبا في نفس اللحظة ،وكأنها لتؤكد كالم الطبيب ،سمعوا صرخات مكتومة من الغرفة المجاورة ،التي
كان بابها مفتوًحا قليًال.
"هل تسمع؟" صاح الكونت ،مرتجًفا من الرأس إلى القدمين.
لم تفهم كلير شيًئا من هذا المشهد الغريب .ضغوط الحاضر الظالمية عليها؛ شعرت وكأنها محاصرة
في جو من الشر .خافت ،استيقظت من كرسيها ،واقتربت من الكونت" .هي ،أفترض ،هناك؟" سأل
الكونت دو كوماران.
"نعم ،سيدي" ،أجاب الجندي القديم بصوت خشن ،وقد اقترب هو اآلخر.
في أي وقت آخر ،الحظ الكونت لهجة الجندي وكان سيستنكرها ،لكنه لم يرفع حتى عينيه .ظل ال يشعر
بأي شيء .أليس هي هناك ،بالقرب منه؟ كانت أفكاره في الماضي؛ بدا له وكأنها األمس القريب الذي
تركها فيه آلخر مرة" .أود أن أراها كثيًر ا" ،قال بخجل" .ذلك مستحيل" ،رد الجندي القديم بصوته
الخشن" .لماذا؟" تلعثم الكونت.
"على األقل ،يا سيد دو كوماران" ،رد الجندي" ،اتركها تموت في سالم".
صدم الكونت كما لو كان قد تعرض للضرب .التقت عيناه بعيني الضابط ،ثم خفضهما كمجرم أمام
قاضيه.
"ال شيء يمنع دخول الكونت إلى غرفة السيدة جيردي" ،قال الطبيب الذي لم يَر في قصة كل هذا شيًئا.
"ربما لن تالحظ وجوده ،وإذا "...
"أوه ،لن تشعر بشيء!" قال الكاهن" .لقد تحدثت معها للتو ،وأخذت يدها ،وظلت بال وعي".
تفكر الجندي القديم بعمق.
"ادخل" ،قال أخيًر ا للكونت" ،ربما هذه هي إرادة هللا".
ابتعد الكونت بال حراك ،لدرجة أن الطبيب عرض عليه المساعدة .لكنه وضع يده بلطف.
دخل الطبيب والكاهن معه ،وبقيت كلير والجندي القديم عتبة الباب ،يواجهان السرير.
خطى الكونت ثالثة أو أربعة خطوات ،واضطر للتوقف .أراد الذهاب أبعد ،لكنه لم يستطع.
هل يمكن أن تكون هذه النساء المحتضرة فعًال فاليري؟
قام بمحاسبة ذاكرته بشدة؛ لم يجد أي شيء في تلك السمات المتقدمة في العمر ،ال شيء في تلك الوجوه
المشوهة ،يستحضر فاليري الجميلة ،العزيزة عليه في شبابه .لم يتعرف عليها.
ولكنها عرفته ،أو باألحرى تخمنت وجوده .بقوة خارقة ،رفعت نفسها ،وكشفت كتفيها وذراعيها
النحيلة؛ ثم دفعت الجليد عن جبينها ،ورمت شعرها الكثيف الذي ال يزال مبلاًل بالماء والعرق،
وصاحت" :غي! غي!".
ارتجف الكونت بكل جسده.
لم يالحظ ما لفت االنتباه على الفور لجميع األشخاص اآلخرين الموجودين -التحول في حالة المرأة
المريضة .تراخت مالمحها المتعرجة ،انتشرت بها فرحة سماوية ،وتحولت عيناها ،التي غمرتها
المرض ،إلى تعبير عن حنان ال نهاية له.
"غي" ،قالت بصوت يقطع القلب بحالوته" ،لقد جئت أخيًر ا! يا إلهي ،كم انتظرتك! ال يمكنك التفكير
في ما عانيته من غيابك .كنت سأموت من الحزن لوال األمل في رؤيتك مجدًدا .من منعك عني؟ هل
والداك مرة أخرى؟ كم هم قاسيان! ألم تخبرهم أن أحًدا ال يمكنه أن يحبك في هذه الحياة كما أفعل أنا؟
ال ،ليس هذا هو السبب ،أتذكر .كنت غاضًبا عندما تركتني .أراد أصدقاؤك فصلنا؛ قالوا إنني أخونك مع
شخص آخر .من أذيت حتى أصبح لدي الكثير من األعداء!
كانوا يحسدون سعادتي؛ وكنا سعداء جًدا! لكنك لم تصدق االفتراء الشرير ،لقد احتقرته ،أليس كذلك؟"
فتحت الراهبة التي قامت عندما رأت عدًدا كبيًر ا من األشخاص يدخلون غرفة المريضة عينيها بدهشة.
"أخونك؟" استمرت المرأة المحتضرة" ،فقط مجنون يصدق ذلك .أليست لي ،لحميعي ،قلب وروح؟
بالنسبة لي ،أنت كل شيء ،وال شيء يمكن أن أتوقعه أو أأمله من آخر قدمته لي بالفعل .أليست لي
وحدي ،منذ البداية؟ لم أتردد لحظة في تقديم نفسي بأكملها لك؛ شعرت أنني ُو لدت من أجلك ،يا غي،
هل تتذكر؟ كنت أعمل لصانعة الدانتيل ،وكانت أرزاقنا ضعيفة.
قلت لي أنك طالب فقير ،فظننت أنك تحرم نفسك من أجلي .أصررت على تزيين شقتنا الصغيرة على
كواي سانت ميشيل .كانت جميلة ،مع الورق الجديد المغطى بالزهور ،التي علقناها أنفسنا .كانت أيام
سعيدة! في المرة األولى التي خرجنا فيها إلى الريف مًعا ،في يوم األحد ،جئتني بفستان أجمل مما كنت
أحلم به ،وحذاء صغير جميل ،كان من الخجل المشي به! لكنك خدعتني! لم تكن طالًبا فقيًر ا .في يوم من
األيام ،وأنا أحمل عملي إلى المنزل ،قابلتك في عربة أنيقة ،مع خدم مرتفعين ،يرتدون لباًسا مطرًز ا
بالذهب .لم أستطع أن أصدق عيني .في تلك الليلة ،أخبرتني الحقيقة ،أنك نبيل وغني بشكل هائل .يا
حبيبي ،لماذا أخبرتني؟"
هل كان عقلها سليًم ا ،أم كان هذا مجرد هذيان؟
تدحرجت دموع كبيرة على وجه الكونت دي كوماران المتجاعز في السن ،وتأثر الطبيب والكاهن من
هذا المشهد الحزين لرجل عجوز يبكي مثل طفل.
فقط في المساء السابق ،كان الكونت يعتقد أن قلبه قد مات؛ واآلن كان هذا الصوت الشديد النفوذ كافًيا
الستعادة المشاعر الشابة الجديدة والقوية .ومع ذلك ،كم من السنين مرت منذ ذلك الحين!
"بعد ذلك" ،استمرت السيدة جيردي" ،غادرنا كواي سانت ميشيل .أردته ،وأطاعت ،على الرغم من
مخاوفي .قلت لي ،أنه إلرضائك ،يجب أن أبدو كسيدة كبيرة .قدمت لي معلمين ،لكوني جاهلة لدرجة
أنني بالكاد أعرف كيفية توقيع اسمي .هل تتذكر التهجئة الغريبة في رسالتي األولى؟ يا غي ،لو كنت
فعال طالبا فقيرا! عندما علمت أنك غني جًدا ،فقدت بساطتي وسذاجتي وبهجتي .خفت أن تعتقد أني
طامعة ،أن تتصور أن ثروتك تؤثر على حبي .يجب أن يكون الرجال مثلك ،الذين لديهم ماليين ،غير
سعداء! يجب أن يشككوا ويكونوا مليئين بالشكوك ،وال يمكنهم أن يكونوا متأكدين ما إذا كانوا هم أنفسهم
أم ثرواتهم التي يتم حبها ،وهذا الشك الرهيب يجعلهم مشبوهين وغيورين وقاسيين.
يا حبيبي ،لماذا تركنا غرفتنا الصغيرة الجميلة؟ هناك كنا سعداء .لماذا لم تتركني دائًم ا حيث وجدتني
أول مرة؟ ألم تعرف أن رؤية السعادة تزعج البشر؟ لو كنا حكماء ،ألخفينا سعادتنا مثل الجريمة.
اعتقدت أن ترفعني ،ولكنك جعلتني أنزل .كنت فخوًر ا بحبنا؛ نشرته علًنا .طلبت منك بشفقة أن تتركني
في الظالل ،وغير معروفة .قريًبا عرفت البلدة بأني عشيقتك.
كان الجميع يتحدثون عن المال الذي أنفقته علي .كيف احمرت من الفخامة الفاضحة التي فرضتها علي.
كنت راضًيا ،ألن جمالي أصبح مشهوًر ا؛ لكني بكيت ألن عاريتي أصبحت مشهورة أيًضا .تحدث
الناس عني كنساء يدفعن عشاقهن الرتكاب أكبر الحماقات .هل لم يكن اسمي في الصحف؟
وكان من خالل نفس الصحف التي سمعت من خاللها عن زواجك المقبل .امرأة بائسة! كان يجب أن
أهرب منك ،لكن لم يكن لدي الشجاعة .استسلمت ،دون جهد ،ألكثر المواقف المذلة والمخجلة .كنت
معشوقتك ،ولكن زوجتك ماتت .رأيتها مرة واحدة فقط ،ولكنها نظرت إليك ،وعرفت أنها تحبك كما ال
يستطيع أحد آخر .يا غي ،كان حبنا هو الذي قتلها!"
توقفت المدام د'أرالنج مرهقة ،لكن لم يتحرك أي من المتفرجين .استمعوا بحماسة شديدة ،وانتظروا
بعاطفة مفتوحة لها لتستأنف كالمها .لم تكن اآلنسة د'أرالنج بقوة للبقاء واقفة؛ فقد سقطت على ركبتيها،
وكانت تضغط منديلها على فمها لكبح نحيبها .أليست هذه المرأة والدة آلبير؟
كانت الراهبة الصالحة وحيدة غير متأثرة؛ فقد رأت ،كما قالت لنفسها ،العديد من هذه الهذيانات من
قبل .لم تفهم شيئًا مطلقًا مما يجري.
"هؤالء الناس أغبياء جدًا" ،همست" ،إليالء اهتمام كبير لجنون شخص خارج عن ذهنه" .ظنت أن
لديها أكثر من الحس السليم من اآلخرين ،فتقدمت نحو السرير ،وبدأت في تغطية المرأة المريضة.
"تعالي ،سيدتي" ،قالت" ،غطي نفسك ،أو سوف تصابين بالبرد"" .أخت!" ،عاتب الطبيب والكاهن في
نفس الوقت" .من فضلك!" ،صرخ الجندي" ،دعيها تتحدث".
"من" ،استمرت المريضة ،غير واعية بكل ما يجري حولها" ،من قال لك أنني أخدعك؟ يا اللعينة! لقد
وضعوا جواسيس علّي ؛ اكتشفوا أن ضابطًا كان يأتي لزيارتي بانتظام .ولكن ذلك الضابط كان أخي،
العزيز لويس! عندما كان عمره ثمانية عشر عاًم ا ،ولم يتمكن من العثور على عمل ،التحق بالجيش،
قائًال ألمي ،إنه سيكون هناك فم واحد أقل في األسرة .كان جنديًا جيدًا ،وكان ضباطه يحبونه دائمًا .كان
يعمل أثناء خدمته؛ كان يعلم نفسه ،وارتقى بسرعة في الرتبة .تم ترقيته إلى رتبة مالزم ،ثم كابتن،
وأصبح في النهاية رائدًا.
كان لويس يحبني دائمًا؛ ولو أنه بقي في باريس ،لما سقطت .ولكن والدتنا توفيت ،وتركتني وحيدة في
هذه المدينة الكبيرة .كان ضابًطا من الرتبة الدنيا عندما علم ألول مرة أن لدي عشيًقا ،وكان غاضًبا
لدرجة أنني خائنة .لكنه سامحني ،قائًال إن ثباتي في خطئي هو العذر الوحيد .أه ،يا صديقي ،كان أكثر
حسًدا لشرفك منك نفسك! جاء ليزورني سًر ا ،ألنني وضعته في موقف محرج للغاية بسببي .كنت قد
حكمت على نفسي بأال أتحدث عنه ،أبًدا ،أو أذكر اسمه.
هل يمكن لجندي شجاع أن يعترف بأن أخته هي عشيقة الكونت؟ كانت االحتياطات التي اتخذتها قصد
عدم الكشف عن ذلك ،لألسف ،فقط لتجعلك تشك في صدقي .عندما علم لويس ما يقال ،أراد في غضبه
األعمى أن يتحداك؛ وكان علّي أن أجعله يعتقد أنه ليس له الحق في الدفاع عني .يا لألسف! إنني دفعت
ثمنًا باهًظا لسنوات سعادتي المسروقة! لكنك هنا ،وكل شيء نسي .فأنت تؤمن بي ،أليس كذلك ،غي؟
سأكتب إلى لويس؛ فسيأتي ،وسيخبرك أنني ال أكذب ،وال يمكنك أن تشك في كلمة جندي".
"نعم ،بشرفي" ،قال الجندي القديم" ،ما تقوله أختي هو الحقيقة".
لم تسمع المريضة المحتضرة كالمه؛ فتابعت بصوت ينتفض من التعب" :كيف ينعشني وجودك .أشعر
بأني أصبحت أقوى .كنت على وشك أن أصاب بمرض شديد .أخشى أنني لست جميلة اليوم ،لكن ال
يهم ،قّبلني!" ففتحت ذراعيها وأطلقت شفتيها كأنها تريد تقبيله.
"لكن على شرٍط واحد ،جاي ،أن تترك لي طفلي؟ يا له من كالم ،أترجاك ،أتوسل إليك بأن ال تأخذه
مني؛ دعه يكون معي .ما هي األم بدون طفلها؟ أنت تريد أن تمنحه اسًم ا مشهوًرا وثروًة هائلة .ال!
تقول لي إن هذا التضحية ستكون من أجل مصلحته .ال! طفلي هو لي ،سأحتفظ به .ال يوجد شرف أو
ثروة في العالم يمكن أن تحل محل حب األم .أنت تريد أن تعطيني بدًال منه ،طفل امرأة أخرى .ال أبًدا!
ماذا؟ أتريد أن تجعل تلك المرأة تعانق طفلي؟ هذا مستحيل .خذ هذا الطفل الغريب مني ،فهو يمألني
بالرعب ،أريد طفلي الخاص! أه ،ال تصر ،ال تهددني بالغضب ،ال تتركني .سأستسلم ،ثم سأموت.
جاي ،انَس هذا الخطر القاتل ،فكرته وحدها جريمة .أال يمكن لصلواتي ودموعي أن تؤثر عليك شيًئا؟
أه ،حسًنا ،هللا سيعاقبنا .سيتم اكتشاف كل شيء .سيأتي اليوم الذي سيطالب فيه هؤالء األطفال بمحاسبة
مرعبة .جاي ،أستشرت المستقبل ،أرى ابني يتجه نحوي ،غاضًبا بحق .ماذا يقول ،يا إلهي العظيم!
أوه ،تلك الرسائل ،تلك الذكريات الحلوة لحبنا! ابني ،هو يهددني! يضربني! أه ،ساعدني! ابن يضرب
أمه .ال تخبر أحًدا بهذا ،على الرغم من ذلك .يا إلهي ،ما هذا العذاب! لكنه يعلم جيًدا أنني أمه ،ويتظاهر
بعدم تصديقي .يا رب ،هذا أمٌر مفرٌط! جاي ،اعُف عّني ،يا صديقي الوحيد! ليس لدي قوة للمقاومة،
وال شجاعة لالنصياع ألمرك".
في هذه اللحظةُ ،فِتَح باب الغرفة المؤدي إلى السلم ،وظهر نويل ،شاحًبا كالعادة ،لكنه هادئ ومتماسك.
رأته المريضة المحتضرة ،وأثر الرؤية عليها كصعقة كهربائية .هّز تها ارتجافات شديدة ،وتحّجرت
عيناها ،وبدت شعرها وكأنه يقف على نهايته .رفعت نفسها على وسادتها ،ومدت يدها في اتجاه نويل،
وصاحت بصوت عاٍل " :قاتل!" ثم انهارت على الفور على الفراش ،وتوفيت.
سادت صمت عميق.
هذه هي عظمة الموت والرعب الذي يرافقه ،بحيث حتى أقوى األشخاص وأكثرهم تشكيًك ا ينحنون
رؤوسهم في حضوره.
وفي تلك األوقات ،يتم نسيان العواطف والمصالح .ونجد أنفسنا ،بشكل ال إرادي ،نتقارب مًعا ،عندما
يفارق أحد أصدقائنا األرض في حضورنا.
تأّثر جميع الحاضرين بشدة من هذه المشاهد المؤلمة ،وهذا االعتراف األخير ،الذي تم سحبه كأنه
مرض الهذيان.
ولم يفاجئ أحد الكلمة األخيرة التي نطقت بها السيدة جيردي" ،قاتل".
وكان الجميع ،باستثناء الراهبة ،يعلمون باالتهام الرهيب الذي ُو جه ضد ألبرت.
وعليه وقعت شماتة األم المؤسفة.
بدا نويل كمن يعاني من القلب المحطم ،وهو يركع بجانب فراش النائمة التي كانت والدته الروحية،
ويأخذ إحدى يديها ويضغطها على شفتيه بحزن شديد ،ويصرخ" :ماتت! إنها ماتت!".
ونائبة الراهبة والكاهن يركعان بجواره ،ويكررون بصوت منخفض صلوات الرحمة على روح
المتوفاة ،ويتضرعون إلى هللا أن يرزقها رحمته وسالمه ،وأن يجعلها سعيدة في الجنة بعدما عانت
كثيرًا في الدنيا.
وفي نفس الوقت ،كان الكونت دو كومارين ،الذي كان يحبها في السابق ،مهزومًا وشاحبًا أكثر من هذه
النساء الميتة .وتسارع كلير والطبيب لمساعدته ،وفكوا ربطة العنق ونزعوا طوق القميص عنه ،ألنه
كان يشعر باالختناق .وبمساعدة الجندي القديم ،الذي كانت عيناه الحمراوتان والممزوجتان بالدموع
تحكي عن الحزن الذي يكبته ،نقلوا كرسي الكونت إلى النافذة المفتوحة ليتنفس قليًال من الهواء .قبل
ثالثة أيام ،لن يكون قادرًا على مشاهدة هذه المأساة .ولكن القلب يتحجر بسبب الحزن ،تمامًا كما تتقّوى
األيادي بالعمل.
"إن دموعه أنقذته" ،همس الطبيب إلى كلير.
تدريجيًا ،تعافى الكونت دو كومارين ،وعادت أفكاره إلى وضعها الطبيعي ،وعادت معها معاناته.
فاإلرهاق واإلحباط هما العواقب الطبيعية لصدمات العقل الكبيرة ،ويبدو أن الطبيعة تجمع قواها لتحمل
البالء .وليس من الطبيعي أن نشعر بكامل شدة األلم مرة واحدة ،ولكننا ندرك حجم األذى وعمقه الحقًا.
وكانت عينا الكونت متجهتين إلى الفراش الذي ترقد عليه جثة فاليري ،فهناك كانت كل ما تبقى منها.
فالروح ،تلك الروح المخلصة والرقيقة ،قد غادرت .ماذا كان سيفعل لو أعاد هللا تلك المرأة المسكينة
إلى الحياة ليوم واحد ،أو حتى لساعة واحدة؟ كيف سيتوّج ه بالتوبة إلىرجلتها ،ليطلب مغفرتها ،ويخبرها
بكم يكره ماضيه؟ كيف سيعترف بحب تلك المالك الذي لم ينضب؟ على سبيل الشك ودون التحقق،
ودون إعطائها فرصة للدفاع عن نفسها ،قام بمعاملتها باالزدراء البارد .لماذا لم يعود ليراها مرة
أخرى؟ لو فعل ذلك ،لكان قد تجّنب عشرين عاًم ا من الشك حول والدة ألبرت ،ولكان قادًرا على العيش
في سعادة وفرح.
ثم تذّك ر وفاة الكونتيسة ،التي كانت تحّبه أيًض ا ،وتوفيت بسبب حّبها له .لم يفهمهما ،بل قتلهما جميًعا.
وجاءت ساعة التكفير ،ولم يكن بإمكانه أن يقول" :يا رب ،العقوبة شديدة جًدا" .ومع ذلك ،ما هي
العقوبة والمصائب التي حّلت عليه خالل الخمسة أيام الماضية!
تعاطف شقيق السيدة جيردي مع الرجل العجوز الذي تعّر ض لمحنة قاسية .وقّد م له يده قائًال" :السيد دو
كومارين ،تغفر لك أختي منذ زمن بعيد ،حتى إن كانت قد شعرت بأي مشاعر سلبية تجاهك .اآلن حان
دوري؛ أنا أغفر لك بصدق".
"شكًر ا لك يا سيدي" ،همس الكونت بصوت خافت" ،شكًر ا لك!" ثم أضاف" :ما هذا الموت؟"
"نعم" ،همست كلير" ،فقد أطلقت أنفاسها األخيرة متصورة أن ابنها مذنب في جريمة ،ولم نكن قادرين
على تصحيح اعتقادها".
"على األقل" ،صاح الكونت" ،يجب أن يكون ابنها حًر ا ليؤدي واجب الوداع األخير لوالدته .نعم ،يجب
عليه ذلك .نويل!"
اقترب المحامي من والده وسمع كل شيء" .لقد وعدتك ،يا أبي ،بإنقاذه" ،أجاب.
للمرة األولى ،كانت اآلنسة دارالنج ونويل يواجهان بعضهما البعض .التقت عيونهما ،ولم تتمالك اآلنسة
دارالنج حركة االشمئزاز التي الحظها المحامي.
"ألبرت قد تم إنقاذه بالفعل" ،قالت بفخر" ،ما نطلبه هو تحقيق العدالة الفورية له ،وأن يتم إطالق
سراحه على الفور .فالقاضي اآلن يعرف الحقيقة".
"نعم؛ إن ألبرت مّر عندي في المساء الذي ارتكبت فيه الجريمة" ،أجابت اآلنسة دارالنج.
نظر نويل إليها بدهشة؛ فإفصاح بلسانها المثير للدهشة دون تفسير قد يثير دهشته.
ثم ،قام الكونت دو كومارين باإلشارة إلى جميع األحداث التي ذكرتها كلير.
"غًدا؟" قاطع الكونت" ،قلت ،أعتقد ،غًدا! تتطلب الشرف ،سيدي ،أن نتصرف اآلن ،في هذه اللحظة.
يمكنك أن تظهر حبك لهذه المرأة الفقيرة بشكل أفضل من خالل تسليم ابنها بدًال من الصالة من أجلها".
انحنى نويل بشدة.
"سماع رغبتك ،يعني ،"obéissanceقال" ،أنا ذاهب .في هذا المساء ،في منزلك ،سوف أشرفك على
النتائج التي توصلت إليها .ربما يكون بإمكاني أن أحضر ألبرت معي".
تحدث ،وبعد أن عانق المرأة الميتة مرة أخرى ،خرج .وسرعان ما انسحب الكونت واآلنسة دارالنج
أيًضا.
ذهب الجندي القديم إلى رئيس البلدية لإلعالن عن الوفاة والوفاء باإلجراءات الالزمة.
ظلت الراهبة وحيدة ،في انتظار الكاهن الذي وعد به الكاهن الرئيسي بإرساله لمراقبة الجثة .لم تشعر
ابنة سانت فنسنت بالخوف أو اإلحراج ،إذ كانت في مواقف مماثلة كثيرة .بعدما أنهت صلواتها ،قامت
وتجولت في الغرفة ،ترتيب كل شيء كما ينبغي في وجود الموت .قامت بإزالة كل آثار المرض،
وحجزت زجاجات الدواء ،وحرقت بعض السكر على مجرفة النار ،ووضعت على طاولة مغطاة
بقماش أبيض عند رأس السرير بعض الشموع المضاءة ،وصليب مع ماء مقدس ،وفرع نخلة.
الفصل 17
كان السيد دابورون على إرتباك شديد وحيرة بعد كشف اآلنسة دارالنج ،وهو يصعد الدرج الذي يؤدي
إلى مكاتب القضاة المحققين ،عندما رأى العجوز تاباريه يتجه نحوه .فرح السيد دابورون برؤيته،
وبادله التحية فوًر ا" :السيد تاباريه!"
لكن العجوز الذي كان يظهر عليه عالمات من اإلضطراب الشديد ،لم يكن مستعدًا للتوقف أو لضياع
دقيقة واحدة.
"يجب أن تسامحني ،سيدي" ،قال ،ميالن رأسه" ،لكنهم ينتظرونني في المنزل" ".أتمنى ،مع ذلك"...
"أوه ،إنه بريء" ،قاطعه العجوز تاباريه" ،لدي بعض األدلة بالفعل ،وقبل ثالثة أيام ...لكنك ذاهب
لرؤية رجل جيفرول الذي يرتدي األقراط .جيفرول ذكي جًدا؛ لقد قدرته بشكل خاطئ".
ومن دون اإلستماع لكلمة أخرى ،سارع العجوز بعيدًا ،وهو يقفز على ثالث درجات في كل مرة ،على
خطر كسر عنقه.
كان السيد دابورون خائًبا ومنزعًج ا بشدة ،وسارع هو اآلخر.
في الممر ،على مقعد خشبي خشن أمام باب مكتبه ،كان ألبرت ينتظره ،تحت حراسة جارد دو باريس.
"ستستدعى على الفور ،سيدي" ،قال القاضي للمتهم ،وهو يفتح باب مكتبه.
في المكتب ،كان كونستان يتحدث مع رجل نحيف صغير ،الذي ربما كان مواطًنا ثرًيا من باتينيول ،لو
لم يكن للدبوس الضخم المصنوع من الذهب المزيف الذي كان يلمع في ربطة عنقه ويفضحه كمحقق.
"هل تلقيت رسائلي؟" سأل السيد دابورون كاتبه.
"لقد تم تنفيذ أوامرك ،سيدي .المتهم في الخارج ،وهنا مونسيور مارتن ،الذي وصل للتو من محيط
الجيش الشريف".
"جيد جًدا" ،قال القاضي بصوت راٍض .ثم ،متجًها نحو المحقق" ،حسًنا ،مونسيور مارتن" ،سأل" ،ما
الذي رأيته؟"
"تم تسلق الجدران ،سيدي" ،قال المحقق.
"مؤخًرا؟"
"منذ خمسة أو ستة أيام".
"هل أنت متأكد من ذلك؟"
"بنفس درجة تأكدي من رؤيتي للسيد كونستان يصلح قلمه في هذه اللحظة ،سيدي" ،أجاب مارتن.
"العالمات واضحة جًدا؛ إذا سمحت لي بهذا التعبير .دخل اللص -أعتقد أنه كان لًص ا -الحديقة قبل
األمطار ورحل بعدها ،كما كنت قد توقعت .من السهل تحديد هذه الظروف عن طريق دراسة العالمات
على حائط الصعود والنزول من جهة الشارع .هذه العالمات تتكون من عدة خدوشُ ،أحدثت بوضوح
بواسطة أقدام الشخص الذي صعد الحائط .الخدوش األولى نظيفة ،واألخرى طينية .اللص -الذي كان
رشيًقا -استخدم قوة معصميه لتسلق الحائط عند دخوله ،ولكنه عند مغادرته ،استخدم سلًم ا ،الذي رماه
بمجرد وصوله إلى قمة الحائط .يمكن رؤية مكان وضعه في األرض بواسطة الثقوب التي تركها وزن
اللص ،وكذلك بالمالط الذي تم تهشيمه من أعلى الحائط".
"هل هذا كل شيء؟" سأل القاضي.
"ال بعد ،سيدي .تمت إزالة ثالث قطع زجاجية تغطي قمة الحائط .تم لف عدة فروع من شجر األكاسيا
الذي يمتد فوق الحائط أو كسره .عثرت على هذه القطعة الصغيرة من قماش السويدي الالفندر ،والتي
يبدو لي أنها تنتمي إلى قفاز".
أمسك القاضي القطعة من قماش السويدي بشغف .بالتأكيد كانت قد نزلت من قفاز.
"أتمنى أن تكون حرصت على عدم جذب االنتباه ،مونسيور مارتن" ،قال القاضي دابورون" ،في
المنزل الذي قمت بالتحقيق فيه؟"
"بالتأكيد ،سيدي .في البداية فحصت الجدار الخارجي بتمعن .بعد ذلك ،تركت قبعتي في محل للنبيذ في
الزاوية ،وزرت منزل الماركيزة دارالنج ،متظاهًر ا بأنني خادمة لدوقة جارية ،تائهة بعد فقدان طائر
الببغاء المفضل لها ،وإنني ،إذا سمحت لي بهذا التعبير ،كنت مقنعة في كالمي .تم منحي إذًنا كريًم ا
الستكشاف الحديقة؛ ونظًر ا ألنني تحدثت عن سيدتي المزيفة بأسوأ األلفاظ ،اعتقدوا بال شك أنني خادمة
حقيقية".
"أنت شخص ذكي وعاجل ،مونسيور مارتن" ،قاطع القاضي" .أنا راض جًدا عنك ،وسأقوم بتقديم
تقرير إيجابي عنك إلى مقر الشرطة".
رن جرسه ،في حين انحرف المحقق بسعادة من الثناء الذي حصل عليه ،متحرًك ا إلى الوراء باتزان.
ثم دخل ألبرت.
"هل قررت ،سيدي" ،سأل القاضي المحقق بدون مقدمات" ،تزويدني بحساب صادق لكيفية قضائك ليلة
الثالثاء الماضي؟"
"لقد قلت لك بالفعل ،سيدي".
"ال ،سيدي ،لم تقل؛ وأنا أندم على قولي إنك كذبت علّي " .احمّر األلماس ،وومضت عيناه ،ظًّنا منه أنه
تعرض إلهانة.
"أنا أعرف كل ما فعلته في تلك الليلة" ،استمر القاضي" ،ألن العدالة ،كما أخبرتك بالفعل ،ال تجهل أي
شيء مهم يجب أن تعرفه".
ثم ،وجه النظر مستقيًم ا نحو عيني ألبرت ،واستمر ببطء" :لقد رأيت اآلنسة كلير دارالنج" .عند سماع
هذا االسم ،انفضحت مالمح المتهم ،الذي كان مصمًم ا على الصمود ،واسترخت.
بدا وكأنه يشعر بإحساس هائل بالسعادة ،مثل الرجل الذي ينجو بشكل ما من خطر وشيك كان ييأس من
االبتعاد عنه .ومع ذلك ،لم يرد على القاضي.
"اآلنسة دارالنج" ،استمر القاضي" ،أخبرتني أين كنت يوم الثالثاء الماضي".
ما زال ألبرت يتردد.
"أنا لست أعد لك فًخ ا" ،أضاف السيد دابورون" ،أعطيك كلمتي الشرف .لقد أخبرتني بكل شيء ،هل
فهمت؟"
في هذه المرة ،قرر ألبرت الحديث.
كانت تفسيراته تتطابق بالضبط مع تفسيرات كلير ،بدون أي تفاصيل إضافية .من اآلن فصاعًدا ،ال
يمكن الشك.
لم تخدع اآلنسة دارالنج .إما أن يكون ألبرت بريء ،أو أنها شريكته.
هل يمكن أن تكون شريكة في جريمة بغيضة؟ ال ،ال يمكن اتهامها حتى بذلك.
لكن من هو القاتل؟
فعندما يتم ارتكاب جريمة ،تطالب العدالة بمعرفة الجاني.
"كما ترى ،سيدي" ،قال القاضي بصرامة أللبرت" ،خدعتني .لقد خاطرت حياتك ،سيدي ،وما هو
أيًضا خطير جًدا ،كشفت عني ،كشفت عن العدالة ،الرتكاب خطأ مؤسف للغاية .لماذا لم تخبرني
بالحقيقة من البداية؟"
"اآلنسة دارالنج ،سيدي" ،أجاب ألبرت" ،عندما أتاحت لي لقاءها ،كانت تثق بشرفي".
"فأنت كنت على استعداد للموت قبل أن تذكر تلك المقابلة؟" قاطع السيد دابورون بلمحة من السخرية.
"هذا كله جميل جًدا ،سيدي ،ويستحق األيام القديمة من الشهامة!"
"أنا لست البطل الذي تصوره ،سيدي" ،أجاب المتهم ببساطة" .إذا قلت لك إنني لم أكن أعتمد على
كلير ،فسأكون أقول كذبة .كنت أنتظرها .كنت أعلم أنها ،بعد أن تعرفت على اعتقالي ،ستتحدى كل
شيء إلنقاذي .لكن أصدقائها قد يخبئون ذلك عنها ،وهذا ما كنت أخشاه .في هذه الحالة ،ال أعتقد ،بقدر
ما يمكن ألحد أن يجيب عن نفسه ،أنني كنت سأذكر اسمها".
لم يظهر أي شجاعة في مظهر ألبرت ،ما قاله كان يعبر عّم ا يفكر ويشعر به .وندم السيد دابNNورون على
سخريته ،وقال بلطف" :يجب عليك العودة إلى سجنك ،ال يمكنNNني اإلفNNراج عنNNك حNNتى اآلن ،ولكنNNك لن
تكون بعد اآلن في العزلة االنفرادية ،سيتم التعامل معك بكل اهتمام يليق بسجين يبNNدو براءتNNه محتملNNة".
وأشار ألبرت برأسه مNNع شNNكره لNNه وتم إزالتNNه بعNNد ذلNNك .ثم قNNال القاضNNي لكاتبNNه" :نحن اآلن جNNاهزون
الستجواب جيفNNرول "،ولكن رئيس المحققين كNNان غائًب ا ،ألنNNه تم إرسNNاله من محافظNNة الشNNرطة ،ولكن
شاهدة ،الرجل ذو األقراط ،كان ينتظر في الممر .فأخبروه بالدخول ،وكان أحد تلNNك الرجNNال القصNNيرين
والمتينين ،الذين يشبهون السنديان بقوتهم ،وكأنهم قادرون على حمل أي شNNيء على أكتNNافهم العريضNNة،
وكان شNNعره ولحيتNNه البيضNNاء تNNبرز مالمحNNه المتشNNددة والمحنطNNة بسNNبب الطقس السNNيئ وريNNاح البحNNر
وحرارة المناطق االستوائية ،وكانت لديه يدان سوداء صلبة كبيرة ،بها أصابع قوية يمكن أن تمتلNك قNNوة
الفك ،وكان لديه أقراط كبيرة على شكل مراسي معلقة من أذنيه.
وكان يرتدي زي صياد نورماندي ثري ،خارج لالحتفال .وكان الكاتب مضطًر ا لدفعه إلى المكتب ،ألن
هذا االبن للمحيط كان خجواًل ومرتبًك ا عندما يكون على الشNاطئ ،وتقNدم وهNو يتNوازن أوًال على رجلNه
اليمنى ثم على اليسرى ،بذلك المشي الغير منتظم للبحارة ،الذين اعتادوا على الهز والتأرجح في الموج،
ويفاجئون بوجNود شNيء ثNابت تحت أقNدامهم .كNان يتلمس قبعتNه الناعمNة المزينNة بميNداليات رصاصNية
صغيرة ،مثل قبعة الملك لويس الحادي عشر الNNذاكرة العطNNرة ،والNNتي تزينهNNا بعض الخيNNوط المنسNNوجة
بواسطة فتيNات الريNف الصNNغار ،على إطNار بNدائي مكNون من أربعNة أو خمسNة دبNابيس مثبتNة في فلين
مجوف .ففحصه القاضيدابورون وقدره بلمحة ،ولم يكن هنNNاك شNNك في أنNNه الرجNNل المحNNروق بالشNNمس
الذي وصفه أحد الشهود في ال جونشير.
وكان من المستحيل أيًض ا شNك في صNدقه ،فمحيNاه المفتوحNة تعكس الصNدق واللطNف .وسNأله القاضNي
التحقيقي" :ما هو اسNمك؟" فأجNاب" :مNاري بيNير لNوروج" .وسNأله" :أأنت مرتبNط بكلNودين لNوروج؟"
فأجاب" :نعم ،أنا زوجها يا سNNيدي" .واسNNتغرب السNNيد دابNNورون من وجNNود الNNزوج الحي للضNNحية وأن
الشرطة كانت تجهل وجوده.
وفكر" :ماذا يفعل هذا التقدم الرائع في االختراعات؟ اليوم ،تماًم ا كمNNا كNNان األمNNر قبNNل عشNNرين عاًم ا،
عندما تكون العدالة في حيرة ،فإنه يتطلب نفس الضNNياع الهائNNل من الNNوقت والمNNال للحصNNول على أدنى
معلومة" .وأضاف" :كان الجميع يعتقد أنها أرملة ،وكانت هي نفسها تدعي ذلك" .وأجاب الرجل" :نعم،
ألنها بذلك الطريقة أبررت بعض سلوكياتها .باإلضافة إلى أنها كانت اتفقت بيننا على ذلك .لقNNد أخبرتهNNا
أنني لن أستمر في التعامل معها".
"هل حًقا؟ حسنًا ،أتعلم أنها ميتة ،ضحية جريمة بغيضة؟" "أخبرني بذلك المحقNNق الNNذي جلبNNني هنNNا ،يNNا
سيدي" ،أجاب البحار وجهه يتحول إلى اللون الداكن" .كانت شريرة!" أضاف بصوت مجوف" .كيف؟
أنت ،زوجها ،تتهمها؟" "لدي سبب جيد جًدا لفعل ذلك ،يا سيدي .آه ،والدي الميت ،الذي تنبأ بكNNل شNNيء
في ذلك الوقت ،حذرني! ضNNحكت عنNNدما قNNال' :احNNذر ،أو ستشNNوه سNNمعتنا جميًع ا' .كNNان على حNNق .من
خاللها ،تم اصطيادي من قبل الشرطة ،تماًم ا كما يتم اصطياد اللصوص الNNذين يتسNNللون .في كNNل مكNNان
بحثوا عني بأمر قضائي ،يجب أن يكون الناس قNNد قNNالوا 'آه ،حسًNنا ،فقNد ارتكب جريمNNة!' وهNNا أنNNا أمNNام
القاضي! آه ،يا سيدي ،ما هو العار! لقد كانت عائلة لوروج نزيهNNة ،من أب إلى ابنNNه ،منNNذ بدايNNة العNNالم.
استفسر من جميع الذين تعاملوا معي ،سيخبرونك 'إن كلمة لوروج مثل كتابة رجل آخر'.
نعم ،كانت امرأة شريرة ،ولقد قلت لها كثيًر ا إنها ستنتهي بنهاية سيئة" ".لقد قلت لهNNا ذلNNك؟" "أكNNثر من
مائة مرة يا سيدي"" .لماذا؟ تعال ،يا صديقي ،ال تشعر بالقلق ،ال يتعلق األمر بشرفك هنا ،ال أحد يشكك
فيه .متى حذرتها بهذه الحكمة؟" "آه ،منذ وقت طويل يا سNNيدي" ،أجNNاب البحNNار" ،أول مNNرة كNNانت قبNNل
أكثر من ثالثين عاًم ا .كان لديها الطموح حتى في دمها؛ أرادت االنخNNراط في مNNؤامرات العظمNNاء .كNNان
هذا هNNو مNNا دمرهNNا .قNNالت إنNNه يمكن الحصNNول على المNNال عن طريNNق حفNNظ األسNNرار؛ وقلت إنNNه يمكن
الحصول على الخزي وهذا كل شيء .مساعدة العظماء على إخفاء شرورهم ،وتوقNNع السNNعادة من ذلNNك،
هو مثل جعل سريرك من األشNواك ،في أمNل النNوم بشNكل جيNد .لكنهNا كNانت لNديها إرادة خاصNة بهNا".
"ولكنك كنت زوجها "،أعترض السيد دابورون" ،كان لديك الحNNق في أن تNNأمر بطاعتهNNا ".هNNز البحNNار
رأسه وأطلق تنهيدة عميقة" .آه ،يا سيدي! كان أنا من كنت أطيع".
المتابعة بتحقيقات قصيرة مع شاهد ،عندما ال يكون لديك فكرة عن المعلومات الNNتي يجلبهNNا ،هNNو مجNNرد
إضاعة الوقت في محاولة للحصول عليها .عندما تعتقد أنك تقترب من الحقيقNNة المهمNNة ،فقNNد تكNNون على
وشك تجنبها .من األفضNNل بكثNNير أن تمنح الشNNاهد الفرصNNة للحNNديث ،وأن تسNNتمع بعنايNNة ،وتضNNعه على
المسار الصحيح إذا ابتعد عنه قليًال .هذه هي الطريقNة األكNNثر تأكيًNNدا وسNNهولة .هNNذا هNNو مNNا اتبعNNه السNNيد
دابورون ،في كل األوقات يلعن غيفرول لعدم حضNوره ،ألنNه بكلمNة واحNدة يمكنNه تقصNير االسNتجواب
بنسبة كبيرة ،والذي لم يكن القاضي يشتبه في أهميته.
"في ماذا تورطت زوجتك من المؤامرات؟" سأله" .تابع ،يا صديقي ،أخبرني كل شNNيء بالضNNبط؛ هنNNا،
كما تعلم ،يجب أن نمتلك ليس فقط الحقيقة ،ولكن كل الحقيقة".
وضع لوروج قبعته على كرسي .ثم بدأ يسحب أصابعه بالتناوب ،مما يجعلها تكسر تقريًبا بما فيه الكفاية
لكسرها ،وفي النهاية حك رأسه بعنف .كانت طريقته لترتيب أفكاره.
"يجب أن أخبرك" ،بدأ يقول "أنه سيكون على مدى 35عاًم ا في يNNوم سNNانت جNNون منNNذ وقعت في حب
كلودين .كانت فتاة جميلة ومغريNNة ،بصNNوت أحلى من العسNNل .كNNانت أجمNNل فتNNاة في منطقتنNNا ،مسNNتقيمة
كالصاري ،رشيقة كالصفصاف ،رشNNيقة وقويNNة كقNارب سNNباق .تلمNNع عيناهNNا مثNNل السNNيدر القNديم ،كNNان
شعرها أسود ،وأسنانها بيضاء كاللؤلؤ ،وكان تنفسها منعًش ا كنسيم البحر .لألسNNف ،لم يكن لNNديها قNNرش،
في حين كنا في ظروف سهلة .والدتها ،التي كانت أرملة ،كانت امرأة سيئة ،ووالNدي كNان أفضNل رجNل
على قيد الحياة .عنNدما تحNدثت إلى العجNوز عن الNزواج من كلNودين ،شNتمها بشNدة ،وبعNد ثمانيNة أيNام،
أرسلني إلى بورتو على قارب تابع ألحد جيراننا ،فقط ألعطيني تغييًر ا من الجو ،عدت بعد سNNتة أشNNهر،
نحياًل كمسمار ،لكنني كنت أكثر حًبا من أي وقت مضى.
ذكريات كلودين حرقتني مثل النار .لم أستطع تناول الطعام أو الشراب بشكل جيNNد ،لكنNNني شNNعرت أنهNNا
تحبني قليًال بالمقابل ،ألنني كنت شNاًبا جيًNدا ،وأكNثر من فتNاة واحNدة كNانت تريNد الNزواج مNني .ثم قNNرر
والدي ،بعد أن رأى أنه ال يستطيع فعل شيء ،أن يسNمح لي بإكمNال حمNاقتي .لNذلك ،في إحNدى الليNالي،
بعدما عدنا من الصيد ولم أتذوق العشاء ،قNNال لي" :تNNزوج من ابنNNة السNNاحرة ،وال تNNذهب بعيًNNدا في هNNذا
األمر ".أتذكر ذلك بوضوح ،ألنني عندما سNNمعت العجNNوز يسNNمي حNNبي بأسNNماء سNNيئة ،غضNNبت بشNNدة،
وكادت أن أقتله .أهًال بالزواج الذي ال يحقق فيه اإلنسان أي شيء عند االعتراض على رغبات والديه!
كان الرجل الجدير ضائًعا في وسط ذكرياته ،وكNان بعيًNدا جًNدا عن قصNته .حNاول القاضNي التحقيNق في
إعادته إلى المسار الصحيح" :تعال إلى النقطة" ،قال له.
"سأفعل ذلك ،سيدي ،ولكن كان من الضروري أن نبNدأ من البدايNة .تNزوجت .في المسNاء بعNد الزفNNاف،
وعندما غادر األقارب والضيوف ،كنت على وشNك االنضNNمام إلى زوجNتي ،عنNدها الحظت أبي وحيًNدا
في الزاوية يبكي .لطالما كان المنظر مؤثًر ا لقلبي ،وكان لدي شعور بالشر ،لكنه انحسر بسNرعة .الفNترة
األولى بعد الزواج مليئة بالمتعة ،خاصة عندما يكون الشخص مع زوجته المحبوبة .يبدو أنNNه يحيNNط بNNك
ضباب يحول الصخور إلى قصور ومعابد بشكل كامل ،حNNتى يتم خNNداع المبتNNدئين .لمNNدة عNNامين ،وعلى
الرغم من بعض الخالفات الصغيرة ،كل شيء كان يسير على ما يرام.
إن كلودين تديرني مثNNل طفNNل ،هي شNNريرة! كNNان بإمكانهNNا أن تأخNNذني وتربطNNني وتحملNNني إلى السNNوق
وتبيعني بدون أن أالحظ ذلك .كان عيبها الكبير هو حبها للمجوهرات واألزياء الفاخرة .كNNل مNNا كسNNبته،
وكان عملي مزدهًرا جًدا ،وضعته على ظهرها .كل أسبوع كان هناك شيء جديد ،فسNNاتين ومجNNوهرات
وقبعات ،كل هذه األشياء التي يبتكرها التجار إلضاعة النساء.
كان الجيران يتحدثون ،لكني اعتقدت أن كل شيء على ما يرام .في معمودية ابننا ،الذي سميته جاك بعد
أبي ،إلرضائها ،أنفقت كل ما حفظتNNه خالل شNNبابي ،أكNNثر من ثالثمائNNة بيسNNتول ،والNNتي كنت قNNد نNNويت
شراء مرج يقع وسط ممتلكاتنا بها".
كان السيد دابورون يغلي من الصبر ،لكنه لم يتمكن من فعل أي شيء" .تNابع ،تNابع" ،قNNال في كNل مNرة
كان لوروج يبدو على استعداد للتوقف.
"كنت راضًيا جيًدا "،واصل البحار" ،حتى في صباح أحد األيام رأيت أحد خدمة الكNNونت دي كومNNاران
يدخل منزلنا؛ يقNNع قصNNر الكNNونت على بعNNد ميNNل واحNNد تقريًب ا من حيث أعيش على الجNNانب اآلخNNر من
المدينة .كان اسمه جيرمان ولم أكن أحبه على اإلطالق .كان هناك حديث في البلدة أنه تورط في إغNNواء
الفتاة الشابة الجميلة توماسين ،التي كانت تعيش بالقرب منا .يبدو أنها أعجبت الكNونت واختفت فجNأة في
يوم من األيام .سألت زوجتي ماذا يريد هذا الرجل ،فأجابت أنه جاء ليطلب منها رعاية طفل.
لم أكن أوافق في البداية ،ألن وسائلنا كانت كافية للسماح لكلودين باالحتفاظ بكل حليبها لطفلنا الخNNاص.
لكنها أعطتني أفضل األسباب ،قالت إنها تندم على مغازالتها السابقة وإسرافها .تريد كسب بعض المال،
وتشعر بالخجل من عدم القيام بأي شيء بينما أنا أقتل نفسي بالعمل .ترغب في التوفير واالقتصاد ،حتى
ال يضطر طفلنا في نهاية المطاف إلى الذهاب إلى البحNر .تم تحديNد سNعر جيNد جًNدا لهNا ،والNذي يمكننNا
توفيره للذهاب نحو البستول الثالثمائة .ذلك المروحن المزعج ،الذي أشارت إليه ،قررني".
"ألم تخبرك بالمهمة التي كلفت بها؟" سأل القاضي.
أدهش هذا السؤال لوروج .اعتقد أن هناك سبًبا وجيًها للقول بأن العدالة ترى وتعرف كل شيء.
"ليس آنذاك" ،أجاب" ،ولكن سترى .ثمانية أيام بعNNد ذلNNك ،قNNدم البريNNد رسNNالة ،تطلب منهNNا الNNذهاب إلى
باريس إلحضار الطفل .وصلت في المساء" .حسًنا" ،قالت "سأبدأ غًNدا بواسNطة الحافلNة" .لم أقNل كلمNة
حينها؛ ولكن في الصباح التNNالي ،عنNNدما كNNانت على وشNNك الجلNNوس في الحافلNNة ،أعلنت أنNNا أيًض ا أنNNني
سأذهب معها .لم تبدو غاضبة على اإلطالق ،بNNل على العكس .قبلتNNني ،وكنت سNNعيًدا .في بNNاريس ،كNNان
عليها أن تستلم الطفل من مدام جيردي ،التي تعيش على البوليفار.
اتفقنا على أن تذهب بمفردها ،بينما أنا أنتظرها في فندقنا .بعNNد أن رحلت ،شNNعرت بNNالقلق .خNNرجت بعNNد
فترة قصيرة ،وتجولت حول منزل مدام جيردي ،واستفسرت من الخدم واآلخرين؛ وسرعان ما اكتشفت
أنها عشيقة الكNونت دي كومNاران .شNعرت باإلزعNاج لدرجNة أنNني لNو كنت سNيًدا ،كNان يجب أن تعNود
زوجتي بدون الغشاء الصغير .أنا مجرد بحار فقير ،وأدرك أن اإلنسان في بعض األحيNNان ينسNNى نفسNNه.
في بعض األحيان يتناول الكثير من الكحول ،أو يخرج في ليلة مع بعض األصدقاء؛ ولكن للرجNNل الNNذي
لديه زوجة وأطفال أن يعيش مع امرأة أخرى ويعطيها ما ينتمي حًق ا إلى ذريتNNه المشNNروعة ،أعتقNNد أنNNه
سيء جًدا -جًدا سيًئا .أليس كذلك ،سيدي؟"
تحرك القاضي التحقيقي بلهفة في كرسيه" .هل هذا الرجل لن يصل إلى النقطة أبًدا" ،زارده" .نعم ،أنت
على حق تماًم ا" ،أضاف بصوت عاٍل " ،ولكن ال تهتم بأفكارك .تابع ،تابع!"
"كالودين ،يا سيدي ،كانت أكثر عناًدا من الحمNNار .بعNNد ثالثNNة أيNNام من المناقشNNة العنيفNNة ،حصNNلت على
موافقتي المترددة ،بين قبلتين .ثم أخبرتني أننا لن نعود إلى المنزل بواسطة الحافلة .كNNانت السNNيدة ،الNNتي
كانت تخشى التعب على طفلها ،قد ترتبت بأن نسافر عائNNدين إلى الNNبيت بمراحNNل قصNNيرة ،في عربتهNNا،
وبخيالنها .ألنها كانت تعيش بأسلوب كبير .كنت غبيًا بما فيNه الكفايNة ألن أكNون سNعيدًا ،ألنهNا أعطتNني
فرصة لرؤية البلد براحة.
لذلك ،تم تركيبنا مع األطفال ،بيني وبين اآلخر ،في عربNNة أنيقNNة ،مجNNرورة بحيوانNNات رائعNNة ،وتقودهNNا
سائق في زي خادم .كانت زوجتي مجنونة بالفرحة؛ قبلتني مرارًا وتكرارًا ،وجعلت صوت الذهب يNNرن
في وجهي .شعرت بالغباء مثل الزوج الصادق الذي يجد المال في بيتNه الNذي لم يكسNبه بنفسNه .وبمNا أن
كالودين شعرت بما أشعر به ،أرادت بتهدئتي ،أن تخبرني بالحقيقة كاملة.
'انظر هنا' ،قالت لي ،وهي تهز جيبها الممتلئ بالمال' ،سنمتلك دائًم ا ما يكفينا من هذا ،وهذا هو السNNبب:
يريد الكونت ،الذي كان لديه طفل شرعي في نفس الوقت مع هذا الغشNNاء ،أن يحمNNل هNNذا األخNNير اسNNمه
بدًال من اآلخر ،ويمكن تحقيق هذا ،بفضلي .خالل الرحلة ،سNنلتقي في الNنزل ،الNذي سNننام فيNه ،بالسNيد
جيرمان والممرضة التي تم تكليفهما باالهتمام بNNاالبن الشNNرعي .سNNيتم وضNNعنا في نفس الغرفNNة ،وخالل
الليل ،سأقوم بتبديل األطفال الصغار الذين تم تلبيسهم على النحو المقصود .لهذا يعطيني الكNNونت ثمانيNNة
آالف فرنك نقًدا ،وعالوة على الحياة بقيمة ألف فرنك".
"وأنت!" صNNرخ القاضNNي التحقيقي" ،أنت ،الNNذي تNNدعي أنNNك رجNNل صNNادق ،سNNمحت بمثNNل هNNذا األمNNر
الشنيع ،عندما كان كلمة واحدة كافية لمنعه؟"
كان رُّد م .دابورون هو ضربٌة قويٌة لكِّفه على الطاولة .وأكمل لوروج حديثه بسرعٍة أكبر:
"أما بالنسبة لي ،فقد قلبُت هذا الNNترتيب رأًس ا على عقب ،متظNNاهًرا بNNالغيرة الشNNديدة لدرجNNة عNNدم تNNرك
زوجتي لحظًة .اضطروا لالنحناء لي .ذهبت المربية األخNNرى للفNNراش أواًل ،وتبعتهNNا كلNNودين وأنNNا بعNNد
قليل .خلعت زوجتي مالبسها واستلقت في الفNNراش مNNع ابننNNا والطفNNل الغNNير شNNرعي .لم أخلNNع مالبسNNي.
بحجة أنني سأكون عائًق ا أمNNام األطفNNال ،جلسNNت على كرسNNي بNNالقرب من السNNرير ،مصNNمًم ا على عNNدم
إغالق عينّي ،والحرص على مراقبتهم عن كثب .أطفأت الشمعة ،ألتيح للنسNNاء النNNوم ،ولكنNNني لم أتمكن
من التفكير في النوم ،وفكرت في والدي وماذا سيقول إذا علم بتصرفي.
نحو منتصف الليل ،سمعت كلودين تتحNNرك .حجNNزت أنفاسNNي .كNNانت تسNNتعد للخNNروج من السNNرير .هNNل
كانت ستغير األطفال؟ اآلن ،كنت أعلم أنها لن تفعل ذلك؛ لكن حينها ،كنت متأكًدا من أنهNNا سNNتفعل .كنت
في حالة من الجنون ،وأمسكت بها من ذراعها وبدأت أضربها بعنف ،وأفرغت كل ما في قلNNبي بصNNوت
عاٍل ،مثلما أتكلم على متن السفينة في العاصفة .حلفت مثل الشيطان ،وأثNNارت ضNNجة فظيعNNة .صNNرخت
المربية األخرى وكأنها تتعرض للقتل .وفي هذا الضجيج ،اقتحم جيرمان الغرفة بشمعة مضاءة .وكNNانت
نظرة الرجل تجاهي السبب األساسي لتعرضي لذلك .دون معرفة ماذا كنت أفعل ،أخرجت سكيًنا إسبانًيا
طNNوياًل من جيNNبي ،الNNذي كنت أحملNNه دائًم ا ،وأمسNNكت بالنNNذل الملعNNون ودفعت السNNكين عNNبر ذراعNNه،
مصرًخ ا" :على هذا النحو ،ال يمكن تغييره بدون علمي؛ إنه محدد مدى الحياة!".
لم يعد لوروج قادًر ا على الكالم ،وكانت قطرات عرق كبيرة تتصاعد على جبينNه ،ثم تNنزلق على خديNه
وتتراكم في التجاعيد العميقة في وجهه .كان يلهث ،لكن نظNNرة القاضNNي الصNNارمة تضNNايقه وتحثNNه على
المضي قدًم ا ،كالسوط الذي يجلد العبد األسود الذي يشعر بالتعب.
"كان جرح الصغير رهيًبا ،وانزف بشكل مخيف ،وكان يمكن أن يموت؛ لكنNNني لم أفكNNر في ذلNNك .كنت
فقط متضايًقا بشأن المستقبل ،وما قد يحدث بعNNد ذلNNك .أعلنت أنNNني سNNأكتب كNNل مNNا حNNدث ،وأن الجميNNع
سيوقع عليه .تم ذلك ،وكنا جميًعا نستطيع الكتابة .لم يجرؤ جيرمان على المقاومة؛ ألنني تحدثت بسNNكين
في يدي .كتب اسمه أوًال ،وطلب مني عدم الحديث عنه للكونت ،وأقسم أنه لن يتحNدث عنNه أبًNدا ،وألNزم
المربية األخرى بالسرية نفسها".
"وهل حفظت هذه الورقة؟" سأل السيد دابورون.
"نعم ،سيدي ،وكما نصحني المحقق الذي اعNNترفت لNNه بكNNل شNNيء ،أحضNNرتها معي ،ذهبت ألخNNذها من
المكان الذي كنت أحفظها فيه دائًم ا ،ولديها اآلن".
أخذ لوروج من جيب معطفه مفكرة قديمة مصنوعة من الجلد ،وسحب منها ورقة صفراء قديمة ومغلقNNة
بعناية" .ها هي" ،قال" .لم يتم فتح الورقة منذ تلك الليلة اللعينNNة" .وعنNNدما فتحهNNا القاضNNي ،سNNقط بعض
الغبار الذي تم اسNتخدامه للحفNاظ على الكتابNة عنNدما كNانت رطبNة لمنNع التلطخ .وكNانت بالفعNل وصًNفا
موجًز ا للمشهد الذي وصفه البحار القديم.
وكانت األمضاء األربعة هناك" .ماذا حNNدث للشNNهود الNNذين وقعNNوا على هNNذا اإلعالن؟" همس القاضNNي،
يتحدث إلى نفسه .رد لوروج ،الذي ظن أن السؤال وجه له" ،جيرمان مات .وقيل لي إنه لقي حتفه غرًقا
أثناء القوارب .وتم اغتيال كلودين للتو ،لكن الممرضة األخرى ال تزال حية .وأعرف حتى أنهNا تحNدثت
عن األمر لزوجها ،ألنه ألمح لي بذلك.
اسمه بروسيت ،وهي تعيش في قرية كوماران نفسها"" .وماذا بعد؟" سأل القاضي بعNNد أن سNNجل االسNNم
والعنوان" .في اليوم التالي ،سيدي ،تمكنت كلودين من تهدئتي ،واستخلصت مني وعًدا بالسNNرية .الطفNNل
لم يكن مريًضا تقريًبا ،لكنه احتفظ بندبة ضخمة على ذراعه"" .هل ُأبلغت السNNيدة جNNيردي بمNNا حNNدث؟"
"ال أعتقد ذلك ،سيدي .ولكنني أفضNNل القNNول إنNNني ال أعNNرف"" .مNNاذا؟ ال تعNNرف؟" "نعم سNNيدي ،أقسNNم
بذلك .ترى ،جهلي يأتي من ما حدث بعد ذلك"" .ماذا حدث بعد ذلك؟" تردد البحار.
"ذلك ،سيدي ،يخصني فقط ،و"-
"صديقي" ،قاطع القاضي" ،أنت رجل صادق ،وأعتقد ذلك؛ في الواقNNع ،أنNا متأكNد من ذلNك .ولكن مNرة
واحدة في حياتك ،وتحت تأثير امرأة شريرة ،فعلت خطأ ،وأصNNبحت شNNريًك ا في عمNNل مNNذنب للغايNNة .قم
بإصالح هذا الخطNNأ عن طريNNق التحNNدث بصNNدق اآلن .كNNل مNNا يتم قولNNه هنNNا ،والNNذي ال يتصNNل مباشNNرة
بالجريمة ،سيبقى سًر ا؛ حتى أنا سأنسى ذلك على الفور .ال تخاف شيًئا ،وإذا شعرت ببعض الNNذل ،ففكNNر
في أنه عقوبتك عن الماضي".
"يا لألسف ،سيدي" ،أجاب البحار" ،لقد ُعوقبت بالفعل بشدة ،ومنNNذ وقت طويNNل بNNدأت مشNNاكلي .المNNال
الذي حصلت عليه بشكل شرير ال يجلب أي خير .عندما وصNNلت إلى المNNنزل ،اشNNتريت المNNرج البNNائس
بكثير أكثر مما يستحق ،وفي اليوم الذي مشيت فيه عليه ،وأشعر بأنه فعلًيا ملكي ،انتهت سعادتي .كNNانت
كلودين مغرية ،ولكن لديها الكثير من العيوب األخرى .عندما أدركت كم كNNان لNNدينا من المNNال ،ظهNNرت
هذه العيوب ،تماًم ا مثل النار التي تتسرب من قاع السفينة ،وتندلع عنNNدما تفتح األبNNواب .من المجNNرد أن
كانت جشعة ،أصبحت منتهكة للشهوات .في منزلنا كان هناك والئم ال نهاية لها .كلما ذهبت إلى البحNNر،
كانت تستضيف أسوأ النساء في المكان؛ ولم يكن هناك شيء جيد أو مكلف جًدا بالنسبة لهن.
كانت تشرب حتى تسقط على السرير .حسًنا ،في إحدى الليالي ،عندما ظنت أنني في روان ،عدت بشكل
غير متوقع .دخلت ،ووجدتها مع رجل .وهذا الرجل ،سيدي! ذلك المسNNخ البNNائس ،القNNبيح ،القNNذر ،الNNذي
يتجنبه الجميع؛ بكلمة كاتب البايليف .كان من حقي قتله ،مثل الحشرات التي كان ،لكنه كNNان كائًن ا بائًس ا
جًNدا .أمسNكته بNالعنق وألقيت بNه خNارج النافNذة ،دون فتحهNا! لم يقتلNه ذلNك .ثم انNددفعت على زوجNتي،
وضربتها حتى لم تستطع الحركة".
تحدث لوروج بصوت خشن ،وكان يدفع أحياًنا قبضتيه إلى عينيه.
"عفوت عنها" ،واصل" ،لكن الرجل الذي يضرب زوجته ثم يعفو عنها قد ضاع .في المستقبل ،اتخNNذت
حذًر ا أفضل ،وأصبحت منافقة أكبر ،وكان ذلك كل شيء .في غضNNون ذلNNك ،اسNNتعادت السNNيدة جNNيردي
طفلها؛ وكان لدى كلودين شيء ال يمنعها .تمكنت من خNداعي ألكNثر من عNام ،وهي محميNة ومستشNارة
من قبل والدتها ،التي قامت بالعيش معنا بحجة العناية بجاك ،وكانت تقوم بخداعي .ظننت أنها قNNد تخلت
عن عاداتها السيئة ،لكنها لم تفعل ذلك على اإلطالق؛ عاشت حياة مخزية للغاية.
أصNNبح مNNنزلي مالًذ ا لجميNNع األوغNNاد الNNذين ال يفيNNدون شNNيًئا في البالد ،حيث كNNانت زوجNNتي تقNNدم لهم
زجاجات من النبيذ والبراندي ،كلما كنت بعيًدا في البحر ،وكNNانوا يشNNربون بشNNكل عشNNوائي .عنNNدما نفNNد
المال ،كتبت إلى الكونت أو عشيقته ،واستمرت األعمال الفاضحة .في بعض األحيان كNNان لNNدي شNNكوك
تزعجني؛ وبدون سبب ،لمجرد نعم أو ال ،كنت أضربها حتى أتعب ،ثم كنت أعفNNو عنهNNا ،مثNNل الجبNNان،
مثل األحمق .كانت حياة ملعونة.
ال أعرف أيهمNNا أعطNNاني المزيNNد من المتعNNة ،إمNNا عنNNدما أحتضNNنها ،أو عنNNدما أضNNربها .كNNان جNNيراني
يحتقرونني ويتجاهلوني؛ يعتقدون أنني شريك أو ضNNحية سNNاذجة .سNNمعت بعNNد ذلNNك أنهم يعتقNNدون أنNNني
استفدت من سلوك زوجتي؛ في حين أنها كانت تدفع لعشاقها .على أي حNNال ،كNNان النNNاس يتسNNاءلون من
أين جاء المال الذي أنفNNق في مNNنزلي .لتميNNيزي عن ابن عمي ،الNNذي يحمNNل نفس االسNNم ،وضNNعوا كلمNNة
بغيضة على اسمي .ما هو العار! وأنا ال أعرف شيًئا عن كل هذا الفضيحة ،ال ،ال شيء .ألست الزوج؟
لحسن الحظ ،كان والدي الفقير متوفًيا".
شعر السيد دابورون بالتعاطف الصادق مع المتحدث.
"استرح لحظة ،يا صديقي" ،قال" ،ارتِب أفكارك".
"ال" ،رد البحار" ،أفضل أن أنهي األمر بسرعة .رجل واحد ،الكاهن ،كان لديه الرحمNNة ليخNNبرني بهNNذا
األمر .إذا احتاج ليروج يومًا ما! بدون إضNNاعة لحظNة ،ذهبت ورأيت محامًي ا ،وسNألته كيNف يجب على
بحار شريف تصرفه إذا كان قد وقNNع في شNNرفة من يائسNNة .قNNال إنNNه ال يمكن القيNNام بشNNيء .الNNذهاب إلى
المحكمة يعني ببساطة نشNNر العNNار الخNNاص بالشNNخص في العلن ،وفصNNله لن يحقNNق شNNيًئا .عنNNدما يعطي
الرجل اسمه المرأة ،قال لي ،فإنه ال يمكن أن يسترَّد ه ،فهو ينتمي إليها طNNوال حياتهNNا ،ولNNديها الحNNق في
التصرف فيه .يمكنها أن تدنسNNه ،وتغطيNNه بالوحNNل ،وتجNNره من محNNل آلخNNر ،وال يسNNتطيع زوجهNNا فعNNل
شيء .وبمNNا أن هNNذا هNNو الحNNال ،تم اتخNNاذ قNNراري بسNNرعة .في نفس اليNNوم ،بNNاعت األرض المشNNؤومة،
وأرسلت عائNNداتها إلى كلNNودين ،وأردت عNNدم االحتفNNاظ بNNأي شNNيء من ثمن العNNار .ثم كتبت لهNNا رسNNالة
أخبرتها فيها أنها لن تسمع عني مجددًا ،وأنني لست لها بشيء ،وأنهNNا يمكن أن تعتNNبر نفسNNها أرملNNة .في
نفس الليلة ،غادرت مع ابني".
"وماذا حدث لزوجتك بعد رحيلك؟"
"ال يمكنني القول ،سيدي؛ فقط أعلم أنها غادرت المنطقة بعد عام من رحيلي".
"هل عشت معها منذ ذلك الحين؟"
"ال أبًدا".
"لكنك كنت في منزلها قبل ثالثة أيام من ارتكاب الجريمة".
"صحيح ،ولكن كان ذلك ضرورًيا تماًم ا .كانت لدي الكثير من المتNاعب في العثNور عليهNا ،لم يكن أحNد
يعرف ماذا حدث لهNNا .لحسNNن الحNNظ ،اسNNتطاع كNNاتب العNNدل الخNNاص بي الحصNNول على عنNNوان السNNيدة
جيردي؛ كتب لها ،وهكذا علمت أن كلودين تعيش في ال جونشير .كنت حينها في روما .عرض الكNNابتن
جيرفيه ،الذي هو صديق لي ،أن يأخذني إلى باريس على قاربه ،وقبلت .آه ،يا سيدي ،ما صدمة شعرت
بها عندما دخلت منزلها!
زوجتي لم تعرفني! بسبب أنها كNNانت تخNNبر الجميNNع باسNNتمرار أنNNني ميت ،لم يكن لNNديهاا شNNك في ذلNNك.
عندما قلت لها اسمي ،سقطت على كرسNNيها .هNNذه السNNيدة البائسNNة لم تتغNNير على اإلطالق؛ كNNان بجانبهNNا
كأس وزجاجة براندي " -
"كل هذا ال يفسر لماذا ذهبت للبحث عن زوجتك".
"كان األمر يتعلق بجاك ،يا سيدي .تحول الصبي إلى رجل ،ويريد الزواج .لNNذلك ،كNNان من الضNNروري
الحصول على موافقة والدته؛ وكنت أحضر لكلودين وثيقة رسمها الكاتب العدل ،ووقعت عليها .هذا هNNو
الوثيقة".
أخذ السيد دابورون الورقة وبدا يقرأهNNا بعنايNNة .بعNNد لحظNNة ،سNNأل" :هNNل فكNNرت في من يمكن أن يكNNون
الجاني الذي قتل زوجتك؟"
لم يرد لوروج.
"هل تشتبه في أحد؟" استمر القاضي.
"حسًنا ،يا سيدي" ،أجاب البحار" ،ماذا يمكNNني أن أقNNول؟ اعتقNNدت أن كلNNودين قNNد أرهقت النNNاس الNNذين
تسحب منهم المال ،أو أنها تخمرت يوًم ا ما وتحدثت بحرية شديدة".
بعد إكمال الشهادة بأكملهNNا ،أطلNNق السNNيد دابNNورون سNNراح لNNوروج ،وفي الNNوقت نفسNNه قNNال لNNه بانتظNNار
جيفرول الذي سيأخذه إلى فندق حيث يمكنه االنتظار تحت تصرف العدالة حتى إشعار آخر.
"سيتم دفع جميع نفقاتك" ،أضاف القاضي.
لم يمِض الكثير من الوقت حتى حدث حNدث غNير عNادي ولم يحNدث من قبNل في مكتب القاضNNي .صNNعد
كونستان ،الرجل الجاد والمبهم والصامت واألصم ،من مقعده وتحدث.
كسر الصمت الذي دام خمسة عشر عاًم ا .نسي نفسه حتى وصل إلى تقديم رأي.
"هذا ،يا سيدي" ،قال" ،أمر غير عادي للغاية".
فعًال ،أمر غير عادي للغاية ،فكر السيد دابورون ،ومن المحتمل أن يقلب كل التوقعات واآلراء المسبقة.
لماذا تحرك هو ،القاضي ،بمثل هذه العجلة المشNNينة؟ لمNNاذا قبNNل المخNNاطرة بNNأي شNNيء ،لم ينتظNNر حNNتى
يمتلك كل عناصر هذه القضية المهمة ،ويمسك بكل خيوط هذه المأساة المعقدة؟
يتهم العدل بالبطء؛ لكن هNذا البطء بالضNNبط هNو مNا يشNكل قوتNه وثباتNه وتقريًب ا ال يخطئ .من الصNNعب
معرفة متى تظهر األدلة .ال يمكن معرفNNة مNNا قNNد يكشNNفه شNNهادة مهمNNة من التحقيقNNات الNNتي تبNNدو عديمNNة
الفائدة.
عندما يبدو التشابك بين المشاعر والدوافع المختلفة مستعصNNيًا ،يظهNر شNخص غNير معNروف ،قNNادم من
مكان ال يعرفه أحد ،وهو الذي يشرح كل شيء.
اعتبر السيد دابورون ،الذي كان عادة أكثر الرجال حذرًا ،أن أحد أكثر القضايا تعقيًدا كانت بسيطة .كان
يتصرف في جريمة غامضة ،والNNتي تتطلب أقصNNى درجNNات الحNNذر ،بال مبNNاالة كأنهNNا قضNNية من الجنح
البسيطة .لماذا؟ ألن ذاكرته لم تترك له تصورا حرا ،حكمًا ،وتمييزًا .كان يخشى كونه ضعيف وانتقامي
على حد سواء .كان يعتقد أنه واثق من حقائقNه ،لNذلك تسNبب العNداء في اندفاعNه .ومNع ذلNك ،كم مNرة لم
يسأل نفسه :أين الواجب؟ لكن عندما يكNNون المNNرء مNNترددا حNNول الNNواجب إلى حNNد مNNا ،فإنNNه يكNNون على
الطريق الخطأ.
الجانب الفريد في كل هذا األمر هو أن أخطاء القاضي نشأت من صدقه الشديد .لقد أضلته رقNNة ضNNميره
الزائدة .الشكوك التي أزعجته مألت عقله باألشباح ،وحفزت في داخله العداء العاطفي الذي عرضNNه في
لحظة معينة.
واآلن ،وهو أكثر هدوًء ا ،فحص القضية بشكل أكثر صواًبا .في المجمل ،شكًر ا هلل ،لم يتم فعل أي شNNيء
ال يمكن إصالحه .ومع ذلك ،لم يتهم نفسه بلطف أكثر من ذلك .الصدفة وحدها منعته .في تلNNك اللحظNNة،
قرر أال يقوم بأي تحقيق آخر .لقد ألهمته مهنته من اآلن فصاعًدا بكراهية ال يمكن التغلب عليها.
ثم عاد إلى األعمال المطلوبة .على أي حال ،سواء كان بريًئا أو مذنًبا ،فإن ألبرت كان حًقا الفيكونت دي
كومارين ،االبن الشرعي للكونت .ولكن هل كان مذنًبا؟ بوضوح لم يكن كذلك.
"أعتقد "،صاح السيد دابورون فجأة" ،أنه يجب أن أتحدث إلى الكونت دي كومNارين .كونسNتان ،أرسNل
رسالة إلى منزله ليأتي هنا على الفور؛ إذا لم يكن في المنزل ،يجب البحث عنه".
شعر السيد دابورون بأن مهمة غير مستحبة كانت أمامNNه .سيضNNطر إلى قNNول للنبيNNل العجNNوز" :سNNيدي،
ابنك الشرعي ليس نويل ،بل ألبرت ".ما هي الموقف ،ال فقط مؤلمة ،بل تقريًبا تتخطى السNNخرية! ولكن
كتعويض ،يمكنه أن يخبره أن ألبرت بريء.
سيكون عليه أيًض ا أن يخبر نويل الحقيقة :إنزاله إلى األرض بعد رفعه إلى السNحاب .مNاذا سNيكون ذلNك
من ضربة! ولكن بال شك ،سيقدم الكونت له بعض التعويض؛ على األقل ،يجب أن يفعل ذلك.
الفصل 18
تم التخلي عنه من قبل قاضي التحقيق وترك له العمل بمفرده ،لكنه بدأ العمل فوًر ا دون إضاعة لحظة
ودون أخذ لحظة راحة.
كانت قصة الكابريوليه ،الذي يجره حصان سريع ،دقيقة في كل تفصيل.
وبسخاء من ناحية المال ،جمع العجوز عشرة محققين متقاعدين أو مجرمين بال عمل؛ وبقيادة صديقه
ليكوك ،توجه إلى بوجيفال.
فعلًيا ،بحث في الريف ،بيًتا بيًتا ،بعناد وصبر شخص مجنون يبحث عن إبرة في كومة قش.
ولم تذهب جهوده سدى تماًم ا.
بعد ثالثة أيام من التحقيق ،شعر باالطمئنان النسبي بأن القاتل لم ينزل من القطار في رويل ،كما يفعل
كل أهالي بوجيفال وال جونشير ومارلي ،بل تابع الرحلة حتى شاتو.
ظن تاباري أنه تعرف عليه في شخص وصف له من قبل حاملي األمتعة في تلك المحطة بأنه شاب
وسيم ذو شارب أسود ،يحمل معطًفا ومظلة.
كان هذا الشخص ،الذي وصل بالقطار الذي غادر باريس إلى سان جرمان في الثامنة وخمسة وثالثين
دقيقة مساًء ،يبدو عليه عجلة شديدة.
عند خروجه من المحطة ،انطلق بخطى سريعة على الطريق الذي يؤدي إلى بوجيفال .وفي الطريق،
الحظه رجالن من مارلي وامرأة من ال مالميزون بسبب سرعته .كان يدخن بينما يسرع مسرًعا.
عند عبوره الجسر الذي يصل بين الضفتين لنهر السين في بوجيفال ،لفت انتباه المزيد من الناس إليه.
من المعتاد دفع رسوم عبور هذا الجسر .ويبدو أن المفترض به كان قد نسي هذه الظروف .فقد مر دون
دفع الرسوم ،واستمر بخطواته السريعة ،وضع كوعيه على جانبيه ،وحافظ على نفسه ،وكان على
حارس البوابة أن يجري خلفه ألخذ الرسوم.
وقد شعر المرء باإلزعاج الشديد بسبب هذه الظروف ،ورمى الرجل عشرة سنتيمات وهرع ،دون
انتظار السنتيمات التسع المتبقية.
ولم يتوقف األمر عند هذا الحد.
فمحطة القطار في رويل تذكرت أنه ،قبل دقيقتين من وصول القطار الساعة العاشرة والربع ،وصل
راكب مضطرب جدا ،وكان على وشك االنفجار من شدة النفس ،حتى ال يستطيع أن يطلب تذكرة
الدرجة الثانية إلى باريس.
وكان مظهر هذا الرجل يتطابق تماًم ا مع الوصف الذي قدمه الحمالون في شاتو وحارس البوابة على
الجسر.
وأخيًر ا ،اعتقد الرجل العجوز أنه على أثر شخص دخل العربة نفسها التي دخلها الراكب المنفعل .وكان
قد أخبر عن خباز يعيش في أسنيير ،وقد كتب إليه ،طالًبا منه أن يزور منزله.
هذه كانت معلومات الرجل العجوز تاباريه ،عندما زار صباح اإلثنين قصر العدالة ،لمعرفة ما إذا كان
سجل حياة األرملة لوروج السابق قد وصل .ووجد أنه لم يصل شيء ،لكنه التقى جيفرول ورجله في
الممر.
وكان رئيس المحققين فخوًرا وأظهر ذلك أيًض ا .فور رؤيته لتاباريه ،صرخ" :حسًنا ،صياد الخيالة
الشهير ،ما هي األخبار؟ هل أعدمت أي أوغاد منذ اليوم اآلخر؟ أنت الغشاش القديم ،تريد أن تطردني
من مكاني يبدو!"
وكان الرجل العجوز قد تغير كثيًرا.
فالوعي بخطأه جعله متواضًعا ووديًعا .وهذه الكلمات الطريفة ،التي كانت قد أثارت غضبه قبل بضعة
أيام ،اآلن لم تلمسه .بدًال من االنتقام ،انحنى رأسه بطريقة تائبة حتى استغرب جيفرول.
"استهزئ بي ،السيد جيفرول الطيب"،أجاب الرجل العجوز" ،استهزئ بي دون رحمة؛ فأنت على حق،
أستحق كل ذلك".
"آه ،تعال اآلن" ،قال الرئيس "أليس قد قمت ببعض األعمال الرائعة الجديدة ،يا رجل عجوز متهور؟"
هز الرجل العجوز تاباريت رأسه بحزن.
"لقد أسلمت رجًال بريًئا" ،قال "والعدالة لن تعيده حريته".
كان جيفرول سعيًدا ويفرك يديه حتى تقريًبا تحطمت الجلد.
"هذا رائع" ،صرخ "هذا رائع .إن تقديم الجناة للعدالة ال يعني شيًئا على اإلطالق .ولكن لتحرير
األبرياء ،يا لها من فنية .أنت تيراكلير ،أنت عجوز عظيم وأنا أنحني أمامك".
وفي الوقت نفسه ،رفع قبعته بسخرية.
"ال تسحقني" ،رد الرجل العجوز "كما تعلم ،على الرغم من شعري الرمادي ،فأنا شاب في المهنة .ألن
الصدف كانت تخدمني ثالث أو أربع مرات ،أصبحت فخوًر ا بغباء .لقد تعلمت في وقت متأخر أنني
لست كل ما كنت أعتقد نفسي ،فأنا مجرد مبتدئ ،والنجاح قد أدخلني في ذهول ،بينما أنت ،السيد
جيفرول ،أنت سيدنا جميعًا .بدًال من الضحك ،أرجوك ،ساعدني ،وقدم لي نصيحتك وخبرتك .وحده ،ال
يمكنني فعل أي شيء ،بينما مع مساعدتك "...
كان جيفرول مغروًر ا بأعلى درجة.
االنضمام الرجل العجوز تاباريت له كمحقق أثار ادعاءاته بشكل كبير ،ألنه في الواقع كان يعتقد أن
الرجل العجوز ذكًيا جًدا .وكان هذا يلينه.
"أفترض" ،قال بتعالي "أنك تشير إلى قضية ال جونشير؟"
"آه ،نعم ،عزيزي السيد جيفرول ،أردت العمل بدون مساعدتك ،وأوقعت نفسي في حالة سيئة جدًا".
حافظ الرجل العجوز تاباريت على مالمحه باعتباره تائًبا مثل مالمح قسيس تم اكتشافه وهو يتناول
اللحم في يوم الجمعة ،ولكنه كان يضحك ويفرح في داخله.
"أحمق مغرور!" ،فكر "سأمدحك كثيًر ا حتى تنتهي بفعل كل ما أريد".
رجل الشرطة جفرول حّك أنفه وأخرج شفتيه السفليتين ،وقال" :آه ،همم!".
تظاهر بالتردد ،لكن هذا األمر كان فقط ألنه استمتع بتأجيل إحراج المحقق الهاوي العجوز.
"تعال "،قال أخيًر ا" ،انبسط ،يا تيراكلير العجوز .أنا شخص جيد في األساس ،وسأساعدك .هذا لطيف،
أليس كذلك؟ ولكن اليوم ،أنا مشغول جًدا ،لدي موعد للحفاظ عليه .تعال إلّي غًدا في الصباح ،وسنتحدث
عن ذلك .ولكن قبل أن نفترق ،سأعطيك ضوًء ا لتجد طريقك به .هل تعرف من هو الشاهد الذي قدمته؟"
"ال ،ولكن قل لي ،يا حسن سيدي جيفرول".
"حسًنا ،ذلك الرجل هناك على المقعد الذي ينتظر السيد دابورون هو زوج الضحية في مأساة ال
جونشير!"
"هل هذا ممكن؟" صاح العجوز تاباريه ،مذهواًل تماًم ا .ثم ،بعد التفكير لحظة ،أضاف" :أنت تمزح
معي".
"ال ،بكالمي هذا .اذهب واسأله عن اسمه؛ سيخبرك أن اسمه بيير ليروج".
"إذن ،لم تكن أرملة؟"
"يبدو أنها لم تكن "،رد جفرول بسخرية" ،حيث هو زوجها السعيد".
"يالها من صاعقة!" هّم الرجل العجوز" .وهل يعرف أي شيء؟"
في بضع جمل ،شرح رئيس المحققين لزميله الهاوي القصة التي كان ينوي ليروج أن يرويها للقاضي
التحقيق.
"ماذا تقول عن ذلك؟" سأله عندما وصل إلى نهاية القصة.
"ماذا أقول عن ذلك؟" تلثم العجوز تاباريه ،الذي كانت مالمحه تشير إلى الدهشة الشديدة" .ماذا أقول
عن ذلك؟ ال أقول شيًئا .لكني أعتقد ،ال ،ال أعتقد أي شيء أيًضا!".
"مفاجأة طفيفة ،أليس كذلك؟" قال جفرول وهو يضيء" .قل بل مفاجأة ضخمة" ،أجاب تاباريه.
لكن فجأة بدأ يتحرك وضرب جبينه بشدة بيده.
وهو يصرخ" :وصاحب المخبز الخاص بي!"" ،سأراك غًدا ،يا سيدي جيفرول"" .هذا الرجل
مجنون" ،فكر رئيس المحققين.
الرجل العجوز كان عاقاًل بما يكفي ،لكنه فجأة تذكر خباز آسنييه ،الذي طلب منه االتصال به في منزله.
هل سيجده هناك؟
عندما نزل الدرج ،التقى بالسيد دابورون؛ ولكن كما رأينا سابًقا ،لم يرد إال بصعوبة عليه.
سرعان ما خرج إلى الخارج ،وركض على طول الرصيف.
"اآلن" ،قال لنفسه" ،لنفكر .نويل عاد إلى كونه نويل جيردي .لن يشعر باالرتياح كثيًر ا ،ألنه كان يفكر
في وجود اسم عريق .إًذ ا ،إن أراد ،سأتبناه .تاباريه ال يبدو جيًدا مثل كومارين ،ولكنه على األقل اسم.
على أي حال ،ال يؤثر قصة جيفرول على وضع ألبرت أو على إداناتي .إنه االبن الشرعي؛ وهذا أفضل
بالنسبة له! ومع ذلك ،لن يثبت لي براءته ،إذا كنت أشك فيها .فهو لم يعرف شيًئا عن هذه الظروف
المذهلة ،على األقل كما كان والده .يجب أن يكون قد ظن أن االستبدال قد حدث .وكذلك ،يجب أن تكون
السيدة جيردي ال تعرف هذه الحقائق؛ فربما ابتكرت قصة لتفسير الندبة .ولكن السيدة جيردي على
األرجح عرفت أن نويل هو ابنها الحقيقي ،فعندما عاد إليها ،بالتأكيد بحثت عن العالمة التي وضعتها
عليه .ثم ،عندما اكتشف نويل رسائل الكونت ،يجب أن تسرعت السيدة جيردي في شرح األمر له "-
توقف الرجل العجوز تاباريه فجأة ،كما لو كان التقدم أمامه عرضة لخطر ما .كان مرعوًبا من
االستنتاج الذي توصل إليه.
"إذن ،يجب أن يكون نويل قد اغتال األرملة ليروج ،لمنعها من االعتراف بأن االستبدال لم يحدث،
وحرق الرسائل واألوراق التي تثبت ذلك!"
لكنه رفض هذا االفتراض برهبة ،كما يطرد كل رجل شريف فكرة مشينة تدخل عقله بالصدفة.
"يا له من أحمق عجوز!" ،صاح وهو يستأنف مشيه؛ "هذا هو نتيجة المهنة الرهيبة التي كنت أفتخر
بممارستها في السابق! الشك في نويل ،صبيي ،وريثي الوحيد ،الشخصية الرمزية للفضيلة والشرف!
نويل ،الذي علمت خالل عشر سنوات من التواصل الدائم بأنني أحترمه وأعجب به إلى درجة أنني
سأتحدث من أجله كما لو كنت أتحدث لنفسي! يجب أن يكون رجال طبقته يتحركون بعواطف قوية جًدا
لجعلهم يسفكون الدماء؛ ولقد عرفت نويل دائًم ا بأن لديه اثنتين فقط من العواطف ،والدته ومهنته.
وأجدت أن أتنفس الشك بشأن هذه الروح النبيلة؟ يجب أن أكون معاقًبا! يا مجنون قديم! أليست الدرس
الذي تلقيته بالفعل مرعًبا بما فيه الكفاية؟ ألن تكون أكثر حذًرا مرة أخرى؟"
وهكذا استدل ،حاول تجاهل أفكاره المزعجة وكبح عادته الدائمة في البحث ،لكن في قلبه ،صوًتا مؤلًم ا
كان يهمس باستمرار" :ماذا لو كان نويل؟" .وصل أخيًر ا إلى شارع سانت الزار ،وأمام باب بيته وجد
حصاًنا رائًعا مربوًطا بعربة زرقاء أنيقة.
وعندما رأى ذلك ،توقف وقال لنفسه" :حيوان جميل! يبدو أن المستأجرين يستقبلون أشخاًص ا مهمين".
ويبدو أنهم يستقبلون أيًضا زواًر ا من الطبقNNة المعاكسNNة ،ففي ذلNNك الNNوقت ،رأى السNNيد كلNNيرجو يخNNرج،
السNNيد الكNNريم كلNNيرجو ،الNNذي يكشNNف وجNNوده في مNNنزل عن اإلفالس تماًم ا كمNNا يعلن وجNNود المنظمين
للجنازات عن وفاة .وقف المحقق العجوز ،الذي يعرف الجميع ،وكان يعرف البنكير بشكل جيد.
حتى قام بالتعامل معه مرة واحدة عندما كان يجمع الكتب .ووقف وسأله" :هل لNNديك عمالء في بيNNتي يNNا
تمساح قديم؟" فرد السيد كليرجو بجفاء ،ألنه ال يحب التعامل بتلNك الوديNة" :يبNدو ذلNك" .فقNال العجNوز
تاباريه بفضول طبيعي ألي مالك عقاري يجب أن يكون حNNذًرا جًNNدا بشNNأن الحالNNة الماليNNة للمسNNتأجرين:
"من تفسد اآلن؟!" فأجاب السيد كليرجو بمظهر من الكرامة المسيئة" :أنا ال أفسد أحًدا ،هل كنت تشتكي
مني عندما كنا نتعامل مًعا في السابق؟ ال أعتقد ذلك .سألمح للمحامي الشاب الNNذي يعيش هنNNاك عNNني إذا
كنت تريد ،وسيخبرك إذا كان لديه أي سبب ليندم على معرفتي".
أنتجت هذه الكلمات انطباًعا مؤلًم ا على تاباريه العجوز .ماذا؟ نويل ،الحذر نويل ،أحNNد زبNNائن كلNNيرجو؟
ماذا يعني هذا؟ لربما ال يوجد ضرر في ذلك ،ولكنه تNNذكر الـ ١٥ألNNف فرنNNك الNNتي قرضNNها لنويNNل يNNوم
الخميس" .نعم" ،قال ،متمنًيا الحصول على مزيNNد من المعلومNNات" ،أعلم أن السNNيد جNNيردي ينفNNق مبلًغ ا
جمياًل جًدا" .وكان كليرجو يتمتع بالرقة عندما يتعلق األمر بالدفاع عن عمالئه.
"إنها ليست هو شخصًيا "،اعترض" ،التي ترقص بالمال؛ إنها امرأة صغيرة ساحرة للغايNNة .أه ،إنهNNا ال
تزيد طواًل على إصبعك ،لكنها ستأكل الشيطان ،نعم ،القرون والحواف!".
ماذا! لدى نويل عشيقة ،امرأة يعتبرها كليرجو نفسه ،صديق المخلوقات من هذا النوع ،مكلفNNة! ظهNNرت
هذه الكشفية ،في مثل هذه اللحظة ،وخرقت قلب العجNNوز .ولكنNNه تظNNاهر ،فاإليمNNاءة أو النظNNرة يمكن أن
تثير شك الربا ،وتغلق فمه.
"هذا معروف جيًدا" ،أجاب تاباريه بلهفNNة غNNير مباليNNة" ،يجب أن يكNNون للشNNباب يومNNه .ولكن مNNا الNNذي
تفترض أن تكلفه الفتاة في السنة؟".
"أوه ،ال أعرف! ارتكب خطًNأ في عNNدم تحديNNد السNNعر معهNNا .وبحسNNب تقNNديري ،يجب أن يكلفهNNا ،خالل
األربع سنوات التي كانت تحت حمايته ،قرابة خمسمائة ألف فرنك".
أربع سنوات؟ خمسمائة ألف فرنك! انفجرت هذه الكلمNNات واألرقNNام كقنابNNل في دمNNاغ تاباريNNه العجNNوز.
نصف مليون! في هذه الحالة ،كان نويل على حافة اإلفالس .ولكن ثم...
"إنها كثيرة جًNNدا" ،قNNال ،ناجًح ا في إخفNNاء تNNأثره بجهNNود يائسNNة" ،إنهNNا هائلNNة .لكن السNNيد جNNيردي لديNNه
موارد".
"هو!" ،انقطع الربا ،مرتجًفا كتفيه" .ال شيء ،حتى ذلك!" ،أضاف ،معتقًدا أنNNه ال يوجNNد شNNيء يسNNتحق
حتى االهتمام" ،لقد أفرغ محك الجيب .ولكن إذا كان يدين لك بNNأي مبلNNغ ،ال تقلNNق .إنNNه كلب مNNاكر .إنNNه
سيتزوج ،ولقد جددت فواتيره لمبلغ 26ألف فرنك للتو .وداًعا ،السيد تاباريه".
ركض الرباع بعيًدا ،وترك العجوز الفقير واقًفا كالحجر في وسط الرصيف .شعر بشيء من ذلك الحزن
الرهيب الذي يكسر قلب األب عندما يبدأ في تدريك أن ابنه األحبب ربما يكون أسوأ األوغاد.
ومع ذلك ،كان ثقته بنويل عالية لدرجة أنNه حNارب مNع عقلNه لمقاومNة الشNكوك الNتي تنتابNه .ربمNا كNان
الرباع يشيطن على صديقه .فالناس الذين يقرضون أموالهم بأكثر من عشرة في المئة قNNادرون على كNNل
شيء .ومن الواضح أنه قد مبالغ في حماقات نويل.
ومن المفترض أنه إذا كان صحيًح ا؟ هل لم يفعل الكثير من الرجال أشياء مجنونة من أجل النسNNاء ،دون
أن يتوقفوا عن أن يكونوا أمناء؟
وفيما كان على وشك الدخول إلى منزله ،تNوقفت عاصNفة من الحريNر والNدانتيل والمخمNل في الطريNق.
خرجت فتاة شقراء جميلة وقفزت بخفة مثل الطائر إلى البروهام األزرق.
كان تاباريه العجوز رجاًل شجاًعا ،وكانت الشابة جميلNة للغايNة ،ولكنNه لم ينظNر إليهNا حNتى .مNر عليهNا
ووجد نفسه مقابل الحارس الخاص به ،الذي كNNان يقNNف بقبعتNNه في يNNده ،ويفحص عملNNة فرنNNك عشNNرون
بلطف.
"آه ،سيدي" ،قال الرجل" ،هذه الفتاة الجميلة ،ولطيفة جًدا! إذا كنت قد وصلت قبل خمس دقائق فقط".
"ما هي السيدة؟ ولماذا؟"
"هذه السيدة األنيقة ،التي خرجت للتو ،سيدي؛ جاءت لالستفسار عن السNNيد جNNيردي .أعطتNNني عشNNرون
فرنًك ا لإلجابة على أسئلتها .يبدو أن السيد سيتزوج ،وكانت منزعجة بشدة من ذلك .مخلNNوق رائNNع! لNNدي
فكرة أنها عشيقته .أعرف اآلن لماذا يخرج كل ليلة".
"السيد جيردي؟"
"نعم ،سيدي ،لكنني لم أذكر ذلك لك ألنه يبدو أنه يريد إخفاءه .لم يطلب مNNني أبًNNدا فتح البNNاب لNNه ،ال ،لم
يفعل .ينزل من الباب الصغير بجوار الحظيرة .كثيًر ا ما قلت لنفسي' ،ربما ال يريد إزعNNاجي ،إنNNه يفكNNر
بعناية ،ويستمتع بهذا األمر كثيًرا".
تحدث الحارس مع عينيNNه المركNNزتين على العملNNة الذهبيNNة .وعنNNدما رفNNع رأسNNه ،رأى تاباريNNه العجNNوز
النظرة المليئة باإلغراء في عيني الحارس وفهم الموقف على الفور.
عندما رفع رأسه لفحص مالمح سيده وماستره ،اختفى تاباريه العجوز.
"هناك آخر!" قال الحارس لنفسه" .سأراهن مائة سو لكونه يجري وراء هذه المخلوقة الرائعNNة! اركض
يا عجوز ،ستحصل على القليل ،ولكن ليس كثيًر ا ،ألنها مكلفة جًدا!"
كان الحارس على حق .كان تاباريه العجوز يجري وراء السيدة في البروهام األزرق.
"ستخبرني بكل شNيء" ،فكNر وبطلقNة واحNدة كNان في الشNارع .وصNل إليNه في الNوقت المناسNب لNيرى
البروهام األزرق يلفع في زاوية شارع سان الزار.
"يا هللا!" همس لنفسه" .سأفقدها عن بصري ،ومع ذلك يمكنها أن تخبرني الحقيقة".
كان في حالة من الحماسة العصبية التي تولد العجائب .ركض إلى نهاية شارع سان الزار بسرعة كأنNNه
رجل شاب في العشرينيات.
فرح! رأى البروهام األزرق على بعد قصير في شارع دو هافر ،متوقًفا في وسط حشد من العربات.
"لديها" ،قال لنفسه .نظر حوله ،لكنه لم يجد سيارة أجرة فارغة .لقد كان سعيًدا لو صرخ ،مثل ريتشارد
الثالث" ،مملكتي مقابل سيارة أجرة!"
انتشل البروهام نفسه من التشابك وانطلق بسرعة نحو شارع ترونشيه .تاباريه العجوز تابعها.
حافظ على مكانه .لم يكن البروهام يتقدم عليه بكثير.
وهو يجري في وسط الشارع ،في الوقت نفسه يبحث عن سيارة أجرة ،يقول لنفسه" :اركض يا عجNNوز،
اركض .عندما ال يكون لديك عقل ،يجب عليك استخدام ساقيك .لماذا لم تفكر في الحصNNول على عنNNوان
هذه المرأة من كليرجو؟ يجب عليك التسرع ،يا صديقي القديم ،يجب عليك التسرع! عندما تتفرغ لتكون
محقًقا ،يجب أن تكون مؤهاًل للمهنة ،ولديك ساقي غزال".
لكنه كان يفقد األرض تحت قدميه ،يفقدها بوضوح .كان في منتصف شارع ترونشيه ،وقد شعر بNNالتعب
الشديد .شعر أن ساقيه ال يستطيعان حمله أكثر من مائة خطوة ،وكان البروهام قريًبا جًدا من المادلين.
أخيًر ا ،مرت سيارة أجرة مفتوحة ،تتجه نحو نفس االتجاه الذي يتجه إليه .أشار بإشNNارة يائسNNة ،أشNNد من
إشارة الرجل الغارق .شوهدت اإلشارة .بذل قصارى جهNNده ،وقفNNز بطريقNNة مذهلNNة داخNNل السNNيارة دون
لمس الدرج.
"هناك "،تنهد" ،هذا البروهام األزرق ،عشرون فرنك!" "حسًنا!" أجاب السائق ،يوِّم ًيا برأسه.
وضرب حصانه الفاسد بضربات قوية ،وهو يهمس" ،زوج غيور يتبع زوجته ،هذا واضح .هيا!"
أما تاباريه العجوز ،فاستغرق األمر وقًتا طويًال ليستعيد نفسه ،فقد نفذت قوته تقريًبا.
لم يستطع التنفس ألكثر من دقيقة .كانوا قريبين من البوليفارات .وقNNف في السNNيارة األجNNرة ،ويتكNNأ على
مقعد السائق.
"ال أرى البروهام في أي مكان" ،قال.
"أنا أراها بوضوح ،سيدي .ولكن الحصان المستعمل لها جميل جًدا!"
"يجب أن يكون حصانك أفضل .قلت عشرون فرنًك ا ،سأجعلها أربعين فرنًك ا".
صفع السائق حصانه بال رحمة ،وهو يتذمر" ،ال فائدة ،يجب أن ألحق بها .بالنسبة لعشرين فرنًك ا ،كنت
سأتركها تهرب؛ ألنني أحب الفتيات ،وأنNا على جNانبهن .ولكن ،مثNل هNذا القNبيح ،كيNف يمكن أن يكNون
غيوًر ا بهذه الطريقة؟"
حاول تاباريه العجوز بكل الطNNرق أن يشNNغل عقلNNه بNNأمور أخNNرى .لم يNNرد أن يفكNNر قبNNل رؤيNNة المNNرأة،
والحديث معها ،واستجوابها بعناية.
كان متأكًدا من أنها بكلمة واحدة إما ستدين أو تنقذ حبيبها" .ماذا! تدين نويل؟ أه ،حسًنا ،نعم".
الفكرة بأن نويل هو القاتل ترهقNNه وتعذبNNه ،وتNNدور في رأسNNه كNNالعث الNNذي يطNNير مNNراًرا وتكNNراًرا على
النافذة حيث يرى النور.
عندما مروا بشوزيه دانتان ،لم يكن البروهام يبتعد سوى ثالثين خطوة .لَّف السNNائق رأسNNه ،وقNNال" :لكن
البروهام يتوقف".
"ثم اتوقف أيضًا .ال تفقد األفق عنها ،ولكن كن جاهًز ا لمتابعتها مرة أخرى فورما تنتقل".
انحنى تاباريه العجوز قدر ما استطاع خارج السيارة األجرة.
انزلت المرأة الشابة ،عبرت الرصيف ،ودخلت متجرًا حيث بيعت الكشمير والدانتيل.
"هناك" ،فكر العجوز" ،هنا يذهب اآلالف من الفرنكات! نصNNف مليNNون فرنNNك في أربNNع سNNنوات! مNNاذا
يمكن لهذه المخلوقات فعله باألموال التي يتم إنفاقها بسخاء عليها؟ هل يأكلونها؟ على مذبح ماذا يتبNNذلون
هذه الثروات؟ يجب أن يمتلكوا شراب الشيطان الذي يعطونه لألغبياء الNNذين يتNNدمرون ألجلهم .يجب أن
يمتلكوا فًن ا خاًص ا في إعNداد وتبNNويب المتعNNة؛ فمنNNذ أن يقعNNوا في حب رجNNل ،يضNNحي بكNNل شNNيء قبNNل
تركهم".
تحركت السيارة األجرة مرة أخرى ،ولكنها توقفت قريًبا.
لقد قام البروهام بتوقف جديد ،هذه المرة أمام متجر لألشياء الغريبة.
"إذن تريد المرأة شNراء نصNف بNاريس!" قNال تاباريNه العجNوز لنفسNه بغضNب" .نعم ،إذا ارتكب نويNل
الجريمة ،فإنها من أجبرته عليها .هذه هي الخمسة عشر ألف فرنك الذين يتالشون اآلن .كم سNNتدوم لهNNا؟
يجب أن يكونت الجريمة التي ارتكبها نويل ضد األرملة ليروج ألجل المال .إذا كان األمNNر كNNذلك ،فهNNو
أدنى وأشنع الرجال! ما هذا الوحش من التمُّلص والنفاق! والتفكNNير في أنNNه سNNيكون وارثي ،إذا مت هنNNا
من الغضب! لقد كتبت في وصNيتي بكلمNات واضNحة' ،أورث ابNني نويNل غNيردي!' إذا كNان مNذنبًا ،فال
يوجد عقاب كاٍف له .ولكن هذه المرأة لن تعود إلى المنزل أبًدا؟"
المرأة لم تكن في عجلة من أمرها ،الطقس كان جميًال ،وفستانها ال ُيقاَو م ،وكNNانت تنNNوي إظهNNار نفسNNها.
زارت ثالثة أو أربعة متاجر أخرى ،وفي النهاية توقفت في محNNل حلويNNات ،حيث بقيت ألكNNثر من ربNNع
ساعة.
كان الرجNNل العجNNوز ،الملتهب بNNالقلق ،يتحNNرك ويNNدوس في سNNيارته األجNNرة .كNNان األمNNر معانNNاة أن يتم
حرمانه من المفتاح للغموض المروع بسبب نزوة امرأة ال قيمة لها! كان يفNNنى شNNوقًا للNNركض وراءهNNا،
لإلمساك بها من ذراعها ،وصراخها" :الى البيت ،مسكينة ،الى الNNبيت فNNورًا! مNNا الNNذي تفعلينNNه هنNNا؟ أال
تدرين أن حبيبك ،الذي دمرِته ،يشتبه في جريمة قتل؟ العNودة إلى الNبيت ،ألسNتجوبك ،ألعNرف منNك إذا
كان بريًئا أو مذنًبا .فأنت ستخبريني دون أن تعلمي .آه! لقد أعNددت فخًNا رائعًNا بالنسNNبة لNNك! العNNودة إلى
البيت ،فهذا القلق يقتلني!".
عNNادت إلى عربتهNNا .انطلقت مNNرة أخNNرى ،عNNبرت شNNارع فوبNNور مونمNNارت ،واسNNتدارت إلى شNNارع
بروفانس ،ووضعت بضعفها الجميل عند باب منزلها ،ثم غادرت.
خرج من سيارة األجرة ،وأعطى السائق أربعين فرنًك ا ،وأمره باالنتظار ،ثم تبع آثار الفتاة الصغيرة.
"ما هو اسم السيدة التي دخلت للتو؟" طلب من الحارس .لم يبد الحارس استعداًدا للرد.
"اسمها!" أصر الرجل العجوز.
كان النبرة حادة جدًا ،وملحوظة جدًا ،حتى ضاعف الحارس" .السيدة جولييت شافور "،أجاب.
لم يعد السيد تاباري العجوز قادرًا على الجلوس واالستماع ،وقفز على قدميه كمجنون يهرول.
"أيها الشرير البائس!" صNNرخ" ،أيهNا الخNائن اللNئيم! إنNه هNو؛ لكنNني وجدتNه!" وانNدفع خارجًNا ،تارًك ا
جولييت مرعوبة لدرجة أنها استدعت خادمتها.
"طفلNNتي "،قNNالت" ،لقNNد ارتكبت خطNNأ فظيًع ا ،وكشNNفت بعض األسNNرار .أنNNا متأكNNدة من أن شNNيئًا مريعًNا
سيحدث؛ أشعر به .هذا األشّر ،لم يكن صديًقا لنويل ،جاء ليخدعني ويسNNتخدمني .نجح في ذلNNك .دون أن
أعلم ،يجب أنني تحدثت ضد نويل .ماذا يمكن أن قلت؟ لقد فكNNرت جيًNNدا وال أتNNذكر شNNيًئا؛ لكنNNه يجب أن
يحذر على أي حال .سأكتب له بضع كلمات ،في حين تجد لي من يرسلها".
وفي أقل منها ،كان السيد تاباري العجوز في سيارته األجرة ويتجه نحو مقر الشرطة .نويNNل قاتNNل! كNNان
كرهه بال حدود ،كما كانت مودته الثقة في الماضي .لقد تم خداعه بطريقNNة قاسNNية ومشNNينة من قبNNل أشNNد
الرجال جرًم ا وإجراًم ا .كان يشNNتهي االنتقNNام ،ويسNNأل نفسNNه مNNا هي العقوبNNة الNNتي يجب أن تكNNون كافيNNة
للجريمة.
"ألنه لم يقتل كلودين فحسب" ،فكر" ،بل وضع األمور بحيث يتم اتهام رجNNل بNNريء ويحكم عليNNه .ومن
يستطيع القول إنه لم يقتل والدته الفقيرة؟"
كان يندم على إلغاء التعNذيب ،والقسNوة الراقيNة في العصNNور الوسNطى :التقطيNع ،الحNرق على الجمNرة،
العجلة .الغيالفين يعمل بسرعة حتى ال يشعر المدان بقطع الفوالذ البNNارد ألعضNNامه ،إنNNه ليس أكNNثر من
لطمة على الرقبة .من خالل محاولة تخفيف ألم الموت ،أصNNبح الغيالفين مجNرد سNخرية ،ويمكن إلغNاؤه
تماًم ا.
كان األمر الوحيد الNNذي يبقي السNNيد تابNNاري العجNNوز قويًNا هNNو يقينNNه من ضNNبط نويNNل وتسNNليمه للعدالNNة،
واالنتقام منه.
"من الواضح" ،همس" ،أن األشّر نسي أشيائه في محطة القطNNار ،في عجلتNNه للعNNودة إلى عشNNيقته .هNNل
سيتم العثور عليها هناك؟ إذا كان قNNد اتبNNع الحكمNNة وطلبهNNا باسNNم مزيNNف ،فال أرى دلياًل آخNNر ضNNده .لن
تساعدني شهادة السيدة شافور .العاهرة ،بعدما شاهدت عشيقها في خطر ،ستنكر ما أخبرتني به .سNNتؤكد
أن نويل غادرها بعد العاشNNرة مسNNاًء .لكNNني ال أسNNتطيع التفكNNير في أنNNه يجNNرؤ على الNNذهاب إلى محطNNة
القطار مرة أخرى".
في منتصف الطريق في شارع ريشيليو ،أصيب السيد تاباريه بدوار مفاجئ.
"أخشى أن يحدث لي نوبة" ،فكNNر" ،إذا مNNا مت ،سNNيفلت نويNNل ويصNNبح وريNNثي .يجب على اإلنسNNان أن
يحمل وصيته معه دائًم ا ،ليتمكن من تدميرها إذا لزم األمر".
عندما وصل بعض الخطوات ،رأى لوحة طبيب على إحدى األبواب .أوقف السيارة واندفع إلى الNNداخل.
كان متحمًسا جًدا وخارًجا عن نفسNNه ،وكNNانت عينNNاه تعNNبر عن جنNNون .لNNذا ،خNNاف الطNNبيب من مريضNNه
الغريب ،الذي قال له بصوت مبحوح" :امنحني نقلة!"
حاول الطبيب االعتراض ،لكن العجوز بدأ بالفعل في خلع معطفه ورفع أحد أكمام قمصانه.
"امنحني نقلة!" تكرر" ،أتريدني أن أموت؟"
أخيرًا ،امتثل الطبيب لرغبته ،وخرج السيد تاباريه هادًئا ومرتاًحا.
وبعد ساعة ،وبحوزته السلطة الالزمة ،ويصاحبه شرطي ،توجه إلى مكتب األشياء المفقNNودة في محطNNة
القطار سانت الزار للبحث الالزم .كانت النتيجة كما توقع ،حيث علم أنNNه في مسNNاء الثالثNNاء األخNNير ،تم
العثور على معطف ومظلة في أحد عربات الدرجة الثانية للقطار رقم .45
أظهر لهم األشياء ،واعترف على الفور بأنها تعNود إلى نويNل .في أحNد جيNوب المعطNف ،وجNد قفNازات
جلدية باللون األرجواني ،متآكلة ومتسخة ،باإلضافة إلى تذكرة عودة من شاتو لم تستخدم.
وبينما كان السيد تاباريه يسارع إلى الحقيقة ،كان يعرف جيًدا ما هي .كان قناعته ،التي تكونت عن غير
قصد عندما حدثه كليرجو عن حماقات نويل ،قد تعNNززت من خالل عNNدد من الطNNرق األخNNرى .وعنNNدما
كان مع جولييت ،كان متأكًدا تماًم ا ،ولكن في هذه اللحظة األخيرة ،حيث أصNNبح الشNNك مسNNتحيًال ،كNNانت
صدمته تامة حين رأى األدلة المرسومة ضد نويل.
"إلى األمام!" صاح أخيًر ا" ،اآلن حان الوقت العتقاله".
وبدون أن يضيع لحظة ،سارع إلى قصر العدل ،حيث كان يأمل في العثNNور على قاضNNي التحقيNNق .على
الرغم من تNNأخر الNNوقت ،كNNان السNNيد دابNNورون ال يNNزال في مكتبNNه ،حيث كNNان يتحNNدث مNNع الكNNونت دي
كوماران ،مع تبادل الحديث حول الحقائق التي كشفها بيير لوروج ،الذي كان يعتقد الكونت أنه مات منذ
سNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNنوات عديNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNدة.
دخل السيد تاباريه كالعاصفة ،مشتًتا جًدا ليالحظ وجود شخص غريب.
"سيدي" ،صNNاح بصNNوت مNNتردد وهNNو يكبت غضNNبه" ،لقNد اكتشNNفنا القاتNNل الحقيقي! إنNNه ابNNني المتبNNنى،
وريNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNثي ،نويNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNNل!"
"نويل!" كرر السيد دابورون متحجًر ا .ثم بصوت أقل ،أضاف" :كنت أشتبه به".
"هناك حاجة إلى أمر اعتقال فوري" ،استمر العجوز" ،إذا أضعنا دقيقة ،سNNينجح في الفNNرار من أيNNدينا.
إذا كانت عشيقته قد أخبرته بزيارتي لها ،فسيعرف أنه تم اكتشافه .عجل يا سيدي ،عجل!"
فتح السيد دابورون شفتيه ليسأل عن تفاصيل األمر ،لكن الشرطي القNديم اسNتمر" :ليس هNذا كNل شNيء.
الرجل البريء ألبرت ال يزال في السجن".
"لن يكNNون كNNذلك سNNاعة أخNNرى" ،رد القاضNNي" ،لحظNNات قبNNل وصNNولك ،كنت قNNد اتفقت على إطالق
سراحه .يجب علينا اآلن التركيز على اآلخر".
لم يالحظ كل من السيد تاباريه والسيد دابNورون اختفNاء الكNونت دي كومNاران .عنNد سNماع اسNم نويNل،
خرج الكونت بهدوء من الغرفة واندفع خارج الباب.
الفصل 19
وعد نويل بأن يبذل كل جهده ،ويحاول حتى المستحيل ،للحصول على إطالق سراح ألبرت .فقد قابل
النائب العام وبعض أعضاء السلك القضائي ،ولكنه تم صده في كل مكان .في الرابعة عصًرا ،زار
منزل الكونت دي كوماران إلبالغ والده بفشل جهوده.
"خرج الكونت" ،قال دينيس" ،ولكن إذا عرفت عناء االنتظار"...
"سأنتظر" ،أجاب نويل.
"حسًنا" ،رد الخادم" ،هذه هي تعليمات الكونت ،وسأريك إلى غرفته الخاصة".
أعطت هذه الثقة نويل فكرة عن قوته الجديدة .فهو في المنزل اآلن ،في هذا البيت الرائع ،هو السيد،
الوريث! نظره ،الذي تجول في جميع أنحاء الغرفة ،الحظ شجرة العائلة المنسوجة على الحائط .اقترب
منها وقرأها.
كانت مثل صفحة من أشرف الصفحات المأخوذة من الكتاب الذهبي للنبالء الفرنسيين .كانت هناك كل
األسماء التي لها مكان في تاريخنا .وقد خلطت عائلة كوماران دمها مع جميع العائالت الكبرى؛ حتى
تزوج اثنان منهم بنات من العائالت الحاكمة .مأل الفخر قلب المحامي ،وزاد نبضات قلبه ،ورفع رأسه
بكبرياء ،وهو يهمس "فيكونت دي كوماران!".
فتح الباب .التفت ،ورأى الكونت يدخل .وعندما كان نويل على وشك أن ينحني بتواضع ،فزع من نظرة
الكراهية والغضب واالزدراء على وجه والده.
جرى شعور بالرعب في شرايينه؛ وخفقت أسنانه؛ وشعر بأنه قد خسر" .شقي!" صرخ الكونت.
وخوًفا من عنفه الخاص ،رمى النبيل العجوز عكازه في الزاوية .لم يكن يريد ضرب ابنه؛ ألنه اعتبره
غير مستحق ليد الضرب .ثم كان هناك لحظة صمت مميت ،يبدو لهما كالقرن.
في الوقت نفسه ،كانت عقولهم مليئة باألفكار التي تتطلب حجًم ا ليتم تدوينها.
كان لدى نويل الشجاعة ليتحدث أوًال" .سيدي" ،بدأ.
"أسكت!" صرخ الكونت بصوت مبحوح" ،كيف يمكن أن يكون ،هللا يغفر لي ،أنت ابني؟ لألسف ،ال
يمكنني الشك في ذلك اآلن! أيها الشقي ،كنت تعلم جيًدا أنك ابن مدام جيردي .يا لك من أجرأة الخائن!
لم ترتكب هذه الجريمة فحسب ،بل فعلت كل شيء لتتسبب في اتهام رجل بريء بجريمتك! يا قاتل
األب ،لقد قتلت أمك أيًضا".
حاول المحامي أن يتلعثم في اعتراضه.
"أنت قتلتها" ،واصل الكونت بزيادة الطاقة" ،إذا لم تكن بالسم ،على األقل بجريمتك .أفهم اآلن كل
شيء؛ لم تكن تتخيل في هذا الصباح .ولكنك تعرف جيًدا مثلي ماذا كانت تقول .كنت تستمع ،وإذا
جرأت على الدخول في تلك اللحظة حيث كان كلمة واحدة أخرى تكشف عنك ،فقد حسبت تأثير
وجودك .إليك كانت توجه كلمتها األخيرة' ،قاتل'!"
بالتدريج ،انحسر نويل إلى نهاية الغرفة ،ووقف يتكئ على الحائط ،رأسه للوراء ،شعره مقزز ،نظرته
مرعوبة .هزة ارتجافية تهز جسده .كان وجهه يعبر عن الرعب األكثر رهيبة للرؤية ،رعب الجاني
المكتشف.
"أعرف كل شيء اآلن" ،واصل الكونت" ،ولست وحدي في معرفتي .في هذه اللحظة ،صدر أمر
اعتقال ضدك".
اندفعت صرخة غضب من صدر المحامي مثل صوت حشرجة مجوفة .أصبحت شفتاه التي كانت تتدلى
من الرعب ،ثابتة اآلن .في وسط انتصاره ،كان منهاًر ا ،ولكنه كافح ضد هذا الخوف .رفع رأسه بنظرة
تحدي.
وبدون أن ينتبه إلى نويل ،اقترب السيد دو كوماران من مكتبه ،وفتح درًجا.
"واجبي" ،قال" ،كان يجب أن أتركك للجالد الذي ينتظرك ،لكني أتذكر أنني أنا ،لألسف ،والدك.
اجلس ،اكتب ووقع اعترافك بجريمتك .ستجد بعدها أسلحة نارية في هذا الدرج .لعل هللا يغفر لك!"
تحرك النبيل العجوز نحو الباب .أوقفه نويل بإشارة ،وبينما كان يستل من جيبه مسدًسا ،قال" :ال تحتاج
إلى سالح ناري ،سيدي؛ فقد اتخذت احتياطاتي ،كما ترى ،ولن يمكنهم القبض علّي حًيا .لكن"...
"لكن؟" تكرر الكونت بصوت قاٍس.
"يجب أن أخبرك ،سيدي" ،واصل المحامي بصوت بارد" ،أنني ال أرغب في االنتحار ،على األقل
حتى اآلن".
"آه!" صاح السيد دو كوماران بقرف" ،أنت جبان!"
"ال ،سيدي ،لست جباًنا؛ لكني لن أنتحر حتى أتأكد من إغالق كل الفرص بوجهي ،وأن ال يمكنني أن
أنجو".
"يا للشقي البائس!" قال الكونت بتهديد" ،أيجب علي أن أفعلها بنفسي؟"
تحرك نحو الدرج ،لكن نويل أغلقه بركلة.
"استمع إلي ،سيدي" ،قال ،بتلك النبرة الهامشية السريعة التي يستخدمها الناس في لحظات الخطر
الشديد" ،ال ننبذد وقتنا بالكالم الباطل في اللحظات القليلة المتبقية لي .لقد ارتكبت جريمة ،صحيح ،وال
أحاول تبريرها؛ لكن من هو الذي وضع أساسها ،إن لم تكن أنت؟ واآلن ،تفضل بإعطائي مسدس.
شكًر ا ،لكني أرفضه .هذه الكرم ليس ألجلي ،فأنت تريد فقط تجنب فضيحة محاكمتي ،والعار الذي ال
يمكن أن يتجنب أن ينعكس على اسمك".
كان الكونت على وشك الرد.
"اعطني اإلذن" ،قاطع نويل بطريقة متسلطة" .أنا ال أرغب في االنتحار؛ أريد إنقاذ حياتي ،إن أمكن.
قدم لي وسيلة للهروب؛ وأعدك بأن أموت قبل أن يمسكون بي .أقول ،قدم لي وسيلة ،ألنني ليس لدي
عشرين فرنًك ا في العالم .تقريًبا انتهت األلف فرنك التي كانت معي في اليوم الذي ...تفهمني .ليس هناك
ما يكفي من المال في المنزل إلتمام دفن أمي بشكل الئق .لذلك ،أقول ،اعطني بعض المال".
"ال أبًدا!"
"حسًنا ،سأسلم نفسي للعدالة ،وسترى ما سيحدث لالسم الذي تحمله بكل حب!"
اندفع الكونت ،جنوًنا ،نحو مكتبه للحصول على مسدس .وضع نويل نفسه بينه وبين المكتب.
"أرجوك ،ال تدعنا نتورط في أي صراع" ،قال ببرودة؛ "أنا األقوى".
انتكأ السيد دو كوماران .بالتحدث بهذه الطريقة عن المحاكمة والفضيحة والعار ،ترك المحامي انطباًعا
عليه.
وبعد تردد لحظة بين حبه السمه ورغبته الشديدة في رؤية هذا الشخص المنحط معاقًبا ،وقف النبيل
العجوز متردًدا.
وأخيًر ا ،انتصرت مشاعره بخصوص مكانته.
"لننهي هذا" ،قال بصوت يرتجف ،مليء بأقصى درجات االزدراء؛ "ماذا تطلب مني؟"
"لقد قلت لك بالفعل ،المال ،كل ما لديك هنا .لكن اتخذ قرارك بسرعة".
في السبت السابق ،سحب الكونت من بنكه المبلغ الذي كان قد خصصه لتجهيز شقق من اعتقاده أنها
البنه الشرعي.
"لدي ثمانين ألف فرنك هنا" ،أجاب.
"هذا قليل جًدا" ،قال المحامي؛ "ولكن اعطها لي .لكن أقول لك أنني كنت قد حسبت عليك خمسمائة
ألف فرنك .إذا نجحت في الهرب من مطاردي ،فعليك أن تضع الباقي ،أربعمائة وعشرين ألف فرنك،
تحت تصرفي .هل تتعهد بإعطائي هذه المبالغ إذا طلبتها؟ سأجد وسيلة إلرسالها دون أي خطر على
نفسي .بهذا الثمن ،لن تخشي أن تسمع عني مرة أخرى".
كرًدا على ذلك ،فتح الكونت صندوًقا صغيًرا من الحديد مدمًج ا في الحائط ،وأخرج لفة من أوراق البنك
التي رماها عند قدمي نويل.
ظهرت نظرة غاضبة في عيني المحامي ،حيث خطو خطوة واحدة تجاه والده.
"آه احذر!" ،قال بتهديد؛ "األشخاص الذين ليس لديهم شيء يخسرون خطريون .ال يزال بمقدوري
تسليم نفسي ،و"...
لكنه انحنى والتقط األوراق.
"هل ستعطيني كلمتك "،استمر" ،بأن تمنحني الباقي عندما أطلبه؟"
"نعم".
"هيا فأنا ذاهب .ال تخف ،سأكون مخلًص ا التفاقنا ،لن يأخذونني حًّيا .وداًعا يا أبي! أنت الجاني الحقيقي
في كل هذا ،ولكنك وحدك ستفلت من العقاب .آه ،السماء ليست عادلة .ألعنك!"
عندما دخل الخدم ساعة الحقة إلى غرفة الكونت ،وجدوه ممدًدا على األرض بوجهه على السجادة ،وال
يظهر أي عالمة على الحياة.
على متن الطريق المؤدية إلى شارع الجامعة ،كان نويل يترنح.
بدت له الرصيف يتأرجح تحت قدميه ،وكل شيء حوله يدور .كان فمه جاًفا ،وعيناه تحترقان ،وكل
فترة وجود نوبة مفاجئة من الغثيان.
ومع ذلك ،وعجيًبا ،شعر براحة ال تصدق ،ولقد شعر بالسعادة .لقد انتهى األمر ،وانتهت اللعبة .لم يكن
هناك المزيد من العذاب ،وال المزيد من الخوف العبثي والرعب الغبي ،وال المزيد من االنحناء ،وال
المزيد من الصراعات .من اآلن فصاعًدا ،ليس لديه شيء يخشاه .بعد أدائه الفظيع حتى النهاية المريرة،
يمكنه اآلن وضع قناعه جانًبا والتنفس بحرية.
خلف الطاقة اليائسة التي دفعته نحو الجرأة الوقحة أمام الكونت ،جاءت اإلرهاق الالحق والحاجة
الملحة إلى الراحة .وجميع الينابيع في جسده ،الممدودة ألكثر من أسبوع ،انهارت اآلن .فقد انتهت
الحمى التي كانت تحافظ عليه في األيام األخيرة ،ومع اإلرهاق ،شعر بحاجة ملحة إلى الراحة .وشعر
بفراغ كبير والمباالة تجاه كل شيء.
كان انغماسه في الالشعور يشبه بشدة ما يشعر به األشخاص المصابون بدوار البحر ،حيث ال يهتمون
بأي شيء ،وال تستطيع الحساسات أن تحركهم ،وال يمتلكون القوة أو الشجاعة للتفكير ،وال يمكن أن
يوقظهم من هذا الخدر حتى بوجود أي خطر كبير ،حتى الموت نفسه.
لو جاء أحدهم إليه في تلك اللحظة ،لن يفكر أبًدا في المقاومة ،وال في الدفاع عن نفسه؛ لن يخطو خطوة
إلخفاء نفسه ،أو الفرار ،أو حتى إلنقاذ رأسه.
للحظة ،فكر جدًيا في تسليم نفسه ،لتحقيق السالم والهدوء ،والتخلص من القلق بشأن سالمته.
لكنه صارع ضد هذا الغباء المنفلت ،وفي النهاية حدثت ردة الفعل ،حيث تخلص من هذا الضعف
الذهني والجسدي.
عادت له وعيه بموقفه وخطره .توقع برعب السقالة ،كما يرى الشخص عمق الهاوية بواسطة البرق.
"يجب أن أنقذ حياتي "،فكر" ،لكن كيف؟"
استولت عليه الرعب الذي يحرم القاتل من حتى الحس العادي .نظر حوله بشغف ،وظن أنه يالحظ
ثالثة أو أربعة مارة ينظرون إليه بفضول .زاد رعبه.
بدأ بالجري في اتجاه الحي الالتيني بدون هدف ،يركض من أجل الجري ،للهروب ،مثل الجريمة كما
هو مصور في اللوحات ،تهرب تحت جلدات العذاب.
لكنه توقف قريبًا ،ألنه تذكر أن هذا السلوك الغير عادي سيجذب االنتباه.
يبدو له أن كل شيء فيه يشي بأنه القاتل؛ يعتقد أنه يقرأ االزدراء والرعب على كل وجه ،والشك في كل
عين.
يسير ،وهو يكرر لنفسه بشكل غريزي" :يجب أن أفعل شيًئا".
لكنه كان مضطرًبا لدرجة أنه لم يكن قادًر ا على التفكير أو التخطيط ألي شيء.
عندما تردد ال يزال في ارتكاب الجريمة ،كان يقول لنفسه" :ربما يكتشفونني ".ومع وجود هذا االحتمال
في االعتبار ،كان قد وضع خطة ستجعله خارج نطاق الخوف من المطاردة .سيفعل هذا وذاك؛ سيلجأ
إلى هذا الحيل ،سيتخذ تلك االحتياطات .لكن هذا االستعداد الذي لم يكن له فائدة! اآلن ،ال يبدو أن أي
شيء من ما تخيله ممكًنا .الشرطة تبحث عنه ،وال يستطيع التفكير في أي مكان في العالم يشعر فيه
باألمان تماًم ا.
كان قريًبا من مسرح األوديون عندما سرعان ما وجد أفكاًر ا توقدها الظالم في عقله.
تبادر إليه أنه بما أن الشرطة بال شك تطارده بالفعل ،سيصبح وصفه قريًبا معروًفا للجميع ،سيفضحه
طوقه األبيض ولحيته المحفوفة باألمانة تماًم ا كما لو كان يحمل الفتة تعلن من هو عليه.
رأى محل حالقة ،فسارع إلى الباب ،لكنه خاف عندما كان على وشك تحريك المقبض.
قد يظن الحالق أنه غريب ألنه يريد حالقة لحيته ،وربما سأله!
مر بجوار محل حالقة آخر ،لكن الخوف نفسه مرة أخرى حال دون دخوله.
تدريجيًا ،تغطى الليل ،وبالظالم ،بدا لـ نويل أنه يستعيد ثقته وجرأته.
بعد هذا الحادث الكارثي في الميناء ،ارتفع األمل إلى السطح .لماذا ال ينقذ نفسه؟ كانت هناك العديد من
الحاالت المماثلة .يمكنه الذهاب إلى بلد أجنبي ،وتغيير اسمه ،وبدء حياته من جديد ،وأن يصبح شخًصا
جديًدا تماًم ا .لديه المال؛ وهذا هو الشيء الرئيسي.
وباإلضافة إلى ذلك ،بمجرد أن ينفق ثمانين ألف فرنك ،كان لديه اليقين بأنه سيحصل ،عند أول طلب
له ،على خمس أو ست مرات أكثر من ذلك.
كان يفكر بالفعل في الم disfraceالذي سيتخذه والحدود التي سيتجه إليها ،عندما اخترقت ذكريات
جولييت قلبه كالحديد الحار.
ًا
هل كان سيغادر دونها ،ويذهب بعيد باليقين بأنه لن يراها مرة أخرى؟ ماذا! سيطير ،ويطارده جميع
أفراد الشرطة في العالم المتحضر ،ويتعقب كحيوان بري ،وهي ستبقى بسالم في باريس؟ هل هذا
ممكن؟ فلمن ارتكب هذه الجريمة؟ من أجلها .من سيستفيد منها؟ هي .أليس من العدل ،إذن ،أن تتحمل
نصيبها من العقاب؟
"إنها ال تحبني" ،فكر المحامي بمرارة" ،إنها لم تحبني أبًدا .ستكون سعيدة للتخلص مني إلى األبد .لن
تشعر بالحنين لي ،ألنني لست ضروريًا لها بعد اآلن .الخزانة الفارغة هي عفا عليها الزمن .جولييت
حذرة؛ لقد تمكنت من توفير ثروة صغيرة جميلة على حسابي .وهي ستتزوج من عشيق آخر،
وستنسىني ،وستعيش بسعادة ،في حين أنا -وكنت على وشك الذهاب بعيدًا دونها!".
صاحت صوت الحذر له" :يا رجل األسفلت األحمق! أن تجر امرأة معك ،وامرأة جميلة أيًضا ،ليس
سوى جذب االنتباه بغباء إليك ،وجعل الهروب مستحيًال ،واالستسالم لنفسك مثل األحمق".
"ماذا عن ذلك؟" ردت العاطفة" .سننجو مًعا أو نموت .إذا كانت ال تحبني ،فأنا أحبها؛ يجب أن أملكها!
ستأتي ،وإال"...
ولكن كيف يمكنه رؤية جولييت والتحدث معها وإقناعها .الذهاب إلى منزلها كان خطًرا كبيًرا يتعين
عليه تحمله .ربما كانت الشرطة هناك بالفعل.
"ال" ،فكر نويل" ،ال أحد يعرف أنها عشيقتي .لن يتم اكتشاف ذلك إال بعد يومين أو ثالثة ،وعالوة على
ذلك ،كان الكتابة أكثر خطورة بعد.
ترجمة إلى العربية :وباإلضافة إلى ذلك ،بمجرد أن تنفق الثمانون ألف فرنك له ،كان لديه اليقين من
تلقي خمس أو ست مرات أكثر من ذلك عند أول طلب .كان يفكر بالفعل في التنكر الذي يجب أن يتبناه،
والحدود التي يجب أن يتوجه إليها ،عندما طعنت ذكرى جولييت قلبه كأنها قضيب حديدي ساخن .هل
كان سيتركها ويذهب دونها ،ويذهب بعيًدا مع اليقين أنه لن يراها مرة أخرى؟ ماذا! كان سيركب
الطائرة ،مطارد من قبل جميع شرطة العالم المتحضر ،تتبعه مثل الوحش البري ،وستبقى هي بسالم في
باريس؟ هل كان ذلك ممكًنا؟ من أجل من ارتكب هذه الجريمة؟ من أجلها .من سيحصل على منافعها؟
هي .أليس من العدل إذن أن تتحمل نصيبها من العقوبة؟
"إنها ال تحبني" ،فكر المحامي بمرارة" ،لم تحبني أبًدا .ستكون سعيدة للتخلص مني إلى األبد .لن تشتاق
إلي ألنني لم أعد ضرورًيا لها .الصندوق الفارغ هو قطعة أثاث غير مفيدة .جولييت حكيمة؛ تمكنت من
توفير ثروة صغيرة لطيفة .تكتسب الثروة على حسابي ،ستأخذ عشيًقا آخر .ستنساني ،وستعيش سعيدة،
بينما أنا -وكنت على وشك الرحيل دونها!"
صرخت صوت الحذر له" :يا رجل التعيس! سحب امرأة معك ،وامرأة جميلة أيًضا ،ليس إال لجذب
االنتباه إليك بغباء ،لجعل الهروب مستحياًل ،لتسليم نفسك مثل أحمق".
"ماذا عن ذلك؟" أجاب الشغف" .سننجو أو سنهلك مًعا .إذا لم تحبني ،أنا أحبها؛ يجب أن أمتلكها!
ستأتي ،وإال "-
ولكن كيف يرى جولييت ،ويتحدث معها ،ويقنعها؟ الذهاب إلى منزلها كان مخاطرة كبيرة بالنسبة له.
ربما كانت الشرطة هناك بالفعل.
"ال" ،فكر نويل؛ "ال أحد يعرف أنها عشيقتي .لن يكتشف ذلك إال بعد يومين أو ثالثة أيام ،وباإلضافة
إلى ذلك ،سيكون كتابة رسالة أكثر خطورة".
استقل سيارة أجرة ليست بعيدة عن كارفور دي لوبسيرفاتوار ،وبصوت خافت أخبر السائق برقم
المنزل في رو دو بروفانس الذي كان قد تسبب في كارثته .مستلقًيا على وسائد السيارة ،مهدًأ برّجاتها
الممّلة ،لم يفكر نويل في المستقبل ،ولم يفكر حتى في ما سيقوله لجولييت .ال ،مّر عليه بشكٍل غير
إرادي مراجعة األحداث التي أدت إلى الكارثة ،كما يفعل اإلنسان عندما يكون على شفير الموت ،حيث
يراجع مسرحية حياته ،سواء كانت مأساوية أو كوميدية.
قبل شهر فقط ،وبعد أن أفنى كل ما لديه وأصبح بال موارد على اإلطالق ،قرر نويل ،مهما كلف األمر،
الحصول على المال ،حتى يتمكن من االستمرار في االحتفاظ بالسيدة جولييت ،وفي هذه األثناء وقعت
الصدفة بيده مراسالت الكونت دي كومارين .لم يقرأ نويل فقط الرسائل التي قرأها العجوز تاباريه
وأظهرها أللبرت ،بل أيضًا تلك التي كتبها الكونت عندما اعتقد أن االستبدال قد حدث بالفعل ،والتي
أثبتت بوضوح ذلك.
أعطته قراءتها ساعة من السعادة المجنونة.
ظن نفسه ابًنا شرعًيا ،لكن والدته سرعان ما خدعته ،وأخبرته الحقيقة ،وأثبتت ذلك له بعدة رسائل
حصلت عليها من ويدو لوروج ،ودعت كلودين شاهدًا عليها ،وأظهرت له الندوب التي يحملها.
لكن المرء ال يختار الفرع الذي يحاول اإلمساك به عندما يسقط .قرر نويل استخدام الرسائل على أي
حال.
حاول إقناع والدته بترك الكونت في جهله ،حتى يتمكن من ابتزازه .لكن السيدة جيردي رفضت
االقتراح بشدة.
ثم اعترف المحامي بجميع جنونه ،وكشف حالته المالية ،وأظهر نفسه في ضوءه الحقيقي ،مغموًرا
بالديون ،وطلب من والدته اللجوء إلى الكونت دي كومارين.
رفضت هذا أيًض ا ،ولم تفلح الصلوات والتهديدات في إقناعها بالتراجع عن قرارها .لمدة أسبوعشرين
يوًم ا ،كان هناك صراع شديد بين األم واالبن ،والمحامي كان الخاسر فيه.
وكانت في ذلك الوقت فكرة قتل كلودين قد تراوده.
لم تكن المرأة السعيدة صريحة مع السيدة جيردي أكثر من غيرها ،لذلك ظن نويل حًقا أنها أرملة .لذلك،
بعد أن قام بقمع شهادتها ،من هو الذي يقف في طريقه؟
السيدة جيردي ،وربما الكونت .لم يخف منهم كثيًر ا .إذا تحدثت السيدة جيردي ،يمكنه دائًم ا الرد" :بعد
أن سرقت اسمي البنك ،ستفعل كل شيء في العالم لتمكينه من االحتفاظ به" .ولكن كيف يتخلص من
كلودين دون خطر عليه؟
بعد تفكير طويل ،فكر المحامي في خطة شيطانية.
أحرق كل رسائل الكونت التي تثبت االستبدال ،واحتفظ فقط بتلك التي تجعله محتماًل .
ذهب إلى ألبرت وأظهر له هذه الرسائل األخيرة ،متأكًدا من أنه إذا اكتشفت العدالة سبب وفاة كلودين،
فإنها ستشك فيه الذي يبدو أن لديه أكبر مصلحة في ذلك.
وليس ألنه يريد حًقا أن يشتبه في ألبرت بالجريمة ،بل هو مجرد احتياط .كان يعتقد أنه يمكنه ترتيب
األمور بحيث تضيع الشرطة وقتها في مالحقة مجرم وهمي.
ولم يفكر في إخراج الفيكونت دي كومارين ووضع نفسه في مكانه .كانت خطته ببساطة هذه؛ بمجرد
ارتكاب الجريمة ،سينتظر؛ ستأخذ األمور مجراها الطبيعي ،سيكون هناك مفاوضات ،وفي نهاية
المطاف سيتم التسوية بسعر ثروة.
كان واثًقا من صمت والدته ،إذا اشتبهت به متهما باالغتيال.
بعد ترتيب كل شيء ،قرر أن يضرب ضربة القاتل في يوم الثالثاء الكبير.
ولكي ال يهمل أي احتياط ،أخذ جولييت إلى المسرح في نفس الليلة ،وبعد ذلك إلى حفل الكمام في
األوبرا .في حال تعرض ألي شيء ضده ،حصل بذلك على الدليل الذي ال يمكن الرد عليه.
لم يؤرقه فقدان معطفه إال للحظات قليلة .بعد التفكير ،راح يطمئن نفسه قائال" :أها! من سيعرف أبًدا؟"
كل شيء حدث وفًقا لحساباته؛ كان في رأيه مسألة صبر.
ولكن عندما قرأت السيدة جيردي تقرير الجريمة ،تخّم نت المرأة الحزينة عمل ابنها ،وفي نوبات حزنها
األولى ،أعلنت أنها ستبّلغ عنه.
كان مرعوًبا .كانت هذه نوبة هستيرية فظيعة قد احتلت والدته .كلمة واحدة منها قد تدّم ره .ومع ذلك،
وضع وجه شجاع ،وعمل على الفور وراهن كل شيء.
إن وضع الشرطة على عتبة ألبرت كان يضمن سالمته ،ويضمن لنفسه ،في حال النجاح المحتمل ،اسم
وثروة الكونت دي كومارين.
زادت الظروف ،باإلضافة إلى رعبه الخاص ،جرأته وفطنته.
جاء زيارة السيد تاباري القديم في الوقت المناسب للغاية.
كان نويل يعرف عالقته بالشرطة ،وتخّم ن أن الرجل العجوز سيكون ثقة قيمة.
طالما عاشت السيدة جيردي ،خاف نويل .في هستيريتها ،يمكن أن تخونه في أي لحظة .ولكن عندما
توفيت ،اعتقد أنه آمن .فكر في كل شيء ،ولم يرى أي عقبة أخرى في طريقه ،وكان واثًقا من أنه
انتصر.
واآلن تم اكتشاف كل شيء ،وذلك عندما كان على وشك تحقيق هدف طموحه .ولكن كيف؟ ومن قبل؟
ما هو القضاء العادل الذي أحيا سًر ا اعتقد أنه دفن مع السيدة جيردي؟
ولكن ما هو الفائدة عندما يكون اإلنسان في قاع الهاوية ،من معرفة أي حجر سقط ،أو السؤال عن
الجانب الذي سقط فيه؟
توقفت السيارة في شارع دو بروفانس .خرج نويل من الباب ،وعيناه تستكشفان المنطقة ،ويطلق نظرة
متأنية على عمق قاعة المنزل .لم ير أحًدا ،فدفع األجرة من خالل النافذة األمامية ،قبل أن يخرج من
السيارة ،وعبر الرصيف بقفزة ،واندفع نحو الدرج.
عندما رأته شارلوت ،صاحت من الفرحة.
"أخيًر ا أنت أنت ،يا سيدي!" صاحت شارلوت" ،أه ،كانت السيدة تنتظرك بأشد الصبر! كانت قلقة
جًدا".
جولييت تنتظره! جولييت قلقة!
لم يتوقف المحامي ليطرح األسئلة .عندما وصل إلى هذا المكان ،بدا وكأنه استعاد هدوءه فجأة .فهو يفهم
خطأه ،ويعرف القيمة الدقيقة لكل دقيقة يتأخر فيها هنا.
"إذا رن الهاتف "،قال لشارلوت" ،ال تفتحي الباب .ال يهم ما يتم قوله أو فعله ،ال تفتحي الباب!"
عند سماع صوت نويل ،ركضت جولييت لتستقبله .دفعها بلطف إلى الصالون ،وتبعها ،وأغلق الباب.
هناك ،رأت وجهه ألول مرة.
كان قد تغير كثيًر ا؛ كان نظرته مرهقة للغاية ،حتى لم تستطع االمتناع عن الصراخ" :ما األمر؟"
لم يجب نويل؛ تقدم نحوها وأخذ يدها.
"جولييت "،طالبها بصوت هادر ،وعيناه تلمعان" ،جولييت ،كن صادقة؛ هل تحبينني؟"
شعرت بغريزة أن شيًئا فظيًعا حدث :بدا وكأنها تتنفس جًو ا من الشر؛ لكنها ،كالعادة ،تظاهرت
بالالمباالة.
"أنت رجل سيء الطبع "،ردت ،وهي تعاند بشفتيها" ،هل تستحق؟"
"يكفي!" انفجر نويل ،وهو يدوس قدميه بشراسة" .أجيبيني" ،واصل ،وهو يكسر يديها الجميلتين في
قبضته" ،نعم ،أو ال؟ هل تحبينني؟"
كانت قد غلطت بحقه كثيًر ا ،ولم تجرؤ على الشكوى من هذا القسوة األولى له.
"نعم ،أنا أحبك" ،تلعثمت" ،أال تعلم ذلك؟"
"لماذا؟" رد المحامي ،وهو يفك قبضته عن يديها" ،لماذا؟ ألنه إذا كنِت تحبينني ،يجب أن تثبتي ذلك.
إذا كنِت تحبينني ،يجب عليِك متابعتي فوًر ا ،تخلي عن كل شيء .تعالي ،هربي معي ،الوقت يضيق"...
كانت الفتاة الصغيرة مرعوبة.
"يا سماء العظمى! ماذا حدث؟"
"ال شيء ،إال أنني أحببتِك كثيًر ا ،جولييت .عندما وجدت أن ليس لدي المزيد من المال لرفاهيتِك ،
لشهواتِك ،أصبحت جنوني .للحصول على المال ،ارتكبت جريمة ،جريمة؛ هل تفهمين؟ يطاردونني
اآلن .يجب علي الهرب .أتتبعيني؟"
أصبحت عينا جولييت واسعتين من الدهشة ،لكنها شكت في نويل" .جريمة؟ أنت؟" بدأت.
"نعم ،أنا! هل تريدين معرفة الحقيقة؟ لقد ارتكبت جريمة قتل ،جريمة اغتيال .ولكن كل ذلك كان من
أجلِك ".
شعر المحامي بأن جولييت ستنفض عنه بالرعب .كان يتوقع الرعب الذي يلهب القاتل .كان متأهًبا لذلك
مسبًقا .اعتقد أنها ستفر منه ،وربما سيكون هناك مشهد .ربما تصاب بالهستيريا ،تصرخ ،تنادي للنجدة،
للمساعدة .كان مخطًئا.
بقفزة ،طارت جولييت إليه ،ورمت نفسها عليه ،وعانقته بذراعيها حول عنقه ،وعانقته كما لم تفعل من
قبل.
"نعم ،أنا أحبِك !" صاحت" ،نعم ،لقد ارتكبَت جريمة من أجلي ،ألنِك تحبني .لديَك قلب .لم أكن أعرفِك
حًقا من قبل!"
كلفه ذلك الكثير إللهام هذا الشغف في السيدة جولييت ،لكن نويل لم يفكر في ذلك.
عاش لحظة من السعادة الشديدة :لم يبدو له أنه يائس اآلن.
ولكن كان لديه الوعي الكافي ليتحرر من حضنها.
"هيا ،لنذهب" ،قال" ،الخطر الكبير هو أنني ال أعلم من أين يأتي الهجوم .كيف اكتشفوا الحقيقة ال يزال
لغًز ا بالنسبة لي".
تذكرت جولييت زائرها المزعج في فترة الظهيرة؛ فهمت كل شيء.
"أيها النساء المسكينة ،ما أنا عليه!" صرخت ،ملتوية يديها في اليأس" ،أنا من خانك .حدث هذا يوم
الثالثاء ،أليس كذلك؟"
"نعم ،يوم الثالثاء".
"آه ،إذًا ،لقد قلت كل شيء ،بال شك ،لصديقك العجوز الذي اعتقدُت أنِك أرسلِته ،تاباريه!"
"هل تاباريه كان هنا؟" "نعم ،للتو".
"تعال ،إذًا" ،صاح نويل" ،بسرعة ،إنه معجزة أنه لم يعد بعد ".أخذ ذراعها ،ليستعجلها ،لكنها تحررت
بمهارة" .انتظر" ،قالت" ،لدي بعض المال والمجوهرات .سأأخذها".
"إنها عبث .اتركي كل شيء خلفك .لدي ثروة ،جولييت .دعنا نهرب!"
لقد فتحت بالفعل صندوق مجوهراتها ،وكانت تلقي كل شيء من القيمة التي تمتلكها بعنف في حقيبة
سفر صغيرة.
"آه ،أنِت تدمريني" ،صرخ نويل" ،أنِت تدمريني!" تحدث بهذا الشكل ،لكن قلبه كان يفيض بالفرح.
"ما هذا التفاني الرفيع! إنها تحبني حًقا" ،قال لنفسه" ،من أجلي ،تتخلى عن حياتها السعيدة دون تردد؛
من أجلي ،تضحي بكل شيء!"
انتهت جولييت من التحضيرات ،وكانت تربط بسرعة قبعتها ،عندما رن جرس الباب.
"إنهم الشرطة!" صرخ نويل ،متحواًل إلى أشد حمرة إن أمكن.
وقفت الشابة وعشيقها كتمثالين ال يتحركان ،مع قطرات كبيرة من العرق على جبينيهما ،وعيونهما
متوسعة ،وآذانهما تستمعان باهتمامُ .سمع جرس للمرة الثانية ،ثم للمرة الثالثة.
ظهرت شارلوت وهي تمشي بصمت.
"هناك عدة أشخاص" ،همست" ،سمعتهم يتحدثون مًعا".
تعبوا من الجرس ،فقرعوا الباب بشدة .وصل صوت صوت إلى غرفة الجلوس ،وكان بوضوح يمكن
سماع كلمة "القانون".
"ال أمل بعد اآلن!" همس نويل.
"ال تيأس" ،صاحت جولييت" ،جرب الدرج الخاص بالخدم!"
"يمكنك أن تتأكد أنهم لم ينسوه".
ذهبت جولييت لترى ،وعادت محبطة ومرعوبة .الحظت أن هناك خطوات ثقيلة على السلم ،يحاول
شخص ما المشي بصمت.
"يجب أن يكون هناك طريقة للهروب!" صاحت بغضب.
"نعم" ،رد نويل" ،يوجد طريقة واحدة .لقد أعطيت كلمتي .هم يحاولون فتح الباب .اغلق جميع األبواب
ودعهم يكسروها .سيعطيني ذلك الوقت".
ركضت جولييت وشارلوت لتنفيذ تعليماته .ثم ،ونحن نحّد ق في الصورة ،وقف نويل متكًئا على المدفأة،
وأخذ مسدسه وأشار به نحو صدره.
لكن جولييت ،التي عادت ،الحظت الحركة ،فقفزت على عشيقها ،لكن بعنف شديد حتى أن المسدس
انحرف وانطلق الطلق .أصاب الرصاص نويل ،حيث اخترق معدته .أطلق صراًخ ا مرعًبا.
جعلت جولييت موته عقاًبا رهيًبا ،حيث أطالت معاناته.
تعثر ،لكنه ظل واقًفا ،يتكئ على المدفأة ،بينما تدفق الدم بكثرة من جرحه.
تشبثت جولييت به ،حاولت أن تنتزع المسدس من قبضته.
"لن تقتل نفسك!" صرخت" ،لن أسمح لك بذلك .أنت لي؛ أنا أحبك! دعهم يأتون .ماذا يمكنهم فعله بك؟
إذا وضعوك في السجن ،يمكنك الهرب .سأساعدك ،سنرشو السجانين .أه ،سنعيش مًعا بسعادة ،في أي
مكان ،بعيًدا في أمريكا حيث ال أحد يعرفنا!"
كان الباب الخارجي قد استسلم؛ واآلن كانت الشرطة تحاول فتح باب الغرفة األمامية.
"دعني أنهي!" همس نويل" ،ال يجب أن يأخذوني حًيا!"
وبجهد كبير ،وهو ينتصر على معاناته المريرة ،تحرر من جديد ودفع جولييت بعنف .وسقطت بالقرب
من األريكة.
ثم ،أخذ مسدسه مرة أخرى وأشار به نحو المكان الذي يشعر فيه بنبض قلبه ،وأطلق الزناد وسقط على
األرض.
كان الوقت مناسًبا ،ألن الشرطة دخلت الغرفة في تلك اللحظة.
كانت أولى أفكارهم ،أنه قبل أن يطلق النار على نفسه ،أطلق النار على عشيقته .عرفوا بالحاالت التي
يرغب الناس بشكل رومانسي في مغادرة هذا العالم مًعا؛ كما سمعوا اثنين من االنفجارات؛ ولكن
جولييت كانت قد وقفت بالفعل على قدميها مرة أخرى.
"طبيب!" صاحت" ،طبيب! ال يمكنه أن يكون ميًتا!"
ركض أحدهم ،في حين قام اآلخرون ،تحت إشراف تاباريه القديم ،برفع الجثة ونقلها إلى غرفة نوم
السيدة جولييت حيث وضعوها على السرير.
"أتمنى ألجله أن جروحه مميتة!" همس المحقق القديم ،الذي ترك غضبه عند الرؤية" .على أي حال،
أحببته كأنه ابني الخاص؛ ال يزال اسمه في وصيتي!"
توقف تاباريه القديم .في ذلك الوقت ،أصدر نويل أنيًنا ،وفتح عينيه" .أنت ترى أنه سيعيش!" صاحت
جولييت.
هز المحامي رأسه بضعف ،ولحظة ثم تحرك بألم على السرير ،وأدخل يده اليمنى أوًال تحت معطفه ،ثم
تحت وسادته .نجح حتى في تحويل نفسه جزئًيا نحو الحائط وثم العودة مرة أخرى.
عند إشارة ،التي فهمها الجميع على الفور ،وضع شخص آخر وسادة أخرى تحت رأسه .ثم بصوت
متقطع ومتشنج ،نطق ببضع كلمات" :أنا القاتل" ،قال" .اكتبوا ذلك ،سأوقع عليه؛ سيسر ألبرت .أدينه
بذلك على األقل".
وبينما كانوا يكتبون ،جذب رأس جولييت قريًبا من شفتيه.
"ثروتي تحت الوسادة" ،همس" .أعطيها كلها لك".
ارتفعت دفقة من الدم إلى فمه ،وظن الجميع أنه ميت .ولكنه ال يزال لديه قوة كافية لتوقيع اعترافه،
وليقول بطرافة للسيد تاباريه "آه ،ها ،يا صديقي ،فأنت تشارك في عملية المحقق ،أليس كذلك! يجب أن
يكون من المرح التصيد ألصدقائنا بأنفسنا! آه ،لقد لعبت لعبة رائعة؛ ولكن مع وجود ثالث نساء في
اللعبة ،كنت متأكًدا من الخسارة".
بدأت معركة الموت ،وعند وصول الطبيب ،لم يتمكن سوى من اإلعالن عن وفاة السيد نويل جيردي،
المحامي.
الفصل 20
بعد بضعة أشهر ،في إحدى الليالي ،في منزل اآلنسة دو غويلو العجوز ،كانت الماركيزة دارالنج ،التي
تبدو أصغر بعشر سنوات منذ آخر مرة رأيناها ،تخبر صديقاتها العجوزات عن حفل زفاف حفيدتها
كلير ،التي تزوجت للتو من الفيكونت ألبرت دي كوماران.
"أقيم الزفاف" ،قالت" ،على أرضنا في نورماندي ،دون أي تدليالت .أراد زوج ابنتي ذلك ،وأعتقد أنه
بذلك كان يتحمل مسؤولية كبيرة .كان من الضروري أن يكون هناك حفل زفاف رائع للتغطية على
الفضيحة التي نشأت بسبب الخطأ الذي تعرض له .هذا كان رأيي ،ولم أخفه .لكن الولد عنيد كأبيه ،وهذا
يعني أنه عنيد للغاية؛ استمر في عناده .وحفيدتي الوقحة ،التي أطاعت زوجها المستقبلي مسبًقا ،كانت
تدعمه أيًض ا ضدي .لكن هذا ال يهم؛ أتحدى أي شخص اليوم أن يجد شخًصا واحًدا يعترف بأنه شكك
لحظة واحدة في براءة ألبرت .لقد تركت الشابين في سعادة شهر العسل ،يتبادالن القبالت واألحضان
مثل زوجين من الحمام الزاجل .يجب االعتراف بأنهم دفعوا ثمنًا باهظًا لسعادتهم .فليكنوا سعداء،
وليكون لديهم الكثير من األطفال ،فلن يكون عندهم صعوبة في تربيتهم وتوفير احتياجاتهم .يجب أن
أقول أن الكونت دي كوماران تصرف كمالك ألول مرة في حياته ،وربما للمرة األخيرة! لقد قام بتسوية
كل ثروته على ابنه ،كلها تماًم ا .ويعتزم العيش وحيًدا على إحدى ممتلكاته .أخشى أن الرجل العجوز
الفقير العزيز لن يعيش طويًال .لست متأكدًا من أنه تعافى تمامًا من الهجوم األخير .على أي حال،
حفيدتي مستقرة ،وبشكل رائع أيضًا .أعلم ما تكلف لي ذلك ،وكم سأكون اقتصادية .ولكنني ال أفكر
كثيًر ا في تلك اآلباء الذين يترددون في أي تضحية مادية عندما يتعلق األمر بسعادة أطفالهم".
ومع ذلك ،نسيت الماركيزة أن تذكر أن ألبرت قام بتحريرها من وضع محرج جًدا قبل أسبوع من
الزفاف ،وقد تحمل مبلًغ ا كبيًر ا من ديونها.
منذ ذلك الحين ،لم تقترض منه أكثر من تسعة آالف فرنك ،ولكنها تعتزم االعتراف له في يوم من األيام
بمدى إزعاجها بسبب صانع األثاث ،وخياطة الفساتين ،وثالثة بائعي األقمشة ،وخمسة أو ستة تجار
آخرين.
على أي حال ،إنها امرأة جديرة باالحترام ،فهي لم تقل أي شيء ضد ابن زوجها!
بعد تقديم استقالته ،انتقل السيد دابورون إلى منزل والده في بواتو ،حيث وجد الراحة أخيًرا؛ وسيأتي
النسيان الحًقا .وال يزال أصدقاؤه يأملون في إقناعه بالزواج.
تم تعويض السيدة جولييت بشكل كامل عن فقدان نويل .لم يتم سرقة الثمانين ألف فرنك الذي وضعها
تحت الوسادة .لكنها تقريًبا انفقت جميعها اآلن .قريًبا سيتم اإلعالن عن بيع طقم أثاث جميل.
العجوز تاباريه هو الوحيد الذي تأثر بشكل متأصل .بعدما كان يؤمن بعدالة القضاء بشكل ال يتزعزع،
أصبح يرى اآلن أنه ال يوجد سوى أخطاء قضائية في كل مكان.
يشك الهاوي المحقق السابق في وجود الجريمة نفسها ،ويؤكد أن دليل حواس اإلنسان ال يثبت شيًئا.
ينشر عرائض إللغاء عقوبة اإلعدام ،وقد نظم جمعية للدفاع عن المساجين الفقراء واألبرياء.
مالحظة سريعة :مرحًبا! أن/ا ج/ولي ،الم/رأة ال/تي ت/دير موق/ع - Global Greyال/ذي تم نش/ر ه/ذا
الكتاب اإللكتروني فيه مجاًنا .ه/ذه هي طبع//اتي الخاص//ة ،وآم//ل أن تكون//وا ق/د اس//تمتعتم بق//راءة ه/ذا
الكتاب بشكل خاص .لدعم الموقع ،وللس//ماح لي باالس//تمرار في تق//ديم ه//ذه الكتب اإللكتروني//ة عالي//ة
الجودة (ومجانية تماًم ا) ،يرجى التفكير في التبرع بمبلغ صغير (إذا قمتم ب//ذلك بالفع//ل -ش//كًر ا لكم!).
يساعد ذلك في تغطية تكاليف الموقع ،ويتم تقدير أي مبلغ بسيط.
شكًر ا لقراءة هذا النص ،وآمل حًقا أن ت//زوروا Global Greyم//رة أخ//رى -حيث يتم إض//افة كتب
جديدة بانتظام ،لذا ستجدون دائًم ا شيًئا مثيًر ا لالهتمام ):