You are on page 1of 318

‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫جامعة صفوة‬
‫كلية العلوم الشرعية والعربية‬
‫مقرر التفسير‬
‫الفرقة الثالثة‬
‫المحاضرة األولى‬
‫من كتاب [نيل المرام من تفسير آيات األحكام]‬
‫شرح الشيخ‪ /‬سعد معوض حفظه هللا‬

‫🌀🌀🌀‬

‫إن الحمد هلل تعالى نحمده‪ ،‬ونستعين به ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا‬
‫ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬إنه من يهده هللا تعالى فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال‬
‫هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن ُمَحَّم ًد ا عبده‬
‫ورسوله‪ ،‬اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم‬
‫وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد‪ ،‬اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما‬
‫باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد‪..‬‬

‫وبعد؛ هذه هي المحاضرة األولى في شرح كتاب [نيل المرام من تفسير آيات‬
‫األحكام] لمحمد صديق خان رحمة هللا عليه‪.‬‬

‫️♦ فلقد احتل القرآن الكريم المرتبة األولى في اهتمام المسلمين فعكفوا على‬
‫حفظه ودراسته‪ ،‬واستنباط األحكام منه‪ ،‬وكان القرآن كتابهم األوحد الذي‬
‫جمع بين دفتيه كالم رب العزة سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫ومع مرور الزمن وتراكم العلوم وتكاثر البحوث نشأت علوم كاملة تتعلق‬
‫بكتاب هللا سبحانه وتعالى وتنوعت تبًعا لتنوع الجوانب المتعلقة بالدرس‬
‫القرآني‪ ،‬من رسم وقراءات وأسباب نزول وغريب ومعاٍن وإعراب‬
‫وغيرها‪ ،‬وكتب العلماء في هذه العلوم العشرات من الكتب والمجلدات مما‬
‫ال يوجد له نظير في أي دين أو كتاب آخر‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫️♦ أما عن محمد صديق خان رحمة هللا عليه‪ :‬هو العالمة المحقق محيي‬
‫السنة‪ ،‬وقامع البدعة‪ ،‬أبو الطيب محمد صديق بن حسن بن علي بن لطف‬
‫هللا القنوجي‪.‬‬

‫‪ -‬ولد في العام الثامن واألربعين بعد المئتين وألف من هجرة النبي صلى هللا‬
‫عليه وسلم بالهند‪.‬‬
‫‪ -‬وتوفي في العام السابع بعد الثالثمائة وألف من هجرة النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫‪[ -‬وكتاب نيل المرام] هذا الكتاب صنفه المصنف رحمة هللا عليه للراغب في‬
‫معرفة األحكام الشرعية القرآنية التي اختلف المجتهدون في تفسيرها وهو‬
‫كتاب قيم مليٌء بالفوائد والفرائض‪ .‬وسماه مؤلفه [نيل المرام من تفسير‬
‫آيات األحكام] حيث جمع فيه اآليات القرآنية التي اشتملت على األحكام‬
‫الشرعية وفسرها بتفسير وجيز جامع‪ ،‬وأوضح ما فيها من األحكام معتمًد ا‬
‫على الدليل من الكتاب والسنة دون تعصب لمذهب أو رأي‪.‬‬

‫‪ -‬ويحتوي هذا الكتاب على تفسير وجيز جامع لما له وعليه‪ ،‬ولم يأخذ فيه‬
‫المؤلف من األقوال المختلفة إال األرجح‪ ،‬ومن الدالئل المتنوعة إال األصح‬
‫واألصرح‪.‬‬

‫💠 مقدمة المؤلف 💠‬

‫يقول فيها رحمة هللا عليه‪" :‬الحمد هلل رب العالمين وصلى هللا على سيدنا‬
‫محمد النبي األمين وعلى آله الطاهرين وصحبه الراشدين‪ ،‬وبعد؛ فهذه‬
‫اآليات التي يحتاج إلى معرفتها راغٌب في معرفة األحكام الشرعية القرآنية‪.‬‬
‫وقد قيل إنها خمسمائة آية؛ وما صح ذلك‪ ،‬وإنما هي مئة آية أو قريب من‬
‫ذلك"‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬إذن المصنف رحمة هللا عليه ينتصر أو يرجح القول بأن آيات األحكام مئة‬
‫آية فقط وليسوا خمسمائة‪.‬‬
‫قال‪" :‬وإن عدلنا عنه وجعلنا اآلية كل جملة مفيدة يصح أن تسمى كالًم ا في‬
‫عرف الُّنحاة كانت أكثر من خمسمائة آية‪ ،‬وهذا القرآن من شك فيه فليُع ّد "‪.‬‬
‫‪ -‬يقول رحمه هللا‪ :‬إذا جعلنا الجملة المفيدة جملة مفيدة داخل اآلية ولم نأخذ‬
‫اآلية بأكملها في الحكم؛ لتعدت اآليات في آيات األحكام أكثر من خمسمائة‪.‬‬

‫ثم قال‪" :‬وال أعلم أن َأَح ًد ا من العلماء أوجب حفظها َغ ْيًبا (أي حفظ آيات‬
‫األحكام) بل شرط أن يعرف موضعها حتى يتمكن عند الحاجة من الرجوع‬
‫إليها‪ ،‬فمن نقلها إلى كراسة وأخرجها كفاه ذلك"‪.‬‬

‫ثم قال‪" :‬ولم استقِص فيه نوعين من آيات األحكام‪ :‬أحدهما‪ :‬ما مدلوله‬
‫بالضرورة كقوله سبحانه وتعالى‪َ﴿ :‬و َأِقيُم وا الَّص اَل َة َو آُتوا الَّز َك اَة﴾ [الَبَقَرِة‪:‬‬
‫‪ .]٤٣‬لألمان من جهله إال أن تشتمل اآلية من ذلك على ما ال يعلم‬
‫بالضرورة‪ ،‬بل باالستدالل؛ فأذكرها ألجل الِقسم االستداللي منهما كآية‬
‫الوضوء‪ ،‬والتيمم"‪.‬‬
‫‪ -‬يعني‪ :‬إذن هذا القسم األول لم يذكره المصنف ألنها معلومة ومتبادرة للذهن‬
‫ومفهومة‪.‬‬

‫ثم قال‪" :‬وثانيهما ما اختلف المجتهدون في صحة االحتجاج فيه على أمر‬
‫معين وليس بقاطع الداللة وال واضحها؛ فإنه ال يجب على من ال يعتقد فيه‬
‫داللًة أن يعرفه؛ إذ ال ثمرة إليجاد معرفة االستدالل به وذلك كاالستدالل‬
‫على تحريم لحوم الخيل بقوله تعالى‪َ﴿ :‬و اْلَخْيَل َو اْلِبَغ اَل َو اْلَحِم يَر ِلَتْر َك ُبوَها‬
‫َو ِزيَنًة َو َيْخ ُلُق َم ا اَل َتْع َلُم وَن ﴾"‪[ .‬الَّنۡح ِل ‪.]٨ :‬‬

‫‪ -‬وهذا ال تجب معرفته إال على من يحتج به‪.‬‬


‫‪ -‬الصنف الثاني الذي ال يذكره المصنف هو صنف الداللة فيه ضعيفة ال‬
‫تقوى للحجة على الحكم‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫ثم قال المصنف رحمة هللا عليه عن هذا القسم‪" :‬وهذا ال تجب معرفته إال‬
‫على من يحتج به من المجتهدين؛ إذ ال سبيل إلى حصر كل ما يظن أو‬
‫يجوز فيه استنباط األحكام خفّي معانيه‪ ،‬وال طريق إلى ذلك إال عدم‬
‫الوجدان وهي من أضعف الطرق عند علماء البرهان"‪.‬‬

‫"وليس القصد إال ذكر ما يدل على األحكام داللة واضحة لتكون عناية‬
‫طالب األحكام به أكثر‪ ،‬وإال فليس يحسن من طالب العلم أن يهمل النظر في‬
‫جميع كتاب هللا تعالى مقدًم ا للعناية فيه َش اِم اًل للطائف معانيه ُم ْسَتْنِبًطا‬
‫لألحكام واآلداب من ظواهره وخوافيه؛ فإنه األمان من الضالل‪ ،‬والعمود‬
‫األعظم في جميع األحوال‪ ،‬واألنيس في الوحدة‪ ،‬والغوث في الشدة‪ ،‬والنور‬
‫في الظلمة‪ ،‬والفرج للغمة‪ ،‬والشفاء للصدور‪ ،‬والفيصل عند اشتباه األمور؛‬
‫فال ينبغي أن يغفل عنه لحظة‪ ،‬وال أن يزهد منه في لفظة"‪.‬‬

‫‪ -‬وقد أفرد السيد اإلمام الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير رحمه هللا تعالى‬
‫فضائل القرآن والتنبيه على االعتماد عليه في مصَّنف مفرد‪.‬‬

‫ثم قال‪" :‬وها أنا أفسر تلك اآليات المشار إليها بتفسير وجيز جامع لما له‬
‫وعليه ولم آخذ فيها من األقوال المختلفة إال األرجح‪ ،‬ومن الدالئل المتنوعة‬
‫إال األصح واألصرح‪ ،‬ولعمري ال يوجد قط تفسير موجز بهذا النمط‪.‬‬
‫وكانت بدايته في أول شهر صفر ونهايته من حدود سنة سبع وثمانين‬
‫ومائتين وألف الهجرية على صاحبها الصالة والتحية‪ .‬وسميته [نيل المرام‬
‫من تفسير آيات األحكام]‪ .‬وألفت بعد ذلك َتْفِس يًر ا لمقاصد القرآن المسمى‬
‫[بفتح البيان] َج اِم ًعا للرواية والدراية واالستنباط واألحكام‪ .‬فإن كنت ممن‬
‫يريد الصعود على معارج التحقيق‪ ،‬والقعود في محراب التدقيق فعليك بذلك‬
‫التفسير‪ ،‬ولعلك ال تجد مثله في إخوانه إن شاء هللا القدير‪ ،‬وهللا سبحانه أسأل‬
‫أن يجعل هذا المختصر َخ اِلًص ا لوجهه الكريم وينفع المسلمين بلطفه‬
‫العميم"‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬ثم بدأ المصنف في تفسير اآليات فقال‪:‬‬

‫💠 تفسير سورة البقرة 💠‬

‫‪ -‬وهي مئتان وست وثمانون آية‪.‬‬

‫🔻 قال القرطبي‪ :‬مدنية نزلت في ُم دد شتى‪ ،‬وقيل هي أول سورة نزلت‬


‫بالمدينة إال قوله تعالى‪َ﴿ :‬و اَّتُقوا َيْو ًم ا ُتْر َج ُعوَن ِفيِه ِإَلى ِهَّللا ُثَّم ُتَو َّفى ُك ُّل َنْفٍس‬
‫َم ا َك َسَبْت َو ُهْم اَل ُيْظَلُم وَن ﴾ [الَبَقَرِة‪ ،]٢٨١ :‬فإنها آخر آية نزلت من السماء‪،‬‬
‫ونزلت يوم النحر في حجة الوداع بِم نى‪ ،‬وآيات الربا َأْيًض ا من أواخر ما‬
‫نزل من القرآن وقد وردت في فضلها أحاديث‪.‬‬

‫💎 اآلية األولى‪:‬‬
‫قال تعالى‪ُ﴿ :‬هَو اَّلِذ ي َخ َلَق َلُك م َّم ا ِفي اَأْلْر ِض َج ِم يًعا ُثَّم اْس َتَو ى ِإَلى الَّس َم اِء‬
‫َفَس َّو اُهَّن َسْبَع َس َم اَو اٍت َو ُهَو ِبُك ِّل َش ْي ٍء َع ِليٌم ﴾ [الَبَقَرِة‪.]٢٩ :‬‬

‫‪ -‬قال‪ُ{ :‬هَو اَّلِذ ي َخ َلَق َلُك ْم }‪ ،‬قيل‪ :‬أي من أجلكم‪.‬‬


‫قال المصنف رحمه هللا‪ :‬وفيه دليل على أن األصل في األشياء المخلوقة‬
‫اإلباحة حتى يقوم دليل على النقل عن هذا األصل‪ ،‬وال فرق بين الحيوانات‬
‫وغيرها مما ينتفع به من غير ضرر‪.‬‬
‫‪ -‬وفي تأكيد ما في األرض بقوله {َجِم يًعا} أقوى داللة على هذا‪.‬‬
‫‪ -‬يعني‪ :‬المصنف رحمة هللا عليه استنبط من هذه اآلية‪ :‬أن األصل في األشياء‬
‫اإلباحة وهذه قاعدة أصولية يعني‪ :‬األصل الحل في كل شيء في الطعام‬
‫والشراب وكل شيء إال ما حرم بدليل‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫ثم قال‪ :‬وقد استدل بهذه اآلية على تحريم أكل الطين؛ ألنه تعالى خلق لنا ما‬
‫في األرض دون نفس األرض‪.‬‬
‫‪ -‬يعني‪ :‬حرم هللا تعالى أكل الطين؛ ألن الحالل ما كان فوق هذا الطين‪.‬‬

‫🔻 قال الشوكاني في [فتح القدير]‪" :‬وأما التراب فقد ورد في السنة تحريمه‪،‬‬
‫وهو َأْيًض ا ضار؛ فليس مما ينتفع به أكاًل ولكنه ينتفع به في منافع أخرى‬
‫وليس المراد منفعة خاصة كمنفعة األكل بل كل ما يصدق عليه أنه ينتفع به‬
‫بوجه من الوجوه"‪.‬‬

‫💎 اآلية الثانية‪:‬‬
‫قال تعالى‪َ﴿ :‬وِإْذ َأَخ ْذ َنا ِم يَثاَق َبِني ِإْسَر اِئيَل اَل َتْعُبُدوَن ِإاَّل َهَّللا َو ِباْلَو اِلَدْيِن‬
‫ِإْح َس اًنا َو ِذ ي اْلُقْر َبى َو اْلَيَتاَم ى َو اْلَم َس اِكيِن َو ُقوُلوا ِللَّناِس ُح ْس ًنا َو َأِقيُم وا‬
‫الَّص اَل َة َو آُتوا الَّزَك اَة ُثَّم َتَو َّلْيُتْم ِإاَّل َقِلياًل ِّم نُك ْم َو َأنُتم ُّم ْع ِر ُض وَن ﴾ [الَبَقَر ة‪.]٨٣ :‬‬

‫قال تعالى‪َ{ :‬و ُقوُلوا ِللَّناِس ُحْس ًنا}‪ ،‬أي‪ :‬قولوا لهم قواًل حسًنا‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ثم ذكر المصنف أن فيها قراءة أخرى وهي قراءة حمزة والكسائي بفتح‬ ‫‪-‬‬
‫الحاء والسين (َحَس ًنا)‪.‬‬
‫وقال‪ :‬والظاهر أن هذا القول الذي أمرهم هللا به ال يختص بنوع معين‪ ،‬بل‬
‫كل ما صدق عليه أنه حسن َش ْر ًع ا كان من جملة ما يصدق عليه هذا األمر‪.‬‬
‫وقد قيل‪ :‬إن ذلك هو كلمة التوحيد‪ ،‬وقد قيل‪ :‬الصدق‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وقيل‪ :‬األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬وقيل هو‪ :‬اللين في القول‬ ‫‪-‬‬
‫والعشرة‪ ،‬وحسن الخلق‪ .‬وقيل غير ذلك‪.‬‬

‫ثم قال‪ :‬أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله هذا‪ :‬قال‪ :‬األمر‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬وروى البيهقي في الُش عب عن علي عليه السالم في قوله‪َ{ :‬و ُقوُلوا ِللَّناِس‬
‫ُحْس ًنا}‪ ،‬قال‪ :‬يعني الناس كلهم‬

‫💎 اآلية الثالثة‪:‬‬
‫قال تعالى‪َ{ :‬و اَّتَبُعوا َم ا َتْتُلو الَّش َياِط يُن َع َلى ُم ْلِك ُس َلْيَم اَن ۖ َو َم ا َك َفَر ُس َلْيَم اُن‬
‫َو َلِكَّن الَّش َياِط يَن َك َفُر وا ُيَعِّلُم وَن الَّناَس الِّسْح َر َو َم ا ُأنِزَل َع َلى اْلَم َلَك ْيِن ِبَباِبَل‬
‫َهاُر وَت َو َم اُر وَت ۚ َو َم ا ُيَعِّلَم اِن ِم ْن َأَح ٍد َح َّتى َيُقواَل ِإَّنَم ا َنْح ُن ِفْتَنٌة َفاَل َتْك ُفْر ۖ ‬
‫َفَيَتَعَّلُم وَن ِم ْنُهَم ا َم ا ُيَفِّر ُقوَن ِبِه َبْيَن اْلَم ْر ِء َو َز ْو ِج ِهۚ َو َم ا ُهم ِبَض اِّر يَن ِبِه ِم ْن‬
‫َأَح ٍد ِإاَّل ِبِإْذ ِن ِهَّللاۚ َو َيَتَعَّلُم وَن َم ا َيُضُّر ُهْم َو اَل َينَفُعُهْم ۚ َو َلَقْد َع ِلُم وا َلَمِن اْشَتَر اُه‬
‫َم ا َلُه ِفي اآْل ِخ َرِة ِم ْن َخ اَل ٍقۚ َو َلِبْئَس َم ا َش َر ْو ا ِبِه َأنُفَسُهْم ۚ َلْو َك اُنوا َيْع َلُم وَن }‬
‫[البقرة‪.]١٠٢ :‬‬

‫قال الُم صنف رحمه هللا‪" :‬الِّسحُر هو ما يفعله الَس احر من الِح يِل والَّتخُيالت‬
‫التي يحصل بسببها للمسحور ما يحصل من الخواطر الفاسدة الشبيهة بما‬
‫يقع لمن يرى الَّسراب فيظنه ماًء ‪ ،‬وما يظنه راكب السفينة أو الدابة من أن‬
‫الجبال َتِس ير‪.‬‬

‫ثم قال‪" :‬وقد اختلف هل له حقيقة أم ال؟‬


‫فذهبت المعتزلة وأبو حنيفة إلى أنه ِخ دٌع ال أصل له وال حقيقة‪.‬‬
‫وذهب من عداهم إلى أن له حقيقة مؤثرة‪ .‬وقد صح أن النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم ُسحر‪َ ،‬س حرُه َلبيُد بن اَألعصِم اليهودي‪ ،‬حتى كان ُيخَّيُل إليِه أنه يأتي‬
‫الشيء ولم يكن قد أتاه‪ ،‬ثم شفاه هللا ُسبحانه‪ .‬والكالم في ذلك يطول"‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫🔻 قال الَّز جاُج في قوله تعالى‪َ{ :‬و َم ا ُيَع ِّلَم اِن ِم ْن َأَحٍد }‪ :‬تعليُم ِإنذاٍر من‬
‫الِس حر‪ ،‬ال تعليم الدعاء إليه‪.‬‬
‫‪ -‬يعني‪ُ :‬يعلمان الناس لُينذروهم من هذا السحر‪ ،‬لُينذروهم من عواقب هذا‬
‫السحر‪.‬‬

‫ثم قال‪ :‬وفي قوله {َفاَل َتْكُفْر } َأبلُغ ِإنذار وأعظم تحذير‪ ،‬أي أن هذا ذنب‬
‫يكون من فعله كافًر ا فال تكفر‪.‬‬
‫ثم قال‪" :‬وفيه دليٌل على أن تعلم السحر كفر‪ ،‬وظاهره عدم الفرق بين‬
‫الُم عتقد وغير الُم عتقد‪ ،‬وبين من تعلمه ليكون ساحًر ا ومن تعلمه ليقدر على‬
‫دفعه‪ ،‬وفي ِإسناد التفريق إلى الَّسحرة وجعل السحر سبًبا لذلك دليل على أن‬
‫للسحر تأثيًر ا في التلوث بالحب والبغض‪ ،‬والجمع والُفرقة والُقرب والبعد"‪.‬‬

‫‪ -‬وقد ذهبت طائفٌة من العلماِء إلى أن الساحر ال يقدر على أكثر مما أخبر هللا‬
‫من الَّتفرقة؛ ألن هللا تعالى ذكر ذلك في َم عرِض الَّذ م للسحر‪ ،‬وبَّين ما هي‬
‫الغاية في تعليمه‪ ،‬فلو كان يقدر على أكثر من ذلك لذكره‪.‬‬
‫‪ -‬وقالت طائفٌة ُأخرى‪ :‬إن ذلك خرج َم خرج األغلب وأن الساحر يقدر على‬
‫غير ذلك المنصوص عليه أيضا‪.‬‬
‫‪ -‬وِقيل‪ :‬ليس للساحر تأثير في نفسه أصال لقوله تعالى‪َ{ :‬و َم ا ُهم ِبَض اِّريَن ِبِه‬
‫ِم ْن َأَحٍد ِإاَّل ِبِإْذ ِن ِهَّللا} [البقرة‪.]١٠٢ :‬‬

‫‪ -‬والحُق أنه ال تنافي بين قوله‪َ{ :‬فَيَتَع َّلُم وَن ِم ْنُهَم ا َم ا ُيَفِّر ُقوَن ِبِه َبْيَن اْلَم ْر ِء‬
‫َو َز ْو ِج ِه} [البقرة‪ ،]١٠٢ :‬وبين قوله‪َ{ :‬و َم ا ُهم ِبَض اِّريَن ِبِه ِم ْن َأَحٍد ِإاَّل ِبِإْذ ِن‬
‫ِهَّللا} [البقرة‪ ]١٠٢ :‬فإن الُم ستفاَد من جميع ذلك أن للسحر تأثيًر ا في نفسه‪،‬‬
‫ولكنه ال ُيؤثر ضرًر ا إال فيمن َأِذ ن هللا بتأثيره فيه‪.‬‬

‫🔻 وقد أجمع أهل العلم على أن له تأثيًر ا في نفسه وحقيقٌة ثابتٌة‪ ،‬ولم ُيخالف‬
‫في ذلك إال الُم عتزلة وأبو حنيفة كما تقدم‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬وفي قوله تعالى‪َ{ :‬و َيَتَع َّلُم وَن َم ا َيُضُّر ُهْم َو اَل َينَفُعُهْم } تصريٌح بأن الِّسحر ال‬
‫يعود على صاحبه بفائدٍة وال يجلب إليه منفعًة بل هو ضرٌر محٌض‬
‫وخسراٌن بحت‪.‬‬

‫ثم قال‪ :‬وقال أبو السعود‪ :‬فيه أن االجتناب عما ال ُتؤَم ن َغ واِئُلُه خير‪ ،‬كتعلم‬
‫الفلسفة التي ال ُيؤَم ُن أن َتُجَّر إلى الِغ وايِة‪.‬‬
‫‪ -‬والُم راُد بالِّش راء هنا‪ :‬االستبدال‪ ،‬أي من استبدل ما تتلو الشياطين على كتاب‬
‫هللا‪.‬‬

‫💎 اآلية الرابعة‪:‬‬
‫قال تعالى‪َ{ :‬و ِهَّلِل اْلَم ْش ِرُق َو اْلَم ْغ ِرُب ۚ َفَأْيَنَم ا ُتَو ُّلوا َفَثَّم َو ْج ُه ِهَّللاۚ ِإَّن َهَّللا َو اِس ٌع‬
‫َع ِليٌم } [البقرة‪]١١٥ :‬‬
‫‪ -‬المشرُق هو موضع الُش روق‪ ،‬والَم غرُب موضع الُغ روب‪ ،‬أي وهو ِم لٌك هلل‬
‫سبحانه وتعالى وما بينهما من الجهات والمخلوقات فيشتمل األرض كلها‪.‬‬
‫‪ -‬وقوله {َفَأْيَنَم ا ُتَو ُّلوا} أي‪ :‬أُي جهٍة تستقبلونها فهناك وجه هللا‪ ،‬أي المكان‬
‫الذي يرتضي لكم استقباله‪ ،‬وذلك يكون عند التباِس جهة القبلة التي أمرنا‬
‫بالتوجه إليها بقوله‪َ{ :‬فَو ِّل َو ْج َهَك َش ْط َر اْلَم ْس ِج ِد اْلَحَر اِم ۚ َو َح ْيُث َم ا ُك نُتْم‬
‫َفَو ُّلوا ُو ُجوَهُك ْم َش ْطَر ُه} [البقرة‪.]١٥٠ :‬‬

‫ثم قال‪" :‬قال في الَك شاف‪ :‬والمعنى أنكم إذا ُم نعتم أن تصلوا في المسجد‬
‫الحرام أو في بيت المقدس‪ ،‬فقد جعلت لكم األرض مسجًد ا؛ فصلوا في أي‬
‫ُبقعة شئتم من بقاعها وافعلوا التولية فيها؛ فإن التولية ُم مكنٌة في كل مكاٍن ال‬
‫تختُص أماكنها في مسجٍد دون مسجٍد وال في مكاٍن دون مكان"‪.‬‬

‫🔻 قال الشوكاني في [فتح القدير]‪ :‬وهذا التخصيص ال وجه له؛ فإن اللفظ‬
‫أوسع منه وإن كان المقصود به بيان السبب فال بأس‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫🔺 ثم قال‪ :‬وأخرج ابن الُم نذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه‪ ،‬والبيهقي في‬
‫سننه عن ابن عباس قال‪" :‬أوُل ما ُنسخ من القرآن فيما ُذ كر لنا وهللا أعلم‬
‫شأُن القبلة‪ ،‬قال هللا تعالى‪َ{ :‬و ِهَّلِل اْلَم ْش ِرُق َو اْلَم ْغ ِرُب } [البقرة‪ ]١١٥ :‬اآلية‪،‬‬
‫فاستقبل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فصلى نحو بيت المقدس وترك‬
‫البيت العتيق‪ ،‬ثم صرفه هللا تعالى إلى البيت ونسخها‪ ،‬فقال‪َ{ :‬و ِم ْن َح ْيُث‬
‫َخ َر ْج َت َفَو ِّل َو ْج َهَك َش ْطَر اْلَم ْس ِج ِد اْلَحَر اِم } [البقرة‪."]١٥٠ :‬‬

‫🔺 وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن ُحميٍد ومسلم والترمذي والنسائي وغيرهم‬
‫عن ابن عمر رضي هللا عنه قال‪" :‬كان النبي صلى هللا عليه وآله وسلم‬
‫ُيصلي على راحلته تطوعا أينما توجهت به‪ ،‬ثم قرأ ابن عمر هذه اآلية‪:‬‬
‫{َفَأْيَنَم ا ُتَو ُّلوا َفَثَّم َو ْج ُه ِهَّللا} وقال‪ :‬في هذا ُأنزلت هذه اآلية"‪.‬‬

‫🔺 وقد ثبت في صحيح البخاري من حديث جابٍر وغيره عن رسول هللا‬


‫صلى هللا عليه وسلم أنه كان ُيصلي على راحلته ِقبَل المشرق‪ ،‬فإذا أراد أن‬
‫ُيصلي المكتوبة نزل واستقبل القبلة وصلى‪.‬‬

‫🔺 وأخرج عبد بن حميد والترمذي وضعفه‪ ،‬وابن ماجة وابن جرير وغيرهم‬
‫عن عامر بن ربيعة‪ ،‬قال‪ :‬كنا مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في ليلٍة‬
‫َس وداء مظلمة‪ ،‬فنزلنا منزاًل ‪ ،‬فجعل الرجل يأخذ األحجار فيعمل مسجدا‬
‫فيصلي فيه‪ ،‬فلما أن أصبحنا إذا نحن قد صلينا على غيِر الِقبلة‪ ،‬فقلنا‪ :‬يا‬
‫رسول هللا قد صلينا ليلتنا هذه لغيِر الِقبلة‪ .‬فأنزل هللا‪َ{ :‬و ِهَّلِل اْلَم ْش ِرُق‬
‫َو اْلَم ْغ ِرُب } [البقرة‪ ]١١٥ :‬اآلية فقال‪َ" :‬م ضت صالتكم"‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬وهذا كان في قيام الليل أيًض ا في نافلة ولم يكن في فريضة‪.‬‬

‫ثم قال‪" :‬وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس‪َ{ :‬فَثَّم َو ْج ُه ِهَّللا} [البقرة‪:‬‬
‫‪ ،]١١٥‬قال‪ِ :‬قبلة هللا أينما توجهت شرًقا أو غرًبا"‪.‬‬

‫🔺 قال‪ :‬وأخرج ابن أبي َش يبة والدارُقطني والترمذي وصححُه‪ ،‬وابن ماجة‬
‫عن أبي هريرة رضي هللا عنه عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪" :‬ما بين‬
‫المشرق والمغرب ِقبلة"‪.‬‬

‫💎 اآلية الخامسة‪:‬‬
‫قال تعالى‪َ{ :‬وِإِذ اْبَتَلى ِإْبَر اِهيَم َرُّبُه ِبَك ِلَم اٍت َفَأَتَّم ُهَّن ۖ َقاَل ِإِّني َج اِع ُلَك ِللَّناِس‬
‫ِإَم اًم اۖ َقاَل َو ِم ن ُذ ِّر َّيِتيۖ َقاَل اَل َيَناُل َعْه ِد ي الَّظاِلِم يَن } [البقرة‪.]١٢٤ :‬‬

‫{َقاَل اَل َيَناُل َع ْهِد ي الَّظاِلِم يَن } قال الُم صنف رحمه هللا‪ :‬اختلف في الُم راد‬
‫بالعهد فِقيل‪ :‬اإلمامة‪ ،‬وِقيل‪ :‬الُنبوة‪ ،‬وِقيل عهد هللا‪ :‬أمره‪ ،‬وقيل‪ :‬األمان من‬
‫عذاب اآلخرة"‪.‬‬
‫ثم قال‪" :‬ورجحه الَز جاُج واألوُل أظهُر كما ُيفيده الِّسياق"‪.‬‬

‫🔻 وقد استدل بهذه اآلية جماعة من أهل العلم على أن اإلمام ال بد أن يكون‬
‫من أهل العدل والعمل بالشرع كما ورد؛ ألنه إذا زاغ عن ذلك كان ظالًم ا‪.‬‬
‫‪ -‬وُيمكن أن ُينظر إلى ما َيصدُق عليه اسم العهد‪ ،‬وما ُتفيده اإلضافة من‬
‫العموم‪ ،‬فيشمل جميع ذلك اعتباًرا بُعموِم اللفظ من غير نظٍر إلى السبب وال‬
‫إلى الِّسياق‪ ،‬فُيستدل به على اشتراط السالمة من وصف الظلم في كل ما‬
‫تعلق باألمور الدينية‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫ثم قال‪" :‬وقد اختار ابن جريٍر أن هذه اآلية وإن كانت ظاهَر ة في الخبر أنه‬
‫ال ينال عهد اإلمامة ظالًم ا‪ ،‬ففيها تعظيٌم من هللا إلبراهيم الخليل أنه سُيوجد‬
‫من ذريته من هو ظالٌم لنفسه"‪.‬‬

‫🔻 قال الَش َو كانُي في [فتح القدير]‪ :‬وال يخفى عليك أنه ال جدوى لكالمه هذا‪،‬‬
‫فاألولى أن يقال‪ :‬إن هذا الخبر في معنى األمر لعباده أال ُيولوا أمور الشرع‬
‫ظالًم ا‪ ،‬وإنما ُقلنا إنه في معنى األمر؛ ألن إخباره تعالى ال يجوز أن يتخلف‪،‬‬
‫وقد علمنا أنه قد نال عهده من اإلمامة وغيرها كثيًر ا من الظالمين‪.‬‬

‫ثم قال‪ :‬ساَق عن ابن عباٍس رضي هللا عنه {َقاَل ِإِّني َج اِع ُلَك ِللَّناِس ِإَم اًم ا}‬
‫[البقرة‪ُ ،]١٢٤ :‬يقتدى بدينك وهديك وسنتك {َقاَل َو ِم ن ُذ ِّرَّيِتي} [البقرة‪:‬‬
‫‪ ،]١٢٤‬إماًم ا لغير ُذ ريتي؟‬

‫‪َ{ -‬قاَل اَل َيَناُل َع ْهِد ي الَّظاِلِم يَن } [البقرة‪ ]١٢٤ :‬أن ُيقتدى بدينهم وهديهم‬
‫وُسنتهم‪.‬‬

‫🔻 وأخرج الِفريابي وابن أبي حاتم عنه قال‪ :‬قال هللا إلبراهيم‪ِ{ :‬إِّني َج اِع ُلَك‬
‫ِللَّناِس ِإَم اًم ا} [البقرة‪ ،]١٢٤ :‬فأبى أن يفعل‪ ،‬ثم قال‪َ{ :‬قاَل اَل َيَناُل َع ْهِد ي‬
‫الَّظاِلِم يَن } [البقرة‪]١٢٤ :‬‬

‫🔻 وساق بسند عن ابن جرير عن قتادة قال‪ :‬هذا عند هللا يوم القيامة ال ينال‬
‫عهده ظالًم ا‪ ،‬فأما في الدنيا فقد نالوا عهده فوارثوا به المسلمين وغازوهم‬
‫وناكحوهم‪ ،‬فلما كان يوم القيامة قصر هللا عهده وكرامته على أوليائه‪.‬‬

‫🔻 ثم قال عن مجاهد في هذه اآلية إنه قال‪ :‬ال أجعل إماًم ا ظالًم ا ُيقتدى به‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫🔻 وأورد أيًض ا عن ابن عباٍس في اآلية قال‪ُ :‬يخبره أنه إن كان في ذريته‬
‫ظالٌم فال ينال عهده‪ ،‬وال ينبغي له أن ُيوليه شيًئا من أمره‪.‬‬

‫🔻 وأخرج عبد بن ُحميٍد وابن جرير وابن الُم نذر عنه أنه قال (أي عن ابن‬
‫عباس رضي هللا عنه) قال‪ :‬ليس لظالٍم عليك عهٌد في معصية هللا‪.‬‬

‫🔺 وقد أخرج وكيٌع وابن َم ردويِه من حديث علي رضي هللا عنه عن النبي‬
‫صلى هللا عليه وسلم في قوله‪{ :‬اَل َيَناُل َع ْهِد ي الَّظاِلِم يَن } [البقرة‪،]١٢٤ :‬‬
‫قال‪" :‬ال طاعة إال في المعروف"‪.‬‬

‫🔺 وأخرج أيضا عبُد بن ُحميٍد من حديث ِع مران بن ُحصيٍن رضي هللا عنه‬
‫قال‪ :‬سمعت النبي صلى هللا عليه وسلم يقول‪" :‬ال َطاعة لمخلوٍق في معصية‬
‫الخالق"‪.‬‬

‫🔺 قال‪ :‬وأخرج ابن جريٍر عن ابن عباٍس أنه قال في تفسير اآلية‪" :‬ليس‬
‫للظالم عهٌد وإن عاهدته فانقُضه"‪.‬‬

‫هذا وسبحانك اللهم وبحمدك‪ ،‬نشهد أن ال إله إال أنت نستغفرك ونتوب إليك‪.‬‬
‫جزاكم هللا خيرا‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫جامعة صفوة‬
‫كلية العلوم الشرعية والعربية‬
‫مقرر التفسير‬
‫الفرقة الثالثة‬
‫المحاضرة الثانية‬
‫من كتاب [نيل المرام من تفسير آيات األحكام]‬
‫شرح الدكتور‪ /‬سعد معوض حفظه هللا‬

‫🌀🌀🌀‬

‫إن الحمد هلل تعالى نحمده‪ ،‬ونستعين به ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل تعالى من‬
‫شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬إنه من يهده هللا تعالى فال مضل له‪ ،‬ومن‬
‫يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن‬
‫ُمَحَّم ًد ا عبده ورسوله‪ ،‬اللهم صِّل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على‬
‫إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد‪ ،‬اللهم بارك على محمد وعلى آل‬
‫محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد‪.‬‬
‫أما بعد؛ هذه هي المحاضرة الثانية من شرح كتاب [نيل المرام من تفسير آيات‬
‫األحكام] لمحمد صديق خان رحمة هللا عليه‪.‬‬

‫💎 مع اآلية السادسة‪:‬‬
‫قال سبحانه وتعالى‪َ{ :‬وِإْذ َج َعْلَنا اْلَبْيَت َم َثاَبًة ِّللَّناِس َو َأْم ًنا َو اَّتِخ ُذ وا ِم ن َّم َقاِم‬
‫ِإْبَر اِهيَم ُم َص ًّلىۖ َو َع ِهْد َنا ِإَلى ِإْبَر اِهيَم َوِإْس َم اِع يَل َأن َطِّهَر ا َبْيِتَي ِللَّطاِئِفيَن‬
‫َو اْلَعاِكِفيَن َو الُّر َّك ِع الُّسُج وِد } [البقرة‪.]١٢٥ :‬‬

‫◙ قال‪َ﴿ :‬و اَّتِخ ُذ وا ِم ن َّم َقاِم ِإْبَر اِهيَم ُم َص ًّلى﴾‬

‫اختلفوا في مقام إبراهيم‪:‬‬

‫‪14‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ ‬فقيل‪ :‬إنه الحجر الذي يعرفه الناس ويصلون عنده ركعتي الطواف وهذا‬

‫أصح األقوال ✅‪.‬‬


‫‪ ‬وقيل‪ :‬الحج كله‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل‪ :‬عرفة والمزدلفة‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل‪ :‬الحرم كله مقام إبراهيم‪.‬‬

‫🔺 وأخرج البخاري وغيره من حديث أنس عن عمر بن الخطاب رضي هللا‬


‫عنه قال‪" :‬وافقت ربي في ثالث ووافقني ربي في ثالث‪ :‬قلنا يا رسول هللا‬
‫لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى فنزلت ﴿َو اَّتِخ ُذ وا ِم ن َّم َقاِم ِإْبَر اِهيَم‬
‫ُم َص ًّلى﴾ [البقرة‪ ،]١٢٥ :‬وقلت‪ :‬يا رسول هللا إن نساَء ك يدخل عليهن البر‬
‫والفاجر فلو أمرتهن أن يحتجبن فنزلت آية الحجاب‪ ،‬واجتمع على رسول‬
‫هللا ﷺ نساؤه في الغيرة فقلت لهن‪َ﴿ :‬ع َس ى َر ُّبُه ِإن َطَّلَقُك َّن َأن ُيْبِد َلُه‬
‫َأْز َو اًجا َخ ْيًرا ِّم نُك َّن ﴾ [التحريم‪ ]٥ :‬فنزلت اآلية"‪.‬‬

‫🔺 وأخرج مسلم وغيره من حديث جابر‪" :‬أن النبي ﷺ رَم ل ثالثة‬


‫أشواط ومشى أربعة حتى إذا فرغ عمد إلى مقام إبراهيم وصلى خلفه‬
‫ركعتين‪ ،‬ثم قرأ ﴿َو اَّتِخ ُذ وا ِم ن َّم َقاِم ِإْبَر اِهيَم ُم َص ًّلى﴾ [البقرة‪."]١٢٥ :‬‬

‫ثم قال‪ :‬واختلفوا في قوله{ُم َص ًّلى}‪:‬‬


‫‪ ‬فمن فسر المقام بمشاهد الحج ومشاعره قال‪ :‬مصلى‪ُ :‬م َّد عى من الصالة‬
‫التي هي الدعاء‪.‬‬
‫‪ ‬ومن فسر المقام بالَح جر قال معناه‪ :‬اتخذوا من مقام إبراهيم قبلًة‬
‫لصالتكم‪ ،‬فُأِم روا بالصالة عنده وهذا هو الصحيح‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬ثم الِع ْنِد َّية تصُد ق بجهاته األربع والتخصيص بكون المصلى خلفه إنما‬
‫استفيد من فعل النبي ﷺ والصحابة من بعده رضي هللا عنهم‪.‬‬
‫‪ -‬وفي مقام إبراهيم أحاديث كثيرة مستوفاة في األمهات وغيرها‪.‬‬

‫🔺 واألحاديث الصحيحة تدل على أن مقام إبراهيم هو الحجر الذي كان‬


‫إبراهيم يقوم عليه لبناء الكعبة لما ارتفع الجدار أتاه إسماعيل به ليقوم فوقه‬
‫كما في البخاري من حديث ابن عباس رضي هللا عنه‪.‬‬
‫◙ ثم قال‪َ﴿ :‬أن َطِّهَر ا َبْيِتَي ِللَّطاِئِفيَن َو اْلَع اِكِفيَن َو الُّر َّك ِع الُّسُجوِد }‪.‬‬
‫‪ -‬المراد بالتطهير‪:‬‬
‫‪ ‬قيل‪ :‬من األوثان‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل من اآلفات‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل‪ :‬من الكفر وقول الزور والرجس‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل‪ :‬من النجاسات وطواف الُج ُنب والحائض وكل خبيث‪.‬‬

‫✅ والظاهر أنه ال يختص بنوع من هذه األنواع وأن كل ما يصدق عليه‬


‫مسمى التطهير فهو يتناوله تناواًل ُش ُم وِلًّيا‪.‬‬

‫واإلضافة في قوله {َبْيِتَي } للتشريف والتكريم‪.‬‬ ‫‪-‬‬


‫والمراد بالبيت‪ :‬الكعبة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫والطائف‪ :‬الذي يطوف به ويدور حوله‪ ،‬وقيل الغريب الطارئ على مكة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫والعاكف‪ :‬المقيم‪ ،‬وأصل العكوف في اللغة‪ :‬اللزوم واإلقبال على الشيء‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫وقيل‪ :‬هو المجاور دون المقيم من أهلها‪.‬‬
‫والمراد بقوله الركع السجود‪ :‬أي المصلون‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫وخص هاتين الركعتين بالذكر؛ ألنهما أشرف أركان الصالة‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫🔻 ثم قال‪ :‬أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال‪ :‬إذا كان َقاِئًم ا فهو من‬
‫الطائفين‪ ،‬وإذا كان َج اِلًسا فهو من العاكفين‪ ،‬وإذا كان ُم َص ِّلًيا فهو من الركع‬
‫السجود‪.‬‬

‫🔻 وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب رضي هللا عنه‬
‫أنه ُس ِئل عن الذين ينامون في المسجد فقال‪ :‬هم العاكفون‪.‬‬

‫💎 اآلية السابعة‪:‬‬
‫قال تعالى‪َ﴿ :‬قْد َنَر ى َتَقُّلَب َو ْج ِهَك ِفي الَّس َم اِء ۖ َفَلُنَو ِّلَيَّنَك ِقْبَلًة َتْر َض اَهاۚ َفَو ِّل‬
‫َو ْج َهَك َش ْطَر اْلَم ْس ِج ِد اْلَح َر اِم ۚ َو َح ْيُث َم ا ُك نُتْم َفَو ُّلوا ُو ُج وَهُك ْم َش ْطَرُهۗ َوِإَّن‬
‫اَّلِذ يَن ُأوُتوا اْلِكَتاَب َلَيْع َلُم وَن َأَّنُه اْلَح ُّق ِم ن َّرِّبِهْم ۗ َو َم ا ُهَّللا ِبَغاِفٍل َع َّم ا َيْع َم ُلوَن ﴾‬
‫[البقرة‪.]١٤٤ :‬‬

‫◙ أّم ا قوله‪َ﴿ :‬فَو ِّل َو ْج َهَك َش ْط َر اْلَم ْس ِج ِد اْلَحَر اِم ۚ َو َح ْيُث َم ا ُك نُتْم َفَو ُّلوا ُو ُجوَهُك ْم‬
‫َش ْطَر ُه﴾‪:‬‬
‫‪ -‬المراد بالشطر‪ :‬الناحية والجهة وهو منتصب على الظرفية‪ ،‬وقد يراد‬
‫بالشطر النصف‪.‬‬

‫🔺 ومنه قول النبي صلى هللا عليه وسلم‪" :‬الوضوء شطر اإليمان"‪.‬‬

‫‪ -‬ويراد بمعنى البعض ُم ْطَلًقا‪.‬‬


‫‪ -‬وال خالف في أن المراد بشطر المسجد‪ :‬بناء الكعبة‪.‬‬

‫🔻 وقد حكى القرطبي اإلجماع على أن استقبال عين الكعبة فرض على‬
‫الُم عاين‪ ،‬وعلى أن غير المعاين يستقبل الناحية‪ .‬ويستدل على ذلك بما يمكنه‬
‫االستدالل به‪.‬‬
‫‪17‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫🔻 ثم ذكر عن أبي العالية قال‪ :‬شطر المسجد الحرام‪ :‬تلقاؤه‪.‬‬

‫🔻 وعن البراء قال‪ِ :‬قَبله‪ ،‬وعن ابن عباس قال‪ :‬شطره‪ ،‬وعن ابن عباس‬
‫َأْيًض ا قال‪ :‬البيت كله قبلة‪ ،‬وقبلة البيت الباب‪.‬‬

‫🔺 وأخرج البيهقي في سننه عنه (أي عن ابن عباس رضي هللا عنه) مرفوًع ا‬
‫قال‪" :‬البيت ِقبلة ألهل المسجد‪ ،‬والمسجد قبلة ألهل الحرم‪ ،‬والحرم قبلة‬
‫ألهل األرض في مشارقها ومغاربها من أمتي"‪.‬‬

‫💎 اآلية الثامنة‪:‬‬
‫قال تعالى‪ِ﴿ :‬إَّن الَّص َفا َو اْلَم ْر َو َة ِم ن َش َعاِئِر ِهَّللاۖ َفَم ْن َح َّج اْلَبْيَت َأِو اْع َتَم َر َفاَل‬
‫ُج َناَح َع َلْيِه َأن َيَّطَّو َف ِبِهَم اۚ َو َم ن َتَطَّو َع َخ ْيًر ا َفِإَّن َهَّللا َشاِكٌر َع ِليٌم ﴾ [البقرة‪:‬‬
‫‪.]١٥٨‬‬
‫‪ -‬قال‪ :‬أصل الصفا الحجر األملس‪ ،‬وهو هنا َع َلٌم لجبل من جبال مكة‬
‫معروف‪.‬‬
‫‪ -‬وكذلك المروة َع َلٌم لجبل بمكة معروف‪.‬‬
‫‪ -‬وأصلها في اللغة واحدة الَم رِوّي وهي الحجارة الصغار التي فيها لين‪ ،‬وقيل‬
‫التي فيها صالبة‪ ،‬وقيل‪ :‬تعم الجميع‪ ،‬وقيل‪ :‬إنها الحجارة البيض البراقة‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬إنها الحجارة السود‪.‬‬
‫‪ -‬والشعائر‪ :‬جمع شعيرة وهي العالمة من أعالم مناسكه‪ ،‬والمراد بها‪:‬‬
‫موضع العبادة التي أشعرها هللا إْعاَل ًم ا للناس من الموقف والمسعى‬
‫والمنحر‪ ،‬ومنه إشعار الهدي أي إعالمه بغرز حديدة في سنامه‪.‬‬
‫‪ -‬وحج البيت في اللغة‪ :‬قصده‪.‬‬
‫‪ -‬وفي الشرع‪ :‬اإلتيان بمناسك الحج التي شرعها هللا سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫‪ -‬والعمرة في اللغة‪ :‬الزيادة‪.‬‬
‫‪ -‬وفي الشرع‪ :‬اإلتيان بالنسك المعروف على الصفة الثابتة‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬والجناح‪ :‬أصله من الجنوح وهو الميل‪ ،‬ومنه الجوانح؛ العوجاجها‪.‬‬


‫‪ ‬ورفع الجناح يدل على الوجوب وبه قال أبو حنيفة وأصحابه والثوري‪.‬‬
‫‪ ‬وقال الزمخشري في الكشاف عن أبي حنيفة إنه يقول‪ :‬إنه واجب وليس‬
‫بركن وعلى تاركه دم‪.‬‬
‫‪ ‬وقد ذهب إلى عدم الوجوب ابن عباس وابن الزبير وأنس بن مالك وابن‬
‫سيرين‪.‬‬
‫‪ ‬ومما يقوي داللة هذه اآلية على عدم الوجوب قوله تعالى في آخر‬
‫اآلية‪َ﴿ :‬و َم ن َتَطَّوَع َخ ْيًرا َفِإَّن َهَّللا َش اِكٌر َع ِليٌم ﴾ [البقرة‪ ]١٥٨ :‬إلى آخر‬
‫اآلية‪.‬‬
‫‪ ‬وذهب الجمهور إلى أن السعي واجب ونسك من جملة المناسك وهو‬
‫قول‪ :‬عبد هللا بن عمرو وجابر وعائشة‪ ،‬وبه قال الحسن‪ ،‬وإليه ذهب‬

‫الشافعي ومالك واختاره الشوكاني‪ ،‬وهو الراجح ✅‬

‫🔺 واستدلوا بما أخرجه الشيخان وغيرهما عن عائشة أن عروة قال لها‪:‬‬


‫أرأيِت قول هللا تعالى ﴿ِإَّن الَّص َفا َو اْلَم ْر َو َة ِم ن َش َع اِئِر ِهَّللاۖ َفَم ْن َح َّج اْلَبْيَت َأِو‬
‫اْع َتَم َر َفاَل ُج َناَح َع َلْيِه َأن َيَّطَّوَف ِبِهَم اۚ َو َم ن َتَطَّوَع َخ ْيًرا َفِإَّن َهَّللا َش اِكٌر‬
‫َع ِليٌم ﴾ [البقرة‪ ]١٥٨ :‬فما أرى على أحد جناح أال يطوف بهما‪ ،‬فقالت‬
‫عائشة‪ :‬بئس ما قلت يا ابن أختي إنها لو كانت على ما أولتها لكانت (فال‬
‫جناح عليه أال يطوف بهما) لكنها وإنما أنزلت في األنصار قبل أن يسلموا‬
‫كانوا يهلون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدونها‪ ،‬وكان من أهَّل لها يتحرج‬
‫أن يطوف بالصفا والمروة في الجاهلية فأنزل هللا ﴿ِإَّن الَّص َفا َو اْلَم ْر َو َة ِم ن‬
‫َش َع اِئِر ِهَّللاۖ َفَم ْن َح َّج اْلَبْيَت َأِو اْع َتَم َر َفاَل ُج َناَح َع َلْيِه َأن َيَّطَّوَف ِبِهَم اۚ َو َم ن‬
‫َتَطَّوَع َخ ْيًرا َفِإَّن َهَّللا َش اِكٌر َع ِليٌم ﴾ اآلية‪ .‬قالت عائشة‪ :‬ثم قد بَّين رسول هللا‬
‫ﷺ الطواف فيهما؛ فليس ألحٍد أن يدع الطواف بهما"‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫🔺 ثم ذكر عن ابن عباس رضي هللا عنه قال‪ُ :‬س ِئل رسول هللا ﷺ فقال‪:‬‬
‫"إن هللا كتب عليكم السعي فاْسعوا"‪.‬‬

‫🔺 ويؤيد ذلك َأْيًض ا قول النبي ﷺ‪" :‬خذوا عني مناسككم"‪.‬‬

‫💎 اآلية التاسعة‪:‬‬
‫قال تعالى‪ِ﴿ :‬إَّنَم ا َح َّر َم َع َلْيُك ُم اْلَم ْيَتَة َو الَّد َم َو َلْح َم اْلِخ نِزيِر َو َم ا ُأِهَّل ِبِه ِلَغْيِر ِهَّللاۖ ‬
‫َفَمِن اْض ُطَّر َغ ْيَر َباٍغ َو اَل َع اٍد َفاَل ِإْثَم َع َلْيِهۚ ِإَّن َهَّللا َغُفوٌر َّر ِح يٌم ﴾ [البقرة‪:‬‬
‫‪.]١٧٣‬‬

‫قال الميتة‪ :‬ما فارقتها الروح من غير ذكاة‪.‬‬ ‫◙‬

‫🔺 وقد ُخ صص هذا العموم بمثل حديث "أحل لنا ميتتان ودمان فأّم ا الميتتان‬
‫فالجراد والحوت‪ ،‬وأّم ا الدمان فالطحال والكبد"‪.‬‬
‫‪ ‬وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى جواز أكل جميع حيوانات البحر حيها‬
‫وميتها‪.‬‬
‫‪ ‬وقال بعض أهل العلم‪ :‬إنه يحرم من حيوانات البحر ما يحرم شبهه في‬
‫البر‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪ :‬وقد اتفق العلماء على أن الدم حرام وفي اآلية األخرى‪:‬‬

‫🔺 ﴿َأْو َد ًم ا َّم ْس ُفوًحا﴾ [األنعام‪]١٤٥ :‬‬


‫فيحمل المطلق على المقيد؛ ألن ما خلط باللحم غير محرم‪.‬‬
‫قال القرطبي‪ :‬وهذا باإلجماع‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫🔺 وقد روت عائشة "أنها كانت تطبخ اللحم فتعلو الّص فرة على البرمة من‬
‫الدم فيأكل ذلك النبي ﷺ وال ينكره"‪.‬‬

‫◙ وقوله‪َ﴿ :‬و َلْح َم اْلِخ نِزيِر﴾‪:‬‬


‫‪ -‬ظاهر هذه اآلية واآلية األخرى‪ ،‬أعني قوله‪ُ﴿ :‬قل اَّل َأِج ُد ِفي َم ا ُأوِح َي ِإَلَّي‬
‫ُم َح َّر ًم ا َع َلى َطاِعٍم َيْطَع ُم ُه ِإاَّل َأن َيُك وَن َم ْيَتًة َأْو َد ًم ا َّم ْس ُفوًحا َأْو َلْح َم ِخ نِزيٍر﴾‬
‫[األنعام‪ ]١٤٥ :‬أن المحرم إنما هو اللحم فقط‪.‬‬

‫🔻 فظاهر اآليتين أن الُم َح ّر م هو اللحم فقط‪ ،‬لكن اجتمعت األمة على تحريم‬
‫شحمه كما حكاه القرطبي‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪ :‬واإلهالل رفع الصوت‪ ،‬يقال‪َ :‬أَهل بكذا أي‪ :‬رفع صوته‪ ،‬ومنه‬
‫إهالل الصبي واستهالله وهو صياحه عند والدته‪.‬‬
‫‪ -‬والمراد هنا‪ :‬ما ذكر عليه اسم غير هللا كالالت والعزى إذا كان الذابح وثنًّيا‪،‬‬
‫والنار إذا كان الذابح مجوسًّيا‪ ،‬وال خالف في تحريم هذا وأمثاله‪.‬‬

‫🔻 قال الشوكاني في [فتح القدير]‪" :‬ومثله ما يقع من المعتقدين لألموات من‬


‫الذبح على قبورهم فإنه مما أهل به لغير هللا وال فرق بينه وبين الذبح‬
‫للوثني‪ .‬ومثله ما يقع من المعتقدين لألولياء من الذبح لهم مما ُأهل به لغير‬
‫هللا وإن لم يذكر اسم غير هللا عليه عند الذبح‪ ،‬وال فرق بينه وبين الذبح‬
‫للطواغيت"‪.‬‬
‫وقد أكثر أهل العلم من الكالم في هذه المسألة في تواليف مفردة ال نشتغل‬
‫بذكرها خشية اإلطالة‪.‬‬
‫‪ -‬ثم قال‪ :‬والمراد من المضطر‪ :‬من صَّيره الجوع والعدم إلى االضطرار إلى‬
‫الميتة‪.‬‬
‫‪ -‬والمراد بالباغي‪ :‬من يأكل فوق حاجته‪.‬‬
‫‪ -‬قال‪ :‬والعادي‪ :‬من يأكل هذه المحرمات وهو يجد عنها مندوحة‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬وقيل‪ :‬غير باٍغ على المسلمين وال عاٍد عليهم‪ ،‬فيدخل في الباغي والعادي‬
‫قطاع الطريق والخارجون على السلطان وقاطع الرحم ونحوهم‪ ،‬وقيل‬
‫المراد غير باٍغ على مضطر آخر‪ ،‬وال عاٍد سًّد ا لجوعه‪.‬‬

‫‪ -‬وذكر عن ابن عباس رضي هللا عنه في قوله تعالى‪َ﴿ :‬فَمِن اْض ُطَّر َغْيَر َباٍغ‬
‫َو اَل َع اٍد ﴾ [البقرة‪ ،]١٧٣ :‬يقول‪ :‬من أكل شيئا من هذه وهو مضطر فال‬
‫حرج عليه‪ ،‬ومن أكله وهو غير مضطر فقد بغى واعتدى‪.‬‬

‫ثم قال‪ :‬قوله تعالى‪َ﴿ :‬فاَل ِإْثَم َع َلْيِه﴾‬ ‫◙‬


‫{َفاَل ِإْثَم َع َلْيِه} يعني‪ :‬في أكله‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{ِإَّن َهَّللا َغ ُفوٌر} لمن أكل من الحرام‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{َّر ِح يٌم } به إذ حل له الحرام في االضطرار‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫💎 اآلية العاشرة‪:‬‬
‫قال تعالى‪َ﴿ :‬يا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا ُك ِتَب َع َلْيُك ُم اْلِقَص اُص ِفي اْلَقْتَلىۖ اْلُح ُّر ِباْلُح ِّر‬
‫َو اْلَعْبُد ِباْلَعْبِد َو اُأْلنَثى ِباُأْلنَثىۚ َفَم ْن ُع ِفَي َلُه ِم ْن َأِخ يِه َش ْي ٌء َفاِّتَباٌع ِباْلَم ْعُر وِف‬
‫َٰذ‬ ‫َٰذ‬
‫َو َأَد اٌء ِإَلْيِه ِبِإْح َس اٍن ۗ ِلَك َتْخ ِفيٌف ِّم ن َّرِّبُك ْم َو َرْح َم ٌةۗ َفَمِن اْع َتَد ى َبْعَد ِلَك َفَلُه‬
‫َع َذ اٌب َأِليٌم ﴾ [البقرة‪.]١٧٨ :‬‬

‫{ُك ِتَب َع َلْيُك ُم } يعني‪ُ :‬فرض عليكم‪.‬‬ ‫◙‬


‫قال‪ :‬وهذا إخبار من هللا سبحانه لعباده بأنه شرع لهم ذلك‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وقيل‪ :‬إن كتب هذا إشارة إلى ما جرى به القلم في اللوح المحفوظ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫والقصاص‪ :‬أصله قَّص األثر أي اتبعه‪ ،‬ومنه القاُّص ؛ ألنه يتتبع اآلثار‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫وقص الشعر اتباع أثره‪ ،‬فكأن القاتل يسلك طريًقا من القتل يقص أثره فيه‪.‬‬

‫🔺 ومنه قوله تعالى‪َ﴿ :‬فاْر َتَّد ا َع َلى آَثاِرِهَم ا َقَص ًصا} [الكهف‪]٦٤ :‬‬

‫‪22‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬وقيل‪ :‬إن القصاص مأخوذ من القص وهو القطع‪ ،‬يقال قصصت بينهما أي‬
‫قطعته‪.‬‬

‫‪ ‬وقد استدل بهذه اآلية القائلون بأن الحر ال ُيقتل بالعبد وهم الجمهور‪.‬‬
‫‪ ‬وذهب أبو حنيفة وأصحابه‪ ،‬والثوري‪ ،‬وابن أبي ليلى‪ ،‬وداود إلى أنه يقتل‬
‫به إذا كان غير سيده‪ ،‬وأّم ا سيده فال يقتل به إجماًع ا إال ما روي عن النخعي‬
‫فليس بمذهب أبي حنيفة ومن معه على اإلطالق فذكره الشوكاني في شرح‬
‫[المنتقى]‪.‬‬
‫قال القرطبي‪ :‬وروي ذلك عن علي وابن مسعود وبه قال سعيد بن المسيب‪،‬‬
‫وإبراهيم النخعي وقتادة والحكم بن عتبة‪.‬‬

‫‪ 🔺 ‬واستدلوا بقوله تعالى‪َ﴿ :‬و َكَتْبَنا َع َلْيِهْم ِفيَها َأَّن الَّنْفَس ِبالَّنْفِس﴾ [المائدة‪:‬‬
‫‪.]٤٥‬‬

‫‪ ‬وأجاب األولون عن هذا االستدالل بأن قوله تعالى‪﴿ :‬اْلُحُّر ِباْلُحِّر‬


‫َو اْلَع ْبُد ِباْلَع ْبِد ﴾ [البقرة‪ ]١٧٨ :‬مفسر لقوله تعالى ﴿الَّنْفَس ِبالَّنْفِس﴾‬
‫[المائدة‪.]٤٥ :‬‬
‫‪ ‬وقالوا َأْيًض ا‪ :‬إن قوله ﴿َو َكَتْبَنا َع َلْيِهْم ِفيَها﴾ [المائدة ‪ ]٤٥‬يفيد أن ذلك‬
‫حكاية عما شرعه هللا لبني إسرائيل في التوراة‪.‬‬

‫‪ 🔺 ‬ومن جملة ما استدل به اآلخرون قوله ﷺ‪" :‬المسلمون تتكافأ‬


‫دماؤهم"‪.‬‬
‫‪ ‬ويجاب عنه بأنه مجمل واآلية مبينة‪ ،‬ولكنه يقال إن قوله تعالى‪﴿ :‬اْلُحُّر‬
‫ِباْلُحِّر َو اْلَع ْبُد ِباْلَع ْبِد ﴾ إنما أفاد بمنطوقه أن الحر يقتل بالحر‪ ،‬والعبد‬
‫يقتل بالعبد‪ ،‬وليس فيه ما يدل على أن الحر ال يقتل بالعبد إال باعتبار‬
‫المفهوم‪ ،‬فمن أخذ بمثل هذا المفهوم لزمه القول به هنا‪ ،‬ومن لم يأخذ‬

‫‪23‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫بمثل هذا المفهوم لم يلزمه القول به هنا‪ ،‬والبحث في هذا محرر في‬
‫علم األصول‪.‬‬

‫‪ ‬وقد استدل بهذه اآلية القائلون بأن الُم سلم ُيقتل بالكافر وهم الُك وِفيون‬
‫والَثْو رْي ؛ ألن الُح ر يتناول الكافر كما يتناول المسلم‪ ،‬وكذا العبد واألنثى‬
‫يتناوالن الكافر كما يتناوالن المسلم‪.‬‬

‫‪ 🔺 ‬واستدلوا أيًض ا بقوله تعالى‪َ{ :‬أَّن الَّنْفَس ِبالَّنْفِس} [المائدة‪ ،]٤٥ :‬ألن‬
‫النفس تصدق على النفس الكافرة كما تصدق على النفس المسلمة‪.‬‬

‫‪ ‬وذهب الجمهور إلى أنه ال ُيقَت ل المسلُم بالكافر‪.‬‬

‫‪ 🔺 ‬واستدلوا بما ورد من السنة عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه قال‪" :‬ال‬
‫ُيقتل ُم سلٌم بكافر"‪.‬‬
‫وهو مبيٌن لما ُيراد في اآليتين‪ ،‬والبحث في هذا يطول‪.‬‬

‫‪ ‬واستدل بهذه اآلية القائلون بأن الذكر ال ُيقتل باألنثى‪.‬‬


‫‪ ‬وقرروا الداللة على ذلك بمثل ما سبق‪ ،‬إال إذا أسلم أولياء المرأة الزيادة‬
‫على ِد يتها من ِد ية الرجل‪ .‬وبه قال مالٌك والشافعي وأحمد وإسحاق‬
‫والثوري وأبو ثوٍر‪.‬‬

‫‪ ‬وذهب الجمهور إلى أنه ُيقتل الرجل بالمرأة وال زيادة‪ ،‬وهو الحق‪.‬‬

‫‪ -‬قال الَش وكانْي ‪ :‬وقد بسطنا البحث في شرح [الُم نتقى] فلُيرجع إليه‪.‬‬
‫‪ -‬قال‪ :‬قلت‪ :‬وقد أوضحت المسألة في [ِم سك الختام شرح بلوغ المرام]‬
‫فلُيَع َّو ل عليه‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫◙ ثم قال‪ :‬قوله‪َ{ :‬فَم ْن ُع ِفَي َلُه ِم ْن َأِخ يِه َش ْي ٌء }‬


‫‪ِ{ -‬م ْن } هنا عبارٌة عن القاتل أو الجاني‪.‬‬
‫‪ -‬والُم راد باألخ‪ :‬المقتول أو الولي‪.‬‬
‫‪ ‬والشيء‪ :‬عبارٌة عن الدم‪.‬‬
‫‪ ‬والمعنى‪ :‬أن القاتل أو الجاني إذا ُع فَي له من جهة المجني عليه أو الولّي‬
‫دٌم أصابه منه على أن يأخذ منه شيًئا من الِد ية أو اَألرِش فليتبع المجني‬
‫عليه الولي من عليه الدم فيما يأخذه منه من ذلك اتباًع ا بالمعروف‪،‬‬
‫ولُيؤِّد الجاني ما لزمه من الِد ية واَألرش إلى المجني عليه أو إلى الولي‬
‫أداًء بإحسان‪.‬‬

‫‪ ‬وِقيل‪ :‬إن {ِم ْن } عبارة عن الولي‪ ،‬واألخ ُيراد به القاتل‪ ،‬والشيء الدية‪.‬‬
‫‪ ‬والمعنى‪ :‬أن الولي إذا جنح إلى العفو عن القصاص إلى مقابلة الدية‪،‬‬
‫فإن القاتل ُم خيٌر بين أن ُيعطَيها وُيسلم نفسه للَقصاص كما ُروَي عن‬
‫مالٍك أنه ُيثبت الَخ يار للقاتل في ذلك‪.‬‬

‫‪ ‬وذهب من عاداه إلى أنه ال ُيخير إال إذا رضي األولياء بالدية‪ ،‬فال خيار‬
‫للقاتل وليتَبع بالمعروف‪.‬‬

‫‪ ‬وِقيل‪ :‬إن الُم راد بذلك أن من َفَضَل له من الطائفتين على اآلخر شيٌء من‬
‫الديات فيكون {ُع ِفَي } بمعنى َفَضَل ‪.‬‬

‫‪ -‬وعلى جميع التقادير فتنكير {َش ْي ٌء } للتقليل فيتناول العفو عن الشيء اليسير‬
‫من الدية‪ ،‬والعفو الصادر عن فرٍد من أفراد الَو رثة‪.‬‬

‫🔻 ثم قال‪ :‬أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبيٍر قال‪" :‬إن حَّيْين من العرب‬
‫اقتتلوا في الجاهلية قبل اإلسالم بقليٍل ‪ ،‬فكان بينهم قتٌل وِج راحاٌت حتى قتلوا‬

‫‪25‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫العبيد والنساء‪ ،‬ولم يأخذ بعضهم من بعض حتى أسلموا‪ ،‬فكان أحد الحيين‬
‫يتطاول على اآلخر في العدة واألموال‪ ،‬فحلفوا أال يرضوا حتى يقتُل بالعبد‬
‫منا الحر منهم‪ ،‬وبالمرأة منا الرجل منهم‪ ،‬فنزلت هذه اآلية"‪.‬‬

‫ثم قال‪ :‬وقد اختلف أهُل العلم فيمن قتل القاتل بعد أخذ الدية‪،‬‬
‫فقال جماعٌة منهم مالٌك والشافعُي ‪ :‬إنه كمن قتل ابتداًء ‪ ،‬إن شاء الولي قتله‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫وإن شاء عفا عنه‪.‬‬
‫وقال َقتادة وِع كرمة والسدّي وغيرهم‪ُ :‬يقتل الَبتة‪ ،‬وال ُيَم ِّك ُن الحاكم الولي‬ ‫‪‬‬
‫من العفو‪.‬‬
‫وقال الحسن‪ :‬عذابه أن يرد الدية فقط‪ ،‬ويبقى إثمه إلى عذاب اآلخرة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫وقال عمر بن عبد العزيز‪ :‬أمره إلى اإلمام يصنع فيه ما رأى‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫🔺 ثم ساق سنًد ا عن أبي ُش ريٍح الُخ زاعي أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪:‬‬
‫"من ُأصيب بقتٍل فإنه يختار إحدى ثالث‪ ،‬إّم ا أن يقتص‪ ،‬وإّم ا أن َيعفَو ‪ ،‬وإّم ا‬
‫أن يأخذ الدية‪ ،‬فإن أراد الرابعة فخذوا على يديه‪ ،‬ومن اعتدى بعد ذلك فله‬
‫نار جهنم خالًد ا فيها أبًد ا"‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪ :‬واسُتدل باآلية أيًض ا على أن الكبيرة ال ُتخرج العبد المؤمن من‬
‫إيمانه‪ ،‬فإنه ال شك في َك ْو ن قتل العمد والعدوان من الكبائر إجماًع ا‪ ،‬ومع‬
‫هذا خاطبه بعد القتل باإليمان‪ ،‬وسماه حال ما وجب عليه من الِقصاص‬
‫مؤمًنا‪ ،‬وكذا أثبت األخوة بينه وبين ولي الدم‪ ،‬وإنما أراد بذلك األخوة‬
‫اإليمانية‪ ،‬وكذا َنَد ب إلى العفو عنه‪ ،‬وذا ال يليق إال عن العبد المؤمن‪.‬‬

‫💎 ثم قال‪ :‬اآليتان الحادية عشرة والثانية عشرة‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬يا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا ُك ِتَب َع َلْيُك ُم الِّص َياُم َك َم ا ُك ِتَب َع َلى اَّلِذ يَن ِم ن‬
‫َقْبِلُك ْم َلَعَّلُك ْم َتَّتُقوَن (‪َ )١٨٣‬أَّياًم ا َّم ْع ُدوَد اٍتۚ َفَم ن َك اَن ِم نُك م َّمِريًض ا َأْو َع َلى‬

‫‪26‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫َس َفٍر َفِع َّد ٌة ِّم ْن َأَّياٍم ُأَخ َر ۚ َو َع َلى اَّلِذ يَن ُيِط يُقوَنُه ِفْد َيٌة َطَعاُم ِم ْس ِكيٍن ۖ َفَم ن َتَطَّو َع‬
‫َخ ْيًر ا َفُهَو َخ ْيٌر َّلُهۚ َو َأن َتُص وُم وا َخ ْيٌر َّلُك ْم ۖ ِإن ُك نُتْم َتْع َلُم وَن } [البقرة‪-١٨٣ :‬‬
‫‪.]١٨٤‬‬
‫‪ -‬قال‪ :‬ال ِخ الف بين المسلمين أجمعين أن صوم رمضان فريضٌة افترضها‬
‫هللا سبحانه وتعالى على هذه األمة‪.‬‬
‫‪ -‬والصيام في اللغة‪ :‬أصله اإلمساك‪.‬‬
‫‪ -‬وفي الشرع‪ :‬اإلمساك عن الُم فطرات مع اقتران النية من طلوع الفجر إلى‬
‫غروب الشمس‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪ِ :‬قيل للمريض حالتان‪:‬‬


‫‪ ‬إن كان ال ُيطيق الصوم كان اإلفطار عزيمة‪.‬‬
‫‪ ‬وإن كان ُيطيقه مع تضرر ومشقٍة كان رخصة‪ .‬وبهذا قال الجمهور‪.‬‬

‫قال‪ :‬واختلف أهل العلم في السفر الُم بيح لإلفطار‪:‬‬


‫‪ ‬فِقيل مسافة قصر الصالة والِخ الف في قدرها معروف وبه قال الجمهور‪.‬‬
‫‪ ‬وقال غيرهم بمقادير ال دليل عليها‪.‬‬
‫‪ ‬والحق أن ما صدق عليه ُم سمى السفر فهو الذي ُيباح عنده الفطر‪ ،‬وهكذا ما‬
‫صدق عليه ُم سمى المرض فهو الذي يباح عنده اإلفطار‪.‬‬

‫‪ ‬وقد وقع اإلجماع على الفطر في سفر الطاعة‪.‬‬


‫واختلفوا في األسفار المباحة‪ ،‬والحق أن الُرخصة ثابتٌة فيها‪.‬‬
‫وكذا اختلفوا في سفر المعصية‪.‬‬

‫‪ -‬وليس في اآلية أعني قوله سبحانه وتعالى‪َ{ :‬فِع َّد ٌة ِّم ْن َأَّياٍم ُأَخ َر } [البقرة‪:‬‬
‫‪ ]١٨٤‬ما يدل على وجوب التتابع في القضاء‪.‬‬

‫ثم قال‪ :‬وقد اختلف أهل العلم في هذه اآلية يعني {َو َع َلى اَّلِذ يَن ُيِط يُقوَنُه}‪،‬‬
‫هل هي محكمٌة أو منسوخة؟‬

‫‪27‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ ‬وإنما كانت رخصة عند ابتداء فرض الصيام؛ ألنه َش ق عليهم‪ ،‬وكان من‬
‫أطعم كل يوٍم مسكيًنا ترك الصوم وهو ُيطيقه ثم ُنسخ ذلك وهذا قول‬
‫الجمهور‪.‬‬
‫‪ ‬وُروَي عن بعض أهل العلم أنها لم ُتنسخ‪ ،‬وأنها ُرخصٌة للشيوخ والعجائز‬
‫خاصة إذا كانوا ال يطيقون الصيام إال بمشقة‪ ،‬وهذا يناسب قراءة التجديد‬
‫أي (َيكلفونه)‪.‬‬

‫‪ -‬والناسخ لهذه اآلية عند الجمهور قوله تعالى‪َ{ :‬فَم ن َش ِهَد ِم نُك ُم الَّش ْهَر‬
‫َفْلَيُص ْم ُه} [البقرة‪.]١٨٥ :‬‬

‫ثم قال‪ :‬وقد اختلفوا في ِم قدار الِفدية‪:‬‬


‫‪ ‬فِقيل عن كل يوٍم صاٍع من غير الُبر‪ ،‬ونصف صاٍع منه‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل مٌّد فقط‪.‬‬

‫واختلفوا في معنى قوله تعالى‪َ{ :‬فَم ن َتَطَّوَع َخ ْيًرا}‪:‬‬


‫‪ ‬قال ابن شهاب‪ :‬معناه من أراد اإلطعام مع الصوم‪.‬‬
‫‪ ‬وقال مجاهد‪ :‬معناه من زاد في اإلطعام على الُم د‪.‬‬
‫‪ ‬وِقيل‪ :‬من أطعم مع المسكين مسكيًنا آخر‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬و َأن َتُصوُم وا َخ ْيٌر َّلُك ْم }‪:‬‬


‫‪ ‬معناه أن الصيام خيٌر لهم من اإلفطار مع الفدية‪ ،‬وكان هذا قبل النسخ‪.‬‬
‫‪ ‬وِقيل‪ :‬معناه أن تصوموا في السفر والمرض غير الشاق خيٌر لكم‪.‬‬

‫💎 ثم قال‪ :‬اآلية الثالثة عشرة‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬ش ْهُر َر َم َض اَن اَّلِذ ي ُأنِزَل ِفيِه اْلُقْر آُن ُهًد ى ِّللَّناِس َو َبِّيَناٍت ِّم َن‬
‫اْلُهَد ٰى َو اْلُفْر َقاِن ۚ َفَم ن َش ِهَد ِم نُك ُم الَّش ْهَر َفْلَيُص ْم ُهۖ َو َم ن َك اَن َمِريًض ا َأْو َع َلى‬

‫‪28‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫َس َفٍر َفِع َّد ٌة ِّم ْن َأَّياٍم ُأَخ َر ۗ ُيِريُد ُهَّللا ِبُك ُم اْلُيْسَر َو اَل ُيِر يُد ِبُك ُم اْلُعْسَر َو ِلُتْك ِم ُلوا‬
‫اْلِع َّد َة َو ِلُتَك ِّبُر وا َهَّللا َع َلى َم ا َهَد اُك ْم َو َلَعَّلُك ْم َتْش ُك ُر وَن } [البقرة‪.]١٨٥ :‬‬

‫‪ ‬قال‪ :‬أي من حضر ولم يكن في سفٍر بل كان مقيًم ا‪.‬‬


‫‪ ‬وقالوا‪ :‬إن من أدركه شهر رمضان ُم قيًم ا غير مسافر لزمه صيامه‪ ،‬سافر‬
‫بعد ذلك أو أقام؛ استدالاًل بهذه اآلية‪.‬‬
‫‪ ‬وقال الجمهور‪ :‬إنه إذا سافر أفطر؛ ألن معنى اآلية أنه إذا حضر الشهر من‬
‫أوله إلى آخره‪ ،‬ال أنه إذا حضر بعضه وسافر؛ فإنه ال يتحتم عليه إال صوم‬
‫ما حضره‪ ،‬وهذا هو الحق‪ ،‬وعليه دلت األدلة الصحيحة من الُّسنة وقد كان‬
‫يخرج صلى هللا عليه وسلم في رمضان فُيفطر‪.‬‬

‫‪ -‬قال‪ :‬وقوله تعالى‪ُ{ :‬يِريُد ُهَّللا ِبُك ُم اْلُيْس َر َو اَل ُيِريُد ِبُك ُم اْلُعْس َر }‪ ،‬فيه أن هذا‬
‫مقصٌد من مقاصد الرب سبحانه‪ ،‬ومراٌد من مراداته في جميع أمور الدين‬
‫ومثاله قوله تعالى‪َ{ :‬و َم ا َجَعَل َع َلْيُك ْم ِفي الِّد يِن ِم ْن َحَر ٍج} [الحج‪.]٧٨ :‬‬

‫🔺 قد ثبت عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أنه كان ُيرشد إلى التيسير‬
‫ونهى عن التعسير‪ ،‬كقوله صلى هللا عليه وسلم‪" :‬يسروا وال ُتعسروا‬
‫وبشروا وال ُتنفروا"‪ ،‬قال‪ :‬وهو في الصحيح‪.‬‬

‫‪ -‬قال‪ :‬والُيسر‪ :‬السهل الذي ال ُع سر فيه‪.‬‬


‫‪ -‬والمراد بالتكبير هنا‪ :‬هو قول القائل (هللا أكبر هللا أكبر)‪.‬‬
‫‪ -‬قال الجمهور‪ :‬ومعناه الحض على التكبير في آخر رمضان‪.‬‬

‫وقد وقع الِخ الف في وقته‪:‬‬


‫فُروَي عن بعض السلف أنهم كانوا يكبرون ليلة الفطر‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫وِقيل إذا رأوا هالل شواٍل كبروا إلى انقضاء الُخ طبة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫وِقيل إلى خروج اإلمام‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫وِقيل هو التكبير يوم الفطر‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪29‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫قال مالٌك ‪ :‬وهو من حين يخرج من داره إلى أن يخرج اإلمام‪ ،‬وبه قال‬ ‫‪‬‬
‫الشافعُي ‪.‬‬
‫وقال أبو حنيفة‪ُ :‬يكبر في األضحى وال ُيكبر في الفطر‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫وأورد عن ابن عباس في قوله‪َ{ :‬فَم ن َش ِهَد ِم نُك ُم الَّش ْهَر َفْلَيُص ْم ُه}‪ ،‬قال‪ :‬هو‬ ‫‪-‬‬
‫هالله بالدار‪.‬‬
‫وأورد عن ابن عباس رضي هللا عنه في قوله‪ُ{ :‬يِريُد ُهَّللا ِبُك ُم اْلُيْس َر }‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫اليسر اإلفطار في السفر‪ ،‬والعسر الصوم في السفر‪.‬‬

‫🔺 قد صح عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أنه قال‪ُ" :‬صوموا لرؤيته‬
‫وأفطروا لرؤيته فإن ُغ م عليكم فأكملوا العدة ثالثين يوما"‪.‬‬

‫🔻 وأخرج عن ابن مسعوٍد أيًضا أنه كان ُيكبر (هللا أكبر هللا أكبر ال إله إال‬
‫هللا‪ ،‬هللا أكبر هللا أكبر وهلل الحمد)‪.‬‬

‫💎 ثم قال‪ :‬اآلية الرابعة عشرة‪:‬‬


‫قال تعالى‪ُ{ :‬أِح َّل َلُك ْم َلْيَلَة الِّص َياِم الَّر َفُث ِإَلى ِنَس اِئُك ْم ۚ ُهَّن ِلَباٌس َّلُك ْم َو َأنُتْم‬
‫ِلَباٌس َّلُهَّن ۗ َع ِلَم ُهَّللا َأَّنُك ْم ُك نُتْم َتْخ َتاُنوَن َأنُفَس ُك ْم َفَتاَب َع َلْيُك ْم َو َع َفا َع نُك ْم ۖ َفاآْل َن‬
‫َباِش ُر وُهَّن َو اْبَتُغوا َم ا َك َتَب ُهَّللا َلُك ْم ۚ َو ُك ُلوا َو اْش َرُبوا َح َّتى َيَتَبَّيَن َلُك ُم اْلَخ ْيُط‬
‫اَأْلْبَيُض ِم َن اْلَخ ْيِط اَأْلْس َو ِد ِم َن اْلَفْج ِرۖ ُثَّم َأِتُّم وا الِّصَياَم ِإَلى الَّلْيِل ۚ َو اَل‬
‫ُتَباِش ُر وُهَّن َو َأنُتْم َع اِكُفوَن ِفي اْلَم َس اِج ِد ۗ ِتْلَك ُح ُدوُد ِهَّللا َفاَل َتْقَرُبوَهاۗ َك َذ ِلَك ُيَبِّيُن‬
‫ُهَّللا آَياِتِه ِللَّناِس َلَعَّلُهْم َيَّتُقوَن } [البقرة‪.]١٨٧ :‬‬

‫‪ -‬قال‪ :‬في قوله‪ُ{ :‬أِح َّل َلُك ْم }‪ :‬هي داللة على أن هذا الذي أحله هللا كان حراًم ا‬
‫عليهم‪ ،‬وهكذا كان‪ ،‬كما ُيفيده السبب لنزول اآلية‪ ،‬والَر فُث كنايًة عن‬
‫الجماع‪.‬‬
‫‪ -‬قال الَّز َّج اج‪ :‬الرفث كلمة جامعة لكل ما يريد الرجل من امرأته‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬قال‪ :‬ويقال‪ :‬خان واختان بمعنى‪ ،‬وهما من الخيانة‪ ،‬وإنما سماهم خائنين؛‬
‫ألن ضرر ذلك عائٌد عليهم‪.‬‬
‫‪ -‬وقوله‪َ{ :‬فَتاَب َع َلْيُك ْم } يحتمل معنيين‪:‬‬
‫‪ ‬أحدهما‪َ :‬قبول التوبة من خيانتهم ألنفسهم‪.‬‬
‫‪ ‬واآلخر‪ :‬التخفيف عنهم بالرخصة واإلباحة‪.‬‬

‫‪ -‬وكذا قوله‪َ{ :‬و َع َفا َع نُك ْم }‪َ ،‬يحتمل العفو من الذنب‪ ،‬ويحتمل الَتوسعة‬
‫والَتسهيل‪.‬‬

‫‪ -‬وقوله‪َ{ :‬و اْبَتُغ وا}‪:‬‬


‫‪ِ ‬قيل‪ :‬هو الولد‪ ،‬أي ابتغوا بمباشرة نسائكم حصول ما هو معظم المقصود‬
‫من النكاح وهو ُحصول النسل‪.‬‬
‫‪ ‬وِقيل‪ :‬ابتغوا القرآن بما ُأبيح لكم فيه‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪ :‬والُم راد بالخيط األبيض‪ :‬هو الُم عتِرض في اُألفق ال الذي هو كَذ َنب‬
‫السرحان فإنه الفجر الكاذب الذي ال َيحل وال ُيحل شيًئا وال ُيحرمه‪.‬‬
‫‪ -‬والُم راد بالخيط األسود سواد الليل‪.‬‬
‫‪ -‬والتبيين إنما يمتاز أحدهما عن اآلخر‪ ،‬وذلك ال يكون إال عند دخول وقت‬
‫الفجر‪.‬‬

‫‪ -‬وقوله‪ُ{ :‬ثَّم َأِتُّم وا الِّص َياَم ِإَلى الَّلْيِل }‪ ،‬أمر للوجوب وهو يتناول كل الصيام‪،‬‬
‫وخصه الشافعية بالفرض لُو رود اآلية في بيانه‪.‬‬

‫🔺 ويدل على إباحة الِفطر من الَنفل حديث عائشة عند مسلٍم من أنه "ُأهدي‬
‫لنا َح يٌس فقال‪َ :‬أرنيه فلقد أصبحت صائًم ا‪ ،‬فأكل"‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪ :‬والُم راد بالمباشرة هنا الِج ماع‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ ‬وِقيل‪ :‬يشمل التقبيل واللمس إذا كان بشهوٍة ‪ ،‬ال إذا كان بغير شهوٍة فهما‬
‫جائزان كما قال عطاٌء والشافعُي وابن الُم نذر وغيرهم‪ ،‬وعلى هذا ُيحمل ما‬
‫حكاه ابن عبد البر من اِإل جماع على أن الُم عتكف ال ُيباشر وال ُيقِّبل‪ ،‬فتكون‬
‫هذه الحكاية لإلجماع مفيدٌة بأن يكون بشهوٍة‪.‬‬

‫‪ -‬قال‪ :‬واالعتكاف في اللغة‪ :‬الُم الزمة‪.‬‬


‫‪ -‬وفي الشرع‪ :‬مالزمٌة مخصوصٌة على شرٍط مخصوص‪.‬‬
‫‪ -‬قال‪ :‬وقد وقع اإلجماع على أنه ليس بواجٍب ‪ ،‬وعلى أنه ال يكون إال في‬
‫المسجد‪.‬‬

‫💎 ثم قال‪ :‬اآلية الخامسة عشرة‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬و اَل َتْأُك ُلوا َأْمَو اَلُك م َبْيَنُك م ِباْلَباِط ِل َو ُتْد ُلوا ِبَها ِإَلى اْلُح َّك اِم ِلَتْأُك ُلوا‬
‫َفِريًقا ِّم ْن َأْمَو اِل الَّناِس ِباِإْل ْثِم َو َأنُتْم َتْع َلُم وَن } [البقرة‪.]١٨٨ :‬‬

‫‪ -‬قال‪ :‬هذا يعم جميع األمة وجميع األموال‪ ،‬وال يخرج عن ذلك إال ما ورد‬
‫دليل الشرع بأنه يجوز أخذه‪ ،‬فإنه مأخوٌذ بالحق ال بالباطل‪ ،‬ومأكوٌل بالِح ل‬
‫ال باإلثم‪ ،‬وإن كان صاحبه كارًها كقضاء الدين إذا امتنع منه من هو عليه‪،‬‬
‫وتسليم ما أوجبه هللا من الزكاة ونحوها‪ ،‬ونفقة ما أوجب الشرع نفقته‪.‬‬

‫‪ -‬والحاصل أن ما لم ُيبح الشرع أخذه من مالكه فهو مأكوٌل بالباطل وإن‬


‫طابت به نفس مالكه‪ ،‬كمهر البغي وِح لوان الكاهن وثمن الخمر‪.‬‬

‫‪ -‬والباطل في اللغة‪ :‬الذاهب الزائل‪ .‬والمعنى‪ :‬أنكم ال تجمعوا بين أكل‬


‫األموال بالباطل وبين اإلدالء إلى الُحكام بالحجج الباطلة‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪ :‬وفي هذه اآلية دليٌل على أن حكم الحاكم ال ُيحلل الحرام وال ُيحرم‬
‫الحالل من غير فرٍق بين األموال والُفروج‪ ،‬فمن حكم له القاضي بشيٍء‬

‫‪32‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫مستنًد ا في حكمه إلى شهادة زور ويمين فجور فال يحل له أكله؛ فإن ذلك‬
‫من أكل أموال الناس بالباطل‪ ،‬وهكذا إذا ارتشى الحاكم فَح كم له بغير الحق؛‬
‫فإنه ِم ن أْك ل أموال الناس بالباطل‪.‬‬

‫‪ -‬قال‪ :‬وال ِخ الف بين أهل العلم أن ُحكم الحاكم ال ُيحلل الحرام وال ُيحرم‬
‫الحالل‪ ،‬وقد ُروَي عن أبي حنيفة ما ُيخالف ذلك وهو مردوٌد بكتاب هللا‬
‫تعالى وسنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬

‫🔺 كما في حديث أم سلمَة قالت‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪" :‬إنكم‬
‫تختصمون إلَّي ‪ ،‬ولعل أن يكون بعضكم ألحن بُحجته من بعض فأقضي له‬
‫على نحو ما أسمع‪ ،‬فمن قضيت له من حق أخيه بشيٍء فال يأخذه‪ ،‬إنما أقطع‬
‫له قطعًة من النار"‪.‬‬

‫🔻 ثم أورد عن ابن عباس في هذه اآلية‪ ،‬قال‪ :‬هذا في الرجل يكون عليه ماٌل‬
‫وليس عليه بينة فيجحد بالمال فُيخاصم إلى الحاكم وهو يعرف أن الحق‬
‫عليه‪.‬‬
‫‪ -‬وُروى أيًض ا عن مجاهٍد قال‪ :‬معناه ال ُتخاصم وأنت تعلم أنك ظالٌم ‪.‬‬

‫هذا وسبحانك اللهم وبحمدك‪ ،‬نشهد أن ال إله إال أنت‪ ،‬نستغفرك ونتوب إليك‬
‫وجزاكم هللا خيرا‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫جامعة صفوة‬
‫كلية العلوم الشرعية والعربية‬
‫مقرر التفسير‬
‫الفرقة الثالثة‬
‫الدرس الثالث‬
‫من كتاب [نيل المرام من تفسير آيات األحكام]‬
‫شرح الدكتور‪ /‬سعد معوض حفظه هللا‬

‫🌀🌀🌀🌀‬

‫إن الحمد هلل تعالى نحمده‪ ،‬ونستعين به ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل تعالى من شرور‬
‫أنفسنا ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬إنه من يهده هللا تعالى فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل‬
‫فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن ُمَحَّم ًد ا عبده‬
‫ورسوله‪ ،‬اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم‬
‫وعلى آل إبراهيم إنك حميٌد مجيد‪ ،‬اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما‬
‫باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد‪..‬‬
‫أما بعد؛ مع المحاضرة الثالثة من شرح كتاب [نيل المرام من تفسير آيات‬
‫األحكام] لمحمد صديق خان رحمة هللا عليه‪.‬‬

‫💎 مع اآلية السادسة عشرة‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ﴿ :‬يْس َأُلوَنَك َع ِن اَأْلِهَّلِةۖ ُقْل ِهَي َم َو اِقيُت ِللَّناِس َو اْلَح ِّج ۗ َو َلْيَس اْلِبُّر‬
‫ِبَأن َتْأُتوا اْلُبُيوَت ِم ن ُظُهوِرَها َو َلِكَّن اْلِبَّر َمِن اَّتَقىۗ َو ْأُتوا اْلُبُيوَت ِم ْن َأْبَو اِبَهاۚ ‬
‫َو اَّتُقوا َهَّللا َلَعَّلُك ْم ُتْفِلُح وَن ﴾ [البقرة‪]١٨٩ :‬‬

‫‪ -‬قال‪ :‬األهلة جمع هالٍل والهالل اسٌم لما يبدو في أول الشهر وآخره‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬قال‪ :‬وفيه بيان وجه الحكمة في زيادة الهالل ونقصانه‪ ،‬وأن ذلك ألجل بيان‬
‫المواقيت التي ُيَو ِقُت الناس عباداتهم ومعامالتهم به كالصوم والفطر والحج‬
‫ومدة الحمل والعدة واإليجارات واأليمان وغير ذلك‪.‬‬

‫🔺 كما قال هللا سبحانه وتعالى‪ِ﴿ :‬لَتْع َلُم وا َعَدَد الِّس ِنيَن َو اْلِح َس اَب ﴾ [يونس‪.]٥ :‬‬

‫‪ -‬قال‪ :‬والمواقيت‪ :‬جمع ميقات وهو الوقت‪ .‬وقد جعل بعض العلماء المعنى‬
‫هذا الجواب أعني قوله سبحانه وتعالى ﴿ُقْل ِهَي َم َو اِقيُت ﴾ من األسلوب‬
‫الحكيم وهو تلقي الُم َخ اِط ب بغير ما يرتقب َتْنِبيًها على أنه األولى بالقصد‪.‬‬
‫ووجه ذلك أنهم سألوا عن أجرام األهلة باعتبار زياداتها ونقصانها فُأِج يبوا‬
‫بالحكمة التي كانت الزيادة والنقصان ألجلها؛ لكون ذلك أولى أن يقصد‬
‫السائل وأحق بأن يتطلع لعلمه وأن األنصار كانوا إذا حجوا ال يدخلون من‬
‫أبواب بيوتهم إذا رجع أحدهم إلى بيته بعد إحرامه قبل تمام َح ِج ِه؛ ألنهم‬
‫يعتقدون أن الُم حرم ال يجوز أن َيُحول بينه وبين السماء حائل فكانوا‬
‫يتسنمون ظهور بيوتهم‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪ :‬وقال أبو عبيدة‪ :‬إن هذا ضرٌب من ضرب المثل‪ ،‬والمعنى‪ :‬ليس‬
‫البر بأن أن تسألوا الجهال‪ ،‬ولكن البر والتقوى (أن تسألوا العلماء) كما‬
‫تقول أتيت هذا األمر من بابه‪ ،‬وقيل هو مثٌل في ِج ماع النساء وأنهم ُأِم ُروا‬
‫بإتيانهم في القبل ال في الدبر وقيل غير ذلك‪.‬‬

‫💎 ثم قال‪ :‬اآلية السابعة عشرة‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ﴿ :‬و َقاِتُلوْا ِفي َس ِبيِل ِهَّللا اَّلِذ يَن ُيَقاِتُلوَنُك ْم َو اَل َتْع َتُدوْا ِإَّن َهَّللا اَل ُيِح ُّب‬
‫اْلُم ْع َتِد يَن ﴾ [الَبَقَرِة‪.]١٩٠ :‬‬
‫‪ -‬قال‪ :‬ال خالف بين أهل العلم أن القتال كان ممنوًع ا قبل الهجرة‬

‫‪35‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫🔺 لقوله‪َ﴿ :‬فاْعُف َع ْنُهْم َو اْص َفْح ﴾ [المائدة‪]١٣ :‬‬

‫🔺 وقوله‪َ﴿ :‬و اْهُجرُهْم َهْج ًرا َجِم ياًل ﴾ [الُم َّز ِّم ِل ‪]١٠ :‬‬

‫🔺 وقوله‪َّ﴿ :‬لْسَت َع َلْيِهم ِبُم َص ْيِط ٍر﴾ [الَغ اِش َيِة‪]٢٢ :‬‬

‫🔺 وقوله‪﴿ :‬اْدَفْع ِباَّلِتي ِهَي َأْح َس ُن ﴾ [الُم ْؤ ِم ُنوَن ‪]٩٦ :‬‬


‫‪ -‬ونحو ذلك مما ُأنزل بمكة فلما هاجر إلى المدينة أمره سبحانه وتعالى‬
‫بالقتال ونزلت هذه اآلية‪:‬‬

‫🔺 وقيل هي أول ما نزل قوله تعالى‪ُ﴿ :‬أِذ َن ِلَّلِذ يَن ُيَقاَتُلوَن ِبَأَّنُهْم ُظِلُم وْا﴾ [الَح ِّج ‪:‬‬
‫‪]٣٩‬‬
‫‪ -‬فلما نزلت اآلية كان صلى هللا عليه وسلم يقاتل من قاتله ويُك ف عمن كف‬
‫عنه‪،‬‬

‫🔺 حتى نزل قوله تعالى‪َ{ :‬فاْقُتُلوا اْلُم ْش ِرِكيَن } [التوبة‪]٥ :‬‬

‫🔺 وقوله تعالى‪َ﴿ :‬و َقاِتُلوْا اْلُم ْش ِرِكيَن َك اَّفًة﴾ [الَّتْو َبة‪]٣٦ :‬‬
‫‪ -‬قيل إنه ُنسخ بها سبعون آية‪.‬‬
‫‪ -‬وقال جماعة من السلف إن المراد بقوله ﴿اَّلِذ يَن ُيَقاِتُلوَنُك ْم ﴾ [الَبَقَرِة‪]١٩٠ :‬‬
‫ِم ن عدا النساء والصبيان والرهبان ونحوهم وجعلوا هذه اآلية ُم حكمة غير‬
‫منسوخة‪.‬‬
‫‪ -‬والمراد باالعتداء عند أهل القول األول‪ :‬هو مقاتلة من لم يقاتل من‬
‫الطوائف الكفرية‪.‬‬
‫‪ -‬والمراد به على القول الثاني‪ :‬مجاوزة قتل من يستحق القتل إلى قتل من ال‬
‫يستحقه‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫💎 اآليتان الثامنة عشرة والتاسعة عشرة‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ﴿ :‬و اْقُتُلوُهْم َح ْيُث َثِقْفُتُم وُهْم َو َأْخ ِرُج وُهم ِّم ْن َح ْيُث َأْخ َرُج وُك ْم ۚ َو اْلِفْتَنُة‬
‫َأَشُّد ِم َن اْلَقْتِل ۚ َو اَل ُتَقاِتُلوُهْم ِع نَد اْلَم ْس ِج ِد اْلَح َر اِم َح َّتى ُيَقاِتُلوُك ْم ِفيِهۖ َفِإن‬
‫َقاَتُلوُك ْم َفاْقُتُلوُهْم ۗ َك َذ ِلَك َج َز اُء اْلَك اِفِريَن (‪َ )١٩١‬فِإِن انَتَهْو ْا َفِإَّن َهَّللا َغُفوٌر‬
‫َّر ِح يٌم ﴾ [الَبَقَرِة‪]١٩٢-١٩١ :‬‬

‫‪ -‬قال ابن جرير‪ :‬الخطاب للمهاجرين‪ ،‬والضمير لكفار قريش يعني الخطاب‬
‫﴿َو اْقُتُلوُهْم ﴾ واقتلوا هذا (للمهاجرين) والضمير (هم) يعود على كفار قريش‪.‬‬
‫‪ -‬قال‪ :‬وقد امتثل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أمر ربه فأخرج من مكة من‬
‫لم ُيسلم عند أن فتحها هللا عليه‪.‬‬
‫‪ -‬وفي معنى الفتنة والمراد بها أقوال‪ :‬والظاهر أن المراد الفتنة في الدين بأي‬
‫سبب كان وعلى أي صورة اتفق فإنها أشد من القتل‪.‬‬

‫واختلف أهل العلم في قوله‪َ﴿ :‬و اَل ُتَقاِتُلوُهْم ِع نَد اْلَم ْس ِج ِد اْلَحَر اِم ﴾‬
‫⁕ فذهبت طائفة إلى أنها محكمة وأنه ال يجوز القتال في الحرم إال بعد أن‬
‫يتعدى معتٍد بالقتال فيه فإنه يجوز دفعه بالمقاتلة‪ ،‬وهذا هو الحق‪.‬‬
‫⁕ وقالت طائفة إن هذه اآلية منسوخة بقوله تعالى‪َ﴿ :‬فاْقُتُلوْا اْلُم ْش ِرِكيَن َح ْيُث‬
‫َو َج دُّتُم وُهْم ﴾ [الَّتْو َبِة‪]٥ :‬‬

‫💎 ثم قال‪ :‬اآلية الُم ّو فية العشرين‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ﴿ :‬و َقِتُلوُهْم َح َّتى اَل َتُك وَن ِفْتَن‪ٞ‬ة َو َيُك وَن الِّديُن هَّلِل ِۖ َفِإِن انَتَهْو ْا َفاَل‬
‫ُعْد َو اَن ِإاَّل َع َلى الَّظاِلِم يَن ﴾ [الَبَقَرِة‪]١٩٣ :‬‬

‫‪37‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬قال‪ :‬فيه األمر بمقاتلة المشركين ولو في الحرم وإن لم يبتدئوكم بالقتال فيه‬
‫إلى غاية هي أال تكون فتنة وأن يكون الدين هلل وهو الدخول في اإلسالم‬
‫والخروج عن سائر األديان المخالفة له فمن دخل اإلسالم وأقلع عن الشرك‬
‫لم يحل قتاله‬

‫‪ -‬قيل المراد بالفتنة هنا‪ :‬الشرك والظاهر وهللا أعلم أنها الفتنة في الدين على‬
‫عمومها كما ذكرنا‪.‬‬
‫‪ -‬والمراد (بال تعتدوا)‪ :‬أي إال على من ظلم‪ ،‬وهو من لم ينتِه عن الفتنة ولم‬
‫يدخل في اإلسالم وإنما سمى جزاء الظالمين ُعْد َو اًنا‪،‬‬

‫🔺 ُم شاكلًة لقوله تعالى‪َ﴿ :‬و َج َز اُء َس ِّيَئٍة َس ِّيَئٌة ِّم ْثُلَها﴾ [الُّش وَر ى‪]٤٠ :‬‬

‫🔺 وقوله تعالى‪َ﴿ :‬فَمِن اْع َتَد ى َع َلْيُك ْم َفاْعَتُد وْا َع َلْيِه﴾ [الَبَقَرِة‪]١٩٤ :‬‬

‫💎 ثم قال‪ :‬اآلية الحادية والعشرون‪:‬‬


‫قال تعالى‪﴿ :‬الَّش ْهُر اْلَح َر اُم ِبالَّش ْه ِر اْلَح َر اِم َو اْلُح ُر َم اُت ِقَص اٌص َفَمِن اْع َتَد ى‬
‫َع َلْيُك ْم َفاْعَتُدوْا َع َلْيِه ِبِم ْثِل َم ا اْع َتَد ى َع َلْيُك ْم ۚ َو اَّتُقوْا َهَّللا َو اْع َلُم وْا َأَّن َهَّللا َم َع‬
‫اْلُم َّتِقيَن ﴾ [الَبَقَرِة‪]١٩٤ :‬‬
‫‪ -‬أي إذا قاتلوكم في الشهر الحرام وهتكوا حرمته فقاتلوهم في الشهر الحرام‬
‫مكافأًة لهم ومجاوزًة على فعلهم‪.‬‬
‫‪ -‬والحرمات‪ :‬جمع حرمة كظلمات جمع ظلمة‪.‬‬
‫‪ -‬والحرمة‪ :‬ما منع الشرع من انتهاكه‪.‬‬
‫‪ -‬والقصاص‪ :‬المساواة‪ .‬والمعنى أن كل حرمٍة يجري فيها القصاص فمن‬
‫هتك حرمتكم عليكم فلكم أن تهتكوا حرمته عليه قصاًصا‪.‬‬
‫⁕ قيل‪ :‬وهذا كان في أول اإلسالم ثم ُنسخ بالقتال‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫⁕ وقيل إنه ثابٌت بين أمة محمٍد صلى هللا عليه وسلم لم ُينسخ فيجوز لمن‬
‫ُتُع ِّد َي عليه في مال أو بدن أن يتعدى بمثل ما ُتعِد ي عليه‪ .‬وبهذا قال‬
‫الشافعي وغيره‪.‬‬
‫⁕ وقال اآلخرون‪ :‬إن أمور القصاص مقصورة على الحكام وهكذا األموال‪.‬‬

‫🔺 لقوله صلى هللا عليه وسلم‪" :‬أِّد األمانة إلى من ائتمنك وال َتُخ ْن َم ن‬
‫خانك"‪ .‬أخرجه الدار ُقطني وغيره وبه قال أبو حنيفة وجمهور المالكية‬
‫وعطاء الُخ راساني‪.‬‬
‫‪ -‬قال‪ :‬والقول األول أرجح وبه قال ابن المنذر واختاره ابن العربي والُقرطبي‬
‫وحكاه الداودي عن مالك‪.‬‬

‫🔺 ويؤيده أنه صلى هللا عليه وسلم "أباح المرأة أبي سفيان أن تأخذ من ماله ما‬
‫يكفيها وولدها"‪.‬‬

‫🔺 ثم قال‪ :‬وال أصرح وأوضح من قوله تعالى‪َ﴿ :‬فَمِن اْع َتَد ى َع َلْيُك ْم َفاْعَتُد وْا‬
‫َع َلْيِه ِبِم ْثِل َم ا اْع َتَد ى َع َلْيُك ْم ﴾ [الَبَقَرِة‪]١٩٤ :‬‬
‫‪ -‬وهذه الجملة في حكم تأكيد الجملة األولى أعني قوله‪َ﴿ :‬و اْلُحُر َم اُت ِقَص اٌص ﴾‬
‫[الَبَقَرِة‪.]١٩٤ :‬‬
‫‪ -‬وإنما َس مى المكافأة اعتداًء مشاكلًة كما ذكرنا قبل ذلك‪.‬‬

‫🔺 قال‪ :‬وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال‪" :‬لما سار رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم ُم ْعَتِم ًر ا في سنة سٍت من الهجرة وحبسه المشركون من الدخول‬
‫والوصول إلى البيت وصدوه بمن معه من المسلمين في ذي القعدة وهو شهٌر‬

‫‪39‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫حرام‪ ،‬قاضاهم على الدخول من قابل‪ .‬فدخلها في السنة اآلتية هو ومن معه من‬
‫المسلمين وأقصه هللا منهم‪ .‬ذلك في هذه اآلية"‪.‬‬

‫🔺 ثم ذكر عن ابن عباس في قوله‪َ﴿ :‬فَمِن اْع َتَد ى َع َلْيُك ْم ﴾ [الَبَقَرِة‪.]١٩٤ :‬‬

‫🔺 وقوله‪َ﴿ :‬و َج َز اُء َس ِّيَئٍة﴾ [الُّش وَر ى‪]٤٠ :‬‬

‫🔺 وقوله‪َ﴿ :‬و َلَمِن انَتَصَر َبْع َد ُظْلِمِه﴾ [الُّش وَر ى‪]٤١ :‬‬

‫🔺 وقوله‪َ﴿ :‬و ِإْن َع اَقْبُتْم ﴾ [الَّنْح ل‪]١٢٦ :‬‬

‫‪ -‬قال‪ :‬هذا ونحوه نزل بمكة والمسلمون يومئذ قليل ليس لهم سلطان يقهر‬
‫المشركين فكان المشركون يتعاطونهم بالشتم واألذى فأمر هللا المسلمين من‬
‫ُيجازي منهم أن ُيجازي بمثل ما أوتي إليه أو يصبر ويعفو‪ ،‬فلما هاجر‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم المدينة وأعز هللا سلطانه أمر المسلمين أن‬
‫ينتهوا في مظالمهم إلى سلطانهم وال يعدو بعضهم على بعض كأهل‬
‫الجاهلية‪.‬‬

‫🔺 فقال‪َ﴿ :‬و َم ن ُقِتَل َم ْظُلوًم ا َفَقْد َجَع ْلَنا ِلَو ِلِّيِه ُس ْلَطاًنا} [اِإل ْس َر اِء ‪]٣٣ :‬‬
‫‪ -‬يقول‪ :‬ينصره السلطان حتى ُينصفه ممن ظلمه ومن انتصر لنفسه دون‬
‫السلطان فهو عاٍص مسرف قد عمل بَح مية الجاهلية ولم يرض بحكم هللا‪.‬‬

‫💎 ثم قال‪ :‬اآلية الثانية والعشرون‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ﴿ :‬و َأْنِفُقوا ِفي َس ِبيِل ِهَّللا َو اَل ُتْلُقوا ِبَأْيِد يُك ْم ِإَلى الَّتْه ُلَك ِة َو َأْح ِس ُنوا ِإَّن‬
‫َهَّللا ُيِح ُّب اْلُم ْح ِس ِنيَن ﴾ [الَبَقَرِة‪.]١٩٥ :‬‬
‫‪ -‬قال‪ :‬في هذه اآلية األمر باإلنفاق في سبيل هللا وهو الجهاد واللفظ يتناول‬
‫غيره مما يصدق عليه أنه من سبيل هللا‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬والباء في قوله ﴿ِبَأْيِد يُك ْم ﴾ زائدة‪.‬‬

‫🔺 ومثله ﴿َأَلْم َيْع َلم ِبَأَّن َهَّللا َيَر ى﴾ [الَع َلِق‪]١٤ :‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪ :‬ومن جملة ما يدخل تحت اآلية أن يقتحم الرجل في الحرب فيحمل‬
‫على الجيش مع عدم قدرته على التخلص وعدم تأثيره ألثر ينفع المجاهدين‬
‫وال يمنع من دخول هذا تحت اآلية إنكار من أنكره من الذين رأوا السبب‬
‫فإنهم ظنوا أن اآلية ال تجاوز سببها وهو ظن تدفعه لغة العرب‪.‬‬

‫‪ -‬قال وقوله‪َ﴿ :‬و َأْح ِس ُنوا﴾ أي في اإلنفاق في الطاعة وأحسنوا الظن باهلل في‬
‫إخالفه عليكم‪.‬‬
‫‪ -‬ثم ذكر بعض المعاني لآلية‪ ،‬منها ترك النفقة في سبيل هللا مخافة الَع ْيَلة‬
‫ومنها َأْيًضا البخل‪.‬‬

‫🔻 ثم ساق بسند عن أسلم بن عمران قال‪ :‬كنا بالقسطنطينية وعلى أهل مصر‬
‫عقبة بن عامر وعلى أهل الشام َفضالة بن ُع بْيد فخرج صف عظيم من الروم‬
‫فصففنا لهم فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم فصاح‬
‫الناس وقالوا سبحان هللا ُيلقي بيده إلى التهلكة فقام أبو أيوب صاحب رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم فقال يا أيها الناس إنكم تؤِو لون هذا التأويل وإنما أنزلت‬
‫فينا هذه اآلية معشر األنصار إنا لما أعز هللا دينه وكثر ناصروه قال بعضنا‬
‫لبعض سًر ا دون رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ :‬إن أموال الناس قد ضاعت‬
‫وإن هللا قد أعز اإلسالم وكثر ناصروه فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع‬
‫هنا فأنزل هللا على نبينا صلى هللا عليه وسلم يرد علينا فكانت التهلكة اإلقامة‬
‫في األموال وإصالحها وترك الغزو"‪.‬‬

‫‪ -‬ثم ذكر بعض المعاني في قوله‪َ﴿ :‬و َأْح ِس ُنوا﴾ قال‪ :‬أدوا الفرائض‪.‬‬
‫وقال عكرمة‪ :‬أحسنوا الظن باهلل‬

‫‪41‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫💎 قال‪ :‬اآلية الثالثة والعشرون‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ﴿ :‬و َأِتُّم وْا اْلَح َّج َو اْلُعْم َر َة ِهَّلِل َفِإْن ُأْح ِص ْر ُتْم َفَم ا اْس َتْيَسَر ِم َن اْلَهْد ِي ۖ ‬
‫َو اَل َتْح ِلُقوْا ُرُء وَس ُك ْم َح َّتى َيْبُلَغ اْلَهْد ُي َم ِح َّلُهۚ َفَم ن َك اَن ِم نُك م َّمِريًض ا َأْو ِبِه َأًذ ى‬
‫ِّم ن َّر ْأِس ِه َفِفْد َيٌة ِّم ن ِص َياٍم َأْو َص َد َقٍة َأْو ُنُس كۚ َفِإَذ ا َأِم نُتْم َفَم ن َتَم َّتَع ِباْلُعْم َرِة‬
‫ِإَلى اْلَح ِّج َفَم ا اْس َتْيَسَر ِم َن اْلَهْد ِي ۚ َفَم ن َّلْم َيِج ْد َفِص َياُم َثاَل َثِة َأَّياٍم ِفي اْلَح ِّج‬
‫َو َسْبَعٍة ِإَذ ا َرَج ْع ُتْم ۗ ِتْلَك َعَش َر ٌة َك اِم َلٌة َذ ِلَك ِلَم ن َّلْم َيُك ْن َأْه ُلُه َح اِض ِر ي اْلَم ْس ِج ِد‬
‫اْلَح َر اِم ۚ َو اَّتُقوْا َهَّللا َو اْع َلُم وا َأَّن َهَّللا َش ِد يُد اْلِع َقاِب﴾ [الَبَقَرِة‪]١٩٦ :‬‬

‫‪ -‬قال رحمه هللا‪ :‬واختلف العلماء في المعنى المراد بإتمام الحج والعمرة‪:‬‬
‫⁕ فقيل أداؤهما واإلتيان بهما من دون أن يشوبهما شيٌء مما هو محظوٌر‬
‫وال يخل بشرٍط وال فرٍض‪.‬‬

‫🔺 لقوله تعالى‪َ﴿ :‬فَأَتَّم ُهَّن ﴾ [الَبَقَرِة‪.]١٢٤ :‬‬

‫🔺 وقوله تعالى‪ُ﴿ :‬ثَّم َأِتُّم وا الِّص َياَم ِإَلى الَّلْيِل ﴾ [الَبَقَرِة‪.]١٨٧ :‬‬
‫وذكر بعض األقوال عن سفيان الثوري وغيره قال‪ :‬إتمامها أن يخرج‬ ‫⁕‬
‫لهما ال لغيرهما‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إتمامها أن ُيفرد كل واحٍد منهما من غير تمتٍع وال ِقران‪.‬‬ ‫⁕‬
‫وقيل‪ :‬إتمامها أال َيستحلوا فيها ما ال ينبغي لهم‪.‬‬ ‫⁕‬
‫وقيل إتمامها أن ُيحرم لهما من ُد َو ْيرة أهله‪.‬‬ ‫⁕‬
‫وقيل أن ينفق في سفرهما الحالل الطيب‬ ‫⁕‬

‫‪42‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫🔺 ثم أورد عن َيعلى ابن ُأمية قال‪" :‬جاء رجٌل إلى النبي صلى هللا عليه وسلم‬
‫وهو بالجعرانة وعليه أثر َخ لوق فقال‪ :‬كيف تأمرني يا رسول هللا أن أصنع في‬
‫عمرتي؟ فأنزل هللا تعالى‪َ﴿ :‬و َأِتُّم وْا اْلَح َّج َو اْلُع ْمَر َة ِهَّلِل﴾"‪.‬‬
‫وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪" :‬أين السائل عن العمرة؟ فقال‪ :‬ها أنا ذا‪.‬‬
‫قال‪ :‬اخلع الُجبة واغسل عنك أثر الَخ لوق ثم ما كنت َص اِنًعا في َح ِج ك فاصنعه‬
‫في ُع مرتك"‪.‬‬

‫🔻 ثم ساق عن ابن عباٍس رضي هللا عنه قال‪ :‬تمام الحج يوُم النحر إذا رمى‬
‫جمرة العقبة وزار البيت فقد حل‪ ،‬وتمام العمرة إذا طاف بالبيت وبالصفا‬
‫وبالمروة فقد حل‪.‬‬

‫‪ -‬قال‪ :‬وقد اتفقت األمة على وجوب الحج على من استطاع إليه سبيال وقد‬
‫استدل بهذه اآلية على وجوب العمرة؛ ألن األمر بإتمامها أمٌر بها‪.‬‬
‫⁕ وبذلك قال علٌي وابن عمر وابن عباٍس وعطاٌء وطاووس وُم جاهٌد‬
‫والحسن وابن سيرين والَش عبي وسعيد بن جبيٍر ومسروٌق وعبد هللا بن‬
‫شداٍد والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ُع بيٍد وابن الَج هم من المالكية‪.‬‬
‫⁕ وقال مالٌك والَنخِع ي وأصحاب الرأي كما حكاه ابن المنذر عنهم إنها‬
‫(سنة)‪.‬‬
‫⁕ وُح ِكَي عن أبي حنيفة أنه يقول (بالوجوب)‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪ :‬معنى (أحصرتم) يعني الحصر بمعنى الحبس‪.‬‬


‫‪ -‬ثم قال‪ :‬اختلف أئمة الفقه في معنى اآلية‪:‬‬

‫‪43‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫⁕ فقال الحنفية‪ :‬الُم حِص ُر من يصير ممنوًع ا من مكة بعد اإلحرام بمرٍض‬
‫أو عدٍو أو غيره‪.‬‬
‫⁕ وقال الشافعية وأهل المدينة‪ :‬المراد باآلية َح صُر العدو‪.‬‬
‫⁕ وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن الُم حصر بعدٍو يحل حيث ُأحصر‪،‬‬
‫وينحر هديه إذا كان ثم هدٌي ‪ ،‬ويحلق رأسه كما فعل النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم هو وأصحابه في الحديبية‪.‬‬
‫⁕ وساق عن ابن عباٍس رضي هللا عنه قال‪" :‬ال حصر إال حصر العدو‪،‬‬
‫فأما من أصابه مرٌض أو جوٌع أو ضالٌل فليس عليه شيٌء إنما قال هللا‪:‬‬
‫{َفِإَذ ا َأِم نُتْم } [البقرة‪ ،]١٩٦ :‬فال يكون األمن إال من الخوف"‪.‬‬
‫⁕ وساق عن ابن مسعوٍد رضي هللا عنه في قوله‪َ{ :‬فِإْن ُأْح ِص ْر ُتْم } قال‪:‬‬
‫"الرجل إذا أهل بالحج فُأحصر بعث بما استيسر من الهدي‪ ،‬فإن كان‬
‫عّج ل قبل أن يبلغ الهدي مِح له فحلق رأسه أو مس طيًبا أو تداوى بدواٍء‬
‫كان عليه فديٌة من صياٍم أو صدقٍة أو نسك‪ ،‬فصيام ثالثة أيام‪.‬‬
‫‪ -‬والصدقة ثالثة آصٍع على ستة مساكين لكل مسكيٍن نصف صاع‪ ،‬والُنُسك‬
‫شاة‪.‬‬

‫🔺 قال‪َ{ :‬فِإَذ ا َأِم نُتْم } [البقرة‪،]١٩٦ :‬‬


‫‪ -‬يقول فإذا برئ مضى من وجهه ذلك إلى البيت أحل من حجته بعمرٍة وكان‬
‫عليه الحج من قابل‪ ،‬فإن هو رجع ولم يتم من وجهه ذلك إلى البيت كان‬
‫عليه َح جٌة وعمرٌة‪ ،‬فإن هو رجع ُم تمتًعا في أشهر الحج كان عليه ما‬
‫استيسر من الهدي شاٌة‪ ،‬فإن هو لم يجد فصيام ثالثٍة في الحج وسبعٍة إذا‬
‫رجعتم‪.‬‬

‫🔺 ثم قال‪َ{ :‬و اَل َتْح ِلُقوا ُر ُء وَس ُك ْم َح َّتى َيْبُلَغ اْلَهْد ُي َم ِح َّلُه} [البقرة‪.]١٩٦ :‬‬
‫‪ -‬وهو خطاٌب لجميع األمة من غير فرٍق بين ُم حِص ٍر وغير ُم حصٍر‪ ،‬وإليه‬
‫ذهب جمٌع من أهل العلم وذهبت طائفة إلى أنه خطاٌب للُم حصرين خاصة‪،‬‬

‫‪44‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫أي ال تحلوا من اإلحرام حتى تعلموا أن الهدي الذي بعثتموه إلى الحرم قد‬
‫بلغ محله وهو الموضوع الذي يحل فيه ذبحه‪.‬‬

‫‪ -‬قال‪ :‬واختلفوا في تعيينه‪:‬‬


‫⁕ فقال مالٌك والشافعي هو في موضع الحصر اقتداًء برسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم حيث ُأحصر في عام الُحديبية‪.‬‬
‫⁕ وقال أبو حنيفة‪ :‬هو الحرم لقوله تعالى‪َ{ :‬م ِح ُّلَها ِإَلى اْلَبْيِت اْلَعِتيِق}‬
‫[الحج‪ ،]٣٣ :‬وُأجيب عن ذلك بأن الُم خاَطب هو اآلمن الذي ُيمكنه‬
‫الُو صول إلى البيت‪.‬‬

‫🔺 ثم قال‪َ{ :‬فِفْد َيٌة ِّم ن ِص َياٍم َأْو َص َد َقٍة َأْو ُنُس ٍك } [البقرة‪،]١٩٦ :‬‬
‫‪ -‬قال‪ :‬الُم راد بالمرض هنا ما َيصدق عليه ُم سمى المرض لغًة‪،‬‬
‫‪ -‬وباألذى‪ :‬هو من الرأس ما فيه من قمٍل أو ُجرٍح فعليه فديٌة‪،‬‬
‫‪ -‬وقد بينت السنة ما ُأطلق هنا من الصيام والصدقة والنسك‪،‬‬

‫🔺 فثبت في الصحيح أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم رأى كعب بن ُع جرة‬
‫وهو محرٌم وقمله يتساقط على وجهه فقال‪" :‬أيؤذيك َهواُّم رأسك؟" فقال‪:‬‬
‫نعم‪ ،‬فأمره أن يحلق وُيطعم ستة مساكين أو يهدي شاًة أو يصوم ثالثة أيام‪.‬‬

‫‪ -‬قال‪ :‬وقد ذكر ابن عبد الَبِّر أنه ال خالف بين العلماء في أن الُنُسك هنا شاة‪.‬‬
‫⁕ وحكى عن الجمهور أن الصوم المذكور في اآلية ثالثة أيام‪ ،‬واإلطعام‬
‫لستة مساكين‪.‬‬
‫⁕ وُروَي عن الحسن وعكرمة ونافٍع أنهم قالوا‪ :‬الصوم في فدية األذى‬
‫عشرة أيام‪ ،‬واإلطعام عشرة مساكين‪ ،‬والحديث الصحيح الُم َتَقدم يرد‬
‫عليهم وُيبطل قولهم‪.‬‬
‫⁕ وقد ذهب مالٌك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه وداود إلى أن اإلطعام في‬
‫ذلك ُم َّد ان بُم د النبي صلى هللا عليه وسلم أي لكل مسكين‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫⁕ وقال الثوري‪ :‬نصف صاٍع من ُبر أو صاٍع من غيره وُروَي ذلك عن‬
‫أبي حنيفة‪.‬‬
‫⁕ واختلفت الرواية عن أحمد بن حنبٍل فُروَي عنه بمثل قول مالٍك‬
‫والشافعي‪ ،‬وُروَي عنه إن أطعم بًرا بمٍد لكل مسكين‪ ،‬وإن أطعم تمًرا‬
‫فنصف صاع‪.‬‬

‫‪ -‬قال‪ :‬واختلفوا في مكان هذه الفدية‪:‬‬


‫⁕ فقال عطاء‪ :‬ما كان من دٍم فبمكة‪ ،‬وما كان من طعاٍم أو صياٍم فحيث‬
‫يشاء‪.‬‬
‫⁕ وبه قال أصحاب الرأي‪.‬‬
‫⁕ وقال طاووس والشافعي‪ :‬اإلطعام والدم ال يكونان إال بمكة والصوم حيث‬
‫شاء‪.‬‬
‫⁕ وقال مالٌك ومجاهٌد ‪ :‬حيث شاء في الجميع‪.‬‬

‫🔺 ثم قال‪َ{ :‬فِإَذ ا َأِم نُتْم } [البقرة‪ ،]١٩٦ :‬أي برئتم من المرض‪ ،‬وقيل من‬
‫خوفكم من العدو على الخالف الذي ذكرناه‪.‬‬

‫🔺 ثم قال‪َ{ :‬فَم ن َتَم َّتَع ِباْلُع ْمَرِة ِإَلى اْلَح ِّج َفَم ا اْسَتْيَسَر ِم َن اْلَهْد ِي } [البقرة‪:‬‬
‫‪.]١٩٦‬‬
‫‪ -‬قال‪ :‬الُم راد بالتمتع أن ُيحرم الرجل بعمرٍة ثم يقيم حالاًل بمكة إلى أن ُيحرم‬
‫بالحج‪ ،‬فقد استباح بذلك ما ال يحل للمحرم استباحته وهو معنى {تمتع‬
‫واستمتع}‪.‬‬
‫‪ -‬قال‪ :‬وال خالف بين أهل العلم في جواز التمتع‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬قال‪ :‬وتقدم الخالف في معنى قوله‪َ{ :‬فَم ا اْسَتْيَسَر ِم َن اْلَهْد ِي ۚ َفَم ن َّلْم َيِج ْد‬
‫َفِص َياُم َثاَل َثِة َأَّياٍم ِفي اْلَح ِّج َو َس ْبَعٍة ِإَذ ا َرَج ْع ُتْم ۗ ِتْلَك َع َش َر ٌة َك اِم َلٌة} [البقرة‪:‬‬
‫‪:]١٩٦‬‬
‫⁕ أي فمن لم يجد الَهدَي إما لعدم المال أو لعدم الحيوان صام ثالثة أياٍم في‬
‫أيام الحج وهي من عند شروعه في اإلحرام إلى يوم النحر‪.‬‬
‫⁕ وقيل‪ :‬يصوم قبل يوم الَتروية يوًم ا ويوم التروية ويوم عرفة‪.‬‬
‫⁕ وقيل‪ :‬ما بين أن ُيحرم بالحج إلى عرفة‪.‬‬
‫⁕ وقيل‪ :‬يصومهن من أول عشر ذي الحجة‪.‬‬
‫⁕ وقيل‪ :‬ما دام بمكة‪.‬‬
‫⁕ وقيل إنه يجوز أن يصوم الثالثة قبل أن ُيحرم‪.‬‬

‫‪ -‬وقد َج َّو َز بعض أهل العلم صيام أيام التشريق لمن لم َيِح ل الهدي‪ ،‬ومنعه‬
‫آخرون‪.‬‬
‫‪ -‬والُم راد بالرجوع هنا‪ :‬الرجوع إلى األوطان‪.‬‬
‫⁕ وقال أحمد وإسحاق‪ :‬يجزيه الصوُم في الطريق وال يتضيق عليه‬
‫الُو جوب إال إذا وصل وطنه‪ .‬وبه قال الشافعي وقتادة والربيع ومجاهٌد‬
‫وعكرمة والحسن وغيرهم‪.‬‬
‫⁕ وقال مالٌك ‪ :‬إذا رجع من ِم نى فال بأس أن يصوم واألول أرجح‪.‬‬

‫🔺 وقد ثبت في الصحيح من حديث ابن عمر أنه قال صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫"فمن لم يجد فليصم ثالثة أيام في الحج وسبعًة إذا رجع إلى أهله"‪.‬‬
‫‪ -‬فبين صلى هللا عليه وسلم أن الرجوع المذكور في اآلية هو الرجوع إلى‬
‫األهل‪.‬‬

‫🔺 ثم قال‪َ{ :‬ذ ِلَك ِلَم ن َّلْم َيُك ْن َأْهُلُه َح اِض ِري اْلَم ْس ِج ِد اْلَحَر اِم } [البقرة‪،]١٩٦:‬‬

‫‪47‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬قال‪ :‬اإلشارة بقوله ذلك ِقيل هي راجعٌة إلى التمتع‪ ،‬فيدل على أال متعة‬
‫لحاضر المسجد الحرام‪ ،‬كما يقوله أبو حنيفة وأصحابه‪.‬‬
‫⁕ قالوا‪ :‬ومن تمتع منهم كان عليه دم وهو دم جنايٍة ال يأكل منه‪.‬‬
‫⁕ وِقيل إنها راجعٌة إلى الحكم وهو ُو جوب الهدي والصيام‪ ،‬فال يجب ذلك‬
‫على من كان أهله حاضري المسجد الحرام كما يقوله الشافعي ومن‬
‫وافقه‪ ،‬والمراد من لم يكن ساكًنا في الحرم أو من لم يكن ساكًنا في‬
‫المواقيت فما دونها على الخالف في ذلك بين األئمة‪.‬‬

‫💎 ثم قال‪ :‬اآلية الرابعة والعشرون‪:‬‬


‫قال تعالى‪{ :‬اْلَح ُّج َأْش ُهٌر َّم ْع ُلوَم اٌت ۚ َفَم ن َفَرَض ِفيِهَّن اْلَح َّج َفاَل َر َفَث َو اَل‬
‫ُفُس وَق َو اَل ِج َد اَل ِفي اْلَح ِّج ۗ َو َم ا َتْفَعُلوا ِم ْن َخ ْيٍر َيْع َلْم ُه ُهَّللاۗ َو َتَز َّو ُدوا َفِإَّن َخ ْيَر‬
‫الَّز اِد الَّتْقَو ىۚ َو اَّتُقوِن َيا ُأوِلي اَأْلْلَباِب} [البقرة‪.]١٩٧ :‬‬

‫‪ -‬قال‪ :‬وقد اخُتِلَف في األشهر المعلومات‪:‬‬


‫⁕ قال ابن مسعوٍد وابن عمر وعطاٌء والربيع ومجاهٌد والُز هري‪ :‬هي‬
‫(شوال‪ ،‬وذو القعدة‪ ،‬وذو الِح جة كله) وبه قال مالٌك ‪.‬‬
‫⁕ وقال ابن عباٍس والُسدي والشعبي والنخعي‪ :‬هي (شوال‪ ،‬وذو القعدة‪،‬‬
‫وعشٌر من ذي الحجة)‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد وغيرهم‪،‬‬
‫وقد ُروَي أيضا هذا عن مالٍك رحمة هللا على الجميع‪.‬‬

‫‪ -‬وتظهر فائدة الخالف فيما وقع من أعمال الحج بعد يوم النحر‪:‬‬
‫⁕ فمن قال إن ذا الحجة كله من الوقت قال لم يلزمه دم التأخير‪.‬‬
‫⁕ ومن قال‪ :‬ليس إال العشر منه قال يلزم دم تأخيٍر‪.‬‬

‫⁕ وقد استدل بهذه اآلية من قال إنه ال يجوز اإلحرام بالحج قبل أشهر‬
‫الحج‪ ،‬وهو عطاٌء وطاووس ومجاهٌد واألوزاعي والشافعي وأبو ثوٍر‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫قال‪ :‬فمن أحرم بالحج قبلها أحل بعمرٍة وال ُيجزيه عن إحرام الحج كمن‬
‫دخل في صالٍة قبل وقتها فإنه ال ُتجزيه‪.‬‬
‫وقال أحمد وأبو حنيفة إنه مكروٌه فقط‪.‬‬ ‫⁕‬
‫وُروَي نحوه عن مالٍك والمشهور عنه جواز اإلحرام بالحج في جميع‬ ‫⁕‬
‫السنة من غير كراهٍة‪.‬‬
‫وُروَي مثله عن أبي حنيفة‪ ،‬وعلى هذا القول ينبغي أن ُينظر في فائدة‬ ‫⁕‬
‫توقيت الحج باألشهر المذكورة في اآلية‪ ،‬وقد ِقيل إن النص عليه لزيادة‬
‫فضلها‪.‬‬
‫وقد ُروي القول بجواز اإلحرام في جميع السنة عن إسحاق بن راهويه‬ ‫⁕‬
‫وإبراهيم النخعي والثوري والليث بن سعد‪ ،‬واحتج لهم بقوله تعالى‪:‬‬
‫{َيْس َأُلوَنَك َع ِن اَأْلِهَّلِةۖ ُقْل ِهَي َم َو اِقيُت ِللَّناس} [البقرة‪ ،]١٨٩ :‬فجعل‬
‫األهلة كلها مواقيت للحج ولم يخص الثالثة أشهر‪ ،‬وُيجاب بأن تلك‬
‫خاصة وهذه اآلية عامة‪ ،‬والخاص مقدٌم على العام‪.‬‬

‫‪ -‬قال‪ :‬ومن جملة ما احتجوا به‪ :‬القياس للحج على العمرة‪ ،‬فكما يجوز‬
‫اإلحرام للعمرة في جميع السنة كذلك يجوز الحج في جميع السنة‪.‬‬
‫‪ ‬وهذا القياس يتعارض مع هذه اآلية المذكورة التي ُتحدد الحج في أياٍم‬
‫معلومة وفي أشهٍر معلومة‪.‬‬

‫🔺 ثم قال‪َ{ :‬فَم ن َفَرَض ِفيِهَّن اْلَح َّج} [البقرة‪.]١٩٧ :‬‬


‫‪ -‬قال‪ :‬أصل الفرض في اللغة الجز والقطع‪ ،‬ومنه فرضة القوس والنهر‬
‫والجبل‪.‬‬
‫‪ -‬قال‪ :‬ففريضة الحج الزمٌة للعبد الحر كلزوم الحز للقوس‪.‬‬
‫⁕ ومعنى (َفَرَض ) في اآلية‪ :‬قال‪ :‬فمن ألزم نفسه فيهن الحج بالشروع فيه‬
‫بالنية قصًد ا باطًنا‪ ،‬وباإلحرام فعاًل ظاهًرا‪ ،‬وبالتلبية ُنطًقا مسموًع ا‪.‬‬
‫⁕ وقال أبو حنيفة إن إلزامه نفسه يكون بالتلبية أو بتقليد الهدي وَس ْو قه‪.‬‬
‫⁕ وقال الشافعي‪ :‬تكفي النية في اإلحرام بالحج‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫🔺 ثم قال‪َ{ :‬فاَل َر َفَث } [البقرة‪.]١٩٧ :‬‬


‫⁕ قال ابن عباٍس وابن جبيٍر والُسدي وقتادة والحسن وعكرمة والُز هري‬
‫ومجاهٌد ومالٌك ‪ :‬هو الجماع‪.‬‬
‫⁕ وقال ابن عمر وطاووس وعطاٌء وغيرهم‪ :‬الرفث‪ :‬اإلفحاش في الكالم‪.‬‬
‫⁕ قال أبو ُع بيدة الرفث‪ :‬الِلغاُء في الكالم‪.‬‬

‫وال فسوق‪ :‬هو الخروج عن ُحدود الشرع‪،‬‬ ‫⁕‬


‫وِقيل الذبح لألصنام‪.‬‬ ‫⁕‬
‫وِقيل التنابذ باأللقاب‪.‬‬ ‫⁕‬
‫وِقيل الِس باب‪.‬‬ ‫⁕‬
‫والظاهر أنه ال يختص بمعصيٍة معينة‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫🔺 ثم قال‪َ{ :‬و اَل ِج َد اَل ِفي اْلَح ِّج } [البقرة‪.]١٩٧ :‬‬


‫‪ -‬يعني مشتٌق من الجدل وهو القتل‪.‬‬
‫⁕ والمراد به ها هنا الُم َم اراة‪.‬‬
‫⁕ وقيل الِس باب‪.‬‬
‫⁕ وقيل الفخر باآلباء‪.‬‬
‫‪ ‬والظاهر األول‪.‬‬

‫🔺 ثم قال‪َ{ :‬و َم ا َتْفَع ُلوا ِم ْن َخْيٍر َيْع َلْم ُه ُهَّللا} [البقرة‪.]١٩٧ :‬‬
‫‪ -‬حث على الخير بعد ذكر الشر‪ ،‬وعلى الطاعة بعد ذكر المعصية‪ ،‬وفيه أن‬
‫كل ما يفعلونه من ذلك فهو معلوٌم عند هللا ال يفوت منه شيء‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫🔺 ثم قال‪َ{ :‬و َتَز َّو ُد وا} [البقرة‪.]١٩٧ :‬‬


‫⁕ يعني فيه األمر باتخاذ الزاد ألن بعض العرب كانوا يقولون كيف نحج‬
‫بيت ربنا وال ُيطعمنا‪ ،‬فكانوا يحجون بال زاٍد ويقولون نحن ُم َتوكلون‬
‫على هللا سبحانه‪ ،‬ثم َيقُد مون فيسألون الناس ويكونون َك اًل عليهم‪.‬‬
‫⁕ وِقيل المعنى‪ :‬تزودوا لميعادكم من األعمال الصالحة فإن خير الزاد التقوى‪.‬‬
‫‪ ‬وهو واألول أرجح كما يدل على ذلك سبب النزول‪ ،‬وفيه إخباٌر بأن‬
‫خير الزاد اتقاء المنهيات‪ ،‬فكأنه قال اتقوا هللا في إتيان ما أمركم به من‬
‫الخروج بالزاد فإن خير الزاد التقوى‪.‬‬
‫⁕ وِقيل المعنى‪ :‬فإن خير الزاد ما اتقى به المسافر من الَهلَك ِة والحاجة إلى‬
‫السؤال والَتَك فِف ‪.‬‬

‫💎 ثم قال‪ :‬اآليتان الخامسة والعشرون والسادسة والعشرون‪:‬‬


‫قال‪َ{ :‬لْيَس َع َلْيُك ْم ُج َناٌح َأن َتْبَتُغوا َفْض اًل ِّم ن َّرِّبُك ْم ۚ َفِإَذ ا َأَفْض ُتم ِّم ْن َع َر َفاٍت‬
‫َفاْذ ُك ُر وا َهَّللا ِع نَد اْلَم ْش َعِر اْلَح َر اِم ۖ َو اْذ ُك ُر وُه َك َم ا َهَد اُك ْم َوِإن ُك نُتم ِّم ن َقْبِلِه َلِم َن‬
‫الَّض اِّليَن (‪ُ )١٩٨‬ثَّم َأِفيُض وا ِم ْن َح ْيُث َأَفاَض الَّناُس َو اْس َتْغ ِفُر وا َهَّللاۚ ِإَّن َهَّللا‬
‫َغُفوٌر َّر ِح يٌم (‪[ })١٩٩‬البقرة‪.]١٩٩-١٩٨ :‬‬

‫‪ -‬قال‪ :‬فيه الترخيص لمن حج في الِتجارة ونحوها من األعمال التي يحصل‬


‫بها شيٌء من الرزق وهو المراد بالفضل هنا‪.‬‬

‫🔺 ثم قال‪َ{ :‬فِإَذ ا َأَفْض ُتم} أي دفعتم‪.‬‬

‫🔺 {من عرفاٍت}‪ :‬اسٌم لتلك الُبقعة أي موضع الوقوف‪ ،‬واستدل باآلية على‬
‫وجوب الوقوف بعرفة ألن اإلفاضة ال تكون إال بعده‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫🔺 {َفاْذ ُك ُروا َهَّللا ِع نَد اْلَم ْش َع ِر اْلَحَر اِم }‪:‬‬


‫⁕ المراد بذكر هللا ُد عاؤه ومنه الَتلبية والتكبير والدعاء عنده من شعائر الحج‪.‬‬
‫⁕ وِقيل المراد بالذكر صالة المغرب والعشاء بالمزدلفة جمعا‪ ،‬وقد أجمع أهل‬
‫العلم على أن السنة أن يجمع الحاج بينهما فيها‪،‬‬
‫⁕ والمشعر هو جبل َقَز ٍح الذي يقف عليه اإلمام‪،‬‬
‫⁕ وِقيل ما بين جبلي الُم زدلفة من مأَز م عرفة إلى وادي ُم َح ِّسر‪.‬‬

‫🔺 {َو اْذ ُك ُروُه َك َم ا َهَد اُك ْم }‪:‬‬


‫⁕ أي اذكروه ذكًرا حسًنا كما هداكم هدايًة حسنة‪ ،‬وكرر األمر بالذكر تأكيًد ا‪.‬‬
‫⁕ وِقيل األول أمٌر بالذكر عند المشعر الحرام‪ ،‬والثاني أمٌر بالذكر على حكم‬
‫اإلخالص‪.‬‬
‫⁕ وقيل المراد بالثاني تعديد النعمة عليهم‪.‬‬

‫🔺 {َو ِإن ُك نُتم ِّم ن َقْبِلِه َلِم َن الَّض اِّليَن } [البقرة‪]١٩٨ :‬‬
‫‪ -‬يعني من قبله من قبل القرآن‪ِ ،‬قيل من قبل القرآن‪.‬‬
‫‪َ{ -‬لِم َن الَّض اِّليَن }‪ ،‬أي من الجاهلين‪.‬‬

‫🔺 {ُثَّم َأِفيُضوا ِم ْن َح ْيُث َأَفاَض الَّناُس َو اْسَتْغ ِفُروا َهَّللاۚ ِإَّن َهَّللا َغ ُفوٌر َّر ِح يٌم }‬
‫[البقرة‪.]١٩٩:‬‬
‫⁕ ِقيل الخطاب للُحمِس من قريٍش ألنهم كانوا ال يقفون مع الناس بعرفات بل‬
‫كانوا يقفون بالمزدلفة وهي من الحرم فُأمروا بذلك‪.‬‬
‫⁕ وِقيل الخطاب لجميع األمة‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫والمراد بالناس "إبراهيم"‪ ،‬أي‪ :‬ثم أفيضوا من حيث أفاض إبراهيم عليه‬ ‫⁕‬
‫السالم‪ ،‬فُيحتمل أن تكون اإلفاضة من عرفات أو تكون من ُم زدلفة‪.‬‬
‫ثم ُأمروا باالستغفار ألنهم في مساقط الرحمة‪ ،‬ومواطن الَقبول‪ ،‬ومظنات‬ ‫⁕‬
‫اإلجابة‪.‬‬
‫وِقيل إن المعنى‪ :‬استغفروا للذي كان ُم خالًفا لسنة إبراهيم وهو ُو قوفكم‬ ‫⁕‬
‫بالمزدلفة دون عرفة‪.‬‬
‫وقيل فيه دليٌل على أنه يقبل التوبة من عباده التائبين ويغفر لهم‪.‬‬ ‫⁕‬

‫🔺 قال‪َ{ :‬فِإَذ ا َقَض ْيُتم َّم َناِس َك ُك ْم } [البقرة‪.]٢٠٠ :‬‬


‫‪ -‬أي أعمال الحج‪ ،‬ومنه قول النبي صلى هللا عليه وسلم‪ُ" :‬خ ُذ وا عني‬
‫َم َناِس َك ُك م"‪ ،‬أي فإذا فرغتم من أعمال الحج فاذكروا هللا‪.‬‬

‫‪ -‬وقيل الُم راد بالمناسك الذبائح وإنما قاله سبحانه وتعالى‪َ{ :‬ك ِذ ْك ِرُك ْم آَباَء ُك ْم }‬
‫[البقرة‪ ،]٢٠٠ :‬ألن العرب كانوا إذا فرغوا من َح جهم يقفون عند الَج مرة‬
‫فيذكرون مفاخر آبائهم ومناقب أسالفهم‪ ،‬فأمرهم هللا تعالى ِبذكره مكان ذلك‬
‫الذكر‪ ،‬وبأن يجعلوه ذكًر ا مثل ذكر آبائهم أو أشد ذكرا‪ ،‬أي من ذكرهم‬
‫آلبائهم ألنه هو الُم نعم الحقيقي عليه وعلى آبائهم‪.‬‬

‫هذا وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن ال إله إال أنت نستغفرك ونتوب إليك‬
‫السالم عليكم ورحمة هللا وبركاته‬

‫‪53‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫جامعة صفوة‬
‫كلية العلوم الشرعية والعربية‬
‫مقرر التفسير‬
‫الفرقة الثالثة‬
‫المحاضرة الرابعة‬
‫من كتاب [نيل المرام من تفسير آيات األحكام]‬
‫شرح الدكتور‪ /‬سعد ُم عوض حفظه هللا‬

‫🌀🌀🌀‬

‫إن الحمد هلل تعالى نحمده ونستعين به ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل تعالى من شرور‬
‫أنفسنا ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬إنه من يهده هللا تعالى فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل‬
‫فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن ُمَحَّم ًد ا عبده‬
‫ورسوله‪ ،‬اللهم صِّل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم‬
‫وعلى آل إبراهيم إنك حميٌد مجيد‪ ،‬اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما‬
‫باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد‪.‬‬

‫أما بعد؛ المحاضرة الرابعة من شرح كتاب [نيل المرام في تفسير آيات‬
‫األحكام] للشيخ محمد صديق خان رحمة هللا عليه‬

‫💎 اآلية السابعة والعشرون‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬و اْذ ُك ُر وا َهَّللا ِفي َأَّياٍم َّم ْع ُدوَد اٍتۚ َفَم ن َتَعَّج َل ِفي َيْو َم ْيِن َفاَل ِإْثَم‬
‫َع َلْيِه َو َم ن َتَأَّخ َر َفاَل ِإْثَم َع َلْيِهۚ ِلَمِن اَّتَقىۗ َو اَّتُقوا َهَّللا َو اْع َلُم وا َأَّنُك ْم ِإَلْيِه‬
‫ُتْح َش ُر وَن } [البقرة‪]٢٠٣ :‬‬
‫‪ -‬ذكر رحمه هللا عن القرطبي قال‪ :‬ال خالف بين العلماء أن {األيام‬
‫المعدودات} في هذه اآلية هي‪" :‬أيام ِم نى" وهي "أيام التشريق" وهي "أيام‬
‫رمي الجمار"‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬أما قوله {واذكروا هللا}‪ :‬هذا عائد على الحاج وغيره كما ذهب إليه‬
‫الجمهور‪ ،‬وقيل هو خاص بالحاج‪.‬‬

‫وقد اختلف أهل العلم في وقته‪:‬‬


‫‪ ‬فِقيل‪ :‬من صالة الصبح يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل‪ :‬من غداة عرفة إلى صالة العصر من آخر النحر وبه قال أبو‬
‫حنيفة‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل‪ :‬من صالة ظهر يوم النحر إلى صالة الصبح من آخر أيام التشريق‬
‫وبه قال مالك والشافعي‪.‬‬
‫ثم قال‪َ{ :‬فَم ن َتَع َّج َل ِفي َيْو َم ْيِن } قال‪ :‬هما يوم ثاني النحر ويوم ثالث‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ثم قال‪َ{ :‬فاَل ِإْثَم َع َلْيِه َو َم ن َتَأَّخ َر َفاَل ِإْثَم َع َلْيِه} [البقرة‪]٢٠٣ :‬‬ ‫‪-‬‬
‫قال ابن عباس والحسن وعكرمة ومجاهد وقتادة والنخعي‪ :‬من رمى في‬ ‫‪-‬‬
‫اليوم الثاني من األيام المعدودات فال حرج عليه ومن تأخر إلى الثالث فال‬
‫حرج عليه‬
‫فمعنى اآلية‪( :‬كل ذلك مباح) وعبر عنه بهذا التقسيم اْهِتَم اًم ا وَتْأِكيًد ا؛ ألن‬ ‫‪-‬‬
‫من العرب من كان يذم التعجيل‪ ،‬ومنهم من كان يذم التأخير فنزلت اآلية‬
‫رافعة للُجناح في كل ذلك‪.‬‬
‫وقال ابن مسعود وعلي رضي هللا عنهما‪ :‬معنى اآلية‪( :‬من تعجل فقد غفر‬ ‫‪-‬‬
‫هللا له ومن تأخر فقد غفر هللا له)‪.‬‬

‫️✔ واآلية قد دلت على أن التعجيل والتأخر ُم باحان‪.‬‬

‫‪ -‬أما قوله‪ِ{ :‬لَمِن اَّتَقى} معناه‪ :‬أن التأخير ورفع اإلثم ثابت لمن اتقى؛ ألن‬
‫صاحب التقوى يتحرز عن كل ما ُيريبه فكان أحق بتخصيصه بهذا الحكم‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫💎 ثم قال‪ :‬اآلية الثامنة والعشرون‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬يْس َأُلوَنَك َم اَذ ا ُينِفُقوَن ۖ ُقْل َم ا َأنَفْقُتم ِّم ْن َخ ْيٍر َفِلْلَو اِلَدْيِن َو اَأْلْقَر ِبيَن‬
‫َو اْلَيَتاَم ى َو اْلَم َس اِكيِن َو اْبِن الَّس ِبيِل ۗ َو َم ا َتْفَعُلوا ِم ْن َخ ْيٍر َفِإَّن َهَّللا ِبِه َع ِليٌم }‬
‫[البقرة‪]٢١٥ :‬‬
‫‪ -‬السائلون هنا في هذه اآلية هم‪( :‬المؤمنون) سألوا عن الشيء الذي ينفقونه‬
‫ما هو؟ أي ما قدره؟ وما جنسه؟ َفُأِج يُبوا ببيان المصرف الذي يصرفون فيه‬
‫َتْنِبيًها على أنه األولى بالقصد؛ ألن الشيء ال ُيعتد به إال إذا ُو ضع في‬
‫موضعه وصادف مصرفه‪.‬‬
‫‪ -‬وقيل إنه قد تضمن قوله‪ُ{ :‬قْل َم ا َأنَفْقُتم ِّم ْن َخْيٍر } بيان ما ينفقونه وهو كل‬
‫خير‪.‬‬
‫‪ -‬وقيل إنهم سألوا عن وجوه الِبر التي ينفقون فيها‪.‬‬
‫‪ -‬قال‪ :‬وهو خالف الظاهر‪.‬‬
‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬فِلْلَو اِلَد ْيِن َو اَأْلْقَر ِبيَن َو اْلَيَتاَم ى َو اْلَم َس اِكيِن َو اْبِن الَّس ِبيِل } يعني لكون‬
‫دفع المال إليهم صدقة وِص لة إذا كانوا فقراء‪.‬‬
‫‪ -‬وهكذا {اليتامى} الفقراء أولى بالصدقة من الفقراء الذين ليسوا بيتامى؛‬
‫لعدم قدرتهم على الكسب‪.‬‬
‫‪ -‬و{المسكين} الساكن إلى ما في أيدي الناس؛ لكونه ال يجد َش ْيًئا‪.‬‬
‫‪{ -‬وابن السبيل} المسافر الُم نقطع وُجعل اْبًنا للسبيل لمالزمته له‪.‬‬
‫‪ -‬وقيل‪ :‬إن اآلية نزلت قبل الزكاة ثم نزلت آية الزكاة فنسختها‪.‬‬
‫‪ -‬وقيل إنها ُم ْح َك مة‪.‬‬

‫🔺 وأخرج ابن المنذر أن َع مرو بن الجموح سأل رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪" :‬ماذا ُننفق من أموالنا؟ وأين نضعها؟"‬
‫(فنزلت هذه اآلية)‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫💎 ثم قال‪ :‬اآلية التاسعة والعشرون‬


‫قال تعالى‪ُ{ :‬ك ِتَب َع َلْيُك ُم اْلِقَتاُل َو ُهَو ُك ْر ٌه َّلُك ْم ۖ َو َع َس ى َأن َتْك َر ُهوا َش ْيًئا َو ُهَو‬
‫َخ ْيٌر َّلُك ْم ۖ َو َع َس ى َأن ُتِح ُّبوا َش ْيًئا َو ُهَو َش ٌّر َّلُك ْم ۗ َوُهَّللا َيْع َلُم َو َأنُتْم اَل َتْع َلُم وَن }‬
‫[البقرة‪.]٢١٦ :‬‬
‫‪ -‬كتب عليكم القتال‪ :‬أي فرض القتال عليهم من ُجملة ما امتحنوا به‪.‬‬
‫‪ -‬والمراد بالقتال‪ :‬قتال الكفار‪ .‬وُيستدل باآلية على افتراضه وهو األولى‪.‬‬
‫‪ -‬وقيل‪ :‬الجهاد تطوع‪.‬‬
‫‪ -‬والمراد منها‪ :‬الصحابة فقط‪ .‬وبه قال الثوري واألوزاعي والجمهور على‬
‫أنه فرٌض على الكفاية‪.‬‬
‫‪ -‬وقيل‪ :‬فرض عين إن دخلوا بلدنا‪ ،‬وفرض كفاية إن كانوا في بالدهم‪.‬‬
‫‪ -‬ثم قال‪ :‬وإنما كان الجهاد ُك ْر ًها؛ ألن فيه إخراج المال ومفارقة األهل‬
‫والوطن‪ ،‬والتعرض لذهاب النفس‪ ،‬وفي التعريف بالمصدر وهو ُك ره‬
‫المبالغة‪.‬‬
‫‪ -‬وَيحتمل أن يكون بمعنى المكروه كما في قولهم‪( :‬الدرهم ضرب األمير)‪.‬‬
‫‪ -‬ثم قال‪ :‬وقد ورد في وجوب الجهاد وفضله أحاديث كثيرة ال يتسع المقام‬
‫لبسطها‪.‬‬

‫💎 ثم قال‪ :‬اآلية الثالثون‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬يْس َأُلوَنَك َع ِن الَّش ْه ِر اْلَح َر اِم ِقَتاٍل ِفيِهۖ ُقْل ِقَتاٌل ِفيِه َك ِبيٌر ۖ َو َص ٌّد‬
‫َع ن َس ِبيِل ِهَّللا َو ُك ْفٌر ِبِه َو اْلَم ْس ِج ِد اْلَح َر اِم َوِإْخ َر اُج َأْه ِلِه ِم ْنُه َأْك َبُر ِع نَد ِهَّللاۚ ‬
‫َو اْلِفْتَنُة َأْك َبُر ِم َن اْلَقْتِل ۗ َو اَل َيَز اُلوَن ُيَقاِتُلوَنُك ْم َح َّتى َيُر ُّدوُك ْم َع ن ِد يِنُك ْم ِإِن‬
‫اْس َتَطاُعواۚ َو َم ن َيْر َتِد ْد ِم نُك ْم َع ن ِد يِنِه َفَيُم ْت َو ُهَو َك اِفٌر َفُأوَلِئَك َح ِبَطْت َأْع َم اُلُهْم‬
‫ِفي الُّد ْنَيا َو اآْل ِخ َرِةۖ َو ُأوَلِئَك َأْص َح اُب الَّناِرۖ ُهْم ِفيَها َخ اِلُدوَن } [البقرة‪.]٢١٧ :‬‬

‫‪57‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬قال تعالى‪َ{ :‬يْس َأُلوَنَك َع ِن الَّش ْهِر اْلَحَر اِم ِقَتاٍل ِفيِه } فلم يكن قتال قد وقع في‬
‫الشهر الحرام إنما يسألون عن ُح كم القتال في الشهر الحرام‪ .‬واألشهر‬
‫الحرام (ذو القعدة‪ ،‬وذو الحجة‪ ،‬والُم َح رُم ‪ ،‬ورجب) ثالثة أشهر سرد وواحد‬
‫فرد‪.‬‬
‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬و َص ٌّد َع ن َس ِبيِل ِهَّللا َو ُك ْفٌر ِبِه َو اْلَم ْس ِج ِد اْلَحَر اِم َو ِإْخ َر اُج َأْهِلِه ِم ْنُه‬
‫َأْك َبُر ِع نَد ِهَّللا} أي أعظم إْثًم ا وأشد َذْنًبا من القتال في الشهر الحرام‪.‬‬
‫‪ -‬ومعنى اآلية على ما ذهب إليه الجمهور‪ :‬أنكم يا كفار قريش تستعظمون‬
‫علينا القتال في الشهر الحرام وما تفعلون أنتم من الصد عن سبيل هللا لمن‬
‫أراد اإلسالم‪ ،‬ومن الكفر باهلل‪ ،‬ومن الصد عن المسجد الحرام‪ ،‬ومن إخراج‬
‫أهل الحرم منه أكبر ُجرًم ا عند هللا‪.‬‬

‫{َو اْلِفْتَنُة َأْك َبُر ِم َن اْلَقْتِل } المراد بالفتنة هنا‪:‬‬ ‫‪-‬‬


‫الكفر أي كفركم أكبر من القتل الواقع من السرية التي بعثها النبي صلى هللا‬ ‫‪‬‬
‫عليه وسلم‬
‫وقيل المراد بالفتنة‪ :‬اإلخراج ألهل الحرم منه‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫وقيل المراد بالفتنة هنا‪ :‬فتنتهم عن دينهم حتى يهلكوا أي فتنة المستضعفين‬ ‫‪‬‬
‫من المؤمنين أو نفس الفتنة التي الكفار عليها‪.‬‬

‫️✔ وهذا أرجح من الوجهين األولين؛ ألن الكفر واإلخراج سبق ذكرهما‬
‫وإنهما مع الصد أكبر عند هللا من القتال في الشهر الحرام‪.‬‬
‫‪ -‬ثم قيل إن اآلية ُم حكمٌة وال يجوز الغزو في الشهر الحرام إال بطريق الدفع‪.‬‬
‫‪ -‬وقيل إنها منسوخة بآية السيف وبه قال الجمهور رحمهم هللا تعالى‪.‬‬

‫💎 ثم قال‪ :‬اآلية الحادية والثالثون‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬يْس َأُلوَنَك َع ِن اْلَخ ْمِر َو اْلَم ْيِس ِرۖ ُقْل ِفيِهَم ا ِإْثٌم َك ِبيٌر َو َم َناِفُع ِللَّناِس‬
‫َوِإْثُم ُهَم ا َأْك َبُر ِم ن َّنْفِع ِهَم اۗ َو َيْس َأُلوَنَك َم اَذ ا ُينِفُقوَن ُقِل اْلَعْفَو ۗ َك َذ ِلَك ُيَبِّيُن ُهَّللا َلُك ُم‬
‫اآْل َياِت َلَعَّلُك ْم َتَتَفَّك ُر وَن } [البقرة‪.]٢١٩ :‬‬

‫‪58‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫السائلون‪ :‬هم المؤمنون‪.‬‬ ‫‪-‬‬


‫والخمر ماء العنب الذي غلى واشتد وقذف بالَز بِد وما خامر العقل من غيره‬ ‫‪-‬‬
‫فهو في حكمه كما ذهب إليه الجمهور‪.‬‬
‫وقال أبو حنيفة والثوري وابن أبي ليلى وابن ُش برمة وجماعة من فقهاء‬ ‫‪-‬‬
‫الكوفة‪ :‬ما أسكر كثيره من غير خمر العنب فهو حالل أي ما دون الُم سِكر‬
‫منه‪.‬‬
‫وذهب أبو حنيفة إلى حل ما ذهب ُثلثاه بالطبخ والخالف في ذلك مشهور‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫والمراد بالميسر في اآلية‪ُ :‬قمار العرب باألزالم‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫قال جماعة من السلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم‪ :‬كل شيء فيه‬ ‫‪-‬‬
‫ُقمار أو َنرٌد أو شطرنج أو غيرهما فهو الميسر حتى لعب الصبيان بالجوز‬
‫والكِعاب إال ما أبيح من الرهان في الخيل والقرعة في إفراز الحقوق‪.‬‬
‫وقال مالك‪ :‬الميسر ميسران‪ :‬ميسر اللهو‪ ،‬وميسر القمار‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ ‬فمن ميسر اللهو‪ :‬النرد والشطرنج والمالهي كلها‪.‬‬
‫‪ ‬وميسر القمار‪ :‬ما يتخاطر الناس عليه وكل ما ُقوِم ر به فهو ميسر‪.‬‬
‫ثم قال‪ُ{ :‬قْل ِفيِهَم ا ِإْثٌم َك ِبيٌر} يعني في الخمر والميسر‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫فإثم الخمر أي إثم تعاطيها ينشأ من فساد عقل ُم ستعملها فيصدر عنه ما‬ ‫‪-‬‬
‫يصدر عن فساد العقل من الُم خاصمة والُم شاتمة وقول الفحش والزور‬
‫وتعطيل الصلوات وسائر ما يجب عليه‪.‬‬
‫وأما إثم الميسر فإثم تعاطيه‪ :‬ما ينشأ عن ذلك من الفقر وذهاب المال في‬ ‫‪-‬‬
‫غير طائل والعداوة وإيحاش الصدور‪.‬‬
‫ثم قال‪َ{ :‬و َم َناِفُع ِللَّناِس } أي منافع الخمر فربح التجارة فيها‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وقيل‪ :‬ما يصدر عنها من الطرب‪ ،‬والنشاط‪ ،‬وقوة القلب‪ ،‬وثبات الَج نان‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫وإصالح المعدة‪.‬‬
‫ومنافع الميسر‪ :‬مصير الشيء إلى اإلنسان بغير تعب وال كد وما يحصل‬ ‫‪-‬‬
‫من السرور واألريحية عندما يصير له منها سهم‪.‬‬
‫ثم قال‪َ{ :‬و ِإْثُم ُهَم ا َأْك َبُر ِم ن َّنْفِع ِهَم ا}‪ :‬أخبر سبحانه وتعالى بأن الخمر‬ ‫‪-‬‬
‫والميسر إن كان فيهما نفع فاإلثم الذي يلحق ُم تعاطيها أكثر من هذا النفع؛‬

‫‪59‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫ألنه ال خير يساوي فساد العقل الحاصل بالخمر فإنه ينشأ عنه من الشرور‬
‫ما ال يأتي عليه الحصر‪.‬‬

‫🔻وقد ذكر شطًرا منها الحافظ ابن القيم في كتابه [حادي األرواح]‬
‫قال‪ :‬وكذلك ال خير في الميسر يساوي ما فيه من المخاطرة بالمال‪،‬‬
‫والتعرض للفقر‪ ،‬واستجالب العداوة الُم فِض ية إلى سفك الدماء وهتك الُحرم‪.‬‬
‫‪ -‬ثم ساق عن عمر رضي هللا عنه أنه قال‪" :‬اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا‬
‫فإنها ُتذهب بالمال والعقل"‪ .‬فنزلت اآلية‪َ{ :‬يْس َأُلوَنَك َع ِن اْلَخ ْم ِر َو اْلَم ْيِس ِر}‬
‫يعني هذه اآلية‪ ،‬فدعا عمر فُقرئت عليه‪ ،‬فقال‪" :‬اللهم بين لنا في الخمر بيانا‬
‫شافيا"‪ .‬فنزلت التي في سورة النساء‪َ{ :‬يا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا اَل َتْقَر ُبوا الَّص اَل َة‬
‫َو َأنُتْم ُس َك اَر ى} [النساء‪ ]٤٣ :‬فكان ُينادي رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إذا‬
‫قام إلى الصالة "أاَّل يقربن الصالة سكران" فُد ِع َي عمر فُقرئت عليه فقال‪:‬‬
‫"اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا"‪ .‬فنزلت اآلية التي في المائدة فُد ِع َي‬
‫عمر فُقرئت عليه فلما بلغ {َفَهْل َأنُتم ُّم نَتُهوَن } [المائدة‪ ]٩١ :‬قال عمر‪:‬‬
‫"انتهينا انتهينا"‪.‬‬

‫ثم قال‪َ{ :‬و َيْس َأُلوَنَك َم اَذ ا ُينِفُقوَن ُقِل اْلَع ْفَو } [البقرة‪ ]٢١٩ :‬والعفو‪ :‬ما سهل‬ ‫‪-‬‬
‫وتيسر ولم يشق على القلب‪.‬‬
‫والمعنى‪ :‬أنفقوا ما فضل عن حوائجكم ولم تجهدوا فيه أنفسكم‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫وقيل‪ :‬هو ما فضل عن نفقة العيال‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫وقال جمهور العلماء‪ :‬هو نفقات التطوع‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫وقيل‪ :‬إن هذه اآلية منسوخة بآية الزكاة المفروضة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫وقيل‪ :‬هي ُم حكمة وفي المال حق سوى الزكاة َأْيًضا‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫💎 ثم قال‪ :‬اآلية الثانية والثالثون‬

‫‪60‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫قال تعالى‪ِ{ :‬في الُّد ْنَيا َو اآْل ِخ َرِةۗ َو َيْس َأُلوَنَك َع ِن اْلَيَتاَم ىۖ ُقْل ِإْص اَل ٌح َّلُهْم َخ ْيٌر ۖ ‬
‫َوِإن ُتَخ اِلُطوُهْم َفِإْخ َو اُنُك ْم ۚ َوُهَّللا َيْع َلُم اْلُم ْفِس َد ِم َن اْلُم ْص ِلِحۚ َو َلْو َشاَء ُهَّللا‬
‫َأَلْع َنَتُك ْم ۚ ِإَّن َهَّللا َع ِزيٌز َح ِكيٌم } [البقرة‪.]٢٢٠ :‬‬
‫‪ -‬هذه اآلية نزلت بعد نزول قوله تعالى‪َ{ :‬و اَل َتْقَر ُبوا َم اَل اْلَيِتيِم } [األنعام‪:‬‬
‫‪ ]١٥٢‬وقوله سبحانه‪ِ{ :‬إَّن اَّلِذ يَن َيْأُك ُلوَن َأْم َو اَل اْلَيَتاَم ى ُظْلًم ا} [النساء‪:‬‬
‫‪.]١٠‬‬
‫‪ -‬وقد ضاق على األولياء األمر فنزلت هذه اآلية‪ُ{ :‬قْل ِإْص اَل ٌح َّلُهْم َخ ْيٌر}‬
‫[البقرة‪.]٢٢٠ :‬‬
‫‪ -‬والمراد باإلصالح هنا‪ :‬مخالطتهم على وجه اإلصالح ألموالهم فإن ذلك‬
‫أصح من مجانبتهم‪ ،‬وفي ذلك دليل على جواز التصرف في أموال اليتامى‬
‫من األولياء واألوصياء بالبيع والُم ضاربة واإلجارة ونحو ذلك‪.‬‬

‫‪َ{ -‬و ِإن ُتَخ اِلُطوُهْم َفِإْخ َو اُنُك ْم }‬

‫اختلف في تفسير الُم خالطة‪:‬‬


‫فقال أبو عبيدة‪ :‬مخالطة اليتامى أن يكون ألحدهم المال ويشق على كافله أن‬ ‫‪‬‬
‫َيفرد طعامه عنه وال يجد ُبًد ا من خلطه بِع ياله فيأخذ من مال اليتيم ما يرى‬
‫أنه كافيه بالتحري فيجعله مع نفقة أهله وهذا قد تقع فيه الزيادة والنقصان‬
‫فدلت اآلية على الُرخصة وهي ناسخٌة لما قبلها‪.‬‬
‫وقيل المراد بالُم خالطة‪ :‬المعاشرة لأليتام‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫وقيل المراد بها‪ :‬المصاهرة لهم‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫واألولى عدم قصر المخالطة على نوع خاص بل يشمل كل مخالطٍة كما‬ ‫‪‬‬
‫يستفاد من الجملة الشرطية‪.‬‬

‫‪ -‬وقوله‪َ{ :‬فِإْخ َو اُنُك ْم } أي فهم إخوانكم في الدين وهللا يعلم المفسد ألموالهم‬
‫بمخالطته من المصلح لها تحذيٌر لألولياء‪ ،‬أي ال يخفى على هللا من ذلك‬
‫شيٌء فهو ُيجازي كل أحد بعمله‪ .‬من أصلح فلنفسه ومن أفسد فعلى نفسه‬
‫ففيه وعٌد ووعيٌد إال أن تقديم الُم فسد مزيد تهديد وتوكيد للوعيد‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫💎 ثم قال‪ :‬اآلية الثالثة والثالثون‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬و اَل َتنِكُح وا اْلُم ْش ِرَك اِت َح َّتى ُيْؤ ِم َّن ۚ َو َأَلَم ٌة ُّم ْؤ ِم َنٌة َخ ْيٌر ِّم ن ُّم ْش ِرَك ٍة‬
‫َو َلْو َأْع َج َبْتُك ْم ۗ َو اَل ُتنِكُح وا اْلُم ْش ِرِكيَن َح َّتى ُيْؤ ِم ُنواۚ َو َلَعْبٌد ُّم ْؤ ِم ٌن َخ ْيٌر ِّم ن‬
‫ُّم ْش ِرٍك َو َلْو َأْع َج َبُك ْم ۗ ُأوَلِئَك َيْدُعوَن ِإَلى الَّناِرۖ َوُهَّللا َيْدُعو ِإَلى اْلَج َّنِة َو اْلَم ْغ ِفَرِة‬
‫ِبِإْذ ِنِهۖ َو ُيَبِّيُن آَياِتِه ِللَّناِس َلَعَّلُهْم َيَتَذ َّك ُر وَن } [البقرة‪.]٢٢١ :‬‬
‫‪ -‬قال في هذه اآلية‪ :‬النهي عن ِنكاح المشركات وتزويجهن‪.‬‬
‫‪ -‬قِيل المراد بالمشركات‪ :‬الَو َثِنَيات‪.‬‬
‫‪ -‬وِقيل‪ :‬إنها تعم الِك تابيات؛ ألن أهل الكتاب مشركون‪.‬‬

‫🔺 {َو َقاَلِت اْلَيُهوُد ُعَز ْيٌر اْبُن ِهَّللا َو َقاَلِت الَّنَص اَر ى اْلَم ِس يُح اْبُن ِهَّللا} [التوبة‪:‬‬
‫‪]٣٠‬‬

‫ثم قال‪ :‬وقد اختلف أهل العلم في هذه اآلية‪:‬‬


‫فقالت طائفة إن هللا حرم نكاح المشركات فيها والكتابيات من الجملة‪ ،‬ثم‬ ‫‪‬‬
‫جاءت آية المائدة فخصصت الِك تابيات من العموم وهذا محكٌّي عن ابن‬
‫عباٍس ومالٍك وُسفيان بن سعيٍد وعبد الرحمن ابن َع مرو األوزاعي‪.‬‬
‫وذهبت طائفة إلى أن هذه اآلية ناسخٌة آلية المائدة وأنه يحرم ِنكاح‬ ‫‪‬‬
‫الكتابيات والمشركات وهذا أحد قولي الشافعي وبه قال جماعٌة من أهل‬
‫العلم‪.‬‬
‫وُيجاب عن قولهم إن هذه اآلية ناسخة آلية المائدة بأن سورة البقرة من أول‬ ‫‪‬‬
‫ما نزل وسورة المائدة من آخر ما نزل والقول األول هو الراجح‪.‬‬
‫ولم يصح عن أحٍد من األوائل أنه حرم ذلك وقال بعض أهل العلم إن لفظ‬ ‫‪‬‬
‫المشرك ال يتناول أهل الكتاب؛‬
‫‪62‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫🔺 لقوله تعالى‪َّ{ :‬م ا َيَو ُّد اَّلِذ يَن َك َفُروا ِم ْن َأْهِل اْلِكَتاِب َو اَل اْلُم ْش ِرِكيَن َأن ُيَنَّز َل‬
‫َع َلْيُك م ِّم ْن َخْيٍر ِّم ن َّرِّبُك ْم } [البقرة‪.]١٠٥ :‬‬

‫🔺 وقال‪َ{ :‬لْم َيُك ِن اَّلِذ يَن َك َفُروا ِم ْن َأْهِل اْلِكَتاِب َو اْلُم ْش ِرِكيَن } [البينة‪]١ :‬‬
‫‪ -‬وعلى فرض أن لفظ المشركين يعمها فهذا العموم مخصوٌص بآية المائدة‬
‫كما قدمنا‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬و َأَلَم ٌة ُّم ْؤ ِم َنٌة َخ ْيٌر ِّم ن ُّم ْش ِرَك ٍة}‬
‫‪ ‬أي‪ :‬ولرقيقٌة مؤمنٌة‪.‬‬
‫‪ ‬وِقيل المراد باألمة‪ :‬الحرة؛ ألن الناس كلهم عبيٌد هلل وإماٌء له‪.‬‬
‫‪ ‬واألول أولى؛ لما سيأتي وألنه الظاهر من اللفظ وألنه أبلغ‪ .‬فإن تفضيل‬
‫األمة الرقيقة المؤمنة على الحرة المشركة ُيستفاد منه تفضيل الحرة المؤمنة‬
‫على الحرة المشركة باألولى‪.‬‬
‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬و َلْو َأْع َجَبْتُك ْم } أي المشركة‪ ،‬من كونها ذات جمال ومال وشرف‪.‬‬
‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬و اَل ُتنِكُحوا اْلُم ْش ِرِكيَن } أي ال ُتزوجوهم بالمؤمنات حتى يؤمنوا‪.‬‬

‫🔻 ثم قال القرطبي‪" :‬وأجمعت األمة على أن الُم شرك ال يطأ المؤمنة بوجٍه؛ لما‬
‫في ذلك من الَغ َض اَض ة على اإلسالم"‪.‬‬
‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬و َلَع ْبٌد ُّم ْؤ ِم ٌن َخ ْيٌر ِّم ن ُّم ْش ِرٍك َو َلْو َأْع َجَبُك ْم }‪ ،‬قال الكالم فيه كالكالم‬
‫في قوله {َو َأَلَم ٌة}‪ ،‬والترجيح كالترجيح‪.‬‬

‫💎 ثم قال‪ :‬اآلية الرابعة والثالثون‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬و َيْس َأُلوَنَك َع ِن اْلَم ِح يِضۖ ُقْل ُهَو َأًذ ى َفاْع َتِزُلوا الِّنَس اَء ِفي‬
‫اْلَم ِح يِضۖ َو اَل َتْقَرُبوُهَّن َح َّتى َيْطُهْر َن ۖ َفِإَذ ا َتَطَّهْر َن َفْأُتوُهَّن ِم ْن َح ْيُث َأَم َر ُك ُم‬
‫ُهَّللاۚ ِإَّن َهَّللا ُيِح ُّب الَّتَّو اِبيَن َو ُيِح ُّب اْلُم َتَطِّهِريَن } [البقرة‪]٢٢٢ :‬‬

‫‪63‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬الَم ِح يُض ‪ :‬أصل هذه الكلمة من السيالن واالنفجار‪ُ ،‬يقال حاض السيل‬
‫وفاض‪ ،‬ومنه الحوض ألن الماء َيُحوُض إليه أي يسيل‪.‬‬
‫‪ -‬ثم قال‪ُ{ :‬قْل ُهَو َأًذ ى} أي شيٍء ُيتَأَذ ى به وبراحئته‪ ،‬واألذى هو ِكناية عن‬
‫القذر وُيطلق على القول المكروه‪.‬‬

‫🔺 ومنه قوله تعالى‪{ :‬اَل ُتْبِط ُلوا َص َد َقاِتُك م بِاْلَم ِّن َو اَأْلَذ ى} [البقرة‪]٢٦٤ :‬‬

‫🔺 ومنه قوله تعالى‪َ{ :‬و َد ْع َأَذ اُهْم } [األحزاب‪]٤٨ :‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬فاْع َتِزُلوا الِّنَس اَء ِفي اْلَم ِح يِض}‬


‫⁕ أي‪ :‬فاجتنبوهن في زمان الحيض إن ُح ِمَل الحيض على المصدر‪.‬‬
‫⁕ أو في َم َح ِل الحيض إن ُحمل على االسم‪.‬‬
‫‪ -‬والمراد من هذا االعتزال‪ :‬ترك الُم جامعة ال ترك الُم جالسة والُم المسة؛ فإن‬
‫ذلك جائز بل يجوز االستمتاع منها بما عدا الفرج أو بما دون اإلزار على‬
‫خالٍف في ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬وأما ما ُيروى عن ابن عباٍس وُع بيدة الُسليماني أنه يجب على الرجل أن‬
‫يعتزل ِفراش زوجته إذا حاضت فليس ذلك شيئا وال خالف بين أهل العلم‬
‫في تحريم َو طء الحائض وهو معلوٌم من الدين بالضرورة‪.‬‬
‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬و اَل َتْقَر ُبوُهَّن َح َّتى َيْطُهْر َن }‬
‫◙ والطهر‪ :‬انقطاع الحيض‪.‬‬
‫◙ والتطهر‪ :‬االغتسال‪.‬‬

‫وبسبب اختالف الُقراِء ؛ اختلف أهل العلم‪:‬‬


‫‪ ‬فذهب الجمهور إلى أن الحائض ال يحل َو طؤها لزوجها حتى تتطهر‬
‫بالماء‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫وقال محمد بن كعب الُقرضي ويحيى بن ُبكيٍر‪" :‬إذا طهرت الحائض‬ ‫‪‬‬
‫وتيممت حيث ال ماء حلت لزوجها وإن لم تغتسل"‪.‬‬
‫وقال ُم جاهٌد وِع كرمة‪" :‬إن انقطع الدم يحلها لزوجها ولكن تتوضأ"‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد‪" :‬إن انقطع دمها بعد ُمِض ي عشرة‬ ‫‪‬‬
‫أياٍم ؛ جاز له أن يطأها قبل الُغ سل وإن كان انقطاعه قبل العشر؛ لم يجز‬
‫حتى تغتسل أو يدخل عليها وقت صالة"‪.‬‬
‫وقد رجح ابن جريٍر الطبري قراءة التشديد‬ ‫‪‬‬
‫وقال الشوكاني‪ :‬واألْو َلى أن ُيقال إن هللا سبحانه وتعالى جعل للِح ل غايتين‬ ‫‪‬‬
‫كما تقتضيه القراءتان‪ :‬إحداهما انقطاع الدم واألخرى التطهير منه‪ .‬والغاية‬
‫األخرى ُم شتملٌة على زيادة على الغاية األولى فيجب المصير إليها‪.‬‬

‫‪ -‬وقد دل على أن الغاية األخرى هي المعتبرة‪ :‬قوله تعالى بعد ذلك‪َ{ :‬فِإَذ ا‬
‫َتَطَّهْر َن }‪ ،‬فإن ذلك ُيفيد أن الُم عتبر التطهر ال مجرد انقطاع الدم‪.‬‬
‫‪ -‬وقد تقرر أن القراءتين بمنزلة اآليتين فكما أنه يجب الجمع بين اآليتين‬
‫الُم شتملة إحداهما على زيادة العمل بتلك الزيادة كذلك يجب الجمع بين‬
‫القراءتين‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬فْأُتوُهَّن ِم ْن َح ْيُث َأَم َر ُك ُم ُهَّللا}‪:‬‬


‫‪ ‬أي فجامعوهن‪ .‬وُك ِّنَي عنه باإلتيان‪ ،‬والمراد أنهم ُيَج اَم ُعون في المأتى الذي‬
‫أباحه هللا وهو القبل‪.‬‬
‫‪ ‬وِقيل‪ِ{ :‬م ْن َح ْيُث } بمعنى في حيث‪.‬‬

‫🔺 كما في قوله تعالى‪ِ{ :‬إَذ ا ُنوِدَي ِللَّص اَل ِة ِم ن َيْو ِم اْلُج ُمَعِة} [الجمعة‪.]٩ :‬‬

‫🔺 وقوله‪َ{ :‬م اَذ ا َخ َلُقوا ِم َن اَأْلْر ِض} [األحقاف‪ ،]٤ :‬أي في األرض‪.‬‬
‫‪ ‬وِقيل إن المعنى من الوجه الذي َأذن هللا لكم فيه أي من غير صوٍم ‪ ،‬وال‬
‫إحرام‪ ،‬وال اعتكاف‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ ‬وِقيل إن المعنى من ِقَبل الطهر ال من ِقَبل الحيض‪.‬‬


‫‪ ‬وقيل‪ :‬من ِقَبل اإلحالل ال من ِقَبل الزنا‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪ِ{ :‬إَّن َهَّللا ُيِح ُّب الَّتَّو اِبيَن َو ُيِح ُّب اْلُم َتَطِّهِريَن } [البقرة‪]٢٢٢ :‬‬
‫‪ِ ‬قيل‪ :‬المراد التوابون عن الذنوب‪ ،‬والمتطهرون من الَج نابة واألحداث‪.‬‬
‫‪ ‬وِقيل‪ :‬التوابون من إتيانهن في الحيض‪.‬‬
‫‪ ‬واألول أظهر‪.‬‬

‫💎 ثم قال‪ :‬اآلية الخامسة والثالثون‬


‫قال تعالى‪ِ{ :‬نَس اُؤ ُك ْم َح ْر ٌث َّلُك ْم َفْأُتوا َح ْر َثُك ْم َأَّنى ِش ْئُتْم ۖ َو َقِّد ُم وا َأِلنُفِس ُك ْم ۚ ‬
‫َو اَّتُقوا َهَّللا َو اْع َلُم وا َأَّنُك م ُّم اَل ُقوُهۗ َو َبِّش ِر اْلُم ْؤ ِمِنيَن } [البقرة‪]٢٢٣ :‬‬

‫‪ -‬قال‪ :‬لفظ [الحرث] ُيفيد أن اإلباحة لم تقع إال في الفرج الذي هو الُقُبُل‬
‫خاصة؛ إذ هو َم ْز َر ُع الُذ رية‪ .‬كما أن الحرث من زرع النبات فقد َش َّبه ما‬
‫ُيلَقى في أرحامهن من الُنَطِف التي منها النسل بما ُيلَقى في األرض من‬
‫البذور التي منها النبت بِج ماع أن كل واحٌد منهما مادة لما يحصل منه‪.‬‬
‫‪ -‬ثم قال‪ :‬وقد ذهب السلف والخلف من الصحابة والتابعين واألئمة إلى ما‬
‫ذكرنا من تفسير اآلية إلى أن إتيان الزوجة في ُد ُبِرها حرام‪.‬‬

‫💎 ثم قال‪ :‬اآلية السادسة والثالثون‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬و اَل َتْج َعُلوا َهَّللا ُع ْر َض ًة َأِّلْيَم اِنُك ْم َأن َتَبُّر وا َو َتَّتُقوا َو ُتْص ِلُح وا َبْيَن‬
‫الَّناِسۗ َوُهَّللا َسِم يٌع َع ِليٌم } [البقرة‪]٢٢٤ :‬‬
‫‪ -‬قال‪ :‬الُعرَض ُة‪ :‬الَنصَبة‪ ،‬وِقيل من الِش دة والقوة‪ ،‬ومنه قولهم للمرأة (عرضة‬
‫النكاح) إذا صلحت له وقويت عليه وفالُن عرضة أي قوة‪ ،‬وُيطَلُق على‬
‫الِهمة‪ ،‬ويقال فالٌن عرضٌة للناس يعني ال يزالون يقعون فيه‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫فعلى المعنى األول‪ :‬يكون اسًم ا لما َتعرُضه دون الشيء أي ال تجعلوا هللا‬ ‫‪-1‬‬
‫حاجًز ا ومانًعا لما حلفتم عليه‪ ،‬وذلك ألن الرجل كان يحلف على بعض‬
‫الخير من ِص لة رحٍم أو إحساٌن إلى الغير أو إصالٍح بين الناس بأن ال‬
‫يفعل ذلك ثم يمتنع من فعله ُمَعِلاًل لذلك االمتناع بأنه قد حلف أال يفعله‪.‬‬
‫وهذا المعنى هو الذي ذكره الجمهور في تفسير اآلية فنهاهم هللا أن‬
‫يجعلوه ُع رضًة أليمانهم أي حاجًز ا لما حلفوا عليه ومانًعا منه‪.‬‬
‫‪ -‬وُس ِم َي المحلوف عليه يميًنا لتلبسه باليمين وعلى هذا يكون قوله‪َ{ :‬أن َتَبُّر وا‬
‫َو َتَّتُقوا َو ُتْص ِلُحوا َبْيَن الَّناِس} عطف بياٍن أليمانكم أي ال تجعلوا هللا مانًعا‬
‫منه لأليمان التي هي ِبركم وتقواكم‪.‬‬

‫وعلى المعنى الثاني وهو أن الُعرضة الشدة والقوة‪ :‬يكون معنى اآلية ال‬ ‫‪-2‬‬
‫تجعلوا اليمين باهلل ُقوة ألنفسكم وعدة في االمتناع من الخير‪.‬‬
‫ثم قال وال يصلح تفسير اآلية على المعنى الثالث‪ :‬وهو الهمة‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫وأما على المعنى الرابع‪ :‬وهو فالن ال يزال عرضًة للناس فيكون معنى‬ ‫‪-4‬‬
‫اآلية‪ :‬ال تجعلوا هللا َم ْع َر ًض ا أليمانكم فتبتذلونه بكثرة الحلف به‪ ،‬ومنه‬
‫{َو اْح َفُظوا َأْيَم اَنُك ْم } [المائدة‪.]٨٩ :‬‬

‫‪ -‬وقد ذم هللا المكثرين للحلف فقال‪َ{ :‬و اَل ُتِط ْع ُك َّل َح َّلاٍف َّم ِهيٍن } [القلم‪.]١٠ :‬‬
‫وقد كانت العرب تتمادح بِقلة األيمان‪ .‬وعلى هذا فيكون قوله‪َ{ :‬أن َتَبُّر وا}‬
‫علًة للنهي أي ال تجعلوا هللا َم عرضا أليمانكم إرادة أن تبروا وتتقوا‬
‫وُتصلحوا ألن من ُيكثر الحلف باهلل يجترئ على الِح نث وَيفُجر في يمينه‪.‬‬
‫‪ -‬وقد ِقيل في تفسير اآلية أقواٌل هي راجعٌة إلى هذه الوجوه التي ذكرناها‪.‬‬

‫💎 ثم قال‪ :‬اآلية السابعة والثالثون‬


‫قال تعالى‪{ :‬اَّل ُيَؤاِخ ُذ ُك ُم ُهَّللا ِبالَّلْغ ِو ِفي َأْيَم اِنُك ْم َو َلِكن ُيَؤاِخ ُذ ُك م ِبَم ا َك َسَبْت‬
‫ُقُلوُبُك ْم ۗ َوُهَّللا َغُفوٌر َح ِليٌم } [البقرة‪]٢٢٥ :‬‬

‫‪67‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫قال‪ :‬وقد اختلف أهل العلم في تفسير اللغو‪:‬‬


‫فذهب ابن عباٍس وعائشة وجمهور العلماء إلى أنها‪ :‬قول الرجل ال وهللا‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫وبلى وهللا في حديثه وكالمه غير ُم عتقٍد لليمين وال ُم ِريًد ا لها‪.‬‬
‫قال الُم روزي‪ :‬هذا معنى لغو اليمين الذي اتفق عليه عامة العلماء‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫وقال أبو هريرة وجماعٌة من السلف‪ :‬هو أن يحلف الرجل على الشيء ال‬ ‫‪‬‬
‫يظن إال أنه أتاه فإذا ليس هو ما َظَّنه‪ ،‬وإلى هذا ذهبت الحنفية وبه قال مالك‪.‬‬
‫وِقيل إن اللغو‪ :‬يمين المعصية كالذي ُيقسم ليشربّن الخمر أو ليقطعّن الرحم‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫وِقيل لغو اليمين‪ :‬هو دعاء الرجل على نفسه كأن يقول أعمى هللا بصره‪ ،‬أو‬ ‫‪‬‬
‫أذهب هللا ماله‪ ،‬أو هو يهودي‪ ،‬أو هو مشرٌك ‪.‬‬
‫وقيل لغو اليمين‪ :‬أن يتبايع الرجالن فيقول أحدهما وهللا ال أبيعك بكذا‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫ويقول اآلخر وهللا ألشتريه بكذا‪.‬‬
‫وقالوا أيضا لغو اليمين‪ :‬هي الُم َك ِفرة أي إذا ُك فَر ت سقطت وصارت لغًو ا‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫والراجح األول؛ لُم طابقته لمعنى اللغو ولداللته على األدلة‪.‬‬

‫💎 ثم قال‪ :‬اآليتان الثامنة والتاسعة والثالثون‬


‫قال تعالى‪ِّ{ :‬لَّلِذ يَن ُيْؤ ُلوَن ِم ن ِّنَس اِئِهْم َتَرُّبُص َأْر َبَعِة َأْش ُهٍرۖ َفِإن َفاُء وا َفِإَّن َهَّللا‬
‫َغُفوٌر َّر ِح يٌم (‪َ )٢٢٦‬وِإْن َع َز ُم وا الَّطاَل َق َفِإَّن َهَّللا َسِم يٌع َع ِليٌم (‪})٢٢٧‬‬
‫[البقرة‪]٢٢٧-٢٢٦ :‬‬
‫‪ -‬قال‪ِّ{ :‬لَّلِذ يَن ُيْؤ ُلوَن ِم ن ِّنَس اِئِهْم } أي يحلفون‪.‬‬

‫وقد اختلف أهل العلم في اإليالء‪:‬‬


‫‪ ‬فقال الجمهور‪ :‬اإليالء هو أن يحلف أال يطأ امرأته أكثر من أربعة أشهر‪.‬‬
‫‪ ‬فإن حلف على أربعة أشهر فما دونها‪ ،‬لم يكن ُم وِلًيا وكانت عندهم يميًنا‬
‫محضا وبهذا قال مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫وقال الَثوِرُّي والُك وفيون‪ :‬اإليالء أن يحلف على أربعة أشهٍر فصاعدا وهو‬ ‫‪‬‬
‫قول عطاء‪.‬‬
‫وُروَي عن ابن عباٍس أنه ال يكون ُم وِلًيا حتى يحلف أال يمسها أبدا‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫وقالت طائفة‪ :‬إذا حلف أال يقرب امرأته يوًم ا أو أقل أو أكثر ثم لم يطأ‬ ‫‪‬‬
‫أربعة أشهر؛ بانت منه باإليالء‪ ،‬وبه قال ابن مسعوٍد وابن أبي ليلى والحاكم‬
‫وحماد بن أبي سليمان وقتادة وإسحاق‪.‬‬
‫قال ابن المنذر‪ :‬وأنكر هذا القول كثير من أهل العلم‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫ثم قال‪ :‬وقوله {ِم ن ِّنَس اِئِهْم } يشمل الحرائر واإلماء إذا ُك ّن زوجات‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وكذلك يدخل تحت قوله {ِّلَّلِذ يَن ُيْؤ ُلوَن } العبد إذا حلف من زوجته‪ .‬وبه قال‬ ‫‪‬‬
‫أحمد والشافعي وأبو ثوٍر ‪ ،‬قالوا وإيالؤه كالحر‪.‬‬
‫وقال مالك والزهري وعطاء وأبو حنيفة وإسحاق‪" :‬إن أجله شهران"‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫وقال الَش عبي‪" :‬إيالء األمة نصف إيالء الحرة"‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬تَر ُّبُص َأْر َبَعِة َأْش ُهٍر } [البقرة‪ .]٢٢٦ :‬التربص‪ :‬التأني والتأخر‪.‬‬
‫‪َ -‬و َّقَت هللا سبحانه بهذه الُم دة؛ َد فًعا للضرر عن الزوجة‪ .‬وقد كان أهل‬
‫الجاهلية ُيؤلون السنة والسنتين وأكثر من ذلك يقصدون بذلك ِض رار‬
‫النساء‪.‬‬
‫‪ -‬وقد ِقيل إن األربعة أشهر هي التي ال تطيق المرأة الصبر عن زوجها زيادًة‬
‫عليها‪.‬‬

‫‪َ{ -‬فِإن َفاُء وا} أي‪ :‬رجعوا‪.‬‬

‫🔺 ومنه {َح َّتى َتِفيَء ِإَلى َأْم ِر ِهَّللا} [الحجرات‪ ]٩ :‬أي ترجع‪.‬‬
‫ومنه ِقيل للظل بعد الزوال‪ :‬فيٌء ‪.‬‬
‫‪ -‬وقال ابن المنذر‪ :‬وأجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن الفيء‬
‫الِج ماع لمن ال عذر له‪ ،‬فإن كان له ُع ذٌر (مرٌض أو ِس جٌن ) فهي امرأته‪،‬‬

‫‪69‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫فإن زال العذر فأبى الوطء فرق بينهما إن كانت المدة قد انقضت‪ .‬قاله‬
‫مالك‪.‬‬
‫وقالت طائفٌة‪ :‬إذا شهد على فيئه بقلبه في حال العذر أجزأه‪ ،‬وبه قال الحسن‬ ‫‪-‬‬
‫وعكرمة والنخعي واألوزاعي وأحمد بن حنبل‪.‬‬
‫وقد أوجب الجمهور على الُم وِلي إذا فاء بِج ماع امرأته الكفارة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وقال الحسن والنخعي ال كفارة عليه‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ثم قال‪َ{ :‬فِإَّن َهَّللا َغ ُفوٌر } يعني غفور للزوج إذا تاب من إضراره امرأته‬ ‫‪-‬‬
‫رحيٌم بكل التائبين‪.‬‬
‫ثم قال‪َ{ :‬و ِإْن َع َز ُم وا الَّطاَل َق } [البقرة‪]٢٢٧ :‬‬ ‫‪-‬‬
‫العزم‪ :‬العقد على الشيء‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫فمعنى عزموا الطالق يعني عقدوا عليه ُقلوبهم‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫والطالق َح ُل ُع َقِد الِنكاح‪ ،‬وفي ذلك دليٌل على أنها ال ُتَطَّلُق بُمِض ي أربعة‬ ‫‪-‬‬
‫أشهر كما قال مالك ما لم يقع إنشاء تطليٍق بعد المدة‪.‬‬

‫‪ -‬وأيضا فإنه قال‪َ{ :‬فِإَّن َهَّللا َسِم يٌع َع ِليٌم } [البقرة‪.]٢٢٧ :‬‬
‫‪ -‬والسماع يقتضي مسموًع ا بعد الُمِض ي‪.‬‬
‫‪ -‬وقال أبو حنيفة‪ :‬سميع إليالئه عليٌم بعزمه الذي دل ُمِض ُّي أربعة أشهٍر‪.‬‬
‫‪ -‬ثم قال‪ :‬فمن حلف أال يطأ امرأته ولم ُيَقِّيد بُم دٍة أو قيد بزيادٍة على أربعة‬
‫أشهر كان علينا إمهاله أربعة أشهٍر ‪ .‬فإن مضت فهو بالِخ يار‪:‬‬
‫⁕ إما رجع إلى ِنكاح امرأته وكانت زوجته بعد ُمِض ي المدة كما كانت‬
‫قبلها‪.‬‬
‫⁕ أو طلقها وكان له حكم الُم َطِلق امرأته ابتداًء ‪.‬‬

‫‪ -‬وأما إذا َو َّقت بدون األربعة أشهٍر فإن أراد أن َيبر في يمينه اعتزل امرأته‬
‫التي حلف منها حتى تنقضي المدة كما فعل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫حين آلى من نسائه شهًر ا فإنه اعتزلهن حتى مضى الشهر‪.‬‬
‫‪ -‬وإن أراد أن يطأ امرأته قبل ُمِض ي تلك المدة التي هي دون أربعة أشهر؛‬
‫َح َنَث في يمينه ولزمته الكفارة وكان ُم ْم َتِثاًل لما صح عنه صلى هللا عليه‬

‫‪70‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫وسلم من قوله‪" :‬من حلف على شيٍء فرأى غيره خيًر ا منه فلَيأت الذي ُهو‬
‫َخ يٌر ولُيَك ِفْر عن َيميِنه"‪.‬‬

‫هذا وسبحانك اللهم وبحمدك‪ ،‬نشهد أن ال إله إال أنت نستغفرك ونتوب إليك‬
‫والسالم عليكم ورحمة هللا وبركاته‬

‫‪71‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫جامعة صفوة‬
‫كلية العلوم الشرعية والعربية‬
‫مقرر التفسير‬
‫الفرقة الثالثة‬
‫المحاضرة الخامسة‬
‫من كتاب [نيل المرام من تفسير آيات األحكام]‬
‫شرح الشيخ‪ /‬سعد معوض حفظه هللا‬

‫🌀🌀🌀‬

‫إن الحمد هلل تعالى نحمده‪ ،‬ونستعين به ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل تعالى من شرور‬
‫أنفسنا ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬إنه من يهده هللا تعالى فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل‬
‫فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن ُمَحَّم ًد ا عبده‬
‫ورسوله‪ ،‬اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم‬
‫وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد‪ ،‬اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما‬
‫باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد‪..‬‬
‫أما بعد؛ فهذه هي المحاضرة الخامسة من شرح كتاب [نيل المرام من تفسير‬
‫آيات األحكام] لمحمد صديق خان رحمة هللا عليه‬

‫💎 اآلية األربعون‪:‬‬
‫قال سبحانه وتعالى‪َ{ :‬و اْلُم َطَّلَقاُت َيَتَرَّبْص َن ِبَأنُفِس ِهَّن َثاَل َثَة ُقُر وٍء ۚ َو اَل َيِح ُّل َلُهَّن‬
‫َأن َيْك ُتْم َن َم ا َخ َلَق ُهَّللا ِفي َأْر َح اِم ِهَّن ِإن ُك َّن ُيْؤ ِم َّن ِباِهَّلل َو اْلَيْو ِم اآْل ِخ ِرۚ ‬
‫َو ُبُعوَلُتُهَّن َأَح ُّق ِبَر ِّد ِهَّن ِفي َٰذ ِلَك ِإْن َأَر اُدوا ِإْص اَل ًح اۚ َو َلُهَّن ِم ْثُل اَّلِذ ي َع َلْيِهَّن‬
‫ِباْلَم ْعُر وِف ۚ َو ِللِّر َج اِل َع َلْيِهَّن َد َرَج ٌةۗ َوُهَّللا َع ِزيٌز َح ِكيٌم } [البقرة‪.]٢٢٨ :‬‬

‫۞ قال تعالى‪َ( :‬و اْلُم َطَّلَقاُت )‪ :‬في هذه اآلية‪ :‬المطلقات يدخل تحت عمومه‬
‫المطلقة قبل الدخول‪ ،‬ثم ُخ صص‪:‬‬

‫‪72‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫🔺 بقوله سبحانه وتعالى‪َ{ :‬فَم ا َلُك ْم َع َلْيِهَّن ِم ْن ِع َّد ٍة َتْع َتُّد وَنَها} [األحزاب‪:‬‬
‫‪]٤٩‬‬
‫‪ ‬فوجب بقاء العام على الخاص وخرجت من هذا العموم (المطلقة قبل‬
‫الدخول)‪ .‬فالمطلقة قبل الدخول ليس لها عدة بهذا التخصيص‪.‬‬

‫‪ ‬وكذلك خرجت (الحامل)‬

‫🔺 بقوله سبحانه وتعالى‪َ{ :‬و ُأواَل ُت اَأْلْح َم اِل َأَج ُلُهَّن َأن َيَض ْع َن َحْم َلُهَّن }‬
‫[الطالق‪.]٤ :‬‬
‫فعدة المرأة الحامل تنتهي بوضع الحمل‪.‬‬
‫‪ ‬وكذلك خرجت (اآليسة)؛‬

‫🔺 لقوله تعالى‪َ{ :‬فِع َّد ُتُهَّن َثاَل َثُة َأْش ُهٍر } [الطالق‪.]٤ :‬‬
‫فيتربصن ثالثة أشهر اآليس على هذه اآلية وعلى هذا التخصيص‪.‬‬

‫۞ ثم قال تعالى‪َ( :‬يَتَرَّبْص َن ِبَأنُفِس ِهَّن َثاَل َثَة ُقُر وٍء )‪.‬‬
‫◙ التربص معناه‪ :‬االنتظار‪.‬‬
‫◙ أما الُقرء في قوله سبحانه وتعالى‪َ( :‬ثاَل َثَة ُقُروء)‪.‬‬

‫فاختلف أهل العلم في معنى القرء‪.‬‬


‫◙ والقرء في اللغة‪ :‬مشتِر ك بين الحيض والطهر؛ وألجل هذا االشتراك‬
‫اختلف أهل العلم في تعيين ما هو المراد بالقرء المذكور في اآلية‪.‬‬

‫🔻 فقال أهل الكوفة (الحنفية) هو‪( :‬الحيض) وهو قول عمر‪ ،‬وعلي‪ ،‬وابن‬
‫مسعود‪ ،‬وأبي موسى‪ ،‬ومجاهد‪ ،‬وقتادة‪ ،‬والضحاك‪ ،‬وعكرمة‪ ،‬والُس ِّد ي‪،‬‬
‫وأحمد بن حنبل‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫🔻وقال أهل الحجاز‪ :‬األقراء هي (األطهار) وهو قول عائشة‪ ،‬وابن عمر‪،‬‬
‫وزيد بن ثابت‪ ،‬والزهري‪ ،‬وأبان بن عثمان‪ ،‬والشافعي‪.‬‬

‫🔻 وقال الشوكاني في [فتح القدير]‪ :‬واعلم أنه قد وقع االتفاق بينهم على أن‬
‫القرء‪( :‬الوقت)‬
‫فصار معنى اآلية عند الجميع‪( :‬والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثالثة‬
‫أوقات)‪ ،‬فهي على هذا مفسرة في العدد مجمله في المعدود‪.‬‬

‫‪ ‬فأهل القول األول‪:‬‬

‫🔺 استدلوا بقول النبي صلى هللا عليه وسلم‪" :‬دعي الصالة أيام أقرائك"‪.‬‬

‫🔺 وبقوله صلى هللا عليه وسلم‪" :‬طالق األمة تطليقتان وعدتها حيضتان"‪.‬‬
‫وبأن المقصود من العدة‪( :‬استبراء الرحم) وهو يحصل بالحيض ال بالطهر‪.‬‬

‫‪ ‬واستدل أهل القول الثاني‪:‬‬

‫🔺 بقوله تعالى‪َ{ :‬فَطِّلُقوُهَّن ِلِع َّد ِتِهَّن } [الطالق‪]١ :‬‬


‫وال خالف أنه يؤمر بالطالق وقت الطهر‪.‬‬

‫🔺 وبقوله صلى هللا عليه وسلم لعمر‪" :‬مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى‬
‫تطهر‪ ،‬ثم تحيض ثم تطهر فتلك العدة التي أمر هللا بها النساء"‪.‬‬
‫وذلك؛ ألن الطهر هو الذي تطلق فيه النساء‪.‬‬

‫🔻 وقال أبو بكر بن عبد الرحمن‪ :‬ما أدركنا أحدا من فقهائنا إال يقول األقراء‬
‫هي‪( :‬األطهار)‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ ‬فإذا طلق الرجل في طهر لم يطأ فيه‪ ،‬اعتدت بما بقي منه ولو ساعة ولو‬
‫لحظة‪ ،‬ثم استقبلت طهرا َثاِنًيا بعد حيضة فإذا رأت الدم من الحيضة الثالثة‬
‫خرجت من العدة‪.‬‬

‫ثم قال المصنف رحمه هللا‪( :‬وعندي أنه ال حجة في بعض ما احتج به أهل‬
‫القولين َجِم يًعا)‪.‬‬
‫‪ -‬وأما قول األولين إن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪" :‬دعي الصالة أيام‬
‫أقرائك" فغاية ما في هذا أن النبي صلى هللا عليه وسلم أطلق األقراء على‬
‫(الحيض) وال نزاع في جواز ذلك كما هو شأن اللفظ المشترك بأنه يطلق‬
‫تارة على هذا وتارة على هذا‪ .‬وإنما النزاع في األقراء المذكورة في هذه‬
‫اآلية‪.‬‬

‫‪ -‬وأما قوله صلى هللا عليه وسلم في األمة‪" :‬وعدتها حيضتان" فداللته ما قاله‬
‫األولون قوية‪.‬‬

‫‪ -‬وأما قولهم إن المقصود من العدة‪ :‬استبراء الرحم وهو يحصل بالحيض ال‬
‫بالطهر‪ ،‬فيجاب عنه بأنه يتم لو لم يكن في هذه العدة شيء من الحيض على‬
‫فرض تفسير األقراء (باألطهار) وليس كذلك‪ ،‬بل هي مشتملة على‬
‫(الحيض) كما هي مشتملة على (األطهار)‪.‬‬

‫‪ -‬وأما استدالل أهل القول الثاني بقوله تعالى‪َ{ :‬فَطِّلُقوُهَّن ِلِع َّد ِتِهَّن } [الطالق‪:‬‬
‫‪ ،]١‬فيجابوا بأن التنازع في الالم في قوله‪ِ{ :‬لِع َّد ِتِهَّن } [الطالق‪ ]١ :‬يصير‬
‫ذلك ُم ْح َتِم اًل وال تقوم الحجة بمحتمل‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬أما استداللهم بقوله صلى هللا عليه وسلم لعمر‪ُ" :‬م ره فليراجعها‪" ....‬‬
‫الحديث فهو صحيح وداللته قوية على ما ذهبوا إليه‪.‬‬

‫ويمكن أن يقال‪ :‬إنها تنقضي بالعدة بثالثة أطهار وبثالث حيض‪ ،‬وال مانع‬
‫من ذلك فقد جوز جمع من أهل العلم حمل المشترك على معنييه‪ ،‬وبذلك‬
‫ُيجمع بين األدلة ويرتفع الخالف ويندفع النزاع‪.‬‬

‫ثم قال تعالى‪َ{ :‬و اَل َيِح ُّل َلُهَّن َأن َيْك ُتْم َن َم ا َخ َلَق ُهَّللا ِفي َأْر َح اِم ِهَّن }‬ ‫۞‬
‫‪ ‬قيل المراد به‪ :‬الحيض‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل‪ :‬الحمل‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل‪ :‬كالهما‪.‬‬
‫ووجه النهي عن الكتمان ما فيه في بعض األحوال من اإلضرار بالزوج‬ ‫‪-‬‬
‫وإذهاب حقه‪.‬‬
‫فإذا قالت المرأة‪ :‬حضت ولم تحض‪ ،‬ذهبت بحقه من االرتجاع‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وإذا قالت‪ :‬هي لم تحض وهي قد حاضت‪ ،‬ألزمته من النفقة ما لم يلزمه‬ ‫‪-‬‬
‫فأضرت به‪.‬‬
‫وكذلك الحمل ربما تكتمه لتقطع حقه من االرتجاع‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وربما تدعيه لتوجب عليه النفقة ونحو ذلك من المقاصد المستلزمة‬ ‫‪-‬‬
‫لإلضرار بالزوج‪.‬‬

‫۞ وقوله‪ِ{ :‬إن ُك َّن ُيْؤ ِم َّن ِباِهَّلل َو اْلَيْو ِم اآْل ِخ ِر }‬


‫‪ -‬فيه‪ :‬وعيد شديد للكتمان وبيان أن من كتمت ذلك منهن لم تستحق اسم‬
‫اإليمان‪.‬‬

‫۞ {َو ُبُعوَلُتُهَّن َأَح ُّق ِبَر ِّد ِهَّن }‬


‫‪ -‬وهو‪ :‬الزوج سمي بعال لعلوه على الزوجة؛ ألنهم يطلقونه على الرب‪.‬‬

‫🔺 ومنه قوله سبحانه وتعالى‪َ{ :‬أَتْدُع وَن َبْع اًل } [الصافات‪.]١٢٥ :‬‬

‫‪76‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫أي‪ :‬رًبا‬

‫‪َ{ -‬و ُبُعوَلُتُهَّن َأَح ُّق ِبَر ِّد ِهَّن } أي‪ :‬برجعتهن‪.‬‬
‫واإلتيان بصيغة التفضيل (أحق)‪ :‬لإلفادة أن الرجل إذا أراد الرجعة والمرأة‬
‫تأباه وجب إيثار قوله على قولها وليس معناه أن لها حقا في الرجعة‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪َ{ :‬و َلُهَّن ِم ْثُل اَّلِذ ي َع َلْيِهَّن ِباْلَم ْعُر وِف }‬


‫‪ -‬أي‪ :‬لهن من حقوق الزوجية على الرجال مثل ما للرجال عليهن‪ ،‬فيحسن‬
‫عشرتها بما هو معروف من عادات الناس أنهم يفعلونه لنسائهم‪ ،‬وهي كذلك‬
‫تحسن عشرة زوجها بما هو معروف من عادات النساء أنهن يفعلنه‬
‫ألزواجهن من طاعة وتزين وتحبب ونحو ذلك‪.‬‬

‫۞ {َو ِللِّر َج اِل َع َلْيِهَّن َد َرَج ٌة}‬


‫‪ -‬أي‪ :‬منزلة ليست لهن‪ ،‬وهي قيامه عليها في اإلنفاق‪ ،‬وكونه من أهل الجهاد‬
‫والعقل والقوة‪ ،‬وله من الميراث أكثر مما لها‪ ،‬وكونه يجب عليها امتثال‬
‫أمره والوقوف عند رضاه ولو لم يكن للرجال من حق أو من فضيلة على‬
‫النساء إال كونهن ُخ ِلقن من الرجال لما ثبت أن حواء خلقت من ضلع آدم‪.‬‬

‫💎 ثم قال‪ :‬اآلية الحادية واألربعون‬


‫قال تعالى‪{ :‬الَّطاَل ُق َم َّر َتاِن ۖ َفِإْم َس اٌك ِبَم ْعُر وٍف َأْو َتْس ِريٌح ِبِإْح َس اٍن ۗ َو اَل َيِح ُّل‬
‫َلُك ْم َأن َتْأُخ ُذ وا ِم َّم ا آَتْيُتُم وُهَّن َش ْيًئا ِإاَّل َأن َيَخ اَفا َأاَّل ُيِقيَم ا ُح ُدوَد ِهَّللاۖ َفِإْن ِخ ْفُتْم‬
‫َأاَّل ُيِقيَم ا ُح ُدوَد ِهَّللا َفاَل ُج َناَح َع َلْيِهَم ا ِفيَم ا اْفَتَد ْت ِبِهۗ ِتْلَك ُح ُدوُد ِهَّللا َفاَل َتْع َتُدوَها‬
‫ۚ َو َم ن َيَتَعَّد ُح ُدوَد ِهَّللا َفُأْو َلِئَك ُهُم الَّظاِلُم وَن } [البقرة‪.]٢٢٩ :‬‬

‫‪{ -‬الطالق مرتان}‪ :‬أي عدد الطالق الذي يثبت فيه الرجعة‪.‬‬
‫‪ -‬فالمراد بالطالق هنا هو‪ :‬الرجعي بدليل ما تقدم في اآلية األولى هو مرتان‬
‫أي الطلقة األولى والثانية وال رجعة بعد الثالثة‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬وإنما قال سبحانه وتعالى‪َ( :‬م َّر َتاِن ) ولم يقل (طلقتان) إشارة إلى أنه ينبغي‬
‫أن يكون الطالق مرة بعد مرة ال طلقتان دفعة واحدة‪ .‬كذا قال جماعة من‬
‫المفسرين‪.‬‬

‫ثم قال سبحانه‪َ{ :‬فِإْم َس اٌك ِبَم ْعُر وٍف َأْو َتْس ِريٌح ِبِإْح َس اٍن }‬ ‫۞‬
‫يعني بعد الرجعة لمن طلقها زوجها طلقتين‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{ِبَم ْعُروٍف } أي‪ :‬بما هو معروف عند الناس من حسن العشرة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{َأْو َتْس ِريٌح ِبِإْح َس اٍن } أي‪ :‬بإيقاع طلقة ثالثة عليها من دون ضرار لها‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وقيل المراد {َفِإْمَس اٌك ِبَم ْعُروٍف } أي‪ :‬برجعة بعد الطلقة الثانية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{َأْو َتْس ِريٌح ِبِإْح َس اٍن } أي‪ :‬يترك الرجعة بعد الثانية حتى تنقضي عدتها‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫(واألول أظهر)‪.‬‬

‫ثم قال‪ :‬وقد اختلف أهل العلم في إرسال الثالث دفعة واحدة‪ ،‬هل يقع َثاَل ًثا أو‬
‫واحدة فقط؟ يعني الثالث طلقات في مجلس واحد‪.‬‬
‫‪ ‬فذهب إلى األول‪( :‬الجمهور) أي تقع ثالث طلقات‪.‬‬
‫‪ ‬وذهب إلى الثاني‪( :‬من عاداهم) وهو الحق‪.‬‬

‫۞ قال تعالى‪َ{ :‬و اَل َيِح ُّل َلُك ْم َأن َتْأُخ ُذ وا ِم َّم ا آَتْيُتُم وُهَّن َش ْيًئا}‬
‫‪ -‬قال‪ :‬الخطاب لألزواج أي ال يحل لهم أن يأخذوا مما دفعوه إلى نسائهم من‬
‫المهر شيئا على وجه المضارة لهن‪.‬‬
‫‪ -‬وتنكير (َش ْيًئا)‪ :‬للتحقير‪ ،‬أي شيء َنذًرا َفْض اًل عن الكثير‪.‬‬

‫‪ ‬وقيل إن الخطاب لألئمة والحكام ليطابق قوله‪َ( :‬فِإْن ِخ ْفُتْم )‪ ،‬فإن الخطاب‬
‫فيه لألئمة والحكام وعلى هذا يكون إسناد األخذ إليهم لكونهم اآلمرين‬
‫بذلك‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ ‬واألول أولى لقوله‪ِ( :‬مَّم ا آَتْيُتُم وُهَّن ) فإن إسناده إلى غير األزواج بعيد‬
‫ِج ًّد ا‪ ،‬ألن إيتاء األزواج لم يكن عن أمرهم‪.‬‬

‫۞ {ِإاَّل َأن َيَخ اَفا َأاَّل ُيِقيَم ا ُح ُدوَد هَّللا }‪.‬‬


‫‪ِ{ -‬إاَّل َأن َيَخ اَفا} أي‪ :‬ال يجوز لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن َش ْيًئا‪.‬‬
‫‪{ -‬أال يقيما حدود هللا}‪ :‬أي عدم إقامة حدود هللا على حدها للزوجين وأوجب‬
‫عليهما الوفاء بها من حسن العشرة والطاعة‪.‬‬

‫۞ {َفِإْن ِخ ْفُتْم َأاَّل ُيِقيَم ا ُح ُدوَد ِهَّللا}‬


‫‪ -‬أي‪ :‬فإذا خاف األئمة والحكام أو المتوسطون بين الزوجين وإن لم يكونوا‬
‫أئمة وحكاما عدم إقامة حدود هللا من الزوجين وهي ما أوجبه عليهما‪.‬‬

‫۞ {َفاَل ُج َناَح َع َلْيِهَم ا ِفيَم ا اْفَتَد ْت ِبِه}‬


‫‪ -‬أي‪ :‬ال جناح على الرجل وال على المرأة في اإلعطاء بأن تفتدي نفسها من‬
‫ذلك النكاح ببذل شيء من المال يرضى به الزوج فيطلقها ألجله وهذا هو‬
‫الخلع‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪ :‬وقد حكي عن بكر بن عبد هللا المزني أن هذه اآلية منسوخة بقوله‬
‫تعالى في سورة النساء‪َ{ :‬و ِإْن َأَر دُّتُم اْس ِتْبَد اَل َز ْو ٍج َّم َك اَن َز ْو ٍج َو آَتْيُتْم‬
‫ِإْح َد اُهَّن ِقنَطاًرا َفاَل َتْأُخ ُذ وا ِم ْنُه َش ْيًئاۚ َأَتْأُخ ُذ وَنُه ُبْهَتاًنا َو ِإْثًم ا ُّم ِبيًنا} [النساء‪:‬‬
‫‪.]٢٠‬‬
‫‪ ‬ثم قال‪ :‬وهو قول خارج عن اإلجماع وال تنافي بين اآليتين‪.‬‬

‫وقد اختلف أهل العلم إذا طلب الزوج من المرأة زيادة على ما دفعه إليها من‬
‫المهر وما يتبعه ورضيت بذلك المرأة‪ ،‬هل يجوز أم ال؟‬

‫‪79‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ ‬ظاهر القرآن‪ :‬الجواز لعدم تقييده بمقدار معين‪ .‬وبهذا قال مالك والشافعي‬
‫وأبو ثور‪.‬‬
‫‪ ‬وروي مثل ذلك عن جماعة من الصحابة والتابعين‪.‬‬
‫‪ ‬وقال طاووس‪ ،‬وعطاء‪ ،‬واألوزاعي وأحمد‪ ،‬وإسحاق‪ :‬إنه ال يجوز‪.‬‬

‫ثم قال‪ :‬وقد اختلف أهل العلم في عدة المختلعة‪ ،‬والراجح أنها تعتد بحيضة لما‬
‫أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي والحاكم وصححه‪.‬‬

‫🔺 عن ابن عباس رضي هللا عنه "أن النبي صلى هللا عليه وسلم أمر امرأة‬
‫ثابت بن قيس أن تعتد بحيضة"‪.‬‬
‫‪ -‬قال‪ :‬وفي الباب أحاديث ولم يرَو ما يعارض هذا من المرفوع‪ ،‬بل ورد عن‬
‫جماعة من الصحابة والتابعين أن عدة المختلعة كعدة الطالق‪ .‬وبه قال‬
‫الجمهور‪.‬‬
‫‪ -‬قال الترمذي‪ :‬وهو قول أكثر أهل العلم من الصحابة وغيرهم‪ .‬واستدلوا‬
‫على ذلك بأن المختلعة من جملة المطلقات فهي داخلة تحت عموم القرآن‪.‬‬
‫والحق ما ذكرناه ألن النبي صلى هللا عليه وسلم ورد عنه ما يخصص‬
‫عموم القرآن‪.‬‬

‫💎 ثم قال‪ :‬اآلية الثانية واألربعون‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬فِإن َطَّلَقَها َفاَل َتِح ُّل َلُه ِم ن َبْع ُد َح َّتى َتنِكَح َز ْو ًج ا َغ ْيَرُهۗ َفِإن َطَّلَقَها‬
‫َفاَل ُج َناَح َع َلْيِهَم ا َأن َيَتَر اَج َعا ِإن َظَّنا َأن ُيِقيَم ا ُح ُدوَد ِهَّللاۗ َو ِتْلَك ُح ُدوُد ِهَّللا ُيَبِّيُنَها‬
‫ِلَقْو ٍم َيْع َلُم وَن } [البقرة‪.]٢٣٠ :‬‬

‫۞ قال تعالى‪َ{ :‬فِإن َطَّلَقَها}‬

‫‪80‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬أي‪ :‬الطلقة الثالثة التي ذكرها سبحانه بقوله‪َ{ :‬أْو َتْس ِريٌح ِبِإْح َس اٍن } [البقرة‪:‬‬
‫‪ ]229‬أي‪ :‬فإن وقع منه ذلك فقد حرمت عليه بالتثليث فال تحل له من بعد‬
‫حتى تنكح زوجا غيره‪ ،‬أي‪ :‬حتى تتزوج بزوج آخر‪.‬‬
‫‪ -‬ثم قال‪ :‬وفي اآلية دليل على أنه ال بد من أن يكون ذلك ِنَك اًحا َش ْر ِع ًّيا‬
‫َم ْقُصوًد ا لذاته ال حيلة إلى التحليل وذريعة إلى ردها إلى الزوج األول‪ ،‬فإن‬
‫ذلك حرام باألدلة الواردة في ذمه وذم فاعله‪ ،‬وأنه التيس المستعار الذي‬
‫لعنه الشارع ولعن من اتخذه لذلك‪.‬‬
‫‪َ{ -‬فِإن َطَّلَقَها} أي‪ :‬الزوج الثاني‪.‬‬

‫۞ {َفاَل ُج َناَح َع َلْيِهَم ا َأن َيَتَر اَج َعا}‬


‫‪ -‬أي الزوج األول والمرأة‪.‬‬
‫‪{ -‬أن يتراجعا} أي‪ :‬يرجع كل واحد منهما لصاحبه‪.‬‬

‫🔻 قال ابن المنذر‪ :‬أجمع أهل العلم على أن الحر إذا طلق زوجته َثاَل ًثا ثم‬
‫انقضت عدتها ونكحت َز ْو ًج ا ودخل بها‪ ،‬ثم فارقها وانقضت عدتها ثم‬
‫نكحها الزوج األول فإنها تكون عنده على ثالث تطليقات‪.‬‬

‫۞ {ِإن َظَّنا َأن ُيِقيَم ا ُح ُدوَد ِهَّللا}‬


‫‪ -‬أي‪ :‬حقوق الزوجية الواجبة لكل منهما على اآلخر‪ .‬وأما إذا لم يحصل ظن‬
‫ذلك بأن يعلما أو أحدهما عدم اإلقامة لحدود هللا أو ترددا أو أحدهما ولم‬
‫يحصل لهما الظن فال يجوز الدخول في هذا النكاح؛ ألنه مظنة المعصية هلل‬
‫والوقوع فيما حرمه على الزوجين‪.‬‬

‫💎 ثم قال‪ :‬اآلية الثالثة واألربعون‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬وِإَذ ا َطَّلْقُتُم الِّنَس اَء َفَبَلْغ َن َأَج َلُهَّن َفَأْم ِس ُك وُهَّن ِبَم ْعُر وٍف َأْو‬
‫َل‬ ‫َظ‬ ‫َق‬‫َف‬ ‫ا ا ِّلَت َتُدواۚ ن ْف َٰذ‬
‫َم‬ ‫ْد‬ ‫َك‬‫َو َم َي َعْل ِل‬ ‫َسِّرُح وُهَّن ِبَم ْعُر وٍف ۚ َو اَل ُتْم ِس ُك وُهَّن ِض َر ًر ْع‬
‫َنْفَسُهۚ َو اَل َتَّتِخ ُذ وا آَياِت ِهَّللا ُهُز ًو اۚ َو اْذ ُك ُر وا ِنْع َم َت ِهَّللا َع َلْيُك ْم َو َم ا َأنَز َل َع َلْيُك م‬

‫‪81‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫ِّم َن اْلِكَتاِب َو اْلِح ْك َم ِة َيِع ُظُك م ِبِهۚ َو اَّتُقوا َهَّللا َو اْع َلُم وا َأَّن َهَّللا ِبُك ِّل َش ْي ٍء َع ِليٌم }‬
‫[البقرة‪]٢٣١ :‬‬

‫🔻 قال القرطبي في تفسيره‪ :‬إن معنى {بلغَن } هنا‪ :‬قاربن بإجماع العلماء‪.‬‬
‫أي قاربن على انتهاء العدة ولم تنته العدة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وقال‪ :‬وألن المعنى يضطر إلى ذلك؛ ألنه بعد بلوغ األجل ال خيار له في‬ ‫‪-‬‬
‫اإلمساك‪.‬‬
‫واإلمساك بمعروف‪ :‬هو القيام بحقوق الزوجية واستدامتها‪ ،‬بل اختاروا أحد‬ ‫⁕‬
‫األمرين إما اإلمساك بمعروف من غير قصد اإلضرار‪.‬‬
‫أو التسريح بإحسان‪ :‬أي‪ :‬تركها حتى تنقضي عدتها من غير ُم راجعة‬ ‫⁕‬
‫ضرار‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪{ :‬وال تمسكوهن ِض َر اًر ا}‬


‫‪ -‬كما كانت تفعل الجاهلية من طالق المرأة حتى يقرب انقضاء عدتها‪ ،‬ثم‬
‫مراجعتها ال عن حاجة وال لمحبة‪ ،‬ولكن لقصد تطويل العدة وتوسيع مدة‬
‫االنتظار {ِض َر اًر ا} لقصد االعتداء منكم عليهن والظلم لهن‪.‬‬

‫💎 ثم قال‪ :‬اآلية الرابعة واألربعون‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬وِإَذ ا َطَّلْقُتُم الِّنَس اَء َفَبَلْغ َن َأَج َلُهَّن َفاَل َتْعُض ُلوُهَّن َأن َينِكْح َن‬
‫َأْز َو اَج ُهَّن ِإَذ ا َتَر اَض ْو ا َبْيَنُهم ِباْلَم ْعُر وِف ۗ َٰذ ِلَك ُيوَع ُظ ِبِه َم ن َك اَن ِم نُك ْم ُيْؤ ِم ُن‬
‫ِباِهَّلل َو اْلَيْو ِم اآْل ِخ ِرۗ َذ ِلُك ْم َأْز َك ى َلُك ْم َو َأْطَهُر ۗ َوُهَّللا َيْع َلُم َو َأنُتْم اَل َتْع َلُم وَن }‬
‫[البقرة‪]٢٣٢ :‬‬

‫‪ -‬قال‪ :‬الخطاب في هذه اآلية بقوله {وإذا طلقتم} وبقوله‪{ :‬فال تعضلوهن}‪:‬‬

‫‪82‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ ‬إما أن يكون لألزواج ويكون معنى اإلعضال منهم‪ :‬أن يمنعوهن من‬
‫أن يتزوجن من أردن من األزواج بعد انقضاء عدتهن لَح مية الجاهلية‬
‫كما يقع َك ِثيًر ا من الخلفاء والسالطين غيرة على من كان تحتهم من‬
‫النساء أن يصرن تحت غيرهم؛ ألنهم ِلما نالوه من رياسة الدنيا وما‬
‫صاروا فيه من النخوة والكبرياء يتخيلون أنهم قد خرجوا من جنس‬
‫بني آدم إال من عصمه هللا منهم بالورع والتواضع‪.‬‬
‫‪ ‬وإما أن يكون الخطاب لألولياء ويكون معنى إسناد الطالق إليهم؛ أنه‬
‫سبب لهم لكونهم الُم زوجين للنساء المطَّلقات من األزواج المطِّلقين‬
‫لهن‪.‬‬

‫‪( -‬وبلوغ األجل) المذكور هنا المراد به المعنى الحقيقي أي نهايته‪.‬‬


‫‪ -‬والعَض ل‪ :‬الحبس‪ ،‬وقيل‪ :‬التضييق والمنع‪ ،‬وهو راجع إلى معنى الحبس‪.‬‬
‫‪ -‬وقوله {أزواجهن}‪:‬‬
‫‪ ‬إن أريد به "المطلقين لهن" فهو مجاز باعتبار ما كان‪.‬‬
‫‪ ‬وإن ُأريد به من ُيردن أن يتزوجنهم فهو مجاز َأْيًض ا باعتبار ما‬
‫سيكون‪.‬‬

‫💎 ثم قال‪ :‬اآلية الخامسة واألربعون‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬و اْلَو اِلَداُت ُيْر ِض ْعَن َأْو اَل َدُهَّن َح ْو َلْيِن َك اِم َلْيِن ۖ ِلَم ْن َأَر اَد َأن ُيِتَّم‬
‫الَّرَض اَع َةۚ َو َع َلى اْلَم ْو ُلوِد َلُه ِرْز ُقُهَّن َو ِكْس َو ُتُهَّن ِباْلَم ْعُر وِف ۚ اَل ُتَك َّلُف َنْفٌس ِإاَّل‬
‫ُو ْسَعَهاۚ اَل ُتَض اَّر َو اِلَد ٌة ِبَو َلِد َها َو اَل َم ْو ُلوٌد َّلُه ِبَو َلِدِهۚ َو َع َلى اْلَو اِر ِث ِم ْثُل َٰذ ِلَكۗ ‬
‫َفِإْن َأَر اَد ا ِفَص ااًل َع ن َتَر اٍض ِّم ْنُهَم ا َو َتَشاُو ٍر َفاَل ُج َناَح َع َلْيِهَم اۗ َوِإْن َأَر دُّتْم َأن‬
‫َتْس َتْر ِض ُعوا َأْو اَل َد ُك ْم َفاَل ُج َناَح َع َلْيُك ْم ِإَذ ا َس َّلْم ُتم َّم ا آَتْيُتم ِباْلَم ْعُر وِف ۗ َو اَّتُقوا َهَّللا‬
‫َو اْع َلُم وا َأَّن َهَّللا ِبَم ا َتْع َم ُلوَن َبِص يٌر } [البقرة‪.]٢٣٣ :‬‬

‫‪ -‬قال‪ :‬لما ذكر هللا سبحانه النكاح والطالق ذكر الَر ضاع فإن الزوجين قد‬
‫يفترقان وبينهما ولد‪ .‬ولهذا؛‬

‫‪83‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ ‬قيل‪ :‬إن هذا خاٌص في المطلقات‪.‬‬


‫‪ ‬وقيل‪ :‬هو عام‪.‬‬

‫۞ {حولين كاملين ِلَم ْن َأَر اَد َأن ُيِتَّم الَّرَض اَع َة}‪:‬‬
‫‪ -‬تأكيٌد ؛ للداللة على كون هذا التقدير تحقيقا ال تقريبا‪.‬‬
‫‪ -‬وفي قوله تعالى‪ِ{ :‬لَم ْن َأَر اَد َأن ُيِتَّم الَّر َض اَع َة}؛ دليل على أن إرضاع‬
‫الحولين ليس َح ْتًم ا‪ ،‬بل هو التمام ويجوز االقتصار على ما دونه‪.‬‬
‫واآلية تدل على ُو جوب الرضاعة على األم لولدها وقد ُح ِمَل ذلك على ما‬
‫إذا لم يقبل الرضيع غيرها‪.‬‬

‫ثم قال‪َ{ :‬و َع َلى اْلَم ْو ُلوِد َلُه ِرْز ُقُهَّن َو ِكْس َو ُتُهَّن }‬ ‫۞‬
‫أي‪ :‬على األب الذي ُيوَلُد له‪ ،‬وأثر هذا اللفظ دونه قوله وعلى الوالد للداللة‬ ‫‪-‬‬
‫على أن األوالد لآلباء ال لألمهات؛ ولهذا ينتسبون إليهم دونهن كأنهن إنما‬
‫َو لدن لهم فقط‪.‬‬
‫والمراد بالرزق هنا‪ :‬الطعام الكافي الُم تعارف به بين الناس‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫والُم راد بالِك سوة‪ :‬ما يتعارفون به َأْيًضا‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وفي ذلك دليل على وجوب ذلك على اآلباء لألمهات المرضعات وهذا في‬ ‫‪-‬‬
‫المطلقات طالًقا َباِئًنا وأما غيرهن فنفقتهن وِك سوتهن واجبة على األزواج‬
‫من غير إرضاعهن ألوالدهن‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪{ :‬اَل ُتَك َّلُف َنْفٌس ِإاَّل ُو ْسَعَها}‬


‫‪ -‬وهو تقييٌد لقوله (بالمعروف)‪ ،‬أي هذه النفقة والكسوة الواجبتان على األب‬
‫بما يتعارفه الناس ال ُيكلف منها إال ما يدخل تحت وسعه وطاقته ال ما يشق‬
‫عليه ويعجز عنه‪.‬‬
‫‪ -‬وقيل المراد ال تكلف‪ :‬يعني المرأة الصبر على التقتير في األجرة‪ ،‬وال‬
‫يكلف الزوج على ما هو إسراف‪ ،‬بل يراِع ي القصد‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪{ :‬اَل ُتَض اَّر َو اِلَد ٌة ِبَو َلِد َها}‬

‫‪84‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫أي‪ :‬ال ُتضار األب بسبب الولد بأن تطلب منه ما ال يقدر عليه من الرزق‬ ‫‪-‬‬
‫والكسوة أو بأن ُتفرط في حفظ الولد والقيام بما يحتاج إليه‪.‬‬
‫أو ال تضار من زوجها بأن يقِّص ر عليها في شيء مما يجب عليه أو ينتزع‬ ‫‪-‬‬
‫ولدها منها بال سبب‪.‬‬
‫وُأضيف الولد تارة إلى األب وتارة إلى األم؛ ألن كل واحد منهما يستحق أن‬ ‫‪-‬‬
‫ينسب إليه مع ما في ذلك من االستعطاف‪.‬‬
‫وهذه الجملة تفصيل للجملة التي قبلها وتقرير لها‪ ،‬أي‪ :‬ال يكلف كل واحد‬ ‫‪-‬‬
‫منهما ما ال يطيقه فال تضاره بسبب ولده‪.‬‬

‫۞ {وعلى الوارث مثل ذلك}‬


‫‪ -‬معطوٌف على قوله {وعلى المولود} وما بينهما تفسير للمعروف أو تعليل‬
‫له معتِر ض بين المعطوف والمعطوف عليه‪.‬‬

‫واختلف أهل العلم في معنى قوله هذا‪،‬‬


‫‪ ‬فقيل‪ :‬هو وارث الصبي‪ ،‬أي إذا مات المولود له كان على وارث هذا‬
‫الصبي‪ :‬المولود وإرضاعه كما كان يلزم أباه ذلك‪.‬‬
‫قال ذلك عمر بن الخطاب وقتادة والسدي والحسن ومجاهد وعطاء‬
‫وأحمد وإسحاق وأبو حنيفة وابن أبي ليلى على ِخ الٍف بينهم‪:‬‬

‫❓ هل يكون الوجوب على من يأخذ نصيًبا من الميراث؟ أو على الذكور‬


‫فقط؟ أو على كل ذي رحم له وإن لم يكن َو اِرًثا منه؟‬

‫‪ ‬وقيل المراد بالوارث‪ :‬وارث األب يجب عليه نفقة الُم رضعة وكسوتها‬
‫بالمعروف‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫قاله الضحاك وقال مالك في تفسير هذه اآلية بمثل ما قاله الضحاك‪،‬‬
‫ولكنه قال‪ :‬إنها منسوخة وإنها ال تلزم الرجل نفقة أخ وال ذي قرابة وال‬
‫ذي رحم منه‪.‬‬

‫‪ ‬وقيل المراد بالوارث المذكور في اآلية‪ :‬هو الصبي نفسه أي عليه من‬
‫ماله إرضاع نفسه إذا مات أبوه وورث من ماله‪.‬‬

‫‪ ‬وقيل‪ :‬هو الباقي من والدي المولود بعد موت اآلخر منهما‪ ،‬فإذا مات‬
‫األب كان على األم كفاية الطفل إذا لم يكن له مال‪.‬‬

‫‪ ‬وقيل إن معنى قوله {وعلى الوارث مثل ذلك} أي‪ :‬وارث المرضعة‬
‫يجب عليه أن يصنع بالمولود كما كانت األم تصنعه به من الرضاع‬
‫والخدمة والتربية‪.‬‬

‫‪ ‬وقيل إن معنى {على الوارث}‪ :‬أنه يحرم عليه اإلضرار باألم كما يحرم‬
‫على األب‪.‬‬
‫وبه قال طائفة من أهل العلم قالوا‪ :‬وهذا هو األصل فيمن ادعى أنه يرجع‬
‫فيه العطف إلى جميع ما تقدم فعليه الدليل‪.‬‬

‫️✔ وقال القرطبي ‪ -‬وهو الصحيح‪ :‬إذ لو أراد الجميع الذي هو الرضاع واإلنفاق‬
‫وعدم اإلضرار لقال‪{ :‬وعلى الوارث مثل هؤالء} فدل على أنه معطوف على‬
‫المنع من المضارة‪ ،‬وعلى ذلك تأوله كافة المفسرين‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪َ{ :‬فِإْن َأَر اَد ا ِفَص ااًل }‬


‫‪ -‬الضمير للوالدين‪.‬‬
‫‪ -‬والفصال‪ :‬الِفطام عن الرضاع‪ ،‬أي التفريق بين الصبي والثدي ومنه ُسمي‬
‫الفصيل؛ ألنه مفصوٌل عن أمه‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫قال‪َ{ :‬ع ن َتَر اٍض ِّم ْنُهَم ا َو َتَشاُو ٍر َفاَل ُج َناَح َع َلْيِهَم ا}‬ ‫۞‬
‫أي‪َ :‬ص اِد ًر ا عن تراٍض من األبوين إذا كان الفصال قبل الحولين‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{َو َتَش اُو ر} أي‪ :‬استخراج رأٍي من أهل العلم في ذلك حتى ُيخِبُروا أن‬ ‫‪-‬‬
‫الفطام قبل الحولين ال يضر بالولد‪.‬‬
‫{َفاَل ُج َناَح َع َلْيِهَم ا} في ذلك الِفصال ِلما بَّين هللا سبحانه أن ُم دة الرضاع‬ ‫‪-‬‬
‫حولين كاملين‪.‬‬

‫۞ ثم قيد ذلك بقوله‪ِ{ :‬لَم ْن َأَر اَد َأن ُيِتَّم الَّرَض اَع َة}‬
‫‪ -‬وظاهره أن األب وحده إذا أراد أن يفصل الصبي قبل الحولين كان ذلك‬
‫َج اِئًز ا له وهنا اعتبر سبحانه وتعالى تراضي األبوين وتشاورهما‪ ،‬فال بد‬
‫من الجمع بين األمرين بأن يقال إن اإلرادة المذكورة في قوله لمن أراد يتم‬
‫الَر ضاعة ال بد أن تكون منهما‪.‬‬
‫‪ -‬أو ُيقال إن تلك اإلرادة إذا لم يكن األبوين للصبي حيين بأن يكون الموجود‬
‫أحدهما أو كانت المرضعة للصبي غير أمه‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪َ{ :‬وِإْن َأَر دُّتْم َأن َتْس َتْر ِض ُعوا َأْو اَل َد ُك م}‬
‫‪ -‬قال الزجاج‪ :‬التقدير أن تسترضعوا ألوالدكم غير الوالدة‪.‬‬

‫۞ {َفاَل ُج َناَح َع َلْيُك ْم ِإَذ ا َس َّلْم ُتم َّم ا آَتْيُتم}‬


‫‪ ‬قيل المعنى‪ :‬أنه ال بأس عليكم أن تسترضعوا أوالدكم غير أمهاتهم إذا‬
‫سلمتم إلى األمهات أجرهن بحساب ما قد أرضعن لكم إلى وقت إرادة‬
‫االسترضاع‪.‬‬

‫‪ ‬وقيل إن معنى اآلية‪ :‬إذا سلمتم ما آتيتم من إرادة االسترضاع أي سلم كل‬
‫واحٍد من األبوين ورضي كان ذلك عن اتفاٍق منهما وقصد خير وإرادة‬
‫معروف من األمر وعلى هذا فيكون قوله‪{ :‬سلمتم} عاما للرجال‬
‫والنساء تغليبا‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫💎 ثم قال‪ :‬اآلية السادسة واألربعون‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬و اَّلِذ يَن ُيَتَو َّفْو َن ِم نُك ْم َو َيَذ ُر وَن َأْز َو اًج ا َيَتَرَّبْص َن ِبَأنُفِس ِهَّن َأْر َبَعَة‬
‫َأْش ُهٍر َو َع ْش ًر اۖ َفِإَذ ا َبَلْغ َن َأَج َلُهَّن َفاَل ُج َناَح َع َلْيُك ْم ِفيَم ا َفَعْلَن ِفي َأنُفِس ِهَّن‬
‫ِباْلَم ْعُر وِف ۗ َوُهَّللا ِبَم ا َتْع َم ُلوَن َخ ِبيٌر } [البقرة‪.]٢٣٤ :‬‬

‫‪ -‬قال‪ :‬لما ذكر سبحانه عدة الطالق واتصل بذكرها ذكر اإلرضاع َع َّقب ذلك‬
‫بذكر عدة الوفاة؛ لئال يتوهم أن عدة الوفاة مثل عدة الطالق‪.‬‬
‫‪ -‬ثم قال‪ :‬وظاهر هذه اآلية العموم وأن كل من مات عنها زوجها تكون عدتها‬
‫هذه العدة ولكنه قد خصص هذا العموم‬

‫🔺 قوله تعالى‪َ{ :‬و ُأواَل ُت اَأْلْح َم اِل َأَج ُلُهَّن َأن َيَض ْع َن َحْم َلُهَّن } [الطالق‪.]٤ :‬‬
‫وإليه ذهب الجمهور وُر ِوَي عن بعض الصحابة وجماعة من أهل العلم أن‬
‫الحامل تعتد بآخر األجلين َجْم ًعا بين العام والخاص وإْع َم ااًل لهما‪.‬‬

‫️✔ والحق ما قاله الجمهور والجمع بين العام والخاص على هذه الصفة ال يناسب‬
‫قوانين اللغة‪ ،‬وال قواعد الشرع‪ ،‬وال معنى إلخراج الخاص من بين أفراد العام‬
‫إال بيان أن ُح كمه مغاير لحكم العام ومخالف‪.‬‬

‫🔺 قد صح عنه صلى هللا عليه وسلم أنه أذن لُسبيعة األسلمية أن تتزوج بعد‬
‫الوضع‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال والتربص‪ :‬هو التأني والتصبر عن النكاح وظاهر اآلية عدم الفرق‬
‫بين الصغيرة والكبيرة‪ ،‬والحرة واألمة‪ ،‬وذات الحيض واآلِيَس ة وإن عدتهن‬
‫جميعا للوفاة أربعة أشهر وعشرا‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫وقيل إن عدة األمة نصف عدة الحرة شهران وخمسة أيام‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪ :‬وقد أجمع العلماء على أن هذه اآلية ناسخة لما بعدها من االعتداد‬
‫بالحول وإن كانت متقدمة في التالوة‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪َ{ :‬فِإَذ ا َبَلْغ َن َأَج َلُهَّن }‬


‫‪ -‬والمراد بالبلوغ هنا‪ :‬انقضاء العدة‪.‬‬

‫۞ {َفاَل ُج َناَح َع َلْيُك ْم ِفيَم ا َفَعْلَن ِفي َأنُفِس ِهَّن ِباْلَم ْعُر وِف }‬
‫‪ -‬أي من التزين والتعرض للُخ طاب‪.‬‬
‫‪ِ{ -‬باْلَم ْعُروِف }‪ :‬الذي ال يخالف َش ْر ًع ا وال عادة ُم ستحسنة‪.‬‬

‫وقد استدل بذلك على وجوب اإلحداد على الُم عتدة وقد ثبت ذلك في‬
‫الصحيحين وغيرهما من غير وجه‬

‫🔺 أن النبي ﷺ قال‪" :‬ال يحل المرأٍة ُتؤمن باهلل واليوم اآلخر أن تحد‬
‫على ميٍت فوق ثالٍث إال على زوٍج أربعة أشهٍر وعشرا"‪.‬‬

‫🔺 وكذلك ثبت عنه صلى هللا عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما النهي عن‬
‫الكحل لمن هي في عدة الوفاة‪.‬‬

‫◙ واِإل ْح َد اُد‪ :‬ترك الزينة من الطيب ولبس الثياب الجيدة والُحلي وغير ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬واختلفوا في عدة الباِئَنِة على قولين‪.‬‬
‫‪ -‬واحتج أصحاب اإلمام أبي حنيفة على جواز النكاح بغير ولي بهذه اآلية؛‬
‫ألن إضافة الفعل إلى الفاعل محمولة على المباشرة وُأجيب بأنه ِخ طاٌب‬
‫لألولياء ولو صح العقد بدونهم لما كانوا مخاطبين ومحل كل ذلك [كتب‬
‫الفروع]‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫💎 ثم قال‪ :‬اآلية السابعة واألربعون‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬و اَل ُج َناَح َع َلْيُك ْم ِفيَم ا َعَّرْض ُتم ِبِه ِم ْن ِخ ْطَبِة الِّنَس اِء َأْو َأْكَننُتْم ِفي‬
‫َأنُفِس ُك ْم ۚ َع ِلَم ُهَّللا َأَّنُك ْم َس َتْذ ُك ُر وَنُهَّن َو َلِكن اَّل ُتَو اِع ُدوُهَّن ِس ًّر ا ِإاَّل َأن َتُقوُلوا َقْو اًل‬
‫َّم ْعُر وًفاۚ َو اَل َتْع ِزُم وا ُع ْقَد َة الِّنَك اِح َح َّتى َيْبُلَغ اْلِكَتاُب َأَج َلُهۚ َو اْع َلُم وا َأَّن َهَّللا َيْع َلُم‬
‫َم ا ِفي َأنُفِس ُك ْم َفاْح َذ ُر وُهۚ َو اْع َلُم وا َأَّن َهَّللا َغُفوٌر َح ِليٌم } [البقرة‪.]٢٣٥ :‬‬

‫الجناح‪ :‬اإلثم أي ال إثم عليكم‪.‬‬ ‫◙‬


‫والتعريض‪ :‬ضد التصريح‪ ،‬وهو من عرض الشيء أي جانبه كأنه يحوم‬ ‫◙‬
‫حول الشيء وال ُيظهره فالُم َع ِّرُض بالكالم ُيَو ِّص ل إلى صاحبه َكاَل ًم ا ُيفهم‬
‫معناه أو َيفهم معناه‪.‬‬
‫والتعريض‪ :‬أن تذكر شيًئا تدل به على شيء لم تذكره كما يقول المحتاج‬ ‫◙‬
‫للمحتاج إليه‪ :‬جئتك ألسلم عليك وألنظر إلى وجهك الكريم؛ ولذلك قالوا‬
‫وحسبك بالتسليم مني تقاضيا‪.‬‬
‫واْلِخ ْط َبة بالكسر‪ :‬ما يفعله الطالب من الطلب واالستلطاف بالقول والفعل‪.‬‬ ‫◙‬
‫وأما اْلُخ ْطَبة بضم الخاء‪ :‬فهي الكالم الذي يقوم به الرجل خاطبا‪.‬‬ ‫◙‬

‫۞ قال‪َ{ :‬أْو َأْكَننُتْم ِفي َأنُفِس ُك ْم }‬


‫‪ -‬معناه‪ :‬سترتم وأضمرتم من التزويج بعد انقضاء الِع دة‪.‬‬
‫‪ -‬واإلكنان‪ :‬التستر واإلخفاء ومنه بيٌض مكنون‪ ،‬ودر مكنون‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪َ{ :‬ع ِلَم ُهَّللا َأَّنُك ْم َس َتْذ ُك ُر وَنُهَّن َو َلِكن اَّل ُتَو اِع ُدوُهَّن ِس ًّر ا}‬
‫‪ -‬أي‪ :‬ال تصبرون عن النطق لهن برغبتكم فيهن؛ فرخص لكم في التعريض‬
‫دون التصريح‪.‬‬
‫‪َ{ -‬و َلِكن اَّل ُتَو اِع ُد وُهَّن ِس ًّر ا} معناه‪ :‬على سر‪.‬‬

‫وقد اختلف أهل العلم في معنى السر‪.‬‬


‫‪ ‬فقيل‪ :‬أي ِنَك اًحا وإليه ذهب جمهور العلماء‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ ‬أي‪ :‬ال يقل الرجل لهذه المعتدة تزوجيني بل ُيَع ِرُض َتْع ِريًضا‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل السر‪ :‬الزنا أي ال يكون منكم مواعدة على الزنا في العدة ثم‬
‫التزويج بعدها‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل السر‪ :‬الجماع أي ال تصفوا أنفسكم لهن بكثرة الِج ماع َتْر ِغ يًبا‬
‫لهن في النكاح‪.‬‬
‫۞ ثم قال‪ِ{ :‬إاَّل َأن َتُقوُلوا َقْو اًل َّم ْعُر وًفا}‬
‫‪ -‬والقول المعروف هو ما ُأبيح من التعريض‪.‬‬

‫۞ {َو اَل َتْع ِزُم وا ُع ْقَد َة الِّنَك اِح}‬


‫‪ -‬أي على عقدة النكاح أي ال تعقدوا عقدة النكاح؛ ألن معنى تعزموا وتعقدوا‬
‫واحد‪.‬‬
‫‪ -‬وقيل‪ :‬إن العزم على الفعل يتقدمه فيكون في هذا المنهي مبالغة؛ ألنه إذ َنهى‬
‫عن التقدم على الشيء كان النهي عن ذلك الشيء باألولى‪.‬‬

‫{َح َّتى َيْبُلَغ اْلِكَتاُب َأَج َلُه}‬ ‫۞‬


‫ُيريد حتى تنقضي العدة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫والكتاب هنا هو الحد والقدر الذي ُرسم من المدة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫سماه ِكَتاًبا؛ لكونه َم ْح ُد وًد ا وَم ْفُروًضا‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫🔺 كقوله تعالى‪ِ{ :‬إَّن الَّص اَل َة َك اَنْت َع َلى اْلُم ْؤ ِمِنيَن ِكَتاًبا َّم ْو ُقوًتا} [النساء‪:‬‬
‫‪.]١٠٣‬‬
‫وهذا الُح كم أعني تحريم عقدة النكاح في العدة ُم جمٌع عليه‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫جامعة صفوة‬
‫كلية العلوم الشرعية والعربية‬
‫مقرر التفسير‬
‫الفرقة الثالثة‬
‫الدرس السادس‬
‫من كتاب [نيل المرام من تفسير آيات األحكام]‬
‫شرح الدكتور سعد ُم عوض حفظه هللا‬
‫*****‬
‫إن الحمد هلل تعالى نحمده ونستعين به ونستغفره ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا‬
‫ومن سيئات أعمالنا‪ .‬إنه من يهده هللا تعالى فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال هادي‬
‫له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له وأشهد أن محمًد ا عبده ورسوله‪.‬‬
‫اللهم صل على محمٍد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل‬
‫إبراهيم إنك حميٌد مجيٌد ‪ ،‬اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت‬
‫على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميٌد مجيد‪.‬‬
‫أما بعد؛ المحاضرة السادسة من شرح كتاب [نيل المرام من تفسير آيات‬
‫األحكام] لُم حمد صديق خان رحمة هللا عليه‪.‬‬

‫💎 اآلية الثامنة واألربعون 💎‬


‫قال سبحان وتعالى‪{ :‬اَّل ُج َناَح َع َلْيُك ْم ِإن َطَّلْقُتُم الِّنَس اَء َم ا َلْم َتَم ُّس وُهَّن َأْو‬
‫َتْفِر ُض وا َلُهَّن َفِريَض ًةۚ َو َم ِّتُعوُهَّن َع َلى اْلُم وِس ِع َقَد ُرُه َو َع َلى اْلُم ْقِتِر َقَد ُرُه َم َتاًع ا‬
‫ِباْلَم ْعُر وِف ۖ َح ًّقا َع َلى اْلُم ْح ِس ِنيَن } [البقرة‪]٢٣٦ :‬‬

‫‪ -‬قال سبحانه وتعالى‪{ :‬اَّل ُج َناَح َع َلْيُك ْم } أي ال تِبعة عليكم بالمهر ونحوه إن‬
‫طلقتم النساء على الصفة المذكورة‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪َ{ -‬م ا َلْم َتَم ُّسوُهَّن } أي مدة عدم مسيسكم إن طلقتموهن من غير مسيس‪ ،‬فإن‬
‫هللا سبحانه وتعالى رفع الجناح عن المطلقين ما لم يقع أحد األمرين‪ ،‬أي مدة‬
‫انتفاء ذلك األحد وال ينتفي األحد المبهم إال بانتفاء األمرين معا‪.‬‬

‫‪{ -‬اَّل ُج َناَح َع َلْيُك ْم ِإن َطَّلْقُتُم الِّنَس اَء َم ا َلْم َتَم ُّسوُهَّن َأْو َتْفِرُضوا َلُهَّن َفِريَض ًة}‬
‫يعني ال جناح عليكم إن طلقتم النساء قبل المسيس وقبل أن تفرضوا لهن‬
‫مهًرا‪.‬‬
‫‪ ‬فقال‪ :‬فإن ُو ِج َد المسيس وجب الُم سمى أو مهر الِم ثل‪.‬‬
‫‪ ‬وإن ُو ِج َد الفرض وجب نصفه مع عدم المسيس وكل واحٍد منهما ُجناٌح‬
‫أي الُم سمى أو مهر الِم ثل أو نصفه‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪ :‬واعلم أن المطلقات أربع‪:‬‬


‫‪ ‬مطلقٌة مدخوٌل بها مفروٌض لها‪.‬‬
‫‪ ‬وُم طلقٌة غير مفروٍض لها وال مدخوٌل بها فال مهر لها‪ ،‬بل الُم تعة‪.‬‬
‫‪ ‬وُم طلقٌة مفروٌض لها غير مدخوٍل بها وهي المذكورة بقوله سبحانه وتعالى‪:‬‬
‫{َو ِإن َطَّلْقُتُم وُهَّن ِم ن َقْبِل َأن َتَم ُّسوُهَّن َو َقْد َفَر ْض ُتْم َلُهَّن َفِريَض ًة}‪.‬‬
‫‪ ‬وُم طلقٌة مدخول بها غير مفروض لها وهي المذكورة في قوله‪َ{ :‬فَم ا‬
‫اْسَتْم َتْع ُتم ِبِه ِم ْنُهَّن َفآُتوُهَّن ُأُجوَر ُهَّن } [النساء‪.]٢٤ :‬‬
‫‪ -‬والمراد بقوله‪َ{ :‬م ا َلْم َتَم ُّسوُهَّن } أي ما لم تجامعوهن‪.‬‬
‫‪ -‬والمراد بالفريضة هنا‪ :‬تسمية المهر‪.‬‬
‫‪َ{ -‬و َم ِّتُعوُهَّن } أي أعطوهن شيئا يكون متاعا لهن‪.‬‬
‫‪ ‬وظاهر األمر الُو جوب‪ ،‬وبه قال علي وابن عمر والحسن البصري‬
‫وسعيد بن جبير وأبو ِقالبة والزهري وقتادة والضحاك‪.‬‬

‫🔺ومن أدلة الوجوب قوله تعالى‪َ{ :‬يا َأُّيَها َّالِذ يَن آَم ُنوا ِإَذ ا َنَك ْح ُتُم‬
‫اْلُم ْؤ ِم َناِت ُثَّم َطَّلْقُتُم وُهَّن ِم ن َقْبِل َأن َتَم ُّسوُهَّن َفَم ا َلُك ْم َع َلْيِهَّن ِم ْن ِع َّد ٍة‬

‫‪93‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫َتْع َتُّد وَنَهاۖ َفَم ِّتُعوُهَّن َو َس ِّر ُحوُهَّن َسَر اًحا َجِم ياًل } [األحزاب‪.]٤٩ :‬‬

‫🔻وقال مالك وأبو ُع بيٍد والقاضي ُش رْيح وغيرهم إن المتعة للمطلقة‬


‫المذكورة مندوبة ال واجبة لقوله تعالى‪َ{ :‬ح ًّقا َع َلى اْلُم ْح ِس ِنيَن } [البقرة‪:‬‬
‫‪ .]٢٣٦‬أي أن الوفاء بذلك والقيام به شأن أهل التقوى وكل مسلٍم يجب‬
‫عليه أن يتقي هللا سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫وقد وقع الخالف أيًضا هل المتعة مشروعٌة لغير هذه المطلقة قبل المسيس‬
‫والفرض أو ليست بمشروعٍة إال لها فقط؟‬
‫‪ ‬فقيل إنها مشروعٌة لكل مطلقٍة ‪ .‬وإليه ذهب ابن عباس وابن عمر وعطاء‬
‫وجابر بن زيد وسعيد بن ُج َبْير وأبو العالية والحسن البصري والشافعي‬
‫في أحد قوليه وأحمد وإسحاق‪.‬‬
‫ولكنهم اختلفوا هل هي واجبة في غير المطلقة قبل البناء والفرض أم‬
‫مندوبٌة فقط‪.‬‬
‫‪ ‬وذهب جماعة من أهل العلم إلى أن المتعة مختصٌة بالمطلقة قبل البناء‬
‫والتسمية ألن المدخول بها تستحق جميع الُم سَّم ى أو مهر الِم ثل‪ ،‬وغير‬
‫المدخولة التي قد َفَرَض لها زوجها فريضة أي ُيسِم ي لها مهًرا وطلقها‬
‫قبل الدخول؛ الُم سَتَح ُق نصف الُم سَم ى‪ ،‬ومن القائلين بهذا ابن عمر‬
‫وُم جاهد‪.‬‬

‫‪ ‬ووقع اإلجماع على أن المطلقة قبل الدخول والفرض ال تستحق إال‬


‫الُم تعة إذا كانت حرة‪ ،‬وأما إذا كانت َأَم ة فذهب الجمهور إلى أن لها‬
‫الُم تعة‪.‬‬
‫وقال اَألْو َز اعي والثوري‪ :‬ال ُم تعة لها ألنها تكون لسيدها‪.‬‬

‫ثم قال‪ :‬وقد اختلفوا في المتعة المشروعة هل هي مقدورة بَقْد ٍر أم ال؟‬

‫‪94‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ ‬فقال مالك والشافعي‪ :‬ال حد لها معروف‪ ،‬بل ما يقع عليه اسم الُم تعة‪.‬‬
‫‪ ‬وقال أبو حنيفة‪ :‬إذا تنازع الزوجان في قدر المتعة وجب لها نصف‬
‫المهر‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬ع َلى اْلُم وِس ِع َقَد ُر ُه َو َع َلى ْالُم ْقِتِر َقَد ُر ُه} وهذا يدل على أن االعتبار‬
‫في ذلك بحال الزوج‪ ،‬فالمتعة من الغني فوق المتعة من الفقير وال ُينظر إلى‬
‫قدر الزوجة‪.‬‬
‫‪ -‬وِقيل هذا ضعيٌف في مذهب الشافعي‪ ،‬بل ينظر الحاكم باجتهاٍد إلى حالهما‬
‫جميًعا على أظهر الُو جوه متاعًـا‪ ،‬أي متعوهن متاًع ا بالمعروف ما ُع رف‬
‫في الشرع والعادة الُم واِفقة له‪.‬‬

‫💎 اآلية التاسعة واألربعون 💎‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬وِإن َطَّلْقُتُم وُهَّن ِم ن َقْبِل َأن َتَم ُّس وُهَّن َو َقْد َفَرْض ُتْم َلُهَّن َفِريَض ًة‬
‫َفِنْص ُف َم ا َفَرْض ُتْم ِإاَّل َأن َيْع ُفوَن َأْو َيْع ُفَو اَّلِذ ي ِبَيِدِه ُع ْقَد ُة الِّنَك اِحۚ َو َأن َتْع ُفوا‬
‫َأْقَرُب ِللَّتْقَو ٰى ۚ َو اَل َتنَس ُو ا اْلَفْض َل َبْيَنُك ْم ۚ ِإَّن َهَّللا ِبَم ا َتْع َم ُلوَن َبِص يٌر } [البقرة‪:‬‬
‫‪]٢٣٧‬‬

‫‪{ -‬من قبل أن تمسوهن} يعني من قبل أن تجامعوهن‪ ،‬وفيه دليٌل على أن‬
‫المتعة ال تجب لمثل هذه المطلقة لُو قوِع ها في مقابل المطلقة قبل الِبناء‬
‫والفرض التي تستحق المتعة‪.‬‬

‫‪ -‬قال‪َ{ :‬و َقْد َفَر ْض ُتْم َلُهَّن َفِريَض ًة َفِنْص ُف َم ا َفَر ْض ُتْم } أي فالواجب عليكم‬
‫نصف ما سميتم لهن من المهر وهذا ُم جَم ٌع عليه‪ ،‬وقد وقع االتفاق أيًضا‬
‫على أن المرأة التي لم يدخل بها زوجها ومات وقد فرض لها مهًر ا؛ تستحقه‬
‫كاماًل بالموت ولها الميراث وعليها الِع دة‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫واختلفوا في الخلوة هل تقوم مقام الُد خول وتستحق المرأة بها كمال المهر كما‬
‫تستحقه بالُد خول أم لا؟‬
‫‪ ‬فذهب إلى األول مالٌك والشافعي في القديم والكوفيون والخلفاء الراشدون‬
‫وُجمهور أهل العلم وتجب عندهم أيًضا الِع دة‪.‬‬
‫‪ ‬وقال الشافعي في الجديد‪ :‬ال يجب إال نصف المهر‪ .‬وهو ظاهر اآلية كما‬
‫تقدم من أن المسيس هو الِج ماع‪ ،‬وال تجب عنده الِع دة وإليه ذهب جماعٌة‬
‫من السلف‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪ِ{ :‬إاَّل َأن َيْع ُفوَن } أي المطلقات ومعناه يتركن ويصفحن‪.‬‬
‫‪ -‬وِقيل {ِإاَّل َأن َيْع ُفوَن } يعني الرجال وهو ضعيٌف لفًظا ومعنى‪.‬‬

‫‪َ{ -‬أْو َيْع ُفَو اَّلِذ ي ِبَيِدِه ُع ْقَد ُة الِّنَك اِح}‪:‬‬


‫‪ ‬قيل هو الزوج‪ .‬وبه قال ُج َبْير بن ُم طِع م وسعيد بن المسيب وُش رْيح وسعيد‬
‫بن ُجبير ومجاهد والشعبي وِع كرمة ونافع وابن سيرين والضحاك ومحمد‬
‫بن كعب الُقرِظ ي وجابر بن زيد وأبو ِم جلز والربيع بن أنس وإياس بن‬
‫معاوية ومكحول ومقاتل بن حيان‪ ،‬وهو الجديد من قولي الشافعي‪ ،‬وبه‬
‫قال أبو حنيفة وأصحابه والثوري وابن ُش برمة واألوزاعي ورجحه ابن‬
‫جرير‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬وفي هذا القول قوة وضعف‪:‬‬
‫‪ ‬أما قوته‪ :‬فلكون الذي بيده عقدة النكاح حقيقة هو الزوج ألنه الذي‬
‫إليه َر ْفُعُه بالطالق‪.‬‬
‫‪ ‬وأما ضعفه‪ :‬فلكون العفو منه غير معقول‪ ،‬وما قالوا به من أن المراد‬
‫بعفوه أن يعطيها المهر كاماًل غير ظاهٍر ألن العفو ال ُيطلق على‬
‫الزيادة‪.‬‬

‫‪ ‬وقيل المراد بقوله {َأْو َيْع ُفَو اَّلِذ ي ِبَيِدِه ُع ْقَد ُة الِّنَك اِح}‪ :‬هو الولي‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫وبه قال النخعي وعلقمة والحسن وطاووس وعطاء وأبو الِزناد وزيد بن‬
‫أسلم وربيعة والُز هري واألسود بن يزيد والشعبي وقتادة ومالك والشافعي‬
‫في قوله القديم‪.‬‬
‫وفيه أيضا قوة وضعف‪:‬‬
‫‪ ‬أما قوته‪ ،‬فلكون معنى العفو فيه معقواًل ‪.‬‬
‫‪ ‬وأما ضعفه‪ ،‬فلكون عقدة النكاح بيد الزوج ال بيده‪ ،‬ومما يزيد هذا‬
‫القول ضعًفا أنه ليس للولي أن يعفَو عن الزوج مما ال يملكه‪ ،‬فقد حكى‬
‫القرطبي اإلجماع على أن الولي ال يملك شيًئا من مالها والمهر لها‪.‬‬

‫‪ ‬فالراجح ما قاله األولون لوجهين‪:‬‬


‫األول‪ :‬أن الزوج هو الذي بيده عقدة النكاح حقيقة‪.‬‬ ‫‪)1‬‬
‫الثاني‪ :‬أن عفوه بإكمال المهر هو صادر عن مالك مطلق التصرف‬ ‫‪)2‬‬
‫بخالف الولي‪.‬‬

‫💎 اآلية الخمسون 💎‬
‫قال تعالى‪َ{ :‬ح اِفُظوا َع َلى الَّص َلَو اِت َو الَّص اَل ِة اْلُو ْس َطى َو ُقوُم وا ِهَّلِل َقاِنِتيَن َفِإْن‬
‫ِخ ْفُتْم َفِرَج ااًل َأْو ُر ْك َباًنا َفِإَذ ا َأِم نُتْم َفاْذ ُك ُر وا َهَّللا َك َم ا َع َّلَم ُك م َّم ا َلْم َتُك وُنوا‬
‫َتْع َلُم وَن } [البقرة‪.]٢٣٨ :‬‬

‫المحافظة‪ :‬هي المداومة والمواظبة عليها‪.‬‬ ‫‪-‬‬


‫واألمر للُو جوب‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫والمراد بالصلوات هي الخمس المكتوبات‪ ،‬فالمعنى واظبوا عليها برعاية‬ ‫‪-‬‬
‫شرائطها وأركانها‪.‬‬
‫والصالة الوسطى أفردها هللا سبحانه وتعالى بالذكر بعد دخولها في عموم‬ ‫‪-‬‬
‫الصلوات تشريًفا لها‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫وقد اختلف أهل العلم في تعيينها على ثمانية عشر قوال أوردها الشوكاني في‬
‫شرحه للُم نتقى وذكر ما تمسكت به كل طائفة‪.‬‬
‫‪ ‬وأرجح األقوال وأصحها ما ذهب إليه الجمهور من أنها [العصر] لما‬
‫ثبت عند البخاري ومسلم وأهل السنن وغيرهم من حديث علي رضي هللا‬
‫عنه‬
‫قال‪ :‬كنا نراها الفجر حتى سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول يوم‬
‫األحزاب‪" :‬شغلونا عن الصالة الُو سطى صالة العصر مأل هللا قبورهم‬
‫وأجوافهم ناًرا"‪.‬‬

‫‪ -‬وقوله‪َ{ :‬و ُقوُم وا ِهَّلِل َقاِنِتيَن }‪ :‬القنوت‪:‬‬


‫‪ ‬قيل هو الطاعة‪ ،‬قاله جابر بن زيد وعطاء وسعيد بن ُجبير والضحاك‬
‫والشافعي‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل الخشوع‪ .‬قاله ابن عمر وُم جاهد‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل هو الدعاء‪ .‬وبه قال ابن عباس‪.‬‬
‫وفي الحديث أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قنت شهًر ا يدعو على ِرعٍل‬
‫وَز كَو ان‪.‬‬
‫‪ ‬وقال قوم‪ :‬القنوت طول القيام‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل‪ :‬قانتين ساكتين‪ .‬قاله الُسدي‪ .‬ويدل عليه حديث زيد بن أرقم‪:‬‬
‫في الصحيحين وغيرهما قال‪" :‬كان الرجل يكلم صاحبه على عهد رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم في الحاجة في الصالة حتى نزلت هذه اآلية‬
‫{َو ُقوُم وا ِهَّلِل َقاِنِتيَن } فُأِم رنا بالُسكوت"‪.‬‬

‫‪َ{ -‬فِإْن ِخ ْفُتْم َفِرَج ااًل َأْو ُر ْك َباًنا}‪ :‬الخوف هو الفزع‪ ،‬ولما ذكر هللا سبحانه‬
‫وتعالى األمر بالمحافظة على الصلوات ذكر حالة الخوف وأنهم يصنعون‬
‫فيها ما ُيمكنهم ويدخل تحت طوِقهم من المحافظة على الصلوات بفعلها حال‬
‫الترجل والركوب كيف كانت‪ ،‬وأبان لهم أن هذه العبادة الزمٌة في كل‬
‫األحوال بحسب اإلمكان‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫وقد اختلف أهل العلم في حد الخوف الُم بيح لذلك‪ ،‬ثم قال‪ :‬والبحث مستوًفى‬
‫في كتب الفروع‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬فِإَذ ا َأِم نُتْم } أي زال خوفكم فارجعوا إلى ما ُأمرتم به من إتمام‬
‫الصالة مستقبلين الِقبلة قائمين بجميع شروطها وأركانها‪.‬‬
‫‪ -‬وهو قوله تعالى‪َ{ :‬فاْذ ُك ُروا َهَّللا َك َم ا َع َّلَم ُك م َّم ا َلْم َتُك وُنا َتْع َلُم وَن } أي مثل ما‬
‫علمكم من الشرائع ما لم تكونوا تعلمون‪ ،‬وفيه إشارٌة إلى إنعام هللا تعالى‬
‫علينا بالِع لم ولوال تعليمه إيانا لم نعلم شيئا فله الحمد كما يليق به سبحانه‬
‫وتعالى‪.‬‬

‫💎 ثم قال‪ :‬اآلية الحادية والخمسون 💎‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬و ِلْلُم َطَّلَقاِت َم َتاٌع ِباْلَم ْعُر وِف ۖ َح ًّقا َع َلى اْلُم َّتِقيَن } [البقرة‪]٢٤١ :‬‬

‫قال اختلف الُم فسرون في هذه اآلية‪:‬‬


‫فقيل هي المتعة وإنها واجبة لكل مطلقة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫وقيل إن هذه اآلية خاصة بالَثِّيَبات اللواتي قد ُجوِم عن‪ ،‬ألنه قد تقدم قبل‬ ‫‪‬‬
‫هذه اآلية ِذ كر المتعة للواتي لم يدخل بهن األزواج‪ .‬وقد قدمنا الكالم على‬
‫هذه المتعة‪ ،‬والخالف في كونها خاصة بمن ُطلقت قبل الِبناء والفرض‪،‬‬
‫أو عامًة للمطلقات‪.‬‬
‫وقيل إن هذه اآلية شاملٌة‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ -‬للمتعة الواجبة وهي متعة المطلقة قبل الِبناء والفرض‪،‬‬
‫‪ -‬وغير الواجبة وهي ُم تعة سائر المطلقات فإنها ُم ستحبٌة فقط‪.‬‬
‫وقيل المراد بالمتعة هنا النفقة‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪99‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫💎 ثم قال‪ :‬اآلية الثانية والخمسون 💎‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬يا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا اَل ُتْبِط ُلوا َص َد َقاِتُك م ِباْلَم ِّن َو اَأْلَذ ى َك اَّلِذ ي ُينِفُق‬
‫َم اَلُه ِرَئاَء الَّناِس َو اَل ُيْؤ ِم ُن ِباِهَّلل َو اْلَيْو ِم اآْل ِخ ِرۖ َفَم َثُلُه َك َم َثِل َص ْفَو اٍن َع َلْيِه‬
‫ُتَر اٌب َفَأَص اَبُه َو اِبٌل َفَتَر َك ُه َص ْلًد اۖ اَّل َيْقِدُر وَن َع َلى َش ْي ٍء ِّمَّم ا َك َسُبواۗ َوُهَّللا اَل‬
‫َيْه ِد ي اْلَقْو َم اْلَك اِفِريَن } [البقرة‪]٢٦٤ :‬‬
‫‪ -‬إبطال الصدقات‪ :‬إذهاب آثارها وإفساد منفعتها وأجورها‪ ،‬أي ال ُتبطلوا‬
‫بالمن وال األذى أو بأحدهما‪ .‬وقد وردت األحاديث الصحيحة في النهي عن‬
‫ذلك‪.‬‬

‫💎 اآلية الثالثة والخمسون 💎‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬يا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا َأنِفُقوا ِم ن َطِّيَباِت َم ا َك َسْبُتْم َو ِم َّم ا َأْخ َرْج َنا َلُك م‬
‫ِّم َن اَأْلْر ِضۖ َو اَل َتَيَّمُم وا اْلَخ ِبيَث ِم ْنُه ُتنِفُقوَن َو َلْس ُتم ِبآِخ ِذ يِه ِإاَّل َأن ُتْغ ِمُض وا ِفيِه‬
‫ۚ َو اْع َلُم وا َأَّن َهَّللا َغ ِنٌّي َح ِم يٌد} [البقرة‪]٢٦٧ :‬‬
‫‪َ{ -‬أنِفُقوا ِم ن َطِّيَباِت َم ا َك َس ْبُتْم } أي من جِّيد ما كسبتم‪ .‬واختاره الجمهور‪.‬‬
‫‪ -‬وقال جماعة إن معنى الطيبات هنا الحالل‪.‬‬
‫‪ ‬وال مانع من اعتبار األمرين جميًعا ألن جيد الَك سِب وُم ختاره إنما يطلق‬
‫على الحالل عند أهل الشرع‪.‬‬
‫‪ -‬قيل وفيه دليل على إباحة الكسب‪.‬‬
‫وأخرج البخاري عن الِم قدام مرفوًع ا قال‪" :‬ما أكل أحٌد طعاًم ا قط خيًرا من‬
‫أن يأكل من عمل يده"‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬و ِمَّم ا َأْخ َر ْج َنا َلُك م ِّم َن اَأْلْر ِض } أي من طيباتها‪.‬‬
‫‪ -‬وظاهر اآلية ُو جوب الزكاة في كل ما خرج من األرض‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬وخصه الشافعي بما يزرعه اآلدميون ويقتاتوا اختياًرا وقد بلغ ِنصاًبا‪ ،‬وثمر‬
‫النخل وثمر العنب‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬و اَل َتَيَّمُم وا اْلَخ ِبيَث } أي‪ :‬ال تقصدوا المال الرديء‪.‬‬
‫‪ -‬وفي اآلية أمر بإنفاق الطيب‪ ،‬والنهي عن إنفاق الخبيث‪.‬‬
‫‪ ‬وقد ذهب جماعٌة من السلف إلى أن اآلية في الصدقة المفروضة‪.‬‬
‫‪ ‬وذهب آخرون إلى أنها تعم صدقة الفرض والتطوع‪ ،‬وهو الظاهر‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬و َلْس ُتم ِبآِخ ِذ يِه } أي والحال أنكم ال تأخذونه في معامالتكم في وقت‬
‫من األوقات‪ ،‬هكذا بين معناه الجمهور‪ .‬وقيل معناه‪ :‬لستم بآخذيه لو‬
‫وجدتموه في السوق ُيباع‪.‬‬

‫‪ِ{ -‬إاَّل َأن ُتْغ ِم ُضوا ِفيِه } يعني‪ :‬أغمض الرجل في أمر كذا إذا تساهل ورضي‬
‫ببعض حقه وتجاوز وغمض بصره عنه‪.‬‬

‫💎 ثم قال‪ :‬اآلية الرابعة والخمسون 💎‬


‫قال تعالى‪{ :‬اَّلِذ يَن َيْأُك ُلوَن الِّر َبا اَل َيُقوُم وَن ِإاَّل َك َم ا َيُقوُم اَّلِذ ي َيَتَخ َّبُطُه‬
‫َٰذ‬
‫الَّش ْيَطاُن ِم َن اْلَم ِّس ۚ ِلَك ِبَأَّنُهْم َقاُلوا ِإَّنَم ا اْلَبْيُع ِم ْثُل الِّر َباۗ َو َأَح َّل ُهَّللا اْلَبْيَع‬
‫َو َح َّر َم الِّر َباۚ َفَم ن َج اَءُه َم ْو ِع َظٌة ِّم ن َّرِّبِه َفانَتَهى َفَلُه َم ا َس َلَف َو َأْم ُرُه ِإَلى ِهَّللاۖ ‬
‫َو َم ْن َع اَد َفُأوَلِئَك َأْص َح اُب الَّناِرۖ ُهْم ِفيَها َخ اِلُدوَن } [البقرة‪.]٢٧٥ :‬‬

‫◙ الربا في اللغة‪ :‬الزيادة ُم طلًقا‪.‬‬


‫◙ وفي الشرع‪ُ :‬يطلق على شيئين‪ :‬على ربا الفضل‪ ،‬وربا النسيئة حسب ما‬
‫هو ُم فصٌل في [كتب الفروع]‪ ،‬وغالب ما كانت تفعله الجاهلية؛ إذا حل أجل‬
‫الدين قال من له الدين لمن هو عليه‪ :‬أتقضي أم ُتربي؟‬
‫فإذا لم يقِض زاد ِم قداًر ا في المال الذي عليه وأخر له األجل إلى حين‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫وهذا حرام باالتفاق‬


‫‪ -‬ومعنى اآلية‪ :‬أن هللا أحل البيع وحرم نوًع ا من أنواعه وهو الُم شتمل على‬
‫الربا‪.‬‬

‫💎 اآلية الخامسة والخمسون 💎‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬فِإن َّلْم َتْفَعُلوا َفْأَذ ُنوا ِبَح ْر ٍب ِّم َن ِهَّللا َو َرُس وِلِهۖ َوِإن ُتْبُتْم َفَلُك ْم‬
‫ُرُء وُس َأْمَو اِلُك ْم اَل َتْظ ِلُم وَن َو اَل ُتْظَلُم وَن } [البقرة‪.]٢٧٩ :‬‬

‫{َو ِإن ُتْبُتْم } أي‪ :‬من الربا‬ ‫‪-‬‬


‫{َفَلُك ْم ُر ُء وُس َأْم َو اِلُك ْم }‪ :‬تأخذونها‬ ‫‪-‬‬
‫{اَل َتْظِلُم وَن }‪ُ :‬غ رمائكم بأخذ الزيادة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{َو اَل ُتْظَلُم وَن }‪ :‬أنتم من ِقَبلهم بالَم طِل والنقص‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫قال‪ :‬وفي هذا دليٌل على أن أموالهم مع عدم التوبة حالٌل لمن أخذها من‬
‫األئمة ونحوهم‪.‬‬
‫وقد دلت اآلية التي قبلها‪َ{ :‬فِإن َّلْم َتْفَع ُلوا َفْأَذُنوا ِبَح ْر ٍب ِّم َن ِهَّللا َو َر ُسوِلِه}‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫على أن أكل الربا والعمل به من الكبائر‪ ،‬وال خالف في ذلك‪.‬‬

‫💎 اآلية السادسة والخمسون 💎‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬وِإن َك اَن ُذ و ُع ْس َرٍة َفَنِظ َر ٌة ِإَلى َم ْيَسَرٍةۚ َو َأن َتَص َّد ُقوا َخ ْيٌر َّلُك ْم ۖ ‬
‫ِإن ُك نُتْم َتْع َلُم وَن } [البقرة‪.]٢٨٠ :‬‬
‫‪102‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫لَّم ا حكم سبحانه وتعالى ألهل الربا برؤوس أموالهم عند الواجدين للمال‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫حكم في ذوي العسرة بالنظرة إلى اليسار‪.‬‬
‫والُعسرة‪ :‬ضيق الحال من جهة عدم المال‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫والَنِظ َر ة‪ :‬التأخير‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫والميسرة‪ :‬يعني الُيسر‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬و َأن َتَص َّد ُقوا}‪ :‬على معسر من ُغ رمائكم‪.‬‬
‫‪َ{ -‬خ ْيٌر َّلُك ْم }‪ :‬وفيه الترغيب لهم بأن يتصدقوا برؤوس أموالهم كلها أو بعض‬
‫منها على من ُأعسر وجعل ذلك خيًر ا من إنظاره‪ .‬قاله السدي وابن زيٍد‬
‫والضحاك‪.‬‬
‫‪ -‬وقال آخرون‪ :‬معنى اآلية وأن تصدقوا على الغني والفقير خيٌر لكم‪.‬‬

‫️✔ قال‪ :‬والصحيح األول‪ ،‬وليس في اآلية مدخٌل للغني‪.‬‬


‫‪ِ{ -‬إن ُك نُتْم َتْع َلُم وَن } يعني‪ :‬إن كنتم تعلمون أنه خير لكم عملتم به‪.‬‬

‫💎 ثم قال‪ :‬اآلية السابعة والخمسون 💎‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬يا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا ِإَذ ا َتَد اَينُتم ِبَدْيٍن ِإَلى َأَج ٍل ُّم َس ًّمى َفاْك ُتُبوُهۚ ‬
‫َو ْلَيْك ُتب َّبْيَنُك ْم َك اِتٌب ِباْلَعْد ِل ۚ َو اَل َيْأَب َك اِتٌب َأن َيْك ُتَب َك َم ا َع َّلَم ُه ُهَّللاۚ َفْلَيْك ُتْب‬
‫َو ْلُيْم ِلِل اَّلِذ ي َع َلْيِه اْلَح ُّق َو ْلَيَّتِق َهَّللا َرَّبُه َو اَل َيْبَخ ْس ِم ْنُه َش ْيًئاۚ َفِإن َك اَن اَّلِذ ي‬
‫َع َلْيِه اْلَح ُّق َسِفيًها َأْو َضِع يًفا َأْو اَل َيْس َتِط يُع َأن ُيِم َّل ُهَو َفْلُيْم ِلْل َو ِلُّيُه ِباْلَعْد ِل ۚ ‬
‫َو اْس َتْش ِهُدوا َش ِهيَدْيِن ِم ن ِّر َج اِلُك ْم ۖ َفِإن َّلْم َيُك وَنا َرُج َلْيِن َفَرُج ٌل َو اْم َر َأَتاِن ِم َّم ن‬
‫َتْر َض ْو َن ِم َن الُّش َهَد اِء َأن َتِض َّل ِإْح َداُهَم ا َفُتَذ ِّك َر ِإْح َداُهَم ا اُأْلْخ َر ىۚ َو اَل َيْأَب‬
‫الُّش َهَد اُء ِإَذ ا َم ا ُدُعواۚ َو اَل َتْس َأُم وا َأن َتْك ُتُبوُه َصِغ يًر ا َأْو َك ِبيًر ا ِإَلى َأَج ِلِهۚ َذ ِلُك ْم‬
‫َأْقَس ُط ِع نَد ِهَّللا َو َأْقَو ُم ِللَّش َهاَد ِة َو َأْد َنى َأاَّل َتْر َتاُبواۖ ِإاَّل َأن َتُك وَن ِتَج اَر ًة َح اِض َر ًة‬
‫ُتِد يُر وَنَها َبْيَنُك ْم َفَلْيَس َع َلْيُك ْم ُج َناٌح َأاَّل َتْك ُتُبوَهاۗ َو َأْش ِهُدوا ِإَذ ا َتَباَيْع ُتْم ۚ َو اَل‬

‫‪103‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫ُيَض اَّر َك اِتٌب َو اَل َش ِهيٌدۚ َوِإن َتْفَعُلوا َفِإَّنُه ُفُس وٌق ِبُك ْم ۗ َو اَّتُقوا َهَّللاۖ َو ُيَعِّلُم ُك ُم ُهَّللاۗ ‬
‫َوُهَّللا ِبُك ِّل َش ْي ٍء َع ِليٌم } [البقرة‪.]٢٨٢ :‬‬

‫‪ -‬قال‪ :‬هذا ُش روٌع في بيان حال المداينة الواقعة بين الناس بعد بيان حال‬
‫الربا‪ ،‬أي إذا داين بعضكم بعًضا‪.‬‬
‫‪ -‬والدْين‪ :‬عبارة عن كل معاملة كان أحد العوضين فيها نقًد ا واآلخر في الذمة‬
‫نسيئة‪ ،‬وإن العين عند العرب ما كان حاضًرا‪ ،‬والَد ين ما كان غائًبا‪.‬‬
‫‪ -‬وقد بين هللا سبحانه وتعالى هذا المعنى بقوله‪ِ{ :‬إَلى َأَج ٍل ُّمَس ًّم ى} وقد اسُتدل‬
‫به على أن األجل المجهول ال يجوز وخصوًصا أجل الَس لم‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬فاْك ُتُبوُه} أي الدين بأجله بيًعا كان أو سلًم ا أو قرًض ا؛ ألنه أرفع‬
‫للِنزاع وأقطع للِخ الف‪.‬‬

‫‪َ{ -‬و ْلَيْك ُتب َّبْيَنُك ْم َك اِتٌب }‪ :‬وهو بياٌن لكيفية الكتابة المأمور بها‪ ،‬وظاهر األمر‬
‫الُو جوب‪ .‬وبه قال عطاء والشعبي وغيرهما وأوجبوا على الكاتب أن يكتب‬
‫إذا ُطلب منه ذلك‪ ،‬ولم يوجد كاتٌب سواه‪.‬‬
‫وقيل األمر للندب وبه قال الجمهور‪.‬‬

‫{ِباْلَع ْد ِل }‪ :‬يعني يكتب بالسوية ال يزيد وال ينقص وال يميل إلى أحد‬ ‫‪-‬‬
‫الجانبين‪.‬‬
‫{َو اَل َيْأَب َك اِتٌب }‪ :‬يعني ال يمتنع أحٌد من الُك تاب‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{َأن َيْك ُتَب }‪ِ :‬كتاب التداين‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{َك َم ا َع َّلَم ُه ُهَّللا} أي‪ :‬على الطريقة التي علمه هللا من الكتابة‪ ،‬أو كما علمه‬ ‫‪-‬‬
‫هللا بقوله (العدل)‪.‬‬

‫‪َ{ -‬فْلَيْك ُتْب َو ْلُيْمِلِل اَّلِذ ي َع َلْيِه اْلَح ُّق }‪ :‬وهو من عليه الدين أمره هللا تعالى‬
‫باإلمالء؛ ألن الشهادة إنما تكون على إقراره بثبوت الدين في ذمته‪ ،‬وأمره‬

‫‪104‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫هللا بالتقوى فيما يمليه على الكاتب‪ ،‬وبالغ في ذلك بالجمع بين اإلثم‬
‫والوصف في قوله‪:‬‬
‫‪َ{ -‬و ْلَيَّتِق َهَّللا َر َّبُه} ونهاه عن البخس وهو النقص بقوله‪:‬‬
‫‪َ{ -‬و اَل َيْبَخْس ِم ْنُه َش ْيًئا} وقيل إنه نهٌي للكاتب‪.‬‬

‫‪َ{ -‬فِإن َك اَن اَّلِذ ي َع َلْيِه اْلَح ُّق َسِفيًها َأْو َضِع يًفا}‪ :‬والسفيه هو الذي ال رأي له‬
‫في حسن التصرف فال ُيحسن األخذ وال اإلعطاء‪ ،‬والضعيف هو الشيخ‬
‫الكبير أو الصبي‪.‬‬

‫‪َ{ -‬فْلُيْمِلْل َو ِلُّيُه ِباْلَع ْد ِل }‪ :‬الضمير عائٌد إلى الذي عليه الحق‪:‬‬
‫‪ ‬فُيَم ِّلي عن السفيه ولُّيُه المنصوب عنه بعد حجره عن التصرف في ماله‪،‬‬
‫‪ ‬وُيمِّلي عن الصبي وصُّيه أو ولُّيه‪،‬‬
‫‪ ‬وكذلك ُيمِّلي عن العاجز الذي ال يستطيع اإلمالل لضعِفِه ولُّيُه؛ ألنه في‬
‫حكم الصبي‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬و اْسَتْش ِهُد وا}‪ :‬واالستشهاد طلب الشهادة‪.‬‬


‫‪ -‬وتسمية الكاتبين {َش ِهيَد ْيِن }‪ :‬قبل الشهادة من المجاز‪.‬‬

‫ثم قال‪ :‬وقد اختلف الناس على اإلشهاد‪ ،‬واجٌب أم مندوب؟‬


‫‪ ‬فقال أبو موسى األشعري وابن عمر والضحاك وعطاء وسعيد بن‬
‫المسيب وجابر بن زيد ومجاهد وداود بن علي الظاهري وابنه (إنه‬
‫واجب)‪ ،‬ورجحه ابن جرير الطبري‪.‬‬
‫‪ ‬وذهب الشعبي والحسن ومالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه إلى أنه‬
‫(مندوب)‪.‬‬
‫وهذا الخالف بين هؤالء هو في (وجوب اإلشهاد على البيع)‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫واستدل الُم وجبون بقوله تعالى‪َ{ :‬و َأْش ِهُد وا ِإَذ ا َتَباَيْع ُتْم }‪ ،‬وال فرق بين هذا‬
‫األمر وبين قوله‪َ{ :‬و َأْش ِهُد وا} فيلزم القائلين بوجوب اإلشهاد في البيع أن‬
‫يقولوا بوجوبه في الُم داينة‪.‬‬

‫‪َ{ -‬فِإن َّلْم َيُك وَنا} أي‪ :‬الشاهدان {َر ُج َلْيِن }‪،‬‬
‫‪َ{ -‬فَر ُجٌل َو اْمَر َأَتاِن } أي‪ :‬فليشهد رجل وامرأتان‪ ،‬أو فرجل وامرأتان يكفون‪.‬‬
‫‪ِ{ -‬مَّم ن َتْر َض ْو َن ِم َن الُّش َهَد اِء } أي‪ :‬ترضون دينهم وعدالتهم‪.‬‬
‫‪ ‬وفيه أن المرأتين في الشهادة برجٍل ‪.‬‬
‫‪ ‬وأنها ال تجوز شهادة النساء إال مع الرجل ال وحدهن‪ ،‬إال فيما ال يطلع‬
‫عليه غيرهن للضرورة‪.‬‬

‫واختلفوا هل يجوز الحكم بشهادة امرأتين مع يمين المدعي كما جاز الحكم‬
‫برجل مع يمين المدعي؟‬
‫‪ ‬فذهب مالك والشافعي إلى أنه يجوز ذلك؛ ألن هللا سبحانه وتعالى قد‬
‫جعل المرأتين كالرجل في هذه اآلية‪.‬‬
‫‪ ‬وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنه ال يجوز ذلك‪ ،‬وهذا يرجع إلى‬
‫الخالف في الحكم بشاهٍد مع يمين الُم دعي‪.‬‬

‫️✔ والحق أنه جائٌز ؛ لوُرود الدليل عليه وهو زيادٌة لم تخالف ما في الكتاب‬
‫العزيز فتعين َقبولها‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬أن َتِض َّل ِإْح َد اُهَم ا} أي بنقص العقل والضبط‪ ،‬أن تنسى إحداهما‪.‬‬
‫وهذه اآلية تعليٌل العتبار العدد في النساء‪ ،‬أي فليشهد رجل ولتشهد امرأتان‬
‫عوًضا عن الرجل اآلخر ألجل أن تُذكر إحداهما األخرى إذا ضلت‪.‬‬

‫‪َ{ -‬و اَل َيْأَب الُّش َهَد اُء ِإَذ ا َم ا ُدُع وا} أي‪ :‬ألداء الشهادة التي قد تحملوها من قبل‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إذا ما ُد عوا لتحمل الشهادة‪ ،‬وتسميتهم شهداء (مجاٌز ) كما تقدم‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪َ{ -‬و اَل َتْس َأُم وا} أي‪ :‬ال تملوا أيها المؤمنون أو المتعاملون أو الشهود‪.‬‬
‫‪َ{ -‬أن َتْك ُتُبوُه} أي؛ الذي تداينتم به‪ ،‬وقيل الحق‪ ،‬وقيل الشاهد‪ ،‬وقيل الكاتب‪،‬‬
‫نهاهم هللا سبحانه عن ذلك؛ ألنهم ربما مُّلوا من كثرة الُم داينة أن يكتبوا‪.‬‬

‫‪ -‬ثم بالغ في ذلك فقال‪َ{ :‬صِغ يًرا َأْو َك ِبيًر ا} أي ال تملوا من الكتابة في حاٍل‬
‫من األحوال سواٌء كان الدين كثيًر ا أو قلياًل ‪ ،‬وقدم الصغير هنا على الكبير‬
‫لالهتمام به‪ ،‬ولدفع ما عساه أن ُيقال إن هذا ماٌل صغير أي قليٌل ال احتياج‬
‫إلى كتبه‪.‬‬

‫{ِإَلى َأَجِلِهۚ َذ ِلُك ْم } ذلكم‪ :‬أي المكتوب المذكور في ضمير قوله (أن تكتبوه)‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{َأْقَس ُط} أي‪ :‬أعدل وأحفظ وأصح عند هللا‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{َو َأْقَوُم ِللَّش َهاَد ِة } أي أعون على إقام الشهادة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{َو َأْد َنى َأاَّل َتْر َتاُبوا}‪ :‬وهذا لنفي الَر ْيب والشك في معاملتكم‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪ِ{ :‬إاَّل َأن َتُك وَن ِتَج اَر ًة} يعني أن تكون تجارة‪.‬‬
‫‪َ{ -‬ح اِض َر ًة} وهذه هي التجارة والبيع والشراء الناجز يًد ا بيد‪.‬‬
‫‪َ{ -‬فَلْيَس َع َلْيُك ْم ُج َناٌح َأاَّل َتْك ُتُبوَها} أي‪ :‬فال حرج عليكم إن تركتم كتابتها‪.‬‬

‫{َو َأْش ِهُد وا ِإَذ ا َتَباَيْع ُتْم }‪ :‬هذا التبايع المذكور هنا وهو التجارة الحاضرة‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫على أن اإلشهاد فيها يكفي‪.‬‬
‫{َو اَل ُيَض اَّر َك اِتٌب َو اَل َش ِهيٌد } يعني‪ :‬ال يضار كاتب وال شهيد من طلب ذلك‬ ‫‪-‬‬
‫منهما إَّم ا بعدم اإلجابة أو بالتحريف والتبديل والزيادة والنقصان في كتابته‪.‬‬
‫ثم قال {َو ِإن َتْفَع ُلوا} يعني‪ :‬ما نهيتم عنه من الَم ضارة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{َفِإَّنُه ُفُسوٌق ِبُك ْم } أي‪ :‬فعلكم هذا خروج عن الطاعة إلى المعصية متلبٌس‬ ‫‪-‬‬
‫ِبُك ْم ‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫💎 ثم قال‪ :‬اآلية الثامنة والخمسون 💎‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬وِإن ُك نُتْم َع َلى َس َفٍر َو َلْم َتِج ُدوا َك اِتًبا َفِرَهاٌن َّم ْقُبوَض ٌةۖ َفِإْن َأِم َن‬
‫َبْعُض ُك م َبْعًض ا َفْلُيَؤ ِّد اَّلِذ ي اْؤ ُتِم َن َأَم اَنَتُه َو ْلَيَّتِق َهَّللا َرَّبُهۗ َو اَل َتْك ُتُم وا الَّش َهاَد َةۚ ‬
‫َو َم ن َيْك ُتْم َها َفِإَّنُه آِثٌم َقْلُبُهۗ َوُهَّللا ِبَم ا َتْع َم ُلوَن َع ِليٌم } [البقرة‪.]٢٨٣ :‬‬

‫‪ -‬قال‪ :‬لَّم ا ذكر هللا سبحانه مشروعية الكتاب واإلشهاد لحفظ األموال ودفع‬
‫الريب عَّقب ذلك بذكر حالة العذر عن وجود الكاتب ونص على حالة السفر‬
‫فإنها من جملة أصحاب العذر‪ ،‬ويلحق بذلك كل عذٍر يقوم مقام السفر وجعل‬
‫الرهان المقبوضة قائمة مقام الكتابة‪ ،‬أي فإن كنتم مسافرين ولم تجدوا كاتًبا‬
‫في سفركم فِرهاٌن ‪.‬‬
‫قال أهل العلم‪ :‬الرهن في السفر ثابٌت بنص التنزيل‪،‬‬
‫وفي الحضر بفعل النبي صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫‪َ{ -‬فِرَهاٌن َّم ْقُبوَض ٌة}‪ :‬ذهب مالك إلى أنه يصح االرتهان باإليجاب والقبول‬
‫من دون قبض‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬و اَل َتْك ُتُم وا الَّش َهاَد َة} نهى للشهود أن يكتموا ما تحملوه من الشهادة‬
‫إذا ُد عوا إلقامتها‪ ،‬وهو في حكم التفسير لقوله‪َ{ :‬و اَل ُيَض اَّر َك اِتٌب } أي ال‬
‫يضار باإلشهاد‪.‬‬

‫قال‪َ{ :‬و َم ن َيْك ُتْمَها َفِإَّنُه آِثٌم َقْلُبُه} خص القلب بالذكر؛ ألن الكتم من أفعاله‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫ولكونه رئيس األعضاء‪ ،‬وهو الُم ضغة التي إن صلحت صلح الجسد كله‪،‬‬
‫وإن فسدت فسد الجسد كله‪ ،‬وإسناد الفعل إلى الجارحة التي تعمله أبلغ‪،‬‬
‫وهو صريٌح في ُم ؤاخذة الشخص بأعمال قلبه‪.‬‬
‫وارتفاع القلب على أنه فاعٌل أو ُم بتدأ و (آثم) خبره على ما تقرر في علم‬ ‫‪-‬‬
‫النحو‪.‬‬
‫ويجوز أن يكون (قلبه) بداًل من (آثٍم )‪ ،‬بدل بعض من كل‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ويجوز أيًض ا أن يكون بداًل من الضمير الذي في (آثٍم ) الراجع إلى (َم ن)‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪108‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬وُقرَئ (قلَبه) بالنصب كما في قوله‪ِ{ :‬إاَّل َم ن َسِفَه َنْفَس ُه} [البقرة‪.]١٣٠ :‬‬

‫🔻 وأخرج البخاري في تاريخه وأبو داُو د وابن جرير وابن المنذر وابن أبي‬
‫حاتم وابن ماجة وأبو ُنَع ْيٍم والبيهقي عن أبي سعيٍد الخدري‪" :‬أنه قرأ هذه اآلية‬
‫{َيا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا ِإَذ ا َتَد اَينُتم} [البقرة‪ ]٢٨٢ :‬حتى بلغ {َأمَِن َبْعُض ُك م َبْعًضا}‬
‫[البقرة‪ ]٢٨٣ :‬قال‪ :‬هذه َنسخت ما قبله"‪.‬‬

‫🔻 قال الشوكاني‪ :‬أقول رضي هللا عن هذا الصحابي الجليل‪ ،‬ليس هذا من باب‬
‫النسخ فهذا ُم َقَّيٌد باالئتمان وما قبله مع عدمه‪.‬‬
‫‪ -‬فعلى هذا فهو ثابٌت ُم حَك ٌم لم ُينسخ‪.‬‬
‫‪ -‬قال‪ :‬وأقول األحق هو التطبيق والتأويل مهما أمكن دون القول بالنسخ‬
‫وإلغاء أحد الحكمين كما حققُت ذلك في‪[ :‬إفادة الشيوخ بمقدار الناسخ‬
‫والمنسوخ]‬

‫🔻 قال‪ :‬أخرجه ابن جرير بإسناد صحيح عن سعيد بن المسيب أنه بلغه أن‬
‫أحدث القرآن بالعرش آية الدين‪.‬‬

‫🔷 تمت آيات البقرة الشرعية غير المنسوخة بالضرورة‪.‬‬

‫هذا والحمد هلل رب العالمين‪ ،‬والسالم عليكم ورحمة هللا وبركاته‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫جامعة صفوة‬
‫كلية العلوم الشرعية والعربية‬
‫مقرر التفسير‬
‫الفرقة الثالثة‬
‫الدرس السابع‬
‫من كتاب [نيل المرام من تفسير آيات األحكام]‬
‫شرح الدكتور‪ /‬سعد معوض حفظه هللا‬
‫*****‬

‫إن الحمد هلل تعالى نحمده‪ ،‬ونستعين به ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل تعالى من‬
‫شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬إنه من يهده هللا تعالى فال مضل له‪ ،‬ومن‬
‫يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له وأشهد أن‬
‫محمًد ا عبده ورسوله‪ ،‬اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على‬
‫إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد‪ ،‬اللهم بارك على محمد وعلى آل‬
‫محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد‪.‬‬
‫أما بعد؛ المحاضرة السابعة من شرح كتاب نيل المرام من تفسير آيات األحكام‬
‫لمحمد صديق خان رحمة هللا عليه‪.‬‬

‫مع سورة آل عمران 🔸‬


‫‪ -‬وسورة آل عمران مدنية باإلجماع‪ ،‬ووردت األحاديث الدالة على فضلها‬
‫مع سورة البقرة‪.‬‬

‫💎 اآلية األولى‪:‬‬
‫قال سبحانه وتعالى‪{ :‬اَّل َيَّتِخ ِذ اْلُم ْؤ ِم ُنوَن اْلَك اِفِريَن َأْو ِلَياَء ِم ن ُدوِن اْلُم ْؤ ِمِنيَن ۖ ‬
‫ُك‬ ‫ِّذ‬ ‫ۗ ‬‫ًة‬‫ا‬‫َق‬‫ُت‬ ‫ْن‬ ‫وا‬‫ُق‬‫َّت‬‫َت‬ ‫ن‬‫َأ‬ ‫اَّل‬ ‫َش‬ ‫ي‬ ‫َل‬‫َف‬ ‫َك‬ ‫ن ْف َٰذ‬
‫ُم ُهَّللا‬ ‫ُر‬ ‫ُيَح‬ ‫َو‬ ‫ُه‬
‫ِم ْم‬ ‫ٍء‬
‫ِم ِهَّللا ِف ْي ِإ‬ ‫َن‬ ‫ْيَس‬ ‫َو َم َي َعْل ِل‬
‫َنْفَسُهۗ َوِإَلى ِهَّللا اْلَم ِص يُر } [آل عمران‪]٢٨ :‬‬

‫‪110‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬قال المصنف رحمه هللا‪ :‬فيه النهي للمؤمنين عن ُم واالة الكفار بسبب من‬
‫األسباب‪.‬‬

‫🔺 ومثله قوله تعالى‪{ :‬اَل َتَّتِخ ُذ وا ِبَطاَنًة ِّم ن ُد وِنُك ْم } [آل عمران‪]١١٨ :‬‬

‫🔺 وقوله تعالى‪َ{ :‬و َم ن َيَتَو َّلُهم ِّم نُك ْم َفِإَّنُه ِم ْنُهْم } [المائدة‪]٥١ :‬‬

‫🔺 وقوله‪{ :‬اَّل َتِج ُد َقْو ًم ا ُيْؤ ِم ُنوَن ِباِهَّلل} [المجادلة‪]٢٢ :‬‬

‫🔺 وقوله تعالى‪{ :‬اَل َتَّتِخ ُذ وا اْلَيُهوَد َو الَّنَص اَر ى َأْو ِلَياَء } [المائدة‪]٥١ :‬‬

‫🔺 وقوله تعالى‪َ{ :‬يا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا اَل َتَّتِخ ُذ وا َع ُد ِّو ي َو َع ُد َّو ُك ْم َأْو ِلَياء}‬
‫[الممتحنة‪]١ :‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬و َم ن َيْفَع ْل َٰذ ِلَك } أي من يفعل المواالة‪.‬‬


‫‪َ{ -‬فَلْيَس ِم َن ِهَّللا ِفي َش ْي ٍء } أي من واليته في شيء من األشياء بل هو ُم نسلخ‬
‫عنه بكل حال‪.‬‬
‫‪ِ{ -‬إاَّل َأن َتَّتُقوا ِم ْنُهْم ُتَقاًة} أي إال أن تخافوا منهم أمرا يجب اتقاؤه‪ ،‬وفي ذلك‬
‫دليٌل على جواز المواالة لهم مع الخوف منهم‪ ،‬لكنها تكون ظاهًر ا ال باطًنا‪،‬‬
‫وخالف في ذلك قوم من السلف فقالوا ال َتقَّية بعد أن أعز هللا اإلسالم‪.‬‬

‫💎 اآلية الثانية‪:‬‬
‫قال تعالى‪ِ{ :‬فيِه آَياٌت َبِّيَناٌت َّم َقاُم ِإْبَر اِهيَم ۖ َو َم ن َد َخ َلُه َك اَن آِم ًناۗ َو ِهَّلِل َع َلى‬
‫الَّناِس ِح ُّج اْلَبْيِت َمِن اْس َتَطاَع ِإَلْيِه َس ِبياًل ۚ َو َم ن َك َفَر َفِإَّن َهَّللا َغ ِنٌّي َع ِن‬
‫اْلَعاَلِم يَن } [آل عمران‪]٩٧ :‬‬
‫‪ -‬فحرف "الالم" في كلمة {َو ِهَّلِل} هذا لإليجاب واإللزام‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬وكذلك حرف "على" {وهلل على} أيضا هذا للتوكيد واإليجاب‪ ،‬بل إن‬
‫العرب قالوا حرف "على" أوضح الدالالت على الوجوب كما تقول لفالن‬
‫علَّي كذا‪ ،‬فذكر هللا سبحانه الحج بأبلغ ما َيدُل على الوجوب تأكيًد ا لحقه‬
‫وتعظيًم ا لحرمته‪ ،‬وهذا الخطاب شامٌل لجميع الناس ال يخرج عنه إال من‬
‫خصصه الدليل كالصبي والعبد‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬مِن اْسَتَطاَع ِإَلْيِه َس ِبياًل } وقد اختلف أهل العلم في االستطاعة ماذا‬
‫هي؟‬
‫‪ ‬فقيل الزاد والراحلة‪ ،‬وبهما فسرها النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وإليه‬
‫ذهب جماعة من الصحابة والتابعين‪ ،‬وحكاه الترمذي عن أكثر أهل العلم‬
‫وهو الحق‪.‬‬
‫‪ ‬وقال مالك‪ :‬إن الرجل إذا وثق بقوته لزمه الحج وإن لم يكن له زاد‬
‫وراحلة إذا كان يقدر على التكسب‪ ،‬وبه قال عبد هللا بن الزبير والشعبي‬
‫وعكرمة‪.‬‬
‫‪ ‬وقال الضحاك‪ :‬إن كان شاًبا قوًيا وليس له ماٌل فعليه أن ُيؤجر نفسه حتى‬
‫يقضي حجه‪.‬‬
‫‪ ‬ثم قال‪ :‬ومن جملة ما يدخل في االستطاعة دخواًل أولًّيا‪ :‬أن تكون الطريق‬
‫إلى الحج آمنة بحيث يأمن الحاج على نفسه وماله الذي ال يجد زاًد ا‬
‫غيره‪ ،‬أما لو كانت غير آمنة فال استطاعة ألن هللا سبحانه وتعالى قال‪:‬‬
‫{َمِن اْسَتَطاَع ِإَلْيِه َس ِبياًل } [آل عمران‪ ،]٩٧ :‬وهذا الخائف على نفسه أو‬
‫ماله لم يستطع إليه سبياًل بال شٍك وال ُش بهة‪.‬‬

‫وقد اختلف أهل العلم إذا كان في الطريق من الَظلمة من يأخذ بعض المال‬
‫يجحف بزاد الحاج‪:‬‬
‫‪ ‬فقال الشافعي‪ :‬ال يعطي َح بة ويسقط عليه فرض الحج‪.‬‬
‫‪ ‬ووافقه جماعة وخالفه آخرون‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪ :‬والظاهر أن من تمكن من الزاد والراحلة وكانت الطريق آمنة بحيث‬
‫يتمكن من مرورها ولو بمصانعة بعض الَظَلَم ة بدفع شيء من المال يتمكن‬
‫منه الحاج وال ينقص من زاده وال يجحف به الحج غير ساقٍط عنه بل‬
‫واجٌب عليه ألنه قد استطاع السبيل إليه بدفع شيٍء من المال ولكن يكون‬
‫هذا المال المدفوع في الطريق من ُجملة ما يتوقف عليه االستطاعة‪.‬‬
‫‪ -‬ثم قال‪ :‬ومن جملة ما يدخل في االستطاعة أن يكون الحاج صحيح البدن‬
‫على وجٍه ُيمكنه الركوب‪ ،‬فلو كان َز ِم ًنا بحيث ال يقدر على المشي وال على‬
‫الركوب فهذا وإن وجد الزاد والراحلة لم يستطع السبيل‪.‬‬

‫💎 اآلية الثالثة‪:‬‬
‫قال تعالى‪َ{ :‬و َم ا َك اَن ِلَنِبٍّي َأن َيُغَّل ۚ َو َم ن َيْغُلْل َيْأِت ِبَم ا َغ َّل َيْو َم اْلِقَياَم ِةۚ ُثَّم‬
‫ُتَو َّفى ُك ُّل َنْفٍس َّم ا َك َسَبْت َو ُهْم اَل ُيْظَلُم وَن } [آل عمران‪]١٦١ :‬‬

‫‪ -‬أي يأتي به حاماًل له على ظهره كما صح ذلك عن النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم فيفضحه بين الخالئق‪.‬‬
‫‪ -‬ثم قال‪ :‬وهذه الجملة تتضمن تأكيد تحريم الُغ لول والتنفير منه بأنه ذنٌب‬
‫يختص فاعله بعقوبٍة على رؤوس األشهاد‪ ،‬وَيَّطلع عليها أهل المحشر وهي‬
‫مجيئه يوم القيامة بما غَّله حاماًل له قبل أن يحاسب عليه ويعاقب‪.‬‬

‫🔸 سورة النساء 🔸‬
‫‪ -‬وهي كلها مدنية إال آيًة واحدة نزلت بمكة عام الفتح‪.‬‬

‫💎 اآلية األولى‬

‫‪113‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫قال تعالى‪َ{ :‬وِإْن ِخ ْفُتْم َأاَّل ُتْقِس ُطوا ِفي اْلَيَتاَم ى َفانِكُح وا َم ا َطاَب َلُك م ِّم َن‬
‫الِّنَس اِء َم ْثَنى َو ُثاَل َث َو ُرَباَع ۖ َفِإْن ِخ ْفُتْم َأاَّل َتْع دُِلوا َفَو اِح َد ًة َأْو َم ا َم َلَك ْت َأْيَم اُنُك ْم ۚ ‬
‫َٰذ ِلَك َأْد َنى َأاَّل َتُعوُلوا} [النساء‪]٣ :‬‬

‫‪ -‬وذلك أن الرجل كان يكفل اليتيمة لكونه َو ِلًّيا لها‪ ،‬ويريد أن يتزوجها فال‬
‫ُيقِس ط لها في المهر‪ ،‬أي ال يعدل فيه وال يعطيها ما يعطيه غيره من‬
‫األزواج‪ ،‬فنهاهم هللا أن ينكحوهن إال أن يَقسطوا لهن‪ ،‬ويبلغوا بهن أعلى ما‬
‫هو لهن من الصداق‪ ،‬وُأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء ِس واهن‪،‬‬
‫فهذا سبب نزول اآلية فهو نهٌي يخص هذه الصورة‪.‬‬

‫‪ -‬وقيل إن هذه اآلية ناسخة لما كان في الجاهلية في أول اإلسالم من أن‬
‫للرجل أن يتزوج من الحرائر ما شاء فقصرهم بهذه اآلية على أربع‪.‬‬

‫ثم قال‪ :‬اختلف األئمة في معنى هذه اآلية‪،‬‬


‫‪ ‬فقال أبو عبيٍد ‪ :‬خفتم بمعنى أيقنتم‪.‬‬
‫‪ ‬وقال آخرون‪ :‬خفتم بمعنى ظننتم‪.‬‬
‫‪ ‬وقال ابن عطية‪ :‬والمعنى أن من غلب على ظنه التقصير في العدل‬
‫لليتيمة فليتركها وينكح غيرها‪.‬‬

‫ثم قال‪ :‬ما طاب يعني فانكحوا النوع الطيب من النساء أي الحالل وما‬ ‫‪-‬‬
‫حرمه هللا فليس بطيب‪.‬‬
‫{َم ْثَنى} أي اثنتين اثنتين‬ ‫‪-‬‬
‫{َو ُثاَل َث } أي ثالثا ثالثا‬ ‫‪-‬‬
‫{َو ُر َباَع } أي أربعا أربعا‬ ‫‪-‬‬
‫وأما من استدل باآلية على جواز ِنكاح الِتسع باعتبار الواو الجامعة وكأنه‬ ‫‪-‬‬
‫قال فانكحوا مجموع هذا العدد المذكور فهذا جهٌل بالمعنى العربي ولو قال‬
‫انكحوا اثنتين وثالًثا وأربًعا لكان هذا القول له وجه‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬فِإْن ِخ ْفُتْم َأاَّل َتْع ِد ُلوا َفَو اِح َد ًة} [النساء‪ ]٣ :‬أي فانكحوا واحدة‪ ،‬كما‬
‫يدل على ذلك قوله‪َ{ :‬فانِكُحوا َم ا َطاَب } [النساء‪]٣ :‬‬
‫والمعنى فإن خفتم أال تعدلوا بين الزوجات في الَقْس ِم ونحوه فانكحوا واحدة‪،‬‬
‫وفيه المنع من الزيادة على الواحدة لمن خاف ذلك‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬أْو َم ا َم َلَك ْت َأْيَم اُنُك ْم } [النساء‪ ]٣ :‬ما ملكت أيمانكم من السراري‬
‫وإن كثر عددهن كما ُيفيده الموصول إذ ليس لهن من الحقوق ما للزوجات‬
‫الحرائر‪ ،‬والمراد ِنكاحهن بطرق الِم ْلِك ال بطريق النكاح‪ ،‬وفيه دليل على‬
‫أن ال حق للمملوكات في الَقْس ِم كما يدل على ذلك جعله قسيًم ا للواحدة في‬
‫األمن من عدم العدل‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬أْد َنى َأاَّل َتُعوُلوا} [النساء‪ ]٣ :‬أي أقرب إلى أن تجوروا‪ِ ،‬م ن عال‬
‫الرجل يعول إذا مال وجار والمعنى‪ :‬إن خفتم عدم العدل بين الزوجات فهذه‬
‫التي ُأمرتم بها أقرب إلى عدم الَج ْو ِر ‪ ،‬وهو قول أكثر المفسرين‪.‬‬
‫‪ ‬وقال الشافعي‪ :‬أدنى أال تعولوا أي ال يكثر ِع يالكم‪.‬‬
‫‪ ‬وقال الثعلبي‪ :‬وما قال هذا غيره وذكر ابن العربي‪ :‬أنه يقال أعال‬
‫الرجل إذا كثر عياله‪ ،‬وأما عال بمعنى كثر فال يصلح‪.‬‬

‫💎 اآلية الثانية‪:‬‬
‫{َو اَل ُتْؤ ُتوا الُّس َفَهاَء َأْمَو اَلُك ُم اَّلِتي َج َعَل ُهَّللا َلُك ْم ِقَياًم ا َو اْر ُز ُقوُهْم ِفيَها َو اْك ُس وُهْم‬
‫َو ُقوُلوا َلُهْم َقْو اًل َّم ْعُر وًفا} [النساء‪]٥ :‬‬

‫قال‪ :‬اختلف أهل العلم في هؤالء السفهاء من هم؟‬


‫‪ ‬فقال سعيد بن جبير‪ :‬هم اليتامى ال تؤتوهم أموالهم‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫قال النحاس‪ :‬وهذا من أحسن ما قيل في اآلية‪.‬‬


‫‪ ‬وقال مالك‪ :‬هم األوالد الصغار أي ال تعطوهم أموالكم فيفسدوها ويبقوا‬
‫بال شيء‪.‬‬
‫‪ ‬وقال مجاهد‪ :‬هم النساء‪.‬‬
‫‪ ‬وقال النحاس وغيره‪ :‬وهذا القول ال يصح إنما تقول العرب سفهاؤه أي‬
‫سفيهات‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬و اْر ُز ُقوُهْم ِفيَها َو اْك ُسوُهْم } [النساء‪]٥ :‬‬
‫‪ ‬أي اجعلوا لهم فيها رزًقا وافرضوا لهم وهذا فيمن يلزم نفقته وكسوته من‬
‫الزوجات واألوالد ونحوهم‪.‬‬
‫‪ ‬وأما على قول من قال‪( :‬إن األموال هي أموال اليتامى)‪ ،‬فالمعنى اتجروا‬
‫فيها حتى تربحوا‪ ،‬وتنفقوهم من األرباح‪ ،‬واجعلوا لهم من أموالهم ِرْز ًقا‬
‫ينفقونه على أنفسهم‪ ،‬ويكسون به‪.‬‬
‫وقد استدل بهذه اآلية على جواز الحجر على السفهاء (وبه قال‬
‫الجمهور)‪.‬‬

‫‪ ‬وقال أبو حنيفة‪ :‬ال ُيحجر على من بلغ َع اِقاًل ‪.‬‬


‫واستدل بها َأيًْض ا على وجوب النفقة على القرابة‪.‬‬

‫💎 ثم قال‪ :‬اآلية الثالثة‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬و اْبَتُلوا اْلَيَتاَم ى َح َّتى ِإَذ ا َبَلُغوا الِّنَك اَح َفِإْن آَنْس ُتم ِّم ْنُهْم ُر ْش ًد ا‬
‫َفاْد َفُعوا ِإَلْيِهْم َأْمَو اَلُهْم ۖ َو اَل َتْأُك ُلوَها ِإْسَر اًفا َو ِبَد اًر ا َأن َيْك َبُر واۚ َو َم ن َك اَن َغ ِنًّيا‬
‫َفْلَيْس َتْع ِفْف ۖ َو َم ن َك اَن َفِقيًر ا َفْلَيْأُك ْل ِباْلَم ْعُر وِف ۚ َفِإَذ ا َد َفْع ُتْم ِإَلْيِهْم َأْمَو اَلُهْم‬
‫َفَأْش ِهُدوا َع َلْيِهْم ۚ َو َك َفى ِباِهَّلل َح ِس يًبا} [النساء‪.]٦ :‬‬

‫‪ -‬قال‪( :‬االبتالء) هو االختبار‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫واختلفوا في معنى االختبار‪.‬‬


‫‪ ‬فقيل‪ :‬هو أن يتأمل الوصي أخالق يتيمه ليعلم بنجابته وحسن تصرفه‬
‫فيدفع إليه ماله إذا (بلغ النكاح) وآنس منه الرشد‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل‪ :‬أن يدفع إليه َش ْيًئا من ماله ويأمره بالتصرف فيه حتى يعلم حقيقة‬
‫حاله‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل‪ :‬أن َيُر َّد النظر إليه في نفقة الدار ليعلم كيف تدبيره‪ ،‬وإن كانت‬
‫جارية رد إليها ما ُيرد إلى ربة البيت من تدبير بيتها‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬ح َّتى ِإَذ ا َبَلُغ وا الِّنَك اح} المراد بلوغ الحلم‪.‬‬

‫🔺 لقوله تعالى‪َ{ :‬و ِإَذ ا َبَلَغ اَأْلْطَفاُل ِم نُك ُم اْلُح ُلَم } [النور‪.]٥٩ :‬‬

‫‪ -‬ومن عالمات البلوغ‪:‬‬


‫‪ ‬اإلنباُت‬
‫‪ ‬وبلوغ خمس عشرة سنة‪.‬‬
‫‪ ‬وقال مالٌك وأبو حنيفة وغيرهما‪ :‬ال ُيحكم لمن ال يحتلم بالبلوغ إال بعد‬
‫مضي سبع عشرة سنة‪ .‬وهذه العالمات تعم الذكر واألنثى‪.‬‬
‫‪ ‬وتختص األنثى بالَحَبِل والحيض‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬فِإْن آَنْس ُتم ِّم ْنُهْم ُر ْش ًد ا} أي‪ :‬أبصرتم‪ ،‬ورأيتم‪.‬‬

‫🔺 ومنه قوله تعالى‪{ :‬آَنَس ِم ن َج اِنِب الُّطوِر َناًرا} [القصص‪.]٢٩ :‬‬


‫‪ ‬وقيل‪ :‬هو هنا بمعنى َع ِلَم ووجد‪.‬‬

‫واختلف العلماء في معنى الرشد‪:‬‬

‫‪117‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ ‬فقيل‪ :‬الصالح في العقل والدين‪.‬‬


‫‪ ‬وقيل‪ :‬في العقل خاصة‪.‬‬
‫‪ ‬قال سعيد ابن جبير والشعبي‪ :‬إنه ال يدفع إلى اليتيم ماله إذا لم ُيؤنس‬
‫رشده‪ .‬وإن كان َش ْيًخ ا‪.‬‬
‫‪ ‬قال الضحاك‪ :‬وإن بلغ مائة سنة‪.‬‬
‫‪ ‬وجمهور العلماء على أن الرشد ال يكون إال بعد البلوغ‪ ،‬وعلى أنه إن لم‬
‫يرشد بعد بلوغ الحلم ال يزول عنه الَح جر‪.‬‬
‫‪ ‬وقال أبو حنيفة‪ :‬ال ُيحَج ُر على الحّر البالغ‪ ،‬وإن كان أفسق الناس‪،‬‬
‫وأشدهم َتْبِذ يًر ا‪ ،‬وبه قال النخعي وُز َفر‪.‬‬
‫‪ ‬قال‪ :‬وظاهر النظم القرآني أنها ال ُتدفع إليهم أموالهم إال بعد بلوغ غايٍة‬
‫هي بلوغ الِنكاح ُم قيدة هذه الغاية بإيناس الرشد فال بد من مجموع‬
‫األمرين‪ ،‬فال ُتدفع إلى اليتامى أموالهم قبل البلوغ وإن كانوا معروفين‬
‫بالرشد‪ ،‬وال بعد البلوغ إال بعد إيناس الرشد منهم‪.‬‬
‫‪ -‬والمراد بالرشد‪" :‬نوعه" وهو المتعلق بحسن التصرف في أمواله‪ ،‬وعدم‬
‫التبذير بها ووضعها في مواضعها‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬فاْدَفُعوا ِإَلْيِهْم َأْم َو اَلُهْم } يعني من غير تأخير إلى حد البلوغ‪.‬‬

‫‪َ{ -‬و اَل َتْأُك ُلوَها ِإْس َر اًفا َو ِبَد اًرا َأن َيْك َبُروا}‬
‫‪ -‬واإلسراف هو اإلفراط ومجاوزة الحد‪.‬‬
‫‪ -‬والِبدار هو‪ :‬المبادرة‪ .‬أي ال تأكلوا أموال اليتامى أكل إسراف وأكل مبادرة‬
‫لكبرهم‪ ،‬أو ال تأكلوا ألجل السرف والمبادرة‪ ،‬أو مسرفين ومبادرين لكبرهم‬
‫وتقولوا ننفق أموال اليتامى فيما نشتهي قبل أن يبلغوا فينتزعوها من أيدينا‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬و َم ن َك اَن َغ ِنًّيا َفْلَيْسَتْع ِفْف ۖ َو َم ن َك اَن َفِقيًرا َفْلَيْأُك ْل ِباْلَم ْعُروِف }‪.‬‬
‫بّين سبحانه ما يحل لهم من أموال اليتامى‪ ،‬فأمر الغنّي باالستعفاف وتوفير‬
‫ما للصبي عليه‪ ،‬وعدم تناوله منه‪ ،‬وسَّو غ للفقير أن يأكل بالمعروف‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫واختلف أهل العلم في األكل بالمعروف ما هو؟‬


‫‪ ‬فقال قوم‪ :‬هو القرض إذا احتاج إليه‪ ،‬ويقضي متى أيسر هللا عليه‪ .‬وبه‬
‫قال عمر بن الخطاب‪ ،‬وابن عباس‪ ،‬وعبيدة السلماني‪ ،‬وابن جرير‪،‬‬
‫والشعبي‪ ،‬ومجاهد‪ ،‬وأبو العالية‪ ،‬واألوزاعي‪.‬‬
‫‪ ‬وقال النخعي‪ ،‬وعطاء‪ ،‬والحسن‪ ،‬وقتادة‪ :‬ال قضاء على الفقير فيما يأكل‬
‫بالمعروف‪ ،‬وبه قال جمهور الفقهاء‪ .‬وهذا النظم القرآني ألصق‪ ،‬فإن‬
‫إباحة األكل للفقير مشعرة بجواز ذلك له من غير قرض‪.‬‬
‫‪ -‬والمراد بالمعروف‪ :‬المتعارف به بين الناس‪ ،‬فال يترَّفه بأموال اليتامى‪،‬‬
‫ويبالغ في التنعم بالمأكول والمشروب والملبوس‪ ،‬وال يدع نفسه عن سّد‬
‫الفاقة وستر العورة‪.‬‬
‫‪ -‬والخطاب في هذه اآلية "لألولياء" يعني أولياء األيتام القائمين بما ُيصلحهم‬
‫كاألب‪ ،‬والجّد ‪ ،‬ووصيهما‪.‬‬
‫‪ -‬وقال بعض أهل العلم‪ :‬المراد باآلية اليتامى إن كان َغ ِنًّيا وسع عليه‪ ،‬وإن‬
‫كان َفِقيًر ا كان اإلنفاق عليه بقدر ما يحصل له‪ ،‬وهذا القول في غاية‬
‫السقوط‪.‬‬

‫ثم قال‪َ{ :‬فِإَذ ا َد َفْع ُتْم ِإَلْيِهْم َأْم َو اَلُهْم َفَأْش ِهُد وا َع َلْيِهْم } يعني أشهدوا عليهم أنهم‬ ‫‪-‬‬
‫قد قبضوها منكم لتندفع عنكم الُتهم‪ ،‬وتأمنوا الدعوى الصادرة منهم‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إن اإلشهاد المشروع هو على ما أنفقه عليهم األولياء قبل رشدهم‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫وقيل‪ :‬هو على رّد ما استقرضه إلى أموالهم‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫وظاهر النظم القرآني‪ :‬مشروعية اإلشهاد على ما دفع إليهم من أموالهم‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫وهو يعّم اإلنفاق قبل الرشد‪ ،‬والدفع للجميع إليهم بعد الرشد‪.‬‬

‫💎 ثم قال اآلية الرابعة‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬وِإَذ ا َح َضَر اْلِقْس َم َة ُأوُلو اْلُقْر َبى َو اْلَيَتاَم ى َو اْلَم َس اِكيُن َفاْر ُز ُقوُهم‬
‫ِّم ْنُه َو ُقوُلوا َلُهْم َقْو اًل َّم ْعُر وًفا} [النساء‪.]٨ :‬‬

‫‪119‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫قال‪َ{ :‬و ِإَذ ا َحَضَر اْلِقْس َم َة}‪ :‬يعني قسمة الميراث‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{ُأوُلو القربي}‪ :‬المراد بالقرابة هنا غير الوارثين‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫وكذا {واليتامى والمساكين} شرع هللا سبحانه أنهم إذا حضروا قسمة‬ ‫‪-‬‬
‫التركة كان لهم منها رزق‪ ،‬فيرضخ لهم المتقاسمون َش ْيًئا منها‪.‬‬
‫وقد ذهب قوم إلى أن اآلية محكمة وان األمر للندب‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫وذهب آخرون إلى أنها منسوخة بقوله تعالى‪ُ{ :‬يوِص يُك ُم ُهَّللا ِفي َأْو اَل ِد ُك ْم }‬ ‫‪‬‬
‫[النساء‪]١١ :‬‬
‫واألول أرجح؛ ألن المذكور في اآلية للقرابة غير الوارثين ليس هو من‬ ‫‪‬‬
‫جملة الميراث حتى ُيقال إنها منسوخة بآية المواريث‪ ،‬إال أن يقال إن أولى‬
‫القرابة المذكورين هنا هم الوارثون كان للنسخ وجه‪.‬‬
‫وقالت طائفة‪" :‬إن هذا الرضخ لغير الوارث من القرابة واجب بمقدار ما‬ ‫‪‬‬
‫تطيب به أنفس الورثة" وهو معنى األمر الحقيقي فال ُيصار إلى الندب إال‬
‫بقرينة‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬فاْر ُز ُقوُهم ِّم ْنُه} هذا راجع إلى المال المقسوم المدلول عليه‬
‫بالقسمة‪.‬‬

‫💎 ثم قال‪ :‬اآلية الخامسة‬


‫قال تعالى‪ُ{ :‬يوِص يُك ُم ُهَّللا ِفي َأْو اَل ِد ُك ْم ۖ ِللَّذ َك ِر ِم ْثُل َح ِّظ اُأْلنَثَيْيِن ۚ َفِإن ُك َّن ِنَس اًء‬
‫َفْو َق اْثَنَتْيِن َفَلُهَّن ُثُلَثا َم ا َتَر َكۖ َوِإن َك اَنْت َو اِح َد ًة َفَلَها الِّنْص ُف ۚ َو َأِلَبَو ْيِه ِلُك ِّل‬
‫َو اِح ٍد ِّم ْنُهَم ا الُّس ُد ُس ِم َّم ا َتَر َك ِإن َك اَن َلُه َو َلٌدۚ َفِإن َّلْم َيُك ن َّلُه َو َلٌد َوَو ِرَثُه َأَبَو اُه‬
‫َفُأِلِّم ِه الُّثُلُث ۚ َفِإن َك اَن َلُه ِإْخ َو ٌة َفُأِلِّم ِه الُّس ُد ُس ۚ ِم ن َبْع ِد َو ِص َّيٍة ُيوِص ي ِبَها َأْو‬
‫َدْيٍن ۗ آَباُؤ ُك ْم َو َأْبَناُؤ ُك ْم اَل َتْد ُر وَن َأُّيُهْم َأْقَرُب َلُك ْم َنْفًعاۚ َفِر يَض ًة ِّم َن ِهَّللاۗ ِإَّن َهَّللا‬
‫َك اَن َع ِليًم ا َح ِكيًم ا} [النساء‪.]١١ :‬‬

‫‪120‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬هذا تفصيل لما ُأجمل في قوله‪ّ{ :‬للّر َج اِل َنصِيٌب ّمَّم ا َتَر َك اْلواِلداِن‬
‫َو األْقَر ُبوَن } [النساء‪.]٧ :‬‬
‫‪ -‬وقد استدل بذلك على جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة‪.‬‬
‫‪ -‬قال‪ :‬وهذه اآلية ركن من أركان الدين‪ ،‬وعمدة من ُع مد األحكام‪ ،‬وأم من‬
‫أمهات اآليات؛ الشتمالها على ما يهم من علم الفرائض‪ ،‬وقد كان هذا العلم‬
‫من أجّل علوم الصحابة رضي هللا عنهم‪ ،‬وأكثر مناظراتهم فيه‪.‬‬

‫🔺 وورد في الترغيب في علم الفرائض وتعليمها قول النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪" :‬تعلموا الفرائض وعلموها الناس‪ ،‬فإني امرٌؤ مقبوض‪ ،‬وإن العلم‬
‫سُيقبض وتظهر الفتن حتى يختلف االثنان في الفريضة ال يجدان من يقضي‬
‫بها"‪.‬‬

‫‪ -‬والمعنى‪ُ{ :‬يوِص يُك ُم ُهَّللا ِفي َأْو اَل ِد ُك م} أي‪ :‬في شأن ميراثهم‪.‬‬

‫وقد اختلفوا‪ :‬هل يدخل أوالد األوالد أم ال؟‬


‫‪ ‬فقالت الشافعية‪ :‬إنهم يدخلون َم َج اًز ا ال حقيقة‪.‬‬
‫‪ ‬وقالت الحنفية‪ :‬إنهم يتناولهم لفظ األوالد حقيقة إذا لم يوجد أوالد الصلب‪.‬‬

‫وال خالف أن بني البنين كالبنين في الميراث مع عدمهم‪،‬‬ ‫‪-‬‬


‫وإنما الخالف في داللة لفظ األوالد على أوالدهم مع عدمهم‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫ويدخل في لفظ األوالد من كان منهم َك اِفًر ا‪ ،‬ويخرج بالُّسنة‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫وكذلك يدخل القاتل عمًد ا‪ ،‬ويخرج َأْيًض ا بالسنة واإلجماع‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫ويدخل فيه الُخ نثى‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪ ‬وأجمع العلماء على أنه ُيَو َّر ُث من حيث يبول‪ ،‬فإن بال منهما‪ ،‬فمن حيث‬
‫سبق‪ ،‬فإن خرج البول منهما من غير سبق أحدهما‪ ،‬فله نصف نصيب‬
‫الذكر‪ ،‬ونصف نصيب األنثى‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ ‬ثم قال‪ :‬وقد أجمع العلماء على أنه إذا كان مع األوالد من له فرض ُم سمى‬
‫ُأعطيه‪ ،‬وكان ما بقي من المال للذكر مثل حظ األنثيين‪.‬‬

‫🔺 لقول النبي صلى هللا عليه وسلم‪" :‬ألحقوا الفرائض بأهلها‪ ،‬فما بقي فألولى‬
‫رجٍل ذكر"‪.‬‬

‫ثم قال‪ِ{ :‬للَّذ َك ِر ِم ْثُل َح ِّظ اُأْلنَثَيْيِن } أي‪ :‬للذكر منهم‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫والمراد حال اجتماع الذكور واإلناث‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وأما حال االنفراد‪ ،‬فللذكر جميع الميراث‪ ،‬ولألنثى النصف‪ ،‬وألنثيين‬ ‫‪-‬‬
‫َفَص اِع ًد ا الثلثان‪.‬‬
‫فإن كّن أي األوالد‪ ،‬والتأنيث باعتبار الخبر‪ ،‬أو البنات‪ ،‬أو المولودات نساء‬ ‫‪-‬‬
‫ليس معهن ذكر فوق اثنتين‪ ،‬أي زائدات على اثنتين فلهن ثلثا ما ترك‬
‫الميت‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬و ِإن َك اَنْت َو اِح َد ًة َفَلَها الِّنْص ُف } يعني إذا انفردت البنت فلها‬
‫النصف‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬و َأِلَبَو ْيِه ِلُك ِّل َو اِح ٍد ِّم ْنُهَم ا الُّس ُد ُس } والمراد باألبوين األب واألم‪.‬‬

‫وقد اختلف أهل العلم في الجد‪ :‬هل هو بمنزلة األب فيسقط باإلخوة أم ال؟‬
‫‪ ‬فذهب أبو بكر الصديق رضي هللا عنه إلى أنه بمنزلة األب‪ ،‬ولم يخالف أحٌد‬
‫من الصحابة أيام خالفته‪ ،‬واختلفوا في ذلك بعد وفاته‪.‬‬
‫‪ ‬فقال بقول أبي بكر‪ :‬ابن عباس‪ ،‬وعبدهللا بن الزبير‪ ،‬وعائشة‪ ،‬ومعاذ بن‬
‫جبل‪ ،‬وُأبي بن كعب‪ ،‬وأبو الدرداء‪ ،‬وأبو هريرة‪ ،‬وعطاء‪ ،‬وطاووس‬
‫والحسن‪ ،‬وقتادة وأبو حنيفة وأبو ثوٍر‪ ،‬وإسحاق‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫🔺 واحتجوا بمثل قوله تعالى‪ِّ{ :‬م َّلَة َأِبيُك ْم ِإْبَر اِهيَم } [الحج‪]٧٨ :‬‬

‫🔺 وقول النبي صلى هللا عليه وسلم‪" :‬ارموا يا بني إسماعيل"‪.‬‬


‫‪ ‬وذهب علي بن أبي طالب‪ ،‬وزيد بن ثابت‪ ،‬وابن مسعود إلى توريث الجد‬
‫مع اإلخوة ألبوين أو ألب‪ ،‬وال ينقص معهم عن الثلث وال ينقص مع ذوي‬
‫الفروض عن السدس في قول زيد‪ ،‬ومالك‪ ،‬واألوزاعي‪ ،‬وأبي يوسف‪،‬‬
‫ومحمد‪ ،‬والشافعي‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل‪ُ :‬يَش َّر ك بين الجد واإلخوة إلى السدس‪ ،‬وال ينقصه من السدس شيًئا مع‬
‫ذوي الفروض وغيرهم وهو قول ابن أبي ليلى وطائفة‪.‬‬

‫️✔ وذهب الجمهور إلى أن الجد ُيسقط بني اإلخوة‪.‬‬


‫‪ ‬وروى الشافعي عن علي رضي هللا عنه‪ :‬أنه أجرى بني اإلخوة في‬
‫المقاسمة مجرى اإلخوة‪.‬‬
‫‪ ‬وأجمع العلماء على أن الجد ال يرث مع األب شيًئا وعلى أن للجدة السدس‬
‫إذا لم يكن للميت أم‪.‬‬
‫‪ ‬وأجمعوا على أنها ساقطٌة مع وجود األم‪ ،‬وأجمعوا على أن األب ال ُيسقط‬
‫الجدة أم األم‪.‬‬

‫واختلفوا في توريث الجدة وابنها حي‪.‬‬


‫‪ ‬فُروي عن زيد بن ثابت وعثمان بن علي أنها ال ترث‪ ،‬وبه قال مالك‬
‫والثوري واألوزاعي وأبو ثور وأصحاب الرأي‪.‬‬
‫‪ ‬وُروي عن عمر وابن مسعود وأبي موسى أنها ترث معه‪ ،‬وروي َأْيًضا عن‬
‫علي‪ ،‬وعثمان‪ ،‬وبه قال شريح‪ ،‬وجابر بن زيد‪ ،‬وُع بيد هللا بن الحسن‪،‬‬
‫وشريك‪ ،‬وأحمد‪ ،‬وإسحاق‪ ،‬وابن المنذر‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪ِ{ :‬مَّم ا َتَر َك ِإن َك اَن َلُه َو َلٌد } الولد يقع على الذكر واألنثى‪ ،‬لكّنه إذا‬
‫كان الموجود الذكر من األوالد وحده‪ ،‬أو مع األنثى منهم فليس للجد إال‬
‫السدس‪.‬‬
‫‪ -‬وإن كان الموجود أنثى كان للجد السدس بالفرض وهو َع َصَبُته فيما عدا‬
‫السدس‪.‬‬
‫‪ -‬وأوالد ابن الميت كأوالد الميت‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬فِإن َّلْم َيُك ن َلُه َو َلٌد } أي‪ :‬وال ولد ابن لما تقدم من [اإلجماع] وورثه‬
‫أبواه منفردين عن سائر الورثة‪.‬‬
‫‪ -‬كما ذهب إليه الجمهور من أن األم ال تأخذ ثلث التركة إال إذا لم يكن للميت‬
‫وارٌث غير األبوين‪ ،‬أما لو كان معهما أحد الزوجين فليس لألم إال ثلث‬
‫الباقي بعد الموجود من الزوجين‪.‬‬

‫‪َ{ -‬فُأِلِّمِه الُّثُلُث }‪.‬‬


‫‪ -‬وُروي عن ابن عباس‪ :‬أن لألم ثلث األصل مع أحد الزوجين وهو مستلزم‬
‫تفضيل األم على األب في مسألة زوج وأبوين مع االتفاق على أنه أفضل‬
‫منها عند انفرادهما عن أحد الزوجين‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬فِإن َك اَن َلُه ِإْخ َو ٌة َفُأِلِّمِه الُّس ُد ُس } فإطالق اإلخوة ألبوين أو‬
‫ألحدهما‪.‬‬
‫‪ ‬وقد أجمع أهل العلم على أن االثنين من اإلخوة يقومان مقام الثالثة‬
‫فصاعدا في حجب األم إلى السدس‪ ،‬إال ما ُيروى عن ابن عباس أنه جعل‬
‫االثنين كواحد في عدم الحجب‪.‬‬
‫‪ ‬وأجمعوا أيضا على أن األختين َفَص اِع ًد ا كاألخوين في حجب األم‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪ِ{ :‬م ن َبْع ِد َو ِص َّيٍة ُيوِص ي ِبَها َأْو َد ْيٍن }‬

‫واخُتلف في وجه تقديم الوصية على الدين مع كونه ُم قدًم ا عليها [باإلجماع]‬

‫‪124‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫فقيل‪ :‬المقصود تقديم األمرين على الميراث من غير قصد إلى الترتيب‬ ‫‪‬‬
‫بينهما‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬لما كانت الوصية أقل ُلزوًم ا من الدين ُقدمت اهتماًم ا بها‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫وقيل‪ُ :‬قدمت لكثرة وقوعها فصارت كاألمر الالزم لكل ميت‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫وقيل‪ُ :‬قدمت لكونها حظ المساكين والفقراء‪ ،‬وأَّخ ر الدين لكونه حظ غريم‬ ‫‪‬‬
‫ُيطلب بقوة وسلطان‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬لما كانت الوصية ناشئة من جهة الميت ُقدمت‪ ،‬بخالف الَّد ين فإنه‬ ‫‪‬‬
‫ثابت ُم ؤَّد ى‪ُ ،‬ذ كر أم لم ُيذكر‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬قدمت لكونها ُتشبه الميراث في كونها مأخوذة من غير ِع وٍض‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫فربما ُيشق على الورثة إخراجها بخالف الدين فإن نفوسهم مطمئنة بأدائه‪.‬‬

‫🔺 وهذه الوصية مقيدة بقوله تعالى‪َ{ :‬غْيَر ُم َض اَّر } [النساء‪.]١٢ :‬‬


‫كما سيأتي إن شاء هللا‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪{ :‬آَباُؤ ُك ْم َو َأْبَناُؤ ُك ْم اَل َتْد ُروَن َأُّيُهْم َأْقَر ُب َلُك ْم َنْفًعا} أي‪ :‬ال تدرون أيهم‬
‫قريب لكم نفعه في الدعاء لكم وفي الصدقة عنكم‪.‬‬

‫🔺 كما في الحديث الصحيح‪" :‬أو ولد صالح يدعو له"‪.‬‬


‫وقال ابن عباس والحسن‪ :‬قد يكون االبن أفضل فيشفع في أبيه‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫وقال بعض المفسرين‪ :‬إن االبن إذا كان أرفع درجة من أبيه في اآلخرة‬ ‫‪‬‬
‫سأل هللا أن يرفع أباه‪ ،‬وإذا كان األب أرفع درجة من ابنه سأل هللا أن يرفع‬
‫ابنه إليه‬
‫وقيل‪ :‬المراد النفع في الدنيا واآلخرة‪ .‬قاله‪ :‬ابن زيد‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫وقيل‪ :‬المعنى أنكم ال تدرون من أنفع لكم من آبائكم وأبنائكم‪ ،‬من أوصى‬ ‫‪‬‬
‫منهم فعَّر ضكم لثواب اآلخرة بإمضاء وصيته فهو أقرب لكم نفعا‪ ،‬أو من‬
‫ترك الوصية ووفر عليكم عرض الدنيا‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫ثم قال‪َ{ :‬فِريَض ًة ِّم َن ِهَّللا} ُنِص ب على المصدر المؤكد‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ثم قال‪ِ{ :‬إَّن َهَّللا َك اَن َع ِليًم ا} يعني عليًم ا بقسمة المواريث‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{حكيًم ا} حكم بِقسمتها وبَّينها ألهلها‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وقال الزجاج‪ :‬عليًم ا باألشياء قبل خلقها وحكيًم ا فيما ُيقدره ويمضيه‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫💎 اآلية السادسة‪:‬‬
‫قال هللا تعالى‪َ{ :‬و َلُك ْم ِنْص ُف َم ا َتَر َك َأْز َو اُج ُك ْم ِإن َّلْم َيُك ن َّلُهَّن َو َلٌدۚ َفِإن َك اَن‬
‫َلُهَّن َو َلٌد َفَلُك ُم الُّر ُبُع ِم َّم ا َتَر ْك َن ۚ ِم ن َبْع ِد َو ِص َّيٍة ُيوِص يَن ِبَها َأْو َدْيٍن ۚ َو َلُهَّن‬
‫الُّر ُبُع ِم َّم ا َتَر ْك ُتْم ِإن َّلْم َيُك ن َّلُك ْم َو َلٌدۚ َفِإن َك اَن َلُك ْم َو َلٌد َفَلُهَّن الُّثُم ُن ِم َّم ا َتَر ْك ُتمۚ ‬
‫ِّم ن َبْع ِد َو ِص َّيٍة ُتوُص وَن ِبَها َأْو َدْيٍن ۗ َوِإن َك اَن َرُج ٌل ُيوَر ُث َكاَل َلًة َأِو اْم َر َأٌة َو َلُه‬
‫َأٌخ َأْو ُأْخ ٌت َفِلُك ِّل َو اِح ٍد ِّم ْنُهَم ا الُّس ُد ُس ۚ َفِإن َك اُنوا َأْك َثَر ِم ن َٰذ ِلَك َفُهْم ُش َر َك اُء ِفي‬
‫الُّثُلِثۚ ِم ن َبْع ِد َو ِص َّيٍة ُيوَص ى ِبَها َأْو َدْيٍن َغ ْيَر ُم َض اٍّر ۚ َو ِص َّيًة ِّم َن ِهَّللاۗ َوُهَّللا‬
‫َع ِليٌم َح ِليٌم } [النساء‪]١٢ :‬‬

‫‪ -‬قال‪َ{ :‬و َلُك ْم ِنْص ُف َم ا َتَر َك َأْز َو اُج ُك ْم ِإن َّلْم َيُك ن َّلُهَّن َو َلٌد } والخطاب هنا‬
‫للرجال والمراد بالولد ولد الصلب أو ولد الولد لما قدمنا من اإلجماع‪.‬‬

‫‪َ{ -‬فِإن َك اَن َلُهَّن َو َلٌد َفَلُك ُم الُّر ُبُع ِمَّم ا َتَر ْك َن } وهذا ُم جمٌع عليه لم يختلف أهل‬
‫العلم في أن للزوج مع عدم الولد النصف ومع وجوده وإن َس ُفَل الربع‪.‬‬

‫‪ِ{ -‬م ن َبْع ِد َو ِص َّيٍة ُيوِص يَن ِبَها َأْو َد ْيٍن } (كما ذكرنا قبل ذلك)‪.‬‬

‫‪َ{ -‬و َلُهَّن الُّر ُبُع ِمَّم ا َتَر ْك ُتْم ِإن َّلْم َيُك ن َّلُك ْم َو َلٌد ۚ َفِإن َك اَن َلُك ْم َو َلٌد َفَلُهَّن الُّثُم ُن ِمَّم ا‬
‫َتَر ْك ُتمۚ ِّم ن َبْع ِد َو ِص َّيٍة ُتوُصوَن ِبَها َأْو َد ْيٍن } هذا النصيب مع الولد والنصيب‬
‫مع عدمه‪ ،‬تنفرد به الواحدة من الزوجات ويشترك فيه األكثر من واحدة ال‬
‫خالف في ذلك‪ .‬والخالف في الوصية والدين‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬ثم قال {َو ِإن َك اَن َر ُجٌل ُيوَر ُث َكاَل َلًة}‬


‫‪ ‬والكاللة‪ :‬هو الميت الذي ال ولد له وال والد‪ .‬وهذا قول أبي بكر الصديق‬
‫وعمر وعلٍّي وجمهور أهل العلم‪ .‬وقد قيل‪ :‬إنه إجماع‪.‬‬
‫‪ ‬وقال ابن كثير‪ :‬وبه يقول أهل المدينة والكوفة والبصرة‪ .‬وهو قول القضاة‬
‫السبعة واألئمة األربعة وجمهور السلف والخلف بل جميعهم‪ ،‬وقد حكى‬
‫اإلجماع غير واحد وورد فيه حديث مرفوع‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬أْو اْمَر َأٌة} وهي َأْيًض ا امرأة ُتوَر ث كاللة‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬و َلُه َأٌخ َأْو ُأْخ ٌت َفِلُك ِّل َو اِح ٍد ِّم ْنُهَم ا الُّس ُد ُس }‪.‬‬
‫‪ ‬أجمع العلماء على أن اإلخوة ها هنا هم اإلخوة ألم وال خالف بين أهل‬
‫العلم أن اإلخوة ألب وأم‪ ،‬أو ألب ليس ميراثهم هكذا‪ .‬فدل إجماعهم على‬
‫أن اإلخوة المذكورين في قوله تعالى‪َ{ :‬و ِإن َك اُنوا ِإْخ َو ًة ِّر َج ااًل َو ِنَس اًء‬
‫َفِللَّذ َك ِر ِم ْثُل َح ِّظ اُأْلنَثَيْيِن } هم اإلخوة ألبوين أو ألب‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬فِإن َك اُنوا َأْك َثَر ِم ن َذ ِلَك َفُهْم ُش َر َك اُء ِفي الُّثُلِث } يعني أكثر من األخ‬
‫المنفرد واألخت المنفردة بواحد‪ ،‬وذلك بأن يكون الموجود اثنين َفَص اِع َد ا‬
‫ذكرين أو انثيين أو ذكًرا وأنثى‪.‬‬
‫‪ ‬وقد استدل بذلك على أن الذكر كاألنثى من اإلخوة ألم ألن هللا َش َّر َك‬
‫بينهم في الثلث ولم يذكر فضل الذكر على األنثى كما ذكره في البنين‬
‫واإلخوة ألبوين أو ألب‪ .‬وهذا إجماع‪.‬‬

‫‪ -‬ودلت اآلية على أن اإلخوة ألم إذا استكملت بهم المسألة كانوا أقدم من‬
‫اإلخوة ألبوين أو ألب‪.‬‬
‫️♦ وذلك في المسألة الُم سماة "بالِح مارية"‬
‫‪ -‬وهي‪ :‬إذا تركت الميتة زوًجا وأًّم ا وأخوين ألم وإخوة ألبوين‪.‬‬
‫‪ ‬فإن للزوج‪ :‬النصف‪.‬‬
‫‪ ‬ولألم‪ :‬السدس‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ ‬ولألخوين‪ :‬ألم الثلث‪.‬‬


‫‪ ‬وال شيء لإلخوة ألبوين‪.‬‬
‫‪ -‬ووجه ذلك أنه قد ُو جد الشرط الذي يرث عنده اإلخوة من األم وهو كون‬
‫الميت 《كاللة》‪.‬‬

‫🔺 ويؤكد هذا الحديث قول النبي صلى اهلل عليه وسلم‪" :‬ألحقوا الفرائض‬
‫بأهلها فما بقي فألولى رجٍل ذكر"‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪ِ{ :‬م ن َبْع ِد َو ِص َّيٍة ُيوَص ى ِبَها َأْو َد ْيٍن َغْيَر ُم َض اٍّر } أي‪ :‬يوصي حال‬
‫كونه غير مضار لورثته بوجه من وجوه الِض رار‪.‬‬

‫🔅 كأن ُيقر بشيء ليس عليه‪.‬‬

‫🔅 أو يوصي بوصية ال مقصد له فيها إال اإلضرار بالورثة‪.‬‬

‫🔅 أو يوصي لوارٍث مطلًقا‪.‬‬

‫🔅 أو لغيره بزيادة على الثلث ولم ُيجزه الورثة‪.‬‬

‫‪ -‬غير مضار يعني‪ :‬راجع إلى الوصية والدين المذكور فهو قيٌد لهما‪.‬‬

‫🔅 من اإلقرارات َم َثاًل بالديون‪.‬‬

‫🔅 أو الوصايا المنهي عنها له‪.‬‬

‫🔅 أو التي ال مقصد لصاحبها إال المضرة لورثته‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫❌ فهذا باطل مردود ال ُينفذ منه شيء ال الثلث وال دونه‪.‬‬

‫‪ ‬ثم قال‪ :‬قال القرطبي وأجمع العلماء‪( :‬على أن الوصية للوارث ال‬
‫تجوز)‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬و ِص َّيًة ِّم َن ِهَّللا} يعني يوصيكم بذلك كقوله سبحانه وتعالى‪:‬‬
‫{َفِريَض ًة ِّم َن ِهللا} [النساء‪.]١١ :‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬و ُهَّللا َع ِليٌم َحِليٌم } في كون هذه الوصية من هللا سبحانه دليٌل على‬
‫أنه قد وصى عباده بهذه التفاصيل المذكورة في الفرائض‪ .‬وأن كل وصية‬
‫من عباده تخالفها فهي مسبوقة بوصية هللا‪.‬‬

‫🔅 وذلك كالوصايا المتضمنة لتفضيل بعض الورثة على بعض‪ ،‬أو المشتملة‬
‫على الِّض رار بوجه من الوجوه‪.‬‬

‫هذا وسبحانك اللهم وبحمدك‪ ،‬نشهد أن ال إله إال أنت‪ ،‬نستغفرك ونتوب إليك‪،‬‬
‫والسالم عليكم ورحمة هللا وبركاته‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫جامعة صفوة‬
‫كلية العلوم الشرعية والعربية‬
‫مقرر التفسير‬
‫الفرقة الثالثة‬
‫المحاضرة الثامنة‬
‫من كتاب [نيل المرام من تفسير آيات األحكام]‬
‫شرح الدكتور‪ /‬سعد معوض حفظه هللا‬

‫إن الحمد هلل تعالى نحمده ونستعين به ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل تعالى من شرور‬
‫أنفسنا ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬إنه من يهده هللا تعالى فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل‬
‫فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمًد ا عبده‬
‫ورسوله‪ ،‬اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم‬
‫وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد‪ ،‬اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما‬
‫باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد‪.‬‬
‫وبعد؛ المحاضرة الثامنة من شرح كتاب [نيل المرام من تفسير آيات األحكام]‬
‫لمحمد صديق خان رحمة هللا عليه‪.‬‬

‫💎 مع اآلية السادسة في سورة النساء‬


‫وقوله سبحانه وتعالى‪َ{ :‬يا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا اَل َيِح ُّل َلُك ْم َأن َتِرُثوا الِّنَس اَء َك ْر ًهاۖ ‬
‫َو اَل َتْعُض ُلوُهَّن ِلَتْذ َهُبوا ِبَبْع ِض َم ا آَتْيُتُم وُهَّن ِإاَّل َأن َيْأِتيَن ِبَفاِح َش ٍة ُّم َبِّيَنٍةۚ ‬
‫َو َع اِش ُر وُهَّن ِباْلَم ْعُر وِف ۚ َفِإن َك ِرْه ُتُم وُهَّن َفَعَس ى َأن َتْك َر ُهوا َش ْيًئا َو َيْج َعَل ُهَّللا‬
‫ِفيِه َخ ْيًر ا َك ِثيًر ا} [النساء‪]١٩ :‬‬

‫‪ -‬واآلية يتضح معناها بمعرفة سبب نزولها وهو ما أخرجه البخاري وغيره‬
‫عن ابن عباس قال‪" :‬كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته إن شاء‬
‫بعضهم تزوجها‪ ،‬وإن شاءوا زوجوها‪ ،‬وإن شاءوا لم يزوجوها فهم أحق‬
‫بها من أهلها فنزلت هذه اآلية"‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬قال‪{ :‬اَل َيِح ُّل َلُك ْم َأن َتِرُثوا الِّنَس اَء َك ْر ًها} [النساء‪ ]١٩ :‬وال يحل لكم أن‬
‫تعضلوهن عن أن يتزوجن غيركم‪.‬‬

‫‪ِ{ -‬لَتْذ َهُبوا ِبَبْع ِض َم ا آَتْيُتُم وُهَّن } أي لتأخذوا ميراثهن إذا ُم ْتَن ‪ ،‬أو ليدفعن إليكم‬
‫صداقهن إذا أذنتم لهن بالِنكاح‪ .‬وهذا تفسير هذه اآلية؛ كان إذا مات الرجل‬
‫وله زوجة ألقى ابنه من غيرها أو أقرب عصبته ثوبه على المرأة‪ ،‬فيصير‬
‫أحق بها من نفسها ومن أوليائها‪ ،‬فإن شاء تزوجها بغير صداٍق إال الصداق‬
‫الذي أصدقها الميت‪ ،‬وإن شاء َز وَّج ها من غيره وأخذ صداقها ولم يعطها‬
‫شيئا‪ ،‬وإن شاء عضلها لتفتدي منه بما ورثت من الميت‪ ،‬أو تموت فيرثها‪.‬‬
‫فنزلت هذه اآلية‪.‬‬

‫‪ ‬وقيل‪ :‬ألزواج النساء إذا حبستموهن مع سوء العشرة في إرثهن أو يفتدين‬


‫ببعض ُم هورهن‪ .‬واختار هذا القول ابن عطية قال‪:‬‬
‫ودليل ذلك قوله‪ِ{ :‬إاَّل َأن َيْأِتيَن ِبَفاِح َش ٍة ُّم َبِّيَنٍة} [النساء‪]١٩ :‬‬
‫فإنها إذا أتت بفاحشة فليس للولي حبسها حتى تذهب بمالها إجماًع ا من األمة‬
‫وإنما ذلك للزوج‪.‬‬
‫‪ ‬قال الحسن‪" :‬إذا زنت الِبكر فإنها ُتجلد مئة‪ ،‬وُتنفى‪ ،‬وترد إلى زوجها ما‬
‫أخذت منه"‪.‬‬
‫‪ ‬وقال أبو ِقالبة‪" :‬إذا زنت امرأة الرجل فال بأس أن ُيضارها ويشق عليها‬
‫حتى تفتدي منه"‪.‬‬
‫‪ ‬وقال الُسدي‪" :‬إذا فعلن ذلك فخذوا ُم هورهن"‪.‬‬
‫‪ ‬وقال قوٌم ‪" :‬الفاحشة البذائة باللسان وسوء العشرة قواًل وفعال"‪.‬‬
‫‪ ‬وقال مالٌك وجماعة من أهل العلم‪" :‬للزوج أن يأخذ من الناشز جميع ما‬
‫تملك"‪.‬‬
‫‪ ‬هذا كله على أن الخطاب في قوله‪{ :‬وال تعضلوهن} لألزواج‪ ،‬فقد‬
‫عرفت فيما قَّد منا في سبب النزول أن الخطاب في قوله {وال‬
‫تعضلوهن} لمن ُخ وطب بقوله {ال يحل لكم أن ترثوا النساء كرها}‪،‬‬

‫‪131‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ ‬فيكون المعنى‪ :‬وال يحل لكم أن تمنعوهن من الزواج لتذهبوا ببعض ما‬
‫آتيتموهن‪ ،‬أي ما آتاهن من توريثهن إال أن يأتين بفاحشٍة ُم بينة فحينئٍذ‬
‫جاز لكم حبسهن عن األزواج‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬و َع اِش ُروُهَّن ِباْلَم ْعُروِف } قال‪ :‬أي بما هو معروف في هذه‬
‫الشريعة وبين أهلها من حسن المعاشرة وهو ِخ طاٌب لألزواج أو لما هو‬
‫أعم‪ ،‬وذلك ُم ْخ َتَلٌف باختالف األزواج في الغنى والفقر والرفاعة‬
‫والوضاعة‪.‬‬

‫‪َ{ -‬فِإن َك ِرْهُتُم وُهَّن } لسبب من األسباب من غير ارتكاب فاحشة وال نشوز‪،‬‬
‫‪َ{ -‬فَعَس ٰى َأن َتْك َر ُهوا َش ْيًئا َو َيْج َعَل ُهَّللا ِفيِه َخ ْيًرا َك ِثيًر ا} أي فعسى أن َيُؤ ول‬
‫األمر إلى ما تحبونه من ذهاب الكراهة وتبديلها بالمحبة‪ ،‬فيكون في ذلك‬
‫خير كثير من استدامة الصحبة وحصول األوالد‪ ،‬فيكون الجزاء على هذا‬
‫محذوفا مدلوال عليه ِبِع لته‪ ،‬أي فإن كرهتموهن فاصبروا وال ُتفارقوهن‬
‫بمجرد هذه النفرة‪ ،‬فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل هللا فيه خيرا كثيرا‪.‬‬

‫‪ -‬قيل في اآلية ندٌب إلى إمساك الزوجة مع الكراهة‪ ،‬ألنه إذا كره صحبتها‬
‫وتحمل ذلك المكروه طلًبا للثواب وأنفق عليها وأحسن هو ُم عاشرتها؛‬
‫استحق الثناء الجميل في الدنيا والثواب الجزيل في الُعقبى‪.‬‬

‫💎 ثم قال‪ :‬اآلية السابعة‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬وِإْن َأَر دُّتُم اْس ِتْبَد اَل َز ْو ٍج َّم َك اَن َز ْو ٍج َو آَتْيُتْم ِإْح َداُهَّن ِقنَطاًر ا َفاَل‬
‫َتْأُخ ُذ وا ِم ْنُه َش ْيًئاۚ َأَتْأُخ ُذ وَنُه ُبْه َتاًنا َوِإْثًم ا ُّمِبيًنا} [النساء‪]٢٠ :‬‬

‫‪ -‬قال‪{ :‬وإن أردتم استبدال زوج} أي زوجة مكان زوج‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪َ{ -‬و آَتْيُتْم ِإْح َد اُهَّن ِقنَطاًر ا} والمراد به هنا المال الكثير‪ ،‬وفيه دليل على جواز‬
‫الُم غاالة في المهور‪.‬‬
‫‪َ{ -‬فاَل َتْأُخ ُذ وا ِم ْنُه َش ْيًئا} قيل هي ُم حكمة وقيل منسوخة بقوله تعالى‪َ{ :‬و اَل‬
‫َيِح ُّل َلُك ْم َأن َتْأُخ ُذ وا ِمَّم ا آَتْيُتُم وُهَّن َش ْيًئا ِإاَّل َأن َيَخ اَفا َأاَّل ُيِقيَم ا ُح ُد وَد ِهَّللا}‬
‫[البقرة‪.]٢٢٩ :‬‬
‫واألولى أن الكل ُم حكٌم ‪ ،‬والمراد هنا غير الُم ختلعة‪ ،‬فال يحل لزوجها أن‬
‫يأخذ مما آتاها شيئا‪.‬‬

‫💎 ثم قال‪ :‬اآلية الثامنة‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬و اَل َتنِكُح وا َم ا َنَك َح آَباُؤ ُك م ِّم َن الِّنَس اِء ِإاَّل َم ا َقْد َس َلَف ۚ ِإَّنُه َك اَن‬
‫َفاِح َش ًة َو َم ْقًتا َو َس اَء َس ِبياًل } [النساء‪]٢٢ :‬‬

‫‪ -‬قال‪َ{ :‬و اَل َتنِكُحوا َم ا َنَك َح آَباُؤ ُك م ِّم َن الِّنَس اِء } نهى عَّم ا كانت عليه الجاهلية‬
‫من ِنكاح نساء آبائهم إذا ماتوا وهو ُش روٌع في بيان من َيحُرم ِنكاحه من‬
‫النساء ومن ال َيحُرم‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪ِ{ :‬إاَّل َم ا َقْد َس َلَف } يعني ما قد سلف في الجاهلية فاجتنبوه ودعوه‪.‬‬
‫‪ -‬وقوله {َو اَل َتنِكُحوا َم ا َنَك َح آَباُؤ ُك م ُيفيد المبالغة في التحريم بإخراج الكالم‬
‫مخرج التعليق‪.‬‬
‫‪ -‬ثم قال‪ِ{ :‬إَّنُه َك اَن َفاِح َش ًة َو َم ْقًتا َو َس اَء َس ِبياًل } هذه الصفات الثالث تدل على‬
‫أنه من أشد الُم حرمات وأقبحها‪ ،‬وقد كانت الجاهلية تسميه «ِنكاح المقت»‬
‫وهو أن يتزوج الرجل امرأة أبيه إذا طلقها أو مات عنها‪.‬‬

‫💎 ثم قال‪ :‬اآلية التاسعة‬


‫قال تعالى‪ُ{ :‬ح ِّر َم ْت َع َلْيُك ْم ُأَّم َهاُتُك ْم َو َبَناُتُك ْم َو َأَخ َو اُتُك ْم َو َع َّم اُتُك ْم َو َخ ااَل ُتُك ْم‬
‫َو َبَناُت اَأْلِخ َو َبَناُت اُأْلْخ ِت َو ُأَّم َهاُتُك ُم الاَّل ِتي َأْر َضْع َنُك ْم َو َأَخ َو اُتُك م ِّم َن الَّرَض اَع ِة‬

‫‪133‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫َو ُأَّم َهاُت ِنَس اِئُك ْم َو َرَباِئُبُك ُم الاَّل ِتي ِفي ُح ُج وِرُك م ِّم ن ِّنَس اِئُك ُم الاَّل ِتي َد َخ ْلُتم ِبِهَّن‬
‫َفِإن َّلْم َتُك وُنوا َد َخ ْلُتم ِبِهَّن َفاَل ُج َناَح َع َلْيُك ْم َو َح اَل ِئُل َأْبَناِئُك ُم اَّلِذ يَن ِم ْن َأْص اَل ِبُك ْم‬
‫َو َأن َتْج َم ُعوا َبْيَن اُأْلْخ َتْيِن ِإاَّل َم ا َقْد َس َلَف ۗ ِإَّن َهَّللا َك اَن َغُفوًر ا َّر ِح يًم ا} [النساء‪:‬‬
‫‪]٢٣‬‬

‫‪ -‬قال‪ُ{ :‬حِّر َم ْت َع َلْيُك ْم ُأَّمَهاُتُك ْم } أي نكاحهن‪ ،‬وقد بين هللا سبحانه وتعالى في‬
‫هذه اآلية ما يحل وما َيحُرم من النساء‪ ،‬فحَّرم سبًعا من الَنسِب وِس ًتا من‬
‫الَر ضاِع والِص هر‪ ،‬وألحقت الُسنة الُم تواترة تحريم الجمع بين المرأة‬
‫وعمتها‪ ،‬وبين المرأة وخالتها ووقع عليه اِإل جماع‪.‬‬

‫‪ ‬فالسبع الُم حرمات من الَنَسِب‪:‬‬


‫⁕ األمهات‬
‫⁕ والبنات‬
‫⁕ واألخوات‬
‫⁕ والعمات‬
‫⁕ والخاالت‬
‫⁕ وبنات األخ‬
‫⁕ وبنات األخت‬

‫‪{ -‬وأمهاتكم الالتي أرضعنكم} هذا ُم ْطَلٌق ُقِّيَد بما ورد في السنة من كون‬
‫الَر ضاِع في الحولين إال في مسألة قصة إرضاع سالٍم مولى أبي ُحذيفة‪،‬‬
‫وظاهر النظم القرآني أنه يثُبت حكم الَر ضاِع بما يصُد ق عليه ُم سمى‬
‫الرضاع لغًة وشرًع ا‪ ،‬ولكنه قد ورد تقييده بخمس رضعاٍت في أحاديث‬
‫صحيحة عن جماعة من الصحابة‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬و َأَخ َو اُتُك م ِّم َن الَّر َض اَع ِة} األخت من الَر ضاِع هي التي‪:‬‬
‫◙ أرضعتها أمك بلبن أبيك سواٌء أرضعتها معك أو مع من قبلك أو بعدك‬
‫من اإلخوة واألخوات‪،‬‬

‫‪134‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫◙ واألخت من األم هي التي أرضعتها أمك بلبن رجٍل آخر‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬و ُأَّمَهاُت ِنَس اِئُك ْم َو َرَباِئُبُك ُم الاَّل ِتي ِفي ُحُجوِرُك م ِّم ن ِّنَس اِئُك ُم الاَّل ِتي‬
‫َد َخ ْلُتم ِبِهَّن }‬
‫‪ ‬فالُم حرمات بالِص هر والَر ضاِع‪:‬‬
‫⁕ األمهات من الرضاعة‬
‫⁕ واألخوات من الرضاعة‬
‫⁕ وأمهات النساء‬
‫⁕ والربائب‬
‫⁕ وحالئل األبناء‬
‫⁕ والجمع بين األختين فهؤالء ست‬
‫⁕ والسابعة منكوحات اآلباء‬
‫⁕ والثامنة الجمع بين المرأة وعمتها‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬و ُأَّمَهاُت ِنَس اِئُك ْم } أي الالتي دخلتم بهن‪ ،‬وزعموا أن قيد الدخول‬
‫راجٌع إلى األمهات والربائب جميًعا‪ .‬وُروى ذلك عن الَخ اَّل س وعن علٍي ‪،‬‬
‫وُروي عن ابن عباس وجابر وزيد بن ثابت وابن الُز بير ومجاهد‪.‬‬
‫‪ -‬ثم قال‪ :‬قال القرطبي‪ِ :‬رواية خالس عن علٍي ال تقوم بها حجة‪ ،‬وال تصح‬
‫روايته عند أهل الحديث‪ .‬والصحيح عنه مثل قول الجماعة‪.‬‬
‫وقد ُأجيب عن قولهم إن قيد الدخول راجٌع إلى األمهات والربائب بأن ذلك‬
‫ال يجوز من ِج هة اإلعراب‪.‬‬

‫🔻 قال ابن المنذر‪ :‬والصحيح قول الجمهور لدخول جميع أمهات النساء في‬
‫قوله‪َ{ :‬و ُأَّمَهاُت ِنَس اِئُك ْم }‪.‬‬

‫🔺 ومما يدل على ما ذهب إليه الجمهور ما أخرجه عبد الرزاق وعبد بن‬
‫ُحميٍد وابن جرير وابن الُم نذر والَبْيهِقي في ُسننه من طريقين عن عمرو بن‬
‫ُش عيٍب عن أبيه عن جده عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪" :‬إذا نكح‬

‫‪135‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫الرجل المرأة فال َيِح ُل له أن يتزوج ُأمها"‪ ،‬دخل باالبنة أو لم يدخل‪ ،‬وإذا‬
‫تزوج األم فلم يدخل بها ثم طلقها‪ ،‬فإن شاء تزوج االبنة‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬واعلم أنه يدخل في لفظ "األمهات"‪ :‬أمهاتهن‪ ،‬وجداتهن‪ ،‬وأم األب‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫وجدته وإن عَلْو ن‪ ،‬ألن كلهن أمهات لمن َو لُد ه من ولدهن وإن َس ُفَل ‪.‬‬
‫قال‪ :‬ويدخل في لفظ "البنات"‪ :‬بنات األوالد وإن َس ُفلن‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫"واألخوات" َتصُد ق على األخت ألبوين أو أحدهما‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫"والعمة" اسٌم لكل أنثى شاركت أباك أو جدك في أْص َلْيِه أو أحدهما‪ ،‬وقد‬ ‫‪-‬‬
‫تكون العمة من ِج هة األم وهي أخت أب األم‪،‬‬
‫"والخالة" اسٌم لكل أنثى شاركت أمك في أصَليها أو أحدهما‪ ،‬وقد تكون‬ ‫‪-‬‬
‫الخالة من جهة األب وهي أخت أم أبيك‪،‬‬
‫"وبنت األخ" اسم لكل أنثى ألخيك عليها والدة بواسطته ومباشرٍة وإن‬ ‫‪-‬‬
‫بعدت وكذلك بنت األخت‪.‬‬

‫‪ ‬والمحرمات بالُم صاهرة أربع‪:‬‬


‫⁕ أم المرأة‬
‫⁕ وابنتها‬
‫⁕ وزوجة األب‬
‫⁕ وزوجة االبن‬
‫‪ -‬والربيبة بنت امرأة الرجل من غيره ُسميت بذلك؛ ألنه ُيرِبيها في ِح جره‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬فِإن َّلْم َتُك وُنوا َد َخ ْلُتم ِبِهَّن َفاَل ُج َناَح َع َلْيُك ْم }‬

‫وقد اختلف أهل العلم في معنى الدخول الُم وِج ب لتحريم الربائب‬
‫‪ ‬فُروي عن ابن عباس أنه قال‪" :‬الدخول الِج ماع"‪ .‬وهو قول طاووس‬
‫وَع مرو بن دينار وغيرهما‪.‬‬
‫‪ ‬وقال مالٌك والثوري وأبو حنيفة واألوزاعي والليث‪" :‬إن الزوج إذا لمس‬
‫األم بشهوٍة ُحِّر َم ت عليه ابنتها"‪ .‬وهو أحد قولي الشافعي‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫فقال ابن جرير الطبري‪ :‬وفي إجماع الجميع على أن خلوة الرجل بامرأته‬ ‫‪‬‬
‫ال ُتحرم ابنتها عليه إذا طلقها قبل مسيسها وُم باشرتها‪ ،‬وقبل النظر إلى‬
‫فرجها بشهوٍة‪ ،‬ما يدل على أن معنى ذلك هو الوصول إليها بالِج ماع‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬وأما الربيبة في ِم لك اليمين‪ ،‬فقد ُروي عن عمر بن الخطاب رضي‬ ‫‪‬‬
‫هللا عنه أنه كره ذلك‪.‬‬
‫وقال ابن عباس‪ :‬أحلتهما آيٌة وحرمتهما آيٌة‪ ،‬ولو لم أكن ألفعله‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫وقال ابن عبد البر‪ :‬ال خالف بين العلماء أنه ال يحل أن يطأ امرأًة وابنتها‬ ‫‪‬‬
‫من ِم لك اليمين؛ ألن هللا حرم ذلك في الِّنكاح‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬و ُأَّمَهاُت ِنَس اِئُك ْم َو َرَباِئُبُك ُم الاَّل ِتي ِفي ُحُجوِرُك م ِّم ن ِّنَس اِئُك ُم }‬
‫[النساء‪.]٢٣ :‬‬
‫‪ -‬وقال‪ :‬وِم لك اليمين عندهم َتبٌع للِنكاح إال ما ُروي عن عمر وابن عباس‪،‬‬
‫وليس على ذلك أحٌد من أئمة الفتوى وال من تبعهم‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬و َح اَل ِئُل َأْبَناِئُك ُم } الحالئل جمع َحِليلة‪ ،‬وهي الزوجة؛ ُسميت بذلك‬
‫ألنها تحل مع الزوج حيث حل‪ ،‬وقد أجمع العلماء على تحريم ما عقد عليه‬
‫اآلباء على األبناء‪ ،‬وما عقد عليه األبناء على اآلباء‪ ،‬سواٌء كان مع العقد‬
‫وطٌء أو لم يكن‪،‬‬

‫🔺 لقوله تعالى‪َ{ :‬و اَل َتنِكُحوا َم ا َنَك َح آَباُؤ ُك م ِّم َن الِّنَس اِء } [النساء‪]٢٢ :‬‬

‫🔺 وقوله تعالى‪َ{ :‬و َح اَل ِئُل َأْبَناِئُك ُم } [النساء‪]٢٣ :‬‬

‫واختلف الفقهاء في العقد إذا كان فاسًد ا هل َيقتضي التحريم أم ال؟‬


‫فهو ُم بيٌن في كتب الفروع كما َذ َك ر‪.‬‬
‫‪ ‬فقال ابن المنذر‪ :‬أجمع كل من يحفظ عنه العلم من علماء األمصار أن‬
‫الرجل إذا وطأ امرأًة بِنكاٍح فاسٍد ال َتحُرم على أبيه وابنه وعلى أجداده‪.‬‬
‫‪137‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ ‬وأجمع العلماء على أن عقد الشراء على الجارية ال ُيحِّر مها على أبيه‬
‫وابنه‪ ،‬وال أعلمهم يختلفون فيه فَو َج ب تحريم ذلك تسليًم ا لهم‪ ،‬ولو اختلفوا‬
‫في تحريمها بالنظر دون اللمس لم يُجز ذلك الختالفهم‪.‬‬

‫‪ -‬قال‪" :‬وال يصح عن أحد من أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫ِخ الف ما قلناه"‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪{ :‬اَّلِذ يَن ِم ْن َأْص اَل ِبُك ْم } هذا وصٌف لألبناء‪ ،‬أي‪ :‬دون من تبنيتم من‬
‫أوالد غيركم‪ ،‬كما كانوا يفعلونه في الجاهلية‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪" :‬وأما زوجة االبن من الَر ضاِع‪ ،‬فذهب الجمهور إلى أنها تحُرم‬
‫على أبيه"‪.‬‬
‫‪ -‬وقد قيل‪ :‬إنه [إجماٌع ] مع أن االبن من الرضاع ليس من أوالد الُصلب‪.‬‬

‫ثم قال‪" :‬وقد اختلف أهل العلم في وطء الزنا هل يقتضي التحريم أم ال؟‬
‫‪ ‬فقال أكثر أهل العلم‪ :‬إذا أصاب رجل امرأًة بزنا لم َيحُرم عليه ِنكاحها‪،‬‬
‫وكذلك ال تحرم عليه امرأته إذا زنى بأمها أو بابنتها‪ ،‬وحْسبه أن ُيقام عليه‬
‫الحد‪ ،‬وكذلك يجوز له عندهم أن يتزوج بأم من زنا بها وبابنتها‪.‬‬
‫‪ ‬وقالت طائفة من أهل العلم‪" :‬إن الزنا يقتضي التحريم"‪ُ .‬ح ِكَي ذلك عن‬
‫عمران بن حصين‪ ،‬والشعبي‪ ،‬وعطاء‪ ،‬والحسن‪ ،‬وُسفيان الثوري‪ ،‬وأحمد‪،‬‬
‫وإسحاق‪ ،‬وأصحاب الرأي‪ ،‬وُح ِكَي ذلك عن مالك‪ ،‬والصحيح عنه كقول‬
‫الجمهور‪.‬‬
‫واحتج الجمهور بقوله سبحانه وتعالى‪َ{ :‬و ُأَّمَهاُت ِنَس اِئُك ْم }‪ ،‬وبقوله‪:‬‬
‫{َو َح اَل ِئُل َأْبَناِئُك ُم }‪.‬‬
‫والموطوءة بالزنا ال َيْص ُد ق عليه أنها من نسائهم‪ ،‬وال من حالئل أبنائهم‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫🔻 ثم احتج المحِّر مون بما ُروي في قصة ُجريٍج الثابتة في الصحيح أنه قال‪:‬‬
‫يا غالم من أبوك؟ فقال‪ :‬فالن الراعي‪ .‬فنسب االبن نفسه إلى أبيه من الزنا‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬وهذا احتجاٌج ساقط‪.‬‬

‫🔺 وقالوا أيًضا يحتجون بقول النبي صلى هللا عليه وسلم‪" :‬ال ينظر هللا إلى‬
‫رجٍل نظر إلى فرج امرأة وابنتها ولم يفصل بين الحالل والحرام"‪.‬‬
‫وُيجاب عنه بأن هذا مطلٌق ُم قَّيد بما ورد من األدلة الدالة على أن الحرام ال‬
‫ُيَح ِّر م الحالل‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال {َو َأن َتْج َم ُعوا َبْيَن اُأْلْخ َتْيِن } أي‪ :‬وَح ُرم عليكم أن تجمعوا بين‬
‫األختين فهو في محل رفع عطًفا على المحرمات السابقة‪ ،‬ويشمل الجمع‬
‫بينهما بالِنكاح والوطء بملك اليمين‪ .‬وقيل‪ :‬إن اآلية خاصة بالجمع في‬
‫النكاح ال في ملك يمين‪.‬‬

‫ثم قال‪ :‬واختلفوا في األختين بملك اليمين‪.‬‬


‫‪ ‬فذهب كافة العلماء إلى أنه ال يجوز الجمع بينهما في الوطء بالملك فقط‪.‬‬
‫‪ ‬وقد توقف بعض السلف في الجمع بين األختين في الوطء بالملك‪.‬‬
‫‪ -‬ثم قال‪" :‬قال القرطبي‪ :‬وقد أجمع العلماء على أن الرجل إذا طلق زوجته‬
‫طالًقا يملك رجعتها أنه ليس له أن ينكح أختها حتى تنقضي عدة المطلقة"‪.‬‬

‫قال‪ :‬واختلفوا إذا طلقها طالًقا ال يملك رجعتها‪.‬‬


‫‪ ‬فقالت طائفة‪ :‬ليس له أن ينكح أختها وال رابعة حتى تنقضي عدة التي‬
‫طلق‪ .‬روي ذلك عن علٍي رضي هللا عنه‪ ،‬وزيد بن ثابت‪ ،‬ومجاهد‪،‬‬
‫وعطاء‪ ،‬والنخعي والثوري‪ ،‬وأحمد بن حنبل‪ ،‬وأصحاب الرأي‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ ‬وقالت طائفٌة‪ :‬له أن ينكح أختها وينكح الرابعة لمن كان تحته أربع وطلق‬
‫واحدة منهن طالًقا بائًنا‪ .‬يروى ذلك عن‪ :‬سعيد بن المسيب‪ ،‬والحسن‪،‬‬
‫والقاسم‪ ،‬وُع روة بن الزبير‪ ،‬وابن أبي ليلى‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأبي ثور‪ ،‬وأبي‬
‫ُع بيد‪.‬‬
‫‪ ‬قال ابن المنذر‪ :‬وال أحسبه إال قول مالك‪ ،‬وهو أيًضا إحدى الروايتين عن‬
‫زيد بن ثابت‪ ،‬وعطاء‪.‬‬

‫َم ا َقْد َس َلَف } يعني في الجاهلية‪.‬‬ ‫‪ -‬وقوله‪ِ{ :‬إاَّل‬


‫َهَّللا َك اَن َغ ُفوًرا َّر ِح يًم ا}‪ :‬رحيًم ا بكم فيما سلف قبل النهي‪.‬‬ ‫‪ -‬ثم قال {ِإَّن‬

‫💎 اآلية العاشرة‪:‬‬
‫قال تعالى‪َ{ :‬و اْلُم ْح َص َناُت ِم َن الِّنَس اِء ِإاَّل َم ا َم َلَك ْت َأْيَم اُنُك ْم ۖ ِكَتاَب ِهَّللا َع َلْيُك ْم ۚ ‬
‫َو ُأِح َّل َلُك م َّم ا َو َر اَء َذ ِلُك ْم َأن َتْبَتُغوا ِبَأْمَو اِلُك م ُّم ْح ِص ِنيَن َغ ْيَر ُم َس اِفِح يَن ۚ َفَم ا‬
‫اْس َتْم َتْع ُتم ِبِه ِم ْنُهَّن َفآُتوُهَّن ُأُج وَر ُهَّن َفِريَض ًةۚ َو اَل ُج َناَح َع َلْيُك ْم ِفيَم ا َتَر اَضْيُتم‬
‫ِبِه ِم ن َبْع ِد اْلَفِريَضِةۚ ِإَّن َهَّللا َك اَن َع ِليًم ا َح ِكيًم ا} [النساء‪.]٢٤ :‬‬

‫‪َ{ -‬و اْلُم ْح َص َناُت ِم َن الِّنَس اِء } يعني‪ :‬المحصنات المتزوجات ذوات األزواج‪.‬‬

‫وقد ورد الإحصان في القرآن بمعاٍن ‪:‬‬


‫أحدها‪ :‬ذوات األزواج‪.‬‬
‫والثاني‪ُ :‬يراد به الحرة‪.‬‬

‫🔺 منه قوله سبحانه وتعالى‪َ{ :‬و َم ن َّلْم َيْسَتِط ْع ِم نُك ْم َطْو اًل َأن َينِكَح‬
‫اْلُم ْح َص َناِت } [النساء‪.]٢٥ :‬‬

‫‪140‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫🔺 وقوله‪َ{ :‬و اْلُم ْح َص َناُت ِم َن اْلُم ْؤ ِم َناِت َو اْلُم ْح َص َناُت ِم َن اَّلِذ يَن ُأوُتوا اْلِكَتاَب‬
‫ِم ن َقْبِلُك ْم } [المائدة‪.]٥ :‬‬

‫والثالث يراد به‪ :‬العفيفة‪.‬‬

‫🔺 ومنه قوله تعالى‪ُ{ :‬م ْح َص َناٍت َغْيَر ُم َس اِفَح اٍت} [النساء‪.]٢٥ :‬‬

‫🔺 وقوله‪ُ{ :‬م ْح ِص ِنيَن َغْيَر ُم َس اِفِح يَن } [المائدة‪.]٥ :‬‬

‫والرابع‪ :‬المسلمة‪.‬‬

‫🔺 ومنه قوله تعالى‪َ{ :‬فِإَذ ا ُأْح ِص َّن } [النساء‪ ]٢٥ :‬أي‪ :‬أسلمن‪.‬‬

‫وقد اختلف أهل العلم في تفسير هذه اآلية‬


‫‪ ‬فقال ابن عباس‪ ،‬وأبو سعيد الخدري‪ ،‬وأبو قالبة‪ ،‬ومكحول‪،‬‬
‫والزهري‪ :‬المراد بالمحصنات هنا‪ :‬الَم سِبياُت ذوات األزواج‬
‫خاصة‪.‬‬
‫‪ ‬أو هن ُم حرمات عليكم إال ما ملكت أيمانكم بالسبي من أرض‬
‫الحرب فإن تلك حالٌل وإن كان لها زوج‪ .‬وهو قول الشافعي‪( :‬أي‬
‫أن السبي يقطع الِع صمة)‪ .‬وبه قال ابن وهٍب‪ ،‬وابن عبد الحكم‬
‫وَر َو ياه عن مالك‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وأحمد وإسحاق وأبو‬
‫ثور‪.‬‬

‫ثم قال‪ :‬واختلفوا في استبرائها بماذا يكون؟ كما هو ُم دوٌن في كتب‬


‫[الفروع]‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ ‬قالت طائفة‪ :‬المحصنات في هذه اآلية (العفائف)‪.‬‬


‫وبه قال أبو العالية‪ ،‬وعبيدة السلماني‪ ،‬وطاووس‪ ،‬وسعيد بن ُجبير‪،‬‬
‫وعطاء‪ ،‬رواه َع ِبيدة عن عمر‪ ،‬ومعنى اآلية عندهم‪ :‬كل النساء حرام إال‬
‫ما ملكت أيمانكم‪ ،‬أي‪ :‬ما تملكون ِع صمتهن بالِّنكاح وتملكون الرقبة‬
‫بالشراء‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪ :‬ومعنى اآلية وهللا أعلم واضح ال ُسترة فيه‪ ،‬أي‪ :‬وُحرمت عليكم‬
‫المحصنات من النساء‪ ،‬أي‪ :‬المزَّو جات أعم من أن يكن مسلمات‪ ،‬أو‬
‫كافرات‪ ،‬أو ما ملكت أيمانكم منهن‪.‬‬
‫‪ ‬أما بالسبي فإنها تحل ولو كانت ذات زوٍج‪.‬‬
‫‪ ‬أو شراء فإنها تحل ولو كانت متزوجة وينفسخ النكاح الذي كان عليها‬
‫لخروجها عن ملك سيدها الذي َز َّو َج ها‪.‬‬
‫《واالعتبار بعموم اللفظ ال بخصوص السبب》‪.‬‬

‫‪ِ{ -‬كَتاَب ِهَّللا َع َلْيُك ْم } أي‪ :‬كتب هللا ذلك كتاًبا أي‪ :‬فرًضا‪.‬‬
‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬و ُأِح َّل َلُك م َّم ا َو َر اَء َذ ِلُك ْم } وفيه دليل على أنه يحل لهم نكاح ما‬
‫ِس وى المذكورات‪.‬‬

‫🔺 وهذا عام مخصوص بما صح عن النبي صلى هللا عليه وسلم من تحريم‬
‫الجمع بين المرأة وعمتها‪ ،‬وبين المرأة وخالتها‪ .‬ومن ذلك‪:‬‬
‫‪ ‬نكاح المتعة‪،‬‬
‫‪ ‬وكذلك نكاح أمٍة على حرة‪،‬‬
‫‪ ‬وكذا القادر على الحرة‪،‬‬
‫‪ ‬وكذلك تزويج خامسة‪ ..‬إلى آخره من المحرمات المعروفة‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬أن َتْبَتُغ وا ِبَأْم َو اِلُك م ُّم ْح ِص ِنيَن } يعني‪ :‬أن تبتغوا بأموالكم النساء‬
‫الالتي أحلهن هللا لكم‪ ،‬وال تبتغوا به الحرام‪.‬‬
‫‪ُّ{ -‬م ْح ِص ِنيَن } يعني‪ُ :‬م تعففين عن الزنا‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪َ{ -‬غْيَر ُم َس اِفِح يَن } أي‪ :‬غير زانين‪ ،‬والِّسفاح هو الِّز نا‪.‬‬
‫‪َ{ -‬فَم ا اْسَتْم َتْع ُتم ِبِه ِم ْنُهَّن }‬

‫اختلف أهل العلم في معنى هذه اآلية‪:‬‬


‫‪ ‬فقال الحسن‪ ،‬وُم جاهد‪ ،‬وغيرهما‪ :‬المعنى فيما انتفعتم وتلذذتم‬
‫بالجماع من النساء الشرعي‪.‬‬

‫‪َ{ -‬فآُتوُهَّن ُأُجوَر ُهَّن } أي‪ُ :‬م هورهن‪.‬‬


‫وقال الجمهور‪ :‬إن المراد بهذه اآلية نكاح الُم تعة الذي كان في صدر‬
‫اإلسالم‪ ،‬وُيؤيد ذلك ِقراءة ُأبٍّي وابن عباس‪ ،‬وسعيد بن جبير‪{ :‬فما استمتعتم‬
‫به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن}‪.‬‬

‫🔺 ثم نهى عنها النبي صلى هللا عليه وسلم بعد ذلك‪ ،‬فنهى النبي صلى هللا‬
‫عليه وسلم عن نكاح المتعة وعن ُح ُم ر األهلية يوم خيبر‪ ،‬والحديث في‬
‫الصحيحين‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬و اَل ُج َناَح َع َلْيُك ْم ِفيَم ا َتَر اَض ْيُتم ِبِه ِم ن َبْع ِد اْلَفِريَضِة } أي‪ :‬من زيادة‬
‫أو ُنقصان في المهر‪ ،‬فإن ذلك سائغ عند التراضي‪.‬‬
‫‪ ‬هذا عند من قال بأن اآلية في النكاح الشرعي‪.‬‬
‫‪ ‬وأما عند الجمهور القائلين بأنها في المتعة فالمعني التراضي في زيادة‬
‫مدة المتعة أو نقصانها أو في زيادة ما دفعه إليها في مقابل االستمتاع‬
‫بها أو نقصانه‪.‬‬

‫💎 ثم قال اآلية الحادية عشرة‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬و َم ن َّلْم َيْس َتِط ْع ِم نُك ْم َطْو اًل َأن َينِكَح اْلُم ْح َص َناِت اْلُم ْؤ ِم َناِت َفِم ن َّم ا‬
‫َم َلَك ْت َأْيَم اُنُك م ِّم ن َفَتَياِتُك ُم اْلُم ْؤ ِم َناِتۚ َوُهَّللا َأْع َلُم ِبِإيَم اِنُك مۚ َبْعُض ُك م ِّم ن َبْع ٍضۚ ‬
‫َفانِكُح وُهَّن ِبِإْذ ِن َأْه ِلِهَّن َو آُتوُهَّن ُأُج وَر ُهَّن ِباْلَم ْعُر وِف ُم ْح َص َناٍت َغ ْيَر ُم َس اِفَح اٍت‬
‫‪143‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫َو اَل ُم َّتِخ َذ اِت َأْخ َد اٍن ۚ َفِإَذ ا ُأْح ِص َّن َفِإْن َأَتْيَن ِبَفاِح َش ٍة َفَعَلْيِهَّن ِنْص ُف َم ا َع َلى‬
‫اْلُم ْح َص َناِت ِم َن اْلَعَذ اِبۚ َٰذ ِلَك ِلَم ْن َخ ِش َي اْلَعَنَت ِم نُك ْم ۚ َو َأن َتْص ِبُر وا َخ ْيٌر َّلُك ْم ۗ ‬
‫َوُهَّللا َغُفوٌر َّر ِح يٌم } [النساء‪]٢٥ :‬‬

‫‪ -‬قال‪َ{ :‬و َم ن َّلْم َيْسَتِط ْع ِم نُك ْم َطْو اًل } والَّطْو ُل هو‪ :‬الِغ نى والِّسعة‪ .‬قاله ابن‬
‫عباس‪ ،‬ومجاهد‪ ،‬وسعيد بن ُجبير‪ ،‬والُّسدي‪ ،‬وأبو زيد‪ ،‬ومالك‪ ،‬والشافعي‪،‬‬
‫وأحمد‪ ،‬وإسحاق‪ ،‬وأبو ثور‪ ،‬وجمهور أهل العلم‪.‬‬
‫ومعنى اآلية على هذا‪ :‬فمن لم يستطع منكم غنى وسعة في ماله يقدر بها‬
‫على أن ينكح المحصنات المؤمنات فلينكح من فتياتكم المؤمنات‪.‬‬

‫‪ -‬وقوله‪ِّ{ :‬م ن َفَتَياِتُك ُم اْلُم ْؤ ِم َناِت } أي ال يجوز للرجل الحر أن يتزوج‬


‫بالمملوكة إال بشرط‪:‬‬
‫⁕ عدم القدرة على الُحرة‪.‬‬
‫⁕ والشرط الثاني ما سيذكره هللا سبحانه في آخر اآلية في قوله‪َٰ{ :‬ذ ِلَك ِلَم ْن‬
‫َخ ِش َي اْلَع َنَت ِم نُك ْم } فال يحل للفقير أن يتزوج بالمملوكة إال إذا كان‬
‫يخشى على نفسه العنت‪.‬‬
‫‪ ‬وقد اسُتِد ل بزيادة وصف اإليمان على عدم جواز ِنكاح اإلماء‬
‫الكتابيات‪ ،‬وبه قال الِح جازيون‪.‬‬
‫‪ ‬وَج َّو زه أهل العراق‪.‬‬
‫والمراد هنا‪ :‬األمة المملوكة للغير‪ ،‬وأما َأَم ة اإلنسان نفسه فقد وقع اإلجماع‬
‫على أنه ال يجوز له أن يتزوجها وهي تحت ِم لكه؛ لتعارض الحقوق‬
‫واختالفها‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬و ُهَّللا َأْع َلُم ِبِإيَم اِنُك م} قال‪ :‬فيه تسلية لمن ينكح األمة إذا اجتمع فيه‬
‫الشرطان المذكوران‪ ،‬أي كلكم بنو آدم وأكرمكم عند هللا أتقاكم فال تستنكفوا‬
‫من الزواج باإلماء عند الضرورة‪ ،‬فربما كان إيمان بعض اإلماء أفضل من‬
‫إيمان بعض الحرائر‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪َ{ -‬بْعُض ُك م ِّم ن َبْع ٍض } يعني‪ :‬أنهم ُم تصلون في األنساب؛ ألنهم جميًعا بنوا‬
‫آدم‪ ،‬متصلون في الدين؛ ألنهم جميًعا أهل ملٍة واحدة ونبيهم واحد‪.‬‬
‫‪ -‬ثم قال {َفانِكُحوُهَّن ِبِإْذ ِن َأْهِلِهَّن } أي بإذن المالكين لهن؛ ألن منافعهن لهم‪،‬‬
‫ال يجوز لغيرهم أن ينتفع بشيٍء منها إال بإذن من هي له‪.‬‬

‫‪َ{ -‬و آُتوُهَّن ُأُجوَر ُهَّن ِباْلَم ْعُروِف } أي أدوا إليهن ُم هورهن بما هو المعروف‬
‫في الشرع‪.‬‬
‫‪ ‬وقد استَد ل بهذا من قال إن األمة أحق بمهرها من سيدها‪ ،‬وإليه ذهب‬
‫مالك‪.‬‬
‫‪ ‬وذهب الجمهور إلى أن المهر للسيد‪ ،‬وإنما أضافها إليهن؛ ألن التأدية‬
‫إليهن تأديًة إلى سيدهن لكونهن ماَله‪.‬‬

‫‪ُ{ -‬م ْح َص َناٍت} يعني‪ :‬عفيفات‪.‬‬


‫‪َ{ -‬غْيَر ُم َس اِفَح اٍت } أي‪ :‬غير ُم علنات بالزنا‪.‬‬
‫‪َ{ -‬و اَل ُم َّتِخ َذ اِت َأْخ َد اٍن } يعني‪ :‬وال ُم َّتِخ َذ اِت أِخ الء‪ ،‬وكانت العرب ُتعيب‬
‫اإلعالن بالزنا‪ ،‬وال ُتعيب اتخاذ األخدان‪ ،‬ثم رفع اإلسالم جميع ذلك‬

‫🔺 فقال تعالى‪َ{ :‬و اَل َتْقَر ُبوا اْلَفَو اِح َش َم ا َظَهَر ِم ْنَها َو َم ا َبَطَن } [األنعام‪:‬‬
‫‪]١٥١‬‬

‫‪ -‬ثم قال {َفِإَذ ا ُأْح ِص َّن } والمراد باإلحصان هنا اإلسالم‪.‬‬


‫‪ ‬روي ذلك عن ابن مسعود‪ ،‬وابن عمر‪ ،‬وأنس‪ ،‬واألسود بن يزيد‪ ،‬وِزر‬
‫بن ُحبيش‪ ،‬وسعيد بن جبير‪ ،‬وعطاء‪ ،‬وإبراهيم النخعي‪ ،‬والشعبي‪،‬‬
‫والسدي‪ ،‬وروي عن عمر بن الخطاب بإسناٍد منقطٍع وهو الذي نص عليه‬
‫الشافعي وبه قال الجمهور‪.‬‬
‫‪ ‬وقال ابن عباس‪ ،‬وأبو الدرداء‪ ،‬ومجاهد‪ ،‬وعكرمة‪ ،‬وطاووس‪ ،‬وسعيد بن‬
‫جبير‪ ،‬والحسن‪ ،‬وقتادة‪ ،‬وغيرهم‪ :‬إنه (التزويج)‪ ،‬وُروي عن الشافعي‪.‬‬
‫‪ ‬فعلى القول األول‪ :‬ال حد على األمة الكافرة‪.‬‬

‫‪145‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ ‬وعلى القول الثاني‪ :‬ال حد على األمة ما لم تتزوج‪.‬‬


‫‪ ‬وقال القاسم‪ ،‬وسالم‪ :‬إحصانها إسالمها وعفافها‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬و َم ن َّلْم َيْسَتِط ْع ِم نُك ْم َطْو اًل } إلى قوله {َفِإَذ ا ُأْح ِص َّن } السياق كله‬
‫في الفتيات المؤمنات فيتعين أن المراد بقوله فإذا ُأْح ِص َّن تزوجن كما فسره‬
‫ابن عباس ومن تبعه‪.‬‬

‫🚫 قال‪ :‬وعلى كٍّل من القولين إشكال على مذهب الجمهور؛ ألنهم يقولون إن‬
‫األمة إذا زنت فعليها خمسون جلدة سواء كانت مسلمة أو كافرة‪ ،‬ثيًبا أو‬
‫بكًرا‬
‫ومفهوم اآلية يقتضي أنه ال حد على غير المحصنة من اإلماء‪.‬‬
‫وقد اختلفت أجوبتهم عن ذلك ثم ذكر‪:‬‬
‫‪ ‬أن منهم من أجاب وهم الجمهور‪ :‬تقديم منطوق األحاديث على هذا‬
‫المفهوم‪.‬‬
‫‪ ‬ومنهم من عمل على مفهوم اآلية وقال‪ :‬إذا زنت ولم ُتحَص ن فال حد‬
‫عليها إنما ُتضرب تأديًبا‪.‬‬
‫قال‪ :‬وهو المحكي عن ابن عباس‪ ،‬وإليه ذهب طاووس‪ ،‬وسعيد بن‬
‫جبير‪ ،‬وأبو ُع بيٍد ‪ ،‬وداوود الظاهري في رواية عنه‪ ،‬هؤالء قدموا مفهوم‬
‫اآلية على العموم‪.‬‬

‫وأجابوا عن مثل حديث أبي هريرة وزيد بن خالد في الصحيحين‬


‫وغيرهما‪" :‬أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ُس ِئَل عن األمة إذا زنت‬
‫ولم ُتحَص ن؟ قال‪ :‬إن زنت فاجلدوها‪ ،‬ثم إن زنت فاجلدوها‪ ،‬ثم إن زنت‬
‫فاجلدوها‪ ،‬ثم بيعوها ولو ِبَظْفٍر"‪.‬‬
‫ألن المراد بالجلد هنا التأديب وهو َتعُّس ٌف ‪.‬‬
‫وأيًضا قد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال‪ :‬سمعت رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم يقول‪" :‬إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد وال‬
‫ُيَثِّر ب عليها‪ ،‬ثم إن زنت فليجلدها الحد"‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬ثم قال {َفِإْن َأَتْيَن ِبَفاِح َش ٍة َفَع َلْيِهَّن } يعني‪ :‬إن أتين بالِزنا‪.‬‬
‫‪َ{ -‬فَع َلْيِهَّن ِنْص ُف َم ا َع َلى اْلُم ْح َص َناِت } يعني نصف ما على الحرائر األبكار؛‬
‫ألن الثيب عليها الرجم وهو ال يتبعض‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬المراد بالمحصنات هنا الُم َز َّو جات؛ ألن عليهن الجلد والرجم‪،‬‬
‫والرجم ال يتبعض‪ ،‬فصار عليهن نصف ما عليهن من الجلد‪.‬‬

‫‪ِ{ -‬م َن اْلَع َذ اِب } وهو هنا الجلد‪ ،‬وإنما نقص حد اإلماء عن حد الحرائر؛‬
‫ألنهن أضعف‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل‪ :‬ألنهن ال يصلن إلى مرادهن كما تصل الحرائر‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل‪ :‬ألن العقوبة تجب على قدر الِّنعمة‪.‬‬

‫🔺 كما في قوله تعالى‪ُ{ :‬يَض اَع ْف َلَها اْلَع َذ اُب ِض ْع َفْيِن } [األحزاب‪.]٣٠ :‬‬
‫ولم يذكر هللا سبحانه وتعالى في هذه اآلية العبيد وهم الحقون باإلماء‬
‫بطريق الِقياس‪ ،‬وكما يكون على اإلماء والعبيد نصف الحد في الِز نا‪ ،‬كذلك‬
‫يكون عليهم نصف الحد في القذف والُّش رب‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال {َٰذ ِلَك ِلَم ْن َخ ِش َي اْلَع َنَت ِم نُك ْم } اإلشارة بذلك إلى ِنكاح اإلماء‪.‬‬
‫‪ -‬والعنت‪ :‬الوقوع في اإلثم‪ ،‬وأصله في اللغة‪ :‬انكسار العظم بعد الجبر‪ ،‬ثم‬
‫اسُتِع ير لكل مشقٍة‪.‬‬

‫‪َ{ -‬و َأن َتْص ِبُروا} عن ِنكاح اإلماء‪.‬‬


‫‪َ{ -‬خ ْيٌر َّلُك ْم } من ِنكاحهن‪ ،‬أي صبركم خير لكم؛ ألن ِنكاحهن ُيفضي إلى‬
‫إرقاق الولد والغِّض من النفس‪.‬‬

‫💠 هذا وسبحانك اللهم وبحمدك‪ ،‬نشهد أن ال إله إال أنت‪ ،‬نستغفرك ونتوب إليك‪.‬‬
‫والسالم عليكم ورحمة هللا وبركاته‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪148‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫جامعة صفوة‬
‫كلية العلوم الشرعية والعربية‬
‫مقرر التفسير‬
‫الفرقة الثالثة‬
‫الدرس التاسع‬
‫من كتاب [نيل المرام من تفسير آيات األحكام]‬
‫شرح الدكتور‪ /‬سعد معوض حفظه هللا‪.‬‬

‫🌀🌀🌀‬

‫إن الحمد هلل تعالى نحمده‪ ،‬ونستعين به ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل تعالى من شرور‬
‫أنفسنا ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬إنه من يهده هللا تعالى فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل‬
‫فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن ُمَحَّم ًد ا عبده‬
‫ورسوله‪ ،‬اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم‬
‫وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد‪ ،‬اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما‬
‫باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد‪.‬‬
‫وبعد؛ مع المحاضرة التاسعة من شرح كتاب [نيل المرام من تفسير آيات‬
‫األحكام] لمحمد صديق خان رحمة هللا عليه‪.‬‬

‫💎 مع اآلية الحادية عشرة من سورة النساء‬


‫وهي قوله سبحانه وتعالى‪َ{ :‬يا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا اَل َتْأُك ُلوا َأْمَو اَلُك م َبْيَنُك م‬
‫ِباْلَباِط ِل ِإاَّل َأن َتُك وَن ِتَج اَر ًة َع ن َتَر اٍض ِّم نُك ْم ۚ َو اَل َتْقُتُلوا َأنُفَس ُك ْم ۚ ِإَّن َهَّللا َك اَن‬
‫ِبُك ْم َرِح يًم ا} [النساء‪]٢٩ :‬‬

‫۞ مع قوله‪َ{ :‬يا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا اَل َتْأُك ُلوا َأْم َو اَلُك م َبْيَنُك م ِباْلَباِط ِل }‬
‫‪ -‬والباطل‪ :‬ما ليس بحق‪ ،‬ووجوه الباطل كثيرة‪.‬‬
‫‪ -‬ومنها البيوع التي نهى الشرع عنها‪.‬‬

‫‪149‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫۞ ثم قال‪ِ{ :‬إاَّل َأن َتُك وَن ِتَج اَر ًة}‪ :‬يعني إال أن تكون تجارة حالل صادرة‬
‫۞ {َع ن َتَر اٍض ِّم نُك ْم }‪.‬‬

‫واختلف العلماء في التراضي‬


‫‪ ‬فقالت طائفة‪ :‬تمامه وُو جوبه بافتراق األبدان بعد عقد البيع‪.‬‬

‫🔺 كما قال النبي صلى هللا عليه وسلم‪" :‬البِيَع ان بالِخ ياِر ما لم يتفرقا"‪.‬‬

‫‪ ‬أو يقول أحدهما لصاحبه (اختر)‪ ،‬وإليه ذهب جماعٌة من الصحابة‬


‫والتابعين‪ ،‬وبه قال الشافعي والثوري واألوزاعي والليث وابن ُع َيْينة‬
‫وإسحاق وغيرهم‪.‬‬
‫‪ ‬وقال مالٌك وأبو حنيفة‪( :‬تمام البيع هو أن يعقد البيع باأللسنة فيرتفع بذلك‬
‫الِخ يار)‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪َ{ :‬و اَل َتْقُتُلوا َأنُفَس ُك ْم ۚ ِإَّن َهَّللا َك اَن ِبُك ْم َرِح يًم ا}‬
‫‪ -‬أي‪ :‬ال يقتل بعضكم أيها المسلمون بعضا إال بسبٍب أثبته الشرع‪ ،‬أو ال تقتلوا‬
‫أنفسكم باقتراف المعاصي الُم وجبة للقتل بأن يقُتل فُيقتل‪.‬‬
‫‪ -‬أو المراد النهي عن أن يقُتل اإلنسان نفسه حقيقة‬

‫️⬅ وال مانع من حمل اآلية على جميع هذه المعاني‪.‬‬

‫💎 اآلية الثانية عشرة‬


‫قال تعالى‪{ :‬الِّر َج اُل َقَّو اُم وَن َع َلى الِّنَس اِء ِبَم ا َفَّض َل ُهَّللا َبْعَضُهْم َع َلى َبْع ٍض‬
‫َو ِبَم ا َأنَفُقوا ِم ْن َأْمَو اِلِهْم ۚ َفالَّص اِلَح اُت َقاِنَتاٌت َح اِفَظاٌت ِّلْلَغْيِب ِبَم ا َح ِفَظ ُهَّللاۚ ‬
‫َو الاَّل ِتي َتَخ اُفوَن ُنُشوَز ُهَّن َفِع ُظوُهَّن َو اْه ُج ُر وُهَّن ِفي اْلَم َض اِج ِع َو اْض ِرُبوُهَّن ۖ ‬
‫َفِإْن َأَطْع َنُك ْم َفاَل َتْبُغوا َع َلْيِهَّن َس ِبياًل ۗ ِإَّن َهَّللا َك اَن َع ِلًّيا َك ِبيًر ا} [النساء‪.]٣٤ :‬‬

‫‪150‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫۞ أما قوله‪{ :‬الِّر َج اُل َقَّو اُم وَن َع َلى الِّنَس اِء }‬
‫‪ -‬يعني يقومون بالذب عنهم‪ ،‬كما يقوم الُح كام واألمراء بالذب عن الرعية‪،‬‬
‫وهم أيًض ا يقومون بما يحتجن إليه من النفقة والكسوة والمسكن‪.‬‬
‫‪ -‬وجاء بصيغة المبالغة في قوله‪َ{ :‬قَّو اُم وَن } ليدل على أصالتهم في هذا‬
‫األمر‪.‬‬
‫‪ -‬والباء في قوله‪ِ{ :‬بَم ا َفَّض َل ُهَّللا} للسببية‪.‬‬
‫‪ -‬والضمير في قوله‪َ{ :‬بْع َض ُهْم َع َلى َبْع ٍض } للرجال والنساء أي‪ :‬إنما‬
‫استحقوا هذه المزية لتفضيل هللا إياهم عليهن بما فضلهم به من كون فيهم‬
‫الخلفاء والسالطين‪ ،‬والُحكام‪ ،‬واألمراء‪ ،‬والُغ زاة وغير ذلك من األمور‪.‬‬

‫۞ {َو ِبَم ا َأنَفُقوا} أي؛ بسبب ما أنفقوا من أموالهم‪.‬‬


‫‪ -‬والمراد‪ :‬ما أنفقوه في اإلنفاق على النساء‪ ،‬وبما دفعوه في مهورهن من‬
‫أموالهم‪ ،‬وكذلك ما ينفقونه في الجهاد‪ ،‬وما يلزمهم في العقل والِّد ية‪.‬‬
‫‪ ‬وقد استدل جماعة من العلماء بهذه اآلية على جواز فسخ الِّنكاح إذا عجز‬
‫الزوج عن نفقة زوجته وِكسوتها‪ .‬وبه قال مالك والشافعي وغيرهما‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪َ{َّ :‬و الاَّل ِتي َتَخ اُفوَن ُنُش وَزُهَّن } وهذا الخطاب لألزواج‪.‬‬
‫‪ -‬قيل‪ :‬الخوف هنا على بابه وهو حالة تحدث في القلب عند حدوث أمر‬
‫مكروه‪ ،‬أو عند ظن حدوثه‪.‬‬
‫‪ -‬وقيل‪ :‬المراد بالخوف هنا العلم‪.‬‬
‫‪ -‬والنشوز هو‪ :‬العصيان‪ .‬نشزت المرأة‪ :‬يعني استعصت على زوجها‪ ،‬ونشز‬
‫بعلها إذا ضربها وجفاها‪.‬‬

‫۞ ثم قال {َفِع ُظوُهَّن } أي‪ :‬ذّك روهن بما أوجبه هللا عليهن من الطاعة وحسن‬
‫العشرة‪ ،‬ورغبوهن ورهبوهن‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫۞ ثم قال‪َ{ :‬و اْهُجُروُهَّن ِفي اْلَم َض اِج ِع} أي‪ :‬تباعدوا عن مضاجعهن وال‬
‫ُتدخلوهن تحت ما تجعلونه عليكم حال االضطجاع مع الثياب‪.‬‬
‫‪ -‬وقيل هو أن يولَيها ظهره عند االضطجاع‪.‬‬
‫‪ -‬وقيل‪ :‬هو ِك ناية عن ترك جماعها‪.‬‬
‫‪ -‬وقيل‪ :‬ال تبيت معه في البيت الذي يضطجع فيه‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪َ{ :‬و اْض ِرُبوُهَّن } أي ضرًبا غير مبرح‪.‬‬


‫‪ -‬وظاهر النظم القرآني أنه للزوج أن يفعل جميع هذه األمور عند مخافة‬
‫النشوز‪.‬‬
‫‪ -‬وقيل‪ :‬إنه ال يْهجر إال بعد عدم تأثير الوعظ فإن أثر الوعظ لم ينتقل إلى‬
‫الهجر‪ ،‬وإن كفاه الهجر لم ينتقل إلى الضرب‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪َ{ :‬فِإْن َأَطْعَنُك ْم } يعني كما يجب وتركن النشوز‬


‫۞ {َفاَل َتْبُغ وا َع َلْيِهَّن َس ِبياًل } أي‪ :‬ال تتعرضوا لهن بشيٍء مما يكرهن ال بقول‬
‫وال فعل‪.‬‬
‫‪ -‬وقيل‪ :‬المعنى ال ُتكلفوهن الحب لكم‪ ،‬فإنه ال يدخل تحت اختيارهن‪.‬‬

‫💎 ثم قال اآلية الثالثة عشرة‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬وِإْن ِخ ْفُتْم ِش َقاَق َبْيِنِهَم ا َفاْبَعُثوا َح َك ًم ا ِّم ْن َأْه ِلِه َو َح َك ًم ا ِّم ْن َأْه ِلَها‬
‫ِإن ُيِريَد ا ِإْص اَل ًح ا ُيَو ِّفِق ُهَّللا َبْيَنُهَم اۗ ِإَّن َهَّللا َك اَن َع ِليًم ا َخ ِبيًر ا} [النساء‪]٣٥ :‬‬

‫۞ {َو ِإْن ِخ ْفُتْم ِش َقاَق َبْيِنِهَم ا َفاْبَع ُثوا َح َك ًم ا ِّم ْن َأْهِلِه َو َح َك ًم ا ِّم ْن َأْهِلَها}‬
‫‪ -‬أصل الشقاق أن كل واحد منهما يأخذ ِش ًّقا غير ِش ق صاحبه‪ ،‬أي‪ :‬ناحية غير‬
‫ناحيته‪.‬‬
‫‪ -‬وقد نص هللا سبحانه وتعالى على أن الحكمين يكونان من أهل الزوجين؛‬
‫ألنهما أقرب لمعرفة أحوالهما‪ ،‬وإذا لم يوجد من أهل الزوجين من يصلح‬
‫للحكم بينهما كان الحكمان من غيرهم‪ ،‬وهذا إذا ُأشكل أمرهما ولم يتبين من‬

‫‪152‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫هو الُم سيء منهما‪ .‬فأما إذا ُع رف المسيء فإنه يؤخذ لصاحبه الحق منه‪،‬‬
‫وعلى الحكمين أن يسعَيا في إصالح ذات البين َج هدهما‪ ،‬فإن قدرا على ذلك‬
‫عمال عليه‪ ،‬وإن أعياهما إصالح حالهما‪ ،‬ورأيا التفريق بينهما جاز لهما‬
‫ذلك من دون أمر من الحاكم في البلد‪ ،‬وال توكيل بالُفرقة بين الزوجين‪.‬‬
‫‪ -‬وبه قال مالك واألوزاعي‪ ،‬وإسحاق وهو مروي عن عثمان وعلي‪ ،‬وابن‬
‫عباس‪ ،‬والشعبي والنخعي‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وحكاه ابن كثيٍر عن الجمهور‪.‬‬

‫۞ قالوا ألن هللا قال‪َ{ :‬فاْبَع ُثوا َح َك ًم ا ِّم ْن َأْهِلِه َو َح َك ًم ا ِّم ْن َأْهِلَها}‬
‫‪ -‬وهذا نص من هللا سبحانه على أنهما قاضيان ال وكيالن وال شاهدان‪.‬‬
‫‪ -‬وقال الكوفيون‪ :‬أي الحنفية وعطاء وابن زيد والحسن وهو أحد قولي‬
‫الشافعي إن التفريق هو إلى اإلمام والحاكم في البلد ال إليهما‪ ،‬ما لم‬
‫يوكالهما الزوجان أو يأمرهما اإلمام والحاكم؛ ألنهما رسوالن ال شهيدان‬
‫فليس إليهما التفريق‪.‬‬

‫۞ وُيرشد إلى هذا قوله تعالى‪ِ{ :‬إن ُيِريَد ا ِإْص اَل ًحا} أي‪ :‬الحكمان إصالًحا‬
‫بين الزوجين‪.‬‬

‫۞ {ُيَو ِّفِق ُهَّللا َبْيَنُهَم ا} أي‪ُ :‬يوقع الموافقة بين الزوجين حتى يعودا إلى اُأللفة‬
‫وحسن العشرة‪.‬‬
‫‪ -‬ومعنى اإلرادة ُخ لوص نيتهما لصالح الحال بين الزوجين‬
‫‪ -‬وقيل‪ :‬إن الضمير في قوله‪ُ{ :‬يَو ِّفِق ُهَّللا َبْيَنُهَم ا} للحكمين‪ ،‬كما في قوله‪ِ{ :‬إن‬
‫ُيِريَد ا ِإْص اَل ًح ا} أي‪ :‬يوفق هللا بين الحكمين في اتحاد كلمتهما‪ ،‬وحصول‬
‫مقصودهما‪.‬‬
‫‪ -‬وقيل‪ :‬كال الضميرين للزوجين‪ ،‬أي‪ :‬إن يريدا إصالح ما بينهما من الِش قاق‪،‬‬
‫أوقع هللا تعالى بينهما اُأللفة والِو فاق‪ ،‬وإذا اختلف الحكمان لم ُينفذ حكمهما‬
‫وال َيلزم َقبول قولهما بال ِخ الف‪.‬‬

‫💎 ثم قال اآلية الرابعة عشرة‬

‫‪153‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫قال تعالى‪َ{ :‬و اْع ُبُدوا َهَّللا َو اَل ُتْش ِرُك وا ِبِه َش ْيًئاۖ َو ِباْلَو اِلَدْيِن ِإْح َس اًنا َو ِبِذ ي‬
‫اْلُقْر َبى َو اْلَيَتاَم ى َو اْلَم َس اِكيِن َو اْلَج اِر ِذ ي اْلُقْر َبى َو اْلَج اِر اْلُج ُنِب َو الَّص اِح ِب‬
‫ِباْلَج نِب َو اْبِن الَّس ِبيِل َو َم ا َم َلَك ْت َأْيَم اُنُك ْم ۗ ِإَّن َهَّللا اَل ُيِح ُّب َم ن َك اَن ُم ْخ َتااًل‬
‫َفُخ وًر ا} [النساء‪.]٣٦ :‬‬

‫۞ قال‪َ{ :‬و ِباْلَو اِلَد ْيِن ِإْح َس اًنا} أي أحسنوا للوالدين إحسانا‪.‬‬
‫‪ -‬وقد دل ذكر اإلحسان إلى الوالدين بعد األمر بعبادة هللا والنهي عن الشرك‬
‫به على ِع ظم حقهما‪.‬‬

‫🔺 ومثله قوله سبحانه وتعالى‪َ{ :‬أِن اْشُك ْر ِلي َو ِلَو اِلَد ْيَك ِإَلَّي اْلَم ِص يُر}‬
‫[لقمان‪.]١٤ :‬‬
‫فأمر سبحانه بأن ُيشكرا معه‪.‬‬

‫۞ قال‪َ{ :‬و ِبِذ ي اْلُقْر َبى} أي‪ :‬صاحب القرابة وهو من يصح إطالق اسم‬
‫الُقربى عليه وإن كان بعيًد ا‪.‬‬
‫۞ {َو اْلَيَتاَم ى َو اْلَم َس اِكيِن } والمعنى أحسنوا بذي القربى وكذلك اليتامى‬
‫وكذلك المساكين‪.‬‬
‫۞ {َو اْلَج اِر ِذ ي اْلُقْر َبى} والمراد من َيصُد ق عليه ُم سمى الِج وار مع كون‬
‫داره بعيدة‪ ،‬وفي ذلك دليل على تعميم الجيران باإلحسان إليهم سواٌء كانت‬
‫الِد يار ُم تقاربة أو ُم تباعدة‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪َ{ :‬و اْلَج اِر اْلُج ُنِب } الجار الجنب‪ :‬هو الغريب‬
‫‪ -‬وقيل‪ :‬هو األجنبي الذي ال قرابة بينه وبين المجاور له‪.‬‬
‫‪ -‬وقيل‪ :‬المراد بالجار ذي القربى الُم سلم‪ ،‬وبالجار الُجنب اليهودي‬
‫والنصراني‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫وقد اختلف أهل العلم في المقدار الذي عليه يصدق مسمى الجار‪ ،‬ويثبت‬
‫لصاحبه الحق‪.‬‬
‫‪ -‬فُروي عن األوزاعي والحسن أنه إلى حد أربعين داًرا من كل ناحية‪،‬‬
‫وُروي عن الُز هري نحوه‪.‬‬
‫‪ -‬وقيل‪ :‬من سمع إقامة الصالة‪.‬‬
‫‪ -‬وقيل‪ :‬إذا جمعهما محله‪.‬‬
‫‪ -‬وقيل‪ :‬من سمع النداء‪.‬‬
‫‪ ‬واألولى أن ُيرجع في معنى الجار إلى الشرع‪ ،‬فإن ُو جد فيه ما يقتضي‬
‫بيانه وأنه يكون جاًر ا إلى حد كذا من الدور‪ ،‬أو من مسافة األرض كان‬
‫العمل عليه ُم َتَع َّيَنا‪ .‬وإن لم يوجد ُرجع إلى معناه ُلغًة وُع رفا‪ .‬ولم يأِت في‬
‫الشرع ما ُيفيد أن الجار هو الذي بينه وبين جاره ِم قداُر كذا وكذا‪ ،‬وال‬
‫ورد في لغة العرب أيًض ا ما يفيد ذلك‪.‬‬
‫‪ ‬بل المراد بالجار في (اللغة)‪ :‬الُم جاور وُيطلق على معاٍن ‪.‬‬
‫‪ ‬قال في القاموس‪ :‬الجار المجاور‪ ،‬والذي أجرته من أن يظلم‪.‬‬
‫‪ ‬والُم جير والُم ستجير‪ :‬الشريك في التجارة‪.‬‬
‫‪ ‬وزوج المرأة وهي جارته‪ ،‬وفرج المرأة‪.‬‬
‫‪ ‬وما قرب من المنازل‪.‬‬
‫‪ ‬واإلست كالجارة‪.‬‬
‫‪ ‬والمقاسم‪ ،‬والحليف‪ ،‬والناصر‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪َ{ :‬و الَّصاِح ِب ِباْلَج نِب }‪ :‬قيل‪ :‬هو الرفيق في السفر‪ .‬قاله ابن عباس‪،‬‬
‫وسعيد‪ ،‬ابن جبير‪ ،‬وِع كرمة‪ ،‬ومجاهد‪ ،‬والضحاك‪.‬‬
‫‪ -‬وقال علٌّي ‪ ،‬وابن مسعود‪ ،‬وابن أبي ليلى‪ :‬هو الزوجة‪.‬‬
‫‪ -‬وقال ابن ُجريج‪ :‬هو الذي يصحبك ويلزمك رجاء نفعك‪.‬‬
‫‪ ‬وال َيبعد أن تتناول اآلية جميع ما في هذه األقوال مع زيادٍة عليها‪ ،‬وهو‬
‫كل من صدق عليه أنه صاحٌب بالجنب أي بجنبك‪ ،‬كمن يقف بجنبك في‬
‫تحصيل علم‪ ،‬أو تعليم صناعة‪ ،‬أو مباشرة تجارة‪ ،‬أو نحو ذلك‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫۞ ثم قال {َو اْبِن الَّس ِبيِل } وهو الذي يجتاز بك ماًّر ا‪.‬‬
‫‪ -‬والسبيل‪ :‬الطريق‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪َ{ :‬و َم ا َم َلَك ْت َأْيَم اُنُك ْم } يعني وأحسنوا إلى ما ملكت أيمانكم إحساًنا‬
‫وهم العبيد واإلماء‪.‬‬

‫🔺 وقد أمر النبي صلى هللا عليه وسلم أنهم ُيطَع مون كما ُيطعم مالكهم‪ ،‬ويلبسون‬
‫مما يلبس‪.‬‬

‫💎 ثم قال اآلية الخامسة عشرة‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬يا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا اَل َتْقَرُبوا الَّص اَل َة َو َأنُتْم ُس َك اَر ى َح َّتى َتْع َلُم وا‬
‫َم ا َتُقوُلوَن َو اَل ُج ُنًبا ِإاَّل َع اِبِر ي َس ِبيٍل َح َّتى َتْغ َتِس ُلواۚ َوِإن ُك نُتم َّم ْر َض ى َأْو َع َلى‬
‫َس َفٍر َأْو َج اَء َأَح ٌد ِّم نُك م ِّم َن اْلَغاِئِط َأْو اَل َم ْس ُتُم الِّنَس اَء َفَلْم َتِج ُدوا َم اًء َفَتَيَّمُم وا‬
‫َصِع يًد ا َطِّيًبا َفاْم َسُح وا ِبُو ُج وِهُك ْم َو َأْيِد يُك ْم ۗ ِإَّن َهَّللا َك اَن َع ُفًّو ا َغُفوًر ا} [النساء‪:‬‬
‫‪]٤٣‬‬

‫۞ {َيا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا} هذا ِخ طاٌب خاٌص بالمؤمنين؛ ألنهم الذين كانوا‬
‫يقربون الصالة حال الُسكِر‪ ،‬وأما الُك فار فهم ال يقربونها ُسكارى وال غير‬
‫ُسكارى‪.‬‬

‫۞ {اَل َتْقَر ُبوا الَّص اَل َة} يعني ال تقربوا الصالة وال تتلبسوا بها‪.‬‬
‫۞ {َو َأنُتْم ُس َك اَر ى} يعني حال ُس ْك ِرُك م‬
‫۞ {َح َّتى َتْع َلُم وا َم ا َتُقوُلوَن } هذا غاية النهي عن ُقربان الصالة في حال‬
‫الُسكر أي حتى يزول عنكم أثر السكر وتعلموا ما تقولونه فإن الَس كران ال يعلم‬
‫ما يقوله‪ ،‬وقد تمسك بهذا من قال إن طالق السكران ال يقع ألنه إذا لم يعلم ما‬
‫يقوله انتفى القصد‪ ،‬وبه قال عثمان بن عفان وابن عباس وطاووس وعطاء‬

‫‪156‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫والقاسم وربيعة‪ ،‬وهو قول الليث بن سعد وإسحاق وأبي ثوٍر والُم َز ني‪،‬‬
‫واختاره الطحاوي وقال‪ :‬أجمع العلماء على أن طالق المعتوه ال يجوز‬
‫والَس كران معتوٌه كالُمَو سِو س‪.‬‬
‫‪ -‬وأجازت طائفة ُو قوع طالقه وهو َم حكٌّي عن عمر بن الخطاب ومعاوية‬
‫وجماعٍة من التابعين وهو قول أبي حنيفة والثوري واألوزاعي‪.‬‬

‫واختلف قول الشافعي في ذلك‪.‬‬


‫‪ -‬وقال مالٌك ‪ :‬يلزمه الطالق والقوُض في الِج راح والقتل‪ ،‬وال يلزمه الِّنكاح‬
‫والبيع‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪َ{ :‬و اَل ُج ُنًبا} يعني ال تقربوا الصالة حال ُس ْك ِرُك م وحال ما تكونون‬
‫ُجنبا‪.‬‬
‫۞ {ِإاَّل َع اِبِري َس ِبيٍل } أي ال تقربوها في حال من األحوال إال في حال ُع بور‬
‫السبيل‪ ،‬والمراد هنا السفر‪.‬‬
‫‪ -‬ويكون َم ِح ُل هذا االستثناء الُم فرغ النصب على الحال من ضمير {اَل‬
‫َتْقَر ُبوا} بعد تقييده بالحال الثانية وهي قوله‪َ{ :‬و اَل ُج ُنًبا} ال بالحال األولى‬
‫وهي قوله‪َ{ :‬و َأنُتْم ُس َك اَر ى}‪ ،‬فيصير المعنى ال تقربوا الصالة حال كونكم‬
‫جنبا إال حال السفر فإنه يجوز لكم أن ُتصلوا بالتيمم‪.‬‬
‫وهذا قول علي وابن عباس وابن ُجبْيٍر ومجاهد والحاكم وغيرهم قالوا‪ :‬ال‬
‫يصح ألحٍد أن يقرب الصالة وهو ُجنٌب إال بعد االغتسال إال المسافر فإنه‬
‫يتيمم ألن الماء قد ُيعدم في السفر ال في الحضر فإن الغالب أنه ال ُيعدم‪.‬‬
‫‪ -‬وقال ابن مسعود وعكرمة والنخعي وعمرو بن دينار ومالك والشافعي‪:‬‬
‫"عابر السبيل هو الُم جتاز في المسجد"‪ ،‬وهو َم رِوٌّي عن ابن عباس فيكون‬
‫معنى اآلية على هذا‪ :‬ال تقربوا مواضع الصالة وهي المساجد في حال‬
‫الَج نابة إال أن تكونوا ُم جتازين فيها من جانٍب إلى جانب‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪ :‬وفي القول األول قوٌة من ِج هة كون الصالة فيه باقية على معناها‬
‫الحقيقي‪ ،‬وضعف من جهة ما في َح مل عابر السبيل على المسافر‪ ،‬وأن‬
‫‪157‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫معناه أنه يقرب الصالة عند عدم الماء بالتيمم‪ ،‬فإن هذا الحكم يكون في‬
‫الحضر إذا ُع دم الماء كما يكون في المسافر‪.‬‬

‫‪ -‬وفي القول الثاني قوة من جهة عدم التكلف في معنى قوله‪ِ{ :‬إاَّل َع اِبِري‬
‫َس ِبيٍل }‪ ،‬وضعف من جهة حمل الصالة على مواضعها‪.‬‬
‫‪ -‬ثم قال‪ :‬وبالجملة فالحال األولى أعني قوله‪َ{ :‬و َأنُتْم ُس َك اَر ى} ُتقِّو ي بقاء‬
‫الصالة على معناها الحقيقي من دون تقديٍر ُم ضاف وكذلك سبب نزول‬
‫اآلية ُيقوي ذلك‪.‬‬

‫‪ -‬وقوله‪ِ{ :‬إاَّل َع اِبِري َس ِبيٍل } ُيقِو ي تقدير المضاف أي ال تقربوا مواضع‬


‫الصالة‪ ،‬ويمكن أن ُيقال إن بعض قيود النهي أعني {ال تقربوا} وهو قوله‪:‬‬
‫{َو َأنُتْم ُس َك اَر ى} يدل على أن الُم راد مواضع الصالة‪ ،‬وال مانع من اعتبار‬
‫كل واحٍد منهما مع قيده الدال عليه‪ ،‬ويكون ذلك نهيين ُم قيٌد كل واحد منهما‬
‫بقيد وهما‪:‬‬

‫🔸 ال تقربوا الصالة وهي ذات األذكار واألركان وأنتم سكارى‪.‬‬

‫🔸 وال تقربوا مواضع الصالة حال كونكم ُجنًبا إال حال عبوركم في المسجد من‬
‫جانب إلى جانب‪.‬‬
‫‪ -‬وقال ابن جرير بعد حكايته للقولين‪ :‬واألْو لى قول من قال وال جنبا إال‬
‫عابري سبيل إال ُم جتازي طريٍق فيه‪ ،‬وذلك أنه قد بين حكم المسافر إذا َع ِد م‬
‫الماء وهو ُجنٌب في قوله‪َ{ :‬و ِإن ُك نُتم َّم ْر َض ى َأْو َع َلى َس َفٍر َأْو َج اَء َأَح ٌد ِّم نُك م‬
‫ِّم َن اْلَغ اِئِط َأْو اَل َم ْس ُتُم الِّنَس اَء َفَلْم َتِج ُد وا َم اًء َفَتَيَّمُم وا َصِع يًد ا َطِّيًبا} [النساء‪:‬‬
‫‪]٤٣‬‬

‫‪ -‬فكان معلوما بذلك أن قوله‪َ{ :‬و اَل ُج ُنًبا ِإاَّل َع اِبِري َس ِبيٍل َح َّتى َتْغ َتِس ُلوا} لو‬
‫كان معنًّيا به المسافر لم يكن إلعادة ِذ كره في قوله‪َ{ :‬و ِإن ُك نُتم َّم ْر َض ى َأْو‬
‫َع َلى َس َفٍر } معنى مفهوًم ا وقد مضى ذكر حكمه قبل ذلك‪.‬‬

‫‪158‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬فإذا كان ذلك كذلك فتأويل اآلية‪ :‬يا أيها الذين آمنوا ال تقربوا المساجد‬
‫للصالة ُم صلين فيها وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون‪ ،‬وال تقربوها‬
‫أيضا ُجنًبا حتى تغتسلوا إال عابري سبيل‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪َ{ :‬و ِإن ُك نُتم َّم ْر َض ى}‬


‫‪ -‬والمرضى عبارة عن خروج البدن عن حد االعتدال واالعتياد إلى‬
‫االعوجاج والُش ذوذ‪ ،‬وهو على ضربين كثير ويسير‪.‬‬
‫‪ -‬والمراد هنا أن يخاف على نفسه التلف والضرر باستعمال الماء أو كان‬
‫ضعيًفا في بدنه ال يقدر على الوصول إلى موضع الماء‪.‬‬

‫۞ {َأْو َج اَء َأَح ٌد ِّم نُك م ِّم َن اْلَغ اِئِط }‬


‫‪ -‬والغائط هو المكان المنخفض‪ ،‬والمجيء منه ِكنايٌة عن الحدث‪ ،‬والجمع‬
‫الِغ يطان واألغواط‪.‬‬
‫‪ -‬وكانت العرب تقصد هذا الِص نف من المواضع لقضاء الحاجة تستًرا عن‬
‫أعين الناس‪ ،‬ثم ُس ِّم َي الحدث الخارج من اإلنسان غائًطا توسًعا‪ ،‬ويدخل في‬
‫الغائط جميع األحداث الناقضة للوضوء‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪َ{ :‬أْو اَل َم ْس ُتُم الِّنَس اَء }‬


‫‪ -‬وهي قراءة نافٍع وابن كثير وأبي عمرو وعاصم وابن عامر‪.‬‬
‫‪ -‬وقرأ حمزة والِكسائي‪{ :‬لمستم}‬
‫‪ -‬قيل المراد بما في القراءتين الِج ماع‪ ،‬وقيل الُم راد به مطلق المباشرة‪ ،‬وقيل‬
‫إنه يجمع األمرين جميعا‪.‬‬

‫وُخ الصة كلمة {اَل َم ْس ُتُم } اختلف العلماء فيها على قولين‪:‬‬
‫‪ ‬بعضهم قال‪ :‬معناها الِج ماع‪.‬‬
‫‪ ‬وبعضهم قال‪ :‬الُم المسة باليد‬

‫‪159‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫️⬅وعلى هذا اختلفوا في نقض الوضوء ِم ن لمس المرأة‪ ،‬فالجمهور حمل اآلية‬
‫على الِج ماع‪ ،‬فقالوا‪" :‬إن مس المرأة باليد ال ينقض الُو ضوء"‪ ،‬وحمل الشافعية‬
‫هذا اللمس على اللمس بالبدن أو باليد‪.‬‬

‫🔻فقال الشافعي‪ :‬إذا أفضى الرجل بشٍي ء من بدنه إلى بدن المرأة سواٌء كان‬
‫باليد أو بغيرها من أعضاء الجسد انتقضت به الطهارة‪ ،‬وإال فال‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪َ{ :‬فَلْم َتِج ُد وا َم اًء }‬


‫‪ -‬هذا القيد إن كان راجًعا إلى جميع ما تقدم مما هو مذكوٌر بعد الشرط وهو‬
‫المرض والسفر‪ ،‬والمجيء من الغائط‪ ،‬وُم المسة الِّنساء كان فيه دليٌل على‬
‫أن المرض والسفر لُم جردهما ال ُيسِو غان التيمم‪ ،‬بل ال بد مع وجود أحد‬
‫السببين من عدم الماء‪ ،‬فال يجوز للمريض أن يتيمم إال إذا لم يجد الماء‪ ،‬وال‬
‫يجوز للمسافر أن يتيمم إال إذا لم يجد ماء‪ ،‬ولكنه ُيستشكل على هذا أن‬
‫الصحيح كالمريض إذا لم يجد الماء تيمم‪ ،‬وكذلك المقيم كالمسافر إذا لم يجد‬
‫الماء تيمم‪ ،‬فال بد من فائدٍة في التنصيص على المرض والسفر‪ ،‬فقيل‪ :‬وجه‬
‫التنصيص عليهما أن المرض مِظ َنٌة للعجز عن الوصول إلى الماء‪.‬‬

‫‪ -‬وكذلك المسافر عدم الماء في حقه غالب وإن كان راجًعا إلى الصورتين‬
‫اآلخرتين أعني قوله‪َ{ :‬أْو َج اَء َأَح ٌد ِّم نُك م ِّم َن اْلَغ اِئِط َأْو اَل َم ْس ُتُم الِّنَس اَء }‪ ،‬كما‬
‫قال بعض المفسرين‪ :‬كان فيه ِإشكاٌل ‪ ،‬وهو أن من صدق عليه اسم المريض‬
‫والمسافر جاز له التَيًُم ُم ‪ ،‬وإن كان واجًد ا للماء قادًر ا على استعماله‪.‬‬
‫‪ -‬وقد قيل‪ :‬إنه رجع هذا القيد إلى اآلخرين مع كونه ُم عتبًر ا في األولين لُندرة‬
‫ُو قوعه فيهما‪.‬‬
‫‪ -‬وقال مالك ومن تابعه‪ :‬ذكر هللا المرض والسفر في شرط التيمم اعتباًرا‬
‫باألغلب فيمن لم يجد الماء بخالف الحاضر فإن الغالب وجوده‪ ،‬فلذلك لم‬
‫ينص هللا سبحانه عليه‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬والظاهر أن المرض بُم جرده ُم سِّو ٌغ للتيمم وإن كان الماء موجوًد ا إذا كان‬
‫يتضرر باستعماله في الحال أو في المآل‪ ،‬وال ُيعتبر خشية التلف‪.‬‬

‫🔺 فاهلل سبحانه وتعالى يقول‪ُ{ :‬يِريُد ُهَّللا ِبُك ُم اْلُيْس َر َو اَل ُيِريُد ِبُك ُم اْلُعْس َر }‬
‫[البقرة‪]١٨٥ :‬‬

‫🔺 ويقول سبحانه‪َ{ :‬و َم ا َجَعَل َع َلْيُك ْم ِفي الِّد يِن ِم ْن َحَر ٍج} [الحج‪]٧٨ :‬‬

‫🔺 وقال النبي صلى هللا عليه وسلم‪ " :‬الِد يُن ُيسر"‪.‬‬

‫🔺 وقال أيضا‪" :‬يَِّسُروا وال ُتعِّسُروا"‪.‬‬

‫🔺 وقال صلى هللا عليه وسلم‪" :‬قتلوه قتلهم هللا"‪.‬‬

‫🔺 وقال صلى هللا عليه وسلم‪ُ" :‬أمرت بالشريعة الَّس ْمَح ة"‪.‬‬

‫‪ -‬فإذا قلنا إن قيد عدم ُو جود الماء راجٌع إلى الجميع كان وجه التنصيص على‬
‫المرض هو أنه يجوز له التيمم والماء حاضٌر موجود إذا كان استعماله‬
‫يضره‪ ،‬فيكون اعتبار ذلك القيد في حقه إذا كان استعماله ال يضره‪ ،‬فإن في‬
‫ُم جرد المرض مع عدم الضرر باستعمال الماء ما يكون َم َظَنُته لعجزه عن‬
‫الطلب ألنه يلحقه بالمرض نوُع ضعٍف ‪.‬‬
‫‪ -‬وأما وجه التنصيص على المسافر فال شك أن الضرب في األرض مظنته‬
‫إلعواز الماء‪ ،‬وبعض البقاع دون بعض‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪َ{ :‬فَتَيَّمُم وا}‬


‫‪ -‬والتيمم لغة‪ :‬القصد‪ ،‬ثم كثر استعمال هذه الكلمة حتى صار التيمم مسح‬
‫الوجه واليدين بالتراب‪.‬‬

‫‪161‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫وقد اختلف أهل العلم فيما ُيجِزُئ التيمم به‪:‬‬


‫‪ -‬فقال مالك وأبو حنيفة والثوري والطبري‪ :‬إنه ُيجِزُئ بوجه األرض كله‬
‫ترابا كان أو رمال أو ِح جارة‪ ،‬وحملوا قوله {طيبا} قالوا‪ :‬والطيب التراب‬
‫الذي ُينِبُت ‪.‬‬

‫وقد ُتُنوِزع في معنى الطيب‪ ،‬فقيل الطاهر‪ ،‬وقيل الُم نبت‪ ،‬وقيل الحالل‪،‬‬
‫والمحتِم ل ال يقوم به الحجة ولو لم يوجد في الشيء الذي ُيتَيمُم به إال ما في‬
‫الكتاب العزيز لكان الحق ما قاله األولون‪.‬‬

‫🔺 لكن ثبت في صحيح مسلم من حديث ُحذيفة بن اليمان قال رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ُ ":‬فِض لنا الناس بثالٍث‪ُ ،‬ج ِع َلت ُصفوفنا كصفوف‬
‫المالئكة‪ ،‬وُج ِع َلت لنا األرض ُك لها مسجدا‪ُ ،‬‬
‫وجِع َلت ُتربتها لنا طهوًرا إذا لم‬
‫نجد الماء"‪.‬‬
‫وفي لفٍظ ‪" :‬وَج عَل ُترابها لنا طهورا إذا لم نجد الماء"‪.‬‬
‫وفي لفٍظ ‪" :‬وَج عَل ُترابها لنا طهورا"‬

‫‪ -‬فهذا ُم بِّيٌن لمعنى الصعيد المذكور في اآلية‪ ،‬أو ُم َخ ِّص ٌص للُعموم‪ ،‬أو ُم قيٌد‬
‫إلطالقه‪ ،‬ويؤيد هذا ما حكاه ابن فارس في كتاب الخليل‪.‬‬
‫‪ -‬تيمم بالصعيد‪ :‬أي أخذ من ُغ باره‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪َ{ :‬فاْمَس ُحوا ِبُو ُجوِهُك ْم َو َأْيِد يُك ْم } [النساء‪]٤٣ :‬‬


‫‪ -‬هذا المسح مطلٌق بتناول المسح بضربة أو ضربتين‪ ،‬وَيتناول المسح إلى‬
‫الِم رفقين أو الُّر سغين‪ ،‬وقد بينته السنة بيانا شافًيا‪ ،‬فقد قيدت السنة المسح‬
‫إلى الُّر سغين ال إلى المرفقين‪ ،‬ثم أيضا األحاديث الصحيحة تدل على أن‬
‫السنة االقتصار على ضربٍة واحدة‪.‬‬

‫‪162‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫🔶 أخيرا أسئلة على هذه المحاضرة‬

‫🔸 السؤال األول‪:‬‬
‫ما المقصود بقوله سبحانه وتعالى‪َ{ :‬ع ن َتَر اٍض ِّم نُك م} في قوله‪ِ{ :‬إاَّل َأن‬
‫َتُك وَن ِتَج اَر ًة َع ن َتَر اٍض ِّم نُك ْم }؟‬

‫🔸 السؤال الثاني‪:‬‬
‫ما معنى قوله سبحانه وتعالى‪َ{ :‬و اَل َتْقُتُلوا َأنُفَس ُك ْم }؟‬

‫🔸 السؤال الثالث‪:‬‬
‫ما المقصود بقوله تعالى‪َ{ :‬و اْهُجُروُهَّن ِفي اْلَم َض اِج ِع}؟ وما هو المضجع؟‬

‫🔸 السؤال الرابع‪:‬‬
‫ما الفرق بين الجار ذي الُقربى والجار الُجنب؟‬

‫🔸 السؤال الخامس‪:‬‬
‫من هو الصاحب بالَج نب؟‬

‫🔸 السؤال السادس‪:‬‬

‫‪163‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫ما معنى قوله سبحانه وتعالى‪َ{ :‬يا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا اَل َتْقَر ُبوا الَّص اَل َة َو َأنُتْم‬
‫ُس َك اَر ى َح َّتى َتْع َلُم وا َم ا َتُقوُلوَن َو اَل ُج ُنًبا ِإاَّل َع اِبِري َس ِبيٍل َح َّتى َتْغ َتِس ُلوا}؟‬
‫وما الذي جمع بين السكران وعابر السبيل في هذه اآلية؟‬

‫هذا وسبحانك اللهم وبحمدك‪ ،‬نشهد أن ال إله إال أنت‪ ،‬نستغفرك ونتوب إليك‪،‬‬
‫والسالم عليكم ورحمة هللا وبركاته‪.‬‬

‫‪164‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫جامعة صفوة‬
‫كلية العلوم الشرعية والعربية‬
‫مقرر التفسير‬
‫الفرقة الثالثة‬
‫الدرس العاشر‬
‫من كتاب [نيل المرام من تفسير آيات األحكام]‬
‫شرح الدكتور‪ /‬سعد معوض حفظه هللا‬

‫🌀🌀🌀‬

‫إن الحمد هلل تعالى نحمده‪ ،‬ونستعين به ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل تعالى من‬
‫شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬إنه من يهده هللا تعالى فال مضل له‪ ،‬ومن‬
‫ُيضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له وأشهد أن‬
‫محمًد ا عبده ورسوله‪ ،‬اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على‬
‫إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد‪ ،‬اللهم بارك على محمد وعلى آل‬
‫محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد‪.‬‬
‫أما بعد؛ مع المحاضرة العاشرة من شرح كتاب [نيل المرام من تفسير آيات‬
‫األحكام] لمحمد صديق خان رحمة هللا عليه‪.‬‬

‫💎 مع اآلية السادسة عشرة من سورة النساء‪:‬‬


‫قال تعالى‪ِ{ :‬إَّن َهَّللا َيْأُم ُر ُك ْم َأن ُتَؤُّدوا اَأْلَم اَناِت ِإَلى َأْه ِلَها َوِإَذ ا َح َك ْم ُتم َبْيَن‬
‫الَّناِس َأن َتْح ُك ُم وا ِباْلَعْد ِل ۚ ِإَّن َهَّللا ِنِع َّم ا َيِع ُظُك م ِبِهۗ ِإَّن َهَّللا َك اَن َسِم يًعا َبِص يًر ا}‬
‫[النساء‪.]٥٨ :‬‬

‫۞ يقول تعالى‪ِ{ :‬إَّن َهَّللا َيْأُم ُر ُك ْم َأن ُتَؤ ُّد وا اَأْلَم اَناِت ِإَلى َأْهِلَها}‬
‫‪ -‬وهذه اآلية من أمهات اآليات المشتملة على كثير من أحكام الشرع؛ ألن‬
‫ظاهر الِخ طاب يشمل جميع الناس في جميع األمانات‪.‬‬

‫‪165‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫۞ ثم قال‪َ{ :‬و ِإَذ ا َح َك ْم ُتم َبْيَن الَّناِس َأن َتْح ُك ُم وا ِباْلَع ْد ِل } وهو فصل الَح ُك ومة‬
‫على ما في كتاب هللا وسنة رسوله ﷺ ال الُحكم بالرأي الُم جرد فإن ذلك‬
‫ليس من الحق في شيٍء إال إذا لم يوجد دليل تلك الَح ُك ومة في كتاب هللا وال في‬
‫سنة رسوله ﷺ فال بأس باجتهاد الرأي من الحاكم الذي يعلم ُحكم هللا‬
‫سبحانه وتعالى وما هو أقرب إلى الحق عند عدم وجود النص‪.‬‬
‫‪ -‬وأما الحاكم الذي ال يدري بُح كم هللا ورسوله وال بما هو أقرب إليهما‪ ،‬فال‬
‫يدري ما هو العدل؛ ألنه ال يعقل الُحجة إذا جاءته‪ ،‬فضاًل على أن يحكم بها‬
‫بين عباد هللا‪.‬‬

‫🔺 ومما يدل على اعتبار االجتهاد حديث ُبرْيدة عن النبي ﷺ قال‪:‬‬


‫"الُقضاة ثالثٌة واحٌد في الجنة واثنان في النار‪ ،‬فأما الذي في الجنة فرجٌل‬
‫عرف الحق فقضى به‪ ،‬ورجٌل عرف الحق وجار في الُحكم فهو في النار"‪.‬‬

‫💎 ثم قال اآلية السابعة عشرة‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬يا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا َأِط يُعوا َهَّللا َو َأِط يُعوا الَّرُس وَل َو ُأوِلي اَأْلْمِر‬
‫ِم نُك ْم ۖ َفِإن َتَناَز ْع ُتْم ِفي َش ْي ٍء َفُر ُّدوُه ِإَلى ِهَّللا َو الَّرُس وِل ِإن ُك نُتْم ُتْؤ ِم ُنوَن ِباِهَّلل‬
‫َو اْلَيْو ِم اآْل ِخ ِرۚ َٰذ ِلَك َخ ْيٌر َو َأْح َس ُن َتْأِو ياًل } [النساء‪.]٥٩ :‬‬
‫۞ يقول‪َ{ :‬يا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا َأِط يُعوا َهَّللا َو َأِط يُعوا الَّرُسوَل }‬
‫‪ -‬وطاعة هللا عز وجل هي‪ :‬امتثال أوامره ونواهيه‪.‬‬
‫‪ -‬وطاعة رسوله ﷺ هي‪ :‬فيما أمر به ونهى عنه‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪َ{ :‬و ُأوِلي اَأْلْم ِر ِم نُك ْم } لما أمر هللا سبحانه الُقضاة والُو الة إذا حكموا‬
‫بين الناس أن يحكموا بالعدل أو الحق أمر الناس بطاعتهم ها هنا‪ ،‬وأولو األمر‬
‫هم األئمة‪ ،‬والسالطين‪ ،‬والقضاة‪ ،‬وكل من كانت له ِواليٌة شرعية‪.‬‬
‫‪ -‬والمراد‪ :‬طاعتهم فيما يأمرون به وينهون عنه ما لم تكن معصية‪ ،‬فال طاعة‬
‫لمخلوق في معصية هللا‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ ‬وقال جابر بن عبد هللا‪ ،‬ومجاهٌد ‪ ،‬والحسن البصري‪ ،‬وأبو العالية‪ ،‬وعطاء‬
‫بن أبي رباح وابن عباس واإلمام أحمد في إحدى الروايتين عنه‪ :‬إن أولي‬
‫األمر هم (أهل القرآن والعلم)‪ ،‬وبه قال مالك‪ ،‬والضحاك‪.‬‬
‫‪ ‬وُر ِوَي عن مجاهٍد أنهم (أصحاب محمد ﷺ)‪.‬‬
‫‪ ‬وقال ابن َك ْيسان‪( :‬هم أهل العقل والرأي)‬

‫️✔ والراجح القول األول كما ذكرنا قبل ذلك‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪َ{ :‬فِإن َتَناَز ْع ُتْم ِفي َش ْي ٍء } والُم نازعة هي‪ :‬الُم جاذبة‪ ،‬والنزع‬
‫الجذب‪ ،‬كأن كل واحٍد ينتزع ُحجة اآلخر ويجذبها‪.‬‬
‫‪ -‬والمراد‪ :‬االختالف والمجادلة‪.‬‬
‫‪ -‬وفيه دليل على أن أهل اإليمان قد يتنازعون في بعض األحكام وال‬
‫يخرجون بذلك عن اإليمان‪.‬‬
‫‪ -‬والمقصود أن أهل اإليمان ال ُيخرجهم تنازعهم في بعض مسائل األحكام‬
‫عن حقيقة اإليمان إذا َر دوا ما تنازعوا فيه إلى هللا ورسوله كما َش َر ط هللا‬
‫عليهم بقوله‪َ{ :‬فُر ُّد وُه ِإَلى ِهَّللا َو الَّرُسوِل ِإن ُك نُتْم ُتْؤ ِم ُنوَن ِباِهَّلل َو اْلَيْو ِم اآْل ِخ ِر}‪.‬‬
‫‪ -‬وال ريب أن الُح كم المعلق على شرط ينتفي عند انتفائه‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪َ{ :‬فُر ُّد وُه ِإَلى ِهَّللا َو الَّرُسوِل }‪.‬‬


‫‪ -‬تبين بذلك أن الشيء الُم تنازع فيه يختص بأمور الدين دون أمور الدنيا‪.‬‬
‫‪ -‬والرد إلى هللا هو الرد إلى كتابه العزيز‪.‬‬
‫‪ -‬والرد إلى الرسول هو الرد إلى سنته المطهرة بعد موته‪ ،‬وأما في حياته‬
‫فالرد إليه ُسؤاله‪ ،‬هذا معنى الرد إليهما‪.‬‬
‫‪ -‬وقيل معنى الرد أن يقولوا‪( :‬هللا أعلم) وهو قوٌل ساقٌط وتفسير بارد‪.‬‬

‫🔺 وليس الرد في هذه اآلية إال الرد المذكور في قوله تعالى‪َ{ :‬و َلْو َر ُّد وُه ِإَلى‬
‫الَّرُسوِل َو ِإَلى ُأوِلي اَأْلْم ِر ِم ْنُهْم َلَعِلَم ُه اَّلِذ يَن َيْسَتنِبُطوَنُه ِم ْنُهْم } [النساء‪.]٨٣ :‬‬

‫‪167‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫۞ ثم قال‪ِ{ :‬إن ُك نُتْم ُتْؤ ِم ُنوَن ِباِهَّلل} فيه دليٌل على أن هذا الرد ُم َتَح ِّتٌم على‬
‫الُم تنازعين وأنه شأن من ُيؤمن باهلل واليوم اآلخر‪.‬‬
‫‪ -‬واإلشارة بقوله {َٰذ ِلَك } إلى الرد المأمور به‪.‬‬

‫۞ {َخ ْيٌر َو َأْح َس ُن َتْأِوياًل } أي‪َ :‬م ْر ِج ًعا‪.‬‬


‫‪ -‬وهذه اآلية الكريمة نٌص في ُو جوب االتباع وأصٌل من ُأصول رد التقليد‬
‫ولذلك احتج بها جميع السلف والخلف على ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬قال‪ :‬والكالم فيها يطول تركناه خشية اإلطالة‪.‬‬

‫💎 ثم قال اآلية الثامنة عشرة‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬وِإَذ ا َج اَء ُهْم َأْم ٌر ِّم َن اَأْلْمِن َأِو اْلَخ ْو ِف َأَذ اُعوا ِبِهۖ َو َلْو َر ُّدوُه ِإَلى‬
‫الَّرُس وِل َوِإَلى ُأوِلي اَأْلْمِر ِم ْنُهْم َلَعِلَم ُه اَّلِذ يَن َيْس َتنِبُطوَنُه ِم ْنُهْم ۗ َو َلْو اَل َفْض ُل ِهَّللا‬
‫َع َلْيُك ْم َو َرْح َم ُتُه اَل َّتَبْع ُتُم الَّش ْيَطاَن ِإاَّل َقِلياًل } [النساء‪.]٨٣ :‬‬

‫۞ قوله‪َ{ :‬و ِإَذ ا َج اَء ُهْم َأْم ٌر ِّم َن اَأْلْم ِن َأِو اْلَخ ْو ِف َأَذ اُع وا ِبِه}‪.‬‬
‫‪ -‬يعني إذا جاءهم أمٌر من األمن أو الخوف أفشوه وأظهروه وهؤالء هم‬
‫جماعٌة من ُض عفاء المسلمين كانوا إذا سمعوا شيًئا من أمر المسلمين فيه‬
‫أمن نحو ظفر المسلمين وقتل عدوهم‪ ،‬أو فيه خوٌف نحو هزيمة المسلمين‬
‫وقتلهم أفشوه وهم يظنون أنه ال شيء عليهم في ذلك‪.‬‬

‫۞ {َو َلْو َر ُّد وُه ِإَلى الَّرُسوِل َو ِإَلى ُأوِلي اَأْلْم ر ِم ْنُهْم } وهم‪ :‬أهل العلم والعقول‬
‫الراجحة الذين يرجعون إليهم في أمورهم‪ ،‬أو هم الُو الة عليهم‪.‬‬
‫۞ {َلَعِلَم ُه اَّلِذ يَن َيْسَتنِبُطوَنُه ِم ْنُهْم } أي‪ :‬يستخرجونه بتدُبرهم‪ ،‬وصحة‬
‫عقولهم‪.‬‬
‫‪ -‬والمعنى أنهم لو تركوا اإلذاعة لألخبار حتى يكون النبي ﷺ هو الذي‬
‫ُيذيعها‪ ،‬أو يكون أولي األمر منهم هم الذين َيَتَو َّلْو َن ذلك ألنهم يعلمون بما‬
‫ينبغي أن ُيفشى وما ينبغي أن ُيكتم لكان أحسن‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬وقيل‪ :‬إن هؤالء الضعفة كانوا يسمعون ِإرجافات المنافقين على المسلمين‬
‫فُيذيعونها فتحصل بذلك المفسدة‪.‬‬

‫💎 ثم قال اآلية التاسعة عشرة‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬وِإَذ ا ُح ِّييُتم ِبَتِح َّيٍة َفَح ُّيوا ِبَأْح َس َن ِم ْنَها َأْو ُر ُّدوَهاۗ ِإَّن َهَّللا َك اَن َع َلٰى‬
‫ُك ِّل َش ْي ٍء َح ِس يًبا} [النساء‪.]٨٦ :‬‬
‫۞ {َو ِإَذ ا ُحِّييُتم ِبَتِح َّيٍة } والتحية السالم‪ ،‬وهذا المعنى هو المراد هنا‪.‬‬

‫🔺 ومثله قوله تعالى‪َ{ :‬و ِإَذ ا َج اُء وَك َح َّيْو َك ِبَم ا َلْم ُيَح ِّيَك ِبِه ُهَّللا} [المجادلة‪.]٨ :‬‬
‫‪ -‬وإلى هذا ذهب جماعٌة من الُم فسرين‪.‬‬
‫‪ ‬وُر ِوَي عن مالك أن المراد بالتحية هنا‪ :‬تشميت العاطس‪.‬‬
‫‪ ‬وقال أصحاب أبي حنيفة التحية هنا‪ :‬الهدية‪ ،‬لقوله تعالى‪َ{ :‬أْو ُر ُّد وَها} وال‬
‫يمكن رد السالم بعينه‪ .‬قال‪ :‬وهذا فاسٌد ال ينبغي االلتفات إليه‪.‬‬
‫۞ والمراد بقوله‪َ{ :‬فَح ُّيوا ِبَأْح َس َن ِم ْنَها} أن يزيد في الجواب على ما قاله‬
‫المبتدئ بالتحية‪.‬‬

‫💎 ثم قال اآليات العشرون‪ ،‬والحادية والثانية والعشرون‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬و ُّدوا َلْو َتْك ُفُر وَن َك َم ا َك َفُر وا َفَتُك وُنوَن َس َو اًء ۖ َفاَل َتَّتِخ ُذ وا ِم ْنُهْم‬
‫َأْو ِلَياَء َح َّتى ُيَهاِج ُر وا ِفي َس ِبيِل ِهَّللاۚ َفِإن َتَو َّلْو ا َفُخ ُذ وُهْم َو اْقُتُلوُهْم َح ْيُث‬
‫َو َج دُّتُم وُهْم ۖ َو اَل َتَّتِخ ُذ وا ِم ْنُهْم َو ِلًّيا َو اَل َنِص يًر ا (‪ِ )٨٩‬إاَّل اَّلِذ يَن َيِص ُلوَن ِإَلى َقْو ٍم‬
‫َبْيَنُك ْم َو َبْيَنُهم ِّم يَثاٌق َأْو َج اُء وُك ْم َح ِص َر ْت ُص ُدوُر ُهْم َأن ُيَقاِتُلوُك ْم َأْو ُيَقاِتُلوا‬
‫َقْو َم ُهْم ۚ َو َلْو َشاَء ُهَّللا َلَس َّلَطُهْم َع َلْيُك ْم َفَلَقاَتُلوُك ْم ۚ َفِإِن اْع َتَز ُلوُك ْم َفَلْم ُيَقاِتُلوُك ْم‬
‫َو َأْلَقْو ا ِإَلْيُك ُم الَّس َلَم َفَم ا َج َعَل ُهَّللا َلُك ْم َع َلْيِهْم َس ِبياًل (‪َ )٩٠‬س َتِج ُدوَن آَخ ِريَن‬
‫ُيِريُدوَن َأن َيْأَم ُنوُك ْم َو َيْأَم ُنوا َقْو َم ُهْم ُك َّل َم ا ُر ُّدوا ِإَلى اْلِفْتَنِة ُأْر ِكُس وا ِفيَهاۚ َفِإن‬

‫‪169‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫َّلْم َيْع َتِز ُلوُك ْم َو ُيْلُقوا ِإَلْيُك ُم الَّس َلَم َو َيُك ُّفوا َأْيِدَيُهْم َفُخ ُذ وُهْم َو اْقُتُلوُهْم َح ْيُث‬
‫َثِقْفُتُم وُهْم ۚ َو ُأوَلِئُك ْم َج َعْلَنا َلُك ْم َع َلْيِهْم ُس ْلَطاًنا ُّمِبيًنا} [النساء‪.]٩١-٨٩ :‬‬
‫۞ قال تعالى‪َ{ :‬و ُّد وا َلْو َتْكُفُروَن } يعني هؤالء المنافقون ودوا لو تكفرون‪.‬‬
‫‪ -‬يعني ود المنافقون أن يكفر المؤمنون كما كفروا ويتمنون ذلك ِع ناًد ا وُغ لًّو ا‬
‫في الكفر وتمادًيا في الضالل‪.‬‬
‫۞ {َفَتُك وُنوَن َس َو اًء } يعني تكفرون كما كفروا‪.‬‬
‫۞ {َفاَل َتَّتِخ ُذ وا ِم ْنُهْم َأْو ِلَياَء } يعني إذا كان حالهم ما ُذ كر فال تتخذوهم أولياء‪.‬‬
‫۞ {َح َّتى ُيَهاِج ُروا ِفي َس ِبيِل ِهَّللا} ويحققوا إيمانهم بالهجرة‪.‬‬
‫۞ {َفِإن َتَو َّلْو ا} عن ذلك‪.‬‬
‫۞ {َفُخ ُذ وُهْم } إذا قدرتم عليهم‪.‬‬
‫۞ {َو اْقُتُلوُهْم َح ْيُث َو َج دُّتُم وُهْم } في الحل والحرم‪ ،‬فإن حكمهم ُحكم‬
‫المشركين‪.‬‬
‫۞ {َو اَل َتَّتِخ ُذ وا ِم ْنُهْم َو ِلًّيا} يعني تتولونُه‪.‬‬
‫۞ {َو اَل َنِص يًر ا} تستنصرون به‬
‫۞ {ِإاَّل اَّلِذ يَن } هو ُم ستثنى من قوله‪َ{ :‬فُخ ُذ وُهْم َو اْقُتُلوُهْم } فقط‪.‬‬

‫️✖ وأما الُم واالة فحرام ُم طلًقا ال تجوز بحال‪.‬‬


‫‪ -‬فالمعنى‪ :‬إال الذين يصلون إلى قوم ويدخلون في قوم بينكم وبينهم ِم يثاٌق‬
‫بالِج واِر والِح لف فلم تقتلوهم لما بينهم وبينكم من عهد ِو ميثاق فإن العهد‬
‫يشملهم‬

‫️✔ هذا أصح ما قيل في هذه اآلية‪.‬‬


‫‪ -‬وقيل‪ :‬االتصال هنا هو اتصال النسب‪ ،‬والمعنى‪ :‬إال الذين ينتسبون إلى قوم‬
‫بينكم وبينهم ميثاق‪ .‬قاله‪ :‬أبو ُع بيدة‪.‬‬

‫وقد اختلف أهل العلم في هؤالء القوم الذين كان بينهم وبين رسول هللا‬
‫ﷺ ميثاق‪.‬‬
‫‪ ‬فِقيل‪ :‬هم قريش والذين يصلون إلى ُقريش هم بني ُم دِلج‪.‬‬

‫‪170‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ ‬وقيل‪ :‬نزلت في ِهالل بن ُع َو ْيِم ر‪ ،‬وُسراقة بن ُجعشم‪ ،‬وُخ زيمة بن عامر‬


‫بن عبد مناف كان بينهم وبين النبي ﷺ عهد‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل‪ُ :‬خ زاعة‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل‪ :‬بنو بكر بن زيد‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪َ{ :‬أْو َج اُء وُك ْم َحِص َر ْت ُص ُد وُر ُهْم } هذا عطٌف على قوله‪:‬‬
‫{َيِص ُلوَن } داخٌل في ُح كم االستثناء أي إال الذين يصلون والذين جاءوكم‬
‫‪ -‬ويجوز أن يكون عطًفا على ِص فة قوم أي‪ :‬إال الذين يصلون إلى قوم بينكم‬
‫وبينهم ميثاق‪ ،‬والذين يصلون إلى قوم جاءوكم‪.‬‬

‫۞ {َحِص َر ْت } أي‪ :‬ضاقت صدورهم عن القتال فأمسكوا عنه‪.‬‬


‫‪ -‬والحصر‪ :‬الضيق واالنقباض‪.‬‬
‫‪َ{ -‬ج اُء وُك م َحِص َر ْت ُص ُد وُر ُهْم } يعني ضاقت صدورهم على أن ُيقاتلوكم أو‬
‫يقاتلوا قومهم فضاقت صدورهم عن ِقتال الطائفتين وكرهوا ذلك‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪َ{ :‬و َلْو َش اَء ُهَّللا َلَس َّلَطُهْم َع َلْيُك ْم } ابتالًء منه لكم واختبار‬

‫🔺 كما قال سبحانه‪َ{ :‬و َلَنْبلَُو َّنُك ْم َح َّتى َنْع َلَم اْلُم َج اِهِد يَن ِم نُك ْم َو الَّصاِبِريَن َو َنْبُلَو‬
‫َأْخ َباَر ُك ْم } [محمد‪.]٣١ :‬‬
‫أو تمحيًصا لكم أو ُع قوبة لذنوبكم ولكنه سبحانه لم يشأ ذلك فألقى في قلوبهم‬
‫الُّر عب‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪َ{ :‬فِإِن اْع َتَز ُلوُك ْم َفَلْم ُيَقاِتُلوُك ْم } أي‪ :‬لم يعترضوا لِقتالكم‪.‬‬
‫۞ {َو َأْلَقْو ا ِإَلْيُك ُم الَّس َلَم } أي‪ :‬استسلموا لكم وانقادوا‪.‬‬
‫۞ {َفَم ا َجَعَل ُهَّللا َلُك ْم َع َلْيِهْم َس ِبياًل } يعني ما جعل هللا لكم عليهم طريقا‪ ،‬فال‬
‫يحل لكم قتلهم وال أسرهم وال نهب أموالهم فهذا االستسالم يمنع من ذلك‬
‫وُيحرمه‪.‬‬

‫‪171‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬وِقيل‪ :‬هذه اآلية منسوخة بآية القتال والظاهر كونها ُم حَك مٌة َم حمولٌة على‬
‫الُم عاهدين‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪َ{ :‬س َتِج ُد وَن آَخ ِريَن ُيِريُد وَن َأن َيْأَم ُنوُك ْم َو َيْأَم ُنوا َقْو َم ُهْم } فُيظهرون‬
‫لكم اإلسالم ولقومهم الكفر ليأمنوا من كال الطائفتين‪.‬‬

‫️⬅ وهم قوٌم من أهل ِتهامة طلبوا األمان من رسول هللا ﷺ ليأمنوا عنده‬
‫وعند قومهم‪.‬‬
‫‪ -‬وقيل‪ :‬هي في قوٍم من المنافقين‪.‬‬
‫‪ -‬وقيل‪ :‬في أسٍد وَغ َطَفان‪.‬‬

‫۞ {ُك َّل َم ا ُر ُّد وا ِإَلى اْلِفْتَنِة } أي‪ :‬دعاهم قومهم إليها وطلبوا منهم ِقتال‬
‫المسلمين‬
‫۞ {ُأْر ِكُسوا ِفيَها} أي‪ُ :‬قِلبوا فيها فرجعوا إلى قومهم وقاتلوا المسلمين‪.‬‬
‫‪ -‬ومعنى االرتكاس‪ :‬أي االنتكاس‪.‬‬
‫۞ {َفِإن َّلْم َيْعَتِزُلوُك ْم } يعني هؤالء الذين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم‪.‬‬
‫۞ {َو ُيْلُقوا ِإَلْيُك ُم الَّس َلَم } أي‪ :‬يستسلمون لكم ويدخلون في عهدكم وُصلحكم‬
‫وينسلخون عن قومهم‬
‫۞ {َو َيُك ُّفوا َأْيِدَيُهْم } عن قتالكم‬
‫۞ {َفُخ ُذ وُهْم َو اْقُتُلوُهْم َح ْيُث َثِقْفُتُم وُهْم } أي‪ :‬حيث وجدتموهم وتمكنتم منهم‪.‬‬
‫۞ {َو ُأوَٰل ِئُك ْم } الموصوفون بتلك الصفات‬
‫۞ ۚ{ َجَع ْلَنا َلُك ْم َع َلْيِهْم ُس ْلَطاًنا ُّم ِبيًنا}‬
‫‪ -‬أي‪ :‬حجة واضحة تتسلطون بها عليهم وتقهرونهم بها؛ بسبب ما في قلوبهم‬
‫من المرض‪ ،‬وما في صدورهم من الَّدَغ ِل وارتكاسهم في الفتنة بأيسر عمل‬
‫وأقل سعي‪.‬‬

‫💎 ثم قال‪ :‬اآلية الثالثة والعشرون‪:‬‬

‫‪172‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫قال تعالى‪َ{ :‬و َم ا َك اَن ِلُم ْؤ ِم ٍن َأن َيْقُتَل ُم ْؤ ِم ًنا ِإاَّل َخ َطًأۚ َو َم ن َقَتَل ُم ْؤ ِم ًنا َخ َطًأ‬
‫َفَتْح ِريُر َر َقَبٍة ُّم ْؤ ِم َنٍة َو ِدَيٌة ُّم َس َّلَم ٌة ِإَلى َأْه ِلِه ِإاَّل َأن َيَّص َّد ُقواۚ َفِإن َك اَن ِم ن َقْو ٍم‬
‫َعُد ٍّو َّلُك ْم َو ُهَو ُم ْؤ ِم ٌن َفَتْح ِريُر َر َقَبٍة ُّم ْؤ ِم َنٍةۖ َوِإن َك اَن ِم ن َقْو ٍم َبْيَنُك ْم َو َبْيَنُهم‬
‫ِّم يَثاٌق َفِدَيٌة ُّم َس َّلَم ٌة ِإَلى َأْه ِلِه َو َتْح ِر يُر َر َقَبٍة ُّم ْؤ ِم َنٍةۖ َفَم ن َّلْم َيِج ْد َفِص َياُم‬
‫َش ْهَرْيِن ُم َتَتاِبَعْيِن َتْو َبًة ِّم َن ِهَّللاۗ َو َك اَن ُهَّللا َع ِليًم ا َح ِكيًم ا} [النساء‪.]٩٢ :‬‬

‫۞ يقول سبحانه وتعالى‪َ{ :‬و َم ا َك اَن ِلُم ْؤ ِم ٍن } وهذا نفي وهو بمعنى النهي‬
‫الُم قتضي للتحريم كقوله تعالى‪َ{ :‬و َم ا َك اَن َلُك ْم َأن ُتْؤ ُذ وا َر ُسوَل ِهَّللا}‬
‫[األحزاب‪ .]٥٣ :‬ولو كان هذا النفي على معناه لكان خبًرا وهو َيستلزم صدقه‬
‫فال ُيوجد مؤمن قتل مؤمًنا قط‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪َ{ :‬أن َيْقُتَل ُم ْؤ ِم ًنا} ِقيل‪ :‬المعنى ما كان له ذلك في عهد هللا‪.‬‬
‫‪ -‬وِقيل‪ :‬ما كان له ذلك فيما سلف كما ليس له اآلن بوجه‪.‬‬
‫۞ ثم قال‪َ{ :‬و َم ن َقَتَل ُم ْؤ ِم ًنا َخ َطًأ} بأن قصد رمي صيٍد مثاًل فأصابه أو‬
‫ضربه بما ال يقتل غالًبا كذا قيل‪.‬‬
‫۞ {َفَتْح ِريُر } أي فعليه تحرير رقبة مؤمنة يعتقها كفارة عن قتل الخطأ‪،‬‬
‫وعبر بالرقبة عن جميع الذات‪.‬‬

‫واختلف العلماء في تفسير الرقبة المؤمنة‪:‬‬


‫‪ ‬فقيل‪ :‬هي التي َص َّلت وعقلت اإليمان فال ُتجزئ الصغيرة‪ ،‬وبه قال ابن‬
‫عباس والحسن والشعبي والنخعي وقتادة وغيرهم‪.‬‬
‫‪ ‬وقال عطاء بن أبي رباح‪ :‬إنها ُتجزيء الصغيرة المولودة بين مسلمْين‪.‬‬
‫‪ ‬وقال جماعة منهم مالٌك والشافعي‪ُ :‬يجزئ كل من ُح ِكم له بوجوب الصالة‬
‫عليه إن مات‪ ،‬وال ُيجزئ في قول جمهور العلماء أعمى وال ُم قعد وال أشل‪،‬‬
‫وُيجزئ عند األكثر األعرج واألعور‪.‬‬
‫‪ ‬وقال مالٌك ‪ :‬إلا أن يكون عرًجا شديًد ا وال ُيجزئ عند أكثرهم المجنون‪.‬‬

‫‪173‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫۞ {َو ِدَيٌة ُّمَس َّلَم ٌة ِإَلى َأْهِلِه } الدية‪ :‬ما ُيعطى ِع وًض ا عن دم المقتول إلى‬
‫ورثته‪.‬‬
‫‪ُّ{ -‬مَس َّلَم ٌة ِإَلى َأْهِلِه } يعني مدفوعة وُم ؤداة‪ .‬واألهل المراد بهم الورثة‪.‬‬
‫۞ {ِإاَّل َأن َيَّص َّد ُقوا} أي إال أن يتصدق أهل المقتول على القاتل بالدية‪،‬‬
‫وُسمي العفو عنها صدقٌة؛ ترغيًبا فيه‪.‬‬
‫۞ {َفِإن َك اَن }‪ :‬أي المقتول‬
‫۞ {ِم ن َقْو ٍم َع ُد ٍّو َّلُك ْم }‪ :‬وهم الكفار الحربيون‪.‬‬
‫۞ {َو ُهَو ُم ْؤ ِم ٌن َفَتْح ِريُر َر َقَبٍة } وهذه مسألة المؤمن الذي يقتله المسلمون في‬
‫بالد الكفار الذين كان منهم ثم أسلم ولم يهاجر وهم يظنون أنه لم ُيسلم وأنه باٍق‬
‫على دين قومه‪ ،‬فال ِد ية على قاتله بل عليه تحرير رقبٍة مؤمنة‪.‬‬

‫واختلفوا في وجه ُسقوط الدية‪:‬‬


‫‪ ‬فقيل‪ :‬إن أولياء القتيل ُك فاٌر ال حق لهم في الدية‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل‪ :‬وجهه أن هذا الذي آمن ولم يهاجر ُحرمته قليلة‪.‬‬
‫‪ ‬وقال بعض أهل العلم‪ :‬إن ِد َّيُته واجبة لبيت المال‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪َ{ :‬و ِإن َك اَن ِم ن َقْو ٍم َبْيَنُك ْم َو َبْيَنُهم ِّم يَثاٌق } أي ُم ؤقت أو ُم ؤبد وهو‬
‫مؤمن‪.‬‬
‫۞ {َفِدَيٌة ُّمَس َّلَم ٌة} أي فعلى قاتله ِد يٌة ُم ؤداة إلى أهله من أهل اإلسالم وهم‬
‫ورثته‪.‬‬
‫۞ {َو َتْح ِريُر َر َقَبٍة ُّم ْؤ ِم َنٍة} كما ذكرنا‬
‫۞ {َفَم ن َّلْم َيِج ْد } أي الرقبة وال اتسع ماله لشرائها‬
‫۞ {َفِص َياُم َش ْهَر ْيِن } أي فعليه صيام شهرين متتابعين لم يفصل بين يومين‬
‫من أيام صومهما إفطاٌر في نهار فلو أفطر استأنف‪ ،‬هذا قول الجمهور‪.‬‬
‫‪ -‬وأما اإلفطار لُعذٍر شرعي كالحيض ونحوه فال ُيوجب االستئناف‪.‬‬

‫واخُتلف في اإلفطار لُعروض المرض‪ ،‬ولم يذكر هللا تعالى االنتقال إلى‬
‫الطعام كالِّظهار وبه أخذ اإلمام الشافعي‪.‬‬

‫‪174‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫۞ {َتْو َبًة ِّم َن ِهَّللا} يعني تاب عليكم توبًة ربكم سبحانه وتعالى وقبل توبتكم‪.‬‬

‫💎 اآلية الرابعة والعشرون‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬يا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا ِإَذ ا َضَرْبُتْم ِفي َس ِبيِل ِهَّللا َفَتَبَّيُنوا َو اَل َتُقوُلوا‬
‫ِلَم ْن َأْلَقى ِإَلْيُك ُم الَّس اَل َم َلْس َت ُم ْؤ ِم ًنا َتْبَتُغوَن َع َرَض اْلَح َياِة الُّد ْنَيا َفِع نَد ِهَّللا َم َغاِنُم‬
‫َك ِثيَر ٌةۚ َك َذ ِلَك ُك نُتم ِّم ن َقْبُل َفَم َّن ُهَّللا َع َلْيُك ْم َفَتَبَّيُنواۚ ِإَّن َهَّللا َك اَن ِبَم ا َتْع َم ُلوَن‬
‫َخ ِبيًر ا} [النساء‪]٩٤ :‬‬

‫۞ قال‪َ{ :‬يا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا ِإَذ ا َضَر ْبُتْم ِفي َس ِبيِل ِهَّللا} يعني بالجهاد والقتل‪.‬‬
‫‪ -‬والضرب هو السير في األرض‪.‬‬
‫۞ {َفَتَبَّيُنوا} يعني فتثبتوا وتأملوا‪.‬‬
‫۞ {َو اَل َتُقوُلوا ِلَم ْن َأْلَقى ِإَلْيُك ُم الَّس اَل َم } يعني ال تقولوا لمن ألقى إليكم اإلسالم‬
‫أي كلمته وهي الشهادة لست مؤمنا‪ِ .‬م ن أَّم نته إذا أجرته فهو مؤمن‪.‬‬

‫️⬅ وقد استدل بهذه اآلية على أن من قتل كافًرا بعد أن قال ال إله إال هللا ُقِتل به‪،‬‬
‫ألنه قد ُع ِص م بهذه الكلمة وَع َص م ماله ودمه وأهله‪ ،‬وإنما سقط القتل عمن وقع‬
‫منه ذلك في زمن النبي صلى هللا عليه وسلم؛ ألنهم تأوُلوا وظنوا أن من قالها‬
‫خوًفا من السالح ال يكون مسلما‪ ،‬وال يصير دمه بها معصوما‪ ،‬وأنه ال بد من‬
‫أن يقول هذه الكلمة وهو ُم طمئٌن غير خائف‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪َ{ :‬تْبَتُغ وَن َع َرَض اْلَحَياِة الُّد ْنَيا} يعني تبتغون بذلك عرض الدنيا فال‬
‫تقولوا تلك المقالة طالبين الغنيمة‪.‬‬
‫۞ {َفِع نَد ِهَّللا} أي عند هللا ما هو حالل لكم من دون ارتكاب محظور‪.‬‬
‫۞ {َم َغ اِنُم َك ِثيَر ٌة} تغنمونها وتستغنون بها عن قتل من استسلم وانقاد‪،‬‬
‫واغتنام ماله‪.‬‬

‫‪175‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫۞ ثم قال‪َ{ :‬ك َذ ِلَك ُك نُتم ِّم ن َقْبُل} أي كنتم ُك فاًرا فُحقنت دماؤكم لما تكلمتم‬
‫بكلمة الشهادة‪ ،‬أو كذلك كنتم من قبل تخفون إيمانكم عن قومكم؛ خوًفا على‬
‫أنفسكم حتى َم َّن هللا عليكم بإعزاز دينه فأظهرتم اإليمان وأعلنتم‪.‬‬

‫💎 ثم قال اآلية الخامسة والعشرون‪:‬‬


‫قال تعالى‪{ :‬اَّل َيْس َتِو ي اْلَقاِع ُدوَن ِم َن اْلُم ْؤ ِمِنيَن َغ ْيُر ُأوِلي الَّضَر ِر‬
‫َو اْلُم َج اِهُدوَن ِفي َس ِبيِل ِهَّللا ِبَأْمَو اِلِهْم َو َأنُفِس ِهْم ۚ َفَّض َل ُهَّللا اْلُم َج اِهِد يَن ِبَأْمَو اِلِهْم‬
‫َو َأنُفِس ِهْم َع َلى اْلَقاِعِد يَن َد َرَج ًةۚ َو ُك اًّل َو َعَد ُهَّللا اْلُح ْس َنىۚ َو َفَّض َل ُهَّللا اْلُم َج اِهِد يَن‬
‫َع َلى اْلَقاِعِد يَن َأْج ًر ا َع ِظ يًم ا} [النساء‪]٩٥ :‬‬
‫۞ قال‪{ :‬اَّل َيْسَتِوي اْلَقاِع ُد وَن ِم َن اْلُم ْؤ ِمِنيَن } فهناك تفاوت بين درجات من‬
‫قعد عن الِج هاد من غير ُع ذٍر ودرجات من جاهد في سبيل هللا بماله ونفسه‪،‬‬
‫وإن كان معلوًم ا ضرورًة لكن أراد هللا سبحانه بهذا اإلخبار تنشيط المجاهدين؛‬
‫ليرغبوا‪ ،‬وتبكيت القاعدين؛ ليأنفوا‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪َ{ :‬غ ْيُر ُأوِلي الَّض َر ِر } فإنهم يستوون مع المجاهدين‪.‬‬


‫‪ -‬قال العلماء‪ :‬أهل الضرر هم أهل األعذار؛ ألنها أضرت بهم حتى منعتهم‬
‫عن الجهاد‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪َ{ :‬و اْلُم َج اِهُد وَن ِفي َس ِبيِل ِهَّللا ِبَأْم َو اِلِهْم َو َأنُفِس ِهْم ۚ َفَّض َل ُهَّللا اْلُم َج اِهِد يَن‬
‫ِبَأْم َو اِلِهْم َو َأنُفِس ِهْم َع َلى اْلَقاِعِد يَن َد َرَج ًة}‬
‫‪ -‬هذا بياٌن لما بين الفريقين من التفاضل المفهوم من ِذ كر عدم االستواء‬
‫ِإجمااًل ‪.‬‬
‫‪ -‬والمراد هنا غير أولي الضرر َح ماًل للُم طلق على الُم قيد‪.‬‬
‫‪ -‬وقال هنا درجة‪ ،‬وقال فيما بعد درجات؛‬
‫‪ ‬فقال قوٌم ‪ :‬التفضيل بالدرجة ثم الدرجات إنما هو ُم بالغة وبياٌن وتأكيد‪.‬‬

‫‪176‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ ‬وقال آخرون‪ :‬فضل هللا المجاهدين على القاعدين من أولي الضرر بَد رجٍة‬
‫واحدة‪ ،‬وفضل هللا الُم جاهدين على القاعدين من غير أولي الضرر‬
‫بدرجات‪.‬‬
‫‪ ‬وِقيل‪ :‬إن معنى درجة‪ُ :‬ع لو أي أعلى ِذ كرهم ورفعهم بالثناء والمدح‪.‬‬
‫۞ {َو ُك اًّل َو َعَد ُهَّللا اْلُح ْسَنى} أي كل واحٍد من المجاهدين والقاعدين وعدهم‬
‫هللا الجنة‪.‬‬

‫💎 ثم قال‪ :‬اآلية السادسة والعشرون‬


‫قال تعالى‪ِ{ :‬إَّن اَّلِذ يَن َتَو َّفاُهُم اْلَم اَل ِئَك ُة َظاِلِم ي َأنُفِس ِهْم َقاُلوا ِفيَم ُك نُتْم ۖ َقاُلوا ُك َّنا‬
‫ُم ْس َتْض َعِفيَن ِفي اَأْلْر ِضۚ َقاُلوا َأَلْم َتُك ْن َأْر ُض ِهَّللا َو اِس َعًة َفُتَهاِج ُر وا ِفيَهاۚ ‬
‫َفُأوَٰل ِئَك َم ْأَو اُهْم َج َهَّنُم ۖ َو َس اَء ْت َم ِص يًر ا} [النساء‪]٩٧ :‬‬

‫۞ قال‪َ{ :‬أَلْم َتُك ْن َأْر ُض ِهَّللا َو اِس َع ًة َفُتَهاِج ُروا ِفيَهاۚ َفُأوَٰل ِئَك َم ْأَو اُهْم َجَهَّنُم ۖ ‬
‫َو َس اَء ْت َم ِص يًرا}‬
‫‪ِ -‬قيل‪ :‬المراد بهذه األرض أرض المدينة‪ ،‬واألولى العموم؛ اعتباًرا بعموم‬
‫اللفظ ال بُخ صوص السبب كما هو الحق‪ ،‬فُيراد باألرض كل ُبقعٍة من ِبقاع‬
‫األرض تصلح للهجرة إليها‪ ،‬وُيراد باألرض المذكورة في اآلية اُألولى كل‬
‫أرٍض ينبغي الهجرة منها‪.‬‬

‫💎 ثم قال‪ :‬اآلية السابعة والعشرون‪:‬‬


‫قال‪ِ{ :‬إاَّل اْلُم ْس َتْض َعِفيَن ِم َن الِّر َج اِل َو الِّنَس اِء َو اْلِو ْلَد اِن اَل َيْس َتِط يُعوَن ِح يَلًة َو اَل‬
‫َيْه َتُدوَن َس ِبياًل } [النساء‪]٩٨ :‬‬
‫‪ -‬والمراد بالُم ستضعفين من الرجال وهو‪ :‬الِّز مِّني يعني صاحب العاهة أو‬
‫المرض المستديم‪.‬‬
‫‪ -‬والِو لدان قيل هم المراهقون أو المماليك‪.‬‬

‫‪177‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫۞ {اَل َيْسَتِط يُعوَن ِح يَلًة} يعني الرجال والنساء والولدان ال يجدون حيلًة وال‬
‫طريقًة إلى ذلك‪.‬‬
‫۞ {َو اَل َيْهَتُد وَن َس ِبياًل } يعني ال يهتدون سبياًل يعني طريق المدينة‬

‫️⬅ وقد استدل بهذه اآلية على أن الهجرة واجبة على كل من كان بدار الِّش رك‪ ،‬أو‬
‫بداٍر ُيعمل فيها بمعاصي هللا جهرا إذا كان قادًر ا على الهجرة ولم يكن من‬
‫الُم ستضعفين؛ لما في هذه اآلية من الُعموم‪ ،‬وإن كان السبب خاًص ا كما تقدم‪،‬‬
‫وظاهرها عدم الفرق بين مكاٍن ومكان‪ ،‬وزماٍن وزمان‪.‬‬

‫💎 ثم قال‪ :‬اآلية الثامنة والعشرون‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬وِإَذ ا َضَرْبُتْم ِفي اَأْلْر ِض َفَلْيَس َع َلْيُك ْم ُج َناٌح َأن َتْقُصُر وا ِم َن‬
‫الَّص اَل ِة ِإْن ِخ ْفُتْم َأن َيْفِتَنُك ُم اَّلِذ يَن َك َفُر واۚ ِإَّن اْلَك اِفِر يَن َك اُنوا َلُك ْم َعُد ًّو ا ُّمِبيًنا}‬
‫[النساء‪]١٠١ :‬‬
‫۞ {َو ِإَذ ا َض َر ْبُتْم ِفي اَأْلْر ِض } هذا شروع في كيفية الصالة عند الضرورات‬
‫من السفر وِلقاء العدو والمطر والمرض‪ ،‬وفيه تأكيٌد لعزيمة المهاجر على‬
‫الهجرة‪ ،‬وترغيٌب له فيها لما فيه من تخفيف الُم ؤنة‪ ،‬أْي إذا سافرتم أُّي ُم ساَفرة‬
‫كانت كما ُيفيده اإلطالق‪.‬‬

‫۞ {َفَلْيَس َع َلْيُك ْم ُج َناٌح} أي ليس عليكم ِو زٌر وال حرج‪.‬‬


‫۞ {َأن َتْقُصُروا ِم َن الَّص اَل ِة } فيه دليٌل على أن القصر ليس بواجب وإليه‬
‫ذهب الجمهور‪ ،‬وذهب األقلون إلى أنه واجب‪.‬‬
‫۞ ثم قال‪ِ{ :‬إْن ِخ ْفُتْم َأن َيْفِتَنُك ُم اَّلِذ يَن َك َفُروا} ظاهر هذا الشرط أن القصر ال‬
‫يجوز في السفر إال مع خوف الفتنة من الكافرين ال مع األمن‪ ،‬ولكنه قد تقرر‬
‫بالسنة أن النبي صلى هللا عليه وسلم قصر مع األمن كما عرفت فالقصر مع‬
‫الخوف ثابت بالسنة‪ ،‬ومفهوم الشرط ال يقوى على ُم عارضة ما تواتر عنه‬
‫صلى هللا عليه وسلم من القصر مع األمن‪.‬‬

‫‪178‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬وقد ِقيل‪ :‬إن هذا الشرط خرج مخرج الغالب؛ ألن الغالب على المسلمين إذ‬
‫ذاك القصر للخوف في األسفار‪.‬‬

‫💎 ثم قال اآلية التاسعة والعشرون‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬وِإَذ ا ُك نَت ِفيِهْم َفَأَقْم َت َلُهُم الَّص اَل َة َفْلَتُقْم َطاِئَفٌة ِّم ْنُهم َّم َعَك‬
‫َو ْلَيْأُخ ُذ وا َأْسِلَح َتُهْم َفِإَذ ا َسَج ُدوا َفْلَيُك وُنوا ِم ن َو َر اِئُك ْم َو ْلَتْأِت َطاِئَفٌة ُأْخ َر ى َلْم‬
‫ُيَص ُّلوا َفْلُيَص ُّلوا َم َعَك َو ْلَيْأُخ ُذ وا ِح ْذ َر ُهْم َو َأْسِلَح َتُهْم ۗ َو َّد اَّلِذ يَن َك َفُر وا َلْو َتْغُفُلوَن‬
‫َع ْن َأْسِلَح ِتُك ْم َو َأْم ِتَعِتُك ْم َفَيِم يُلوَن َع َلْيُك م َّم ْيَلًة َو اِح َد ًةۚ َو اَل ُج َناَح َع َلْيُك ْم ِإن َك اَن‬
‫ِبُك ْم َأًذ ى ِّم ن َّم َطٍر َأْو ُك نُتم َّم ْر َض ى َأن َتَضُعوا َأْسِلَح َتُك ْم ۖ َو ُخ ُذ وا ِح ْذ َر ُك ْم ۗ ِإَّن َهَّللا‬
‫َأَعَّد ِلْلَك اِفِر يَن َع َذ اًبا ُّمِهيًنا} [النساء‪]١٠٢ :‬‬

‫۞ قال‪َ{ :‬و ِإَذ ا ُك نَت ِفيِهْم } هذا ِخ طاٌب لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم ولمن‬
‫بعده من أهل األمر‪ُ ،‬حكمه كما هو معروف في األصول‪.‬‬
‫‪ -‬ومثله قوله تعالى‪ُ{ :‬خ ْذ ِم ْن َأْم َو اِلِهْم َص َد َقًة} [التوبة‪ ]١٠٣ :‬إلى آخره وإلى‬
‫هذا ذهب جمهور العلماء‪.‬‬

‫۞ ومعنى‪َ{ :‬فَأَقْم َت َلُهُم الَّص اَل َة} يعني أردت إقامتها‬

‫🔺 كقوله‪ِ{ :‬إَذ ا ُقْم ُتْم ِإَلى الَّص اَل ِة َفاْغ ِس ُلوا ُو ُجوَهُك ْم } [المائدة‪]٦ :‬‬

‫🔺 وقوله سبحانه وتعالى‪َ{ :‬فِإَذ ا َقَر ْأَت اْلُقْر آَن َفاْسَتِع ْذ } [النحل‪]٩٨ :‬‬

‫۞ {َفْلَتُقْم َطاِئَفٌة ِّم ْنُهم َّمَع َك } يعني بعد أن تجعلهم طائفة تقف بإزاء العدو‬
‫وطائفة منهم تقوم معك في الصالة‪.‬‬
‫۞ {َو ْلَيْأُخ ُذ وا َأْس ِلَح َتُهْم } أي الطائفة التي تصلي معهم‪.‬‬
‫۞ {َفِإَذ ا َسَج ُد وا} أي القائمون في الصالة‬
‫۞ {َفْلَيُك وُنوا} أي الطائفة القائمة بإزاء العدو من ورائكم من وراء المصلين‪.‬‬

‫‪179‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬وَيحتمل أن يكون المعنى فإذا سجد الُم صلون معك أتموا الركعة تعبيًرا‬
‫بالسجود عن جميع الركعة أو عن جميع الصالة‪.‬‬

‫۞ {َفْلَيُك وُنوا ِم ن َو َر اِئُك ْم } أي فلينصرفوا بعد الفراغ إلى العدو للحراسة‪.‬‬


‫۞ {َو ْلَتْأِت َطاِئَفٌة ُأْخ َر ى َلْم ُيَص ُّلوا} وهي القائمة في مقابلة العدو والتي لم‬
‫تصِّل‬
‫۞ {َفْلُيَص ُّلوا َم َع َك } على الصفة التي كانت عليها الطائفة األولى‪.‬‬
‫۞ {َو ْلَيْأُخ ُذ وا} أي هذه الطائفة األخرى‪.‬‬
‫۞ {ِح ْذ َر ُهْم َو َأْس ِلَح َتُهْم } زيادة التوصية للطائفة األخرى بأخذ الحذر مع أخذ‬
‫السالح‪.‬‬
‫‪ -‬وِقيل‪َ :‬و جهه أن هذه المرة َم ِظ نة لوقوف الكفرة على كون الطائفة القائمة مع‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم في ُش غل شاغل‪ ،‬وأما في المرة األولى فربما‬
‫يظنونهم قائمين للحرب‪.‬‬
‫‪ -‬وِقيل‪ :‬ألن العدو ال ُيؤِّخ ر قصده عن هذا الوقت ألنه آخر الصالة‪.‬‬
‫‪ -‬والسالح ما يدفع به المرء عن نفسه في الحرب‪.‬‬
‫‪ -‬ولم ُيبين في اآلية الكريمة كم تصلي كل طائفٍة من الطائفتين‪.‬‬
‫‪ -‬وقد وردت صالة الخوف في السنة الُم طهرة على أنحاء مختلفة وصفات‬
‫متعددة كلها صحيحة ُم جزية َم ن فعل واحدة منها‪ ،‬فقد فعل ما ُأمر به ومن‬
‫ذهب من العلماء إلى اختيار صفة دون غيرها فقد أبعد عن الصواب‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪َ{ :‬و َّد اَّلِذ يَن َك َفُروا َلْو َتْغ ُفُلوَن َع ْن َأْس ِلَحِتُك ْم َو َأْمِتَعِتُك ْم َفَيِم يُلوَن َع َلْيُك م‬
‫َّم ْيَلًة َو اِح َد ًة} هذه الجملة ُم تضمنة للعلة التي ألجلها أمرهم هللا سبحانه بالحذر‬
‫وأخذ السالح‪ .‬أي ودوا غفلتكم عن أخذ السالح وعن الحذر؛ ليصلوا إلى‬
‫مقصودهم وينالوا ُفرصتهم فيشدون عليكم شدًة واحدة‪.‬‬
‫‪ -‬واألمتعة ما َيتمتع به في الحرب ومنه الزاد والراحلة‪.‬‬

‫‪180‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫۞ ثم قال‪َ{ :‬و اَل ُج َناَح َع َلْيُك ْم ِإن َك اَن ِبُك ْم َأًذ ى ِّم ن َّم َطٍر َأْو ُك نُتم َّم ْر َض ى َأن‬
‫َتَض ُعوا َأْس ِلَح َتُك ْم } رخص لهم سبحانه في وضع السالح إذا نالهم أذى من‬
‫المطر‪ ،‬وفي حال المرض؛ ألنه يصعب مع هذين األمرين حمل السالح‪.‬‬
‫۞ {َو ُخ ُذ وا ِح ْذ َر ُك ْم ۗ ِإَّن َهَّللا َأَع َّد ِلْلَك اِفِريَن َع َذ اًبا ُّم ِهيًنا} أمر بأخذ الحذر؛ لئال‬
‫يأتَيهم العدو على ُغ َّر ٍة وهم غافلون‪.‬‬

‫🔷 أسئلة على المحاضرة‪:‬‬

‫🔹 السؤال األول‪:‬‬
‫من هم ُأولو األمر في اآلية الكريمة‪َ{ :‬يا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا َأِط يُعوا َهَّللا َو َأِط يُعوا‬
‫الَّرُسوَل َو ُأوِلي اَأْلْم ِر ِم نُك ْم } [النساء‪]٥٩ :‬؟‬

‫🔹 السؤال الثاني‪:‬‬
‫ما المقصود بالتحية في قوله تعالى‪َ{ :‬و ِإَذ ا ُحِّييُتم ِبَتِح َّيٍة َفَح ُّيوا ِبَأْح َس َن ِم ْنَها َأْو‬
‫ُر ُّد وَها} [النساء‪]٨٦ :‬؟‬

‫🔹 السؤال الثالث‪:‬‬
‫ما المقصود بالرقبة المؤمنة؟‬

‫هذا وسبحانك اللهم وبحمدك‪ ،‬نشهد أن ال إله إال أنت‪ ،‬نستغفرك ونتوب إليك‪،‬‬
‫والسالم عليكم ورحمة هللا وبركاته‪.‬‬

‫‪181‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪182‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫جامعة صفوة‬
‫كلية العلوم الشرعية والعربية‬
‫مقرر التفسير‬
‫الفرقة الثالثة‬
‫الدرس الحادي عشر‬
‫من كتاب [نيل المرام من تفسير آيات األحكام]‬
‫شرح الدكتور‪ /‬سعد معوض حفظه هللا‬
‫****‬

‫إن الحمد هلل تعالى نحمده‪ ،‬ونستعين به ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل تعالى من‬
‫شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬إنه من يهده هللا تعالى فال مضل له‪ ،‬ومن‬
‫يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له وأشهد أن‬
‫محمًد ا عبده ورسوله‪ ،‬اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على‬
‫إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد‪ ،‬اللهم بارك على محمد وعلى آل‬
‫محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد‪.‬‬
‫وبعد؛ المحاضرة الحادية عشرة من شرح كتاب [نيل المرام من تفسير آيات‬
‫األحكام] لمحمد صديق خان رحمة هللا عليه‪.‬‬

‫💎 اآلية الثالثون‬
‫قال سبحانه وتعالى‪َ{ :‬فِإَذ ا َقَضْيُتُم الَّص اَل َة َفاْذ ُك ُر وا َهَّللا ِقَياًم ا َو ُقُعوًد ا َو َع َلى‬
‫ُج ُنوِبُك ْم ۚ َفِإَذ ا اْطَم ْأَننُتْم َفَأِقيُم وا الَّص اَل َةۚ ِإَّن الَّص اَل َة َك اَنْت َع َلى اْلُم ْؤ ِمِنيَن ِكَتاًبا‬
‫َّم ْو ُقوًتا} [النساء‪.]١٠٣ :‬‬

‫۞ قوله سبحانه وتعالى‪َ{ :‬فِإَذ ا َقَض ْيُتُم الَّص اَل ِة } أي إذا فرغتم من صالة‬
‫الخوف وهو أحد معاني القضاء‪.‬‬

‫‪183‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫۞ {َفاْذ ُك ُروا َهَّللا ِقَياًم ا َو ُقُعوًد ا َو َع َلى ُج ُنوِبُك ْم } أي في جميع األحوال حتى في‬
‫حال القتال‪.‬‬
‫‪ ‬وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن هذا الذكر المأمور به إنما هو أثر صالة‬
‫الخوف‪ ،‬أي إذا فرغتم من الصالة فاذكروا هللا في هذه األحوال‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل معنى قوله‪َ{ :‬فِإَذ ا َقَض ْيُتُم الَّص اَل ِة } إلى آخره يعني إذا صليتم فصلوا‬
‫قياًم ا وقعوًد ا وعلى جنوبكم حسبما تقتضيه الحال عند ُم الحمة القتال‪.‬‬

‫۞ {َفِإَذ ا اْطَم ْأَننُتْم } أي إذا أمنتم وسكنت قلوبكم‪.‬‬


‫۞ {َفَأِقيُم وا الَّص اَل ِة}‬
‫‪ ‬أي فْأتوا بالصالة التي دخل وقتها على الصفة المشروعة من األذكار‬
‫واألركان وال تغفلوا ما أمكن فإن ذلك إنما هو في حال الخوف‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل‪ :‬المعنى في اآلية أنهم يقضون ما صُّلوه في حال المسابقة؛ ألنها‬
‫حالة قلق وانزعاج وتقصيٍر في األذكار واألركان وهو مروٌي عن‬
‫(الشافعي)‪.‬‬

‫️✔ واألول أرجح‪.‬‬

‫۞ {ِإَّن الَّص اَل َة َك اَنْت َع َلى اْلُم ْؤ ِمِنيَن ِكَتاًبا َّم ْو ُقوًتا} يعني ُم حدًد ا ُم عيًنا‪.‬‬
‫‪ ‬وُيقال‪ :‬المعنى أن هللا افترض على عباده الصلوات وكتبها عليهم في‬
‫أوقاتها المحددة ال يجوز ألحٍد أن يأتي بها في غير ذلك الوقت إال بعذر‬
‫شرعي من نوٍم ‪ ،‬وسهٍو ‪ ،‬ونحوهما‪.‬‬

‫💎 ثم قال‪ :‬اآلية الحادية والثالثون‪.‬‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬و َم ن ُيَشاِقِق الَّرُس وَل ِم ن َبْع ِد َم ا َتَبَّيَن َلُه اْلُهَد ى َو َيَّتِبْع َغ ْيَر َس ِبيِل‬
‫اْلُم ْؤ ِمِنيَن ُنَو ِّلِه َم ا َتَو َّلى َو ُنْص ِلِه َج َهَّنَم ۖ َو َس اَء ْت َم ِص يًر ا} [النساء‪.]١١٥ :‬‬

‫‪184‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫۞ قال‪َ{ :‬و َم ن ُيَش اِقِق الَّرُسوَل ِم ن َبْع ِد َم ا َتَبَّيَن َلُه اْلُهَد ى} يعني من ُيخالف‬
‫الرسول صلى هللا عليه وسلم بعد ظهور األدلة والبراهين‪.‬‬
‫۞ {َو َيَّتِبْع َغْيَر َس ِبيِل اْلُم ْؤ ِم ُنوَن } أي غير طريقهم وهو ما هم عليه من دين‬
‫اإلسالم والتمسك بأحكام رسوله صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬

‫۞ {ُنَو ِّلِه َم ا َتَو َّلى} أي نجعله وليا لما تواله من الضالل‪.‬‬


‫۞ {َو ُنْص ِلِه َجَهَّنَم ۖ َو َس اَء ْت َم ِص يًرا}‪.‬‬

‫🔻 وقد استدل جماعة من أهل العلم بهذه اآلية على ُحجية اإلجماع؛ لقوله‬
‫{َو َيَّتِبْع َغْيَر َس ِبيِل اْلُم ْؤ ِم ُنوَن }‪.‬‬
‫‪ -‬ثم قال‪ :‬وال حجة في ذلك عندي؛ ألن المراد بغير سبيل المؤمنين هنا هو‬
‫الخروج من دين اإلسالم إلى غيره‪.‬‬

‫💎 ثم قال‪ :‬اآلية الثانية والثالثون‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬و َيْس َتْفُتوَنَك ِفي الِّنَس اِء ۖ ُقِل ُهَّللا ُيْفِتيُك ْم ِفيِهَّن َو َم ا ُيْتَلى َع َلْيُك ْم ِفي‬
‫اْلِكَتاِب ِفي َيَتاَم ى الِّنَس اِء الاَّل ِتي اَل ُتْؤ ُتوَنُهَّن َم ا ُك ِتَب َلُهَّن َو َتْر َغ ُبوَن َأن‬
‫َتنِكُح وُهَّن َو اْلُم ْس َتْض َعِفيَن ِم َن اْلِوْلَد اِن َو َأن َتُقوُم وا ِلْلَيَتاَم ى ِباْلِقْس ِط ۚ َو َم ا َتْفَعُلوا‬
‫ِم ْن َخ ْيٍر َفِإَّن َهَّللا َك اَن ِبِه َع ِليًم ا} [النساء‪.]١٢٧ :‬‬
‫۞ قال‪َ{ :‬و َيْسَتْفُتوَنَك ِفي الِّنَس اِء ۖ ُقِل ُهَّللا ُيْفِتيُك ْم ِفيِهّن }‬
‫‪ -‬سبب نزول هذه اآلية سؤال قوم من الصحابة عن أمر النساء وأحكامهن في‬
‫الميراث وغيره‪ ،‬فأمر هللا نبيه صلى هللا عليه وسلم أن يقول لهم‪ُ{ :‬هَّللا‬
‫ُيْفِتيُك ْم } أي يبين لكم حكم ما سألتم عنه‪.‬‬
‫‪ -‬وهذه اآلية رجوٌع إلى ما افتتحت به السورة من أمر النساء‪ ،‬وكان قد بقيت‬
‫لهم أحكاٌم لم يعرفوها فسألوا‪.‬‬
‫‪ -‬فقيل لهم‪ُ{ :‬هَّللا ُيْفِتيُك ْم ِفيِهَّن َو َم ا ُيْتَلى َع َلْيُك ْم ِفي اْلِكَتاِب } وهو معطوف على‬
‫قوله {ُهَّللا ُيْفِتيُك ْم } والمعنى‪ :‬والقرآن الذي يتلى عليكم يفتيكم فيهن‪ ،‬والمتلُّو‬

‫‪185‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫في الكتاب في معنى اليتامى قوله‪َ{ :‬و ِإْن ِخ ْفُتْم َأاَّل ُتْقِس ُطوا ِفي اْلَيَتاَم ى}‬
‫[النساء‪.]٣ :‬‬
‫۞ وقوله‪َ{ :‬و اْلُم ْسَتْض َعِفيَن } معطوف على {َيَتاَم ى الِّنَس اِء } أي‪ :‬وما يتلى‬
‫عليكم في المستضعفين من الولدان وهو قوله‪ُ{ :‬يوِص يُك ُم ُهَّللا ِفي َأْو اَل ِد ُك ْم }‬
‫[النساء‪ ،]١١ :‬وقد كان أهل الجاهلية ال ُيَو ِّر ثون النساء وال من كان ُم ستضعًفا‬
‫من الولدان‪ ،‬وإنما يَو ِّر ثون الرجال القائمين بالقتال وسائر األمور‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪َ{ :‬و َأن َتُقوُم وا ِلْلَيَتاَم ى ِباْلِقْس ِط } وهو معطوف على قوله‪ِ{ :‬في‬
‫َيَتاَم ى الِّنَس اِء } كالمستضعفين‪ .‬أي وما يتلى عليكم في يتامى النساء‪ ،‬وفي‬
‫المستضعفين‪ ،‬وفي أن تقوموا لليتامى بالقسط أي العدل‪.‬‬
‫۞ ثم قال‪َ{ :‬و َم ا َتْفَع ُلوا ِم ْن َخْيٍر } يعني في حقوق المذكورين أو من شٍّر فيه‬
‫ففيه اكتفاء‪.‬‬
‫۞ {َفِإَّن َهَّللا َك اَن ِبِه َع ِليًم ا} أي ُيجازيكم بحسب فعلكم‪.‬‬

‫💎 ثم قال اآلية الثالثة والثالثون‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬و ِإِن اْم َر َأٌة َخ اَفْت ِم ن َبْعِلَها ُنُشوًز ا َأْو ِإْع َر اًض ا َفاَل ُج َناَح َع َلْيِهَم ا‬
‫َأن ُيْص ِلَح ا َبْيَنُهَم ا ُص ْلًح اۚ َو الُّص ْلُح َخ ْيٌر ۗ َو ُأْح ِض َرِت اَأْلنُفُس الُّش َّح ۚ َوِإن‬
‫ُتْح ِس ُنوا َو َتَّتُقوا َفِإَّن َهَّللا َك اَن ِبَم ا َتْع َم ُلوَن َخ ِبيًر ا} [النساء‪.]١٢٨ :‬‬

‫۞ أما قوله‪َ{ :‬و ِإِن اْمَر َأٌة} يعني إن امرأة توقعت ما ُيخاف من زوجها أو‬
‫تيقنت‪.‬‬
‫۞ {ِم ن َبْع ِلَها ُنُش وًز ا} أي دوام النشوز والترفع عليها بترك الُم ضاجعة‪،‬‬
‫والتقصير في النفقة‪ ،‬أو ِإعراًض ا عنها بوجهه‪.‬‬

‫۞ {َفاَل ُج َناَح َع َلْيِهَم ا َأن ُيْص ِلَح ا َبْيَنُهَم ا ُص ْلًحاۚ َو الُّص ْلُح َخ ْيٌر} يعني أن‬
‫الصلح الذي تسكن إليه النفوس‪ ،‬ويزول به الِخ الف خيٌر على اإلطالق أو خيٌر‬
‫من الُفرقة أو الُخ صومة‪ ،‬أو النشوز واإلعراض‪.‬‬

‫‪186‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫💎 ثم قال اآلية الرابعة والثالثون‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬و َلن َتْس َتِط يُعوا َأن َتْع ِد ُلوا َبْيَن الِّنَس اِء َو َلْو َح َرْص ُتْم ۖ َفاَل َتِم يُلوا ُك َّل‬
‫اْلَم ْيِل َفَتَذ ُر وَها َك اْلُم َعَّلَقِةۚ َوِإن ُتْص ِلُح وا َو َتَّتُقوا َفِإَّن َهَّللا َك اَن َغُفوًر ا َّر ِح يًم ا}‬
‫[النساء‪.]١٢٩ :‬‬

‫۞ {َو َلن َتْسَتِط يُعوا َأن َتْع ِد ُلوا} أخبر سبحانه وتعالى بنفي استطاعتهم للعدل‬
‫بين النساء على الوجه الذي ال َم ْيل فيه البتة؛ لما ُجبلت عليه الطباع البشرية‬
‫من ميل النفس إلى هذه دون هذه‪ ،‬وزيادة هذه في المحبة وُنقصان هذه‪ ،‬وذلك‬
‫بحكم الِخ لقة بحيث ال يملكون قلوبهم وال يستطيعون توقف أنفسهم على‬
‫التسوية‪.‬‬

‫🔺 ولهذا كان يقول صلى هللا عليه وسلم‪" :‬اللهم هذا َقْس ِم ي فيما أملك فال تلمني‬
‫فيما ال أملك"‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪َ{ :‬و َلْو َحَر ْص ُتْم } يعني على العدل بينهن في الحب‪.‬‬
‫۞ {َفاَل َتِم يُلوا} إلى التي تحبونها في الَقْسم والنفقة‪ ،‬ولما كانوا ال يستطيعون‬
‫ذلك ولو حرصوا عليه وبالغوا فيه نهاهم هللا عز وجل أن يميلوا {ُك َّل اْلَم ْيِل }؛‬
‫ألن ترك ذلك في وسعهم وتحت طاقتهم‪ ،‬فال يجوز أن يميلوا إلى إحداهن عن‬
‫األخرى كل الميل‪.‬‬
‫۞ كما قال‪َ{ :‬فَتَذ ُروَها} أي األخرى‬
‫۞ {َك اْلُم َع َّلَقِة} التي ليست ذات زوج وال ُم طلقة‪ ،‬يشبهها بالشيء الذي هو‬
‫ُم علٌق غير مستقر على شيء ال في األرض وال في السماء‪.‬‬

‫‪187‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫💎 ثم قال اآلية الخامسة والثالثون‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬و َقْد َنَّز َل َع َلْيُك ْم ِفي اْلِكَتاِب َأْن ِإَذ ا َسِم ْع ُتْم آَياِت ِهَّللا ُيْك َفُر ِبَها‬
‫َو ُيْس َتْه َز ُأ ِبَها َفاَل َتْقُعُدوا َم َعُهْم َح َّتى َيُخ وُض وا ِفي َح ِد يٍث َغ ْيِرِهۚ ِإَّنُك ْم ِإًذ ا ِّم ْثُلُهْم ۗ ‬
‫ِإَّن َهَّللا َج اِمُع اْلُم َناِفِقيَن َو اْلَك اِفِر يَن ِفي َج َهَّنَم َج ِم يًعا} [النساء‪.]١٤٠ :‬‬
‫۞ قال‪َ{ :‬و َقْد َنَّز َل َع َلْيُك ْم ِفي اْلِكَتاِب } الخطاب لجميع من أظهر اإليمان من‬
‫مؤمن ومنافق‪ ،‬ألن من أظهر اإليمان فقد لزمه أن يمتثل ما أنزل هللا‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل‪ :‬إنه خطاب للمنافقين فقط كما ُيفيده التشديد والتوبيخ‪.‬‬

‫۞ {َأْن ِإَذ ا َسِم ْع ُتْم آَياِت ِهَّللا ُيْك َفُر ِبَها َو ُيْسَتْهَز ُأ ِبَها} أي إذا سمعتم الكفر‬
‫واالستهزاء بآيات هللا تعالى‬
‫۞ {َفاَل َتْقُع ُد وا َم َع ُهْم } أي مع المستهزئين ما داموا كذلك‪.‬‬
‫۞ {َح َّتى َيُخ وُضوا ِفي َحِد يٍث َغْيِرِه } أي غير حديث الكفر واالستهزاء بها‪،‬‬
‫والذي أنزله هللا عليهم في الكتاب هو قوله‪َ{ :‬و ِإَذ ا َر َأْيَت اَّلِذ يَن َيُخ وُضوَن ِفي‬
‫آَياِتَنا َفَأْع ِرْض َع ْنُهْم َح َّتى َيُخ وُضوا ِفي َحِد يٍث َغْيِرِه } [األنعام‪.]٦٨ :‬‬

‫۞ {ِإَّنُك ْم ِإًذ ا ِّم ْثُلُهْم } هذا تعليل للنهي‪ ،‬أي إنكم إذا فعلتم ذلك ولم تنتهوا فأنتم‬
‫مثلهم في الكفر‪ ،‬واستتباع العذاب‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل‪ :‬هذه المماثلة ليست في جميع الصفات ولكنه إلزام شبٍه بحكم‬
‫الظاهر‪.‬‬
‫كما في قول القائل‪ :‬وكل قريٍن بالُم قاِرن يقتدي‪.‬‬
‫‪ -‬وهذه اآلية ُم حكمة عند جميع أهل العلم‪.‬‬

‫💎 ثم قال اآلية السادسة والثالثون‪:‬‬


‫قال تعالى‪{ :‬اَّلِذ يَن َيَتَرَّبُص وَن ِبُك ْم َفِإن َك اَن َلُك ْم َفْتٌح ِّم َن ِهَّللا َقاُلوا َأَلْم َنُك ن َّم َعُك ْم‬
‫َوِإن َك اَن ِلْلَك اِفِريَن َنِص يٌب َقاُلوا َأَلْم َنْس َتْح ِوْذ َع َلْيُك ْم َو َنْم َنْع ُك م ِّم َن اْلُم ْؤ ِمِنيَن ۚ ‬

‫‪188‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫َفاُهَّلل َيْح ُك ُم َبْيَنُك ْم َيْو َم اْلِقَياَم ِةۗ َو َلن َيْج َعَل ُهَّللا ِلْلَك اِفِريَن َع َلى اْلُم ْؤ ِمِنيَن َس ِبياًل }‬
‫[النساء‪.]١٤١ :‬‬

‫۞ قال تعالى‪َ{ :‬و َلن َيْج َعَل ُهَّللا ِلْلَك اِفِريَن َع َلى اْلُم ْؤ ِمِنيَن َس ِبياًل }‪:‬‬
‫‪ ‬هذا في "يوم القيامة" إذا كان الُم راد بالسبيل النصر والغلب‪.‬‬
‫‪ ‬أو في "الدنيا" إن كان المراد به الُحجة‪.‬‬
‫️♦ وهذه اآلية صالحة لالحتجاج بها على كثير من المسائل‪.‬‬
‫‪ -‬كعدم إرث الكافر من المسلم‬
‫‪ -‬وعدم تملكه مال المسلم إذا استولى عليه‬
‫‪ -‬وعدم قتل المسلم بالِّذ مي‪.‬‬

‫💎 ثم قال اآلية السابعة والثالثون‪:‬‬


‫قال تعالى‪{ :‬اَّل ُيِح ُّب ُهَّللا اْلَج ْهَر ِبالُّس وِء ِم َن اْلَقْو ِل ِإاَّل َم ن ُظِلَم ۚ َو َك اَن ُهَّللا‬
‫َسِم يًعا َع ِليًم ا} [النساء‪.]١٤٨ :‬‬

‫۞ {اَّل ُيِح ُّب ُهَّللا اْلَج ْهَر ِبالُّسوِء ِم َن اْلَقْو ِل } نفي الحب ِكنايًة عن الُبغض‪.‬‬

‫واختلف أهل العلم في كيفية الجهر بالسوء الذي يجوز لمن ُظلم‪.‬‬
‫فقيل‪ :‬هو أن يدعو على من ظلمه‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫وقيل‪ :‬ال بأس أن يجهر بالسوء من القول على من ظلمه بأن يقول‪ :‬فالن‬ ‫‪‬‬
‫ظلمني أو هو ظالٌم ونحو ذلك‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬معناه إال من أكره على أن يجهر بالسوء من القول من كفر أو‬ ‫‪‬‬
‫نحوه فهو مباح‪ .‬واآلية على هذا في اإلكراه‪.‬‬
‫وكذا قال قطرب قال‪" :‬ويجوز أن يكون على البدل كأنه قال‪ :‬ال يحب هللا‬ ‫‪‬‬
‫إال من ُظلم‪ ،‬أي ال يحب الظالم بل يحب المظلوم"‪.‬‬
‫والظاهر من اآلية أنه يجوز لمن ظلم أن يتكلم بالكالم الذي هو من السوء‬ ‫‪‬‬
‫في جانِب من ظلمه‪.‬‬
‫‪189‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫💎 ثم قال اآلية الثامنة والثالثون‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬يْس َتْفُتوَنَك ُقِل ُهَّللا ُيْفِتيُك ْم ِفي اْلَكاَل َلِةۚ ِإِن اْم ُر ٌؤ َهَلَك َلْيَس َلُه َو َلٌد‬
‫َو َلُه ُأْخ ٌت َفَلَها ِنْص ُف َم ا َتَر َكۚ َو ُهَو َيِرُثَها ِإن َّلْم َيُك ن َّلَها َو َلٌدۚ َفِإن َك اَنَتا اْثَنَتْيِن‬
‫َفَلُهَم ا الُّثُلَثاِن ِم َّم ا َتَر َكۚ َوِإن َك اُنوا ِإْخ َو ًة ِّر َج ااًل َو ِنَس اًء َفِللَّذ َك ِر ِم ْثُل َح ِّظ اُأْلنَثَيْيِن‬
‫ۗ ُيَبِّيُن ُهَّللا َلُك ْم َأن َتِض ُّلواۗ َوُهَّللا ِبُك ِّل َش ْي ٍء َع ِليٌم } [النساء‪.]١٧٦ :‬‬

‫۞ قال‪َ{ :‬يْسَتْفُتوَنَك ُقِل ُهَّللا ُيْفِتيُك ْم ِفي اْلَكاَل َلِة} ذكرنا (الكاللة) قبل ذلك‬
‫والكاللة من ليس له أصٌل وارث وال فرٌع وارث‪.‬‬
‫۞ ثم قال‪ِ{ :‬إِن اْم ُر ٌؤ َهَلَك } أي أن يهلك‪ ،‬امرؤ هلك كما تقدم في قوله‪َ{ :‬و ِإِن‬
‫اْمَر َأٌة َخ اَفْت }‪.‬‬

‫۞ {َو َلُه ُأْخ ٌت َفَلَها ِنْص ُف َم ا َتَر َك } عطٌف على قوله‪َ{ :‬لْيَس َلُه َو َلٌد }‬
‫‪ -‬والمراد باألخت هنا‪ :‬هي األخت ألبوين أو ألب (ال ألم) فإن فرضها‬
‫(السدس)‪.‬‬
‫‪ -‬وقد ذكر جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم أن األخوات‬
‫ألبوين أو أب ُع صبٌة للبنات وإن لم يكن معهن أخ‪.‬‬
‫‪ -‬وذكر ابن عباس أن األخوات ال ُيَعِص ْبَن البنات‪ ،‬وإليه ذهب داود الظاهري‬
‫وطائفة‪ ،‬وقالوا‪" :‬إنه ال ميراث لألخت ألبوين أو ألٍب مع البنت"‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪َ{ :‬و ُهَو } أي األخ‬


‫۞ {َيِرُثَها} أي األخت‬
‫۞ {ِإن َّلْم َيُك ن َّلَها َو َلٌد } ذكر وإن كان المراد بإرثه لها َح ْيَز تُه لجميع تركتها‪،‬‬
‫وإن كان المراد ثبوت ميراثه لها في الجملة‪.‬‬
‫‪ -‬واقتصر سبحانه على نفي الولد فقط مع كون األب ُيسقط األخ َأْيًضا؛ ألن‬
‫المراد بيان سقوط األخ مع الولد فقط هنا‪ ،‬وأما سقوطه مع االبن فقد تبين‬
‫بالسنة‪.‬‬

‫‪190‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫🔺 كما ثبت في الصحيح من قوله صلى هللا عليه وسلم‪" :‬ألحقوا الفرائض‬
‫بأهلها فما بقي فألولى رجٍل ذكر"‪ .‬واألب أولى من األخ‪.‬‬
‫۞ ثم قال‪َ{ :‬فِإن َك اَنَتا} أي فإن كان من يرث باُألخَّو ة اثنتين والعطف على‬
‫الشرطية السابقة والتأنيث والتثنية‪.‬‬
‫‪ -‬وكذلك الجمع في قوله‪َ{ :‬و ِإن َك اُنوا ِإْخ َو ٌة} باعتبار الخبر {َفَلُهَم ا الُّثُلَثاِن ِمَّم ا‬
‫َتَر َك } األخ إن لم يكن له ولٌد كما سبق‪ ،‬وما فوق االثنتين من األخوات‬
‫يكون لهن {الُّثُلَثاِن } باألْو لى مع أن نزول اآلية كان في جابٍر رضي هللا‬
‫عنه وقد مات عن أخواٍت سبٍع أو ِتسع‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪َ{ :‬و ِإن َك اُنوا} أي من يرثون باُألخّو ة‬


‫۞{ِإْخ َو ًة} أي وأخوات فغَّلب الذكور أو فيه اكتفاء بدليل قوله‪ِّ{ :‬ر َج ااًل‬
‫َو ِنَس اًء }‬
‫أي مختلطين ذكورا وإناثا فللذكر منهم حظ األنثيين تعصيًبا‪.‬‬

‫💎 ثم قال‪[ :‬سورة المائدة]‪ :‬وهي مائٌة وعشرون آية‪.‬‬


‫‪ -‬قال الُقرطبي‪ :‬هي مدنية باإلجماع‬

‫💎 قال اآلية األولى‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬يا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا َأْو ُفوا ِباْلُعُقوِد ۚ ُأِح َّلْت َلُك م َبِهيَم ُة اَأْلْنَعاِم ِإاَّل َم ا‬
‫ُيْتَلى َع َلْيُك ْم َغ ْيَر ُم ِح ِّلي الَّصْيِد َو َأنُتْم ُح ُر ٌم ۗ ِإَّن َهَّللا َيْح ُك ُم َم ا ُيِريُد} [المائدة‪]١ :‬‬

‫۞ قوله‪َ{ :‬يا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا} هذه اآلية التي افتتح هللا بها هذه السورة إلى‬
‫قوله‪ِ{ :‬إَّن َهَّللا َيْح ُك ُم َم ا ُيِريُد } قال‪ :‬فيها من البالغة ما تتقاصر عنده القوى‬
‫البشرية مع ُش مولها ألحكاٍم عدة‪:‬‬

‫‪191‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ ‬منها الوفاء بالعقود‪.‬‬


‫‪ ‬ومنها تحليل بهيمة األنعام‪.‬‬
‫‪ ‬ومنها استثناء ما سُيتلى مما ال يحل‪.‬‬
‫‪ ‬ومنها تحريم الصيد على الُم ْح رم‪.‬‬
‫‪ ‬ومنها إباحة الصيد لمن ليس بمحرٍم ‪.‬‬
‫۞ {َأْو ُفوا ِباْلُع ُقوِد } ُيقال أوفى ووَّفى‪ .‬والعقود هي الُعهود‪ ،‬والعقد الذي يجب‬
‫الوفاء به ما وافق كتاب هللا وسنة رسوله صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فإن خالفهما‬
‫فهو رٌّد ال يجب الوفاء به وال يحل ذلك‪.‬‬

‫۞ قال‪ُ{ :‬أِح َّلْت َلُك م َبِهيَم ُة اَأْلْنَع اِم } والبهيمة اسٌم لكل ذي أربع‪.‬‬
‫‪ -‬واألنعام أو بهيمة األنعام هي اإلبل والبقر والغنم‬

‫۞ {ِإاَّل َم ا ُيْتَلى َع َلْيُك ْم } استثناٌء من قوله‪ُ{ :‬أِح َّلْت َلُك م َبِهيَم ُة اَأْلْنَع اِم }‬
‫‪ ‬وهذا االستثناء يحتمل أن يكون المراد به إال ما يتلى عليكم اآلن‪.‬‬
‫‪ ‬ويحتمل أن يكون الُم راد به في مستقبل الزمان فيدل على جواز تأخير‬
‫البيان عن وقت الحاجة‪.‬‬
‫‪ ‬ويحتمل األمرين جميعا‪.‬‬

‫۞ {َغْيَر ُمِح ِّلي الَّصْيِد } وهذا استثناء آخر من قوله‪َ{ :‬بِهيَم ُة اَأْلْنَع اِم }‬
‫‪ ‬والتقدير‪ُ :‬أحلت لكم بهيمة األنعام إال ما ُيتلى عليكم إال الصيد وأنتم‬
‫محرمون‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل االستثناء األول من بهيمة األنعام‪ ،‬والثاني من االستثناء األول‪.‬‬

‫۞ {َو َأنُتْم ُحُر ٌم } يعني ُأحل لكم صيد البر إال في حال اإلحرام‪.‬‬
‫‪ -‬والمراد بالُم ْح ِر م هو من أحرم بالحج أو العمرة‪.‬‬
‫‪ -‬ويسمى ُم ْح ِرًم ا؛ لكونه يحرم عليه الصيد والطيب والنساء‪.‬‬

‫‪192‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫💎 ثم قال اآلية الثانية‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬يا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا اَل ُتِح ُّلوا َش َعاِئَر ِهَّللا َو اَل الَّش ْهَر اْلَح َر اَم َو اَل‬
‫اْلَهْد َي َو اَل اْلَقاَل ِئَد َو اَل آِّم يَن اْلَبْيَت اْلَح َر اَم َيْبَتُغوَن َفْض اًل ِّم ن َّرِّبِهْم َو ِر ْض َو اًناۚ ‬
‫َوِإَذ ا َح َلْلُتْم َفاْص َطاُدواۚ َو اَل َيْج ِرَم َّنُك ْم َش َنآُن َقْو ٍم َأن َص ُّدوُك ْم َع ِن اْلَم ْس ِج ِد اْلَح َر اِم‬
‫َأن َتْع َتُدواۘ َو َتَعاَو ُنوا َع َلى اْلِبِّر َو الَّتْقَو ىۖ َو اَل َتَعاَو ُنوا َع َلى اِإْل ْثِم َو اْلُعْد َو اِن ۚ ‬
‫َو اَّتُقوا َهَّللاۖ ِإَّن َهَّللا َش ِد يُد اْلِع َقاِب} [المائدة‪]٢ :‬‬

‫۞ قوله‪َ{ :‬يا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا اَل ُتِح ُّلوا َش َع اِئَر ِهَّللا} والشعائر هي المواضع‬
‫التي قد ُأشعرت بالعالمات‪.‬‬
‫‪ ‬قيل المراد بها هنا جميع مناسك الحج‪ ،‬وقيل الصفا والمروة والهدي‬
‫والُبدن‪.‬‬
‫‪ -‬والمعنى على هذين القولين ال ُتحلوا هذه األمور بأن يقع اإلخالل بشيٍء‬
‫منها‪ ،‬أو بأن تحولوا بينها وبين من أراد فعلها‪.‬‬
‫‪ -‬ذكر سبحانه النهي عن أن ُيحلوا شعائر هللا عقب ِذ كره تحريم صيد المحرم‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل المراد بالشعائر هنا‪ :‬فرائض هللا ومنه {َو َم ن ُيَع ِّظْم َش َع اِئَر ِهَّللا}‬
‫[الحج‪.]٣٢ :‬‬
‫‪ ‬وقيل‪ :‬هي حرمات هللا وال مانع من حمل ذلك على الجميع اعتباًرا بعموم‬
‫اللفظ ال بخصوص السبب وال بما يدل عليه الِّسياق‪.‬‬

‫۞ {َو اَل الَّش ْهَر اْلَحَر اَم }‬


‫‪ ‬المراد به الجنس فيدخل في ذلك جميع األشهر الحرم وهي أربعة‪( :‬ذو‬
‫القعدة‪ ،‬وذو الحجة‪ ،‬وُم حَر م‪ ،‬ورجب) أي تحُّلوها بالقتال فيها‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل المراد هنا شهر الحج فقط‬

‫۞ {َو اَل اْلَهْد َي } والهدي هو ما ُيهدى إلى بيت هللا من ناقٍة أو بقرٍة أو شاة‪،‬‬
‫نهاهم هللا سبحانه عن أن يحلوا حرمة الهدي بأن يأخذوه على صاحبه‪ ،‬أو‬
‫يحولوا بينه وبين المكان الذي ُيهِد ي إليه‪.‬‬

‫‪193‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫۞ ثم قال‪َ{ :‬و اَل اْلَقاَل ِئَد }‬


‫‪ ‬والقالئد جمع ِقالدة وهي ما ُيقلد به الهدي من نعل أو غيره‪ ،‬وإحاللها أن‬
‫تؤخذ غصبا‪ ،‬وفي النهي عن إحالل القالئد تأكيد للنهي عن إحالل‬
‫الهدي‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل‪ :‬المراد بالقالئد الُم قَّلدات به فيكون عطفه على الهدي لزيادة‬
‫التوصية بالهدي‪.‬‬
‫‪ -‬قال‪ :‬واألول أولى‪.‬‬

‫۞ قال‪َ{ :‬و اَل آِّم يَن اْلَبْيَت اْلَحَر اَم } أي قاصديه‪ ،‬من قولهم أَم ْم ت كذا‪.‬‬
‫‪ -‬والمعنى ال تمنعوا من قصد البيت الحرام بحج أو عمرة أو ليسكن فيه‪.‬‬

‫۞ {َيْبَتُغ وَن َفْض اًل ِّم ن َّرِّبِهْم َو ِرْض َو اًنا}‬


‫‪ ‬معناه يبغون الفضل والرزق واألرباح في التجارة‪ ،‬ويبتغون مع ذلك‬
‫ِرضوان هللا‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل‪ :‬كان منهم من يطلب التجارة‪ ،‬ومنهم من يبتغي بالحج ِرضوان هللا‪،‬‬
‫ويكون هذا االبتغاء للرضوان بحسب اعتقادهم وفي ظنهم عند من جعل‬
‫اآلية في المشركين‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل‪ :‬المراد بالفضل هنا الثواب ال األرباح في التجارة‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪َ{ :‬و ِإَذ ا َح َلْلُتْم َفاْص َطاُد وا} وهذا تصريح لما أفاده مفهوم (وأنتم‬
‫حرم)‪ ،‬أباح لهم الصيد بعد أن حظره عليهم؛ لزوال السبب الذي ُحِّر م ألجله‬
‫وهو اإلحرام‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪َ{ :‬و اَل َيْج ِرَم َّنُك ْم َشَنآُن َقْو ٍم َأن َص ُّد وُك ْم َع ِن اْلَم ْس ِج ِد اْلَحَر اِم َأن‬
‫َتْع َتُد وا} يعني ال يحملنكم ُبغضهم أن وقع منهم الصد لكم عن المسجد الحرام‬
‫على االعتداء عليهم‪.‬‬

‫‪194‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫۞ ثم قال‪َ{ :‬و َتَع اَو ُنوا َع َلى اْلِبِّر َو الَّتْقَو ى} أي ِلُيِع ن بعضكم بعًضا على ذلك‬
‫وهو يشمل كل أمر يصدق عليه أنه من البر والتقوى كائًنا ما كان‪.‬‬

‫۞ {َو اَل َتَع اَو ُنوا َع َلى اِإْل ْثِم َو اْلُع ْد َو اِن } فاإلثم كل فعل وقول ُيوجب إثم فاعله‬
‫أو قائله‪.‬‬
‫‪ -‬والعدوان التعدي على الناس بما فيه ظلم فال يبقى نوع من أنواع المجيبات‬
‫لإلثم‪ ،‬وال نوع من أنواع الظلم للناس إال هو داخل تحت هذا النهي؛ لصدق‬
‫هذين النوعين على كل ما يوجد فيه معناهما‪.‬‬

‫۞ ثم أمر عباده بالتقوى وتوعد من خالف ما أمر به فتركه‪ ،‬أو خالف ما نهى‬
‫عنه بفعله بقوله‪َ{ :‬و اَّتُقوا َهَّللاۖ ِإَّن َهَّللا َش ِد يُد اْلِع َقاِب}‬

‫💎 ثم قال اآلية الثالثة‪:‬‬


‫قال تعالى‪ُ{ :‬ح ِّر َم ْت َع َلْيُك ُم اْلَم ْيَتُة َو الَّد ُم َو َلْح ُم اْلِخ نِزيِر َو َم ا ُأِهَّل ِلَغْيِر ِهَّللا ِبِه‬
‫َو اْلُم ْنَخ ِنَقُة َو اْلَم ْو ُقوَذ ُة َو اْلُم َتَر ِّد َيُة َو الَّنِط يَح ُة َو َم ا َأَك َل الَّسُبُع ِإاَّل َم ا َذ َّك ْيُتْم َو َم ا‬
‫ُذ ِبَح َع َلى الُّنُصِب َو َأن َتْس َتْقِس ُم وا ِباَأْلْز اَل ِم ۚ َذ ِلُك ْم ِفْس ٌقۗ اْلَيْو َم َيِئَس اَّلِذ يَن َك َفُر وا‬
‫ِم ن ِد يِنُك ْم َفاَل َتْخ َش ْو ُهْم َو اْخ َش ْو ِن ۚ اْلَيْو َم َأْك َم ْلُت َلُك ْم ِد يَنُك ْم َو َأْتَم ْم ُت َع َلْيُك ْم‬
‫ِنْع َم ِتي َو َرِض يُت َلُك ُم اِإْل ْس اَل َم ِد يًناۚ َفَمِن اْض ُطَّر ِفي َم ْخ َم َصٍة َغ ْيَر ُم َتَج اِنٍف ِإِّل ْثٍم ۙ ‬
‫َفِإَّن َهَّللا َغُفوٌر َّر ِح يٌم } [المائدة‪]٣ :‬‬

‫۞ قال‪ُ{ :‬حِّر َم ْت َع َلْيُك ُم } هذا شروع في تفصيل المحرمات التي أشار إليها‬
‫سبحانه بقوله‪ِ{ :‬إاَّل َم ا ُيْتَلى َع َلْيُك ْم } [المائدة‪]١ :‬‬
‫‪ -‬يعني الميتة والدم ولحم الخنزير وما ُأهل لغير هلل به هذا تحريم مطلٌق‬
‫لجميع الدم‪ ،‬وُم قيٌد بكونه الدم المسفوح؛ لما تقدم من حمل الُم طلق على‬
‫الُم قيد‪.‬‬

‫‪195‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫🔺 وقد ورد في السنة تخصيص الميتة بقوله صلى هللا عليه وسلم‪ُ" :‬أحل لنا‬
‫ميتتان ودمان‪ ،‬فأما الميتتان فالحوت والجراد‪ ،‬وأما الدمان الكبد والطحال"‪.‬‬

‫🔺 وكذلك قال صلى هللا عليه سلم عن البحر‪" :‬هو الطهور ماُؤ ه الِح ُّل‬
‫ميتته"‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪َ{ :‬و اْلُم ْنَخ ِنَقُة} وهي التي تموت بالخنق وهو حبس النفس‪.‬‬
‫۞ {َو اْلَم ْو ُقوَذُة} وهي التي ُتضرب بالحجر أو العصا حتى تموت‪.‬‬
‫۞ {َو اْلُم َتَر ِّد َيُة} يعني هي التي تتردى من ُع لٍّو إلى أسفل‪ ،‬فتموت من غير‬
‫فرٍق بين أتتردى من جبل أو بئر أو َم ْدَفٍن أو غيرها‪ .‬والتردي مأخوٌذ من‬
‫الَر َد ى وهو الهالك سواٌء تردت بنفسها أو رَّد ها غيرها‪.‬‬
‫۞ قال‪َ{ :‬و الَّنِط يَح ُة} وهي التي تنطحها ُأخرى فتموت من دون تزكية‬
‫۞ {َو َم ا َأَك َل الَّسُبُع} أي وُحِّر م ما افترسه ذو ناٍب كاألسد والنمر والذئب‬
‫والضبع ونحوها‪ .‬والمراد هنا ما أكل منها السبع؛ ألن ما أكله السبع كله قد‬
‫فني‪.‬‬
‫۞ {ِإاَّل َم ا َذَّك ْيُتْم } وهو راجع على ما أدركتم ذكاته من المذكورات سابًقا‬
‫وفيه حياة‪.‬‬
‫۞ {َو َم ا ُذ ِبَح َع َلى الُّنُص ِب} والُنصب حجر كان ُينصب فُيعبد‪ ،‬وُتصب عليه‬
‫دماء الذبائح‪.‬‬
‫۞ {َو َأن َتْسَتْقِس ُم وا ِباَأْلْز اَل ِم } وهذا معطوف على ما قبله أي وُحرم عليكم‬
‫االستقسام باألزالم‪ .‬واألزالم هي ِقداح الَم ْيِس ر‪.‬‬

‫۞ {َذ ِلُك ْم ِفْس ٌق } يعني جميع الُم حرمات المذكورة هنا ِفسق‪ ،‬والِفسق هو‬
‫الخروج عن الحد وهذا وعيٌد شديد ألن الفسق هو أشد الكفر ال ما وقع عليه‬
‫اصطالح قوٍم من أنه منزلٌة بين اإليمان والكفر‪.‬‬

‫‪196‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫۞ ثم قال‪َ{ :‬فَمِن اْض ُطَّر} هذا متصٌل بذكر المحرمات‪ ،‬وما بينهما اعتراض‬
‫وقع بين الكالمين للتأكيد‪ ،‬فإن تحريم هذه الخبائث من جملة الدين الكامل أي‬
‫من دعته الضرورة‪.‬‬

‫۞ {ِفي َم ْخ َم َصٍة } يعني في مجاعٍة إلى أكل الميتة وما بعدها من الُم حرمات‪.‬‬
‫۞ {َغْيَر ُم َتَج اِنٍف ِإِّل ْثٍم } يعني غير مائٍل إلى ُم حَّر ٍم ‪ .‬ثم قال‪ :‬فإن هللا غفور له‬
‫رحيم به ال ُيؤاخذه بما ألجأته إليه الضرورة من الجوع مع عدم ميله بأكل ما‬
‫ُح رم عليه إلى اإلثم بأن يكون باغًيا على غيره أو ُم تعدًيا لما دعت إليه‬
‫الضرورة‪.‬‬

‫💎 ثم قال اآلية الرابعة‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬يْس َأُلوَنَك َم اَذ ا ُأِح َّل َلُهْم ۖ ُقْل ُأِح َّل َلُك ُم الَّطِّيَباُت ۙ َو َم ا َع َّلْم ُتم ِّم َن‬
‫اْلَج َو اِرِح ُم َك ِّلِبيَن ُتَعِّلُم وَنُهَّن ِم َّم ا َع َّلَم ُك ُم ُهَّللاۖ َفُك ُلوا ِم َّم ا َأْم َس ْك َن َع َلْيُك ْم َو اْذ ُك ُر وا‬
‫اْس َم ِهَّللا َع َلْيِهۖ َو اَّتُقوا َهَّللاۚ ِإَّن َهَّللا َس ِريُع اْلِح َس اِب} [المائدة‪]٤ :‬‬

‫۞ قال تعالى‪ُ{ :‬قْل ُأِح َّل َلُك ُم الَّطِّيَباُت }‬


‫‪ ‬والطيبات هي ما ُيستلذ أكله ويستطيبه أصحاب الطبائع السليمة مما أحله‬
‫هللا لعباده أو لم يرد نص بتحريمه‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل هي الحالل‪ ،‬وقيل الطيبات الذبائح ألنها طابت بالتذكية‪ ،‬وهو‬
‫تخصيٌص للعام بغير ُم خِّص ٍص ‪ ،‬والسبب والسياق ال يصلحان لذلك‪.‬‬

‫۞ ثم قال {َو َم ا َع َّلْم ُتم ِّم َن اْلَج َو اِرِح} معطوٌف على الطيبات بمعنى ُأحل لكم‬
‫صيد ما علمتم من أمر الجوارح والصيد بها‪.‬‬
‫۞ ثم قال‪ُ{ :‬م َك ِّلِبيَن }‬
‫‪ ‬والمكِّلب ُم علم الكالب كيفية االصطياد‪ ،‬وُخ ص معلم الكالب وإن كان‬
‫معلم سائر الجوارح مثله؛ ألن االصطياد بالكالب هو الغالب‪ ،‬ولم يكتِف‬

‫‪197‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫بقوله‪َ{ :‬و َم ا َع َّلْم ُتم ِّم َن اْلَج َو اِرِح} مع أن التكليب هو التعليم لقصد التأكيد‬
‫لما ال بد منه من التعليم‪.‬‬
‫‪ ‬وِقيل‪ :‬إن السبع ُيسمى كلًبا فيدخل كل سبع ُيصاد به‪.‬‬
‫‪ ‬وِقيل‪ :‬إن هذه اآلية خاصة بالكالب‪.‬‬
‫۞ ثم قال‪ُ{ :‬تَع ِّلُم وَنُهَّن } أي تؤدبوهن‬
‫۞ {ِمَّم ا َع َّلَم ُك ُم ُهَّللا} أي مما أدركتموه بما خلقه فيكم من العقل الذي تهتدون‬
‫به إلى تعليمها وتدريبها حتى تصير قابلة إلمساك الصيد لكم عند إرسالكم له‪،‬‬
‫فالجملة متفرعة على ما تقدم من تحليل صيد ما علموه من الجوارح‪.‬‬

‫۞ و"ِم ن" في قوله‪ِ{ :‬مَّم ا َأْمَس ْك َن َع َلْيُك ْم } للتبعيض؛ ألن بعض الصيد ال‬
‫ُيؤكل كالجلد والعظم‪ ،‬وما أكله الكلب ونحوه‪ ،‬وفيه دليل على أنه ال بد أن‬
‫ُيمسكه على صاحبه فإن أكل منه فإنما أمسكه على نفسه‪.‬‬

‫۞ {َو اْذ ُك ُروا اْس َم ِهَّللا َع َلْيِه } الضمير في "عليه" يعود إلى {َو َم ا َع َّلْم ُتم}‪ ،‬أي‬
‫سُّم وا عليه عند إرساله أو لما أمسكنا عليكم‪ ،‬أي سموا عليه إذا أردتم ذكاته‬
‫‪ ‬وقد ذهب الجمهور إلى وجوب التسمية عند إرسال الجارح‪ ،‬واستدلوا‬
‫بهذه اآلية‪.‬‬

‫🔺 ويؤيده حديث علي بن حاتم الثابت في الصحيحين وغيرهما بلفظ "إذا‬


‫أرسلت كلبك فاذكر اسم هللا‪ ،‬وإذا رميت بسهمك فاذكر اسم هللا"‪.‬‬
‫‪ ‬وقال بعض أهل العلم‪ :‬إن المراد التسمية عند األكل‪ .‬قال القرطبي وهو‬
‫األظهر‪ :‬واستدلوا باألحاديث التي فيها اإلرشاد إلى التسمية‪.‬‬
‫‪ ‬قال‪ :‬وهذا خطٌأ فإن النبي صلى هللا عليه وسلم قد َو َّقَت التسمية بإرسال‬
‫الكلب وإرسال السهم‪.‬‬
‫‪ -‬ومشروعية التسمية عند األكل ُحكٌم آخر ومسألة غير هذه المسألة‪ ،‬فال وجه‬
‫لحمل ما ورد في الكتاب والسنة هنا على ما ورد في التسمية عند األكل وال‬
‫ُم ْلِج ئ لذلك‪.‬‬

‫‪198‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫🔺 قال‪ :‬وفي لفٍظ في الصحيحين من حديث عدي‪" :‬إن أرسلت كلبك وسميت‬
‫فأخذ َفُك ل"‬
‫‪ ‬وقد ذهب جماعة إلى أن التسمية شرط‪،‬‬
‫‪ ‬وذهب آخرون إلى أنها سنة فقط‪،‬‬
‫‪ ‬وذهب جماعة إلى أنها شرط على الذاكر ال الناسي وهذا أقوى األقوال‬
‫وأرجحها‪.‬‬

‫🔷 األسئلة على المحاضرة‪:‬‬

‫🔹 السؤال األول‪:‬‬
‫ما هو سبب نزول {َو َيْسَتْفُتوَنَك ِفي الِّنَس اِء } [النساء‪]١٢٧ :‬؟‬

‫🔹 السؤال الثاني‪:‬‬
‫ما المقصود بقوله تعالى‪َ{ :‬و َلن َتْسَتِط يُعوا َأن َتْع ِد ُلوا َبْيَن الِّنَس اِء َو َلْو َحَر ْص ُتْم }‬
‫[النساء‪]١٢٩ :‬؟‬

‫🔹 السؤال الثالث‪:‬‬
‫ما المقصود بقوله‪َ{ :‬و َلن َيْج َعَل ُهَّللا ِلْلَك اِفِريَن َع َلى اْلُم ْؤ ِمِنيَن َس ِبياًل } [النساء‪:‬‬
‫‪]١٤١‬؟‬

‫🔹 السؤال الرابع‪:‬‬
‫اذكر األحكام في قوله سبحانه وتعالى في اآلية األولى من سورة المائدة‪:‬‬

‫‪199‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫{َيا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا َأْو ُفوا ِباْلُع ُقوِد } [المائدة‪ ]١ :‬إلى آخر اآلية‪.‬‬

‫🔹 السؤال الخامس‪:‬‬
‫ما الُم راد بالشعائر في قوله سبحانه وتعالى‪{ :‬اَل ُتِح ُّلوا َش َع اِئَر ِهَّللا} [المائدة‪:‬‬
‫‪]٢‬؟‬

‫هذا وسبحانك اللهم وبحمدك‪ ،‬نشهد أن ال إله إال أنت‪ ،‬نستغفرك ونتوب إليك‪،‬‬
‫والسالم عليكم ورحمة هللا وبركاته‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫جامعة صفوة‬
‫كلية العلوم الشرعية والعربية‬
‫مقرر التفسير‬
‫الفرقة الثالثة‬
‫المحاضرة الثانية عشرة‬
‫من كتاب [نيل المرام من تفسير آيات األحكام]‬
‫شرح الدكتور سعد معوض حفظه هللا‬
‫*****‬

‫إن الحمد هلل تعالى نحمده ونستعين به ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل تعالى من شرور‬
‫أنفسنا ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬إنه من يهده هللا تعالى فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل‬
‫فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له وأشهد أن محمًد ا عبده‬
‫ورسوله‪ ،‬اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم‬
‫وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد‪ ،‬اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما‬
‫باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد‪.‬‬
‫وبعد‪ ،‬المحاضرة الثانية عشرة من شرح كتاب [نيل المرام من تفسير آيات‬
‫األحكام]‬

‫💎 مع اآلية الخامسة من سورة المائدة‪:‬‬


‫قال سبحانه وتعالى‪{ :‬اْلَيْو َم ُأِح َّل َلُك ُم الَّطِّيَباُت ۖ َو َطَعاُم اَّلِذ يَن ُأوُتوا اْلِكَتاَب ِح ٌّل‬
‫َّلُك ْم َو َطَعاُم ُك ْم ِح ٌّل َّلُهْم ۖ َو اْلُم ْح َص َناُت ِم َن اْلُم ْؤ ِم َناِت َو اْلُم ْح َص َناُت ِم َن اَّلِذ يَن‬
‫ُأوُتوا اْلِكَتاَب ِم ن َقْبِلُك ْم ِإَذ ا آَتْيُتُم وُهَّن ُأُج وَر ُهَّن ُم ْح ِص ِنيَن َغ ْيَر ُم َس اِفِح يَن َو اَل‬
‫ُم َّتِخ ِذ ي َأْخ َد اٍن ۗ َو َم ن َيْك ُفْر ِباِإْل يَم اِن َفَقْد َح ِبَط َع َم ُلُه َو ُهَو ِفي اآْل ِخ َرِة ِم َن‬
‫اْلَخ اِس ِريَن } [المائدة‪.]٥ :‬‬

‫‪{ -‬اْلَيْو َم ُأِح َّل َلُك ُم الَّطِّيَباُت }‪ :‬و[الطيبات] ذكرناها فيما سبق‪.‬‬

‫‪201‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪َ{ -‬و َطَع اُم اَّلِذ يَن ُأوُتوا اْلِكَتاَب ِح ٌّل َّلُك ْم }‪ :‬الطعام اسم لكل ما يؤكل؛ ومنه‬
‫الذبائح‪.‬‬
‫‪ ‬وذهب أكثر أهل العلم إلى تخصيصه هنا بالذبائح‪.‬‬

‫‪ -‬وفي هذه اآلية دليل على أن جميع طعام أهل الكتاب من غير فرق بين اللحم‬
‫وغيره حالل للمسلمين‪ ،‬وإن كانوا ال يذكرون على ذبائحهم اسم هللا‪.‬‬
‫فتكون هذه اآلية مخصصة لعموم قوله‪َ{ :‬و اَل َتْأُك ُلوا ِمَّم ا َلْم ُيْذ َك ِر اْس ُم ِهَّللا‬
‫َع َلْيِه} [األنعام‪.]١٢١ :‬‬
‫‪ ‬وظاهر هذا أن ذبائح أهل الكتاب حالل؛ وإن ذكر اليهودي على ذبيحته‬
‫اسم ُع زير‪ ،‬وذكر النصراني على ذبيحته اسم المسيح‪ .‬وإليه ذهب أبو‬
‫الدرداء‪ ،‬وُع بادة بن الصامت‪ ،‬وابن عباس‪ ،‬والزهري‪ ،‬وربيعة‪،‬‬
‫والشعبي‪ ،‬ومكحول‪.‬‬
‫‪ ‬وقال علي‪ ،‬وعائشة‪ ،‬وابن عمر‪ :‬إذا سمعت الكتابي يسمي على الذبيحة‬
‫اسم غير هللا فال تأكل‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬و َطَع اُم ُك ْم ِح ٌّل َّلُهْم }‪ :‬أي وطعام المسلمين حالل ألهل الكتاب‪ ،‬وفيه‬
‫دليل على أنه يجوز للمسلمين أن ُيطعموا أهل الكتاب من ذبائحهم‪ ،‬وهذا من‬
‫باب المكافأة والُم جازاة‪ ،‬وإخبار للمسلمين بأن ما يأخذونه من أعواض‬
‫الطعام حالل لهم بطريق الداللة االلتزامية‪.‬‬

‫ثم قال‪َ{ :‬و اْلُم ْح َص َناُت ِم َن اْلُم ْؤ ِم َناِت}‪ :‬يعني ِح ٌّل لكم أيضا‪ ،‬وذكر وطأهن‬ ‫‪-‬‬
‫تمهيًد ا لقوله‪:‬‬
‫{َو اْلُم ْح َص َناُت ِم َن اَّلِذ يَن ُأوُتوا اْلِكَتاَب ِم ن َقْبِلُك ْم }‪ :‬والمراد بهن الحرائر‬ ‫‪-‬‬
‫دون اإلماء‪.‬‬
‫{ِإَذ ا آَتْيُتُم وُهَّن ُأُجوَر ُهَّن }‪ :‬أي ُم هورهن‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{ُم ْح ِص ِنيَن }‪ :‬يعني حال كونكم َأِع َّفاُء بالنكاح‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{َغْيَر ُم َس اِفِح يَن }‪ :‬يعني غير ُم جاهرين بالزنا‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪202‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪َ{ -‬و اَل ُم َّتِخ ِذ ي َأْخ َد اٍن }‪ :‬جمع [الخدن] وهو الصديق في السر‪ ،‬يقع على‬
‫الذكر واألنثى‪ ،‬أي ولم تتخذوا معشوقات‪ ،‬فقد شرط هللا في الرجال العفة‪،‬‬
‫وعدم المجاهرة بالزنا‪ ،‬وعدم اتخاذ أخدان‪ ،‬كما شرط في النساء أن يكن‬
‫محصنات‪.‬‬

‫💎 ثم قال اآلية السادسة من سورة المائدة‪:‬‬


‫‪ -‬قال تعالى‪َ{ :‬يا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا ِإَذ ا ُقْم ُتْم ِإَلى الَّص اَل ِة َفاْغ ِس ُلوا ُو ُج وَهُك ْم‬
‫َو َأْيِدَيُك ْم ِإَلى اْلَم َر اِفِق َو اْم َسُح وا ِبُرُء وِس ُك ْم َو َأْر ُج َلُك ْم ِإَلى اْلَك ْعَبْيِن ۚ َوِإن ُك نُتْم‬
‫ُج ُنًبا َفاَّطَّهُر واۚ َوِإن ُك نُتم َّم ْر َض ٰى َأْو َع َلٰى َس َفٍر َأْو َج اَء َأَح ٌد ِّم نُك م ِّم َن اْلَغاِئِط‬
‫َأْو اَل َم ْس ُتُم الِّنَس اَء َفَلْم َتِج ُدوا َم اًء َفَتَيَّمُم وا َصِع يًد ا َطِّيًبا َفاْم َسُح وا ِبُو ُج وِهُك ْم‬
‫َٰل‬
‫َو َأْيِد يُك م ِّم ْنُهۚ َم ا ُيِريُد ُهَّللا ِلَيْج َعَل َع َلْيُك م ِّم ْن َح َر ٍج َو ِكن ُيِريُد ِلُيَطِّهَر ُك ْم َو ِلُيِتَّم‬
‫ِنْع َم َتُه َع َلْيُك ْم َلَعَّلُك ْم َتْش ُك ُر وَن } [المائدة‪.]٦ :‬‬

‫{َيا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا ِإَذ ا ُقْم ُتْم ِإَلى الَّص اَل ِة }‪ :‬يعني إذا أردتم القيام إلى الصالة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{َفاْغ ِس ُلوا ُو ُجوَهُك ْم }‪ :‬والوجه حده في الطول من ُم بتدأ سطح الجبهة إلى‬ ‫‪-‬‬
‫منتهى الَّلحَيْين‪ ،‬وفي العرض من األذن إلى األذن‪.‬‬
‫‪ ‬وقد ورد الدليل بتخليل اللحية‪.‬‬
‫‪ ‬واختلف العلماء في غسل ما اسُترسل‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬والكالم في ذلك مبسوٌط في موطنه‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ثم قال‪َ{ :‬و َأْيِدَيُك ْم ِإَلى اْلَم َر اِفِق}‪[ :‬إلى] الغاية‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫وأما كون ما بعدها يدخل فيما قبلها محل خالف‪.‬‬


‫‪ ‬وقد ذهب سيبويه وجماعة إلى أن ما بعدها إن كان من نوع ما قبلها دخل‬
‫وإال فال‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل إنها هنا بمعنى [مع]‪.‬‬
‫‪ ‬وذهب قوم إلى أنها تفيد الغاية مطلًقا‪ ،‬وأما الدخول وعدمه فأمر يدور مع‬
‫الدليل‪.‬‬

‫‪203‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ ‬وقد ذهب الجمهور إلى أن المرافق ُتغسل‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬و اْمَس ُحوا ِبُر ُء وِس ُك ْم }‪:‬‬


‫‪ ‬قيل [الباء] زائدة‪ ،‬والمعنى امسحوا رؤوَس كم‪ ،‬وذلك يقتضي تعميم المسح‬
‫لجميع الرأس‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل هي للتبعيض‪ ،‬وذلك يقتضي أنه ُيجزئ مسح بعضه‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬و َأْر ُج َلُك ْم }‪ :‬تدل على أنه يجب غسل الرجلين؛ ألنها معطوفة على‬
‫الوجوه واأليدي‪.‬‬
‫‪ ‬وإليه ذهب جمهور العلماء‪.‬‬
‫‪ ‬والفصل بالممسوح بين المغسوالت ُيفيد وجوب الترتيب في تطهير هذه‬
‫األعضاء‪ ،‬وعليه الشافعي‪.‬‬

‫‪ِ{ -‬إَلى اْلَك ْع َبْيِن }‪ :‬معناه معهما‪ ،‬كما بينت السنة‪ ،‬والكالم فيه كالكالم في قوله‬
‫{ِإَلى اْلَم َر اِفِق}‪.‬‬

‫️⬅ فهذه الفروض األربعة في الوضوء‪ ،‬وبقي من فرائضه النية والتسمية ولم‬
‫ُيذكرا في هذه اآلية؛ بل وردت بهما السنة‪.‬‬

‫️⬅ وقيل‪ :‬إن في هذه اآلية ما يدل على النية؛ ألنه لما قال‪ِ{ :‬إَذ ا ُقْم ُتْم ِإَلى‬
‫الَّص اَل ِة َفاْغ ِس ُلوا ُو ُجوَهُك ْم } كان تقدير الكالم فاغسلوا وجوهكم لها‪ ،‬وذلك‬
‫هو النية الُم عتبرة‪ ،‬ال ما تعارف عليه اليوم بين الناس من التلفظ بعباراٍت‬
‫مبتدعة‪ ،‬فقد صرح غير واحد بإنكار ذلك وعدم وروده عن النبي صلى هللا‬
‫عليه وسلم؛ بل وال عن أحد من الصحابة وتابعيهم ومن بعدهم من األئمة‬
‫المعتبرين رضوان هللا عليهم أجمعين‪.‬‬

‫‪204‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬و ِإن ُك نُتْم ُج ُنًبا}‪ :‬والمراد بالجنابة هي الحاصلة بدخول حشفة‪ ،‬أو‬
‫نزول مني االحتالم‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫‪َ{ -‬فاَّطَّهُروا}‪ :‬أي فاغتسلوا بالماء‪.‬‬
‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬و ِإن ُك نُتم َّم ْر َض ى َأْو َع َلى َس َفٍر َأْو َج اَء َأَح ٌد ِّم نُك م ِّم َن اْلَغ اِئِط َأْو‬
‫اَل َم ْس ُتُم الِّنَس اَء َفَلْم َتِج ُد وا َم اًء َفَتَيَّمُم وا َصِع يًد ا َطِّيًبا َفاْمَس ُحوا ِبُو ُجوِهُك ْم‬
‫َو َأْيِد يُك م ِّم ْنُه}‪ :‬قد تقدم تفسير المرض‪ ،‬والسفر‪ ،‬والمجيء من الغائط في‬
‫سورة النساء مستوفًيا‪ ،‬وكذلك تقدم الكالم على ُم المسة النساء‪ ،‬وعلى‬
‫التيمم‪ ،‬وعلى الصعيد‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬م ا ُيِريُد ُهَّللا ِلَيْج َعَل َع َلْيُك م ِّم ْن َحَر ٍج}‪ :‬أي ما يريد بأمركم بالطهارة‬
‫بالماء أو بالتراب التضييق عليكم في الدين‪.‬‬
‫‪َ{ -‬و َلِكن ُيِريُد ِلُيَطِّهَر ُك ْم } [المائدة‪ :]٦ :‬من الذنوب والخطايا‪ ،‬ألن الوضوء‬
‫من كفارتها كما في الحديث‪ ،‬وقيل من األصغر واألكبر‪.‬‬

‫💎 ثم قال‪ :‬اآلية السابعة من سورة المائدة‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬فَبَعَث ُهَّللا ُغ َر اًبا َيْبَح ُث ِفي اَأْلْر ِض ِلُيِرَيُه َك ْيَف ُيَو اِر ي َس ْو َء َة‬
‫َأِخ يِهۚ َقاَل َيا َو ْيَلَتا َأَع َج ْز ُت َأْن َأُك وَن ِم ْثَل َهَذ ا اْلُغَر اِب َفُأَو اِرَي َس ْو َء َة َأِخ يۖ ‬
‫َفَأْص َبَح ِم َن الَّناِدِم يَن } [المائدة‪.]٣١ :‬‬

‫‪ -‬قال‪َ{ :‬فَبَع َث ُهَّللا ُغ َر اًبا َيْبَح ُث ِفي اَأْلْر ِض ِلُيِرَيُه َك ْيَف ُيَو اِري َس ْو َء َة َأِخ يِه}‪:‬‬
‫قيل إنه لما قتل أخاه لم يدِر كيف يواريه؛ لكونه أول ميٍت مات من بني آدم‪،‬‬
‫فبعث هللا غرابين أخوين فاقتتال‪ ،‬فقتل أحدهما صاحبه‪ ،‬فحفر له ثم حثا‬
‫عليه‪ ،‬فلما رآه قابيل {َقاَل َيا َو ْيَلَتا َأَع َج ْز ُت َأْن َأُك وَن ِم ْثَل َهَذ ا اْلُغ َر اِب‬
‫َفُأَو اِرَي َس ْو َء َة َأِخ ي} فواراه‪.‬‬

‫💎 ثم قال‪ :‬اآليتان الثامنة والتاسعة من سورة المائدة‪:‬‬

‫‪205‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫قال تعالى‪ِ{ :‬إَّنَم ا َج َز اُء اَّلِذ يَن ُيَح اِر ُبوَن َهَّللا َو َرُس وَلُه َو َيْسَعْو َن ِفي اَأْلْر ِض‬
‫َفَس اًد ا َأن ُيَقَّتُلوا َأْو ُيَص َّلُبوا َأْو ُتَقَّطَع َأْيِد يِهْم َو َأْر ُج ُلُهم ِّم ْن ِخ اَل ٍف َأْو ُينَفْو ا‬
‫ِم َن اَأْلْر ِضۚ َٰذ ِلَك َلُهْم ِخ ْز ٌي ِفي الُّد ْنَياۖ َو َلُهْم ِفي اآْل ِخ َرِة َع َذ اٌب َع ِظ يٌم (‪)٣٣‬‬
‫ِإاَّل اَّلِذ يَن َتاُبوا ِم ن َقْبِل َأن َتْقِدُر وا َع َلْيِهْم ۖ َفاْع َلُم وا َأَّن َهَّللا َغُفوٌر َّر ِح يٌم (‬
‫‪[ })٣٤‬المائدة‪.]٣٤-٣٣ :‬‬

‫‪ -‬قال تعالى‪ِ{ :‬إَّنَم ا َج َز اُء اَّلِذ يَن ُيَح اِرُبوَن َهَّللا َو َر ُسوَلُه}‪ :‬قد اختلف الناس في‬
‫سبب نزول اآلية‪:‬‬
‫‪ ‬فذهب الجمهور إلى أنها نزلت في الُعرانيين‪.‬‬
‫‪ ‬وقال مالك‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأبو ثور‪ ،‬وأصحاب الرأي‪ :‬إنها نزلت فيمن‬
‫خرج من المسلمين يقطع الطريق ويسعى في األرض بالفساد‪.‬‬
‫‪ ‬قال ابن المنذر‪ :‬قول مالك صحيح‪.‬‬
‫‪ ‬قال أبو ثور ُم حتًّج ا لهذا القول‪ :‬إن قوله في اآلية‪ِ{ :‬إاَّل اَّلِذ يَن َتاُبوا ِم ن َقْبِل‬
‫َأن َتْقِد ُروا َع َلْيِهْم } [المائدة‪ ]٣٤ :‬يدل على أنها نزلت في غير أهل‬
‫الشرك؛ ألنهم قد أجمعوا على أن أهل الشرك إذا ُو ِّفقوا في الدنيا فأسلموا‬
‫فإن دماءهم َتْح ُر م؛ فدل ذلك على أن اآلية نزلت في أهل اإلسالم‪.‬‬
‫🔺 وهكذا يدل على هذا قوله‪ُ{ :‬قل ِّلَّلِذ يَن َك َفُروا ِإن َينَتُهوا ُيْغ َفْر َلُهم َّم ا َقْد‬
‫َس َلَف } [األنفال‪.]٣٨ :‬‬

‫🔺 وقوله صلى هللا عليه وسلم‪" :‬اإلسالم يهدم ما قبله"‪.‬‬

‫‪ -‬والمراد بمحاربة هللا المذكورة في اآلية هي محاربة رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪ ،‬ومحاربة المسلمين في عصره‪ ،‬ومن بعد عصره بطريق‬
‫العبارة؛ دون الداللة ودون القياس‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال بعد ذكر كالم عن المحاربة والمحاربين قال‪ :‬إذا تقرر لك ما قررناه‬
‫من عموم اآلية‪ ،‬ومن معنى المحاربة والسعي في األرض فسادا؛ فاعلم أن‬

‫‪206‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫ذلك يصُد ق على كل من وقع منه ذلك؛ سواٌء كان مسلًم ا أو كافًرا‪ ،‬في‬
‫مصٍر أو غير مصٍر ‪ ،‬في كل قليٍل و كثيٍر‪ ،‬وجليٍل وحقيٍر ‪ ،‬وإن حكم هللا في‬
‫ذلك هو ما ورد في اآلية من القتل‪ ،‬أو الصلب‪ ،‬أو قطع األيدي واألرجل‬
‫من خالف‪ ،‬أو النفي من األرض؛ ولكن ال يكون هذا حكم من فعل أي ذنب‬
‫من الذنوب؛ بل من كان ذنبه هو التعدي على دماء العباد وأموالهم فيما عدا‬
‫ما قد ورد له ُحكٌم غير هذا الحكم من كتاب هللا أو سنة رسوله صلى هللا‬
‫وسلم؛ كالسرقة‪ ،‬وما يجب فيها القصاص؛ ألَّنا نعلم أنه قد كان في زمنه‬
‫صلى هللا عليه وسلم من يقع منه ذنوب ومعاصي غير ذلك؛ وال ُيجري‬
‫عليه صلى هللا عليه وسلم هذا الحكم المذكور في هذه اآلية‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪ :‬اعلم أنه قد اختلف العلماء فيمن يستحق اسم المحاربة‪:‬‬
‫‪ ‬فقال ابن عباس‪ ،‬وسعيد بن المسيب‪ ،‬ومجاهد‪ ،‬وعطاء‪ ،‬والحسن‬
‫البصري‪ ،‬وإبراهيم النخعي‪ ،‬والضحاك‪ ،‬وأبو ثور‪ :‬إن من َش َهر السالح‬
‫في ُقبة اإلسالم‪ ،‬وأخاف السبيل؛ ثم ُظفر به‪ ،‬وُقِد ر عليه؛ فإمام المسلمين‬
‫فيه بالخيار؛ إن شاء قتله‪ ،‬وإن شاء صلبه‪ ،‬وإن شاء قطع يده ورجله‪،‬‬
‫وبهذا قال مالك‪ ،‬وصرح بأن المحارب عنده من حمل على الناس في‬
‫مصٍر أو بِّر ية‪.‬‬
‫‪ ‬قال ابن المنذر‪ :‬اخُتِلف عن مالك في هذه المسألة؛ فأثبت المحاربة في‬
‫المصر مرة‪ ،‬ونفى ذلك مرة‪.‬‬
‫‪ ‬وُر وي عن ابن عباس غير ما تقدم؛ فقال في قطاع الطريق‪:‬‬
‫• إذا َقَتلوا وأخذوا المال؛ ُقِتلوا وُص ِلبوا‪.‬‬
‫• وإذا َقَتلوا ولم يأخذوا المال؛ ُقِتلوا ولم ُيَص َّلبوا‪.‬‬
‫• وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا؛ ُقِّطعت أيديهم وأرجلهم من خالف‪.‬‬
‫• وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا مااًل ‪ُ ،‬نفوا من األرض‪.‬‬
‫‪ ‬وروي عن أبي ِم جلز‪ ،‬وسعيد بن جبير‪ ،‬وإبراهيم النخعي‪ ،‬والحسن‪،‬‬
‫وقتادة‪ ،‬والُس ِّد ي‪ ،‬وعطاء على اختالف في الرواية عن بعضهم البعض‪.‬‬
‫‪ ‬وحكاه ابن كثير عن الجمهور‪.‬‬
‫‪ ‬وقال أيًض ا‪ :‬وهكذا عن غير واحد من السلف واألئمة‪.‬‬

‫‪207‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ ‬وقال أبو حنيفة‪:‬‬


‫• إذا َقَتل؛ ُقِتل‪.‬‬
‫• وإذا أخذ المال ولم يقتل؛ ُقِّطعت يده ورجله من خالف‪.‬‬
‫• وإذا أخذ المال وَقتل؛ فالسلطان مخير فيه؛ إن شاء قطع يديه ورجليه‪،‬‬
‫وإن شاء لم يقطع وقتله وصلبه‪.‬‬

‫‪ ‬وقال أبو يوسف‪ :‬القتل يأتي على كل شيء‪ ،‬ونحوه قول األوزاعي‪.‬‬
‫‪ ‬وقال الشافعي‪:‬‬
‫• إذا أخذ المال ُقِط عت يده اليمنى وُح ِس مت‪ ،‬ثم قطعت رجله اليسرى‬
‫وُح ِس مت‪ ،‬وُخ ِّلَي ؛ ألن هذه الجناية زادت على السرقة بالجزاء به‪.‬‬
‫• وإذا َقَتل؛ ُقِتل‪.‬‬
‫• وإذا أخذ المال وَقَتل ُقِتل وُص ِلب‪ .‬وُروي عنه أنه قال يصلب ثالثة أيام‬

‫‪ ‬وقال أحمد‪ :‬إن َقَتل؛ ُقِتل‪ ،‬وإن أخذ المال؛ ُقطعت يده ورجله‪ ،‬كقول‬
‫الشافعي‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪ :‬وال أعلم لهذه التفاصيل دلياًل من كتاب هللا‪ ،‬وال من سنة رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم؛ إال ما رواه ابن جريٍر في تفسيره وتفرد به بروايته‬
‫فقال‪:‬‬

‫🔺 حدثنا علي بن سهل‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الوليد بن مسلم‪ ،‬عن يزيد بن أبي حبيٍب‪:‬‬
‫أن عبد الملك بن مروان كتب إلى أنس بن مالك يسأله عن هذه اآلية‪ ،‬فكتب‬
‫إليه ُيخبره أن هذه اآلية نزلت في أولئك النفر العرانيين‪ ،‬وهم من بجيلة‪،‬‬
‫قال أنس‪ :‬فارتدوا عن اإلسالم‪ ،‬وقتلوا الراعي‪ ،‬واستاقوا اإلبل‪ ،‬وأخافوا‬
‫السبيل‪ ،‬وأصابوا الفرج الحرام‪ ،‬قال أنس‪ :‬فسأل رسول هللا صلى هللا وسلم‬
‫جبريل عن القضاء في من حارب‪ ،‬فقال‪ :‬من سرق وأخاف السبيل فاقطع‬
‫يده بسرقته‪ ،‬ورجله بإخافته‪ ،‬ومن َقَتل فاقُتله‪ ،‬ومن َقَتل وأخاف السبيل‬
‫واستحل الفرج الحرام فاصلبه‪.‬‬

‫‪208‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬قال‪ :‬وهذا ما فيه من النكارة الشديدة ال ُيْد َر ى كيف صحته‪.‬‬

‫‪ 🔻 -‬قال ابن كثير في تفسيره بعد ذكره شيًئا من هذه التفاصيل التي ذكرناها‬
‫مع لفظه‪ :‬ويشهد لهذا التفصيل الحديث الذي رواه ابن جرير في تفسيره إن‬
‫صح سنده ثم ذكره‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬و َيْس َع ْو َن ِفي اَأْلْر ِض َفَس اًد ا}‪ :‬يعني مفسدين‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬أن ُيَقَّتُلوا َأْو ُيَص َّلُبوا}‪ :‬ظاهره أنهم ُم صلبون أحياء حتى يموتوا؛‬
‫ألنه أحد األنواع التي خَّير هللا بينها‪.‬‬
‫• وقال قوم‪ :‬الصلب إنما يكون بعد القتل‪ ،‬وال يجوز أن ُيصلب قبل‬
‫القتل؛ فُيحال بينه وبين الصالة‪ ،‬واألكل‪ ،‬والشرب‪.‬‬

‫️☑ ويجاب‪ :‬بأن هذه عقوبة شرعها هللا في كتابه لعباده‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬أْو ُتَقَّطَع َأْيِد يِهْم َو َأْر ُج ُلُهم ِّم ْن ِخ اَل ٍف }‪:‬‬
‫‪ ‬ظاهره قطع إحدى اليدين وإحدى الرجلين من خالف؛ سواء كانت‬
‫المقطوعة من اليدين هي الُيمنى أو اليسرى‪ ،‬وكذلك الرجالن‪ ،‬وال ُيعتبر‬
‫إال أن القطع من خالف‪ ،‬إما يمنى اليدين مع يسرى الرجلين‪ ،‬أو يسرى‬
‫اليدين مع يمنى الرجلين‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل المراد بهذا قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى فقط‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬أْو ُينَفْو ا ِم َن اَأْلْر ِض } اختلف المفسرون في معناه‪:‬‬


‫‪ ‬فقال الُس ِّد ي‪ :‬هو أن ُيطلب بالخيل‪ ،‬والَّرْج ِل حتى يؤخذ‪ ،‬ويقام عليه الحد‪،‬‬
‫أو ُيخرج من دار اإلسالم هربا‪ .‬وهو محكٌّي عن ابن عباس‪ ،‬وأنس بن‬
‫مالك‪ ،‬والحسن البصري‪ ،‬والسدي‪ ،‬والضحاك‪ ،‬وقتادة‪ ،‬وسعيد بن جبير‪،‬‬
‫والربيع بن أنس‪ ،‬والزهري‪.‬‬

‫‪209‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫وُح ِك ي عن الشافعي‪ :‬أنهم يخرجون من بلد إلى بلد‪ ،‬وُيْطَلبون لُتقام عليهم‬ ‫‪‬‬
‫الحدود‪ ،‬وبه قال الليث بن سعد‪.‬‬
‫وُروي عن مالك‪ :‬أن ُيْنَفى من البلد الذي أحدث فيه إلى غيره‪ ،‬وُيحبس‬ ‫‪‬‬
‫فيه كالزاني‪ ،‬ورجحه ابن جرير‪ ،‬والقرطبي‪.‬‬
‫وقال الكوفيون‪ :‬نفيهم سجنهم‪ ،‬فُيْنَفى من سعة الدنيا إلى ضيقها‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫والظاهر من اآلية‪ :‬أنه يطرد من األرض التي وقع فيها ما وقع من غير‬ ‫‪‬‬
‫سجن وال غيره‪ ،‬والنفي قد يقع لمعنى اإلهالك؛ وليس هو ُم راًد ا هنا‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َٰ{ :‬ذ ِلَك َلُهْم ِخ ْز ٌي ِفي الُّد ْنَيا}‪ :‬واإلشارة إلى ما سبق ذكره من‬
‫األحكام‪[ ،‬والخزي]‪ :‬الذل‪ ،‬والفضيحة‪.‬‬
‫‪ -‬ثم قال‪ِ{ :‬إاَّل اَّلِذ يَن َتاُبوا ِم ن َقْبِل َأن َتْقِد ُروا َع َلْيِهْم ۖ َفاْع َلُم وا َأَّن َهَّللا َغ ُفوٌر‬
‫َّر ِح يٌم }‪ :‬استثنى هللا سبحانه وتعالى التائبين قبل القدرة عليهم من عموم‬
‫المعاقبين بالعقوبات السابقة‪ ،‬والظاهر عدم الفرق بين الدماء واألموال وبين‬
‫غيرها من الذنوب الموجبة للعقوبات الُم عينة المحدودة‪ ،‬فال ُيطالب التائب‬
‫قبل القدرة بشيء من ذلك‪ ،‬وعليه عمل الصحابة‪.‬‬
‫‪ ‬وذهب بعض أهل العلم إلى أنه ال يسقط القصاص وسائر حقوق‬
‫اآلدميين بالتوبة قبل القدرة والحق األول‪.‬‬

‫‪ -‬وأما التوبة بعد القدرة فال تسقط بها العقوبة المذكورة في اآلية كما يدل عليه‬
‫ذكر قيد (قبل أن تقدروا عليهم)‪.‬‬

‫🔻 قال القرطبي‪" :‬وأجمع أهل العلم على أن السلطان ولي من حارب فإن‬
‫قتل محارٌب أًخ ا امرًأ أو أباه في حال المحاربة فليس إلى طالب الدم من أمر‬
‫المحاربة شيٌء وال يجوز عفو ولي الدم"‪.‬‬

‫💎 ثم قال اآلية العاشرة‪:‬‬

‫‪210‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬قال تعالى‪َ{ :‬و الَّس اِر ُق َو الَّس اِر َقُة َفاْقَطُعوا َأْيِدَيُهَم ا َج َز اًء ِبَم ا َك َسَبا َنَك ااًل ِّم َن‬
‫ِهَّللاۗ َوُهَّللا َع ِزيٌز َح ِكيٌم } [المائدة‪]٣٨ :‬‬

‫قال‪ :‬لما ذكر هللا سبحانه من يأخذ المال جهًرا وهو المحارب عَّقبه بذكر من‬ ‫‪-‬‬
‫يأخذ المال خفية وهو السارق‪،‬‬
‫فقال‪َ{ :‬و الَّساِرُق َو الَّساِرَقُة َفاْقَطُعوا َأْيِدَيُهَم ا َج َز اًء ِبَم ا َك َسَبا}‬ ‫‪-‬‬
‫وذكر السارقة مع السارق لزيادة البيان؛ ألن غالب القرآن االقتصار على‬ ‫‪-‬‬
‫الرجال في تشريع األحكام‪.‬‬
‫قال‪َ{ :‬فاْقَطُعوا}‬ ‫‪-‬‬
‫والقطع معناه‪ :‬اإلبانة واإلزالة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وقد بينت السنة المطهرة أن موضع القطع الرسغ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ ‬وقال قوم‪ُ :‬يقطع من الِم رفق‪.‬‬
‫‪ ‬وقال الخوارج‪ :‬من الَم نكب‪.‬‬
‫والسرقة ال بد أن تكون ربع دينار فصاعدا‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وال بد أن تكون من ِح رٍز كما وردت بذلك األحاديث الصحيحة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ ‬وقد ذهب إلى اعتبار ربع الدينار الجمهور‪.‬‬
‫‪ ‬وذهب قوم إلى التقدير بعشرة دراهم‪.‬‬
‫‪ ‬وذهب الجمهور إلى اعتبار الِح رز‪.‬‬
‫‪ ‬وقال الحسن البصري‪ :‬إذا جمع الثياب في البيت ُقِط ع‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬ج َز اًء ِبَم ا َك َسَبا} أي‪ :‬فاقطعوا للجزاء‪ ،‬أي بسبب ما فعلوا جزاء‬
‫الذي كسباه من السرقة‪.‬‬

‫💎 ثم قال اآلية الحادية عشرة‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬س َّم اُعوَن ِلْلَك ِذِب َأَّك اُلوَن ِللُّسْح ِتۚ َفِإن َج اُء وَك َفاْح ُك م َبْيَنُهْم َأْو‬
‫َأْع ِر ْض َع ْنُهْم ۖ َوِإن ُتْع ِرْض َع ْنُهْم َفَلن َيُضُّر وَك َش ْيًئاۖ َوِإْن َح َك ْم َت َفاْح ُك م‬
‫َبْيَنُهم ِباْلِقْس ِط ۚ ِإَّن َهَّللا ُيِح ُّب اْلُم ْقِس ِط يَن } [المائدة‪]٤٢ :‬‬

‫‪211‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬قال‪َ{ :‬فِإن َج اُء وَك َفاْح ُك م َبْيَنُهْم َأْو َأْع ِرْض َع ْنُهْم }‪ :‬فيه تخيير لرسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم بين الحكم بينهم واإلعراض عنهم؛ وقد استدل به على‬
‫أن ُح كام المسلمين مخيرون بين األمرين‪.‬‬
‫‪ -‬وقد أجمع العلماء على أنه يجب على حكام المسلمين أن يحكموا بين المسلم‬
‫والذمي إذا ترافعا إليهم واختلفوا في أهل الذمة إذا ترافعوا فيما بينهم‪.‬‬
‫‪ ‬فذهب قوم إلى (التخيير)‬
‫‪ ‬وذهب آخرون إلى (الوجوب)‪.‬‬

‫️✔ وقالوا إن هذه اآلية منسوخة بقوله‪َ{ :‬و َأِن اْح ُك م َبْيَنُهم ِبَم ا َأنَز َل ُهَّللا}‬
‫[المائدة‪ .]٤٩ :‬وبه قال ابن عباس‪ ،‬ومجاهد‪ ،‬وعكرمة والزهري‪ ،‬وعمر بن‬
‫عبد العزيز‪ ،‬والسدي وهو الصحيح من قول الشافعي وحكاه القرطبي عن‬
‫أكثر العلماء‪.‬‬

‫💎 ثم قال اآلية الثانية عشرة‪:‬‬


‫‪ -‬قال تعالى‪ِ{ :‬إَّنا َأنَز ْلَنا الَّتْو َر اَة ِفيَها ُهًد ى َو ُنوٌر ۚ َيْح ُك ُم ِبَها الَّنِبُّيوَن اَّلِذ يَن‬
‫َأْس َلُم وا ِلَّلِذ يَن َهاُدوا َو الَّرَّباِنُّيوَن َو اَأْلْح َباُر ِبَم ا اْس ُتْح ِفُظوا ِم ن ِكَتاِب ِهَّللا‬
‫َو َك اُنوا َع َلْيِه ُش َهَد اَء ۚ َفاَل َتْخ َش ُو ا الَّناَس َو اْخ َش ْو ِن َو اَل َتْشَتُر وا ِبآَياِتي َثَم ًنا‬
‫َقِلياًل ۚ َو َم ن َّلْم َيْح ُك م ِبَم ا َأنَز َل ُهَّللا َفُأوَٰل ِئَك ُهُم اْلَك اِفُر وَن } [المائدة‪]٤٤ :‬‬

‫💎 ثم قال‪َ{ :‬و َم ن َّلْم َيْح ُك م ِبَم ا َأنَز َل ُهَّللا َفُأوَٰل ِئَك ُهُم الَّظاِلُم وَن } [المائدة‪]٤٥ :‬‬

‫💎 {َو َم ن َّلْم َيْح ُك م ِبَم ا َأنَز َل ُهَّللا َفُأوَٰل ِئَك ُهُم اْلَفاِس ُقوَن } [المائدة‪]٤٧ :‬‬

‫‪َ{ -‬و َم ن َّلْم َيْح ُك م ِبَم ا َأنَز َل ُهَّللا َفُأوَٰل ِئَك ُهُم اْلَك اِفُروَن }‬
‫‪212‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬ولفظ (َم ْن ) من صيغ العموم‪ ،‬وتفيد أن هذا غير مختص بطائفة معينة بل‬
‫لكل من ولي الحكم‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل‪ :‬إنها مختصة بأهل الكتاب‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل‪ :‬بالكفار ُم طلًقا؛ ألن المسلم ال ُيكّفر بارتكاب الكبيرة‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل‪ :‬هو محمول على أن الحكم بغير ما أنزل هللا وقع استخفاًفا‬
‫واستحالاًل أو ُجحدا‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪ :‬وأخرج الِفريابي وسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم‬
‫والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله تعالى هذا قال‪:‬‬
‫(إنه ليس بالكفر الذي يذهبون إليه وإنه ليس كفًر ا ينقل عن الملة بل هو كفر‬
‫دون كفر)‪.‬‬

‫‪ -‬قال‪ :‬وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عطاء بن أبي رباح في قوله‬
‫تعالى هذا‪ ،‬وقوله‪ُ{ :‬هُم الَّظاِلُم وَن }‪ُ{ ،‬هُم اْلَفاِس ُقوَن } قال‪" :‬كفر دون كفر‪،‬‬
‫وظلم دون ظلم‪ ،‬وفسق دون فسق"‪.‬‬

‫💎 قال اآلية الثالثة عشرة‪:‬‬


‫‪ -‬قال تعالى‪َ{ :‬و َك َتْبَنا َع َلْيِهْم ِفيَها َأَّن الَّنْفَس ِبالَّنْفِس َو اْلَعْيَن ِباْلَعْيِن َو اَأْلنَف‬
‫ِباَأْلنِف َو اُأْلُذ َن ِباُأْلُذ ِن َو الِّس َّن ِبالِّس ِّن َو اْلُج ُر وَح ِقَص اٌص ۚ َفَم ن َتَص َّدَق ِبِه‬
‫َفُهَو َك َّفاَر ٌة َّلُهۚ َو َم ن َّلْم َيْح ُك م ِبَم ا َأنَز َل ُهَّللا َفُأوَٰل ِئَك ُهُم الَّظاِلُم وَن } [المائدة‪:‬‬
‫‪.]٤٥‬‬
‫‪َ{ -‬و َكَتْبَنا} يعني فرضنا‪.‬‬
‫‪َ{ -‬ع َلْيِهمْ} أي فيها يعني في التوراة‪.‬‬
‫‪َ{ -‬أَّن الَّنْفَس ِبالَّنْفِس } بين هللا سبحانه وتعالى في هذه اآلية فرضه على بني‬
‫إسرائيل من القصاص في النفس والعين واألنف واألذن والسن والجروح‪.‬‬

‫‪213‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬وقد استدل أبو حنيفة وجماعة من أهل العلم بهذه اآلية فقالوا‪ :‬إن المسلم ُيقتل‬
‫بالذمي ألنه نفس‪.‬‬
‫‪ -‬وقال الشافعي وجماعة من أهل العلم‪ :‬إن هذه اآلية خبر عن شرع من قبلنا‬
‫وليس بشرع لنا‪.‬‬
‫‪ -‬قال‪ :‬وقد قدمنا في البقرة في شرح قوله تعالى‪ُ{ :‬ك ِتَب َع َلْيُك ُم اْلِقَص اُص ِفي‬
‫اْلَقْتَلى} [البقرة‪ ]١٧٨ :‬ما فيه كفاية‪.‬‬

‫قال‪ :‬وقد اختلف أهل العلم في شرع من قبلنا‪ ،‬هل يلزمنا أم ال؟‬ ‫‪-‬‬
‫‪ ‬فذهب الجمهور إلى أنه يلزمنا إذا لم ُينسخ‪.‬‬

‫️✔ قال‪ :‬وهو الحق‪.‬‬

‫‪ -‬وقد ذكر ابن الصباغ في [الَش اِم ِل ] إجماع العلماء على االحتجاج بهذه اآلية‬
‫على ما دلت عليه‪.‬‬
‫‪ -‬قال ابن كثير في تفسيره‪ :‬وقد احتج األئمة كلهم على أن الرجل ُيقتل بالمرأة‬
‫لعموم هذه اآلية‪.‬‬

‫‪ -‬قال‪ :‬وفي هذه اآلية توبيخ لليهود وتقريع؛ لكونهم يخالفون ما كتبه هللا‬
‫عليهم في التوراة كما حكاه هنا‪ ،‬ويفاضلون بين األنفس كما سبق بيانه‪ ،‬وقد‬
‫كانوا ُيِقيُد وَن بني الَّنِض يِر من بني قريظة وال ُيِقيُد وَن بني قريظة من بني‬
‫الَّنِض ير ‪.‬‬

‫ثم قال‪َ{ :‬و اْلَع ْيَن ِباْلَع ْيِن } يعني أن العين إذا ُفِقئت حتى لم يبَق فيها مجال‬ ‫‪-‬‬
‫لإلدراك أنها ُتْفَقُأ عين الجاني بها‪.‬‬
‫{َو اَأْلنَف ِباَأْلنِف } َأْيًضا إذا ُجدعت جميعها فإنها ُيجدع أنف الجاني بها‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{َو اُأْلُذ َن ِباُأْلُذ ِن } إذا ُقطعت جميعها فإنها تقطع أذن الجاني بها‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وكذلك {الِّس َّن ِبالِّسن}‬ ‫‪-‬‬

‫‪214‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬فأما لو كانت الجناية ذهبت ببعض إدراك العين أو ببعض األنف أو ببعض‬
‫األذن أو ببعض السن فليس في هذه اآلية ما يدل على ثبوت القصاص‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬و الِّس َّن ِبالِّس ِّن } أنه ال فرق بين الثنايا‪ ،‬واألنياب‪ ،‬واألضراس‪،‬‬
‫والَّر باعيات وأنه يؤخذ بعضها ببعض وال فضل لبعضها على بعض‪.‬‬

‫️✔ وإليه ذهب أكثر أهل العلم كما قال ابن المنذر‪.‬‬
‫‪ -‬قال‪ :‬وخالف في ذلك عمر بن الخطاب رضي هللا عنه ومن تبعهم‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬و اْلُجُروَح ِقَص اٌص } أي ذوات قصاص‪.‬‬


‫‪ -‬وقد ذكر أهل العلم أنه ال قصاص في الجروح التي ُيخاف منها التلف‪ ،‬وال‬
‫فيما كان ال يعرف ِم قداره عمًقا أو طواًل أو عرضا‪.‬‬
‫‪ -‬وقد قدر أئمة الفقه أرش كل جراحة يعني فرق كل جراحة بمقادير معلومة‪،‬‬
‫وليس هذا موضع بيان كالمهم‪.‬‬

‫‪ -‬قال‪َ{ :‬فَم ن َتَص َّد َق ِبِه َفُهَو َك َّفاَر ٌة َّلُه} أي من تصدق من المستحقين‬
‫للقصاص بالقصاص بأن عفا عن الجاني فهو كفارة للمتصدق يكفر هللا عنه‬
‫بها ذنوبه‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل‪ :‬إن المعنى هو كفارة للجارح فال يؤخذ بجنايته في اآلخرة؛ ألن‬
‫العفو يقوم مقام أخذ الحق منه‪.‬‬

‫️✔ قال‪ :‬واألول أرجح؛ ألن الضمير يعود على هذا التفسير اآلخر إلى غير‬
‫مذكور‪.‬‬

‫💎 ثم قال اآلية الرابعة عشرة‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬و َأنَز ْلَنا ِإَلْيَك اْلِكَتاَب ِباْلَح ِّق ُم َص ِّد ًقا ِّلَم ا َبْيَن َيَدْيِه ِم َن اْلِكَتاِب‬
‫َو ُم َهْيِم ًنا َع َلْيِهۖ َفاْح ُك م َبْيَنُهم ِبَم ا َأنَز َل ُهَّللاۖ َو اَل َتَّتِبْع َأْه َو اَء ُهْم َع َّم ا َج اَء َك ِم َن‬

‫‪215‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫اْلَح ِّقۚ ِلُك ٍّل َج َعْلَنا ِم نُك ْم ِش ْر َع ًة َو ِم ْنَهاًج اۚ َو َلْو َشاَء ُهَّللا َلَج َعَلُك ْم ُأَّم ًة َو اِح َد ًة‬
‫َو َٰل ِكن ِّلَيْبُلَو ُك ْم ِفي َم ا آَتاُك ْم ۖ َفاْس َتِبُقوا اْلَخ ْيَر اِتۚ ِإَلى ِهَّللا َم ْر ِج ُعُك ْم َج ِم يًعا‬
‫َفُيَنِّبُئُك م ِبَم ا ُك نُتْم ِفيِه َتْخ َتِلُفوَن } [المائدة‪]٤٨ :‬‬

‫‪ -‬قال‪َ{ :‬فاْح ُك م َبْيَنُهم ِبَم ا َأنَز َل ُهَّللا} أي بما أنزله إليك في القرآن؛ الشتماله‬
‫على جميع ما شرعه هللا لعباده في جميع الكتب السابقة عليه‪.‬‬
‫‪َ{َ -‬و اَل َتَّتِبْع َأْهَو اَء ُهْم } أي أهواء أهل الِم لل السابقة‬
‫‪َ{ -‬ع َّم ا َج اَء َك ِم َن اْلَح ِّق } يعني ال تتبع أهواءهم عاداًل أو ُم نحرًفا عن الحق‪.‬‬

‫‪ ⬅️ -‬وفي النهي له صلى هللا عليه وسلم عن أن يتبع أهواء أهل الكتاب‪ ،‬وأن‬
‫يعدل عن الحق الذي أنزله هللا عليه فإن كل ملة من الملل تهوى أن يكون‬
‫األمر على ما هم عليه وأدركوا عليه سلفهم‪ ،‬وإن كان باطال منسوًخ ا أو‬
‫ُم حرًفا عن الحكم الذي أنزله هللا على األنبياء‪.‬‬

‫💎 ثم قال اآلية الخامسة عشرة‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬يا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا اَل ُتَح ِّر ُم وا َطِّيَباِت َم ا َأَح َّل ُهَّللا َلُك ْم َو اَل َتْع َتُدوا‬
‫ۚ ِإَّن َهَّللا اَل ُيِح ُّب اْلُم ْع َتِد يَن } [المائدة‪]٨٧ :‬‬

‫‪ -‬قال‪َ{ :‬أُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا اَل ُتَح ِّر ُم وا َطِّيَباِت َم ا َأَح َّل ُهَّللا َلُك ْم }‬
‫‪ -‬الَطِّيَباِت ‪ :‬هي المستلذات مما أحله هللا لعباده‪ ،‬نهى هللا الذين آمنوا عن أن‬
‫يحرموا على أنفسهم شيئا منها‪ ،‬إما لظنهم أن في ذلك طاعة هلل وَتَقُّر ًبا إليه‬
‫وأنه من الزهد في الدنيا وقمع النفس عن شهواتها‪ ،‬أو لقصد أن يحرموا‬
‫على أنفسهم َش ْيًئا مما أحله لهم‪.‬‬
‫‪ -‬كما يقع من كثير من العوام من قولهم‪( :‬حرام علي‪ ،‬وحرمته على نفسي)‬
‫ونحو ذلك من األلفاظ التي تدخل تحت هذا النهي القرآني‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪ :‬قال ابن جرير الطبري‪:‬‬

‫‪216‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫️✖ ال يجوز ألحد من المسلمين تحريم شيء مما أحله هللا لعباده المؤمنين على‬
‫نفسه من طيبات المطاعم والمالبس والمناكح؛ ولذلك (رد النبي صلى هللا‬
‫عليه وسلم التبتل على عثمان بن مظعون)‬
‫‪ -‬فثبت أنه ال فضل في ترك شيء مما أحله لعباده‪.‬‬
‫‪ -‬وأن الفضل والبر إنما هو في فعل ما ندب هللا عباده إليه‪ ،‬وعمل به رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وَس َّنه ألمته‪ ،‬واتبعه على مناهجه األئمة الراشدون‬
‫إذ كان خير الهدي هدي نبينا صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬

‫‪ -‬فإذا كان ذلك كذلك تبين خطأ من آثر لباس الشعر والصوف على لباس‬
‫القطن والكتان إذا قضى على لباس ذلك من حله‪ ،‬وآثر أكل الخشن من‬
‫الطعام وترك اللحم وغيره َح َذ ًر ا من عارض الحاجة إلى النساء‪.‬‬

‫‪ -‬قال‪ :‬فإن ظن ظان أن الفضل في غير الذي قلنا؛ ألن في لباس الخشن وأكله‬
‫من المشقة على النفس‪ ،‬وصرف ما فضل بينهما من القيمة إلى أهل الحاجة‬
‫طاعة فقد ظن خطًأ‪ ،‬وذلك أن األولى باإلنسان صالح نفسه وعونه لها على‬
‫طاعة ربه‪ ،‬فال شيء أضر للجسم من المطاعم الرديئة؛ ألنها مفسدة لعقله‪،‬‬
‫ومضعفة ألدواته التي جعلها هللا َسَبًبا لطاعته‪.‬‬

‫💎 ثم قال اآلية السادسة عشرة‪:‬‬


‫‪ -‬قال تعالى‪{ :‬اَل ُيَؤاِخ ُذ ُك ُم ُهَّللا ِبالَّلْغ ِو ِفي َأْيَم اِنُك ْم َو َلِكن ُيَؤاِخ ُذ ُك م ِبَم ا َع َّقدُّتُم‬
‫اَأْلْيَم اَن ۖ َفَك َّفاَر ُتُه ِإْطَعاُم َعَش َرِة َم َس اِكيَن ِم ْن َأْو َسِط َم ا ُتْطِع ُم وَن َأْه ِليُك ْم َأْو‬
‫ُك‬ ‫ا‬ ‫َأ‬ ‫ُة‬ ‫ا‬‫َّف‬ ‫َك‬ ‫َك‬ ‫ُت َأ َت ي َق ۖ َف ن َّل ْد َف ا َثاَل َث َأ ا ۚ َٰذ‬
‫َم ِن ْم‬ ‫ْي‬ ‫َر‬ ‫ِكْس َو ُهْم ْو ْح ِر ُر َر َبٍة َم ْم َيِج ِص َي ُم ِة َّي ٍم ِل‬
‫ِإَذ ا َح َلْفُتْم ۚ َو اْح َفُظوا َأْيَم اَنُك ْم ۚ َك َذ ِلَك ُيَبِّيُن ُهَّللا َلُك ْم آَياِتِه َلَعَّلُك ْم َتْش ُك ُر وَن }‬
‫[المائدة‪]٨٩ :‬‬
‫‪ -‬قال‪{ :‬اَل ُيَؤ اِخ ُذ ُك ُم ُهَّللا ِبالَّلْغ ِو ِفي َأْيَم اِنُك ْم } وقد تقدم تفسير اللغو‬
‫‪ -‬واأليمان‪ :‬جمع يمين‪.‬‬

‫‪217‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬وفي اآلية دليل على أن أيمان اللغو ال يؤاخذ هللا الحالف بها‪ ،‬وال يجب فيها‬
‫الكفارة‪.‬‬
‫‪ ‬وقد ذهب الجمهور من الصحابة ومن بعدهم إلى أنها قول الرجل‪( :‬ال‬
‫وهللا‪ ،‬وبلى وهللا) في كالمه غير معتقد لليمين وبه فسر الصحابة اآلية‬
‫وهم أعرف بمعاني القرآن‪.‬‬
‫‪ ‬قال الشافعي‪ :‬وذلك عند اُّللجاج والغضب والعجلة‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬و َلِكن ُيَؤ اِخ ُذ ُك م ِبَم ا َع َّقدُّتُم اَأْلْيَم اَن } يعني بما عقدتم القلوب على‬
‫األيمان‪ ،‬فاليمين الُم عَّقدة من عقد القلب ليفعلن أو ال يفعلن في المستقبل‪ .‬أي‪:‬‬
‫ولكن يؤاخذكم بأيمانكم الُم عَّقدة أو المنعقدة الموثقة بالقصد والنية إذا حنثتم‬
‫فيها‪.‬‬

‫‪ -‬وأما اليمين الغموس فهي‪ :‬يمين مكٍر وخديعة وكذب قد باء الحالف بإثمها‬
‫وليست بمعقودة وال كفارة فيها كما ذهب إليه الجمهور‪.‬‬
‫‪ -‬وقال الشافعي‪ :‬هي يمين معقودة؛ ألنها مكتسبة بالقلب ومعقودة غير مقرونة‬
‫باسم هللا‪.‬‬

‫️✔ والراجح األول‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬فَك َّفاَر ُتُه} يعني فكفارة هذا اليمين المنعقد {ِإْطَع اُم َع َش َرِة َم َس اِكيَن‬
‫ِم ْن َأْو َسِط َم ا ُتْطِعُم وَن َأْهِليُك ْم }‬
‫‪ -‬والمراد بالوسط هنا‪ :‬المتوسط بين طرفي اإلسراف والتقتير‪ ،‬وليس المراد‬
‫به األعلى كما في غير هذا الموضع‪.‬‬
‫‪ -‬أي‪ :‬أطعموهم من المتوسط مما تعتادون إطعام أهلكم منه‪.‬‬

‫️✖ وال يجب عليكم أن تطعموهم من أعاله‪.‬‬

‫️✖ وال يجوز لكم أن تطعموهم من أدناه‪.‬‬

‫‪218‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬وظاهره أنه ُيجزئ إطعام عشرة حتى يشبعوا‪.‬‬


‫‪ -‬وقد ُر وي عن علي بن أبي طالب رضي هللا عنه أنه قال‪" :‬ال يجزي إطعام‬
‫العشرة غداء دون عشاء حتى يغديهم ويعشيهم"‬

‫قال ابن عمر‪ :‬هو قول أئمة الفتوى باألمصار‪.‬‬ ‫‪‬‬


‫وقال الحسن البصري وابن سيرين‪ :‬يكفيه أن ُيطعم عشرة مساكين أكلة‬ ‫‪‬‬
‫واحدة ُخ بًز ا وسمًنا أو خبًز ا ولحًم ا‪.‬‬
‫وقال عمر بن الخطاب رضي هللا عنه وعائشة‪ ،‬ومجاهد‪ ،‬والشعبي‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫وسعيد بن جبير‪ ،‬وإبراهيم النخعي‪ ،‬وميمون بن مهران‪ ،‬وأبو مالك‪،‬‬
‫والضحاك‪ ،‬والحكم‪ ،‬ومكحول‪ ،‬وأبو قالبة‪ ،‬ومقاتل‪( :‬يدفع إلى كل واحد‬
‫من العشرة نصف صاع من ُبٍر أو تمٍر)‪.‬‬
‫وُروي ذلك عن علي رضي هللا عنه‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫وقال أبو حنيفة‪ :‬نصف صاٍع من ُبر وصاع مما عداه‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫🔺 وأخرج ابن ماجة‪ ،‬وابن َم ْر َد َو ْيه عن ابن عباس قال‪" :‬كّفر رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم بصاع من تمٍر وأمر الناس به‪ ،‬ومن لم يجد فنصف‬
‫صاع من ُبر"‪.‬‬
‫‪ -‬قال‪ :‬وفي إسناده عمر بن عبد هللا الثقفي وهو ُم جمع على ضعفه‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬أْو ِكْس َو ُتُهْم } والِك سوة في الرجال نصف ما يكسو البدن وهو ولو‬
‫كان َثْو ًبا َو اِح ًد ا‪ .‬وهكذا في ِكسوة النساء‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل‪ :‬الِكسوة للنساء ِد رٌع وخمار‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل المراد بالكسوة ما ُتجزئ به الصالة‪.‬‬

‫‪ -‬قال‪َ{ :‬أْو َتْح ِريُر َر َقَبٍة} يعني عتق مملوك‪.‬‬


‫‪219‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪َ{ -‬فَم ن َّلْم َيِج ْد َفِص َياُم َثاَل َثِة َأَّياٍم } أي من لم يجد َش ْيًئا من األمور المذكورة‬
‫فكفارته صيام ثالثة أيام‪.‬‬
‫‪ ‬وُقِرَئ متتابعات‪ ،‬وُحكي ذلك عن ابن مسعود وُأبي‪ .‬فتكون هذه القراءة‬
‫ُم قِّيدة لمطلق الصوم‪ .‬وبه قال أبو حنيفة والثوري وهو أحد قولي‬
‫الشافعي‪.‬‬
‫‪ ‬وقال مالك والشافعي في قوله اآلخر (يجزئ التفريق)‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َٰ{ :‬ذ ِلَك َك َّفاَر ُة َأْيَم اِنُك ْم ِإَذ ا َح َلْفُتْم } أي‪ :‬ذلك المذكور كفارة أيمانكم إذا‬
‫حنثتم‪.‬‬
‫‪َ{ -‬و اْح َفُظوا َأْيَم اَنُك ْم } أمرهم بحفظ األيمان وعدم المسارعة إليها والحنث بها‪.‬‬

‫🔶 أسئلة المحاضرة‪:‬‬

‫🔸 السؤال األول‪:‬‬
‫ما هو سبب نزول اآلية الكريمة‪ِ{ :‬إَّنَم ا َج َز اُء اَّلِذ يَن ُيَح اِرُبوَن َهَّللا َو َر ُسوَلُه‬
‫َو َيْس َع ْو َن ِفي اَألْر ِض َفَس اًد ا} [المائدة‪ ]٣٣ :‬إلى آخر اآلية‪.‬‬

‫🔸 السؤال الثاني‪:‬‬
‫من أين ُتقطع يد السارق في قوله‪َ{ :‬و الَّساِرُق َو الَّساِرَقُة َفاْقَطُعوا َأْيِدَيُهَم ا}‬
‫[المائدة‪]٣٨ :‬؟‬

‫🔸 السؤال الثالث‪:‬‬
‫ما هي شروط القصاص في قوله تعالى‪َ{ :‬و َكَتْبَنا َع َلْيِهْم ِفيَها َأَّن الَّنْفَس ِبالَّنْفِس}‬
‫[المائدة‪ ]٤٥ :‬إلى آخره؟‬
‫‪220‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫🔸 السؤال الرابع‪:‬‬
‫هل شرع من قبلنا يلزمنا أم ال؟‬
‫في قوله تعالى‪َ{ :‬و َكَتْبَنا َع َلْيِهْم ِفيَها َأَّن الَّنْفَس ِبالَّنْفِس} [المائدة‪.]٤٥ :‬‬

‫🔸 السؤال الخامس‪:‬‬
‫ما الفرق بين يمين اللغو واليمين الُم نعقدة واليمين الغموس؟‬
‫وهذا في قوله سبحانه وتعالى‪{ :‬اَل ُيَؤ اِخ ُذ ُك ُم ُهَّللا ِبالَّلْغ ِو ِفي َأْيَم اِنُك ْم } [المائدة‪:‬‬
‫‪ ]٨٩‬إلى آخر اآلية‪.‬‬

‫هذا وسبحانك اللهم وبحمدك‪ ،‬نشهد أن ال إله إال أنت‪ ،‬نستغفرك ونتوب إليك‪،‬‬
‫والسالم عليكم ورحمة هللا وبركاته‪.‬‬

‫‪221‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫جامعة صفوة‬
‫كلية العلوم الشرعية والعربية‬
‫مقرر التفسير‬
‫الفرقة الثالثة‬
‫المحاضرة الثالثة عشرة‬
‫من كتاب‪ :‬نيل المرام من تفسير آيات األحكام‬
‫شرح الدكتور‪ /‬سعد معوض حفظه هللا‬
‫*****‬

‫إن الحمد هلل تعالى نحمده ونستعين به ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل تعالى من شرور‬
‫أنفسنا ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬إنه من يهده هللا تعالى فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل‬
‫فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمًد ا عبده‬
‫ورسوله‪ ،‬اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم‬
‫وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد‪ ،‬اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما‬
‫باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد‪.‬‬
‫أما بعد؛ فالمحاضرة الثالثة عشرة من شرح كتاب نيل المرام من تفسير آيات‬
‫األحكام لمحمد صديق خان رحمة هللا عليه‪.‬‬

‫۞ اآلية السابعة عشرة من سورة المائدة‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬يا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا ِإَّنَم ا اْلَخ ْم ُر َو اْلَم ْيِس ُر َو اَأْلنَص اُب َو اَأْلْز اَل ُم‬
‫ِرْج ٌس ِّم ْن َع َم ِل الَّش ْيَطاِن َفاْج َتِنُبوُه َلَعَّلُك ْم ُتْفِلُح وَن } [المائدة‪]٩٠ :‬‬

‫{َيا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا}‪ :‬هذا خطاب لجميع المؤمنين‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{ِإَّنَم ا اْلَخ ْم ُر َو اْلَم ْيِس ُر }‪ :‬قد تقدم شرح الخمر والميسر في سورة البقرة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{َو اَأْلنَص اُب }‪ :‬هي األصنام المنصوبة للعبادة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{واَأْلْز اَل ُم }‪ :‬أيضا تقدم تفسيرها في سورة المائدة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{ِرْج ٌس }‪ :‬والرجس يطلق على الَع ذرة واألقذار‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪222‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ِّ{ -‬م ْن َع َم ِل الَّش ْيَطاِن }‪ :‬أي هذا ما ذكرناه هو من عمل الشيطان بسبب‬
‫تحسينه لذلك وتزيينه له‪.‬‬
‫‪َ{ -‬فاْج َتِنُبوُه َلَع َّلُك م ُتْفِلُحوَن }‪ :‬فاجتنبوا هذا الرجس أو األشياء المذكورة لعلكم‬
‫تفلحون‪.‬‬
‫وهذه اآلية دليل على تحريم الخمر لما تضمنه األمر باالجتناب من‬
‫الوجوب وتحريم الصد ولما تقرر في الشريعة من تحريم قربان الرجس‬
‫فضاًل عن جعله شراًبا يشرب‪.‬‬

‫‪ -‬وقال أهل العلم من المفسرين وغيرهم‪ :‬كان تحريم الخمر بتدريج ونوازل‬
‫كثيرة ألنهم كانوا قد ألفوا شرابها وحببها الشيطان إلى قلوبهم‪.‬‬
‫فأول ما نزل في أمرها‪َ{ :‬يْس َأُلوَنَك َع ِن اْلَخ ْم ُر واْلَم ْيِس ِر ُقْل ِفيِهَم ا ِإْثٌم َك ِبيٌر‬
‫َو َم َناِفُع ِللَّناِس} [البقرة‪]٢١٩:‬‬
‫ثم نزل قوله سبحانه وتعالى‪{ :‬اَل َتْقَر ُبوا الَّص اَل َة َو َأنُتْم ُس َك اَر ى} [النساء‪:‬‬
‫‪.]٤٣‬‬
‫ثم نزل من القرآن هذه اآلية‪ِ{ :‬إَّنَم ا اْلَخ ْم ُر َو اْلَم ْيِس ُر} [المائدة‪ ]٩٠ :‬إلى‬
‫آخر اآليات‪ ،‬فصارت حراًم ا عليهم حتى كان يقول بعضهم‪" :‬ما حرم هللا‬
‫شيًئا أشد من الخمر"‪ ،‬وذلك لما فهموه من التشديد فيما تضمنته هذه اآلية‬
‫من الزواجر وفيما جاءت به األحاديث الصحيحة من الوعيد لشرابها‬
‫وأنها من كبائر الذنوب‪.‬‬
‫وقد أجمع على ذلك المسلمون إجماًع ا ال شك فيه وال شبهة‪.‬‬
‫وأجمعوا أيضا على تحريم بيعها واالنتفاع بها ما دامت خمًرا‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪ :‬اآلية الثامنة عشرة‪:‬‬


‫{َيا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا اَل َتْقُتُلوا الَّص ْيَد َو َأنُتْم ُح ُر ٌم ۚ َو َم ن َقَتَلُه ِم نُك م ُّم َتَعِّم ًد ا‬
‫َفَج َز اٌء ِّم ْثُل َم ا َقَتَل ِم َن الَّنَعِم َيْح ُك ُم ِبِه َذ َو ا َع ْد ٍل ِّم نُك ْم َهْد ًيا َباِلَغ اْلَك ْع َبِة َأْو‬
‫َك َّفاَر ٌة َطَعاُم َم َس اِكيَن َأْو َع ْد ُل َٰذ ِلَك ِص َياًم ا ِّلَيُذ وَق َو َباَل َأْمِرِهۗ َع َفا ُهَّللا َع َّم ا‬
‫َس َلَف ۚ َو َم ْن َع اَد َفَينَتِقُم ُهَّللا ِم ْنُهۗ َوُهَّللا َع ِزيٌز ُذ و انِتَقاٍم } [المائدة‪]٩٥ :‬‬

‫‪223‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫{َيا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا اَل َتْقُتُلوا الَّصْيَد َو َأنُتْم ُحُر ٌم } هذا النهي شامل لكل أحد‬ ‫‪-‬‬
‫من ذكور المسلمين وإناثهم‪.‬‬
‫{َو َم ن َقَتَلُه ِم نُك م ُّم َتَع ِّم ًد ا} المتعمد هو القاصد للشيء مع العلم باإلحرام‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫والمخطئ هو الذي يقصد شيًئا فيصيبه صيًد ا‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫والناسي هو الذي يتعمد الصيد وال يذكر إحرامه‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ ‬وقال بعضهم إن الكفارة على العامد فقط‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل إن الكفارة تلزم المخطئ والناسي كما تلزم المتعمد‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬فَج َز اٌء ِّم ْثُل َم ا َقَتَل ِم َن الَّنَع ِم } أي فعليه جزاء مماثل لما قتله من‬
‫النعم‪.‬‬
‫‪ -‬قيل المراد بالمماثلة‪ :‬المماثلة في القيمة‪ ،‬وقيل في الخلقة‪.‬‬
‫‪ ‬والجمهور قال إن المماثلة في الِخ لقة وهذا هو الراجح وهللا أعلم‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬يْح ُك ُم ِبِه } أي بالجزاء أو بمثل ما قتل‪.‬‬


‫‪َ{ -‬ذ َو ا َع ْد ٍل ِّم نُك ْم } أي رجالن معروفان بالعدالة بين المسلمين‪ ،‬فإذا حكما‬
‫بشيء لزم‪ ،‬وإن اختلفا ُرجع إلى غيرهما‪.‬‬

‫‪َ{ -‬هْد ًيا َباِلَغ اْلَك ْع َبِة } والمعنى أنهما إذا حكما بالجزاء فإنه ُيفعل به ما ُيفعل‬
‫بالهدي من اإلرسال إلى مكة والنحر هناك واإلشعار والتقليد‪ ،‬ولم يرد‬
‫الكعبة بعينها فان الهدي ال يبلغها وإنما أراد الحرم وال خالف في هذا‪.‬‬

‫‪َ{ -‬أْو َك َّفاَر ٌة} وهي التي ذكرها بعد ذلك طعام مسكين‪ ،‬يعني الكفارة طعام‬
‫مسكين أو عدل ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬وقد قدر العلماء عدل كل صيد من اإلطعام والصيام‪.‬‬
‫‪ -‬وقد ذهب جمهور من العلماء إلى أن الجاني ُم خيٌر بين هذه األنواع‬
‫المذكورة‪.‬‬

‫‪224‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫۞ ثم قال‪ :‬اآلية التاسعة عشرة‪:‬‬


‫قال‪ُ{ :‬أِح َّل َلُك ْم َصْيُد اْلَبْح ِر َو َطَعاُم ُه َم َتاًع ا َّلُك ْم َو ِللَّسَّياَرِةۖ َو ُح ِّر َم َع َلْيُك ْم َصْيُد‬
‫اْلَبِّر َم ا ُد ْم ُتْم ُح ُر ًم اۗ َو اَّتُقوا َهَّللا اَّلِذ ي ِإَلْيِه ُتْح َش ُر وَن } [المائدة‪]٩٦ :‬‬

‫‪ُ{ -‬أِح َّل َلُك ْم َص ْيُد اْلَبْح ِر }‪ :‬وهذا الخطاب لكل مسلم أو للمحرمين خاصة‬
‫وصيد البحر ما ُيصاد فيه‪.‬‬
‫‪َ{ -‬و َطَع اُم ُه َم َتاًع ا َّلُك ْم َو ِللَّسَّياَرِة }‪ :‬يعني طعام البحر متاًع ا لكم وللسيارة‪.‬‬
‫‪َ{ -‬و ُحِّر َم َع َلْيُك ْم َص ْيُد اْلَبِّر َم ا ُد ْم ُتْم ُحُر ًم ا} أي َح ُر َم عليكم ما يصاد في البر ما‬
‫دمتم محرمين وظاهره تحريم صيده على المحرم ولو كان المصيد حالاًل‬
‫وإليه ذهب الجمهور‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪ :‬اآلية العشرون‪:‬‬


‫‪ -‬قال‪َ{ :‬يا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا َع َلْيُك ْم َأنُفَس ُك ْم ۖ اَل َيُضُّر ُك م َّم ن َض َّل ِإَذ ا اْه َتَدْيُتْم ۚ ‬
‫ِإَلى ِهَّللا َم ْر ِج ُعُك ْم َج ِم يًعا َفُيَنِّبُئُك م ِبَم ا ُك نُتْم َتْع َم ُلوَن } [المائدة‪]١٠٥ :‬‬

‫{َيا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا َع َلْيُك ْم َأنُفَس ُك ْم } يعني الزموا أنفسكم واحفظوها‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{اَل َيُضُّر ُك م َّم ن َض َّل ِإَذ ا اْهَتَد ْيُتْم } يعني ال يضركم ضالل من ضل من‬ ‫‪-‬‬
‫الناس إذا اهتديتم للحق أنتم في أنفسكم‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬وقد دلت اآليات القرآنية واألحاديث المتكاثرة على وجوب األمر‬ ‫‪-‬‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر‪.‬‬
‫{ِإَلى ِهَّللا َم ْر ِج ُع ُك ْم َجِم يًعا َفُيَنِّبُئُك م ِبَم ا ُك نُتْم َتْع َم ُلوَن } في الدنيا فيجازي‬ ‫‪-‬‬
‫المحسن بإحسانه‪ ،‬والمسيء بإساءته‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪ :‬اآلية الحادية والثانية والثالثة والعشرون‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬يا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا َش َهاَد ُة َبْيِنُك ْم ِإَذ ا َح َضَر َأَح َد ُك ُم اْلَم ْو ُت ِح يَن‬
‫اْلَو ِص َّيِة اْثَناِن َذ َو ا َع ْد ٍل ِّم نُك ْم َأْو آَخ َر اِن ِم ْن َغ ْيِرُك ْم ِإْن َأنُتْم َضَرْبُتْم ِفي اَأْلْر ِض‬
‫َفَأَص اَبْتُك م ُّم ِص يَبُة اْلَم ْو ِتۚ َتْح ِبُس وَنُهَم ا ِم ن َبْع ِد الَّص اَل ِة َفُيْقِس َم اِن ِباِهَّلل ِإِن اْر َتْبُتْم‬
‫اَل َنْشَتِري ِبِه َثَم ًنا َو َلْو َك اَن َذ ا ُقْر َبىۙ َو اَل َنْك ُتُم َش َهاَد َة ِهَّللا ِإَّنا ِإًذ ا َّلِم َن اآْل ِثِم يَن (‬

‫‪225‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪َ )١٠٦‬فِإْن ُع ِثَر َع َلى َأَّنُهَم ا اْس َتَح َّقا ِإْثًم ا َفآَخ َر اِن َيُقوَم اِن َم َقاَم ُهَم ا ِم َن اَّلِذ يَن‬
‫اْس َتَح َّق َع َلْيِهُم اَأْلْو َلَياِن َفُيْقِس َم اِن ِباِهَّلل َلَش َهاَد ُتَنا َأَح ُّق ِم ن َش َهاَد ِتِهَم ا َو َم ا‬
‫اْع َتَدْيَنا ِإَّنا ِإًذ ا َّلِم َن الَّظاِلِم يَن (‪َٰ )١٠٧‬ذ ِلَك َأْد َنى َأن َيْأُتوا ِبالَّش َهاَد ِة َع َلى َو ْج ِهَها‬
‫َأْو َيَخ اُفوا َأن ُتَر َّد َأْيَم اٌن َبْعَد َأْيَم اِنِهْم ۗ َو اَّتُقوا َهَّللا َو اْس َم ُعواۗ َوُهَّللا اَل َيْه ِد ي اْلَقْو َم‬
‫اْلَفاِس ِقيَن (‪[ })١٠٨‬المائدة‪]١٠٨ -١٠٦ :‬‬

‫قال‪َ{ :‬يا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا َش َهاَد ُة َبْيِنُك ْم } يعني الوصية وحضور الوصية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{ِإَذ ا َحَض َر َأَح َد ُك ُم اْلَم ْو ُت } يعني إذا حضرت عالماته ألن من مات ال‬ ‫‪-‬‬
‫يمكنه اإلشهاد‪.‬‬
‫{ِح يَن اْلَو ِص َّيِة }‪ :‬يعني عليه الوصية في هذا الوقت‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{اْثَناِن }‪ :‬يعني شهادة اثنين‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{ِذ َو ا َع ْد ٍل ِّم ْنُك ْم } صفة لالثنين‪ ،‬منكم أي كائنان من أقاربكم‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{َأْو آَخ َر اِن ِم ْن َغْيِرُك ْم }‪ :‬يعني إن لم يوجد اثنان منكم فآخران من غيركم‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫فقيل إن هذه اآلية دليل على جواز شهادة أهل الذمة على المسلمين في‬
‫السفر في خصوص الوصايا كما يفيده النظم القرآني ويشهد له سبب‬
‫النزول‪ ،‬فإذا لم يكن مع الُم وصي من يشهد على وصيته من المسلمين‬
‫فليشهد رجالن من أهل الكفر فإذا قدما وأديا الشهادة على وصيته حلفا بعد‬
‫العصر أنهما ما كذبا وال بدال وأن ما شهدا به حق‪ ،‬فُيحكم به حينئٍذ يحكم‬
‫بشهادتهما‪.‬‬
‫{فإن ُع ثر} يعني فإن كذبا أو خانا حلف رجالن من أولياء الموصي وُغ ِّرم‬ ‫‪-‬‬
‫الشاهدان الكافران ما ظهر عليهما من خيانة أو نحوهما‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪ِ{ :‬إْن َأنُتْم َضَر ْبُتْم ِفي اَأْلْر ِض َفَأَص اَبْتُك م ُّمِص يَبُة اْلَم ْو ِت } يعني إن‬
‫ضربتم في األرض فنزل بكم الموت وأردتم الوصية ولم تجدوا ُش هوًد ا‬
‫عليها مسلمين‪ ،‬ثم ذهب إلى ورثتكم بوصيتكم وبما تركتم فارتابوا في‬
‫أمرهم أو ادعوا عليهما خيانة فالُحكم أن تحبسوهما‪.‬‬

‫‪226‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫{َتْح ِبُسوَنُهَم ا ِم ن َبْع ِد الَّص اَل ِة } يعني إن ارتبتم في شهادتهما وُخ ص بعد‬ ‫‪-‬‬
‫الصالة أي صالة العصر (قاله األكثر)‪.‬‬
‫{َفُيْقِس َم اِن ِباِهَّلل} أي يقسم باهلل الشاهدان على الوصية أو الوصيات‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{ِإِن اْر َتْبُتْم اَل َنْش َتِري ِبِه َثَم ًنا َو َلْو َك اَن َذ ا ُقْر َبى} أي ولو كان الُم قسم له أو‬ ‫‪-‬‬
‫المشهود له قريًبا فإنا ال نؤثر الحق والصدق‪ ،‬وال نؤثر العرض الدنيوي‬
‫وال القرابة‪.‬‬
‫{اَل َنْك ُتُم َش َهاَد َة ِهَّللا} وأضاف الشهادة إلى هللا سبحانه لكونه اآلمر بإقامتها‬ ‫‪-‬‬
‫والناهي عن كتمانها‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬فِإْن ُع ِثَر َع َلى َأَّنُهَم ا اْسَتَح َّقا ِإْثًم ا} والمعنى أنه إذا اطلع بعد‬
‫التحليف على أن الشاهدين أو الوصيين استحقا إثًم ا أي استوجبا إثًم ا إما‬
‫لكذب في الشهادة أو اليمين أو لظهور خيانة‪.‬‬
‫‪ -‬ثم قال‪ِ{ :‬م َن اَّلِذ يَن اْسَتَح َّق َع َلْيِهُم اَأْلْو َلَياِن } أي متى تحقق بالخبر الصحيح‬
‫خيانتهما فليقم اثنان من الورثة المستحقين للتركة فليكونا من أولى من يرث‬
‫ذلك المال‪.‬‬

‫‪َ{ -‬فُيْقِس َم اِن ِباِهَّلل َلَش َهاَد ُتَنا َأَح ُّق ِم ن َش َهاَد ِتِهَم ا} أي يحلفان لشهادتنا على أنهما‬
‫كاذبان خائنان أحق من شهادتهما أي من يمينهما على أنهما صادقان أمينان‪.‬‬
‫‪َ{ -‬و َم ا اْع َتَد ْيَنا} أي ما تجاوزنا الحق في يميننا‪.‬‬
‫‪ِ{ -‬إَّنا ِإًذ ا َلِم َن الَّظاِلِم يَن } إن كنا حلفنا على باطل‪.‬‬

‫‪َٰ{ -‬ذ ِلَك َأْد َنى َأن َيْأُتوا ِبالَّش َهاَد ِة َع َلى َو ْج ِهَها} أي ذلك البيان الذي قدمه هللا‬
‫سبحانه في هذه القصة وعرفنا كيف يصنع من أراد الوصية في السفر ولم‬
‫يكن عنده أحد من أهله وعشيرته وعنده كفار‪.‬‬
‫‪َ{ -‬أْد َنى}‪ :‬أي أقرب إلى أن يؤدي الشهود المتحملون للشهادة على الوصية‬
‫بالشهادة على وجهها فال ُتحرفوا والُ تبدلوا وال َتخونوا‪.‬‬
‫‪َ{ -‬أْو َيَخ اُفوا َأن ُتَر َّد َأْيَم اٌن َبْع َد َأْيَم اِنِهْم } أي ُترد على الورثة فيحلفون على‬
‫خالف ما يشهد به شهود الوصية‪ ،‬فيفتضح حينئٍذ شهود الوصية‪.‬‬

‫‪227‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫ثم انتقل المصنف إلى‪:‬‬


‫‪‬سورة األنعام ‪‬‬

‫‪ -‬وهي مائة وخمس وستون آية‪.‬‬


‫‪ -‬قال‪ :‬مكية إال ست آيات نزلت بالمدينة‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪ :‬اآلية األولى‪:‬‬


‫َيْدُعوَن ِم ن ُدوِن ِهَّللا َفَيُسُّبوا َهَّللا َع ْد ًو ا ِبَغْيِر ِع ْلٍم ۗ ‬ ‫قال تعالى‪َ{ :‬و اَل َتُسُّبوا اَّلِذ يَن‬
‫ِإَلى َرِّبِهم َّم ْر ِج ُعُهْم َفُيَنِّبُئُهم ِبَم ا َك اُنوا َيْع َم ُلوَن }‬ ‫َك َذ ِلَك َز َّيَّنا ِلُك ِّل ُأَّم ٍة َع َم َلُهْم ُثَّم‬
‫[األنعام‪]١٠٨ :‬‬

‫‪ -‬قال تعالي‪َ{ :‬و اَل َتُسُّبوا اَّلِذ يَن َيْدُع وَن ِم ن ُد وِن ِهَّللا َفَيُسُّبوا َهَّللا َع ْد ًو ا ِبَغْيِر‬
‫ِع ْلٍم } يعني ال تسبوا يا محمد صلى هللا عليه وسلم آلهة هؤالء الكفار التي‬
‫يَّد عونها من دون هللا أو يدعونها من دون هللا فيتسبب عن ذلك سبهم هللا‬
‫ُع دواًنا وتجاوًز ا عن الحق وجهاًل منهم‪.‬‬
‫‪ -‬وفي هذه اآلية دليل على أن الداعي إلى الحق والناهي عن الباطل إذا خشي‬
‫أن يتسبب عن ذلك ما هو أشد منه من انتهاك حرم ومخالفة حق ووقوع في‬
‫باطل أشد كان الترك أولى به بل كان واجًبا عليه‪.‬‬

‫‪ -‬وقد نقل المصنف كالًم ا رائًعا عن الشوكاني في فتح القدير قال‪" :‬وما أنفع‬
‫هذه اآلية وأجل فائدتها لمن كان من الحاملين لحجج هللا المتصدين لبيانها‬
‫للناس إذا كان بين قوم من الصم البكم الذين إذا أمرهم بمعروف تركوه‬
‫وتركوا غيره من المعروف‪ ،‬وإذا نهاهم عن منكر فعلوه وفعلوا غيره من‬
‫المنكرات عناًد ا للحق‪ ،‬وُبغًض ا التباع المحقين‪ ،‬وجراءة على هللا فإن هؤالء‬
‫ال يؤثر فيهم إال السيف وهو الُحكم العدل لمن عاند الشريعة الُم طهرة وجعل‬
‫الُم خالفة لها والتجرؤ على أهلها ديدنه وهجيره كما ُيشاهد ذلك في أهل‬
‫البدع إذا دعوا إلى حق وقعوا في كثير من الباطل‪ ،‬وإذا ُأرشدوا إلى السنة‬
‫قابلوها بما لديهم من البدعة فهؤالء هم الُم تالعبون بالدين الُم تهاونون‬

‫‪228‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫بالشرائع وهم أشر من الزنادقة ألنهم يحتجون بالباطل وينتمون إلى البدع‬
‫ويتظاهرون بذلك غير خائفين وال وجلين"‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪ :‬اآليتان الثانية والثالثة‪:‬‬


‫‪ -‬قال تعالى‪َ{ :‬فُك ُلوا ِم َّم ا ُذ ِكَر اْس ُم ِهَّللا َع َلْيِه ِإن ُك نُتم ِبآَياِتِه ُم ْؤ ِمِنيَن (‪)١١٨‬‬
‫َو َم ا َلُك ْم َأاَّل َتْأُك ُلوا ِم َّم ا ُذ ِكَر اْس ُم ِهَّللا َع َلْيِه َو َقْد َفَّص َل َلُك م َّم ا َح َّر َم َع َلْيُك ْم ِإاَّل َم ا‬
‫اْض ُطِرْر ُتْم ِإَلْيِهۗ َوِإَّن َك ِثيًر ا َّلُيِض ُّلوَن ِبَأْه َو اِئِهم ِبَغْيِر ِع ْلٍم ۗ ِإَّن َرَّبَك ُهَو َأْع َلُم‬
‫ِباْلُم ْع َتِد يَن (‪[ })١١٩‬األنعام‪]١١٩ -١١٨ :‬‬

‫‪ -‬قال تعالى‪َ{ :‬فُك ُلوا ِمَّم ا ُذ ِكَر اْس ُم ِهَّللا َع َلْيِه } قيل إنها نزلت في سبب خاص‬
‫كما أخرج أبو داود والترمذي وحسنه والبّز ار وغيرهم عن ابن عباس‬
‫رضي هللا عنه قال‪" :‬جاءت اليهود إلى النبي صلى هللا عليه وسلم فقالوا‪:‬‬
‫إنا نأكل مما قتلنا وال نأكل مما قتل هللا‪ ،‬فأنزل هللا هذه اآلية"‪.‬‬
‫‪ -‬قال‪ :‬ولكن االعتبار بعموم اللفظ ال بخصوص السبب‪ ،‬فكل ما ذكر الذابح‬
‫عليه اسم هللا حل إن كان مما أباح هللا أكله‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬و َقْد َفَّص َل َلُك م َّم ا َح َّر َم َع َلْيُك ْم } أي بين لكم بياًنا ُم فصاًل يدفع الشك‬
‫وُيزيل الشبهة بقوله‪:‬‬
‫‪ُ{ -‬قل اّل َأِج ُد ِفي َم ا ُأْو ِح َي ِإَلَّي ُم َح َّر ًم ا} [األنعام‪ ]١٤٥ :‬إلى آخر اآلية‪.‬‬
‫‪ -‬ثم استثنى فقال‪ِ { :‬إاَّل َم ا اْض ُطِرْر ُتْم ِإَلْيِه } أي من جميع ما حرمه هللا عليكم‬
‫فإن الضرورة ُتحلل الحرام‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪ :‬اآلية الرابعة‪:‬‬


‫{َو اَل َتْأُك ُلوا ِم َّم ا َلْم ُيْذ َك ِر اْس ُم ِهَّللا َع َلْيِه َوِإَّنُه َلِفْس ٌقۗ َوِإَّن الَّش َياِط يَن َلُيوُح وَن‬
‫ِإَلى َأْو ِلَياِئِهْم ِلُيَج اِد ُلوُك ْم ۖ َوِإْن َأَطْع ُتُم وُهْم ِإَّنُك ْم َلُم ْش ِرُك وَن } [األنعام‪.]١٢١ :‬‬

‫‪َ{ -‬و اَل َتْأُك ُلوا} نهى ربنا سبحانه وتعالى عن األكل مما لم ُيذكر اسم هللا عليه‬
‫بعد أن أمر باألكل مما ذكر اسم هللا عليه‪.‬‬

‫‪229‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬وفيه دليل على تحريم أكل ما لم ُيذكر اسم هللا عليه‪.‬‬


‫وقد اختلف أهل العلم في ذلك على ثالثة أقوال‪:‬‬
‫‪ ‬القول األول‪ :‬أنه ما لم يذكر اسم هللا عليه من الذبائح حرام من غير فرق‬
‫بين العامد والناسي‪.‬‬
‫‪ ‬القول الثاني‪ :‬قالوا أن التسمية مستحبة ال واجبة‪.‬‬
‫‪ ‬القول الثالث‪ :‬قالوا أن التسمية واجبة وتسقط بالنسيان‪ ،‬فال َتحل الذبائح‬
‫التي لم يذكر اسم هللا عليها عمدا‪ ،‬أما إن كان ناسًيا فيجوز أكله‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪ :‬اآلية الخامسة‪:‬‬


‫‪ -‬قال تعالى‪َ{ :‬و ُهَو اَّلِذ ي َأنَش َأ َج َّناٍت َّم ْعُروَش اٍت َو َغْيَر َم ْعُروَش اٍت َو الَّنْخ َل‬
‫َو الَّز ْر َع ُم ْخ َتِلًفا ُأُك ُلُه َو الَّز ْيُتوَن َو الُّر َّم اَن ُم َتَش اِبًها َو َغْيَر ُم َتَش اِبٍهۚ ُك ُلوا ِم ن‬
‫َثَم ِرِه ِإَذ ا َأْثَم َر َو آُتوا َح َّقُه َيْو َم َحَص اِدِهۖ َو اَل ُتْس ِرُفواۚ ِإَّنُه اَل ُيِح ُّب اْلُم ْس ِرِفيَن }‬
‫[األنعام‪]١٤١ :‬‬

‫‪َ{ -‬و آُتوا َح َّقُه َيْو َم َحَص اِدِه}‪:‬‬


‫اختلف أهل العلم هل هذه ُم ْح َك مة أم منسوخة‪ ،‬أو محمولة على الندب‪.‬‬
‫‪ ‬فذهب ابن عمر وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير إلى أن اآلية ُم حكمة‪،‬‬
‫وأنه يجب على المالك يوم الحصاد أن يعطي من حضر من المساكين‬
‫القبضة والضغث ونحوهما‪.‬‬
‫‪ ‬وذهب ابن عباس ومحمد بن الحنفية والحسن والنخعي وطاووس وأبو‬
‫الشعثاء وقتادة والضحاك وابن ُج ريج إلى أن هذه اآلية منسوخة بالزكاة‬
‫واختاره ابن جريج‪.‬‬
‫قال‪ :‬ويؤيده أن هذه اآلية مكية وآية الزكاة مدنية في السنة الثانية بعد‬
‫الهجرة‪ .‬وإلى هذا ذهب جمهور أهل العلم من السلف والخلف‪.‬‬
‫‪ ‬وقالت طائفة من العلماء إن اآلية محمولة على الندب ال على الوجوب‪.‬‬
‫‪َ{ -‬و اَل ُتْس ِرُفواۚ ِإَّنُه اَل ُيِح ُّب اْلُم ْس ِرِفيَن } أي ال تسرفوا في التصدق‪.‬‬

‫‪230‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫۞ ثم قال‪ :‬اآلية السادسة‪:‬‬


‫{ُقل اَّل َأِج ُد ِفي َم ا ُأوِح َي ِإَلَّي ُم َح َّر ًم ا َع َلى َطاِع ٍم َيْطَعُم ُه ِإاَّل َأن َيُك وَن َم ْيَتًة َأْو‬
‫َد ًم ا َّم ْس ُفوًح ا َأْو َلْح َم ِخ نِز يٍر َفِإَّنُه ِرْج ٌس َأْو ِفْس ًقا ُأِهَّل ِلَغْيِر ِهَّللا ِبِهۚ َفَمِن اْض ُطَّر‬
‫َغ ْيَر َباٍغ َو اَل َع اٍد َفِإَّن َرَّبَك َغُفوٌر َّر ِح يٌم } [األنعام‪]١٤٥ :‬‬

‫‪ -‬قال تعالى‪ُ{ :‬قل اَّل َأِج ُد ِفي َم ا ُأوِح َي ِإَلَّي } يعني أمره هللا سبحانه وتعالى بأن‬
‫يخبرهم أنه ال يجد في شيء مما أوحي إليه أي في القرآن‪.‬‬
‫وفيه إيذان بأن مناط الِح ل والُح رمة هو الوحي ال مجرد العقل‪.‬‬

‫{ُم َح َّر ًم ا}‪ :‬يعني غير هذه المذكورات في اآلية‪.‬‬ ‫‪-‬‬


‫{َع َلى َطاِعٍم ُيْطُع ُم ه}‪ :‬يعني في طعامه‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{ِإاَّل َأن َيُك وَن َم ْيَتًة}‪ :‬أي ذلك الشيء أو ذلك الطعام أو العين أو الجثة أو‬ ‫‪-‬‬
‫النفس هذه األشياء ال يكون ُم حرًم ا على طاعم يطعمه‪.‬‬
‫{َأْو َد ًم ا َّم ْس ُفوًح ا} وهو الجاري‪ ،‬وغير المسفوح معفو عنه كالدم الذي يبقى‬ ‫‪-‬‬
‫في العروق بعد الذبح ومنه الكبد والطحال وهكذا ما يتلطخ به اللحم من‬
‫الدم‪.‬‬
‫{َأْو َلْح َم ِخ نِزيٍر } ظاهر تخصيص اللحم أنه ال يحرم االنتفاع منه بما عدا‬ ‫‪-‬‬
‫اللحم‪.‬‬
‫{َفِإَّنُه ِرْج ٌس } وهذا راجع إلى اللحم أو إلى الخنزير نفسه‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{َأْو ِفْس ًقا}‪ :‬يعني أيضا لحم الخنزير‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{ُأِهَّل ِلَغْيِر ِهَّللا ِبِه}‪ :‬يعني ُذ بح على األصنام وغيرها‪ ،‬وُسمي فسًقا لتوغله‬ ‫‪-‬‬
‫في باب الفسق‪.‬‬

‫‪َ{ -‬فَمِن اْض ُطَّر َغْيَر َباٍغ َو اَل َع اٍد } فقد تقدم شرح هذا في سورة البقرة‪.‬‬
‫‪َ{ -‬فِإَّن َر َّبَك َغ ُفوٌر}‪ :‬أي كثير المغفرة‪.‬‬
‫‪َّ{ -‬ر ِح يٌم }‪ :‬أي كثير الرحمة فال يؤاخذ المضطر لما دعت إليه ضرورته‪.‬‬

‫‪231‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ ‬سورة األعراف ‪‬‬

‫‪ -‬وآياتها مائتان وخمس أو ست آيات‪.‬‬


‫‪ -‬وهي مكية إال ثمان آيات‪.‬‬

‫۞ اآلية األولى‪:‬‬
‫قال تعالى‪َ{ :‬يا َبِني آَد َم ُخ ُذ وا ِزيَنَتُك ْم ِع نَد ُك ِّل َم ْس ِج ٍد َو ُك ُلوا َو اْش َرُبوا َو اَل‬
‫ُتْس ِر ُفواۚ ِإَّنُه اَل ُيِح ُّب اْلُم ْس ِر ِفيَن } [األعراف‪]٣١ :‬‬

‫‪َ{ -‬يا َبِني آَد َم ُخ ُذ وا ِزيَنَتُك ْم ِع نَد ُك ِّل َم ْس ِج ٍد } هذا خطاب لجميع بني آدم وإن‬
‫كان وارًد ا على سبٍب خاص‪ ،‬والزينة ما يتزين به الناس من الملبوس‪،‬‬
‫ُأمروا بالتزين عند الحضور إلى المساجد للصالة والطواف‪.‬‬
‫‪ -‬وقد استدل باآلية على ستر العورة في الصالة وإليه ذهب جمهور أهل‬
‫العلم‪ ،‬بل سترها واجب في كل حال من األحوال وإن كان الرجل خالًيا‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪ :‬اآلية الثانية‪:‬‬


‫قال تعالى‪ُ{ :‬قْل َم ْن َح َّر َم ِزيَنَة ِهَّللا اَّلِتي َأْخ َرَج ِلِعَباِدِه َو الَّطِّيَباِت ِم َن الِّر ْز ِقۚ ُقْل‬
‫ِهَي ِلَّلِذ يَن آَم ُنوا ِفي اْلَح َياِة الُّد ْنَيا َخ اِلَص ًة َيْو َم اْلِقَياَم ِةۗ َك َذ ِلَك ُنَفِّص ُل اآْل َياِت ِلَقْو ٍم‬
‫َيْع َلُم وَن } [األعراف‪]٣٢ :‬‬

‫{ُقْل َم ْن َح َّر َم ِزيَنَة ِهَّللا اَّلِتي َأْخ َرَج ِلِعَباِدِه } قلنا أن الزينة ما يتزين به‬ ‫‪-‬‬
‫اإلنسان من ملبوس أو غيره من األشياء المباحة‪ ،‬واألطعمة واألشربة‪.‬‬
‫ثم قال‪َ{ :‬و الَّطِّيَباِت ِم َن الِّر ْز ِق }‪ :‬أي الُم ستلذات من الطعام‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{ُقْل ِهَي ِلَّلِذ يَن آَم ُنوا ِفي اْلَحَياِة الُّد ْنَيا} أي أنها لهم باألصالة واالستحقاق‬ ‫‪-‬‬
‫وإن شاركهم الكفار فيها ما داموا في الحياة‪.‬‬
‫{َخ اِلَص ًة َيْو َم اْلِقَياَم ِة}‪ :‬أي ُم ختصة بهم يوم القيامة ال ُيشاركهم فيها الكفار‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪232‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫۞ ثم قال‪ :‬اآلية الثالثة‪:‬‬


‫قال تعالى‪ُ{ :‬قْل ِإَّنَم ا َح َّر َم َرِّبَي اْلَفَو اِح َش َم ا َظَهَر ِم ْنَها َو َم ا َبَطَن َو اِإْل ْثَم َو اْلَبْغ َي‬
‫ِبَغْيِر اْلَح ِّق َو َأن ُتْش ِرُك وا ِباِهَّلل َم ا َلْم ُيَنِّز ْل ِبِه ُس ْلَطاًنا َو َأن َتُقوُلوا َع َلى ِهَّللا َم ا اَل‬
‫َتْع َلُم وَن } [األعراف‪]٣٣ :‬‬

‫{ُقْل ِإَّنَم ا َح َّر َم َر ِّبَي اْلَفَو اِح َش }‪ :‬يعني كل معصية‪.‬‬ ‫‪-‬‬


‫{َم ا َظَهَر ِم ْنَها َو َم ا َبَطَن }‪ :‬أي ما ُأعلن منها وما ُأستر‪ ،‬وقيل هي خاصة‬ ‫‪-‬‬
‫بفواحش الزنا‪.‬‬
‫{َو اِإْل ْثَم }‪ :‬وهو يتناول كل معصية يتسبب عنها اإلثم‬ ‫‪-‬‬
‫ثم قال‪َ{ :‬و اِإْل ْثَم َو اْلَبْغ َي ِبَغْيِر اْلَح ِّق } أي الظلم الُم جاوز للحق أو للحد‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪َ{ -‬و َأن ُتْش ِرُك وا ِباِهَّلل َم ا َلْم ُيَنِّز ْل ِبِه ُس ْلَطاًنا} أي وأن تجعلوا هلل شريًك ا لم ينزل‬
‫عليكم به حجة‪ ،‬والمراد التهكم بالمشركين ألن هللا ال ُينزل برهانا بأن يكون‬
‫غيره شريًك ا‪.‬‬
‫‪َ{ -‬و َأن َتُقوُلوا َع َلى ِهَّللا َم ا اَل َتْع َلُم وَن } بحقيقته وأن هللا قاله‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪ :‬اآلية الرابعة‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬وِإَذ ا ُقِر َئ اْلُقْر آُن َفاْس َتِمُعوا َلُه َو َأنِص ُتوا َلَعَّلُك ْم ُتْر َح ُم وَن }‬
‫[األعراف‪]٢٠٤ :‬‬

‫أمرهم هللا سبحانه باالستماع للقرآن واإلنصات له عند قراءته لينتفعوا به‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫ويتدبروا ما فيه من الِح كم والمصالح‪.‬‬
‫قيل‪ :‬هذا األمر خاص بوقت الصالة عند قراءة اإلمام‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫وقيل‪ :‬هذا خاص بقراءة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم للقرآن دون غيره‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫قال‪ :‬وال وجه لذلك مع أن اللفظ أوسع من هذا والعام ال ُيقصر على سببه‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫فيكون االستماع واإلنصات عند قراءة القرآن في كل حالة وعلى أي صفة‬
‫مما يجب على السامع إال ما استثنى الذي ُأنزل عليه القرآن صلى هللا عليه‬
‫وسلم كقراءة المأموم الفاتحة خلف إمامه سًرا وجهًر ا فإنه قد صح في ذلك‬

‫‪233‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫أخبار شهيرة واضحة وآثار كثيرة فائحة توجب تأكيد قراءة فاتحة الكتاب‬
‫ولزومها للمقتضي‪.‬‬
‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬لَع َّلُك ْم ُتْر َح ُم وَن } أي تنالون الرحمة وتفوزون بها بامتثال أمر هللا‬
‫سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪ :‬اآلية الخامسة‪:‬‬


‫‪ -‬قال تعالى‪َ{ :‬و اْذ ُك ر َّرَّبَك ِفي َنْفِس َك َتَض ُّر ًع ا َو ِخ يَفًة َو ُد وَن اْلَج ْهِر ِم َن اْلَقْو ِل‬
‫ِباْلُغ ُد ِّو َو اآْل َص اِل َو اَل َتُك ن ِّم َن اْلَغ اِفِليَن } [األعراف‪]٢٠٥ :‬‬

‫قال‪َ{ :‬و اْذ ُك ر َّرَّبَك ِفي َنْفِس َك } أمره هللا سبحانه وتعالى أن يذكره في نفسه‬ ‫‪-‬‬
‫فإن اإلخفاء أدخل في اإلخالص وأدعى للقبول‪.‬‬
‫وقيل المراد بالذكر هنا ما هو أعم من القرآن وغيره من األذكار التي ُيذكر‬ ‫‪-‬‬
‫هللا بها‪.‬‬
‫ثم قال‪َ{ :‬تَض ُّر ًع ا َو ِخ يَفًة َو ُد وَن اْلَج ْهِر } أي اذكره حال كونك ُم تضرًع ا‬ ‫‪-‬‬
‫وخائًفا ومتكلًم ا بكالم هو دون الجهر من القول يعني فوق السر قصًد ا بينهما‬
‫يعني بين الجهر وبين السر‪.‬‬
‫{ ِباْلُغ ُد ِّو َو اآْل َص اِل } أي أوقات الَغ دوات واألصائل يعني أول النهار وفي‬ ‫‪-‬‬
‫آخر النهار‪.‬‬
‫{ َو اَل َتُك ن ِّم َن اْلَغ اِفِليَن } عن ذكر هللا سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪ ‬سورة األنفال ‪‬‬

‫‪ -‬وجملة آياتها خمٌس أو سٌت أو سبع وسبعون آية‪.‬‬

‫۞ قال‪ :‬اآلية األولى‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬يْس َأُلوَنَك َع ِن اَأْلنَفاِل ۖ ُقِل اَأْلنَفاُل ِهَّلِل َو الَّرُس وِل ۖ َفاَّتُقوا َهَّللا‬
‫َو َأْص ِلُح وا َذ اَت َبْيِنُك ْم ۖ َو َأِط يُعوا َهَّللا َو َرُس وَلُه ِإن ُك نُتم ُّم ْؤ ِمِنيَن } [األنفال‪]١ :‬‬

‫‪234‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬قال‪ :‬أصل النفل الزيادة‪ ،‬وسميت الغنيمة نفاًل ألنها زيادٌة فيما أحل هللا لهذه‬
‫األمة مما كان محرًم ا على غيرها‪ ،‬أو ألنها زيادة على ما يحصل‬
‫للمجاهدين من أجر الجهاد‪.‬‬

‫‪ -‬وسبب نزول هذه اآلية اختالف الصحابة رضي هللا عنهم في يوم بدر بأن‬
‫قال الشبان‪" :‬هي لنا ألَّنا باشرنا القتال"‪ ،‬وقال الشيوخ‪" :‬كنا ِردًئا لكم تحت‬
‫الرايات"‪ .‬فنزع هللا ما غنموه من أيديهم وجعله هلل والرسول فقال‪:‬‬

‫‪ُ{ -‬قِل اَأْلنَفاُل ِهَّلِل َو الَّرُسوِل } أي ُحكمها مختص بهما يقتسماها بينكم رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم عن أمر هللا سبحانه‪ ،‬فقسمها رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم بينهم على السواء‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬فاَّتُقوا َهَّللا َو َأْص ِلُحوا َذ اَت َبْيِنُك ْم َو َأِط يُعوا َهَّللا َو َر ُسوَلُه ِإن ُك نُتم‬
‫ُّم ْؤ ِمِنيَن } أمرهم بالتقوى وإصالح ذات البين وطاعة هللا ورسوله بالتسليم‬
‫ألمرهما وترك االختالف الذي وقع بينهما‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪ :‬اآليتان الثانية والثالثة‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬يا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا ِإَذ ا َلِقيُتُم اَّلِذ يَن َك َفُر وا َز ْح ًفا َفاَل ُتَو ُّلوُهُم اَأْلْد َباَر‬
‫(‪َ )١٥‬و َم ن ُيَو ِّلِهْم َيْو َم ِئٍذ ُد ُبَرُه ِإاَّل ُم َتَح ِّر ًفا ِّلِقَتاٍل َأْو ُم َتَح ِّيًز ا ِإَلى ِفَئٍة َفَقْد َباَء‬
‫ِبَغَضٍب ِّم َن ِهَّللا َو َم ْأَو اُه َج َهَّنُم ۖ َو ِبْئَس اْلَم ِص يُر (‪[ })١٦‬األنفال‪]١٦-١٥ :‬‬

‫‪ -‬قال تعالى‪َ{ :‬يا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا ِإَذ ا َلِقيُتُم اَّلِذ يَن َك َفُروا َزْح ًفا} أي حال كون‬
‫الكفار زاحفين إليكم أو أنتم زاحفين إليهم أو حال من الفريقين أي‬
‫المتزاحفين‪.‬‬
‫‪َ{ -‬فاَل ُتَو ُّلوُهُم اَأْلْد َباَر } نهى هللا المؤمنين أن ينهزموا عن الكفار إذا القوهم‬
‫وقد دب بعضهم إلى بعض للقتال‪.‬‬
‫‪ -‬وظاهر اآلية العموم لكل المؤمنين في كل زمان وعلى كل حال إال حالة‬
‫التحرف والتحيز‪.‬‬

‫‪235‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬و َم ن ُيَو ِّلِهْم َيْو َم ِئٍذ ُد ُبَر ُه} إشارة إلى يوم بدر‪.‬‬
‫‪ِ{ -‬إاَّل ُم َتَح ِّر ًفا ِّلِقَتاٍل } والمراد التحرك من جانب إلى جانب في المعركة طلًبا‬
‫لمكايد الحرب وِخ داًع ا للعدو كمن ُيوهم أنه منهزم ليتبعه العدو فيكر عليه‬
‫ويتمكن منه ونحو ذلك من مكائد الحرب فإن الحرب خدعة كما قال النبي‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬أْو ُم َتَح ِّيًز ا ِإَلى ِفَئٍة } أي إلى جماعة من المسلمين غير الجماعة‬
‫القابلة للعدو‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪ :‬اآلية الرابعة‪:‬‬


‫قال تعالى‪ُ{ :‬قل ِّلَّلِذ يَن َك َفُر وا ِإن َينَتُهوا ُيْغَفْر َلُهم َّم ا َقْد َس َلَف َوِإن َيُعوُدوا َفَقْد‬
‫َم َض ْت ُس َّنُت اَأْلَّوِليَن } [األنفال‪]٣٨ :‬‬

‫{ُقل ِّلَّلِذ يَن َك َفُروا ِإن َينَتُهوا} أمر هللا سبحانه رسوله صلى هللا عليه وسلم أن‬ ‫‪-‬‬
‫يقول للكفار هذا المعنى سواء قاله بهذه العبارة أو غيرها‪ ،‬يعني إن ينتهوا‬
‫عما هم عليه من عداوة الرسول صلى هللا عليه وسلم وقتاله بالدخول في‬
‫اإلسالم ُيغفر لهم ما قد سلف لهم من العداوة‪.‬‬
‫وقيل معناه إن ينتهوا عن الكفر‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫قال ابن عطية‪ :‬والحامل على ذلك جواب الشرط فُيغفر لهم ما قد سلفا‬ ‫‪-‬‬
‫ومغفرة ما قد سلفا ال تكون إال لمنته عن الكفر‪.‬‬
‫قال‪ :‬وفي هذه اآلية دليل على أن اإلسالم يجب ما قبله‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫۞ ثم قال‪ :‬اآلية الخامسة‪:‬‬


‫قال‪َ{ :‬و َقاِتُلوُهْم َح َّتى اَل َتُك وَن ِفْتَنٌة َو َيُك وَن الِّد يُن ُك ُّلُه ِهَّلِلۚ َفِإِن انَتَهْو ا َفِإَّن َهَّللا ِبَم ا‬
‫َيْع َم ُلوَن َبِص يٌر} [األنفال‪]٣٩ :‬‬
‫‪ -‬قال‪َ{ :‬و َقاِتُلوُهْم َح َّتى اَل َتُك وَن ِفْتَنٌة} أي كفر وشرك‪.‬‬
‫‪َ{ -‬و َيُك وَن الِّد يُن ُك ُّلُه ِهَّلِل} تحريض للمؤمنين على قتال الكفار‪.‬‬

‫‪236‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫۞ ثم قال‪ :‬اآلية السادسة‪:‬‬


‫قال‪َ{ :‬و اْع َلُم وا َأَّنَم ا َغ ِنْم ُتم ِّم ن َش ْي ٍء َفَأَّن ِهَّلِل ُخ ُم َسُه َو ِللَّرُس وِل َو ِلِذ ي اْلُقْر َبى‬
‫َو اْلَيَتاَم ى َو اْلَم َس اِكيِن َو اْبِن الَّس ِبيِل ِإن ُك نُتْم آَم نُتم ِباِهَّلل َو َم ا َأنَز ْلَنا َع َلى َعْبِد َنا‬
‫َيْو َم اْلُفْر َقاِن َيْو َم اْلَتَقى اْلَج ْم َعاِن ۗ َوُهَّللا َع َلى ُك ِّل َش ْي ٍء َقِد يٌر } [األنفال‪]٤١ :‬‬

‫‪ -‬قال‪َ{ :‬و اْع َلُم وا َأَّنَم ا َغ ِنْم ُتم}‪.‬‬


‫‪ -‬قال القرطبي‪ :‬اتفقوا على أن المراد بالغنيمة في هذه اآلية مال الكفار إذا‬
‫ظفر به المسلمون على وجه الغلبة والقهر‪.‬‬
‫‪ -‬قال‪َ{ :‬فَأَّن ِهَّلِل ُخ ُم َس ُه َو ِللَّرُسوِل } ذكر أقوااًل ‪ ،‬الراجح منها وهللا أعلم أن‬
‫الخمس ُيَو َّك ل إلى نظر اإلمام واجتهاده‪ ،‬فيأخذ منه بغير تقدير ويعطي منه‬
‫الغزاة باجتهاده‪ ،‬ويصرف الباقي في مصالح المسلمين‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪ :‬اآلية السابعة‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬و َأِط يُعوا َهَّللا َو َرُس وَلُه َو اَل َتَناَز ُعوا َفَتْفَش ُلوا َو َتْذ َهَب ِريُح ُك ْم ۖ ‬
‫َو اْص ِبُر واۚ ِإَّن َهَّللا َم َع الَّص اِبِريَن } [األنفال‪]٤٦ :‬‬

‫‪ -‬قال‪َ{ :‬و اَل َتَناَزُع وا َفَتْفَش ُلوا} يعني نهى هللا سبحانه وتعالى عن التنازع وهو‬
‫االختالف في الرأي فإن ذلك يتسبب عنه الفشل وهو الجبن في الحرب‪.‬‬
‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬و َتْذ َهَب ِريُح ُك ْم } أي وتذهب قوتكم‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪ :‬اآلية الثامنة‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬و ِإَّم ا َتَخ اَفَّن ِم ن َقْو ٍم ِخ َياَنًة َفانِبْذ ِإَلْيِهْم َع َلى َس َو اٍء ۚ ِإَّن َهَّللا اَل ُيِح ُّب‬
‫اْلَخ اِئِنيَن } [األنفال‪]٥٨ :‬‬

‫‪ -‬قال‪َ{ :‬و ِإَّم ا َتَخ اَفَّن ِم ن َقْو ٍم } من المعاهدين وهم قريظة وبنو النضير‪.‬‬
‫‪ِ{ -‬خ َياَنًة}‪ :‬أي ِغ ًش ا ونقدا للعهد‪.‬‬
‫‪َ{ -‬فانِبْذ }‪ :‬أي اطرح إليهم العهد الذي بينك وبينهم‪.‬‬

‫‪237‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪َ{ -‬ع َلى َس َو اٍء }‪ :‬أي على طريق متساوية‪ .‬والمعنى أن يخبرهم إخباًرا ظاهًرا‬
‫مكشوًفا بالنقض وال ُيناجزهم الحرب بغتة‪.‬‬
‫‪ِ{ -‬إَّن َهَّللا اَل ُيِح ُّب اْلَخ اِئِنيَن } يحتمل أن يكون تحذيًر ا لرسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم من الُم ناجزة قبل أن ينبذ إليهم على سواء‪.‬‬
‫ويحتمل أن تكون عائدة إلى القوم الذين يخاف منهم الخيانة‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪ :‬اآلية التاسعة‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬و َأِع ُّدوا َلُهم َّم ا اْس َتَطْع ُتم ِّم ن ُقَّو ٍة َو ِم ن ِّر َباِط اْلَخ ْيِل ُتْر ِهُبوَن ِبِه‬
‫َعُد َّو ِهَّللا َو َعُد َّو ُك ْم َو آَخ ِريَن ِم ن ُدوِنِهْم اَل َتْع َلُم وَنُهُم ُهَّللا َيْع َلُم ُهْم ۚ َو َم ا ُتنِفُقوا ِم ن‬
‫َش ْي ٍء ِفي َس ِبيِل ِهَّللا ُيَو َّف ِإَلْيُك ْم َو َأنُتْم اَل ُتْظ َلُم وَن } [األنفال‪]٦٠ :‬‬

‫‪ -‬قال‪َ{ :‬و َأِع ُّد وا َلُهم َّم ا اْسَتَطْع ُتم ِّم ن ُقَّوٍة } أمر هللا سبحانه بإعداد القوة وهو‬
‫كل ما يتقوى به في الحرب ومن ذلك السالح والِقسي‪.‬‬
‫‪ -‬ثم قال‪ُ{ :‬تْر ِهُبوَن ِبِه َع ُد َّو ِهَّللا َو َع ُد َّو ُك ْم } والترهيب التخويف يعني تخوفون‬
‫به عدو هللا وعدوكم وهم المشركون من أهل مكة وغيرهم من مشركي‬
‫العرب‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪ :‬اآلية العاشرة‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬وِإن َج َنُح وا ِللَّس ْلِم َفاْج َنْح َلَها َو َتَو َّك ْل َع َلى ِهَّللاۚ ِإَّنُه ُهَو الَّس ِم يُع‬
‫اْلَعِليُم } [األنفال‪]٦١ :‬‬

‫‪ -‬والجنوح هو الميل‪.‬‬
‫‪ -‬والسلم هو الصلح‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪ :‬اآلية الحادية عشرة‪:‬‬


‫قال تعالى‪{ :‬اآْل َن َخ َّفَف ُهَّللا َع نُك ْم َو َع ِلَم َأَّن ِفيُك ْم َضْع ًفاۚ َفِإن َيُك ن ِّم نُك م ِّم اَئٌة‬
‫َص اِبَر ٌة َيْغ ِلُبوا ِم اَئَتْيِن ۚ َوِإن َيُك ن ِّم نُك ْم َأْلٌف َيْغ ِلُبوا َأْلَفْيِن ِبِإْذ ِن ِهَّللاۗ َوُهَّللا َم َع‬
‫الَّص اِبِريَن } [األنفال‪]٦٦ :‬‬

‫‪238‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬قال‪{ :‬اآْل َن َخ َّفَف ُهَّللا َع نُك ْم َو َع ِلَم َأَّن ِفيُك ْم َض ْع ًفاۚ َفِإن َيُك ن ِّم نُك م ِّم اَئٌة َص اِبَر ٌة‬
‫َيْغ ِلُبوا ِم اَئَتْيِن ۚ َو ِإن َيُك ن ِّم نُك ْم َأْلٌف َيْغ ِلُبوا َأْلَفْيِن } يعني أوجب على الواحد أن‬
‫يثبت الثنين من الكفار‪.‬‬
‫وقد اختلف أهل العلم هل هذا التخفيف ُنسخ أم ال؟‬
‫‪ -‬ثم قال‪ :‬وال يتعلق بذكر ذلك كثير فائدة‪.‬‬

‫‪ -‬قال‪ :‬أخرج البخاري والنحاس في ناسخه وابن مردويه والبيهقي في سننه‬


‫عن ابن عباس قال‪" :‬نزلت {ِإن َيُك ن ِّم نُك ْم ِع ْش ُروَن َص اِبُروَن َيْغ ِلُبوا‬
‫ِم اَئَتْيِن } [األنفال ‪]٦٥ :‬‬
‫‪ -‬شق ذلك على المسلمين حين فرض عليهم أال يفر واحد من عشرة‪ ،‬فجاء‬
‫التخفيف بقوله‪{ :‬اآْل َن َخ َّفَف ُهَّللا َع نُك ْم } (اآلية)‪ ،‬قال‪ :‬فلما خفف هللا عنهم من‬
‫الِع دة نقص من الصبر بقدر ما ُخ فف عنهم"‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪ :‬اآلية الثانية عشرة‪:‬‬


‫قال‪َ{ :‬م ا َك اَن ِلَنِبٍّي َأن َيُك وَن َلُه َأْسَر ى َح َّتى ُيْثِخ َن ِفي اَأْلْر ِضۚ ُتِر يُدوَن َع َرَض‬
‫الُّد ْنَيا َوُهَّللا ُيِر يُد اآْل ِخ َر َةۗ َوُهَّللا َع ِزيٌز َح ِكيٌم } [األنفال‪]٦٧ :‬‬

‫‪ -‬قال‪َ{ :‬م ا َك اَن ِلَنِبٍّي َأن َيُك وَن َلُه َأْس َر ى َح َّتى ُيْثِخ َن ِفي اَأْلْر ِض} هذا حكم‬
‫آخر من أحكام الجهاد‪.‬‬
‫‪َ{ -‬م ا َك اَن ِلَنِبٍّي } يعني ما صح له وما استقام‪ ،‬والمعنى ما كان لنبي أن يكون‬
‫له أسرى حتى ُيبالغ في قتل الكافرين ويستكثر من ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬وقيل معنى اإلثخان التمكن‪ ،‬وقيل هو القوة‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪ :‬اآلية الثالثة عشرة‪:‬‬


‫قال تعالى‪ِ{ :‬إَّن اَّلِذ يَن آَم ُنوا َو َهاَج ُر وا َو َج اَهُدوا ِبَأْمَو اِلِهْم َو َأنُفِس ِهْم ِفي َس ِبيِل‬
‫َٰل‬
‫ِهَّللا َو اَّلِذ يَن آَو وا َّو َنَصُر وا ُأو ِئَك َبْعُضُهْم َأْو ِلَياُء َبْع ٍضۚ َو اَّلِذ يَن آَم ُنوا َو َلْم‬
‫ُيَهاِج ُر وا َم ا َلُك م ِّم ن َو اَل َيِتِهم ِّم ن َش ْي ٍء َح َّتى ُيَهاِج ُر واۚ َو ِإِن اْس َتنَصُر وُك ْم ِفي‬

‫‪239‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫الِّديِن َفَعَلْيُك ُم الَّنْص ُر ِإاَّل َع َلى َقْو ٍم َبْيَنُك ْم َو َبْيَنُهم ِّم يَثاٌقۗ َوُهَّللا ِبَم ا َتْع َم ُلوَن‬
‫َبِص يٌر } [األنفال‪]٧٢ :‬‬

‫قال‪َ{ :‬و اَّلِذ يَن ٓاَم ُنوا}‪ :‬يعني من المقيمين بمكة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{َو َلْم َيَهاِج ُروا َم ا َلُك م ِّم ن َو اَل َيِتهم}‪ :‬أي من ُنصرتهم وإعانتهم أو من‬ ‫‪-‬‬
‫ميراثهم ولو كانوا من قرابتكم من شيء لعدم وقوع الهجرة منهم‪.‬‬
‫{َح َّتى ُيَهاِج ُر وا} فيكون لهم ما كان للطائفة األولى الجامعين بين اإليمان‬ ‫‪-‬‬
‫والهجرة‪.‬‬
‫{َو ِإِن اْسَتنَص ُروُك ْم ِفي الِّد يِن }‪ :‬أي هؤالء الذين آمنوا ولم يهاجروا إن طلبوا‬ ‫‪-‬‬
‫منكم النصرة لهم على المشركين‪.‬‬
‫{َفَع َلْيُك ُم الَّنْص ُر }‪ :‬أي فواجب عليكم إال أن يستنصروكم {َع َلى َقْو ٍم َبْيَنُك ْم‬ ‫‪-‬‬
‫َو َبْيَنُهم ِّم يَثاٌق } فال تنصروهم وال تنقضوا العهد الذي بينكم وبين أولئك القوم‬
‫حتى تنقضي مدته وهي عشر سنين‪.‬‬

‫۞ قال‪ :‬اآلية الرابعة عشرة‪:‬‬


‫قال‪َ{ :‬و اَّلِذ يَن آَم ُنوا ِم ن َبْع ُد َو َهاَج ُر وا َو َج اَهُدوا َم َعُك ْم َفُأوَلِئَك ِم نُك ْم ۚ َو ُأوُلو‬
‫اَأْلْر َح اِم َبْعُضُهْم َأْو َلى ِبَبْع ٍض ِفي ِكَتاِب ِهَّللاۗ ِإَّن َهَّللا ِبُك ِّل َش ْي ٍء َع ِليٌم } [األنفال‪:‬‬
‫‪.]٧٥‬‬

‫{َو ُأوُلو اَأْلْر َح اِم َبْعُضُهْم َأْو َلى ِبَبْع ٍض } من غيرهم ممن لم يكن بينه وبينهم‬ ‫‪-‬‬
‫رحم في الميراث‪ ،‬والمراد بهم القرابات فيتناول كل قرابة‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬وقيل المراد بهم هنا الَع صبات‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ثم قال‪ :‬وقد استدل بهذه اآلية من أثبت الميراث لذوي األرحام وهم من ليس‬ ‫‪-‬‬
‫بعصبته وال ذي سهم على حسب اصطالح أهل العلم في المواريث‪.‬‬
‫والخالف في ذلك معروف ُم قرر في مواطنه‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وقيل إن هذه اآلية ناسخة للميراث بالُم واالة والنصرة عند من فسر ما تقدم‬ ‫‪-‬‬
‫من قوله‪َ{ :‬بْعُضُهْم َأْو ِلَياُء َبْع ٍض } وما بعده بالتوارث‪.‬‬

‫‪240‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬وأما من فسرها بالنصرة والمعونة فيجعل هذه اآلية إخباًر ا منه سبحانه‬
‫وتعالى بأن القرابات بعضهم أولى ببعض في كتاب هللا أي في ُحكمه أو في‬
‫اللوح المحفوظ أو في القرآن ويدخل في هذه اآلية األولوية في الميراث‬
‫دخواًل أوليا لوجود سببه يعني القرابة‪.‬‬

‫🔶 أسئلة المحاضرة‪:‬‬

‫🔸السؤال األول‪:‬‬
‫ما الفرق بين المتعمد والمخطئ والناسي في قوله تعالى‪َ{ :‬و َم ن َقَتَلُه ِم نُك م‬
‫ُم َتَع ِّم ًد ا} [المائدة‪ ]٩٥ :‬؟‬

‫🔸السؤال الثاني‪:‬‬
‫قال تعالى‪َ{ :‬فُك ُلوا ِمَّم ا ُذ ِكَر اْس ُم ِهَّللا َع َلْيِه ِإن ُك نُتم ِبآَياِتِه ُم ْؤ ِمِنيَن } [األنعام‪:‬‬
‫‪ ]١١٨‬فما حكم التسمية عند الذبح؟‬

‫🔸السؤال الثالث‪:‬‬
‫قال تعالى‪َ{ :‬و ِإَذ ا ُقِرَئ اْلُقْر آُن َفاْسَتِم ُعوا َلُه َو َأنِص ُتوا} [األعراف‪]٢٠٤ :‬‬
‫فما معنى اإلنصات في هذه اآلية؟‬
‫وهل اإلنصات يشمل اإلنصات في الصالة وفي غيرها؟‬

‫🔸السؤال الرابع‪:‬‬
‫ما سبب نزول أول آية في سورة األنفال {َيْس َأُلوَنَك َع ِن اَأْلْنَفاِل } [األنفال‪]١ :‬؟‬

‫‪241‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫هذا وسبحانك اللهم وبحمدك‪ ،‬نشهد أن ال إله إال أنت نستغفرك ونتوب إليك‪،‬‬
‫والسالم عليكم ورحمة هللا وبركاته‪.‬‬

‫‪242‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫جامعة صفوة‬
‫كلية العلوم الشرعية والعربية‬
‫مقرر التفسير‬
‫الفرقة الثالثة‬
‫المحاضرة الرابعة عشرة‬
‫من كتاب [نيل المرام من تفسير آيات األحكام]‬
‫شرح الدكتور سعد معوض حفظه هللا‬

‫إن الحمد هلل تعالى نحمده ونستعين به ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل تعالى من شرور‬
‫أنفسنا ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬إنه من يهده هللا تعالى فال ُم ضل له ومن يضلل فال‬
‫هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمًد ا عبده‬
‫ورسوله‪ ،‬اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم‬
‫وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد‪ ،‬اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما‬
‫باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد‪.‬‬
‫وبعد‪ ،‬هذه هي المحاضرة الرابعة عشرة من شرح كتاب نيل المرام من تفسير‬
‫آيات األحكام لمحمد صديق خان رحمة هللا عليه‪.‬‬

‫‪ ‬سورة براءة ‪‬‬

‫‪ -‬وآياتها مائة وثالثون أو سبع وعشرون آية‪.‬‬


‫‪ -‬ولها أسماء منها التوبة ومنها الفاضحة‪ ،‬وتسمى أيًضا البحوث‪.‬‬
‫‪ -‬وسورة براءة نزلت بعد فتح مكة بالمدينة‪.‬‬

‫۞ قال اآليات األولى والثانية والثالثة والرابعة والخامسة‪:‬‬

‫‪ -‬قال تعالى‪َ{ :‬بَر اَء ٌة ِّم َن ِهَّللا َو َر ُسوِلِه}‬


‫‪ -‬أي هذه براءة من هللا سبحانه وتعالى ورسوله‪.‬‬

‫‪243‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ِ{ -‬إَلى اَّلِذ يَن َع اَهدُّتم ِّم َن اْلُم ْش ِرِكيَن }والخطاب للمسلمين وقد كانوا عاهدوا‬
‫مشركي مكة وغيرهم بإذن من هللا والرسول صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫والمعنى‪ :‬إخبار المسلمين بأن هللا ورسوله قد برأ من تلك المعاهدة بسبب ما‬
‫وقع من الكفار من النقض‪.‬‬

‫{َفِس يُحوا ِفي اَأْلْر ِض } يعني أيها المشركون‪.‬‬ ‫‪-‬‬


‫{َأْر َبَع َة َأْش ُهٍر } هذا أمر منه سبحانه بالِس ياحة بعد اإلخبار بتلك البراءة‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫والسياحة هي السير‪.‬‬
‫ومعنى اآلية أن هللا سبحانه بعد أن أذن بالنبذ إلى المشركين بعهدهم أباح‬
‫للمشركين الضرب في األرض والذهاب إلى حيث يريدون واالستعداد‬
‫للحرب بعد األربعة أشهر‪.‬‬
‫وقال الكلبي‪" :‬إنما كانت األربعة أشهر لمن كان بينه وبين رسول هللا صلى‬ ‫‪-‬‬
‫هللا عليه وسلم عهد دون أربعة أشهر‪ ،‬ومن كان عهده أكثر من ذلك فهو‬
‫الذي أمر هللا أن ُيتم له عهده بقوله تعالى‪َ{ :‬فَأِتُّم وا ِإَلْيِهْم َع ْهَد ُهْم ِإَلى ُم َّد ِتِهْم }‬
‫[التوبة‪."]٤ :‬‬
‫ثم قال‪ :‬ورجح هذا بن جرير وغيره إلى قوله‪ِ{ :‬إاَّل اَّلِذ يَن َع اَهدُّتم ِّم َن‬ ‫‪-‬‬
‫اْلُم ْش ِرِكيَن ُثَّم َلْم َينُقُصوُك ْم َش ْيًئا} أي لم يقع منهم أي نقص وإن كان يسيًرا‪.‬‬
‫قال‪ :‬وفيه دليل على أنه كان من أهل العهد من خاس بعهده ومنهم من ثبت‬ ‫‪-‬‬
‫عليه فأذن هللا سبحانه لنبيه صلى هللا عليه وسلم بنقض عهد من نقض‪،‬‬
‫وبالوفاء لمن لم ينقض إلى مدته‪.‬‬

‫‪َ{ -‬و َلْم ُيَظاِهُروا َع َلْيُك ْم } والمظاهرة المعاونة يعني لم يعاونوا أحًد ا من‬
‫أعدائكم‪.‬‬
‫‪َ{ -‬فَأِتُّم وا ِإَلْيِهْم َع ْهَد ُهْم } أي أدوا إليهم عهدهم تاًم ا غير ناقص إلى مدتهم التي‬
‫عاهدتموهم إليها‪.‬‬
‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬فِإَذ ا انَس َلَخ اَأْلْش ُهُر اْلُحُر ُم َفاْقُتُلوا اْلُم ْش ِرِكيَن َح ْيُث َو َج دُّتُم وُهْم }‬
‫انسالخ الشهر تكامله جزًء ا فجزًء ا إلى أن ينقضي‬

‫‪244‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫وقد اختلف العلماء في تعيين األشهر الحرم المذكورة هنا‪:‬‬


‫‪ ‬فقيل هي األشهر الحرم المعروفة وهي‪ :‬ذو القعدة وذو الحجة وُم حرم‬
‫ورجب‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل ثالثة سرد وواحد فرد‪.‬‬
‫ومعنى اآلية على هذا وجوب اإلمساك عن قتال من ال عهد له من‬
‫المشركين في األشهر الحرم‪ ،‬وقد وقع النداء والنبذ إلى المشركين‬
‫بعهدهم يوم النحر فكان الباقي من األشهر الحرم هي التي هي الثالثة‬
‫المسرودة خمسين يوًم ا تنقضي بانقضاء شهر المحرم‪ ،‬فأمرهم هللا بقتل‬
‫حيث ُيوجدون من حل أو حرم‪.‬‬
‫‪ ‬وبه قال جماعة‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل‪ :‬المراد بها شهور العهد الُم شار إليه بقوله‪َ{ :‬فَأِتُّم وا ِإَلْيِهْم َع ْهَد ُهْم‬
‫ِإَلى ُم َّد ِتِهْم }‪ ،‬وسميت حراًم ا ألن هللا سبحانه حرم على المسلمين فيها‬
‫دماء المشركين والتعرض لهم‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل‪ :‬هي األشهر المذكورة في قوله‪َ{ :‬فِس يُحوا ِفي اَأْلْر ِض َأْر َبَع َة‬
‫َأْش ُهٍر}‪.‬‬
‫‪ -‬ومعنى {َو ُخ ُذ وُهْم } يعني األسر فإن اآلخذ هو األسير‪.‬‬
‫‪ -‬ومعنى {َو اْح ُصُروُهْم } يعني منعهم من التصرف في بالد المسلمين إال‬
‫بإذن منهم‪.‬‬

‫‪َ{ -‬و اْقُع ُد وا َلُهْم ُك َّل َم ْر َصٍد } وهو الموضع الذي ُيرقب فيه العدو‪.‬‬
‫وفي هذه اآلية المتضمنة لألمر بقتل المشركين عند انسالخ األشهر الُحرم‬
‫لكل مشرك ال يخرج عنها إال من خصته السنة كالمرأة والصبي والعاجز‬
‫الذي ال يقاتل‪ ،‬وكذلك ُيخصص منها أهل الكتاب الذين ُيعطون الجزية على‬
‫فرض تناول مشركين لهم‪.‬‬
‫‪ -‬ثم قال‪ :‬وهذه اآلية نسخت كل آية فيها ذكر اإلعراض عن المشركين‬
‫والصبر على أذاهم‪.‬‬

‫‪245‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬فِإن َتاُبوا َو َأَقاُم وا الَّص اَل َة َو آَتُو ا الَّز َك اَة} أي تابوا عن الشرك الذي‬
‫هو سبب القتل‪ ،‬وحققوا التوبة بفعل ما هو أعظم أركان اإلسالم وهو إقامة‬
‫الصالة وهو الركن اكتفي به عن ذكر ما يتعلق باألبدان من العبادات لكونه‬
‫رأسها‪ ،‬واكتفي بالركن اآلخر المالي وهو إيتاء الزكاة عن كل ما يتعلق‬
‫باألموال والعبادات ألنها أعظمها‪.‬‬
‫‪َ{ -‬فَخ ُّلوا َس ِبيَلُهْم } أي اتركوهم وشأنهم فال تأسروهم وال تحصروهم وال‬
‫تقتلوهم‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪ :‬اآلية السادسة‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬وِإْن َأَح ٌد ِّم َن اْلُم ْش ِرِكيَن اْس َتَج اَر َك َفَأِج ْر ُه َح َّتى َيْس َم َع َكاَل َم ِهَّللا ُثَّم‬
‫َأْبِلْغ ُه َم ْأَم َنُهۚ َٰذ ِلَك ِبَأَّنُهْم َقْو ٌم اَّل َيْع َلُم وَن } [التوبة‪]٦ :‬‬

‫قال‪َ{ :‬و ِإْن َأَح ٌد ِّم َن اْلُم ْش ِرِكيَن اْسَتَج اَر َك } أي طلب أن يكون جارا لك أو‬ ‫‪-‬‬
‫محمًيا بك‪.‬‬
‫والمعنى‪ :‬وإن استجارك أحد من المشركين الذين ُأمرت بقتالهم فأجره أي‬ ‫‪-‬‬
‫كن جاًرا له ُم َؤ مًنا مع ُم حامًيا‪.‬‬
‫{َح َّتى َيْس َم َع َكاَل َم ِهَّللا} حتى يسمع كالم هللا منك ويتدبره حق تدبره ويقف‬ ‫‪-‬‬
‫على حقيقة ما تدعو إليه‪.‬‬
‫{ُثَّم َأْبِلْغ ُه َم ْأَم َنُه} أي إلى الدار التي يأمن فيها بعد أن يسمع كالم هللا‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫۞ ثم قال‪ :‬اآلية السابعة‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ { :‬ك ْيَف َيُك وُن ِلْلُم ْش ِرِكيَن َعْه ٌد ِع نَد ِهَّللا َو ِع نَد َرُس وِلِه ِإاَّل اَّلِذ يَن‬
‫َع اَهدُّتْم ِع نَد اْلَم ْس ِج ِد اْلَح َر اِم ۖ َفَم ا اْس َتَقاُم وا َلُك ْم َفاْس َتِقيُم وا َلُهْم ۚ ِإَّن َهَّللا ُيِح ُّب‬
‫اْلُم َّتِقيَن } [التوبة‪]٧ :‬‬

‫‪ -‬قال تعالى‪َ { :‬ك ْيَف َيُك وُن ِلْلُم ْش ِرِكيَن َع ْهٌد ِع نَد ِهَّللا َو ِع نَد َر ُسوِلِه ِإاَّل اَّلِذ يَن‬
‫َع اَهدُّتْم ِع نَد اْلَم ْس ِج ِد اْلَحَر اِم }‬
‫وهذا االستفهام للتعجب ومتضمن لإلنكار‪.‬‬

‫‪246‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ِ{ -‬إاَّل اَّلِذ يَن َع اَهدُّتْم ِع نَد اْلَم ْس ِج ِد اْلَحَر اِم } يعني ولم ينقضوا ولم يمكثوا فال‬
‫تقاتلوهم‪ ،‬فما استقاموا لكم على العهد الذي بينكم وبينهم فاستقيموا لهم‪.‬‬
‫۞ ثم قال‪ :‬اآلية الثامنة‪:‬‬
‫قال تعالى‪َ{ :‬فِإن َتاُبوا َو َأَقاُم وا الَّص اَل َة َو آَتُو ا الَّزَك اَة َفِإْخ َو اُنُك ْم ِفي الِّديِن ۗ ‬
‫َو ُنَفِّص ُل اآْل َياِت ِلَقْو ٍم َيْع َلُم وَن } [التوبة‪]١١ :‬‬
‫‪ -‬قال‪ :‬فإن تابوا عن الشرك والتزموا اإلسالم وأقاموا الصالة وآتوا الزكاة‬
‫فإخوانكم في الدين أي دين االسالم لهم ما لكم وعليهم ما عليكم‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪ :‬اآليتان التاسعة والعاشرة‪:‬‬


‫‪ -‬قال تعالى‪َ{ :‬م ا َك اَن ِلْلُم ْش ِرِكيَن َأن َيْع ُم ُر وا َم َس اِج َد ِهَّللا َشاِهِد يَن َع َلى َأنُفِس ِهم‬
‫ِباْلُك ْفِرۚ ُأوَٰل ِئَك َح ِبَطْت َأْع َم اُلُهْم َو ِفي الَّناِر ُهْم َخ اِلُدوَن (‪ِ )١٧‬إَّنَم ا َيْع ُم ُر‬
‫َم َس اِج َد ِهَّللا َم ْن آَم َن ِباِهَّلل َو اْلَيْو ِم اآْل ِخ ِر َو َأَقاَم الَّص اَل َة َو آَتى الَّزَك اَة َو َلْم َيْخ َش‬
‫ِإاَّل َهَّللاۖ َفَعَس ى ُأوَٰل ِئَك َأن َيُك وُنوا ِم َن اْلُم ْه َتِد يَن (‪[ })١٨‬التوبة‪]١٨-١٧ :‬‬

‫‪ -‬قال تعالى‪َ{ :‬م ا َك اَن ِلْلُم ْش ِرِكيَن َأن َيْع ُم ُروا َم َس اِج َد ِهَّللا}‪ :‬المراد بالعمارة إما‬
‫المعنى الحقيقي وإما المجازي‪:‬‬
‫‪ ‬أما األول فألنه يستلزم الِم نة على المسلمين بعمارة مساجدهم‪.‬‬
‫‪ ‬وأما الثاني فلكون الكفار ال عبادة لهم مع نهيهم عن قربان المسجد‬
‫الحرام‪ .‬فالمعنى ما كان للمشركين وما صح لهم وما استقام أن يفعلوا‬
‫ذلك‪ ،‬حال كونهم {َش اِهِد يَن َع َلى َأنُفِس ِهم ِباْلُك ْفِر } أي بإظهار ما هو كفر‬
‫من نصب األوثان والعبادة لها وجعلها آلهة‪ ..‬فإن هذا شهادة منهم على‬
‫أنفسهم بالكفر وإن أبوا ذلك بألسنتهم‪ ..‬فكيف يجمعون بين أمرين‬
‫متنافيين‪ :‬عمارة المسجد التي هي من شأن المؤمنين‪ ،‬والشهادة على‬
‫أنفسهم بالكفر التي ليست من شأن من يتقرب إلى هللا بعمارة مساجده‪..‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪ِ{ :‬إَّنَم ا َيْع ُم ُر َم َس اِج َد ِهَّللا َم ْن آَم َن ِباِهَّلل َو اْلَيْو ِم اآْل ِخ ِر } وفعل ما هو من‬
‫لزوم اإليمان‪.‬‬

‫‪247‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪َ{ -‬و َأَقاَم الَّص اَل َة َو آَتى الَّز َك اَة َو َلْم َيْخ َش ِإاَّل َهَّللا} فمن كان جامًعا بين هذه‬
‫األوصاف فهو الحقيقي بعمارة المساجد ال من كان خالًيا منها أو من‬
‫بعضها‪.‬‬
‫‪ -‬واقتصر على ذكر الصالة والزكاة والخشية تنبيها لما هو من أعظم أمور‬
‫الدين على ما َع داه مما افترض هللا على عباده ألن كل ذلك من لوازم‬
‫اإليمان‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪ :‬اآلية الحادية عشرة‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬يا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا ِإَّنَم ا اْلُم ْش ِرُك وَن َنَج ٌس َفاَل َيْقَرُبوا اْلَم ْس ِج َد‬
‫اْلَح َر اَم َبْعَد َع اِم ِهْم َهَذ اۚ َوِإْن ِخ ْفُتْم َعْيَلًة َفَس ْو َف ُيْغ ِنيُك ُم ُهَّللا ِم ن َفْض ِلِه ِإن َشاَء ۚ ‬
‫ِإَّن َهَّللا َع ِليٌم َح ِكيٌم } [التوبة‪]٢٨ :‬‬

‫‪ -‬قال‪ِ{ :‬إَّنَم ا اْلُم ْش ِرُك وَن َنَج ٌس } وقد استدل باآلية من قال بأن المشرك نجس‬
‫نجس الذات كما ذهب إليه بعض الظاهرية‪.‬‬
‫وذهب الجمهور من السلف والخلف ومنهم األئمة األربعة إلى أن الكافر‬
‫ليس نجَس الذاِت ألن هللا سبحانه أحل طعامه‪.‬‬
‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬فاَل َيْقَر ُبوا اْلَم ْس ِج َد اْلَحَر اَم } ألنهم نجس‪.‬‬
‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬بْع َد َع اِم ِهْم َهَذ ا} فيه قوالن‪:‬‬
‫‪ ‬أحدها أنها سنة تسع‪.‬‬
‫‪ ‬والثاني أنها سنة عشر‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪ :‬اآلية الثانية عشرة‪:‬‬


‫‪ -‬قال تعالى‪َ{ :‬قاِتُلوا اَّلِذ يَن اَل ُيْؤ ِم ُنوَن ِباِهَّلل َو اَل ِباْلَيْو ِم اآْل ِخ ِر َو اَل ُيَح ِّر ُم وَن َم ا‬
‫َح َّر َم ُهَّللا َو َرُس وُلُه َو اَل َيِد يُنوَن ِد يَن اْلَح ِّق ِم َن اَّلِذ يَن ُأوُتوا اْلِكَتاَب َح َّتى ُيْع ُطوا‬
‫اْلِج ْز َيَة َع ن َيٍد َو ُهْم َص اِغُر وَن } [التوبة‪]٢٩ :‬‬

‫‪ -‬فيه األمر بقتال من جمع بين هذه األوصاف حتى ُيعطوا الجزية عن يد وهم‬
‫صاغرون‪ ،‬والجزية ما يعطيه المعاهد على عهده‪.‬‬

‫‪248‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫۞ ثم قال‪ :‬اآلية الثالثة عشرة‪:‬‬


‫َلَيْأُك ُلوَن َأْمَو اَل‬ ‫قال تعالى‪َ{ :‬يا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا ِإَّن َك ِثيًر ا ِّم َن اَأْلْح َباِر َو الُّر ْه َباِن‬
‫َو اْلِفَّض َة َو اَل‬ ‫الَّناِس ِباْلَباِط ِل َو َيُص ُّدوَن َع ن َس ِبيِل ِهَّللاۗ َو اَّلِذ يَن َيْك ِنُز وَن الَّذ َهَب‬
‫ُينِفُقوَنَها ِفي َس ِبيِل ِهَّللا َفَبِّش ْر ُهم ِبَعَذ اٍب َأِليٍم } [التوبة‪]٣٤ :‬‬

‫‪ -‬قال‪َ{ :‬و اَّلِذ يَن َيْك ِنُز وَن الَّذ َهَب َو اْلِفَّض َة}‪:‬‬
‫‪ ‬قيل هم المتقدم ذكرهم من األحبار والرهبان وأنهم كانوا يصنعون هذا‬
‫الصنع‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل هم من يفعل ذلك من المسلمين‪.‬‬

‫واختلف أهل العلم في المال الذي ُأديت زكاته هل ُيسمى كنًز ا أم ال؟‬
‫‪ ‬قيل هو كنز‪.‬‬
‫‪ ‬وقال آخرون ليس بكنز‪.‬‬
‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬و اَل ُينِفُقوَنَها} كناية عن عدم أداء الزكاة ونحوها في سبيل هللا‬
‫فبشرهم بعذاب أليم‪.‬‬

‫۞ قال‪ :‬اآلية الرابعة عشرة‪:‬‬


‫قال تعالى‪ِ{ :‬إَّن ِع َّد َة الُّش ُهوِر ِع نَد ِهَّللا اْثَنا َعَش َر َش ْهًر ا ِفي ِكَتاِب ِهَّللا َيْو َم َخ َلَق‬
‫الَّس َم اَو اِت َو اَأْلْر َض ِم ْنَها َأْر َبَعٌة ُح ُر ٌم ۚ َٰذ ِلَك الِّديُن اْلَقِّيُم ۚ َفاَل َتْظِلُم وا ِفيِهَّن‬
‫َأنُفَس ُك ْم ۚ َو َقاِتُلوا اْلُم ْش ِرِكيَن َك اَّفًة َك َم ا ُيَقاِتُلوَنُك ْم َك اَّفًةۚ َو اْع َلُم وا َأَّن َهَّللا َم َع‬
‫اْلُم َّتِقيَن } [التوبة‪]٣٦ :‬‬

‫‪ -‬قال‪ِ{ :‬إَّن ِع َّدَة الُّش ُهوِر ِع نَد ِهَّللا اْثَنا َع َش َر َش ْهًرا} أي في ُحكمه وقضائه‬
‫وِح كمته في كتاب هللا يوم خلق السماوات واألرض‪.‬‬

‫‪249‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫قال‪ :‬في هذه اآلية بيان أن هللا سبحانه وضع هذه الشهور وسماها بأسمائها‬ ‫‪-‬‬
‫على هذا الترتيب المعروف يوم خلق السماوات واألرض‪.‬‬
‫{َٰذ ِلَك الِّد يُن اْلَقِّيُم } أي كون هذه الشهور كذلك منها أربعة حرم هو الدين‬ ‫‪-‬‬
‫المستقيم والحساب الصحيح والعدد الُم ستوفى‪.‬‬
‫قال‪َ{ :‬فاَل َتْظِلُم وا ِفيِهَّن َأنُفَس ُك ْم } أي في هذه األشهر الحرم في بإيقاع القتال‬ ‫‪-‬‬
‫فيها وانتهاك حرمتها‪.‬‬
‫ثم قال‪َ{ :‬و َقاِتُلوا اْلُم ْش ِرِكيَن َك اَّفًة َك َم ا ُيَقاِتُلوَنُك ْم َك اَّفًة}‪ :‬قال وفيه دليل على‬ ‫‪-‬‬
‫وجوب ِقتال المشركين وأنه فرض على األعيان إن لم يقم به البعض‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪ :‬اآلية الخامسة عشرة‪:‬‬


‫قال تعالى‪{ :‬انِفُر وا ِخ َفاًفا َو ِثَقااًل َو َج اِهُدوا ِبَأْمَو اِلُك ْم َو َأنُفِس ُك ْم ِفي َس ِبيِل ِهَّللاۚ ‬
‫َٰذ ِلُك ْم َخ ْيٌر َّلُك ْم ِإن ُك نُتْم َتْع َلُم وَن } [التوبة‪]٤١ :‬‬

‫‪ -‬انفروا حال كونكم خفاًفا وثقاال‪.‬‬


‫‪َ{ -‬و َج اِهُد وا ِبَأْم َو اِلُك ْم َو َأنُفِس ُك ْم ِفي َس ِبيِل ِهَّللا}‪ :‬األمر بالجهاد باألموال‬
‫واألنفس وإيجابه على العباد فالفقراء يجاهدون بأنفسهم‪ ،‬واألغنياء بأموالهم‬
‫وأنفسهم‪.‬‬
‫‪ -‬والجهاد من آكد الفرائض وأعظمها‪ ،‬وهو فرض كفاية مهما كان البعض‬
‫يقوم بجهاد العدو ويدفعه فإن كان ال يقوم إال جميع المسلمين في ُقطر من‬
‫األرض أو أقطار وجب عليهم ذلك وجوب عين‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪ :‬اآليتان السادسة والسابعة عشرة‪:‬‬


‫قال تعالى‪{ :‬اَل َيْس َتْأِذ ُنَك اَّلِذ يَن ُيْؤ ِم ُنوَن ِباِهَّلل َو اْلَيْو ِم اآْل ِخ ِر َأن ُيَج اِهُدوا‬
‫ِبَأْمَو اِلِهْم َو َأنُفِس ِهْم ۗ َوُهَّللا َع ِليٌم ِباْلُم َّتِقيَن (‪ِ )٤٤‬إَّنَم ا َيْس َتْأِذ ُنَك اَّلِذ يَن اَل ُيْؤ ِم ُنوَن‬
‫ِباِهَّلل َو اْلَيْو ِم اآْل ِخ ِر َو اْر َتاَبْت ُقُلوُبُهْم َفُهْم ِفي َرْيِبِهْم َيَتَر َّدُدوَن (‪[ })٤٥‬التوبة‪:‬‬
‫‪]٤٥-٤٤‬‬

‫‪250‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬ومعناه أنه ال يستأذنك المؤمنون في الجهاد بل دأبهم أنُ يبادروا إليه من‬
‫غير توقف وال ارتقاب منهم لُو قوع األذن منك فضًال عن أن يستأذنوك في‬
‫التخلف‪ ،‬إنما يستأذنك في القعود عن الجهاد والتخلف عنه الذين ال يؤمنون‬
‫باهلل واليوم اآلخر وهم المنافقون‪.‬‬
‫‪ -‬وَذ كر اإليمان باهلل أواًل ثم باليوم اآلخر ثانًيا في الموضعين ألنهما الباعثان‬
‫على الجهاد في سبيل هللا‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪ :‬اآلية الثامنة عشرة‪:‬‬


‫قال تعالى‪ِ{ :‬إَّنَم ا الَّص َد َقاُت ِلْلُفَقَر اِء َو اْلَم َس اِكيِن َو اْلَعاِمِليَن َع َلْيَها َو اْلُم َؤ َّلَفِة‬
‫ُقُلوُبُهْم َو ِفي الِّر َقاِب َو اْلَغاِرِم يَن َو ِفي َس ِبيِل ِهَّللا َو اْبِن الَّس ِبيِل ۖ َفِريَض ًة ِّم َن ِهَّللاۗ ‬
‫َوُهَّللا َع ِليٌم َح ِكيٌم } [التوبة‪]٦٠ :‬‬

‫‪ِ{ -‬إَّنَم ا الَّص َد َقاُت } إنما من صيغ القصر أي جنس هذه الصدقات مقصورة‬
‫على األصناف اآلتية ال تتجاوزها بل هي لهم ال لغيرهم‪.‬‬

‫وقد اختلف أهل العلم هل يجب تقسيط الصدقات على هذه األصناف الثمانية‬
‫أو يجوز صرفها إلى البعض دون بعض على حسب ما يرى اإلمام أو‬
‫صاحب الصدقة؟‬
‫‪ ‬فذهب إلى األول الشافعي أي إلى تقسطيها‪.‬‬
‫‪ ‬وذهب إلى الثاني الجماهير‪.‬‬
‫‪ ‬والراجح وهللا أعلم قول جماهير أهل العلم‪.‬‬

‫‪ -‬قال‪ِ{ :‬إَّنَم ا الَّص َد َقاُت ِلْلُفَقَر اِء َو اْلَم َس اِكيِن } قال قدمهم ألنهم أحوج من البقية‬
‫على المشهور لشدة فاقتهم وحاجتهم‪.‬‬

‫وقد اختلف أهل العلم في الفرق بين الفقير والمسكين على أقوال‪:‬‬
‫‪ ‬قال بعضهم إن الفقير أحسن حااًل من المسكين‪ ،‬ألن الفقير هو الذي له‬
‫بعض ما يكفيه وُيقيمه‪ ،‬والمسكين الذي شيء له‪.‬‬

‫‪251‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ ‬وقال بعض أهل العلم العكس؛ فجعلوا المسكين أحسن حااًل من الفقير‪،‬‬
‫‪ ‬وهذا هو الراجح وهللا أعلم‪.‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬و اْلَع اِمِليَن َع َلْيَها} أي الُسعاة الذين ُيَنفقهم اإلمام لتحصيل الزكاة‬
‫فإنهم يستحقون منها قسًطا‪.‬‬

‫واختلف في القدر الذي يأخذونه منها‪:‬‬


‫‪ ‬فقيل الثمن‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل على قدر أعمالهم‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل ُيعطون من بيت المال على قدر ُأجرتهم‪.‬‬

‫ثم قال‪َ{ :‬و اْلُم َؤ َّلَفِة ُقُلوُبُهْم } قوم كانوا في صدر اإلسالم يعني ُيتألفون‬ ‫‪-‬‬
‫بالعطاء فأسلموا وأظهروا اإلسالم فيعطوا لتأليف قلوبهم‪ ،‬وقيل من أسلم من‬
‫اليهود والنصارى‪ ،‬وقيل قوم من عظماء المشركين ولهم أتباع‪.‬‬
‫ثم قال‪َ{ :‬و ِفي الِّر َقاِب } أي في فكها بأن يشتري ِرقاًبا ثم ُيعتقها‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ثم قال‪َ{ :‬و اْلَغ اِرِم يَن } وهم الذين ركبتهم الديون وال وفاء عندهم بها‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫وال خالف في ذلك إال من لزمه دين في سفاهة فإنه ال ُيعطى منها وال من‬
‫غيرها‪.‬‬
‫ثم قال‪َ{ :‬و ِفي َس ِبيِل ِهَّللا} وهم الغزاة المرابطون يعطون من الصدقة ما‬ ‫‪-‬‬
‫ينفقون في غزوهم ومرابطتهم وإن كانوا أغنياء‪.‬‬
‫ثم قال‪َ{ :‬و اْبِن الَّس ِبيِل } وهو المسافر الذي انقطعت به األسباب في سفره‬ ‫‪-‬‬
‫عن بلده وُم ستقره فإنه يعطى منها وإن كان غنًيا في بلده وإن وجد من‬
‫ُيسلفه‪.‬‬
‫ثم قال‪َ{ :‬فِريَض ًة ِّم َن ِهَّللا} يعني هذه الصدقات المقصورة على هذه‬ ‫‪-‬‬
‫األصناف هي حكم الزم فرًض ا هلل على عباده نهاهم عن مجاوزته‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪ :‬اآلية التاسعة عشرة‪:‬‬

‫‪252‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫قال تعالى‪َ{ :‬يا َأُّيَها الَّنِبُّي َج اِهِد اْلُك َّفاَر َو اْلُم َناِفِقيَن َو اْغ ُلْظ َع َلْيِهْم ۚ َو َم ْأَو اُهْم‬
‫َج َهَّنُم ۖ َو ِبْئَس اْلَم ِص يُر } [التوبة‪]٧٣ :‬‬

‫‪ -‬قال األمر بهذا الجهاد أمر ألمته صلى هللا عليه وسلم من بعده‪ ،‬وجهاد‬
‫الكفار بِقتالهم حتى ُيسلموا‪ ،‬وجهاد المنافقين يكون بإقامة الحجة عليهم حتى‬
‫يخرجوا عنه ويؤمنوا باهلل وحده وبالنبي صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬و اْغ ُلْظ َع َلْيِهْم } يعني الغلظة وهو نقيض الرأفة‪ ،‬وهو شدة القلب‬
‫وخشونة الجانب‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪ :‬اآلية العشرون‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬فِإن َّرَج َعَك ُهَّللا ِإَلى َطاِئَفٍة ِّم ْنُهْم َفاْس َتْأَذ ُنوَك ِلْلُخ ُر وِج َفُقل َّلن‬
‫َتْخ ُرُج وا َم ِع َي َأَبًد ا َو َلن ُتَقاِتُلوا َم ِع َي َعُد ًّو اۖ ِإَّنُك ْم َرِض يُتم ِباْلُقُعوِد َأَّو َل َم َّرٍة‬
‫َفاْقُعُدوا َم َع اْلَخ اِلِفيَن } [التوبة‪]٨٣ :‬‬

‫قال‪َ{ :‬فِإن َّر َجَع َك ُهَّللا ِإَلى َطاِئَفٍة ِّم ْنُهْم } ألن جميع من أقام بالمدينة لم يكونوا‬ ‫‪-‬‬
‫منافقين بل كان فيهم غيرهم المؤمنين لهم أعذار صحيحة‪ ،‬وفيهم من‬
‫المؤمنين من ال عذر له ثم عفا عنهم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وتاب‬
‫هللا عليهم كالثالثة الذين ُخ لفوا‪ ،‬وقيل إنما قال‪ِ{ :‬إَلى َطاِئَفٍة } ألن منهم من‬
‫تاب على النفاق وندم على التخلف‪.‬‬
‫قال‪َ{ :‬فاْسَتْأَذُنوَك ِلْلُخ ُروِج } يعني معك في غزوة أخرى بعد غزوتك هذه‬ ‫‪-‬‬
‫فقل لهم‪َ{ :‬فُقل َّلن َتْخ ُرُجوا َم ِع َي َأَبًد ا َو َلن ُتَقاِتُلوا َم ِع َي َع ُد ًّو ا}‪ ،‬أي قل لهم‬
‫ذلك عقوبة لهم‪.‬‬
‫ثم قال‪ِ{ :‬إَّنُك ْم َرِض يُتم ِباْلُقُعوِد َأَّو َل َم َّر ٍة } أي لن تخرجوا معي ولن تقاتلوا‬ ‫‪-‬‬
‫ألنكم رضيتم بالقعود والتخلف أول مرة وهي غزوة تبوك‪.‬‬
‫قال‪َ{ :‬فاْقُع ُد وا َم َع اْلَخ اِلِفيَن } يعني تخلفوا مع من تخلف عن الخروج‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫۞ ثم قال‪ :‬اآلية الحادية والعشرون‪:‬‬

‫‪253‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫قال‪َ{ :‬و اَل ُتَص ِّل َع َلى َأَح ٍد ِّم ْنُهم َّم اَت َأَبًد ا َو اَل َتُقْم َع َلى َقْبِرِهۖ ِإَّنُهْم َك َفُر وا ِباِهَّلل‬
‫َو َرُس وِلِه َو َم اُتوا َو ُهْم َفاِس ُقوَن } [التوبة‪]٨٤ :‬‬

‫‪َ{ -‬و اَل ُتَص ِّل َع َلى َأَحٍد ِّم ْنُهم َّم اَت } يعني ال تصِّل على أحد من الكفار أو من‬
‫المنافقين‪.‬‬
‫‪َ{ -‬و اَل َتُقْم َع َلى َقْبِرِه } يعني الرسول صلى هللا عليه وسلم كان إذا دفن الميت‬
‫وقف على قبره ودعا له فُم نع ها هنا منه‪ ،‬وقيل معناه ال تقم بُم همات إصالح‬
‫قبره‪.‬‬
‫‪ -‬ثم قال‪ِ{ :‬إَّنُهْم َك َفُروا} يعني ال تصلي على جنازتهم وال تقم على قبرهم‬
‫ألنهم كفروا باهلل وبرسوله صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪ :‬اآليات الثانية والثالثة والرابعة والعشرون‪:‬‬


‫قال تعالى‪َّ{ :‬لْيَس َع َلى الُّض َعَفاِء َو اَل َع َلى اْلَم ْر َض ى َو اَل َع َلى اَّلِذ يَن اَل َيِج ُدوَن‬
‫َم ا ُينِفُقوَن َح َرٌج ِإَذ ا َنَصُح وا ِهَّلِل َو َرُس وِلِهۚ َم ا َع َلى اْلُم ْح ِس ِنيَن ِم ن َس ِبيٍل ۚ َوُهَّللا‬
‫َغُفوٌر َّر ِح يٌم (‪َ )٩١‬و اَل َع َلى اَّلِذ يَن ِإَذ ا َم ا َأَتْو َك ِلَتْح ِم َلُهْم ُقْلَت اَل َأِج ُد َم ا َأْح ِم ُلُك ْم‬
‫َع َلْيِه َتَو َّلوا َّو َأْع ُيُنُهْم َتِفيُض ِم َن الَّد ْم ِع َح َز ًنا َأاَّل َيِج ُدوا َم ا ُينِفُقوَن (‪ِ )٩٢‬إَّنَم ا‬
‫الَّس ِبيُل َع َلى اَّلِذ يَن َيْس َتْأِذ ُنوَنَك َو ُهْم َأْغ ِنَياُء ۚ َرُض وا ِبَأن َيُك وُنوا َم َع اْلَخ َو اِلِف‬
‫َو َطَبَع ُهَّللا َع َلى ُقُلوِبِهْم َفُهْم اَل َيْع َلُم وَن (‪[ })٩٣‬التوبة‪]٩٣-٩١ :‬‬

‫قال‪َّ{ :‬لْيَس َع َلى الُّض َع َفاِء } وهم أرباب الزمانة والهرم والعرج يعني أرباب‬ ‫‪-‬‬
‫األمراض المزمنة‪.‬‬
‫{َو اَل َع َلى اْلَم ْر َض ى} والمريض كل ما يصدق عليه اسم المرض شرعا‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{َو اَل َع َلى اَّلِذ يَن اَل َيِج ُد وَن َم ا ُينِفُقوَن } يعني ليست لهم أموال ينفقونها فيما‬ ‫‪-‬‬
‫يحتاجون إليه من التجهيز للجهاد؛ فنفى سبحانه عنهم أن يكون عليهم حرج‬
‫وأبان أن الجهاد مع هذه األعذار ساقط عنهم غير واجب عليهم مقيًد ا‬
‫بقوله‪ِ{ :‬إَذ ا َنَص ُحوا} يعني أخلصوا‬ ‫‪-‬‬
‫والنصح هلل اإليمان به‪ ،‬والعمل بشريعته وترك ما يخالفها كائنا ما كان‬ ‫‪-‬‬

‫‪254‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫ونصيحة رسوله صلى هللا عليه وسلم التصديق بنبوته وبما جاء به وطاعته‬ ‫‪-‬‬
‫في كل ما يأمر به أو ينهى عنه‪ ،‬ومواالة من وااله‪ ،‬وُم عاداة من عاداه‪،‬‬
‫ومحبته وتعظيم سنته وإحياؤها بعد موته بما تبلغ إليه القدرة‪.‬‬
‫ثم قال‪َ{ :‬م ا َع َلى اْلُم ْح ِس ِنيَن ِم ن َس ِبيٍل } أي ليس على المعذورين الناصحين‬ ‫‪-‬‬
‫طريق عقاب ومؤاخذة‪.‬‬
‫ثم قال‪َ{ :‬و اَل َع َلى اَّلِذ يَن ِإَذ ا َم ا َأَتْو َك ِلَتْح ِم َلُهْم } أي على ما يركبون عليه في‬ ‫‪-‬‬
‫الغزو‬
‫{ُقْلَت اَل َأِج ُد َم ا َأْح ِم ُلُك ْم َع َلْيِه َتَو َّلوا َّو َأْع ُيُنُهْم َتِفيُض ِم َن الَّد ْم ِع} أي يبكون‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{ َأاَّل َيِج ُد وا َم ا ُينِفُقوَن } ال عند أنفسهم وال عندك‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{ِإَّنَم ا الَّس ِبيُل} أي المؤاخذة‬ ‫‪-‬‬
‫{َع َلى اَّلِذ يَن َيْسَتْأِذ ُنوَنَك } في التخلف عن الغزو‬ ‫‪-‬‬
‫{َو ُهْم َأْغ ِنَياُء } أي يجدون ما يحملهم وما يتجهزون به‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{َر ُضوا ِبَأن َيُك وُنوا َم َع اْلَخ َو اِلِف َو َطَبَع ُهَّللا َع َلى ُقُلوِبِهْم } أي أن سبب‬ ‫‪-‬‬
‫االستئذان مع الغنى أمران‪:‬‬
‫‪ ‬أحدهما الرضا بالصفقة الخاسرة وهي أن يكونوا مع الخوالف‪.‬‬
‫‪ ‬والثاني الطبع من هللا على قلوبهم فهم بسبب هذا الطبع {اَل َيْع َلُم وَن } ما‬
‫فيه الربح لهم حتى يختاروه على ما فيه الُخ سر‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪ :‬اآلية الخامسة والعشرون‪:‬‬


‫قال تعالى‪ُ{ :‬خ ْذ ِم ْن َأْمَو اِلِهْم َص َد َقًة ُتَطِّهُر ُهْم َو ُتَز ِّك يِهم ِبَها َو َص ِّل َع َلْيِهْم ۖ ِإَّن‬
‫َص اَل َتَك َس َك ٌن َّلُهْم ۗ َوُهَّللا َسِم يٌع َع ِليٌم } [التوبة‪]١٠٣ :‬‬

‫‪ُ{ -‬خ ْذ ِم ْن َأْم َو اِلِهْم َص َد َقًة}‪:‬‬

‫اختلف أهل العلم في هذه الصدقة المأمور بها‪:‬‬


‫‪ ‬فقيل هي صدقة الفرض‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل هي مخصوصة لهذه الطائفة المعترفين بذنوبهم ألنهم بعد التوبة‬
‫عليهم عرضوا أموالهم على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فنزلت اآلية‪.‬‬

‫‪255‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪ِ{ :‬إَّن َص اَل َتَك َس َكٌن َّلُهْم } أي ما تسكن إليه النفس وتطمئن به‪.‬‬

‫۞ قال‪ :‬اآلية السادسة والعشرون‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬م ا َك اَن ِللَّنِبِّي َو اَّلِذ يَن آَم ُنوا َأن َيْس َتْغ ِفُر وا ِلْلُم ْش ِرِكيَن َو َلْو َك اُنوا‬
‫ُأوِلي ُقْر َبى ِم ن َبْع ِد َم ا َتَبَّيَن َلُهْم َأَّنُهْم َأْص َح اُب اْلَج ِح يِم } [التوبة‪]١١٣ :‬‬

‫‪{ -‬ما كان} في القرآن تأتي على وجهين‪ :‬األول‪ :‬النفي‪ ،‬والثاني‪ :‬النهي‪.‬‬
‫وقد جاءت هنا على سبيل النهي‪.‬‬
‫‪َ{ -‬م ا َك اَن ِللَّنِبِّي َو اَّلِذ يَن آَم ُنوا َأن َيْسَتْغ ِفُروا ِلْلُم ْش ِرِكيَن } فإن القرابة في مثل‬
‫هذا الحكم ال تأثير لها وهذه اآلية متضمنة لقطع المواالة للكفار وتحريم‬
‫االستغفار لهم والدعاء بما ال يجوز لمن كان كافرا‪.‬‬
‫‪ِ{ -‬م ن َبْع ِد َم ا َتَبَّيَن َلُهْم َأَّنُهْم َأْص َح اُب اْلَجِح يِم } والمعنى أن هذا التبيين موجب‬
‫لقطع المواالة لمن كان هكذا وعدم االعتداد بالقرابة ألنهم ماتوا على‬
‫الشرك‪.‬‬
‫وقد قال سبحانه‪ِ{ :‬إَّن َهَّللا اَل َيْغ ِفُر َأن ُيْش َر َك ِبِه} [النساء‪،]٤٨ :‬‬
‫فطلب المغفرة لهم في حكم المخالفة لوعد هللا ووعيده‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪ :‬اآلية السابعة والعشرون‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬و َم ا َك اَن اْلُم ْؤ ِم ُنوَن ِلَينِفُر وا َك اَّفًةۚ َفَلْو اَل َنَفَر ِم ن ُك ِّل ِفْر َقٍة ِّم ْنُهْم‬
‫َطاِئَفٌة ِّلَيَتَفَّقُهوا ِفي الِّديِن َو ِلُينِذُر وا َقْو َم ُهْم ِإَذ ا َرَج ُعوا ِإَلْيِهْم َلَعَّلُهْم َيْح َذ ُر وَن }‬
‫[التوبة‪]١٢٢ :‬‬

‫‪ -‬قال‪َ{ :‬و َم ا َك اَن اْلُم ْؤ ِم ُنوَن ِلَينِفُروا َك اَّفًة}‬

‫اختلف المفسرون في معناها‪:‬‬


‫‪ ‬فذهب جماعة إلى أنه من بقية أحكام الجهاد ألنه سبحانه لما بالغ في‬
‫األمر بالجهاد واالنتداب إلى الغزو كان المسلمون إذا بعث رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم سرية إلى الكفار ينفرون جميعا ويتركون المدينة‬

‫‪256‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫خالية فأخبرهم سبحانه بأنه ما كان لهم ذلك أي ما صح لهم وال استقام أن‬
‫ينفروا جميعا‪.‬‬
‫‪َ{ -‬فَلْو اَل َنَفَر ِم ن ُك ِّل ِفْر َقٍة ِّم ْنُهْم َطاِئَفٌة ِّلَيَتَفَّقُهوا ِفي الِّد يِن } والمعنى أن طائفة‬
‫من هذه الفرقة تخرج إلى الغزو ومن بقي من الفرقة يقفون لطلب العلم‬
‫ويعلمون الُغ زاة إذا رجعوا إليهم من الغزو‪ ،‬أو يذهبون في طلبه إلى المكان‬
‫الذي يجدون فيه من يتعلمون منه ليأخذوا عنه الفقه في الدين‪.‬‬
‫‪َ{ -‬و ِلُينِذ ُروا َقْو َم ُهْم ِإَذ ا َرَج ُعوا ِإَلْيِهْم } قال‪ :‬ففيه إشارة إلى أنه ينبغي أن يكون‬
‫غرض المتعلم االستقامة وتبليغ الشريعة‪.‬‬

‫‪ ‬وذهب آخرون إلى أن هذه اآلية ليست من بقية أحكام الجهاد؛ بل هي‬
‫حكم مستقل بنفسه في مشروعية الخروج لطلب العلم في التفقه في الدين‬
‫جعله هللا سبحانه وتعالى متصاًل بما دل على إيجاب الخروج إلى الجهاد‬
‫فيكون السفر نوعين‪ :‬األول سفر الجهاد‪ ،‬والثاني‪ :‬السفر لطلب العلم‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪ :‬اآلية الثامنة والعشرون‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬يا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا َقاِتُلوا اَّلِذ يَن َيُلوَنُك م ِّم َن اْلُك َّفاِر َو ْلَيِج ُدوا ِفيُك ْم‬
‫ِغ ْلَظًةۚ َو اْع َلُم وا َأَّن َهَّللا َم َع اْلُم َّتِقيَن } [التوبة‪]١٢٣ :‬‬

‫‪ -‬أمر سبحانه المؤمنين بأن يجاهدوا في مقاتلة من يليهم من الكفار في الدار‬


‫والبالد والنسب‪ ،‬وأن يأخذوا في حربهم بالغلظة والشدة‪ ،‬والجهاد واجب‬
‫لكل الكفار وإن كان االبتداء بمن يلي المجاهدين منهم أهم وأقدم ثم األقرب‬
‫فاألقرب‪.‬‬

‫‪ ‬سورة هود ‪‬‬

‫‪ -‬وآياتها مائة وثالث وعشرون آية وهي مكية‪.‬‬

‫۞ قال‪ :‬اآلية األولى‪:‬‬

‫‪257‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫{َو اَل َتْر َك ُنوا ِإَلى اَّلِذ يَن َظَلُم وا َفَتَم َّس ُك ُم الَّناُر َو َم ا َلُك م ِّم ن ُدوِن ِهَّللا ِم ْن َأْو ِلَياَء ُثَّم‬
‫اَل ُتنَصُر وَن } [هود‪]١١٣ :‬‬

‫‪ -‬والركون هو مطلق الميل والسكون‪.‬‬

‫وقد اختلف األئمة من المفسرين في هذه اآلية‪ ،‬هل هي خاصة بالمشركين أم‬
‫لكل ظالم؟‬
‫فقيل إنها عامة في الظلمة‪ ،‬وقيل إنها خاصة في المشركين‪.‬‬
‫‪ -‬ثم قال بعد كالم طويل‪ :‬فمن ابتلي بمخالطة من فيه ظلم فعليه أن يزن أقواله‬
‫وأفعاله وما يأتي وما يذر بميزان الشرع فإن زاغ عن ذلك "فعلى نفسها‬
‫براقش تجني"‪ ،‬ومن قدر على الفرار منهم قبل أن يؤمر من جهتهم بأمر‬
‫يجب عليه طاعته فهو األولى واألليق به‪.‬‬
‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬فَتَم َّس ُك ُم الَّناُر} بسبب هذا الركون إليهم‪.‬‬
‫وفيه إشارة إلى أن الظلمة أهل النار أو كالنار‪ ،‬ومصاحبة النار توجب ال‬
‫محالة مس النار‪.‬‬

‫‪ ‬سورة النحل ‪‬‬

‫‪ -‬وآياتها مائة وثمان وعشرون آية‪ ،‬قال‪ :‬هي مكية‪.‬‬

‫۞ قال‪ :‬اآلية األولى‪:‬‬


‫قال‪َ{ :‬و ِم ن َثَم َر اِت الَّنِخ يِل َو اَأْلْع َناِب َتَّتِخ ُذ وَن ِم ْنُه َس َك ًر ا َو ِرْز ًقا َح َس ًناۗ ِإَّن ِفي‬
‫َٰذ ِلَك آَل َيًة ِّلَقْو ٍم َيْع ِقُلوَن } [النحل‪]٦٧ :‬‬

‫‪ -‬قال‪َ{ :‬و ِم ن َثَم َر اِت الَّنِخ يِل َو اَأْلْع َناِب َتَّتِخ ُذ وَن ِم ْنُه َس َك ًرا } وهو ما ُيسكر من‬
‫الخمر‪.‬‬
‫‪َ{ -‬و ِرْز ًقا َحَس ًنا} وهو جميع ما يؤكل من هاتين الشجرتين كالتمر والزبيب‬
‫والخل‪ ،‬وكان نزول هذه اآلية قبل تحريم الخمر‪.‬‬

‫‪258‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫۞ ثم اآلية الثانية‪:‬‬
‫قال تعالى‪َ{ :‬و اَل َتَّتِخ ُذ وا َأْيَم اَنُك ْم َد َخ اًل َبْيَنُك ْم َفَتِزَّل َقَد ٌم َبْعَد ُثُبوِتَها َو َتُذ وُقوا‬
‫الُّس وَء ِبَم ا َص َد دُّتْم َع ن َس ِبيِل ِهَّللاۖ َو َلُك ْم َع َذ اٌب َع ِظ يٌم } [النحل‪]٩٤ :‬‬

‫‪ -‬قال تعالى‪َ{ :‬و اَل َتَّتِخ ُذ وا َأْيَم اَنُك ْم َد َخ اًل َبْيَنُك ْم } وهي أيمان البيعة‪.‬‬
‫‪َ{ -‬فَتِزَّل َقَد ٌم َبْع َد ُثُبوِتَها} قال من المبالغة وبما في قوله‪َ{ :‬و َتُذ وُقوا الُّسوَء ِبَم ا‬
‫َص َد دُّتْم َع ن َس ِبيِل ِهَّللاۖ َو َلُك ْم َع َذ اٌب َع ِظ يٌم } ألنهم إذا نقضوا العهد مع رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم صدوا غيرهم عن الدخول في اإلسالم‪ ،‬وعلى تسليم‬
‫أن هذه األيمان مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم هي سبب نزول هذه‬
‫اآلية فاالعتبار بعموم اللفظ ال بخصوص السبب‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪ :‬اآلية الثالثة‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬فِإَذ ا َقَر ْأَت اْلُقْر آَن َفاْس َتِع ْذ ِباِهَّلل ِم َن الَّش ْيَطاِن الَّر ِج يِم } [النحل‪:‬‬
‫‪.]٩٨‬‬

‫‪ -‬أي إذا أردت قراءة القرآن {َفاْسَتِع ْذ ِباِهَّلل ِم َن الَّش ْيَطاِن الَّر ِج يِم } أي من‬
‫وساوسه‪.‬‬
‫‪ -‬وتخصيص قراءة القرآن من بين األعمال الصالحات باالستعاذة عند إرادتها‬
‫للتنبيه على أنها كسائر األعمال الصالحات عند إرادتها لهم ألنه إذا وقع‬
‫األمر بها عند قراءة القرآن الذي ال يأتيه الباطل من بين يديه وال من خلفه‬
‫كانت عند إرادة غيرها أوفى‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪ :‬اآلية الرابعة‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬و َم ن َك َفَر ِباِهَّلل ِم ن َبْع ِد ِإيَم اِنِه ِإاَّل َم ْن ُأْك ِرَه َو َقْلُبُه ُم ْطَم ِئٌّن ِباِإْل يَم اِن‬
‫َو َلِكن َّم ن َش َرَح ِباْلُك ْفِر َص ْد ًر ا َفَعَلْيِهْم َغ َضٌب ِّم َن ِهَّللا َو َلُهْم َع َذ اٌب َع ِظ يٌم }‬
‫[النحل‪]١٠٦ :‬‬

‫‪259‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬قال‪ :‬أجمع أهل العلم أن ُأكره على الكفر حتى خشي على نفسه القتل أنه ال‬
‫إثم عليه إن كفر وقلبه ُم طمئن باإليمان‪ ،‬وال تبين منه زوجته‪ ،‬وال يحكم‬
‫عليه بحكم الكفر‪.‬‬
‫‪َ{ -‬و َلِكن َّم ن َش َرَح ِباْلُك ْفِر َص ْد ًر ا } أي اختاره وطابت به نفسه‪.‬‬
‫‪َ{ -‬فَع َلْيِهْم َغ َض ٌب ِّم َن ِهَّللا} ليس بعد هذا الوعيد العظيم وهو الجمع للمرتدين‬
‫بين غضب هللا وِع ظم عذابه بقوله‪َ{ :‬و َلُهْم َع َذ اٌب َع ِظ يٌم } وعيد‪.‬‬
‫۞ قال‪ :‬اآلية الخامسة‪:‬‬
‫قال تعالى‪َ{ :‬و اَل َتُقوُلوا ِلَم ا َتِص ُف َأْلِس َنُتُك ُم اْلَك ِذَب َهَذ ا َح اَل ٌل َو َهَذ ا َح َر اٌم‬
‫ِّلَتْفَتُر وا َع َلى ِهَّللا اْلَك ِذَب ۚ ِإَّن اَّلِذ يَن َيْفَتُر وَن َع َلى ِهَّللا اْلَك ِذَب اَل ُيْفِلُح وَن } [النحل‪:‬‬
‫‪]١١٦‬‬

‫‪ -‬قال‪َ{ :‬و اَل َتُقوُلوا ِلَم ا َتِص ُف َأْلِس َنُتُك ُم اْلَك ِذَب َهَذ ا َح اَل ٌل َو َهَذ ا َحَر اٌم } أي ال‬
‫تقولوا الكذب ألجل وصف ألسنتكم‪ ،‬ومعناه ال تحللوا وال تحرموا ألجل قول‬
‫تنطق به ألسنتكم من غير ُحجة‪.‬‬
‫‪ِّ{ -‬لَتْفَتُروا َع َلى ِهَّللا اْلَك ِذَب } أي فيعقب ذلك افتراؤكم على هللا الكذب بالتحليل‬
‫والتحريم‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪ :‬اآلية السادسة‪:‬‬


‫قال تعالى‪{ :‬اْدُع ِإَلى َس ِبيِل َرِّبَك ِباْلِح ْك َم ِة َو اْلَم ْو ِع َظِة اْلَح َس َنِةۖ َو َج اِد ْلُهم ِباَّلِتي‬
‫ِهَي َأْح َس ُن ۚ ِإَّن َرَّبَك ُهَو َأْع َلُم ِبَم ن َض َّل َع ن َس ِبيِلِهۖ َو ُهَو َأْع َلُم ِباْلُم ْه َتِد يَن }‬
‫[النحل‪]١٢٥ :‬‬

‫‪ -‬قال‪{ :‬اْدُع ِإَلى َس ِبيِل َر ِّبَك } يعني إلى الناس كافة‪ ،‬وسبيل هللا هو اإلسالم‪.‬‬
‫‪ِ{ -‬باْلِح ْك َم ِة } أي بالمقالة الُم حكمة الصحيحة‪.‬‬
‫‪َ{ -‬و اْلَم ْو ِع َظِة اْلَحَس َنِة} وهي المقالة الُم شتملة على الموعظة الحسنة التي‬
‫يستحسنها السامع‪.‬‬

‫‪260‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪َ{ -‬و َج اِد ْلُهم ِباَّلِتي ِهَي َأْح َس ُن } أي بالطريق بالتي هي أحسن طرق المجادلة‪،‬‬
‫وإنما أمر هللا سبحانه بالمجادلة الحسنة لكون الداعي ُم حًقا وغرضه صحيح‬
‫وكان خصمه ُم بطال وغرضه فاسدا‪.‬‬

‫۞ قال‪ :‬اآلية السابعة‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬وِإْن َع اَقْبُتْم َفَعاِقُبوا ِبِم ْثِل َم ا ُعوِقْبُتم ِبِهۖ َو َلِئن َصَبْر ُتْم َلُهَو َخ ْيٌر‬
‫ِّللَّص اِبِريَن } [النحل‪]١٢٦ :‬‬
‫‪ -‬قال‪َ{ :‬و ِإْن َع اَقْبُتْم َفَع اِقُبوا ِبِم ْثِل َم ا ُع وِقْبُتم ِبِهۖ } أي بمثل ما ُفعل بكم ال‬
‫ُتجاوزا ذلك‪.‬‬
‫‪َ{ -‬و َلِئن َصَبْر ُتْم َلُهَو َخ ْيٌر ِّللَّصاِبِريَن } أي لئن صبرتم عن المعاقبة بالمثل‬
‫فالصبر خير لكم من االنتصار‪.‬‬

‫‪ ‬سورة اإلسراء ‪‬‬

‫‪ -‬وهي مائة وإحدى عشرة آية‪ ،‬وهي مكية إال ثالث آيات‪.‬‬

‫۞ قال‪ :‬اآلية األولى‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬و اَل َتْج َعْل َيَدَك َم ْغُلوَلًة ِإَلى ُع ُنِقَك َو اَل َتْبُس ْطَها ُك َّل اْلَبْس ِط َفَتْقُعَد‬
‫َم ُلوًم ا َّم ْح ُس وًر ا} [اإلسراء‪]٢٩ :‬‬

‫‪ -‬قال‪َ{ :‬و اَل َتْج َع ْل َيَدَك َم ْغ ُلوَلًة ِإَلى ُع ُنِقَك َو اَل َتْبُس ْطَها ُك َّل اْلَبْس ِط } هذا النهي‬
‫يتناول كل ُم كلف‪ ،‬وقد وجه الخطاب للنبي صلى هللا عليه وسلم تعريفا‬
‫لألمة وتعليما لهم وإن كان الخطاب لكل من يصلح له من المكلفين‪.‬‬
‫‪ -‬والمراد النهي لإلنسان أن يمسك إمساكا يصير به ُم ضيقا على نفسه وعلى‬
‫أهله وال ُيَو سع في اإلنفاق توسيعا ال حاجة إليه بحيث يكون به مسرفا‪ ،‬فهو‬
‫نهي عن جانبي اإلفراط والتفريط ويحصل من ذلك مشروعية التوسط وهو‬
‫العدل الذي ندب هللا إليه‪.‬‬
‫‪ -‬ثم قال‪{ :‬فَتْقُع َد َم ُلوًم ا} عند الناس بسبب ما أنت عليه من الشح‪.‬‬

‫‪261‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪َّ{ -‬م ْح ُسوًر ا} بسبب ما فعلته من اإلسراف أي ُم نقطًعا عن المقاصد بسبب‬


‫الفقر‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪ :‬اآلية الثانية‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬و اَل َتْقُتُلوا الَّنْفَس اَّلِتي َح َّر َم ُهَّللا ِإاَّل ِباْلَح ِّقۗ َو َم ن ُقِتَل َم ْظ ُلوًم ا َفَقْد‬
‫َج َعْلَنا ِلَو ِلِّيِه ُس ْلَطاًنا َفاَل ُيْس ِرف ِّفي اْلَقْتِل ۖ ِإَّنُه َك اَن َم نُص وًر ا} [اإلسراء‪]٣٣ :‬‬

‫{َو َم ن ُقِتَل َم ْظُلوًم ا} أي ال لسبب من األسباب الُم سوغة لقتله شرعا‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{َفَقْد َجَع ْلَنا ِلَو ِلِّيِه ُس ْلَطاًنا} أي لمن يلي أمره من ورثته إن كانوا موجودين‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫أو ممن له سلطان إن لم يكونوا موجودين‪.‬‬
‫والسلطان‪ :‬التسلط على القاتل إن شاء قتل‪ ،‬وإن شاء عفا‪ ،‬وإن شاء أخذ‬ ‫‪-‬‬
‫الدية‪.‬‬
‫{َفاَل ُيْس ِرف ِّفي اْلَقْتِل } أي ال يجاوز ما أباحه هللا له فيقتل الواحد واالثنين‬ ‫‪-‬‬
‫والجماعة أو ُيمثل بالقاتل أو يعذبه‬
‫{ِإَّنُه} أي الولي‬ ‫‪-‬‬
‫{َك اَن َم نُصوًرا} مؤيًد ا معاًنا‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫۞ ثم قال‪ :‬اآلية الثالثة‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬و اَل َتْقُف َم ا َلْيَس َلَك ِبِه ِع ْلٌم ۚ ِإَّن الَّس ْم َع َو اْلَبَصَر َو اْلُفَؤاَد ُك ُّل‬
‫ُأوَٰل ِئَك َك اَن َع ْنُه َم ْس ُئواًل } [اإلسراء‪]٣٦ :‬‬

‫‪َ{ -‬و اَل َتْقُف َم ا َلْيَس َلَك ِبِه ِع ْلٌم ۚ } أي تتبع ما ال تعلم من قولك قفوت فالنا إذا‬
‫اتبعت أثره‪ .‬ومعنى اآلية النهي عن أن يقول اإلنسان ما ال يعلم أو يعمل بما‬
‫ال علم له‪.‬‬
‫‪ -‬ثم قال {ِإَّن الَّس ْمَع َو اْلَبَصَر َو اْلُفَؤ اَد ُك ُّل ُأوَٰل ِئَك } وأجريت مجرى العقالء لما‬
‫كانت مسؤولة عن أحوالها شاهدة على أصحابها ‪.‬‬
‫‪ -‬ثم قال‪ُ{ :‬ك ُّل ُأوَٰل ِئَك َك اَن َع ْنُه َم ْس ُئواًل } ومعنى سؤال هذه الجوارح أنه يسأل‬
‫صاحبها عما استعملها فيه ألنها آالت‪.‬‬

‫‪262‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬والُم ستعمل هو الروح اإلنساني فإن استعملها في الخير استحق الثواب‪ ،‬وإن‬
‫استعملها في الشر استحق العقاب‪.‬‬
‫‪ -‬وقيل إن هللا سبحانه ُينطق األعضاء هذه عند سؤالها فتخبر عما فعله‬
‫صاحبها‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪ :‬اآلية الرابعة‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬و اَل َتْمِش ِفي اَأْلْر ِض َم َرًح اۖ ِإَّنَك َلن َتْخ ِر َق اَأْلْر َض َو َلن َتْبُلَغ‬
‫اْلِج َباَل ُطواًل } [اإلسراء‪.]٣٧ :‬‬

‫‪َ{ -‬و اَل َتْم ِش ِفي اَأْلْر ِض َم َر ًح ا} يعني ال تمِش متكبرا من شدة البطر واألشر‬
‫والفرح والفخر والخيالء‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪ :‬اآلية الخامسة‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬أِقِم الَّص اَل َة ِلُد ُلوِك الَّش ْمِس ِإَلى َغ َس ِق الَّلْيِل َو ُقْر آَن اْلَفْج ِرۖ ِإَّن‬
‫ُقْر آَن اْلَفْج ِر َك اَن َم ْش ُهوًد ا} [اإلسراء‪]٧٨ :‬‬

‫‪ -‬قال تعالى‪َ{ :‬أِقِم الَّص اَل َة ِلُد ُلوِك الَّش ْم ِس } قال قد أجمع المفسرون على أن‬
‫هذه الصالة المراد بها الصالة المفروضة‪.‬‬

‫ثم اختلف أهل العلم في الدلوك المذكور في هذه اآلية على قولين‪:‬‬
‫‪ ‬القول األول‪ :‬أنه زوال الشمس عن كبد السماء‪.‬‬
‫‪ ‬والقول الثاني‪ :‬أنه غروب الشمس‪.‬‬
‫‪ -‬والمعنى أقم الصالة من وقت دلوك الشمس إلى غسق الليل ويدخل فيه‬
‫الظهر والعصر‪ ،‬وصالة غسق الليل وهما العشاءان‪.‬‬
‫‪َ{ -‬و ُقْر آَن اْلَفْج ِر } هي صالة الصبح فهذه خمس صلوات إلى غسق الليل وهو‬
‫اجتماع الظلمة‪.‬‬

‫‪263‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬ثم قال‪ِ { :‬إَّن ُقْر آَن اْلَفْج ِر َك اَن َم ْش ُهوًد ا} أي تشهده مالئكة الليل ومالئكة‬
‫النهار‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪ :‬اآلية السادسة‪:‬‬


‫قال تعالى‪ُ{ :‬قِل اْدُعوا َهَّللا َأِو اْدُعوا الَّرْح َٰم َن ۖ َأًّيا َّم ا َتْدُعوا َفَلُه اَأْلْس َم اُء‬
‫اْلُح ْس َنىۚ َو اَل َتْج َهْر ِبَص اَل ِتَك َو اَل ُتَخ اِفْت ِبَها َو اْبَتِغ َبْيَن َٰذ ِلَك َس ِبياًل } [اإلسراء‪:‬‬
‫‪]١١٠‬‬
‫‪َ{ -‬و اَل َتْج َهْر ِبَص اَل ِتَك َو اَل ُتَخ اِفْت ِبَها} أي بقراءة صالتك يعني اجعل‬
‫قراءتك وسًطا بين خفض الصوت وارتفاعه‪.‬‬
‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬و اْبَتِغ َبْيَن َٰذ ِلَك َس ِبياًل } أي بين الجهر والُم خافتة يعني ابتغ بين ذلك‬
‫سبيال أي طريقا ُم ستويا بين األمرين فال تجهر بقراءتك وال تكن ُم خافتا بها‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪ :‬اآلية السابعة‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬و ُقِل اْلَح ْم ُد ِهَّلِل اَّلِذ ي َلْم َيَّتِخ ْذ َو َلًد ا َو َلْم َيُك ن َّلُه َش ِر يٌك ِفي اْلُم ْلِك َو َلْم‬
‫َيُك ن َّلُه َو ِلٌّي ِّم َن الُّذ ِّل ۖ َو َك ِّبْر ُه َتْك ِبيًر ا} [اإلسراء‪]١١١ :‬‬

‫ثم قال‪ :‬ولما أمر أال يذكر وال ينادى إال بأسمائه نبه على كيفية الحمد له‬ ‫‪-‬‬
‫فقال‪َ{ :‬و ُقِل اْلَحْم ُد ِهَّلِل اَّلِذ ي َلْم َيَّتِخ ْذ َو َلًد ا} كما يقوله اليهود والنص ومن قال‬
‫من المشركين إن المالئكة بنات هللا تعالى هللا عن ذلك علًو ا كبيرا‪.‬‬
‫{َو َلْم َيُك ن َّلُه َش ِريٌك ِفي اْلُم ْلِك } أي مشارك في ملكه وربوبيته‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{َو َلْم َيُك ن َّلُه َو ِلٌّي ِّم َن الُّذ ِّل } أي لم يحتج إلى مواالة أحد لذل يلحقه فهو‬ ‫‪-‬‬
‫مستغن عن الولي والنصير‪.‬‬
‫ثم قال‪َ{ :‬و َك ِّبْر ُه َتْك ِبيًر ا} أي عظمه تعظيما وصفه بأنه أعظم من كل شيء‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫🔶 أسئلة المحاضرة‪:‬‬

‫🔸السؤال األول‪:‬‬

‫‪264‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫ما المقصود بقوله سبحانه وتعالى‪ِ{ :‬إَّنَم ا اْلُم ْش ِرُك وَن َنَج ٌس } [التوبة‪]٢٨ :‬؟‬
‫وهل هي نجاسة عين؟ أم نجاسة معنوية؟‬

‫🔸ثانيا‪:‬‬
‫ما الفرق بين الفقير والمسكين في قوله‪ِ{ :‬إَّنَم ا الَّص َد َقاُت ِلْلُفَقَر اِء َو اْلَم َس اِكيِن }‬
‫[التوبة‪]٦٠ :‬؟‬

‫🔸السؤال الثالث‪:‬‬
‫ما المقصود بقوله سبحانه وتعالى‪َ{ :‬و اْلُم َؤ َّلَفِة ُقُلوُبُهْم } [التوبة‪ ،]٦٠ :‬من هم؟‬

‫هذا وسبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن ال إله إال أنت نستغفرك ونتوب إليك‬
‫والسالم عليكم ورحمة هللا وبركاته‪.‬‬

‫‪265‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫جامعة صفوة‬
‫كلية العلوم الشرعية والعربية‬
‫مقرر التفسير‬
‫الفرقة الثالثة‬
‫المحاضرة الخامسة عشرة‬
‫من كتاب [نيل المرام من تفسير آيات األحكام]‬
‫شرح الدكتور‪ /‬سعد معوض حفظه هللا‬
‫*****‬

‫إن الحمد هلل تعالى نحمده ونستعين به ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا‬
‫ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬إنه من يهده هللا تعالى فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال‬
‫هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمًد ا عبده‬
‫ورسوله‪ ،‬اللهم صل على محمٍد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم‬
‫وعلى آل إبراهيم إنك حميٌد مجيد‪ ،‬اللهم بارك على محمٍد وعلى آل محمد كما‬
‫باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم أنك حميٌد مجيد وبعد؛‬
‫المحاضرة الخامسة عشرة من شرح كتاب [نيل المرام من تفسير آيات‬
‫األحكام] لمحمد صديق خان رحمة هللا عليه‪.‬‬

‫💎 سورة طه 💎‬
‫آياتها مائة وخمٌس وثالثون آية‪ ،‬وهي مكيٌة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫۞ اآلية األولى‪:‬‬

‫‪266‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫قال تعالى‪َ{ :‬و اَل َتُم َّدَّن َعْيَنْيَك ِإَلى َم ا َم َّتْع َنا ِبِه َأْز َو اًج ا ِّم ْنُهْم َز ْه َر َة اْلَح َياِة الُّد ْنَيا‬
‫ِلَنْفِتَنُهْم ِفيِهۚ َو ِرْز ُق َرِّبَك َخ ْيٌر َو َأْبَقى} [طه‪]١٣١ :‬‬

‫{َو اَل َتُم َّدَّن َع ْيَنْيَك } ومد النظر تطويله وأال يكاد يرده استحساًنا للمنظور‬ ‫‪-‬‬
‫إليه وإعجاًبا به‪ ،‬وفيه أن النظر غير الممدود معفٌو عنه‪.‬‬
‫{ِإَلى َم ا َم َّتْعَنا ِبِه } أي ال تطمح بنظرك إلى زخارف الدنيا طموح رغبٍة‬ ‫‪-‬‬
‫فيها وتمٍن لها‪ ،‬وال ُتطل نظر عينيك إلى ذلك‪.‬‬
‫{َأْز َو اًجا ِّم ْنُهْم } واألزواج هم القرناء‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{َز ْهَر َة اْلَحَياِة الُّد ْنَيا} أي زينتها وبهجتها‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫💎 سورة الحج 💎‬
‫‪ -‬وآياتها ثماٍن وسبعون آية‪.‬‬
‫‪ -‬قيل إنها مدنية‪ ،‬وقيل إنها مكية‪ ،‬والجمهور على أنها مختلطة‪ ،‬منها آيات‬
‫مكية وآيات مدنية‪.‬‬

‫۞ اآلية األولى‪:‬‬
‫قال تعالى‪َ{ :‬يا َأُّيَها الَّناُس ِإن ُك نُتْم ِفي َرْيٍب ِّم َن اْلَبْع ِث َفِإَّنا َخ َلْقَناُك م ِّم ن ُتَر اٍب‬
‫ُثَّم ِم ن ُّنْطَفٍة ُثَّم ِم ْن َع َلَقٍة ُثَّم ِم ن ُّم ْض َغٍة ُّم َخ َّلَقٍة َو َغ ْيِر ُم َخ َّلَقٍة ِّلُنَبِّيَن َلُك ْم ۚ َو ُنِقُّر‬
‫ِفي اَأْلْر َح اِم َم ا َنَشاُء ِإَلى َأَج ٍل ُّم َس ًّمى ُثَّم ُنْخ ِرُج ُك ْم ِط ْفاًل ُثَّم ِلَتْبُلُغوا َأُشَّد ُك ْم ۖ ‬
‫َو ِم نُك م َّم ن ُيَتَو َّفى َو ِم نُك م َّم ن ُيَر ُّد ِإَلى َأْر َذ ِل اْلُعُمِر ِلَك ْياَل َيْع َلَم ِم ن َبْع ِد ِع ْلٍم َش ْيًئاۚ ‬
‫َو َتَر ى اَأْلْر َض َهاِم َد ًة َفِإَذ ا َأنَز ْلَنا َع َلْيَها اْلَم اَء اْه َتَّز ْت َو َرَبْت َو َأنَبَتْت ِم ن ُك ِّل‬
‫َز ْو ٍج َبِهيٍج} [الحج‪]٥ :‬‬

‫‪َ{ -‬فِإَّنا َخ َلْقَناُك م} يعني خلقناكم من أبيكم آدم عليه السالم‪.‬‬

‫‪267‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ِّ{ -‬م ن ُتَر اٍب ُثَّم ِم ن ُّنْطَفٍة } أي من المني‪ ،‬ثم من نطفة لقلتها‪ ،‬والنطفة هي‬
‫القليل من الماء قد يقع على الكثير منه‪.‬‬
‫‪ُ{ -‬ثَّم ِم ْن َع َلَقٍة } والعلقة هي الدم المتجمد‪.‬‬
‫‪ُ{ -‬ثَّم ِم ن ُّم ْض َغ ٍة } والمضغة هي قطعة اللحم الصغيرة‪.‬‬
‫‪ُّ{ -‬م َخ َّلَقٍة } يعني ظاهرة التصوير‪.‬‬
‫‪َ{ -‬و َغْيِر ُم َخ َّلَقٍة } أي لم يتبين خلقها‪ ،‬وال ظهر تصويرها‪.‬‬
‫‪ِّ{ -‬لُنَبِّيَن َلُك ْم } يعني لنبين لكم كمال قدرتنا على ما أردنا كإحياء األموات‬
‫وبعثهم‪ ،‬فآمنوا بذلك وتيقنوا‪.‬‬
‫‪ -‬قال‪ :‬واآلية من شواهد البعث بعد الموت‪.‬‬
‫۞ ثم قال‪ :‬اآلية الثانية‪:‬‬
‫قال تعالى‪َ{ :‬هَذ اِن َخ ْص َم اِن اْخ َتَص ُم وْا ِفي َرِّبِهْم ۖ َفاَّلِذ يَن َك َفُر وْا ُقِّطَعْت َلُهْم ِثَياٌب‬
‫ِّم ن َّناٍر ُيَصُّب ِم ن َفْو ِق ُرُء وِس ِهُم اْلَح ِم يُم } [الحج‪]١٩ :‬‬

‫‪َ{ -‬هَذ اِن َخْص َم اِن } أحدهما أنجس الفرق اليهود والنصارى والصابئون‬
‫والمجوس والذين أشركوا‪ ،‬والخصم اآلخر هم المسلمون فهما فريقان‬
‫مختصمان‪ ،‬وقيل المراد بالخصمين الجنة والنار‪.‬‬
‫‪ِ{ -‬في َر ِّبِهْم } أي في شأن ربهم أي في دينه أي في ذاته أو صفاته أو في‬
‫شريعته لعباده‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪ :‬اآلية الثالثة‪:‬‬


‫قال تعالى‪ِ{ :‬إَّن اَّلِذ يَن َك َفُر وْا َو َيُص ُّدوَن َع ن َس ِبيِل ِهَّللا َو اْلَم ْس ِج ِد اْلَح َر اِم اَّلِذ ي‬
‫َج َعْلَناُه ِللَّناسِ َس َو اًء اْلَعاِكُف ِفيِه َو اْلَباِد ۚ َو َم ن ُيِرْد ِفيِه ِبِإْلَح اٍد ِبُظْلٍم ُّنِذ ْقُه ِم ْن‬
‫َع َذ اٍب َأِليٍم } [الحج‪]٢٥ :‬‬

‫‪ِ{ -‬إَّن اَّلِذ يَن َك َفُروْا َو َيُص ُّد وَن َع ن َس ِبيِل ِهَّللا} والمراد بالصد هنا االستمرار‬
‫يعني االستمرار على الصد‪.‬‬
‫‪َ{ -‬ع ن َس ِبيِل ِهَّللا} أي عن دينه فالمعنى يمنعون من أراد الدخول في دين هللا‪.‬‬

‫‪268‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪َ{ -‬و اْلَم ْس ِج ِد اْلَحَر اِم } يعني المسجد الحرام نفسه‪ ،‬يمنعون الناس منه‪.‬‬
‫‪ ‬قيل الحرم كله ألن المشركين صدوا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫وأصحابه عنه يوم الحديبية‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل‪ :‬المراد به مكة‪.‬‬
‫بدليل قوله‪{ :‬اَّلِذ ى َجَع ْلَناُه ِللَّناِس َس َو اًء } أي جعلناه للناس على العموم‬
‫ُيصلون فيه ويطوفون به‪ ،‬مستوًيا فيه العاكف وهو المقيم فيه المالزم‬
‫له‪ ،‬والبادي أي الواصل من البادية‪.‬‬

‫۞ ثم قال‪ :‬اآلية الرابعة‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬و اْلُبْد َن َج َعْلَناَها َلُك ْم ِم ْن َش َعاِئِر ِهَّللا َلُك ْم ِفيَها َخ ْيٌر َفاْذ ُك ُر وا اْس َم ِهَّللا‬
‫َع َلْيَها َص َو اَّف َفِإَذ ا َو َج َبْت ُج ُنوُبَها َفُك ُلوا ِم ْنَها َو َأْطِع ُم وا اْلَقاِنَع َو اْلُم ْع َتَّر َك َذ ِلَك‬
‫َس َّخ ْر َناَها َلُك ْم َلَعَّلُك ْم َتْش ُك ُر وَن } [الحج‪]٣٦ :‬‬

‫{َو اْلُبْد َن } أي اإلبل‪.‬‬ ‫‪-‬‬


‫{َجَع ْلَناَها َلُك ْم ِم ْن َش َع اِئِر ِهَّللا} أي أعالم دينه‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{َلُك ْم ِفيَها َخ ْيٌر} أي منافع ُد نيوية وِد ينية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{َفاْذ ُك ُروا اْس َم ِهَّللا َع َلْيَها َص َو اَّف } يعني اذكروا اسم هللا عليها عند النحر‬ ‫‪-‬‬
‫وهي قائمٌة ُتعَلق قدمها في رقبتها‪.‬‬
‫{َفِإَذ ا َو َجَبْت } يعني سقطت بعد نحرها‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{ُج ُنوُبَها} وذلك عند خروج روحها‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{َفُك ُلوا ِم ْنَها} واألمر هنا على االستحباب‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{َو َأْطِعُم وا اْلَقاِنَع َو اْلُم ْعَتَّر} والقانع‪ :‬قيل هو السائل‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ ‬وقيل هو المتعفف عن السؤال المستغني ِبُبلغٍة‪.‬‬
‫والمعتر الذي يتعرض من غير سؤاٍل ‪ ،‬وقيل هو الذي يعتريك ويسألك‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪269‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪َ{ -‬س َّخ ْر َناَها َلُك ْم } فصارت تنقاد لكم إلى موضع نحرها فتنحرونها وتنتفعون‬
‫بها بعد أن كانت مسَّخ رة للحمل عليها والركوب على ظهورها والحلب لها‬
‫لعلكم تشكرون هذه النعمة التي أنعم هللا بها عليكم‪.‬‬

‫💎 سورة النور 💎‬
‫‪ -‬آياتها أربع وستون آية‪ ،‬وهي مدنية‪.‬‬

‫۞ اآلية األولى‪:‬‬
‫قال تعالى‪{ :‬الَّز اِنَيُة َو الَّز اِني َفاْج ِلُدوا ُك َّل َو اِح ٍد ِم ْنُهَم ا ِم اَئَة َج ْلَد ٍة َو اَل َتْأُخ ْذ ُك ْم‬
‫ِبِهَم ا َر ْأَفٌة ِفي ِد يِن ِهَّللا ِإْن ُك ْنُتْم ُتْؤ ِم ُنوَن ِباِهَّلل َو اْلَيْو ِم اآْل ِخ ِر َو ْلَيْش َهْد َع َذ اَبُهَم ا‬
‫َطاِئَفٌة ِم َن اْلُم ؤِْمِنيَن } [النور‪.]٢ :‬‬
‫‪{ -‬الَّز اِنَيُة} الزنا هو وطء الرجل للمرأة في فرجها من غير نكاح وال شبهة‬
‫نكاح‪.‬‬
‫‪ -‬والزانية هي المرأة المطاوعة للزنا الُم مِكنة منه كما تنبئ عنه الصيغة ال‬
‫الُم كرهة وكذلك الزاني‪.‬‬
‫‪َ{ -‬فاْج ِلُد وا ُك َّل َو اِح ٍد ِم ْنُهَم ا} الجلد الضرب‪.‬‬
‫‪ِ{ -‬م اَئَة َج ْلَد ٍة } وهو حد الزاني الحر البالغ البكر‪ ،‬وكذلك الزانية‪ ،‬وثبت‬
‫بالسنة زيادٌة على هذا الجلد وهو التغريب وبه قال جمهور أهل العلم‪.‬‬
‫‪َ{ -‬و َال َتْأُخ ْذ ُك ْم ِبِهَم ا َر ْأَفٌة} يعني الرقة والرحمة‪.‬‬
‫‪ِ{ -‬في ِد يِن ِهَّللا} أي في طاعته وحكمه‪.‬‬
‫‪ِ{ -‬إن ُك نُتْم ُتْؤ ِم ُنوَن باهلل واليوم اآلخر} كما يقول الرجل للرجل‪ ،‬يحضه على‬
‫األمر إن كنت رجاًل فافعل كذا‪ ،‬أي إن كنتم تصدقون بالتوحيد والبعث الذي‬
‫فيه جزاء األعمال فال تعطلوا الحدود‪.‬‬
‫‪َ{ -‬و ْلَيْش َهْد َع َذ اَبُهَم ا َطاِئَفٌة ِم َن اْلُم ْؤ ِمِنيَن } أي ليحضره زيادًة في التنكيل بهما‪،‬‬
‫وشيوع العار عليهما واشتهار فضيحتهما‪.‬‬

‫‪270‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫والطائفة هي الفرقة التي تكون حافة حول الشيء من الطواف‪ ،‬يعني يشهد‬
‫عذابهما مجموعٌة من الناس‪.‬‬

‫۞ اآلية الثانية‪:‬‬
‫اْلُم ْح َص َناِت ُثَّم َلْم َيْأُتوا ِبَأْر َبَعِة ُش َهَد اَء َفاْج ِلُدوُهْم‬ ‫قال تعالى‪َ{ :‬و اَّلِذ يَن َيْر ُم وَن‬
‫َش َهاَد ًة َأَبًد اۚ َو ُأوَٰل ِئَك ُهُم اْلَفاِس ُقوَن } [النور‪]٤ :‬‬ ‫َثَم اِنيَن َج ْلَد ًة َو اَل َتْقَبُلوا َلُهْم‬

‫{اَّلِذ يَن َيْر ُم وَن اْلُم ْح َص َناِت } يعني يرمون المحصنات بالفاحشة‪ ،‬ويسبوا‬ ‫‪-‬‬
‫المرأة بالفاحشة‪ ،‬والمرأة المحصنة هي العفيفة‪.‬‬
‫{ُثَّم َلْم َيْأُتوا ِبَأْر َبَعِة ُش َهَد اَء } يشهدون عليهن بوقوع الزنا منهن‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{َفاْج ِلُد وُهْم َثَم اِنيَن َج ْلَد ًة} والجلد كما ذكرنا هو الضرب‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{َو اَل َتْقَبُلوا َلُهْم َش َهاَد ًة َأَبًد ا}‪ :‬أي فأجمعوا لهم بين األمرين الجلد وترك قبول‬ ‫‪-‬‬
‫الشهادة‪ ،‬ألنهم قد صاروا بالقذف غير ُع دوٍل بل فسقة كما حكم هللا عليهم‬
‫بقوله‪َ{ :‬و ُأوَٰل ِئَك ُهُم اْلَفاِس ُقوَن } والفسق هو الخروج عن الطاعة ومجاوزة‬
‫الحد بالمعصية‪.‬‬

‫۞ اآليات الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬و اَّلِذ يَن َيْر ُم وَن َأْز َو اَج ُهْم َو َلْم َيُك ن َّلُهْم ُش َهَد اُء ِإاَّل َأنُفُسُهْم َفَش َهاَد ُة‬
‫َأَح ِدِهْم َأْر َبُع َش َهاَد اٍت ِباِهَّلل ۙ ِإَّنُه َلِم َن الَّص اِدِقيَن (‪َ )٦‬و اْلَخ اِمَس ُة َأَّن َلْع َنَت ِهَّللا‬
‫َع َلْيِه ِإن َك اَن ِم َن اْلَك اِذ ِبيَن (‪َ )٧‬و َيْد َر ُأ َع ْنَها اْلَعَذ اَب َأن َتْش َهَد َأْر َبَع َش َهاَد اٍت‬
‫ِباِهَّللۙ ِإَّنُه َلِم َن اْلَك اِذ ِبيَن (‪َ )٨‬و اْلَخ اِمَس َة َأَّن َغ َضَب ِهَّللا َع َلْيَها ِإن َك اَن ِم َن‬
‫الَّص اِدِقيَن (‪[ })٩‬النور‪]٩-٦ :‬‬

‫‪َ{ -‬و اَّلِذ يَن َيْر ُم وَن َأْز َو اَج ُهْم َو َلْم َيُك ن َّلُهْم ُش َهَد اُء } يشهدون بما رموهن به من‬
‫الزنا إال أنفسهم فشهادة أحدهم التي تزيل عنه حد القذف أربع شهاداٍت باهلل‬
‫إنه لمن الصادقين فيما رماها به من الزنا‪.‬‬

‫‪271‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪َ{ -‬و اْلَخ اِمَس ُة َأَّن َلْعَنَت ِهَّللا َع َلْيِه ِإن َك اَن ِم َن اْلَك اِذ ِبيَن } في ذلك ويدرأ عنها‬
‫العذاب الُد نيوي وهو الحد‪.‬‬
‫‪َ{ -‬أن َتْش َهَد َأْر َبَع َش َهاَد اٍت ِباِهَّللۙ ِإَّنُه} أي الزوج لمن الكاذبين‪.‬‬
‫‪َ{ -‬و اْلَخ اِمَس َة َأَّن َغ َضَب ِهَّللا َع َلْيَها} ِإن كان الزوج من الصادقين فيما رماها‬
‫به من الزنا‪ .‬وهذه ما تسمى عند الفقهاء بالُم العنة وقد ورد فيها أحاديث‬
‫كثيرة‪:‬‬
‫منها ما أخرجه عبد الرزاق عن عمر رضي هللا عنه وعلٍي وابن‬
‫مسعوٍد قالوا‪" :‬ال يجتمع الُم تالعنان أبدا"‪.‬‬
‫فمن أحكام التالعن أنه يحرم على الزوج أن يتزوج هذه المرأة أبدا‬
‫فتحرم عليه على التأبيد‪ ،‬ولها المهر بما استحل من فرجها‪ ،‬وإن كان‬
‫في التالعن ولد ُنفي هذا الولد عن هذا الزوج‪.‬‬

‫۞ اآلية السابعة‪:‬‬
‫قال تعالى‪َ{ :‬يا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا اَل َتْد ُخ ُلوا ُبُيوًتا َغ ْيَر ُبُيوِتُك ْم َح َّتى َتْس َتْأِنُس وا‬
‫َو ُتَس ِّلُم وا َع َلى َأْه ِلَها ۚ َذ ِلُك ْم َخ ْيٌر َلُك ْم َلَع َّلُك ْم َتَذ َّك ُر وَن } [النور‪]٢٧ :‬‬
‫‪َ{ -‬يا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا اَل َتْد ُخ ُلوا ُبُيوًتا َغْيَر ُبُيوِتُك ْم } زجر هللا سبحانه عن‬
‫دخول البيوت بغير استئذان لما في ذلك من مخالطة الرجال للنساء فربما‬
‫يؤدي إلى الزنا أو القذف‪ ،‬فإن اإلنسان يكون في بيته ومكان خلوته على‬
‫حالٍة قد ال يجب أن يراه عليها غيره‪ ،‬فنهى هللا سبحانه عن دخول بيوت‬
‫الغير إلى غايٍة هي قوله‪َ{ :‬ح َّتى َتْسَتْأِنُسوا}‪ ،‬واالستئناس االستعالم‬
‫واالستخبار أي حتى تستعلم من في البيت‪.‬‬
‫‪َ{ -‬و ُتَس ِّلُم وا َع َلى َأْهِلَها} وقد بينه صلى هللا عليه وسلم بأن يقول‪" :‬السالم‬
‫عليكم أأدخل؟"‪ ،‬ثم قال‪ :‬ذلكم خير لكم من الدخول بغتة لعلكم تذكرون أن‬
‫االستئذان خيٌر لكم‪.‬‬

‫۞ اآلية الثامنة‪:‬‬
‫قال تعالى‪ُ{ :‬قل ِّلْلُم ْؤ ِمِنيَن َيُغُّض وْا ِم ْن َأْبَص اِرِهْم َو َيْح َفُظوْا ُفُر وَج ُهْم ۚ َذ ِلَك َأْز َك ى‬
‫ن َهَّللا َخ ِبيٌر ِبَم ا َيْص َنُعوَن } [النور‪]٣٠ :‬‬ ‫َلُهْم ۗ ِإ َّ‬

‫‪272‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫خَّص هللا المؤمنين في هذا التحريم على غيرهم‪ ،‬لكون قطع ذرائع الزنا‬ ‫‪-‬‬
‫التي منها النظر بهم أحق بها من غيرهم وأولى‪ ،‬وقيل إن في اآلية دلياًل‬
‫على أن الكفار غير ُم خاطبين بالشرعيات‪.‬‬
‫ثم قال‪ُ{ :‬قل ِّلْلُم ْؤ ِمِنيَن َيُغ ُّض وْا} معنى غض البصر إطباق الِج فن على العين‬ ‫‪-‬‬
‫بحيث يمنع الرؤية‪.‬‬
‫{َيُغ ُّض وْا ِم ْن َأْبَص اِرِهْم } عما يحرم‪ ،‬واالقتصار بهذا البصر على ما يحل‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{َو َيْح َفُظوْا ُفُروَج ُهْم } يجب عليهم أن يحفظوها عما يحرم عليهم‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ ‬وقيل المراد ستر فروجهم على أن يراها من ال يحل له رؤيتها‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل غير ذلك‪.‬‬
‫{َٰذ ِلَك } من غض البصر وحفظ الفرج إلى غير ذلك‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{َأْز َك ى َلُهْم } أي أطهر لهم من دنس الريبة وأطيب من التلبس بهذه الدنية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{ِإَّن َهَّللا َخ ِبيٌر ِبَم ا َيْص َنُعوَن } ال يخفى عليه شيٌء من صنيعهم‪ ،‬وفي ذلك‬ ‫‪-‬‬
‫وعيد لمن لم يغض بصره ويحفظ فرجه‪.‬‬

‫۞ اآلية التاسعة‪:‬‬
‫قال تعالى‪َ{ :‬و ُقل ِّلْلُم ْؤ ِم َناِت َيْغ ُضْض َن ِم ْن َأْبَص اِرِهَّن َو َيْح َفْظَن ُفُر وَج ُهَّن َو اَل‬
‫ُيْبِد يَن ِزيَنَتُهَّن ِإاَّل َم ا َظَهَر ِم ْنَها ۖ َو ْلَيْض ِرْبَن ِبُخ ُمِرِهَّن َع َلى ُج ُيوِبِهَّن ۖ َو اَل ُيْبِد يَن‬
‫ِزيَنَتُهَّن ِإاَّل ِلُبُعوَلِتِهَّن َأْو آَباِئِهَّن َأْو آَباِء ُبُعوَلِتِهَّن َأْو َأْبَناِئِهَّن َأْو َأْبَناِء ُبُعوَلِتِهَّن‬
‫َأْو ِإْخ َو اِنِهَّن َأْو َبِني ِإْخ َو اِنِهَّن َأْو َبِني َأَخ َو اِتِهَّن َأْو ِنَس اِئِهَّن َأْو َم ا َم َلَك ْت‬
‫َأْيَم اُنُهَّن َأِو الَّتاِبِع يَن َغ ْيِر ُأْو ِلي اِإْل ْر َبِة ِم َن الِّرَج اِل َأِو الِّطْفِل اَّلِذ يَن َلْم َيْظَهُر وْا‬
‫َع َلى َع ْو َر اِت الِّنَس اِء ۖ َو اَل َيْض ِرْبَن ِبَأْر ُج ِلِهَّن ِلُيْع َلَم َم ا ُيْخ ِفيَن ِم ن ِزيَنِتِهَّن ۚ ‬
‫َو ُتوُبوْا ِإَلى ِهَّللا َج ِم يًعا َأُّيَه اْلُم ْؤ ِم ُنوَن َلَعَّلُك ْم ُتْفِلُح وَن } [النور‪.]٣١ :‬‬

‫‪َ{ -‬و ُقل ِّلْلُم ْؤ ِم َناِت َيْغ ُضْض َن ِم ْن َأْبَص اِرِهَّن َو َيْح َفْظَن ُفُروَج ُهَّن } فقد خص هللا‬
‫سبحانه اإلناث بهذا الخطاب على طريق التأكيد لدخولهن تحت خطاب‬
‫المؤمنين تغليًبا‪ ،‬وبدأ سبحانه بالغِّض في الموضعين قبل حفظ الفرج ألن‬
‫النظر وسيلة إلى عدم حفظ الفرج‪.‬‬

‫‪273‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬ومعنى {َيْغ ُضْض َن } كمعنى {َيُغ ُّض وْا } فيستدل به على تحريم نظر النساء‬
‫إلى ما يحرم عليهن‪ ،‬وكذلك يجب عليهن حفظ فروجهن على الوجه الذي‬
‫تقدم في حفظ الرجال لفروجهن‪.‬‬
‫‪َ{ -‬و اَل ُيْبِد يَن ِزيَنَتُهَّن }‪ :‬أي ما ُيتزين به من الحلية وغيرها‪ ،‬وفي النهي عن‬
‫إبداء الزينة نهٌي عن إبداء مواضعها من أبدانهن باألولى‪.‬‬
‫‪ -‬ثم استثنى سبحانه من هذا النهي فقال‪ِ{ :‬إاَّل َم ا َظَهَر ِم ْنَها}‪.‬‬
‫واختلف الناس في ظاهر الزينة ما هو‪:‬‬
‫‪ ‬فقيل هو الثياب‪،‬‬
‫‪ ‬وقيل هو الوجه والكفان‪،‬‬
‫‪ ‬وقيل هو ظاهر الزينة وهو الكحل والسواك والخضاب إلى نصف الساق‬
‫ونحو ذلك فإنه يجوز للمرأة أن تبديه يعني للمحارم‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل إن المرأة ال ُتبدي شيًئا من الزينة وتخفي كل شيٍء من زينتها‪،‬‬
‫ووقع االستثناء فيما يظهر منها بحكم الضرورة‪.‬‬
‫وال يخفى عليك أن ظاهر النظم القرآني النهي عن إبداء الزينة إال ما‬
‫ظهر منها كالجلباب والخمار ونحوهما مما على الكف والقدمين من‬
‫الحلية ونحوهما‪ ،‬وإن كان المراد بالزينة مواضعها كان االستثناء راجًعا‬
‫إلى ما يشق على المرأة ستره كالكفين والقدمين ونحو ذلك‪ ،‬والراجح‬
‫وهللا أعلم أن المرأة ُتبدي مواضع الزينة وهي مواضع الُو ضوء للمحارم‬
‫المذكورة‪.‬‬

‫‪َ{ -‬و ْلَيْض ِرْبَن ِبُخ ُم ِرِهَّن َع َلى ُجُيوِبِهَّن } والخمار هو ما غطى الرأس‪،‬‬
‫والجيوب وهو موضع القطع من الِد رع والقميص‪.‬‬
‫‪َ{ -‬و اَل ُيْبِد يَن ِزيَنَتُهَّن ِإاَّل ِلُبُعوَلِتِهَّن } أي الزوج‪ ،‬وقدم البعولة ألنهم‬
‫المقصودون بالزينة‪ ،‬وألن كل بدن الزوجة والسرية حالٌل لهم‪.‬‬
‫‪َ{ -‬أْو آَباِئِهَّن َأْو آَباِء ُبُعوَلِتِهَّن َأْو َأْبَناِئِهَّن َأْو َأْبَناِء ُبُعوَلِتِهَّن َأْو ِإْخ َو اِنِهَّن َأْو َبِني‬
‫ِإْخ َو اِنِهَّن َأْو َبِني َأَخ َو اِتِهَّن } فيجوز للنساء أن يبدين الزينة لهؤالء لكثرة‬
‫الُم خالطة وعدم خشية الفتنة لما في الِط باع من الُنفرة عن القريب‪.‬‬

‫‪274‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪َ{ -‬أْو َم ا َم َلَك ْت َأْيَم اُنُهَّن } وظاهر اآلية يشمل العبيد واإلماء من غير فرٍق بين‬
‫أن يكونوا مسلمين أو كافرين‪.‬‬
‫‪َ{ -‬أِو الَّتاِبِع يَن َغْيِر ُأْو ِلي اِإْل ْر َبِة ِم َن الِّر َج اِل } والمراد بهم‪:‬‬
‫‪ ‬الذين يتبعون القوم فيصيبوا من طعامهم ال همة لهم إال ذلك وال حاجة‬
‫لهم في النساء‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل هو الِع نين‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل هو الُم خنث‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل هو الشيخ الكبير‪.‬‬
‫‪ ‬والحاصل أن كل إنسان ليس له شهوة في النساء يكون من أولى اإلربة‪.‬‬

‫{َأِو الِّطْفِل اَّلِذ يَن َلْم َيْظَهُروا َع َلى َعْو َر اِت الِّنَس اِء } والطفل يطلق على الذكر‬ ‫‪-‬‬
‫واألنثى ما لم ُيراهق االحتالم‪.‬‬
‫ومعنى {َلْم َيْظَهُروْا } يعني لم يطلعوا ولم يميزوا عورة المرأة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫كذلك اختلفوا في عورة الرجل والراجح وهللا أعلم أن عورة الرجل من‬
‫ُسرته إلى ركبتيه‪.‬‬
‫{َو اَل َيْض ِرْبَن ِبَأْر ُج ِلِهَّن ِلُيْع َلَم َم ا ُيْخ ِفيَن ِم ن ِزيَنِتِهَّن } أي ال تضرب المرأة‬ ‫‪-‬‬
‫برجلها إذا مشت لَيسمع صوت ُخ لَخ الها من يسمعه من الرجال فيعلمون أنها‬
‫ذات ُخ لخال‪.‬‬
‫{َو ُتوُبوْا ِإَلى ِهَّللا َجِم يًعا َأُّيَه اْلُم ْؤ ِم ُنوَن َلَع َّلُك ْم ُتْفِلُحوَن } فيه األمر بالتوبة وال‬ ‫‪-‬‬
‫خالف بين المسلمين في ُو جوبها وأنها فرٌض من فرائض الدين‪.‬‬
‫{َلَع َّلُك ْم ُتْفِلُحوَن } أي تفوزون بسعادة الدنيا واآلخرة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫۞ اآلية العاشرة‪:‬‬
‫قال تعالى‪َ{ :‬و َأنِكُح وا اَألَياَم ى ِم نُك ْم َو الَّص اِلِح يَن ِم ْن ِعَباِد ُك ْم َوِإَم اِئُك ْم ِإن َيُك وُنوا‬
‫ُفَقَر اَء ُيْغ ِنِهُم ُهَّللا ِم ن َفْض ِلِه َوُهَّللا َو اِس ٌع َع ِليٌم } [النور‪.]٣٢ :‬‬

‫‪َ{ -‬و َأنِكُحوا اَألَياَم ى ِم نُك ْم } واأليم التي ال زوج لها بكًر ا كانت أو ثيبا‪.‬‬

‫‪275‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫{َو الَّصاِلِح يَن ِم ْن ِعَباِد ُك ْم َو ِإَم اِئُك ْم } والصالح هو اإليمان وذكر سبحانه‬ ‫‪-‬‬
‫الصالح في المماليك دون األحرار ألن الغالب في األحرار الصالح بخالف‬
‫المماليك‪.‬‬
‫قال وفيه دليل على أن المملوك ال ُيزوج نفسه وإنما ُيزوجه مالكه‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{ِإْن َيُك وُنوا ُفَقَر اَء ُيْغ ِنِهُم ُهَّللا ِم ْن َفْض ِلِه } أي ال يمتنعوا من تزويج األحرار‬ ‫‪-‬‬
‫بسبب فقر الرجل أو المرأة أو أحدهما فإنهم إن يكونوا فقراء يغنهم هللا‬
‫سبحانه ويتفضل عليهم بذلك‪.‬‬
‫{َو ُهَّللا َو اِس ٌع َع ِليٌم } والمراد أنه سبحانه ذو سعٍة ال ينقص من ِس عة ملكه من‬ ‫‪-‬‬
‫يغنيه من عباده عليٌم بمصالح خلقه يغني من يشاء ويفقر من يشاء‪.‬‬

‫۞ اآلية الحادية عشرة‪:‬‬


‫قال‪َ{ :‬و ْلَيْس َتْع ِفِف اَّلِذ يَن اَل َيِج ُدوَن ِنَك اًح ا َح َّتى ُيْغ ِنَيُهُم ُهَّللا ِم ْن َفْض ِلِه َو اَّلِذ يَن‬
‫َيْبَتُغوَن اْلِكَتاَب ِم َّم ا َم َلَك ْت َأْيَم اُنُك ْم َفَك اِتُبوُهْم ِإْن َع ِلْم ُتْم ِفيِهْم َخ ْيًر ا َو آُتوُهْم ِم ْن‬
‫َم اِل ِهَّللا اَّلِذ ي آَتاُك ْم َو اَل ُتْك ِرُهوا َفَتَياِتُك ْم َع َلى اْلِبَغاِء ِإْن َأَر ْد َن َتَح ُّص ًنا ِلَتْبَتُغوا‬
‫َع َرَض اْلَح َياِة الُّد ْنَيا َو َم ْن ُيْك ِرْه ُهَّن َفِإَّن َهَّللا ِم ْن َبْع ِد ِإْك َر اِهِهَّن َغُفوٌر َرِح يٌم }‬
‫[النور‪]٣٣ :‬‬
‫‪َ{ -‬و اَّلِذ يَن َيْبَتُغ وَن اْلِكَتاَب ِمَّم ا َم َلَك ْت َأْيَم اُنُك ْم } والمكاتبة أن ُيكاتب الرجل عبده‬
‫على ماٍل يؤديه إليه ُم نجًم ا يعني على أقساط‪ ،‬فإذا أداه فهو حٌر‪.‬‬
‫‪ -‬فظاهر قوله {َفَك اِتُبوُهْم } أن العبد إذا طلب المكاتبة من سيده وجب عليه أن‬
‫يكاتبه‪.‬‬
‫‪ِ{ -‬إْن َع ِلْم ُتْم ِفيِهْم َخْيًر ا} يعني إن علم في العبد خيًر ا حتى وإن لم يكن له‬
‫مال‪.‬‬
‫‪َ{ -‬و اَل ُتْك ِرُهوا َفَتَياِتُك ْم َع َلى اْلِبَغ اِء } والمراد بالفتيات هنا اإلماء وإن كان‬
‫الفتى والفتاة قد يطلقان على األحرار في مواضع ُأخر‪ ،‬والبغاء هو الزنا‪.‬‬
‫‪ -‬وشرط هللا سبحانه هذا النهي بقوله {ِإْن َأَر ْد َن َتَح ُّص ًنا}‪ ،‬ألن اإلكراه ال‬
‫يتصور إال عند إرادتهن للتحصن‪ ،‬فإن لم ترد التحصن ال يصح أن ُيقال لها‬
‫ُم كرهة على الزنا‪ ،‬والمراد بالتحصن هنا التعفف والتزوج‪.‬‬

‫‪276‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬علل ربنا سبحانه وتعالى هذا النهي بقوله {ِلَتْبَتُغ وا َع َرَض اْلَحَياِة الُّد ْنَيا}‬
‫وهو ما تكتسبه األمة بفرجها‪ ،‬بمعنى أن هذا الغرض هو الذي كان يحملهم‬
‫على إكراه اإلماء على الِبغاء في الغالب‪.‬‬

‫‪َ{ -‬و َم ن ُيْك ِرهُّهَّن َفِإَّن َهَّللا ِم ن َبْع ِد ِإْك َر اِهِهَّن َغ ُفوٌر َّر ِح يٌم } والمعنى أن عقوبة‬
‫اإلكراه راجعة إلى الُم كِر هين ال إلى الُم كَر هات كما تدل عليه بعض‬
‫القراءات كقراءة ابن مسعود وجابر وعبد هللا وسعيد بن جبير‪.‬‬
‫‪ -‬فإن هللا {َغ ُفوٌر َرِح يٌم } لهن‪ ،‬هللا تعالى غفور رحيم لهما من بعد اإلكراه‬
‫ُم طلقا بشرط التوبة‪.‬‬

‫۞ اآلية الثانية عشرة‪:‬‬


‫قال هللا تعالى‪َ{ :‬يا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا ِلَيْس َتْأِذ نُك ُم اَّلِذ يَن َم َلَك ْت َأْيَم اُنُك ْم َو اَّلِذ يَن َلْم‬
‫َيْبُلُغوْا اْلُح ُلَم ِم نُك ْم َثاَل َث َم َّر اٍتۚ ِّم ن َقْبِل َص اَل ِة اْلَفْج ِر َو ِح يَن َتَضُعوَن ِثَياَبُك م ِّم َن‬
‫الَّظِهيَرِة َو ِم ن َبْع ِد َص اَل ِة اْلِع َشاِء ۚ َثاَل ُث َع ْو َر اٍت َّلُك ْم ۚ َلْيَس َع َلْيُك ْم َو اَل َع َلْيِهْم‬
‫ُج َناٌح َبْع َدُهَّن ۚ َطَّو اُفوَن َع َلْيُك م َبْعُض ُك ْم َع َلى َبْع ٍضۚ َك َذ ِلَك ُيَبِّيُن ُهَّللا َلُك ُم اآْل َياِتۗ ‬
‫َوُهَّللا َع ِليٌم َح ِكيٌم } [النور‪.]٥٨ :‬‬

‫قال‪َ{ :‬يا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوْا } هذا الخطاب للمؤمنين ويدخل المؤمنات فيه تغليًبا‪.‬‬
‫واختلفوا في المراد بقوله (ِلَيْسَتْأِذ نُك ُم ) على أقواٍل ‪:‬‬
‫‪ ‬بعضهم قال إنها منسوخة‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل إن األمر فيها للندب ال الوجوب‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل كان ذلك واجًبا حيث كانوا ال أبواب لهم‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل إن األمر هنا للوجوب وأن اآلية ُم حكمة غير منسوخة‪ ،‬وأن حكمها‬
‫ثابٌت على الرجال والنساء‪.‬‬
‫‪{ -‬اَّلِذ يَن َم َلَك ْت َأْيَم اُنُك ْم } العبيد واإلماء‪.‬‬
‫‪َ{ -‬و اَّلِذ يَن َلْم َيْبُلُغ وْا اْلُح ُلَم ِم نُك ْم } أي من األحرار‪.‬‬
‫‪ -‬ومعنى{َثاَل َث َم َّراٍت } يعني ثالثة أوقاٍت في اليوم والليلة‪.‬‬

‫‪277‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫{ِّم ن َقْبِل َص اَل ِة اْلَفْج ِر } وذلك ألنه وقت القيام عن المضاجع وطرح ثياب‬ ‫‪-‬‬
‫النوم ولبس ثياب اليقظة‪ ،‬وربما يبيت عرياًن أو على حالٍة ال يجب أو ال‬
‫يحب أن يراه غيره فيها‪.‬‬
‫{َو ِح يَن َتَض ُعوَن ِثَياَبُك م ِّم َن الَّظِهيَرِة } والمعنى حين تضعون ثيابكم التي‬ ‫‪-‬‬
‫تلبسونها في النهار من شدة حر الظهيرة‪ ،‬وذلك عند انتصاف النهار فإنهم‬
‫قد يتجردون عن الثياب ألجل القيلولة‪.‬‬
‫ثم ذكر سبحانه الوقت الثالث فقال‪َ{ :‬و ِم ن َبْع ِد َص اَل ِة اْلِع َش اِء } وذلك ألنه‬ ‫‪-‬‬
‫وقت التجرد من الثياب والخلوة باألهل‪.‬‬
‫ثم أجمل سبحانه هذه األوقات بعد التفصيل فقال‪َ{ :‬ثاَل ُث َعْو َر اٍت} يعني‬ ‫‪-‬‬
‫هذه األوقات‪.‬‬
‫{َلْيَس َع َلْيُك ْم } جناح يا أهل البيت‪َ{ ،‬و اَل َع َلْيِهْم } أي المماليك والصبيان‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{ُج َناٌح} أي إثٌم في الدخول بغير استئذان لعدم ما ُيوجبه من ُم خالفة األمر‬ ‫‪-‬‬
‫واالطالع على العورات‪ ،‬ومعنى {َبْع َد ُهَّن } يعني بعد كل واحدة من هذه‬
‫العورات الثالث وهي األوقات التي ُذ كرت في اآلية‪.‬‬
‫{َطَّو اُفوَن َع َلْيُك م} يعني يتركون االستئذان ويطوفون عليكم‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{َبْعُض ُك ْم َع َلى َبْع ٍض } أي بعضكم يطوف على بعض‪ ،‬ومعنى ذلك أن ُكاًل‬ ‫‪-‬‬
‫منكم يطوف على صاحبه‪ :‬العبيد على المولى والمولى على العبيد‪.‬‬
‫{َك َذ ِلَك ُيَبِّيُن ُهَّللا َلُك ُم اآْل َياِت } الدالة على ما شرعه لكم من األحكام‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{َو ُهَّللا َع ِليٌم } يعني كثير العلم بالمعلومات‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{َحِكيٌم } كثير الِح كمة في أفعاله‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫۞ اآلية الثالثة عشرة‪:‬‬


‫َع َلْيِهَّن ُج َناٌح‬ ‫قال تعالى‪َ{ :‬و اْلَقواِع ُد ِم َن الِّنَس اِء الاَّل ِتي اَل َيْر ُج وَن ِنَك اًح ا َفَلْيَس‬
‫ۗ َوُهَّللا َسِم يٌع‬ ‫َأن َيَض ْعَن ِثَياَبُهَّن َغ ْيَر ُم َتَبِّرَج اٍت ِبِزيَنٍة ۖ َو َأن َيْس َتْع ِفْفَن َخ ْيٌر َّلُهَّن‬
‫َع ِليٌم } [النور‪]٦٠ :‬‬

‫‪َ{ -‬و اْلَقَو اِع ُد ِم َن الِّنَس اِء الاَّل ِتي اَل َيْر ُجوَن ِنَك اًح ا} أي العجائز الالتي قعدن عن‬
‫الحيض والولد من الكبر‪.‬‬

‫‪278‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪َ{ -‬فَلْيَس َع َلْيِهَّن ُج َناٌح َأن َيَض ْع َن ِثَياَبُهَّن } التي تكون على ظاهر البدن‬
‫كالجلباب ونحوه ال الثياب التي على العورة خاصة‪ ،‬وإنما جاز لهن ذلك‬
‫النصراف األنفس عنهن إذ ال رغبة للرجال فيهن فأباح هللا سبحانه لهن ما‬
‫لم ُيبحه لغيرهن‪.‬‬
‫‪ -‬ثم استثنى حالًة من حاالتهن فقال‪َ{ :‬غْيَر ُم َتَبِّر َج اٍت ِبِزيَنٍة }أي غير مظهرات‬
‫للزينة التي ُأمرن بإخفائها في قوله‪َ{ :‬و ال ُيْبِد يَن ِزيَنَتُهَّن } والمعنى من غير‬
‫أن ُيردن بإظهار مواضع الجالبيب إظهار زينتهن وال ُم تعرضاٍت بالتزين‬
‫لنظر الرجال إليهن‪.‬‬
‫‪َ{ -‬و َأن َيْسَتْع ِفْفَن } أي وأن يتركن وضع الثياب ُم طلًقا فهو خيٌر لهن من‬
‫وضعها‪.‬‬
‫{َو ُهَّللا َسِم يٌع َع ِليٌم }‪ :‬أي كثير السماع والعلم أو بالغهما‪.‬‬

‫۞ اآلية الرابعة عشرة‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ{ :‬لْيَس َع َلى اَأْلْع َم ى َح َرٌج َو اَل َع َلى اَأْلْع َر ِج َح َرٌج َو اَل َع َلى اْلَمِر يِض‬
‫َح َرٌج َو اَل َع َلى َأنُفِس ُك ْم َأن َتْأُك ُلوا ِم ن ُبُيوِتُك ْم َأْو ُبُيوِت َآَباِئُك ْم َأْو ُبُيوِت ُأَّم َهاِتُك ْم‬
‫َأْو ُبُيوِت ِإْخ َو اِنُك ْم َأْو ُبُيوِت َأَخ َو اِتُك ْم َأْو ُبُيوِت َأْع َم اِم ُك ْم َأْو ُبُيوِت َع َّم اِتُك ْم َأْو‬
‫ُبُيوِت َأْخ َو اِلُك ْم َأْو ُبُيوِت َخ ااَل ِتُك ْم َأْو َم ا َم َلْك ُتْم َم َفاِتَح ُه َأْو َصِد يِقُك ْم َلْيَس َع َلْيُك ْم‬
‫ُج َناٌح َأْن َتْأُك ُلوا َج ِم يًعا َأْو َأْشَتاًتا َفِإَذ ا َد َخ ْلُتْم ُبُيوًتا َفَس ِّلُم وا َع َلى َأنُفِس ُك ْم َتِح َّيًة‬
‫ِّم ْن ِع نِد هللا ُم َباَر َك ًة َطِّيَبًة َك َذ ِلَك ُيَبِّيُن هللا َلُك ُم اآْل َياِت َلَعَّلُك ْم َتْع ِقُلوَن } [سورة‬
‫النور‪]٦١ :‬‬

‫‪َ{ -‬لْيَس َع َلى اَأْلْع َم ى َحَر ٌج َو اَل َع َلى اَأْلْع َر ِج َحَر ٌج َو اَل َع َلى اْلَم ِريِض‬
‫َحَر ٌج}‪:‬‬
‫اختلف أهل العلم في هذه اآلية هل هي محكمٌة أو منسوخة؟ قال باألول‬
‫جماعة من العلماء وبالثاني جماعة‪.‬‬
‫‪ -‬قيل في سبب نزول هذه اآلية إن المسلمين كانوا إذا غزوا خلفوا زمناهم‬
‫يعني المرضى‪ ،‬وكانوا يدفعون إليهم مفاتيح أبوابهم ويقولون لهم قد أحللنا‬

‫‪279‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫لكم أن تأكلوا مما في بيوتنا‪ ،‬وكانوا يتحرجون من ذلك ويقولون‪" :‬لن‬


‫ندخلها وهم ِغ َّيٌب "‪ .‬فنزلت هذه اآلية رخصة لهم‪.‬‬
‫‪ -‬ومعنى{َو اَل َع َلى َأنُفِس ُك ْم } أي وال حرج عليكم وال على من ُيماثلكم من‬
‫المؤمنين أن تأكلوا أنتم ومن معكم‪.‬‬

‫‪ -‬ومعنى{ِم ن ُبُيوِتُك ْم } يعني البيوت التي فيها متاعهم وأهلهم‪.‬‬


‫‪َ{ -‬أْو ُبُيوِت آَباِئُك ْم َأْو ُبُيوِت ُأَّمَهاِتُك ْم َأْو ُبُيوِت ِإْخ َو اِنُك ْم َأْو ُبُيوِت َأَخ َو اِتُك ْم َأْو‬
‫ُبُيوِت َأْع َم اِم ُك ْم َأْو ُبُيوِت َع َّم اِتُك ْم َأْو ُبُيوِت َأْخ َو اِلُك ْم َأْو ُبُيوِت َخ ااَل ِتُك ْم }‪:‬‬
‫‪ ‬فقيل‪ :‬ال ُيشترط اإلذن من هؤالء في األكل من بيوتهم‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل‪ُ :‬يشترط اإلذن‪.‬‬
‫‪َ{ -‬أْو َم ا َم َلْك ُتْم َم َفاِتَح ُه} أي البيوت التي تملكون التصرف فيها بإذن أربابها‬
‫وذلك كالُو كالء والعبيد والُخ زان فإنهم يملكون التصرف في بيوت من أذن‬
‫لهم بدخول بيته وأعطاهم مفاتحه‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل المراد بها بيوت المماليك‪.‬‬

‫‪َ{ -‬أْو َصِد يِقُك ْم } وإن لم يكن بينكم وبينه قرابة فإن الصديق في الغالب يسمح‬
‫لصديقه بذلك وتطيب به نفسه‪ ،‬والصديق ُيطلق على الواحد والجمع‪.‬‬
‫‪ -‬ثم قال‪َ{ :‬لْيَس َع َلْيُك ْم ُج َناٌح َأْن َتْأُك ُلوا َجِم يًعا َأْو َأْش َتاًتا} والمعنى ليس عليكم‬
‫جناح أن تأكلوا مجتمعين أو مفترقين‪.‬‬
‫‪َ{ -‬فِإَذ ا َد َخ ْلُتْم ُبُيوًتا} أي غير البيوت التي تقدم ذكرها‪.‬‬

‫️⬅وهذا بيان أدٍب آخر أدب هللا به عباده‪.‬‬


‫‪َ{ -‬فَس ِّلُم وا َع َلى َأنُفِس ُك ْم } أي على أهلها الذين هم بمنزلة أنفسكم‪.‬‬
‫‪َ{ -‬تِح َّيًة ِم ْن ِع نِد هللا ُم َباَر َك ًة َطِّيَبًة} أي تطيب بها نفس المستمع‪.‬‬
‫‪َ{ -‬ك َذ ِلَك ُيَبِّيُن هللا َلُك ُم اآْل َياِت َلَع َّلُك ْم َتْع ِقُلوَن } وهذا تعليٌل لذلك التبيين برجاء‬
‫تعقل آيات هللا سبحانه وفهم معانيها‪.‬‬

‫‪280‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫۞ اآلية الخامسة عشرة‪:‬‬


‫قال تعالى‪ِ{ :‬إَّنَم ا اْلُم ْؤ ِم ُنوَن اَّلِذ يَن آَم ُنوا ِباِهَّلل َو َرُس وِلِه َوِإَذ ا َك اُنوا َم َعُه َع َلى‬
‫َأْمٍر َج اِم ٍع َّلْم َيْذ َهُبوا َح َّتى َيْس َتْأِذ ُنوُه ۚ ِإَّن اَّلِذ يَن َيْس َتْأِذ ُنوَنَك ُأوَلِئَك اَّلِذ يَن‬
‫ُيْؤ ِم ُنوَن ِباِهَّلل َو َرُس وِلِهۚ َفِإَذ ا اْس َتْأَذ ُنوَك ِلَبْع ِض َش ْأِنِهْم َفْأَذ ن ِّلَم ن ِش ْئَت ِم ْنُهْم‬
‫َو اْس َتْغ ِفْر َلُهُم َهَّللاۚ ِإَّن َهَّللا َغُفوٌر َّر ِح يٌم } [النور‪]٦٢ :‬‬

‫{َفِإَذ ا اْسَتْأَذُنوَك } أي المؤمنين يا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{ِلَبْع ِض َش ْأِنِهْم َفْأَذ ن ِّلَم ن ِش ْئَت ِم ْنُهْم } أي األمور التي تهمهم فأذن لمن‬ ‫‪-‬‬
‫شئت منهم‪ ،‬وامنع من تشاء على حسب ما تقتضيه المصلحة التي تراها‪.‬‬
‫ثم أرشده هللا سبحانه وتعالى إلى االستغفار لهم بقوله‪َ{ :‬و اْسَتْغ ِفْر َلُهُم َهَّللا}‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{ِإَّن َهَّللا َغ ُفوٌر َّر ِح يٌم } أي كثير الرحمة والمغفرة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫💎 سورة الفرقان 💎‬
‫‪ -‬وهي سبٌع وسبعون آية‪ ،‬وهي مكيٌة‪.‬‬

‫۞ اآلية األولى‪:‬‬
‫قال تعالى‪َ{ :‬و ُهَو اَّلِذ ي َأْر َس َل الِّر َياَح ُبْش ًر ى َبْيَن َيَدْي َرْح َم ِتِه َو َأنَز ْلَنا ِم َن‬
‫الَّس َم اِء َم اًء َطُهوًر ا} [الفرقان‪]٤٨ :‬‬
‫‪َ{ -‬و َأنَز ْلَنا ِم َن الَّس َم اِء َم اًء َطُهوًرا} أي ُيتطهر به‪.‬‬
‫‪ -‬والماء الطهور هو الطاهر في ذاته الُم طهر لغيره وهو الذي يرفع األحداث‬
‫فال يرفع الحدث إال الماء الطهور المذكور في القرآن والسنة‪.‬‬
‫۞ اآلية الثانية‪:‬‬
‫قال تعالى‪َ{ :‬و اَّلِذ يَن َيِبيُتوَن ِلَرِّبِهْم ُسَّج ًد ا َو ِقَياًم ا} [الفرقان‪.]٦٤ :‬‬
‫‪َ{ -‬و اَّلِذ يَن َيِبيُتوَن }‪ :‬يعني أن ُيدركوا الليل لربهم ُسجًد ا على وجوههم وِقياًم ا‬
‫على أقدامهم‪.‬‬

‫‪281‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫۞ اآلية الثالثة‪:‬‬
‫قال هللا تعالى‪َ{ :‬و اَّلِذ يَن ِإَذ ا َأنَفُقوا َلْم ُيْس ِر ُفوا َو َلْم َيْقُتُر وا َو َك اَن َبْيَن َذ ِلَك‬
‫َقَو اًم ا} [الفرقان‪.]٦٧ :‬‬

‫‪َ{ -‬و اَّلِذ يَن ِإَذ ا َأْنَفُقوا َلْم ُيْس ِرُفوا َو َلْم َيْقُتُروا}‪:‬‬
‫‪ ‬فقيل في معنى اآلية إن من أنفق في غير طاعة فهو اإلسراف‪ ،‬ومن‬
‫أمسك عن طاعة هللا فهو اإلقتار‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل‪ :‬هو الذي ال يجوع وال يعرى‪ ،‬وال ينفق نفقًة يقول الناس قد أسرف‪.‬‬
‫معنى اآلية أن يكون وسًطا في اإلنفاق‪.‬‬

‫۞ اآلية الرابعة‪:‬‬
‫قال تعالى‪َ{ :‬و اَّلِذ يَن َيُقوُلوَن َرَّبَنا َهْب َلَنا ِم ْن َأْز َو اِج َنا َو ُذ ِّر َّياِتَنا ُقَّر َة َأْع ُيٍن‬
‫َو اْج َعْلَنا ِلْلُم َّتِقيَن ِإَم اًم ا} [الفرقان‪]٧٤ :‬‬
‫‪ -‬يعني قدوًة ُيقتدى بنا في الخير‪.‬‬
‫‪ -‬وفي اآلية دليٌل على أن الرياسة الدينية مما يجب أن ُيطلب وُيرغب فيها‪،‬‬
‫واألقرب أنهم سألوا هللا أن ُيَّبلغهم في الطاعة المبلغ الذي به ُيشار إليه‬
‫وُيقتدى بهم فيه‪.‬‬

‫💎 سورة القصص 💎‬
‫‪ -‬وهي مكيٌة كلها‪.‬‬

‫‪282‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫۞ اآلية األولى‪:‬‬
‫قال هللا تعالى‪َ{ :‬قاَل ِإِّني ُأِر يُد َأْن ُأنِكَح َك ِإْح َد ى اْبَنَتَّي َهاَتْيِن َع َلى َأن َتْأُج َرِني‬
‫َثَم اِنَي ِح َج ٍجۖ َفِإْن َأْتَم ْم َت َع ْش ًر ا َفِم ْن ِع نِد َكۖ َو َم ا ُأِر يُد َأْن َأُشَّق َع َلْيَكۚ َس َتِج ُد ِني‬
‫ِإن َشاَء ُهَّللا ِم َن الَّص اِلِح يَن } [القصص‪]٢٧ :‬‬

‫فيه مشروعية عرض ولي المرأة لها على الرجل وهذا سنة ثابتة في‬ ‫‪-‬‬
‫اإلسالم كما ثبت من عرض عمر البنته على أبي بكِر وعثمان كما هو‬
‫معروٌف ‪ ،‬وكذلك ما وقع من عرض المرأة لنفسها على رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫{َع َلى َأن َتْأُج َرِني َثَم اِنَي ِح َج ٍج} على أن تكون أجيًر ا لي ثماني سنين ترعى‬ ‫‪-‬‬
‫غنمي‪.‬‬
‫{َفِإْن َأْتَم ْم َت َع ْش ًرا َفِم ْن ِع نِد َك } أي تفضاًل منك ال إلزاًم ا مني لك‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{َو َم ا ُأِريُد َأْن َأُش َّق َع َلْيَك } بإلزامك إتمام العشرة األعوام‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫{َس َتِج ُد ِني ِإن َش اَء ُهَّللا ِم َن الَّصاِلِح يَن } في حسن الصحبة والوفاء‪ ،‬وقيل أراد‬ ‫‪-‬‬
‫الصالح على العموم‪.‬‬

‫🔶 أسئلة على المحاضرة‪:‬‬

‫🔸 السؤال األول‪:‬‬
‫ما المراد بـالخصمين في قوله‪َ{ :‬هَذ اِن َخْص َم اِن } [الحج‪]١٩ :‬؟‬

‫🔸السؤال الثاني‪:‬‬

‫‪283‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫ما المراد بالقانع والُم عتر؟‬

‫🔸 السؤال الثالث‪:‬‬

‫ما المراد "بَم ا َظَهَر ِم ْنَها" في قوله تعالى‪َ{ :‬و اَل ُيْبِد يَن ِزيَنَتُهَّن ِإاَّل َم ا َظَهَر‬
‫ِم ْنَها} [النور‪]٣١ :‬؟‬

‫‪284‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫جامعة صفوة‬

‫كلية العلوم الشرعية والعربية‬

‫مقرر التفسير‬

‫الفرقة الثالثة‬

‫المحاضرة السادسة عشرة‬

‫من كتاب [نيل المرام من تفسير آيات األحكام]‬

‫شرح الدكتور‪ /‬سعد معوض حفظه هللا‬

‫إن الحمد هلل تعالى نحمده ونستعين به ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل تعالى من شرور أنفسنا ومن‬
‫سيئات أعمالنا‪ ،‬إنه من يهده هللا تعالى فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله‬
‫إال هللا وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمًد ا عبده ورسوله‪ ،‬اللهم صِّل على محمٍد وعلى آل‬
‫محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد‪ ،‬اللهم بارك على محمٍد وعلى‬
‫آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد‪.‬‬

‫وبعد‪:‬‬

‫هذه المحاضرة السادسة عشرة من شرح كتاب نيل المرام من تفسير آيات األحكام لمحمد‬
‫صديق خان رحمة هللا عليه‪.‬‬

‫مع سورة محمد صلى هللا عليه وسلم‬

‫‪285‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫وآياتها تسع وثالثون‪ ،‬وقيل ثمان وثالثون آية‪.‬‬

‫وتسمى أيًض ا بسورة القتال‪.‬‬

‫وأيضا تسمى بسورة الذين كفروا‪.‬‬

‫وهي مدنية‪.‬‬

‫🔺 قال اآلية األولى‪.‬‬

‫قال تعالى‪َ{ :‬فِإَذ ا َلِقيُتُم اَّلِذيَن َك َف ُر وا َفَضْر َب الِّر َقاِب َح َّتٰى ِإَذ ا َأْث َخ نُتُم وُه ْم َف ُشُّدوا اْلَو َث اَق َفِإَّم ا‬
‫َٰذ‬
‫َم ًّن ا َبْع ُد َو ِإَّم ا ِفَداًء َح َّتٰى َت َضَع اْلَح ْر ُب َأْو َز اَر َهاۚ ِلَك َو َلْو َي َش اُء ُهَّللا اَل نَت َصَر ِم ْن ُهْم َو َٰل ِكن ِّلَيْب ُلَو‬
‫َبْع َض ُك م ِبَبْع ٍض ۗ َو اَّلِذيَن ُقِتُلوا ِفي َس ِبيِل ِهَّللا َفَلن ُيِض َّل َأْع َم اَلُهْم } [محمد‪.]٤ :‬‬

‫• والمعنى‪ :‬إذا بالغتم في قتل المشركين والكافرين فأسروهم واحفظوهم بالوثاق‪.‬‬

‫• {َفِإَّما َم ًّنا َب ْع ُد َو ِإَّما ِفَداًء}‪ :‬أي إما أن تمنوا عليهم بعد األسر مًن ا‪ ،‬أو تفدوا فداء‪.‬‬

‫• والمُّن ‪ :‬اإلطالق بغير ِع وض‪.‬‬

‫• والفداء‪ :‬ما يفدي به األسير نفسه من األسر ‪.‬‬

‫‪286‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫🌀 وقد اختلف العلماء في هذه اآلية‪:‬‬

‫❓ هل هي منسوخة او محكمة؟‬

‫🔸 فقيل إنها منسوخة في أهل األوثان‪ ،‬وأنه ال يجوز أن يفادوا وال ُيمُّن عليهم‪.‬‬

‫🔸 وقال كثير من العلماء إن اآلية محكمة‪ ،‬وإن اإلمام مخير بين القتل واألسر‪ ،‬وبعد األسر‬

‫مخير بين المن والفداء‪.‬‬

‫🔺 ثم قال اآلية الثانية‪.‬‬

‫قال تعالى‪َ{ :‬فاَل َت ِه ُنوا َو َت ْد ُع وا ِإَلى الَّس ْلِم َو َأنُتُم اَأْلْع َلْو َن َو ُهَّللا َمَع ُك ْم َو َلن َي ِتَر ُك ْم َأْع َم اَلُك ْم }‬
‫[محمد‪.]٣٥ :‬‬

‫• قال {َفاَل َت ِه ُنوا}‪ :‬أي ال تضعفوا عن القتال‪.‬‬

‫• والوهن‪ :‬الضعف‪.‬‬

‫• وال تدعوا‪ :‬أي الكفار‪.‬‬

‫• {ِإَلى الَّس ْل ِم }‪ :‬أي الصلح‪.‬‬

‫🌀 ثم قيل أن اآلية محكمة‪ ،‬وقيل إنها منسوخة‪.‬‬

‫‪287‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫🔳 والراجح وهللا أعلم أنها محكمة‪.‬‬

‫• ثم قال {َو َأنُتُم اَأْلْع َلْو َن }‪ :‬أي وأنتم الغالبون بالسيف والحجة‪.‬‬

‫• وكذلك {َو ُهَّللا َمَع ُك ْم }‪ :‬أي بالنصر والمعونة عليهم‪.‬‬

‫ثم قال‪ :‬سورة الفتح‪:‬‬

‫تسع وعشرون آية‪.‬‬

‫وهي مدنية‪.‬‬

‫🔺 اآلية األولى‬

‫قال تعالى‪ُ{ :‬ه ُم اَّلِذيَن َك َف ُر وا َو َص ُّدوُك ْم َع ِن اْلَمْس ِج ِد اْلَح َر اِم َو اْلَه ْد َي َمْع ُك وًفا َأن َيْب ُلَغ َم ِحَّلُه ۚ ‬
‫َو َلْو اَل ِر َج اٌل ُّم ْؤ ِم ُنوَن َو ِنَس اٌء ُّم ْؤ ِم َن اٌت َّلْم َت ْع َلُم وُه ْم َأن َت َط ُئوُه ْم َفُتِص يَب ُك م ِّم ْن ُهم َّمَعَّر ٌة ِبَغ ْي ِر ِع ْلٍم ۖ ‬
‫ِّلُيْد ِخَل ُهَّللا ِفي َر ْح َم ِتِه َم ن َي َش اُء ۚ َلْو َتَز َّي ُلوا َلَع َّذ ْب َن ا اَّلِذيَن َك َف ُر وا ِم ْن ُهْم َع َذ اًب ا َأِليًم ا} [الفتح‪:‬‬
‫‪.]٢٥‬‬

‫• قال {َو َلْو اَل ِر َج اٌل ُّمْؤ ِم ُنوَن َو ِنَس اٌء ُّمْؤ ِم َن اٌت }‪ :‬يعني المستضعفين ممن آمن في مكة‪.‬‬

‫• ومعنى{َّلْم َت ْع َلُموُه ْم }‪ :‬أي لم تعرفوهم‪ ،‬وقيل لم تعلموا أنهم مؤمنون‪.‬‬

‫‪288‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫• ثم قال {َأن َت َط ُئوُه ْم }‪ :‬بالقتل واإليقاع‪.‬‬

‫• ثم قال {َفُتِص يَب ُك م}‪ :‬أي من جهتكم‪.‬‬

‫• {َّم َع َّر ٌة}‪ :‬أي مشقة بما يلزمكم من قتلهم من كفارٍة وعيٍب‪.‬‬

‫• ثم قال{ِبَغ ْي ِر ِع ْلٍم }‪ :‬أي أن تقاتلوهم بغير علم‪.‬‬

‫️⚫ ثم قال‪ :‬سورة الحجرات‪:‬‬

‫ثمان عشرة آية‪.‬‬

‫وهي مدنية‪.‬‬

‫🔺 قال اآلية األولى‪.‬‬

‫{َي ا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُنوا ِإن َج اَء ُك ْم َفاِس ٌق ِبَن َب ٍإ َفَت َبَّي ُنوا َأن ُتِص يُبوا َقْو ًم ا ِبَج َه اَلٍة َفُتْص ِبُح وا َع َلٰى َم ا‬
‫َفَع ْل ُتْم َن اِدِميَن } [الحجرات‪.]٦ :‬‬

‫• {َي ا َأُّي َه ا اَّلِذيَن آَم ُنوا ِإن َج اَء ُك ْم َفاِس ٌق ِبَن َب ٍإ َفَت َب َّي ُن وا}‪ :‬والمراد من التبين التعرف والتفحص‪.‬‬

‫• ومن [التثبت] في قراءة أخرى‪ :‬األناة‪ ،‬وعدم العجلة‪ ،‬والتبصر في األمر الواقع والخبر‬
‫الوارد حتى يتضح ويظهر‪.‬‬

‫• كل ذلك كراهية {َأن ُتِص يُبوا َقْو ًما ِبَج َه اَلٍة}‪ :‬يعني بجهالة حالهم‪.‬‬

‫‪289‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫• {َف ُتْص ِبُح وا َع َلٰى َم ا َفَع ْلُتْم }‪ :‬بهم من إصابتهم بالخطأ {َن اِدِميَن } على ذلك‪ ،‬مغتمين له‪ ،‬مهتمين‬
‫به‪.‬‬

‫🔺 ثم قال اآلية الثانية‪.‬‬

‫قال تعالى‪َ{ :‬و ِإن َط اِئَف َت اِن ِمَن اْل ُم ْؤ ِمِنيَن اْق َتَت ُلوا َفَأْص ِلُح وا َبْي َن ُهَم اۖ َفِإن َب َغ ْت ِإْح َداُه َم ا َع َلى‬
‫اُأْلْخ َر ٰى َفَقاِتُلوا اَّلِتي َت ْب ِغي َح َّتٰى َت ِفيَء ِإَلٰى َأْم ِر ِهَّللاۚ َفِإن َفاَء ْت َفَأْص ِلُح وا َبْي َن ُهَم ا ِباْلَع ْد ِل‬
‫َو َأْق ِس ُط واۖ ِإَّن َهَّللا ُيِح ُّب اْلُم ْق ِس ِط يَن } [الحجرات‪.]٩ :‬‬

‫• {َو ِإن َط اِئَفَت اِن ِمَن اْلُمْؤ ِمِنيَن اْق َتَت ُلوا}‪ :‬باعتبار كل فرد من أفراد الطائفتين‪.‬‬

‫• قال {َفَأْص ِلُحوا َب ْي َن ُهَم ا}‪ :‬أي إذا تقاتل فريقان من المسلمين فعلى المسلمين أن يسعوا في‬
‫الصلح بينهم‪ ،‬ويدعوهم إلى حكم هللا‪.‬‬

‫• {َفِإن َب َغ ْت ِإْح َداُه َم ا َع َلى اُأْلْخ َر ٰى َفَقاِتُلوا اَّلِتي َت ْبِغي َح َّت ٰى َت ِفيَء ِإَلٰى َأْم ِر ِهَّللا َفِإن َفاَء ْت‬
‫َفَأْص ِلُحوا َب ْي َن ُهَم ا ِباْل َع ْد ِل }‪ :‬أي فإن حصل بعد ذلك التعدي من إحدى الطائفتين على األخرى ولم‬
‫تقبل الصلح وال دخلت فيه‪ ،‬كان على المسلمين أن يقاتلوا هذه الطائفة الباغية حتى ترجع إلى‬
‫أمر هللا وحكمه‪ ،‬فإن رجعت تلك الطائفة الباغية عن بغيها وأجابت الدعوة إلى كتاب هللا‬
‫وحكمه‪ ،‬فعلى المسلمين أن يعدلوا بين الطائفتين في الحكم‪ ،‬ويتحروا في الصواب المطابق‬
‫لحكم هللا‪ ،‬ويأخذوا على يد الطائفة الظالمة حتى تخرج من الظلم وتؤدي ما يجب عليها‬
‫لألخرى‪.‬‬

‫️⚫ ثم قال‪ :‬سورة النجم‪:‬‬

‫‪290‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫إحدى وستون آية‪ ،‬وقيل اثنتان وستون آية‪.‬‬

‫وهي مكية‪.‬‬

‫🔺 قال اآلية األولى‪.‬‬

‫قال تعالى‪َ{ :‬و َأن َّلْيَس ِلِإْل نَس اِن ِإاَّل َم ا َسَع ٰى } [النجم‪.]٣٩ :‬‬

‫أي ليس له إال أجر سعيه‪ ،‬وجزاء عمله‪ ،‬وال ينفع أحًد ا عمل أحٍد‪ ،‬وهذا العموم مخصوٌص ‪.‬‬

‫🔺 مثل قوله سبحانه‪َ{ :‬أْلَح ْق َن ا ِبِه ْم ُذ ِّر َّي َت ُهْم } [الطور‪]٢١ :‬إلى آخره‪.‬‬

‫• يعني هذا العموم مخصوص بما جاءت به األدلة من الكتاب أو السنة‪ ،‬كدعاء الولد ألبيه‪،‬‬
‫وكانقطاع العمل بعد الموت إال من ثالثة كما قال النبي صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬

‫️⚫ ثم قال‪ :‬سورة الواقعة ‪:‬‬

‫سبع أو ست وتسعون آية‪.‬‬

‫وهي مكية‪.‬‬

‫‪291‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫🔺 قال اآلية األولى‪.‬‬

‫{اَّل َيَمُّس ُه ِإاَّل اْلُم َط َّهُر وَن } [الواقعة‪.]٧٩ :‬‬

‫🔆 أكثر المفسرين على أن الضمير عائد إلى الكتاب المكنون‪.‬‬

‫• و{اْل ُم َط َّهُروَن }‪ :‬هم المالئكة‪ ،‬وقيل هم المالئكة والرسل من بني آدم‪.‬‬

‫• ومعنى {اَّل َيَم ُّسُه}‪ :‬يعني المس الحقيقي‪.‬‬

‫• وقيل المعنى ال ينزل به إال المطهرون‪.‬‬

‫• وقيل المعنى ال يقرأه‪.‬‬

‫وعلى كون المراد بالكتاب المكنون هو القرآن‪.‬‬

‫• فقيل {اَّل َيَم ُّسُه ِإاَّل اْلُم َط َّهُروَن }‪ :‬من األحداث واألنجاس‬

‫• وقيل أيًضا كما ذهب إليه الجمهور {اَّل َيَم ُّسُه ِإاَّل اْلُم َط َّهُروَن }‪ :‬يعني من تطهر من الحدثين؛‬
‫من الحدث األصغر ومن الحدث األكبر‪ ،‬وإليه ذهب جماهير أهل العلم‪.‬‬

‫️⚫ ثم قال‪ :‬سورة الحديد‪:‬‬

‫وهي تسع وعشرون آية‪.‬‬

‫‪292‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫وهي مدنية‪.‬‬

‫🔺 قال اآلية األولى‪.‬‬

‫{ُثَّم َقَّف ْي َن ا َع َلٰى آَث اِر ِهم ِبُرُس ِلَن ا َو َقَّف ْي َن ا ِبِعيَس ى اْب ِن َمْر َي َم َو آَت ْي َن اُه اِإْلنِج يَل َو َج َع ْلَن ا ِفي ُقُلوِب اَّلِذيَن‬
‫اَّت َبُع وُه َر ْأَفًة َو َر ْح َم ًة َو َر ْه َب اِنَّي ًة اْب َت َد ُع وَها َم ا َكَت ْب َن اَها َع َلْي ِهْم ِإاَّل اْب ِتَغ اَء ِر ْض َو اِن ِهَّللا َف َم ا َر َع ْو َها‬
‫َح َّق ِر َع اَي ِتَه اۖ َف آَت ْي َن ا اَّلِذيَن آَم ُنوا ِم ْن ُهْم َأْج َر ُه ْم ۖ َو َك ِثيٌر ِّم ْن ُهْم َفاِس ُقوَن } [الحديد‪.]٢٧ :‬‬

‫• قال {َو َج َع ْلَن ا ِفي ُقُلوِب اَّلِذيَن اَّت َب ُعوُه َر ْأَف ًة }‪ :‬يعني الحواريين جعل هللا في قلوبهم مودة‬
‫لبعضهم البعض‪.‬‬

‫• {َو َر ْح َم ًة }‪ :‬يتراحمون بها‪ ،‬بخالف اليهود فإنهم ليسوا كذلك‪.‬‬

‫• {َو َر ْه َب اِنَّي ًة اْب َت َد ُعوَه ا}‪ :‬أي ابتدعوا هذه الرهبانية‪ ،‬وهي الغلو في العبادة‪ ،‬وحملوا على‬
‫أنفسهم المشقات في االمتناع من المطعم والمشرب والمنكح‪ ،‬وتعلقوا بالكهوف والصوامع‪.‬‬

‫• {َم ا َكَت ْب َن اَه ا َع َلْي ِه ْم }‪ :‬أي ما فرضناها عليهم‪.‬‬

‫• {ِإاَّل اْب ِتَغ اَء ِر ْض َو اِن ِهَّللا َفَم ا َر َع ْو َه ا}‪ :‬أي هذه الرهبانية التي ابتدعوها من جهة أنفسهم ما‬
‫رعوها حق رعايتها؛ بل ضيعوها‪ ،‬وكفروا بدين عيسى‪ ،‬ودخلوا في دين الملوك الذين غيروا‬
‫وبدلوا وتركوا التَر ُهب ولم يبَق على دين عيسى إال قليل منهم‪.‬‬

‫• وهم المرادون بقوله {َفآَت ْي َن ا اَّلِذيَن آَم ُنوا ِم ْن ُهْم َأْج َر ُه ْم }‪ :‬الذي يستحقونه باإليمان‪ ،‬وذلك ألنهم‬
‫آمنوا بعيسى‪ ،‬وثبتوا على دينه حتى آمنوا بمحمد صلى هللا عليه وسلم لما بعثه هللا‪.‬‬

‫• ثم قال {َو َك ِثيٌر ِّم ْن ُهْم َفاِس ُقوَن }‪ :‬يعني خارجون عن اإليمان بما أمروا أن يؤمنوا به‪.‬‬

‫‪293‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫️⚫ ثم قال‪ :‬سورة المجادلة‪:‬‬

‫وهي مدنية‪.‬‬

‫🔺 اآليتان األولى والثانية‪.‬‬

‫قال تعالى‪َ{ :‬و اَّلِذيَن ُيَظ اِه ُر وَن ِمن ِّن َس اِئِهْم ُثَّم َيُع وُدوَن ِلَم ا َقاُلوا َفَت ْح ِر يُر َر َقَب ٍة ِّم ن َقْب ِل َأن‬
‫َٰذ‬
‫َي َت َم اَّس اۚ ِلُك ْم ُتوَع ُظ وَن ِبِهۚ َو ُهَّللا ِبَم ا َت ْع َم ُلوَن َخ ِبيٌر (‪َ )٣‬فَم ن َّلْم َي ِج ْد َفِص َي اُم َش ْهَر ْي ِن ُم َتَت اِبَعْي ِن‬
‫ِمن َقْب ِل َأن َي َت َم اَّس اۖ َفَم ن َّلْم َيْس َت ِط ْع َفِإْط َع اُم ِس ِّت يَن ِم ْس ِكيًن اۚ َٰذ ِلَك ِلُتْؤ ِم ُنوا ِباِهَّلل َو َر ُس وِلِهۚ َو ِتْلَك‬
‫ُح ُدوُد ِهَّللاۗ َو ِلْلَك اِفِر يَن َع َذ اٌب َأِليٌم(‪[ })٤‬المجادلة‪.]٤-٣ :‬‬

‫• قال {َو اَّلِذيَن َظ اِهُروَن ِمن ِّن َساِئِه ْم }‪ :‬بأن يقول الزوج المرأته أنِت علي كظهر أمي‪.‬‬

‫• {ُثم َي ُعوُد وَن ِلَم ا َقاُلوا}‪ :‬يعني يتدارك أحدهم ذلك ويتركه‪ ،‬فجاءت الكفارة لمن عاد في هذا‬
‫اليمين‪.‬‬

‫• فقال تعالى {َفَت ْح ِر يُر َر َق َب ٍة}‪ :‬أي فعليهم تحرير رقبة من أجل ما قالوا‪ ،‬فإذا عزم على الوطء‬
‫وأراد امرأته فعليه هذه الكفارة‪.‬‬

‫أواًل {َت ْح ِر يُر َر َق َب ٍة ِّمن َقْب ِل َأن َي َت َم اَّسا}‪ :‬أي من قبل الجماع‪.‬‬

‫• ثم قال{َٰذ ِلُك ْم ُتوَع ُظ وَن ِبِه} يعني هذا الحكم المذكور تؤمرون به‪ ،‬أو تْز َج رون به عن‬
‫ارتكاب الظهار‪.‬‬

‫‪294‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫• {َو ُهَّللا ِبَم ا َت ْع َم ُلوَن َخ ِبيٌر} ال يخفى عليه شيء من أعمالكم فهو مجازيكم عليه‪.‬‬

‫• ثم قال ‪{:‬فَم ن َّلْم َي ِج ْد َفِص َي اُم َش ْه َر ْي ِن ُم َتَت اِبَع ْي ِن ِمن َقْب ِل َأن َي َت َم اَّسا}‪ :‬أي فمن لم يجد الرقبة في‬
‫ملكه ولم يتمكن من قيمتها؛ فعليه صيام شهرين متواليين ال يفطر فيهما؛ فإن أفطر يستأنف إن‬
‫كان اإلفطار لغير عذر‪ ،‬وإن كان لعذر من سفر أو مرض فالراجح أنه ال يستأنف هذا الصيام‪.‬‬

‫• ثم قال‪َ{ :‬فَم ن َّلْم َي ْس َت ِط ْع َفِإْط َع اُم ِس ِّت يَن ِم ْس ِك يًن ا}‪ :‬يعني من لم يستطيع عتق رقبة‪ ،‬وال الصيام؛‬
‫فعليه أن يطعم ستين مسكيًن ا عن كل مسكين نصف صاع من طعام‪.‬‬

‫• {َٰذ ِلَك } هذه األحكام السابقة‪.‬‬

‫• {ِلُتْؤ ِم ُنوا ِباِهَّلل َو َر ُسوِلِه}‪ :‬أي لتصدقوا أن هللا أمر به وشرعه‪ ،‬أو لتطيعوا هللا ورسوله في‬
‫األوامر والنواهي وتقفوا عند حدود الشرع وال تعتدوها‪ ،‬وال تعودوا إلى الظهار الذي هو منكر‬
‫من القول وزور‪.‬‬

‫• ثم قال { َو ِتْلَك ُح ُد وُد ِهَّللا}‪ :‬أي هذه األحكام حدود هللا فال تتجاوزوها‪.‬‬

‫• {َو ِلْل َك اِفِر يَن َع َذ اٌب َأِليٌم}‪ :‬الكافرين الذين ال يقفون عند حدود‪ ،‬وال يعلمون بما حده هللا لعباده‬
‫وسماه كفًر ا تغليًظ ا وتشديًد ا‪.‬‬

‫{َع َذ اٌب َأِليٌم}‪ :‬وهو عذاب جهنم‪.‬‬

‫️⚫ ثم قال‪ :‬سورة الحشر‪:‬‬

‫وهي مدنية‪.‬‬

‫‪295‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫🔺 قال اآلية األولى‪.‬‬

‫{َم ا َقَط ْع ُتم ِّم ن ِّليَن ٍة َأْو َت َر ْك ُتُم وَها َقاِئَم ًة َع َلٰى ُأُص وِلَه ا َفِبِإْذ ِن ِهَّللا َو ِلُيْخ ِز َي اْلَفاِس ِقيَن } [الحشر‪:‬‬
‫‪.]٥‬‬

‫🔻 قال مجاهد‪ :‬إن بعض المهاجرين وقعوا في قطع النخل فنهاهم بعضهم وقالوا‪ :‬إنما هي‬

‫مغانم للمسلمين‪ ،‬وقال الذين قطعوا‪ :‬بل هو غيظ للعدو‪ ،‬فنزل القرآن بتصديق من نهى عن‬
‫قطع النخيل وتحليل من قطعه من اإلثم‪.‬‬

‫🌀 واختلف المفسرون في اللينة‪:‬‬

‫‪ -‬فقيل‪ :‬هو النخل كله إال العجوة‪.‬‬

‫‪ -‬وقيل‪ :‬هي كرام النخل‪.‬‬

‫‪ -‬وقيل‪ :‬هو درب من النخل‪.‬‬

‫💠 وقد استدل باآلية على أن حصون الكفار وديارهم ال بأس أن تهدم وتحرق وترمى‬

‫بالمجانيق وكذلك قطع أشجارهم ونحوها‪.‬‬

‫💠 وكذا استدل بها على جواز االجتهاد‪ ،‬وعلى تصويب المجتهدين‪.‬‬

‫والبحث مستوٍف في كتب األصول‪.‬‬

‫‪296‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫🔺 ثم قال اآلية الثانية‪.‬‬

‫َٰل‬
‫قال تعالى‪َ{ :‬و َم ا َأَفاَء ُهَّللا َع َلٰى َر ُس وِلِه ِم ْن ُهْم َفَم ا َأْو َج ْف ُتْم َع َلْي ِه ِمْن َخ ْي ٍل َو اَل ِر َك اٍب َو ِكَّن َهَّللا‬
‫ُيَس ِّلُط ُرُس َلُه َع َلٰى َم ن َي َش اُء ۚ َو ُهَّللا َع َلٰى ُك ِّل َش ْي ٍء َق ِديٌر } [الحشر‪.]٦ :‬‬

‫• {َو َم ا َأَفاَء ُهَّللا َع َلٰى َر ُسوِلِه ِم ْن ُهْم }‪ :‬أي ما رده عليه من أموال الكفار‪.‬‬

‫• {َف َم ا َأْو َج ْفُتْم َع َلْي ِه ِم ْن َخ ْي ٍل َو اَل ِر َك اٍب}‪ :‬المعنى لم تركبوا لتحصيلها خياًل وال إباًل ‪ ،‬وال‬
‫تجشمتم لها مشقة‪ ،‬وال لقيتم به حربا‪ ،‬وإنما كانت من المدينة على ميلين (يعني‪ :‬بني النضير)‬
‫فجعلها هللا سبحانه وتعالى لرسوله صلى هللا عليه وسلم خاصة‪ ،‬فإنه افتتحها صلًح ا وأخذ‬
‫أموالها‪ ،‬وقد كان يسأله المسلمون أن يقسم لهم فنزلت اآلية‪.‬‬

‫• ثم قال{َو َٰل ِكَّن َهَّللا ُيَس ِّلُط ُرُس َلُه َع َلٰى َم ن َي َش اُء}‪ :‬من أعدائه‪.‬‬

‫قال‪ :‬وفي هذا بيان أن تلك األموال كانت خاصة بالنبي صلى هللا عليه وسلم دون أصحابه؛‬
‫لكونهم لم يجفوا عليها بخيل ال ركاب‪ ،‬بل مشوا إليها مشيا ولم يقاسوا فيها شيًئ ا من شدائد‬
‫الحرب‪.‬‬

‫• ثم قال {َو ُهَّللا َع َلٰى ُك ِّل َش ْي ٍء َقِديٌر}‪ :‬يسلط من يشاء على من أراد‪ ،‬ويعطي من يشاء ويمنع‬
‫من يشاء‪ ،‬وال يسأل عما يفعل وهم يسألون‪.‬‬

‫🔺 ثم قال اآلية الثالثة‪.‬‬

‫قال تعالى‪َّ{ :‬م ا َأَفاَء ُهَّللا َع َلٰى َر ُس وِلِه ِمْن َأْه ِل اْلُقَر ٰى َفِلَّلِه َو ِللَّر ُس وِل َو ِلِذي اْلُقْر َب ٰى َو اْلَي َت اَم ٰى‬
‫َو اْل َمَس اِكيِن َو اْب ِن الَّس ِبيِل َك ْي اَل َي ُك وَن ُدوَلًة َبْي َن اَأْلْغ ِنَي اِء ِمنُك ْم ۚ َو َم ا آَت اُك ُم الَّر ُس وُل َفُخ ُذ وُه َو َم ا‬
‫َن َه اُك ْم َع ْن ُه َفانَت ُهواۚ َو اَّت ُقوا َهَّللاۖ ِإَّن َهَّللا َش ِديُد اْلِع َقاِب} [الحشر‪.]٧ :‬‬

‫‪297‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫• {َّما َأَفاَء ُهَّللا َع َلٰى َر ُسوِلِه}‪ :‬هذا بيان لمصارف الفيء بعد بيان أنه لرسول هللا صلى هللا عليه‬
‫سلم خاصة‪.‬‬

‫• ثم قال {ِم ْن َأْه ِل اْلُقَر ٰى }‪ :‬يعني من هؤالء الذين حاربهم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫بالقرى؛ كبني النضير‪ ،‬وقريظة‪ ،‬وفدك‪ ،‬وخيبر‪.‬‬

‫• {َفِلَّلِه َو ِللَّر ُسوِل َو ِلِذي اْلُقْر َب ٰى َو اْل َي َت اَم ٰى َو اْلَمَس اِكيِن َو اْب ِن الَّس ِبيِل }‪ :‬فلله يحكم فيه بما يشاء‪،‬‬
‫وللرسول ويكون ملًك ا له‪ ،‬ولذي القربى؛ وهم‪ :‬بنو هاشم‪ ،‬وبنو المطلب‪ ،‬ألنهم قد ُمِنعوا من‬
‫الصدقة فجعل لهم حقا في الفيء‪.‬‬

‫• قيل تكون القسمة في هذا المال على أن تكون أربعة أخماسه لرسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وخمسه يقسم أخماًس ا؛ للرسول خمس ولكل صنف من األصناف األربعة المذكورة‬
‫خمس‪.‬‬

‫• وقيل يقسم أسداًسا‪ ،‬السادس سهم هللا سبحانه‪ ،‬فيصرف على وجوه الُقرب كعمارة المساجد‬
‫ونحو ذلك‪.‬‬

‫• ثم قال‪َ{ :‬ك ْي اَل َي ُك وَن } أي الفيء‪.‬‬

‫• {ُد وَلًة َب ْي َن اَأْلْغ ِنَي اِء ِمنُك ْم }‪ :‬دون الفقراء‪.‬‬

‫• يعني يتداول القوم بينهم‪ ،‬يكون لهذا مرة ولهذا مرة‪.‬‬

‫• والمعنى قيل‪ :‬أنه يغلب األغنياء الفقراء فيقسمونه بينهم‪.‬‬

‫• ثم قال {َو َم ا آَت اُك ُم الَّر ُسوُل} أي ما أعطاكم من مال الغنيمة فخذوه‪.‬‬

‫• {َو َم ا َن َه اُك ْم َع ْن ُه}‪ :‬أي عن أخذه‪ ،‬فانتهوا عنه وال تأخذوه‪.‬‬

‫‪298‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫🔆 ثم قال‪ :‬والحق أن اآلية عامة في كل شيء يأتي به رسول هللا صلى هللا عليه وسلم من أمر‬

‫أو نهي أو قول أو فعل؛ وإن كان السبب خاًصا‪ ،‬فاالعتبار بعموم اللفظ ال بخصوص السبب‪،‬‬
‫فكل شيء آتانا به الشرع فقد أعطانا إياه وأوصله إلينا‪ ،‬وما أنفع هذه اآلية وأكثر فائدتها‪.‬‬

‫• ثم لما أمرهم بأخذ ما أمرهم بأخذه من الرسول وترك ما نهاهم عنه‪ ،‬أمرهم بتقواه وخَّو فهم‬
‫شدة عقوبته فقال {َو اَّتُقوا َهَّللاۖ ِإَّن َهَّللا َش ِديُد }‪ :‬فهو معاقب لمن لم يأخذ ما آتاه الرسول صلى هللا‬
‫عليه وسلم ولم يترك ما نهاه عنه‪.‬‬

‫️⚫ ثم قال‪ :‬سورة الممتحنة‪:‬‬

‫ثالث عشرة آية‪.‬‬

‫قال‪ :‬وهي مدنية‪.‬‬

‫🔺 اآليتان األولى والثانية‪.‬‬

‫قال تعالى‪{ :‬اَّل َي ْن َه اُك ُم ُهَّللا َع ِن اَّلِذيَن َلْم ُيَقاِتُلوُك ْم ِفي الِّد يِن َو َلْم ُيْخ ِر ُج وُك م ِّم ن ِد َي اِر ُك ْم َأن‬
‫َت َبُّر وُه ْم َو ُتْق ِس ُط وا ِإَلْي ِهْم ۚ ِإَّن َهَّللا ُيِح ُّب اْلُم ْق ِس ِط يَن (‪ِ )٨‬إَّن َم ا َي ْن َه اُك ُم ُهَّللا َع ِن اَّلِذيَن َقاَت ُلوُك ْم ِفي‬
‫َٰل‬
‫الِّد يِن َو َأْخ َر ُج وُك م ِّم ن ِد َي اِر ُك ْم َو َظ اَه ُر وا َع َلٰى ِإْخ َر اِجُك ْم َأن َت َو َّلْو ُه ْم ۚ َو َم ن َي َت َو َّلُهْم َفُأو ِئَك ُه ُم‬
‫الَّظ اِلُم وَن (‪[ })٩‬الممتحنة‪.]٩-٨ :‬‬

‫‪299‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫• ومعنى اآلية األولى‪ :‬أن هللا سبحانه ال ينهى عن بر أهل العهد من الكفار الذين عاهدوا‬
‫المؤمنين على ترك القتال‪ ،‬وعلى أال يظاهروا الكفار عليهم‪ ،‬وال ينهى عن معاملتهم‪.‬‬

‫• ثم بَّين سبحانه من ال يحل بره وال العدل في معاملته فقال‪ِ{ :‬إَّن َم ا َي ْن َه اُك ُم ُهَّللا َع ِن اَّلِذيَن‬
‫َقاَت ُلوُك ْم ِفي الِّد يِن َو َأْخ َر ُجوُك م ِّمن ِدَي اِر ُك ْم }‪ :‬وهم صناديد الكفر من قريش‪.‬‬

‫• {َو َظ اَه ُروا َع َلٰى ِإْخ َر اِج ُك ْم }‪ :‬أي عانوا الذين قاتلوكم وأخرجوكم على ذلك‪ ،‬وهم سائر أهل‬
‫مكة ومن دخل معهم في عهدهم‪.‬‬

‫• {َأن َت َو َّلْو ُه ْم َو َم ن َي َت َو َّلُهْم َفُأوَٰل ِئَك ُه ُم الَّظ اِلُموَن }‪ :‬أي الكاملون في الظلم ألنهم تولوا من‬
‫يستحق العداوة لكونه عدوا هلل ولرسوله ولكتابه‪ ،‬وجعلوهم أولياء‪.‬‬

‫🔺 ثم قال اآليتان الثالثة والرابعة‪.‬‬

‫قال تعالى‪َ{ :‬ي ا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُنوا ِإَذ ا َج اَء ُك ُم اْلُم ْؤ ِم َن اُت ُمَه اِجَر اٍت َفاْم َت ِحُنوُهَّن ۖ ُهَّللا َأْع َلُم‬
‫ِبِإيَم اِنِه َّن ۖ َفِإْن َع ِلْم ُتُم وُهَّن ُم ْؤ ِم َن اٍت َفاَل َت ْر ِجُع وُهَّن ِإَلى اْلُك َّفاِر ۖ اَل ُهَّن ِحٌّل َّلُهْم َو اَل ُه ْم َي ِحُّلوَن‬
‫َلُهَّن ۖ َو آُتوُهم َّم ا َأنَفُقواۚ َو اَل ُج َن اَح َع َلْي ُك ْم َأن َت نِك ُح وُهَّن ِإَذ ا آَت ْي ُتُم وُهَّن ُأُج وَر ُهَّن ۚ َو اَل ُتْم ِس ُك وا‬
‫َٰذ‬
‫ِبِع َص ِم اْلَك َو اِفِر َو اْس َأُلوا َم ا َأنَفْق ُتْم َو ْلَيْس َأُلوا َم ا َأنَفُقواۚ ِلُك ْم ُح ْك ُم ِهَّللاۖ َيْح ُك ُم َبْي َنُك ْم ۚ َو ُهَّللا َع ِليٌم‬
‫َح ِكيٌم(‪َ )١٠‬و ِإن َفاَتُك ْم َش ْي ٌء ِّم ْن َأْز َو اِج ُك ْم ِإَلى اْلُك َّفاِر َفَع اَقْب ُتْم َف آُتوا اَّلِذيَن َذ َه َب ْت َأْز َو اُجُهم ِّم ْث َل‬
‫َم ا َأنَفُقواۚ َو اَّت ُقوا َهَّللا اَّلِذي َأنُتم ِبِه ُم ْؤ ِم ُنوَن (‪[ })١١‬الممتحنة‪.]١١-١٠ :‬‬

‫• قال {َي ا َأُّي َه ا اَّلِذيَن آَم ُنوا ِإَذ ا َج اَء ُك ُم اْل ُمْؤ ِم َن اُت ُم َه اِج َر اٍت}‪ :‬من بين الكفار؛ وذلك أن النبي‬
‫صلى هللا عليه وسلم لما صالح قريًش ا يوم الحديبية على أن يرد عليهم من جاءهم من‬
‫المسلمين‪ ،‬فلما هاجر إليه النساء َأَب ى هللا أن يرددن إلى المشركين‪.‬‬

‫• وأمر بامتحانهن فقال{َفاْم َت ِح ُنوُهَّن }‪ :‬أي فاختبروهن‪.‬‬

‫‪300‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫🌀 وقد اختلف أهل العلم فيمن كان يمتحن به‪:‬‬

‫‪ -‬فقيل‪ :‬كنا يستحلفن باهلل ما خرجنا من بغض زوج‪ ،‬وال رغبة من أرض إلى أرض‪ ،‬وال‬
‫التماس دنيا؛ بل حبا هلل وللرسول‪.‬‬

‫‪ -‬وقيل‪ :‬االمتحان هو أن تشهد أن ال إله إال هللا وأن محمًد ا رسول هللا‪.‬‬

‫‪ -‬وقيل‪ :‬ما كان االمتحان إال بأن يتلو عليهن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم هذه اآلية‪.‬‬

‫🌀 واختلف أهل العلم‪:‬‬

‫❓ هل دخل النساء في عهد الهدنة أم ال؟‬

‫على قولين‪.‬‬

‫• ثم قال {ُهَّللا َأْع َلُم ِبِإيَماِنِه َّن }‪ :‬يعني لم يتعبدكم هللا بذلك وإنما تعبدكم بامتحانهن فقط‪.‬‬

‫• {َفِإْن َعِلْم ُتُموُهَّن ُمْؤ ِم َن اٍت}‪ :‬أي علمتم ذلك بحسب الظاهر بعد االمتحان الذي أمرتم به‪.‬‬

‫• {َف اَل َت ْر ِج ُعوُهَّن ِإَلى اْل ُكَّفاِر }‪ :‬أي إلى أزواجهن الكفار‪.‬‬

‫• {اَل ُهَّن ِحٌّل َّلُهْم َو اَل ُه ْم َيِح ُّلوَن َلُهَّن }‪ :‬وهذا تعليل للرجعة إلى الكفار‪.‬‬

‫• ثم قال {َو آُتوُهم}‪ :‬أي وأعطوا أزواج هؤالء التي هاجرن وأسلمن مثل ما أنفقوا عليهن من‬
‫المهور‪.‬‬

‫{َو اَل ُج َن اَح َع َلْي ُك ْم َأن َت نِكُحوُهَّن }‪ :‬ألنهن قد صرنا من أهل دينكم‪.‬‬

‫• {ِإَذ ا آَت ْي ُتُموُهَّن أُجوَر ُهَّن }‪ :‬أي مهورهن‪.‬‬

‫‪301‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫• {َو اَل ُتْم ِس ُك وا ِبِعَص ِم اْل َك َو اِفِر }‪ :‬والمعنى أن من كانت له امرأة كافرة فليست له بامرأة‬
‫النقطاع عصمتها باختالف الدين‪.‬‬

‫• ثم قال {َو اْس َأُلوا َم ا َأنَفْقُتْم َو ْل َي ْس َأُلوا َم ا َأنَفُقوا}‪ :‬أي اطلبوا مهور نسائكم الالحقات بالكفار‪.‬‬

‫• ثم قال {َٰذ ِلُك ْم }‪ :‬أي المذكور من إرجاع المهور من الجهتين‪.‬‬

‫• {ُح ْك ُم هللا}‪ :‬وحكم رسوله صلى هللا عليه وسلم{َي ْح ُك ُم َب ْي َن ُك ْم َو ُهَّللا َع ِليٌم َح ِكيٌم}‪.‬‬

‫• ثم قال َ{َو ِإن َفاَت ُك ْم َش ْي ٌء}‪ِّ :‬مْن َأْز َو اِج ُك ْم أي مما دفعتم‪.‬‬

‫• { ِّمْن َأْز َو اِج ُك ْم }‪ :‬أي من مهور نسائكم المسلمات‪.‬‬

‫• {ِإَلى اْلُكَّفاِر }‪ :‬فارتدت المسلمة‪.‬‬

‫• {َف َع اَقْب ُتْم }‪ :‬أي فغنمتم‪.‬‬

‫• {َفآُتوا اَّلِذيَن َذ َهَب ْت َأْز َو اُجُهم ِّم ْث َل َم ا َأنَفُقوا}‪ :‬من مهر المهاجرة التي تزوجوها ودفعوه إلى‬
‫الكفار‪ ،‬وال تؤتوه زوجها الكافر‪.‬‬

‫• ثم قال {َو اَّتُقوا َهَّللا اَّلِذي َأنُتم ِبِه ُمْؤ ِم ُنوَن }‪ :‬أي احذروا أن تتعرضوا لشيء مما يوجب‬
‫العقوبة عليه‪.‬‬

‫🔺 ثم قال اآلية الخامسة‪.‬‬

‫قال تعالى ‪َ{ :‬ي ا َأُّيَه ا الَّن ِبُّي ِإَذ ا َج اَء َك اْل ُم ْؤ ِم َن اُت ُيَب اِيْع َن َك َع َلٰى َأن اَّل ُيْش ِر ْك َن ِباِهَّلل َش ْي ًئ ا َو اَل‬
‫َيْس ِر ْق َن َو اَل َي ْز ِنيَن َو اَل َي ْق ُتْلَن َأْو اَل َدُهَّن َو اَل َي ْأِتيَن ِبُبْه َت اٍن َي ْف َت ِر يَن ُه َبْي َن َأْي ِديِه َّن َو َأْر ُج ِلِه َّن َو اَل‬
‫َيْع ِص يَن َك ِفي َمْع ُر وٍفۙ َفَب اِيْع ُهَّن َو اْس َت ْغ ِفْر َلُهَّن َهَّللاۖ ِإَّن َهَّللا َغ ُفوٌر َّر ِحيٌم} [الممتحنة‪.]١٢ :‬‬

‫‪302‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫• قال {َي ا َأُّي َه ا الَّن ِبُّي ِإَذ ا َج اَءَك اْلُمْؤ ِم َن اُت ُيَب اِيْع َن َك }‪ :‬أي قاصدات مبايعتك على اإلسالم‪ ،‬وعلى‬
‫أن ال ُيشركن باهلل شيًئ ا من األشياء كائًن ا ما كان‪.‬‬

‫فهذا كان يوم فتح مكة‪.‬‬

‫• {َو اَل َي ْس ِر ْق َن َو اَل َي ْز ِنيَن َو اَل َي ْقُتْل َن َأْو اَل َد ُهَّن }‪ :‬وما كانت تفعله الجاهلية من وأد البنات‪.‬‬

‫• {َو اَل َي ْأِتيَن ِبُبْه َت اٍن َي ْف َت ِر يَن ُه َب ْي َن َأْيِديِه َّن َو َأْر ُجِلِه َّن }‪ :‬أي ال ُيلحقن أزواجهن ولًد ا ليس منهم‪.‬‬

‫• {َو اَل َي ْع ِص يَن َك ِفي َم ْع ُروٍف }‪ :‬أي في كل أمر‪ ،‬وهو طاعة هلل سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫• {َفَب اِيْع ُهَّن }‪ :‬والمعنى إذا بايعناك على هذه األمور فبايعهن‪.‬‬

‫💠 ولم يذكر في بيعتهن الصالة‪ ،‬والزكاة‪ ،‬والصيام‪ ،‬والحج لوضوح كون هذه األمور ونحوها‬

‫من أركان الدين وشعائر اإلسالم‪.‬‬

‫💠 وإنما خص األمور المذكورة لكثرة وقوعها في النساء‪.‬‬

‫• ثم قال {َو اْس َتْغ ِفْر َلُهَّن َهَّللا}‪ :‬أي يطلب من هللا المغفرة لهن بعد هذه المبايعة لهن منك {ِإَّن َهَّللا‬
‫َغ ُفوٌر َّر ِحيٌم}‪.‬‬

‫️⚫ ثم قال سورة الجمعة‪:‬‬

‫‪303‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫وهي مدنية‪.‬‬

‫🔺 قال اآلية األولى‪.‬‬

‫قال تعالى‪َ{ :‬ي ا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُنوا ِإَذ ا ُنوِد َي ِللَّص اَل ِة ِمن َيْو ِم اْلُجُمَع ِة َفاْس َعْو ا ِإَلٰى ِذ ْك ِر ِهَّللا َو َذ ُر وا‬
‫اْلَبْيَع ۚ َٰذ ِلُك ْم َخ ْيٌر َّلُك ْم ِإن ُك نُتْم َت ْع َلُم وَن } [الجمعة‪.]٩ :‬‬

‫• {َي ا َأُّي َه ا اَّلِذيَن آَم ُنوا ِإَذ ا ُنوِدَي ِللَّص اَل ِة}‪ :‬والمراد به األذان‪ ،‬إذا جلس اإلمام على المنبر يوم‬
‫الجمعة‪ ،‬ألنه لم يكن على عهد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم نداء سواه‪.‬‬

‫• ثم قال {َفاْس َع ْو ا ِإَلٰى ِذ ْك ِر ِهَّللا}‪ :‬يعني الذهاب والمشي إلى الصالة‪.‬‬

‫• {َو َذ ُروا اْلَب ْي َع }‪ :‬أي اتركوا المعاملة به‪ ،‬ويلحق به سائر المعامالت‪.‬‬

‫• ثم قال {َٰذ ِلُك ْم }‪ :‬أي المذكور‪ ،‬السعي إلى ذكر هللا تعالى وترك البيع‪.‬‬

‫• {َخ ْيٌر َّلُك ْم }‪ :‬لما في االمتثال األجر والجزاء‪ ،‬وفي عدمه من عدم ذلك‪ ،‬إذا لم يكن موجًبا‬
‫للعقوبة‪.‬‬

‫• {ِإن ُك نُتْم َت ْع َلُموَن }‪ :‬أي إن كنتم من أهل العلم فإنه ال يخفى عليكم أن ذلك خيٌر لكم‪ ،‬أو‬
‫فاختاروا ذلك‪.‬‬

‫️⚫ ثم قال‪ :‬سورة المنافقين‪.‬‬

‫‪304‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫قال‪ :‬هي إحدى عشرة آية‪.‬‬

‫وهي مدنية‪.‬‬

‫🔺 قال اآلية األولى‪.‬‬

‫قال تعالى‪ِ{ :‬إَذ ا َج اَء َك اْلُم َن اِفُقوَن َقاُلوا َنْش َه ُد ِإَّن َك َلَر ُس وُل ِهَّللاۗ َو ُهَّللا َيْع َلُم ِإَّن َك َلَر ُس وُلُه َو ُهَّللا‬
‫َي ْش َه ُد ِإَّن اْلُم َن اِفِقيَن َلَك اِذ ُبوَن } [المنافقون‪.]١ :‬‬

‫• قال {ِإَذ ا َج اَءَك اْلُم َن اِفُقوَن }‪ :‬أي إذا وصلوا إليك‪ ،‬وحضروا مجلسك ‪.‬‬

‫• {َقاُلوا َن ْش َه ُد ِإَّن َك َلَر ُسوُل ِهَّللا}‪ :‬أي أكدوا شهادتهم بأنك رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬

‫• ومعنى نشهد‪ :‬أي نحلف‪.‬‬

‫• {َو ُهَّللا َي ْع َلُم ِإَّن َك َلَر ُسوُلُه}‪ :‬فاهلل سبحانه وتعالى يعلم بواطنهم أنهم ال يقصدون ذلك‪.‬‬

‫• {َو ُهَّللا َي ْش َه ُد ِإَّن اْلُم َن اِفِقيَن َلَك اِذُبوَن }‪ :‬أي في الشهادة التي زعموا أنها من صميم القلب‬
‫وخلوص االعتقاد‪ ،‬ال إلى منطوق كالمهم‪ ،‬وهو الشهادة بالرسالة فإنه حق‪.‬‬

‫️⚫ ثم قال سورة الطالق‪.‬‬

‫إحدى أو اثنتا عشرة آية‪.‬‬

‫‪305‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫قال‪ :‬هي مدنية‪.‬‬

‫🔺 قال اآلية األولى‪.‬‬

‫قال تعالى‪َ{ :‬ي ا َأُّيَه ا الَّن ِبُّي ِإَذ ا َط َّلْق ُتُم الِّن َس اَء َفَط ِّلُقوُهَّن ِلِعَّدِتِه َّن َو َأْح ُص وا اْل ِعَّد َةۖ َو اَّت ُقوا َهَّللا َر َّب ُك ْم‬
‫ۖ اَل ُتْخ ِر ُج وُهَّن ِمن ُبُيوِتِه َّن َو اَل َي ْخ ُرْج َن ِإاَّل َأن َي ْأِتيَن ِبَفاِح َش ٍة ُّمَبِّي َن ٍةۚ َو ِتْلَك ُح ُدوُد ِهَّللاۚ َو َم ن َي َت َع َّد‬
‫ُح ُدوَد ِهَّللا َفَق ْد َظ َلَم َن ْف َس ُه ۚ اَل َت ْد ِر ي َلَع َّل َهَّللا ُيْح ِد ُث َبْع َد َٰذ ِلَك َأْم ًر ا} [الطالق‪.]١ :‬‬

‫• قال {َأُّي َه ا الَّن ِبُّي ِإَذ ا َط َّلْقُتُم الِّن َس اَء }‪ :‬نادى ربنا النبي صلى هللا عليه وسلم أواًل تشريًفا له‪ ،‬ثم‬
‫خاطبه مع أمته‪ ،‬أو الخطاب له خاصة والجمع للتعظيم‪ ،‬وأمته أسوته في ذلك‪.‬‬

‫• والمعنى إذا أردتم تطليقهن وعزمتم عليه‪ ،‬فطلقوهن لعدتهن‪ ،‬أي مستقبالت العدة‪ ،‬والمراد‬
‫أن تطلقوهن في طهر لم يقع فيه جماع‪ ،‬ثم يتركن حتى تنقضي عدتهن‪ ،‬فإذا طلقتموهن هكذا‬
‫فقد طلقتموهن لعدتهن‪.‬‬

‫• {َو َأْح ُصوا اْل ِع َّدَة }‪ :‬أي احفظوها‪ ،‬واحفظوا الوقت الذي وقع فيه الطالق‪.‬‬

‫• ثم قال {َو اَّتُقوا َهَّللا َر َّب ُك ْم }‪ :‬فال تعصوه فيما أمركم‪ ،‬وال تضاروهن‪.‬‬

‫• ثم قال {اَل ُتْخ ِر ُجوُهَّن ِمن ُبُيوِتِه َّن }‪ :‬أي الالتي كن فيها عند الطالق ما دمن في العدة‪.‬‬

‫ثم لما نهى األزواج عن إخراجهن من البيوت التي وقع الطالق وهن فيها‪ ،‬نهى الزوجات عن‬
‫الخروج أيًضا‪.‬‬

‫• فقال {َو اَل َي ْخ ُرْج َن }‪ :‬أي من تلك البيوت ما دمن في العدة إال ألمر ضروري‪.‬‬

‫‪306‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫‪ -‬وقيل المراد ال يخرجن من أنفسهن إال إذا أذن األزواج لهن فال بأس‪.‬‬

‫• {ِإاَّل َأن َي ْأِتيَن ِبَفاِح َش ٍة ُّم َب ِّي َن ٍة}‪ :‬فهذا هو االستثناء أي ال ُتخرجوهن من بيوتهن إال أن يأتين‬
‫بفاحشة‪.‬‬

‫‪ -‬فقيل‪ :‬الفاحشة الزنا‪.‬‬

‫‪ -‬وقيل‪ :‬هي البذاءة في اللسان واالستطالة به على من هو ساكن معها في ذلك البيت‪.‬‬

‫• ثم قال {َو ِتْلَك ُح ُد وُد ِهَّللا}‪ :‬يعني هذه األحكام التي بينها لعباده هي حدوده‪.‬‬

‫• {َو َم ن َي َت َع َّد ُح ُد وَد هَّللا }‪ :‬أي يتجاوزها إلى غيرها‪ ،‬أو ُيِحل شيئا منها {َفَق ْد َظ َلَم َن ْف َس ُه}‪ :‬بإرادها‬
‫موارد الهالك وأوقعها في مواقع الضرر‪.‬‬

‫• ثم قال {َال َت ْد ِر ي َلَع َّل َهَّللا ُيْح ِد ُث َب ْع َد َٰذ ِلَك َأْم ًر ا}‪ :‬معنى التحريض على الطالق الواحدة‪،‬‬
‫والنهي عن الثالث‪ ،‬فإنه إذا طلقها ثالًث ا أضر بنفسه عند الندم على الفراق والرغبة في‬
‫االرتجاع‪ ،‬فال يجد إلى المراجعة سبيال‪.‬‬

‫🔺 ثم قال اآليتان الثانية والثالثة‪.‬‬

‫قال تعالى‪َ{ :‬فِإَذ ا َب َلْغ َن َأَج َلُهَّن َفَأْم ِس ُك وُهَّن ِبَمْع ُر وٍف َأْو َفاِر ُقوُهَّن ِبَمْع ُر وٍف َو َأْش ِه ُدوا َذ َو ْي‬
‫َّت‬ ‫ن‬ ‫ۚ ‬ ‫ِخ‬ ‫آْل‬‫ا‬ ‫ْل‬‫ا‬ ‫ْؤ‬ ‫َك‬ ‫ن‬ ‫ِه‬ ‫ُظ‬ ‫و‬ ‫ُك‬‫ِل‬ ‫ْد نُك َأِقي وا الَّش اَد َة ِهَّلِلۚ َٰذ‬
‫ِق َهَّللا‬ ‫َي‬ ‫َم‬ ‫َو‬ ‫ِر‬ ‫ِم‬ ‫َيْو‬ ‫َو‬ ‫اِهَّلل‬ ‫ِب‬ ‫ِمُن‬ ‫ُي‬ ‫اَن‬ ‫َم‬ ‫ِب‬ ‫َع‬ ‫ُي‬ ‫ْم‬ ‫َه‬ ‫َع ٍل ِّم ْم َو ُم‬
‫َيْج َع ل َّلُه َم ْخ َر ًج ا(‪َ)٢‬و َيْر ُز ْق ُه ِمْن َح ْي ُث اَل َيْح َت ِس ُب ۚ َو َم ن َي َت َو َّك ْل َع َلى ِهَّللا َفُهَو َح ْس ُبُه ۚ ِإَّن َهَّللا‬
‫َب اِلُغ َأْم ِر ِهۚ َقْد َج َع َل ُهَّللا ِلُك ِّل َش ْي ٍء َق ْد ًر ا} [الطالق‪.]٣-٢ :‬‬

‫• قال {َفِإَذ ا َب َلْغ َن َأَج َلُهَّن }‪ :‬أي قاربن انقضاء العدة‪.‬‬

‫• {َفَأْم ِس ُك وُهَّن ِبَم ْع ُروٍف }‪ :‬أي راجعوهن بحسن معاشرة ورغبة فيهن بدون مضرة‪.‬‬

‫‪307‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫• {َأْو َفاِر ُقوُهَّن ِبَم ْع ُروٍف}‪ :‬أي اتركوهن حتى تنقضي عدتهن فيملكن نفوسهن مع بقائهن بما‬
‫هو لهن عليكم من الحقوق وترك المضارة لهن‪.‬‬

‫• ثم قال {َو َأْش ِه ُد وا َذ َو ْي َع ْد ٍل ِّمنُك ْم }‪ :‬أي على الرجعة‪.‬‬

‫‪ -‬وقيل‪ :‬على الطالق‪.‬‬

‫‪ -‬وقيل‪ :‬عليهما‪.‬‬

‫️▪ واألمر في هذا أيًض ا للندب‪.‬‬

‫• ثم قال‪َ{ :‬و َأِقيُموا الَّش َه اَد َة ِهَّلِل}‪ :‬هذا أمر للشهود بأن يأتوا بما شهدوا به تقربا إلى هللا‪.‬‬

‫وقيل لألزواج‪.‬‬

‫• ثم قال {َو َأِقيُموا الَّش َه اَد َة ِهَّلِلۚ َٰذ ِلُك ْم ُيوَع ُظ ِبِه َم ن َك اَن ُيْؤ ِمُن ِباِهَّلل َو اْلَي ْو ِم اآْل ِخ ِر }‪ :‬ألنه المنتفع‬
‫بذلك دون غيره‪.‬‬

‫• {َو َم ن َي َّت ِق َهَّللا َي ْج َع ل َّلُه َم ْخ َر ًج ا}‪ :‬مما وقع فيه من الشدائد والمحن‪.‬‬

‫• {َو َي ْر ُزْق ُه ِم ْن َح ْي ُث اَل َي ْح َت ِس ُب }‪ :‬أي من وجه ال يخطر بباله وال يكون في حسابه‪.‬‬

‫• ثم قال { َو َم ن َي َت َو َّك ْل َع َلى ِهَّللا َف ُهَو َح ْس ُبُه}‪ :‬أي ومن يثق باهلل فيما نابه كفاه ما أهمه‪.‬‬

‫• {ِإَّن َهَّللا َباِلُغ َأْم ِر ِه}‪ :‬أي بالغ ما يريده من األمر ال يفوته شيء وال يعجزه مطلوب‪ ،‬أو نافذ‬
‫أمره ال يرده شيء‪.‬‬

‫• ثم قال {َقْد َج َعَل ُهَّللا ِلُك ِّل َش ْي ٍء َق ْد ًر ا}‪ :‬أي تقديًر ا وتوقيًت ا مقدًر ا‬

‫🔺 ثم قال اآلية الرابعة‪.‬‬

‫‪308‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫قال {َو الاَّل ِئي َي ِئْس َن ِمَن اْل َم ِحيِض ِمن ِّن َس اِئُك ْم ِإِن اْر َت ْب ُتْم َفِعَّد ُتُهَّن َث اَل َث ُة َأْش ُهٍر َو الاَّل ِئي َلْم َي ِح ْض َن‬
‫ۚ َو ُأواَل ُت اَأْلْح َم اِل َأَج ُلُهَّن َأن َيَض ْع َن َح ْم َلُهَّن ۚ َو َم ن َي َّت ِق َهَّللا َيْج َع ل َّلُه ِمْن َأْم ِر ِه ُيْس ًر ا} [الطالق‪:‬‬
‫‪.]٤‬‬

‫• ثم قال {َو الاَّل ِئي َيِئْس َن ِمَن اْل َم ِحيِض ِمن ِّن َساِئُك ْم }‪ :‬يعني الكبار في السن الالتي قد انقطع‬
‫حيضهن وآيسن منه‪.‬‬

‫• {ِإِن اْر َت ْب ُتْم }‪ :‬أي شككتم وجهلتم كيف عدتهن‪ ،‬فعدتهن ثالثة أشهر‪.‬‬

‫• وكذلك {َو الاَّل ِئي َلْم َيِح ْض َن }‪ :‬لصغرهن وعدم بلوغهن سن الحيض‪.‬‬

‫• ثم قال {َو ُأواَل ُت اَأْلْح َم اِل َأَج ُلُهَّن َأن َيَض ْع َن َح ْم َلُهَّن }‪ :‬أي انتهاء عدة الحامل بوضع الحمل‪.‬‬

‫• ثم قال {َو َم ن َي َّت ِق َهَّللا َي ْج َع ل َّلُه ِم ْن َأْم ِر ِه ُيْس ًر ا}‪ :‬أي من يتقيه في امتثال أوامره واجتناب‬
‫نواهيه ُيَس ِّهل عليه أمره في الدنيا واآلخرة‪.‬‬

‫🔺 ثم قال اآليتان الخامسة والسادسة‪.‬‬

‫َو اَل ُتَض اُّر وُهَّن ِلُتَض ِّي ُقوا َع َلْي ِه َّن ۚ َو ِإن ُك َّن‬ ‫قال تعالى‪َ { :‬أْس ِك ُنوُهَّن ِمْن َح ْي ُث َس َك نُتم ِّم ن ُو ْج ِد ُك ْم‬
‫َأْر َض ْع َن َلُك ْم َف آُتوُهَّن ُأُج وَر ُهَّن ۖ َو ْأَت ِم ُر وا‬ ‫ُأواَل ِت َح ْم ٍل َفَأنِفُقوا َع َلْي ِه َّن َح َّتٰى َيَضْع َن َح ْم َلُهَّن ۚ َفِإْن‬
‫َبْي َنُك م ِبَمْع ُر وٍفۖ َو ِإن َت َع اَسْر ُتْم َف َس ُتْر ِض ُع َلُه ُأْخ َر ٰى (‪ِ )٦‬لُينِفْق ُذ و َسَع ٍة ِّم ن َسَع ِتِهۖ َو َم ن ُقِد َر‬
‫َع َلْي ِه ِر ْز ُقُه َفْل ُينِفْق ِم َّم ا آَت اُه ُهَّللاۚ اَل ُيَك ِّلُف ُهَّللا َن ْف ًس ا ِإاَّل َم ا آَت اَهاۚ َسَيْج َع ُل ُهَّللا َبْع َد ُعْس ٍر ُيْس ًر ا(‬
‫‪[})٧‬الطالق‪.]٧-٦ :‬‬

‫‪309‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫• قال {َأْس ِك ُنوُهَّن ِم ْن َح ْي ُث َس َك نُتم}‪ :‬وهذا ما يجب للمرأة على الزوج في السكن أن يسكنها‬
‫حيث يسكن‪.‬‬

‫• {َو اَل ُتَض اُّر وُهَّن ِلُتَض ِّي ُقوا َع َلْي ِه َّن }‪ :‬في المسكن والنفقة‪.‬‬

‫• {َو ِإن ُك َّن ُأواَل ِت َح ْم ٍل َفَأنِفُقوا َع َلْي ِه َّن َح َّت ٰى َيَض ْع َن َح ْم َلُهَّن }‪ :‬يعني إن كانت المرأة في العدة‬
‫وهي حامل؛ فعلى الزوج أن ينفق عليها حتى تضع حملها‪.‬‬

‫• ثم قال‪َ{ :‬فِإْن َأْر َض ْع َن َلُك ْم } أوالدكم بعد ذلك {َفآُتوُهَّن ُأُجوَر ُهَّن } أي أجور إرضاعهن‪.‬‬

‫• والمعنى أن المطلقات إذا أرضعن أوالد األزواج المطلقين لهن منهن فلهن أجورهن على‬
‫ذلك‪.‬‬

‫• ثم قال {َو ْأَت ِمُروا َب ْي َن ُك م ِبَم ْع ُروٍف }‪ :‬والخطاب لألزواج والزوجات‪ ،‬أي تشاوروا بينكم‬
‫بمعروف في غير منكر‪.‬‬

‫• ثم قال {َو ِإن َت َع اَس ْر ُتْم }‪ :‬أي في ُأِج ر الرضاع‪ ،‬فأبى الزوج أن يعطي األم األجر‪ ،‬وأبت األم‬
‫أن ترضعه إال بما تريد من األجر‪.‬‬

‫• {َف َس ُتْر ِض ُع َلُه ُأْخ َر ٰى }‪ :‬أي يسترضع له‪ ،‬ويستأجر له مرضعة‪.‬‬

‫• ثم قال {ِلُينِفْق ُذ و َسَع ٍة ِّمن َسَع ِتِه}‪ :‬وفيه األمر ألهل السعة بأن يوسعوا على المرضعات من‬
‫نسائهم على قدر سعتهم‪.‬‬

‫• {َو َم ن ُقِدَر َع َلْي ِه ِر ْز ُقُه}‪ :‬أي كان رزقه بمقدار القوت أو مضيًقا‪ ،‬ليس بموسع عليه‪.‬‬

‫• {َفْلُينِفْق ِمَّما آَت اُه ُهَّللا}‪ :‬أي مما أعطاه هللا من الرزق‪.‬‬

‫• {َال ُيَك ِّلُف ُهَّللا َن ْف ًسا ِإاَّل َم ا آَت اَه ا}‪ :‬أي ما أعطاها من الرزق‪.‬‬

‫• فال يكلف الفقير بأن ينفق ما ليس في وسعه؛ بل عليه ما يقدر عليه‪ ،‬وتبلغ إليه طاقته مما‬
‫أعطاه هللا من الرزق‪.‬‬

‫‪310‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫• ثم قال {َسَي ْج َع ُل ُهَّللا َب ْع َد ُعْس ٍر ُيْس ًر ا}‪ :‬أي بعد ضيق وشدة؛ سعة وغنى‪.‬‬

‫️⚫ ثم قال‪ :‬سورة التحريم‪.‬‬

‫وهي اثنتا عشرة آية‪.‬‬

‫وهي مدنية‪.‬‬

‫🔺 قال‪ :‬اآليتان األولى والثانية‪.‬‬

‫قال تعالى‪َ{ :‬ي ا َأُّيَه ا الَّن ِبُّي ِلَم ُتَح ِّر ُم َم ا َأَح َّل ُهَّللا َلَك ۖ َت ْب َت ِغي َمْر َض اَت َأْز َو اِجَك ۚ َو ُهَّللا َغ ُفوٌر‬
‫َّر ِحيٌم(‪َ)١‬ق ْد َف َر َض ُهَّللا َلُك ْم َت ِحَّلَة َأْيَم اِنُك ْم ۚ َو ُهَّللا َمْو اَل ُك ْم ۖ َو ُه َو اْلَع ِليُم اْلَح ِكيُم(‪[ })٢‬التحريم‪-١ :‬‬
‫‪.]٢‬‬

‫• {َي ا َأُّي َه ا الَّن ِبُّي ِلَم ُتَح ِّر ُم َم ا َأَح َّل ُهَّللا َلَك }‪:‬‬

‫🌀 اخُتِلف في سبب نزول هذه اآلية على أقوال‪:‬‬

‫‪311‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫🔹 قيل‪ :‬أن النبي صلى هللا عليه وسلم كان في بيت حفصة‪ ،‬فزارت أباها‪ ،‬فلما رجعت أبصرت‬

‫مارية في بيتها مع النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فلم تدخل حتى خرجت مارية‪ ،‬ثم دخلت فلما‬
‫رأى النبي صلى هللا عليه وسلم في وجه حفصة الغيرة والكآبة قال‪ :‬ال تخبري عائشة‪ ،‬ولك‬
‫علي أال أقربها أبدا‪ ،‬إلى آخره‪.‬‬

‫🔹 ثم قيل أيًض ا‪ :‬السبب أنه كان صلى هللا عليه وسلم يشرب عساًل عند زينب بنت جحش‪،‬‬

‫فتواطأت عائشة وحفصة أن يقوال له إذا دخل عليهما‪ :‬إنا نجد منك ريح مغافير‪.‬‬

‫🔹 وقيل السبب في ذلك‪ :‬المرأة التي وهبت نفسها للنبي صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬

‫• ثم قال تعالى {َت ْب َت ِغي َم ْر َض اَت َأْز َو اِج َك َو ُهَّللا َغ ُفوٌر َّر ِحيٌم}‪ :‬يعني تبتغي مرضات أزواجك‬
‫بتحريم ما أحل هللا لك‪.‬‬

‫• {َقْد َفَر َض ُهَّللا َلُك ْم َت ِح َّلَة َأْي َماِنُك ْم }‪ :‬أي شرع هللا لكم تحليلها‪ ،‬وبَّين لكم ذلك‪ ،‬فكان اليمين عقٌد ‪،‬‬
‫والكفارة ِحل‪.‬‬

‫• ثم قال {َو ُهَّللا َم ْو اَل ُك ْم }‪ :‬أي وليكم وناصركم‪.‬‬

‫• {َو ُه َو اْلَع ِليُم}‪ :‬بما فيه صالحكم وفالحكم‪.‬‬

‫• {اْلَح ِكيُم }‪ :‬في أقواله وأفعاله‪.‬‬

‫️⚫ ثم قال‪ :‬سورة نوح‪.‬‬

‫‪312‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫تسع وعشرون‪ ،‬أو ثمان وعشرون آية‪.‬‬

‫وهي مكية‪.‬‬

‫🔺 قال‪ :‬اآليات األولى‪ ،‬والثانية‪ ،‬والثالثة‪.‬‬

‫قال تعالى‪َ{ :‬فُقْل ُت اْس َت ْغ ِفُر وا َر َّب ُك ْم ِإَّن ُه َك اَن َغ َّفاًر ا (‪ُ )١٠‬يْر ِس ِل الَّسَم اَء َع َلْي ُك م ِّم ْد َر اًر ا(‪)١١‬‬
‫َو ُيْم ِدْد ُك م ِبَأْمَو اٍل َو َب ِنيَن َو َيْج َع ل َّلُك ْم َج َّن اٍت َو َيْج َع ل َّلُك ْم َأْن َه اًر ا(‪[ })١٢‬نوح‪.]١٢-١٠ :‬‬

‫• {َفُقْلُت اْس َتْغ ِفُروا َر َّب ُك ْم ِإَّن ُه َك اَن َغ َّفاًر ا}‪ :‬أي سلوه المغفرة من ذنوبكم‪.‬‬

‫• ومعنى استغفروا‪ :‬يعني توبوا‪.‬‬

‫• {ُيْر ِس ِل الَّس َم اَء َع َلْي ُك م ِّم ْد َر اًر ا}‪ :‬بالمطر‪.‬‬

‫• {َو ُيْم ِد ْد ُك م ِبَأْم َو اٍل َو َب ِنيَن َو َي ْج َع ل َّلُك ْم َج َّن اٍت َو َي ْج َع ل َّلُك ْم َأْن َه اًر ا} جارية‪.‬‬

‫️⚫ ثم قال‪ :‬سورة المزمل‪.‬‬

‫وهي تسع عشرة آية‪ ،‬أو عشرون آية‪.‬‬

‫وهي مكية‪.‬‬

‫‪313‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫🔺 قال اآليات األولى‪ ،‬والثانية‪ ،‬والثالثة‪.‬‬

‫قال تعالى‪ُ{ :‬قِم الَّلْي َل ِإاَّل َقِلياًل (‪ِّ )٢‬ن ْص َف ُه َأِو انُقْص ِم ْن ُه َقِلياًل (‪َ )٣‬أْو ِز ْد َع َلْي ِه َو َر ِّت ِل اْلُقْر آَن‬
‫َت ْر ِتياًل (‪[ })٤‬المزمل‪.]٤-٢ :‬‬

‫• {ُقِم الَّلْي َل }‪ :‬أي قم للصالة بالليل‪.‬‬

‫• قيل‪ :‬أن قيام الليل كان فرًض ا على النبي صلى هللا عليه وسلم نفاًل على أمته‪.‬‬

‫• {ِّن ْص َف ُه َأِو انُقْص ِم ْن ُه}‪ :‬أي من النصف {َقِلياًل } إلى الثلث‪.‬‬

‫• {َأْو ِز ْد َع َلْيِه} قلياًل إلى الثلثين‪.‬‬

‫• فكأنه قال قم ثلثي الليل أو نصفه أو ثلثه‪.‬‬

‫• ثم قال {َو َر ِّت ِل اْلُقْر آَن َت ْر ِتياًل }‪ :‬أي اقرأه على مهل مع تدبر‪.‬‬

‫🔺 ثم قال اآلية الرابعة‪.‬‬

‫قال تعالى‪ِ { :‬إَّن َر َّب َك َيْع َلُم َأَّن َك َت ُقوُم َأْد َنٰى ِمن ُثُلَث ِي الَّلْي ِل َو ِنْص َف ُه َو ُثُلَث ُه َو َط اِئَفٌة ِّم َن اَّلِذيَن‬
‫َمَع َك ۚ َو ُهَّللا ُيَق ِّد ُر الَّلْي َل َو الَّن َه اَر ۚ َع ِلَم َأن َّلن ُتْح ُص وُه َفَت اَب َع َلْي ُك ْم ۖ َفاْق َر ُء وا َم ا َت َيَّسَر ِمَن اْلُقْر آِن ۚ ‬
‫َع ِلَم َأن َسَي ُك وُن ِمنُك م َّمْر َض ٰى ۙ َو آَخ ُر وَن َيْض ِر ُبوَن ِفي اَأْلْر ِض َيْب َت ُغ وَن ِمن َفْض ِل ِهَّللاۙ َو آَخ ُر وَن‬
‫ُيَقاِتُلوَن ِفي َس ِبيِل ِهَّللاۖ َفاْق َر ُء وا َم ا َت َيَّسَر ِم ْن ُه ۚ َو َأِقيُم وا الَّص اَل َة َو آُتوا الَّز َك اَة َو َأْق ِر ُض وا َهَّللا‬
‫َقْر ًض ا َح َس ًن اۚ َو َم ا ُتَق ِّد ُم وا َأِلنُفِس ُك م ِّم ْن َخ ْي ٍر َت ِج ُدوُه ِع نَد ِهَّللا ُه َو َخ ْيًر ا َو َأْع َظ َم َأْج ًر اۚ َو اْس َت ْغ ِفُر وا‬
‫َهَّللاۖ ِإَّن َهَّللا َغ ُفوٌر َّر ِحيٌم} [المزمل‪.]٢٠ :‬‬

‫‪314‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫• قال {ِإَّن َر َّب َك َي ْع َلُم َأَّن َك َت ُقوُم َأْد َنٰى ِمن ُثُلَث ِي الَّلْي ِل }‪ :‬يعني أقل من ثلثي الليل‪.‬‬

‫• {َو ِنْص َف ُه}‪ :‬يعني أدنى من نصفه‪.‬‬

‫• {َو ُثُلَث ُه}‪ :‬كذلك‪.‬‬

‫• والمعنى أن هللا يعلم أن رسوله صلى هللا عليه وسلم يقوم أقل من ثلثي الليل‪ ،‬ويقوم نصفه‪،‬‬
‫ويقوم ثلثه‪.‬‬

‫• ثم قال {َعِلَم َأن َّلن ُتْح ُصوُه َفَت اَب َع َلْي ُك ْم }‪ :‬يعني فيقومون نصفه وثلثه وهم ال يحصونه‪.‬‬

‫•؛{َفاْق َر ُءوا َم ا َت َي َّس َر ِم ْن ُه } يعني فاقرأوا ما تيسر من القرآن‪ ،‬وصلوا من الليل ما تيسر من‬
‫النوافل‪.‬‬

‫️⚫ ثم قال‪ :‬سورة المدثر‪:‬‬

‫️◾ ست وخمسون آية‪.‬‬

‫وهي مكية‪.‬‬

‫🔺 قال اآليات األولى‪ ،‬والثانية‪ ،‬والثالثة‪.‬‬

‫قال تعالى‪َ{ :‬و َر َّب َك َفَك ِّبْر (‪َ )٣‬و ِثَي اَب َك َفَط ِّهْر (‪َ )٤‬و الُّر ْج َز َفاْه ُجْر (‪[ })٥‬المدثر‪.]٥-٣ :‬‬

‫‪315‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫• {َو َر َّب َك َفَك ِّبْر }‪ :‬أي واختص سيدك‪ ،‬ومالكك‪ ،‬ومصلحك‪ ،‬ومصلح أمورك بالتكبير‪.‬‬

‫• ثم قال {َو ِثَي اَبَك َف َط ِّهْر }‪ :‬والمراد بالثياب الملبوسة طهرها عن النجاسات‪.‬‬

‫• {َو الُّر ْج َز َفاْه ُجْر }‪ :‬يعني والرجز يطلق على الشرك وعلى عبادة األوثان‪.‬‬

‫️⚫ ثم قال سورة الماعون‪:‬‬

‫قال‪ :‬هي مكية‪.‬‬

‫🔺 قال‪ :‬اآلية األولى‪.‬‬

‫قال تعالى‪َ{ :‬و َيْم َن ُع وَن اْل َم اُع وَن } [الماعون‪.]٧ :‬‬

‫🔻 قال أكثر المفسرين‪ :‬هو اسم لما يتعاوزه الناس بينهم من الدلو‪ ،‬والفأس‪ ،‬والِقدر‪ ،‬وال ُيمنع‬

‫عادًة كالماء والِملح‪.‬‬

‫‪ -‬وقيل‪ :‬غير ذلك‬

‫️⚫ ثم قال‪ :‬سورة الكوثر‪.‬‬

‫‪316‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫وهي ثالث آيات‪.‬‬

‫وهي مكية‪.‬‬

‫🔺 قال اآلية األولى‪.‬‬

‫قال تعالى {َفَص ِّل ِلَر ِّب َك َو اْن َح ْر } [الكوثر‪.]٢ :‬‬

‫• {َفَص ِّل ِلَر ِّب َك }‪ :‬األمر للرسول صلى هللا عليه وسلم بالدوام على إقامة الصالة المفروضة‪.‬‬

‫• {َو اْن َح ْر }‪ :‬الُبدن التي هي خيار أموال العرب‪.‬‬

‫‪ -‬وقيل‪ :‬صلي لربك صالة الصبح المفروضة بجمٍع ‪ ،‬وانحر البدن في ِمنى‪.‬‬

‫‪ -‬قيل أيًضا‪ :‬صالة عيد األضحى يصلي‪ ،‬ثم ينحر‪.‬‬

‫‪ -‬وقيل‪ :‬غير ذلك‪.‬‬

‫أما األسئلة عن محاضرة‪:‬‬

‫السؤال األول‪ :‬ما المراد بالمن والفداء في قوله تعالى {َفِإَّما َم ًّن ا َب ْع ُد َو ِإَّما ِفَداًء}؟‬

‫السؤال الثاني‪ :‬ما معنى {اَّل َيَم ُّسُه ِإاَّل اْل ُم َط َّهُروَن }؟‬

‫‪317‬‬
‫نيل المرام من تفسير آيات األحكام (‪)01‬‬

‫السؤال الثالث‪ :‬ما المراد بالفاحشة في قوله تعالى {ِإاَّل َأن َي ْأِتيَن ِبَفاِح َش ٍة ُّم َب ِّي َن ٍة}؟‬

‫السؤال الرابع‪ :‬ما هو سبب نزول‪َ{ :‬ي ا َأُّي َه ا الَّن ِبُّي ِلَم ُتَح ِّر ُم َم ا َأَح َّل ُهَّللا َلَك }؟‬

‫خامًس ا‪ :‬ما معنى الماعون في قوله تعالى {َو َي ْم َن ُعوَن اْل َم اُعوَن }؟‬

‫هذا وسبحانك اللهم وبحمدك‪ ،‬نشهد أن ال إله إال أنت‪ ،‬نستغفرك ونتوب إليك‪.‬‬

‫والسالم عليكم ورحمة هللا وبركاته‪.‬‬

‫‪318‬‬

You might also like