You are on page 1of 68

‫جامعـــــــــة قاصــــدي مربــــاح ورقلــــــــــة‬

‫كلٌة العلوم اإلنسانٌة واالجتماعٌة‬


‫قسم العلوم االجتماعٌة‬

‫مذكرة تخرج لنٌل شهادة الماستر أكادٌمً فً الفلسفة‬


‫مٌدان‪ :‬العلوم االجتماعٌة‬
‫شعبة‪ :‬الفلسفة‬
‫إعداد الطالبتٌن‪:‬‬
‫بشرة مقداد ‪ /‬سعٌدة عباس‬

‫السٌاسة عند ابن رشد‬


‫نوقشت يوم‪.2018 / 06 / 21 :‬‬
‫أمام لجنة المناقشة المكونة من‪:‬‬
‫أ‪.‬د‪ :‬زيغمي أحمد ‪ ..............................................‬رريياً‬
‫أ‪ :‬بن قويدر عاشور‪..............................................‬مشرراً‬
‫أ‪.‬د‪ :‬رياض طاهير‪................................................‬مناقشاً‬

‫الموسم الجامعً ‪2018/2017:‬‬


‫اإلهداء‬
‫ع تو َلم‬ ‫ذاهد اهذ ذالعم ذاعمتذاض ال أغل عم ف ذالتم له‬
‫ت طام ف عراعا‪.‬‬ ‫أمً وأبً حفظهعا‬
‫ال عم مقاسم علف حيامف ف رذحها ت حعذنها‪ ،‬تلانتذ رعع ذاثقة‬
‫تسنه اف رذه ائغمف لم إسعه‪:‬‬
‫ختمف‪" :‬عمارة‪،‬عبد المجٌد‪،‬أبوبكر‪ ،‬نور الدٌن‪ ،‬عبد السالم "‬
‫ختذمف‪" :‬حكٌمة‪ ،‬مباركة‪ ،‬إكرام‪ ،‬فرٌدة "‬
‫ال عتج خمف" نبٌل" حفظه‬
‫ال ناء ختذمف توتهام سر سلاهمف "أسماء‪ ،‬قصً‪ ،‬نهال‪ ،‬بٌان"‬
‫ال لم صهيقامف هتم سثناء ر ت علهم علنل‬
‫ف ذاعشتذر ذاواعلف‬ ‫"ذألختة‪ ،‬ذات اء‪ ،‬ذاحب"‬
‫ال لم عم غعنف حرف عم ذاطتر ذإل مهذئف ال ذاطتر ذاواعلف‬
‫ت ال لم عحب اغلغم تقارئ عهلرمف‪.‬‬

‫بشرى مقداد‬
‫اإلاهذء‬
‫ذاهد ت قنف تاهذنف إلنواع اهذ ذالعم ‪.‬‬ ‫ذاحعه‬
‫ملاال‬ ‫ال ف ت عف خفاهعا‬
‫ت ال عم قاسعتنف رذحف ت حعذنف ترذهت ذاثقة ف نفسف ت طتنف‬

‫ذاثقة ف نفسف ت طتنف ذامفاؤم ختذنف ت ختذمف‬

‫لم تذحه اسعه( غقيس‪ ،‬دمحم ذالر ف‪ ،‬ريحانة‪ ،‬دمحم مقف ذاهيم)‬

‫ت ال لملتت ذا يت صالح ذاهيم‪.‬‬

‫ت ال وعيض ر يقامف هر ف لم عم سا هنف عم قريب ت ليه ت ال سماهد‬


‫ذاعشرف ذاهد ام ي خم غيا نصائحه‬

‫تلم سامهمف عم ذاطتر ذال مهذئف ال ذاطتر ذاواعلف‬

‫م يلتم عغف نفلًا إلختذنف ذاعق غيم غل ذامخرج‬ ‫ت ف ذألخير روت عم‬

‫سعٌدة عباس‬
‫شكر وعرفان‬

‫ذاحعه ‪ ،‬نحعهه تنشلره شلرذ ظيعا‪ ،‬ذاهد نلم غينا عم اغه‪ ،‬تت قنا‬
‫تيسر عرنا‪ ،‬تسهه خطانا ف ذنواع اهذ ذا حث‪ ،‬إنه يشر نا م نمقهم خااص‬
‫مشلرذنا تمقهيرنا ال سماهنا ذافاام م قتيهر اشتر حفظه تر اه غل مق غه‬
‫ذإلشرذف غينا‪ ،‬ذاهد لام اه شرف نايمه‪ ،‬تص ره علنا تنصائحه تمتويهامه‬
‫ذاعفيهة‪.‬‬
‫لعا نمقهم وعيم ذاشلر تذالر ام ال وعيض ذألسامهة ذاهيم قهعتذ انا يه ذالتم طيغة‬
‫ذاعشتذر ذاواعلف‪.‬‬
‫لعا ال ننسل لم صهيقامنا ذاهيم علنا‪ ،‬تذاهيم ام يلتنتذ علنا ف اهه ذاغحظة‪.‬‬
‫تالم سامهمنا ذأل عذء طتذم ذاسنتذت ذاواعلية تلم سامهة قسم ذالغتم ذإلنسانية‬
‫ت ذالومعا ية‪.‬‬
‫مقدمة‬
‫يقذية‬
‫ُيعد ابن رشد من أىم أعبلم وفبلسفة المسممين الذين اىتموا بالفمسفة اإلسبلمية‪ ،‬حيث كان‬

‫الفعال في تقوية المدنية اإلسبلمية‪ ،‬واألندلس خاصة‪ .‬وىكذا كان لو األثر الواضح في‬
‫لو الدور ّ‬

‫السياسة‪ ،‬لما كانت تعانيو األندلس من اضطرابات ‪ ،‬وىذا ما جعل ابن رشد يتحمس معالجة‬

‫المجال السياسي في ذالك الوقت‪ .‬إذ نراه أنو متأثر بالفبلسفة اليونانيين والمسممين‪ ،‬ومن أبرزىم‬

‫وفي ظل ىذا تتبعنا‬ ‫( أفبلطون‪ ،‬أرسطو‪ ،‬الفارابي‪...‬وغيرىم)‪ ،‬وبيذا لقّب بالشارح األكبر‪.‬‬

‫المسارات الفكرية البن رشد‪ ،‬وأىم المواضيع التي عالجيا خاصة في الفكر السياسي ‪ .‬ولقد قيل‬

‫وفي ىذا اإلطار‬ ‫أن سياسة ابن رشد مجرد آراء مستقاة من فمسفة أفبلطون وفمسفة أرسطو‪.‬‬

‫نطرح اإلشكالية التالية‪:‬‬

‫ما ىي أصول الفكر الرشدي السياسي ؟ وىل السياسة عند ابن رشد مجرد تكرار أفكار‬

‫أرسطية وأفبلطونية أم أنيا إبداع ؟‬

‫وتتفرع عن هذه اإلشكالية تساؤالت فرعية ىي‪:‬‬

‫ىل كان فكر ابن رشد السياسي أصيبلً ؟‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫ىل تعتبر السياسة عند ابن رشد تأليف بين أفبلطون وأرسطو؟‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫ولتحميل ىذه اإلشكالية اعتمدنا عمى عدة مناىج أىميا‪:‬‬

‫‪ ‬المنيج التاريخي‪ :‬تتبع األفكار السياسية البن رشد‪.‬‬

‫‪ ‬المنيج التحميمي‪ :‬تحميل أىم األفكار السياسية الرشدية‪.‬‬

‫‪ ‬المنيج النقدي‪ :‬نقد أفكار ابن رشد السياسية‪.‬‬


‫يقذية‬
‫أما فيما يخص خطة موضوع بحثنا يتضمن من مقدمة وفصمين وخاتمة‪ .‬فالمقدمة ىي‬

‫توضيح المعالم األساسية لموضوع المذكرة‪ ،‬أما الفصل األول فكان بعنوان أصول السياسة عند‬

‫ابن رشد‪ ،‬فيو يشتمل عمى ثبلث مباحث‪ ،‬يتضمن المبحث األول فكرة المدينة الفاضمة عند‬

‫أفبلطون‪ ،‬والمبحث الثاني فكرة المدينة الفاضمة عند أرسط و‪ ،‬أما المبحث الثالث فكرة المدينة‬

‫الفاضمة عند الفارابي‪ .‬أما فيما يخص الفصل الثاني الذي كان عنوانو المشروع السياسي عند‬

‫ابن رشد‪ ،‬واندرجت ضمنو أربعة مباحث‪ ،‬يشتمل المبحث األول عمى مفيوم المدينة الفاضمة‬

‫عند ابن رشد‪ ،‬الذي وضحنا فيو رؤية ابن رشد لممدينة الفاضمة وكيفية بنائيا وعبلقة الحاكم‬

‫بالمحكوم فييا‪ .‬أما المبحث الثاني تطرقنا فيو إلى المرأة والسياسة عند ابن رشد و كان المبحث‬

‫الثالث يتضمن مراحل التربية عند ابن رشد‪ .‬أما المبحث الرابع الذي يتضمن نقد وتقييم ألفكار‬

‫السياسية البن رشد‪.‬‬

‫أما األسباب التي دفعتنا الختيارنا ىذا الموضوع‪ ،‬منيا أسباب ذاتية وموضوعية‪.‬‬

‫األيباب الذاتية‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ -‬فضولنا التعرف عمى الفمسفة السياسية اإلسبلمية‪.‬‬

‫‪-‬ميمنا لممواضيع السياسية خاصة أحد أعبلم ورواد ابن رشد‪.‬‬

‫األيباب الموضوعية‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ -‬إثراء مكتبتنا بمثل ىذه المواضيع (الفمسفة السياسية)‪.‬‬

‫‪ -‬معرفة األصول السياسية لمفكر اإلسبلمي‪ ،‬ولمفيمسوف ابن رشد خاصة‪.‬‬

‫وكما تتمحور دراستنا حول األىداف التالية‪:‬‬

‫ب‬
‫يقذية‬
‫‪ -‬التعرف عمى أبرز شخصية في الفمسفة السياسية اإلسبلمية ( ابن رشد)‪.‬‬

‫‪ -‬محاولة التوصل معرفة الفكر السياسي الرشدي‪.‬‬

‫‪ -‬التوصل إلى ضبط أىم مبادئ بناء المدينة الفاضمة‪.‬‬

‫أما عن الصعوبات التي واجيتنا إلنجاز ىذا العمل كغيرنا من الباحثين أىميا‪:‬‬

‫‪ -‬ضيق الوقت‪.‬‬

‫‪ -‬قمة الدراسات والبحوث األكاديمية في ىذا الموضوع‪.‬‬

‫مجموعة من النتائج توصمنا إلييا من خبلل‬ ‫وفي األخير نختم ىذا العمل المتواضع‬

‫البحث‪.‬‬

‫ج‬
‫الفصل األول‪ :‬أصول السٌاسة عند ابن رشد‬
‫المبحث األول ‪ :‬فكرة المدٌنة الفاضلة عند أفالطون‬
‫المبحث الثانً ‪ :‬فكرة المدٌنة الفاضلة عند أرسطو‬
‫المبحث الثالث‪ :‬فكرة المدٌنة الفاضلة عند الفارابً‬
‫أصٕل انسٍاسة عُذ إبٍ رشذ‬ ‫انفصم األٔل‪:‬‬
‫تعد السياسة (‪ )politique‬من أىم المواضيع التي عولجت في التراث اليوناني في القرن‬

‫الثالث قبل الميبلد‪ ،‬وىي تشير للمدينة عند اليونان ‪ .‬وأول من اىتم بيا من فبلسفة اليونان‬

‫أفبلطون* (‪427 ( )Platon‬ق‪.‬م‪347 -‬ق‪.‬م) في كتابو "الجميورية" وأرسطو ** )‪(Aristote‬‬

‫(‪384‬ق‪.‬م‪322-‬ق‪.‬م) في كتابو "السياسة"‪.‬‬

‫تعني السياسة مصدر "ساس"‪ ،‬وىي تنظيم أمور الدولة‪ ،‬وتدبير شؤونيا‪.‬وقد تكون شرعية‬

‫أو تكون مدنية‪ .‬فإذا كانت شرعية كانت أحكاميا مستمدة من الدين‪ ،‬واذا كانت مدنية كانت‬

‫‪ .1‬كما ترجع أصالتيا في‬ ‫قسما من الحكمة العممية‪ ،‬وىي الحكمة السياسية‪ ،‬أو عمم السياسية‬

‫الفكر اإلسبلمي أنيا لفظة عربية أصيمة‪ ،‬فالسياسة لم ترتبط باسم معين بل ارتبطت بفعل‪ :‬يعني‬

‫العناية والتدبير والتنظيم واإلصبلح‪ .‬بينما مفيوم السياسة في الغرب ارتبط باسم موجود أي‬

‫المدينة‪ .‬ونجد الفرق بين مصطمح السياسة في األصل أن المصطمح العربي أقرب إلى التداول‬

‫من لفظة البولتيك‪ .2‬ويتبين لنا أن مصطمح السياسة أصميا عربي وكثير التداول‪ .‬ومنو سنتطرق‬

‫في ىذا الفصل إلى أصول السياسة عند ابن رشد ويتضمن ثبلثة مباحث‪:‬‬

‫المبحث األول ‪:‬فكرة المدينة الفاضمة عند أفبلطون‪ ،‬والمبحث الثاني‪ :‬فكرة المدينة الفاضمة عند‬

‫أرسطو‪ ،‬أما المبحث الثالث‪ :‬فكرة المدينة الفاضمة عند الفارابي‪.‬‬

‫‪ - 1‬جً‪ٛ‬م صه‪ٛ‬جب‪ ،‬انًعجى انفهسفً‪،‬ج‪( ،1‬ث‪ٛ‬غٔد‪ ،‬نجُبٌ‪ :‬صاع انكزبة انهجُبَ‪ )1982، ٙ‬ص‪.679‬‬
‫‪ -2‬عجض انمبصع ثٕ عغفخ‪ ،‬انًذٌُة ٔانسٍاسة (دراسة فً انضرٔري فً انسٍاسة) البٍ رشذ ‪( ،‬يصغ‪ ،‬انمبْغح‪:‬فغ‪ٚ‬ض ع‪ٚ‬ش إ‪ٚ‬جغد‬
‫األنًبَ‪ٛ‬خ نهُشغ‪ ،‬ط‪ )2006 ،1‬ص‪.90‬‬
‫*أفالطٌٕ‪ :‬ف‪ٛ‬هـٕف ‪َٕٚ‬بَ‪ٔ ،ٙ‬نض( ‪427‬ق‪.‬و‪347-‬ق‪.‬و) ف‪ ٙ‬أث‪ُٛ‬ب يٍ أؿغح أعؿزمغاط‪ٛ‬خ‪ ،‬أؿؾ أكبص‪ًٛٚ‬خ ‪387‬ق‪.‬و‪ٔ ،‬يٍ يؤنفبرّ‪:‬‬
‫يذبٔعاد"ثغٔربغغاؽ‪،‬جٕعج‪ٛ‬بؽ‪ْ ،‬ج‪ٛ‬بؽ‪ ،‬ي‪ ".ٌُٕٛ‬أيب كزجّ"انجًٕٓع‪ٚ‬خ"‪" ،‬انمٕاَ‪( ."ٍٛ‬دمحم عجض انغدًبٌ يغدجب‪ ،‬يٍ انفهسفة‬
‫انٍَٕاٍَة إنى انفهسفة اإلساليٍة‪ ،‬ث‪ٛ‬غٔد‪ ،‬نجُبٌ‪ :‬صاع يُشٕعاد عٕ‪ٚ‬ضاد‪ ،‬ط‪ 1981 ،2‬ص‪).115-113‬‬
‫**أرسطٕ‪ :‬ف‪ٛ‬هـٕف ‪َٕٚ‬بَ‪ٔ،ٙ‬نض ( ‪384‬ق‪.‬و‪322-‬ق‪.‬و) ف‪ ٙ‬إؿطبج‪ٛ‬غا (يـزعًغح ‪َٕٚ‬بَ‪ٛ‬خ عهٗ ثذغ إ‪ٚ‬جب)‪ ،‬يٍ أؿغح عغ‪ٚ‬مخ ف‪ٙ‬‬
‫انطت‪ ،‬إنزذك ثأكبص‪ًٛٚ‬خ أفالطٌٕ ٔرزهًظ عهٗ ‪ٚ‬ضِ‪ٔ ،‬يٍ يؤنفبرّ‪" :‬كزبة انًُطك‪ ،‬انًمٕالد‪،‬انـ‪ٛ‬بؿخ‪ ،‬األسالق إنٗ َ‪ٛ‬مٕيبسٕؽ‪،‬‬
‫عهى انذ‪ٕٛ‬اٌ‪ ".‬أَظغ انًغجع‪ :‬دمحم عجض انغدًبٌ يغدجب‪ ،‬يٍ انفهـفخ ان‪َٕٛ‬بَ‪ٛ‬خ إنٗ انفهـفخ اإلؿالي‪ٛ‬خ‪ ،‬ص‪.105-101‬‬

‫‪6‬‬
‫أصٕل انسٍاسة عُذ إبٍ رشذ‬ ‫انفصم األٔل‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬ركرة المدينة الفاضمة عند ( أرالطون)‬

‫يعد أفبلطون من أعظم الفبلسفة اليونانيين‪ ،‬حيث شيد ىزيمة أثينا في حرب البولوبنيز في‬

‫أواخر القرن الخامس قبل الميبلد‪ ،‬كما شيد إعدام أستاذه سقراط‪ ،‬وىذا ما أثر فيو تأثي ار كبيرا‪،‬‬

‫فكرس بقية حياتو إلقامة فكر سياسي بتوجيو حياة األثينيين‪.‬‬

‫تعتبر المدينة عند أفبلطون من المواضيع التي ليا أىمية كبرى‪ ،‬حيث بمغ ىذا االنشغال‬

‫حد اليوس‪ ،‬وىذا ما يؤكد أن سعي أفبلطون في فمسفتو سعي سياسي‪ ،‬وتوظيف الفمسفة لتأكيد‬

‫غنى عنو لبناء األطروحات‬ ‫أطروحاتو السياسية‪ ،‬حيث نجد أن الفمسفة كانت مدخبل ال‬

‫األفبلطونية في مجال السياسة‪ ،‬حيث نجد أن التنظيم المثالي لممدينة وتصوره لمعدالة وتوزيع‬

‫‪1‬‬
‫الميام عمى المواطنين محاور تتكرر في عدة مواضيع ‪.‬‬

‫يقوم اإلنسان بتوفير ما يحتاج إليو من غداء ومسكن وكساء‪ ،‬وىو ال يستطيع سد حاجياتو‬

‫وحده‪ ،‬ويرى أفبلطون أن االجتماع الطبيعي ضروري‪ ،‬وىو ظاىرة طبيعية في حياة الناس‬

‫ويكون الفرد بحاجة إلى اآلخرين‪ .‬ومنو يتكون المجتمع أو المدينة أو الدولة ‪ .2‬فالمدينة تنشأ من‬

‫التجمع البشري الذي يكون أساسيا التعاون القائم بين األفراد في تمبية وتوفير حاجاتيم من أجل‬

‫البقاء واالستقرار في الحياة‪.‬‬

‫‪ - 1‬سض‪ٚ‬جخ ػر‪ٛ‬ه‪ ،ٙ‬أفالطٌٕ‪ ،‬انسٍاسة‪ ،‬انًعرفة‪ ،‬انًرأة‪(،‬انجؼائغ‪ ،‬انعبصًخ‪ :‬صاع األيبٌ انغثبط‪ ،‬ط‪ )2011،1‬ص‪.62‬‬
‫‪ - 2‬دغث‪ ٙ‬عجبؽ عط‪ٛ‬زٕ‪ ،‬إججاْات انحفكٍر انفهسفً عُذ انٍَٕاٌ (انعصر انٓهًٍُ )‪( ،‬يصغ‪ ،‬اؿكُضع‪ٚ‬خ‪ :‬صاع انًعغفخ انجبيع‪ٛ‬خ‪،‬‬
‫ط‪ ،) 2013 ،1‬ص ‪.388‬‬

‫‪7‬‬
‫أصٕل انسٍاسة عُذ إبٍ رشذ‬ ‫انفصم األٔل‪:‬‬
‫أما فيما يخص أنواع الحكومات عند أفبلطون فقد حصرىا في أربعة أنواع وىي‪:‬‬

‫أ‪ -‬التيموقراطية‪ :‬تعتبر حكومة الشجاعة والمجد‪ ،‬وىي مدينة ظالمة ألنيا تقوم عمى الثروة‬

‫األوليجاركية‬
‫‪.‬‬ ‫ويستحيل وجود الفيمسوف فييا‪ ،‬حيث يعتبرىا أفبلطون وسط بين األرستقراطية و‬

‫ب‪ -‬األوليجاركية‪ :‬تعد حكومة المال أو القمة تؤدي إلى انقسام المدينة إلى مدينتين األغنياء‬

‫والفقراء‪ ،‬وىذا ما جعل أفبلطون يحتقر ىذه الطبقة‪.‬‬

‫ج ‪-‬الديمقراطية‪ :‬تعتبر مدينة الفوضى يحكميا الشعب‪ ،‬حيث يثور الفقراء عمى األغنياء‪ ،‬وىذا‬

‫ما جعل أفبلطون يكره الديمقراطية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫د ‪ -‬الطغيان أو االستبداد‪ :‬وتسمى بمدينة الحيوان البشري‪ ،‬حيث يكون الحكم بالعنف والقوة ‪.‬‬

‫ويمكن القول أن أسوء أنواع الحكومات عند أفبلطون ىي حكومة الديمقراطية وحكومة الطغاة ‪.‬‬

‫المطمب األول‪ :‬ركرة العدالة‬

‫يعد مفيوم العدالة * محو ار ىاما لمبحث السياسي في محاورة أفبلطون‪ .‬كما نجد كممة‬

‫العدالة في النظر اليوناني القديم‪ ،‬ترتبط بعدة ميادين منيا األخبلق والسياسة‪.‬‬

‫يقدم أفبلطون تعريفا لمعدالة رابطا ًإياه بفكرة المحافظة عمى االستقرار في الدولة‪ .‬حيث‬

‫يقول‪ << :‬إن أعظم أسباب كمال الدولة ىي تمك الفضيمة التي تجعل كل من األطفال والنساء‬

‫انفكر انسٍاسً انغربً انُشأة ٔانحطٕر ‪( ،‬يصغ‪،‬اؿكُضع‪ٚ‬خ‪ :‬صاع انٕفبء نضَ‪ٛ‬ب‪،‬ط ‪ )2007،1‬ص‬ ‫‪ -1‬فضم هللا دمحم ؿهّطخ‪،‬‬
‫ص‪.406،402‬‬
‫*انعذانة‪:‬نغخ‪ :‬االؿزمبيخ‪.‬فهـف‪ٛ‬ب‪:‬ادضٖ انفضبئم األعثع انكجغٖ انز‪ ٙ‬ؿهى ثٓب انفالؿفخ يٍ لض‪ٚ‬ى ْٔ‪ :ٙ‬انذكًخ ٔانشجبعخ ٔانعفخ‬
‫ٔانعضانخ‪ٔ .‬عضانخ انزٕػ‪ٚ‬ع‪ .‬ل‪ٛ‬بو انضٔنخ ثزٕػ‪ٚ‬ع انذمٕق ٔانٕاججبد ث‪ ٍٛ‬األفغاص دـت كفب‪ٚ‬برٓى ف‪ ٙ‬دضٔص انًصهذخ انعبيخ‪ (.‬إثغاْ‪ٛ‬ى‬
‫يظكٕع‪ ،‬انًعجى انفهسفً‪ ،‬انمبْغح‪ ،‬انٓ‪ٛ‬ئخ انعبيخ نشؤٌٔ انًطبثع األي‪ٛ‬غ‪ٚ‬خ‪) 1983 ،‬ص‪.117‬‬

‫‪8‬‬
‫أصٕل انسٍاسة عُذ إبٍ رشذ‬ ‫انفصم األٔل‪:‬‬
‫والعبيد واألحرار والصناع والحاكمين والمحكومين يؤدي عممو‪ ،‬دون أن يتدخل في عمل‬

‫غيره‪ 1>>.‬يبدو لنا من خبلل قول أفبلطون أن كل فرد في الدولة لو وظيفتو وممتمكاتو‬

‫الخاصة‪ ،‬وال يمكنو التدخل في عمل وممتمكات اآلخر‪.‬‬

‫ومن ناحية ثانية يرى أفبلطون أن النفس اإلنسانية واحدة ولكن ليا ثبلث قوى رئيسية ىي‪:‬‬

‫الغضبية فضيمتيا الشجاعة‪ ،‬القوة العاقمة فضيمتيا‬


‫ّ‬ ‫القوة الشيوانية فضيمتيا العفة‪ ،‬القوة‬

‫الحكمة‪ .‬كما يرى أفبلطون أن المجتمع أو الدولة كذلك تتشكل من ثبلث طبقات وىي‪:‬‬

‫الطبقة األولى‪ :‬ىي طبقة العمال( زراع‪ -‬صناع – تجار) وتضم عامة الشعب ويوكل إلييا أمر‬

‫اإلنتاج والسير عمى تأمين الحياة النباتية والحيوانية في الدولة‪ .‬والعفة ىي الفضيمة التي ينبغي‬

‫أن يتحمى بيا األفراد‪ ،‬ويوصفيم أفبلطون الطبقة النحاسية‪.‬‬

‫الطبقة الثانية‪ :‬وىي طبقة الجند المحاربين ويكمف أفرادىا بالدفاع عن الدولة والتحمي بالشجاعة‪،‬‬

‫ويوصفيم أفبلطون بالطبقة الفضية‪.‬‬

‫الطبقة الثالثة‪ :‬وىي طبقة الحكام الفبلسفة أرفع الطبقات ويوكل إلييم أمر الحكم وادارة الدولة‬

‫‪2‬‬
‫يتبين لنا من خبلل ىذا أن أفبلطون شبو المدينة بالنفس من حيث الوظائف‪.‬‬ ‫بالعقل والحكمة‪.‬‬

‫إىتم بتحقيق التوازن والتناسب بين طبقات الدولة الثبلث‪ ،‬كما أن تحقيق العدالة الفعمية‬
‫حيث ّ‬

‫عند أفبلطون في المدينة مرتبط بسيطرة طبقة الحكام الفبلسفة عمى الحكم‪ ،‬ألنيم متنورين بقوة‬

‫العقل والحكمة‪.‬‬

‫‪ - 1‬أفالطٌٕ‪،‬انجًٕٓرٌة‪ ،‬رغ؛فؤاص ػكغ‪ٚ‬بء‪(،‬يصغ‪ ،‬إؿكُضع‪ٚ‬خ‪ :‬صاع انٕفبء نضَ‪ٛ‬ب انطجبعخ ٔانُشغ‪ ،‬ص‪.‬ط‪) 2004،‬ص‪87‬‬
‫‪ - 2‬دغث‪ ٙ‬عجبؽ عط‪ٛ‬زٕ‪،‬إججاْات انحفكٍر انفهسفً عُذ انٍَٕاٌ (انعصر انٓهًٍُ )‪ ،‬انًغجع انـبثك‪ ،‬ص‪.391،390‬‬

‫‪9‬‬
‫أصٕل انسٍاسة عُذ إبٍ رشذ‬ ‫انفصم األٔل‪:‬‬
‫يفرق أفبلطون بين نوعين من العدالة‪ :‬عدالة المساواة وعدالة البلمساواة‪ ،‬عدالة المساواة‬

‫بمعنى أن الحساب يستخدم‬ ‫ىي العدالة الحسابية‪ ،‬أما عدالة البلمساواة ىي العدالة اليندسية‪.‬‬

‫األعداد ويؤدي إلى التوزيع بالتساوي‪ ،‬بينما اليندسة فيي تستخدم النسب‪ ،‬كما تحفظ الفوارق‬

‫بينيا‪ .‬ونجد أن سيادة المبدأ اليندسي في الدولة تعني المحافظة عمى التمييز بين الطبقات‪ ،‬أما‬

‫سيادة المبدأ الحسابي يؤدي إلى بعث االضطراب والخمط بين مختمف فئات الناس وتسوية‬

‫األشياء دون تفرقة‪ .‬أن العدالة الحسابية تتناسب مع المفيوم الديمقراطي لمسياسة‪ ،‬بينما العدالة‬

‫‪1‬‬
‫اليندسية تتبلئم مع النظرة االرستقراطية‪.‬‬

‫نستنتج أن أفبلطون قدم لنا الفرق بين نوعين من العدالة‪ ،‬إذا كانت العدالة مقترنة دائما‬

‫في األذىان بمبدأ المساواة‪ ،‬فإننا نجد أن العدالة األفبلطونية تعني البلمساواة ؛ ألنيا تقوم عمى‬

‫التمييز بين الطبقات والمحافظة عمى استقرار الدولة‪.‬‬

‫‪ - 1‬أفالطٌٕ‪ ،‬انجًٕٓرٌة‪ ،‬انًغجع انـبثك‪ ،‬ص‪.91،90‬‬

‫‪10‬‬
‫أصٕل انسٍاسة عُذ إبٍ رشذ‬ ‫انفصم األٔل‪:‬‬
‫المطمب الثاني‪ :‬ركرة الممك الفيميوف‬

‫التي يعتبرىا الوسيمة الوحيدة لتحقيق المدينة‬ ‫تمثل فكرة الممك الفيمسوف عند أفبلطون‪،‬‬

‫الفاضمة بالصورة التي أرادىا‪ .‬كما يرى أفبلطون أن العالم لن يعرف االستقرار‪ ،‬ما لم يصبح‬

‫الفبلسفة حكاما‪ ،‬أو يتحول الحكام إلى فبلسفة ‪ .1‬فمن ىو الممك الفيمسوف عند أفبلطون؟‬

‫نجد أفبلطون في تفسير فكرة الممك الفيمسوف ييدف إلى تأكيد أىمية المعرفة والعمم في‬

‫تدبير شؤون الحكم‪ ،‬ويقصد أفبلطون من ىذه الفكرة ىو أن حكم الدولة لن يصمح مادام مبني‬

‫عمى الثروة أو القوة المادية الغاشمة‪ ،‬ويرى أن أصمح أنواع الحكم الذي يرتكز عمى العقل‬

‫والمعرفة‪ .‬وىذا ما يؤكد في قولو‪ << :‬إن وسيمة تكوين الدولة حكميا صالح‪ .‬ىي أن تجد لمن‬

‫ينبغي أن يتولوا الحكم فييا سبيبل في الحياة أفضل من الحكم‪ ،‬وعندئذ فقط تكون مقاليد السمطة‬

‫في أيدي األغنياء بحق‪ ،‬ال أغنياء الذىب‪ ،‬وانما أغنياء الفضيمة والحكمة‪ ،‬وىو الغنى الذي البد‬
‫‪2‬‬
‫ونفيم من خبلل رأي أفبلطون في مفيوم الغنى‪ ،‬إنو غنى العقل‬ ‫منو لتحقيق السعادة ‪>>.‬‬

‫وليس أي غنى آخ ر‪ ،‬لذلك نجد أن الفبلسفة في دولتو ال يأبيون باألشياء المادية وجمع‬

‫الثروات‪.‬‬

‫كما يرى أفبلطون أن الحكم في الدولة المثالية يجب أن يستند إلى طائفة الفبلسفة‬

‫حيث يقول‬ ‫الحكماء وذلك التصافيم بالمعرفة والفضيمة ولقدرتيم عمى تصور القوانين العادلة‪.‬‬

‫أفبلطون‪ <<:‬ال يمكن زوال بؤس الدولة وزوال شقاء النوع اإلنسان ما لم يممك الفبلسفة أو‬

‫‪ -1‬أفالطٌٕ‪ ،‬انجًٕٓرٌة‪ ،‬انًغجع انـبثك‪ ،‬ص‪.110‬‬


‫‪ - 2‬سض‪ٚ‬جخ ػر‪ٛ‬ه‪ ،ٙ‬أفالطٌٕ‪ ،‬انسٍاسة‪ ،‬انًعرفة‪ ،‬انًرأة‪ ،‬يغجع ؿبثك‪ ،‬ص ‪.65‬‬

‫‪11‬‬
‫أصٕل انسٍاسة عُذ إبٍ رشذ‬ ‫انفصم األٔل‪:‬‬
‫يتفمسف المموك والحكام فمسفة صحيحة تامة‪ ،‬أي ما لم تجتمع القوتان السياسية والفمسفية في‬

‫شخص واحد ‪ 1>>.‬يتبين لنا من ىذا القول أن يكون الحكم في أيدي الفبلسفة أو أن تنتقل‬

‫الفمسفة إلى عقول الحكام‪ ،‬وىذا من أجل محو أو زوال الشرور السياسة وتحقيق كمال الدولة‪.‬‬

‫ومن ىذا نجد يضع أفبلطون منياج تربوي وتعميمي إلعداد الممك الفيمسوف الذي يقوم‬

‫عمى العقل‪ ،‬وسبلمة الطبع‪ ،‬و عميو اتخاذ مسمك الفضيمة والخير‪ .‬وتكون أول خطوة تضعيا‬

‫تكون عن طريق اتصال رجال أقوياء بنساء‬ ‫الدولة ىي خطة إنجاب أطفال نجباء‪ ،‬التي‬

‫صحيحات‪ ،‬وىذا لضمان صحة النسل‪ .‬و يتم أخذ األبناء من آبائيم ليربوا تربية جماعية‪ ،‬وتبدأ‬

‫منذ الطفولة تعميم األطفال الموسيقى والرياضة البدنية ؛ أي يتم الجمع بين اإلحساس والشجاعة‬

‫‪2‬‬
‫حتى إلى بموغ الثامنة عشرة من العمر يتوقفوا عن دراسة الموسيقى‪.‬‬

‫أما عند بموغ الطبلب سن العشرين يدرسون العموم مثل الحساب‪ ،‬اليندسة‪ ،‬والفمك‬

‫وتوجييم نحو تفسير الكون‬ ‫والموسيقى؛ ألن ىذه العموم تنبو الحس الفمسفي لدى الطبلب‬

‫كما نجد المرحمة الثالثة تبدأ‬ ‫والوجود‪ ،‬مما تعدىم لبموغ مرحمة الوصول إلى المعارف األزلية‪.‬‬

‫من سن الثبلثين‪ ،‬ويواصل الطبلب فييا‪ ،‬مما أثبتوا تفوقيم برنامج تعميمي جديد ويعزل عنيم‬

‫بقية الطبلب ليكونوا مجرد حراس لمدولة‪ ،‬ال حكام ليا وتدوم ىذه المرحمة خمسة أعوام‪ ،‬مما‬

‫يتعمق الطبلب في دراسة الفمسفة والجدل‪.3‬‬

‫‪ - 1‬دغث‪ ٙ‬عجبؽ عط‪ٛ‬زٕ‪،‬اججاْات انحفكٍر انفهسفً عُذ انٍَٕاٌ(انعصر انٓهًٍُ )‪ ،‬يغجع ؿبثك‪ ،‬ص‪.392‬‬
‫‪ - 2‬دمحم ٔل‪ّٛ‬ع هللا أدًض‪ ،‬يذخم إنى انفهسفة انسٍاسٍة‪ ( ،‬ؿٕع‪ٚ‬ب‪ ،‬صيشك‪ :‬صاع انفكغ‪ ،‬ط‪ ) 2010،1‬ص‪.63‬‬
‫‪ -3‬أثٕ َصغ انفبعاث‪ ،ٙ‬كحاب انجًع بٍٍ رأٌٍٍ انحكًٍٍٍ‪ ( ،‬نجُبٌ‪ ،‬ث‪ٛ‬غٔد‪ :‬صاع انًشغق‪ ،‬ص‪.‬ط‪) 1987 ،‬ص‪.17‬‬

‫‪12‬‬
‫أصٕل انسٍاسة عُذ إبٍ رشذ‬ ‫انفصم األٔل‪:‬‬
‫أما المرحمة الرابعة لسن الخامسة والثبلثين ‪ ،‬والخمسين يقومون بالميام في إدارة الدولة‬

‫والجيش‪ .‬و بيا يكتمل البرنامج الدراسي والتدريس‪ ،‬ويصبح فبلسفة وحكام صالحين يتناوبون‬

‫عمى أداء ميام القيادة السياسية‪ .‬ويرى أفبلطون أن يكون نظام الحكم (ممكي ) أو(أرستقراطي)‬

‫حيث يعتبر أفبلطون كبل النظامين أنيما صالحان إذا ظل الحكام فبلسفة ممتازين بفضائل‬

‫‪1‬‬
‫الكمال العقمي والنفسي‪.‬‬

‫المطمب الثالث‪ :‬المشاعية‬

‫‪ .‬حيث أن‬ ‫يعد أفبلطون واحد من الرواد التاريخيين في الدعوة إلى المبادئ المشاعية‬

‫مشاعية أفبلطون التي دعا بيا‪ ،‬تكون مقتصرة في تطبيقيا عمى طبقتي الحكام والجند(الحراس)‬

‫واستثنى منيا طبقة الشعب ‪ .2‬كما يكون لكل فرد ممتمكاتو الخاصة بو في المدينة‪ ،‬وىذا ما يراه‬

‫أفبلطون أن الممكية الخاصة تكون محل صراع بين جماعة تممك و أخرى ال تممك‪ ،‬و ليذا يقر‬

‫حيث‬ ‫أفبلطون بالتخمي عن المصالح الشخصية والممتمكات الخاصة لتكون في صالح الدولة‪.‬‬

‫يؤكد أن << الفرق بين الناس إنما يرجع إلى أنيم ‪ ،‬في المجتمع ال يستخدمون كمما ت"ممكي"و"‬

‫ليس ممكي"و" لغيري" و"ليس لغيري" بالنسبة إلى أشياء واحدة ‪ 3>>.‬ويتبين لنا من خبلل ىذا ال‬

‫يوجد ىناك تفرقة بين األفراد ويكون كل شي مشاع و ممتمكات واحدة في المجتمع‪.‬‬

‫‪ ،‬بل عمى أساس‬ ‫تعتبر األسرة حسب تصور أفبلطون ليست مبنية عمى أساس عاطفي‬

‫بالقضاء عمى وظيفة األسرة التقميدية و اختفاء الدور‬ ‫وظيفي‪ ،‬حيث ينتيي منطق أفبلطون‬

‫‪ - 1‬دمحم ٔل‪ٛ‬ع هللا أدًض‪ ،‬يذخم إنى انفهسفة انسٍاسٍة‪ ،‬انًغجع انـبثك‪ ،‬ص‪.65‬‬
‫‪ - 2‬أفالطٌٕ‪ ،‬انجًٕٓرٌة‪ ،‬يغجع ؿبثك‪ ،‬ص‪.101‬‬
‫‪ - 3‬سض‪ٚ‬جخ ػر‪ٛ‬ه‪ ،ٙ‬أفالطٌٕ‪،‬انسٍاسة‪ ،‬انًعرفة‪ ،‬انًرأة‪ ،‬انًغجع انـبثك‪ ،‬ص‪.67‬‬

‫‪13‬‬
‫أصٕل انسٍاسة عُذ إبٍ رشذ‬ ‫انفصم األٔل‪:‬‬
‫التقميدي لممرأة المتمثل في الواجبات المنزلية واإلنجاب‪ .‬وىذا مما يدل عمى المساواة بين أفراد‬

‫المجتمع؛ أي مساواة المرأة واشتراكيا مع الرجل في جميع األعمال ومنيا العسكرية والسياسية‬

‫وتكون لصالح الدولة‪.1‬‬

‫ونجد كذلك من دعائم مشاعية أفبلطون المتمثمة في إلغاء األسرة؛ أي إلغاء الزواج بين‬

‫أفراد طبقتي الحكام والحراس‪ ،‬وأن تكون النساء مشاعة لمجميع الرجال في الحرب‪ ،‬وال يمكنيا‬

‫فييا‬ ‫لواحدة منين أن تأسس بيت مع رجل واحد منيم‪ .‬وكذلك أن مشاعية األطفال التي تقوم‬

‫الدولة عمى وضع األطفال عند مربيات بعد الوالدة يتكفمن بتنشئتيم‪ ،‬وبيذا يصبح األب ال‬

‫يعرف إبنو‪ ،‬وال االبن يعرف أباه؛ ألنىم أصبحوا ىؤالء األطفال من الممكية العامة ‪.2‬‬

‫و ليذا عمى الدولة التي تطمح أن يكون حكميا مثالي وجوب المساواة بين الرجال والنساء‬

‫واألطفال‪ ،‬وعمييا تمقينىم نفس التعميم في جميع مراحمو‪ .‬و تقوم بتقسيم كل الميام والمناصب‬

‫بينيم‪ ،‬وعمييا اتخاذ حكام يمتازون بالفمسفة والحرب معا‪ ،‬و من ىذا يتبين لنا أن مشاعية النساء‬

‫واألطفال والممتمكات بين األفراد في طبقة الحكام والحراس عند أفبلطون تمنع الشقاق و تحقيق‬

‫الوحدة واالستقرار لمدولة‪.3‬‬

‫‪ - 1‬سض‪ٚ‬جخ ػر‪ٛ‬ه‪ ،ٙ‬أفالطٌٕ‪ ،‬انسٍاسة‪ ،‬انًعرفة‪ ،‬انًرأة ‪،‬انًغجع‪ ،‬انـبثك‪ ،‬ص‪.68‬‬


‫‪ - 2‬دمحم ٔل‪ٛ‬ع هللا أدًض‪ ،‬يذخم إنى انفهسفة انسٍاسٍة‪ ،‬انًغجع انـبثك‪ ،‬ص ‪.67‬‬
‫‪ -3‬سض‪ٚ‬جخ ػر‪ٛ‬ه‪ ،ٙ‬أفالطٌٕ‪ ،‬انسٍاسة‪ ،‬انًعرفة‪ ،‬انًرأة‪ ،‬انًغجع انـبثك‪ ،‬ص‪.68‬‬

‫‪14‬‬
‫أصٕل انسٍاسة عُذ إبٍ رشذ‬ ‫انفصم األٔل‪:‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬ركرة المدينة الفاضمة عند ( أريطو)‬

‫يعد أرسطو من أشير الفبلسفة الذين اىتموا بالسياسة في اليونان‪ ،‬وذلك من خبلل كتابو‬

‫المشيور" السياسة"‪ .‬حيث يرى أن عمم السياسة ىو العمم الذي يحقق الخير األقصى لئلنسان‬

‫وىو عمم دولة المدينة ‪ .polis‬وبالمعنى السياسي أن الوجود البشري ال يمكن أن يوجد إال في‬

‫المدينة‪ ،‬ورغبة البشر في حياة فاضمة‪ .‬ويتضح لنا أن عمم السياسة يكون ذو مضمون وىدف‬

‫أخبلقي‪ ،‬حيث يكون الفرد جزء من المدينة‪ ،‬فإن عمم األخبلق جزء من عمم السياسة‪ .‬وىذا يعني‬

‫لنا أن عمم األخبلق ييدف إلى خير الفرد‪ ،‬أما عمم السياسة ييدف إلى خير الدولة‪ .‬ويتبين لنا‬

‫كما يكون الخير األعظم واألكمل ىو تحقيق‬ ‫أن انش‪ٛ‬غ متبادل بالنسبة لمفرد وبالنسبة لمدولة‪.‬‬

‫خير الدولة‪.1‬‬

‫يربط أرسطو بين األخبلق والسياسة برباط وثيق‪ ،‬ويجعل قيام الدولة عمى ىدف أخبلقي‬

‫فالدولة عنده عبارة عن جماعة تقوم عمى التفاعل وروح التعاون بين األفراد مع بعضيم البعض‬

‫لتحقيق ما يسميو دولة الخير والصالح العام‪ ،‬وىدفيا تحقيق أقصى حد ممكن من السعادة لمفرد‪.‬‬

‫حيث يقول في كتابو السياسة << كل دولة تتألف من جماعة‪ ،‬وكل جماعة تقوم لتحقيق خير‬

‫ما‪ 2>>.‬يبدو لنا من خبلل ىذا أن الدولة عند أرسطو تقوم عمى أساس األخبلق ؛ ألنيا تحقق‬

‫الخير والسعادة لمفرد‪ ،‬وىذا ما يدل عمى إرتباط األخبلق بالسياسة‪.‬‬

‫‪ - 1‬إيبو عجض انفزبح إيبو‪ ،‬األخالق ٔانسٍاسة‪( ،‬يصغ‪ ،‬انمبْغح‪ :‬صاع انكزت انًصغ‪ٚ‬خ‪ ،‬ص‪.‬ط‪،)2001 ،‬ص‪.175‬‬
‫‪ - 2‬انًغجع َفـّ‪ ،‬ص ‪.177، 176‬‬

‫‪15‬‬
‫أصٕل انسٍاسة عُذ إبٍ رشذ‬ ‫انفصم األٔل‪:‬‬
‫أن المواطن ىو‬ ‫تعتبر المدينة عند أرسطو عبارة عن جماعة منظمة من المواطنين‪ ،‬و‬

‫ذلك الذي يتمتع بالحقوق والواجبات والمشاركة في وظائف أمور مدينتو‪ .‬ولممدينة البد من‬

‫دستور ينظم العبلقات المختمفة بين الوظائف‪ ،‬حيث يعتبر الدستور الشكل التنظيمي السياسي‬

‫لممدينة الذي ينظم الحياة الشاممة لممواطنين ‪ ،‬كجماعة من األشخاص يشاركون في الحقوق‬

‫والواجبات في المدينة ‪ .1‬يمكن القول من خبلل ىذا أن المدينة حسب رأي أرسطو تتشكل من‬

‫أفراد في جماعة منظمة يقومون بالواجبات والتمتع بالحقوق وليا دستور يقوم بتنظيميا‪.‬‬

‫كما يرى أرسطو أن اإلنسان كونو حيوان سياسي؛ أ ي " أن الدولة من عمل الطبع و أن‬

‫اإلنسان بالطبع كائن اجتماعي "‪ ،2‬حيث نجد اإلنسان يعيش داخل الجماعة و يكون عن طريق‬

‫االجتماع والتعاون المتبادل بين بعضيم البعض‪ ،‬و ىذا ما يميزه عن الحيوانات األخرى بانتمائو‬

‫إلى المدينة أو الدولة‪ .‬فالمدينة ىي نياية التجمعات البشرية التي تمر بمراحل وىي‪ :‬األسرة‬

‫القبيمة‪ ،‬القرية‪ ،‬المدينة‪ ،‬ومن جية أخرى ‪ ،‬فالمدينة بنظره ىي الدستور فيو الذي يخمق الدولة‪.‬‬

‫ويريد أرسطو أن يكون الدستور قائم عمى الطبقة الوسطى‪ ،‬وىذه الطبقة كوسيط بين األغنياء‬

‫والفقراء‪ .‬وىي الطبقة المؤىمة إلدارة الشؤون العامة‪ ،‬أي تعمل من أجل مصمحة جميع‬

‫المحكومين‪ ،‬وليس من أجل مصمحتيا وحدىا‪ ،‬ويراىا أرسطو تظل مخمصة القوانين وتؤمن‬

‫استقرار الدولة‪ .3‬ويمكن القول أن المدينة عند أرسطو ىي أخر مرحمة في التجمع البشري‪ ،‬حيث‬

‫‪ - 1‬إيبو عجض انفزبح إيبو‪ ،‬األخالق ٔانسٍاسة‪،‬انًغجع انـبثك‪،‬ص‪.177‬‬


‫‪ -2‬أعؿطٕ طبن‪ٛ‬ؾ‪ ،‬انسٍاسة‪ ،‬رغ؛ أدًض نطف‪ ٙ‬انـ‪ٛ‬ض‪( ،‬صاع انمٕي‪ٛ‬خ نهطجبعخ ٔانُشغ‪ ،‬ص‪.‬ط‪ ،‬ص‪،‬د) ص‪.96‬‬
‫‪ - 3‬جبٌ رٕشبع‪ ،‬جارٌخ األفكار انسٍاسٍة انٍَٕاٌ إنى انعصر انٕسٍظ ‪ ،‬رغ؛ َبج‪ ٙ‬انضعأشخ‪( ،‬ؿٕع‪ٚ‬ب‪ ،‬صيشك‪ :‬صاع انزكٕ‪ ،ٍٚ‬ط ‪،1‬‬
‫‪ ،)2010‬ص‪.60‬‬

‫‪16‬‬
‫أصٕل انسٍاسة عُذ إبٍ رشذ‬ ‫انفصم األٔل‪:‬‬
‫ويكون في الطبقة الوسطى ؛ ألنيا طبقة عادلة في‬ ‫يقر أن الدستور ىو الذي ينشأ الدولة‪،‬‬

‫القوانين والحفاظ عمى استقرار الدولة‪.‬‬

‫كما يقسم أرسطو أنواع المدن إلى ستة أقسام‪ ،‬نجد ثبلثة فاضمة يقابميا ثبلثة أخرى‬
‫مضادات ليا وىي‪:‬‬

‫‪ - 1‬مدينة الرشاد‪ :‬وىي حكومة الفرد الفاضل العادل بعقمو وحكمتو‪.‬‬


‫‪ - 2‬مدينة الطغيان‪ :‬وىي يتوالىا حاكم مستبد غاشم‪.‬‬

‫‪ - 3‬المدينة األرستقراطية‪ :‬وىي حكومة األقمية العاقمة‪.‬‬


‫‪ - 4‬مدينة اليسار‪ :‬وىي الحكومة التي يتولى زمام الحكام فييا طبقة األغنياء واألعيان‪.‬‬

‫‪ - 5‬المدينة الجماعية‪ :‬وىي الحكومة التي تقتصر سمطة الشعب فييا عمى انتخاب الحكام‬

‫ونجد المخاطر تتيدد ىذا النظام أىميا أن ينتقل الحكم إلى أيدي الغوغاء‪.‬‬

‫‪ - 6‬مدينة الغوغاء‪ :‬وىي حكومة العامة تتبع أىواءىا المتقمبة اليوجاء وتتولى الحكم بنفسيا‬

‫دون مراعاة لقيم الرجال أقدارىم ‪ .1‬ويتبين لنا من خبلل التقسيم الذي وضعو أرسطو لممدن نجد‬

‫ثبلثة مدن فاضمة وىي‪ :‬األرستقراطية‪ ،‬الرشاد‪ ،‬اليسار ‪ .‬وىناك ثبلثة مضادات ليا وىي‪ :‬مدينة‬

‫الطغيان‪ ،‬الجماعية‪ ،‬الغوغاء‪.‬‬

‫كما يعرض لنا أرسطو النظرية المعروفة بنظرية فصل السمطات العامة لمدولة‪ .‬ويؤكد أن‬

‫الدول تختمف أساس باختبلف العبلقات بين سمطاتيا الثبلث‪ :‬التشريعية و التنفيذية والقضائية‪.‬‬

‫‪ - 1‬دمحم عجض انغدًبٌ يغدجب‪ ،‬يٍ انفهسفة انٍَٕاٍَة إنى انفهسفة اإلساليٍة‪ ،‬يغجع ؿبثك‪ ،‬ص‪. 214 ،213‬‬

‫‪17‬‬
‫أصٕل انسٍاسة عُذ إبٍ رشذ‬ ‫انفصم األٔل‪:‬‬
‫أ‪ -‬السمطة التشريعية‪ :‬ىي أىم ىذه السمطات الثبلث ألنيا تباشر ميام عظمى تتعمق بتعيين‬

‫الحكام ومحاسبتيم‪ ،‬وسن القوانين وحسم قضايا إعبلن الحرب‪ ،‬وعقد معاىدات السبلم‪ .‬وتتشكل‬

‫إما من الشعب بأكممو في جمعيتو العمومية‪ ،‬أو انتخاب نواب يمثمونو في مجمس تشريعي‪.‬‬

‫ب ‪ -‬السمطة التنفيذية‪ :‬تقوم بإدارة أمور الدولة اليومية‪ .‬كما يركز اىتمام أرسطو بشكل خاص‬

‫في الوظائف ذات الصمة المباشرة بالسياسة مثل وظائف الشرطة‪ ،‬الرقابة العامة عمى األسواق‬

‫والرقابة عمى النساء واألطفال والتعميم‪.‬‬

‫ج ‪ -‬السمطة القضائية‪ :‬يسمييا أرسطو سمطة المحاكم‪ ،‬فتركز مياميا في مراقبة أداء السمطتين‬

‫التشريعية والتنفيذية‪ ،‬تتولى ميمة الفصل في الدعاوى والنزاعات بين المواطنين ‪.1‬‬

‫نستنتج بعد عرض أرسطو لميام السمطات الثبلث‪ ،‬وىو أنو أول من أشار إلى نظام فصل‬

‫السمطات في تاريخ العموم السياسية والدستورية‪ ،‬و كان ىدفو المنشود ضرورة عدم تركيز القوة‬

‫السياسية في يد حاكم واحد‪ ،‬كما يؤكد أىمية موازنة السمطات ومراقبتيا وتصحيحيا بعضيا‬

‫لبعض‪.‬‬

‫‪ - 1‬دمحم ٔل‪ّٛ‬ع هللا أدًض‪ ،‬يذخم إنى انفهسفة انسٍاسٍة‪ ،‬يغجع ؿبثك‪،‬ص ص‪.87، 84‬‬

‫‪18‬‬
‫أصٕل انسٍاسة عُذ إبٍ رشذ‬ ‫انفصم األٔل‪:‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬ركرة المدينة الفاضمة عند الفارابي‬

‫لقب الفارابي* (‪870()AL FARABI‬م‪950-‬م)‪" ،‬بفيمسوف السعادة" بين المفكرين‬

‫اإلسبلميين؛ ألنو تناول موضوع السعادة في العديد من مؤلفاتو ‪ .‬واعتبر السعادة القيمة العميا‬

‫التي ال يمكن أن تتحقق إال بنظام سياسي معين يطمق عميو اسم المدينة أو الدولة‪ .‬والمدينة‬

‫‪1‬‬
‫التي تحقق السعادة ىي المدينة الفاضمة‪.‬‬

‫المطمب األول‪ :‬المدينة الفاضمة عند الفارابي‬

‫يقصد الفارابي بالمدينة الفاضمة ىي التي تتشكل عن طريق االجتماع البشري‪ ،‬بمعنى أن‬

‫اإلنسان كائن اجتماعي يعيش داخل جماعة الذي يسود بينيم التعاون‪ ،‬وبالتعاون يتمكن األفراد‬

‫فرد‪ .‬أما االجتماعات اإلنسانية عند‬ ‫من بناء مجتمع يسوده العدل والسعادة التي يحبذىا كل‬

‫فالكامل ثبلث‪ :‬العظمى وىي سكان األرض جميعا‪ .‬ثم‬


‫ة‬ ‫الفارابي نوعين‪ ،‬كاممة وغير كاممة‪<< :‬‬

‫اجتماع أىل مدينة في جزء من مسكن األمة‪ .‬أما‬ ‫الوسطى وىي أمة معينة‪ .‬والصغرى‬

‫المنزل‪ ،‬السكة‪ ،‬المحمة‪ ،‬القرية‪ .‬والخير األفضل‬ ‫االجتماعات الغير الكاممة‪ :‬فيي متعددة‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫والكمال األقصى إنما ينال أوال بالمدينة ‪>>.‬‬

‫يقر الفارابي من خبلل ىذا أن ىناك أنواع ا من التجمعات اإلنسانية‪ ،‬ومن ىذه التجمعات‬

‫وىو المدينة‪ ،‬ألن‬ ‫يؤكد عمى المنزل‪ ،‬السكة‪ ،‬المحمة‪...‬الخ‪ .‬كما يقر كذلك بوجود نوع آخر‬

‫‪ -1‬دمحم عجض انفزبح إيبو‪،‬األخالق ٔانسٍاسة ‪ ،‬يغجع ؿبثك‪،‬ص ‪.201‬‬


‫* انفارابً ‪ :‬أثٕ َصغ انفبعاث‪ ٙ‬ف‪ٛ‬هـٕف فبعؿ‪ ٙ‬األصم ٔنض ف‪870 (ٙ‬و‪950 -‬و) ثفبعاة‪ ،‬نمت ثبنشبعح األكجغ ألعؿطٕ‪ٔ ،‬يٍ‬
‫أْى يؤنفبرّ‪ :‬كزبة يب ثعض انطج‪ٛ‬عخ‪ ،‬آعاء أْم انًض‪ُٚ‬خ انفبضهخ‪ ،‬كزبة انـ‪ٛ‬بؿخ انًض‪ُٚ‬خ‪ (.‬انفبعاث‪ ،ٙ‬آراء آْم انًذٌُة انفاضهة ‪ ،‬رخ؛‬
‫أنج‪ٛ‬غ َصغ٘ َبصع‪(،‬نجُبٌ‪،‬ث‪ٛ‬غٔد‪ :‬صاع انًشغق‪،‬ط‪ ،2000،2‬ص ص‪.)25 -20‬‬
‫‪ -2‬أثٕ َصغ انفبعاث‪ ،ٙ‬آراء أْم انًذٌُة انفاضهة‪ ،‬انًغجع انـبثك‪ ،‬ص‪. 118،117‬‬

‫‪19‬‬
‫أصٕل انسٍاسة عُذ إبٍ رشذ‬ ‫انفصم األٔل‪:‬‬
‫المدينة ىي األفضل لبموغ الكمال األقصى‪ ،‬وأن ىا بالتعاون تؤدي إلى بموغ غاية السعادة‪ .‬ومن‬

‫ىذا فاإلنسان الفاضل يسعى إلى بناء مدينة فاضمة يسود فييا التعاون لتحقيق السعادة الحقيقية‪.‬‬

‫المطمب الثاني‪ :‬خصال الرريس عند الفارابي‬

‫نبلحظ أن الفارابي شبو المدينة بالبدن الصحيح في تكامل وتعاون أعضا ئو‪ ،‬كما نبلحظ‬

‫أنو يؤكد عمى أن المدينة تختمف من حيث طبيعتيا عن طبيعة اإلنسان؛ ألن اإلنسان تقع عمى‬

‫عاتقو مسؤولية أي سموك يصدر منو وينتظره ثواب وعقاب‪ .‬بينما أعضاء الجسم تعمل طبيعيا‬

‫وتسعى لتحقيق الصحة لمعضو الميم ‪ ،‬وىو القمب الذي شبيو بالرئيس في المدينة الفاضمة‪.1‬‬

‫وبعد بناء المدينة الفاضمة يجب أن يكون ليا رئيس يتحمى بمجموعة من الخصال‪ ،‬التي‬

‫يجب أن يتميز بيا‪ ،‬وبيذا يقر الفارابي بإثنتا عشرة خصمة لمرئيس األول لممدينة الفاضمة‬

‫نذكرىا‪:‬‬

‫<< تام األعضاء‪ ،‬تساعده قواه عمى انجاز األعمال الخاصة بو‪.‬‬

‫جيد الفيم لما يتصوره بالطبع لكل ما يقال ويقصد‪.‬‬

‫جيد الحفظ لما يراه ويسمعو أو يفيمو ويدركو‪ .‬حتى ال يكاد ال ينساه‪.‬‬

‫جيد الفطنة ذكيا إذا رأى الشئ بأدنى دليل ‪.‬‬

‫خطيب فصيحا بميغا‪.‬‬


‫ا‬ ‫حسن العبارة يواتيو لسانو عمى إبانة كل ما يظير إبانو تامة أي أن‬

‫‪2‬‬
‫محبا لمعمم منقاد لو‪ ،‬ال يؤلمو في سبيمو تعب ال يؤذيو كدا ‪>>.‬‬

‫‪ - 1‬انفبعاث‪ ،ٙ‬آراء أْم انًذٌُة انفاضهة‪ ،‬انًغجع انـبثك‪ ،‬ص ‪.119،118‬‬


‫‪ - 2‬انًغجع َفـّ‪ ،‬ص ‪.128،127‬‬

‫‪20‬‬
‫أصٕل انسٍاسة عُذ إبٍ رشذ‬ ‫انفصم األٔل‪:‬‬
‫<< غير شره إلى المأكل والمشروب والمنكوح‪ ،‬متجنبا بالطبع لمعب كارما لمذات الناتجة عنو‪.‬‬

‫محبا لمصدق وأىمو‪ ،‬مبغضا لمكذب وأىمو‪.‬‬

‫كبير النفس محبا لمكرامة وطمب الرفعة‪.‬‬

‫محبا لمعدل وأىمو مبغضا لمظمم والجور‪.‬‬

‫قوي العزيمة‪ ،‬جسورا‪ ،‬مقدما‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫الدينار والدرىم وسائر أعراض الدينار ىينة عنده‪>>.‬‬

‫يقر الفارابي بالصفات التي يجب أن يتحمى بيا الرئيس‪ ،‬لكي ال يرأسو رئيسا آخ ر‪ ،‬فيو اإلمام‬

‫والرئيس األول لممدينة الفاضمة‪ .‬نبلحظ أن ىناك استحالة في جمع ىذه الصفات في شخص‬

‫واحد؛ لكن الفارابي وضع حبل ليذه المشكمة‪ ،‬وىي األخذ بشرائع الرئيس السابق‪.‬‬

‫ويكون عمى األقل التحلي بستة خصال ال يمكن التخمي عنيا وتعتبر ىي ركائز الرئيس وىي‪:‬‬

‫<< أحدىا أن يكون حكيما‪.‬‬

‫أن يكون عالما حافظ لمشرائع‪.‬‬

‫أن يكون لو جودة في االستنباط ما لم يرد عنه السمف‪.‬‬

‫أن يكون لو جودة رؤية واستنباط في وقت من األوقات الحاضرة عن األمور والحوادث‪،‬‬

‫ويكون متحريا بما يستنبطو في صبلح حال المدينة‪.‬‬

‫أن يكون لو جودة إرشاد بالعقل بشرائع األولين‪.‬‬

‫‪ - 1‬انفبعاث‪ ،ٙ‬آراء أْم انًذٌُة انفاضهة‪ ،‬انًغجع انـبثك‪ ،‬ص ‪. 128‬‬

‫‪21‬‬
‫أصٕل انسٍاسة عُذ إبٍ رشذ‬ ‫انفصم األٔل‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫أن يكون لو جودة الثبات في مباشرة أعمال الحرب‪>>.‬‬

‫مؤكدا عمى الحكمة واألخذ بشرائع‬ ‫نجد الفارابي من خبلل الصفات الستة التي ذكرىا‬

‫األولين‪ ،‬كما نجده كذالك يقر بالحكم الجماعي؛ أي إذا تعذر الحكم في رئيس واحد ووجد اثنان‬

‫أحدىما حكيم والثاني تتوفر فيو الشروط األخرى كانا ىما رئيسين المدينة‪ .‬فإذا تفرقت الخصال‬

‫وىنا نبلحظ أن الحكمة ىي شرط‬ ‫في جماعة وكانوا متبلئمين‪ ،‬كانوا ىم الرؤساء األفاضل‪.‬‬

‫إلى‬ ‫أساسي لكمال الر ئاسة‪ ،‬فإذا تعذر وجود الحكيم تعذر الحكم وتحولت المدينة الفاضمة‬

‫مضاداتيا‪.‬‬

‫المطمب الثالث‪ :‬مضادات المدينة الفاضمة‬

‫يرى الفارابي أن المدينة الفاضمة قائمة عمى الحكم والحاكم الفاضل‪ ،‬لتميز الرئيس‬

‫بالحكمة‪ ،‬لكن في بعض األوقات تفتقد الحكمة وال تكون جزء من المدينة الفاضمة‪ ،‬وىذا ما‬

‫وتنقسم إلى عدة أنواع‬ ‫يعرض المدينة إلى اليبلك وتتحول إلى مدن فاسدة في الرأي والعمل‪،‬‬

‫أىموا‪.‬‬

‫ي‪ :‬وىي التي ال يعرف أىميا السعادة وال خطرت ببال ىم‪ .‬وانما عرفوا م ن‬
‫أوال‪ :‬المدينة الجاهل ة‬

‫الخيرات بعض ىذه التي ىي مظنونة في الظاىر أنيا خي ارت من التي تظن أنيا ىي الغايات‬

‫في الحياة‪ .‬و تنقسم إلى جماعة من المدن ‪:‬‬

‫‪ - 1‬انفبعاث‪ ،ٙ‬آراء انًذٌُة انفاضهة‪ ،‬انًغجع انـبثك‪ ،‬ص ‪130.،129‬‬

‫‪22‬‬
‫أصٕل انسٍاسة عُذ إبٍ رشذ‬ ‫انفصم األٔل‪:‬‬
‫أ‪ -‬المدينة الضرورية‪ :‬وىي التي قصد أىميا االقتصار عمى الضروري في قوام األبدان من‬

‫المأكل ومشرب والممبس والمسكون والمنكوح‪.‬‬

‫البدالة‪ :‬وىي التي قصد أىميا أن يتعاونوا عمى جمع المال وبموغ اليسار‪ ،‬عمى‬
‫ب‪ -‬المدينة ّ‬

‫اعتبار أن الثروة ىي الغاية في الحياة‪.‬‬

‫ج‪ -‬مدينة الخسة والسقوط ‪ :‬و ىي التي قصد أىميا التمتع بالمأكل والمشروب والمنكوح اضافة‬

‫إلى المحسوس والمتخيل‪.‬‬

‫ت‪ -‬مدينة الكرامة‪ :‬وىي الذي قصد أىميا التعاون من أجل أن يكونوا مكرمين ممدوحين‬

‫مذكورين مشيورين بين األمم‪.‬‬

‫لحدىم المذة التي‬


‫د‪ -‬مدينة التغمب‪ :‬وىي التي قصد أىميا أن يكون قاىرين لغيرىم‪ ،‬ويكون ً‬

‫تناليم من الغمبة فقط‪.1‬‬

‫ه‪ -‬المدينة الجماعية‪ :‬وىي يكون أىميا أحرار ويعمل كل واحد ما يشاء ال يمنع ىواه شيئا‬

‫أصبل‪.‬‬

‫ثانيا‪ -‬المدينة الفايقة ‪ :‬وىي التي آراؤىا آراء المدينة الفاضمة‪ ،‬وكل شيء سبيمو أن يعممو‬

‫أىل المدينة الفاضمة ويعتقدونيا‪ ،‬ولكن تكون أفعال أىميا أفعال أىل المدن الجاىمة ‪.2‬‬

‫‪ - 1‬انفبعاث‪ ،ٙ‬آعاء أْم انًض‪ُٚ‬خ انفبضهخ‪ ،‬انًغجع انـبثك‪،‬ص ‪.132،131‬‬


‫‪ - 2‬انًغجع َفـّ‪ ،‬ص ‪.133‬‬

‫‪23‬‬
‫أصٕل انسٍاسة عُذ إبٍ رشذ‬ ‫انفصم األٔل‪:‬‬
‫ثالثا‪ -‬المدينة المبدلة‪ :‬فيي التي كانت آراؤىا وأفعاليا في القديم آراء المدينة الفاضمة‬

‫وأفعاليا‪ ،‬إال أنيا تغيرت ودخمت عمييا أفعال غيرت تمك؛ أي غيرت أفعال المدينة الفاضمة‪.‬‬

‫رابعا‪ -‬المدينة الضالة ‪ :‬ىي التي تضن بعد حياتيا السعادة‪ ،‬وتعتقد في هللا عز وجل آراء‬

‫‪1‬‬
‫فاسدة‪ ،‬ويكون رئيسيا األول ممن أوىم أنو يوحى إليو من غير ذلك ‪.‬‬

‫يبدو لنا أن سكان المدينة الفاضمة يختمفوا حسب نوع المدينة‪ ،‬وىذا راجع إلى درجة المثل‬

‫وأن القاسم بين المدن المضادة‪ ،‬ىو البعد عن الحق ؛ ألن‬ ‫يضادون مموك المدن الفاضمة‪.‬‬

‫األفراد المتكونة منيم تربطيم مصالح ال أخوة ‪ ،‬وىذا ما يؤدي إلى الصراع عند انتياء المصمحة‪.‬‬

‫‪- 1‬انفبعاث‪ ،ٙ‬آعاء أْم انًض‪ُٚ‬خ انفبضهخ‪ ،‬انًغجع انـبثك‪ ،‬ص ‪.133‬‬

‫‪24‬‬
‫الفصل الثانً‪ :‬المشروع السٌاسً عند ابن رشد‬
‫المبحث األول‪ :‬مفهوم المدٌنة الفاضلة عند ابن رشد‬
‫المبحث الثانً‪ :‬المرأة فً السٌاسة‬
‫المبحث الثالث‪ :‬مراحل التربٌة عند ابن رشد‬
‫المبحث الرابع‪ :‬التقٌٌم والنقد‬
‫انًشرٔع انسٍاسً عُذ إبٍ رشذ‬ ‫انفصم انثاًَ‪:‬‬

‫شيدت المدن اإلسبلمية صراعات داخل حممة العقيدة الواحدة والممًة الواحدة‪ ،‬وىذا ما نتج‬

‫عنو التعصب الثقافي‪ .‬ومن أخطر الثقافات المتصادمة الثقافة العربية والثقافة الفارسية‪ .‬حيث لم‬

‫يجد ابن رشد السبيل من ىذا( التعصب الثقافي) ‪ ،‬ليذا بدأ المحاولة من مواصمة نيج الفارابي‬

‫الذي لم يجد ضالتو فيو‪ ،‬ضمن الصراع القائم بين الفمسفة والشريعة‪ .‬وليذا تأثر بأرسطو في‬

‫نظريات المعرفة‪ ،‬إال أنو لم يكتفي بيا‪ ،‬وعميو توجو إلى كتاب "الجميورية "ألفبلطون ال ليشرحو‬

‫سياسيا؛ ألنو وجد أن فمسفة أفبلطون ال تتعارض‬


‫ً‬ ‫مشروعا‬
‫ً‬ ‫ويمخصو ‪ -‬كما يقال‪ -‬بل ليقدم منو‬

‫مع القضايا اإلسبلمية وقابمة لمتأويل والتوظيف‪.‬‬

‫تعد السياسة عند ابن رشد << ليست ىي التسابق من أجل الحكم بواسطة فريق منظم‬

‫وفق إيديولوجية معينة‪ .‬أو عن طريق طبقة معينة ناقمة‪ ،‬لكن المفيوم اإلسبلمي لمسياسة يعني‬

‫االىتمام باألمور العامة لممسممين‪ ،‬وفق نظام اجتماعي معين ىو اإلسبلم الذي يقوم حفظة‬

‫‪1‬‬
‫>>‬ ‫الخميفة أو اإلمام‪ ،‬انطبلقا من المبدأ األساسي األمر بالمعروف والنيي عن المنكر‪.‬‬

‫الذي يقوم بو‬ ‫ويقصد ابن رشد من السياسة االىتمام بأمور العامة لممسممين وفق نظام معين‬

‫اإلمام أو الخميفة‪.‬‬

‫‪ -1‬عجض انمبصع ثٕ عغفخ‪ ،‬انًذٌُة ٔانسٍاسة (دراسة فً انضرٔري فً انسٍاسة )البٍ رشذ‪ ،‬يغجع ؿبثك‪،‬ص ص ‪.105،93‬‬

‫‪26‬‬
‫انًشرٔع انسٍاسً عُذ إبٍ رشذ‬ ‫انفصم انثاًَ‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬مفهوم المدينة الفاضمة عند ابن رشد‬

‫تعتبر المدينة في الفكر اإلسبلمي من أخطر موضوعات الفكر السياسي لكونيا حاضرة‬

‫االجتماع البشري‪ ،‬ومقام الحاكم‪ ،‬ومنشأ السمطة‪ ،‬وميدان التجارة والمعاش‪ .‬كما تعتبر المدينة‬

‫ىي موطن وميبلد السياسة‪ .‬فالمدينة في المفاىيم اإلسبلمية ترتبط بالدولة أكثر من ارتباطيا‬

‫بالرقعة الجغرافية‪ ،‬ويتضمن بالضرورة البعد الديني‪ ،‬ويجعل المدينة تتجو نحو الوحدة الروحية‬

‫والمعنوية أكثر من الوحدة االقتصادية والعرقية‪ ،‬وأن مفيوم المدينة في الفكر اإلسبلمي أساسيا‬

‫القانوني ثابت في أصولو لكونو مستمد من الشريعة اإلسبلمية‪ .‬ومرتبط بالحاكم "الخميفة" أو"‬

‫اإلمام"‪ .1‬فما ىي فكرة المدينة الفاضمة عند ابن رشد؟‬

‫المطمب األول ‪ :‬حياة ابن رشد وأهم أثاره‬

‫الممقب)‪ 520 ،2(Averroès‬ا الموافق‬ ‫ولد أبو الوليد محمد بن احمد بن محمد بن رشد‬

‫‪ 3.‬وكان من أكبر فقياء المذىب‬ ‫ل‪1127‬م في مدينة قرطبة من أسرة توارثت الفقو والقضاة‬

‫المالكي السائد في األندلس ‪ ،‬ولقب بالشارح األكبر واشتغل بالسياسة والشؤون العامة‪ ،‬وتتممذ ابن‬

‫رشد في الطب عمى يد أبي جعفر ىارون‪ ،‬وفي الفمسفة واإللييات عمى يد ابن طفيل‪ .‬وبرع في‬

‫عمم الكبلم والفقو واألدب والمغة‪ ،‬وفي الثالثة واألربعين تولى القضاء في اشبيمية ثم في قرطبة‬

‫سنة ‪1179‬م‪ .‬ثم أصبح قاضي القضاة في قرطبة سنة ‪1181‬م‪ ،‬ثم كمفو "أبي يعقوب يوسف"‬

‫‪ - 1‬عجض انمبصع ثٕ عغفخ‪ ،‬انًذٌُة ٔانسٍاسة( دراسة فً انضرٔري فً انسٍاسة) البٍ رشذ‪ ،‬انًغجع انـبثك‪ ،‬ص ص‪96،93‬‬
‫‪ - 2‬ػك‪َ ٙ‬ج‪ٛ‬ت يذًٕص‪ ،‬انًٕسٕعة انفهسفٍة انًخحصرة‪ ( ،‬نجُبٌ‪ ،‬ث‪ٛ‬غٔد‪ :‬صاع انمهى‪ ،‬ص‪.‬ط‪ ،‬ص‪.‬د) ص‪.15‬‬
‫‪ - 3‬كبيم دًٕص‪ ،‬دراسات فً جارٌخ انفهسفة انعربٍة ‪ ( ،‬نجُبٌ‪ ،‬ث‪ٛ‬غٔد‪ :‬صاع انفكغ انهجُبَ‪،ٙ‬ط‪ )1990 ،1‬ص‪.241‬‬

‫‪27‬‬
‫انًشرٔع انسٍاسً عُذ إبٍ رشذ‬ ‫انفصم انثاًَ‪:‬‬
‫بوضع الشروح والتفاسير عمى مؤلفات أرسطو‪ ،‬ثم تولى منصب كطبيب في مراكش ‪1182‬م‪.1‬‬

‫وعند تسمم السمطان أبو يوسف يعقوب الممقب بالمنصور مقاليد الحكم‪ .‬لقي ابن رشد كل اإلكرام‬

‫والتقدير حتى أصبح سمطان العقول واألفكار‪،‬ال رأي إال رأيو وال قول إال قولو‪ .‬لكن ىذا التقدير‬

‫‪ ،‬فنفي ابن رشد‬ ‫أوجد لو خصوم وحساد‪ .‬وبيذا أضطر السمطان إلى مسايرة الفقياء الثائرين‬

‫وتمميذتو إلى قرية ألسيانة الييودية‪ .‬بعد أن أحرق كتبيم الفمسفية وأبقى عمى التي تبحث في‬

‫ولكن‬ ‫الطب والرياضيات‪ .‬وسرعان ما عفا السمطان عن ابن رشد واستخدمو وقربو وأكرمو‪،‬‬

‫الفيمسوف لم يينا بيذا العفو‪ ،‬إذا أصيب بالمرض في نفس السنة ‪595‬ا‪ .‬أما عن أسباب النكبة‬

‫التي كانت بتحريض من الفقياء الذين كانوا يتيموه بالكفر والزندقة‪ ،‬بعدما كانت عنده حظوة‬

‫لفترة وجيزة أعقبتيا المحنة (نكبة ابن رشد) التي يردىا إلى جممة من األسباب وىي" رأيتيا عند‬

‫ممك البربر" مما أغضب السمطان‪ .‬ومنيا أسباب أخرى تمس العقيدة والفكر وىذا في مجمس عن‬

‫فضح المجمس من ىذا الكفر‬ ‫ريح قيل أنيا ستيب عاصفة كالريح التي أىمكت عاد أو ثمود‪،‬‬

‫الذي يصل إلى حد إنكار مورد في القر آن‪ .2‬وسرعان ما عادت لو الحظوة إال أن المرض لم‬

‫يميمو سوى سنة واحدة‪ ،‬وتوفي ابن رشد سنة ‪ 595‬ا ‪11/‬ديسمبر ‪1195‬م في مراكش‪.3‬‬

‫وقد ألف ابن رشد في الطب "كتاب الكميات"‪ ،‬وفي الشرع مؤلفات عديدة منيا‪":‬بداية‬

‫المجتيد ونياية المقتصد" و"الكشف عن مناىج األدلة في عقائد الممة"‪ .‬ورسالة تبحث في الدين‬

‫وفي الفمسفة "كتاب تيافت‬ ‫والفمسفة " فصل المقال في مابين الحكمة والشريعة من االتصال"‪.‬‬

‫‪ٕٚ - 1‬ؿف فغدبد‪ ،‬انفهسفة اإلساليٍة ٔإعاليٓا‪( ،‬جُ‪ٛ‬ف؛ رغاصكـ‪ٛ‬ى‪( ،‬ص‪،‬ط)‪ ،‬ص‪.172،171‬‬
‫‪ - 2‬دمحم عجض انغدًبٌ يغدجب‪ ،‬يٍ انفهسفة انٍَٕاٍَة إنى انفهسفة اإلساليٍة‪ ،‬يغجع ؿبثك‪ ،‬ص ص ‪.723،720‬‬
‫‪ - 3‬اثٍ عشض‪ ،‬جٓافث انحٓافث‪ ،‬رخ؛ أدًض صَ‪ٛ‬ب‪ ( ،‬يصغ‪ ،‬انمبْغح‪ :‬صاع انًعبعف‪ ،‬ط‪ ) 1964 ،1‬ص‪.11‬‬

‫‪28‬‬
‫انًشرٔع انسٍاسً عُذ إبٍ رشذ‬ ‫انفصم انثاًَ‪:‬‬
‫أما أىم شروحو ما تضمن "شرح الفمسفة‬ ‫التيافت" الذي عمد في الرد عمى "تيافت الفبلسفة"‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫األرسطية"‪.‬‬

‫المطمب الثاني‪ :‬المدينة الفاضمة عند ابن رشد‬

‫نجد ابن رشد في تكممو عمى المدينة الفاضمة‪ ،‬حيث شبييا في تشيدىا وبنائيا بحالة‬

‫النفس اإلنسانية ؛ أي أن المدينة الفاضمة تشبو اإلنسان في كمالو‪ .‬إذا كان حال اإلنسان في‬

‫قوامو وطبعو يكمن ويتحدد من قوى النفس‪ ،‬كذالك بالنسبة لحال المدينة في فضائميا‪ ،‬فالمدينة‬

‫عند ابن رشد تكتسب الفضيمة والحكمة عند سيطرة العقل ‪ .‬كما نجد أن اإلنسان لو قوى تتحكم‬

‫فيو غضبانية وشيوانية‪ ،‬وعندما تتحرك الشيوانية فضيمتيا(العفة) كي تفسد شيء تقوم القوى‬

‫الغضبانية فضيمتيا(الشجاعة) بالتصدي ليا‪ ،‬وىذا ما يجعل تطبيقو عمى المدينة الفاضمة‪ .‬وىنا‬

‫نستنتج أن الجزء الغضباني ميم بالنسبة لئلنسان كما أن الشجاعة ميمة بالنسبة لممدينة‪.‬‬

‫وتتحول المدينة الفاضمة إلى مضادة عندما يخرج الجزء (الغضباني والشيواني) من سيطرة‬

‫العقل‪.2‬‬

‫يذكر الجابري* في قولو عن ابن رشد أن اليدف من جعل المدينة الفاضمة تشبو الطبيعة‬

‫اإلنسانية في كماليا‪ ،‬حيث أن تأسيسيا يقوم عمى عمم النفس الذي يؤسس عمم األخبلق‪ ،‬وعمم‬

‫‪ -1‬دمحم عبثض انجبثغ٘ ‪ ،‬ابٍ رشذ سٍرِ ٔفكرِ ‪ ( ،‬نجُبٌ ‪ ،‬ث‪ٛ‬غٔد‪ :‬يغكؼ انضعاؿبد انٕدضح انعغث‪ٛ‬خ‪ ،‬ط ‪ )1998 ،1‬ص ص‪-223‬‬
‫‪.233‬‬
‫‪ ،‬انًغجع انـبثك‪ ،‬ص‬ ‫انًذٌُة ٔانسٍاسة (دراسة فً انضرٔري فً انسٍاسة )البٍ رشذ‬ ‫‪ - 2‬عجض انمبصع ثٕ عغفخ‪،‬‬
‫‪.165،164‬‬
‫*دمحم عابذ انجابري‪ٔ :‬نض (‪ ،)2010-1935‬يفكغ يغغث‪ ،ٙ‬صعؽ ف‪ ٙ‬كه‪ٛ‬خ ا‪ٜ‬صاة ف‪ ٙ‬انغثبط‪ٔ ،‬عًم أؿزبط ف‪ ٙ‬انكه‪ٛ‬خ‪،‬أْى كزجّ‪َ :‬مض‬
‫انعمم انعغث‪ ،ٙ‬انعمم انـ‪ٛ‬بؿ‪ ٙ‬انعغث‪( .ٙ‬انـ‪ٛ‬ض ٔنض أثبِ‪ ،‬أعالو انفكر انعربً يذخم إنى خارطة انفكر انعربً انراُْة ‪،‬ث‪ٛ‬غٔد‪:‬‬
‫انشجكخ انعغث‪ٛ‬خ نألثذبس ٔانُشغ‪ ،‬ط‪) 2010 ،1‬ص‪.162‬‬

‫‪29‬‬
‫انًشرٔع انسٍاسً عُذ إبٍ رشذ‬ ‫انفصم انثاًَ‪:‬‬
‫األخبلق يؤسس لنا عمم السياسة‪ 1 .‬والغرض من عمم األخبلق تدبير أمور النفس‪ ،‬وعمم السياسة‬

‫ويضفي لمدينة ابن رشد‬ ‫تدبير أمور الجماعة وكبلىما يصب في حقل الوصول إلى الكمال‪.‬‬

‫الطابع النفسي؛ ألنيا ليست العمران من المباني وصناعات وليست أناس من حيث ىم أجسام‬

‫يعترييا الفساد‪ ،‬بل المدينة في حقيقتيا ىي تمك األنفس التي تسعى إلى الكمال والخمود من ذات‬

‫‪2‬‬
‫يقصد ابن رشد من خبلل ىذا أن المدينة ليست عتاد مادي من ناحية‬ ‫هللا بعد فناء األول‪.‬‬

‫(المباني والصناعات) وال مجموعة من األشخاص الذين يمثمونيا‪ ،‬بل ىي األنفس التي ىدفيا‬

‫السعادة والكمال‪.‬‬

‫الرشدية‪:‬‬
‫المطمب الثالث‪ :‬قواعد بناء المدينة ّ‬

‫لكن‬ ‫يضع ابن رشد في مشروعو السياسي مجموعة من الفضائل لقيام المدينة الفاضمة‪،‬‬

‫قواعده تختمف عن قواعد أفبلطون في الترتيب‪ ،‬و ىذا االختبلف راجع إلى مراعاة الظروف‬

‫القائمة في األندلس‪ ،‬نجد ترتيب أفبلطون لمفضائل يقوم عمى الحكمة‪ ،‬العدالة‪ ،‬الشجاعة‪ ،‬العفة‪.‬‬

‫لكن ابن رشد وضع الشجاعة أوال عن الحكمة‪ ،‬ألنو يحتاج إلى رجل شجاع لتغيير نظام الحكم‬

‫السائد‪ .‬وبعدىا تأتي الحكمة‪ ،‬وميل ابن رشد إلى أرسطو أكثر منو إلى رأي أفبلطون‪ .‬كون‬

‫بالضرورة فيمسوف‪ .‬ويكون الفيمسوف جميس الممك‪ ،‬وعقمو‬ ‫الرئيس يكون محبا لمفمسفة وليس‬

‫المدبر‪ ،‬كما كان أرسطو مع اإلسكندر ‪.3‬‬

‫‪ - 1‬عجض انمبصع ثٕعغفخ‪ ،‬انًذٌُة ٔانسٍاسة ( دراسة فً انضرٔري فً انسٍاسة)البٍ رشذ‪ ،‬انًغجع انـبثك‪ ،‬ص‪.165‬‬
‫‪ -2‬انًغجع َفـّ‪ ،‬ص ‪166‬‬
‫‪ - 3‬انًغجع َفـّ‪ ،‬ص‪. 170-169‬‬

‫‪30‬‬
‫انًشرٔع انسٍاسً عُذ إبٍ رشذ‬ ‫انفصم انثاًَ‪:‬‬
‫تأتي العفة ثالث صفة وقاعدة ألىل المدينة الفاضمة‪ ،‬التي تعمم التوسط في األشياء كميا‬

‫خاصة فيما ىو أقرب إلى ميول الجزء الشيواني‪ ،‬كالمطعم‪ ،‬المشروب والمنكوح‪ ،‬وىي قوام‬

‫ضبط النفس‪ ،‬فالمدينة الفاضمة ال يمكن أن تكون فاضمة إال بصبلح أىميا وال يمكن أن يكون‬

‫إال إذا كان ضبط النفس سمة من سماتيم األساسية ‪ .1‬والعدل ىو القاعدة الرابعة التي تفرضيا‬

‫النواميس* والشرائع‪ ،‬واالعتراف بوجود المدينة إال من خبلل سمة العدل فييا‪ .‬والعدل قاعدة‬

‫الحاكم المدبر أوال‪ ،‬ثم قاعدة الجميور ثانيا ‪...‬العدل عنده ىو احترام كل إنسان لمطبع الذي‬

‫أعدلو ثم احترام النواميس الشرعية التي تحدد العبلقات اإلنسانية‪ ،‬وىو قيمة فردية‪ .‬ومنو يعطي‬

‫ابن رشد قيمة كبيرة لمعدل‪ ،‬باعتباره ميزان المدن الفاضمة؛ ألن عند غيابو ينتشر الظمم والجور‬

‫والتمرد‪ ،‬وأن الفضائل الثبلث مرتبطة بالعدل وال يتم تحقيقيا إال بو‪ ،‬وتصبح مدينة تسودىا‬

‫الحكمة والشجاعة والعفة‪.2‬‬

‫كما نجد كل من الشريعة والفمسفة ليم الدور الميم في بناء المدينة الرشدية ‪:‬‬

‫أوال‪ -‬الشريعة والممّة‪:‬‬

‫نرى أن أمور وشؤون الناس في المدينة ال تستقيم إال بوجود قانون أو ناموس يتبعون‬

‫ق ارراتو‪ ،‬وىذا ما يقره ابن رشد في قولو أن أمر الناس يمشي وفق قانون أقره صاحب الشرع‬

‫يكتسب طابع الثبات في األصول العامة‪ .‬وخاصة في المدينة الفاضمة التي ال تتحول من حال‬

‫فساد‬ ‫إلى حال؛ ألنو ىناك نيج صاروا وتربوا عميو‪ .‬واذا حل الفساد بالنواميس‪ ،‬سيؤدي إلى‬

‫‪ - 1‬عجض انمبصع ثٕ عغفخ‪ ،‬انًذٌُة ٔانسٍاسة (دراسة فً انضرٔري فً انسٍاسة )البٍ رشذ‪ ،‬انًغجع انـبثك ‪،‬ص‪.170‬‬
‫‪ - 2‬انًغجع َفـّ‪ ،‬ص‪.170‬‬
‫*انُايٕس‪ :‬جًع َٕاي‪ٛ‬ؾ‪ :‬انمبٌَٕ أٔ انشغ‪ٚ‬عخ‪ (.‬يعجى انًعبَ‪ ٙ‬انجبيع)‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫انًشرٔع انسٍاسً عُذ إبٍ رشذ‬ ‫انفصم انثاًَ‪:‬‬
‫األخبلق وتصبح آلة ليدم المدينة‪ ،‬واذا صمحت النواميس صمحت أخبلق المدينة الفاضمة‪ .‬ومنو‬

‫الفعال في بناء المدينة الفاضمة؛ ألنيما يمكنان من‬


‫نستخمص أن الشريعة والممة ليما الدور ً‬
‫‪1‬‬
‫التطمع عمى الفضائل الشرعية السابقة مثل العفة‪ ،‬والعدل‪ ،‬والسخاء‪.‬‬

‫ثانيا‪ -‬الفميفة‪:‬‬

‫ىي أخت ليا في الحضور‬ ‫إن كانت الشريعة ىي أساس المدينة الفاضمة‪ ،‬فالفمسفة‬

‫والتبلزم؛ ألن الفمسفة ىي التي تنمي ممكة الفيم في اإلنسان‪ ،‬ويصبح قادر عمى التمييز بين‬

‫األشياء المتشابية في الشريعة ويدرك الخطأ والصواب؛ كما نعرف أن الفمسفة تعتمد عمى‬

‫وىي ال تقتصر عمى قوم كما يقر أفبلطون أنيا‬ ‫المعقول؛ ألنو يبمغ اإلنسان إلى الكماالت‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫لميونانيين‪ ،‬بل تختمف في درجة االىتمام من مكان إلى آخر‪ ،‬وىذا ال ينفي وجودىا أصبل‪.‬‬

‫وىنا نبلحظ وجود الفمسفة في المدينة في جزئيا النظري‪ ،‬ووجود الشريعة يكون من جزئيا‬

‫العممي من عبادات‪ ،‬من أجل اكتساب الفضيمة التي تقوم عمى (الحكمة والشريعة) وىي غاية‬

‫المدينة الفاضمة‪ .‬ويقع حصول اختيار ابن رشد لممدينة الفاضمة من الجذور اليونانية؛ وباألخص‬

‫لمدينة أفبلطون؛ ألن ىذا يتبلئم مع القضايا اإلسبلمية‪.‬‬

‫كما أن النظر البرىاني ال يخالف الشرع؛ ألن الحق ال يضاد الحق بل يوافقو؛ أي ما‬

‫أثبتتو الحكمة ال ينفيو الشرع؛ ألن الشرع يثبتيا وال يتضاد معيا؛ ألن الشريعة مبعوثة لكافة‬

‫‪ - 1‬عجض انمبصع ثٕعغفخ‪ ،‬انًذٌُة ٔانسٍاسة ( دراسة فً انضرٔري فً انسٍاسة) البٍ رشذ‪ ،‬انًغجع انـبثك‪ ،‬ص ‪.172 -171‬‬
‫‪ - 2‬انًغجع َفـّ‪ ،‬ص ص ‪.174 -172‬‬

‫‪32‬‬
‫انًشرٔع انسٍاسً عُذ إبٍ رشذ‬ ‫انفصم انثاًَ‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫ويتبين لنا من خبلل ىذا أن تكون العبلقة بين الدين والفمسفة‬ ‫البشر بدون حدود جغرافية‪.‬‬

‫ضرورية فكبلىما يخدم اآلخر‪ ،‬أي أن الحقيقة التي نتوصل إلييا عن طريق النظر العقمي‬

‫الفمسفي ال تخالف الحقيقة الدينية التي تعتبر الوحي مصدرىا األساسي‪ ،‬بالرغم من قصور‬

‫العقل عن عدة أمور دينية أتميا الوحي‪.‬‬

‫الذي ميز فييا نوعان من‬ ‫كما يرى ابن رشد أن التأويل ضروري لمنصوص الدينية‬

‫التأويل‪ ،‬ظاىر من اختصاص الجمو ور وباطن من اختصاص العمماء( الفبلسفة)‪ ،‬وليذا أجاز‬

‫ونجد انطبلق ابن رشد من الشريعة‬ ‫التأويل فييا وأكد عمى ضرورتو وخص بو طبقة العمماء‪.‬‬

‫‪ ،‬ويكون ىذا اإلصبلح‬ ‫ليس إلصبلح الواقع‪ ،‬بل إلصبلح اإلنسان ألنو ىو من يصنع الواقع‬

‫منطمق من الشريعة عن طريق األخبلق‪ .‬وشبو الشريعة بالطب‪ ،‬فالطب يصمح األبدان والشريعة‬

‫تصمح النفوس ‪ 2.‬ومنو نرى أن الشريعة أصبحت فمسفة‪ ،‬ألن األحكام كميا سواء كانت عبادات‬

‫أو معامبلت ىادفة لنفس الغاية وىي الفضيمة؛ ألن كل األحكام الشرعية معقولة‪ ،‬والشريعة التي‬

‫رؤية‬ ‫بالوحي يستوعبيا العقل‪ .‬وغاية كبلىما ( الفمسفة والشريعة) ىي الفضيمة‪ .‬ومن كل ىذا‬

‫الفبلسفة إلى الشريعة نظرة إجبلل ؛ ألنيا تيدف إلى سعادة اإلنسان و بيا يكسب سعادة الدنيا‬

‫واآلخرة‪.‬‬

‫وبيذا يعتبر ابن رشد أول فقيو بن ى مقاصد الشريعة اإلسبلمية عمى فكرة الخمقية‪ ،‬وكان‬

‫يؤسس نظرية فمسفية خاصة بيذا المنحنى في الشرع بالنسبة لمغرائز التي أرجعيا إلى أساسيات‬

‫‪ - 1‬اثٍ عشض‪ ،‬فصم انًقال فًٍا بٍٍ انحكًة ٔانشرٌعة يٍ االجصال‪ ،‬رغ؛دمحم عًبعح‪ ( ،‬انمبْغح‪ :‬صاع انًعبعف‪ ،‬ط‪ )1119،3‬ص‬
‫‪.31‬‬
‫‪ - 2‬دًبص٘ انعج‪ٛ‬ض٘‪ ،‬ابٍ رشذ ٔعهٕو انشرٌعة‪ ( ،‬ث‪ٛ‬غٔد‪ :‬صاع انفكغ انعغث‪ ،ٙ‬ط‪ )1991 ،1‬ص ص‪. 106 ،104‬‬

‫‪33‬‬
‫انًشرٔع انسٍاسً عُذ إبٍ رشذ‬ ‫انفصم انثاًَ‪:‬‬
‫الحياة المتعمق بالطعام والشراب والنكاح‪ ،‬فإن أحكام الشرع ضبطتيا وقيدتيا واليدف من ورائيا‬

‫العفة‪ .‬أما بخصوص نظام العقوبات‪ ،‬غايتو تحقيق األمن لمناس في أمواليم وأعراضيم‪ ،‬وذالك‬

‫بإقامة العدل‪ ،‬والعدل في األبدان مثل القصاص‪ .‬وينتقل بعد ذالك إلى نظام الحكم والسمطة‬

‫فيذكر أن غاية الشرع من السمطة السياسية ىو كيان المجتمع‪ ،‬و بدون سمطة ال يكون ىناك‬

‫‪1‬‬
‫مجتمع‪ ،‬وبدون مجتمع ال يكون ىناك عمم وال حضارة ؛ ألن العمم نتيجة حركة الفكروالبدن‪.‬‬

‫بل البد من سيادة األخبلق‬ ‫وبيذا ال يكفي أن يكون النظام السياسي متماسك وقوي‪،‬‬

‫االجتماعية القائمة عمى إحساس الناس‪ ،‬والتعاون بينيم من أجل مواجية خطر انحبلل وانتشار‬

‫المنكر في المدينة‪ ،‬وعمى ذالك يجب أن يقوم بناؤه عمى قاعدة األمر بالمعروف والنيي عن‬

‫المنكر‪ .‬ومن خبلل ىذه النصوص يبين ابن رشد أن الفمسفة تقوم عمى أساس مقاصد الشريعة‪،‬‬

‫وقد وضع المبادئ العامة من كتبو ( فصل المقال‪ ،‬تيافت التيافت‪ ،‬بداية المجتيد)‪ ،‬وقد أنيى‬

‫ابن رشد حديثو بالعبلقة القائمة بين األخبلق والقانون؛ أي أن القانون ال يطبق إال إذا كان‬

‫تحميو باألخبلق‪ 2.‬و بيذا كان توفيق ابن رشد بين الشريعة والفمسفة بتقريره أن الحكمة صاحبة‬

‫الشريعة واألخت الرضيعة وىما مصطحبتان بالطبع ومتحابتان بالجوىر ‪.3‬‬

‫المطمب الرابع‪ :‬شروط الحاكم ري المدينة الفاضمة‬

‫يرى ابن رشد أن قيام المدينة الفاضمة‪ ،‬ال تنشأ بالوجو الذي يراه أفبلطون فقط‪ ،‬بل ىناك‬

‫شق عبلجو باالستعانة بأرسطو في كتابو نيقوماخوس‪ .‬كما يتضح أن الغاية من وجود المدينة‬

‫‪ - 1‬دًبص٘ انعج‪ٛ‬ض٘‪ ،‬ابٍ رشذ ٔعهٕو انشرٌعة‪ ،‬انًغجع انـبثك‪ ،‬ص ‪.108‬‬
‫‪ - 2‬انًغجع َفـّ‪ ،‬ص ص ‪.113 -109‬‬
‫‪ - 3‬يمضاص عغفخ يُـ‪ٛ‬خ‪ ،‬ابٍ رشذ فٍهسٕف انشرق ٔانغرب‪ ،‬انًجهض‪ (،2‬رَٕؾ‪ :‬انًجًع انثمبف‪( ٙ‬اثٕظج‪ ،)ٙ‬ط‪)1999،1‬ص‪.340‬‬

‫‪34‬‬
‫انًشرٔع انسٍاسً عُذ إبٍ رشذ‬ ‫انفصم انثاًَ‪:‬‬
‫تتحقق أثناء حكم فيمسوف وال تتم عند أفبلطون إال باتصافو بالخصال‪ ،‬وكما تبين ذلك من قبل‬

‫معنى الفيمسوف‪ ،‬وىو الرجل المناسب الذي يمكن أن يكون رئيس وحاكم لممدينة الفاضمة‪ ،‬فإن‬

‫من الضروري أن نيتم بالبحث عن الخصال التي يجب أن يمتمكيا أمثال ىؤال ء‪.‬‬

‫<< أنو يجب أن يكون مياال بالفطرة إلى دراسة العموم النظرية من أجل الوصول إلى إدراك‬

‫طبيعة الشيء الموجود بإطبلق وتميزه عما ىو بالعرض‪.‬‬

‫أن يكون جيد الحفظ وال يعتو النسيان لما يفيمو ولما يراه ولما يسمعو ولما يدركو‪ .‬ألنو إن لم‬

‫يمتمك ىاتًين الخصمتين‪ ،‬فإنو من غير الممكن أن يعمم أي شيء ما داما يحس بالضيق من‬

‫الدرس والبطء في الفيم حتى وىو يق أر الدرس‪.‬‬

‫أن يكون محب لمعمم ولتحصيل العموم بشتى أنواعيا وفروعيا ؛ ألنو إذا أحب شيء فبلبد أن‬

‫يطمح إلى معرفة كل أجزائو‪ .‬وعمى سبيل المثال‪ ،‬الرجل المولع بالخمر يرغب في كل أنواعو‪،‬‬

‫ومثمو الرجل الذي يعجب بالنساء‪.‬‬

‫أن يكون محب لمصدق وأىمو‪ ،‬كارىا لمكذب ؛ ألن الذي يحب الصدق يحب الحق والذي يحب‬

‫‪1‬‬
‫الحق ال يكذب والرجل ىذه خصالو ال يكذب أبدا ‪>>.‬‬

‫<< أن يكون كارىا لمذات معرضا عنيا ؛ ألنو إذا كان راغبا في شيء ما طالبا لو بمذة‪ ،‬فإنو‬

‫زم نفسو عن اليوى‪ .‬وشخص تسعى رغباتو إلى العمم ال يسعى إال إلى المذة التي‬
‫يصعب عميو َ‬

‫تتمتع بيا النفس وحدىا‪.‬‬

‫عشض ‪ ،‬جهخٍص انسٍاسة ألفالطٌٕ ( يحأرة انجًٕٓرٌة)‪ ،‬انًغجع انـبثك‪،‬ص ‪140‬‬ ‫‪ -1‬اثٍ‬

‫‪35‬‬
‫انًشرٔع انسٍاسً عُذ إبٍ رشذ‬ ‫انفصم انثاًَ‪:‬‬
‫أن يكون غير محب لممال‪ ،‬ألن المال غاية كل رغبة‪ .‬وحال كيذه ال تتبلءم مع ىؤالء الرجال‪.‬‬

‫أن يكون كبير النفس‪ ،‬ألن الرجل الذي يطمب معرفة كل شيء‪ ،‬لم يرد من ىذه المعرفة نفعا أو‬
‫غرضا‪ ،‬ال ىو كبير النفس بالطبع‪ .‬وليذا فإن نفسو الناطقة ال ترى بادئ الرأي في ىذه الحياة‬
‫الدنيا شيئا يحسب لو‪.‬‬
‫ٌ‬

‫أن يكون شجاعا‪ ،‬ألن من كان جبانا ال يستطيع أن يكون لو في الفمسفة الحقًة مكان والسيما‬

‫من عاش وتربى في ىذه المدينة‪.‬‬

‫أن ينجو بمؤل عزيمتو نحو كل شيء خير وجميل بذاتو‪ ،‬مثل العدل وسائر الفضائل األخرى‬

‫‪1‬‬
‫بعد أن تمرست قوى نفسو بمحبة كل ما ىو عقمي ‪>>.‬‬

‫ويمكن أن نضيف إلى ذالك خصال أخرى‪:‬‬

‫<< أن يكون خطيبا‪ ،‬قوي العبارة‪ ،‬بين اإلشارة ‪ ،‬قاطع البرىان عن طريق معرفة الحد األوسط‬
‫محكم البيان‪.‬‬

‫أن يكون قوي الجسم سميم البنية‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫أن يكون حسن الخمق‪>>.‬‬

‫نرى أن ىذه الشروط التي ذكرىا ابن رشد عن أفبلطون شبيية باالستحالة في شخص‬
‫واحد‪ ،‬وليذا جاء ابن رشد بتبني شروط أرسطو األربعة من كتابو نيقوماخوس ‪.‬‬

‫الخمق‪ :‬سبلمة الجسم وقوتو‪ ،‬وحسن القوام‪.‬‬


‫ْق‬ ‫<< ُحسن‬
‫الخمق‪ :‬الميل إلى صفات الحسنة‪ ،‬واالبتعاد عن الرذائل‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫حسن‬

‫حب العمم والتعمم‪ ،‬لكونيما شرطين أساسيتين لتحصيل العموم النظرية والعممية‪.‬‬

‫‪ -1‬اثٍ عشض‪ ،‬جهخٍص انسٍاسة ألفالطٌٕ( يحأرة انجًٕٓرٌة)‪ ،‬انًغجع انـبثك‪ ،‬ص ‪.141،140‬‬
‫‪ -2‬عجض انمبصع ثٕعغفخ‪ ،‬انًذٌُة ٔانسٍاسة (دراسة فً انضرٔري فً انسٍاسة) البٍ رشذ‪ ،‬انًغجع انـبثك‪ ،‬ص ‪.175‬‬

‫‪36‬‬
‫انًشرٔع انسٍاسً عُذ إبٍ رشذ‬ ‫انفصم انثاًَ‪:‬‬
‫أن يكون محب لمصدق وكارىا لمكذب‪ .‬ويبيح ابن رشد لرئيس الكذب إذا كان الغرض تربية‬

‫الرعية عن الفضائل‪ ،‬أما كذب الرؤساء عن العامة فيو يصمح ليم عمى نحو ما يصمح الدواء‬

‫لممريض‪ .‬وكما أن الطبيب ىو الذي يعطي الدواء فكذلك الذي يكذب عن العامة ىو الممك فيما‬

‫‪ 1>>.‬ومن خبلل الشروط‬ ‫يتقمده من ميام‪ ،‬ألن الحكايات ضرورية في تعميم أىل المدينة‬

‫األرسطية التي ذكرىا ابن رشد تبدو أكثر إمكانية وأقربيا لمواقع‪.‬‬

‫المطمب الخامس‪ :‬عالقة ا لحاكم بالمحكوم‬

‫األخبلق‪ ،‬فالسياسة‬ ‫ال ينظر إلى السياسة إال من خبلل‬ ‫إن فمسفة ابن رشد جعمتو‬

‫واألخبلق عنده ليسا عممين منفصمين‪ ،‬بل ىما يشكبلن فصمين من عمم واحد أال وىو عمم‬

‫اإلنسان‪ ،‬وىو مسمك أرسطي‪ .‬باعتبار الفرد جزء من الدولة‪ ،‬وعمم األخبلق جزء من عمم‬

‫السياسة ييدف إلى الخير لمفرد‪ ،‬فعمم السياسة يسعى إلى الخير لمدولة‪ .‬تعتبر أخبلق الناس‬

‫مر الدىور‪ ،‬حيث نجدىا تابعة لمقانون الجاري في النظام السائد‪ ،‬كما‬
‫ليست واحدة ثابتة عمى ً‬

‫يقر ابن رشد أن اإلرادة اإلنسانية تساىم في صناعة السياسة‪ ،‬باعتبار اإلنسان موجو وصانع‬

‫الضار والجميل‬
‫و ّ‬ ‫لتاريخ‪ ،‬عمى غرار أقوال معاصريو الذين يرون أن الحسن والقبيح والنافع‬

‫السيئ ال دخل لئلنسان فيو ال مسؤولية عما اقترف وألحق من تمزق وانحطاط أخبلقي‬
‫و ً‬

‫لممجتمع‪ ،‬ومن ىذا يرى ابن رشد أن ىناك عبلقة جدلية بين سموك الحاكم والمحكومين ففساد‬

‫َطيعوا َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ول َوأُولِي‬ ‫الحاكم من فساد الرعية ‪ ،‬لقولو تعالى ﴿ َيا أ َُّي َها الَّذ َ‬
‫‪2‬‬
‫ي َ‬‫الر ُ‬
‫يعوا َّ‬
‫اَّللَ َوأَط ُ‬ ‫آمنُوا أ ُ‬
‫ين َ‬

‫‪ -1‬عجض انمبصع ثٕعغفخ‪ ،‬انًذٌُة ٔانسٍاسة ( دراسة فً انضرٔري فً انسٍاسة) البٍ رشذ‪ ،‬انًغجع انـبثك‪ ،‬ص ‪.177‬‬
‫‪ - 2‬نشضغ يظثٕر‪ ،‬دراسات فً انفهسفة اإلساليٍة‪ ( ،‬انجؼائغ‪،‬انعبصًخ‪ :‬صاع األنًع‪ٛ‬خ‪ ،‬ط‪ )2011 ،1‬ص ص‪.83-82‬‬

‫‪37‬‬
‫انًشرٔع انسٍاسً عُذ إبٍ رشذ‬ ‫انفصم انثاًَ‪:‬‬
‫اَّلل َوا ْل َي ْوِم ْاْل ِخ ِر‬
‫ون ِب َِّ‬ ‫ي ِ‬
‫ول ِإ ْن ُك ْنتُ ْم تُ ْؤ ِم ُن َ‬ ‫الر ُ‬
‫ْاألَم ِر ِم ْن ُكم رَِإ ْن تََن َاز ْعتُم ِري َشي ٍء رَردُّوه ِإلَى َِّ‬
‫اَّلل َو َّ‬ ‫ْ ُ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬

‫َذلِ َك َخ ْيٌر َوأ ْ‬


‫َح َي ُن تَ ِْو ً‬
‫يال ﴾‪ ،1‬وأن فساد القانون يؤدي إلى فساد أحوال الناس وتغير أخبلقيم‬

‫وتحويميا من حب الخير والحق والجمال إلى حب الشيوات والتغمب والجبروت‪ ،‬و أن أخبلق‬

‫الناس تتوقف عمى طبيعة القانون السائد والنظام السائد‪.2‬‬

‫يبدو لنا من خبلل رأي ابن رشد أن اإلنسان مسؤول عن أفعالو وسموكاتو‪ ،‬أما إذا كان‬

‫السموك حسن‪ ،‬يكون فيو الحاكم صالح‪ ،‬وبيذا يؤدي إلى صبلح الرعية‪ ،‬واذا كانت أفعالو قبيحة‬

‫يؤدي إلى فساد الحاكم والرعية و القانون السائد في المدينة لقولو تعالى ﴿ َوقَالُوا َرَّب َنا ِإ َّنا أَ َ‬
‫ط ْع َنا‬

‫َضمُّوَنا َّ‬
‫الي ِبيال ﴾‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫اء َنا رَ َ‬
‫ادتََنا َو ُك َب َر َ‬
‫َي َ‬

‫أن تخضع عبلقة الحاكم‬ ‫لكي تسود األخبلق الشرعية الحقّة في المجتمع‪ ،‬يجب‬

‫والمحكومين لما دعا الشرع من رعاية المصمحة العامة واقامة العدل بين الجميع‪ .‬وكل مذىب‬

‫سياسي يركز عمى فكرة حول الدولة‪ ،‬وتتوقف ىذه الفكرة بالخصوص حول الطريقة التي تعرض‬

‫بيا فعل أستاذه أفبلطون بقولو أن الفعل الحقيقي ال يبحث عن صالح الذين يطبق عمييم وىكذا‬

‫فن الحكم‪ ،‬ليس في صالح األقوى ولكن في صالح المحكوم‪ .‬ويمكن القول من ىذا عمى الحكام‬

‫أن يبحثوا عن المصمحة العامة لممحكومين‪ ،‬وتطبيق العدل بين الجميع وضمان التربية ليم‬

‫ين ايتَج ِ‬ ‫ِ‬


‫ورى َب ْي َن ُه ْم َو ِم َّما َرَزْق َن ُ‬
‫اه ْم‬ ‫ش َ‬‫الصالةَ َوأ َْم ُرُه ْم ُ‬
‫اموا َّ‬ ‫لقولو تعالى ﴿ َوالَّذ َ ْ َ ُ‬
‫ابوا ل َرِّب ِه ْم َوأَقَ ُ‬

‫‪ - 1‬ؿٕعح انُـبء‪،‬ا‪ٜٚ‬خ ‪.59‬‬


‫‪ - 2‬نشضغ يظثٕر‪ ،‬دراسات فً انفهسفة اإلساليٍة‪ ،‬انًغجع انـبثك‪ ،‬ص‪.83‬‬
‫‪ - 3‬ؿٕعح األدؼاة‪ ،‬ا‪ٜٚ‬خ ‪. 67‬‬

‫‪38‬‬
‫انًشرٔع انسٍاسً عُذ إبٍ رشذ‬ ‫انفصم انثاًَ‪:‬‬
‫ون﴾‪ .1‬وتكون األخبلق القائمة بين الحاكم والمحكوم ىي أخبلق الواجب ‪ ،‬ومثال عن ذلك‬ ‫يِ‬
‫نفقُ َ‬‫ُ‬

‫فالطبيب يراعي صحة جسم المريض‪ ،‬وقائد السفينة يراعي سبلمة البحارة ‪.2‬‬

‫كما يبرز ابن رشد العبلقة التي يجب أن تميز الرئيس والمرؤوس‪ ،‬حيث أن أركان الحكم‬

‫عنده ىي ثبلثة‪ :‬الحاكم والمحكوم عميو والمحكوم فيو‪ ،‬أما الحاكم فيو المخاطب‪ ،‬وكذلك قيامو‬

‫بتنفيذ الحكم‪ ،‬ويصح ذلك بين المالك والممموك والخالق والمخموق‪..‬الخ‪ .‬وأما المحكوم عميو فمو‬

‫شرطان ىما أن يفيم الخطاب الوارد بأمر أو نيي‪ ،‬وأما المحكوم فيو وىو الفعل فإنو ما جاز‬

‫كونو مكتسبا لمعبد بإختياره مع اعتقاد اكتسابو طاعة وامتثاال ‪.3‬‬

‫‪ - 1‬ؿٕعح انشٕعٖ‪ ،‬ا‪ٜٚ‬خ‪.38‬‬


‫‪ - 2‬نشضغ يظثٕر‪ ،‬دراسات فً انفهسفة اإلساليٍة‪ ،‬انًغجع انـبثك‪ ،‬ص‪.83‬‬
‫‪ - 3‬عجض انًُعى ّ‬
‫ش‪ٛ‬ذخ‪ ،‬فهسفة انذٌٍ عُذ ابٍ رشذ إشكانٍة انحرٌة إًَٔرجا‪ (،‬انغثبط‪ ،‬انًغغة‪ :‬يؤؿـخ يؤيٌُٕ ثال دضٔص‬
‫نهضعاؿبد ٔاألثذبس‪ ،‬ص‪.‬ط‪ ،) 2015 ،‬ص ‪.17‬‬

‫‪39‬‬
‫انًشرٔع انسٍاسً عُذ إبٍ رشذ‬ ‫انفصم انثاًَ‪:‬‬
‫المبحث الثاني ‪:‬المرأة واليياية‬

‫تعد رؤية ابن رشد لممجتمع الفاضل من خبلل دور المرأة ومساواتيا مع الرجل‪ ،‬لتنيض‬

‫بأعباء ىذا المجتمع مع الرجل‪ ،‬وتتجاوز ما ىي عميو في الواقع االجتماعي والثقافي الذي يجعل‬

‫المرأة في المرتبة الدنيا‪ .‬ومن خبلل ىذا يدعم ابن رشد المساواة من خبلل تحديد أدوارىا‪.‬‬

‫المطمب األول‪ :‬المرأة والغاية اإلنيانية‪:‬‬

‫عندما يتحدث ابن رشد عمى المرأة فيعالج ىذا السؤال‪ ،‬ىل النساء ليا نفس طبائع الرجال‬

‫أم تختمف عنيم؟ لئلجابة عن ىذا السؤال نجد ابن رشد جاء في وقفة فمسفية متقدمة تتمثل في‬

‫مكانة المرأة في الدولة اإلسبلمية‪ ،‬الذي يمثل قيمة الحداثة وثورة فكرية عمى الموروث العربي‪،‬‬

‫والمرأة في األندلس خاصة ‪ .1‬وفي ىذا يقول ابن رشد أن الرجال و النساء يعتبر نوع واحد في‬

‫الغاية اإلنسانية؛ أي يشتركان في اإلنسانية‪ ،‬ويتجمى االختبلف في أن الرجال أكثر كدا في‬

‫األعمال من النساء؛ أي أن الرجل يتحمل المشاق أكثر من المرأة‪ ،‬وىذا ال يمنع أن تكون النساء‬

‫‪2‬‬
‫ومن‬ ‫أكثر حذقا في بعض األعمال مثل فن الموسيقى تقوم بتمحينيا الرجال وتعمميا النساء‪.‬‬

‫خبلل ىذا تجاوز ابن رشد الطرح األفبلطوني؛ ألن المرأة عند أفبلطون تقتصر ميمتيا في‬

‫توفير النسل والمتعة‪.‬‬

‫وكذلك بالنسبة لتساوي الرجل والمرأة من حيث الطبيعة وليس من حيث األعمال؛ ألن لكل‬

‫منيم ميارتو‪ ،‬وىذا ال يمنع المرأة من أداء أعماليا بميارة أكثر من الرجل مثبل في فن النسيج‬

‫‪ - 1‬عجض انمبصع ثٕعغفخ‪ ،‬انًذٌُة ٔانسٍاسة ( دراسة فً انضرٔري فً انسٍاسة) البٍ رشذ‪ ،‬انًغجع انـبثك‪ ،‬ص ‪.275-274‬‬
‫‪ - 2‬اعَـذ ع‪ُٚ‬بٌ‪ ،‬ابٍ رشذ ٔ انرشذٌة‪ ،‬رغ؛عبصل ػع‪ٛ‬زغ‪( ،‬يصغ‪،‬انمبْغح‪ :‬صاع إد‪ٛ‬بء‪ ،‬ص‪.‬ط‪ )1957 ،‬ص‪.170‬‬

‫‪40‬‬
‫انًشرٔع انسٍاسً عُذ إبٍ رشذ‬ ‫انفصم انثاًَ‪:‬‬
‫والحياكة‪ ،‬مما يخمق نوعا من التعاون داخل المدينة‪ .‬ولكي تصبح المرأة منافسة لمرجل يجب‬

‫إخضاعيا لبرنامج التربية المعد لمحفظة كي تحرر نفسيا وتتصدى لطبيعة التي تعيق حريتيا‬

‫وأنو ال يوجد فرق بينيا وبين الرجل‪ ،‬ويمكن إخضاعيا لبرامج التربية التي يخضع ليا الرجل؛‬

‫ألن ىناك بعض النساء ينشأن عمى جانب كبير من الفطنة والعقل‪ ،‬وىذا ال يمنع من وجود‬

‫‪1‬‬
‫الحكيمات والحاكمات‪.‬‬

‫المطمب الثاني‪ :‬المرأة والحكم‬

‫يرى ابن رشد أن المجتمع الفاضل يكمن في التساوي بين المرأة والرجل‪ ،‬ليذا يدعو ابن‬

‫رشد إلى منح المرأة فرصة الحكم‪ ،‬حيث يؤكد إن كان طبع النساء والرجال طبعا واحد في النوع‪،‬‬

‫يقصد العمل الواحد في المدينة؛ أي أن النساء يقمن بنفس األعمال التي يقوم بيا الرجال‪ ،‬إال‬

‫أنين نجدىن أضعف منيم فينبغي أن يكمفنا من األعمال أقل مشقة ‪ 2 .‬ومن خبلل ىذا جاء ابن‬

‫رشد بتقديم األدلة والبراىين العقمية إلثبات المساواة بين الجنسين ونبذ الظمم المسمط عمى المرأة‬

‫وجعميا كأداة لممتعة؛ ألن ذالك يشير إلى التخمف والظبلل‪.‬‬

‫وكذلك يرى ابن رشد في مسألة الزواج‪ ،‬أن المرأة بإمكانيا تزويج نفسيا واختيار زوجيا؛‬

‫ألنيا ليست أداة لممارسة المتعة والنكاح صفة إنسانية اليدف منو تكوين أسرة‪ ،‬وليس ممارسة‬

‫الشيوات فقط‪.‬‬

‫‪ - 1‬فغ‪ٚ‬ض انعه‪ٛ‬ج‪ ،ٙ‬رؤٌة ابٍ رشذ انسٍاسٍة‪ ،‬جغ‪ٚ‬ضح انثٕعح‪ ،‬ث‪ٛ‬غٔد‪ ،‬انعضص‪ ،17099‬ثزبع‪ٚ‬ز‪.2011/9/5‬‬
‫‪ - 2‬عجض انًُعى ش‪ٛ‬ذخ‪ ،‬فهسفة انذٌٍ عُذ ابٍ رشذ إشكانٍة انحرٌة إًَٔرجا ‪ ،‬انًغجع انـبثك‪ ،‬ص ‪.15‬‬

‫‪41‬‬
‫انًشرٔع انسٍاسً عُذ إبٍ رشذ‬ ‫انفصم انثاًَ‪:‬‬
‫كما يرى ابن رشد ليس ىناك مانع من ترأس المرأة لممدينة وتسيير شؤونيا ‪ ،‬نجد أنو‬

‫يفرق بين شؤون المدينة والمسائل الشرعية‪ 1 .‬ويتضح لنا أن معالجة ابن رشد لقضية المرأة من‬

‫األندلس‪ .‬كما نجد أن‬ ‫أجل اإلصبلح االجتماعي والسياسي لما يعاني من ظمم واستبداد في‬

‫دعوتو كانت صريحة في أعطى مكانة لممرأة في السياسة‪.‬‬

‫‪ -1‬عجض انًُعى ش‪ٛ‬ذخ‪ ،‬فهسفة انذٌٍ عُذ ابٍ رشذ إشكانٍة انحرٌة ‪ ،‬انًغجع انـبثك‪ ،‬ص ‪16‬‬

‫‪42‬‬
‫انًشرٔع انسٍاسً عُذ إبٍ رشذ‬ ‫انفصم انثاًَ‪:‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬مراحل ا لتربية عند ابن رشد‬

‫ينشأ كل نظام سياسي عمى وجود منظومة تربوية تيدف إلى تدعيم السمطة والحفاظ عمى‬

‫إيديولوجيتيا‪ .‬لذالك نجد أن كل نظام جديد‪ ،‬إال وسبقو نظام فاسد‪ .‬ومنو ىل يمكن االنتقال من‬

‫نظام راىن فاسد إلى نظام مستقبمي صالح؟‬

‫الرتباطيا بنظام البيوت‬ ‫يرى ابن رشد أن أنظمة الحكم في المجتمع اإلسبلمي فاسدة‪،‬‬

‫واألسر‪ ،‬ومن جية أخرى بارتباطيا بالنواميس األولى (الشرائع السابقة)‪ .‬لذلك يحدد ابن رشد‬

‫التصور األفبلطوني لممدينة والنسق األرسطي لمعمم‬


‫النموذج السياسي الفاضل‪ ،‬بالجمع بين ً‬

‫المدني‪ ،‬والنماذج الراشدة لمحكم المدني اإلسبلمي في عيده األول‪ .‬وىذا انطبلقا من إعداد‬

‫أفبلطون في مشروعو السياسي‪ ،‬ينطمق من اختيار مواطن جديد‬ ‫مواطن صالح‪ 1 .‬كما نجد‬

‫ترًبى منذ صغره تربية فاضمة‪ ،‬و يكون باختيار أطفال موه بين من القرى لتؤىميم لتأسيس مدينة‬

‫‪2‬‬
‫جديدة؛ ألن تحقيق العدالة في الدولة رىينا باختيار الحكام‪ ،‬ونظام تربوي يعد ىؤالء الحكام‪.‬‬

‫نبلحظ أن فيمسوف قرطبة وأفبلطون يشتركان في أن التعميم والتربية يبدأ من الطفل ويكونا‬

‫من ميمة الدولة ال من ميمة األسرة‪ ،‬و التربية عند ابن رشد ال تختمف عن مراحل التربية عند‬

‫أفبلطون‪ ،‬وان كان اختبلف ىو في التقديم والتأخير والعامل المشترك بينيما الطفل‪ .‬كما نجد‬

‫أن مراحل التربية عند ابن رشد تكون حسب العمر الجسدي والعقمي؛ ألن كل عمر لو‬

‫خصوصيات من حيث القابمية والقدرة‪ .‬ومنو سنتطرق إلى مراحل التربية عند ابن رشد ‪.‬‬

‫‪ -1‬عجض انمبصع ثٕعغفخ‪ ،‬انًذٌُة ٔانسٍاسة(دراسة فً انضرٔري فً انسٍاسة) البٍ رشذ‪ ،‬يغجع ؿبثك‪ ،‬ص ‪.216‬‬
‫‪ -2‬دغث‪ ٙ‬عجبؽ عط‪ٛ‬زٕ‪ ،‬اججاْات انحفكٍر انفهسفً عُذ انٍَٕاٌ ‪ ،‬يغجع ؿبثك‪ ،‬ص ‪.394‬‬

‫‪43‬‬
‫انًشرٔع انسٍاسً عُذ إبٍ رشذ‬ ‫انفصم انثاًَ‪:‬‬
‫أوال‪ -‬مرحمة الصبا (األنا الجيماني والنفياني)‪:‬‬

‫تعتبر ىذه المرحمة من أولى مراحل التربية عند ابن رشد‪ ،‬التي يتداخل فييا األنا‬

‫ووافق عمييما ابن رشد عمى نوعين من‬ ‫الجسماني واألنا النفساني‪ ،‬والتي ذكرىما أفبلطون‬

‫التربية( الموسيقى والتربية البدنية) لمحفاظ عن المدينة وحراسيا كما نجدىا عمى النحو التالي‪:‬‬

‫‪-1‬التربية الموييقية‪:‬‬

‫يتبين لنا كل من أفبلطون وابن رشد يعتبران أن الموسيقى ىي بداية التربية لما فييا من‬

‫فوائد وتيذيب لمنفس‪ ،‬فالموسيقى ىي تيذيب النفس وتحصيل الفضائل‪ .‬وىذا التيذيب أسبق في‬

‫‪1‬‬
‫ويقصد ىنا ابن‬ ‫الزمان‪ ،‬أعني تيذيب الموسيقى؛ ألن قوة الفيم أسبق من قوة ترويض الجسم‪.‬‬

‫رشد وأفبلطون أن التربية النفسية أوال (العناية النفسية)؛ ألن عناية النفس تيدف إلى شجاعة‬

‫الجسم‪ .‬وما يقصد بو أفبلطون بالموسيقى ما يطمق عميو بالعموم اإلنسانية واألدب بوجو عام‬

‫ففي ىذا النوع من التعميم توجد بالفعل دراسة لمموسيقى‪ .‬والسيما الموسيقى المصاحبة لمشعر‬

‫غير أن أىم ما يتألف منو ىو دراسة القراءة والكتابة ثم استخداميا في حفظ الشعر وفي بعض‬

‫الدراسات األدبية والفنية البسيطة‪ 2 .‬وىنا يعتبر أفبلطون أن الموسيقى ىي العموم واآلداب لما‬

‫تدرس ىذه العموم نوع من الموسيقى مثل الشعر ؛ ألن الموسيقى تيذب النفس‪ ،‬ويزيد النفس‬

‫اإلحساس بوجودىا‪.‬‬

‫‪ -1‬عجض انمبصع ثٕعغفخ‪ ،‬انًذٌُة ٔانسٍاسة (دراسة فً انضرٔري فً انسٍاسة) البٍ رشذ‪ ،‬انًغجع انـبثك‪ ،‬ص ‪.229‬‬
‫‪ -2‬أفالطٌٕ‪ ،‬انجًٕٓرٌة‪ ،‬رغ؛ فؤاص ػكغ‪ٚ‬ب‪ ،‬يغجع ؿبثك‪ ،‬ص ‪. 133‬‬

‫‪44‬‬
‫انًشرٔع انسٍاسً عُذ إبٍ رشذ‬ ‫انفصم انثاًَ‪:‬‬
‫نبلحظ أن االختبلف الذي بين أفبلطون وابن رشد في ظاىرة الشعر؛ ألن أفبلطون‬

‫يرفض أساطير الشعراء لما فييا من تأثير عمى أذىان الناشئ ‪ ،...‬وأن ما يعيب أفبلطون عن‬

‫الشعراء ىو تصويرىم لآللية‪ ،‬ووصفيا بصور مخزية تفقد الناشئ احترامو ليا يكون معنى‬

‫‪1‬‬
‫نجد ىنا‬ ‫ذالك‪ ،‬أنو فقد احترامو لمقيم والمبادئ األخبلقية التي تفترض أن اإللية ترمز ليا‪.‬‬

‫أنو يروي أساطير خيالي ة ‪ ،‬التي قد تروى عن‬ ‫أفبلطون نوعا ما يحذر من الشعر من حيث‬

‫اآللية لمناشئ‪ ،‬ويصبح الناشئ يتصور اآللية بتصور خاطئ ال تميق بيا؛ ألن حتى في وقتنا‬

‫الحالي تجد األطفال تمقى عمى مسامعيم قصص عن الجن والعفاريت‪ ،‬التي قد تكون ضاره في‬

‫تنشئتيم األولى؛ ومعظم البرامج التربوية الحديثة تدعو إلى أبعاد الطفل عمى ىكذا أنواع من‬

‫القصص الخرافية البلعممية ليس ليا وجود‪ .‬وليذا نجد أن المذاىب التربوية الحديثة وأفبلطون‬

‫تدعو إلى فرض الرقابة عمى ما تروى عمى مسامع األطفال ‪.‬‬

‫نرى ابن رشد متأثر بأرسطو؛ ألن أرسطو يجل الموسيقى عمى أفبلطون‪ ،‬ونجد ىذا في‬

‫كتابو السياسة ورسالة إلى نيقوماخوس‪ .‬كما لم تغب الرؤية الفقيية من السماع الموسيقي؛ ألن‬

‫الموسيقى ال تخالف الشرع‪ ،‬إذا كان المفظ ال يخالف مقاصد الشريعة اإلسبلمية‪ .‬إذن لم يكن‬

‫ىنا حرج من سماع الموسيقى واعتمادىا كأسموب في التربية مثل انتشار ظاىرة األناشيد‬

‫؛ ألن في‬ ‫اإلسبلمية‪ 2.‬يبدو أن ابن رشد يقر بأن الموسيقى يمكن اعتبارىا أسموب في التربية‬

‫وقتنا المعاصر نجد من يستعمل ظاىرة الموسيقى مثل األناشيد اإلسبلمية‪ ،‬و يرفض الموسيقى‬

‫‪ -1‬أفالطٌٕ‪ ،‬انجًٕٓرٌة‪ ،‬انًغجع انـبثك‪ ،‬ص ‪.134 ،133‬‬


‫‪ -2‬عجض انمبصع ثٕعغفخ‪ ،‬انًذٌُة ٔانسٍاسة (دراسة فً انضرٔري فً انسٍاسٍة) البٍ رشذ ‪ ،‬انًغجع انـبثك‪ ،‬ص ‪.229‬‬

‫‪45‬‬
‫انًشرٔع انسٍاسً عُذ إبٍ رشذ‬ ‫انفصم انثاًَ‪:‬‬
‫التي تكون سبب في انتشار المجون واإليقاعات اإلباحية التي تعتمد عمى إثارة الجسد وليس‬

‫لتيذيب النفس‪ ،‬وىذا ما يكون سبب في تدىور األخبلق وسقوط المدن‪.‬‬

‫‪ _2‬التربية البدنية والرياضية‪:‬‬

‫؛ ألن كمال النفس في كمال الجسد‬ ‫تعتبر التربية البدنية ىي ترويض الجسد وتيذيبو‬

‫والرياضية تيتم بالجسد‪ ،‬فالرياضة فن تكوين الجسد‪ ،‬وتدريب الجسم عن التحمل وتحقيق‬

‫أن ىدفيا األىم ىو رعاية‬ ‫الصحة والقوة لمفرد عن التحمل وتنمية بدنو وتنظيم غدائو ‪...‬إذ‬

‫النفس في جزئيا الغضبى أعني تنمية صفات الشجاعة واقدام الفرد‪ .‬وبعبارة أخرى فالتدريبات‬

‫البدنية تيديان معا إلى تحقيق خير النفس‪ ،‬لكن بطرقتين مختمفتين ‪.1‬‬

‫يتبين لنا من خبلل قول أفبلطون أن التربية تيتم بشقين النفسي والجسمي لمفرد‪ ،‬وتقوية‬

‫العضبلت وأن يكون قادر عمى تحمل المشاق‪ ،‬إما من الناحية النفسية كالصبر ال يكون إال من‬

‫خبلل الرياضة مثل ركوب الخيل‪ ،‬السباحة‪ ،‬المصارعة‪ ،‬الرمي‪...‬الخ‪ ،‬والغاية من الرياضة‬

‫تحريك الجزء الغضباني ويكمن ىذا في فضيمة الشجاعة‪ ،‬والشجاعة واإلقدام من ناحية أخرى‪...‬‬

‫وأن اإلفراط في أحد النوعين يؤدي إلى فساد المحارب‪ ،‬وان اىتم برعاية جسمو أكثر مما ينبغي‬

‫أصبح العنف غالبا عمى طبعو‪ ،‬واذا أفُرط بتيذيب روحو بالموسيقى واآلداب عمى حساب‬

‫العناية بجسمو‪ ،‬كانت النتيجة ىي طراوتو ونعومتو إلى الحد ال يتبلءم مع مقتضيات الروح‬

‫‪ - 1‬عجض انمبصع ثٕ عغفخ‪ ،‬انًذٌُة ٔانسٍاسة‪ ،‬انًغجع انـبثك‪ ،‬ص‪.233‬‬

‫‪46‬‬
‫انًشرٔع انسٍاسً عُذ إبٍ رشذ‬ ‫انفصم انثاًَ‪:‬‬
‫العسكرية‪ .‬إذن البد أن تكون نفس المحارب مزيجا متوازيا من حساسية الروح وشجاعة القمب‬

‫وقوة الجسم‪.1‬‬

‫يتبين من ىذا أن الموسيقى والرياضة مكمبلن لبعضيم البعض في مسالة تيذيب النفس‪.‬‬

‫ونجدىما يخضعان إلى منيج التوسط واالعتدال ؛ ألن إذا أفرط شي عن األخر يؤدي إلى فساد‬

‫المدينة ‪ ،‬كما يقر بىا أرسطو في نظرية الوسط الذىبي‪.‬‬

‫ثانيا ‪ -‬مرحمة األحداث األنا االجتماعي‪:‬‬

‫تمثل ىذه المرحمة‪ ،‬مرحمة الغمّمنة تعتبر مرحمة احتكاك أو اكتساب الصبي لغة وعادات‬

‫المجتمع وكذالك اكتساب ىيئات ثقافية مميزة‪ ،‬ويتبع منيج اإلقناع بالبرىان‪ .‬ومنو يرى ابن رشد‬

‫أن ىذه المرحمة عمى التالي‪:‬‬

‫‪-1‬التربية المنطقية‪:‬‬
‫نبلحظ في ىذه المرحمة أن ابن رشد خالف أفبلطون كون أن أفبلطون بدأ بالرياضيات‬

‫وابن رشد بدأ بالمنطق وىذا يرجع لسببين ىما‪:‬‬

‫يعود إلى عدم معرفة أفبلطون بعمم المنطق لكونو عمم وضعو أرسطو‪.‬‬

‫كون المنطق ىو معيار الذي تعرف بو قوة العقل وصوابو وىو اآللة التي تعتصم الفكر من‬

‫الوقوع في الخطأ‪.‬‬

‫كما أن الرياضيات تكون بالمنطق وال يكون ىو بيا‪ ،‬ويرى ابن رشد أن تعميمو يكون قبل‬

‫التعميم ‪ ،‬لتصبح مداركو العقمية أكثر تركيز وشدة‪.‬‬

‫‪ - 1‬عجض انمبصع ثٕعغفخ‪ ،‬انًذٌُة ٔانسٍاسة (دراسة فً انضرٔري فً انسٍاسة) البٍ رشذ‪ ،‬انًغجع انـبثك‪ ،‬ص‪.234‬‬

‫‪47‬‬
‫انًشرٔع انسٍاسً عُذ إبٍ رشذ‬ ‫انفصم انثاًَ‪:‬‬
‫ونرى أن النظرية المودستكية أرجعت أصل الرياضيات إلى المنطق وىذا ما يجعل ابن رشد‬

‫‪1‬‬
‫صائبا‪.‬‬

‫ومن ىذا القول نبلحظ أن ابن رشد لم يقول كل ما قال بو أفبلطون‪ ،‬وانما نرى ىناك‬

‫تنظير واجتياد من طرف ابن رشد من أجل بناء مدينة أندلسية تشبو مدينة الفبلسفة والخمفاء‬

‫الراشدين (مدينة فاضمة )‪.‬‬

‫‪- 1‬تعميم الرياضيات‪:‬‬

‫إن أفبلطون في مرحمة األنا االجتماعي ركز عمى الرياضيات وأعتبرىا المرحمة الفاصمة‬

‫بين المعرفة الحسية الظنية والمعرفة اليقنية‪ ،‬وكما يقول في مقولتو" ال يدخل عمينا إال من كان‬

‫رياضيا"‪ .‬إال أن ابن رشد يعطي األسبقية لممنطق عمى الرياضيات – كما ذكرنا سابقا‪ -‬إال أن‬

‫الرياضيات ىي اختبار لممستوى العقمي لؤلطفال لبلنتقال إلى المرحمة العالية من التربية‬

‫والتعميم‪ ،‬فنجد من أخفق في ىذه المرحمة يتوجو إلى اكتساب حرفة واحدة المسموح لو بيا في‬

‫المدينة الفاضمة‪ .2‬والغاية من تعميم الرياضيات كالتالي‪:‬‬

‫أن المتعمم ال يمكن أن يدرس العموم الرياضية إال إذا تعمم جنس قريب منيا‪ ،‬وليس ىناك أقرب‬

‫من جنس الفمسفة من الرياضيات لكونيما يشتركان في عممية التجريد والبرىان والتصور‪.‬‬

‫أن طبيعة الرياضيات من كونيا عمم ال يرى موضوعاتو شوائب المادة يصمح لتييئة عقل‬

‫الناشئ الجديد‪.‬‬

‫‪ -1‬عجض انمبصع ثٕ عغفخ‪ ،‬انًذٌُة ٔانسٍاسة ( دراسة فً ا نضرٔري فً انسٍاسة) البٍ رشذ‪ ،‬انًغجع انـبثك‪ ،‬ص ‪.239‬‬
‫‪ - 2‬أفالطٌٕ‪ ،‬انجًٕٓرٌة‪ ،‬يغجع ؿبثك‪ ،‬ص‪.134‬‬

‫‪48‬‬
‫انًشرٔع انسٍاسً عُذ إبٍ رشذ‬ ‫انفصم انثاًَ‪:‬‬
‫أن التمرن عمى عموم التعاليم األربعة يمكن الحافظ (الحارس) من اكتساب عممية تخص تنظيم‬

‫الجند وترتيب الرجال‪ ،‬وتنظيم صفوفيم في الحرب‪.‬‬

‫أن عمم اليندسة ينتفع في العمم التطبيقي‪ ،‬فبل تكفي الفروض النظرية والتصورات التجريدية‬

‫‪1‬‬
‫لمعرفة األشكال اليندسية‪ ،‬بل يتطمب األمر أن تتطابق الصور المجردة مع المادة المشخصة‪.‬‬

‫ثالثا‪ -‬مرحمة الرشد( األنا الميتاريزيائي)‪:‬‬

‫تحدد ىذه المرحمة من سن عشرين إلى ثبلثين سنة الذي يعتبر سن الرشد بالنسبة لطفل‬

‫وىو السن الذي يكون فيو الحافظ قادر عمى اكتساب نوعا من المعرفة مثل الفمسفة‪ .‬وىذا ما‬

‫جعل الفمسفة في أخر العموم المبرمجة ولعل السؤال الذي يطرح نفسو ىو لماذا درجت الفمسفة‬

‫أخر ما يتعممو الحافظ؟ ‪.‬‬

‫وفي ىذه النقطة يتفق ابن رشد وأفبلطون في أن تكون الفمسفة أخر مراتب نظرية التربية‬

‫وىو استنادا إلى جممة من القواعد منيا‪:‬‬

‫ال يتبلءم مع الفمسفة ؛ ألنو يكون أكثر ميبل‬ ‫‪ -‬أن الصبي أو الغبلم تكون قدرتو وعقمو‬

‫لممحسوس أكثر من المعقول‪ ،‬والتشخيص أكثر منو إلى التجريد‪ ،‬ومعرفة الجزئي أكثر من‬

‫الكمي‪ ،‬والقريب بدل البعيد ومنو إذا تعمم الطفل الفمسفة أقل من سن الرشد فسيسير مسمك‬

‫السفسطة التي كانت آفة المدن األندلسية‪.‬‬

‫ب ‪ -‬نبلحظ أن من يتعمم الفمسفة قبل أوانيا قد يفقد الثقة في المكتسبات القبمية وتفقد‬

‫مصداقيتيا؛ ألنو تعمم الفمسفة قبل سن التفمسف أصبل‪ .‬وىنا نرى في تدريس الفمسفة من غير‬

‫‪ -1‬أفالطٌٕ‪ ،‬انجًٕٓرٌة‪ ،‬انًغجع انـبثك‪ ،‬ص ‪.140،135‬‬

‫‪49‬‬
‫انًشرٔع انسٍاسً عُذ إبٍ رشذ‬ ‫انفصم انثاًَ‪:‬‬
‫سنيا المناسب‪ ،‬ينمي ظاىرة الجدل لكن الجدل ىنا ال يكن من الناحية االيجابية وىو بناء رأي‬

‫جديد‪ ،‬إنما يكون سمبي ؛ أي أن اإلنسان تصبح غايتو من الجدل ىو انتصار أناه فقط وىذا‬

‫يصبح خطر عمى المدينة ؛ ألن ىذا الجدل يصبح ليس من أجل الصواب وىذا ىو أشد األمور‬

‫ضر ار عمييا‪.1‬‬

‫نستخمص من كل ىذا لما جاء أفبلطون في "كتابو الجميورية" في تحديد المرحمة التي‬

‫تدرس فييا الفمسفة‪ ،‬أن يكون الدارس لمفمسفة قد درس العموم األخرى مثل الرياضيات واألبحاث‬

‫بل في قمة النضوج ؛ ألن ىذا النوع من‬ ‫المرتبطة بيا‪ .‬ويكون دارس الفمسفة إنسانا ناضجا‪،‬‬

‫الدراسة يحتاج إلى استخدام ممكات العقل عمى أوسع نطاق وأكثر تركي از‪.‬‬

‫وىكذا تم االتفاق بين أفبلطون وفيمسوف قرطبة في تحديد مراحل تعميم الفمسفة‪:‬‬

‫‪ 1‬من عشرين إلى ثبلثين سنة‪ :‬يمثل ىذا الطور المراجعة واعادة النظر فيما تم تحصيمو‬

‫ويكون المتعمم قد اطمع عمى أجزاء الفمسفة سواء النظرية أو العممية عن طريق آلية القراءة‬

‫والفيم‪ ،‬فالفمسفة ليست حفظا أو تكرار بل تمعن وحفظ‪.‬‬

‫‪ 2‬من سن الثبلثين إلى خمسة وثبلثين‪ :‬يمثل طور المراجعة واعادة النظر فيما تم تحصيمو ؛‬

‫ألن العمم ال يخمو من المثالب‪ ،‬وأن النظر ال يسمم من النقائص‪ ،‬وأن التأويل وتصحيح الخطأ‬

‫واعادة صياغة المعارف ال يكون إال في مرحمة المراجعة‪.‬‬

‫‪ ،‬انًغجع انـبثك‪ ،‬ص ص‬ ‫‪ - 1‬عجض انمبصع ثٕعغفخ‪ ،‬انًذٌُة ٔانسٍاسة ( دراسة فً انضرٔري فً انسٍاسة) البٍ رشذ‬
‫‪.145،143‬‬

‫‪50‬‬
‫انًشرٔع انسٍاسً عُذ إبٍ رشذ‬ ‫انفصم انثاًَ‪:‬‬
‫من ىنا نجد ابن رشد تأثر بالفارابي في خطة التدريس في كتابة مفتاح العموم في كتابو‬

‫فصل المقال‪ .‬ويعتبر ابن رشد أن سن الخمسة والثبلثين ىو سن االقتراب من الكمال المطموبة‬

‫‪1‬‬
‫والسن المؤىل لمقيام بميام الجند‪ ،‬وه ذه المرحمة تبقى حتى سن الخمسين‪.‬‬

‫رابعا ‪ -‬مرحمة الشيخوخة‪:‬‬

‫تتمثل ىذه المرحمة باالستقبللية في التعمم وىذا راجع إلى اكتساب الخبرة بعد الخمسين‬

‫سنة‪ ،‬ويصبح المتعمم قادر عمى التعمم وحده مثل الفيمسوف‪ ،‬ويصبح ىو الذات والموضوع‪ ،‬وىو‬

‫المعمم والمتعمم‪ ،‬ويصبح في ىذه المرحمة يفرق بين الخير والشر واكتمال أجزاء المدينة كميا في‬

‫‪ ،‬وليذا يصبح موضوع تأممو‬ ‫مخيمتو‪ ،‬وعندىا نقول أنو أدرك الحقيقة وأصاب الخير األسمى‬

‫كما نرى موافقة‬ ‫الخير األسمى ‪ ،‬وىنا في ىذه المرحمة نقول أن التعميم أصبح فييا بدون معمم‪.‬‬

‫ابن رشد ألفبلطون في مسألة انقطاع الفيمسوف عن الدراسة ‪ .2‬يبدو لنا من خبلل ىذه المرحمة‬

‫وىي المرحمة التي يتم فييا التعمم بدون متعمم ويصبح المتعمم ىو المتعمم والمعمم في آني واحد‬

‫ويصبح الذات والموضوع‪ ،‬وليذا فإنيا أرقى المراحل ؛ ألنيا تتميز بالتعالي من الواقع والتجديد‬

‫فيي تربية تسعى إلى إبراز األنا المثالي المرتبط بجواىر األشياء‪.‬‬

‫ومن خبلل دراستنا لمنظرية التربوية البن رشد نستنتج أمور عدة منيا‪:‬‬

‫أن التربية فمسفة وطريقة في الوجود‪ ،‬قبل أن تكون عرفا اجتماعيا تتحكم فيو العادات ‪.‬‬

‫أن تمك الفمسفة تيدف إلى تربية النفس‪ ،‬التربية المثالية متواصمة ال تنتيي بعمر وانما ينبغي أن‬

‫ندفع اإلنسان دوما إلى التعميم والتربية‪.‬‬

‫‪ -1‬عجض انمبصع ثٕ عغفخ‪ ،‬انًذٌُة ٔانسٍاسة (دراسة فً انسٍاسة انضرٔري فً انسٍاسة)البٍ رشذ‪ ،‬انًغجع انـبثك‪ ،‬ص ص‬
‫‪.246 -243‬‬
‫‪ - 2‬انًغجع َفـّ‪ ،‬ص‪.247‬‬

‫‪51‬‬
‫انًشرٔع انسٍاسً عُذ إبٍ رشذ‬ ‫انفصم انثاًَ‪:‬‬
‫ال يمكن لممدينة الفاضمة أن تقوم دون وجود برنامج تربوي ؛ ألن المواطن الحقيقي ىو الذي أعد‬

‫إعداد برنامج تربويا يتوافق مع إيديولوجية الدولة أو المدينة‪ ،‬ألن سمطتيا تبنى عمى أساس‬

‫سمطة الوالء واالنتماء أو ما نسميو الحقا جون جاك روسو * بذوبان الفرد في الدولة‪.‬‬

‫أن التربية في المشروع الرشدي تخص الذكور واإلناث عمى السواء‪ ،‬وأن معيار التفرق تحدده‬

‫المواىب والقدرات ال المراتب والبيوتات كما ىو الشأن في المدن اإلسبلمية‪.1‬‬

‫يبدو لنا أن أفبلطون وابن رشد اتفاقا إلى حد كبير في المشروع التربوي‪ ،‬يرى أفبلطون‬

‫أن بناء مشروع تربوي يكون وفق اإليديولوجية والسمطة القائمة في تمك المدينة‪ .‬وما أعجب بو‬

‫ابن رشد في ىذه النقطة عمما أنو كان يقر بالتربية العقمية إال لفئة معينة وليس لمعامة عمى‬

‫غرار الغزالي ** والفارابي وابن باجو ‪ ***،‬وىذا ما كان سبب في فساد المدن الفاضمة‪ .‬وأنكر‬

‫تربية البيوتات‪ ،‬وكذلك اتفق مع أفبلطون في أن التربية تبدأ من الطفل وتكون ميمة الدولة ال‬

‫‪2‬‬
‫األسرة‪ ،‬وحدد مراحل التربية وسن تدريس الفمسفة ‪.‬‬

‫‪ - 1‬عجض انمبصع ثٕ عغفخ ‪ ،‬انًذٌُة ٔانسٍاسة (دراسة فً انضرٔري فً انسٍاسة)البٍ رشذ‪ ،‬انًغجع انـبثك‪ ،‬ص‪.248‬‬
‫‪ -2‬انًغجع َفـّ‪ ،‬ص‪. 249‬‬
‫**انغزانً‪ٔ :‬نض(‪ 1111-1059‬و)‪،‬ف‪ٛ‬هـٕف ٔيزكهى ٔفم‪ٔ ّٛ‬يزصٕف عغث‪ ٙ‬ف‪ ٙ‬طٕؽ ثشغاؿبٌ‪،‬يؤنفبرّ‪ :‬انًُمض يٍ انظالل ‪ .‬جٕعج طغاث‪ٛ‬ش‪ ،ٙ‬انًغجع‬
‫َفـّ‪،‬ص‪.429‬‬
‫***ابٍ باجّ‪ :‬ف‪ٛ‬هـٕف عغث‪ ٙ‬أَضنـ‪ٔ ،ٙ‬نض ف‪ ٙ‬ؿغلـطخ ف‪ ٙ‬انذبص٘ عشغ انً‪ٛ‬الص٘‪ ،‬رٕف‪1132 ٙ‬و ‪ ،‬يؤنفبرّ‪ :‬رضث‪ٛ‬غ انًزٕدض‪ ،‬انًغجع َفـّ‪،‬ص ‪.18‬‬

‫‪52‬‬
‫انًشرٔع انسٍاسً عُذ إبٍ رشذ‬ ‫انفصم انثاًَ‪:‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬التقييم والنقد‬

‫يعد ابن رشد أحد أىم الفبلسفة المسممين‪ ،‬الذي دافع عن الفمسفة وصحح لمعمماء‬

‫والفبلسفة سابقين لو كابن سينا والفارابي ففي فيم بعض نظريات أفبلطون وأرسطو‪ ،‬وكان من‬

‫بين الفقياء و القضاة في األندلس‪ ،‬وىذا ما يدل عمى اىتمامو بالسياسة في ببلده‪ ،‬حيث كانت‬

‫بدايات وأصول فكره السياسي من الفمسفة اليونانية‪ ،‬من خبلل تأثره بأفبلطون في كتابو‬

‫"الجميورية"‪ ،‬وأرسطو في كتابو "السياسة"‪ ،‬وكذلك بالفمسفة اإلسبلمية من بين الفبلسفة نجد‬

‫الفارابي في" آراء أىل المدينة الفاضمة"‪.‬وكان أول تأثير البن رشد في السياسة من كتاب‬

‫"جميورية أفبلطون"؛ ألن ما وجده ابن رشد في "الجميورية" والمدينة الفاضمة عند أفبلطون‬

‫يعتبرىا قضايا تتبلئم مع الدين اإلسبلمي في ما يخص الفضائل األخبلقية‪ ،‬العدالة‪ ،‬الحاكم‬

‫الفيمسوف و في جانب التعميم والتربية ‪...‬الخ‪ ،‬أما تأثيره ألرسطو من خبلل كتابو" السياسة"‬

‫عندما ربط السياسة باألخبلق‪ ،‬وكذلك أنو فيمسوف عقمي وواقعي‪ ،‬وىذا ما يتميز بو ابن رشد‬

‫أنو فيمسوف عقبلني وواقعي ومنو لقب بالشارح األكبر ألرسطو‪.‬‬

‫وبيذا انطمق ابن رشد من الناحية األخبلقية من مذىبي أرسطو وأفبلطون‪ ،‬فاتفق مع‬

‫أفبلطون في ( الحكمة‪ ،‬العفة‪ ،‬الشجاعة‪ ،‬العدالة)‪ ،‬لكن نجد ابن رشد يخالف أفبلطون في‬

‫ترتيب الفضائل في المدينة الفاضمة‪ ،‬حيث بدأ ابن رشد بالشجاعة أوال لما تحتاجو األندلس‬

‫آنذاك من نظام الحكم‪ ،‬وحاكم شجاع ‪ .1‬نجد موقف ابن رشد من مسألة التوفيق بين الحكمة‬

‫والشريعة؛ أي بين الدين والفمسفة‪ ،‬الذي كان خبلفا بين الفقياء والفبلسفة بمغ درجة التكفير‬

‫‪ - 1‬يصطفٗ دـ‪ٛ‬جخ‪ ،‬انًعجى انفهسفً‪( ،‬عًبٌ‪ :‬صاع أؿبيخ‪ ،‬ط‪ )2009 ،1‬ص‪11‬‬

‫‪53‬‬
‫انًشرٔع انسٍاسً عُذ إبٍ رشذ‬ ‫انفصم انثاًَ‪:‬‬
‫بينيم‪ ،‬إذ جاء ابن رشد لحل المشكل من خبلل كتابو "فصل المقال بين الحكمة والشريعة من‬

‫االتصال"‪ ،‬والوحدة الحقيقية الدينية والفمسفية كانت مطمبا أساسيا في فمسفة ابن رشد‪ ،‬وتمكن‬

‫بآلياتو العقبلنية من البرىنة عمييا من كتابين" فصل المقال" و "مناىج األدلة"‪ ،‬وعمى الرغم من‬

‫أن مسألة التوفيق بين الفمسفة والدين كانت من المسائل التي شغمت كثير من فبلسفة اإلسبلم‬

‫(الكندي‪ ،‬الفارابي‪ ،‬ابن سينا‪ ،‬الغزالي)‪ ،‬إال أن ابن رشد من أبرز الفبلسفة الذين قدموا حبل‬

‫واضحا يقتنع بو العقل‪ .‬وال يرى أي تعارض بين الفمسفة والدين‪ ،‬ويعتبر مقومان ليم األىمية‬

‫والمساىمة في بناء المدينة الفاضمة؛ ألنو فيمسوف مسمم وكذلك المدينة عنده تقوم عمى الشرع‪.‬‬

‫وبيذا لم يقدم ابن رشد نظرية سياسية إسبلمية ولم يؤلف في الفكر السياسي المجرد‬

‫واكتفى بعرض آرائو السياسية في التاريخ اإلسبلمي‪ ،‬وفي دولة األندلس المعاصرة لو من خبلل‬

‫التعميق عمى أفبلطون‪ ،‬الذي لخص لو "محاورة الجميورية" وعمى أرسطو الذي لخص لو كتاب‬

‫"األخبلق"‪ .‬لكن فضبل عن استيعابو وعرضو لممفاىيم األفبلطونية واألرسطية‪ .‬ويتمثل انجاز‬

‫ابن رشد في تسكين ىذه المفاىيم عمى آنية الواقع السياسي اإلسبلمي‪ ،‬واستخدام منيجيتيا‬

‫االجتماعية في تفسير التطورات التي أصابت شكل الدولة في اإلسبلم المبكر‪ .‬يرى المستشرق‬

‫اإلسباني "ميغيل ىرنانديز" أن ابن رشد قدم رؤية أكثر شمولية وانسانية لممدينة الفاضمة‪ ،‬ومنيا‬

‫يكون اإلمكان قيام كثير من المدن الفاضمة تقوم عمى عبلقات سممية فاضمة بين الدول ‪.1‬‬

‫‪ - 1‬يصطفٗ دـ‪ٛ‬جخ‪ ،‬انًعجى انفهسفً‪ ،‬انًغجع انـبثك‪ ،‬ص‪.18‬‬

‫‪54‬‬
‫خاتمة‬
‫خاجًة‬

‫وعمى ضوء ما سبق ومن خبلل بحثنا السياسة عند ابن رشد توصمنا إلى مجموعة من النتائج‪.‬‬

‫أوال‪ :‬إن ابن رشد من أىم الفبلسفة المسممين الذين عاشوا فترة صراعات داخل العقيدة الواحدة‬

‫‪ ،‬والفتن والحد‬ ‫خاصة في األندلس لذالك عمد ابن رشد لمقضاء عمى مثل ىذه االضطرابات‬

‫منيا‪ .‬وىذا ما جعمو يفرض نفسو لمعالجة المرض الذي حل ببمده‪ .‬من أجل إصبلح المدينة‬

‫واقعيا‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬أن البيئة التي نشأ فييا ابن رشد‪ ،‬ما فييا وما عمييا‪ ،‬ىي التي أمكنتو من االىتمام‬

‫بالسياسة؛ أي الظروف التي كانت عمييا األندلس ىي التي أجبرتو في الخوض في السياسة‬

‫إلصبلح ما يجب إصبلحو ‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬وجود أواصر قوية بين فكر ابن رشد اإلسبلمي والمصادر الفمسفية اليونانية التي أحال‬

‫عمييا في مناسبات عديدة‪ .‬ومن ىنا نجد ابن رشد قد تأثر بأىم الفبلسفة السياسيين( أفبلطون‬

‫"‪ ،‬حيث لجأ إلى االقتباس‬ ‫بأفبلطون في "الجميورية‬ ‫أرسطو‪ ،‬الفارابي)‪ ،‬وأىم تأثر كان‬

‫والتمخيص والشرح منو كل ما يناسب األفكار اإلسبلمية‪ .‬ومن الناحية األخبلقية تأثر بأرسطو؛‬

‫ألن أرسطو عقبلني واقعي مثمو‪ .‬وىذا ما جعل أفكاره السياسية متألفة بين فمسفة أفبلطون‬

‫وفمسفة أرسطو‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬لقد اشتد الجدال في مسألة التوفيق بين الحكمة والشريعة‪ ،‬مما دفع ابن رشد إليجاد حل‬

‫ليذه المسألة‪ ،‬وىو حل يحتسب لو‪ ،‬باعتباره فيمسوف مسمم ينبذ الفساد والظمم داخل المدينة‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫خاجًة‬
‫خاميا‪ :‬يعد ابن رشد أول فيمسوف عربي اىتم بقضية المساواة بين المرأة والرجل‪ ،‬حيث كانت‬

‫المرأة ميمشة في األندلس‪ ،‬وىذا ما دفع ابن رشد إلى رد االعتبار لممرأة وجعميا عنصر فعال‬

‫في المدينة ومساواتيا مع الرجل‪ ،‬واعطائيا الحق في الحكم في المدينة الفاضمة؛ ألن ىناك‬

‫أعمال تؤدييا أكثر حذقا من الرجل كفن النسيج والحياكة‪ ،‬ليذا يعتبر وضعيا عمى اليامش‬

‫سبب من أسباب سقوط المدينة‪.‬‬

‫ياديا‪ :‬إن معالجة ابن رشد لممسألة السياسية تقع ضمن الموضوعات الفمسفية التي اعتادت‬

‫الفمسفة اإلسبلمية تناوليا‪ ،‬حيث ترتبط باألخبلق وتطمب مقصد محدد ىو سعادة المدينة‪.‬‬

‫يابعا‪ :‬لقد عالج ابن رشد المسألة السياسية من زاوية برىانية‪ ،‬ألجل ذلك فإن تناولو يندرج‬

‫ضمن مسعى تأصيل المسائل السياسية فمسفيا‪.‬‬

‫ثامنا‪ :‬وجود ارتقاء واضح في فكر ابن رشد لدى بموغو بحث النظرية العامة لممدينة الفاضمة‪،‬‬

‫حيث بحث في مقومات الدولة وشروط بقاءىا‪ ،‬وىي أبعاد إستراتيجية يعد التطرق إلييا فمسفيا‪،‬‬

‫وبحث أفضل السبل لمدفاع عن المدينة‪.‬‬

‫تايعا‪ :‬اتضح لنا أن ابن رشد قد أعطى ألفكاره السياسية طابع فمسفي ‪ ،‬حتى إنو ليتعذر فيم‬

‫ىذه السياسة دون دراستيا عمى ضوء نزعتو الفمسفية الخاصة؛ ألن الغرض من آراءه السياسية‬

‫كميا غرض فمسفي‪ ،‬وال يمكن بالنتيجة فيم ىذه اآلراء ما لم ينظر إلييا من الناحية الفمسفية‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‬
‫قائًة انًصادر ٔانًراجع‬

‫قائمة المصادر والمراجع‪:‬‬

‫‪ -‬ذاقرآم ذالريم‬

‫أوال‪ :‬المصادر‬

‫ت ذاتايه ذ م رشه‪ ،‬فصل المقال بٌن الحكمة والشرٌعة من االتصال ‪ ،‬مح؛ دمحم عارة‪،‬‬ ‫‪.1‬‬
‫(ذاقاارة‪ :‬هذر ذاعلارف‪ ،‬ط‪.)1119،3‬‬
‫‪،1‬‬ ‫‪ .2‬ذ م ذاتايه ذ م رشه ‪ ،‬تهافت التهافت ‪ ،‬مح؛ سغيعام هنيا‪ (،‬ذاقاارة‪ :‬هذر ذاعلارف‪ ،‬ط‬
‫‪.)1964‬‬
‫‪،1‬‬ ‫‪ .3‬ذ م رشه‪ ،‬تلخٌص السٌاسة ‪ ،‬مر؛ حسيم عويه ذال يهد‪ ( ،‬يرتت‪ :‬هذر ذاطغيلة‪ ،‬ط‬
‫‪.)1967‬‬

‫ثانٌا‪ :‬المراجع‬

‫تذ نصر ذافارذ ف‪ ،‬كتاب الجمع بٌن الرأٌٌن الحكمٌن ‪ ( ،‬يرتت‪ :‬هذر ذاعشرق‪(،‬ه‪،‬ط)‬ ‫‪.1‬‬
‫‪)1987‬‬
‫‪ .2‬رسطت طاايس‪ ،‬السٌاسة‪ ،‬مر؛ حعه اطفف ذاسيه‪ ،‬ذالهه ‪ ( ،2‬رتض ذافرج‪ ،‬هذر ذاقتعية‬
‫اغط ا ة تذانشر‪(،‬ه‪.‬ط)‪( ،‬ه‪.‬ت))‪.‬‬
‫‪ .3‬رنست رينام‪ ،‬الرشد و الرشدٌة ‪ ،‬مر؛ اهم ع يمر‪ ( ،‬ذاقاارة‪ :‬هذر حياء ذالمب ذالر ية‪،‬‬
‫‪.)1957‬‬
‫الطتم‪ ،‬الجمهورٌة‪ ،‬مر؛ ؤذه علرياء‪( ،‬ذإلسلنهرية‪:‬هذر ذات اء اهنيا اغط ا ة‬ ‫‪.4‬‬
‫تذانشر‪(،‬ه‪،‬ط)‪.)2004 ،‬‬
‫ه ذافماح عام‪ ،‬األخالق والسٌاسة‪( ،‬ذاقاارة‪ :‬هذر ذالمب ذاعصرية‪،‬ه‪ .‬ط‪.)2001 ،‬‬ ‫عام‬ ‫‪.5‬‬
‫‪ .6‬ذاسيه تاه اه‪ ،‬أعالم الفكر العربً مدخل إلى خارطة الفكر العربً الراهنة ‪ ( ،‬يرتت‪:‬ذاش لة‬
‫ذالر ية األ حاث تذانشر‪،‬ط‪.)2010،1‬‬
‫‪ .7‬وام متشار‪ ،‬تارٌخ األفكار السٌاسٌة من الٌونان إلى العصر الوسٌط‪ ،‬مر؛ ناوف ذاهرذتشة‬
‫‪ (،‬هعشق‪ :‬هذر ذاملتيم‪،‬ط‪.)2013،1‬‬

‫‪59‬‬
‫قائًة انًصادر ٔانًراجع‬
‫‪ .8‬حر ف طيمت‪ ،‬اتجاهات التفكٌر الفلسفً عند الٌونان (العصر الهلٌنً) ‪( ،‬ذإلسلنهرية‪ ،‬هذر‬
‫ذاعلر ة ذاواعلية‪ ،‬ط‪.)2013 ،1‬‬
‫‪ .9‬حعاهد ذال يهد‪ ،‬ابن رشد وعلوم الشرٌعة‪ ( ،‬يرتت‪ :‬هذر ذافلر ذالر ف‪،‬ط‪.)1991 ،1‬‬
‫‪ .10‬خهيوة عميغف‪ ،‬السٌاسة‪ ،‬المعرفة‪ ،‬المرأة ‪(،‬ذار اط‪ :‬هذر ذألعام‪ ،‬ط‪.)2011 ،1‬‬
‫ه ذاقاهر ت ر ة‪ ،‬المدٌنة والسٌاسة (دراسة فً الضروري فً السٌاسة) البن رشد ‪،‬‬ ‫‪.11‬‬
‫(عصر‪ ،‬ذاقاارة‪ :‬عرلع ذالماب اغنشر‪ ،‬ط‪.)2006 ،1‬‬
‫‪ .12‬ه ذاعنلم شيحة‪ ،‬فلسفة الدٌن عند ابن رشد‪ :‬إشكالٌة الحرٌة أنموذجا ‪ (،‬ذار اط‪ ،‬عؤسسة‬
‫عؤعنتم ال حهته اغهرذسات تذأل حاث‪)2015 ،‬‬
‫‪ .13‬ذافارذ ف‪ ،‬آراء أهل المدٌنة الفاضلة ‪ ،‬مر؛ ا رت نصرد ناهر‪ ( ،‬يرتت‪:‬هذر ذاعشرق‪،‬‬
‫ط‪.)2000،2‬‬
‫دمحم سغطح‪ ،‬الفكر السٌاسً الغربً النشأة والتطور ‪ ( ،‬ذإلسلنهرية‪ :‬هذر ذات اء‬ ‫‪ .14‬ام‬
‫اهنيا‪ ،‬ط‪.)2007 ،1‬‬
‫دمحم سعا يم‪ ،‬فلسفة القوة أصولها وتطورها فً الفكر السٌاسً الغربً وآثارها‬ ‫‪ .15‬ام‬
‫فً عالم السٌاسة‪ ( ،‬ذإلسلنهرية‪ :‬علم ة سمام ذاعلر ة‪،‬ط ‪.)2002 ،1‬‬
‫‪ .16‬لاعم حعته‪ ،‬دراسات فً تارٌخ الفلسفة العربٌة‪ (،‬يرتت‪:‬هذر ذافلر ذاغ نانف‪،‬ط‪.) 1990، 1‬‬
‫حعه‪ ،‬مدخل إلى الفلسفة السٌاسة‪ ( ،‬هعشق‪ ،‬هذر ذافلر‪ ،‬ط‪.)2010،1‬‬ ‫‪ .17‬دمحم تقيض ام‬
‫ه ذافماح عام‪ ،‬األخالق والسٌاسة "دراسة فً فلسفة الحكم "‪ ( ،‬ذاقاارة‪ :‬ذاعوغس‬ ‫‪ .18‬دمحم‬
‫ذأل غل اغثقا ة هذر ذالمب ذاعصرية‪.)2001 ،‬‬
‫‪ (،‬يرتت‪ :‬هذر‬ ‫من الفلسفة الٌونانٌة إلى الفلسفة اإلسالمٌة‬ ‫ه ذارحعام عرح ا‪،‬‬ ‫‪ .19‬دمحم‬
‫عنشترذت تيهذت‪ ،‬ط‪.)1981 ،2‬‬
‫‪ .20‬دمحم ا ه ذاوا رد‪ ،‬ابن رشد سٌره وفكره ‪ ( ،‬يرتت‪:‬عرلع هرذسات ذاتحهة ذالر ية‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫‪.)1998‬‬
‫‪ ،‬ذاعوغه ‪ (،2‬متنس‪:‬ذاعوعض‬ ‫ابن رشد فٌلسوف الشرق والغرب‬ ‫‪ .21‬عقهذه ر ة عنسية‪،‬‬
‫ذاثقا ف( ت ظ ف)‪،‬ط‪.)1999،1‬‬

‫‪60‬‬
‫قائًة انًصادر ٔانًراجع‬
‫‪ .22‬ايتشمرذتش توتعيف لر تسف‪ ،‬تارٌخ الفلسفة السٌاسٌة من ثٌوكٌدٌدٌدس إلى سبٌنوزا ‪،‬‬
‫ه ذافماح عام‪ ،‬ج ‪ ( ،1‬ذاقاارة‪ :‬ذاعوغس ذأل غل‬ ‫مر؛ عحعته سيه حعه‪ ،‬عرذولة تمقهيم‪ ،‬عام‬
‫اغثقا ة‪( ،‬ه‪ .‬ط) ‪.)2005‬‬
‫‪ .23‬اخصر عه تخ‪ ،‬دراسات فً الفلسفة اإلسالمٌة‪ (،‬ذالاصعة‪:‬هذر ذألاعلية‪،‬ط‪.)2011 ،1‬‬
‫‪ .24‬يتسف لرم‪ ،‬تارٌخ الفلسفة الحدٌثة‪ ( ،‬ذاقاارة‪ :‬هذر ذاعلارف‪ ،‬ط‪.)1119 ،5‬‬

‫ثالثا‪ :‬الموسوعات والمعاجم‬

‫رذايم عهلتر‪ ،‬المعجم الفلسفً ‪( ،‬ذاقاارة‪ :‬ذاهيئة ذالاعة اشؤتم ذاعطا ض ذألعيرية‪ ،‬ه‪.‬ط‪،‬‬ ‫‪.1‬‬
‫‪.) 1983‬‬
‫‪ .2‬وعيم صغي ا‪ ،‬المعجم الفلسفً‪ ،‬ج‪ ( ،1‬يرتت‪ :‬هذر ذالماب ذاغ نانف‪،‬ه‪.‬ط‪.)1982 ،‬‬
‫‪ .3‬وترج طرذ يشف‪ ،‬المعجم الفالسفة‪ ( ،‬يرتت‪ :‬هذر ذاطغيلة‪ ،‬ط‪)1987 ،1‬‬
‫‪ .4‬عصطفل حسي ة‪ ،‬المعجم الفلسفً‪ ( ،‬عام‪:‬هذر ساعة‪ ،‬ط‪.)2009 ،1‬‬
‫الموسوعة الفلسفٌة المختصرة ‪( ،‬ا نام‪ ،‬يرتت‪:‬هذر ذاقغم‪ ،‬ه‪.‬ط‪،‬‬ ‫‪ .5‬علف نويب عحعته‪،‬‬
‫ه‪.‬ت)‪.‬‬
‫‪ .6‬يتسف رحات‪ ،‬موسوعة الفلسفة اإلسالمٌة وأعالمها ‪( ،‬ونيف‪:‬مرذهلسيم‪(،‬ه‪،‬ط)‪،‬ه‪.‬ت)‬

‫رابعا‪ :‬المجالت‬

‫‪ .1‬ريه ذالغي ف‪ ،‬رؤٌة ابن رشد السٌاسٌة ‪ ،‬وريه ة ذاثترة‪ ،‬يرتت‪ ،‬ذالهه ‪ ،17099‬ماريخ‬
‫‪.2011/9/5‬‬

‫‪61‬‬
‫الفهرس‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬

‫اإلهداء‬
‫شكر وعرران‬
‫أ‪-‬ب‪-‬ج‬ ‫مقدمــــــة‬

‫الفصل األول‪ :‬أصول اليياية عند ابن رشد‬


‫‪6‬‬ ‫تمهيد‬
‫‪14-7‬‬ ‫ركرة المدينة الفاضمة عند أرالطون‬ ‫المبحث األول ‪:‬‬
‫‪18-15‬‬ ‫ركرة المدينة الفاضمة عند أريطو‬ ‫المبحث الثاني‪:‬‬
‫‪24-19‬‬ ‫ركرة المدينة الفاضمة عند الفارابي‬ ‫المبحث الثالث‪:‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬المشروع الييايي عند ابن رشد‬


‫‪26‬‬ ‫تمهيد‬
‫‪39-27‬‬ ‫مفهوم المدينة الفاضمة عند ابن رشد‬ ‫المبحث األول‪:‬‬
‫‪42-40‬‬ ‫المرأة واليياية‬ ‫المبحث الثاني‪:‬‬
‫‪52-43‬‬ ‫مراحل التربية عند ابن رشد‬ ‫المبحث الثالث‪:‬‬
‫‪54-53‬‬ ‫التقييم والنقد‬ ‫المبحث الرابع‪:‬‬
‫‪56-55‬‬ ‫خاتمة‬
‫‪61-58‬‬ ‫قارمة المصادر والمراجع‬
‫‪62‬‬ ‫الفهرس‬

‫‪62‬‬
‫ملخص الدراسة‬

‫ حيث يلم ر عتاتع‬،‫مناتانا عم خالم اهه ذاهرذسة علااوة ذافلر ذاسياسف نه ذ م رشه‬
‫ ت ههذ مطرقنا ال‬.‫ذاسياسة عم ام ذاعتذايض ذامف ذسمقط ت ذامعام ذ م رشه ف ذألنهاس‬
،‫ تعهى مأثره اافالسفة ذايتنانييم تذاعسغعيم‬،‫علر ة ذألصتم ذألتال اغسياسة نه ذ م رشه‬
‫ ت ههذ ذسمخغصنا عفهتم ذاعهينة ذافااغة‬،‫تامحغيم ام لاره ذاسياسية ف عشرت ه ذاسياسف‬
‫ ت ام‬،‫ عثم قاية ذاعر ة ف ذاحلم‬،‫ تذامطرق ال ذاقاايا ذامف ااوها‬،‫ت ام قتذ ه نائها‬
‫ غل نها ال يعلم م‬.‫ ت له ذامحغيم قعنا نقه لاره ذاسياسية‬،‫عرذحم ذامر ية املتيم ذاحالم‬
‫ تنخمم ف ذألخير ال وعغة عم ذانمائج ذامف محصغنا غيها عم خالم‬،‫مموسه غل رض ذاتذقض‬
.‫عتاتع ذاهرذسة‬

.‫ذاعهينة ذافااغة‬،‫ ذاحالم تذاعحلتم‬،‫ ذ م رشه‬،‫ ذاسياسة‬:‫الكلمات المفتاحٌة‬

Abstract
In this study we dealt with the treatment of political thought at Ibn Rushd،
where the subject of politics is one of the most important topics that attracted the
interest of Ibn Rushed in Andalusia. In this context we discussed the first
principles of politics at Ibn Rushd، the extent to which he influenced Greek and
Muslim philosophers، analyzed his most important political ideas in his political
project، and concluded the concept of the city and the most important rules of its
construction، and to address the issues he addressed، such as the issue of women
in governance، and the most important stages of education to form the governor.
After the analysis we criticized his political ideas. As it cannot be embodied on
the reality، and conclude in the end to a number of results obtained through the
subject of the study.

Keywords: Politics، Ibn Rushd، Governor and governed، The Virtuous City.

You might also like