You are on page 1of 6

‫مقياس الفرد والثقافة ( محاضرة ) أ‪ .

‬شموف فريدة‬
‫سنة أولى (جدع مشترك)‬

‫المحاضرة الخامسة (الثقافة والدين )‬

‫‪ -‬العالقة بين الثقافة والدين‪:‬‬

‫أوال يجب اإلجابة عن ىذا السؤال الميم‪ ،‬ما ىو مفيومنا لمدين ؟ اإلجابة أنو ال يوجد تعريف جامع مانع‬

‫في الفكر الغربي لكثرتيا من جية‪ ،‬ومن جية أخرى لقائمة الدينات التي تمارس في حياة الشعوب‬

‫والمجتمعات‪ ،‬بحيث قد يصمح التعريف عمى دين معين وال يصمح عمى دين أخر‪.‬‬

‫أما نحن المسممين فنراه نظام شامل لمحياة يذعن فيو المرء لسمطة عميا‪ ،‬ثم يقبل طاعتيا واتباعيا وتقيده‬

‫في حياتو بحدودىا وقواعدىا وقوانينيا ويرجو في طاعتيا العزة والترقي في الدرجات وحسن الجزاء ويخشى‬

‫في عصيانيا الذلة والخزي وسوء العاقبة‪.‬‬

‫وألن وجود الدين كعنصر ال يخموا منو مجتمع وال ثقافة‪ ،‬وىو ما يدل عمى الدور الجوىري الذي يقوم بو‬

‫الدين في حياة المجتمع وبناء الثقافة‪.‬‬

‫الدين ىو جواب إليي عن سؤال ثقافي بشري‪ .‬سؤال لم يكن في وسع المعرفة البشرية الجواب عنو؛ وال‬

‫تزال المعرفة البشرية عاجزة‪ ،‬وستبقى كذلك‪ .‬فما ىو ىذا السؤال؟ ولماذا سميناه سؤاالً ثقافياً؟ ثم لماذا كان‬

‫سؤاالً ِ‬
‫معج اًز ال يستطيع الكائن اإلنساني أن ِّ‬
‫يقدم اإلجابة الحاسمة عنو؟‬

‫إنو سؤال الوجود‪ :‬ما ىو ىذا الوجود؟ ما مصدره؟ ىل ليذا الوجود بداية؟ وىل لو نياية؟ وأين يكمن‬

‫المعنى األسمى ليذا الوجود؟ وما ىو موقع الكائن اإلنساني فيو؟ وما ىو مصيره؟‬
‫كل اإلجابات البشرية عن الطبيعة والمادة وعن جميع مظاىر الوجود‪ ،‬مما دخل في نطاق العموم اإلنسانية‬

‫والعموم التطبيقية‪ ،‬لم تُ ِج ْ‬


‫ب‪ ،‬ولم تقترب من الجواب‪ ،‬عن سؤال الوجود‪ ،‬وسيبقى ىذا السؤال لغ اًز في معزل‬

‫عن معطيات الدين‪.‬‬

‫ولكن ىذا السؤال يبقى‪ ،‬في طبيعتو‪ ،‬سؤاالً ثقافياً‪ ،‬بل سؤال ثقافي في المقام األول‪ ،‬ألنو سؤال الحيرة‬

‫والبحث عن المعرفة‪ .‬ثم إن الدليل عمى اعتباره سؤاالً ثقافياً يظير بوضوح في انيماك اآلداب والفنون‬

‫والفمسفات‪ ،‬منذ فجر التاريخ‪ ،‬في ِّ‬


‫تحديات ىذا السؤال وتداعياتو‪ ،‬حتى يمكن القول إن ما من إبداع في‬

‫مستوى الفمسفة واألدب والفن يمكن اعتباره إبداعاً نوعياً ما لم يتضمن تمك الحيرة التي يتفتح عنيا سؤال‬

‫الوجود الخالد‪.‬‬

‫أما كونو سؤاالً ِ‬


‫معج اًز ال تقع اإلجابة عنو في دائرة الطاقة البشرية فذلك ألن كل إجابة لمعقل البشري في‬

‫ىذا المضمار تعيد إنتاج السؤال من جديد وتؤكده‪ ،‬ليبقى الدين ىو الوحيد الذي يمكنو اإلجابة عن الوجود‬

‫والبداية والمصير‪ ،‬ألن المصدر الذي تصدر منو اإلجابة – ه و اهلل ‪ -‬واإلنسان تمقَّى اإلجابة عن ىذا‬

‫السؤال من طريق الوحي من اهلل بواسطة األنبياء‪.‬‬

‫تعرف إلى وجود اهلل من طريق العقل‪ ،‬وأن العقل البشري محكوم بفكرة‬
‫ويرى عمماء الكالم أن اإلنسان َّ‬

‫وجود المبدأ األول‪ .‬وكثير من الفالسفة يرون ذلك‪ ،‬ويرون أن العقل يستقل بمعرفة وجود اهلل بدون أية‬

‫إضافة معرفية من خارج العقل‪ .‬وما عدا ذلك من معارف غيبية‪ ،‬كالبعث والثواب والعقاب‪ ،‬مصدره‬

‫الوحي‪.‬‬

‫وىكذا بات الوحي مصد اًر لممعرفة عند البشر‪ .‬وىي معرفة مختمفة بطبيعتيا عن المعارف التي تأتي ثمرة‬

‫مباشرة لحركة العقل‪ .‬والعالقة بينيما (أي بين معطيات المعارف العقمية ومعطيات المعرفة من طريق‬
‫الوحي) ليست عالقة تناقُض وتضاد‪ .‬فالعقل البشري – في أي حال من األحوال – إن لم يستطع أن ُيثبِت‬

‫معطيات الوحي فإنو ال يستطيع أن ينفييا‪ .‬والعقالنيون – في أقصى درجات تعصُّبيم لمعطيات العقل –‬

‫ال يستطيعون االدعاء أن الغيب ىو ميدان من ميادين عمل العقل البشري‪.‬‬

‫ثم إن الدين بوصفو جواباً إليياً عمى سؤال بشري يغدو فصمُو عن مفيوم الثقافة وقوعاً في مفارقة منطقية‪.‬‬

‫فما دام الدين وليد سؤال ثقافي‪ ،‬كيف يمكنو أن يعيش ويحيا خارج حاضنة الثقافة؟‬

‫فسواء في حالة النظر إلى الدين بوصفو منزالً من الذات اإلليية‪ ،‬أو في حالة اعتبار الدين ظاىرة تاريخية‬

‫أممتْيا حيرةُ اإلنسان أمام الوجود أو خوفُو من المجيول (وفقاً لغير المؤمنين بالرساالت السماوية)‬
‫بشرية ْ‬

‫عدىا الثقافي‪.‬‬
‫سمب الخبرة الدينية ُب َ‬
‫َ‬ ‫فإننا ال نستطيع في الحالتين‬

‫إذن فإن البعد الثقافي في الخبرة الدينية ىو ظاىرة موضوعية‪ ،‬ليست مفتعمة من أجل أغراض دينية أو‬

‫أغراض إلحادية‪ .‬لذلك نرى أن توسيع دائرة التعامل بينيما (الدين والثقافة) مسألة ُيممييا ىذا الواقع‬

‫الموضوعي‪ ،‬وصوالً إلى التماس الحدود واألبعاد المشتركة بينيما‪ ،‬وكذلك الحدود واألبعاد التي تخص َّ‬
‫كل‬

‫واحد منيما‪.‬‬

‫‪ -‬الثقافة والدين في المنظور اإلسالمي‪:‬‬

‫الشك أن اإلسالم لو حكمتو في العالقة بين الثقافة والدين‪ ،‬والحديث عن ىذه العالقة ال يكتمل أو يكون‬

‫ناقصاً إذا لم تدرس في إطار اإلسالم ومعارفو وخبراتو‪ ،‬وتجربتو في الحضارة‪ .‬فاإلسالم صنع ثقافة جديدة‬

‫زودت الحضارات البشرية والعقل اإلنساني بالمعارف‬ ‫ُعدت من الثقافات اإلنسانية العالمية الكبرى التي‬

‫والعموم والقيم واألخالق‪ ،‬واعترف ليا العالم بيذا العطاء العممي والقيمي والحضاري‪ ،‬وكان ليذه الثقافة‬

‫حكمتيا وفمسفتيا وعبقريتيا وجمالياتيا ‪ ،‬وفي اإلسالم الدين ىو الذي صنع الثقافة‪ ،‬واتحدت العالقة بين‬
‫الثقافة والدين مع أول آية نزلت من القرآن الكريم‪ ،‬وىي آية ( إق أر) وىذه المالحظة ثرية من حيث مجاليا‬

‫( إق أر) ىو دين قادر عمى أن يصنع‬ ‫الداللي‪ ،‬وتحتاج إلى تأمالت غير متناىية‪ ،‬فالدين الذي يبدأ بآية‬

‫ويكون أمة‪ ،‬ويبني حضارة‪ .‬ومن دالالت ىذه اآلية أيضاً أن الدين ليس بديالً عن الثقافة‪ ،‬والدعوة‬
‫ثقافة‪ّ ،‬‬

‫إلى القراءة ىي دعوة موجية إلى اإلنسان في أن ينيض بجيده البشري نحو اكتساب العموم والمعارف‬

‫والخبرات‪ ،‬وكل ما يتصل بعالقتو بالكون‪ ،‬فاآلية حددت مجال القراءة عمى مستوى الكون بكل ما فيو من‬

‫ْقر ِبباسِبم رِّبب َرك الَّلِب‬


‫َرخمَر َر )‪ ،‬مع تأكيد االىتمام في النظر إلى اإلنسان‬ ‫موجودات مخموقة‪ .‬قال تعالى‪ ( :‬اق َرأْق ْق َر‬

‫ان ِبم ْقن َر مَر ٍق ) وال ينبغي أن‬


‫نس َر‬ ‫( َرخمَر َر ِب‬
‫اإل َر‬ ‫وما يتصل بو من عموم ومعارف‪ ،‬وىذا نوع من التخصيص‬

‫ان َرما لَر ْقم َري ْقعمَر ْقم * َركالَّل إِب َّلن‬
‫نس َر‬ ‫َر مَّلم ِببا ْقل َرقمَرِبم * َر مَّلم ِب‬ ‫َركرم * الَّلِب‬ ‫تنفصل الثقافة عن الدين ( اق َرأْق‬
‫اإل َر‬ ‫َر‬ ‫َر‬ ‫ُّك األ ْق َر ُ‬
‫ْقر َرو َررب َر‬

‫اسِبم َررِّبب َرك‬


‫ْقر ِبب ْق‬
‫( اق َرأْق‬ ‫اإلنسان ليطغى ) وبعد مرحمة الخمق التي عبرت عنيا اآليات األول في قولو تعالى‪:‬‬

‫َر مَّل َرم ِببا ْقل َرقمَرِبم * ع لم‬ ‫َركرم * الَّلِب‬ ‫ان ِبم ْقن َر مَر ٍق ) ‪ ،‬تبدأ مرحمة العمم ( اق َرأْق‬ ‫َرخمَر َر * َرخمَر َر ِب‬ ‫الَّلِب‬
‫ُّك األ ْق َر ُ‬
‫ْقر َرو َررب َر‬ ‫نس َر‬
‫اإل َر‬

‫اإلنسان ما لم يعمم ) ولعل في ىذه المالحظة ما يوافق أولى المفاىيم المرتبطة بفكرة الثقافة‪ ،‬والتي تربط‬

‫الثقافة بالطبيعة اإلنسانية‪ .‬بمعنى أن الحكمة األولى لمثقافة‪ ،‬ىي أن تتعيد الطبيعة اإلنسانية بالتيذيب‬

‫والتكوين والتخميق إلظيار إنسانية اإلنسان‪.‬‬

‫فالثقافة في المنظور اإلسالمي ىي ثقافة تؤمن بالغيب‪ ،‬وترتبط بو بصورة دائمة ومستمرة‪ ،‬وال تنقطع عنو‬

‫أو تتصادم معو‪ .‬واإليمان بالغيب ىو اإليمان بوجود خالق ليذا الكون ومدبر لو‪ ،‬واالعتقاد بالكتاب والنبوة‬

‫والمعاد‪ .‬وىذا اإليمان يفيض عمى الثقافة سمواً وعمواً ونبالً‪ ،‬وفيضاً من القيم والفضائل والمكارم‪ ،‬ويعمق‬

‫فييا اإلحساس بالمسؤولية والتكميف والواجب‪ ،‬ويرسخ فييا الشعور باإلرادة والعزيمة والصبر‪ ،‬ويجعل منيا‬

‫ثقافة تتمسك بالحق وتجاىر بو‪ ،‬وتدافع عن العدل وال تتخمى عنو‪ .‬فيي ثقافة لعالم الشيادة وعالم الغيب‪،‬‬

‫لعالم الدنيا وعالم اآلخرة‪ ،‬لعالم المادة وعالم النفس‪ ،‬لعالم الروح وعالم العقل‪ ،‬لعالم اإلنسان وعالم اهلل‬

‫سبحانو وتعالى‪.‬‬
‫وقد جعل اهلل سبحانو وتعالى اإليمان بالغيب في أولى اآليات التي افتتح بيا سورة البقرة‪ ،‬في قولو تعالى‪:‬‬

‫يو ى ًدى لِّْممتَِّقين * الَِّذين يؤ ِمُن ِ ِ ِ‬


‫( الم * َذلِ َك اْل ِكتَاب الَ رْي ِ ِ‬
‫ون الصَّالةَ َو ِم َّما َرَزْق َن ُ‬
‫اى ْم‬ ‫يم َ‬
‫ون باْل َغ ْيب َوُيق ُ‬
‫َ ُْ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫بف ُ‬ ‫ُ َ َ‬

‫ون * أ ُْولَئِ َك َعمَى ُى ًدى ِّمن‬ ‫ِ‬ ‫ُنز َل إِلَ ْي َك وما أ ِ ِ ِ‬


‫ُنز َل من قَْبم َك َوبِاآلخ َرِة ُى ْم ُيوِقُن َ‬ ‫ََ‬ ‫ين ُي ْؤ ِمُن َ‬
‫ون بِ َما أ ِ‬ ‫َِّ‬
‫ون * والذ َ‬
‫ِ‬
‫ُينفقُ َ‬

‫َّرِّب ِي ْم َوأ ُْولَئِ َك ُى ُم اْل ُم ْفمِ ُحون ) فيذا ىو طريق اإلنسان نحو اليدى والفالح‪ ،‬اليدى ىو الطريق‪ ،‬والفالح ىو‬

‫نياية الطريق‪.‬‬

‫وجماع القول‪ :‬أن الدين يربط الثقافة بمرجعية الوحي من جية‪ ،‬ويجعميا مرتبطة بعقيدة من جية أخرى‪.‬‬

‫فالوحي ىو الذي يزود الثقافة بالحقائق والمعارف الموثوقة واليقينية المتصمة بعالم الغيب‪ ،‬والتي ال‬

‫يستطيع العقل الوصول إلييا بموثوقية ويقين‪ ،‬وال يمتمك اإلنسان وسيمة أخرى غير وسيمة الوحي لمتعرف‬

‫عمييا‪ .‬والوحي ىو مصدر العقيدة‪ ،‬والعقيدة تجعل الثقافة ترتبط بأصول ثابتة‪ ،‬وبشعائر وأعمال عبادية‬

‫تزكي النفس‪ ،‬وتيذب الثقافة وتسمو بحكمتيا وفمسفتيا‪ ،‬وتحافظ عمى فاعميتيا وتماسكيا‪ ،‬وترسم ليا طريق‬

‫اليدى والفالح‪ .‬وتجمت ىذه النزعة العالمية في الثقافة اإلسالمية حين ساىم في صنعيا وتقدميا مسممون‬

‫من قوميات مختمفة‪ ،‬منيم العربي والفارسي والتركي واليندي واإلفريقي‪ .‬وقد أظير ىؤالء جميعاً ارتباطيم‬

‫الوثيق بيذه الثقافة واعتزازىم بيا‪ ،‬والثقافة من طبيعتيا يفترض أن تكون ليا ىذه النزعة العالمية‪ ،‬ولكن‬

‫ىذه النزعة تنتكس في الثقافات بسبب عوامل أخرى متشابكة معيا‪ ،‬وىي عوامل تارة تكون سياسية‪ ،‬أو‬

‫ِّ ِ‬ ‫اقتصادية أو دينية‪ .‬وعالمية الثقافة في اإلسالم ىي من عالمية الدين (وما أَرسْمن َ َّ‬
‫اك إِال َر ْح َمةً لْم َعالَم َ‬
‫ين)‪.‬‬ ‫ََ ْ َ َ‬
‫العودة إلي المراجع التالية‪:‬‬

‫‪ -‬السيد محمد حسن األمين‪ ،‬حاجة الفكر الديني ماسَّة إلى الحرية وحاجة ثقافاتنا ماسة إلى شفافية الدين‪ ،‬نقال عن‬
‫الموقع‪http://maaber.50megs.com/eighth_issue/relation_between_religion_and_culture.htm :‬‬

‫‪ -‬زكي الميالد‪ ،‬إليوت ونظرية الثقافة والدين ‪ ،‬مجمة كممة العدد ‪ 43‬سنة نقال‬
‫‪2004http://kalema.net/home/article/view/493‬‬

‫الهدف من ه ه المحاضرة‪:‬‬

‫‪ -‬الوصول بالطالب إلى فيم عالقة الثقافة بالدين وخصوصا في المنظور اإلسالمي‪.‬‬

You might also like