You are on page 1of 6

‫النماذج التطبيقية لفقه النوازل‬

‫خطوات دراسة المسألة النازلة‪:‬‬


‫في دراسة النماذج المقررة في النوازل‪ ،‬ندرس المسألة من حيث انطباق خطوات البحث فيها‪ ،‬وبيان‬
‫ما يدل على كل خطوة من الفتوى المدونة‪.‬‬
‫وأهم الخطوات المراعاة في دراسة النازلة ما يأتي‪:‬‬
‫تصور الفقيه للنازلة‪:‬‬
‫‪1‬ـ ّ‬
‫ـ يتصور الفقيه النوازلي المسألة تصو ار كافيا ببعض الوسائل اآلتية‪:‬‬
‫أ ـ تصوير السائل للنازلة‪.‬‬
‫ب ـ تبين الفقيه مالبسات النازلة بنفسه‪.‬‬
‫ج ـ استفصال السائل‪.‬‬
‫د ـ سؤال ذوي الخبرة بها‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ توصيف النازلة (أو تكييفها)‪:‬‬
‫ـ يحدد الفقيه النوازلي وصفا للنازلة من األوصاف الفقهية المناسبة لها‪.‬‬
‫أ ـ يلحق صورتها بما يماثلها أو يشابهها من مسائل الفقه المعروفة‪ ،‬كأن يصف معاملة مالية جديدة‬
‫بأنها بيع مثال‪ ،‬أو إجارة‪ ،‬أو رهن‪ ،‬وهكذا‪ ..‬فإذا وجد الفقيه وصفا مناسبا لها في الفقه ألحقها به‪ ،‬وهذا هو‬
‫التخريج الفقهي (تخريج الفروع على الفروع)‪.‬‬
‫ب ـ وإن لم يجد لها وصفا في الفقه اجتهد في إيجاد وصف لها اعتمادا على أدلة الشرع وكلياته‬
‫وقواعده‪ ،‬وهذا هو المعبر عنه بالتكييف الفقهي‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ التدليل‪:‬‬
‫ـ يستحضر الفقه النوازلي األدلة والشواهد‪ ،‬ويستدعي النقول الفقهية من األصول والقواعد وأقوال‬
‫األئمة‪.‬‬
‫ويتطلب ذلك خطوتين‪:‬‬
‫أ ـ استحضار أدلة الفقه وقواعد االستنباط‪.‬‬
‫ب ـ النظر المقاصدي وأدواته‪ :‬كقواعد الذرائع‪ ،‬والمصلحة المرسلة‪ ،‬واالستحسان‪.‬‬
‫والنقول التي يحتاجها الفقيه في بحث النازلة الفقهية أنواع‪ ،‬وهي األدلة الشرعية بأنواعها‪ ،‬والقواعد‬
‫الفقهية‪ ،‬والمقاصد‪ ،‬وأقوال الفقهاء‪ ،‬والق اررات المجمعية‪ ،‬والفتاوي العصرية‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ التنزيل‪:‬‬
‫ـ يقوم الباحث بتنزيل الحكم الكلي أو الوصف الفقهي على الواقعة الجزئية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫بمعنى إيقاع الحكم على النازلة‪ ،‬وسبيله تحقيق المناط على الوقائع المتجددة‪ ،‬فإن الحكم المعلق‬
‫بوصف يحتاج في الحكم على المعين أن يعلم ثبوت ذلك الوصف فيه‪.‬‬
‫مالحظة‪ :‬هذه الخطوات بفروعها يمكن أن تتوافر جميعا في فتوى نازلة‪ ،‬وقد ال يظهر‬
‫بعضها‪ ،‬وقد يبدو بعضها باإلشارة ال بالعبارة‪ ،‬وقد يقع فيها التقديم والتأخير‪.‬‬

‫المسألة الثالثة‬
‫حكم من وقف بعرفة يوم النحر غلطا‬
‫لنص‪.‬‬
‫أوال‪ :‬ا ّ‬
‫"سئل اللخمي (ت‪478‬ه) عمن وقف يوم النحر بعرفة في الفريضة غلطا أو أغمي‬
‫الهالل‪ ،‬هل يجزيه أم ال؟ وقيل له‪ :‬في الترمذي عن ابن عباس ‪( ‬لكل قوم رؤيتهم)‪.‬‬
‫ذكرت من الحديث أخرجه البخاري‪ ،‬ومعناه كما قلتم‪( :‬لكل قوم رؤيتهم)(‪،)1‬‬‫َ‬ ‫فأجاب‪ :‬ما‬
‫والذي آخذ به فإنه ُينظر‪ ،‬فإن كانوا لو اجتهدوا رأوه فإن عليهم القضاء‪ ،‬وإن كانوا لو اجتهدوا‬
‫لم يروه لكون ذلك خفيا فال قضاء‪ .‬وهذا على مذهب من يرى أن السماء كروية‪ .‬وما سألت‬
‫عنه هل هذه المواضع خط واحد فما لي به علم‪ ،‬يعلم ذلك من الكتب الموضوعة لذلك‬
‫كإقليدس وغيره‪ .‬غير أني رأيت لبعض من وضع الكالم على األقاليم‪ ،‬ذكر أن هذه المدن‬
‫كلها يجمعها إقليم واحد‪ ،‬هو اإلقليم الرابع‪ .‬والصوم والحج في الحكم واحد‪ ،‬ينظر في األقاليم‬
‫والقرب والبعد‪ .‬وما وقع البن القاسم ال أعلم له وجها إال بما وقع في هذا الحديث وأنهم ال‬
‫يخاطبون إال بما رأوه‪ ،‬ومغيب الشمس مثل ذلك‪ ،‬تقرب عند قوم دون غيرهم‪ ،‬فيذهب إلى أن‬
‫األرض كوكبة(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬الحديث في سنن الترمذي‪ ،‬أبواب الصوم‪ ،‬باب ما جاء لكل أهل بلد رؤيتهم‪ ،‬رقم‪67/3( ،)693( :‬ـ‪ ،)68‬وفي صحيح‬
‫مسلم‪ ،‬عن كريب مولى ابن عباس‪ ،‬أن أم الفضل بنت الحارث‪ ،‬بعثته إلى معاوية بالشام‪ ،‬قال‪ :‬فقدمت الشام‪ ،‬فقضيت‬
‫حاجتها‪ ،‬واستهل علي رمضان وأنا بالشام‪ ،‬فرأيت الهالل ليلة الجمعة‪ ،‬ثم قدمت المدينة في آخر الشهر‪ ،‬فسألني عبد هللا بن‬
‫عباس رضي هللا عنهما‪ ،‬ثم ذكر الهالل فقال‪ :‬متى رأيتم الهالل؟ فقلت‪ :‬رأيناه ليلة الجمعة‪ ،‬فقال‪ :‬أنت رأيته؟ فقلت‪ :‬نعم‪،‬‬
‫ورآه الناس‪ ،‬وصاموا وصام معاوية‪ ،‬فقال‪( :‬لكنا رأيناه ليلة السبت‪ ،‬فال نزال نصوم حتى نكمل ثالثين‪ ،‬أو نراه‪ ،‬فقلت‪ :‬أو ال‬
‫تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال‪ :‬ال‪ ،‬هكذا أمرنا رسول هللا ‪ .)‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الصيام‪ ،‬باب بيان أن لكل بلد‬
‫رؤيتهم وأنهم إذا أروا الهالل ببلد ال يثبت حكمه لما بعد عنهم‪ ،‬رقم (‪.)765/2( ،)1087‬‬
‫( ‪)2‬‬
‫‪2‬‬
‫وأما الوقوف بعرفة يوم النحر‪ ،‬فروي عن مالك مثل قول ابن القاسم(‪ ،)3‬وأحد قولي‬
‫سحنون بعدم اإلجزاء‪ ،‬وهو الصحيح‪ .‬إذ ال يقضى الوقوف يوم النحر كما ال يقضى في‬
‫محرم وال صفر‪.‬‬
‫وأما إذا أشكل أول ذي الحجة‪ ،‬فالذي يدل عليه الحديث والمذهب‪ ،‬أن ال يوقف إال يوم‬
‫واحد خاصة‪ ،‬يطرح يوم الشك ويعتد بما سواه‪ ،‬إال أن يكون غيم‪ ،‬فيحتاط عند ابن عمر وابن‬
‫حنبل‪ ،‬وروي عن عائشة وأختها إجازة الصوم ولو في الصحو‪ ،‬وهو ضعيف‪ ،‬ومع الغيم له‬
‫وجه"(‪.)4‬‬
‫وقال محمد بن رشد في البيان والتحصيل‪" :‬ذكر ابن أبي زيد هذه المسألة في النوادر‪،‬‬
‫ووصل بها قال‪ :‬واختلف فيها قول سحنون فيما أخبرنا أبو بكر بن محمد بن حمديس عنه‪،‬‬
‫ولم يبين حيث اختلف قوله‪ .‬فمن الناس من حمل اختالف قوله على الذين أخروا الوقوف‬
‫فوقفوا يوم النحر‪ ،‬ومنهم من حمله على الذين عجلوا فوقفوا يوم التروية‪ ،‬واألمر في ذلك‬
‫محتمل؛ ألن الخالف في الوجهين جميعا موجود‪.‬‬
‫قيل‪ :‬إن الحج ال يجزيهم قدموا الوقوف أو أخروه قياسا على المنفرد إذا أخطأ وقوف‬
‫الناس فوقف قبلهم أو بعدهم‪ ،‬وهو قول ابن القاسم فيما حكى عنه اللخمي من أن الحج ال‬
‫يجزيهم إذا أخطئوا فوقفوا بعد يوم عرفة؛ ألنه إذا كان الحج عنده ال يجزيهم إذا أخروا‬
‫الوقوف فأحرى أال يجزيهم عنده إذا قدموا الوقوف‪ ،‬وقيل‪ :‬إن الحج يجزيهم قدموا الوقوف أو‬
‫أخروه‪ ،‬وهو أحد قولي الشافعي قياسا على من اجتهد فصلى إلى غير القبلة‪ :‬إن صالته‬
‫جائزة وال إعادة عليه إذا خرج الوقت‪ .‬وحكى أنه إجماع فقاس عليه مسألة األسير تلتبس‬
‫عليه الشهور فيصوم قبل رمضان أو بعده إن صيامه يجزيه‪ ،‬وليس بإجماع لما يذكره في‬
‫ذلك من الخالف بعد إن شاء هللا‪ .‬قال أبو القاسم بن الكاتب‪ :‬وإنما ذهب الشافعي إلى إجازة‬
‫ح جهم إذا وقفوا قبل يوم عرفة ألن أبا بكر الصديق أقام للناس الحج بأمر النبي ‪َ -‬عَل ْي ِه‬

‫العتبية من سماع يحيى بن يحيى عن ابن القاسم‪" :‬إذا أخطأ أهل الموسم فكان وقوفهم بعرفة يوم النحر مضوا‬
‫(‪ )3‬جاء في ُ‬
‫على عملهم وإن تبين ذلك لهم وثبت عندهم في بقية يومهم ذلك أو بعده‪ ،‬وينحرون من الغد‪ ،‬ويتأخر عمل الحج كله في‬
‫الباقي عليهم يوما ال ينبغي لهم أن يتركوا الوقوف من أجل أنه يوم النحر‪ ،‬وال أرى أن ينقصوا من رمي الجمار الثالثة األيام‬
‫إال بعد يوم النحر‪ ،‬ويجعلون يوم النحر للغد بعد وقوفهم‪ ،‬ويكون حالهم في شأنهم كله كحال من لم يخطئ‪ .‬قال‪ :‬وإذا‬
‫الوقوف الذي وقفوا يوم‬
‫ُ‬ ‫أخطأوا فقدموا الوقوف بعرفة يوم التروية أعادوا الوقوف من الغد من يوم عرفة نفسه‪ ،‬ولم ِ‬
‫يجزهم‬
‫التروية"‪ .‬البيان والتحصيل (‪.)54 /4‬‬
‫(‪ )4‬فتاوى اللخمي‪ ،‬ص‪61‬ـ‪ ،62‬جمع وتحقيق وتقديم حميد بن محمد لحمر‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬الدار البيضاء بالمغرب‪ ،‬ونوازل‬
‫البرزلي‪,)590/1( ،‬‬
‫‪3‬‬
‫الس َال ُم ‪ -‬في شهر ذي القعدة‪ .‬فرأى أن أهل الموسم إذا أخطئوا فقدموا الوقوف قبل يوم عرفة‬
‫َّ‬
‫يجزيهم الحج لحج أبي بكر بالناس في شهر ذي القعدة‪.‬‬
‫قال‪ :‬وإنما كانت تصح له الحجة بذلك لو كانت تلك الحجة ألبي بكر فريضة‪ ،‬ولم تكن‬
‫َّللاُ َعَل ْي ِه َو َسَّل َم ‪ -‬أمي ار على الحج وليعهد إلى‬
‫صَّلى َّ‬
‫له فريضة‪ ،‬وإنما بعثه رسول هللا ‪َ -‬‬
‫الناس بما أمره به أن يعهد به إليهم من أن ال يحج بعد العام مشرك وال يطوف بالبيت‬
‫عريان‪ ،‬ثم أتبعه علي بن أبي طالب لما نزلت سورة أول براءة ليتلى على الناس في الموسم‪.‬‬
‫والشافعي كان أعلم وأبصر بموضع الحجة من أن يحتج بهذا‪ ،‬لقوله في هذه المسألة؛ ألن‬
‫حج أبي بكر في ذي القعدة لم يكن خطأ وإنما كان شرعا ودينا بأمر النبي ‪َ -‬عَل ْي ِه َّ‬
‫الس َال ُم ‪-‬‬
‫‪ ،‬والنسيء قائم قبل أن ينسخ‪ ،‬فأجزأهم حجهم فرضا كان أو نفال‪ .‬وكيف ال يجزيهم وقد سماه‬
‫هللا في كتابه الحج األكبر‪ ،‬ولئن كانت تلك الحجة ألبي بكر وعلي بن أبي طالب وغيره ممن‬
‫الس َال ُم ‪ -‬أنه سيحج معه من العام المقبل نفال‪ ،‬فقد كانت لمن سواهم‬ ‫أعلمه النبي ‪َ -‬عَل ْي ِه َّ‬
‫من الناس الذين حجوا في ذلك العام ولم يدركوا الحج مع النبي ‪َ -‬عَل ْي ِه َّ‬
‫الس َال ُم ‪ -‬فرضا؛‬
‫ألنها إنما كانت بعد نزول فرض الحج‪ .‬هذا مما ال اختالف فيه أعلمه‪ ،‬ثم حج رسول هللا ‪-‬‬
‫َّللاُ َعَل ْي ِه َو َسَّل َم ‪ -‬في العام المقبل في ذي الحجة على ما كان الناس عليه من النسيء‬‫صَّلى َّ‬
‫َ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫َّللاُ َعَل ْيه َو َسل َم ‪« :-‬أال إن الزمان قد استدار» ‪...‬‬ ‫َّ‬
‫صلى َّ‬ ‫فنسخ هللا النسيء حينئذ‪ .‬وقال ‪َ -‬‬
‫الحديث‪ ،‬فثبت الحج في ذي الحجة إلى يوم القيامة‪ .‬والذي عليه أكثر أهل العلم أن أهل‬
‫الموسم إذا أخطأ وا فقدموا الوقوف قبل يوم عرفة لم يجزهم حجهم‪ ،‬وإن أخطأوا فوخروه‪،‬‬
‫إلى يوم النحر أجزأهم حجهم‪ ،‬وهو قول مالك والليث واألوزاعي وأبي حنيفة وأبي يوسف‬
‫ومحمد بن الحسن وعثمان الليثي وجماعة سواهم‪.‬‬
‫والفرق بين الوجهين أن الذين أخطأوا فوقفوا يوم النحر فعلوا ما تعبدهم هللا به على‬
‫لسان رسوله من إكمال شهر ذي القعدة ثالثين يوما إذا أغمي عليهم هالل ذي الحجة‪ ،‬فلما‬
‫فعلوا ما أُمروا به من ذلك كان حجهم في الوقت الذي أمرهم هللا على لسان نبيه أن يحجوا‬
‫فيه ووقوفهم في اليوم الذي تعبدهم هللا أن يقفوا فيه‪ ،‬وإن انكشف لهم ذلك بعد أن كان يوم‬
‫النحر لم يضرهم؛ إذ قد مضى فعلهم صحيحا بموجب النص دون اجتهاد‪ُ ،‬‬
‫وكتب لهم حجهم‬
‫أجرهم وسقط عنهم فرضهم‪ ،‬فليس ما ظهر لهم بعد ذلك قرب أو بعد بالذي يمحو‬
‫وسلم لهم ُ‬
‫ما كتب لهم من الحج ويبطل ما ثبت لهم من األجر‪ ،‬ويوجب ما سقط عنهم من الفرض‪،‬‬
‫وأن الذين أخطأوا فوقفوا يوم التروية أخطأوا باجتهادهم إذ قبلوا شهادة من شهد بالباطل في‬
‫رؤية الهالل‪ ،‬إما بأن شبه عليهم‪ ،‬وإما بأن تعمدوا الزور والكذب‪ ،‬فوجب أال يجزيهم الوقوف‬
‫‪4‬‬
‫الذي وقفوا إذا لم يعلموا بذلك إال بعد طلوع الفجر من يوم النحر‪ ،‬كما ال يجزيهم الوقوف إذا‬
‫علموا بخطئهم قبل ذلك‪ ،‬إذ ال اختالف في أن وقوفهم ال يجزيهم إذا علموا بذلك قبل أن‬
‫يفوتهم الوقوف بطلوع الفجر من يوم ليلة المزدلفة‪.‬‬
‫وحكى ابن أبي زيد في النوادر أيضا عن سحنون متصال بما حكاه عنه من اختالف‬
‫قوله في خطأ أهل الموسم في هالل ذي الحجة‪ ،‬في أهل الموسم ينزل بهم ما نزل بالناس‬
‫سنة العلوي وهروبه م من عرفة ولم يتموا الوقوف‪ ،‬قال‪ :‬يجزيهم وال دم عليهم‪ ،‬كأنه ذهب‬
‫بذلك إلى ترجيح أحد قوليه في المسألة المتقدمة‪ ،‬وهي مسألة أخرى ال تشبهها؛ ألنهم في هذه‬
‫المسألة في حكم من حصرهم العدو عن الوقوف بعرفة‪ ،‬فال يجزيهم الحج إال على مذهب‬
‫ابن الماجشون في أن المحصر ِ‬
‫بعدوه يجزئه حجه عن حجة اإلسالم‪ ،‬فإنما مال إلى قوله‪،‬‬
‫التوفيق"(‪.)5‬‬ ‫وهللا أعلم وبه‬

‫ثانيا‪ :‬التحليل‪.‬‬
‫تصور الفقيه للنازلة‪:‬‬
‫‪1‬ـ ّ‬
‫متصورة‪ ،‬فهي تخص حكم الحج ممن وقف يوم النحر بعرفة في حج الفريضة‪،‬‬
‫َّ‬ ‫ـ المسألة واضحة‬
‫لغلط أو ألن الهالل أغمي‪ .‬كما جاء السؤال "من وقف يوم النحر بعرفة في الفريضة غلطا أو أغمي‬
‫الهالل‪ ،‬هل يجزيه أم ال"؟‬
‫ـ ومن تصوير المسألة ذكر ما أجيب به السائل من قبل‪ ،‬كما ورد في السؤال‪" :‬وقيل له‪ :‬في‬
‫الترمذي عن ابن عباس ‪( ‬لكل قوم رؤيتهم)"‪.‬‬
‫ـ ومن تصور المسألة وتصويرها تقدير االحتماالت التي هي مناط للحكم‪ ،‬كما في قوله‪ :‬فإن كانوا‬
‫لو اجتهدوا رأوه ‪ ...‬وإن كانوا لو اجتهدوا لم يروه لكون ذلك خفيا‪."..‬‬
‫ـ ومن تصور المسألة االطالع على ما يؤثر في حكمها من المعرفة العلمية والخبرة العلمية‪ ،‬كما‬
‫في قوله‪" :‬وما سألت عنه هل هذه المواضع خط واحد فما لي به علم‪ ،‬يعلم ذلك من الكتب الموضوعة‬
‫لذلك كإقليدس وغيره‪ .‬غير أني رأيت لبعض من وضع الكالم على األقاليم‪ ،‬ذكر أن هذه المدن كلها‬
‫يجمعها إقليم واحد‪ ،‬هو اإلقليم الرابع"‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ توصيف النازلة (أو تكييفها)‪:‬‬

‫(‪ )5‬البيان والتحصيل (‪55/4‬ـ‪.)57‬‬


‫‪5‬‬
‫ـ ألحق اللخمي الحج بالصوم في مسألة اختالف مطالع الهالل‪ ،‬العتماد التوقيت فيهما على‬
‫االندراج في إقليم واحد‪ ،‬قال‪" :‬والصوم والحج في الحكم واحد‪ ،‬ينظر في األقاليم والقرب والبعد"‪.‬‬
‫ـ رجع اللخمي رحمه هللا إلى أقوال الفقهاء وحقق في قول ابن القاسم في المدونة‪ ،‬كما في قوله‪" :‬وما‬
‫وقع البن القاسم ال أعلم له وجها إال بما وقع في هذا الحديث‪ ،‬وأنهم ال يخاطبون إال بما رأوه‪ ،‬ومغيب‬
‫الشمس مثل ذلك‪ ،‬تقرب عند قوم دون غيرهم"‪.‬‬
‫قضاء‪ ،‬فبين أن الوقوف بعرفة يوم النحر‬
‫ً‬ ‫ـ وفرق اللخمي بين الوقوف بعرفة يوم النحر غلطا ووقوفه‬
‫قضاء ال يجزئ‪ ،‬وذلك لمن فاته الوقوف يوم عرفة فأراد قضاءه يوم النحر‪ ،‬كما في قوله‪" :‬وأما الوقوف‬
‫ً‬
‫بعرفة يوم النحر‪ ،‬فروي عن مالك مثل قول ابن القاسم‪ ،‬وأحد قولي سحنون بعدم اإلجزاء‪ ،‬وهو الصحيح‪.‬‬
‫إذ ال ُيقضى الوقوف يوم النحر كما ال يقضى في محرم وال صفر"‪ .‬وهذا يختلف عن حال الخطأ أو‬
‫الغلط‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ التدليل‪:‬‬
‫ـ خرج اللخمي مسألة الحج على مسألة الصيام‪ ،‬وهو قياس كما في قوله‪" :‬والصوم والحج في الحكم‬
‫واحد‪ ،‬ينظر في األقاليم والقرب والبعد"‪.‬‬
‫ـ واستدعى لذلك الحديث وأقوال الفقهاء‪ ،‬كما في قوله‪" :‬وأما إذا أشكل أول ذي الحجة‪ ،‬فالذي يدل‬
‫عليه الحديث والمذهب‪ ،‬أن ال يوقف إال يوم واحد خاصة‪ ،‬يطرح يوم الشك ويعتد بما سواه‪ ،‬إال أن يكون‬
‫غيم‪ ،‬فيحتاط عند ابن عمر وابن حنبل‪ ،‬وروي عن عائشة وأختها إجازة الصوم ولو في الصحو‪ ،‬وهو‬
‫ضعيف‪ ،‬ومع الغيم له وجه"‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ التنزيل‪:‬‬
‫نزل اللخمي رحمه هللا الحكم مفصال على احتمالين َّ‬
‫مقدرين‪:‬‬
‫أ ـ احتمال االجتهاد في تحري الهالل ورؤيته‪.‬‬
‫ب ـ احتمال االجتهاد في تحري الهالل وعدم رؤيته‪.‬‬
‫وذلك ألن مناط الحكم باإلجزاء أو القضاء هو االجتهاد في التحري أو التقصير فيه‪.‬‬
‫قال‪" :‬والذي آخذ به فإنه ُينظر‪ ،‬فإن كانوا لو اجتهدوا رأوه فإن عليهم القضاء‪ ،‬وإن كانوا لو اجتهدوا‬
‫لم يروه لكون ذلك خفيا فال قضاء"‪.‬‬
‫قضاء‪ ،‬لمن فاته األداء‪،‬‬
‫ً‬ ‫ـ وفصل اللخمي في الجواب فبين أن عدم إجزاء الوقوف بعرفة يوم النحر‬
‫قال‪" :‬وأما الوقوف بعرفة يوم النحر‪ ،‬فروي عن مالك مثل قول ابن القاسم‪ ،‬وأحد قولي سحنون بعدم‬
‫اإلجزاء‪ ،‬وهو الصحيح"‪.‬‬
‫وهللا الموفق‪.‬‬

‫‪6‬‬

You might also like