Professional Documents
Culture Documents
حكم من وقف بعرفة يوم النحر غلطا
حكم من وقف بعرفة يوم النحر غلطا
1
بمعنى إيقاع الحكم على النازلة ،وسبيله تحقيق المناط على الوقائع المتجددة ،فإن الحكم المعلق
بوصف يحتاج في الحكم على المعين أن يعلم ثبوت ذلك الوصف فيه.
مالحظة :هذه الخطوات بفروعها يمكن أن تتوافر جميعا في فتوى نازلة ،وقد ال يظهر
بعضها ،وقد يبدو بعضها باإلشارة ال بالعبارة ،وقد يقع فيها التقديم والتأخير.
المسألة الثالثة
حكم من وقف بعرفة يوم النحر غلطا
لنص.
أوال :ا ّ
"سئل اللخمي (ت478ه) عمن وقف يوم النحر بعرفة في الفريضة غلطا أو أغمي
الهالل ،هل يجزيه أم ال؟ وقيل له :في الترمذي عن ابن عباس ( لكل قوم رؤيتهم).
ذكرت من الحديث أخرجه البخاري ،ومعناه كما قلتم( :لكل قوم رؤيتهم)(،)1َ فأجاب :ما
والذي آخذ به فإنه ُينظر ،فإن كانوا لو اجتهدوا رأوه فإن عليهم القضاء ،وإن كانوا لو اجتهدوا
لم يروه لكون ذلك خفيا فال قضاء .وهذا على مذهب من يرى أن السماء كروية .وما سألت
عنه هل هذه المواضع خط واحد فما لي به علم ،يعلم ذلك من الكتب الموضوعة لذلك
كإقليدس وغيره .غير أني رأيت لبعض من وضع الكالم على األقاليم ،ذكر أن هذه المدن
كلها يجمعها إقليم واحد ،هو اإلقليم الرابع .والصوم والحج في الحكم واحد ،ينظر في األقاليم
والقرب والبعد .وما وقع البن القاسم ال أعلم له وجها إال بما وقع في هذا الحديث وأنهم ال
يخاطبون إال بما رأوه ،ومغيب الشمس مثل ذلك ،تقرب عند قوم دون غيرهم ،فيذهب إلى أن
األرض كوكبة(.)2
( )1الحديث في سنن الترمذي ،أبواب الصوم ،باب ما جاء لكل أهل بلد رؤيتهم ،رقم67/3( ،)693( :ـ ،)68وفي صحيح
مسلم ،عن كريب مولى ابن عباس ،أن أم الفضل بنت الحارث ،بعثته إلى معاوية بالشام ،قال :فقدمت الشام ،فقضيت
حاجتها ،واستهل علي رمضان وأنا بالشام ،فرأيت الهالل ليلة الجمعة ،ثم قدمت المدينة في آخر الشهر ،فسألني عبد هللا بن
عباس رضي هللا عنهما ،ثم ذكر الهالل فقال :متى رأيتم الهالل؟ فقلت :رأيناه ليلة الجمعة ،فقال :أنت رأيته؟ فقلت :نعم،
ورآه الناس ،وصاموا وصام معاوية ،فقال( :لكنا رأيناه ليلة السبت ،فال نزال نصوم حتى نكمل ثالثين ،أو نراه ،فقلت :أو ال
تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال :ال ،هكذا أمرنا رسول هللا .)صحيح مسلم ،كتاب الصيام ،باب بيان أن لكل بلد
رؤيتهم وأنهم إذا أروا الهالل ببلد ال يثبت حكمه لما بعد عنهم ،رقم (.)765/2( ،)1087
( )2
2
وأما الوقوف بعرفة يوم النحر ،فروي عن مالك مثل قول ابن القاسم( ،)3وأحد قولي
سحنون بعدم اإلجزاء ،وهو الصحيح .إذ ال يقضى الوقوف يوم النحر كما ال يقضى في
محرم وال صفر.
وأما إذا أشكل أول ذي الحجة ،فالذي يدل عليه الحديث والمذهب ،أن ال يوقف إال يوم
واحد خاصة ،يطرح يوم الشك ويعتد بما سواه ،إال أن يكون غيم ،فيحتاط عند ابن عمر وابن
حنبل ،وروي عن عائشة وأختها إجازة الصوم ولو في الصحو ،وهو ضعيف ،ومع الغيم له
وجه"(.)4
وقال محمد بن رشد في البيان والتحصيل" :ذكر ابن أبي زيد هذه المسألة في النوادر،
ووصل بها قال :واختلف فيها قول سحنون فيما أخبرنا أبو بكر بن محمد بن حمديس عنه،
ولم يبين حيث اختلف قوله .فمن الناس من حمل اختالف قوله على الذين أخروا الوقوف
فوقفوا يوم النحر ،ومنهم من حمله على الذين عجلوا فوقفوا يوم التروية ،واألمر في ذلك
محتمل؛ ألن الخالف في الوجهين جميعا موجود.
قيل :إن الحج ال يجزيهم قدموا الوقوف أو أخروه قياسا على المنفرد إذا أخطأ وقوف
الناس فوقف قبلهم أو بعدهم ،وهو قول ابن القاسم فيما حكى عنه اللخمي من أن الحج ال
يجزيهم إذا أخطئوا فوقفوا بعد يوم عرفة؛ ألنه إذا كان الحج عنده ال يجزيهم إذا أخروا
الوقوف فأحرى أال يجزيهم عنده إذا قدموا الوقوف ،وقيل :إن الحج يجزيهم قدموا الوقوف أو
أخروه ،وهو أحد قولي الشافعي قياسا على من اجتهد فصلى إلى غير القبلة :إن صالته
جائزة وال إعادة عليه إذا خرج الوقت .وحكى أنه إجماع فقاس عليه مسألة األسير تلتبس
عليه الشهور فيصوم قبل رمضان أو بعده إن صيامه يجزيه ،وليس بإجماع لما يذكره في
ذلك من الخالف بعد إن شاء هللا .قال أبو القاسم بن الكاتب :وإنما ذهب الشافعي إلى إجازة
ح جهم إذا وقفوا قبل يوم عرفة ألن أبا بكر الصديق أقام للناس الحج بأمر النبي َ -عَل ْي ِه
العتبية من سماع يحيى بن يحيى عن ابن القاسم" :إذا أخطأ أهل الموسم فكان وقوفهم بعرفة يوم النحر مضوا
( )3جاء في ُ
على عملهم وإن تبين ذلك لهم وثبت عندهم في بقية يومهم ذلك أو بعده ،وينحرون من الغد ،ويتأخر عمل الحج كله في
الباقي عليهم يوما ال ينبغي لهم أن يتركوا الوقوف من أجل أنه يوم النحر ،وال أرى أن ينقصوا من رمي الجمار الثالثة األيام
إال بعد يوم النحر ،ويجعلون يوم النحر للغد بعد وقوفهم ،ويكون حالهم في شأنهم كله كحال من لم يخطئ .قال :وإذا
الوقوف الذي وقفوا يوم
ُ أخطأوا فقدموا الوقوف بعرفة يوم التروية أعادوا الوقوف من الغد من يوم عرفة نفسه ،ولم ِ
يجزهم
التروية" .البيان والتحصيل (.)54 /4
( )4فتاوى اللخمي ،ص61ـ ،62جمع وتحقيق وتقديم حميد بن محمد لحمر ،دار المعرفة ،الدار البيضاء بالمغرب ،ونوازل
البرزلي,)590/1( ،
3
الس َال ُم -في شهر ذي القعدة .فرأى أن أهل الموسم إذا أخطئوا فقدموا الوقوف قبل يوم عرفة
َّ
يجزيهم الحج لحج أبي بكر بالناس في شهر ذي القعدة.
قال :وإنما كانت تصح له الحجة بذلك لو كانت تلك الحجة ألبي بكر فريضة ،ولم تكن
َّللاُ َعَل ْي ِه َو َسَّل َم -أمي ار على الحج وليعهد إلى
صَّلى َّ
له فريضة ،وإنما بعثه رسول هللا َ -
الناس بما أمره به أن يعهد به إليهم من أن ال يحج بعد العام مشرك وال يطوف بالبيت
عريان ،ثم أتبعه علي بن أبي طالب لما نزلت سورة أول براءة ليتلى على الناس في الموسم.
والشافعي كان أعلم وأبصر بموضع الحجة من أن يحتج بهذا ،لقوله في هذه المسألة؛ ألن
حج أبي بكر في ذي القعدة لم يكن خطأ وإنما كان شرعا ودينا بأمر النبي َ -عَل ْي ِه َّ
الس َال ُم -
،والنسيء قائم قبل أن ينسخ ،فأجزأهم حجهم فرضا كان أو نفال .وكيف ال يجزيهم وقد سماه
هللا في كتابه الحج األكبر ،ولئن كانت تلك الحجة ألبي بكر وعلي بن أبي طالب وغيره ممن
الس َال ُم -أنه سيحج معه من العام المقبل نفال ،فقد كانت لمن سواهم أعلمه النبي َ -عَل ْي ِه َّ
من الناس الذين حجوا في ذلك العام ولم يدركوا الحج مع النبي َ -عَل ْي ِه َّ
الس َال ُم -فرضا؛
ألنها إنما كانت بعد نزول فرض الحج .هذا مما ال اختالف فيه أعلمه ،ثم حج رسول هللا -
َّللاُ َعَل ْي ِه َو َسَّل َم -في العام المقبل في ذي الحجة على ما كان الناس عليه من النسيءصَّلى َّ
َ
َّ ِ
َّللاُ َعَل ْيه َو َسل َم « :-أال إن الزمان قد استدار» ... َّ
صلى َّ فنسخ هللا النسيء حينئذ .وقال َ -
الحديث ،فثبت الحج في ذي الحجة إلى يوم القيامة .والذي عليه أكثر أهل العلم أن أهل
الموسم إذا أخطأ وا فقدموا الوقوف قبل يوم عرفة لم يجزهم حجهم ،وإن أخطأوا فوخروه،
إلى يوم النحر أجزأهم حجهم ،وهو قول مالك والليث واألوزاعي وأبي حنيفة وأبي يوسف
ومحمد بن الحسن وعثمان الليثي وجماعة سواهم.
والفرق بين الوجهين أن الذين أخطأوا فوقفوا يوم النحر فعلوا ما تعبدهم هللا به على
لسان رسوله من إكمال شهر ذي القعدة ثالثين يوما إذا أغمي عليهم هالل ذي الحجة ،فلما
فعلوا ما أُمروا به من ذلك كان حجهم في الوقت الذي أمرهم هللا على لسان نبيه أن يحجوا
فيه ووقوفهم في اليوم الذي تعبدهم هللا أن يقفوا فيه ،وإن انكشف لهم ذلك بعد أن كان يوم
النحر لم يضرهم؛ إذ قد مضى فعلهم صحيحا بموجب النص دون اجتهادُ ،
وكتب لهم حجهم
أجرهم وسقط عنهم فرضهم ،فليس ما ظهر لهم بعد ذلك قرب أو بعد بالذي يمحو
وسلم لهم ُ
ما كتب لهم من الحج ويبطل ما ثبت لهم من األجر ،ويوجب ما سقط عنهم من الفرض،
وأن الذين أخطأوا فوقفوا يوم التروية أخطأوا باجتهادهم إذ قبلوا شهادة من شهد بالباطل في
رؤية الهالل ،إما بأن شبه عليهم ،وإما بأن تعمدوا الزور والكذب ،فوجب أال يجزيهم الوقوف
4
الذي وقفوا إذا لم يعلموا بذلك إال بعد طلوع الفجر من يوم النحر ،كما ال يجزيهم الوقوف إذا
علموا بخطئهم قبل ذلك ،إذ ال اختالف في أن وقوفهم ال يجزيهم إذا علموا بذلك قبل أن
يفوتهم الوقوف بطلوع الفجر من يوم ليلة المزدلفة.
وحكى ابن أبي زيد في النوادر أيضا عن سحنون متصال بما حكاه عنه من اختالف
قوله في خطأ أهل الموسم في هالل ذي الحجة ،في أهل الموسم ينزل بهم ما نزل بالناس
سنة العلوي وهروبه م من عرفة ولم يتموا الوقوف ،قال :يجزيهم وال دم عليهم ،كأنه ذهب
بذلك إلى ترجيح أحد قوليه في المسألة المتقدمة ،وهي مسألة أخرى ال تشبهها؛ ألنهم في هذه
المسألة في حكم من حصرهم العدو عن الوقوف بعرفة ،فال يجزيهم الحج إال على مذهب
ابن الماجشون في أن المحصر ِ
بعدوه يجزئه حجه عن حجة اإلسالم ،فإنما مال إلى قوله،
التوفيق"(.)5 وهللا أعلم وبه
ثانيا :التحليل.
تصور الفقيه للنازلة:
1ـ ّ
متصورة ،فهي تخص حكم الحج ممن وقف يوم النحر بعرفة في حج الفريضة،
َّ ـ المسألة واضحة
لغلط أو ألن الهالل أغمي .كما جاء السؤال "من وقف يوم النحر بعرفة في الفريضة غلطا أو أغمي
الهالل ،هل يجزيه أم ال"؟
ـ ومن تصوير المسألة ذكر ما أجيب به السائل من قبل ،كما ورد في السؤال" :وقيل له :في
الترمذي عن ابن عباس ( لكل قوم رؤيتهم)".
ـ ومن تصور المسألة وتصويرها تقدير االحتماالت التي هي مناط للحكم ،كما في قوله :فإن كانوا
لو اجتهدوا رأوه ...وإن كانوا لو اجتهدوا لم يروه لكون ذلك خفيا."..
ـ ومن تصور المسألة االطالع على ما يؤثر في حكمها من المعرفة العلمية والخبرة العلمية ،كما
في قوله" :وما سألت عنه هل هذه المواضع خط واحد فما لي به علم ،يعلم ذلك من الكتب الموضوعة
لذلك كإقليدس وغيره .غير أني رأيت لبعض من وضع الكالم على األقاليم ،ذكر أن هذه المدن كلها
يجمعها إقليم واحد ،هو اإلقليم الرابع".
6