You are on page 1of 649

2022 ۩ ‫ ۩ دجنبـــــــــــــر‬49 ‫الــعـــــــدد‬

‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

Researcher's journal
of Legal and Judicial Researches and Studies

– –

‫رئيس التحرير – الأستاذ جعفر القاسمي‬



‫رئيس التحرير – الأستاذ جعفر القاسمي‬ 























 Le régime de l’action en comblement de l’insuffisance d’actif en droit des procédures collectives ....... Docteure Fadoua MASSOUDI
 La dynamique de la gouvernance de l’action publique sous l’effet de la territorialisation au Maroc …Docteure HATERBOUCH Atmen
 Intitulé de l’article : La gouvernance de la société anonyme face à la loi 27-20.……………….………..………… En-nminej Ilyas
 Les traités internationaux en droit comparés et en droit marocain.…....................................................… Docteure. Chlihi Mouhssin

:ISSN: 2550 – 603X ‫ر دمد‬


® ‫ م‬2017 ‫جميع حقوق النشر محفوظة لسن ة‬

- P1 @ mail. ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫ن أُوتُوا اْلعِلْمَ‬
‫َالذِي َ‬
‫كمْ و َ‬ ‫(يَ ْرفَعِ اللَ ُه الَذِي َ‬
‫ن آ َمنُوا مِن ُ‬
‫خبِيرٌ)‬
‫َاللهُ بِمَا َتعْمَلُونَ َ‬
‫درَجَاتٍ و َ‬
‫َ‬
‫صدق الله العظيم‬

‫اآلية الحادية عرش (‪ )11‬من سورة المجادلة‬

‫‪P2‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫مجلة الباحث‬
‫للدراسات واألبحاث القانونية والقضائية‬

‫مسؤولا المجلة‪:‬‬

‫اللجنة العلمية‪:‬‬

‫‪.401‬‬

‫‪P3‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫لجنة التنقيح والمراجعة اللغوية‪:‬‬

‫لجنة النشروالتعريف‪:‬‬

‫‪P4‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫‪P5‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫فهرسة العدد‪:‬‬
‫مقاالت وأحباث قانونية وقضائية باللغة العربية‬
‫‪11‬‬

‫‪27‬‬

‫‪44‬‬

‫‪65‬‬

‫‪85‬‬

‫‪99‬‬

‫‪115‬‬

‫‪130‬‬

‫‪165‬‬

‫‪182‬‬

‫‪P6‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬
‫‪202‬‬

‫‪230‬‬

‫‪251‬‬

‫‪271‬‬

‫‪301‬‬

‫‪316‬‬

‫‪329‬‬

‫‪341‬‬

‫‪357‬‬

‫‪083‬‬

‫‪098‬‬

‫‪P7‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬
714

750

767

786

535

‫مقاالت وأحباث قانونية وقضائية باللغة الفرنسية‬


526 Le régime de l’action en comblement de l’insuffisance d’actif en droit des procédures
collectives …………………………………………………………………………………

Docteure Fadoua MASSOUDI


556 La dynamique de la gouvernance de l’action publique sous l’effet de la territorialisation
au Maroc …......................

Docteure HATERBOUCH Atmen


585 Intitulé de l’article : La gouvernance de la société anonyme face à la loi 27-
20 …............... ……………… ……… ………

En-nminej Ilyas
635 Les traités internationaux en droit comparés et en droit
marocain ……………………… ……………….........................................................……

Docteure Chlihi Mouhssin

P8 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫افتتاحية العدد‪ ،‬يقدمها‪ :‬ذ محمد القاسمي‬


‫بسم لله الكريم‪ ،‬وبه نستعين‪ ،‬وبفضله نمضي‬
‫ونغدوا في طريقنا حتى نبلغ مقام اليقين‪ ،‬والصلاة‬
‫والسلام على أشرف المرسلين‪ ،‬نهر الهدى وبحر‬
‫الندى وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬رب اشرح لي‬
‫صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني‬
‫يفقهوا قولي‪...‬أما بعد‪ :‬تتمة للمسار الذي بدأناه‬
‫مند سنوات خلت في مجال النشر العلمي والبحث‬
‫الأكاديمي‪ ،‬فإنه لمن دواعي السرور أن نقص شريط عدد جديد من أعداد مجلتنا‪،‬‬
‫ويتعلق الأمر بالعدد ‪ 49‬دجنبر ‪ ،2022‬هذا الأخير جاء بعد اصدار ثلة من‬
‫الأعداد المتنوعة من المجلة‪ ،‬بين تلك المتعلقة بالقانون الخاص أو تلك‬
‫المتعلقة بالقانون العام‪ ،‬بالإضافة إلى إصدار ستة أعداد متعلقة بجائحة كورونا‬
‫وحالة الطوارئ الصحية التي مازال العالم يتجرع ويلاتهما‪ ،‬راجين من الله العلي‬
‫القدير أن يعجل برفعهما‪ ،‬آمين‪...‬‬

‫فالعدد التاسع والأربعون (‪ ) 49‬من هذا الصرح غني بمقالات وأبحاث في‬
‫مجال القانون والعدالة‪ ،‬ألفها أساتذة التعليم العالي ودكاترة وممارسين‬
‫وباحثين في أسلاك الدكتوراه من المغرب وبعض الدول العربية الشقيقة‪،‬‬
‫ستشكل بلا شك أو أدنى ريب إضافة للخزانة القانونية الرقمية‪ ،‬ومادة علمية‬
‫يعتمدها الفقيه والمتخصص والباحث وكل مهتم بالتأليف في الشأن القانوني‬
‫والقضائي المغربي والمقارن سواء في القانون العام أو الخاص على حد سواء‪...‬‬

‫فالشكر الجزيل لكل من ساهم من قريب أو بعيد في تأليف وصياغة بنيان‬


‫هذا العدد‪ ،‬والشكر الجزيل للجنة العلمية وللجنة التنقيح والمراجعة اللغوية‬
‫والنشر‪ ،‬وفي انتظار اصدار العدد ‪ 00‬يناير ‪ ،2022‬تفضلوا بقبول أسمى عبارات‬
‫التقدير والاحترام؛ والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته…‬
‫حرر بالمملكة المغربية في ‪2022/22/00‬‬

‫‪P9‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫‪P 10‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫محاية املستهلك يف عقود‬


‫التجارة االلكرتونية‬
‫‪Consumer protection in e-commerce contracts‬‬
‫مقدمة ‪:‬‬
‫يعرف العالم اآلن تغييرات وتطورات إذ عرف التطور التكنولوجي الحديث في مجال‬
‫االتصاالت والمعلومات ثورة هائلة ساهم في دخول األجهزة اإللكترونية في مجاالت الحياة‬
‫اليومية على مختلف األصعدة‪ ،‬وهو األمرالذي أثر أيضا على المعامالت والصفقات التجارية‪،‬‬
‫وتعد شبكة اإلنترنت املجال الخصب والسبب الرئيس ي لظهور التجارة اإللكترونية ‪ ،‬التي أثرت في‬
‫مقابل ذلك على النظام القانوني للعقود التقليدية‪ ،‬إذ أصبح العديد من األشخاص يفضلون‬
‫اقتناء أغراضهم و حاجاتهم عبر اإلنترنت ‪ ،‬ومن منزلهم دون الحاجة للتنقل إلى األسواق‪ ،‬وفي هذا‬
‫الصدد فرضت التجارة اإللكترونية نفسها على الو اقع باعتبارها أحد أدوار العولمة‬
‫االقتصادية‪ ،‬وأصبحت و اقعا يعيشه الفرد في املجتمع و المستهلك‪ ،‬فهي تتيح العديد من‬
‫المزايا توفيرا للجهد والوقت ‪ ،‬فالسوق اإللكتروني يكون متاحا للمستهلك االلكتروني بشكل‬
‫دائم‪ ،‬كما تتميز بالسرعة و المرونة بتنفيذ العقود المتعلقة بالسلعة أو الخدمة‪ ،‬ويمكن‬
‫للمستهلك و المورد تبادل المعلومات و طرح االستفسارات و التساؤالت و تلقي اإلجابات بطريقة‬
‫سهلة‪ ،‬وبالرغم من كل هذه المزايا التي تقدمها التجارة اإللكترونية‪ ،‬ففي المقابل تكون‬
‫محفوفة بمجموعة من املخاطر التي يواجهها المستهلك ‪ ،‬تتالعب بمصالحه و أيضا محاولة‬
‫خداعه‪ ،‬و من هنا بدأت الحاجة لضرورة تكريس حماية المستهلك في السوق اإللكتروني ‪ ،‬فهذا‬
‫األخير يعتبر الطرف الضعيف في العالقة التعاقدية ‪ ،‬واألقل خبرة و دراية بخبايا التعاقد‬
‫اإللكتروني المبرم ‪ ،‬عكس المورد ‪ ،‬الذي له دراية شاملة حول مجال تخصصه ‪ ،‬هذا التفاوت‬
‫بينهما يؤدي إلى اإلخالل بالتوازن العقدي القائم بين المستهلك و المورد‪ ،‬وبالتالي فالمستهلك‬
‫يحتاج إلى الحماية القانونية من املخاطر التي تواجهه ‪ ،‬سواء قبل التعاقد أو في مرحلة إبرام‬

‫‪P 11‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫العقد و في هذا الصدد ‪ ،‬قام المشرع المغربي بإصدار القانون ‪ 113-80‬القاض ي بتحديد تدابير‬
‫حماية المستهلك ‪ ،‬و القانون ‪ 201-80‬المتعلق بالتبادل اإللكتروني للمعطيات القانونية ‪ ،‬و‬
‫القانون ‪ 3 80-80‬الخاص بحماية األفراد فيما يتعلق بمعالجة البيانات الشخصية ‪.‬‬

‫إن النقاش الذي يثيره موضوع هذا المقال يدفعنا إلى طرح اإلشكالية التالية ‪ :‬إلى أي‬
‫حد توفق المشرع المغربي تكريس حماية ناجعة وفعالة للمستهلك اإللكتروني في ضوء‬
‫المستجدات التشريعية؟‪.‬‬

‫المبحث األول ‪ :‬مركزالمستهلك في مجال التجارة االلكترونية‬

‫و تعتبرالتجارة االلكترونية‪ " 4‬نظاما إلكترونيا يتيح التعامل في تبادل السلع و الخدمات‬
‫بطريقة رقمية ‪ ،‬وفرضت نفسها على الو اقع وعلى المشرع المغربي نتيجة للتطورات‬
‫التكنولوجية واالنتشار السريع الستعمال وسائل التواصل الحديثة ‪ ،‬الش يء الذي أدى إلى بروز‬
‫فئة من األشخاص يفضلون التعامل وفق التجارة االلكترونية إما لتصريف منتجاتهم أو لشراء‬
‫البضائع والمنتجات دون الحاجة للتنقل لألسواق واملحالت ‪ .‬وبالتالي ‪ ،‬فان مختلف التشريعات‬
‫والدول سنت قوانين لحماية المستهلك باعتباره الطرف الضعيف واألقل دراية في التعاقد‬
‫المبرم بطريقة الكترونية ‪ .‬من خالل كل ما سبق ارتأينا في هذا المبحث للحديث عن أطراف‬
‫العقد االلكتروني ( المطلب األول ) ‪ ،‬على أن نتطرق فيما بعد لدواعي حماية المستهلك‬
‫االلكتروني ( المطلب الثاني )‪.‬‬

‫‪1‬ـ القانون رقم ‪ 13-80‬الصادر بتنفيذ ظهير شريف رقم ‪ 3 1 3318‬الصادر في ‪ 31‬ربيع األول ‪30 ( 3111‬‬
‫فبراير ‪ , ) 1833‬بالجريدة الرسمية عدد ‪ 2311‬بتاريخ ‪ 1‬جمادى األولى ‪ 7 ( 3111‬أبريل ‪ ) 1833‬ص‬
‫‪13871‬‬
‫‪2‬ـ القانون رقم ‪ 21-82‬الصادر بتنفيذ ظهير شريف رقم ‪ 31 871313‬الصادر في ‪ 33‬من ذي القعدة ‪( 3110‬‬
‫‪ 18‬نونبر ‪ , ) 1887‬بالجريدة الرسمية عدد ‪ 2201‬بتاريخ ‪ 12‬ذو القعدة ‪ 6 ( 3110‬ديسمبر ‪ ) 1887‬ص‬
‫‪1 1073‬‬
‫‪3‬ـ القانون رقم ‪ 83-80‬الصادر بتنفيذ ظهير شريف رقم ‪ 3183132‬الصادر في ‪ 11‬صفر ‪ 30 ( 3118‬فبراير‬
‫‪ , ) 1883‬بالجريدة الرسمية عدد ‪ 2733‬بتاريخ ‪ 17‬صفر ‪ 11 ( 3118‬فبراير ‪1 ) 1883‬‬
‫‪4‬ـ عرفتها منظمة التعاون االقتصادي و التنمية ‪ OCED‬بانها " المعامالت التجارية التي تتم من قبل األفراد و‬
‫الهيئات والتي تعتمد على معالجة و نقل البيانات الرقمية بما فيها الصوت والصورة من خالل شبكات مفتوحة مثل‬
‫اإلنترنيت أو معلقة مثل ‪ Minte / AOL‬و التي تسمح بدخول إلى شبكات مفتوحة‪1‬‬

‫‪P 12‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫المطلب األول ‪ :‬أطراف العقد المبرم إلكترونيا‪.‬‬

‫تؤدي ممارسة التجارة االلكترونية إلى إقامة العالقات المتواصلة بين كل من المورد و‬
‫المستهلك ‪ .‬وعليه سنقوم بتعريف الطرف األول وهو المستهلك ( الفقرة األولى ) ‪ ،‬ثم الطرف‬
‫الثاني أي المورد ( الفقرة الثانية ) ‪.‬‬

‫الفقرة األولى ‪:‬مفهوم المستهلك االلكتروني‬

‫لم يكن هذا المفهوم محل تحديد قبل صدور القانون ‪ ، 13-80‬مما أدى إلى اختالف‬
‫الفقهاء في تعريف المستهلك االلكتروني ‪ ،‬فمنهم من يأخذ بالمفهوم الضيق ‪ ،‬وآخر يأخذ‬
‫بالمفهوم الواسع ‪ .‬فالمستهلك حسب المفهوم الضيق ‪ ،‬هوذلك الشخص الذي يبرم التصرفات‬
‫القانونية إلشباع حاجاته الشخصية و العائلية غير المرتبطة بنشاطه المنهي ‪ ،‬األمر الذي يفهم‬
‫منه أنه ال يعتبر مستهلكا الشخص الذي يتعاقد من أجل إشباع حاجات تجارية أو مهنية ‪.5‬أما‬
‫المستهلك حسب المفهوم الواسع ‪ ،‬هو كل شخص يشتري ماال سواء كان لحاجاته الخاصة أو‬
‫لحاجات نشاطه المنهي في مجال ال يعود إلى اختصاصه‪. 6‬‬

‫فاالتجاه الواسع ‪ ،‬توسع في هذا المفهوم حتى أصبح بإمكان أي شخص أن يتمتع بصفة‬
‫المستهلك سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا مهنيا ‪ ،‬أو غير منهي ‪ .‬و أخد المشرع المغربي‬
‫بالمفهوم الضيق ‪ ،‬حيث نص في الفقرة الثانية من المادة الثانية من القانون ‪ 80-13‬على ‪" :‬‬
‫يقصد بالمستهلك كل شخص طبيعي أو معنوي يقتني أو يستعمل لتلبية حاجياته غير المهنية‬
‫منتجات أو سلعا أو خدمات معدة الستعماله الشخص ي أو العائلي "‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬مفهوم المورد االلكتروني‬

‫قام المشرع بتعريف المورد بصفة عامة في الفقرة الثانية من المادة الثانية من‬
‫القانون ‪ " : 13-80‬يقصد بالمورد كل شخص طبيعي أو معنوي يتصرف في إطار نشاط منهي أو‬

‫‪5‬ـ جامع مليكة ‪ 1‬حماية المستهلك المعلوماتي ‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في العلوم القانونية ‪ -‬القانون الخاص‪-‬‬
‫جامعة الجياللي اليابس سيدي بلعباس ‪ ,‬الجزائر كلية الحقوق و العلوم السياسية قسم الحقوق ‪ 1830-1837‬ص‬
‫‪138‬‬
‫‪6‬ـ کوثر سعيد عدنان حماية المستهلك اإللكتروني ‪ ،‬الطبعة األولى دار الجامعة الجديدة األزاريطة ‪ ,‬اإلسكندرية‬
‫‪ 1837‬ص ‪118‬‬

‫‪P 13‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫تجاري ' " ثم عاد المشرع المغربي في الباب الثاني من القسم الرابع المتعلق بالعقود المبرمة‬
‫عن بعد ليعرف التاجر السيبراني في الفقرة الثالثة من المادة ‪ 50‬من القانون ‪ " : 13-80‬كل‬
‫شخص طبيعي أو معنوي يتصرف في إطارنشاط منهي أو تجاري باستعمال شبكة اإلنترنت " ‪.‬‬

‫من خالل ما سبق ‪ ،‬نخلص أن المورد أو المنهي هو كل شخص طبيعي أو معنو رهن إشارة‬
‫العموم بغية بيعها عبرالطريق اإللكتروني ‪.‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬تجليات تعزيزحماية المستهلك االلكتروني‬

‫بعد اتساع مستخدمي االنترنت في العالم ‪ ،‬بدأ يتبلور مفهوم الحماية اإللكترونية‬
‫للمستهلك ‪ ،‬والذي يعني الحفاظ على حقوقه وحمايته من الغش و االحتيال أو شراء بضائع‬
‫مغشوشة باستخدام شبكة اإلنترنت التي تستطيع الوصل إلى كل مكان وتمارس تأثيرا يتجاوز‬
‫ً‬
‫أحيانا األدوات التقليدية في الو اقع‪. 7‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬إشكالية نقص الخبرة لدى المستهلك االلكتروني‬

‫يعتبر المستهلك الطرف الضعيف في المرحلة التعاقدية ‪ ،‬فهو يتعاقد مع المورد الذي‬
‫له دراية في هذا املجال ‪ ،‬فهو ملم بكل ما هو معلوماتي وتقني ‪ ،‬ومتخصص في مجاله ‪ .‬وبالتالي‬
‫فالمستهلك اإللكتروني غالبا ما يكون قليل المعرفة والعلم ‪ ،‬و يحتاج للتنوير وإعالمه بكل ما‬
‫يخص طبيعة العقد ‪ ،‬وإخباره كذلك عن السلعة أو الخدمة موضوع التعاقد‪.‬‬

‫ونميزهنا في ما يتعلق بالضعف المعرفي لدى المستهلك ‪ ،‬بين المعرفة والعلم في املجال‬
‫التقني و المعلوماتي ‪ ،‬وبين العلم بالسلعة أو الخدمة موضوع التعاقد ‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬ضعف المعرفة في املجال التقني و المعلوماتي من جانب المستهلك‪.‬‬

‫إن المنهي الذي يتعامل وفق التجارة اإللكترونية ‪ ،‬التي تقوم على بيع السلع والخدمات‬
‫بطريقة إلكترونية ‪ ،‬فهو ملم بكل ما يتعلق بمجال اختصاصه ‪ ،‬عكس المستهلك الذي يفتقرإلى‬
‫المعلومات والتقنيات اإللكترونية ‪ ،‬مما يجعله عاجزا عن التفاعل مع المو اقع التجارية عبر‬

‫‪7‬ـ حماية المستهلك في معامالت التجارة االلكترونية في ضوء التشريع المغربي ‪ ،‬بدون ذكر المؤلف مقال منشور‬
‫في الموقع االتي ‪ www farirdrait.com 17‬أبريل ‪ ، 1813‬تم اإلطالع عليه في ‪ 18‬أبريل ‪ 1811‬الساعة‬
‫العاشرة صباحا‬

‫‪P 14‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫شبكة اإلنترنت ‪ .‬الش يء الذي يحرمه من اختيار األفضل ‪ ،‬بسبب عجزه عن الوصول إلى كافة‬
‫المعلومات عن السلع والخدمات المقدمة ‪. 8‬‬

‫ثانيا ‪ :‬التضليل المرتبط بالسلعة أو الخدمة محل العقد ‪.‬‬

‫يجهل المستهلك لبعض أو أغلب المعلومات المتعلقة بالسلعة أو الخدمة التي يتعاقد‬
‫حولها ‪ ،‬عكس المورد الذي يكون أكثر دراية حول السلع أو الخدمة محل العقد ‪ .‬فالمشرع‬
‫المغربي ألزم هذا األخيرمن خالل قانون حماية المستهلك ‪ ،‬بمده بالمعلومات الضرورية للتعاقد‬
‫‪ ،‬وكل ما يتعلق بالسلعة أو الخدمة ‪ ،‬وهو ما يطلق عليه االلتزام باإلعالم من طرف المنهي ‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪:‬التجارة اإللكترونية بين رهان حماية المعطيات الشخصية وحماية‬
‫المتعاقد‬

‫يتسم مجال التجارة اإللكترونية بعدة ‪ ،‬تواجه المستهلك اإللكتروني ‪ ،‬ومن بين هذه‬
‫املخاطرسوء استعمال المعطيات الشخصية وكذلك اختراق الحساب ‪ ،‬وغيرها من املخاطرالتي‬
‫تتعلق بعملية التعاقد ككل ‪ .‬وسنفصل في هذه املخاطرالتي يكون المستهلك عرضة لها ‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬مخاطر استغالل المعطيات الشخصية للمستهلك المتعاقد‬

‫إن التعاقد اإللكتروني يتم في فضاء افتراض ي و هو اإلنترنت‪ ،‬الذي يكون محفوفا‬
‫باملخاطر‪ ،‬فالمستهلك يقوم بتقديم المعطيات الشخصية للمورد قصد إبرام العقد ‪ ،‬كاالسم‬
‫الشخص ي و العائلي ‪ ،‬العنوان ‪ ،‬البريد اإللكتروني ‪ ،‬رقم الحساب ‪ ،‬رقم الضمان الموجود في‬
‫خلفية البطاقة البنكية ‪ ،‬و في حالت معينة نسخة من البطاقة الوطنية أو جواز السفر ‪ .‬فهذه‬
‫المعطيات تكون عرضة لالستغالل و النصب و االحتيال ‪.‬‬

‫فالقانون ‪ ، 80-80‬نص في مادته األولى ‪ ،‬على أن المعلوميات في خدمة المواطن ‪ ،‬و يجب‬
‫أال تمس بالهوية و الحقوق و الحريات الجماعية أو الفردية لإلنسان ‪ ،‬و ينبغي أال تكون أداة‬
‫إلفشاء أسرارو معطيات المستهلك ‪.‬‬

‫كما منح القانون ‪ 80-80‬الشخص المعني بالمعطيات المعالجة ‪ ،‬حماية كبيرة من خالل‬
‫تمتيعه بمجموعة من الحقوق كإجبارية الحصول على مو افقته قبل اإلقدام على المعالجة ‪،‬‬

‫‪8‬ـ عبداني شمس الدين ‪ ،‬آية حماية للمستهلك اإللكتروني في المغرب ‪ ,‬مجلة القانون و األعمال العدد الثاني‬
‫ديسمبر ‪ 1833‬ص ‪132-31‬‬

‫‪P 15‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫وحقه في اإلخبار أثناء تجميع المعطيات ‪ ،‬و حقه في الولوج و حقه في التصحيح ‪ ،‬و حقه في‬
‫التعرض‪.9‬‬

‫فيحق للمستهلك الذي أدلى بمعلوماته الشخصية أن يحصل من لدن المسؤول عن‬
‫المعالجة على تصحيح أو مسح أو إغالق الولوج إلى المعطيات ذات الطابع الشخص ي ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬عدم تطابق موضوع السلعة أو الخدمة مع مضامين العقد‬

‫تتميز التجارة اإللكترونية ‪ ،‬بعدم رؤية المستهلك للسلعة أو الخدمة موضوع التعاقد‬
‫بشكل مادي ‪ ،‬فالمستهلك يبرم العقد اإللكتروني مع المورد بمجرد رؤيته للسلعة في الصور أو‬
‫حتى بدون صور‪ ،‬و بالتالي فالمستهلك يكون مهددا باختالف السلعة أو الخدمة موضوع التعاقد‬
‫التي تم عرضها عليه في الموقع اإللكتروني ‪.‬‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬أوجه الحماية القانونية لمستهلك الخدمات االلكترونية‪.‬‬

‫إن التطور التقني والثورة التكنولوجية أدت إلى بروز التجارة اإللكترونية بشكل كبير ‪،‬‬
‫الش يء الذي يستدعي توفير الحماية للمستهلك ‪ ،‬عبر مجموعة من القوانين والتشريعات التي‬
‫أصدرها المشرع المغربي‪ ،‬نجد على رأسها القانون ‪ 13-80‬المتعلق بحماية المستهلك ‪،‬‬
‫والقانون ‪ 01-80‬المتعلق بالتبادل اإللكتروني للمعطيات اإللكترونية ‪ ،‬والقانون ‪ 80-80‬المتعلق‬
‫بحماية األشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخص ي ‪.‬‬

‫فظهور التجارة اإللكترونية وسهولة الولوج إلى الخدمات والسلع عن طريق اإلشهار‬
‫اإللكتروني ‪ ،‬أثرت في العقود التقليدية ‪ ،‬والوسيلة المفضلة لدى العديد من المستهلكين ‪،‬‬
‫لكونها تتم بشكل غير مباشر أي بدون لقاء مباشر بين المستهلك و المورد ‪ ،‬مما يوقع المستهلك‬
‫تحت وطأة الشروط التعسفية ‪.‬‬

‫في هذا الصدد ‪ ،‬منح المشرع المغربي وسائل حمائية للمستهلك في عقود التجارة‬
‫اإللكترونية ‪ ،‬أهمها حق الرجوع عن االختيار‪ ،‬وكذا حمايته من الشروط التعسفية ‪.‬‬

‫المطلب األول ‪ :‬جوانب الحماية القانونية قبل مرحلة إبرام العقد‬

‫‪9‬ـ عبد الحكيم زروق‪ ،‬تنظيم التبادل اإللكتروني للمعطيات القانونية عبر اإلنترنت الطبعة األولى مطبعة الكرامة‬
‫‪ 1836‬الرباط ص ‪1133‬‬

‫‪P 16‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫يختلف التعاقد التقليدي عن التعاقد اإللكتروني ‪ ،‬في كون هذا األخير ال يمكن‬
‫المستهلك من معاينة الش يء المتعاقد عليه معاينة حقيقية قبل إبرام العقد‪ ،‬الش يء الذي أدى‬
‫إلى زيادة التزام المورد بتبصيرالمستهلك في التعاقد اإللكتروني ‪.‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬مظاهرحماية المستهلك من اإلعالنات التجارية المضللة‬

‫تتميز األعمال التجارية اإللكترونية بشكل من أشكال الدعاية واإلعالن عبر شبكة‬
‫اإلنترنت‪ ،‬أو عبر الوسائل اإللكترونية األخرى‪ ،‬ولقد أصبح اإلعالن من أهم آليات النشاط‬
‫التجاري في المنافسة وتحقيق الربح عبرالشبكات اإللكترونية " ‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬تعريف اإلعالن التجاري اإللكتروني‬

‫يعرف اإلعالن بأنه ‪ " :‬كل وسيلة تهدف إلى التأثير نفسيا على الجمهور تحقيقا لغايات‬
‫تجارية‪ " 10‬وكما يعرفه بعض الفقه يتجلى اإلعالن كوسيلة لإلعالم في تقديم معلومات أو أخبار‬
‫إلى الناس عامة حول السلع والخدمات للتعريف بها أو إبرازمحاسنها والترويج بها وتوسيع دائرة‬
‫السوق من أجل تحفيزالمستهلك على اإلقبال عليها‪.11‬‬

‫ونجد المشرع المغربي أعطى تعريف لإلعالن اإللكتروني في المادة ‪ 5‬من القانون ‪00.81‬‬
‫المتعلق باالتصال السمعي والبصري أنه ‪ " :‬يعتبر إشهارا أي شكل من أشكال الخطابات‬
‫المذاعة أو المتلفزة والسيما بواسطة صور أو رسوم أو أشكال من الخطابات المكتوبة أو‬
‫الصوتية التي يتم بها بمقابل مالي أو بغيره ‪ ،‬الموجهة إلخبارالجمهورأو إلجداب اهتمامه ‪. " ...‬‬

‫أما القانون ‪ 13-80‬المتعلق بحماية المستهلك لم يعطي تعريفا لإلعالن اإللكتروني ‪ ،‬و‬
‫اكتفي فقط بالحديث عن اإلعالنات الكاذبة ومنعها في المادة ‪ 53‬من هذا القانون ‪ ،‬التي جاء‬
‫فيها‪ ... " :‬يمنع كل إشهاريتضمن ‪ ،‬بأي شكل من األشكال ‪ ،‬إدعاءا أو بيانا أو عرضا كاذبا"‪.12‬‬

‫‪10‬ـ إبراهيم خالد ممدوح ‪ ،‬حماية المستهلك في المعامالت اإللكترونية ‪ ،‬دراسة مقارنة ‪ -‬الطبعة األولى ‪ ،‬مصر ‪،‬‬
‫الدار الجامعية ‪ 1887 ،‬ص ‪1 73‬‬
‫‪11‬ـ ـ بوعبيد عباسي ‪ ،‬اال لتزام في العقود دراسة في حماية المتعاقد و المستهلك ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،‬المطبعة و‬
‫الوراقة الوطنية ‪ ،‬مراکش ‪ ، 1880 ،‬ص ‪1173‬‬
‫‪ 12‬ـ جاء في الفقرة الثانية من نفس المادة " ‪ 111‬كما يمنع كل إشهار من شأنه أن يوقع في الغلط بأي وجه من الوجوه‬
‫‪ 1‬إذا كان ذلك يتعلق بواحد أو أكثر من العناصر التالية ‪ :‬حقيقة وجود السلع أو المنتجات أو الخدمات محل اإلشهار‬
‫وطبيعتها وتركيبها و مميزاتها األساسية و محتواها من العناصر المفيدة و نوعها و منشاها و كميتها وطريقة و‬
‫تاريخ صنعها و خصائصها و سعرها أو تعريفتها و شروط بيعها و كذا شروط او نتائج استخدامها و أسباب أو‬

‫‪P 17‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫ولقد أوجب على المورد في المادة ‪ 52‬من نفس القانون ‪ ،‬تقديم معلومات واضحة‬
‫ومفهومة حول حق التعرض ‪ ،‬وكذا منع استعمال العنوان اإللكتروني للغير أو هويته ‪ ،‬عند‬
‫إرسال كل إشهارعن طريق البريد اإللكتروني ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬الطبيعة القانونية لإلعالن التجاري اإللكتروني‬

‫تعتبر اإلعالنات اإللكترونية مجرد دعوة للتفاوض ‪ ،‬إذا لم يتضمن اإلعالن الشروط‬
‫الجوهرية للتعاقد ‪ ،‬أما إذا تضمن اإلعالن أحد الشروط األساسية فيعتبرإيجابا‪.‬‬

‫فاعتباراإلعالن اإللكتروني الموجه إلى المستهلك دعوة للتفاوض أو للتعاقد ‪ ،‬يكون من‬
‫خالل عدم احتواء اإلعالن على الشروط األساسية للتعاقد ‪ ،‬حيث أن بيان أسعار السلع عبر‬
‫ً‬
‫اإلنترنت يعتبرإيجابا ‪ ،‬ألن بيان األسعارهو من المعلومات الجوهرية في التعاقد " ‪.13‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬تعزيز حق المستهلك في اإلعالم والتبصرفي عقد التجارة االلكترونية‪.‬‬

‫إن االلتزام بإعالم وتبصير المستهلك يعتبر من أهم الضمانات الحمائية ‪ ،‬التي توفر‬
‫الحماية الالزمة للمستهلك‪ ،‬عند تكوين عقود التجارة اإللكترونية‪ ،‬يعرف االلتزام باإلعالم قبل‬
‫التعاقد أنه ‪ " :‬التزام سابق على التعاقد يتعلق بالتزام أحد المتعاقدين ‪ ،‬بأن يقدم للمتعاقد‬
‫اآلخرعند تكوين العقد ‪ ،‬البيانات الالزمة إليجاد رضاء سليم كامل ‪ ،‬بحيث يكون المتعاقد اآلخر‬
‫على علم بكافة تفصيالت هذا العقد‪. 14‬‬

‫كما يعرف االلتزام ‪ " :‬التزام قانوني سابق على إبرام العقد اإللكتروني ‪ ،‬يلتزم بموجبه‬
‫أحد الطرفين الذي يملك معلومات جوهرية فيما يخص العقد المزمع إبرامه ‪ ،‬بتقديمها‬

‫أساليب البيع أو تقديم الخدمات و نطاق التزامات المعلن و هوية الصناع و الباعة و المنعشين و مقدمي الخدمات‬
‫أو صفتهم أو مؤهالتهم "‬
‫‪13‬ـ عبد الله ذيب عبدالله محمود ‪ ،‬حماية المستهلك في التعاقد اإللكتروني ‪ -‬دراسة مقارنة ‪ -‬أطروحة لنيل الدكتوراه‬
‫في القانون الخاص جامعة النجاح الوطنية ‪ ،‬كلية الدراسات العليا ‪ ،‬نابلس ‪ ,‬فلسطين ‪ ,‬السنة الجامعية ‪ ، 1883‬ص‬
‫‪1 10‬‬
‫‪14‬ـ ‪ -‬المهدي نزيه ‪ ,‬محمد الصادق االلتزام قبل التعادي باإلدالء بالبيانات المتعلقة بالعقد ‪ 1‬أنواع العقود – دراسة‬
‫فقهية قصائية مقارنة ‪ -‬الطبعة األولى مصر ‪ -‬دار النهضة العربية ‪ ، 3301‬من ‪132‬‬

‫‪P 18‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫بوسائط الكترونية في الوقت المناسب و بكل شفافية و أمانة للطرف اآلخر الذي يمكنه العلم‬
‫بها بوسائله الخاصة ‪. 15‬‬

‫فقد نظمه المشرع المغربي في القانون ‪ ، 13-80‬ونص عليه في ديباجته ‪ ،‬وجعل له قسما‬
‫خاصا في نصوصه القانونية ‪ ،‬ورغم هذا أغفل المشرع التطرق لتعريف اإلعالم ‪ .‬وهذا واجب‬
‫يقع على عاتق المنهي تجاه الطرف اآلخرقليل أو عديم الخبرة ‪.‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬نطاق الحماية القانونية للمستهلك في مرحلة إبرام العقد‬

‫ال تقتصر الحماية القانونية التي أرساها المشرع المغربي للمتعاقد اإللكتروني ‪ ،‬فقط‬
‫على مرحلة ما قبل إبرام العقد ‪ ،‬بل تمتد لتشمل أيضا مرحلة إبرام العقد ‪ ،‬وذلك من خالل‬
‫توفيرمجموعة من الضمانات الحمائية للمستهلك ‪. 16‬‬

‫ومن أهم الضمانات التي سنها المشرع في القانون ‪ 13-80‬في مرحلة إبرام العقد التي من‬
‫شأنها حماية المستهلك ‪ ،‬وحمايته من الشروط التعسفية ‪ ،‬كما منحه المشرع الحق في الرجوع‬
‫أو العدول عن السلعة أو الخدمة موضوع التعاقد ‪.‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬حماية المستهلك من الشروط التعسفية في العالقة التعاقدية‬

‫يعتبر المستهلك الطرف الضعيف في العالقة التعاقدية مقارنة مع المنهي ‪ ،‬مما يجعل‬
‫عقد االستهالك مجاال خصبا للشروط التعسفية ‪ ،‬من خالل إدراجها ضمن عقود اإلذعان‪،‬‬
‫فالعقد اإللكتروني المبرم بين المستهلك و المورد ‪ ،‬ينفرد فيه هذا األخير بوضع شروط العقد ‪،‬‬
‫وال يقبل المناقشة فيها‪ ،‬وتحرر مسبقا وبشكل فردي من طرف المورد ‪ ،‬و ما على المستهلك إال‬
‫القبول بهذه الشروط إذ أراد أتمام العقد ‪.‬‬

‫فقد أورد المشرع المغربي في القانون ‪ 13-80‬حماية المستهلك من الشروط التعسفية‬


‫‪ ،‬فقد أعطى للقاض ي سلطة الفصل في نزاع ناش ئ عند تنفيذ عقد االستهالك ‪ ،‬الذي يحتوي‬

‫‪15‬ـ ‪ -‬السيد محمد السيد عمران ‪ ،‬االلتزام باإلعالم اإللكتروني قبل التعاقد عبر شبكة اإلنترنت ‪ 1‬دار الجامعية ‪,‬‬
‫القاهرة ‪ 1881‬ص ‪113‬‬
‫‪ 16‬ـ ـ حفيظة بيرنكاص ‪ ،‬الحماية القانونية للمتعاقد اإللكتروني ‪ ،‬مقال منشور في الموقع االلكتروني‪:‬‬
‫‪ ، www.droitentreprise.com‬ثم اإلطالع عليه ‪ 18‬أبريل ‪ 1811‬على الساعة العاشرة صباحا‪1‬‬

‫‪P 19‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫على شرط أو عدة شروط تتسم بالطابع التعسفي ‪ ،‬كل هذا يستدعي منا تعريف الشرط‬
‫التعسفي والتطرق للحماية القانونية والقضائية من الشروط التعسفية‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬مفهوم الشرط التعسفي ونطاقه‪.‬‬

‫يعرف هذا الشرط ‪ " :‬ذلك الشرط الذي يترتب عليه عدم توازن تعاقدي لصالح املحترف‬
‫والذي يفرضه على الطرف اآلخرالذي ال خبرة له ‪ ،‬أو المتعاقد الذي وجد في مركزعدم المساواة‬
‫الفنية و االقتصادية و القانونية في مواجهة الطرف اآلخر ‪.17‬‬

‫وعرفه البعض اآلخر ‪ " :‬كل شرط محرر مسبقا وبشكل منفرد من طرف المنهي في عقد‬
‫إذعان مبرم بينه وبين المستهلك ‪ ،‬ويسبب لفائدة المنهي عدم توازن مفرط بين حقوق و التزامات‬
‫الطرفين "‪. 18‬‬

‫أما المشرع المغربي فقد نص في المادة ‪ 30‬من القانون ‪ 80-13‬على أنه ‪ " :‬يعتبر شرطا‬
‫تعسفيا في العقود المبرمة بين المورد والمستهلك ‪ ،‬كل شرط يكون الغرض منه أو يترتب عليه‬
‫اختالل كبيربين حقوق ووجبات طرفي العقد على حساب المستهلك "‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬دورالقضاء في تعزيزحماية المستهلك من الشروط التعسفية‬

‫إن المنهي الذي يفرض شروطا تعسفية‪ ،‬غالبا ما يكون في موقع قوة ‪ ،‬تجعل منه طرفا‬
‫قويا بحكم وضعه االقتصادي‪ ،‬و يكون أيضا ذو معرفة قانونية يفرض بها شروطا ال يستطيع‬
‫المستهلك فهم آثارها عند التعاقد‪ ،‬فالمنهي يعرف خبايا األمورالمرتبطة بمهنته خالف المتعاقد‬
‫اآلخر أي المستهلك ‪ ،‬هذا األخير يحتاج إلى الحماية القانونية المنصوص عليها في القانون ‪-80‬‬
‫‪ ، 13‬و أيضا حماية من جانب القضاء‪.‬‬

‫أ ‪ :‬الحماية القانونية للمستهلك من الشروط التعسفية‬

‫نص المشرع المغربي من خالل القانون ‪ 13-80‬حماية مباشرة للمستهلك من الشروط‬


‫التعسفية‪ ،‬وذلك في القسم الثالث من هذا القانون تحت عنوان ‪ " :‬حماية المستهلك من‬

‫‪ 17‬ـ احمد الله محمد حمد الله ‪ ،‬حماية المستهلك في مواجهة الشروط التعسفية في عقود االستهالك ‪ -‬دراسة مقارنة‬
‫دار الفكر العربي القاهرة مصر ‪ 3337‬ص ‪127‬‬
‫‪18‬ـ نزهة الخلدي ‪ ،‬الحماية المدنية للمستهلك ضد شروط التعسفية‪ -‬عقد البيع نموذجا ‪ -‬أطروحة لنيل الدكتوراه في‬
‫القانون الخاص ‪ ،‬جامعة محمد الخامس أكدال السنة الجامعية ‪ 1882- 1881 :‬ص ‪121‬‬

‫‪P 20‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫الشروط التعسفية " ‪ .‬لينص في المواد من ‪ 30‬إلى ‪ 58‬على مجموعة من المقتضيات تهدف إلى‬
‫تجسيد هذه الحماية‪ ،‬حيث نصت المادة ‪ 30‬على أن إلغاء أو عرقلة حق المستهلك في إقامة‬
‫دعاوى قضائية يعتبرتعسفا ‪ ،‬ونصت على العديد من الحاالت التي تعتبرشروطا تعسفية‪.19‬‬

‫‪19‬ـ نصت المادة ‪ 30‬مع مراعاة تطبيق النصوص التشريعية الخاصة أو تقدير المحاكم أو هما معا ‪ ،‬وعلى سبيل‬
‫المثال ال الحصر ‪ ،‬تعتبر الشروط تعسفية إذا كانت تتوفر فيها شروط المادة ‪ ، 32‬ويكون الغرض منها أو يترتب‬
‫عليها ما يلي ‪:‬‬
‫‪ - 3‬إلغاء أو انتقاص حق المستهلك في االستفادة من التعويض في حالة إخالل المورد باحد التزاماته‪1‬‬
‫‪ - 1‬احتفاظ المورد بالحق في أن يغير من جانب واحد خصائص المنتوج أو السلعة المزمع تسليمها أو الخدمة‬
‫المزمع تقديمها ؛ أنه يمكن التنصيص على أنه يجوز للمورد إدخال تغييرات مرتبطة بالتطور التقني شريطة أال‬
‫تترتب عليها زيادة في األسعار أو مساس بالجودة وأن يحفظ هذا الشرط للمستهلك إمكانية بيان الخصائص التي‬
‫يتوقف عليها التزامه‪ - 1 1‬إعفاء المورد من المسؤولية القانونية أو الحد منها في حالة وفاة المستهلك أو إصابته‬
‫باضرار جسمانية نتيجة تصرف أو إغفال من المورد‪1‬‬
‫‪ -1‬إلغاء حقوق المستهلك القانونية أو الحد منها بشكل غير مالئم إزاء المورد أو طرف آخر في حالة عدم التنفيد‬
‫الكلي أو الجربي أو التنفيذ المعيب ن لدن المورد ألي االلتزامات التعاقدية ‪ ،‬بما في ذلك إمكانية مقاصة دين للمورد‬
‫على المستهلك بدين قد يستحقه هذا األخير على المورد ‪1‬‬
‫‪ - 2‬التنصيص على االلتزام النهائي للمستهلك في حين أن تنفيذ التزام المورد خاضع لشرط يكون تحقيقه رهينا‬
‫بإرادته وحده‪1‬‬
‫‪ - 6‬فرض تعويض مبالغ ه أو الجمع بين عدة تعويضات أو جزاءات عند عدم وفاء المستهلك بالتزاماته‪1‬‬
‫‪ - 7‬تخويل المورد الحق في أن يقرر فسخ العقد إذا لم تمنح نفس اإلمكانية للمستهلك ‪ ،‬والسماح للمورد باالحتفاظ‬
‫بالمبالغ المدفوعة برسم خدمات لم ينجزها بعد عندما يقوم المورد نفسه بفسخ العقد ‪1‬‬
‫‪ - 0‬اإلذن للمورد في إنهاء العقد غير محدد المدة دون إعالم سابق داخل أجل معقول ‪ ،‬ما عدا في حالة وجود سبب‬
‫خطير ‪1‬‬
‫‪ - 3‬تمديد العقد محدد المدة بصفة تلقائية في حالة عدم اعتراض المستهلك ‪ ،‬عندما يحدد أجل يبعد كثيرا عن انتهاء‬
‫مدة العقد باعتباره أخر أجل ليعبر المستهلك عن رغبته في عدم التمديد‪1‬‬
‫‪ - 38‬التأكيد على قبول المستهلك بصورة ال رجعة فيها لشروط لم تتح له بالفعل فرصة االطالع عليها قبل إبرام‬
‫العقد ‪1‬‬
‫‪ - 33‬اإلذن للمورد في أن يغير من جانب واحد بنود العقد دون سبب مقبول ومنصوص عليه في العقد ودون‬
‫إخبار المستهلك بذلك‪1‬‬
‫‪ - 31‬التنصيص على أن سعر أو تعريفة المنتوجات والسلع والخدمات يحدد وقت التسليم أو عند بداية تنفيذ الخدمة‬
‫‪ ،‬أو تحويل المورد حق الزيادة في أسعارها أو تعريفتها دون أن يكون للمستهلك ‪ ،‬في كلتي الحالتين ‪ ،‬حق مماثل‬
‫يمكنه من فسخ العقد عندما يكون السعر أو التعريفة النهائية مرتفعة جدا مقارنة مع السعر أو التعريفة المتفق عليها‬
‫وقت إبرام العقد ‪1‬‬
‫‪ 31‬ـ تخويل المورد وحده الحق في تحديد ما إذا كان المنتوج أو السلعة المسلمة أو الخدمة المقدمة مطابقة لما هو‬
‫منصوص عليه في العقد أو في تأويل أي شرط من شروط العقد ‪1‬‬
‫‪ - 31‬تقييد التزام المورد بالوفاء بااللتزامات التي تعهد بها وكالؤه أو تقييد التزاماته باحترام إجراء خاص‪1‬‬
‫‪ - 32‬إلزام المستهلك بالوفاء بالتزاماته ولو لم يف المورد بالتزاماته‪1‬‬

‫‪P 21‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫أما في المادة ‪ 30‬من القانون ‪ 13-80‬التي جاء فيها ‪ " :‬يعتبرباطال والغيا الشرط التعسفي‬
‫الوارد في العقد المبرم بين المورد و المستهلك ‪ .‬تطبيق باقي مقتضيات العقد األخرى إذا أمكن‬
‫أن يبقى العقد قائما بدون الشرط التعسفي المذكور"‬

‫‪ .‬كما نص في المادة ‪ 58‬من نفس القانون االتفاق على مخالفتها القسم الثالث تعتبرمن‬
‫النظام العام وال يجوزاالتفاق على مخالفتها‪.‬‬

‫ب ـ الحماية القضائية للمستهلك من الشروط التعسفية‬

‫يتمتع القاض ي بسلطته في تفسير شروط العقد الغامضة ‪ ،‬ويتحقق هذا الغموض في‬
‫العقد عندما تكون العبارات المستعملة غير معبرة عن النية المشتركة للمتعاقدين أو عندما‬
‫يكون لها أكثر من معنى ‪ "20‬كما ينشأ هذا الغموض عند عدم وصعوبة التوفيق بين بنود العقد‬
‫وأجزائه المكونة له فمتى كانت شروط العقد واضحة في داللتها ‪ ،‬التزم القاض ي بالمعنى الظاهر‬
‫لها دون أن ينحرف عنها ‪ ،‬طبقا للمادة ‪ 203‬من قانون االلتزامات و العقود ‪.‬‬

‫و هذا ما أكده املجلس األعلى في القرار الصادر عنه إذ جاء فيه ‪ . . " :‬وحيث إن محكمة‬
‫االستئناف قد أبعدت تطبيق الشرط لعلة أنه أضيف إلى العقد تعسفيا و دون مو افقة الطرف‬
‫اآلخردون أن تبين األسباب و المستندات التي اعتمدتها لتكوين قناعتها ‪ ،‬هذا األمرالذي يجعل‬
‫قرارها غيرمعلال تعليال كافيا ‪.21‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬الحق في التراجع أو الرجوع‬

‫منح المشرع المغربي على غرار مجموعة من التشريعات ‪ ،‬بعدد من المقتضيات‬


‫الحمائية للمستهلك ‪ ،‬تتمثل أهمها في حق المستهلك في الرجوع عن اختياره في إبرام العقد ‪.‬‬

‫‪ - 36‬التنصيص على إمكانية تقويت العقد لمورد آخر إذا كان من شأنه أن يؤدي إلى تقليص الضمانات بالنسبة‬
‫إلى المستهلك دون موافقة منه‪1‬‬
‫‪ - 37‬إلغاء أو عرقلة حق المستهلك في إقامة دعاوى قضائية أو اللجوء إلى طرق الطعن‪ ،‬وذلك بالحد بوجه غير‬
‫قانوني من وسائل اإلثبات المتوفرة لديه أو إلزامه بعبء اإلثبات الذي يقع عادة على طرف آخر في العقد ‪ ،‬طبقا‬
‫للقانون المعمول به في حالة وقوع نزاع حول عقد يتضمن شرطا تعسفيا ‪ ،‬يجب على المورد اإلدالء بما يثبت‬
‫الطابع غير التعسفي للشرط موضوع النزاع ‪1‬‬
‫‪ 20‬ـ جميل الصبحي برسوم ‪ ،‬تأويل العقود بين القانون و القضاء و الفقه في المغرب و مصر ‪ ،‬مجلة القضاء و‬
‫القانون ‪ ، 3301‬العدد ‪ ، 311‬ص‪1313‬‬
‫‪21‬ـ قرار رقم ‪ 183‬الصادر عن المجلس األعلى في الملف المدني عدد ‪ 13670‬ماي ‪ 18‬بتاريخ ‪, 3377‬‬
‫مجلة قضاء المجلس األعلى العدد ‪ 12‬السنة الخامسة ماي ‪ 3308‬ص ‪1311‬‬

‫‪P 22‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫أوال ‪ :‬مفهوم حق التراجع أو الرجوع‬

‫يعرف مفهوم حق التراجع ‪ ،‬بعدة تسميات ‪ ،‬فهناك من يطلق عليه اسم حق الخيار‪، 22‬‬
‫حق الندم ‪ ،‬حق العدول ‪ ،‬والشائع هو حق التراجع ‪ ،‬أو مهلة التروي‪ ،‬وبالرغم من إدراج المشرع‬
‫لهذا الحق في ديباجته وإعطائه أهمية ‪ ،‬إال أنه لم يحدد مفهومه ‪ ،‬وترك األمرللفقهاء والباحثين‪.‬‬

‫و ف يعرف هذا الحق أنه ‪ " :‬سلطة ممنوحة ألحد المتعاقدين باالنفراد بنقض العقد و‬
‫التحلل منه دون توقف ذلك على إرادة الطرف اآلخر‪ ،23‬كما عرفه البعض ‪ " :‬إعادة المتعاقدين‬
‫إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد ‪ ،‬ويكون بأن يرد المستهلك المنتج الذي تم تسليمه إليه‬
‫مادام أن ثمة مبررا مقبوال ‪ ، 24‬وفي تعريف آخر‪ " :‬تمكين المستهلك من حقه في الرجوع عن العقد‬
‫إلرادته المنفردة ‪ ،‬و التحلل من آثاره ‪ ،‬فيتم رد المبيع و استرداد الثمن ‪. 25‬‬

‫ثانيا ‪ :‬تنظيم المشرع المغربي للحق في الرجوع‬

‫منح المشرع المغربي للمستهلك حق الرجوع ‪ ،‬وذلك بإرادته المنفردة ‪ ،‬حيث يمكنه هذا‬
‫الحق من إنهاء العقد المبرم و إعادة السلعة إلى البائع إن تم التوصل بها ‪ ،‬دون تحمله أي‬
‫مسؤولية في ذلك‪ ،‬و نجد المشرع المغربي نظم هذا الحق في مجموعة من المواد ‪ ،‬على رأسها‬
‫المادة ‪ 13‬التي نصت على أنه ‪ " :‬للمستهلك أجل سبعة أيام كاملة لممارسة حقه في التراجع ‪،‬‬
‫ثالثين يوما لممارسة حقه في التراجع في حالة لم يف المورد بالتزامه بالتأكيد الكتابي للمعلومات‬
‫المنصوص عليها في المادتين ‪ 50‬و ‪ . 15‬ذلك دون الحاجة إلى تبرير ذلك أو دفع غرامة باستثناء‬
‫مصاريف اإلرجاع ‪.‬‬

‫‪22‬ـ نص المشرع على هذا الحق في الفصل ‪ 683‬من قانون االلتزامات و العقود ‪ " :‬يسوغ أن يشترط في عقد‬
‫البيع ثبوت الحق للمشتري أو البائع في نقضه خالل مدة محددة ‪ ,‬ويلزم أن يكون هذا الشرط صحيحا و يجوز‬
‫االتفاق عليه إما عند العقد و إما بعده في فصل إضافي"‪1‬‬
‫‪ 23‬ـ عالء حصاونة و أيمن مساعد ‪ ،‬خيار المستهلك في البيوع المنزلية و بيوع المسافة ‪ ،‬مقال منشور في محلة‬
‫حماية المستهلك ‪ ،‬منشورات مجلة القضاء المدني ‪ ،‬مطبعة المعارف الجديدة ‪ ،‬الرباط الطبعة األولى ‪، 1831 ،‬‬
‫ص ‪1 31‬‬
‫‪ 24‬ـ أسامة أحمد بدر ‪ ،‬حماية المستهلك في التعاقد اإللكتروني ‪ ،‬دار الجامعة الجديدة للنشر ‪ ،‬اإلسكندرية ‪ ،‬طبعة‬
‫‪ ، 1882‬ص ‪1138‬‬
‫‪ 25‬ـ حسن أساكتي ‪ ،‬صباح كوتو ‪ ،‬حق المستهلك في التراجع عن العقد ‪ ،‬مقال منشور في مجلة القانون و‬
‫األعمال‪ ،‬العدد ‪ ، 33‬تونبر ‪ ، 1836‬ص ‪33‬‬

‫‪P 23‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫إن اقتض ى الحال ذلك‪ ،‬تسري اآلجال المشار إليها في الفقرة السابقة ابتدءا من تاريخ‬
‫تسلم السلعة أوقبول العرض فيما يتعلق بتقديم الخدمات‪ ،‬تطبق أحكام هذه المادة مع مراعاة‬
‫أحكام المادتين ‪ 10‬و ‪." 25‬‬

‫ويبتدئ سريان أجل الرجوع ‪ ،‬المنصوص عليه قانونيا و هو ‪ 0‬أيام ‪ ،‬يكون ابتدءا من‬
‫تاريخ الطلبية أو االلتزام بالشراء عن طريق إرسال االستمارة القابلة لالقتطاع من العقد‬
‫بواسطة وسيلة تثبت التوصل ويعتبر حق التراجع من النظام العام ‪ ،‬الش يء الذي يمنع المورد‬
‫أن يشترط على المستهلك التنازل أو التخلي عنه‪ ،‬كما نصت المادة ‪ 10‬من القانون ‪ 13-80‬على‬
‫أنه ‪ ،‬ال يمكن أن يمارس حق التراجع ‪ ،‬إال إذا اتفق الطرفان على خالف ذلك ‪ ،‬في حاالت معينة‬
‫على الحصرص المادة ‪ 10‬على أنه ‪ " :‬ال يمكن أن يمارس حق التراجع ‪ ،‬إال إذا اتفق الطرفان على‬
‫خالف ذلك‪ ،‬في العقود المتعلقة بما يلي ‪:‬‬

‫‪ - 3‬الخدمات التي شرع في تنفيذها بمو افقة المستهلك قبل انتهاء أجل السبعة أيام‬
‫كاملة‪.‬‬

‫‪ - 5‬التزويد بالمنتجات أو السلع أو الخدمات التي يكون ثمنها أو تعريفتها رهينا بتقلبات‬
‫أسعارالسوق المالية‪.‬‬

‫‪ - 1‬التزويد بالسلع المصنوعة حسب مواصفات المستهلك أو المعدة له خصيصا أو‬


‫التي ال يمكن بحكم طبيعتها إعادة إرسالها أو تكون معرضة للفساد أو سريعة التلف ‪.‬‬

‫‪ - 2‬التزويد بتسجيالت سمعية أو بصرية أو برامج معلوماتية عندما يطلع عليها‬


‫المستهلك‪ 0 .‬ـ التزويد بالجرائد أو الدوريات أو املجالت‪.‬‬

‫وللمستهلك حق التراجع دون اللجوء إلى القضاء أو الحصول على مو افقة الطرف‬
‫اآلخر‪ ،‬فالمورد يكون ملزما برد المبلغ المدفوع كامال ر على أبعد تقدير داخل ‪ 30‬يوما الموالية‬
‫للتاريخ الذي تمت فيه ممارسة هذا الحق‪ ،‬وفي حالة عدم احترام هذا األجل تترتب على المبلغ‬
‫المستحق فوائد بالسعر القانوني‪ .‬وفي حالة رفض المورد رد المبالغ المدفوعة فإنه يعاقب‬

‫‪P 24‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫بغرامة ‪ 3588‬إلى ‪ ،08888‬وفي حالة العود ترفع الغرامة إلى الضعف طبقا للمادة ‪ 26300‬من‬
‫القانون ‪. 13-80‬‬

‫خاتمة ‪:‬‬

‫وفي الختام فإن المشرع سعى من خالل مقتضيات القانون ‪ 13-80‬المتعلق بحماية‬
‫المستهلك لضمان حماية فعالة وناجعة ‪ ،‬إال أنه بالرجوع لهذه النصوص تبقى في إطارها عامة‬
‫تنطبق على المستهلك العام ‪ ،‬مثلما تنطبق على المستهلك اإللكتروني ‪ ،‬مع بعض الخصوصيات‬
‫املحدودة خصوصا في ظل تطور وارتفاع مخاطر التجارة اإللكترونية‪،‬إذ يالحظ عدم كفاية و‬
‫محدودية التدابير التي جاء بها القانون ‪ 13-80‬المتعلق بحماية المستهلك ‪ ،‬و عدم توازن‬
‫مصلحة المستهلك والمورد في عقود التجارة اإللكترونية ‪ ،‬ومن جهة أخرى عدم التزام مو اقع‬
‫التجارة اإللكترونية بالمقتضيات القانونية ‪ ،‬التي توفر الحماية للمستهلك اإللكتروني ‪ ،‬مما‬
‫يؤدي إلى انعدام الثقة في التجارة اإللكترونية‪ ،‬إضافة لعدم حصر المشرع ملجال ونطاق‬
‫الشروط التعسفية في عقود اإلذعان ‪ ،‬باعتبارها مجاال خصبا النتشار مثل هذه الشروط ‪ ،‬ومن‬
‫هذا المنطلق فالمشرع والقضاء مدعوان لتكثيف الضمانات الحمائية للمستهلك االلكتروني‬
‫خصوصا في ظل التوجه الجديد الذي تعرفه التجارة االلكترونية سواء على الصعيد الوطني أو‬
‫على الصعيد الدولي‪.‬‬

‫الئحة المراجع‪:‬‬

‫القانون رقم ‪ 13-80‬الصادر بتنفيذ ظهير شريف رقم ‪ 3 . 33.8‬الصادر في ‪ 32‬ربيع األول‬
‫‪ 30 ( 3215‬فبراير‪ , ) 5833‬بالجريدة الرسمية عدد ‪ 0015‬بتاريخ ‪ 1‬جمادى األولى ‪ 0 ( 3215‬أبريل‬
‫‪ ) 5833‬ص ‪.3805‬‬

‫القانون رقم ‪ 01-80‬الصادر بتنفيذ ظهير شريف رقم ‪ 3. 80.350‬الصادر في ‪ 30‬من ذي‬
‫القعدة ‪ 18 ( 3250‬نونبر ‪ , ) 5880‬بالجريدة الرسمية عدد ‪ 0002‬بتاريخ ‪ 50‬ذو القعدة ‪3 ( 3250‬‬
‫ديسمبر‪ ) 5880‬ص ‪. 1000‬‬

‫‪26‬ـ يعاقب بغرامة من ‪ 3188‬إلى ‪ 281888‬درهم المورد الذي يرفض إرجاع المبالغ إلى المستهلك‪ ،‬وفق الشروط‬
‫المنصوص عليها في المادتين ‪ 17‬و ‪ 18‬في حالة العود ترفع الغرامة إلى الضعف يعتبر في حالة العودة من يرتكب‬
‫مخالفة داخل أجل الخمس سنوات الموالية لصدور حكم حائز على قوة الشيء المقضي به من أجل أفعال مماثلة‪1‬‬

‫‪P 25‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫القانون رقم ‪ 80-80‬الصادربتنفيذ ظهيرشريف رقم ‪ 3.80.30‬الصادرفي ‪ 55‬صفر‪3218‬‬


‫( ‪ 30‬فبراير ‪ , ) 5880‬بالجريدة الرسمية عدد ‪ 0033‬بتاريخ ‪ 50‬صفر‪ 51 ( 3218‬فبراير‪. ) 5880‬‬

‫جامع مليكة ‪ .‬حماية المستهلك المعلوماتي ‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في العلوم‬
‫القانونية ‪ -‬القانون الخاص‪ -‬جامعة الجياللي اليابس سيدي بلعباس ‪ ,‬الجزائر كلية الحقوق و‬
‫العلوم السياسية قسم الحقوق ‪. 5830-5830‬‬

‫کوثر سعيد عدنان حماية المستهلك اإللكتروني ‪ ،‬الطبعة األولى دار الجامعة الجديدة‬
‫األزاريطة ‪ ,‬اإلسكندرية ‪. 5830‬‬

‫حماية المستهلك في معامالت التجارة االلكترونية في ضوء التشريع المغربي ‪ ،‬بدون ذكر‬
‫المؤلف مقال منشورفي الموقع االتي ‪ www farirdrait.com 17‬أبريل ‪ ، 5853‬تم اإلطالع عليه‬
‫في ‪ 58‬أبريل ‪ 5855‬الساعة العاشرة صباحا‪.‬‬

‫عبداني شمس الدين ‪ ،‬آية حماية للمستهلك اإللكتروني في المغرب ‪ ,‬مجلة القانون و‬
‫األعمال العدد الثاني ديسمبر‪. 5833‬‬

‫عبد الحكيم زروق‪ ،‬تنظيم التبادل اإللكتروني للمعطيات القانونية عبراإلنترنت الطبعة‬
‫األولى مطبعة الكرامة ‪ 5833‬الرباط‪.‬‬

‫إبراهيم خالد ممدوح ‪ ،‬حماية المستهلك في المعامالت اإللكترونية ‪ ،‬دراسة مقارنة ‪-‬‬
‫الطبعة األولى ‪ ،‬مصر‪ ،‬الدارالجامعية ‪. 5880 ،‬‬

‫بوعبيد عباس ي ‪ ،‬االلتزام في العقود دراسة في حماية المتعاقد و المستهلك ‪ ،‬الطبعة‬


‫األولى ‪ ،‬المطبعة و الور اقة الوطنية ‪ ،‬مراکش ‪. 5880 ،‬‬

‫‪P 26‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫خصوصية مسطرة التحفيظ العقاري‬


‫ودورها يف محاية األمالك الوقفية العامة‬
‫‪The peculiarity of the real estate preservation ruler and its role in‬‬
‫‪protecting public endowment property‬‬
‫مقدمة ‪:‬‬
‫إن صيانة الرصيد العقاري الوقفي وحمايته من التطاول واالعتداء الذي قد يطاله‬
‫يتطلب اإلسراع في تصفيته القانونية والتعرف عليه لجعله وسيلة ناجعة للتنمية المستدامة‪،‬‬
‫مما يسمح معه للجهات المشرفة على العقار وضع نظام ومخططاتها التعميرية وتصوراتها‬
‫المستقبلية‪ ،‬وذلك من خالل نظام التحفيظ العقاري‪.‬‬

‫ولتحقيق هذا الهدف‪ ،‬خصه المشرع ‪-‬أي الوقف‪ -‬بمجموعة من الخصوصيات‬


‫واالمتيازات أثناء مسطرة التحفيظ‪ .‬إذ نص المشرع على ضرورة تقديم مطالب لتحفيظ‬
‫العقارات الموقوفة وتتبع وضعيتها بانتظام من قبل الجهة المكلفة بذلك إلى حين انتهاء‬
‫اإلجراءات بشأنها‪ ،‬وكذا التعرض على مطالب التحفيظ المقدمة من قبل الغير والتي تمس‬
‫بحقوق األوقافـ وقد ينصب الوقف على عقارات في طورالتحفيظ‪ .‬لذلك كان لزاما على المشرع‬
‫إيجاد آليات لحماية كل من ترتب له حق على عقارفي طورالتحفيظ تتراوح بين مسطرة الخالصة‬
‫اإلصالحية ومسطرة اإليداع طبقا للفصل ‪ 02‬من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم‬
‫بمقتض ى القانون رقم ‪.32.80‬‬

‫بناء على ذلك‪ ،‬يمكننا ان نتساءل حول إمكانية التوفيق والمالءمة بين خصوصيات‬
‫وأهداف المادة الوقفية كعمل يندرج في إطار أعمال التبرعات وبين القواعد العامة لنظام‬
‫التحفيظ العقاري‪.‬‬

‫‪P 27‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫هذا ما سنحاول اإلجابة عنه من خالل الحديث عن مميزات الوقف في مسطرة التحفيظ‬
‫العقاري (المبحث األول)‪ ،‬ثم لخصوصيات الوقف المنصب على العقارات في طورالتحفيظ في‬
‫(المبحث الثاني)‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬مميزات الوقف في مسطرة التحفيظ العقاري‬

‫إن حماية الوقف تتم بإيداع مطلب التحفيظ وما يقتضيه من عمليات اإلشهار‬
‫الواسعة‪ ،‬وتثبيت حدود العقار ( المطلب األول)‪ ،‬وكذا عن طريق سلوك مسطرة التعرض في‬
‫مواجهة مطالب التحفيظ المقدمة من الغير و الشاملة لبعض العقارات الموقوفة ( المطلب‬
‫الثاني)‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬الجهة المكلفة بتقديم مطالب تحفيظ األمالك الوقفية‬

‫لقد أحاط المشرع األمالك الوقفية بمجموعة من الخصوصيات واالمتيازات‪ ،‬كاإلعفاء‬


‫من صوائرإيداع مطالب التحفيظ عندما يتعلق األمربتحفيظ العقارات الموقوفة وقفا عاما‪27‬‬

‫وعدم القابلية للتفويت أو التقادم وإجبارية التحفيظ عند معاوضة العقارات املحبسة تحبيسا‬
‫عموميا‪.28‬‬

‫وهكذا متى كان العقار املحبس أو المقايض به غير محفظ‪ ،‬فإنه يلزم وقبل إتمام‬
‫المقايضة تحفيظ هذا العقاربطلب من وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية أوبطلب من صاحب‬
‫العقار المقايض به‪ ،29‬وذلك بهدف تعميم نظام التحفيظ العقاري للعقارات الموقوفة وكذا‬

‫‪ - 27‬وكذلك فاإلدارة المكلفة باألوقاف سواء كانت مدعية أو مدعى عليها فهي تبقى معفية من أداء المصاريف القضائية ما تعلق منها‬
‫برفع الدعوى أمام املحكمة أو مصاريف الدفاع أو التحقيق أو المعاينة ‪ ...‬وكذألك كما هو منصوص عليه في قانون املحاماة أن‬
‫أتعاب املحامي المنتصب للدفاع عن حقوق المتقاض ي ال يمكن إقامة دعوى للبت في النزاعات المتعلقة بتحديدها‪ ،‬سواء في القواعد‬
‫العامة أو في األوقاف‪ .‬إال أنه مع صدور مدونة األوقاف فإنه أصبح بإمكان إدارة األوقاف إقامة دعوى للبت في النزاعات المتعلقة‬
‫بتحديد أتعاب املحامي المنتصب للدفاع عن حقوق األوقاف‪ ،‬وذلك استثناء من مقتضيات القانون رقم ‪ 0..2.‬المتعلق بتنظيم‬
‫مهنة املحاماة‪.‬‬
‫‪ - 28‬تنص المادة ‪ 20‬من مدونة األوقاف على أنه‪" :‬يشترط إلجراء أي معاوضة عينية لألوقاف العامة ان تكون العين المعاوضة بها‬
‫محفظة وأن تساوي أو تفوق قيمتها التقديرية قيمة العين الموقوفة "‪.‬‬
‫للتوسع أكثر‪ ،‬ينظر‪:‬‬
‫‪ -‬محمد عرظاوي‪" ،‬التحفيظ اإلجباري في التشريع المغربي‪ -‬بين اإلكراهات القانونية والتحديات المستقبلية" رسالة لنيل دبلوم‬
‫الماستر في القانون الخاص‪ ،‬جامعة محمد األول‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية بوجدة‪ ،‬السنة الجامعية‬
‫‪0202‬ـ‪ 0200‬ص‪.02 :‬‬
‫‪29‬ـ إدريس الفاخوري‪" ،‬نظام التحفيظ العقاري وفق مستجدات القانون رقم ‪ "00.22‬منشورات مجلة الحقوق‪ ،‬سلسلة المعارف‬
‫القانونية والقضائية‪ ،‬مطبعة المعارف الجديدة الرباط‪ ،‬الطبعة ‪ ،0202‬ص‪.0. :‬‬

‫‪P 28‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫تتبع جميع ما يطال هذا الرصيد العقاري المهم من عمليات نزع الملكية من أجل المنفعة‬
‫العامة أو التحديدات اإلدارية أو التحفيظ الجماعي أو ضم األراض ي الفالحية بعضها إلى بعض‬
‫أو االعتداءات المادية من طرف الغير‪.‬‬

‫وقد اختلف الفقه القانوني حول تحديد من له الصفة في تقديم مطلب التحفيظ في‬
‫اسمه‪ ،‬حيث ذهب جانب منهم‪ 30‬إلى تأييد إمكانية تقديم مطلب التحفيظ من طرف ناظراألوقاف‬
‫مستندا إلى مقتضيات المرسوم الذي تم بموجبه تعميم نظام التحفيظ العقاري على جميع‬
‫العقارات الحبسية‪ ،31‬حيث نص في فصله األول على أن المقتضيات التشريعية و التنظيمية‬
‫المتعلقة بنظام التحفيظ العقاري والسيما ظهير‪ 35‬غشت ‪ 3031‬تطبق على العقارات الحبسية‬
‫الكائنة في أنحاء البالد الجاري عليها هذا النظام أي نظام التحفيظ العقاري‪.‬‬

‫وهذا التوجه يبقى محل نظر‪ ،‬على اعتبار أن ناظر األوقاف ال يملك أي حق عيني على‬
‫العقار الموقوف ‪ ,‬كل ما في األمر أن القانون أناط به سلطة إدارة وتسيير المال الموقوف‬
‫واملحافظة عليه بأمرمن وزارة األوقاف و الشؤون اإلسالمية‪.‬‬

‫في المقابل‪ ،‬يذهب جانب آخر ‪ 32‬إلى تأييد إمكانية تقديم مطلب التحفيظ من طرف‬
‫الو اقف سواء أكان شخصا طبيعيا أومعنويا مستندا في ذلك على موقف المذهب المالكي الذي‬
‫يقول بعدم زوال ملكية الو اقف للعقار الموقوف بل تظل ملكيته له‪ .‬غير أن هذا الرأي يبقى‬
‫منتقدا السيما أن املحبس ال يمكنه التصرف فيه خالل حياته بعد وقفه‪ .‬لذلك ذهب جانب آخر‬
‫إلى ضرورة تقديم مطلب التحفيظ من طرف المستفيد من الوقف‪.‬‬

‫وبناء على ذلك‪ ،‬فإن مطلب تحفيظ العقارات الموقوفة يتم تقديمه بإيعاز من وزارة‬
‫األوقاف والشؤون اإلسالمية أو من طرف ناظراألوقاف الذي خول له المشرع صالحية ذلك‪.33‬‬

‫‪ - 30‬عبد الرزاق الصبيحي‪" ،‬الحماية المدنية لألوقاف العامة" منشورات وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية في المغرب‪ ،‬مطبعة‬
‫األمنية الرباط‪ ،‬سنة ‪ ،0222‬ص‪.01 :‬‬
‫‪ - 31‬المرسوم رقم ‪ 01022.‬الصادر بتاريخ ‪ 02‬رمضان ‪ 02.0‬هـ الموافق لـ ‪ 0‬فبراير ‪ ،0210‬المنشور بالجريدة الرسمية عدد ‪. 020.‬‬
‫‪ - 32‬عمر السكتاتي‪" ،‬دور التحفيظ العقاري في حماية العقارات الموقوفة" مساهمة ضمن أعمال الندوة العلمية التي نظمتها مجلة‬
‫المنبر القانونية بشراكة مع القضاء المدني يوم ‪ 20‬مايو ‪ 0200‬بتيزنيت‪ ،‬تحت عنوان قانون التحفيظ العقاري بين روح ظهير ‪0202‬‬
‫ومستجدات قانون ‪ ،00.22‬سلسلة ندوات وأبحاث‪ ،‬العدد األول‪ ،‬مطبعة المعارف الجديدة الرباط‪ ،‬سنة ‪ ،0200‬ص‪..0 :‬‬
‫‪ - 33‬عبد الرزاق حباني‪" ،‬الحماية القانونية للعقارات املحبسة ‪ -‬دراسة في الوسائل وفي اآلثار ‪ "-‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون‬
‫الخاص‪ ،‬جامعة الحسن الثاني‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية عين الشق الدار البيضاء‪ ،‬السنة الجامعية‪0220 :‬‬
‫– ‪ ،0221‬ص‪0.2. :‬‬

‫‪P 29‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫وهذا الغموض انعكس سلبا على مستوى عمل مصالح املحافظة العقارية‪ ،‬حيث أدى‬
‫هذا الخلط في التأويل إلى تحفيظ بعض العقارات الموقوفة في اسم وزارة األوقاف والشؤون‬
‫اإلسالمية في حين أن هذا األخيرما هو إال قطاع حكومي مكلف بتدبيرو إدارة هذه األوقاف‪ .‬كما‬
‫تم تحفيظ عدد من العقارات في اسم ناظر األوقاف بصفته ممثال للنظارة التي يترأسها وأحيانا‬
‫بصفته المالك باسمه الشخص ي بالرغم من أنه ليس له أي حق عيني على العقار المطلوب‬
‫تحفيظه‪ ،‬بل إن بعضها تم تحفيظه في اسم أحباس مدينة من المدن (كأحباس مدينة مكناس‬
‫وأحباس مدينة فاس واألحباس الكبرى لمدينة وجدة)‪.‬‬

‫الرأي فيما أعتقد أن الرأي األول حري بالتأييد‪ ،‬ألن ناظر األوقاف بالرغم من أنه ال‬
‫يملك أي حق عيني على العقارالموقوف‪ ،‬إال أن القانون أناط به سلطة اإلشراف وتسييرهذه‬
‫العقارات‪ ،‬وبالتالي فهو ملزم باملحافظة عليها وحمايتها من كل اعتداء‪ ،‬وذلك تحت مسؤوليته‪،34‬‬
‫فهو بمثابة الولي أو الوص ي أو المقدم على محجوره‪.‬‬

‫وإذا كان الوقف ملكا ممنوعا من التملك واإلرث والهبة ونحوهما طالما أنه خصص‬
‫للغرض الذي حبس من أجله‪ ،35‬فهو بذلك يكتسب الحقوق ويتحمل االلتزامات حيث يتمتع‬
‫بشخصية معنوية مستقلة بصريح المادة ‪ 08‬من مدونة األوقاف‪ .36‬ولعل ذلك ما جعل المشرع‬
‫يخول وزارة األوقاف ممثلة في نظارة األوقاف الصفة في تقديم مطالب التحفيظ وإن كان معقبا‬
‫أو مشتركا‪ .‬والتعرض على تحفيظه كملك خاص‪ ،‬وهو ما ذهبت إليه محكمة النقض في أحد‬
‫قراراتها الذي جاء فيه على أنه‪ " :37‬حيث تبين صحة ما عابته الطاعنة على القرار فطالبو‬
‫التحفيظ اعتمدوا في مطلب تحفيظ العقار محل النزاع على عقد الحبس‪ ،‬وهم بذلك يقرون‬
‫بأن هذا العقارمحبس ألنه من أدلى بحجة فهو قائل بما فيها‪ .‬كما أن ناظراألوقاف له الصفة في‬
‫املحافظة على األموال املحبسة‪ ،‬والتعرض على العقارات المراد تحفيظها كأمالك خاصة‪ ،‬وأن‬

‫‪ - 34‬حسن بوخرص ى‪" ،‬النظام القانوني للمسؤولية في مدونة األوقاف" مجلة قراءات في القوانين العقارية الجديدة‪ ،‬منشورات مجلة‬
‫الحقوق مطبعة المعارف الجديدة الرباط‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،0202‬ص‪ 01. :‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ - 35‬محمد بن صالح الصوفي‪" ،‬الحقوق العينية العرفية اإلسالمية ‪ -‬دراسة مقارنة بين الفقه اإلسالمي والقانون المغربي" دار القلم‬
‫للطباعة والنشر‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،0220‬ص‪.20. :‬‬
‫‪ - 36‬تنص المادة ‪ 02‬من مدونة األوقاف في فقرتها الثالثة على أنه‪ .... " :‬يتمتع الوقف العام بالشخصية االعتبارية منذ إنشائه وتتولى‬
‫إدارة األوقاف تدبير شؤونه وفقا ألحكام هذه المدونة"‪.‬‬
‫‪ - 37‬تغير تسمية املجلس األعلى باسم محكمة النقض بمقتض ى الظهير الشريف الصادر بتنفيذ القانون رقم ‪ .000‬المتعلق بمحكمة‬
‫النقض المغير بموجبه الظهير الشريف رقم ‪ .0.02.002‬الصادر بتاريخ ‪ 02‬أكتوبر ‪ 0202‬بشأن املجلس األعلى الجريدة الرسمية عدد‬
‫‪ 02.2‬المنشورة بتاريخ ‪ 01‬أكتوبر ‪.0200‬‬

‫‪P 30‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫القرار المطعون فيه لما اعتبر ‪ ...‬ناظر األحباس ال صفة له في التعرض على المطالب فقد جاء‬
‫غير مرتكز على أساس ‪38. "...‬‬

‫فاالعتراف للوقف بالشخصية المعنوية تترتب عنه ذمة مالية مستقلة عن ناظر‬
‫األوقاف أو متوليه وعن ذمة الو اقف و الموقوف عليهم‪ .‬فمال الوقف وجميع حقوقه التزاما‬
‫خاصا به‪ ،‬وأن ذمته ال تشتغل بذمة غيره مهما كان وتكون هي المالكة اعتبارا لجميع حقوقه‬
‫وأمواله وأ ن دائني الو اقف أو الناظر أو الموقوف عليه ليس لهم حق على ذمة الوقف‪ .‬كما أن‬
‫ديونه ال يطالب بها غير الو اقف نفسه كما أنه ال تقع المقاصة بين ديون الوقف وديون هؤالء‪.‬‬
‫كما له كذلك حق رفع الدعوى وحق التقاض ي بواسطة ممثله القانوني و هو ناظراألوقاف‪.‬‬

‫لم يستطع استيعاب مضمون الوقف الحقيقي‬ ‫الغربي‪39‬‬ ‫إال أن بعض الفقه‬
‫بخصوصياته وأهدافه فاعتبره‪ :‬إخراجا للش يء ليس فقط من الملكية‪ ،‬بل من نظام األموال‬
‫الدنيوي ليدخلها ضمن نظام يسمو على العالقات واإلرادات البشرية " وهو بهذا القول إنما‬
‫يخرج الوقف نفسه من دائرة التعامل اإلنساني‪ .‬كما هو في أصله لينقله إلى عالم نظري مجرد ال‬
‫تترتب عنه أي آثارقانونية‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مسطرة التعرض كآلية لتحقيق حماية مالئمة للعقارات الموقوفة‬

‫يعتبرالتعرض من أهم الوسائل المقررة لحماية األشخاص المتضررة من جراء مسطرة‬


‫التحفيظ‪ ،‬فهو كما عرفه بعض الفقه‪ 40‬بأنه‪" :‬وسيلة قانونية يمارسها الغيرللحيلولة دون إتمام‬
‫إجراءات التحفيظ‪ ،‬وذلك خالل اآلجال القانونية المقررة ويهدف التعرض بهذا المعنى إلى‬
‫توقيف إجراءات التحفيظ من طرف املحافظ وعدم االستمرارفيها إلى أن يرفع التعرض ويوضع‬
‫حدا للنزاع عن طريق املحكمة أو إبرام الصلح بين األطراف"‪.‬‬

‫‪ - 38‬قرار رقم ‪ 0002‬الصادر بتاريخ ‪ 0222/21/02‬ملف مدني رقم ‪22‬ـ‪0‬ـ‪ 0100‬منشور بمجلة قضاء املجلس األعلى‪ ،‬العدد المزدوج‬
‫‪ ،12/02‬يناير ـ يوليوز‪ ،‬السنة ‪ 0220‬ص‪.00 :‬‬
‫‪39 - M.Messini . Luccioni Joseph. « les fondations pieuses : Habous au Maroc depuis les Origines‬‬

‫‪jusqu'à 1956 » Imprimerie Royal Rabat (1982) p 21.‬‬


‫‪ - 40‬محمد خيري‪" ،‬التعرضات اثناء التحفيظ العقاري في التشريع المغربي" دار الثقافة العربية الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬سنة‬
‫‪ ،02.2‬ص‪.1 :‬‬

‫‪P 31‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫كما عرفه فقه آخر‪ 41‬بأنه ادعاء يتقدم به أحد من الغير ضد طالب التحفيظ ينازع‬
‫بمقتضاه المتعرض في أصل حق ملكية طالب التحفيظ أو في مدى هذا الحق أو في الحدود‬
‫فقط‪ ،‬أو يطالب بحق عيني مترتب له على هذا العقد وينكره عليه طالب التحفيظ الذي لم يشر‬
‫إليه في مطلب التحفيظ‪.‬‬

‫وبناء على ذلك‪ ،‬وحتى ال تضيع حقوق األحباس‪ ،‬يجب على السلطة الحكومية المكلفة‬
‫باألوقاف التعرض على مطالب التحفيظ التي يتقدم بها األغياروالتي تمس بحقوقها‪ ،‬ويقدم هذا‬
‫التعرض طبق الفصل ‪ 52‬من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بمقتض ى القانون رقم‬
‫‪ 4232.80‬داخل أجل شهرين يبتدئ من يوم نشراإلعالن عن انتهاء التحديد في الجريدة الرسمية‬
‫‪. 43‬‬

‫غيرأنه استثناء للمحافظ على األمالك العقارية قبول التعرضات المقدمة خارج اآلجال‬
‫من طرف السادة نظاراألوقاف وهم من لهم صالحية تقديم التعرضات‪ ،44‬حتى ولو لم يكن قد‬
‫قدم أي تعرض من قبل طبقا لمقتضيات الفصل ‪ 50‬من ظهير التحفيظ العقاري الذي عوض‬
‫وتمم بالقانون رقم ‪ ،4532.80‬بحيث تبقى له سلطة قبول التعرض أو رفضه‪ .‬وفي حالة الرفض‪،‬‬

‫‪ - 41‬مأمون الكزبري‪" ،‬التحفيظ العقاري الحقوق العينية األصلية والتبعية في ضوء التشريع المغربي" الجزء األول‪ ،‬التحفيظ‬
‫العقاري‪ ،‬شركة الهالل العربية للطباعة والنشر‪ ،‬الرباط‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،02.2 ،‬ص‪.0. :‬‬
‫‪ - 42‬ينص الفصل ‪ 41‬من ظهير التحفيظ العقاري المعدل بقانون ‪ 41.01‬على أنه‪ " :‬يمكن لكل شخص يدعي حقا على عقار‬
‫تم طلب تحفيظه أن يتدخل عن طريق التعرض في مسطرة التحفيظ خالل أجل شهرين يبتدئ من يوم نشر اإلعالن عن‬
‫انتهاء التحديد في الجريدة الرسمية إن لم يكن قام بذلك من قبل وذلك‪:‬‬
‫‪ - 4‬في حالة المنازعة في وجود حق الملكية لطالب التحفيظ أو في مدى هذا الحق أو بشأن حدود العقار؛‬

‫‪ -4‬في حالة االدعاء باستحقاق حق عيني قابل للتقييد بالرسم العقاري الذي سيقع تأسيسه؛‬

‫‪ -3‬في حالة المنازعة في حق وقع اإلعالن عنه طبقا للفصل ‪ 41‬من هذا القانون"‪1‬‬

‫‪ - 43‬إدريس الفاخوري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪. 00 :‬‬


‫‪ - 44‬وتجدر اإلشارة إلى أن رفع اليد عن التعرضات أو التنازل عنها يبقى رهينا بالموافقة الكتابية لوزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ - 45‬ينص الفصل ‪ 42‬من ظهير التحفيظ العقاري الذي نسخ و عوض بقانون رقم ‪ 41.01‬على أنه‪ " :‬بعد انصرام األجل‬
‫المحدد في الفصل ‪ 41‬أعاله يمكن أن يقبل التعرض بصفة استثنائية من طرف المحافظ على األمالك العقارية‪ ،‬ولو لم يرد‬
‫على مطلب التحفيظ أي تعرض سابق‪ ،‬شريطة أن ال يكون الملف قد وجه إلى المحكمة االبتدائية‪1‬‬
‫يتعين على المتعرض أن يدلي للمحافظ على األمالك العقارية‪ ،‬بالوثائق المبينة لألسباب التي منعته من تقديم تعرضه داخل‬
‫األجل‪ ،‬وبالعقود والوثائق المدعمة لتعرضه‪ 1‬كما يتعين عليه أن يؤدي الرسوم القضائية وحقوق المرافعة أو يثبت حصوله‬
‫على المساعدة القضائية‪ 1‬يكون قرار المحافظ على األمالك العقارية برفض التعرض غير قابل للطعن القضائي "‪1‬‬

‫‪P 32‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬
‫فإن قراره يكون نهائيا غير قابل للطعن القضائي‪ ،‬و توجه المشرع هذا كما يرى أحد الباحثين ‪46‬‬

‫يتنافى مع دولة المؤسسات التي تنبني على المشروعية والرقابة القضائية على القرارات اإلدارية‪،‬‬
‫واعتبرت أن هذا الفصل مثله في ذلك مثل فصول أخرى جاءت لحماية مصالح املحافظين‬
‫العقاريين‪.‬‬

‫إال أن ظهير التحفيظ العقاري حاول إيجاد مجموعة من الحلول الممكنة ملختلف‬
‫الثغرات التي كانت موجودة في الفصل ‪ 50‬قبل نسخه وتعويضه‪ .‬كما خول للمحافظ صالحيات‬
‫واسعة في قبول التعرض من عدمه دون أن تشاركه في ذلك أية جهة أخرى‪ ،‬خالفا للفصل‬
‫السابق الذي كان يخول لوكيل الملك إمكانية قبول التعرضات خارج اآلجال وما نتج عنها من‬
‫آثار سلبية من خالل تداخل صالحيات كل من وكيل الملك واملحافظ على األمالك العقارية‪،‬‬
‫األمر الذي ينعكس سلبا على مسطرة التحفيظ العقاري‪ .‬كما أن صالحيات محكمة الموضوع‬
‫تقتصر على البت في موضوع التعرض‪ ،‬نوعه ومحتواه ومداه‪ .‬كما أحاله املحافظ على كتابة‬
‫الضبط سواء من حيث الحقوق المطالب بها أو من حيث المستندات المدلى بها دون أن تناقش‬
‫شكليات التعرض‪ ،‬حسب الفصل ‪ 10‬من ظهير التحفيظ العقاري المعدل و المتمم بقانون‬
‫‪ ،4732.80‬وهو ما ذهبت إليه محكمة االستئناف بطنجة في قرارلها جاء في حيثياته ما يلي‪....." :48‬‬
‫حيث إنه بخصوص مخالفة الحكم المستأنف لكون التعرض قد خارج أجله القانوني‪ ,‬هوسبب‬
‫يبقى غير مؤسس‪ ،‬ألن محكمة التحفيظ ال تنظر في شكليات التعرض من حيث تقديمه داخل‬
‫األجل أو خارجه‪ ،‬ألن أمرذلك يدخل في اختصاصات املحافظ على األمالك العقارية‪ ،‬وأن نظرها‬
‫يقتصرعلى البت في موضوع التعرض من حيث صحته وعدمه فقط "‪.‬‬

‫وقد صدرتوجه آخر ملحكمة النقض يخفف من حدة الموقف المعلن عنه أعاله مفاده‬
‫أن ‪ " :‬الفصل ‪ 10‬من ظهير التحفيظ العقاري ال يمنع قضاة الموضوع من فحص الرسوم‬

‫‪ - 46‬عدي وردة‪" ،‬قراء أولية لمستجدات قانون التحفيظ العقاري" مساهمة ضمن أشغال الندوة المنظمة من طرف جمعية املحامين‬
‫الشباب بنادي املحامين ب الناظور يوم ‪02‬أكتوبر ‪ ،0200‬تحت عنوان قراءة في القانون رقم ‪ ،00.22‬ص‪. :‬و‪. 2‬‬
‫‪ - 47‬ينص الفصل ‪ 22‬في فقرته الثانية من قانون ‪ 00.22‬على أنه‪" :‬تبت املحكمة في وجود الحق المدعى به من قبل المتعرضين وطبيعته‬
‫ومشتمالته ونطاقه‪ ،‬وتحيل األطراف للعمل بقرارها‪ ،‬بعد اكتساب الحكم قوة الش يء المقض ي به‪ ،‬على املحافظ على األمالك العقارية‬
‫الذي له وحده النظر في قبول أو رفض مطلب التحفيظ كال أو بعضا مع االحتفاظ بحق الطعن المنصوص عليه في الفصل ‪ 22‬مكرر‬
‫‪." ...‬‬
‫‪48‬ـ قرار صادر عن محكمة االستئناف بطنجة رقم ‪ 0.0‬بتاريخ ‪022.‬ـ‪20‬ـ‪ 00‬ملف شرعي عدد ‪.‬ـ‪22‬ـ‪21‬ـ‪ ،‬أشار إليه عمر السكتاتي‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص‪..2 :‬‬

‫‪P 33‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫المستدل بها من لدن األطراف ليقارنوا بين قوة إثبات كل رسم وذلك بما يملكون من كامل‬
‫السلطة في هذا الشأن ‪49‬‬

‫كما ذهبت ابتدائية الناظورفي حكم لها إلى أنه‪ " :50‬من الثابت قانونا في ميدان التحفيظ‬
‫العقاري أن املحكمة المعروض عليها التعرض على مطلب التحفيظ يجب أن تبت في حدود ما‬
‫هو منصوص عليه في الفصل ‪ 10‬من ظهيرالتحفيظ العقاري بأن تتأكد من وجود الحق المدعى‬
‫عليه من قبل المتعرض ونوعه ومحتواه ويبقى عبئ إثبات ذلك على األخير بحجة مقبولة شرعا‬
‫في ميدان االستحقاق‪ ،‬وحيث إن املحكمة بعد دراستها لوثائق الملف اتضح لها أن المتعرضين‬
‫استندوا في تعرضهم في مواجهة طالب التحفيظ (أحباس السعديين النائب عنها ناظر األوقاف‬
‫ب الناظور) على رسم وصية بالثلث‪ ...‬وحيث إن رسم الوصية المذكورغيرجديرباالعتبارألن ما‬
‫تضمنه مجرد تصريحات أمام العدلين‪ ،‬وغيرمؤسس على أي حجة تثبت الملك المذكورأعاله‪،‬‬
‫مما يتعين معه التصريح بعدم قبول تعرض المتعرضين"‪.‬‬

‫وبناء على ذلك‪ ،‬يمكن للمستفيد من الوقف أو الجهة المكلفة باألوقاف حماية عقاراتها‬
‫عن طريق التدخل في مسطرة التحفيظ العقاري بواسطة التعرض داخل اآلجال القانونية‪،‬‬
‫خاصة أمام عمليات اإلشهارالواسعة التي يمرمنها مطلب التحفيظ المنصوص عليها في الفصل‬
‫‪ 30‬و الفصل ‪ 30‬من القانون ‪ 32.80‬سواء تعلق األمربالجريدة الرسمية أو عن طريق اإلشهارات‬
‫الواسعة التي تتم بمصالح املحافظة العقارية و املحاكم االبتدائية ومكاتب السلطة املحلية‬
‫والجماعات املحلية‪ ،‬وكذا من وقوف في عين المكان‪ ،‬رغم أن الوقف العام ال يطاله األثر‬
‫التطهيري‪.‬‬

‫ومع ذلك‪ ،‬والرأي فيما أعتقد أنه يجب إدخال بعض المقتضيات القانونية عن طريق‬
‫اتفاقيات شراكة مثال تسمح إلدارة املحافظة العقارية بإخبار نظارة األوقاف بحبسية العقارات‬
‫التي يتقدم األغيار بمطالب تحفيظها في اسمهم وهي إمكانية يمكن أن تساهم في حماية الوقف‬
‫من االعتداء والغبن لكونه يعتبرأهم ثروة وطنية في بالدنا لما تقوم به من أهداف وأدوارأساسية‬
‫في التنمية االقتصادية واالجتماعية والدينية‪ ،...‬وهو التوجه الذي بدأت تسير فيه الوكالة‬

‫‪ 49‬ـ قرار صادر عن محكمة النقض رقم ‪ 000‬الصادر بتاريخ ‪ 13/05/1970‬في ملف عدد ‪ 18149/1965‬أوردته‪ :‬عدي وردة‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص‪.02 :‬‬
‫‪ 50‬ـ حكم صادر عن املحكمة االبتدائية بالناظور رقم ‪ 22. 0012‬الصادر بتاريخ ‪0222‬ـ‪20‬ـ‪ 00‬في الملف رقم ‪02‬ـ‪ 2.‬أورده‪ :‬إدريس‬
‫الفاخوري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.02 :‬‬

‫‪P 34‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫الوطنية للمحافظة العقارية بخلقها لتطبيقات ذكية تستعمل فيها البرامج المعلوماتية‬
‫والتكنلوجيا الحديثة السهلة الولوج واالطالع لتدعيم األمن العقاري وللحد من ظاهرة االستيالء‬
‫على عقارات األغيار (سواء كانت عقارات عامة أو خاصة)‪.‬‬

‫وقد أثبت الو اقع العملي بأن غالبا ما يقوم الو اقف بتحبيس عقاره (خاصة العقار‬
‫غيراملحفظ)‪ ،‬دون إخبارالسلطة الحكومية المكلفة باألوقاف وبعد وفاته يعمد ورثته إلى إخفاء‬
‫رسم التحبيس والقيام بإيداع رسم اإلراثة وترتيب مجموعة من التصرفات القانونية الناقلة‬
‫للملكية والمضرة بالوقف واألهداف التي يروم إلى تحقيقها داخل املجتمع‪ ،‬وهذه الوضعية تثير‬
‫كثيرا من الخطورة على هذا الموروث اإلسالمي الذي يعتبر وبحق دعامة أساسية وسندا قويا‬
‫للنظام االقتصادي لكونه ساهم في تخفيف النفقات على الدولة في بعض املجاالت الدينية و‬
‫الثقافية و التعليمية و االجتماعية ‪.51‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬خصوصيات الوقف المنصب على العقارات في طورالتحفيظ‬

‫من المعلوم أن نظام التحفيظ العقاري يقوم على مبدأ اإلشهار والعالنية‪ ،‬ذلك أن‬
‫الوقف قد ينصب على عقارات في طور التحفيظ‪ .‬لذلك أوجد المشرع بعض األسس القانونية‬
‫التي يمكن سلوكها لضمان الحماية القانونية لألوقاف‪ ،‬بحيث يمكن إلدارة األوقاف‪ ،‬إما أن‬
‫تودع رسم التحبيس مشفوعا بطلب تصحيح مطلب التحفيظ األصلي ومتابعة المسطرة في‬
‫اسمها وطلب النشرفي الجريدة الرسمية بواسطة خالصة إصالحية (المطلب األول)‪ ،‬أو بإيداع‬
‫رسم التحبيس لدى املحافظة على األمالك العقارية طبقا للفصل ‪ 02‬من قانون التحفيظ‬
‫العقاري رقم ‪ 32.80‬في (المطلب الثاني)‪.‬‬

‫المطلب األولى‪ :‬مسطرة الخالصة اإلصالحية‬

‫بالنسبة لمسطرة الخالصة اإلصالحية يمكن للجهة المكلفة باإلشراف على األوقاف أو‬
‫للمستفيدين من الوقف بناء على مقتضيات الفصل ‪ 01‬من ظهير التحفيظ العقاري‪ ،52‬وكذا‬

‫‪ - 52‬ينص الفصل ‪ 43‬من ظهير التحفيظ العقاري على أنه‪" :‬بغض النظر عن المسطرة المقررة في الفصل ‪ 41‬من هذا‬
‫القانون‪ ،‬يمكن لصاحب حق وقع إنشاؤه أو تغييره أو اإلقرار به أثناء مسطرة التحفيظ أن يطلب نشره بالجريدة الرسمية بعد‬
‫إيداع الوثائق المثبتة للحق بالمحافظة العقارية‪1‬‬
‫تتابع مسطرة التحفيظ بصفة قانونية مع أخذ الحق المنشأ أو المغير أو المقر به بعين االعتبار‪1‬‬
‫يكتسب صاحب الحق المنشأ أو المغير أو المقر به صفة طالب التحفيظ في حدود الحق المعترف له به‪1‬‬

‫‪P 35‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫بناء على مقتضيات الفصل ‪ 1‬من المقرر الوزاري المؤرخ في ‪ 81‬يونيو ‪ 3030‬المتعلق بتفاصيل‬
‫تطبيق نظام التحفيظ العقاري‪ ،53‬أن يطلب من املحافظ على األمالك العقارية أن يعمل على‬
‫أن تتابع مسطرة التحفيظ في اسم من يخوله القانون ذلك‪ ،‬حيث يكتسب صفة طالب التحفيظ‬
‫في حدود الحق المنشأ أو المعدل بعد إيداع الوثائق المثبتة له باملحافظة العقارية عن طريق‬
‫نشر خالصة إصالحية الهدف منها أن يعالج التصرف في إطار الفصلين المذكورين‪ ،‬بعبارة‬
‫أخرى‪ ،‬أخذ طريقه لإلشهاربمفهومه العلني من جهة ونقل مجريات مسطرة التحفيظ من طالب‬
‫التحفيظ إلى المالك الجديد وهو المستفيد من الوقف من جهة أخرى بعد أدائه للرسوم‬
‫الخاصة بنشر الخالصة اإلصالحية وكذا رسوم اإلعالن الجديد عن انتهاء التحديد‪ ،‬فمن يوم‬
‫اإليداع تصبح الجهة المكلفة باألوقاف هي المعنية باألمر حيث تراسل من طرف املحافظة‬
‫العقارية وتعلم بأي إجراء يهمها كيوم وتاريخ التحديد مثال‪ ،‬ومن ثم فاألجل الجديد للتعرض ال‬
‫يفتح إال إذا كان األجل األصلي قد انصرم‪ ،54‬وهو يبدأ من تاريخ نشراإلعالن عن انتهاء التحديد‬
‫بالجريدة الرسمية والذي يكون داخل أربع أشهر الموالية للتحديد الفعلي للعقار والذي ينشر‬
‫بنفس الطريقة التي نشرت بها خالصة مطلب التحفيظ بالجريدة الرسمية والتعليق لدى‬
‫الجهات المعنية‪.55‬‬

‫إذا كان اإلعالن عن انتهاء التحديد قد تم نشره بالجريدة الرسمية فيجب أن يعاد نشره من جديد ليفتح أجل شهرين للتعرض‪،‬‬
‫يبتدئ من تاريخ اإلعالن عن الحق المنشأ أو المغير أو المقر به‪ 1‬وفي هذه الحالة لن تقبل إال التعرضات المنصبة مباشرة‬
‫على الحق المذكور‪1‬‬
‫يؤخذ بعين االعتبار عند التحفيظ الحق المنشأ أو المغير أو المقر به خالل المسطرة "‪1‬‬

‫‪ - 53‬ينص على أنه‪" :‬بصرف النظر عن المسطرة المقررة بالفصل ‪ .0‬من ظهير التحفيظ العقاري ‪00‬غشت ‪ 0202‬يجوز لصاحب‬
‫الحق المنشأ أو المعدل أثناء جريان مسطرة التحفيظ أن يطلب نشر هذا الحق في أقرب عدد من الجريدة الرسمية مدليا لدى‬
‫املحافظة العقارية بالوثائق المثبتة للحق المذكور ‪.‬‬
‫وتجري مسطرة التحفيظ مجراها القانوني ‪ ,‬ولكن مع مراعاة ما جد من إنشاء أو تعديل للحق و إذا كان اإلعالن عن انتهاء التحديد‬
‫قد تقدم نشره بالجريدة الرسمية فإنه يجب نشره من جديد ليأتي دائما التعرض في أجل شهرين اثنين على األقل ابتداء من اإلعالن‬
‫عن الحق المنشأ أو المعدل ‪,‬‬
‫غير أنه ال تقبل في هذه الحالة إال التعرضات التي تتعلق مباشرة بالحق المنشأ أو المعدل أثناء جريان المسطرة "‪.‬‬
‫‪- 54‬رشيد بالشو‪" ،‬التصرفات التي تجري على العقار في طور التحفيظ ‪ ,‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون‬
‫الخاص‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية أكدال‪ ،‬الرباط‪ ،‬السنة الجامعية‪،0222 – 0220 :‬‬
‫ص‪.00 :‬‬
‫‪ - 55‬سليم قلة‪" ،‬المرحلة اإلدارية في مسطرة التحفيظ " مقال منشور بالموقع اإللكتروني ‪ www.Marocdroit.com‬تاريخ الولوج إلى‬
‫إليه ‪ 0200/20/00‬على الساعة ‪.17h00‬‬

‫‪P 36‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫هذا ويتم نشر الخالصة اإلصالحية والقيام بالتحديد التكميلي وضرورات المسطرة‬
‫ويطلب من المتدخل فيها وهو المستفيد من الوقف‪ ،‬وذلك إما لتدارك إغفال جوهري في‬
‫البيانات المنشورة من قبل ‪ ,‬أو اإلعالن عن كل تغيير في النطاق المادي للحق المطلوب‬
‫تحفيظه‪.56‬‬

‫وهذا التحديد التصحيحي هو إجراء إضافي تستوجبه ضرورة المسطرة أو يطلبه‬


‫المتدخل فيها‪ ،‬والغرض منه هو تصحيح وإعادة تعيين حدود الملك ومساحته وضبطها بكيفية‬
‫دقيقة كما يسمح باجتماع المالك املجاورين وكل من له مصلحة في ذلك‪ ،‬وهذه العملية تسمى‬
‫بمحضر التحديد التصحيحي‪ ،‬يذيله المهندس المساح الطوبوغرافي بتوقيعه وكذلك باقي‬
‫األطراف ليوجه إلى قسم مسطرة التحفيظ الذي يقوم بدراسة الملف والتعقيب على‬
‫التصريحات المضمنة فيه‪ ،‬وذلك بتقييد التعرضات في السجل الخاص بها‪ ،‬وبعد انتهاء آجال‬
‫التعرضات يقوم املحافظ على األمالك العقارية بتوجيه الملف إلى املحكمة املختصة للبت في‬
‫الحق المدعى به من قبل المتعرضيين ومحتواه ومداه‪ .‬أما في حالة ما إذا استمرت المسطرة‬
‫إدارية وبعدما يتأكد املحافظ من صحة و سالمة اإلجراءات وكذا مشروعية الطلب‪ 57‬يصدر‬
‫املحافظ قرار بالتحفيظ يترتب عنه تأسيس الرسم العقاري في اسم إدارة األوقاف أو باسم‬
‫المستفيد من الوقف‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مسطرة اإليداع طبقا للفصل ‪ 02‬من ظهيرالتحفيظ العقاري‬

‫يعتبر العقار موضوع مسطرة التحفيظ العقاري من الحقوق القابلة للتفويت‪ ،‬وقد‬
‫تؤدي مسطرة التحفيظ إلى تأسيس الرسم العقاري وما يترتب عنه من األثرالتطهيري من جميع‬
‫الحقوق التي لم يقع االحتجاج بها أثناء مسطرة التحفيظ‪.‬‬

‫ولتفادي قاعدة التطهير‪ 58‬قررالمشرع ألصحاب الحقوق التي نشأت على العقارفي طور‬
‫التحفيظ الخيار بين مسطرة النشرفي الجريدة الرسمية أو مسطرة اإليداع المنصوص عليها في‬

‫‪ - 56‬محمد فلجي‪" ،‬قرار التحفيظ بين صحة السندات وسالمة اإلجراءات" مجلة جمعية املحافظين والمراقبين على األمالك العقارية‪،‬‬
‫العدد ‪ ،1‬ص‪.00 :‬‬
‫‪ - 57‬ينص الفصل ‪ 22‬من ظهير التحفيظ العقاري على أنه‪ " :‬خالل الثالث أشهر الموالية النصرام أجل التعرض يقوم املحافظ على‬
‫األمالك العقارية بتحفيظ العقار بعد التحقق من إنجاز جميع اإلجراءات المقررة في هذا الفانون ‪ ,‬ومن شرعية الطلب و كفاية‬
‫الحجج المدلى بها ‪ ,‬و عدم وقوع أي تعرض "‪.‬‬
‫‪ - 58‬نخص بالذكر هنا المستفيدون من الوقف المعقب‪ .‬أما الوقف العام ال تسري عليه قاعدة التطهير‪.‬‬

‫‪P 37‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫الفصل ‪ 02‬من ظهير التحفيظ العقاري رقم ‪ ،5932.80‬بحيث يقوم المستفيد بإيداع السند‬
‫المنش ئ للحق لدى مصلحة الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية وبعد التأكد من جدية الطلب‬
‫وأداء الرسوم المستحقة فإنه يتم تقييد هذا الحق بسجل التعرضات ليحتل مرتبته بالنسبة‬
‫لباقي الحقوق األخرى المقيدة‪.‬‬

‫إذن فهناك فرق بين اإليداع والتقييد‪ .‬فالتقييد ينشأ الحق فور القيام به وال يتم‬
‫التشطيب عليه إال بمقتض ى عقد أو حكم مكتسب لقوة الش يء المقض ي به طبقا لمقتضيات‬
‫الفصل ‪ 03‬من ظهيرالتحفيظ العقاري القانون رقم ‪.6032.80‬‬

‫بينما اإليداع هو مجرد تضمين لحفظ رتبة الحق إلى حين اتخاذ قرار التحفيظ‪ ،‬فإذا‬
‫اعتمدته املحافظ عند قراره فإنه يقيده بالرسم العقاري‪ ،‬وإذا لم يأخذه بعين االعتبار يشطب‬
‫عليه‪ ،‬مما يطرح التساؤل حول القيمة الثبوتية لإليداعات طبقا للفصل ‪ 02‬من ظهيرالتحفيظ‬
‫العقاري قانون رقم ‪ 32.80‬؟ وهل تتمتع بحجية مطلقة أم لها حجية نسبية مثلها في ذلك مثل‬
‫باقي التقييدات؟‪.‬‬

‫إذن هذا الموضوع أدى إلى تضارب آراء الفقه وكذلك القضاء‪ ،‬حيث ذهب جانب من‬
‫الفقه‪ 61‬إلى نقل األثرالتطهيري إلى سائرالحقوق سواء تلك التي تم تقييدها عند تأسيس الرسم‬
‫العقاري أوالتي قيدت بعد تأسيسه‪ .‬فالتقييدات الالحقة إن كانت تتمتع بقوة وحجية في اإلثبات‬
‫فإنها ومع ذلك تظل نسبية كونه متعلقة بصحة السند الذي أقيمت عليه سواء بين طرفي العقد‬
‫أو باتجاه الغيرباستثناء الغيرحسن النية‪ ،‬بخالف إذا تعلق األمربالتقييدات المالزمة فهي تتمتع‬
‫بقوة ثبوتية قاطعة وال يمكن بأي حال من األحوال التشطيب عليها سواء بمقتض ى عقد أو حكم‬
‫قضائي نهائي‪.62‬‬

‫‪ - 59‬ينص الفصل ‪ .0‬من ظهير التحفيظ العقاري على أنه‪ " :‬إذا نشأ على عقار في طور التحفيظ حق خاضع لإلشهار أمكن لصاحبه‬
‫من أجل ترتيبه و التمسك به في مواجهة الغير أن يودع باملحافظة العقارية الوثائق الالزمة لذلك‪ ،‬ويقيد هذا اإليداع بسجل‬
‫التعرضات‪.‬‬
‫يقيد الحق المذكور عند التحفيظ بالرسم العقاري في الرتبة التي عينت له إذا سمحت إجراءات المسطرة بذلك"‪.‬‬
‫‪ - 60‬ينص الفصل ‪ 20‬من من ظهير التحفيظ العقاري على أنه‪" :‬مع مراعات أحكام الفصل ‪ .1‬أعاله يمكن أن يشطب على كل ما‬
‫ضمن بالرسم العقاري من تقييد أو بيان أو تقييد احتياطي بمقتض ى كل عقد أو حكم مكتسب لقوة الش يء المقض ي به يثبت انعدام‬
‫أو انقضاء الحق موضوع التضمين في مواجهة األشخاص الذين يعنيهم الحق"‪.‬‬
‫‪ - 61‬مأمون الكزبري‪ ،‬مرجع سابق ص‪. 20 :‬‬
‫‪ - 62‬وفي هذا اإلطار يقول األستاذ محمد مهدي الجم‪ " :‬إن الرسم العقاري الذي أنش ئ للملكية نتيجة التحفيظ مع الحقوق العينة‬
‫التي كانت مقارنة لها ‪ concomitants‬وتم تحفيظها معها والتي اكتسبت جميعا قوة ثبوتية مطلقة ال يمكن إثبات خالفها و إبطالها‪،‬‬

‫‪P 38‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫هذا من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى إذا كان هذا الموقف ال يدع مجاال للشك بأن القيود‬
‫المالزمة لها نفس آثارالتحفيظ‪ ،‬فإن هذا التوجه يبقى محل نظرلدى بعض الفقه‪ 63‬على اعتبار‬
‫أن األثرالتطهيري ال ينبغي أن يشمل الحقوق الناشئة بعد تقديم مطلب التحفيظ وقبل تأسيس‬
‫الرسم العقاري‪ ،‬إذ ال بد من حصر نطاق األثرالتطهيري من حيث الحقوق المشمولة‪ ،‬ذاك أن‬
‫هذه التقييدات لم تخضع لشكليات اإلشهار الكافي فليس هناك أي مبرر قانوني صحيح لتقاس‬
‫وتقارن بالتحفيظ‪ ،‬ثم إن المقتضيات المضمنة بالفصلين ‪ 3‬و‪ 35‬من ظهير التحفيظ العقاري‬
‫هي مقتضيات ظالمة‪ ،‬و إنه كان وراء إقرارها السياسة اإلستطانية للفرنسيين بالمغرب‪ .‬وعليه‬
‫فالبد من إعادة النظرفيها بكيفية تكفل مبادئ العدل و اإلنصاف‪ ،‬إذ ال يعقل أن مجرد تضمين‬
‫الحق بالرسم العقاري يضفي عليه نوع من القداسة والحجية المطلقة ولم يمض ي عليه سوى‬
‫يوم أو بضعة أيام على تقييده فعلى أي إشهاراعتمد؟ وعلى أي آجال قد سطر؟‪.64‬‬

‫الرأي فيما أعتقد أن هذا الرأي األخير حري بالتأييد ألنه ليس من العدالة في ش يء أن‬
‫يتعلق األمرهنا بجميع الحقوق الواردة على الرسم العقاري على إطالقها‪ ،‬بل فقط تلك السابقة‬
‫على تقديم مطلب التحفيظ على اعتبارأن هذه األخيرة وحدها هي التي خضعت لإلشهاربمرحلته‬
‫اإلدارية والقضائية‪ ،‬وكذلك الحقوق المعلن عنها بواسطة الخالصة اإلصالحية أما الحقوق‬
‫المقيدة طبقا للفصل ‪ 02‬فليس هناك من العدل تحصينها ضد الطعن ‪.‬‬

‫أما على مستوى العمل القضائي‪ ،‬فإنه يكاد يتفق في مجموع اجتهاداته إن على مستوى‬
‫قضاء الموضوع أو على مستوى محكمة النقض على أن تقييد العقارفي الرسم العقاري في اسم‬
‫من آل إليه بعد انتهاء مختلف اإلجراءات يجب أن يضع حدا لجميع النزاعات المتعلقة به‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بحيث يطهر من كل مطالبة أو ادعاء باستحقاقه كال أو بعضا استنادا للفصل ‪ 3‬و ‪ 35‬من ظهير‬

‫هذه الحقوق جميعها ال يمكن بعد ذلك نقلها وال تعديلها وال إنهاؤها‪ ،‬وال إنشاء حق عيني جديد عليها أو إقراره إال بالتسجيل‪ ،‬بغير‬
‫التسجيل تعتبر غير موجودة‪ ،‬وما يترتب عن وجود الحق من عدمه من آثار‪ ،‬ذلك مبدأ مطلق من مبادئ السجل العقاري"‪.‬‬
‫‪ -‬محمد مهدي الجم‪" ،‬التحفيظ العقاري في المغرب " دار الثقافة للنشر البيضاء‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬سنة ‪ ،02.1‬ص‪.020 :‬‬
‫‪ - 63‬محمد شنان‪ "،‬عبثية اإلبقاء على األثر المطلق للتحفيظ بعد االستقالل " الندوة المشتركة حول نظام التحفيظ العقاري‬
‫بالمغرب ‪ ,‬جامعة محمد الخامس و مديرية املحافظة العقارية و األشغال الطبوغرافية ‪ ,‬بالرباط يومي ‪ 0‬و ‪ 0‬ماي ‪ 0222‬ص‪.20 :‬‬
‫وفي هذا اإلطار يقول محمد شنان ‪ ":‬إن طالب التحفيظ يمكنه أن يتصرف في عقاره موضوع مطلب التحفيظ يوم قبل تحفيظه‪ .‬أما‬
‫في اليوم الثاني الموالي يحفظ العقار إذا كان الملف جاهزا‪ ،‬وفي هذه الحالة كيف يحافظ المستفيد من هذا التفويت على حقه إذا‬
‫اعتبرنا أن التطهير يمس الحقوق المنشأة في طور التحفيظ؟ ذلك ما يعد خرقا واضحا للفصل ‪ .0‬المذكور "‪.‬‬
‫‪ - 64‬محمد شنان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.20 :‬‬

‫‪P 39‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫التحفيظ العقاري‪ ،‬حيث ذهبت محكمة النقض في قرارلها إلى أنه‪ " :65‬لكن ردا على السبب فإن‬
‫الدعوى إنما تهدف في النهاية إلى تسجيل حقوق عينية في الصك العقاري عن طريق إقامة عقد‬
‫ملحق‪ ،‬وهذه الحقوق المراد تسجيلها كانت موجودة قبل التحفيظ ولم تسجل في إطار الفصل‬
‫‪ 02‬من ظهير التحفيظ العقاري ولم يقع التعرض على المطلب و إنه بمقتض ى الفصل ‪ 5‬من‬
‫الظهير المشار إليه يترتب عن التحفيظ تطهير الملك من جميع الحقوق السالفة الغير مضمنة‬
‫بالكناش العقاري وبمقتض ى الفصل ‪ 35‬من نفس الظهير فإن رسم الملك يكشف نقطة‬
‫االنطالق الوحيدة للحقوق العينية والتكاليف العقارية الكائنة على العقار وقت تحفيظه دون‬
‫ما عداه من الحقوق الغيرالمسجلة‪ .‬وبذلك فإن القراربتعليله بما أشيرإليه بالسبب أعاله يكون‬
‫معلال بما يكفي و السبب غيرجديرباالعتبار"‪.‬‬

‫إال أن محكمة النقض تراجعت عن هذا الموقف على اعتبارأن األثرالتطهيري ال يطال‬
‫عقود التفويت باعتباره حقا شخصيا يقع على البائع حيث ذهبت في قرار لها جاء فيه‪ ":‬حيث‬
‫صح ما عابه الطاعن عن القرار‪ ،‬ذلك أنه علل ما قض ي به بأن مبدأ التطهيرموضوع الفصلين‬
‫‪ 5‬و ‪ 35‬من ظهير التحفيظ العقاري ال يطال عقود التفويت بنقل الملكية إلى المشتري باعتباره‬
‫حقا شخصيا يقع على البائع ولوحفظ العقارأو كانت هذه الحقوق كما في النازلة قد نشأت قبل‬
‫التحفيظ"‪.‬‬

‫هذا ويقبل اإليداع على اإليداع متى تخلى المودع لفائدة خلفه عن حق وقع إيداعه وقد‬
‫يأخذ اإليداع صورة الحجزالتحفظي أو التنفيذي على حقوق المودع ال طالب التحفيظ ‪. 66‬‬

‫وقد طرح النقاش حول اإليداعات المتعارضة كما لو بادر شخص إلى طلب إيداع لحق‬
‫سبق أن كان موضوع إيداع سابق من طرف السلطة الحكومية المكلفة باألوقاف‪ ،‬ثم تلقى‬
‫الطرفان الحق نفسه من طلب التحفيظ‪ .‬فعلى مستوى عمل املحافظة العقارية درج السادة‬
‫املحافظين على رفض طلب اإليداع الذي يتعارض مع اإليداع األول لكون إجراءات المسطرة ال‬
‫تسمح بذلك وأمام تعذرهذه اإلمكانية‪ ،‬قررالمشرع مسطرة جديدة يعبرعنها بمسطرة التعرض‬

‫‪ - 65‬قرار صادر عن محكمة النقض عدد ‪ 2000‬الصادر بتاريخ ‪0222‬ـ‪00‬ـ‪ 22‬ملف مدني عدد ‪2222‬ـ‪0‬ـ‪0‬ـ‪ ،0220‬أشار إليه‪:‬‬
‫‪ -‬عمرأزوكار‪ " ،‬التعرض على مسطرة اإليداع طبق الفصل ‪ 02‬من قانون التحفيظ العقاري " منشورات المنبرالقانوني‪ ،‬العدد‬
‫‪ ،30‬ص‪. 15 :‬‬
‫‪ - 66‬عمر أزوكار‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪. 20 :‬‬

‫‪P 40‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫على اإليداع‪ .‬ولهذا أصبح لكل من ينازع في اإليداع بإمكانه أن يمارس التعرض ضده طبقا‬
‫لمقتضيات الفصل ‪ 52‬من ظهيرالتحفيظ العقاري قانون ‪.6732.80‬‬

‫ويثيرالتعرض على اإليداع عدة إشكاالت خاصة في طبيعته فهل هومختلف عن التعرض‬
‫على مطلب التحفيظ السيما أن المشرع خص الثاني بتنظيم خاص دون األول وسوى بينهما في‬
‫أجل ممارسته دون الجهة التي يقدم إليها‪.‬‬

‫والتعرض على اإليداع نص ولد ميتا كما ذهب إلى ذلك األستاذ عمر أزوكار ‪ 68‬وهو في‬
‫اعتقادنا رأي حري بالتأييد‪ .‬ذلك أن أجل ممارسته حدده الفصل ‪ 52‬من ظهيرالتحفيظ العقاري‬
‫في شهرين من تاريخ النشر بالجريدة الرسمية عن انتهاء التحديد والحال أن التصرفات على‬
‫العقار في طور التحفيظ تباشر بعد انقضاء أجل التعرضات‪ .‬لذلك فإن مسطرة التعرض على‬
‫اإليداع ال تجب مكنة إيداع دعوى المنازعة في اإليداع أمام القضاء حيث أن هذه المكنة تبقى‬
‫مفتوحة وإال فلى معنى لعمل املحافظ على األمالك العقارية‪.‬‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫ختاما‪ ،‬لقد حاول المشرع المغربي إيجاد مجموعة من الحلول التشريعية لحماية‬
‫الوقف عن طريق مدونة األوقاف‪ ،‬وضمان أداء وظائفه وأهدافه الدينية واالجتماعية‬
‫واالقتصادية انسجاما مع الخصوصيات التي ينفرد بها بالمقارنة مع باقي األنظمة العقارية‪،‬‬
‫حيث يعتبرالوقف من المؤسسات التي ساهمت بشكل كبيرفي بناء الحضارة اإلسالمية وتمويل‬
‫العديد من المر افق االجتماعية واالقتصادية والثقافية بالمغرب‪ .‬لذلك خصه المشرع‬
‫بمجموعة من االمتيازات في مجال التحفيظ العقاري سواء أثناء سريان مسطرة التحفيظ‬
‫العقاري‪ ،‬أو بعد تأسيس الرسم العقاري تفاديا للترامي واالعتداء على األمالك الوقفية‪.‬‬

‫الئحة المراجع‪:‬‬

‫‪ -67‬ينص الفصل ‪ 41‬من ظهير التحفيظ العقاري على أنه‪ ":‬يمكن لكل شخص يدعي حقا على عقار تم طلب تحفيظه أن‬
‫يتدخل عن طريق التعرض في مسطرة التحفيظ خالل أجل شهرين يبتدئ من يوم نشر اإلعالن عن انتهاء التحديد في‬
‫الجريدة الرسمية إن لم يكن قام بذلك من قبل وذلك‪:‬‬
‫‪ -4‬في حالة المنازعة في وجود حق الملكية لطالب التحفيظ أو في مدى هذا الحق أو بشأن حدود العقار؛‬
‫‪ -4‬في حالة االدعاء باستحقاق حق عيني قابل للتقييد بالرسم العقاري الذي سيقع تأسيسه؛‬
‫‪ - 2‬في حالة المنازعة في حق وقع اإلعالن عنه طبقا للفصل ‪ .0‬من هذا القانون "‪.‬‬
‫‪ - 68‬عمر أزوكار‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.01 :‬‬

‫‪P 41‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫محمد عرظاوي‪" ،‬التحفيظ اإلجباري في التشريع المغربي‪ -‬بين اإلكراهات القانونية‬


‫والتحديات المستقبلية" رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص‪ ،‬جامعة محمد األول‪،‬‬
‫كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية بوجدة‪ ،‬السنة الجامعية ‪5838‬ـ‪.5833‬‬

‫إدريس الفاخوري‪" ،‬نظام التحفيظ العقاري وفق مستجدات القانون رقم ‪"32.80‬‬
‫منشورات مجلة الحقوق‪ ،‬سلسلة المعارف القانونية والقضائية‪ ،‬مطبعة المعارف الجديدة‬
‫الرباط‪ ،‬الطبعة ‪.5831‬‬

‫عبد الرزاق الصبيحي‪" ،‬الحماية المدنية لألوقاف العامة" منشورات وزارة األوقاف‬
‫والشؤون اإلسالمية في المغرب‪ ،‬مطبعة األمنية الرباط‪ ،‬سنة ‪.5880‬‬

‫عمرالسكتاتي‪" ،‬دورالتحفيظ العقاري في حماية العقارات الموقوفة" مساهمة ضمن‬


‫أعمال الندوة العلمية التي نظمتها مجلة المنبر القانونية بشراكة مع القضاء المدني يوم ‪80‬‬
‫مايو ‪ 5835‬بتيزنيت‪ ،‬تحت عنوان قانون التحفيظ العقاري بين روح ظهير ‪ 3031‬ومستجدات‬
‫قانون ‪ ،32.80‬سلسلة ندوات و أبحاث‪ ،‬العدد األول‪ ،‬مطبعة المعارف الجديدة الرباط‪ ،‬سنة‬
‫‪.5835‬‬

‫عبد الرزاق حباني‪" ،‬الحماية القانونية للعقارات املحبسة ‪ -‬دراسة في الوسائل وفي اآلثار‬
‫‪ "-‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص‪ ،‬جامعة الحسن الثاني‪ ،‬كلية العلوم القانونية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية عين الشق الدارالبيضاء‪ ،‬السنة الجامعية‪.5883 – 5880 :‬‬

‫حسن بوخرص ى‪" ،‬النظام القانوني للمسؤولية في مدونة األوقاف" مجلة قراءات في‬
‫القوانين العقارية الجديدة‪ ،‬منشورات مجلة الحقوق مطبعة المعارف الجديدة الرباط‪،‬‬
‫الطبعة األولى ‪.5831‬‬

‫محمد بن صالح الصوفي‪" ،‬الحقوق العينية العرفية اإلسالمية ‪ -‬دراسة مقارنة بين‬
‫الفقه اإلسالمي والقانون المغربي" دارالقلم للطباعة والنشر‪ ،‬الطبعة األولى ‪.5885‬‬

‫محمد خيري‪" ،‬التعرضات اثناء التحفيظ العقاري في التشريع المغربي" دار الثقافة‬
‫العربية الدارالبيضاء‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬سنة ‪.3001‬‬

‫‪P 42‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫مأمون الكزبري‪" ،‬التحفيظ العقاري الحقوق العينية األصلية والتبعية في ضوء‬


‫التشريع المغربي" الجزء األول‪ ،‬التحفيظ العقاري‪ ،‬شركة الهالل العربية للطباعة والنشر‪،‬‬
‫الرباط‪ ،‬الطبعة الثانية‪.3000 ،‬‬

‫عدي وردة‪" ،‬قراء أولية لمستجدات قانون التحفيظ العقاري" مساهمة ضمن أشغال‬
‫الندوة المنظمة من طرف جمعية املحامين الشباب بنادي املحامين ب الناظور يوم ‪31‬أكتوبر‬
‫‪ ،5832‬تحت عنوان قراءة في القانون رقم ‪.32.80‬‬

‫رشيد بالشو‪" ،‬التصرفات التي تجري على العقار في طور التحفيظ ‪ ,‬رسالة لنيل دبلوم‬
‫الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪ ،‬كلية العلوم القانونية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية أكدال‪ ،‬الرباط‪ ،‬السنة الجامعية‪.5881 – 5885 :‬‬

‫‪P 43‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫بيع العقار يف املعامالت االلكرتونية بني‬


‫املبدأ واالستثناء‬
‫‪Selling the property in electronictransations‬‬
‫مقدمة ‪:‬‬
‫أثرت الثورة المعلوماتية على عدة مجاالت وأصبحت كل المعامالت تتم عبر شبكات‬
‫اتصال رقمية‪ ،‬إذ أفرزت هذه التقنية نوع جديد من المعامالت تتم في بيئة إفتراضية األمرالذي‬
‫دفع أغلب التشريعات الى تبني هذه الحداثة ضمن قوانينها وتنظيم المعامالت االلكترونية التي‬
‫تتيح تبادل التعبيرعن االدارة بصورة فورية ال تحتاج الى الحضورالمادي لألفراد‪ ،‬أدى ذلك الى‬
‫ظهور نظام تعاقدي جديد ينافس النظام التقليدىيبرم في دعامة الكترونية عن طريق التبادل‬
‫اآللي للمعلومات‪ ،‬ويعد عقد البيع المبرم عن بعد أحد أهم هذه العقود وتزداد أهميته ومكانته‬
‫متى إنصب على العقار‪.‬‬

‫غيرأنه تم إستثناء البيع العقاري من مجال التعاقد االلكتروني في العديد من التشريعات‬


‫وذلك بالنظرالى الخصوصية التي يتميزبها‪ ،‬باالضافة الى إجراءاته الشكلية المعقدة التي يخضع‬
‫لها في نقل ملكيته‪ ،‬األمر الذي دفع جل التشريعات الى تطوير منظومتها القانونية بما يتماش ى‬
‫والتقنية المتطورة التي فرضت نفسها في كل المعامالت التعاقدية بما فيها مجال البيع العقاري‬
‫نظرا لما تتمتع بهمن سرعة في إبرام المعامالت وتوثيقها وكذا بساطة إجراءاتها التي تتم الكترونيا‬
‫مقارنة مع االجراءات التقليدية‪.‬‬

‫ويكتس ي موضوع بيع العقار في إطار المعامالت االلكترونية أهمية بالغة‪ ،‬ذلك أن بيع‬
‫العقارهو عقد شكلي تشترط الرسمية لصحته و إبرامه على دعامة الكترونية يستوجب تحريره‬
‫في عقد توثيقي الكتروني عن طريق الكتابة والتوقيع االكترونيين وإستكمال إجراءات تسجيله‬
‫وشهره التي أصبحت هي االخرى تتم عن بعد بالوسائط االلكترونية‪.‬‬

‫‪P 44‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫وعليه يمكن طرح اإشكالية التالية‪ :‬الى أي مدى تأثرت قواعد إبرام عقد بيع العقار‬
‫بالتقنيات المعلوماتية؟ وهل أن إبرامه يخضع ألحكام إبرام العقد االلكتروني أم أنه يخضع‬
‫ألحكام خاصة تتماش ى وخصوصية وطبيعة العقار؟‬

‫ولإلجابة على هذه االشكالية تم إستخدام المنهج الوصفي التحليلي والمقارن السيما‬
‫القانون الفرنس ي باعتبارة السباق في تقنين المعامالت االلكترونية‪ ،‬وذلك وفق خطة ثنائية‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬البيع االلكتروني للعقار‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬نقل الملكية في عقد البيع العقاري االلكتروني‪.‬‬

‫بواسطة وسائل االتصال االلكترونيةهوالعقد االلكترون الذي أصبحت كل التصرفات‬

‫المبحث األول‪ :‬البيع االلكتوني للعقار‪.‬‬

‫عرف عقد البيع العقاري تطورا على مراحل متعددة من عقد عرفي الى عقد شكلي الى‬
‫بيع عقاري بالوسائل االلكترونية نتيجة الستخدام الوسائل االتصال الحديثة‪ ،‬حيث حلت‬
‫العقود االلكترونية محل العقود التقليدية وسائل االتصال الحديثة بدال عن التواصل المادي‬
‫والمباشربين المتعاقدين‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬إبرام عقد بيع العقاربين االجراءات التقليدية وااللكترونية‪.‬‬

‫يعد عقد البيع أهم التصرفات القانونية الناقلة للملكية العقارية‪ ،‬يلتزم بمقتضاه‬
‫البائع بنقل ملكية ش يء أو حق مالي آخر الى المشتري مقابل ثمن نقدي‪ ،69‬محله العقار‪70‬الذي‬
‫خصه المشرع بإجراءات خاصة تميزه عن باقي العقود حيث أخضعه لإلجراءات دقيقة تستوجب‬
‫قواعد وشروط قانونية محددة‪ ،‬فينعقد عقد البيع العقاري شأنه شأن العقود االخرى متى‬
‫توفرت أركانه العامة من تراض ي بأن يتبادل طرفا العقد التعبير عن إرادتهما‪ ،71‬أين ومحل‬

‫‪69‬المادة ‪ 354‬من األمر رقم ‪ 05-01‬المتعلق بالقانون المدني األمر ‪ 05-01‬المؤرخ في ‪ 43‬ماي ‪ ،4001‬المعدل‬
‫والمتمم لألمر ‪ 54-15‬المؤرخ في ‪ 42‬سبتمبر ‪ 4215‬المتضمن القانون المدني الجزائري‪ ،‬ج ر عدد ‪. 34‬‬
‫‪70‬عرفته المادة ‪ 243‬من القانون المدني الجزائري على أنه "كل شيء ثابت مستقر بحيزه وثابت فيه واليمكن نقله‬
‫منه دون تلف فهوعقار‪ ،‬وكل ما عدا ذلك فهو منقول"‪.‬‬
‫‪71‬المادة ‪ 52‬من القانون المدني الجزائري‪.‬‬

‫‪P 45‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫وسبب‪ ،‬باإلضافة الى إلزامية إفراغ هذا العقد في محرر رسمي باعتبار أنه من العقود التي‬
‫أخضعها المشرع الى شكلية معينة‪.‬‬

‫اال أن التطورالتكنولوجي وظهورالتقنية أثرعلى أحكام التشريعية بما فيها قواعد إبرام‬
‫العقود التي تحولت من الطرق التقليدية وفق األحكام العامة الى التعاقد عن بعد بواسطة‬
‫وسائل االتصال االلكترونية‪ ،‬فعملت مختلف التشريعات الى وضع أسس وأحكام إلبرام العقود‬
‫االلكترونية التي تتميزبخصوصية معينة بالنظرالى وسائل االتصال التي تبرم بواسطتها‪.‬‬

‫ما يميزالعقد االلكتروني عن العقد التقليدي هو وسائل االتصال الحديثة التي تربط‬
‫بين أطر افهالمتباعدة‪ ،72‬والذي يبرم عن طريق رسائل البيانات‪73‬وهيعبارة عن مجموع‬
‫المعلومات التي يتم انتاجها أو إرسالها أو إستالمها أو تخزينها بوسائل إلكترونية أو بصرية أو‬
‫بوسائل مماثلة‪ ،‬كتبادل البيانات االلكترونية أو البريد االلكتروني أو البرق أو التلكس‪ ،74‬وذلك‬
‫بنقل المعلومات االلكترونية من حاسوب الى آخر‪ ،75‬األمر الذي ذهب اليه المشرع الفرنس ي‬
‫عند إقراره بأنه العقد الذي يتضمن بيع السلع أو الخدمات دون الوجود الفعلي لألطراف‬
‫المتعاقدة‪76‬على أن يكون في وقت واحد وبالوسائل االتصال الحديثة‪.‬‬

‫بالرجوع الى القانون الجزائري نجده ضبط المعامالت االلكترونية في القانون‬


‫المتعلق بالتجارة االلكترونية الذي عرف من خالله العقد االلكتروني على أنه العقد الذي يتم‬
‫إبرامه عن بعد‪ ،‬دون الحضور الفعلي والمتزامن ألطر افه باللجوء الى تقنية االتصال‬
‫االلكتروني‪ 77‬دون حاجة الى التالقي المادي لألطراف المتعاقدة‪.‬‬

‫لزهر سعيد‪ ،‬النظام القانوني لعقود التجارة الدولية‪ ،‬دار هومة‪ ،‬الجزائر‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،4041 ،‬ص ‪.10‬‬ ‫‪72‬‬

‫‪.20‬‬ ‫‪73‬بن ساسي الياس‪ ،‬التعاقد االلكترونيوالوسائل المتعلقة به‪ ،‬مجلة الباحث‪ ،‬العدد ‪ ،4003 ،04‬ص‬
‫‪74‬المادة ‪ 04‬ف "أ" من قانون األنسيترال النموذجي المتعلق بالتوقيعات االلكترونية‪ ،‬مع دليل التشريع ‪ ،4004‬المعتمد‬
‫لدى لجنة األمم المتحدة لقانون التجارة الدولي‪ ،‬بمقتضى قرار الجمعية العامة رقم ‪ ،40/52‬منشورات األمم المتحدة‪،‬‬
‫‪.4004‬‬ ‫نيويورك‪،‬‬
‫‪75‬قرار رقم ‪ ،54/424‬المتضمن قانون األنسيترال النموذجي بشأن التجارة اإللكترونية لألمم المتحدة‪ ،‬نفس المرجع‪.‬‬
‫‪76‬‬
‫‪Article L221-1du l’ordonnance n° 301-2016 du 14-03-2016 relative a la partie législative du‬‬
‫‪code de la consommation, jonf n° 64 du 16-03-2016.‬‬
‫‪77‬المادة ‪ 02‬ف ‪ 04‬من القانون رقم ‪ 05-44‬المؤرخ في ‪ 40‬ماي ‪ 4044‬المتعلق بالتجارة االلكترونية‪ ،‬جريدة رسمية‬
‫عدد ‪ ، 44‬الصادرة بتاريخ ‪ 42‬ماي ‪.4044‬‬

‫‪P 46‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫لقد تنوعت الوسائل االفتراضية للتعبير عن إرادة األطراف المتعاقدة التي يجمهم‬
‫مجلسا حكميا‪ 78‬يتطابق فيه إرادتي طرفيه‪ ،79‬الذي يختلف التعبيرعنها عماهو عليه في القواعد‬
‫العامة‪،‬والذي يتم بالوسائط االلكترونية بتبادل البيانات االلكترونية عن البريد االلكتروني‬
‫والموقع االلكتروني وخدمة املحادثة أو المشاهدة‪.‬‬

‫يكون التعبير عن االدارة بواسطة البريد االلكتروني عن طريق تلقي أو إرسال رسالة‬
‫بيانات مكتوبة يقوم من خاللها الشخص الراغب في التعاقد بإرسال رسالة من بريده االلكتروني‬
‫الى البريد االلكتروني للشخصالمرسل اليه الذي يرغب في التعاقد معه‪ ،80‬تتضمن الرسالة‬
‫البيانات المتعلقة بالمرسل وكذا الشروط األساسية التعاقد وبنوده‪ ،81‬ليتم الرد عليها بنفس‬
‫طريقة االرسال سواء بالقبول أو الرفض‪ ،82‬مع إمكانية اقترانها بتوقيع الكتروني لتفادي أي‬
‫تعديل في مضمون الرد‪.83‬‬

‫أما التعبيرعن االرادة عن طريق الموقع االلكتروني يكون إما بالكتابة أو بالنقرعلى زر‬
‫المو افقة على لوحة المفاتيح في الخانة املخصصة في صفحة الويب‪ ،‬كما يكون كذلك‬
‫باستخدام اإلشارات والرموز المستعملة على شبكة االنترنت ( االموجي)‪ ،‬حيث يلتزم المورد‬
‫بعرض السلعة أو الخدمة عبرالشبكة وفق المادة ‪ 38‬من القانون ‪،80-30‬على أن يكون مشتمل‬
‫على مجموعة من البيانات‪84‬السيما تحديد العقارو أبعاده وكذا ثمنه‪ ،‬ولتأكيد صحة القبول يلى‬

‫‪78‬خالد ممدوح إبراهيم‪ ،‬إبرام العقد االلكتروني‪ ،‬دار الفكر الجامعي‪ ،‬مصر ‪ ،4044 ،‬ص ‪.324‬‬
‫‪79‬خالد ممدوح إبراهيم‪ ،‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.344‬‬
‫‪80‬‬
‫‪Nathalie moreau, la formation du contrat électronique, disposition du protection‬‬
‫‪cyberconsommateur et modes altératifs de règlement des conflits, mémoires de D.E.A, droit des‬‬
‫‪contrats, université de Lille, 2002, p 36.‬‬
‫‪81‬عجالي بخالد‪ ،‬النظام القانوني للعقد االلكتروني في التشريع الجزائري دراسة مقارنة‪ ،‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬جامعة‬
‫تيزي وزو‪ ،‬الجزائر‪ ،4041 ،‬ص ‪.440‬‬
‫‪82‬خالد محمود إبراهيم‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.430‬‬
‫‪ 83‬عالء محمد الفواعير‪ ،‬العقود االلكترونية‪ ،‬التراضي‪ ،‬التعبير عن االرادة‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬دار الثقافة للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬األردن‪.24-20 ،4041 ،‬‬
‫‪84‬المادة ‪ 44‬من القانون ‪ ،05-44‬سبق التعريف به‪.‬‬

‫‪P 47‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫الضغط على أيقونة المو افقة ظهور صفحة أخرى تتضمن العقد النموذجي‪ 85‬الذي يتضمن‬
‫شروط العقد وبنوده‪.‬‬

‫وأما التعبير عن االرادة في التعاقد عن بعد من خالل املحادثة المباشرة )‪ (IRC‬أو‬


‫المشاهدة عن طريق التواصل المباشربين االطراف المتعاقدة بالكتابة أو المشاهدة من خالل‬
‫شبكة االنترنت في وقت واحد عن طريق االرسال والردأو باستعمال الكاميرا للتواصل بالصوت‬
‫والصورة‪86‬حيث يتم التعبير الصريح عن االرادة بهذه الوسائل باللفظ‪ ،‬الكتابة أو باالشارة‪.‬‬

‫تجب اإلشارة الى أن التعبير عن االرادة عن طريق املحادثة المباشرة أو المشاهدة‬


‫يتميزعن باقي الوسائل االخرى باعتبارأنه يتم في وقت واحد بين االطراف المتعاقدة كما يحدث‬
‫في مجلس العقد‬

‫الحقيقي إال أن هذا االخير يكون إفتراض ي من خالل سماع ورأية كل طرف لآلخر وفي‬
‫نفس الوقت‪.87‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬التوثيق االلكتروني للبيع العقاري‪.‬‬

‫ال يبرم عقد بيع العقار وال تنتقل ملكيته بمجرد تطابق االيجاب والقبول‪ ،‬بل الزم‬
‫المشرع إخضاعه لشكلية معينة وفق إجراءات وأوضاع حددها القانون‪ ،‬وذلك بإفراغ‬
‫المتعاقدان إرادتهما في محرررسمي أمام الموثق‪88‬باعتباره عقد شكلي يخضع ألحكام المادة ‪152‬‬
‫من القانون المدني‪ ،‬وأن كل التصرفات التي تقع على العقار يجب توثيقها تحت طائلة البطالن‬

‫‪85‬رامي علوان‪ ،‬التعبير عن االرادة عن طريق االنترنت واثبات التعاقد االلكتروني‪ ،‬مجلة الحقوق‪ ،‬العدد ‪،01‬‬
‫الكويت‪ ،4004 ،‬ص ‪.423‬‬
‫‪86‬بقاسم حامدي‪ ،‬إبرام العقد االلكتروني‪ ،‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬جامعة باتنة‪ ،‬الجزائر‪ ،4045 ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪87‬مخلوفي عبد الوهاب‪ ،‬التجارة االلكترونية عبر االنترنت‪ ،‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬جامعة باتنة‪ ،‬الجزائر‪ ،4044 ،‬ص‬
‫‪.441‬‬
‫‪88‬المرسوم التنفيذي قم ‪ 23-12‬المؤرخ في ‪ 4212-03-45‬المتعلق بتأسيس السجل العقاري‪ ،‬ج‪.‬ر عدد ‪،30‬‬
‫المؤرخة في ‪ ،4212-01-43‬المعدل والمتمم بموجب المرسوم التنفيذي رقم ‪ ،443-23‬المؤرخ في ‪ 42‬ماي ‪،4223‬‬
‫ج‪.‬ر عدد ‪ ،31‬الصادرة بتاريخ ‪.4223-05-43‬‬

‫‪P 48‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫وفق المادة ‪ 35‬من قانون التوثيق الجزائري رقم ‪ ،8908-03‬وتقررت الرسمية كركن أساس ي‬
‫إلبرام هذا العقد حماية لحقوق البائع والمشتري‪.‬‬

‫يقوم الموثق بتحريرعقد بيع العقاروفق األشكال‪ 90‬التي يحددها القانون‪91‬استنادا الى‬
‫الوثائق التي تثبت أصل ملكية العقار الى البائع‪ ،‬وذلك بناءا على ما تم االتفاق عليه بين هذا‬
‫األخيروالمشتري بعد تحديد العقارتحديدا دقيقا ومواصفاته التقنية و أبعاده وحدوده‪.‬‬

‫اشترط المشرع الجزائري أن يتضمن عقد بيع العقارمجموعة من البيانات االلزامية‬


‫السيما المتعلقة باالطراف المتعاقدة وأهليتهم‪ ،92‬حيث يلتزم الموثق وقبل تحرير العقد أن‬
‫يتحقق من هوية البائع والمشتري أو من ينوب‪ 93‬عنهما في عملية البيع‪ ،‬وكذا هوية الشهود‪ ،‬كما‬
‫يقوم بالتحقق من صحة الوثائق‪ 94‬التي تثبت أصل‪95‬ملكية العقار كعقد الملكية أو الدفتر‬
‫العقاري‪ ،‬وأن العقار محل البيع قد سبق وأن مسته عملية المسح‪ 96‬من خالل سند الملكية‬
‫الخاص بالعقارأو بالرجوع الى املحافظة العقارية لبطلب مستخرج مسح األراض ي‪ ،‬باإلضافة الى‬

‫‪89‬األمر رقم ‪ 10-24‬المؤرخ في‪ ،4210-44-45‬المتعلق بتنظيم التوثيق‪ ،‬ج‪.‬ر عدد ‪ ،401‬الصادرة بتاريخ ‪-45‬‬
‫‪.4210-44‬‬
‫‪90‬يقصد باألشكال التي يحددها القانون هي القالب الشكلي الذي يجب أن يحرر العقد وفقه ليكتسب صفة الرسمية‬
‫بأن يحرر العقد باللغة العربية وفي نص واحد بدون اختصار أو بياض أو نص أو كتابة بين األسطر ‪ ،‬وأن تكتب‬
‫المبالغ والسنة واألشهر ويوم تحرير وتوقيع العقد من ذوي الشأن بالحروف‪ ،‬على أن يتم االتصديق على االحاالت‬
‫في الهامش أو أسفل الصفحات كذلك االمر بالنسبة للكلمات المشطوبة وفق المادة ‪42‬وما بعدها من القانون رقم‬
‫‪ 04-02‬المؤرخ في ‪ 40‬فيفري ‪ 4002‬المتضمن تنظيم مهنة الموثق‪ ،‬ج‪.‬ر عدد ‪ 41‬المؤرخة في ‪.4002-03-04‬‬
‫‪91‬يحي بكوش‪ ،‬أدلة االثبات في القانون المدني الجزائري والفقه االسالمي‪ ،‬المؤسسة الوطنية للكتاب‪ ،‬الجزائر‪،4224 ،‬‬
‫ص ‪ 400‬وما بعدها‪.‬‬
‫المادة ‪ 341‬مكرر ‪ ،04‬من القانون المدني‪.‬‬ ‫‪92‬‬

‫الجزائري‪.‬‬ ‫‪93‬المادة ‪ 13‬من القانون المدني‬


‫‪94‬حمدي باشا عمر‪ ،‬دراسات قانونية مختلفة‪ ،‬دار هومة للنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة ‪ ،01‬الجزائر‪ ،4002 ،‬ص ‪.432‬‬
‫‪95‬تجب االشارة الى أن الموثق يكون معفى من االشارة الى أصل ملكية العقار في بعض التصرفات‪ ،‬يتعلق األمر‬
‫بعقود الشهرة المعدة وفق المرسوم رقم ‪ 354-43‬المؤرخ في ‪ ،4243-05-44‬ج‪.‬ر المتضمن تأسيس إجراءات‬
‫إثبات التقادم المكسب وإعداد عقد الشهرة المتضمن االعتراف بالملكية‪ ،‬عدد ‪ 44‬الصادرة بتاريخ ‪،054243-41‬‬
‫وعقود إيداع العقود العرفية ذات التاريخ المحدد قبل ‪ ،4214-04-04‬وعقود التنازل المحررة في إطار القانون رقم‬
‫‪ ،04-44‬المؤرخ في ‪ 4244-04-01‬المتضمن التنازل عن األمالك العقارية التابعة للقطاع العام‬
‫‪ 96‬فالح سفيان‪ ،‬فرقاق معمر‪ ،‬المشاكل العملية في نقل الملكية العقارية بطريق البيع في التشريع الجزائري‪ ،‬مجلة‬
‫الدراسات القانونية المقارنة‪ ،‬العدد ‪ ،04‬ص ‪.33‬‬

‫‪P 49‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫التأكد من أن العقار غير مثقل عن طريق طلب شهادة السلبية التي تثبت عدم وجود حقوق‬
‫عينية على العقار‪.‬‬

‫يجب تحديد العقار المبيع في عقد البيع املحرر تحديدا كافيا نافيا للجهالة من حيث‬
‫طبيعته وموقعه ومساحته وحدوده ومشتمالته‪ 97‬ليكون المشتري عالما به علما كافيا وفق‬
‫المادة ‪ 105‬من القانون المدني‪ ،‬كما يجب أن يكون هذا العقد مؤرخا ومحد مكان االبرام وفق‬
‫أحكام المادة ‪ 53‬من قانون التوثيق الجزائري‬

‫يجبذكرالثمن الحقيقي المتفق عليه في العقد‪ ،‬وكذا تاريخ استحقاقه المكانية تحديد‬
‫الرسوم والضرا ئب املحصلة عن عملة البيع‪ ،‬باالضافة الى ذكر كل االلتزامات التي يرتبها هذا‬
‫العقد على طرفيه‪ ،‬وكذا االثار المترتبة عن االخالل بهذه االلتزامات‪ ،98‬خاصة التزام المشتري‬
‫بدفع ‪ 0/3‬ثمن العقار أمام الموثق أو لدى الخزينة العمومية مقابل وصل يسلمه الى الموثق‪.‬‬

‫بعد ذكرجميع البيانات والتأكد من هوية األطراف المتعاقدة يقوم الموثق بتحريرعقد‬
‫بيع العقار وفق األشكال القانونية وذلك بعد بتالوة مضمون العقد واألحكام التي ينظمها‬
‫والنصوص التشريعية الجبائية والضريبية‪ ،‬كما يقوم باعالمهم بمدى حقوقهم والتزاماتهم وما‬
‫يترتب عنها من آثار قانونية‪ ،‬كما يبين لهم االحتياطات والوسائل التي يتطلبها أو يمنحها القانون‬
‫لضمان نفاذ إرادتهم وفق المادة ‪ 35‬ف‪ 85‬من القانون ‪.85-83‬‬

‫فإذا كان مضمون العقد يتطابق وما تم االتفاق عليه يتم التوقيع من قبل الموثق‬
‫واالطراف والشهود والمترجم إن وجد‪ ،‬ويمكن االكتفاء بالبصمة‪ 99‬إذا تعذر التوقيع من أحد‬
‫االطر افوفق المادة ‪ 152‬مكرر‪ 85‬من القانون المدني‪.‬‬

‫اشترط المشرع أن يكون عقد البيع محدد التاريخ نظرا لألهمية التي يحض ى بها‪ ،‬حيث‬
‫يعتبر بداية سريان مضمونهبين األطراف فهو بمثابة دليل على إرادة طرفيه في إحداث آثار‬
‫قانونية‪.‬‬

‫‪.24‬‬ ‫‪97‬مجيد مخلوفي‪ ،‬نظام الشهر العقاري في التشريع الجزائري‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،4004 ،‬ص‬
‫‪98‬المادة ‪ 341‬مكرر ‪ 01‬من القانون المدني الجزائري‪.‬‬
‫‪99‬عمر بوحالسة‪ ،‬تقنيات تحرير العقد الرسمي‪ ،‬مجلة الموثق‪ ،‬الجزائر‪ ،‬العدد ‪ ،4005 ،44‬ص ‪.32‬‬

‫‪P 50‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫بعد تحرير العقد والتوقيع عليه يلتزم الموثق بفهرسته ويحتفظ بالنسخة األصلية‬
‫لعقد البيع الذي قام بتحريره على مستوى مكتبه‪ ،‬ويسلم نسخة تنفيذية منه‪100‬أو نسخة عادية‬
‫أو مستخرج منها بناءا على طلب البائع أو المشتري أو للغير بعد الحصول على إذن القاض ي وفق‬
‫ما يقرره القانون‪.101‬‬

‫إن إعمتاد التكنولوجيا والتقنية في المعامالت بين األفراد إنعكس على ابرام العقود‬
‫مما جعلها تبرم عن بعد وتحررفي دعامة الكترونية‪ ،‬أدى ذلك الى تطور شكلية إبرامها بالنسبة‬
‫للعقود التي تشترط ذلك ال سيما التصرفات الو اقعة على العقارات‪ ،102‬مما دعى األمر الى‬
‫االنتقال من الشكلية التقليدية الى الشكلية االلكترونيةعن طريق التبادل االلكتروني للبيانات‬
‫وتوثيقها‪ ،‬حيث أقر المشرع الفرنس ي في المادة ‪ 3302‬من القانون المدني الفرنس ي بامكانية‬
‫إعداد العقد وحفظه على دعامة الكترونية متى تطلب شكلية معينة‪103‬‬

‫يمكن أن يحرر املحرر الرسمي في دعامة الكترونية ويكتسب صفة الرسمية شريطة أن‬
‫يتم إعداده بواسطة الكتابة والتوقيع االلكترونيين‪ 104‬خاصة أن المشرع الجزائري إعترف بهما‬
‫في القانون المدني إعداده في المواد ‪ 151‬مكررو‪ 151‬مكرر‪ ،3‬على أن يتم تحريره من قبل موظف‬
‫أو ضابط عمومي أو شخص مكلف بخدمة‪ ،105‬على أن يقوم بتحريره في حدود سلطته‬

‫‪100‬المادة ‪ 44‬من قانون التوثيق‪.‬‬


‫‪101‬عبد الرزاق أحمد السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون المدني‪ ،‬االلتزام بوجه عام‪ ،‬االثبات وآثار االلتزام‪ ،‬الجزء‬
‫‪.431‬‬ ‫األول‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،‬لبنان‪ ،4000 ،‬ص‬
‫‪102‬خالد محمود إبراهيم‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.424‬‬
‫‪103‬‬‫‪Article 1174 du CC modifié par Ordonnance n°2016-131 du 10 février 2016: « Lorsqu’un écrit‬‬
‫‪est exigé pour la validité d’un contrat,il peut être établi et conservé sous forme électronique dans‬‬
‫‪les conditions prévues aux articles 1366 et 1367 et,lorsqu’un acte authentique est requis,au‬‬
‫‪deuxième alinéa de l’article 1369. Lorsqu’est exigée une mention écrite de la main même de‬‬
‫‪celui qui s’oblige,ce dernier peut l’apposer sous forme électronique si les conditions de cette‬‬
‫» ‪apposition sont de nature à garantir qu’elle ne peut être effectuée que par lui-même‬‬
‫‪104Art 1396 du code civil français modifié par loi n°2000-230 du 13-03-2000, art 1 ; jorf 14-03-‬‬

‫‪2000 : dispose que : « L'acte authentique est celui qui a été reçu par officiers publics ayant le‬‬
‫‪droit d'instrumenter dans le lieu où l'acte a été rédigé, et avec les solennités requises.‬‬
‫‪Il peut être dressé sur support électronique s'il est établi et conservé dans des conditions fixées‬‬
‫» ‪par décret en Conseil d'Etat.‬‬
‫‪105‬‬
‫‪PhilippeMalinvaud, Droit des obligations, 07 iéme édition Litec, paris, 2001, p 36.‬‬

‫‪P 51‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫واختصاصه‪ 106‬مع مراعاة األوضاع واألشكال التي يقررها القانون في إطار تحرير املحرر الرسمي‬
‫التقليدي‪.‬‬

‫يحرر العقد التوثيقي االلكتروني إما بالحضور المادي لألطراف أمام الموثق أو يتم‬
‫إعداده عن طريق التوقيع االلكتروني عن بعد‪ ،‬ففي الحالتين يلتزم الموثق التأكد من هوية‬
‫األطراف وأهليتهم والتحقق من رضاهم وفق ما ورد في مضمون العقد‪ ،‬وذلك من خالل شهادة‬
‫التصديق‪ 107‬التي استحدثها المشرع الجزائري بموجب القانون ‪ 10882-30‬المتعلق بالتصديق‬
‫والتوقيع االلكترونيين التي تعمل على خلق بيئة الكترونية آمنة للتعامل عبر شبكة االنترنت‬
‫لحماية المعامالت االلكترونية عن طريق توثيقها وضمان سريتها السيما ما يتعلق بهوية األطراف‬
‫المتعاقدة‪.109‬‬

‫يتم إعداد املحررالرسمي عن بعد من قبل الموثق وفق المادة ‪ 58‬من المرسوم الفرنس ي‬
‫رقم ‪ 973-5880‬المتضمن املحررات المنشأة من طرف الموثق‪ ،110‬إذا تعذرحضورأحد أطراف‬
‫العقد أو كليهما أمام الموثق يقوم بالتعبير عن إرادته في التعاقد أو التصريح بذلك أمام موثق‬
‫آخر يشارك في تحرير هذا العقد بشرط أن يقض ي مضمون العقد بذلك‪ ،‬بأن أن يتم إرسال‬

‫‪106‬محمد محمد سادات‪ ،‬حجية المحررات الموقعة الكترونيا في االثبات‪ ،‬دار الجامعة الجديدة‪ ،‬مصر‪ ،4045 ،‬ص‬
‫‪.414‬‬
‫‪107‬شهادة التصديق يصدرها شخص يسمى مؤدى خدمات عن طريق جمع البيانات الشخصية لمن يريد إنشاء توقيع‬
‫الكتروني على أن يلتزم بعدم استعمالها لغرض آخر‪ ،‬حيث تكون بياناته موجودة ومحفوظة مع الدعامة التي تخزن‬
‫فيها‪ ،‬ثم يقوم بالتحقق من تطابق المفتاح الخاص بالشخص مع المفتاح العام‪ ،‬جغدم بن ذهيبة‪ ،‬فنينخ عبد القادر‪،‬القيمة‬
‫القانونية للتوقيع االلكتروني‪ ،‬مجلة الدراسات القانونية المقارنة‪ ،‬المجلد ‪ ،02‬العدد ‪ ،4040 ،04‬ص ‪.140‬‬
‫‪108‬القانون رقم ‪ 01-45‬المؤرخ في ‪ 4045-04-04‬المحدد للقواعد العامة المتعلقة بالتوقيع والتصديق االلكترونيين‪،‬‬
‫ج‪.‬ر عدد ‪ ،02‬الصادذرة بتاريخ ‪.4045-04-40‬‬
‫‪109‬حليتيم سراح‪ ،‬أثر التطور التكنولوجي على شكلية عقد البيع العقاري‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬جامعة‬
‫مستغانم‪ ،‬الجزائر‪ ،4044 ،‬ص ‪.12‬‬
‫‪110‬‬
‫‪Art.20 duDécret n°2005-973 du 10 août 2005 modifiant le décret n°71-941 du 26 novembre‬‬
‫‪1971 relatif aux actes établis par les notaires, JORF n°186 du 11 août 2005 , texte n°3 dispose‬‬
‫‪que:‬‬ ‫‪« Lorsqu’une partie ou toute autre personne concourant à un acte n’est ni présente‬‬
‫‪ni représentée devant le notaire instrumentaire, son consentement ou sa déclaration est recueilli‬‬
‫‪par un autre notaire devant lequel elle comparaît et qui participe à l’établissement de l’acte Cet‬‬
‫‪acte porte la mention de ce qu’il a été ainsi établi. L’échange des informations à l’établissement‬‬
‫‪de l’acte s’effectue au moyen du système de transmission de l’information mentionné à l’article‬‬
‫‪16.Chacun des notaires recueille le consentement et la signature de la partie ou de la personne‬‬
‫‪concourant à l’acte puis y appose sa propre signature. L’acte est parfait lorsque le notaire‬‬
‫‪instrumentaire y appose sa signature électronique sécurisée».‬‬

‫‪P 52‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫المعلومات عن طريق نظام تبادل المعلومات بين الموثقينالذي يجب أن يكون معتمدا لدى‬
‫املجلس األعلى للموثقين بما يضمن سالمة وسرية محتوى املحررات المنقولة من خالله مع‬
‫ضرورة ربطه بالنظم واالليات المستخدمة بين الموثقين التي تسهل تبادل المعلومات بينهم وفق‬
‫المادة ‪ 33‬من المرسوم رقم ‪ 001-5880‬المشاراليه‪.‬‬

‫يقوم الموثق بتحديد جلسة بين األطراف تتم عن طريق تقنية املحادثات المرئية عن‬
‫بعدليتم إبرام هذا العقد عن طريق تبادل المعلومات من أجل االطالع على مضمون العقد‬
‫باستخدام البائع لمفتاحه العام الذي يكون بحوزة المشتري كذلك‪ ،‬فيقوم األول بتشفير هذا‬
‫العقد وبعد ذلك ارساله الى المشتريفي الجهة المقابلة الذي يقوم بفك التشفير والتحقق من‬
‫مضمون املحررمن خالل مفتاحه العام ليقوم بارساله مرة ثانية الى البائع من أجل التوقيع عليه‬
‫عن طريق المفتاح الخاص به أمام الموثق‪ ،‬ليرسله البائع مرة ثانية الى المشتري من أجل‬
‫التوقيع عليه بشرط أن االتصال يكون مفتوحا بين البائع والمشتري طيلة فترة تبادل المراسالت‬
‫بين الموثقين املجتمعين في مجلس إفتراض ي‪.111‬‬

‫وتجب اإلشارة الى أنه وفي ظل جائحة كورونا الغى المشرع الفرنس ي الحضور المادي‬
‫لألطر افبصفة مؤقتة الذي كان معموال به بموجب المادة ‪ 83‬من المرسوم رقم ‪112100-5858‬‬

‫الصادر بتاريخ ‪ 5858-82-81‬الذي أجاز إنشاء العقود التوثيقية عن بعد من طرف الموثقين‬
‫وذلك إستجابة للظرف الصحي االستثنائي‪ ،‬كما أضافت المادة ‪ 58‬ف ‪ 83‬من المرسوم رقم‬
‫‪1133255-5858‬الصادر بتاريخ ‪ 5858-33-58‬وفي ظل هذه الظروف إمكانية االستعانة بموثقآخر‬
‫في إطار وكالة الكترونيةفي حالة غياب أحد أو كل أطراف العقد لتلقي تصريحاتهم والتعبير عن‬
‫إرادتهم بأن يقوم الموثق بنفس إجراءات تلقي وتبادل البيانات بين االطراف المتعاقدة في ظل‬
‫الظروف العادية‪.‬‬

‫بعد إعداد املحررااللكتروني وفق الضوابط الفنية والتقنية من قبل أطراف العقد بما‬
‫فيهم الموثق مما يضفي عليها طابع الرسمية‪ ،114‬والذي يتحقق بالتوقيع االلكترونيالموصوف‬

‫‪111‬أحمد عزمي الحروب‪ ،‬السندات الرسمية االلكترونية‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬األردن‪ ،4040 ،‬ص ‪.45‬‬
‫‪112‬‬‫‪Décret n° 2020-395 du 3 avril 2020 autorisant l'acte notarié à distance pendant la période d'ur‬‬
‫‪gence sanitaire,JORF n°0082 du 4 avril 2020.‬‬
‫‪113Décret n°2020-1422 du 20 novembre 2020 relative à instaurant la procuration notariée a‬‬

‫‪distanceJORF n° 282 du 21-11-2020.‬‬


‫‪114‬بلقنيشي حبيب‪ ،‬إثبات التعاقد عبر االنترنت‪ ،‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬جامعة وهران‪ ،‬الجزائر‪ ،4040 ،‬ص ‪.42‬‬

‫‪P 53‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫الذي ينشأ على أساس شهادة التصديق االلكتروني الموصوفة وفق آلية مؤمنة إلحداثه تتوفر‬
‫فيها الشروط المنصوص عليها في المادة ‪ 38‬من القانون ‪ 82-30‬وأن تكون تحت سيطرة‬
‫الشخص الموقع وحده وأن يعمل على إمكانية تحديد هوية الموقع وفق المادة ‪ 80‬من نفس‬
‫القانون‪ ،‬ويتم منح شهادة التصديق االلكتروني الموصوفة للموثق من قبل مؤدي خدمات‬
‫التصديق االلكتروني إعماال للمادة ‪ 85‬ف ‪ 33‬من نفس القانون‪.‬‬

‫بالرجوع الى التشريع الفرنس ي نجد المرسوم رقم ‪1153233-5830‬المتعلق بالوقيع‬


‫االلكتروني المادة األولى منه أقرت بأن التوقيع االلكتروني الموصوف المنصوص عليه في هذا‬
‫المرسوم يتطابق والتوقيع المنصوص عليه في النظام االوربي رقم ‪ 116038-5832‬المؤرخ في ‪51‬‬
‫جويلية ‪ 5832‬منشأ بواسطة آلية مؤمنة إلنشاء التوقيع االلكتروني وموثق بشهادة تصديق‪،‬‬
‫فنجده نص في المادة ‪ 30‬من المرسوم المذكورعلى ضرورة توقيع العقد من قبل الموثق الذي‬
‫حرره باستخدام وسيلة توقيع مؤمنة عن طريق مفتاح يكون محمي برقم سري يتضمن هوية‬
‫وتوقيع الموثق‪ ،‬أمابالنسبة لتوقيع البائع والمشتري وكذا الشهود‪ 117‬على العقد يكفي وضع‬
‫صورة مرئية من توقيعاتهم الخطية على املحرراإللكتروني‪ ،‬مع االشارة في مضمون العقد على أن‬
‫التوقيع تم وفق مقتضيات المادة ‪ 3302‬من القانون المدني الفرنس ي‪،‬وفي الغالب يكون توقيعا‬
‫بسيطا بالقلم االلكتروني على لوحة الكترونية تكون متصلة بالكمبيوترالذي يقوم بتخزينه فور‬
‫ظهوره على الشاشة‪.‬‬

‫أقرت المادة ‪ 82‬من القانون رقم ‪ 82-30‬بأن يلتزم الموثق بأن يضمن حفظ العقود التي‬
‫يحررها ويوقعهاالكترونيا في شكلها األصلي باتباع مجموعة التدابير التقنية التي تسمح بتخزين‬

‫‪115‬‬‫‪Décret n° 2017-1416 du 28 septembre 2017 relatif à la signature électronique ,JORF n°0229‬‬


‫‪du 30 septembre 2017.‬‬
‫‪116Règlement (UE) n° 910/2014 du parlement européen et du conseil ,du 23 juillet 2014,sur‬‬

‫‪l’identification électronique et les services de confiance pour les transactions électroniques au‬‬
‫‪sein du marché intérieur et abrogeant la directive 1999/93/CE ,Journal officiel de l’Union‬‬
‫‪européenne ,28/08/2014.‬‬
‫‪Art 17 alinéa 3 du Décret n°2017-1416 du 28 septembre 2017: « ……. Pour leur‬‬
‫‪117‬‬

‫‪signature, les parties et les témoins doivent utiliser un procédé permettant l’apposition‬‬
‫‪sur l’acte notarié, visible à l’écran, de l’image de leur signature manuscrite. Lorsque‬‬
‫‪l’acte doit contenir une mention manuscrite émanant d’une personne qui y concourt, le‬‬
‫‪notaire énonce que la mention a été apposée dans le respect des conditions prévues au‬‬
‫» ‪second alinéa de l’article 1174 du code civil.‬‬

‫‪P 54‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫الوثيقة الموقعة الكترونيا في دعامة للحفظ‪ 118‬تمكن من إسترجاعها في شكلها األصلي فيما بعد‬
‫للتحقق من التوقيعات االلكترونية المتصلة بها أو المرفقة لها‪.‬‬

‫إن املحرر االلكتروني يفقد صفة الرسمية ويصبح محررا عرفيا بسبب عدم كفاءة أو‬
‫أهلية الضابط العمومي أو انعدام الشكل‪ ،‬كمحرر عرفي إذا كان موقعا من قبل األطراف وفق‬
‫المادة ‪ 153‬مكرر ‪ 85‬مما يفقدها حجيتها في االثبات دون قيمتها القانونية التي تبقى قائمة‬
‫ومنتجة آلثارها القانونية‪ ،‬األمر الذي ذهب اليه المشرع الجزائري عندما ساوى بين الكتابة‬
‫التقليدية والكتابة االلكترونية في المادة ‪ 152‬من القانون المدني عندما اشترط الحضور‬
‫المادي لألطراف والشهود أمام الموثق شرط لصحة العقد‪ ،‬فالمشرع أخرج العقود المدنية‬
‫ا لتي تخضع للرسمية من نطاق المعامالت االلكترونية من خالل نص المادة ‪ 81‬ف ‪ 80‬من‬
‫القانون رقم ‪11980-30‬المتعلق بالتجارة االلكترونية التي تمنع كل معاملة عن طريق االتصاالت‬
‫االلكترونية تتعلق بكل سلعة أو خدمة إعداد عقد رسمي‪.‬‬

‫في المقابل واستثناءا أجاز المشرع التعامل بوسائل الدفع االلكتروني التي يكون فيها‬
‫االلتزام بدفع الثمن منصب على عقد رسمي وفق ما جاءت به التعليمة رقم ‪120231-58‬الصادرة‬
‫عن وزير العدل المؤرخة في ‪ 5858 /80/33‬بناءا على إرسالية من قبل وزير التجارة رقم ‪025‬‬
‫المؤرخة في‪ 5858/80/83‬والتي ألزم فيها وزير العدل الموثقين التقرب من مصالح البريد أو‬
‫البنوك والمؤسسات المصرفية لطلب تجهيز فضاءات مهنية خاصة بهم بالوسائل الالزمة من‬
‫أجل تسهيل وضمان عملية الدفع االلكتروني عن بعد‪.‬‬

‫يترتب على إيرام عقد البيع االلكتروني للعقار التزامات على كال طرفيه والتي تخضع‬
‫لألحكام العامة للبيع التقليدي للعقاراال ما يتعلق بدفع ثمن العقارالذي يعتبرااللتزام االساس ي‬
‫الذي يقع على المشتري‪ ،‬هذا االلتزام يتميز بخصوصية في عقد البيع المبرم عن بعد من حيث‬

‫‪118‬المرسوم التنفيذي رقم ‪ 414-42‬المؤرخ في ‪ 05‬ماي ‪ 4042‬المحدد لكيفيات حفظ الوثيقة الموقعة الكترونيا‪ ،‬ج‪.‬ر‬
‫عدد ‪ ،44‬الصادرة بتاريخ ‪ 04‬ماي ‪.4042‬‬
‫‪119‬القانون رقم ‪ ،05-44‬سبق التعريف به‪.‬‬
‫الصادرة عن وزير العدل‪ ،‬متعلقة بتعميم إستعمال وسائل‬ ‫‪120‬تعليمة رقم ‪ 213-40‬المؤرخة في ‪4040-02-42‬‬
‫الدفع االلكتروني بناءا على ارسالية وزير التجارة رقم ‪ 414‬المؤرخة في ‪4040-02-04‬‬

‫‪P 55‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫طريقة الوفاء به الذي يكون أيضا عن طريق وسائل الدفع االلكتروني‪121‬من خالل الوسائط‬
‫االلكترنية ‪.‬‬

‫يتم الدفع االلكتروني من خالل تبادل المعلومات من أجل إعطاء أمر بالدفع بما‬
‫يتو افق والمعطيات االلكترونية الي تفرضها شبكة االنترنت التي تسمح باالتصال المباشر بين‬
‫طرفي العقد‪ ،‬ويكون باستخدام النقود التي تكون محملة على بطاقة يحتوي على ذاكرة رقمية‬
‫أو الذاكرة الرسمية ل لمؤسسة المصرفية‪ ،‬حيث يتم خصم الثمن مباشرة من هذه النقود التي‬
‫تكون مخصصة سلفا لهذا الغرض‪ ،‬أو أن يتم سحب المبلغ مباشرة من الحساب دون أن يكون‬
‫مخصصا لدفع ثمن العقار المبيع عن طريق الكرت البنكي‪ ،122‬كما يمكن أن يتم عن طريق‬
‫المقاصة االلكترونية المصرفية‪.‬‬

‫تشمل وسائ ل الدفع االلكتروني كل األدوات التي تمكن من تحويل األموال مهما كان‬
‫السند أو األسلوب المستعمل في ذلك‪ ،123‬بأن يتم تحويل األموال عن طريق جميع وسائل الدفع‬
‫الكتابية وااللكترونية وفق المادة ‪ 23‬من قانون التجارة االلكترونية كبطاقة االئتمان والشيكات‬
‫االلكترونية كبطاقة الدفع وبطلقة السحب االلي‪ ،‬حيث يساهم الدفع االلكتروني في إثبات‬
‫االلتزام بالوفاء بالتزام دفع الثمن‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬نقل الملكية في عقد البيع العقاري االلكتروني‪.‬‬

‫بعد إتمام إجراءات توثيق املحررالرسمي لبيع العقارسواء كان بيع تقليدي أوالكترونيال‬
‫تنتقل ملكيته الى المشتري اال بعد استكمال االجراءات الشكلية الالحقة لنقل الملكية وفق ما‬
‫نصت عليه المادة ‪ 001‬من القانون المدني الجزائري‪ ،‬يتعلق األمر بالتسجيل أمام هيئات‬
‫جبائية متخصصة‪ ،‬باالضافة الى الشهرالذيتتوقف عليه عملية نقل الملكية ‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬التسجيل في عقد البيع العقاري االلكتروني‪.‬‬

‫ص‪1414‬‬ ‫‪121‬يمينة حوحو‪ ،‬عقد البيع االلكتروني في القانون الجزائري‪ ،‬دار بلقيس ‪ ،‬الجزائ‪،4042 ،‬‬
‫‪122‬بلقاسم حمادي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.421‬‬
‫‪123‬المادة ‪ 22‬االمر رقم ‪ 44-03‬المؤرخ في ‪ 4003-04-42‬يتضمن قانون النقد والقرض‪ ،‬ج‪1‬ر عدد ‪ ،54‬الصادرة‬
‫بتاريخ ‪1400-04-41‬‬

‫‪P 56‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫يعتبرالتسجيل إجراء قانوني وتنظيمي لتحصيل الحقوق والرسوم الجبائية‪ 124‬المترتبة‬


‫عن إبرام عقود البيعالناقلة للملكيةوهو إجراء يتوسط عملية التوثيق والشهر‪ ،‬حيث يلتزم‬
‫الموثق بالتقدم أمام المصالح الجبائية املختصة لدفع رسوم التسجيل الناتجة عن توثيق عقد‬
‫البيع العقاري الذي يتميز بخصوصية االجراءات التي يخضع لها نظرا لطبيعته الخاصة‬
‫باإلضافة الى التزامه بدفع المصاريف‪ 125‬المترتبة عن إبرام العقد لمصلحة الخزينة العمومية‪.‬‬

‫تسعى الدولة الى رقمنة مختلف قطاعاتها من أجل مسايرة التطور التكنولوحي‬
‫واستعمال التقنية العالية في مختلف نشاطاتها الى جانب االعتراف بحجية املحررات االلكترونية‬
‫في االثبات األمرالذي يسمح بتقديم العقود املحررة في دعامة الكترونية للتسجيل أمام مصلحة‬
‫الضرائب‪ ،126‬األمر الذي نستشفه في قانون المالية لسنة ‪ 5830‬الذي أعفى األوراق التجارية‬
‫املحررة في شكل الكتروني التي تعالجها البنوك والمؤسسات المالية من الرسم على الطابع‬
‫الحجمي‪ ،127‬مما يشير الى إمكانية تقديم املحررات التوثيقية االلكترونية للتسجيل خاصة وأن‬
‫المادة ‪ 30‬من قانون المالية لسنة ‪1285880‬والتي استحدثت المادة ‪ 30‬مكررمن قانون التسجيل‬
‫لم تشترط شكل املحررات التوثيقية المقدمة للتسجيل بل اشترط فقط مجموعة البيانات‬
‫يجب أن يتضمنها العقد للتأكد من مدى صحتهاعن طريق تقديم نسخة الكترونية على دعامة‬
‫الكترونية محفوظة‪.‬‬

‫أوجب المشرع الجزائري في قانون التسجيل رقم ‪ 129380-03‬مجموعة من الشروط‬


‫للقيام بعملية تسجيل عقد البيع العقاري يترتب على مخالفتها بطالن إجراءات االيداع‪ ،130‬ما‬

‫‪124‬دوة أسيا‪ ،‬رمول خالد‪ ،‬االطار القانوني والتنظيمي لتسجيل العقارات في التشريع الجزائري‪ ،‬دار هومة‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫‪ ،4004‬ص ‪.40‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪125‬المادة ‪ 323‬من القانون المدني الجزائري‬
‫‪1404‬‬ ‫‪126‬حليتم سراح‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‬
‫‪127‬المادة ‪ 44‬من األمر رقم ‪ 41-42‬المؤرخ في ‪44‬ديسمبر ‪ ،4042‬ج‪.‬ر عدد ‪ ،11‬الصادرة بتاريخ ‪ 42‬ديسمبر‬
‫‪ 4042‬المتعلق بقانون المالية لسنة ‪.4041‬‬
‫‪128‬القانون رقم ‪ 44-01‬المؤرخ في ‪ 42‬ديسمبر ‪ ،4001‬ج‪.‬ر عدد ‪ ،45‬الصادرة بتاريخ ‪،4001-44/30‬‬
‫المتضمن قانون المالية لسنة ‪.4005‬‬
‫‪129‬األمر رقم ‪ 405-12‬االمؤرخ في ‪ ،4212-44-02‬المتضمن قانون التسجيل‪ ،‬ج‪.‬ر عدد‪ ،44‬الصادرة بتاريخ‬
‫‪14212-44-42‬‬
‫‪130‬المادة ‪ 434‬من القانون رقم ‪ ،405-12‬سبق التعريف به‪.‬‬

‫‪P 57‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫يتعلق بهوية أطراف العقد وبياناتهم‪ ،‬وكذا تعيين العقار تعيينا حقيقا في العقد التوثيقي‬
‫باالضافة الى تحديد الثمن‪ 131‬الذي من خالله يتم احتساب الرسوم والحقوق الجبائية‪ ،‬كما‬
‫اشترط المشرع تسجيل املحررات الرسمية‪ 132‬دون العرفية‪ ،‬عكس المشرع الفرنس ي الذي أجاز‬
‫تسجيل عقود بيع العقاراملحررة عرفيا وفق األشكال والمواعيد املحددة قانونا‪.133‬‬

‫قامت الجزائر بمجموعة من االصالحات لنظامها الجبائي لعصرنة قطاع الجباية‬


‫وتكريسا لإلدارة االلكترونية حيث استحدثت بوابة الكترونية تابعة للمصالح الجبائية‬
‫يسمى"جبايتك"تم استحداثها بموجب المادة ‪ 51‬من قانون المالية التكميلي لسنة ‪1345880‬يتم‬
‫من خالله التصريح بالجباية والدفع االلكتروني لها عن طريق التشفير والتصديق باستعمال‬
‫البيانات الخاصة بالمشترك‪ ،135‬كما تم إطالق مشروع نظام معلوماتي جبائي‪ 136‬بغية تطوير‬
‫الخدمات االلكترونية باالعتماد على تكنولوجيا االعالم واالتصال‪ ،137‬فقد دعت مختلف‬
‫المصالح الجبائية الى استعمال المعلوماتية لتحصيل الرسوم الجبائية بما فيها حقوق‬
‫التسجيل المتعلقة بالبيوع العقارية‪.‬‬

‫تتم عملية التسجيل االلكتروني للمحررات التوثيقية االلكترونية لتحصيل الرسوم‬


‫الجبائية من خالل ولوج الموثق للبوابة االلكترونية التابعة للمصالح الجبائية وفتح‬
‫حسابخاص به‪ ،‬ثم يقوم باختيار الضريبة التي يريد تحصيلها وإدخال البيانات المطلوبة‪ ،‬بعد‬
‫التأكد وظهور النتيجة يقوم باستكمال اجراءات الدفع االلكتروني للمبلغ المطلوب المطلوب‬

‫‪131‬يتم دفع جزء منه أمام الموثق أثناء تحرير العقد الذي يعتبر كضمان تسديد الحقوق الجبائية‪.‬‬
‫‪132‬المادة ‪ 354‬من قانون التسجيل‬
‫الجزائري‪1‬‬
‫‪133Article 652 du code général des impôts ; dispose que : « L'enregistrement des actes‬‬

‫‪sous seings privés, qui doivent être présentés à cette formalité dans un délai fixé par la‬‬
‫‪loi, a lieu, pour ceux d'entre eux portant transmission de propriété, d'usufruit ou de‬‬
‫‪jouissance de biens immeubles, de fonds de commerce ou de clientèle, ou cession d'un‬‬
‫‪droit à un bail ou du bénéfice d'une promesse de bail concernant tout ou partie d'un‬‬
‫‪immeuble, au service des impôts de la situation des biens, et, pour tous les autres, à celui‬‬
‫‪du domicile de l'une des parties contractante ».‬‬
‫‪Ordonnance n° 08-02 du 24 juillet 2008 portant loi de finance complémentaire pour 2008, jorf‬‬
‫‪134‬‬

‫‪n° 42 du 2707/2008.‬‬
‫‪135‬عالء عبد الرزاق السالمي‪ ،‬االدارة االلكترونية‪ ،‬دار وائل للنشر والتوزيع‪ ،‬االردن‪ ،‬د‪.‬س‪.‬ط‪ ،‬ص ‪.10‬‬
‫‪136‬ابتداءا من ‪ 6102‬وضعت مديرية العامة للضريبة موقع الكتروني يتم الولوج اليه من أجل الحصول على رقم‬
‫بالتسجيل‬ ‫الخاصة‬ ‫االجراءات‬ ‫وإتمام‬ ‫بالمتعاملين‬ ‫الخاص‬ ‫الجبائي‬ ‫التعريف‬
‫الجبائي‪https://nifenligne.mfdj.gov.dz‬‬
‫‪137‬حميدة بوزيدة‪ ،‬حباية المؤسسة‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،4001 ،‬ص ‪.22‬‬

‫‪P 58‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫لدى حساب الموثق على مستوى المديرية‪ ،‬بعد ذلك يتم إجراء الفحص الضريبي‪ 138‬الذي يتم‬
‫عن طريق المراسلة مع إدارة الضرائب بناءا على مدخالتها ومخرجاتها المعلوماتية‪ ،‬لتجيب إما‬
‫باالقرارأوالرفض بعد إنهاء الفحص‪ ،‬وقد مكن المشرع الفرنس ي وبموجب المرسوم رقم ‪-5888‬‬
‫المتعلق بمهنة التوثيق من تحصيل الرسوم الجبائية‪ 140‬المترتبة عن بيع العقار‬ ‫‪1393303‬‬

‫الكترونيا قبل إبرام العقد التي يقوم بايداعها واالحتفاظ بها لدى مصلحة صندوق الودائع‪ ،‬كما‬
‫يعمل الموثق بالتعاون مع المديرية العامة للمالية التي تساهم الى جانب الموثق في عملية‬
‫التسجيل والتحصيل الجبائي‪.141‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬إجراءات الشهرالعقاري االلكتروني كأساس لنقل الملكية‪.‬‬

‫يعتبر الشهر العقاري إجراءا تقنيا تنتقل من خالله ملكية العقار وفق المادة ‪ 001‬من‬
‫القانون المدني‪ ،‬ومن ثم فإن تحرير العقار في شكل رسمي أمام الموثق سواء أبرم على دعامة‬
‫ورقية أو الكترونية وتم تسجيله لدى مصلحة الضرائب ال يترتب عنه أي أثر أو حق عيني بين‬
‫المتعاقدين وكذا في مواجهة الغير‪.142‬‬

‫إن ابرام عقود بيع العقار الكترونيا واكتسابها صفة الرسمية التي تكون لها حجية في‬
‫االثبات دفع مختلف التشريعات تبنى نظام الشهر العقاري االلكتروني واستبدال السجل‬
‫العقاري التقليدي بااللكتروني لنقل ملكية العقار‪،‬بإرسال املحررات والوثائق المرفقة لها الى‬
‫مصالح الشهر العقاري من أجل شهرها‪ ،‬و إنشاء بطاقات عقارية رقمية تغني عن الورقية يمكن‬
‫للعامة االطالع عليها من أجل معرفة الوضع القانوني للعقارالمشهر ‪.‬‬

‫‪138‬الحمزة عبد الحليم‪ ،‬الفحص الضريبي االلكتروني كأداة لتفعيل عمل االدارة الضريبية‪ ،‬مجلة دراسات جبائية‪ ،‬العدد‬
‫‪ ،4044 ،44‬ص ‪.22‬‬
‫‪Décret n°2000-1156 du 30 novembre 2000 modifiant le décret n° 45-0117 du 19‬‬
‫‪139‬‬

‫‪décembre 1945 relatif au statut du notariat, Jorf n° 278 du 01-12-2000.‬‬


‫‪140‬الجدير بالذكر أن مصلحة الضرائب ليست الجهة الوحيدة المسؤولية عن تحصيل الجباية بل يكون كذلك لمصلة‬
‫الشهر العقاري ذلك عن طريق استحداث هيئة تسمى بمصلحة الشهر العقاري والتسجيل بفرنسا‪.‬‬
‫‪Décret n° 2008-310 du 3 avril 2008 relatif à la direction générale des finances‬‬
‫‪141‬‬

‫‪publiques, Jorf n° 80 de 04-04-2008, modifier par Décret n° 2016-1234 du 19‬‬


‫‪septembre 2016 modifiant le décret n° 2008-310 du 3 avril 2008 relatif à la‬‬
‫‪direction générale des finances publiques et portant création d'une direction de‬‬
‫‪l'immobilier de l'Etat, Jorf n° 220 du 21-09-2016.‬‬
‫‪142‬حمدي باشا عمر‪ ،‬نقل الملكية العقارية في ضوء آخر التعديالت وأحدث األحكام‪ ،‬دار هومة‪ ،‬الجزائر‪،4001 ،‬‬
‫ص ‪.22‬‬

‫‪P 59‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫تنصب عملية شهر العقارات في إطار عقود البيع التقليدية على املحررات الرسمية‬
‫إعماال للمادة ‪ 33‬من المرسوم رقم ‪14331-03‬التي تنص على أن‪" :‬كل عقد يكون موضوع إشهار‬
‫عقاري في املحافظة العقارية يجب أن يقدم على الشكل الرسمي"‪ ،‬األمريختلف بالنسبة للعقود‬
‫املحررة في شكل سندات توثيقية الكترونية حيث يتوقف شهرها الكترونيا على مدى االعتراف‬
‫التشريعي برسميتها وحجيتها في اإلثبات‪ ،‬ويشترط في املحررات محل عملية الشهر أن تتضمن‬
‫مجموعة من البيانات االلزامية ال سيما ما يتعلق بطبيعة التعاقد وهوية األطراف‪ 144‬وأن يكون‬
‫مصادق عليها من قبل الموثق‪ ،‬وأن تكون هذه السندات موقعة توقيعا موصوفا‪ 145‬عن طريق‬
‫شهادة تصديق موصوفة أو موقعة من قبل الموثق‪.‬‬

‫يتم الشهر االلكتروني من خالل اتباع مجموعة من االجراءات التقنية الحديثة تستند‬
‫إلى التقنيات المعلوماتية التي تربط التواصل بين الموثقين ومصالح الشهر عن طريق انشاء‬
‫حساب في البوابة االلكترونية لمصالح الشهر العقاري‪ ،‬حيث يتم التأكد أوال من صحة‬
‫المعلومات المتعلقة بالعقار من خالل البطاقة العقارية وذلك بعد المرور على مصلحة مسح‬
‫األراض ي لألكد من املخططات المتعلقة بالعقار محل الشهر‪ ،‬ليتم بعد ذلك إيداع العقد‬
‫االلكتروني للعقار من أجل طلب شهره‪ ،‬وكمرحلة أخيرة يتم التحقق من إتمام إجراءات‬
‫الشهر‪.146‬‬

‫كما يمكن أن يتم الشهر االلكتروني باستعمال تطبيقات وبرامج الكترونية معتمدة‬
‫ومشتركة بين الموثقين وهته المصالح‪ ،147‬يتم من خاللها ارسال العقود محل الشهر عبر‬
‫الخوادم االلكترونية املخصصة لالرسال كتطبيق ‪Télé@ctes‬المعمول به في فرنسا الذي يربط‬

‫به‪1‬‬ ‫‪143‬المرسوم التنفيذي رقم ‪ ،23-12‬سبق التعريف‬


‫‪144‬‬
‫المادة ‪ 24‬من المرسوم رقم ‪ 23-12‬تنص على أن‪" :‬كل عقد أو قرار قضائي يكون موضوع إشهار في محافظة‬
‫عقارية ‪ ،‬يجب أن يشتمل على ألقاب وأسماء وتاريخ ومكان وجنسية وموطن ومهنة األطراف‪ ،‬ويجب أن يصادق‬
‫على ألقاب وأسماء وتاريخ ومكان وجنسية وموطن ومهنة األطراف‪ ،‬موثق أو كاتب ضبطأو سلطة إدارية في أسفل‬
‫كل جدول أو مستخرج أو صورة أصلية أو نسخة مودعة من أجل تنفيذ اإلجراء"‪.‬‬
‫‪145‬‬
‫المرسوم التنفيذي رقم ‪ 424-01‬المؤرخ في‪ 30‬ماي ‪ 4001‬المعدل والمتمم للمرسوم التنفيذي رقم ‪443 -04‬‬
‫المؤرخ في ‪ 02‬ماي ‪ 4004‬المتعلق بنظام االستغالل المطبق على كل نوع من أنواع الشبكات بما فيها الالسلكية‬
‫الكهربائية وعلى مختلف خدمات المواصالت السلكية و والالسلكية‪ ،‬ج‪.‬ر عدد‪ 31‬بتاريخ ‪ 01‬جوان ‪. 4001‬‬
‫‪1344‬‬ ‫‪146‬حليتم سراح‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‬
‫‪1422‬‬ ‫‪147‬حليتم سراح‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‬

‫‪P 60‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫بين مصالح الشهر العقاري والموثقين‪ ،‬يتوفر هذا التطبيق على قاعدة بيانات موحدة بينهما‬
‫يعمل على تحديد ومعالجة بيانات العقد المرسلةمن قبل الموثق‪ ،148‬كما يتم من خالله الدفع‬
‫االلكتروني للمستحقات التي يلزم دفعها عن طريق الوسائط االلكترونية‪.‬‬

‫حيث يلتزم الموثق بايداع الوثائق الكترونيا أمام مصالح الشهر العقاري‪149‬التي تقوم‬
‫بالمعالجة‬

‫التقنية لبيانات العقد والتأكد من صحة مضمونه من خالل تطبيق‪FIDIk150‬الذي‬


‫ترسل اليه كل الوثائق المتعلقة عملية الشهر‪ ،‬والذي يتولى التأكد من شكلية عملية االيداع‬
‫وكذا التأكد من دفع الحقوق الجبائية من قبل الموثق‪ ،‬يقوم بعد ذلك هذا التطبيق بإجراء‬
‫عملية الشهرالعقاري وإرسال نتيجة هذه العملية الى تطبيق ‪ télé@ctes‬مع التنويه إن تن اجراء‬
‫عملية الشهر باستعمال تطبيق ‪ BNDP151‬الذي يعمل على حفظ وتخزين البيانات المتعلقة‬
‫بالعقار‪ ،‬ويمكن االستعانة بتطبيق ‪152MAJIC‬المشترك بين مصالح الشهر العقاري ومصالح‬
‫مسح االراض ي‪.‬‬

‫المشرع الجزائري هو االخرروسعيا منه الى اعتماد التقنية والرقمنة في املجال‬


‫االداري اعتمد برنامج الكتروني يسمى ‪ projet MACF‬الذي يتم من خالله عملية الشهرالعقاري‬
‫الذي انش ئ بناءا على المذكرة رقم ‪ 0205‬الصادرة من المديرية العامة لألمالك الوطنية‪،153‬‬
‫يكون لكل محافظة عقارية الدخول الى هذا التطبيق عن طريق إنشاء حساب وادخال‬
‫المعلومات المتعلقة بالعقار المشهر بناءا على البطاقة العقارية االلكترونية المتضمنة كل‬

‫‪Décret n° 2017-770 du 4 mai 2017 portant obligation pour les notaires d'effectuer par voie‬‬
‫‪148‬‬

‫‪électronique leurs dépôts de documents auprès des services chargés de la publicité foncière, jorf‬‬
‫‪n° 107 du 06-06-2017.‬‬
‫‪Arrêté du 02-06-2017Arrêté du 2 juin 2017 définissant le champ d'application de l'obligation‬‬
‫‪149‬‬

‫‪faite aux notaires d'effectuer par voie électronique leurs dépôts de documents auprès des services‬‬
‫‪chargés de la publicité foncière, jorf n° 137 du 13-06-2017.‬‬
‫‪150‬‬‫‪Arrêté du 28 décembre 2001 relatif à la gestion automatisée de la documentation civile, des‬‬
‫‪actes et des déclarations déposés dans les services chargés de la publicité foncière et de‬‬
‫‪l'enregistrement.https://www.legifrance.gouv.fr.‬‬
‫‪151‬‬
‫‪Arrêté du 11-04-2005 relatif a la mise en service par la direction générale des finances‬‬
‫‪publiques d’un traitement automatisé d’informations nominatives dénommé « Base nationale‬‬
‫‪des données patrimoniales » jorf n° 104 de 05-05-20105.‬‬
‫‪152‬‬
‫‪Art 02. Arrêté du 11-04-2005, modifier par Arrêté du 15-02-2017, jorf n°53 du 03-03-2017‬‬
‫‪153‬التعليمة رقم ‪ 5154‬المؤرخة في ‪ 01‬جوان ‪ 4045‬المتعلقة بمشروع تألية السجل العقاري الممسوك من طرف‬
‫المحافظات العقارية‪ ،‬الصادرة عن المديرية العامة لألمالك الوطنية‪.‬‬

‫‪P 61‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫المعلومات المتعلقة ببائع العقار ويتم إدخال بيانات كل من المشتري‪ ،‬العقار‪ ،‬الموثق‪ ،‬وكذا‬
‫تاريخ تحريرالعقد ورقمه‪ ،‬ويت بعد ذلك التنقل الى الواجهة والكشف عن قائمة االشخاص قيد‬
‫االنتضار واختيار أحدهم التمام العملية أو الضغط على أيقونة الرفض‪ ،‬بعد االنتهاء من إجراء‬
‫االشهار العقاري االلكتروني يجب التأكد من إنتقال الملكية العقارية الى المشتري من خالل‬
‫معاينة البطاقات العقارية التي تحين بصفة تلقائية‪154‬‬

‫خاتمة ‪:‬‬

‫سعت مختلف التشريعات الى خلق االنسجام بين قوانينها وتشريعاتها ومقتضيات‬
‫التكنولوجيا المتطورة واستعمال الوسائل االلكترونية عن طريق تنظيم معامالتها االلكترونية‬
‫مما يوفر الحماية القانونية ألطراف عقد البيع المبرم عن بعد من خالل إضفاء الصبغة‬
‫الرسمية على هذه املحررات عن طريق الكتابة والتوقيع االلكترونيين ورقمنة األجهزة واإلدارات‬
‫التي تساهم في استكمال االجراءات الالحقة كأساس لنقل الملكية العقارية ‪.‬‬

‫وكإجابة عن االشكالية المطروحة في هذا المقال يمكن القول أن القواعد التقليدية‬


‫إلبرام عقد بيع العقار قد تأثرت بتكنولوجيا المعلومات وأصبحت تبرم في إطار المعامالت‬
‫االلكترونية على مختلف مراحل إبرامه من بداية تحريره الكترونيا الى تسجيله وشهره الكترونيا‬
‫واستخراج الدفترالعقاري بما يتماش ى وخصوصية العقار‬

‫النتائج المتوصل اليها ‪:‬‬

‫‪-3‬العقد االلكتروني ال يشكل نوعا جديدا من العقود ال يختلف عنها اال من حيث‬
‫الوسيلة المتطورة والحديثة في التعبيرعن االرادة الذي يكون بالتبادل االلكتروني للبيانات الذي‬
‫يعتبروسيلة إلبرام هذا النوع من العقود‪.‬‬

‫‪-5‬التعبير عن االرادة بواسطة البريد االلكتروني يكون عن طريق الكتابة التي ال تختلف‬
‫عن الكتابة التقليدية اال من حيث الوسائل االلكترونية الحديثة المستعملة‪ ،‬كما يمكن التعبير‬
‫عن االرادة كذلك بواسطة الموقع االلكتروني أو عن طريق املحادثة والمشاهدة المباشرة‪.‬‬

‫‪154‬سراح حليتم‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪341‬‬

‫‪P 62‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫‪-1‬العقود املحررة الكترونيا تكتسب صفة الرسمية وتكون لها حجية في اإلثبات عن‬
‫طريق التوقيع والتصديق االلكترونيين باالجوء الى جهات التصديق االكتروني المعتمدة‬
‫للحصول على شهادة تصديق التي يشترط أن تكون موصوفة‪ ،‬وأن عدم حصول املحرر على‬
‫الصبغة الرسمية ال يفقده قيمته القانونية في اإلثبات بل يمكن إعتباره محررا عرفيا يمكن‬
‫إثباته بالوسائل األخرى ‪.‬‬

‫‪-2‬يشترط أن يتم تقديم املحررات التوثيقية الكترونيا أمام مصلحة الضرائب لتحصيل‬
‫الجباية عن طريق البوابة االلكترونية الخاصة بالمصلحة كما تم إستحداث تطبيقات تتم من‬
‫خاللها عملية التحصيل التي تكون باستعمال وسائل الدفع االلكتروني‪.‬‬

‫‪-0‬تتم عملية الشهر العقاري االلكتروني عن طريق االتصال المباشر بين الموثقين‬
‫ومصالح الشهر من خالل إنشاء قاعدة بيانات معلوماتية تتضمن البطاقات العقارية‬
‫االلكترونية تمكن من االطالع على الوضع القانوني للعقارالمشهر‪.‬‬

‫الئحة المراجع‪:‬‬

‫لزهر سعيد‪ ،‬النظام القانوني لعقود التجارة الدولية‪ ،‬دار هومة‪ ،‬الجزائر‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية‪.5832 ،‬‬

‫بن ساس ي الياس‪ ،‬التعاقد االلكترونيوالوسائل المتعلقة به‪ ،‬مجلة الباحث‪ ،‬العدد ‪،85‬‬
‫‪.5881‬‬

‫خالد ممدوح إبراهيم‪ ،‬إبرام العقد االلكتروني‪ ،‬دارالفكرالجامعي‪ ،‬مصر‪.5833 ،‬‬

‫عجالي بخالد‪ ،‬النظام القانوني للعقد االلكتروني في التشريع الجزائري دراسة مقارنة‪،‬‬
‫أطروحة دكتوراه‪ ،‬جامعة تيزي وزو‪ ،‬الجزائر‪.5832 ،‬‬

‫عالء محمد الفواعير‪ ،‬العقود االلكترونية‪ ،‬التراض ي‪ ،‬التعبير عن االرادة‪ ،‬دراسة مقارنة‪،‬‬
‫دارالثقافة للنشروالتوزيع‪ ،‬األردن‪.5832 ،‬‬

‫رامي علوان‪ ،‬التعبير عن االرادة عن طريق االنترنت و اثبات التعاقد االلكتروني‪ ،‬مجلة‬
‫الحقوق‪ ،‬العدد ‪ ،82‬الكويت‪.5885 ،‬‬

‫‪P 63‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫بقاسم حامدي‪ ،‬إبرام العقد االلكتروني‪ ،‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬جامعة باتنة‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫‪.5830‬‬

‫مخلوفي عبد الوهاب‪ ،‬التجارة االلكترونية عبر االنترنت‪ ،‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬جامعة باتنة‪،‬‬
‫الجزائر‪.5835 ،‬‬

‫حمدي باشا عمر‪ ،‬دراسات قانونية مختلفة‪ ،‬دار هومة للنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة ‪،82‬‬
‫الجزائر‪.5883 ،‬‬

‫فالح سفيان‪ ،‬فرقاق معمر‪ ،‬المشاكل العملية في نقل الملكية العقارية بطريق البيع في‬
‫التشريع الجزائري‪ ،‬مجلة الدراسات القانونية المقارنة‪ ،‬العدد ‪.85‬‬

‫مجيد مخلوفي‪ ،‬نظام الشهر العقاري في التشريع الجزائري‪ ،‬ديوان المطبوعات‬


‫الجامعية‪.5885 ،‬‬

‫عمربوحالسة‪ ،‬تقنيات تحريرالعقد الرسمي‪ ،‬مجلة الموثق‪ ،‬الجزائر‪ ،‬العدد ‪.5880 ،35‬‬

‫‪P 64‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫آليات احلاماية انجنايية للحيازة العقارية يف‬


‫ضوء القانون املسطري‬
‫‪Mechanisms of criminal protection of real estate possession in the‬‬
‫‪light of the established law‬‬
‫مقدمة ‪:‬‬
‫لقد كانت رغبة المشرع األساسية من خالل القانون الجنائي‪ ،‬هو ضمان االستقرار عبر‬
‫حماية الحيازة العقارية وبينة العقار من كل اعتداء أو غصب‪ ،‬وفي سبيل تكريس هذه الحماية‬
‫فقد عمل على وضع مقتضيات إجرائية أخرى من خالل قانون المسطرة الجنائية‪.155‬‬

‫وتعتبر هذه الحماية اإلجرائية حماية قضائية إضافية فرضها الو اقع العملي وكشف‬
‫عنها الفقه الجنائي المتخصص‪ ،‬وتنضوي في ظلها مجموعة من القواعد القانونية التي تسعى‬
‫إلى حفظ النظام القانوني أثناء إعماله‪ ،‬كيف ال ودور القواعد القانونية اإلجرائية في األساس‬
‫هو تنظيم وضبط الطرق التي يتم بمقتضاها حماية هذا الحق‪ ،‬حيث بمقتض ى هذه النصوص‬
‫اإلجرائية أعطيت صالحيات والسعة لجهازالنيابة العامة للتدخل في هذا اإلطار‪.‬‬

‫وتأسيسا على ذلك‪ ،‬يمكننا أن نتساءل عن الصالحيات املخولة لجهاز النيابة العامة‬
‫بشأن مساطر حماية الحيازة العقارية؟ والشروط الالزم توفرها لتدخلها؟ وكذا مختلف‬
‫المساطرالمتبعة بشأن هذه الحماية؟ وكذا اإلشكاالت التي تعترض تدخل النيابة العامة؟‪.‬‬

‫‪ - 155‬ظهير شريف رقم ‪ 0.20.000‬صادر في ‪ 00‬من رجب ‪ 2( 0002‬أكتوبر ‪ )0220‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 00.20‬المتعلق بالمسطرة‬
‫الجنائية‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 022.‬بتاريخ ‪ 02‬ذي القعدة ‪ 22( 0000‬يناير ‪.)0222‬‬

‫‪P 65‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫انطالقا من ذلك‪ ،‬سأحاول مالمسة هذه اإلشكاالت وغيرها من خالل الحديث عن دور‬
‫النيابة العامة في حماية الملكية العقارية (المبحث األول)‪ ،‬ثم لإلشكاالت التي تعترض تدخلها‬
‫(المبحث الثاني)‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬دورالنيابة العامة في حماية العقارفي ضوء قانون المسطرة الجنائية‬
‫من المقتضيات المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬منح النيابة العامة‪156‬‬

‫صالحيات تتجاوز اختصاصها التقليدي في تحريك الدعوى العمومية ومباشرتها‪ ،‬وذلك في‬
‫محاولة لتأهيل هذا الجهاز حتى يؤدي دوره كامال في الرفع من مستوى العدالة الجنائية في‬
‫المغرب‪.‬‬

‫وقد انصب اهتمام قانون المسطرة الجنائية على ضحايا الجريمة عموما‪ ،‬وضحايا‬
‫اعتداء على الحيازة العقارية بصفة خاصة‪ ،‬ال سيما أمام عدم تضمين القانون الجنائي‬
‫إجراءات أولية للحفاظ على الوضع الظاهر إلى أن يبث القضاء في االعتداء على الحيازة‪،‬‬
‫خصوصا وأنها تظل بيد المعتدي لمدة قد يطول أمدها في انتظارنهاية المسطرة‪.‬‬

‫ولضمان استقراراألوضاع الناشئة عن الحيازة الفعلية وحفظا لألمن العام وللحيلولة‬


‫دون حصول األفراد على ما يدعونه من حقوق عن طريق الجريمة وبغير االلتجاء إلى القضاء‪،‬‬
‫وحفاظا على استقرارالمراكزالقانونية لألطراف إلى أن تتغيربحكم قضائي‪ .‬ألجل كل ذلك‪ ،‬فقد‬
‫خول قانون المسطرة الجنائية للنيابة العامة بشروط معينة حماية الطرف المتضررمن جرائم‬
‫االعتداء على حيازة العقار‪ ،‬عن طريق مباشرتها لصالحيات قانونية محددة‪.‬‬

‫لمالمسة دور النيابة العامة في حماية العقار‪ ،‬سنعمل على الحديث عن شروط تدخل‬
‫النيابة العامة في حماية العقار (المطلب األول)‪ ،‬في حين سنخصص (المطلب الثاني) للحديث‬
‫عن مجال تدخل النيابة العامة في حماية حيازة العقار‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬شروط تدخل النيابة العامة في حماية العقار‬

‫‪ -156‬نقصد بالنيابة العامة على امتداد هذا الفصل كل من وكيل الملك باملحكمة االبتدائية ونوابه‪ ،‬والوكيل العام للملك لدى‬
‫محكمة االستئناف ونوابه وذلك نظرا للتشابه الحاصل في اختصاصاتهما مع في العقار‪.‬‬

‫‪P 66‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫نصت المادة ‪ 28‬من ق‪.‬م‪.‬ج بالنسبة لوكيل الملك على أنه " ‪...‬يجوز له‪ ،‬إذا تعلق األمر‬
‫بانتزاع حيازة أن يأمر باتخاذ أي إجراء تحفظي يراه مالئما لحماية الحيازة وإرجاع الحالة إلى ما‬
‫كانت عليه ‪."...‬‬

‫كما نصت المادة ‪ 20‬من ق‪.‬م‪.‬ج أنه للوكيل العام للملك " يجوزله‪ ،‬إذا تعلق األمربانتزاع‬
‫حيازة بعد تنفيذ حكم أن يأمرباتخاذ أي إجراء تحفظي يراه مالئما لحماية الحيازة وإرجاع الحالة‬
‫إلى ما كانت على أن يعرض هذا األمر على املحكمة أو هيأة التحقيق التي رفعت إليها القضية أو‬
‫التي سترفع إليها ‪ ،‬خالل ثالثة أيام على األكثرلتأييده أو تعديله أو إلغائه" ‪.‬‬

‫وعلى هذا األساس‪ ،‬يتجلى دور النيابة العامة في قانون المسطرة الجنائية في إمكانية‬
‫التدخل مباشرة لحماية الحيازة العقارية‪ ،‬بأن تأمر باتخاذ أي إجراء تحفظي تراه مالئما لها‬
‫وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه قبل االعتداء‪.157‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬شرط االعتداء على الحيازة بعد تنفيذ حكم‬

‫ال يكفي لتدخل النيابة العامة في منازعات الحيازة‪ ،‬أن يتحقق اعتداء على حيازة الغير‬
‫للعقار بمفهوم الفصل ‪ 008‬من ق ج‪ ،158‬و إنما يتعين أن يتحقق هذا االعتداء بعد تنفيذ حكم‬
‫سواء كان هذا الحكم قد صدر في إطار دعوى جنائية أو في دعوى مدنية وثم تنفيذه‪ ،‬كدعوى‬
‫استرداد الحيازة م ثال‪ ،‬وسواء أكان هذا الحكم المنفذ قد صدر عن قضاء عادي أو استثنائي أو‬
‫عن القضاء استعجالي‪ ،‬وحصول المنفذ له على محضرالتسليم من طرف العون القضائي مثال‪،‬‬
‫والحكمة من ذلك‪ ،‬أن االعتداء على حيازة الغير للعقاربعد تنفيذ حكم ينهض في الحقيقة‪ ،‬قرينة‬
‫قوية على سند المنفذ له في أحقيته في الحيازة‪.159‬‬

‫‪ - 157‬عبد العزيز حضري‪" ،‬القانون القضائي الخاص " مطبعة الجسور‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،0222 – 0220 ،‬ص‪.0.2 :‬‬
‫‪ - 158‬ينص الفصل ‪ 022‬من القانون الجنائي على ما يلي‪ " :‬يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من مائتين إلى خمسمائة‬
‫درهم من انتزع عقارا من حيازة غيره خلسة أو باستعمال التدليس‪.‬‬
‫فإذا وقع انتزاع الحيازة ليال أو باستعمال العنف أو التهديد أو التسلق أو الكسر أو بواسطة أشخاص متعددين أو كان الجاني أو أحد‬
‫الجناة يحمل سالحا ظاهرا أو مخبأ فإن الحبس يكون من ثالثة أشهر إلى سنتين والغرامة من مائتين إلى سبعمائة درهم"‪.‬‬
‫‪ - 159‬لحسن بيهي‪ " ،‬أي دور للنيابة العامة في أفق قانون المسطرة الجنائية الجديد " مجلة أنفاس حقوقية‪ ،‬عدد ‪ ،2 – 0‬دجنبر‬
‫‪ ،0222‬ص‪.10 :‬‬

‫‪P 67‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫ولذلك‪ ،‬لم يتوان القضاء المغربي في إدانة المعتدي بعد التنفيذ‪ ،‬فقد جاء قرار صادر‬
‫عن محكمة النقض أن رجوع المتهم إلى األرض بعد صدور الحكم عليه بشأنه وبعد تنفيذ هذا‬
‫الحكم في حقه‪ ،‬يعد تعديا على ملك الغيربمفهوم الفصل ‪ 008‬من القانون الجنائي‪.160‬‬

‫ويستنتج فيما سبق أن تدخل النيابة العامة في قضايا االعتداء على الحيازة قاصر على‬
‫حاالت االنتهاك التي تحصل بعد تنفيذ الحكم‪ ،‬فيكفي أن يكون مصحوبا بما يدل على التنفيذ‬
‫بموجب محضر التسليم‪ ،‬ألن ضابط تدخل النيابة العامة في هذه المرحلة أمر تعرضه ضرورة‬
‫استثبات األمن واملحافظة على املجتمع من االضطراب‪.161‬‬

‫كذلك‪ ،‬فإن كثيرا من محاضرالتسليم كانت تشوبها الصورية رغم صحة الحكم المنفذ‬
‫به وكانت غالبية املحاكم بمجرد تقديم هذا املحضرلم تستند إليه كالدليل على الحيازة الفعلية‬
‫وال تعتبر التفافا لدفع الحائز الحقيقي بصوريته‪ ،‬رغم تقديمه الدليل في غالب األحيان‪ ،‬لذلك‬
‫فإن الرأي عند هذا الفقه أنه كلما أثير أمام النيابة العامة صورية محضر التسليم الذي حرر‬
‫تنفيذا للحكم سواء كان الحكم صوريا أو حقيقيا يتعين عليها أن تتحقق من الموضوع سواء‬
‫بنفسها أو بواسطة الشرطة وأن تقدرقرارها على ما تبين لها في أمره صوريته أو صحته‪.162‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬شرط المالئمة لتدخل النيابة العامة لحماية الحيازة‬

‫تنص المادة ‪ 28‬و ‪ 20‬من قانون المسطرة الجنائية على أنه‪" :‬يجوز للنيابة العامة‪." ...‬‬
‫ومفاد ذلك أن إصداراألمربإجراء تحفظي لحماية الحيازة من عدمه أمرجوازي تقوم به النيابة‬
‫العامة أو ال تقوم به حتى مع قيام الجريمة التي تعرضها أمام املحكمة املختصة أو الهيئة‬
‫التحقيق‪ ،163‬كما لها أن تقدم في حالة اعتقال لحالة التلبس أو عدم التوفر على الضمانات‬
‫الكافية للحضورتقييدا بأحكام المادة ‪ 02‬من قانون المسطرة الجنائية‪ ،164‬ولها أيضا أال تقدمه‬
‫في حالة سراح أو أال تقدم الملف للجهة املختصة دون أن تتدخل لحماية الحيازة‪ .‬غيرأن إرجاع‬

‫‪ - 160‬قرار صادر محكمة النقض عدد ‪ 020‬الصادر بتاريخ ‪ 02.0/0/00‬ملف جنائي رقم ‪ 02.20‬و ‪ ،02.22‬أورده‪ :‬حسن البكري‪" ،‬‬
‫الحماية القانونية لحيازة العقارات في التشريع المغربي " مكتبة الرشاد سطات‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،0220‬ص‪.1 :‬‬
‫‪ - 161‬حسن البكري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.50 :‬‬
‫‪ - 162‬لحسن بيهي‪" ،‬أي دور للنيابة العامة في أفق قانون المسطرة الجنائية الجديد " مرجع سابق‪ ،‬ص‪.12 :‬‬
‫‪ - 163‬حليمة بنت المحجوب بن حفو‪" ،‬نظرية االستحقاق في القانون المغربي – دراسة مقارنة مدعمة بآراء الفقه واجتهادات القضاء‬
‫" ‪ ،‬مطبعة األمنية‪ ،‬الطبعة األولى دجنبر ‪ ،0202‬الرباط‪ ،‬ص‪.000 :‬‬
‫‪ - 164‬تنص المادة ‪ 11‬من قانون المسطرة الجنائية على أنه‪ " :‬يجوز لألطراف استدعاء شهودهم مباشرة برسالة مضمونة‬
‫أو عن طريق كتابة الضبط وفق الشروط المنصوص عليها في الفصول ‪ 31‬و‪ 34‬و‪1"32‬‬

‫‪P 68‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫الحالة أو اتخاذ إجراء تحفظي يبقى إجراء مؤقتا إلى حين النظرفيه من طرف املحكمة التي تبت‬
‫في الموضوع أو هيئة التحقيق‪ .‬فالنيابة العامة عليها أن تعمل على إحالة اإلجراءات المتخذة‬
‫داخل ثالثة أيام إلى املحكمة التي ستبت في الموضوع أو إلى هيئة التحقيق‪.‬‬

‫لكن أجل الثالثة أيام المنصوص عليه في المادتين السابقتين ال يقيدهما في ش يء إال‬
‫عندما تتخذ اإلجراء التحفظي لحماية الحيازة وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه في شكل أمرلتنظر‬
‫فيها املحكمة التي تبث في الدعوى العمومية أو هيئة التحقيق التي سيتولى التحقيق فيها لتقرر‬
‫بشأن تأييده أو إلغائه أو تعديله‪ .‬ويتعلق األمر في الحقيقة بإجراء مؤقت تقوم به النيابة العامة‬
‫لحماية الحيازة في حاالت يكون فيها االعتداء على تلك الحيازة واضحا‪ .‬ولكن النيابة العامة‬
‫مطالبة بعرض مقررها على الجهة القضائية املختصة بالنظرفي القضية‪ ،‬فقد تكون هذه الجهة‬
‫هي املحكمة‪ ،‬إذا قررت املحكمة‪ .‬وفي هذه الحالة فإن إحالة الشق المتعلق بإرجاع الحالة إلى ما‬
‫كانت عليه ال ينبغي أن ينتظر بث املحكمة في جوهر النزاع‪ ،‬ال سيما إذا كانت النيابة العامة قد‬
‫عينت جلسة بعيدة التاريخ‪ ،‬بل ينبغي أن تلتمس النيابة العامة من املحكمة البث في هذا الشق‪،‬‬
‫وقد تكون اإلحالة تمت في إطار المسطرة الفورية المنصوص عليها في المادة ‪ 02‬من قانون‬
‫المسطرة الجنائية‪ ،‬وهنا يتعين على املحكمة أن تبت في هذا الشق‪ ،‬حتى ولو قررت تأخير النظر‬
‫في الملف‪.165‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مجال تدخل النيابة العامة في حماية الحيازة‬

‫طبقا للمادتين ‪ 28‬و ‪ 20‬من قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬فإنه بتحقق انتزاع حيازة الغير‬
‫لعقار بعد تنفيذ حكم قضائي قض ى بها‪ ،‬تخول للنيابة العامة التدخل قصد تعزيز حماية‬
‫الحائز‪ ،‬ومن ثم حماية األمن العام‪ ،‬بمجرد االعتداء على الحيازة العقارية‪ .‬وبذلك لم يكتفي‬
‫المشرع بحماية السلطة اإلدارية‪ ،‬وخاصة أجهزة األمن بوقف أي عدوان حال على الحيازة‪،‬‬
‫واالقتصار على هذه الحماية ذات الطابع الوقائي‪ ،‬و إنما دعمها قانون المسطرة الجنائية عن‬
‫طريق الحماية القضائية لمركز الحائز سواء في صورة وقائية‪ ،‬ترمي إلى وقف العدوان الحال أو‬
‫المستقبل‪ ،‬أو في صورة عالجية ترمي إلى محو االعتداء الو اقع عليه ورد الحيازة المسلوبة إلى‬

‫‪ - 165‬يوسف بن طامة‪ " ،‬الحماية الجنائية لحيازة العقار في القانون المغربي " رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص جامعة‬
‫محمد األول‪ ،‬كلية اللوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية بوجدة‪ ،‬السنة الجامعية‪ ،0202 – 0201 :‬ص‪.02 :‬‬

‫‪P 69‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫الحائز ‪ ،‬ولو عن طريق اتخاذ تدابير قسرية‪ ،‬بتسخير القوة العمومية إلرجاع الحالة إلى ما كانت‬
‫عليه‪.‬‬

‫وإذا كان االعتداء على الحيازة العقارية يؤدي من غيرشك إلى وضع الجاني واملجني عليه‬
‫في مركزين مغايرين لما كان عليه قبل الجريمة‪ ،‬فإن هذا الوضع يقتض ي عن حق إسعافا آنيا‬
‫ومستعجال إلبقاء ما كان على ما كان‪ ،‬ولهذه الغاية خول المشرع المغربي صالحية جديدة للنيابة‬
‫العامة مؤداها إرجاع الح الة إلى ما كانت عليه بالنظر لسهولة تحرك النيابة العامة في مثل هذه‬
‫الظروف‪ ،‬وهوما ال يتحقق في أغلب األحوال لقضاء الموضوع‪ ،‬بالنظرللبطء الشديد الذي تسير‬
‫به عدالته‪ ،‬وذلك لمنع استخدام القوة لتغيير الوضع القائم وتجنبا لكل ما من شأنه أن يلحق‬
‫ضررا فادحا بالحائزمما ال يمكن تداركه‪.166‬‬

‫وفضال عن إمكانية إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه‪ ،‬فإنه يجوزللنيابة العامة أن تأمربأي‬
‫إجراء تحفظي لحماية الحيازة‪ ،‬غير أن المادتين ‪ 28‬و ‪ 20‬من ق‪.‬م‪.‬ج لم تشرا إلى نوع اإلجراء‬
‫التحفظي الممكن اتخاذه من طرف النيابة العامة‪ ،‬ولو على سبيل المثال‪ ،‬مما خلق غموضا في‬
‫النصين ينعكس أثره سلبا على العمل القضائي عند التطبيق‪ .‬لذلك كان على المشرع االقتصار‬
‫على تخويل النيابة العامة حق اتخاذ ما تراه مناسبا من اإلجراءات والتدابير لحماية الحيازة من‬
‫غيرحاجة إلى وصف اإلجراء المذكوربكونه تحفظيا‪.167‬‬

‫ألن المعنى يستقيم بدون هذا الوصف‪ ،‬ال سيما أن هذه اإلجراءات تستهدف املحافظة‬
‫على وضع قائم وتتسم بالسرعة واالستعجال وال تغيرمن المركزالقانوني لألطراف‪.‬‬

‫والمشرع المغربي لم يحدد بشكل واضح طبيعة أمر النيابة العامة بإجراء تحفظي هل‬
‫هو قرارإداري يخضع لرقابة القضاء اإلداري‪ ،‬أم هو قرارقضائي؟‪.‬‬

‫يبدو أن قرار النيابة بالقيام بإجراء تحفظي يبقى ذا طابع قضائي‪ ،‬ألن النيابة العامة‬
‫تستمد ذلك من القانون وخضوع أعمالها لرقابة جهة قضائية مختصة وأن اإلجراء المتخذ‬
‫يكون في نطاق ضيق ووقتي‪.‬‬

‫‪ - 166‬عبد السالم بنزروع‪ " ،‬إثبات دعوى استحقاق العقار غير املحفظ " أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص‪ ،‬جامعة محمد‬
‫الخامس‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية بالرباط‪ ،‬السنة الجامعية‪ ،0202 – 0200 :‬ص‪.002 :‬‬
‫‪ - 167‬شكير الفتوح‪ " ،‬انتزاع عقار من حيازة الغير في العمل القضائي المغربي " مجلة اإلشعاع‪ ،‬العدد ‪ ،2. – 22‬دجنبر ‪ ،0202‬ص‪:‬‬
‫‪.020‬‬

‫‪P 70‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫كما أن المشرع المغربي في المادتين ‪ 20‬و ‪ 28‬من قانون المسطرة الجنائية لم ينص‬
‫بشكل واضح وصريح على و اقعة تعليل األمر الصادر عنها شأنه في ذلك شأن التشريع الجنائي‬
‫المصري في المادة ‪ 101‬مكررمن قانون العقوبات مع اختالف بسيط بالنسبة لهذا القانون الذي‬
‫ألزم فيه القاض ي الجزائي املختص أن يصدر قرارا مسببا خالل ثالثة أيام على األكثر بتأييده أو‬
‫بتعديله أو بإلغائه‪.168‬‬

‫ولقد أجمع الفقه‪ 169‬على أن تسبيب أمر النيابة العامة أمرا واجبا‪ ،‬وإن لم يكن من‬
‫القيود التشريعية المستخدمة صراحة على نحو ما فعل المشرع بالنسبة للقاض ي الجنائي‪ .‬إال‬
‫أنه لم يعد من القيود المستفادة صراحة من المادة بدون نص‪.‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أن المادتين ‪ 28‬و ‪ 20‬كذلك لم تتحدثا عن طريقة عرض النزاع على‬
‫النيابة العامة‪ ،‬وإذا كان األمركذلك‪ ،‬فإنه ينبغي أال يغيب عن األذهان الحكمة من وراء المادتين‬
‫التي تكمن أساسا في رغبة المشرع حسم هذه المنازعات على وجه السرعة‪ ،‬ومتى كان األمر‬
‫كذلك‪ ،‬فمن الطبيعي أن يكون طرح النزاع أمام النيابة العامة بإجراءات ميسرة تختلف عن‬
‫اإلجراءات المتبعة أمام املحكمة أو القضاء المستعجل‪ .‬ولذلك‪ ،‬فقد استقر الفقه على أن‬
‫عرض النزاع أمام النيابة العامة يتحقق في أي شكل من أشكال اإلبالغ‪ ،‬سواء اتخذ صورة شكوى‬
‫أو بالغ أو محضرشرطة أو درك‪ ،...‬وقد يتحقق بحضورالخصوم أنفسهم‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬أمرالنيابة العامة باتخاذ إجراء تحفظي‬

‫تعددت اآلراء حول تحديد طبيعة األمرالصادرمن النيابة العامة باتخاذ إجراء تحفظي‪،‬‬
‫فقد اتجه جانب من الفقه إلى التمييزبين نوعين من أوامرالنيابة العامة في منازعات الحيازة‪:‬‬

‫‪ -‬النوع األول‪ :‬هي تلك األوامرالتي تصدرفي إطارالمادة ‪ 101‬من قانون العقوبات المصري‬
‫المقابلة للمادة ‪ 28‬و ‪ 20‬من قانون المسطرة الجنائية المغربي‪ ،‬ويجب اعتبارها أعمال‬
‫قضائية‪ ،‬شأنها شأن سائر أعمال النيابة األخرى في التحقيق واالتهام‪ ،‬وذلك متى‬
‫تو افرت الدالئل الكافية على جدية االتهام في أية جريمة‪.‬‬

‫‪ - 168‬حسن حمداوي‪" ،‬الحماية الجنائية للعقار على ضوء العمل القضائي – طنجة نموذجا – بحث نهاية التدريب بالمعهد العالي‬
‫للقضاء‪ ،‬سنة التخرج‪ ،0202 – 0200 :‬ص‪..1 :‬‬
‫‪ -169‬محمد المنجي‪" ،‬في دراسة تأصيلية من الناحيتين المدنية والجنائية ‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة الثانية‬
‫‪ ،0220‬ص‪. 222 :‬‬

‫‪P 71‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫‪ -‬النوع الثاني‪ :‬هي تلك األوامر التي تصدر خارج نطاق هذا النص الجديد إذ يجب القول‬
‫بأنها ما تزال محتفظة بصفتها التقليدية باعتبارها مجرد أعمال والئية تخضع لرقابة‬
‫القضاء اإلداري‪.‬‬

‫واإلجراء التحفظي الذي تأمربه النيابة العامة هوإجراء وقتي الغرض منه حماية الحيازة‬
‫الفعلية مؤقتا دون البحث في الملكية أو فحص العالقة بين المتنازعين‪ ،‬سواء كانت الحيازة‬
‫شرعية مستندة إلى سند صحيح أو لم تكن‪ ،‬وسواء كان الحائز مالكا للعقار أو غير ذلك‪ ،‬وهذا‬
‫اإلجراء ال يمس أصل الحق‪.‬‬

‫والعلة من تقريرهذا القرارهي ضمان استقراراألوضاع الناشئة عن الحيازة حفاظا على‬


‫األمن والنظام إلى أن تتغيرمركزالخصوم بحكم قضائي والحيلولة بين األفراد وبين الحصول على‬
‫ما قد عساه أن يكون لهم من حقوق عن طريق الجريمة ويغيرااللتجاء غلى القضاء‪.170‬‬

‫واإلجراء التحفظي ينبغي أن ال يمتد إلى أعمال شديدة المساس بمراكزالمتنازعين‪ ،‬فال‬
‫يجوزللنيابة العامة عند إصدارهذا األمرالفصل في المنازعة من الناحية الموضوعية االستناد‬
‫في األمرإلى مجرد تو افرالحق في الحيازة لدى أحد المتنازعين و إنما يجب أن يكون أساس األمر‬
‫مجرد إقراراألمن العام‪.171‬‬

‫والمشرع المغربي لم يحدد بشكل واضح طبيعة أمرالنيابة العامة بإجراء تحفظي أو هو‬
‫قرارإداري يخضع لرقابة القضاء اإلداري؟ أم هو قار قضائي؟‪.‬‬

‫وفي نظرنا‪ ،‬أن األمر بإجراء تحفظي الذي تتخذه النيابة العامة لحماية الحيازة وإرجاع‬
‫الحالة إلى ما كانت عليه يبقى ذا طابع قضائي‪ ،‬ألن النيابة العامة تستمد ذلك من القانون‬
‫وخضوع أعمالها لرقابة جهة قضائية مختصة وأن اإلجراء المتخذ يكون في نطاق ضيق ووقتي‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬أمرالنيابة العامة إلرجاع الحالة إلى ما كانت عليه‬

‫من المعلوم أن مقتضيات الفصل ‪ 008‬من القانون الجنائي قد شرعت لحماية الحائز‬
‫المادي والفعلي للعقار‪ ،‬ومعاقبة كل من تدخل بفعله لالعتداء على هذه الحيازة‪ ،‬وأدى هذا‬
‫المبدأ أن تطبيق نص الفصل ‪ 008‬من القانون الجنائي يؤدي ال محالة إلى إرجاع األمور إلى‬

‫‪ - 170‬حليمة بنت المحجوب بن حفو‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.00. :‬‬


‫‪ - 171‬شكير الفتوح‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.022 :‬‬

‫‪P 72‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫نصابها وذلك بطرد المعتدي من العقار التي انتزعت حيازته‪ ،‬وتمكين المتضرر من إعادة وضع‬
‫اليد عليه‪ ،‬وهو ما اصطلح عليه " بإرجاع الوضع إلى حاله أو إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه "‪.‬‬
‫وحسب هذا المقتض ى‪ ،‬فإن إرجاع الحالة إلى حالها في جريمة انتزاع عقار نتيجة حتمية لحكم‬
‫اإلدانة من أجل هذه الجريمة‪.‬‬

‫وإذا كان هذا المبدأ هوالسائد وال جدال فيه‪ ،‬فإن النقاش يثورحول عدة نقاط تفرعت‬
‫عنه أهمها‪ :‬التكييف القانوني السليم بحكم إرجاع الوضع إلى حاله‪.172‬‬

‫لقد ثار جدل كبير حول تحديد الطبيعة القانونية إلرجاع الحالة إلى ما كانت عليه‪،‬‬
‫فهناك رأي يذهب إلى اعتبار إرجاع الوضع إلى حاله من ضمن التعويضات المدنية التي يحكم‬
‫بها لفائدة المتضرر من فعل الحيازة‪ ،‬وهو في هذا الصدد يقسم التعويض المستحق للضحية‬
‫في جريمة االعتداء على الحيازة العقارية إلى نوعين‪:‬‬

‫تعويض نقدي وتعويض عيني‪ ،‬فأما التعويض النقدي‪ ،‬فيتجلى في المبلغ المالي الذي‬
‫يستحقه المتضرر لما حل به من جراء حرمانه من الحيازة‪ .‬أما التعويض العيني‪ ،‬فهو الذي‬
‫يتجلى في تمكينه من حيازة العقار المعتدى عليه‪ ،‬وإعادة وضع يده عليه بصورة مادية‬
‫وفعلية‪.173‬‬

‫ويترتب على اعتبارإرجاع الوضع إلى حالة تعويضا مدنيا ما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬أن يتم تقديم طلب إرجاع الوضع إلى حالة في إطار الدعوى المدنية التابعة طبقا‬
‫للقواعد المنظمة لهذه األخيرة‪ ،‬شكال وموضوعا‪ ،‬أو في إطارالدعوى المدنية المستقلة‬
‫بعد ثبوت نهائية الحكم القاض ي باإلدانة‪ ،‬وذلك طبقا لما تقتضيه قواعد المسؤولية‬
‫التقصيرية‪.174‬‬

‫‪ - 172‬محسن الصويب‪ " ،‬جريمة االعتداء على األمالك العقارية في القانون المغربي " أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص‪،‬‬
‫جامعة القاض ي عياض‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية بمراكش‪ ،‬السنة الجامعية‪ ،0200 – 0200 :‬ص‪.020 :‬‬
‫‪ - 173‬امحمد أقبلي‪ " ،‬الحماية الجنائية للعقار بين النص والقانون " مساهمة ضمن أشغال ندوة‪ " :‬ظاهرة االستيالء على عقارات الغير‬
‫‪ -‬األسباب والحلول " قراءة في مضامين الرسالة الملكية الموجهة لوزير العدل والحريات بتاريخ ‪ 22‬دجنبر ‪ ،0201‬التي نظمت بتاريخ‬
‫‪ .‬يوليوز ‪ 0202‬بمدينة خنيفرة‪ ،‬منشورة بمجلة المنازعات والنظم اإلجرائية‪ ،‬مطبعة األحمدية‪ ،‬العدد الثالث‪ ،‬يونيو ‪ ،0202‬ص‪:‬‬
‫‪.00‬‬
‫‪ - 174‬حسن البكري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.55 :‬‬

‫‪P 73‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫‪ -‬أن يتم تقديم طلب إرجاع الوضع إلى حاله من طرف المتضرر صاحب المصلحة أو من‬
‫ينوب عنه‪.‬‬

‫‪ -‬ال يمكن للمحكمة أن تقض ي بإرجاع الوضع إلى حاله من تلقاء نفسها ذلك أنه ال يعتبر‬
‫والحالة هذه من النظام العام‪.175‬‬

‫يتبين من مما سبق‪ ،‬أن المشرع المغربي لم ينص صراحة في الفصل ‪ 008‬من القانون‬
‫الجنائي على" إرجاع الوضع إلى حاله ال كجزاء زجري وال كتعويض مدني‪ ،‬لكن المواد ‪ 28‬و ‪" 20‬‬
‫يجوز له – وكيل الملك – إذا تعلق األمر بانتزاع حيازة بعد تنفيذ حكم أن يأمر باتخاذ أي إجراء‬
‫تحفظي يراه مالئما لحماية الحيازة وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه‪."...‬‬

‫وخالصة القول أن المقتضيات السالفة مكملة للنقص الحاصل في نص الفصل ‪008‬‬


‫من القانون الجنائي‪.‬‬

‫وال شك أن تطبيق الفصل ‪ 008‬من القانون الجنائي وكذا المقتضيات العامة لقاعدة‬
‫الرد حسب نص الفصل ‪ 380‬وما بعده من نفس القانون والمواد ‪ 28‬و ‪ 20‬من قانون المسطرة‬
‫الجنائية من شأنها أن تحدد مسار القضاء ورأيه في الموضوع‪ ،‬لذلك‪ ،‬فإن القضاء يعتبر إرجاع‬
‫الوضع إلى حاله من مكمالت العقوبة في جريمة انتزاع عقارمن حيازة الغير‪.176‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬إشكالية تنفيذ المقررات في الدعاوى العقارية‬

‫يعد تنفيذ األحكام القضائية أهم المراحل التي تمكن صاحب الحق من اقتضاء حقه‪،‬‬
‫فهو النقطة األساسية في المراحل التي يقطعها بدءا من رفع الدعوى ومرورا بإجراءاتها ووصوال‬
‫إلى الحكم فيها‪ ،‬وبالتالي فإن الحماية القضائية للحقوق ال تكتمل بمجرد صدورهذا الحكم‪ ،‬بل‬
‫ال بد من تنفيذه والعمل على ترجمة منطوق الحكم إلى الو اقع الخارجي ليصبح مو افقا له‪،177‬‬
‫بحيث يمكن املحكوم له من الحصول على حقه كامال بمساعدة السلطة العامة‪ ،‬وذلك وفق‬
‫إجراءات فعالة وبنفقات يسيرة‪ ،‬وفي وقت قصير‪.‬‬

‫‪ - 175‬أحمد الخمليش ي‪ " ،‬القانون الجنائي الخاص " الجزء الثاني‪ ،‬مكتبة المعارف‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ ،02.1‬ص‪.0.2 :‬‬
‫‪ - 176‬محسن الصويب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.103 :‬‬
‫‪ - 177‬عبد العزيز حضري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.0.2 :‬‬

‫‪P 74‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫وإذا كانت الغاية من إصداراألحكام هي الفصل في النزاعات والخصومات طبقا للقانون‪،‬‬


‫فتحقيق العدالة االجتماعية وتوفير الثقة للمتقاضين وضمان حقوقهم وزرع الطمأنينة في‬
‫أنفسهم ال يتأتى إال إذا ترجمت هذه األحكام إلى و اقع ملموس عن طريق تنفيذها تحقيقا للغاية‬
‫المتوخاة من إصدارها‪ ،‬إذ بدونها تبقى بدون جدوى‪.‬‬

‫غير أن تنفيذ األحكام قد تعتريه صعوبات‪ ،‬لذلك تم إقرار نظام اإلشكال في التنفيذ‬
‫ليكون الوسيلة القانونية التي يلجأ إليها من تعرض للخطأ في التنفيذ أو التعسف فيه لرد هذا‬
‫التنفيذ إلى ما يتفق وحكم القانون‪.‬‬

‫ولمقاربة مدى جواز اإلشكال في تنفيذ األحكام الزجرية الصادرة في دعاوى العقار‪،‬‬
‫سنقسم هذا المبحث إلى مطلبين‪ :‬سنخصص (المطلب األول) إلشكاالت تنفيذ األحكام الزجرية‬
‫في الدعاوى العقارية‪ ،‬في حين سنخصص (المطلب الثاني) للحديث عن اإلشكاليات الناجمة‬
‫عن تنفيذ حكم بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬إشكالية تنفيذ األحكام الزجرية في الدعاوى العقارية والجهة املختصة‬

‫بعد تكوين املحكمة قناعتها بوقوع االعتداء‪ ،‬فإنها تصدرعقوبة في حق الفاعل ويبت في‬
‫المطالب المدنية‪ 178‬التي تقدم بها الطرف المتضرر‪ ،‬تبعا للمطالب التي تقدم بها المطالب‬
‫بالحق المدني‪ ،‬وهذا الشق األخير في الحكم يدخل في نطاق ما يسمى بالدعوى المدنية التابعة‬
‫التي تسيربسيرالدعوى العمومية وتالزمها وجودا وعدما‪.‬‬

‫لكن تنفيذ األحكام الصادرة في إطار الدعاوى العقارية‪ ،‬قد تنجم عنه صعوبات في‬
‫التنفيذ‪ .‬لذلك ارتأيت تقسيم هذا المطلب إلى فقرتين حتى يتسنى لي دراسة إشكاليات التنفيذ‬
‫من جهة‪ ،‬والجهة املختصة للبت في ذلك‪ ،‬من جهة أخرى‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬إشكالية تنفيذ األحكام الزجرية في الدعاوى العقارية‬

‫إذا كان القانون يضع قواعد يتعين احترامها حتى يصدر الحكم صحيحا‪ ،‬ويصير قابال‬
‫للتنفيذ‪ ،‬فإنه يضع أيضا قواعد يتعين التنفيذ وفقا لها‪ .‬ومما الشك فيه‪ ،‬أن مخالفة إحدى‬

‫‪ - 178‬كنزة غنام‪ " ،‬األحكام الصادرة عن القضاء الزجرية في الدعاوى العقارية " مجلة الحقوق المغربية تحت عنوان‪ " :‬القواعد‬
‫الموضوعية والشكلية في مساطر المنازعات العقارية " طبعة ‪ ،0200‬مطبعة األمنية الرباط‪ ،‬ص‪ 000 :‬و ‪.000‬‬

‫‪P 75‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫القواعد تستوجب منح صاحب المصلحة الوسيلة القانونية لتصحيح هذه املخالفة‪ ،‬فهذا ما‬
‫يقتضيه تطبيق مبدأ الشرعية في نطاق اإلجراءات الجنائية وفي نطاق التنفيذ أيضا‪.179‬‬

‫وتتمثل هذه الوسيلة في منازعة التنفيذ لوجود صعوبات مادية أو قانونية تمنع السير‬
‫العادي إلجراءاته‪ ،‬ولذلك‪ ،‬فإن دعوى اإلشكال في التنفيذ تنحصرغايتها في البت بعبارة صريحة‬
‫في طلب إيقاف التنفيذ المتنازع فيه‪ ،‬ومن ثم‪ ،‬فهذا اإلشكال ليس طريقا من طرق الطعن في‬
‫األحكام‪ ،‬ألن هذه األخيرة محددة في القانون على سبيل الحصر‪ ،‬وليست دعوى اإلشكاالت من‬
‫بينها‪ ،‬و إنما هي تظلم من إجراءات تنفيذها‪.180‬‬

‫وال يخفى ما إلشكاالت التنفيذ في األحكام الجنائية من أهمية تبدو في عدة مظاهرأبرزها‪:‬‬
‫أن التنفيذ هو األثر القانوني للحكم‪ ،‬ويمثل الهدف النهائي لإلجراءات الجنائية‪ ،‬واإلشكال إذ‬
‫يستهدف إعاقة التنفيذ‪ ،‬فهو يستهدف بطريق اللزوم إعاقة آثر الحكم‪ .‬وكأي حكم قضائي‪ ،‬فإن‬
‫إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه من طرف املحكمة الزجرية قد ال يخلو من صعوبات في تنفيذه‪،‬‬
‫سواء في هوية املحكوم عليه أو في أجزاء الحكم أو أسبابه أو غيرذلك من الحاالت التي يستوجب‬
‫عرضها على الجهة املختصة بتدليل هذه الصعوبة‪.‬‬

‫وإذا كانت الجهات املخول لها إثارة الصعوبات في التنفيذ واضحة‪ ،‬فإن الغموض يحوم‬
‫حول الجهة القضائية املختصة بالبت في هذه الصعوبة إذا تعلق األمر بالحكم القاض ي بإرجاع‬
‫الحالة إلى ما كانت عليه‪ ،‬ذلك أن هذا األخير ال يتعلق اإلشكال في تنفيذه فقط‪ ،‬و إنما يزيد عن‬
‫ذلك بتحديد السلطة املخولة لها قانونا البت في صعوبة هذا التنفيذ‪.181‬‬

‫والو اقع أن هذا اإلشكال لم يكن ليطرح لوال غموض الطبيعة القانونية للحكم القاض ي‬
‫بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه‪ .‬وتبعا لذلك انقسم الفقه على نفسه في تحديد الجهة املختصة‬
‫بالبت في النزاعات العارضة المتعلقة بتنفيذه‪ ،‬بحسب تكييفه القانوني له‪ ،‬فالبعض أسند‬
‫االختصاص لقاض ي المستعجالت سواء تعلق األمر برئيس املحكمة االبتدائية أو الرئيس األول‬

‫‪ - 179‬عبد السالم بنزروع‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.268 :‬‬


‫‪ - 180‬حسن البكري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.125 :‬‬
‫‪ - 181‬نور الدين الشرقاوي الغزواني‪ " ،‬الصعوبة في تنفيذ األحكام المدنية والزجرية "مجلة اإلشعاع‪ ،‬العدد ‪ ،02‬يونيو ‪ ،0220‬ص‪:‬‬
‫‪.22‬‬

‫‪P 76‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫ملحكمة االستئناف‪ ،‬مستندا في ذلك على الفصل ‪ 000‬من ق‪.‬م‪.‬ج التي تحيل على قانون المسطرة‬
‫المدنية في تنفيذ التعويضات المدنية للمحكوم له وطبقا للفصلين ‪ 320‬و ‪ 213‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬‬

‫بينما ذهب البعض إلى أن الصعوبات الناتجة عن تنفيذ األحكام الزجرية عموما ولو‬
‫تضمنت مطالب مدنية‪ ،‬ينعقد االختصاص فيه إلى املحكمة الجنحية أو الجنائية التي أصدرت‬
‫الحكم‪ ،‬استنادا إلى المادة ‪ 000‬من ق م ج التي تنص على أنه‪ " :‬يرجع النظرفي النزاعات العارضة‬
‫المتعلقة بالتنفيذ إلى املحكمة التي أصدرت المقررالمراد تنفيذه " ‪.‬‬

‫وهذا الرأي تبناه أغلب الباحثين إذن‪ ،‬فاملحكمة الزجرية مصدرة الحكم تكون هي‬
‫صاحبة االختصاص بالبت في الصعوبة من عدمها وكذا تذليلها ما دام أن هذه الصعوبة تهدف‬
‫دائما إلى إيقاف تنفيذ لمصلحة مثيرها بطبيعة الحال‪ ،‬وما دام أن الفصل ‪ 320‬بعد ما حدد‬
‫طريقة البت في األمرأجازملحكمة حق إيقاف التنفيذ‪.182‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬الجهة املختصة بالفصل في منازعات التنفيذ المتعلقة باألحكام‬


‫الجنائية‬

‫القاعدة أن املحاكم الجنائية هي املختصة بالنظر في منازعات تنفيذ األحكام الصادرة‬


‫عنها‪ ،‬وهذه القاعدة منصوص عليها في المادة ‪ 052‬من قانون اإلجراءات المصري‪ ،‬ونص عليها‬
‫المشرع المغربي في المادة ‪ 000‬من قانون المسطرة الجنائية‪ 183‬الذي يقض ي أنه يرجع النظر‬
‫فيما يحدث في مسائل نزاعية تتعلق بالتنفيذ إلى املحكمة التي أصدرت الحكم المقصود‬
‫تنفيذه‪.184‬‬

‫ويقع البت فيها في غرفة المشورة بناء على ملتمسات للنيابة العامة أو بناء على طلب‬
‫يرفعه الطرف الذي يهمه األمر‪ ،‬ويستمع إلى ممثل النيابة العامة وإلى محامي الطرف إذا طلب‬
‫ذلك وإلى الطرف شخصيا إن اقتض ى الحال‪ ،‬ويمكن للمحكمة أن تأمربتوقيف التنفيذ المتنازع‬
‫فيه‪ ،‬وال يقبل المقرر الفاصل في هذا النزاع أي طعن ما عدا الطعن بالنقض‪ ،‬كما تنص على‬
‫ذلك الفقرة األولى من الفصل ‪ 388‬من نفس القانون‪ ،‬وعلى هذا األساس تختص املحكمة‬

‫‪ - 182‬حسن البكري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.001 :‬‬


‫‪ - 183‬ينص الفصل ‪ 022‬من قانون المسطرة الجنائية على أنه‪ " :‬يرجع النظر في النزاعات العارضة المتعلقة بالتنفيذ إلى املحكمة‬
‫التي أصدرت المقرر المراد بتنفيذه ويمكن لهذه املحكمة أيضا أن تقوم بتصحيح األخطاء المادية الصرفة الواردة فيه "‪.‬‬
‫‪ - 184‬رشيد العراقي‪ " ،‬اتجاهات في العمل القضائي االستعجالي " مجلة الملحق القضائي‪ ،‬عدد ‪ ،01‬أبريل ‪ ،02.1‬ص‪.22 :‬‬

‫‪P 77‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫الزجرية المصدرة للحكم للبت في الصعوبات التي تعتري تنفيذ الحكم الصادر من القاض ي‬
‫الجنائي بشأن العقار‪ ،‬ذلك ألن هذا الحكم صدر في شأن منازعة عقارية يحميها القانون‬
‫الجنائي‪ ،‬لذا فهي المرجع املختص للنظر في إشكال تنفيذه وهي املحكمة ذات االختصاص العام‬
‫بنظراإلشكال في تنفيذ األحكام الجنائية‪.185‬‬

‫وإذا قلنا أن الحكم القضائي يضم قرارات القاض ي الجنائي بشأن الحيازة‪ ،‬فتلك‬
‫القرارات هي أحكام حقيقية تصلح كسند للتنفيذ ويجوز االستشكال في تنفيذها فكان لزاما‬
‫القول كذلك بأن الجهة املختصة لرفع هذا اإلشكال هي الجهة المصدرة للقرار‪ ،‬سواء رفع‬
‫اإلشكال في التنفيذ من أطراف النزاع على الحيازة أو من الغير‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬اإلشكالية الناجمة عن تنفيذ حكم بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه‬

‫إن تنفيذ األحكام الصادرة في الدعاوى العقارية بإرجاع الوضع إلى حاله كأي حكم‬
‫يخضع لمسطرة التنفيذ التي تنتهي بوضع المتضرريده من جديد على العقارالذي انتزعت منه‬
‫حيازته‪ ،‬لكن بتتبع هذه المسطرة من الناحية العملية يتضح أن األمرال يخلومن صعوبات‪ ،‬هذه‬
‫الصعوبات تبتدئ من الجهة المكلفة بالتنفيذ وتمتد إلى المرجع املختص للبت في هذه‬
‫الصعوبة‪ ،‬وتنتهي عند وضع اللمسات األخيرة لمسألة إرجاع الموضع إلى حالة في حيز الو اقع‪،‬‬
‫وواضح أن ما يثورحول هذه المسألة من إشكاالت مصدره الخالف السابق ذكره حول الطبيعة‬
‫القانونية إلرجاع الوضع إلى حالة‪ ،‬فإن اعتبر تعويضا مدنيا فإنه انطالقا من هذا التحديد‬
‫يخضع في تنفيذه للقواعد المنظمة لتنفيذ التعويضات املحكوم بها في إطار الدعوى المدنية‬
‫التابعة‪ ،‬ويبقى المرجع في البت في كل صعوبة ناشئة عن التنفيذ هو رئيس املحكمة االبتدائية‬
‫باعتباره المؤهل قانونا لمر اقبة عملية تنفيذ األحكام في شقها المدني‪.186‬‬

‫أما إذا اعتبر إرجاع الوضع إلى حاله تدبيرا يدخل ضمن العقوبة الزجرية‪ ،‬فإن النيابة‬
‫العامة هي وحدها المكلفة بالتنفيذ ومر اقبته على النحو الذي تمارسه في تنفيذ العقوبات‬
‫الحبسية والمالية‪ ،‬ويظل المرجع المؤهل قانونا للبث في الصعوبات الطارئة بشأن ذلك هو‬

‫‪ - 185‬حسن البكري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.001 :‬‬


‫‪ - 186‬كنزة غنام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.001 :‬‬

‫‪P 78‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫املحكمة الجنحية أو املحكمة الجنائية كلما كانت إحداهما هي مصدرة القرار القاض ي بإرجاع‬
‫الوضع إلى حاله‪.‬‬

‫نظريا ال يبدو في تنفيذ إرجاع الوضع إلى حاله أي إشكال‪ ،‬لكن بتتبع الو اقع العملي‬
‫يتضح أن األمر ال يخلو من إشكاالت تطرح أثناء تنفيذ األمر بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه‬
‫والناجمة عن اختالف اآلراء حول عدة نقاط ترتبط بطبيعة األمر‪.‬‬

‫وتتجلى هذه اإلشكاالت في اصطدام إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه بمقتضيات الفصل‬
‫‪ 333‬من قانون المسطرة المدنية وما بعده والمتعلق باسترداد الحيازة وما نتج عن ذلك من‬
‫صعوبة تحديد مرجع رفع اإلشكال في تنفيذ إرجاع الوضع إلى حاله‪.‬‬

‫بناء على ما سبق‪ ،‬سنعمل من خالل هذا المطلب مقاربة هذه الصعوبة في (الفقرة‬
‫األولى)‪ ،‬ثم التطرق للجهة املختصة في (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬اصطدام إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه بمقتضيات الفصل ‪ 333‬من‬
‫قانون المسطرة المدنية‬

‫يتبين من خالل فصول المسطرة الجنائية وكذا ما سار عليه القضائي أن الطعن‬
‫بالنقض يوقف تنفيذ األمر بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه ما دامت أنها تدخل في إطار دعاوى‬
‫الرد‪ ،‬وما دام أن رد ما يلزم رده ال يتم إال بعد إدالء صاحب المصلحة بما يفيد الطعن بالنقض‬
‫في الحكم االستئنافي أو مما يفيد فوات ميعاد الطعن حسب الفصل ‪ 201‬من قانون المسطرة‬
‫الجنائية‪ ،‬وإن كان األمر في الفصل المذكور يقتصر على املحاكم الجنائية فإن العمل القضائي‬
‫عمم ذلك على املحاكم الجنحية‪.‬‬

‫ولما كان األمر كذلك فهل يحق للمتهم أن يحتج على الطرف المتضرر فيما لو طلب‬
‫استرداد الحيازة في إطارالقواعد المدنية أي الفصل ‪ 333‬وما بعده من قانون المسطرة المدنية‬
‫عمال بقاعدة عقل الجنائي للمدني بالنظرإلى السلطة التي أعطيت للمحكمة الزجرية بإثارتها في‬
‫كل وقت وحين ولو لم يطلبها صاحب المصلحة؟‪.‬‬

‫إضافة إلى أن النص أعطى بصفة صريحة املحكمة مصدرة الحكم فيها لو أغفلت البت‬
‫في طلب الرد الصالحية واالختصاص لتدارك ما ذكرحتى بعد صدورالحكم في الموضوع (الفصل‬
‫‪ 201‬من قانون المسطرة الجنائية)‪ ،‬وبمعنى أوضح هل أن تحريك الدعوى العمومية بشأن‬

‫‪P 79‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫جنحة انتزاع حيازة عقاريحذرعلى الطرف المشتكي الحق في طلب استرداد الحيازة أمام القضاء‬
‫المدني بدعوى أن املحكمة الزجرية يمكن لها أن تثيرذلك تلقائيا كما أن إغفالها لذلك ال يسلب‬
‫منها سلطة االختصاص لتدارك األمر؟‪.‬‬

‫كما ينبغي اإلشارة إلى صعوبات تنفيذية ناجمة عن تقنية للحكم بإرجاع الوضع إلى حاله‬
‫بصورة عامة وغير مفصلة ومحددة وهو السر في الوقوع في صعوبة التنفيذ‪ ،‬فالمالحظ أن‬
‫االكتفاء بالحكم بإرجاع الوضع دون تحديد مدى وحدود هذا الوضع اسما وموقعا ومساحة من‬
‫شأنه أن يترك الباب مفتوحا لعدد من االحتجاجات من لدن طرفي النزاع وقت التنفيذ‪.‬‬

‫وهكذا نالحظ لدى الجهاز التنفيذي لدى املحكمة قيام صعوبة عملية في تنفيذ قرار‬
‫إرجاع الوضع إلى حالة يضطر معه مأمور اإلجراءات في أغلب األحيان االستعانة بخبير لتحديد‬
‫الجزء المراد إرجاع حيازته للمتضرر‪ ،‬وهكذا يتعطل التنفيذ ويثور بشأنه مجموعة من الدفوع‬
‫واالحتجاجات والتي قد يتخذ منها املحكوم عليه وسيلة للمماطلة‪ ،‬وعلى هذا األساس فإن أصل‬
‫المشكل يأتي من القرار موضوع التنفيذ الذي لم يحدد الهوية المادية والقانونية العقارية‬
‫المراد إرجاع حيازته لصاحبها‪ ،‬وعليه ال بد ألن يتم تحديد املجال التنفيذي إلرجاع الوضع درءا‬
‫لكل اختالف حول ذلك وقت التنفيذ‪.187‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬مرجع رفع الصعوبات الناجمة عن تنفيذ إرجاع الوضع إلى حاله‬

‫إن االختالف الحاصل في تحديد الطبيعة القانونية إلرجاع الوضع إلى حاله في األحكام‬
‫الصادرة باإلدانة من أجل جنحة انتزاع عقار من حيازة الغير امتد إلى تحديد الجهة المؤهلة‬
‫قانونا للبث في الصعوبات الناجمة أثناء تنفيذ حكم إرجاع الوضع إلى حاله‪.‬‬

‫يبدو أن هذه اإلشكالية قد طرحت على القضاء في الميدان العملي في صورتها التي يعهد‬
‫فيها إلى قسم التنفيذ باملحكمة تنفيذها‪ ،‬وفي ذلك اختلفت اآلراء وتشعبت المشارب‪.188‬‬

‫والثابت من خالل الدراسات الجارية في هذا الباب أن هناك رأيين‪:189‬‬

‫‪ - 187‬حسن البكري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.002 - 00. :‬‬


‫‪ - 188‬رشيد العراقي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.02 :‬‬
‫‪ - 189‬كنزة غنام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.001 :‬‬

‫‪P 80‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫الرأي األول‪ :‬يرى بأن قاض ي المستعجالت سواء رئيس املحكمة االبتدائية أو الرئيس‬
‫األول ملحكم االستئناف هو املختص للبت في صعوبة التنفيذ الناجمة عن إرجاع الحالة إلى ما‬
‫كانت عليه‪ ،‬عندما يكون النزاع معروضا على أنظار محكمة االستئناف وهو اختصاص مستمد‬
‫من الفصل ‪ 320‬من قانون المسطرة المدنية‪ ،‬والكل في إطارالفصل ‪ 21‬من نفس القانون الذي‬
‫ينص صراحة على إحالة الصعوبات الناجمة عن تنفيذ األحكام الصادرة في إطار الدعوى‬
‫المدنية التابعة عن السيد رئيس املحكمة لتقدير وجود الصعوبة التي تعترض التنفيذ‪ ،‬وسند‬
‫الفريق يرى هذا الرأي هو اإلحالة المنصوص عليها في المادة ‪ 000‬من قانون المسطرة الجنائية‬
‫الذي يحيل على أن الصعوبات الناجمة عن التنفيذ يرجع البت فيها إلى قاض ي المستعجالت‪.190‬‬

‫الرأي الثاني‪ :‬يذهب إلى القول بأن الجهة املختصة للبت في الصعوبات الناجمة عن‬
‫تنفيذ إرجاع الحالة إلى حالها هي املحكمة أصدرت الحكم القاض ي بذلك‪ ،‬تطبيقا للمادة ‪000‬‬
‫كمن قانون المسطرة الجنائية الذي ينص على أن المسائل النزاعية العارضة المتعلقة‬
‫بالتنفيذ يرجع النظرفيها إلى املحكمة التي أصدرت الحكم المقصود تنفيذه‪.191‬‬

‫إال أننا نعتبر أن المادة ‪ 000‬من قانون المسطرة الجنائية الذي استشهد به أصحاب‬
‫هذا الرأي يفوق في مضمونه ومعناه بين نوعين من الصعوبة‪ :‬الصعوبة الوقتية والصعوبة‬
‫الموضوعية‪ ،‬وتبين ما إذا كانت هذه الصعوبة بنوعيها تنصب على الجانب المدني من الحكم أو‬
‫على الجانب الزجري‪ ،‬فإذا كانت الصعوبة في التنفيذ هي من نوع الصعوبة الموضوعية التي من‬
‫شأنها المس بحجية الحكم في حد ذاته‪ ،‬فإن االختصاص هنا للبت في هذه الصعوبة ينعقد‬
‫لنفس املحكمة التي أصدرت الحكم وهي املحكمة الجنحية طبقا للمادة ‪ 000‬من قانون‬
‫المسطرة الجنائية سواء تعلق اإلشكال في التنفيذ بالحكم الصادر في الدعوى العمومية أو‬
‫الدعوى المدنية التابعة‪ .‬أما إذا كانت الصعوبة في التنفيذ هي من نوع الصعوبة الوقتية‬
‫وتنصب على الحكم الصادرفي الدعوى المدنية التابعة‪ ،‬فإن االختصاص في نظرنا ينعقد حتما‬
‫لقاض ي المستعجالت للبت فيها (وهو هنا إما رئيس املحكمة االبتدائية أو الرئيس األول ملحكمة‬
‫االستئناف حسب األحوال)‪.‬‬

‫‪ - 190‬نور الدين الشرقاوي الغزواني‪ " ،‬الصعوبة في تنفيذ األحكام المدنية والزجرية "مجلة اإلشعاع‪ ،‬العدد ‪ ،02‬يونيو ‪ ،0220‬ص‪:‬‬
‫‪.22‬‬
‫‪ - 191‬حسن البكري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.02. :‬‬

‫‪P 81‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫وإذا كان ال بد من إبداء الرأي الراجح من خالل هذين الرأيين‪ ،‬فإنه يمكن القول بأن‬
‫االتجاه القائل باختصاص املحكمة الجنحية أو الجنائية حسب األحوال للنظر في صعوبات‬
‫تنفيذ إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه هواألقرب إلى الصواب في نظرنا‪ ،‬وذلك لالعتبارات التالية‪:‬‬

‫‪ – 3‬أن املحكمة التي قضت بإرجاع الوضع إلى حاله لها سابق دراية ومعرفة لكل‬
‫الجوانب المتعلقة بالقضية التي صدر فيها قرار إرجاع الوضع‪ ،‬ذلك أنها قبل أن تقرر إرجاع‬
‫الوضع ناقشت موضوعه واستمعت لطرفيه وحددت مراميه وعالجت كل إشكال محتمل قيامه‬
‫بشأنه‪.‬‬

‫‪ – 5‬أن صعوبة تنفيذ إرجاع الوضع إلى حالة قد تنجم عن إغفال أو ثغرة أو خطأ في‬
‫منطوق قرارإرجاع الوضع‪ ،‬كما قد تنجم عن اختالف في تأويل هذا القرارفيما بين طرفيه‪ ،‬ففي‬
‫هذه الحالة أال تبدو مراجعة قاض بالمستعجالت لرفع اإلشكال أو الصعوبة من قبيل الخطأ في‬
‫الطريق السليم‪.‬‬

‫‪ – 1‬إن قانون المسطرة المدنية باعتباره القانون األصل ينص في فصله ‪ 53‬على كل‬
‫محكمة تختص بالنظر في الصعوبات المتعلقة بتأويل او تنفيذ أحكامها أو قراراتها وخاصة في‬
‫الصعوبات المتعلقة بالمصاريف المؤداة أمامها مع مراعاة مقتضيات الفصل ‪ 320‬من قانون‬
‫المسطرة المدنية‪.‬‬

‫انطالقا من هذا الفصل فإنه ما دام قرار إرجاع الوضع إلى حاله يصدر عن املحكمة‬
‫الزجرية‪ ،‬فإن هذه األخيرة هي املختصة بالنظرفي كل الصعوبات الناتجة عن تنفيذ قراراإلرجاع‪.‬‬

‫‪ – 2‬ال شك أن مسألة إرجاع الوضع إلى حاله كتدبيرمرتبط بالعقوبة الزجرية مثلها مثل‬
‫مسألة المصاريف كجزء من قراراإلدانة‪ ،‬وهذه األخيرة استقراملجلس األعلى في أكثرمن قرار‪،192‬‬
‫على مراجعة املحكمة مصدرة القرار في رفع كل صعوبة طرأت به في تنفيذها عمال بالمادة ‪000‬‬
‫من قانون المسطرة الجنائية‪.‬‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫‪ - 192‬قرار صادر عن املجلس األعلى عدد ‪ 022‬الصادر بتاريخ ‪ 02‬دجنبر ‪ 0222‬المنشور بمجلة قضاء املجلس األعلى عدد‪ 00 :‬ص‪:‬‬
‫‪ 22‬والذي جاء فيه‪" :‬إن مسألة تحديد المصاريف وتصنيفها أمر يتعلق بالتنفيذ‪ ،‬فعلى من استشكل عليه األمر من الطرفين أن يرفع‬
‫ذلك إلى املحكمة املختصة التي أصدرت الحكم المطعون فيه تطبيقا لمقتضيات الفصل ‪ 101‬من ق‪.‬م‪.‬ج (المادة ‪ 022‬من ق‪.‬م‪.‬ج)‪.‬‬

‫‪P 82‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫ختاما‪ ،‬يتضح أن المشرع المغربي قد أناط الحيازة العقارية بعناية وحماية تستمد‬
‫وجودها من مبدأ املحافظة على النظام العام واستقراراملجتمع‪ ،‬وذلك بواسطة إقرارحماية من‬
‫نوع خاص تمثلت في الحماية الجنائية‪.‬‬

‫إن الحديث عن دور املحكمة الجنائية في حماية الحيازة العقارية هو الحديث عن دور‬
‫النيابة العامة وقاض ي التحقيق في ذلك‪ ،‬وما يترتب عن تلك الحماية من استصدارأوامرقضائية‬
‫تتضمن إدانة المتهم أو تبرئته‪ .‬والهدف من ذلك هو ضمان الحقوق وترسيخ مبدأ األمن القانوني‪.‬‬
‫ومن تم تكريس مبدأ األمن العقاري‪.‬‬

‫الئحة المراجع‪:‬‬

‫ظهيرشريف رقم ‪ 3.85.500‬صادرفي ‪ 50‬من رجب ‪ 1( 3251‬أكتوبر‪ )5885‬بتنفيذ القانون‬


‫رقم ‪ 55.83‬المتعلق بالمسطرة الجنائية‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 0800‬بتاريخ ‪ 50‬ذي القعدة‬
‫‪ 18( 3252‬يناير‪.)5881‬‬

‫عبد العزيز حضري‪" ،‬القانون القضائي الخاص " مطبعة الجسور‪ ،‬الطبعة الثالثة‪،‬‬
‫‪.5881 – 5885‬‬

‫لحسن بيهي‪ " ،‬أي دور للنيابة العامة في أفق قانون المسطرة الجنائية الجديد " مجلة‬
‫أنفاس حقوقية‪ ،‬عدد ‪ ،1 – 5‬دجنبر‪.5881‬‬

‫حسن البكري‪ " ،‬الحماية القانونية لحيازة العقارات في التشريع المغربي " مكتبة الرشاد‬
‫سطات‪ ،‬الطبعة األولى ‪.5883‬‬

‫حليمة بنت المحجوب بن حفو‪" ،‬نظرية االستحقاق في القانون المغربي – دراسة‬


‫مقارنة مدعمة بآراء الفقه واجتهادات القضاء " ‪ ،‬مطبعة األمنية‪ ،‬الطبعة األولى دجنبر ‪،5838‬‬
‫الرباط‪.‬‬

‫يوسف بن طامة‪ " ،‬الحماية الجنائية لحيازة العقار في القانون المغربي " رسالة لنيل‬
‫دبلوم الماستر في القانون الخاص جامعة محمد األول‪ ،‬كلية اللوم القانونية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية بوجدة‪ ،‬السنة الجامعية‪.5830 – 5833 :‬‬

‫‪P 83‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫عبد السالم بنزروع‪ " ،‬إثبات دعوى استحقاق العقار غير املحفظ " أطروحة لنيل‬
‫الدكتوراه في القانون الخاص‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية بالرباط‪ ،‬السنة الجامعية‪.5831 – 5835 :‬‬

‫شكيرالفتوح‪ " ،‬انتزاع عقارمن حيازة الغيرفي العمل القضائي المغربي " مجلة اإلشعاع‪،‬‬
‫العدد ‪ ،10 – 10‬دجنبر‪.5838‬‬

‫حسن حمداوي‪" ،‬الحماية الجنائية للعقارعلى ضوء العمل القضائي – طنجة نموذجا‬
‫– بحث نهاية التدريب بالمعهد العالي للقضاء‪ ،‬سنة التخرج‪.5830 – 5830 :‬‬

‫محمد المنجي‪" ،‬في دراسة تأصيلية من الناحيتين المدنية والجنائية ‪ ،‬مطبعة النجاح‬
‫الجديدة‪ ،‬الدارالبيضاء‪ ،‬الطبعة الثانية ‪.3000‬‬

‫محسن الصويب‪ " ،‬جريمة االعتداء على األمالك العقارية في القانون المغربي " أطروحة‬
‫لنيل الدكتوراه في القانون الخاص‪ ،‬جامعة القاض ي عياض‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية بمراكش‪ ،‬السنة الجامعية‪.5830 – 5832 :‬‬

‫امحمد أقبلي‪ " ،‬الحماية الجنائية للعقار بين النص والقانون " مساهمة ضمن أشغال‬
‫ندوة‪ " :‬ظاهرة االستيالء على عقارات الغير ‪ -‬األسباب والحلول " قراءة في مضامين الرسالة‬
‫الملكية الموجهة لوزير العدل والحريات بتاريخ ‪ 18‬دجنبر ‪ ،5833‬التي نظمت بتاريخ ‪ 0‬يوليوز‬
‫‪.5830‬بمدينة خنيفرة‪ ،‬منشورة بمجلة المنازعات والنظم اإلجرائية‪ ،‬مطبعة األحمدية‪ ،‬العدد‬
‫الثالث‪ ،‬يونيو ‪.5830‬‬

‫أحمد الخمليش ي‪ " ،‬القانون الجنائي الخاص " الجزء الثاني‪ ،‬مكتبة المعارف‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية ‪.3003‬‬

‫كنزة غنام‪ " ،‬األحكام الصادرة عن القضاء الزجرية في الدعاوى العقارية " مجلة الحقوق‬
‫المغربية تحت عنوان‪ " :‬القواعد الموضوعية والشكلية في مساطرالمنازعات العقارية " طبعة‬
‫‪ ،5833‬مطبعة األمنية الرباط‪.‬‬

‫‪P 84‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

‫الفاعل الرتابي باملغرب واملشاركة يف‬


‫السياسات العامومية‬
The territorial actor in Morocco and participation in public policies
:‫ملخص‬
‫ بيد أن هذا‬.‫كان مفهوم السياسات العمومية مرتبطا بشكل وثيق بمؤسسة الدولة‬
‫ و ذلك بعد بروز مفاهيم‬،‫االرتباط سرعان ما تراجع عند بداية الثمانينات من القرن الماض ي‬
‫ والتي دفعت مشاركة مؤسسات أخرى غير الدولة كالجماعات الترابية في إنتاج‬،‫كالالمركزية‬
‫ بعد ذلك عرف مفهوم السياسات العمومية تطورا مرتبطا‬.‫سياسات عمومية في حدودها املجالي‬
‫بحقل آخرغيرحقل علم االدارة وهو الحقل الترابي المتمثل في ظهورفاعل أساس ي وهو الفاعل‬
.‫الترابي بممارسة أدوارمختلفة متمثلة في المشاركة في إعداد السياسات العمومية‬

‫ التنمية الترابية‬،‫ السياسات العمومية‬،‫ الفاعل الترابي‬:‫كلمات مفتاحية‬

Abstract:

The concept of public policies was closely linked to the institution of the
state. However, this connection quickly declined at the beginning of the eighties
of the last century, after the emergence of concepts such as decentralization,
which prompted the participation of institutions other than the state, such as
territorial authorities, in the production of public policies within their territorial
limits. After that, the concept of public policies knew a development related to a
field other than the field of management science, which is the dirt field
represented in the emergence of a key actor, the dirt actor, by exercising different
roles represented in participating in the preparation of public policies.

P 85 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫‪Keywords: Territorial actor, public policies, territorial development‬‬

‫مقدمة ‪:‬‬

‫يعتبر إعداد وصياغة السياسات العمومية من المراحل املحددة واألساسية التي‬


‫يعتمدها مختلف الفاعلين وذلك بغية تحقيق تنمية ترابية منسجمة‪ ،‬ونظرا لتداخل كل‬
‫املجاالت االقتصادية منها واالجتماعية والسياسية‪ .‬و كذلك في ظل تعدد المتدخلين والمؤثرين‬
‫في صنع السياسات العمومية‪ .‬لقد أدركت الحكومات على تباين أنظمتها السياسية و اتجاهاتها‬
‫الفكرية أنها بحاجة إلى دعم ومساندة شعوبها لما تتخذه من قرارات‪ ،‬وما تقوم به من أعمال‬
‫متنوعة في جميع الظروف واألوقات‪ .‬وحتى يتحقق لها ذلك‪ ،‬فأنها أخذت تسعى جاهدة إلى حل‬
‫مشاكلهم واالستجابة لمطالبهم المتنوعة من خالل مجموعة من الخطط والبرامج (يطلق عليها‬
‫السياسات العمومية) الهادفة إلى تحقيق جملة من المنافع وتخفيف المعاناة عن الغالبية منهم‬
‫او باألحرى تحقيق تن مية ترابية‪ .‬إن ما يميز السياسات العمومية هو شمولية نتائجها لشرائح‬
‫واسعة من املجتمع ان لم يكن املجتمع كله‪ ،‬مما يحتم االهتمام بصياغتها أو رسمها بشكل يؤدي‬
‫الى زيادة فرص نجاحها وتحقيق المنافع المتوقعة عند تنفيذها‪ ،‬وتقليل احتماالت فشلها الى‬
‫أقل نسبة ممكنة‪.‬‬

‫اشكالية الدراسة‪ :‬إن تبني المغرب لنظام الالمركزية كخيار سياس ي لتجاوز المشاكل‬
‫واالختالالت الناتجة عن المقاربة العمودية النازلة من المركز نحو الهامش‪ ،‬فرض عليه تبني‬
‫مقاربة جديدة تقوم على ما يسمى بالتنمية المعتمدة على الذات أوالتنمية المنبثقة من األسفل‬
‫في مرحلة أولى والتنمية املحلية في مرحلة ثانية والتنمية الترابية كمرحلة أخيرة‪.‬‬

‫و هو ما جعله يبحث عن مقاربة جديدة يستوجب تطبيقها تفويض أو نقل مجموعة من‬
‫االختصاصات إلى الفاعلين بشكل يجعلهم قادرين على اتخاذ مبادرات تنموية داخل املجال‬
‫الترابي‪ ،‬وهؤالء الفاعلين يختلفون حسب مستوى التدخل‪.‬‬

‫ولقد ظهرت السياسات العمومية والتنمية الترابية كمقاربة جديدة تحاول أن تعيد‬
‫التوازن التنموي انطالقا من مجاالت متعددة كالجهات واألقاليم والجماعات الترابية‪ ،‬أو من‬
‫خالل مجاالت جغر افية كاألحواض المائية أو الدو ائر المسقية أو من خالل مجاالت التعبئة‬
‫االجتماعية عن الجمعيات والتعاونيات‪ ...‬على هذا األساس فهذه املجاالت املختلفة تكون‬

‫‪P 86‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫مسرحا ملجموعة من التدخالت والتفاعالت التي يبديها مختلف الفاعلين قصد تحقيق تنمية‬
‫ترابية مبنية على اساس سياسة عمومية دقيقة تأخذ بعين االعتبارمختلف التحوالت املجالية‪.‬‬
‫و من هنا نتساءل عن األهمية والدور الذي قد يلعبه الفاعل الترابي في تحقيق التنمية التر ابية‬
‫انطالقا من سياسة عمومية تستند في المقام األول للتخطيط‪.‬‬

‫‪ -‬مفاهيم الدراسة‬

‫‪ -‬السياسة العمومية‬

‫تتعدد التعاريف التي تطرقت لهذا المفهوم في االدبيات السياسية‪ .‬فكل من أسهم في‬
‫إعطاء تعريف حاول أن يكون أدق من غيره‪ ,‬فضال عن اختالف زوايا النظر في تناولته‪ ,‬يعرف‬
‫المعهد العالي للدراسات العمومية في فرنسا السياسة العمومية على أنها "هي مجموع القرارات‬
‫واألعمال والتدخالت المتخذة من قبل الفاعلين المؤسساتيين واالجتماعيين ألجل إيجاد‬
‫الحلول لمشكل جماعي ما " بينما يذهب الباحثين الفرنسيين‪193‬ـ مينه و جون كلود ـ في كتابهما‬
‫السياسة العمومية ويعرفانها على أن السياسة العمومية برنامج عمل حكومي في قطاع اجتماعي‬
‫أو مجال جغرافي معين‪.‬‬

‫السياسة العمومية ال تتعلق بالدولة في حد ذاتها‪ ،‬بل بما تفعله وتنتجه وتقوم به عبر‬
‫مؤسساتها الدستورية في املجاالت التشريعية والتنفيذية والقضائية‪ ،‬لذلك عادة ما يقال أن‬
‫السياسات العمومية هي محاولة النظر إلى الدولة في حالة فعل بهذا المعنى فان السياسات‬
‫العمومية‪ 194‬هي‪:‬‬

‫‪ -‬حصيلة عمل الدولة‪ ،‬أي الفعل أو العمل المؤسساتي الذي يتم في إطار قانوني‬
‫ومؤسساتي‪ .‬إنها حصيلة عمل مجموعة من الفاعلين‪ ،‬الي ترتبط بمجموعة من املحددات مثل‬
‫طبيعة دور الدور‪ ،‬الثقافة السياسية السائدة‪ ،‬توزيع األدوار بن المؤسسات والهيئات‬
‫االجتماعية واالقتصادية‪.‬‬

‫دليل تحليل السياسات العمومية‪ ،‬دعم أعمال البرلمان المغربي‪ ،‬منجز من طرف مركز جامعة نيويورك للتنمية الدولية‬
‫ص ‪-701‬‬
‫‪ 194-‬دليل تحليل السياسات العامة‪ ،‬دليل منجز في إطار مشروع دعم أعمال البرلمان المغربي‪ ،‬بدعم من الوكالة األمريكية للتنمية‬
‫الدولية‪.‬‬

‫‪P 87‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫‪ -‬سلسلة طويلة من النشاطات المترابطة‪ .‬إنها أكبر من مجرد قرار واحد‪ ،‬فعملية صنع‬
‫السياسات يجب أن تفهم بصورة تشمل اإلعداد والتنفيذ والتقييم والتغذية العكسية‪ ،‬وهنا‬
‫بالرغم من الحياد الظاهر للكلمات والذي يعطي صورة ثابتة لهذه العملية‪ ،‬فإن السياسات‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫العمومية ليست مسلسا بعيدا عن رهانات السلطة والمصالح والقيم والصراعات‪.‬‬

‫إن السياسات العمومية هي كذلك بالتعبير الشهير لمنظر المدرسة النسقية ديفيد‬
‫إيستون ‪ :‬دراسة التوزيع السلطوي للقيم‪.‬‬

‫‪ -‬مجموعة من اإلجراءات والقرارات ذات المنشأ اإلداري والصادرة عن السلطات العامة‪،‬‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫واملحددة ضمن إطار منسجم يسمح بإعطاء كل إجراء أو قرار مضمونا وبعدا‪ ،‬وهو ما يجعل‬
‫لها فاعلوها ومرجعياتها و آثارها المفترضة وجمهورها الخاص‪.‬‬

‫على الرغم من صعوبة تحديد تعريف دقيق وموحد للسياسة العمومية‪ ،‬فقد تم‬
‫الوقوف على عدة تعريفات للسياسة العمومية‪ ،‬وذلك باللجوء ملختلف الكتابات األكاديمية‬
‫المهتمة بتحليل السياسات العمومية‪.‬‬

‫ووفقا ألستاذ العلوم السياسية الكندي« فانسان لوميو ‪ ، Vincent Lemieux‬فإن‬


‫السياسة العمومية هي مجموعة من القرارات المترابطة الي يقرها فاعل أو مجموعة فاعل ن‬
‫سياسيين ‪ ،‬ونالحظ من هذا التعريف أن القصد من الفاعل أو مجموعة الفاعلين ال يعني‬
‫الحكومة فقط‪ ،‬بل يتوسع ليشمل أيضا المؤسسات األخرى وجماعات الضغط )أحزاب‬
‫سياسية‪ ،‬نقابات‪ ،‬مجتمع مدني ‪ ) ...‬والتي تدفع الحكومة لتبي سياسة عمومية معينة‪195.‬‬

‫‪ -‬الفاعل‬

‫ان استعمال مفهوم الفاعل جاء كرغبة إلعالء قيمة الفرد داخل املجتمع‪ ،‬ومحاولة‬
‫لتجاوز التصورات السابقة القائمة على العمل الكلي والعمل الجماعي‪ .‬وقد كان كل من بول‬
‫كالفال من خالل إصدار كتابه "مبادئ في الجغر افيا االجتماعية" سنة ‪ ،3001‬وأرمون فريمان‬
‫بإصداره لمؤلف "الجهة‪ :‬املجال المعاش" سنة ‪ ،3000‬وكلود ر افستان من خالل نشره لكتاب‬
‫"جغر افية السلطان" سنة ‪ 3003‬من الجغر افيين الرواد الذين كانت لهم الجرأة في إدخال هذا‬
‫النوع من المفاهيم ‪.‬‬

‫‪195‬‬
‫‪Lemieux, V. (2002). L’étude des Politiques Publiques. (2e édition). Québec: Les Presse de l’Université Laval. .‬‬

‫‪P 88‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫الفاعل هو بكل تأكيد الذي يفعل في الو اقع المادي أو الو اقع المعنوي أو هما معا عن‬
‫قصد وروية ووعي تام بما يقوم به من أجل الوصول إلى مراميه‪ .‬إنه دوما في حالة بناء‬
‫استراتيجيات مستقلة أوشبه مستقلة‪ ،‬بعد أن يكون قد قام بتحديد اختيارات خاصة به‪ ،‬تحتم‬
‫احتساب المغانم واملخاطر‪ ،‬واألرباح والخسائر‪ ،‬واضع في حسبانه السيناريوهات املحتملة‬
‫والسبل الكفيلة بإنجاز خططه‪ ،‬مسخرا في ذلك كل الوسائل والتكتيكات المناسبة‬
‫و‪196‬الممكنة‪ .‬مفهوم الفاعل ال يتحدد في الفاعل السياس ي فقط و إنما يشمل كل من له القدرة‬
‫على التدخل في تراب معين‪.‬‬

‫‪ -‬الفاعل الترابي‬

‫الفاعل الترابي هوالذي يفعل في التراب اوعلى األقل القادرعلى الفعل في التراب‪ ،‬بشرط‬
‫ان يكون تأثيرذلك الفعل دائم السريان أو تكون له تداعيات مسترسلة على املجال لمدة طويلة‪.‬‬
‫ال يهم ان يكون الفعل الترابي فعال مباشرا او غير مباشر‪ ،‬دو أصل داخلي او خارجي‪ ،‬فردي او‬
‫جماعي‪ ،‬اقتصادي او سياس ي او اجتماعي‪ ،‬بوعي او بدون وعي‪ ،‬ولكن المهم ان يكون مهيكال‬
‫للمجال ومؤثرا على المشهد و إن كان االمرليس بنفس الدرجة واالهمية من فاعل ألخر‪.‬‬

‫يكون الفاعل الترابي مرتبطا طبعا من جهة بسلطاته التي يخولها له املجتمع أو الدولة‪،‬‬
‫ولكن أيضا بديناميكيته وقدرته على قراءة الو اقع ومضطرا لمعرفة االمكانيات والمؤهالت‬
‫واالكراهات واملخاطر التي يعرفها التراب‪ ،‬وسيكون من جهة أخرى قادرا على القيام بالدور وفق‬
‫ما تسمح له به حدود اللعبة وهوامش التحرك‪.‬‬

‫‪ -‬التنمية‬

‫يعرفها مصطفى محسن في كتابه” التعريب والتنمية“ بأنها "ذلك االستنهاض الواعي‬
‫والمتكامل لكل المقومات المادية والروحية للمجتمع وتوظيفها ملجابهة التحديات التي تفرضها‬
‫الحطة لتحقيق الحاجيات والمتطلبات‪ ،‬وتوفيرالشروط الضرورية التي تجعل املجتمع المعني‬
‫متملكا بنوع من الجدارة واالستحقاق للقدرة على اختراع أزمنة الحداثة واالنتماء إليها والتواصل‬

‫محاضرات في التنمية الترابة والفاعلون لألستاذ حسن المباركي‪ ،‬الفصل األول ماستر دينامية المجاالت الجغرافية االعداد والتنمية‬
‫التربية‪ ،‬السنة الجامعية ‪.4041-4042‬‬

‫‪P 89‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫والتبادل المتكافئ معها‪ ،‬والتأثيرفيها كفاعل مبدع‪ ،‬وليس كتابع هامش ي مستقبل ومنفعل فقط‪.‬‬
‫‪"197‬‬

‫تطور مفهوم التنمية بحيث انتقل من التركيز على الجوانب االقتصادية إلى إعطاء‬
‫أهمية للجوانب االجتماعية واالنسانية واعتبر االنسان أداة التنمية الترابية وغاية التنمية‬
‫االجتماعية‪.‬‬

‫التنمية الترابية‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫هي عملية وحركة ديناميكية يجب األخذ بناصيتها وتوجيهها نحو خدمة‬ ‫‪-‬‬
‫المتطلبات االجتماعية واإلنسانية العاجلة‪ ،‬فهناك التنمية املحلية الداخلية املحددة‬
‫انطالقا من الخصوصيات والموارد والطاقات املحلية‪ ،‬والتنمية املحلية القائمة على مبدأ‬
‫االعتماد المتبادل أي أن جماعة محلية ال يمكن لها أن تنمو دون أن تأخذ بعين االعتبار‬
‫الجماعات املحلية املجاورة لها‪ ،‬وكذلك املحيط السوسيوسياس ي والجهوي الذي تنتمي إليه‬
‫فهذا النوع من التنمية يفرض التكامل والتشارك واالندماج الشامل‪.‬‬

‫والتنمية الترابية تهدف لتحسين ظروف عيش السكان (المر افق – التجهيزات) وتحول‬
‫نوعي وهيكلي للمجتمع وللذهنية والسلوكيات التي تتمثل في تقدمه مما يضمن االستدامة‬
‫ويستوجب تدبيرشؤونه بنفسه بشكل يمكن من تراكم ثرواته (النموالمادي في شكل مداخيل)‪.‬‬
‫تندرج في إطار ترابي معين بهدف تنميته والرفع من قدرته التنافسية‪ .‬وعلى هذا األساس‪ ،‬تعتبر‬
‫التنمية الترابية أو املجالية اليوم كإطار مرجعي لتأهيل برامج االستثمارات العمومية‬
‫واستراتيجيات الفاعلين املحليين‪.‬‬

‫التنمية الترابية هي عملية تحويل مجال ترابي إلى وضعية أفضل عبر خلق مشروع‬
‫تنموي ترابي يراعي الخصوصية املحلية و الرؤية االستراتيجية املحكمة‪.‬‬

‫الفاعلون ومراحل تنزيل السياسات العمومية‬

‫‪ -3‬الفاعلون في التنمية الترابية‬

‫‪197‬مصطفي محسن‪ ،‬التعريب والتنمية ‪ ،‬سلسلة شراع ‪ 4‬يونيو ‪4222‬‬

‫‪P 90‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫يمكن أن نعرف الفاعلين ورهاناتهم و العمليات التي يقومون بها والوسائل التي يتوفرون‬
‫عليها ومنطق تدخلهم‪.‬‬

‫بالرغم من اختالف الباحثين في تصنيف الفاعلين‪ ،‬يمكن أن ‪198‬نعرض تصنيف ثالث‬


‫فرق من الباحثين‪ ،‬حيث تم التعبيرعن وجهة نظركل فريق منهم على النحو التالي‪:‬‬

‫فالفريق األول يرى أن الفاعلين المشاركين في الفعل الترابي ينقسمون إلى ثالثة أصناف‪:‬‬
‫الجماعات اإلقليمية الحضرية (السلطات السياسية واإلدارات) السكان يجب أن تجد‬
‫تطلعاتهم سبيال للتعبير عنها‪ ،‬والتي تستدعي الضرورات إيجاد الحلول لها بصفة دائمة وليست‬
‫بصفة ظرفية أو مصلحية‪ -,‬الوسطاء من املختصين والهيئات والجمعيات االجتماعية والذين‬
‫يعملون على ربط الصلة بين االستراتيجيات الفردية وطموحات السلطات العمومية أما الفريق‬
‫الثاني فيصنف الفاعلين إلي صنفين هما المرسلين (‪ )destinations‬والمستقبلين‬
‫‪ ،destinataires‬وذلك كما جاء على النحو التالي ‪:‬‬
‫َ‬
‫المنتجة‪ :‬إنهم المنتجون‬ ‫‪ -‬المستقبلون هم الذين يأتون في جهة استعمال املجاالت‬
‫للممارسات والمهيئين بمهارات الستعمال هذه املجاالت‪ ،‬وهم السكان‪ ،‬المستعملون‪،‬‬
‫َ‬
‫المواطنون‪ ،‬فإليهم يتوجه املجال المنتج في حالة املجاالت الحضرية‪. .‬‬
‫َ‬
‫‪ -‬أما المرسلون فهم الذين يأتون في جهة من يعرضون ويصنعون املجال المنتج‪ :‬هم‬
‫يتحكمون في القواعد والقوانين‪ ،‬وعلى هذا النحو تكون لهم الشرعية والقدرة على تصميم‬
‫مجاالت اآلخرين‪ ،‬ونعرفهم عموما بالثالثي‪ :‬المنتخبون‪ ،‬موظفو الجماعات اإلقليمية‬
‫والمصممون‪ ".‬بينما يرى الفريق الثالث من الباحثين‪ ،‬أن تصنيف الفاعلين يتم وفقا‬
‫للخصوصيات المتعددة للظاهرة الحضرية المعاصرة‪ ،‬وبالنسبة للمجاالت العمومية فإنهم‬
‫يعددون الفاعلين في أربعة أنماط ‪:‬‬

‫‪ -‬الفاعلون االقتصاديون والفاعلون السياسيون‪ ،‬و املختصون في املجال (‬


‫المعماريون‪ ،‬العمرانيون‪ ،‬المهندسون )‪ ،‬السكان‪ -‬المستعملون‪ -‬المواطنون‪.‬‬

‫‪198‬محاضرات الفاعلون لألستاذ حسن المباركي الفصل األول ماستر دينامية المجاالت الجغرافية اإلعداد والتنمية الترابية ‪/4042‬‬
‫‪14041‬‬

‫‪P 91‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫الفاعلون في التنمية الترابية‬


‫على المستوى الوطني‬ ‫على المستوى الجهوي‬ ‫على المستوي المحلي‬

‫المؤسسة الملكية‬ ‫المجلس الجهوي‬ ‫•‬ ‫الجماعات الترابية‬

‫المؤسسات الوزارية‬ ‫وكالة الحوض المائي‬ ‫•‬ ‫الساكنة المحلية‬

‫األحزاب السياسية‬ ‫التعاونيات‬


‫المندوبية السامية‬ ‫•‬
‫المنظمات الدولية‬ ‫للتخطيط‬ ‫المجتمع المدني‬

‫الغرف المهنية‬ ‫المراكز الجهوية‬ ‫•‬ ‫المنتخب المحلي‬


‫لالستثمار الفالحي‬ ‫المكتب الوطني للكهرباء‬
‫الغرف البرلمانية‬
‫المديريات الوزارية‬ ‫•‬ ‫المكتب الوطني للماء الصالح‬
‫للشرب‬
‫األبناك‬ ‫•‬

‫الوالية‬ ‫•‬
‫‪ -5‬مراحل تنزيل السياسات العمومية‬
‫•‬ ‫المنسقية الجهوية‬

‫ال يمكن ألية دولة او حكومة مهما كانت امكاناتها المادية والبشرية‪ ،‬ومواردها‬
‫ً‬
‫االقتصادية من تلبية المطالب التي يتقدم بها مواطنوها‪ ،‬اومعالجة جميع مشاكلهم مرة واحدة‪،‬‬
‫انما يتطلب ذلك العمل بنظام الصفوف او الطوابير‪ ،‬أي تقديم االهم على المهم من المشاكل‬
‫ً‬
‫والقضايا‪ ،‬وفقا لجدول االسبقيات السياسية‪ ،‬الذي يعد بهدف تلبية هذه المطالب‪ ،‬وحل‬
‫المشكالت الواحدة بعد االخرى بحسب اهميتها اودرجة الحاحها‪ ،‬أو قوة الفئة او املجموعة التي‬
‫تتأثربها او بنتائجها‪.‬‬

‫كل سياسة عمومية يتم تنزيلها تبعا لسلسلة من المراحل والتي تسمح بتتبع تطورات‬
‫سياسة عمومية معينة‪ 199.‬مراحل تنزيل السياسة العمومية‬

‫‪ 199‬مـحاضرة حول تـحليل السياسات العمومية لألستاذ عبد الصمد عفيفي كلية األدب والعلوم اإلنسانية مراكش ‪4041-4042‬‬

‫‪P 92‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫مرحةل الوضع عىل األجندة‬ ‫‪Agenda setting‬‬


‫مرحلة صياغة الحلول أو البدائل‬ ‫‪olicy formulatio‬‬

‫مرحلة اتخاذ القرار‬ ‫‪Decision making‬‬


‫مرحلة تنفيذ السياسة العمومية‬ ‫‪olicy implementation‬‬
‫مرحلة تقييم السياسة العمومية‬ ‫‪Policy evaluation‬‬

‫مرحلة إنهاء البرنامج‬ ‫‪Program termination‬‬

‫ويرتبط تنزيل السياسة العمومية بمجموعة من األشكال والتي تختلف بناءا على‬
‫مجموعة من المعاييرأهمها حسب المقياس والزمن الى جانب الخصوصية املحلية واالشكاالت‬
‫المرتبطة بها‪ ,‬وحسب طبيعة الفاعل ونوعيتها أيضا بحيث قد تكون شمولية أو قطاعية‪ ،‬كما‬
‫تختلف أيضا الوسائل واألدوات المستعملة‪ .‬أما تنفيذ هذه السياسة برسم خطة أوأكثرتحتوى‬
‫على عدد كبير من البرامج ومجموعة من المشروعات المترابطة والمتكاملة بحيث يوجد نوعا‬
‫متكامل من التنسيق الفكري والتقارب الزمني بين مختلف القطاعات واألجهزة والمهن املختلفة‬
‫العاملة في مجاالت الرعاية والتنمية الترابية‪ .‬كما بدأت ثقافة المقاربة التشاركية في صنع‬
‫السياسة العمومية تظهر في بالدنا‪ ،‬و أصبح بإمكان املجتمع المدني أن يكون طرفا في صياغة و‬
‫اقتراح السياسة العمومية‪ ،‬بل إن دستور ‪ 5833‬أعطى للمجتمع المدني القدرة على تقييمها و‬
‫تتبعها قد أثبتت التجارب السياسية حتى اآلن أن إدراج قضية مجتمعية في األجندة السياسية‬
‫للسلطات العمومية كانت وطنية أو محلية‪ ،‬وفي هذه المرحلة تحديد المشكل الذي ستعالجه‬
‫السياسة العمومية المعنية‪ .‬وتبين هذه المرحلة الظروف التي تؤدي إلى ظهور الفعل العمومي‬
‫والذي يتخذ عدة مسارات ممكنة تبعا لطبيعة المدخالت (كوارث طبيعية‪ ،‬انتشارأوبئة‪ ،‬تفاقم‬
‫الفقر‪ ،‬ارتفاع معدالت البطالة‪ .)...‬يكون إما نتيجة مبادرة الفاعلين السياسيين‪ ،‬عندما يتعلق‬
‫األمربقضايا قد يؤدي رفض تحمل أعبائها في لحظة معينة إلى اإلضراربشرعيتهم السياسية‪ ،‬فال‬
‫يمكن لحكومة مثال أن تتجاهل بشكل مستمر حركة إضراب على الصعيد الوطني‪ ،‬وإما نتيجة‬
‫وجود مطالب جماعية انتقلت إلى مستوى المطلب السياس ي المنظم‪ ،‬بفعل وجود دعم منظم‬
‫ومتنام من طرف الفاعلين االجتماعيين‪ ،‬كالجمعيات والنقابات أو غيرها من الحركات‬

‫‪P 93‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫االجتماعية المنظمة‪ ،‬حين ذاك يمكن للسلطة أن تأخذ هذه المطالب في الحسبان ما لم يكن‬
‫هناك إجماع سلبي لدى األجهزة التقريرية بهدف منع وصول قضية خطيرة أو حساسة إلى‬
‫األجندة السياسية‪ .‬غير أن المرحلة األهم في السياسات العمومية تبقى هي مرحلة التدخل‪،‬‬
‫ويتعلق األمر بسيرورة اإلعداد والتنفيذ والتقويم‪ ،‬حيث يتأثر االستخدام الملموس للسياسات‬
‫العامة بعدد من المعطيات‪ ،‬كالتحديد الدقيق للقضايا التي يراد التدخل فيها أو تدبيرها‪،‬‬
‫والموارد المتوفرة بشكل طاقة بشرية ومادية وسيناريوهات الحلول التي يمكن تصورها‪ ،‬وفرص‬
‫النجاح التي توفرها الظروف أثناء لحظة التدخل‪ ،‬وكذلك بمدى القبول أو الدعم االجتماعي لها‬

‫أجمع جميع الفاعلون في ميدان التنمية الترابية‪ ،‬أن نموذج الالتوازن في العالقة بين‬
‫اإلنسان واملجال هو نتيجة وترجمة فعلية لمقاربة التدبير الكالسيكي‪ ،‬التي تقوم وتتأسس على‬
‫اعتبار عمليات التنمية مجرد فعل وقرار سياس ي يتخذه الفاعلون في ميدان التدبير للتحكم في‬
‫حالة الخلل بهدف تحقيق التوازن بين مدخالت التنمية االجتماعية‪ ،‬دون مراعاة لخصوصية‬
‫المستهدف من هذه العلميات والذي يعرب في قاموسها التدبيري كمفعول به فاقد لألهلية‪ ،‬ال‬
‫مجال له للمشاركة والتشارك في السيرورة التنموية‪ .‬مما أنتج لنا التراكم في األزمات والمصاعب‬
‫االجتماعية الممثلة في الفقربجميع متغيراته التابعة‪ ،‬التهميش واإلقصاء ‪200‬والهشاشة‪.‬‬

‫في بالدنا‪ ،‬كانت عملية صنع السياسات العمومية تتسم باالنفرادية و المزاجية‪ ،‬فبعد‬
‫إجهاض تجربة التخطيط االقتصادي‪ ،‬عاش المغرب نوعا من التخبط في صنع املخططات‬
‫االقتصادية‪ .‬فبعد فشل الرهان الكلي على القطاع الفالحي‪ ،‬تم التفكيرفي إقامة قاعدة صناعية‬
‫وطنية صلبة‪ .‬واصطدم هذا الحلم بنقص في التمويل و بعزوف الرأسمال الوطني عن االستثمار‬
‫في القطاع الصناعي‪ .‬كما تميزصنع السياسة العمومية بالتفكيرفي القطاعات االقتصادية دونما‬
‫ربطها بالقطاعات االجتماعية وهو ما جعل الفاعل السياس ي يخلط بين النمو االقتصادي‬
‫والتنمية االقتصادية المنشودة‪ ،‬فكل هم الفاعل السياس ي انصب حول كيفية رفع المؤشرات‬
‫اإلنتاجية في مختلف القطاعات االقتصادية دونما االلتفات إلى البيئة الغريبة التي أنبتت فيها‬
‫هذه الوحدات اإلنتاجية والتي تشكو الفقرواألمية و انعدام البنيات التحتية ومحدودية الطلب‬
‫الداخلي وهو ما يؤدي بالمشروع التنموي برمته إلى الفشل ‪.201‬‬

‫‪ 200‬رضا الهمادي رئيس المرصد المغربي للسياسات العمومية " السياسات العمومية بالمغرب‪ ،‬مميزاتها‪ ،‬و طرق صياغتها "‬
‫‪201‬دليل تحليل السياسات العامة‪ ،‬دليل منجز في إطار مشروع دعم أعمال البرلمان المغربي‪ ،‬بدعم من الوكالة األمريكية للتنمية الدولية‪.‬‬

‫‪P 94‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫إن دينامية من هذا القبيل‪ ،‬كفيلة بأن تيهئ األرضية المالئمة للقيام بمجموعة من‬
‫اإلصالحات السياسية‪ ،‬من شأنها أن تساهم في تعزيز الالمركزية‪ ،‬وتوسيع مشاركة السكان‪ ،‬من‬
‫خالل تعزيزمبادئ المشاركة والتشارك والعدالة والشفافية واإلدماج بين مختلف الفاعلين‪.‬‬

‫هذه المبادئ العامة للمنهج الحديث في التدبير‪ ،‬جاءت كعناصر أساسية لموضوعة‬
‫التنمية التي تعتبر غاية لتحقيق التوازن للموارد المكونة للمجال‪ .‬ويتأسس ذلك على مجموعة‬
‫من المتطلبات‪ ،‬أهمها اإلشراك والمشاركة بين الفاعلين‪ ،‬من خالل مجموعة من القنوات‬
‫المؤسساتية والقانونية‪ ،‬التي تمنح الفاعل والفرد الكفايات المناسبة للتو افق على أرضية‬
‫مشتركة لعملية اإلعداد يكون فيها للرأي والرأي األخرحضورفعلي دون عمليات الحجرعلى رأي‬
‫أي جهة‪.‬‬

‫يختلف ترتيب االولويات حسب برامج الفاعلون كما كذلك تساهم عدة عوامل أخرى‬
‫في التأثير على أولويات السياسات العمومية‪ ،‬كاملحيط الجهوي والتحديات اإلقليمية والتي‬
‫تواجهها الدول‪.‬‬

‫ولقد تميزالتحول الذى عرفه المغرب في بروز اشكال جديدة من التدبير منح الصالحية‬
‫للعديد من الفاعلين في تبني سياسة عمومية قادرة على مواكبة مختلف التحوالت املجالية‪،‬‬
‫ومنه أصبح الفاعل الترابي يعتمد على مخططات لصنع السياسات العمومية‪ ،‬ويعتمد على‬
‫البرامج المندمجة التي تصبو التأثير في املجال االقتصادي واالجتماعي‪ .‬كما تشبع الفاعلين‬
‫بآليات جديدة لصنع السياسات العمومية او للتأثيرفي صياغتها كالمناظرات القطاعية و البرامج‬
‫القطاعية التي تنتج عنها‪.‬‬

‫لكن مستوى الفاعل لم يواكب هذه التحوالت الماكرو سياسية التي تعرفها بالدنا‪ ،‬و‬
‫ظلت األحزاب شاردة عن النص‪ ،‬ال هي واكبت تطور الترسانة القانونية‪ ،‬وال هي أجابت عن‬
‫مختلف األسئلة المطروحة حول السياسات العمومية والتي تهم االرتقاء بالسياسات القطاعية‬
‫التي تعرف قصورا كبيرا في المرورمن التصوروترجمته على أرض الو اقع‪ ،‬أوتنزيل دور المؤسسة‬
‫التشريعية التي أصبحت مطالبة بتقييم هذه السياسات العامة‪ .‬ثم كذلك وضع و صياغة‬
‫سياسات أكثر إقناعا و أكثر و اقعية و احتر افية من تلك البرامج التي ال ترقى لدرجة السياسات‬
‫العمومية المندمجة و التي بإمكانها رفع تحديات بالدنا في العشرية القادمة‪.‬‬

‫‪P 95‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫سياسة إعداد التراب كآلية للتنمية الترابية‬

‫إعداد التراب هو تلك العملية التقنية والسياسية واالدارية التي تتولى تحقيق تنمية‬
‫شمولية و متوازنة لجميع المناطق بالقدر الذي يخدم مصالح الساكنة عن طريق توزيع عادل‬
‫للثروات ولألنشطة‪ .‬كما تهدف سياسة إعداد التراب إلى محاربة االختالالت السوسيومجالية بين‬
‫كافة المناطق أينما وجدت بيد أن المواطن في أية بقعة يبقى من حقه االستفادة من ثروات هذا‬
‫البلد و ‪202‬من نصيبه في التنمية‪ ،‬هكذا فمبادئ إعداد التراب الوطني تعتبر بمثابة املحرك‬
‫الموجه آلليات هذه التنمية؛ فمبدأ المواطنة كأحد المبادئ التي يقوم عليها إعداد التراب‬
‫الوطني تتجاذبه السياسات العامة للدولة عبرالقطاعات الكبرى للمجتمع‪ .‬و يتم التمييزهنا بين‬
‫حاجيات أساسية تكون الدولة ملزمة باإلجابة للمواطنين عنها من قبيل المواصالت حيث تلتزم‬
‫الدولة بتوفير شبكة طرقية تغطي مجموع التراب الوطني و تفك العزلة عن المناطق النائية و‬
‫القروية‪.‬‬

‫أصبحت التنمية الترابية تشكل حجر الزاوية ملختلف الممارسات املحلية حيث أن كل‬
‫تنمية اجتماعية تدعمها ديناميات ترابية محلية لتسيير الموارد البشرية و الشراكة و لسوق‬
‫الشغل و للعطاء المضاد و لخلق عالقات الثقة و ذلك باعتبار التراب املحلي الفضاء األكثر‬
‫اندماجيه للمستويات الموضوعية و االنسانية و االجتماعية ويعد اإلطاراألكثرإجرائية لتنفيذ‬
‫السياسات العمومية و متابعتها في املجال االجتماعي كما يمثل أيضا المرجعية األكثر تجديدية‬
‫لتطوير منظومة الحكامة نفسها في ارتباطها بالخصوصيات املجتمعية املحلية في ضوء مبدأ‬
‫المقاربة الترابية‪ ،‬و يجعلها ترتكزأكثرعلى مفهوم تدبيرالشأن الحضري‪.‬‬

‫و تبرز أهمية التكوين أكثر فأكثر من خالل نهج الدولة لمقاربة شمولية تروم تعميم‬
‫التعليم األساس ي لألطفال دون ‪ 30‬سنة حسب منطوق الميثاق الوطني للتربية و التكوين‪ ،‬كما‬
‫تحاول سن إجراءات تحفيزية لشغيلة القطاع التي تعمل في ظروف صعبة‪.‬‬

‫ونفس المقاربة نجدها في قطاع الصحة حيث يبقى الهدف توفيرتغطية شاملة للتراب‬
‫الوطني بالخدمات الصحية الضرورية‪ ،‬وببنية استشفائية تستوعب حجم طلب السكان بجل‬
‫المناطق‪ .‬أما الحاجيات العادية كالسكن أو الخدمات اليومية فهي غالبا ما تناط للقطاع‬

‫‪202‬مديرية إعداد التراب الوطني‪14001 “SNAT” ،‬‬


‫رشيد لبكر‪ ،‬إعداد التراب الوطني ورهان التنمية الجهوية‪ ،‬منشورات عكاظ‪ ،‬الرباط‪14004 ،‬‬

‫‪P 96‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫الخاص وتخرج بالتالي عن االلتزامات المباشرة للدولة‪ ،‬غيرأن هذا ال ينفي دورالدولة في توجيه‬
‫وتشجيع نمو المراكزالترابية الخاصة القادرة على استقبال مختلف الطلبات‪.‬‬

‫أما فعالية االقتصاد الوطني والسياسات العمومية التي تنهجها الدولة‪ ،‬وهي تشمل‬
‫الفعالية الترابية الشاملة للخدمات العمومية الكبرى وللشبكات الوطنية للنقل واالتصال‬
‫وتحويل الطاقة‪ ،‬والفعالية االقتصادية للمجاالت الحضرية والقروية‪ .‬بيد أن النجاعة التنموية‬
‫تستوجب التسريع من وثيرة النمو والرفع من األداءات اإلجمالية لالقتصاد الوطني بهدف‬
‫التأسيس لتنمية محورها االنسان و محيطه‪.‬‬

‫خاتمة ‪:‬‬

‫تعد التنمية الترابية هدفا ملختلف الفاعلين ويتجلى ذلك في تنزيل وتفعيل السياسات‬
‫العمومية‪ ،‬حيث أن كل تراب يخضع ملجموعة من التدخالت‪ ،‬التي تختلف باختالف الفاعلين‬
‫وباختالف رهاناتهم واستراتيجياتهم‪ ،‬فنتيجة تفاقم األوضاع االجتماعية على المستوى املحلي‪،‬‬
‫وتراجع التماسك االجتماعي‪ ،‬وتزايد حدة اإلقصاء وتهميش شرائح واسعة من السكان‬
‫وتعرضهم للهشاشة االجتماعية‪ ،‬بفعل عجز املجتمعات الحديثة عن المزاوجة بين إنتاج‬
‫الخيرات والثروات والنمو االقتصادي من جهة‪ ،‬وبين خلق مناصب الشغل وتعميم نمط العيش‬
‫الكريم وما يستلزمانه من عدالة اجتماعية من جهة أخرى‪ ،‬كان البد للفاعلين االجتماعيين‬
‫املحليين وخصوصا املجتمع المدني من التدخل لتجاوز هذه األوضاع الهشة‪ ،‬فأصبح الفاعل‬
‫الترابي قوة تنموية و اقتراحية واجتماعية ملحوظة‪ ،‬فرضت على الدولة االعتراف بها وإشراكها‬
‫في الشأن العام واملحلي‪ ،‬وتبعا لذلك أصبحت تطفوعلى الساحة السياسية والشأن املحلي جملة‬
‫من المفاهيم كالديمقراطية املحلية – الفاعل الجمعوي – الالمركزية – التنمية املحلية‪ .‬لقد‬
‫انتقلت الدولة نتيجة هذه األوضاع من الحضورالمركزي والتدخل الضروري إلى سياسة جديدة‬
‫تقوم على تعدد واختالف الفاعلين‪ ،‬واعتبار التنمية الترابية محطة أساسية في إعادة هيكلة‬
‫السياسة العمومية‪ ،‬فأضحت التنمية الترابية تقوم على قرارات يتخذها الفاعلون الترابيون‬
‫من أجل تحسين نمط عيشهم وتحقيق وجود أفضل وبناء مستقبل يستجيب لطموحاتهم‬
‫وأمالهم‪ ،‬أي أن استراتيجية التنمية الترابية تنفذ من طرف الساكنة المعنية ومن أجلها‪،‬‬
‫فالتنمية الترابية تربط بين فاعلين مختلفين وتوحد بين إرادتهم حول مختلف المشاريع‬
‫التنموية‪.‬‬

‫‪P 97‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫الئحة المصادروالمراجع‬
‫‪ ‬الحوار الوطني لإلعداد التراب ‪" 5888‬املجال المغربي و اقع الحال" وزارة اعداد التراب‬
‫الوطني و التنمية الترابية‪.‬‬
‫‪ ‬بوجروف سعيد‪ : 5835 ،‬الجهة والجهوية بالمغرب‪ :‬أي مشروع ألي تراب؟ الطبعة األولى‪.‬‬
‫المطبعة والور اقة الوطنية‪ ،‬مراكش‪.‬‬
‫‪ ‬ذ‪.‬حسن قرنفل "املجتمع المدني والنخبة السياسة‪ ،‬إقصاء أم تكامل"‪ .‬إفريقيا الشرق‬
‫المغرب ‪ 5888‬م‪.‬‬
‫‪ ‬دليل تحليل السياسات العامة‪ ،‬دليل منجز في إطار مشروع دعم أعمال البرلمان‬
‫المغربي‪ ،‬بدعم من الوكالة األمريكية للتنمية الدولية‪.‬‬
‫رشيد لبكر‪ ،‬إعداد التراب الوطني ورهان التنمية الجهوية‪ ،‬منشورات عكاظ‪ ،‬الرباط‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫‪.5885‬‬
‫‪ ‬مهتدي بوزكري‪ :‬النخب القروية‪ ،‬اإلدارة الترابية وسياسة التنمية القروية مساهمة في‬
‫دراسة الرهانات السوسيوسياسية للفاعلين‪.‬‬
‫‪ ‬عبد المالك ورد‪ :‬الفاعل املحلي وسياسة المدينة بالمغرب ‪،‬سلسلة دراسات و ابحاث‬
‫رقم‪ 58‬منشورات جامعة موالي اسماعيل كلية االداب والعلوم االنسانية مكناس الطبعة ‪5883/3‬‬
‫الصفحة ‪.32‬‬
‫عبد الصمد عفيفي مـحاضرة حول تـحليل السياسات العمومية كلية األدب والعلوم‬ ‫‪‬‬
‫اإلنسانية‪.‬‬
‫‪ Suzanne SAVEY, Espace, Territoire et Développement local. Université de‬‬
‫)‪Montpellier III (France‬‬
‫‪ Saïd BOUJROUF, Innovation et recomposition territoriale au Maroc. Une‬‬
‫‪mise perspective géo-histoire. Rencontres de l’innovation territoriale.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪)R). PASSET et (J). THEYS : ''Héritiers du futur : Aménagement de Territoire.‬‬
‫‪Environnement et développement durable'' Edition de l’Aube, Paris, 1995.‬‬

‫‪P 98‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫احلاماية القانونية للتجارة اإللكرتونية‬


‫‪Legal protection of electronic commerce‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫يشكل التنظيم القانوني للتجارة اإللكترونية بنية تحتية من أجل إرساء البناء القانوني‬
‫على غرار الكثير من األنظمة القانونية‪ ،‬التي تكاملت في مجال القانون التجاري سواء على‬
‫المستوى الدولي أو على المستوى الوطني‪ ،‬بحيث لم يقتصر االهتمام بالجوانب القانونية‬
‫للتجارة اإللكترونية على هيئة‪ ،‬أو منظمة دولية‪ ،‬أو إقليمية معينة بالذات‪ .‬بل اهتمت بذلك‬
‫الكثيرمنها ذات العالقة سواء كان منها ذات الطابع العالمي‪ ،‬اإلقليمي أو الوطني‪.203‬‬

‫نجد على المستوى الدولي لجنة األمم المتحدة للقانون التجارة الدولي (األونسترال)‬
‫كرست هذه اللجنة جهودها طيلة الدورات بإصدار القانون النموذجي في مجال التجارة‬
‫اإللكترونية والذي سمي بشكل نهائي بقانون األونسترال‪ 204‬بشأن التجارة اإللكترونية‪.‬‬

‫كما اهتمت منظمة العالمية بالتجارة اإللكترونية فأصدرت دراسة في عام ‪ 3000‬تحت‬
‫عنوان " التجارة اإللكترونية ودور منظمة التجارة العالمية "‪ .‬أما على المستوى اإلقليمي نجد‬
‫املجلس األوربي من أولى الهيئات التي بحثت في مسألة قبول المستندات المأخوذة من‬
‫الحواسيب اآللية في اإلثبات‪.205‬‬

‫‪ - 203‬محمد أحمد سيف بني غازي‪" ،‬التنظيم القانوني للعقود التجارة المبرمة عبر االنترنيت ‪ -‬دراسة مقارنة ‪ " -‬أطروحة لنيل‬
‫الدكتوراه في القانون الخاص جامعة محمد األول‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية وجدة‪ ،‬السنة الدراسية‪ 0202 :‬ـ‬
‫‪ 0200‬ص‪.0 :‬‬
‫‪ - 204‬قانون األونسترال بشأن التجارة اإللكترونية تم اعتماده في ‪ 0221/00/01‬وذلك بقرار الجمعية العامة لألمم المتحدة رقم‬
‫(‪ )010/00‬في ‪ .0221/00/01‬قد تضمن هذا القانون جزأين من األحكام موزعة على ‪ 02‬مادة فضال عن الدليل التشريعي لهذا القانون‬
‫الذي عدته األمانة العامة للجنة األونسترال‪.‬‬
‫‪ - 205‬هادي مسلم البشكاني‪" ،‬التنظيم القانوني للتجارة القانونية " دراسة مقارنة‪ ،‬دار الكتب القانونية‪ ،‬دار شتات للنشر‬
‫والبرمجيات‪ ،‬مصر ‪ ،‬سنة ‪ ،0221‬ص‪.002 :‬‬

‫‪P 99‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫كما نجد المشرع المغربي مواكبة منه للتطورات الدولية في هذا املجال‪ ،‬فقد أصدر‬
‫القانون رقم ‪80‬ـ ‪ 01‬المتعلق بالتبادل اإللكتروني للمعطيات اإللكترونية‪ ،206‬والذي يعتبر كأول‬
‫قانون ينظم مجال المعامالت اإللكترونية‪ ،‬إذ عمل المشرع من خالله على تجريم ومعاقبة‬
‫مجموعة األفعال‪ ،‬منها مقدم خدمات المصادقة اإللكترونية بدون التوفرعلى االعتماد للقيام‬
‫بذلك‪ ،‬أو أنه يتوفر على االعتماد إال أنه سحب منه ومع ذلك استمر في مزاولة نشاطه‪ ،‬أو أصدر‬
‫أو سلم أو دبرشهادات إلكترونية خالفا للقانون‪.207‬‬

‫ومن أجل ضمان سالمة تبادل المعطيات القانونية بطريقة إلكترونية وضمان سريتها‪،‬‬
‫فرض المشرع حماية مدنية وجنائية‪ .‬األمر الذي يطرح إشكاال جوهريا مفاده‪ :‬ماهية وحدود‬
‫الحماية المقررة في القانون ‪ 01.80‬لجميع المتدخلين في التجارة اإللكترونية؟‪.‬‬

‫لإلجابة عن ذلك‪ ،‬ارتأيت الحديث عن الحماية المدنية للتجارة اإللكترونية في (المبحث‬


‫األول)‪ ،‬ثم للحماية المدنية للتجارة اإللكترونية في (المبحث الثاني)‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬الحماية المدنية للتجارة اإللكترونية‬

‫إن الحماية المدنية لكل عقد كيفما كان نوعه وخاصة التجاري منه‪ ،‬تتجلى في الوسائل‬
‫الكفيلة بهذه الحماية‪ .‬بحيث أن الحماية المدنية تنقسم إلى أساليب الحماية ألطراف التعاقد‬
‫من حيث الحق في اإلعالم والدعاية عبر االنترنت والمصادقة اإللكترونية كآلية لتأمين التوقيع‬
‫بجميع أشكاله‪ .‬ومن جهة ثانية‪ ،‬المسؤولية المدنية ألطراف التعاقد‪.‬‬

‫لذا سنعمل من خالل هذا المبحث الحديث عن أساليب الحماية المدنية ألطراف‬
‫التعاقد في (المطلب األول)‪ ،‬ثم ألوجه الحماية المدنية للتجارة اإللكترونية في (المطلب الثاني)‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬أساليب الحماية المدنية ألطراف التعاقد‬

‫أساليب الحماية المدنية كثيرة ومتعددة سوف نقتصر منها على مسألتين مهمتين‪:‬‬
‫األولى‪ ،‬وهي حماية المتعاقد المستهلك عبر االنترنت والمتعلقة بتقديم معلومات التي تكون‬

‫‪ - 206‬ظهير شريف رقم ‪ 0.22.002‬الصادر بتاريخ ‪ 02‬ذو القعدة ‪ 22( 000.‬نونبر ‪ ،)0222‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 02.20‬المتعلقة بالتبادل‬
‫اإللكتروني للمعطيات اإللكترونية‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 00.0‬الصادر بتاريخ ‪ 00‬ذو القعدة ‪ 1( 000.‬دجنبر ‪ ،)0222‬ص‪.2.22 :‬‬
‫‪ - 207‬سليمان المقداد‪" ،‬محاربة الجرائم المعلوماتية في القانون الجنائي المغربي" املجلة الدولية لألبحاث الجنائية والحكامة االمنية‬
‫العدد الثالث‪ ،‬المطبعة والوراقة الوطنية‪ ،‬مراكش‪ ،‬سنة ‪ ،0202‬ص‪.022 :‬‬

‫‪P 100‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫سابقة على التعاقد حتى يكون هذا األخير على بينة من أمره وهذا اإلعالم يقع على المنهي أو‬
‫باألصح طالب التعاقد‪ .‬ثم الدعاية والوثائق المتقدمة بشأنها‪.208‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬االلتزام باإلعالم اإللكتروني والدعاية عبراالنترنت‬

‫نشأ االلتزام باإلعالم قضائيا قبل أن تقرره بعض التشريعات والتي كانت سباقة‬
‫لتقنيه‪ .‬ونقصد بذلك المشرع الفرنس ي الغرض منه حماية المستهلك المتعاقد عبراالنترنت مع‬
‫ً‬
‫المنهي‪ ،‬فالمستهلك اإللكتروني‪ ،‬قد يكون جاهال للتعامل مع السلع والخدمات الجديدة عبر‬
‫شبكة االنترنت الش يء الذي قد يجعل إرادته غيرواعية بحقيقة التصرف الذي سيقدم عليه‪.‬‬

‫ولعل االختالف يظهر جليا بين االلتزام بتقديم المعلومات في العقود التجارية وبين‬
‫العقود اإللكترونية ألن هذا األخيريكون بين غائبين من حيث المكان‪ .‬فالعقود التقليدية تتم بين‬
‫شخصين حاضرين وااللتقاء المباشر فيما بينها‪ ،‬حيث يتم االتفاق على كل جوانب العقد وهو‬
‫ً‬
‫ما جعل الرضا صحيحا رغبة كل طرف في الحفاظ على مصالحه والدفاع عنها بقدرممكن‪.3‬‬

‫الحق في اإلعالم يعني التزام المنهي بوضع المستهلك في مأمن ضد مخاطرالمنتج‪ ،‬الش يء‬
‫الذي يستدعي تبيان املخاطرالتي قد تضربمصلحته‪ .‬فاملحتوى الحقيقي لاللتزام باإلعالم يكمن‬
‫ً‬
‫في التزام المدين بتقديم معلومات معينة إلى الدائن فهذا االلتزام يعد التزاما بتحقيق نتيجة وال‬
‫يعفى منه المدين إال بثبوت حالة القوة القاهرة بمجرد ما يثبت الدائن وجود االلتزام باإلعالم‪.‬‬
‫ً‬
‫فإن المدين يكون مسئوال إذا لم يثبت أنه أدلى بالبيانات الالزمة إلى المتعاقد معه‪ .209‬ويبررهذا‬
‫االلتزام باإلعالم أنه يجعل هذا االلتزام ذا جدوى ألنه يهدف في النهاية إلى تحقيق سالمة‬
‫المستهلك ووصوله إلى مبتغاه‪.‬‬

‫إذا كان المتعاقد بالطريقة التقليدية يتم عن طريق تبادل الوثائق والمستندات‪ ،‬فإن‬
‫التعاقد اإللكتروني يتم عن طريق الشبكة اإللكترونية أي وسائط إلكترونية على شبكة االنترنت‪.‬‬
‫أي عن طريق الدعاية واإلعالن‪.‬‬

‫‪ - 208‬محمد أحمد أبو سيد أحمد‪ " ،‬حماية المستهلك في الفقه اإلسالمي " دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،0222‬ص‪:‬‬
‫‪.0..‬‬
‫‪ - 209‬محمد إبراهيم أبو الهيجاء‪ " ،‬عقود التجارة اإللكترونية ـ العقد اإللكتروني ـ إثبات العقد اإللكتروني ـ الكومة اإللكترونية ـ القانون‬
‫الواجب التطبيق " دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪ ،0200/ 0020‬ص‪.2. :‬‬

‫‪P 101‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫وقد عرف أحد الفقه‪ 210‬اإلعالن بأنه نشاط يعمل على عرض منتج أو خدمة ما للعامة‬
‫ً‬
‫بأي وسيلة من وسائل اإلعالن بطريقة مغرية ومثيرة بهدف جدب انتباههم إليه تحفيزا لهم على‬
‫التعاقد من أجل تحقيق ربح مادي‪.‬‬

‫أما المشرع المغربي‪ ،‬فقد قام بالتطرق لإلعالن من خالل المادة ‪ 5‬من قانون ‪81‬ـ‪00‬‬
‫المتعلق باالتصال السمعي البصري‪ ،211‬وكذلك بالرجوع إلى المرسوم رقم ‪ 5/35/081‬الصادر‬
‫في ‪ 33‬سبتمبر‪ 5831‬بتطبيق بعض أحكام قانون ‪80‬ـ‪ 13‬القاض ي بتحديد تدابيرحماية المستهلك‬
‫في المادة األولى‪ ،‬يالحظ أن اإلعالن التقليدي ال يختلف عن اإلعالن اإللكتروني إال في الوسيلة‬
‫المستعملة وهي كونه في الثاني يتم من خالل شبكة االنترنت‪.212‬‬

‫كما أكد المشرع المغربي في القانون رقم ‪80‬ـ‪ 13‬المتعلق بتحديد تدابيرحماية المستهلك‬
‫ً‬
‫في المادة ‪ 51‬وكذلك في المادة ‪ 52‬من نفس القانون على ضرورة أن يكون اإلعالن واضحا ألن في‬
‫ذلك أهمية بالغة بالنسبة لكافة أطراف العالقة التعاقد به االستهالكية‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬المصادقة اإللكترونية وتسجيل العالمة التجارية‬

‫تكمن أهمية تسجيل العالمة التجارية والمصادقة اإللكترونية في حماية المستهلك‬


‫وذلك من خالل ضمان الحماية لهذا األخيروهي كالتالي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬تسجيل العالمة التجارية‬

‫العالمة التجارية هي كل ما يميز منتجا سلعة كان أو خدمة عن غيره وتشمل األسماء‬
‫ذات الشكل المميز واإلمضاءات والكلمات والحروف واألرقام والرسوم والرموز والدمغات‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫واألختام والنقوش البارزة ومجموعة األلوان التي تميز شكال خاصا ومميزا وكذلك أي خليط من‬
‫هذه العناصرإذا كانت تستخدم أو يراد أن تستخدم إما في تمييزعمل صناعي أو فالحي وإما تأدية‬
‫خدمة من الخدمات‪.3‬‬

‫‪ - 210‬بوعبيد عباس ي‪ " ،‬االلتزام باإلعالم في العقود " المطبعة والوراقة الوطنية مراكش‪ ،‬سنة ‪ ،022.‬ص‪... :‬‬
‫‪ - 211‬إدريس النوازلي‪" ،‬حماية عقود التجارة اإللكترونية في القانون المغربي دراسة مقارنة " المطبعة والورقة الوطنية‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪ 0202‬مراكش‪ ،‬ص‪. 2. :‬‬
‫‪ - 212‬العربي محمد مياد‪" ،‬الوسيط في عقد اإلذعان " دراسة مقارنة مكتبة دار السالم للطباعة والنشر والتوزيع بالرباط ‪ ،0200‬ص‪:‬‬
‫‪.002‬‬

‫‪P 102‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫وقد عرف المشرع المغربي العالمة التجارية التقليدية من خالل قانون ‪00‬ـ‪ 30‬المتعلق‬
‫بحماية الملكية الصناعية المادة ‪ 311‬منه‪ .‬وإذا كانت العالمة التجارية تعتمد على التداول‬
‫للسلع والخدمات بشكل مادي ملموس فإن األمريختلف في التجارة اإللكترونية بحيث يتم تداول‬
‫ً‬
‫السلع والخدمات إلكترونيا من خالل نظام معلوماتي يتم عرض السلعة على الشاشة مع تبيان‬
‫مزاياها وبعد االتفاق بعد التفاوض تصل السلعة إلى يد المستهلك أو يحصل على الخدمة ذاتها‬
‫من خالل الشبكة‪ .‬فالفرق إذن في الطريقة والوسيلة ليس إال لكونها يؤديان نفس الوظيفة فهي‬
‫لها حماية قانونية ومدنية‪.‬‬

‫إن الغرض من تنظيم العالمة التجارية هو حماية صاحبها من كل اعتداء قد يطاله‬


‫خاصة إذا كان الطرف المعتدي س يء النية بل ويحق له المطالبة بالتعويض في حالة ثبوت‬
‫الضرر‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬أوجه الحماية المدنية للجارة اإللكترونية‬

‫لعل أبرز أوجه الحماية التي يمكن أن يستفيد منها كل متعامل بأي وسيلة إلكترونية‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫سواء كان هذا األخير شخصا طبيعيا أو شخصا معنويا في إطار نشاطه التجاري االقتصادي أو‬
‫مدني هي تلك المسؤولية المدنية التي قد تطال كل من أخل بأحد أو بعض االلتزامات الملقاة‬
‫على عاتقه فهي التزامات قد تكون عقدية أي ناشئة عقب إبرام عقد بشكل إلكتروني وبالتالي‬
‫ً‬
‫فإن كل مخل لها يكون مسئوال مسؤولية عقدية‪ .‬كما قد تكون التزامات قانونية ملقاة على جهة‬
‫معينة بمقتض ى القانون وبالتالي فإن اإلخالل بها سيعرض الملتزم بها إلى جزاء مدني جزاء‬
‫مسؤولية تقصيرية‪.213‬‬

‫كما أنه كلما حدث نزاع إال ويثار مشكل االختصاص القضائي والقانون الواجب‬
‫التطبيق‪ ،‬خاصة أن المعامالت التجارة اإللكترونية تتم عن بعد وبشكل افتراض ي‪.214‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬المسؤولية العقدية الناتجة عن التجارة اإللكترونية‬

‫‪ - 213‬عبد الحميد أخريف‪ " ،‬عقود االستهالك ـ البيع في الموطن ـ التعاقد عن بعد ـ العقد اإللكتروني " مطبعة أميمة فاس‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى ‪ ،0221‬ص‪.22 :‬‬
‫‪ - 214‬محمود طالب البغدادي‪" ،‬االستخدام غير المشروع لبطاقة االئتمان المسؤولية الجزائية والمدنية " دار الثقافة للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬طبعة ‪ ،022.‬ص‪.21 :‬‬

‫‪P 103‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬
‫ً‬
‫تتميز المسؤولية العقدية بأنها تقوم على عقد مبرم بين عاقدين اتفقا مسبقا على‬
‫جميع بنود العقد مع اعتبار إرادة المتعاقدين ومراعاة النظام العام‪ .‬فاألصل هو تنفيذ للعقد‬
‫بكل طواعيه واختياروفي حالة تقاعس أحد الطرفين عن تنفيذ العقد إما باالمتناع أو التأخيرفي‬
‫التنفيذ وعدم التنفيذ هذا يكون بسبب خطأ المدين بأن يختلف ضررما بالدائن‪ .‬ولهذا فأركان‬
‫المسؤولية العقدية حتى تتحقق تكون هي الخطأ العقدي‪ ،‬الضررثم العالقة السببية بين الخطأ‬
‫والضرر‪.‬‬

‫والمدين في إطار المسؤولية العقدية ال يسأل إال عن الضرر المباشر المتوقع إما‬
‫الضررغيرالمتوقع فال يثيرمسؤوليته‪.215‬‬

‫إن صور الضرر اإللكتروني تتعدد وتختلف طبيعته بحسب مجاله ونوعيته إال أن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫السمة الغالبة هو اتصاله بعالم التكنولوجيا الحديثة حيث يمثل طابعا معنويا في صوره‬
‫المعلوماتية التي لها طابع مادي‪.216‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬المسؤولية التقصيرية الناتجة عن التجارة اإللكترونية‬

‫إن المسؤولية التقصيرية ترتبط دوما بشخص الفاعل بوجه عام والمسؤولية‬
‫التقصيرية عن فعل الغير مسؤولية استثنائية أساس تو افر ركن الضرر الذي أساسه أيضا‬
‫ً‬
‫يتحدد التعويض سواء أكان الضرر الذي نجم عن عمل غير مشروع متوقعا أو غير متوقع مادام‬
‫الضررمباشر‪ .‬حيث يقع عبء إثبات الضررعلى عاتق المتعاقد في المعاملة اإللكترونية ألن هو‬
‫الذي يدعي الضرر وال تقوم المسؤولية ملجرد اإلخالل بااللتزام بل يتعين إصابة المتعاقد بضرر‬
‫نتيجة عدم التنفيذ المعيب أو الناقص أو التأخير فيه‪.217‬‬

‫إن تعقد املجال اإللكتروني نظرا لعدم وضوح األسباب المؤدية إلى الضرر ومصدرها‬
‫نتيجة تداخل المعلومات واألدوار في عالم افتراض ي بسبب خلل واحد قد يرتكبه عدة أشخاص‬
‫وفي زمن واحد وال تعرف أيهما أسبق إلثبات الفعل الضار اإللكتروني يصعب إثباته ألن معظم‬
‫األفعال الضارة ترتكب عن بعد‪.218‬‬

‫‪ - 215‬محمود طالب البغدادي‪ " ،‬الخدمات البنكية عبر االنترنت " دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬طبعة ‪ ،0222‬ص‪.0. :‬‬
‫‪ - 216‬عبد الحميد أخريف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.20 :‬‬
‫‪ - 217‬عبد الحميد أخريف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.22 :‬‬
‫‪ - 218‬إدريس النوازلي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪. 22 :‬‬

‫‪P 104‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬االختصاص القضائي والقانون الواجب التطبيق‬

‫مما الشك فيه أن المنازعات الخاصة بالمعامالت الدولية في املجال اإللكتروني تخضع‬
‫للمبادئ والقواعد العامة في االختصاص الدولي للمحاكم حيث يمكن رفع الدعوى أمام محكمة‬
‫ً‬
‫موطن أو محل إقامة المدعي عليه‪ ،‬وقد يتفق األطراف خروجا عن القاعدة العامة على تحديد‬
‫مكان االختصاص ملحكمة أخرى‪.‬‬

‫المشرع المغربي حدد محكمة المدعي عليه كمحكمة ينعقد لها االختصاص المكاني‬
‫قصد بذلك تنظيم العالقات الداخلية الش يء الذي لم يفعله بالنسبة لالختصاص الدولي‪ .‬وترك‬
‫لألفراد حرية االختيار‪ .‬لإلشارة فإن االختصاص بدعوى المسؤولية التقصيرية اإللكترونية‬
‫تخضع المنازعات بشأنها للضابط العام لالختصاص المتجلي في موطن أو محل إقامة المدعي‬
‫ً‬
‫عليه فضال عن أن تقدير االختصاص يرجع أيضا ملحكمة محل وقوع الفعل المنش ئ لاللتزام‬
‫بالتعويض أي محكمة التي وقع في إقليمها الخطأ أو الضرر‪.‬‬

‫ويعد االختيار الصريح للقانون الواجب التطبيق من قبل األطراف من أهم الوسائل‬
‫ً‬
‫لحل أشكال تنازع القوانين وفي حالة عدم االتفاق أو التنصيص عليه في العقد يكون الزما‬
‫البحث عن إرادة األطراف من أجل استخالص القانون الواجب التطبيق‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬الحماية الجنائية للتجارة اإللكترونية‬

‫بحث المشرع الجزاءات المقررة لحماية العقد اإللكتروني وأطر افه والغير في المواد‬
‫من ‪ 50‬إلى ‪ 23‬من القانون رقم ‪80‬ـ‪ 01‬المتعلق بالتبادل اإللكتروني للمعطيات القانونية‪.‬‬
‫ً‬
‫ونظرا ألهمية التدخل الجنائي في مجال تبادل المعطيات اإللكترونية سوف نتطرق‬
‫إلى صور بعض الجرائم والعقوبات المالية والسالبة للحرية وفق مقتضيات قانون رقم ‪80‬ـ‪01‬‬
‫وكذلك للحماية الجنائية وفق بعض القوانين الخاصة‪.219‬‬

‫المطلب األول‪ :‬الحماية الجنائية وفق قانون ‪80‬ـ‪ 01‬المتعلق بالتبادل اإللكتروني‬
‫للمعطيات القانونية‬

‫‪ - 219‬املختار بن أحمد عطار‪ " ،‬العقد اإللكتروني " المطبعة والوراقة الوطنية مراكش الطبعة األولى ‪ ، 0202‬ص‪.22 :‬‬

‫‪P 105‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫من أجل ضمان سالمة تبادل المعطيات القانونية بطريقة إلكترونية وضمان سريتها‪،‬‬
‫فرض المشرع حماية جنائية خاصة لوسائل التشفير من خالل المادة ‪ 15‬التي تجرم استيراد أو‬
‫توريد أو استغالل أو استعمال إحدى الوسائل أو خدمة من خدمات التشفير دون اإلدالء‬
‫بالتصريح أو الحصول على الترخيص المنصوص عليهما في المادتين ‪ 31220‬و ‪ 32‬من القانون رقم‬
‫‪.01.80‬‬

‫ولتحقيق حماية جنائية للتوقيع اإللكتروني‪ ،‬عاقبت المادة ‪ 10‬كل استعمال غيرقانوني‬
‫للعناصر الشخصية إلنشاء التوقيع المتعلقة بتوقيع الغير‪ ،‬وحماية لحجية الشهادة‬
‫اإللكترونية‪ ،‬جرمت المادة ‪ 10‬االستمرار في استعمال الشهادة المذكورة بعد انتهاء مدة‬
‫صالحيتها أو بعد إلغائها‪.221‬‬

‫لمالمسة كل ذلك‪ ،‬ارتأيت الحديث عن صوربعض الجرائم المنصوص عليها في القانون‬


‫‪80‬ـ‪ 01‬في (الفقرة األولى)‪ ،‬لنتطرق بعدها للعقوبات المنصوص عليها في القانون ‪80‬ـ‪ 01‬في‬
‫(الفقرة الثانية)‪ ،‬ثم للتدابيرالوقائية والعقوبة الخاصة بالشخص المعنوي في (الفقرة اثالثة)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬صوربعض الجرائم المنصوص عليها في قانون ‪80‬ـ‪01‬‬

‫أ ـ صورالتجريم المتعلقة بتقديم خدمة المصادقة‬

‫أخضع المشرع المغربي تقديم خدمات المصادقة اإللكترونية لعدد من الشروط‬


‫المنصوص عليها في المادة ‪ 53‬من قانون ‪80‬ـ‪ 01‬كما سبقت اإلشارة لهذه المادة‪ .‬وكل من قدم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫خدمات للمصادقة اإللكترونية المؤمنة دون أن يكون معتمدا طبقا للشروط المنصوص عليها‬
‫ً‬
‫في المادة أعاله يعتبرمرتكبا لفعل جرمي معاقب عليه بمقتض ى المادة ‪ 50‬من نفس القانون‪.222‬‬

‫‪ - 220‬تنص الفقرة األخيرة من المادة ‪ 02‬من القانون رقم ‪ 02.20‬على ما يلي‪ ..." :‬يجوز للمحكمة أن تقرر نظاما مبسطا للتصريح أو‬
‫الترخيص أو اإلعفاء من التصريح أو من الترخيص بالنسبة لبعض أنواع وسائل أو خدمات التشفير أو بالنسبة لبعض فئات‬
‫المستعملين "‪.‬‬
‫وتنص المادة ‪ 02‬من نفس القانون على أنه‪" :‬يختص مقدمو خدمات المصادقة اإللكترونية المعتمدون لهذا الغرض وفقا ألحكام‬
‫المادة ‪ 00‬من هذا القانون‪ ،‬بتوريد وسائل او خدمات التشفير الخاضعة للترخيص‪ .‬وإذا تعذر ذلك‪ ،‬تعين ان يكون األشخاص‬
‫الراغبون في تقديم خدمات التشفير الخاضعة للترخيص معتمدين لهذا الغرض من لدن اإلدارة"‪.‬‬
‫‪ - 221‬خالد عثماني‪" ،‬مكافحة الجريمة المعلوماتية في ضوء التشريع المغربي" مجلة العلوم الجنائية‪ ،‬العدد األول‪ ،‬مطبعة األمنية‬
‫الرباط‪ ،‬سنة ‪ ،0200‬ص‪.00 :‬‬
‫‪ - 222‬تنص المادة ‪ 02‬من قانون ‪20‬ـ‪ 02‬على أنه‪" :‬يعاقب بغرامة من ‪ 02.222‬إلى ‪ 022.222‬درهم وبالحبس من ثالثة أشهر إلى سنة‬
‫ً‬
‫كل من قدم خدمات للمصادقة اإللكترونية المؤمنة دون أن يكون معتمدا وفق الشروط المنصوص عليها في المادة ‪ 00‬أعاله أو‬
‫ً‬
‫واصل نشاطه رغم سحب اعتماده أو أصدر أو سلم أو دبر شهادات إلكترونية مؤمنة خالفا ألحكام المادة ‪." 02‬‬

‫‪P 106‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫كما يعتبر فعال جرميا حسب نفس المادة مواصال نشاط مقدم خدمة المصادقة اإللكترونية‬
‫رغم سحب اعتماده أو إصدار أو تسليم أو تدبير شهادات إلكترونية مؤمنة خاللها ألحكام المادة‬
‫‪.58‬‬

‫ومن جهة فإن المادة ‪)5(51‬تلزم مقدم خدمات المصادقة اإللكترونية الذي يصدر أو‬
‫يسلم أو يدبر الشهادات اإللكترونية بأن يخبر اإلدارة سلفا برغبته في إنهاء نشاطه داخل أجل‬
‫أقصاه شهران‪ .‬وإخالل مقدمي خدمة المصادقة بواجب اإلخبار المذكور يدخل في دائرة‬
‫التجريم بنص المادة ‪.13‬‬

‫المالحظ أن كال الجريمتين المنصوص عليهما في المادتين ‪ 50‬و ‪ 13‬من الجرائم الشكلية‬
‫التي ال يشترط فيها تحقق النتيجة اإلجرامية إذ يكفي تحقق أحد األفعال التي حددتها المادتان‬
‫المذكورتان‪ ،‬وذلك بغض النظر عن النتائج التي يمكن أن تترتب عن إصدار أو تسليم شهادة‬
‫إلكترونية مؤقتة من طرف خدمة مصادقة غير معتمد مثال‪ .‬وبهذا يتأكد أن إرادة المشرع تتجه‬
‫إلى ضمان احترام الضوابط التي تنظم المؤسسات املخولة حق تقديم خدمة المصادقة‪.223‬‬

‫ب ـ صورالتجريم المتعلقة بخدمة التشفير‬

‫لقد شدد المشرع على اعتماد التشفير كوسيلة لضمان سالمة تبادل المعطيات‬
‫ً‬
‫القانونية بطريقة إلكترونية أو تخزينها أو هما معا بكيفية توصل إلى ضمان سريتها ومصداقيتها‬
‫ومر اقبةتماميتها‪ .‬وللحيلولة دون استخدام التشفير ألغراض غير مشروعة عاقب المشرع على‬
‫استيراد وسائل التشفيرأو تصديرها أو استغاللها أو تقديم خدمات متعلقة بها إذ تمت باملخالفة‬
‫ألحكام القانون‪.224‬‬

‫فقد استعان المشرع باألداة الجنائية وجرم أفعال االستيراد والتوريد واستغالل‬
‫إحدى الوسائل أو خدمة من خدمات التشفيردون اإلدالء بالتصريح أو الحصول على الترخيص‬

‫‪ - 223‬إدريس النوازلي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪. 000 :‬‬


‫‪ - 224‬املختار بن أحمد عطار ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪. 022 :‬‬

‫‪P 107‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫المنصوص عليه في المادتين ‪ 31‬و ‪ 225 32‬من قانون رقم ‪80‬ـ‪ 01‬وذلك بمقتض ى المادة ‪ 22615‬من‬
‫نفس القانون‪.‬‬

‫المشرع المغربي ال يشترط تحقق نتيجة معينة لقيام هذه الجنحة إذ ال يكفي إثبات‬
‫ارتكاب أحد األفعال التي حددها المشرع على سبيل الحصروهي ‪ :‬االستيراد والتصدير‪ ،‬التوريد‬
‫ّ‬
‫منصبة على وسائل أو خدمة من خدمات التشفيردون إدالء‬ ‫واالستغالل وإن تكون هذه األفعال‬
‫ً‬
‫الفاعل بتصحيح أو حصوله على الترخيص المنصوص عليه قانونا‪.‬‬

‫كما يالحظ أن المشرع لم يشترط توفر القصد الجنائي وبالتالي يمكن القول بأنه‬
‫حافظ على الطبيعة المادية والشكلية للجنحة المنصوص عليها في المادة ‪ 15‬من قانون ‪80‬ـ‪.01‬‬

‫كما اتجه المشرع نحو توسيع دائرة التجريم المتعلقة باستعمال واستخدام وسيلة‬
‫التشفيرما دام الفعل الجرمي يتحقق بمجرد تسهيل‪ ،‬تمهيد ارتكاب جنحة أو جناية كيفما كانت‪.‬‬
‫حسب نص المادة ‪ 11‬من قانون ‪80‬ـ‪ 01‬الذي ينطبق على حاالت جد متعددة‪.227‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬العقوبات المنصوص عليها في قانون ‪80‬ـ‪01‬‬

‫لقد عاقب المشرع المغربي على صور التجريم تطرقنا لها في الفقرة األولى بعقوبات‬
‫سالبة للحرية وأخرى مالية‪.‬‬

‫تتمثل العقوبات السالبة للحرية التي نص عليها المشرع المغربي بمقتض ى القانون‬
‫رقم ‪80‬ـ‪ 01‬في عقوبات حبسية وعقوبة السجن‪ .‬فالعقوبة الحبسية نصت عليها المواد ‪18 ، 50‬‬
‫‪ 10 13 ، 10 ، 15 ،13 ،‬من قانون ‪80‬ـ‪.01‬‬

‫ً‬
‫‪ - 225‬تنص المادة ‪ 00‬من قانون رقم ‪20‬ـ‪ 02‬على أنه‪ " :‬يختص مقدمو خدمات المصادقة اإللكترونية المعتمدون لهذا الغرض وفقا‬
‫ألحكام المادة ‪ 00‬من هذا القانون بتوريد وسائل أو خدمات التشفير الخاضعة للترخيص‪ .‬وإذا تعذر ذلك تعين أن يكون لألشخاص‬
‫الراغبين في تقديم خدمات التشفير الخاضعة للترخيص معتمدين لهذا الغرض من لدن اإلدارة "‪.‬‬
‫‪ - 226‬تنص المادة ‪ 20‬من نفس القانون على أنه ‪ " :‬يعاقب بالحبس لمدة سنة وبغرامة مبلغها ‪ 022.222‬درهم كل من استورد أو صدر‬
‫أو ورد أو استغل أو استعمل إحدى الوسائل أو خدمة التشفير دون اإلدالء بالتصريح والحصول على الترخيص المنصوص عليهما في‬
‫المادتين ‪ 02‬و ‪ 00‬أعاله‪.‬‬
‫ً‬
‫يجوز للمحكمة أيضا أن تحكم بمصادرة وسائل التشفير المعنية‪.‬‬

‫‪ - 227‬تنص المادة ‪ 22‬من قانون ‪20‬ـ‪ 02‬على أنه‪ " :‬عندما يتم استعمال وسيلة تشفير حسب مدلول المادة ‪ 00‬أعاله لتمهيد أو ارتكاب‬
‫جناية أو جنحة أو لتسهيل تمهيدها أو ارتكابها برفع الحد األقص ى للعقوبة السالبة للحرية المتعرض لها على النحو التالي‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬السجن المؤبد إذا كان معاقبا على الجريمة بثالثين سنة من السجن ‪."...‬‬

‫‪P 108‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫وتختلف العقوبات الحبسية المنصوص عليها باختالف الفعل الجرمي المرتكب‪ .‬إذ‬
‫يعاقب بالحبس من ثالثة أشهر إلى سنة كل من قدم خدمات للمصادقة اإللكترونية المؤمنة‬
‫ً‬
‫دون أن يكون معتمدا وفق الشروط المنصوص عليها في المادة ‪ 53‬ويعاقب من شهر إلى سنة‬
‫من أفش ى المعلومات المعهود بها إليه في إطار ممارسة نشاطاته أو وظيفته على نشرها حسب‬
‫المادة ‪ 18‬من قانون ‪80‬ـ‪.01‬‬

‫وبالنسبة لعقوبة السجن فقد نصت المادة ‪ 11‬حيث يرفع الحد األقص ى للعقوبة‬
‫السالبة للحرية التي يتعرض لها من استعمل وسيلة التشفيرلتمهيد أو ارتكاب جناية أو جنحة أو‬
‫لتسهيل تمهيدها أو ارتكابها‪.‬‬

‫أما فيما العقوبات المالية يبدوا أن المشرع نص على عقوبات مالية بقيمة مرتفعة‬
‫مقارنة مع الغرامات المنصوص عليها في القانون الجنائي العام يحكم بها بالموازاة مع العقوبات‬
‫الحبسية يعكس إرادته في تضييق الخناق على الخروقات التي يمكن أن ترتكب في ميدان‬
‫المعامالت التجارية اإللكترونية‪. 228‬‬

‫باإلضافة إلى المواد المشارإليها في العقوبة السالبة للحرية المادة ‪ 10‬من قانون ‪80‬ـ‪01‬‬
‫التي تنص على العقاب بالغرامة من ‪ 08.888‬إللى ‪ 088.888‬درهم دون تحديد العقوبة الحبسية‬
‫التي اكتفى المشرع بخصوصها باإلحالة على المقتضيات الجنائية األكثر صرامة والغرامة‬
‫المنصوص عليها في القانون رقم ‪80‬ـ‪ 01‬تتراوح ما بين ‪ 388.888‬درهم كحد أدنى و ‪ 088.888‬درهم‬
‫كحد أقص ى في مجملها‪ .‬حسب المادة ‪ 15‬من نفس القانون‪.229‬‬
‫ً‬
‫والمالحظ أن المشرع حافظ على سلطة القاض ي الجنائي في تفريد العقوبة طبقا‬
‫لمقتضيات الفصول ‪00‬ـ‪323‬ـ ‪ 323‬من املجموعة الجنائية‪ ،‬وذلك في إطار الحكم بالعقوبة‬
‫المالية المالئمة للفعل الجرمي المرتكب وفي المقابل يبقى القاض ي الجنائي ملزما بالعقوبة‬
‫المالية والعقوبة الحبسية دون االقتصار على إحداهما ألن المشرع استعمل واو العطف في‬
‫جميع المواد التي تنص على العقوبة الحبسية والغرامة‪.230‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬التدابيرالوقائية والعقوبة الخاصة بالشخص المعنوي‬

‫‪ - 228‬إدريس النوازلي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪. 022 :‬‬


‫‪ - 229‬المادة ‪ 20‬من القانون رقم ‪.02.20‬‬
‫‪ - 230‬إدريس النوازلي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪. 022 :‬‬

‫‪P 109‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫لقد جاء قانون ‪80‬ـ‪ 01‬بمقتض ى المادة ‪ 10‬ببعض التدابير الوقائية التي تعكس‬
‫ً‬
‫توجهات السياسة الجنائية الحديثة‪ .‬التي أضحت تعطي حيزا حيزا هاما للسياسة الوقائية إذ‬
‫خول المشرع السلطة الوطنية صالحية ممارسة الرقابة والتتبع ً‬
‫بناء على تقارير أعوانها أو‬
‫خبراءها‪ .‬و أيضا التدخل في حالة معاينة‪ .‬باإلضافة إلى ذلك فإن السلطة الوطنية مؤهلة التخاذ‬
‫جميع التدابير التحفظية الضرورية لوضع حد للنشاط املخالف للقانون والذي من شأنه أن‬
‫يمس بمتطلبات الدفاع الوطني أو أمن الدولة الداخلي أو الخارجي‪ .‬وبخصوص العقوبات‬
‫الخاصة بالشخص المعنوي فقد نص عليها المشرع بمقتض ى المادة ‪ 23128‬إذ رفع الغرامة التي‬
‫يحكم بها على األشخاص المعنوية‪ .‬والحكم على الشخص المعنوي بالغرامة المالية ال يكفي‬
‫من إمكانية معاقبة المسيرين الذين يثبت ارتكابهم لفعل جرمي منصوص عليه في نفس المادة‪.‬‬
‫كما أن الشخص المعنوي يتعرض لبعض العقوبات اإلضافية‪ .‬ويمكن القول بأن المشرع‬
‫المغربي ومن خالل النص على عقوبات األشخاص المعنوية بشكل مستقل يكون قد أقر‬
‫مسؤوليتها الجنائية‪.‬‬

‫عالوة على ذلك يمكن أن يتعرض الشخص المعنوي إلحدى العقوبات التالية‪:‬‬

‫‪ -‬المصادرة الجزئية لممتلكاته‪،‬‬

‫‪ -‬المصادرة المنصوص عليها في الفصل ‪ 00‬من القانون الجنائي‪.‬‬

‫‪ -‬إغالق مؤسسة أو مؤسسات الشخص المعنوي التي استعملت في ارتكاب الجرائم‬


‫"‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الحماية الجنائية وفق بعض القوانين الخاصة‬

‫باإلضافة إلى القانون رقم ‪80‬ـ‪ 01‬هناك بعض المقتضيات الزجرية المنصوص عليها في‬
‫بعض القوانين الخاصة التي تتناول موضوع الحماية الجنائية المتعلق بالتعاقد اإللكتروني‬

‫‪ - 231‬تنص المادة ‪ 02‬من قانون ‪20‬ـ‪ 02‬على أنه‪ " :‬إذا كان مرتكب الجريمة شخصا معنويا‪ ،‬رفعت الغرامات المنصوص عليها في هذا‬
‫الباب إلى الضعف دون إخالل بالعقوبات التي يمكن تطبيقها على مسيريه المرتكبين إلحدى الجرائم المنصوص عليها أعاله‪.‬‬

‫‪P 110‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫خاصة قانون ‪88‬ـ‪ 5‬المتعلق بالملكية األدبية والفنية‪ 232‬وكذلك قانون ‪00‬ـ‪ 30‬المتعلق بحماية‬
‫الملكية الصناعية‪.233‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬الحماية الجنائية وفق قانون ‪88‬ـ‪ 5‬المتعلق بالملكية األدبية والفنية‬

‫لقد اختار المشرع المغربي حماية برامج الحاسوب باالستثناء إلى القانون المنظم‬
‫ً‬
‫لحقوق المؤلف متأثرا باالتفاقية الدولية المتعلقة بعناصرالملكية الفكرية المرتبطة بالتجارة‬
‫خاصة في مادتها العاشرة التي تنص على حماية الحاسوب‪ .234‬إذ تنص المادة ‪ 235 32‬من قانون‬
‫‪88‬ـ‪ 5‬على تجريم أفعال االعتداء على الحقوق املحمية بمقتض ى هذا القانون ومن بينها بالطبع‬
‫االعتداءات التي تستهدف برامج الحاسوب‪ ،‬محيلة على العقوبات المنصوص عليها في القانون‬
‫الجنائي‪ .‬واإلحالة على القانون الجنائي تفسح املجال لحماية برامج الحاسوب من أفعال‬
‫االعتداء سواء باللجوء إلى الفصول المنظمة لجريمة التزوير من الفصل ‪ 103‬إلى الفصل ‪130‬‬
‫أو تلك التي تجرم أفعال االعتداءات على الملكية األدبية والفنية بصفة عامة‪ .‬من الفصل ‪000‬‬
‫إلى الفصل ‪ 000‬من القانون الجنائي‪ .‬أن هذا التنوع في قواعد الزجر باإلحالة على القانون‬
‫ً‬
‫الجنائي بصفة عامة يتالءم مع الطبيعة الخاصة لفعل االعتداء على البرامج التي تتخذ صورا‬
‫متعددة ومتنوعة تختلف باختالف الحالة التي تكون الوثيقة المعلوماتية باعتبارها مجاال‬
‫للجريمة واالعتداء والتي يتدخل فيها ما هو مادي كالشرائط الممغنطة بما هو معنوي أي‬
‫املحتوى الفكري‪.236‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬الحماية الجنائية وفق قانون ‪00‬ـ‪ 30‬المتعلق بحماية الملكية الصناعية‬

‫‪ - 232‬القانون رقم ‪ 0.22‬المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق املجاورة‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 0221‬الصادر بتاريخ ‪ 00 0.‬صفر‬
‫‪ 0000‬الموافق ل (‪ 0.‬مايو ‪ ،.)0222‬ص‪.0000 :‬‬
‫‪ - 233‬القانون رقم ‪22‬ـ‪ 02‬المتعلق بالملكية الصناعية‪ ،‬الصادر بتنفيذه الظهير رقم ‪ 0.22.02‬بتاريخ ذي القعدة ‪0002‬الموافق ‪00‬‬
‫فبراير ‪ ،0222‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 0221‬بتاريخ ‪ 2‬مارس ‪.0222‬‬
‫‪ - 234‬االتفاقية األوربية الخاصة باإلجرام اإللكتروني التي تم اعتمادها ببودابست بتاريخ ‪.00/00/0220‬‬
‫‪ - 235‬تنص ـالمادة ‪ 10‬من قانون ‪ 0.22‬على أنه‪" :‬يعاقب بالحبس من شهرين إلى ستة أشهر وبغرامة مالية تتراوح بين عشرة آالف‬
‫‪ 02.222‬ومائة آالف ‪ 022.222‬درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل من قام بطريقة غير مشروعة وبأي وسيلة كانت بقصد‬
‫االستغالل التجاري بخرق معتمد ‪."...‬‬
‫‪ - 236‬عبد الرحيم بن بوعبيدة وضياء علي أحمد نعمان‪ " ،‬موسوعة التشريعات اإللكترونية المدنية والجنائية " المطبعة والوراقة‬
‫الوطنية مراكش‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬طبعة ‪ ،0202‬ص‪.2.0 :‬‬

‫‪P 111‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫أعاد المشرع المغربي النظرفي قانون حماية الملكية الصناعية بمقتض ى قانون ‪00‬ـ‪30‬‬
‫لسنة ‪ 5888‬الذي تم تعديله وتتميمه بدوره بمقتض ى القانون رقم ‪13‬ـ‪ 80‬لسنة ‪ 5883‬الذي جاء‬
‫ليوسع الحماية القانونية للصورالجديدة للملكية الصناعية والتجارية فنظم ألول مرة تصاميم‬
‫تشكيل الدو ائرالمدمجة باعتبارها مخترعات تتعلق بالميدان اإللكتروني وكذلك صورالحماية‬
‫الجنائية للرسوم والنماذج الصناعية وهي كذلك مبتكرات جديدة تتعلق بشكل المنتجات والتي‬
‫يمكن عرضها للتعاقد اإللكتروني‪.237‬‬

‫لقد نظم المشرع المغربي ألول مرة حماية تصاميم تشكل الدو ائر المدمجة من‬
‫المواد ‪ 08‬إلى ‪ 381‬من قانون رقم ‪00‬ـ‪ .30‬وهذه التصاميم باعتبارها اختراعات كذلك تخضع‬
‫ً‬ ‫لنفس نظام براءات االختراع‪ .‬وكل ّ‬
‫تعد على ذلك عن عمد يعتبر تزييفا يعاقب عليه بالحبس من‬
‫ٍّ‬
‫شهرين إلى ستة أشهروبغرامة مالية من ‪ 08.888‬إلى ‪ 088.888‬أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط‪.‬‬

‫أما الحماية التي يوفرها القانون للرسوم والنماذج تقتصرعلى تلك التي يمكن تجسيدها‬
‫ً‬
‫في شكل منتج صناعي أو حرفي‪ .‬أما إذا كانت رسوما أو نماذج مجردة غيرقابلة لتنفيذها ماديا من‬
‫خالل منتج يجسدها عمليا فهي غير قابلة للتسجيل والحماية وهو ما قصده المشرع من خالل‬
‫ً‬
‫العبارة الواردة في المادة ‪'' .382‬وأن يتأتى استخدامه نموذجا لصنع منتج صناعي أو حرفي "ولكي‬
‫تستفيد الرسوم والنماذج من الحماية القانونية يجب إيداعها وتسجيلها بمكتب الملكية‬
‫الصناعية وفق المسطرة التي حددها المشرع وبمقتض ى هذه الحماية القانونية ال يجوزألي كان‬
‫بما في ذلك أصحاب المو اقع اإللكترونية الذين يقدمون عروضا للتعاقد اإللكتروني أن‬
‫يستعملوا الرسوم والنماذج إال بإذن صاحبها‪.238‬‬

‫إن المقتضيات الزجرية المشارإليها في القانون ‪00‬ـ‪ 30‬وإن كانت تبدو في الوهلة األولى‬
‫ً‬
‫ال تتصل بالنظام الحمائي للعقد اإللكتروني فهي تعتبر في الو اقع مصدرا مكمال للنصوص‬
‫الجنائية التي يمكن اللجوء إليها لتكريس الثقة في المعامالت التعاقدية‪.239‬‬

‫‪ - 237‬فؤاد معالل ‪ " :‬شرح القانون التجاري المغربي الجديد " الطبعة الثالثة‪ ،‬سنة ‪ 0222‬ص‪.220 :‬‬
‫‪ - 238‬فؤاد معالل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪. 221 :‬‬
‫‪ - 239‬إدريس النوازلي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪. 010 :‬‬

‫‪P 112‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫من خالل ما سبق‪ ،‬يمكن القول أن الحماية القانونية سواء الحماية الجنائية أوالحماية‬
‫المدنية جاءت لتكريس العالقة التعاقدية في املجال اإللكتروني وحفظ الحقوق خاصة وإن‬
‫الوسيلة التي يتم بها العقد اإللكتروني عبراالنترنت معرضة للمخاطرمن طرف المتطفلين‪.‬‬

‫الئحة المراجع‪:‬‬

‫محمد أحمد سيف بني غازي‪" ،‬التنظيم القانوني للعقود التجارة المبرمة عبر االنترنيت‬
‫‪ -‬دراسة مقارنة ‪ " -‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص جامعة محمد األول‪ ،‬كلية العلوم‬
‫القانونية واالقتصادية واالجتماعية وجدة‪ ،‬السنة الدراسية‪.5838 :‬‬

‫قانون األونسترال بشأن التجارة اإللكترونية تم اعتماده في ‪ 3003/35/33‬وذلك بقرار‬


‫الجمعية العامة لألمم المتحدة رقم (‪ )330/03‬في ‪ .3003/35/33‬قد تضمن هذا القانون جزأين‬
‫من األحكام موزعة على ‪ 30‬مادة فضال عن الدليل التشريعي لهذا القانون الذي عدته األمانة‬
‫العامة للجنة األونسترال‪.‬‬

‫هادي مسلم البشكاني‪" ،‬التنظيم القانوني للتجارة القانونية " دراسة مقارنة‪ ،‬دارالكتب‬
‫القانونية‪ ،‬دارشتات للنشروالبرمجيات‪ ،‬مصر‪ ،‬سنة ‪.5883‬‬

‫ظهيرشريف رقم ‪ 3.80.350‬الصادربتاريخ ‪ 30‬ذو القعدة ‪ 18( 3250‬نونبر‪ ،)5880‬بتنفيذ‬


‫القانون رقم ‪ 01.80‬المتعلقة بالتبادل اإللكتروني للمعطيات اإللكترونية‪ ،‬الجريدة الرسمية‬
‫عدد ‪ 0002‬الصادربتاريخ ‪ 50‬ذو القعدة ‪ 3( 3250‬دجنبر‪ ،)5880‬ص‪.1000 :‬‬

‫سليمان المقداد‪" ،‬محاربة الجرائم المعلوماتية في القانون الجنائي المغربي" املجلة‬


‫الدولية لألبحاث الجنائية والحكامة االمنية العدد الثالث‪ ،‬المطبعة والور اقة الوطنية‪،‬‬
‫مراكش‪ ،‬سنة ‪.5858‬‬

‫محمد أحمد أبوسيد أحمد‪ " ،‬حماية المستهلك في الفقه اإلسالمي " دارالكتب العلمية‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪.5881‬‬

‫محمد إبراهيم أبو الهيجاء‪ " ،‬عقود التجارة اإللكترونية ـ العقد اإللكتروني ـ إثبات العقد‬
‫اإللكتروني ـ الكومة اإللكترونية ـ القانون الواجب التطبيق " دارالثقافة للنشروالتوزيع‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى سنة ‪.5833/ 3215‬‬

‫‪P 113‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫إدريس النوازلي‪" ،‬حماية عقود التجارة اإللكترونية في القانون المغربي دراسة مقارنة "‬
‫المطبعة والورقة الوطنية‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 5838‬مراكش‪.‬‬

‫العربي محمد مياد‪" ،‬الوسيط في عقد اإلذعان " دراسة مقارنة مكتبة دار السالم‬
‫للطباعة والنشروالتوزيع بالرباط ‪.5835‬‬

‫عبد الحميد أخريف‪ " ،‬عقود االستهالك ـ البيع في الموطن ـ التعاقد عن بعد ـ العقد‬
‫اإللكتروني " مطبعة أميمة فاس‪ ،‬الطبعة األولى ‪.5883‬‬

‫محمود طالب البغدادي‪" ،‬االستخدام غير المشروع لبطاقة االئتمان المسؤولية‬


‫الجزائية والمدنية " دارالثقافة للنشروالتوزيع‪ ،‬طبعة ‪.5880‬‬

‫محمود طالب البغدادي‪ " ،‬الخدمات البنكية عبراالنترنت " دارالثقافة للنشروالتوزيع‪،‬‬
‫طبعة ‪.5880‬‬

‫‪P 114‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫البعد اإليكوتناموي باملغرب بني الرتسانة‬


‫التشريعية والقضايية‬
‫‪The economic development dimension in Morocco is between the legislative and‬‬
‫‪judicial Arsenal‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫إن أي سياسة قانونية‪ ،‬بما في ذلك تلك المتعلقة بالبعد التنموي والبيئي ال يمكن أن‬
‫تحقق أهدافها‪ ،‬إال إذا توفرت العديد من الشروط القانونية التي نذكرمنها سالمة القواعد التي‬
‫تسند عليها وخلوها من التغرات القانونية والو اقعية ووجود إدارة وقدرة لدى الساهر على‬
‫تطبيقها‪ ،‬وتوفررقابة قضائية قادرة على تقويم انحر افات الجهازاإلداري والتوفيق بين الصالح‬
‫العام ومصالح اإلفراد‪.‬‬

‫كما للنصوص القانونية أهمية كبيرة في تحقيق التنمية المستدامة‪ ،‬لذا يجب إعادة‬
‫النظرفي هذه النصوص حتى تخلق التوازن بين متطلبات التنمية المستدامة وحتمية املحافظة‬
‫على املجال البيئي‪.‬‬

‫و أيضا إذا كنا نتحدث عن إخراج نصوص قانونية تنادي بضرورة تحديثها في بعض‬
‫األحيان‪ ،‬فإن هذا األمر لن يؤتي أكله إال بتطبيق هذه النصوص‪ ،‬الش يء الذي يؤكد على ضرورة‬
‫إصالح الترسانة القضائية كذلك‪.‬‬

‫ولصبر أغوار هذا الموضوع بالدراسة والتحليل يحتم ذلك طرح إشكالية محورية‬
‫مفادها‪ ،‬مدى مساهمة كل من الترسانة التشريعية والقضائية في حماية البعد اإليكوتنموية‬
‫بالمغرب؟‬

‫هذا ما سنحاول تبيانه من خالل التطرق إلى اإلصالحات الواجبة في املجال‬


‫التشريعي (ملحوراألول)‪ ،‬ثم اإلصالحات الخاصة باملجال القضائي (املحور الثاني)‪.‬‬

‫‪P 115‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫‪ .3‬املحوراألول ‪ :‬ضرورة إصالح وتوضيح النصوص التشريعية‬

‫إن من الشروط الضرورية لنجاعة وفعالية العمل الجهوي‪ ،‬وكذا القرار الجهوي هو‬
‫توضيح االختصاصات وتعزيزها بصورة دقيقة‪ ،‬حتى تخلق التكامل واالنسجام والفعالية‪.‬‬
‫وبالتالي تحقيق التنمية المستدامة المراد بلوغها والمراعية للبعد البيئي‪.‬‬

‫هذا ما سنحاول مناقشته وفق الشكل التالي‪:‬‬

‫أ‪ -‬تحديد وتدقيق االختصاص بين الدولة والجهة‪.‬‬

‫إن الصيغ العامة والفضفاضة التي وردت بها االختصاصات الموكلة إلى الجهة‪ ،‬من‬
‫خالل القانون المنظم للجهات ال تسمح بكسب رهان التنمية‪ ،‬ألن الجانب التنموي يحتم توفير‬
‫أدوات قانونية كافية واضحة وفعلية‪ ،‬ال تعد أن تكون شكلية أو مبهمة وتفتقد طابع الدقة‬
‫والتحديد‪.‬‬

‫ولذلك‪ ،‬فأول مسألة تستدعي الدراسة والتفكير والحسم فيها مستقبال هي توضيح‬
‫وتحديد االختصاصات بين الدولة والجهة‪ ،‬وبين هذه األخيرة والجماعات الترابية األخرى‪.240‬‬

‫فالجهة ال يمكنها أن تقوم بوظيفتها على أحسن وجه‪ ،‬أن لم يكن هناك توزيع جيد‬
‫لالختصاصات بين مختلف مستويات اإلدارة لالمركزية‪ ،‬وتكون اختصاصاتها واضحة ومحددة‪،‬‬
‫بحيث تدرك الجهة المهام الموكلة إليها من أين تبدأ و أين تنتهي حدودها‪ ،‬وتوضيح‬
‫االختصاصات وتدقيقها‪ ،‬من شأنه تفادي التدبير ويساعد على تحقيق التنمية المنشودة‬
‫المنسجمة والمنسقة‪ ،‬واالبتعاد عن التشابك واختالف األدوار وازدواجية التدخالت في إنجاز‬
‫المشاريع والعمليات واألشغال‪.‬‬

‫إذن‪ ،‬فالتحدي الذي يجب إزالته يتعلق بوضع توازن جديد بين مختلف المستويات التي‬
‫تشكل الهرم الترابي‪ ،‬بطريقة تسمح بتفادي خلق مجال للتعارض أو العداء‪.241‬‬

‫كما أن عملية نقل أو تفويت االختصاصات من الدولة إلى الجهة يتم بدون إعادة النظر‬
‫في اإلمكانيات والموارد المتوفرة‪ ،‬و أيضا نقل االختصاصات يكون صوري وليس فعلي‪ ،‬وهو ما‬

‫‪ 240‬ياسين طالع‪ :‬صناعة التنمية بجهة الشاوية – ورديغة"رسالة لنيل دبلوم المستر في القانون العام كلية الحقوق بسطات‬
‫‪ ،1070/1077‬ص ‪.781‬‬
‫‪ 241‬ياسين طالع‪" :‬صناعة التنمية بجهة الشاوية – ورديغة"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪788‬‬

‫‪P 116‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫ينتج عنه تكريس مسألة تداخل اختصاصات وتعميق حدة اإلبهام والغموض‪ ،‬مثال كأن تقوم‬
‫الدولة بنقل اختصاص معين في مجال محدد بدون تمتيع الجهة بالوسائل التي كانت توظفها‬
‫لممارسة هذا االختصاص المنقول‪ ،‬ألن تحديد االختصاصات الجهة بشكل واضح ودقيق من‬
‫شأنه أن يساعد المنتخبين الجهويين في رسم سياسة تنموية تنسجم وقادرة على رفع الزيادة من‬
‫الفعالية والمردودية ومن أجل تحقيق هذا الهدف القائم على تكامل األدواربين الدولة والجهة‪،‬‬
‫نرى من الضروري إعادة توزيع االختصاصات بين الطرفين بشكل منهجي يوظف مضامين‬
‫االنسجام والتالحم عن طريق األخذ بمقاربات شمولية قائمة على مبادئ حكماتية وواضحة‬
‫التدقيق‪.242‬‬

‫وعليه فال بد من إعادة النظر في توزيع االختصاصات بين الدولة والجهة وذلك على‬
‫أساس متوازن وعادل وهو ما يمكن تسميته ب " حكامة االختصاص" أو " حكامة توزيع‬
‫االختصاص" والتي يمكن أن تنبني على عدة أسس‪:‬‬

‫‪ ‬دقة التوزيع‪ :‬أي معرفة حدود التدخل سواء تعلق األمر بالدولة في عالقتها بالجهة أو‬
‫بعالقة هذه األخيرة وباقي الجماعات الترابية‪ ،‬إذ أن تحديد كل طرف لمهامه‬
‫واختصاصاته بشكل دقيق يسمح بتفعيل نظام املحاسبة ويسد الطريق أمام إتكال كل‬
‫جماعة على أخرى أو جهة على أخرى‪ ،‬فضال عن أنه يساهم في الحد من التمويالت‬
‫املختلطة‪243‬‬

‫‪ ‬ترسيخ مبدأ التفريع ( ‪244:)principe de subsidiarité‬يتمثل مبدأ التفريع على مستوى‬


‫توزيع االختصاصات في ذلك األساس القويم الذي يتجلى في توزيع الكفاءات والتجارب‪،‬‬

‫‪ 242‬محمد الرادة‪ " :‬الجهة والتنمية الجهوية المندمجة بالمغرب"‪،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام كلية الحقوق بسطات‬
‫‪ ،1070/1077‬ص ‪.756‬‬
‫‪ 243‬باني سمية‪ :‬اإلصالح الجهوي في المغرب بين مطلب التنمية ورهان الديمقراطية"‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة الكتوراه في‬
‫القانون العام كلية الحقوق بسطات ‪ ،1075/1072‬ص ‪.165‬‬
‫‪ 244‬إذا كان مفهوم التفريع قد عرف بعض النجاح‪ ،‬خاصة في إطار بناء االتحاد األوربي‪ ،‬فإن هذا المبدأ الزال يلفه بعض‬
‫الغموض‪ ،‬ومن مفارقاته أنه ال يتم للجوء إليه بطريقة صريحة‪ ،‬مع العلم أن الكثير من النماذج تعتمده إطارا مرجعيا بطريقة‬
‫ضمنية أو أغلب الدول تطبقه دون إدراكه‪ ،‬كما أن تعريف هذا المبدأ يبقى جد صعب لكونه غامض فبالنسبة " لجون أيف نوضي‬
‫‪ " JEAN – YVESNAUDET‬الظاهر أن مفهوم التفريع هو مصطلح فكري ديني‪ ،‬وحديث‪ ،‬ومحدود وحتى غير ليبرالي‬
‫لكن الحقيقة عكس ذلك‪ ،‬كما أن جدور هذا المصطلح وأصوله تستمد من القانون الكنيسي خاصة الكاتوليكية االجتماعية ومن‬
‫األعراف السياسية والفلسفة القديمة والمتنوعة للفكر األوربي‪.‬‬
‫والفكرة األساسية التي يوحي بها مبدأ التفريع هي أن السلطة السياسية ال يجب أن تتدخل إال إذا عجز المجتمع بمختلف خالياه‪،،‬‬
‫من الفرد إلى العائلة‪ ،‬إلى الحي وإلى المجموعات المتنوعة‪ ،‬عن تلبية حاجياته‪ ،‬فالمبدأ يتجاوز المفهوم البسيط للتنظيم‬
‫المؤسساتي‪ ،‬إذ بنطبق على العالقات بين الفرد والمجتمع‪ ،‬والعالقات بين المجتمع والمؤسسات قبل أن يساهم في أي توزيع‬
‫االختصاصات بين القاعدة والقمة‪.‬‬

‫‪P 117‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫وهو نوع من التوزيع الشريف لالختصاصات والموارد عمال بالمبدأ األصيل في " االلتزام‬
‫على حسم قانوني واضح أو تعاون وتفاهم شريف" أي ما يستطيع األدنى القيام به يترفع‬
‫عنه األعلى وما يعجزعنه األدنى يتواله األعلى‪.‬‬

‫وهذا يعني‪ ،‬أن الدولة يجب أن تتخلى للجهات عن كل االختصاصات التي تستطيع‬
‫االضطالع بها‪ ،‬فهو مبدأ ينصرف إلى وضع نظام في تسيير الشؤون العامة يفض ي إلى مالئمته‬
‫بحيث أن تطبيقه يسمح بإعطاء البنية اإلدارية مرونة أكثر ومالئمة أكبر وذلك راجع إلى قدرته‬
‫بتنظيم اتخاذ القرارات بشكل فوري وسليم‪ ،‬وتظهر أهمية هذا المبدأ في كونه يخول للجهة أن‬
‫تدبر نفسها بنفسها‪ ،‬وال يكون تدخل الدولة إال في حالة عجز الجهة‪ ،‬وهذا ما يجعل من هذا‬
‫المبدأ له القدرة على تأطير االختالالت الو اقعية بين الجهة والجهات األخرى وما بين الدولة‬
‫والجهة‪.‬‬

‫وأمام االختالالت التي تعرفها معظم جهات المملكة المغربية‪ ،‬فالسؤال الذي يمكن‬
‫طرحه أنيا ومستقبال هو‪ :‬كيف للدولة أن تكون قوية بجهاتها وكيف للجهات ان تكون قوية‬
‫بمركزها؟ إذ في حالة ما وقع اختالل أو عجزكيف يمكن للدولة أن تتدخل وعلى أي أساس؟‬

‫لإلجابة عن هذه األسئلة يجب تطبيق ثالثة معايير وضبطها وهي‪ :‬معيار الضرورة ‪/‬‬
‫التناسب‪ /‬والفعالية‪.245‬‬

‫‪ ‬العمل بالتدبير الجهوي‪ :‬ويعني ذلك إسناد الدور األول في التدبير للمجلس الجهوي‬
‫بإعتباره القائد أو هكذا يفترض أن يكون املخطط والبناء اإلستراتيجي للتنمية الجهوية‬
‫الذي يمكنه من صالحيات المساهمة في وضع البرامج القطاعية وكذا مر اقبة وتنفيذ‬
‫المشاريع المبرمجة على مستوى التراب الجهوي مما يجعل الجهة مجلسا للتدبير‪.246‬‬
‫خاصة إذا تم توسيع صالحيات الوالة مع ضبطها وتقنينها فيما يتعلق بالعمل والتنسيق‬

‫وفي نفس االتجاه نجد عند أرسطو في قوله " إن السياسة هي فن حكم الرجال األحرار " وسان طوماس داكان ‪SAINT‬‬
‫‪ "THOMAS D’AQUIN‬إن دور الحكومة يكمن في ضمان وتنمية والمحافظة على استقامة وإصالح األشخاص الخاضعين‬
‫لها" وجون لوك ‪ "J. LOK‬إن شكل السلطة يبقى أقل أهمية مقارنة مع تحديد دورها " وأدي طوك فيل ‪ADE TOCQUE‬‬
‫‪ "VILLE‬إن كل شخص يمكن أن يدير أمره والمجموعات المجتمعية تعرف تدبير شؤونها وهنا تكمن حيوية المجتمع المدني"‬
‫وهناك فقهاء آخرون ذوي الفكر الذي بجعل من التنظيم المجتمعي برتكز على سمو الفرد وكرامته‪.‬أورده‪ :‬محمد الرادة‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص ‪.765‬‬
‫‪ 245‬محمد الرادة‪ " :‬الجهة والتنمية الجهوية المندمجة بالمغرب"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.768 / 761‬‬
‫‪ 246‬آمال بلشقر‪ " :‬تدبير الجماعات الترابية لمشاريع التنموية بين إكراهات الواقع ومتطلبات التنمية الجهوية المندمجة"‪،‬‬
‫ماطروحة في القانون العام كلية الحقوق اكدال الرباط ‪ ،1072/1075‬ص ‪.122‬‬

‫‪P 118‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫بين القطاعات لآلممركزة في إطار برامج جهوية مندمجة يصبح خاللها الوالي أمرا‬
‫بالصرف نيابة عن الوزيرفي تنفيذ هذه البرامج‪.‬‬

‫إن جعل الجهة مجلسا للتدبير‪ ،‬إنما يندرج في إطار النظرة الجديدة التي لم تعد تعتبر‬
‫التراب املحلي جزءا من املجال الطبيعي بقدر ما أصبح نظاما مفتوحا للعالقات والتفاعالت‬
‫واالنتاج‪ ،‬وهذا يجعل منه حجر الزاوية في حل المشاكل االقتصادية واالجتماعية التي تدعمها‬
‫دينامية الجهات كأقطاب للتنمية وطرح حلول وأجوبة مندمجة لها‪.247‬‬

‫‪ ‬العمل بمبدأ القرب أو الحوار‪ :‬بحيث تسند للجهات القضايا اللصيقة بسكانها والتي‬
‫تكون مؤهلة لالضطالع بها بفعالية أكثر‪.248‬‬

‫وبناء على ما تقدم ذكره يتبين أن توضيح العالقة بين الدولة والجهات يرتكزعلى ضرورة‬
‫إعادة النظرفي توزيع وتحديد االختصاصات بينهما‪ ،‬حتى يتحقق التكامل في األدواربدل التداخل‬
‫واالزدواجية التي تؤدي إلى تشتيت جهود التنمية‪.‬‬

‫إن االرتقاء بالعالقة بين الدولة والجهة إلى مستوى تعاقدي وتشاركي في صياغة القرار‬
‫يفرض تنسيقا محكما في إنجازالمشاريع التنموية من خالل التنسيق بدل الوصاية كنقطة أولى‪،‬‬
‫وترشيدا فاعال للتدخالت الدولة والجماعات الترابية كافة في تدبير القطاعات املختلفة من‬
‫خالل اعتماد التخطيط االستراتيجي كنقطة ثانية‪ ،‬مثل هذا العمل يقتض ي تضافر الجهود‬
‫والطاقات داخل الجهة في إطار توزيع واضح لالختصاصات بين مختلف المتدخلين وإشراك‬
‫المواطنين في تخطيط شؤونهم وفق مقاربة تشاركية كنقطة ثالثة‪.249‬‬

‫ب‪ -‬تطويروتفعيل اإلطارالقانوني للبيئة‪:‬‬

‫إن الهدف الرئيس ي الذي يسعى إليه المغرب من إصالح قانون البيئة هو إيجاد إطار‬
‫قانوني يضمن التوازن بين أمرين يظهران أحيانا متكاملين‪ :‬املحافظة على البيئة بالنسبة لألجيال‬

‫‪ 247‬المصطفى بلقزبور‪ ":‬توزيع االختصاصات بين الدولة والجهات"‪ ،‬مطبعة طوب بريس الرباط الطبعة األولى ‪ ،1077‬ص‬
‫‪.751‬‬
‫‪ 248‬باني سمية‪ " :‬االصالح الجهوي في المغرب بين مطلب التنمية ورهان الديمقراطية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.165‬‬
‫‪ 249‬شعيب الهاشمي‪ ":‬الجهوية المتقدمة ورهان الحكامة الترابية بالمغرب " رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام‪ ،‬كلية‬
‫الحقوق بسطات ‪ 1071 /1077‬ص ‪.758‬‬

‫‪P 119‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫الحالية والمستقبلية ومتابعة التنمية االقتصادية‪ ،‬إن إستراتيجية إصالح إدارة البيئة وحدها‬
‫يمكنها من خالل االختيارات المنسقة التي تتضمنها ضمان تنمية مستديمة‪.‬‬

‫وتبعا لذلك يجب تحقيق التماسك القانوني ملجموع النصوص البيئية الموجودة أوالتي‬
‫سيتم خلقها وكذلك تحقيق تالؤمها مع تطور التكنولوجيا وحالة األوساط المستقبلية‪،‬ويجب‬
‫على اإلصالحات أن تسمح للمغرب لمواجهة التزاماته الدولية بواسطة مقتضيات قانونه‬
‫الداخلي بطريقة تجعله يحترم تعهداته‪ ،‬وباإلضافة إلى ذلك يتطلب األمرإشراك كل القوى الحية‬
‫لحماية البيئة‪ ،‬ومما ال شك فيه أن اإلدارة هي الوسيلة األساسية لذلك‪ ،‬لكن إشراك الجماعات‬
‫العمومية األخرى على المستوى املحلي وجمعيات الفاعلين االقتصاديين يبقى له أهمية‪.250‬‬

‫كما تشكل قضايا البيئة والمشاكل المرتبطة بها أحد الميادين التي أخذت تسائل‬
‫القانون منذ مدة‪ ،‬بصورة تقتض ي إمعان النظر في روح النصوص التشريعية والتنظيمية‪ ،‬في‬
‫سياق تفاعلها مع األوضاع والظروف البيئية الخاصة بتلك المشاكل‪ ،‬فلترجمة متطلبات‬
‫التنمية المستدامة وضرورة التوفيق بين النمو واالنشغاالت البيئية‪ ،‬ينبغي تجاوز المقاربة‬
‫التقليدية – التحليلية والبسيطة‪ -‬واعتماد مقاربة نسقية وشمولية ‪،systémique et global‬‬
‫بحيث ال يمكن فصل هذا القانون عن السياسة البيئية المعتمدة في هذا املجال‪ ،‬والتي ال ينبغي‬
‫عزلها هي كذلك عن السياسات األخرى‪ ،‬في مجاالت إعدادا التراب الوطني والتعمير والفالحة‬
‫والطاقة والصحة والسياحة والتربية والتعليم‪.‬‬

‫ويهدف قانون حماية البيئة إلى استكمال التشريعات البيئة القائمة وإضفاء التماسك‬
‫عليها‪ ،‬لتحويلها إلى أداة دعم فعالة لسياسة إعداد التراب‪ ،‬كما يشكل إطار مرجعيا لمالئمة‬
‫المشاريع ذات المنفعة االقتصادية واالجتماعية والتي تنجزها مختلف القطاعات مع توجهات‬
‫سياسة إعداد التراب في ميدان املحافظة على الموارد واألوساط الطبيعية‪ ،‬فهو ينبغي عليه‬
‫مراعات االرتباطات الوظيفية بين مكونات املحيط البيئي‪ ،‬ويعمل على ضمان تمفصل وتناسق‬
‫وتآزرالتشريعات المتعلقة ب ( قانون الغابة – قانون الماء – قانون حماية األوساط الطبيعية‬
‫والمناطق الهشة‪.251)...‬‬

‫‪ 250‬نجيم مزيان‪ ":‬إشكالية الحكامة القضائية والتنمية المستدامة"‪ ،‬أطروحة الدكتوراه في القانون العام كلية الحقوق بسطات‬
‫‪ ،1071/1079‬ص ‪.181‬‬
‫‪ 251‬حسنة كجي‪ ":‬الجماعات الترابية وتدبير البيئة بين إمكانيات الحماية وعوائق التطبيق"‪ ،‬مجلة العلوم القانونية الطبعة األولى‬
‫‪ ،1078‬ص ‪.711‬‬

‫‪P 120‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫كما ينبغي العمل على مالئمة النصوص القانونية والتنظيمية المعمول بها‪ ،‬بما يضمن‬
‫إصالح ما ثم إفساده والوقاية من األضرارالتي قد تقع الحقا‪ ،‬وحيث إن التراكمات كثيرة ومعقدة‬
‫في هذا املجال‪ ،‬فإنه ينبغي إدراج هذا العمل ضمن مسلسل للتدوين والتطوير المطرد‪ ،‬في إطار‬
‫ورشة وطنية تستوجب مدة معقولة من العمل المكتف‪ ،‬يشترك فيها كل الفاعلين في هذا‬
‫املجال‪ ،‬بغية التوصل إلى إقرارقانون بيئي يستجيب لمتطلبات القرن الواحد والعشرين‪ ،‬فاألمر‬
‫يتعلق إذن بإقرار مسلسل قانوني مبني على المتطلبات الو اقعية وطبيعة المؤسسات واألجهزة‬
‫المعنية‪ ،‬لكي تتمكن النصوص المعتمدة من االستجابة بصورة مالئمة لألوضاع الخاصة بهذا‬
‫املجال‪ ،‬ويمكن بذلك ضمان قبولها واحترامها على نطاق واسع‪.‬‬

‫وتطوير اإلطار القانوني‪ ،‬أو القوانين البيئية‪ ،‬يقتض ي األخذ بعين االعتبار توفر العديد‬
‫من الجهات على مكونات مجالية مختلفة ومتنوعة ( الجبل – السهل – الغابة – الساحل –‬
‫المدن العتيقة‪ )...‬وهذا ما أصبح بفرض التعامل مع الجانب القانوني والتنظيمي مع كل مكون‬
‫على حدة على أساس خصوصياته‪ ،‬انطالقا من أن القوانين واألنظمة إذا كانت غير مالئمة‬
‫لخصوصيات املجال‪ ،‬قد تصبح ال محال أداة عرقلة للتنمية بدل أن تكون وسيلة للدفع بها‪.252‬‬

‫وعليه يجب سد الفراغ التشريعي في مجال املحافظة على البيئة‪ ،‬ومالئمة هذا التشريع‬
‫لمتطلبات التقدم العلمي والعالمي‪ ،‬وإن كان المشرع قد خطا خطوات هامة من خالل القانون‬
‫رقم ‪ 33 .81‬المتعلق بحماية واستصالح البيئة‪ ،‬والقانون رقم ‪ 35 .81‬المتعلق بدراسة التأثير‬
‫على البيئة‪ ،‬والقانون رقم ‪ 31 .81‬المتعلق بمكافحة تلوث الهواء‪ .253‬إذ وسع المشرع بشكل كبير‬
‫دائرة المتدخلين والمؤهلين إلثبات املخالفات البيئية‪ ،‬وأعطى للمخاطر التي يحررونها حجية‬
‫قانونية معتبرة‪ ،‬كما جاء في المادة ‪ 33‬من القانون رقم ‪ 31.81‬المتعلق بمكافحة تلوث الهواء‪،‬‬
‫والمادة ‪ 30‬من القانون رقم ‪ 50.88‬المتعلق بتدبيرالنفايات والتخلص منها‪.‬‬

‫‪ 252‬حسنة كجي‪ " :‬الجماعات الترابية وتدبير البيئة بين إمكانيات الحماية وعوائق التطبيق"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.712‬‬
‫‪ 253‬يرجى اإلطالع على‪:‬‬
‫ظهير شريف رقم ‪ 7.01.56‬صادر في ربيع األول ( ‪ 71 / 7212‬ماي ‪ )1001‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 77.01‬المتعلق‬ ‫‪‬‬
‫بحماية واستصالح البيئة‪.‬‬
‫ظهير شريف رقم ‪7.01.97‬صادر في ربيع األول ( ‪ 71 / 7212‬ماي ‪ )1001‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 77.01‬المتعلق‬ ‫‪‬‬
‫بتنفيذ القانون رقم ‪ 71.01‬المتعلق بدراسة التأثير على البيئة‪.‬‬
‫ظهير شريف رقم ‪7.01.97‬صادر في ربيع األول ( ‪ 71 / 7212‬ماي ‪ )1001‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 77.01‬المتعلق‬ ‫‪‬‬
‫بمكافحة التلوث الهواء‪.‬‬

‫‪P 121‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫وإذا كانت هذه اإلصالحات التي عرفها المغرب في شقها القانوني مهمة‪ ،‬فإن دخلوها حيز‬
‫التنفيذ يتوقف على صدورنصوص تنظيمية وتطبيقية‪ ،‬هو األمرالذي ال يزال لم يقم لحد اآلن‪،‬‬
‫ولذلك تبقى – أي اإلصالحات القانونية مجرد حبرعلى ورق‪.‬‬

‫كما رأينا سابقا بأنه تم اعتماد عددا من النصوص الهامة حول البيئة‪ ،‬هذه النصوص‬
‫لها بالتأكيد مكانتها في إطار اإلصالح القانوني الذي يجب القيام به‪ ،‬ولكن يجب إدماجها في إطار‬
‫قانوني متماسك‪ ،‬هذا اإلطار يمكن أن يأخذ شكل مدونة حقيقية للبيئة‪ ،‬وهو ما يبقي مطلبا‬
‫ملحا‪.‬‬

‫وال يمكن أن تكون لهذه المدونة داللتها الحقيقية إال تم العمل على‪:‬‬

‫‪ ‬سد الثغرات اإلقطاعية‪ ،‬تحريرالقوانين القطاعية المتعلق بالبيئة البحرية‪.‬‬

‫‪ ‬و اتخاذ بعض المبادئ الموجهة للترسانة التشريعية والتنظيمية وتعطي لهذه األخيرة‬
‫تماسكها‪.‬‬

‫وبدون شك فإن الغاية األساسية لهذه المدونة تكمن في تجنب التناقضات وتسهيل‬
‫التكامل بين مختلف النصوص المشتتة التي لها تأثيرعلى البيئة‪.‬‬

‫و إيجاد مقترب قانوني شمولي ومتكامل لحماية البيئة‪.254‬‬

‫‪ .5‬املحورالثاني ‪ :‬تفعيل دورالقضاء لخدمة البعد التنموي والبيئي‬

‫في ظل إشكالية الغموض والتداخل الناتجة عن االختصاص المعتمد بالمغرب فيما‬


‫يخص مسألة توزيع وتحديد االختصاصات بين الجهة والدولة أو فيما بين الجماعات الترابية‬
‫األخرى‪ ،‬بات من الضروري تفعيل دور القضاء في التنظيم الالمركزي الذي يبقى الضمانة‬
‫األساسية في حسن التدبير‪.‬‬

‫وهذا ما سنحاول أن نسلط عليه الضوء من خالل الحديث عن النقط التالية‪:‬‬

‫‪ ‬تأهيل القضاء للحد من تنازع االختصاصات وتقويتها بالجهة‪:‬‬

‫‪ 254‬نجيم مزيان‪ ":‬إشكالية الحكامة القضائية والتنمية المستدامة"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.165‬‬

‫‪P 122‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫في ظل إشكالية الغموض والتداخل التي تطال االختصاصات‪ ،‬والناتجة عن المعيار‬


‫العام المتبع من طرف المشرع المغربي في توزيع االختصاصات بالجماعات الترابية ككل‪ ،‬في‬
‫غياب مبدأ واضح وديمقراطي يحددها بدقة ويرسم الحدود الفاصلة بينها‪ ،‬بين الجهة والدولة‪،‬‬
‫أو فيما يتعلق بالجماعات مع بعضها‪ ،‬ينهض الدور البارز والمتميز للقضاء‪ ،‬كشرط موازي والزم‬
‫لتطوير النهج والتوجه الالمركزي بالمغرب‪ ،‬باعتباره يشكل سلطة للردع التي تقيم التوازن‬
‫وتحقيق العدل داخل املجتمع‪ ،‬وهو الضمانة األساسية في املجتمع‪ ،‬بل والر افعة الضرورية‬
‫للتنمية وحسن التدبير‪.255‬‬

‫وارتباطا بالتغيرات التي طالت املجتمع‪ /‬وما لحق الدولة من تراجع واضح في وظائفها‬
‫ناهيك عن التغيرات اإلقليمية‪ ،‬والتحوالت الدولية املحكومة بالعولمة وترابط العالقات‬
‫وتداخل المصالح في الوقت الراهن‪ ،‬ازدادت أهمية القضاء كما ازدادت الحاجة إليه‪ ،‬ولم يعد‬
‫دوره يقتصرعلى فض النزاعات بين الناس‪ ،‬وتطبيق النصوص القانونية فحسب‪ ،‬بل أنه يتجاوز‬
‫ذلك بكثير فبظل القضاء العادل والنزيه‪ ،‬يستقر وتعتدل األحوال‪ ،‬في أرضية مالئمة للعمل‬
‫واالستمارة‪.‬‬

‫فالقاض ي هو من يزرع الحياة في النصوص الجامدة‪ ،‬وهو المطالب باإلجتهاد في حالة‬


‫غموض هذه النصوص‪ ،‬أو وجود فراغ تشريعي‪ ،‬مما يجعل دوره أساسيا في تنمية املجتمع‬
‫وحماية الجماعات الترابية من التطاول على اختصاصاتها من أي جهة كانت‪.‬‬

‫غير أنه فيما يخص منظومة الالمركزية عموما‪ ،‬وإشكالية غموض اختصاصات‬
‫الجماعات التراب ية على الخصوص‪ ،‬ظل القضاء المغربي دائما في موقع الحياد‪ ،‬ولم يتدخل في‬
‫فصل في ما يثار من نزاعات ناشئة عن التداخل في االختصاصات مما جعله موضوع انتقاد‬
‫شديد في مجموعة من التقاريرالرسمية وغيرالرسمية والداعية إلى ضرورة انخراطه ومساهمته‬
‫في التحوالت المهمة التي يعرفها المغرب على عدة مستويات بالشكل الذي يجعل منه ضامنا‬
‫ومحفزا حقيقيا في التنمية‪.256‬‬

‫‪ 255‬إن دور القضاء مهما كان أساسيا ومهما‪ ،‬فإنه مشروط باالستقاللية مؤسسة القضاء كمبدأ ديمقراطي واجب التحقيق‪ ،‬وفي‬
‫غياب هذه األخيرة‪ ،‬نعتقد أنه من غير الممكن الحديث مساهمته ودوره في تكريس الجهوية المتقدمة‪.‬‬
‫=> أورده‪ :‬المصطفى بلقزبور‪ ":‬مبدأ التفريع واختصاصات الجهة بالمغرب"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.176‬‬
‫‪ 256‬المصطفى بلقزبور‪ " :‬مبدأ التفريع واختصاصات الجهة بالمغرب"‪ ،‬أطروحة الدكتوراه في القانون العام كلية الحقوق‬
‫بسطات ‪ ،1072/1075‬ص ‪.110‬‬

‫‪P 123‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫خاصة على مستوى توفير الشروط االقتصادية الضرورية لإلستثمار‪ .257‬وهو ما يجعل‬
‫الفكر القضائي ككل ملزما بالتطور والخلق واإلبداع من أجل مواكبة التغيرات المتصارعة‬
‫والمتالحقة املحيطة به‪ ،‬باعتباردوره البارزواملحوري كقاطرة للرقي واالزدهار‪.‬‬

‫ولضمان السيرالمنضبط لعمل واختصاصات الجهة وفق النهج المسطر له‪ ،‬كان ال بد‬
‫من إحاطتها بحدود وضوابط تفاديا لريع واالنحراف‪،‬وألجل ذلك أحاطت السلطات المركزية‬
‫السلطة الالمركزية برقابة إدارية ومالية ضمانا لفعاليتها وتجنبا لالنحراف عن الوجه الصحيح‬
‫إال أنه أمام تمادي السلطة المركزية وتجاورها غيرالمبررأحيانا‪ ،‬أصبح من الضروري قيام جهاز‬
‫قضائي محايد لتحقيق الديمقراطية الترابية‪ ،‬على اعتبارأنه من غيرالمعمول أن تكون السلطة‬
‫المركزية طرفا وحكما في نفس الوقت‪ ،‬وألن الرقابة القضائية تحتل المرتبة األولى من حيث‬
‫الفعالية المباشرة في الحفاظ على مبدأ الشرعية‪ ،‬عن طريق احترام القانون من قبل اإلدارة‪،‬‬
‫وحتى تقوم الجهات وباقي الجماعات الترابية بدورها التنموي على النحو السليم‪ ،‬يقتض ي األمر‬
‫تفعيل المر اقبة القضائية إن على مستوى اإلداري أوالمالي‪ ،‬وذلك لتقويم عمل هذه الوحدات‪،‬‬
‫وثنيها عما يمكن أن يشوب أعمالها من إنحراف أو خروج عن النهج السليم‪.‬‬

‫واعتبارا للدور المهم واألساس ي الذي يمكن أن يلعبه القضاء في تطوير سياسة‬
‫الالمركزية الترابية‪ ،‬وحماية االختصاصات من كل تطاول أو انحراف‪ ،‬وبحكم موقعه المتميز‬
‫كمؤسسة دستورية‪ ،‬فهو مطالب بالحرص على احترام مبدأ سيادة القانون في حدوده القصوى‬
‫دون تأثير بالتداعيات السلبية للتقشف السياس ي مما يقوي االختصاصات املحلية للجماعات‬
‫الترابية ويطورها‪ .‬وما التنصيص األول مرة في روح الدستورعلى سلطة القضاء‪ ،‬إال مؤشرواضح‬
‫على الدورالمهم الذي يلعبه القاض ي بشكل عام‪ ،‬والقاض ي اإلداري بشكل خاص في بلورة وتفعيل‬
‫جهوية متقدمة وهادفة تروم الحرص الشديد على احترام وتطبيق القانون‪.258‬‬

‫‪ ‬تعزيزالرقابة القضائية للمجالس الجهوية للحسابات‪:‬‬

‫لتعزيز وظيفة املجالس الجهوية للحسابات كهيأة للرقابة في تدعم التنظيم الالمركزي‬
‫وتزكي ثقافة املحاسبة والشفافية‪ ،‬يفرض ذلك اإلسراع بتبني جملة من التدابير التي من شأنها‬

‫‪ 257‬نظرا لألهمية البالغة والدور األساسي للقضاء في تحقيق االستقرار االجتماعي وتوفير مناخ التقة في االقتصاد‪ ،‬وتشجيع‬
‫االستثمار‪ ،‬اعتمدت الدولة في السنوات العشر األخيرة مقاربة شمولية تهدف إلى إصالح قطاع العدالة والنهوض بالقضاء‬
‫باعتباره من أهم األوراش الكبرى في المجتمع‪.‬‬
‫‪ 258‬المصطفى بلقزبور‪ ":‬مبدأ التفريع واختصاصات الجهة بالمغرب"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.111‬‬

‫‪P 124‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫الرفع من أداء هذه املجالس وممارسة صالحيتها ومهامها على الوجه المطلوب‪ ،‬لذلك البد بداية‬
‫من ضمان وتقوية استقاللية هذه األجهزة لتمكينها من االضطالع بمهامها بكل موضوعية‬
‫وفعالية‪ ،‬وبمنأى عن أي تأثير خارجي كيفما كان مصدره‪ ،‬كما يتعين كذلك التدقيق في مهامها‬
‫وتوجيه أشكالها نحو تقويم جودة المشاريع والخطط اإلنمائية وفق ما توص ي به المنظمات‬
‫الدولة للرقابة العليا وعلى غرارما سارت عليه األجهزة العليا للرقابة في كل من الواليات المتحدة‬
‫ودول االتحاد األوربي‪ .259‬ومن المستحب أيضا أن تناط بهذه املحاكم اختصاصات استشارية‬
‫مشابهة لتك التي يمارسها املجلس األعلى للحسابات "بمقتض ى الفصل ‪ 320‬من الدستور" الذي‬
‫ينص على أن هذه األخيرة تبدل مساعدته للبرلمان في املجاالت المتعلقة بمر اقبة المالية‬
‫العامة‪ ،‬وفي نفس السياق وبما أن فعالية الدور الذي تضطلع به املجالس الجهوية للحسابات‬
‫ترتبط بالمنهجية التي تعتمدها في عمليات المر اقبة‪ ،‬فالمفروض أن يتم تجاوز المفهوم‬
‫التقليدي للرقابة المرتكز على احترام الشكليات والتركيز على قياس األداء وفعالية اإلنجازات‬
‫انطالقا من التحقق من تكلفة عوامل االنتاج وتقدير مساطر التدبير اإلداري المعقدة‪ ،‬ثم‬
‫التأكيد من أن ما يتم اقتناؤه يساعد على جعل اآللة اإلدارية تتحرك في االتجاه وبالسرعة‬
‫المقريين‪ ،‬أي االهتمام بقياس النتائج املحققة ومدى تطابقها مع األهداف املحددة سلفا وكلفة‬
‫اإلنجاز‪.‬‬

‫ومن جهة األخرى يتعين على املجالس العليا للحسابات أن تسهرعلى إرساء قواعد الفقه‬
‫واإلجتهاد القضائي المالي املحلي‪ ،‬وتحدو في هذا الشأن حدو التجربة الفرنسية‪ ،260‬لذلك يمكن‬
‫أن يتم تأسيس‪ ،‬داخل هذه املحاكم لجنة تختص في المناهج بهدف تحقيق التنافس في‬
‫المالحظات التي تبديها وإعداد المراجعة النافعة للمر اقبة جودة التسييراملحلي‪.261‬‬

‫وعلى غرار بعض تجارب الدول المتقدمة في هذا املجال‪ ،‬ينبغي تبني مقاربة جديدة في‬
‫إدماج املجالس الجهوية في محيطها العام‪ ،‬تأخذ بعين االعتبار مختلف األبعاد الثقافية‬
‫واإلنسانية واالستراتيجية التدبيرية للرقابة فعل حضاري بامتياز‪.‬‬

‫‪ 259‬محمد اليعكوب‪ " :‬المحاكم الجهوية للحسابات والديمقراطية المحلية بالمغرب"‪ ،‬المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية‪،‬‬
‫عدد ‪ ،707‬نونبر ‪/‬دجنبر ‪ ،1077‬ص ‪.711‬‬
‫‪ 260‬آمال بلشقر‪ " :‬تدبير الجماعات الترابية للمشاريع التنموية بين إكراهات الواقع ومتطلبات التنمية الجهوية المندمجة"‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص ‪.181‬‬
‫‪ 261‬محمد اليعكوبي‪ " :‬المحاكم الجهوية للحسابات والديمقراطية المحلية بالمغرب"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.715‬‬

‫‪P 125‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫وعموما‪ ،‬يتعين التأكد على ضرورة دعم منظومة الرقابة المالية برمتها وإعادة إصالحها‬
‫بحكم ارتباط كل أعضاء العائلة الرقابية ببعضها البعض في سبيل تطوير المناهج‬
‫والمقاربات‪،‬الرامية إلى تطوير أداء العمل الرقابي بفعل العالقة الوطيدة بين الرقابة الداخلية‬
‫والرقابة الخارجية ثم العمل على التنسيق بين كل األجهزة الرقابية‪.‬‬

‫‪ ‬تفعيل دورالنيابة العامة في مجال البيئي على المستوى الوطني والجهوي‪:‬‬

‫يساهم قضاء النيابة العامة في الحفاظ على البيئة عبرالسهرعلى القيام بدوره في ضوء‬
‫التشريعات المتوفرة‪ ،‬وبالتالي يتعين حين تقييم دوره األخذ بعين االعتباراالطارالقانوني المتوفر‬
‫ومن هذا المنطلق يجب التأكيد على أن هذا الجهاز ال يمكن أن يقوم لوحده بدور فعال‪ ،‬وتوفير‬
‫الحماية والحلول لقطاع عرف ومازال يعرف مشاكل متعددة‪ ،‬بالنظر إلى حجم االعتداءات‬
‫والتدهور المتنامي للمجال البيئي‪ ،‬دون تكاتف جهود كل المتدخلين من أجل الوصول إلى تبني‬
‫رؤية متكاملة تمكن من الحفاظ على املجال البيئي‪.‬‬

‫فاعتماد النصوص القانونية التي تعود إلى عهد الحماية من جهة والنقص التشريعي‬
‫الذي تعرفه النصوص المنظمة للبيئة من جهة أخرى وعدم مالئمة العقوبات التي تتضمنها‬
‫النصوص التشريعية حيث أنها ال تتمتع بقوة الردع الموازية لحجم املخالفات المتعلقة بالبيئة‬
‫وعدم تناول النصوص لكثير من المستجدات الهامة المتصلة بالبيئة وغياب االستقاللية في‬
‫عمل المؤسسات المسؤولة عن شؤون البيئة‪ ،‬فعلى المستوى الزجري يالحظ أن المسطرة‬
‫القضائية بدءا من حيث تحريك الدعوى العمومية وممارستها الموكلة إلى قضاء النيابة العامة‬
‫ليست إال مسطرة تكميلية إن صح التعبيرالهدف منها توقيع عقوبات مخففة بعدما لحق املجال‬
‫البيئي الضرر الفادح‪ ،‬بحيث يمتد إلى اآلخرين سواء كانوا أفراد أو مجتمعا أو دوال أو العالم‬
‫بأسره‪.‬‬

‫وإذا كان الدوراألساس ي في مجال حماية البيئة يقع على عاتق الجهاز الحكومي المكلف‬
‫بالبيئة فإنه يجب كذلك التسليم بأن قضية البيئة قضية مشركة تقتض ي التنسيق والتعاون‬
‫بين مختلف اإلدارات والوزارات والمنظمات غير الحكومية فعاليات املجتمع المدني‬
‫والمؤسسات العلمية والتربوية والهيئات الدولية المعنية‪.262‬‬

‫‪ 262‬محمد بغدود‪ " :‬دور النيابة العامة في حماية المجال البيئي"‪ ،‬المجلة المغربية في الفقه والقضاء‪ ،‬مطبعة األمنية‪ ،‬الرباط‪،‬‬
‫طبعة ‪.1075‬‬

‫‪P 126‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫‪ ‬ضرورة التكوين البيئي للقضاء واألعوان اإلداريين‪:‬‬

‫يجب أن يدرك القضاء مميزات قانون البيئة وبعض الحلول الجديدة نسبيا سواء تعلق‬
‫األمر باملحاكم الجنائية أو المدنية أو اإلدارية‪ ،‬ويمثل وضع مسؤولية من نوع موضوعي حيز‬
‫التنفيذ مظهرا لهذا التجديد القانوني‪ ،263‬نفس الش يء يخص التوسع الممكن للعقوبات‬
‫اإلدارية في القانون المغربي‪ ،‬وقد رينأ سابقا بأن هذه الحركة يجب أن تصاحب بمر اقبة‬
‫قضائية‪ .‬األمر الذي يقتض ي الرفع من خبرة األطر القضائية في مجال البيئة حتى تتمكن من‬
‫التقديرالسليم لخطورة أنشطة المنشآة المصنفة على البيئة‪ ،‬خاصة وأن المادة ‪ 31‬من قانون‬
‫حماية واستصالح البيئة تنص على أن‪ ":‬تصدراملحكمة املختصة التي رفعت إليها الدعوى أمرها‬
‫بمنبع استغالل المنشأة املخالفة للقانون إلى حين القيام باألشغال واإلصالحات الالزمة‪ ،‬كما‬
‫يمكنها أن تأمر بإنجاز هذه األشغال واالصالحات بمعية اإلدارة وعلى نفقة مالك أو مستعمل‬
‫المنشأة"‪.‬‬

‫وإلى جانب التكوين القانوني الصرف‪ ،‬يجب تحسيس القضاة بأهمية الدفاع عن البيئة‬
‫حتى يتمكنوا من تقديرالعقوبات المراد تطبيقها على املخالفين‪ ،‬هذا من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى‬
‫يجب تكوين األعوان الذين يمارسون اختصاصات في مجال البيئة‪ ،‬ويجب أن يمس هذا التكوين‬
‫بالدرجة األولى رؤساء أعوان األقسام المكلفة مباشرة بالبيئة‪ ،‬وأعوان األقسام واألجهزة األخرى‬
‫التي تمارس بصفة مباشرة أو غيرمباشرة اختصاصات بيئية‪.‬‬

‫إن قانون البيئة قانون متميزوقادرعلى أن يشكل فرعا خاصا من القانون يستلزم تكوينا‬
‫متخصصا مكمال للتكوين القانوني العام‪ ،‬وهذا التكوين بدون شك يعتبر ضروريا بالنسبة‬
‫للقانونيين في هذه األقسام‪ ،‬ولكن يظهرأنه جد مهم بالنسبة للتقنيين مثال فيما يخص المفتش‬
‫المكلف بالمنشأة المصنفة والمكلفين بالتعميرواملختصين في إعداد التراب‪.264‬‬

‫خ ـاتمة ‪:‬‬

‫‪ 263‬تنص المادة ‪ 91‬من قانون ‪ 77.01‬المتعلق بحماية واستصالح البيئة على أنه‪ " :‬يعتبر مسؤوال دون الحاجة إلى إثبات خطأ‬
‫ما‪ ،‬كل شخص مادي أو معنوي يخزن أو ينقل أو يستعمل محروقات أو مواد مضرة وخطيرة‪ ،‬وكذا كل مشغل لمنشاة مصنفة‬
‫كما يحددها النص التطبيقي لهذا القانون‪ ،‬تسبب في الحاق ضرر جسدي أو مادي له عالقة مباشرة أو غير مباشرة ممارسة‬
‫األنشطة المشار إليها أعاله"‬
‫أورده‪ :‬نجيم مزيان‪ " :‬إشكالية الحكامة القضائية والتنمية المستدامة"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.109‬‬
‫‪ 264‬نجيم مزيان‪ " :‬إشكالية الحكامة القضائية والتنمية المستدامة"‪ ،‬مرجغ سابق‪ ،‬ص ‪.101‬‬

‫‪P 127‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫بناءا على ما سبق ذكره إن الهدف الرئيس ي الذي يسعى إليه المغرب من إصالح قانون‬
‫البيئة هو إيجاد إطار قانوني يضمن التوازن بين أمرين يظهران أحيانا متكاملين‪ :‬املحافظة على‬
‫البيئة بالنسبة لألجيال الحالية والمستقبلية ومتابعة التنمية االقتصادية‪ ،‬إن إستراتيجية‬
‫إصالح إدارة البيئة وحدها يمكنها من خالل االختيارات المنسقة التي تتضمنها ضمان تنمية‬
‫مستديمة‪.‬‬

‫وتبعا لذلك يجب تحقيق التماسك القانوني ملجموع النصوص البيئية الموجودة أوالتي‬
‫سيتم خلقها وكذلك تحقيق تالؤمها مع تطور التكنولوجيا وحالة األوساط المستقبلية‪،‬ويجب‬
‫على اإلصالحات أن تسمح للمغرب لمواجهة التزاماته الدولية بواسطة مقتضيات قانونه‬
‫الداخلي بطريقة تجعله يحترم تعهداته‪ ،‬وباإلضافة إلى ذلك يتطلب األمرإشراك كل القوى الحية‬
‫لحماية البيئة‪ ،‬ومما ال شك فيه أن اإلدارة هي الوسيلة األساسية لذلك‪ ،‬لكن إشراك الجماعات‬
‫العمومية األخرى على المستوى املحلي وجمعيات الفاعلين االقتصاديين يبقى له أهمية‬
‫‪ ،‬فاعتماد النصوص القانونية التي تعود إلى عهد الحماية من جهة والنقص التشريعي الذي‬
‫تعرفه النصوص المنظمة للبيئة من جهة أخرى وعدم مالئمة العقوبات التي تتضمنها النصوص‬
‫التشريعية حيث أنها ال تتمتع بقوة الردع الموازية لحجم املخالفات المتعلقة بالبيئة وعدم‬
‫تناول النصوص لكثير من المستجدات الهامة المتصلة بالبيئة وغياب االستقاللية في عمل‬
‫المؤسسات المسؤولة عن شؤون البيئة‪ ،‬فعلى المستوى الزجري يالحظ أن المسطرة‬
‫القضائية بدءا من حيث تحريك الدعوى العمومية وممارستها الموكلة إلى قضاء النيابة العامة‬
‫ليست إال مسطرة تكميلية إن صح التعبيرالهدف منها توقيع عقوبات مخففة بعدما لحق املجال‬
‫البيئي الضرر الفادح‪ ،‬بحيث يمتد إلى اآلخرين سواء كانوا أفراد أو مجتمعا أو دوال أو العالم‬
‫بأسره‪.‬‬

‫وإذا كان الدور األساس ي في مجال حماية البيئة يقع على عاتق الجهاز الحكومي‬
‫المكلف بالبيئة فإنه يجب كذلك التسليم بأن قضية البيئة قضية مشركة تقتض ي التنسيق‬
‫والتعاون بين مختلف اإلدارات والوزارات والمنظمات غير الحكومية فعاليات املجتمع المدني‬
‫والمؤسسات العلمية والتربوية والهيئات الدولية المعنية ‪.‬‬

‫الئحة المراجع‪:‬‬

‫‪P 128‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫ياسين طالع‪ :‬صناعة التنمية بجهة الشاوية – ورديغة"رسالة لنيل دبلوم المستر في‬
‫القانون العام كلية الحقوق بسطات ‪.5838/5833‬‬

‫محمد الرادة‪ " :‬الجهة والتنمية الجهوية المندمجة بالمغرب"‪،‬رسالة لنيل دبلوم‬
‫الماسترفي القانون العام كلية الحقوق بسطات ‪.5838/5833‬‬

‫باني سمية‪ :‬اإلصالح الجهوي في المغرب بين مطلب التنمية ورهان الديمقراطية"‪،‬‬
‫أطروحة لنيل شهادة الكتوراه في القانون العام كلية الحقوق بسطات ‪.5830/5832‬‬

‫آمال بلشقر‪ " :‬تدبير الجماعات الترابية لمشاريع التنموية بين إكراهات الو اقع‬
‫ومتطلبات التنمية الجهوية المندمجة"‪ ،‬ماطروحة في القانون العام كلية الحقوق اكدال الرباط‬
‫‪.5832/5830‬‬

‫المصطفى بلقزبور‪ ":‬توزيع االختصاصات بين الدولة والجهات"‪ ،‬مطبعة طوب بريس‬
‫الرباط الطبعة األولى ‪.5833‬‬

‫شعيب الهاشمي‪ ":‬الجهوية المتقدمة ورهان الحكامة الترابية بالمغرب " رسالة لنيل‬
‫دبلوم الماسترفي القانون العام‪ ،‬كلية الحقوق بسطات ‪.5835 /5833‬‬

‫نجيم مزيان‪ ":‬إشكالية الحكامة القضائية والتنمية المستدامة"‪ ،‬أطروحة الدكتوراه في‬
‫القانون العام كلية الحقوق بسطات ‪.5830/5833‬‬

‫حسنة كجي‪ ":‬الجماعات الترابية وتدبير البيئة بين إمكانيات الحماية وعوائق‬
‫التطبيق"‪ ،‬مجلة العلوم القانونية الطبعة األولى ‪.5830‬‬

‫المصطفى بلقزبور‪ " :‬مبدأ التفريع واختصاصات الجهة بالمغرب"‪ ،‬أطروحة الدكتوراه‬
‫في القانون العام كلية الحقوق بسطات ‪.5832/5830‬‬

‫محمد اليعكوب‪ " :‬املحاكم الجهوية للحسابات والديمقراطية املحلية بالمغرب"‪ ،‬املجلة‬
‫المغربية لإلدارة املحلية والتنمية‪ ،‬عدد ‪ ،383‬نونبر‪/‬دجنبر‪.5833‬‬

‫محمد بغدود‪ " :‬دور النيابة العامة في حماية املجال البيئي"‪ ،‬املجلة المغربية في الفقه‬
‫والقضاء‪ ،‬مطبعة األمنية‪ ،‬الرباط‪ ،‬طبعة ‪.5830‬‬

‫‪P 129‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫–‬

‫اشتغال الشرطة التقنية والعلامية‬


‫مبسرح انجرمية‬
‫‪Technical and scientific police work at the crime scene‬‬
‫مقدمة ‪:‬‬
‫َ‬
‫ونظامه؛ فيترتب عنها تدخل سلطة الدولة و تتبع الجاني‬ ‫تمس الجريمة َ‬
‫أمن املجتمع‬
‫لتوقيع العقوبة تحقيقا للردع العام والخاص؛ ولما كان من املحتمل أن يكون الـمتهم بريئا مما‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫أسند إليه‪ ،‬لـز َم بالمقابل أن تكفل له قواعد اإلثبات الدفاع عن نفسه إلظهارالحقيقة‪ .‬وتتجلى‬
‫أهمية اإلثبات الجنائي في الدور االيجابي الممنوح للقاض ي في البحث عن الحقيقة؛ إذ ليس‬
‫القاض ي الجنائي كالقاض ي المدني؛ فهو ال يكتفي بمجرد موازنة األدلة التي يقدمها الخصوم‬
‫والترجيح فيما بينها‪ ،‬و إنما له دور إيجابي يفرض التحري والبحث عن الحقيقة بإتباع القواعد‬
‫التي تحدد كيفية الحصول على األدلة والشروط التي يتعين عليه تطبيقها فيه‪ .‬كما يستلزم ‪-‬‬
‫تحقيقا للعدالة ‪ -‬أن يكون الحكم باإلدانة مبنيأ على الجزم واليقين ال على الظن واالحتمال‪.‬‬

‫و لما كان الهدف األسمى الذي تصبو إليه التشريعات الجنائية هو أن يصيب القاض ي‬
‫الحقيقة في حكمه سواء أكان باإلدانة أم بالبراءة‪ ،‬فقد تفاوتت المساعي اإلنسانية عبر العصور‬
‫في البحث عن وسائل إثبات الجريمة ونسبتها إلى فاعلها؛ إذ اختلفت وسائل وكيفيات الوصول‬
‫إليها من مجتمع إلى آخر‪ .‬ولم تتوقف أساليب مقاومة الجريمة في العصر الحديث‪ ،‬بل تطورت‬
‫مع التطور العلمي؛ فظهرت الشرطة العلمية والتقنية نتيجة تطور العلوم التطبيقية وترسيخا‬
‫للنتائج الباهرة التي توصلت إليها أبحاث العلماء والتـي ساهمت في تأسيس علم االستدالل‬
‫الجنائي‪ .‬وهو ما جعل هذا الجهاز يحتل مكانة معتبرة في البحث الجنائي العلمـي‪.‬‬

‫‪P 130‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫وفي هذا اإلطار‪ ،‬يعد مسرح الجريمة أحد التطبيقات العلمية في علم التحقيق الجنائي‪،‬‬
‫حيث تلعب الشرطة التقنية والعلمية دوراملختص في استغالله واالستفادة منه لما يحتوي عليه‬
‫من آثار وأدلة جنائية مادية ومعنوية وقرائن ودالئل‪ .‬وهذا يتطلب استعمال تقنيات وأساليب‬
‫علمية حديثة تسعى إلى أدلة اإلدانة أو البراءة بهدف كشف الغموض ومعرفة الحقيقة‪.‬‬

‫انطالقا من هذا المعطى‪ ،‬سيتناول المقال الراهن مهام الشرطة التقنية‬


‫والعلمية ودورها في مكافحة الجريمة والكشف عن مرتكبيها؛ وذلك من خالل محاولة اإلجابة‬
‫عن سؤالين رئيسين ‪:‬‬

‫‪ ‬ما هي الشرطة العلمية والتقنية وما الدورالمنوط بها؟‬

‫‪ ‬ما نوعية الوسائل والتقنيات التي تستعملها الشرطة التقنية والعلمية في مسرح‬
‫الجريمة؟‬

‫ولإللمام بعناصرالموضوع‪ ،‬سعتمد المفال المنهج الوصفي التحليلي ألعمال الشرطة‬


‫التقنية والعلمية ودورها في اإلثبات الجنائي‪ .‬وهو منهج يتماش ى وطبيعة الموضوع التقنية‬
‫والعلمية التي تقتض ي وصف وتحليل قواعد اشتغال الشرطة التقنية والعلمية ابتداء من‬
‫المعاينات واإلجراءات المتخذة بمسرح الجريمة‪ .‬وبناء على المنهج المعلن‪ ،‬سنقوم في المبحث‬
‫األول بتبيان مهام وأسس والتطبيقات العلمية التي تقوم عليها الشرطة التقنية والعلمية‪ ،‬ثم‬
‫سنتناول في المبحث الثاني أعمال هذا الجهازبمسرح الجريمة من خالل التطرق لمفهوم مسرح‬
‫الجريمة وطرق البحث عن اآلثار المستكشفة فيه تطبيقا لقواعد وإجراءات تخص المعاينات‬
‫الفنية‪ .‬واختصارا سيأتي التقسيم الثنائي لهذه الدراسة على الشكل التالي‪ :‬المبحث األول‬
‫الشرطة التقنية والعلمية‪ .‬المبحث الثاني ‪ :‬أعمال الشرطة التقنية والعلمية بمسرح الجريمة‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬الشرطة التقنية والعلمية‬

‫عرف اإلثبات الجنائي تطورات مذهلة بفعل التطور العلمي‪ ،‬فأصبح القاض ي الجنائي‬
‫يشتغل باألدلة العلمية ألنها ذات حجية معتبرة يؤسس عليها حكمه باإلدانة أو البراءة‪ .‬وتتكلف‬
‫بهذا النوع من األدلة مصالح الشرطة التقنية والعلمية باعتبارها الجهازاملختص في استكشاف‬
‫ومعالجة اآلثار المرتبطة بالجريمة‪ .‬وتقع على عاتق هذا الجهاز مسؤولية التكفل بالبحث و‬
‫التحري عن الجناة باالعتماد على أحدث التقنيات العلمية في مجال البحث و اإلثبات انطالقا‬

‫‪P 131‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫من مسرح الجريمة إلى غاية عملية فحص اآلثار المادية المستكشفة داخل أحد المعاهد‬
‫العلمية الجنائية التابعة للقيادة العامة للدرك الملكي أو اإلدارة العامة لألمن الوطني‪.‬‬

‫وتطلع الشرطة التقنية و العلمية بحكم اختصاصها على تفاصيل كل و اقعة‪ ،‬وهو ما‬
‫يجعلها مواكبة لجميع مراحل وقوع الجريمة و مالبساتها‪ ،‬األمرالذي يساعد القاض ي في تقديره‬
‫لحكمه ألن كل حيثيات و ظروف الجريمة تم نقلها إليه بشكل أكثر مصداقية وبأدلة علمية تم‬
‫التوصل إليها بوسائل متطورة‪.‬‬

‫انطالقا مما سبق‪ ،‬ستشمل دراسة الموضوع تحديد مفهوم ومهام الشرطة التقنية‬
‫والعلمية (المطلب األول) ثم تبيان األسس العلمية ألعمالها (المطلب الثاني)‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬ماهية الشرطة التقنية والعلمية‬

‫تضم مؤسسة الدرك الملكي واإلدارة العامة لألمن الوطني في المغرب شرطة تقنية‬
‫وعلمية مكونة من خبراء وتقنيين وإداريين‪ ،‬مهمتهم جمع وحفظ كل العناصر واآلثار المادية‬
‫للحادث اإلجرامي واستغاللها بتطبيق مختلف التقنيات العلمية التي تمكن من كشف هوية‬
‫مرتكبـي الجريمة ومعرفة أسلوبهم اإلجرامي‪ .‬وهناك مفاهيم متعددة للشرطة العلمية والتقنية‬
‫منها ‪:‬‬

‫‪ ‬مجموعة العلوم واألساليب التي ترمي إلى إقامة الدليل على اإلدانة من خالل الكشف‬
‫واستغالل اآلثار‪265.‬‬

‫‪ ‬مجموعة المبادئ العلمية واألساليب التقنية في البحث الجنائي إلثبات وقوع الجريمة‬
‫ومساعدة العدالة على تحديد هوية مرتكبيها وأسلوبه اإلجرامي‪.2‬‬

‫‪ ‬مجموعة المعارف والوسائل العلمية والتقنية المعتمد عليها في المعاينة والبحث‬


‫واالختبارات والتحاليل بهدف إقامة الدليل في الدعوى الجنائية‪3.‬‬

‫‪265.‬‬
‫‪Sciences Forensiques, Cours de la gendarmerie Royale. 2014, p.16.‬‬
‫‪2.‬‬
‫‪LERICHE (Anne), La criminalistique du mythe à la réalité quotidienne, éd. Kluwer, 2002. p 3.‬‬
‫‪3.‬‬ ‫‪DIAZ (charles), Police technique et scientifique, Presse Universitaire, France (PUF),2000.p 3.‬‬

‫‪P 132‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫بعد سرد هذه المفاهيم العامة المتعلقة بالشرطة التقنية والعلمية‪ ،‬وجب تحديد‬
‫اختصاصات كال المكونين لهذا الجهاز(الفقرة األولى) ثم األساس العلمي الختصاصهما (الفقرة‬
‫الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬اختصاصات الشرطة التقنية والعلمية‪.‬‬

‫برغم اعتبار الشرطة التقنية والعلمية جهازا واحدا ومتكامال‪ ،‬إال أنه وجب التمييز بين‬
‫الشرطة العلمية من جهة والشرطة التقنية من جهة أخرى‪ ،‬بحكم اختصاصات كل منهما‪ .‬ذلك‬
‫أن عمل الشرطة التقنية (أوال) هو البحث عن اآلثارالماديةالظاهرة والخفية في مسرح الجريمة‬
‫وإرسالها إلى الشرطة العلمية‪ .‬وبالمقابل‪ ،‬فنطاق اختصاص الشرطة العلمية (ثانيا) هو‬
‫المعاهد واملختبرات العلمية للقيام بتحليل ودراسة ومقارنة اآلثار المادية التي استكشفتها‬
‫الشرطة التقنية‪.‬‬

‫أوال‪ :‬الشرطة التقنية‪:‬‬

‫اعتبارا ألهمية اآلثار المادية في اإلثبات الجنائي‪ ،‬برزت الشرطة التقنية بصفتها جهازا‬
‫مختصا في البحث والتحري عن الجرائم‪ ،‬يقوم في مسرح الجريمة بإجراء المعاينات المفيدة‬
‫واستكشاف اآلثارالمادية التي يطلق عليها البعض " الشاهد الصامت"‪ .‬وتتجلى هذه المعاينات‬
‫في‪:‬‬

‫‪ ‬التدخل والقيام بالمعاينات التقنية بمسرح الجريمة‪.‬‬

‫‪ ‬تثبيت مسرح الجريمة والحفاظ على اآلثارالموجودة فيه‪.‬‬

‫‪ ‬القيام بجميع التحريات التقنية بمسرح الجريمة‪.‬‬

‫‪ ‬تنظيم عملية رفع وحفظ األدلة والعينات وكل وسائل اإلثبات بطريقة علمية وتقنية‬
‫َ‬
‫تكفل االستفادة منها بعد فحصها وتحليلها‪.‬‬

‫‪ ‬توجيه ضباط الشرطة القضائية في األبحاث والتحريات‪.‬‬

‫‪ ‬مأل قواعد المعطيات الخاصة بذوي السوابق‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الشرطة العلمية‬

‫‪P 133‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫الشرطة العلمية جهاز مكون من خبراء أمنيين ومدنيين متخصصين في علوم األدلة‬
‫الملكي‪1‬‬ ‫الجنائية‪ ،‬يعملون بالمعاهد الجنائية التابعة على التوالي للضابطة القضائية للدرك‬
‫واإلدارة العامة لألمن الوطني‪ .2‬وتتوفر على الوسائل العلمية واللوجستيكية المناسبة التـي‬
‫تمكنها من ‪:‬‬

‫‪ ‬فحص وتحليل اآلثاروالعينات المرتبطة باألفعال اإلجرامية‪.‬‬

‫‪ ‬تحديد نوع اآلثاروالقيام بالمقارنات الضرورية‪.‬‬

‫‪ ‬تطويرتقنية التحليل والخبرات التي تدخل في اختصاصاتها‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬األساس العلمي لعمل الشرطة التقنية والعلمية ‪.‬‬

‫توصل الباحثون في علوم الجريمة إلى استثمار النظريات العلمية في مجال البحث عن‬
‫آثارالجريمة والكشف عنها‪ .‬ومن أهم هذه النظريات‪ :‬نظرية تبادل المواد‪ .3‬وهي نظرية ساعدت‬
‫الشرطة التقنية والعلمية بصفة خاصة ثم املختصين في البحث والتحقيق الجنائيين على كشف‬
‫غموض الجرائم‪ .‬لهذا‪ ،‬سوف تتطرق هذه الفقرة الموالية لصاحب النظرية (أوال) ثم مضمون‬
‫النظرية (ثانيا) وأهميتها (ثالثا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬صاحب النظرية‬

‫العالم الفرنس ي إدمون لوكارد ‪ Edmond Locard‬أستاذ الطب الشرعي ورجل القانون‬
‫ومؤسس أول مختبر للشرطة العلمية في العالم بمدينة ليون عام ‪ .3038‬كان معاصرا للباحث‬
‫الفرنس ي الكبير الفونس برتيون ‪ ،Alphonse Bertillon1‬واعتبـر أحد مؤسس ي علم االستدالل‬

‫‪ .1‬أنش ـئ معهد األدلة الجنائية التابع للدرك الملكي ‪ ICGR‬عام ‪ 0222‬بتمارة تحت إسم مختبر األبحاث والتحليالت التقنية والعلمية‬
‫‪ LARATES‬ويعتبر من أهم المعاهد الجنائية في إفريقيا‪.‬‬
‫‪ 2‬في عام ‪ ،02.2‬تم إحداث أول مديرية للشرطة التقنية والعلمية‪ .‬وفي عام ‪ ،0220‬تم تأسيس أول مختبر للشرطة العلمية بالدار‬
‫البيضاء‪ .‬وفي عام ‪ 020.‬انطلق مشروع إحداث معهد العلوم واألدلة الجنائية‪.‬‬
‫‪3.‬‬
‫‪Principe de l’Echange d’Edmond Locard. Voir :‬‬

‫‪-MORUZZI (Jean-François), profession, Police scientifique, les compacts d’info, éd. Casterman 1998, p.36.‬‬

‫‪-Revue de la Gendarmerie Royale numéro 56, éd. Avril-Juin 2018. p.24 à 47.‬‬
‫‪1‬يعتبر الفونس برتيون من مؤسس ي علم التحقيق الجنائي الفني في أواخر القرن ‪ 02‬باعتماده أسلوب القياس الجسماني ‪ Anthropométrie‬إذ‬
‫عكف على أخد قياس أعضاء جسم كل مقبوض عليه‪ ،‬وتمكن من تبويب نتائج القياس وحفظها في سجالت البوليس إلمكانية الرجوع إليها عند‬
‫الحاجة لكشف هوية مرتكبي الجرائم‪ ،‬واستقر العمل بهذا األسلوب العلمي للتعرف على املجرمين المتنكرين‪ ،‬غير أنه وأمام صعوبات تطبيقه في‬

‫‪P 134‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫الجنائي‪ .2‬كما كان من المدافعين عن التعاون الدولي في ميدان محاربة الجريمة‪ ،‬وهي الفكرة‬
‫التي تجسدت فيما بعد بإنشاء الشرطة الدولية ( ‪.)Interpol‬‬

‫وقد نادى لوكارد بضرورة اعتماد المعطيات العلمية في كشف غموض الجرائم‬
‫بحيث ال ينبغي االكتفاء فقط بعلم الطب الشرعي‪ ،‬بل يجب فتح املجال للعلوم الطبيعية‬
‫األخرى‪ .‬فقام بوضع حيز لتطبيق هذا المبدأ العلمي الذي يقض ي بأن " كل فرد بمناسبة القيام‬
‫بأفعاله اإلجرامية في مكان معين يترك ويأخذ معه آثارا تتعلق بالدم‪ ،‬العرق‪ ،‬الغبار‪ ،‬األنسجة‪،‬‬
‫الشعر‪ ،‬التربة‪ ...‬وغيرها‪ ،‬هذه اآلثار تختلف في طبيعتها‪ ،‬قد تكون فيزيائية‪ ،‬كيميائية أو‬
‫بيولوجية؛ ولما توضع قيد الفحص والتحليل‪ ،‬ستبوح بسر الجريمة وتكشفها‪1.‬‬

‫ثانيا‪ :‬مضمون نظرية تبادل المواد‪:‬‬

‫إن كل مجرم مهما حرص على ترك مسرح الجريمة خاليا من آثاره‪ ،‬فسوف يترك فيه آثارا‬
‫ويأخذ منه أخرى‪ ،‬سواء على جسمه أم مالبسه أو األدوات المستعملة في ارتكاب الجريمة‪ .‬وهذه‬
‫اآلثارهي التي تدل على وجوده بمكان الحادث‪2.‬وبعبارة أخرى‪ ،‬فالجريمة هي احتكاك وتالمس بين‬
‫عنصرين هما املجرم وما يحمله من وسائل الرتكاب جريمته ثم مسرح الجريمة وما به من‬
‫محتويات‪ .‬وتطبيقا لهدا المبدأ العلمي‪ ،‬فإن كل عنصرمن هذين العنصرين ال بد أن يترك آثاره‬
‫على العنصر الثاني‪3.‬‬

‫ثالثا‪ :‬أهمية النظرية للبحث الجنائي‬

‫الواقع لجأ برتيون إلى التركيز على المالمح الخاصة بالرأس ألن الوجه وهو العضو القابل لالستكشاف البصري ‪ Portrait Parlé‬وبذلك انتشرت‬
‫طريقة برتيون ‪ Bertillonnage‬في دول العالم‪ .‬أنظر‪:‬‬

‫‪- Owen (David), crime et scène. Tana, éd. 2000, p.21.‬‬

‫‪ -‬بهلول مليكة‪ ،‬دور الشرطة العلمية والتقنية على الكشف عن الجريمة‪ ،‬رسالة دكتوراه في الحقوق‪ ،‬جامعة الجزائر‪ ،0‬سنة‪ 0202‬ص‪20‬‬

‫‪2 la Criminalistique ou les sciences forensiques.‬‬

‫‪ .1‬عبد الفتاح مراد‪ ،‬شرح التحقيق الجنائي والبحث الفني‪ ،‬دار الكتب والوثائق المصرية‪ ،0222 ،‬ص ‪.02‬‬

‫‪ .2‬بهلول مليكة‪ ،‬م‪ .‬س‪ .‬ص ‪.21‬‬


‫‪ .3‬قدري عبد الفتاح الشهاوي‪ ،‬أساليب البحث العلمي الجنائي والتقنية المتقدمة‪ ،‬منشأة المعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ 0222 ،‬ص‪.012‬‬

‫‪- Owen ( David) , Op.cit, p,218.‬‬

‫‪P 135‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫ال وجود لجريمة كاملة‪ ،‬لذلك ساهمت نظرية تبادل المواد واآلثار مساهمة فعلية في‬
‫الكشف عن الجرائم‪ .‬فالحقيقة العلمية أثبتت أن التالمس واالحتكاك واملجهود الذي يقوم به‬
‫املجرم‪ ،‬مهما حرص على تفادي ترك آثاره على مسرح الجريمة معتمدا في ذلك على كفاءته‬
‫ومهارته اإلجرامية‪ ،‬سوف يترك أثرا أيا كان حجمه و أيا كانت طبيعته من شأنه أن يربط الصلة‬
‫بينه وبين الجريمة‪ .‬فمجرد رائحة العرق التي يخلفها املجرم بمسرح الجريمة تكفي لتحديد‬
‫شخصيته‪ .‬ومن هنا تتجلى أهمية هذه النظرية العلمية التي تشكل أساسا للتحقيق الجنائي‬
‫الغنـي إلى يومنا هذا‪4.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬التطبيقات العلمية ألعمال الشرطة التقنية والعلمية‬


‫َ‬ ‫َ‬
‫العلوم المرجعية لتطبيقات أعمال الشرطة‬ ‫تعتبرعلوم األدلة الجنائية والطب الشرعي‬
‫التقنية والعلمية؛ فالطب الشرعي وعلوم البيولوجية والفيزياء والكيمياء والتسمم والبصمة‬
‫الصوتية وعلم الحشرات الجنائي وغيرها من العلوم التطبيقية‪ ،‬هي التي تسمح لخبراء مسرح‬
‫الجريمة ومعاهدهم العلمية بإيجاد حلول أللغازالجرائم من خالل إجراء الخبرة‪.1‬‬

‫ونظرا ألدوارها المهمة في البحث الجنائي‪ ،‬سنتناول الطب الشرعي في (الفقرة األولى) ثم‬
‫دورمعاهد ومختبرات الشرطة التقنية والعلمية في البحث ضمن (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫‪4 JALBY (Christian), la police technique et scientifique, P.U.F, 1er ed, 2009, p 10‬‬

‫‪ 1‬للخبرة أهمية في مسألة االثباث الجنائي‪ .‬ولهذا خضض لها المشرع المغربي الباب الحادي عشر من القسم الثالث من الكتاب األول‬
‫من قانون المسطرة الجنائية (المواد من ‪ 020‬إلى ‪ )022‬وكذلك مواد الفرع الرابع من الباب األول من القسم الثالث من الكتاب الثاني‬
‫من نفس القانون المتعلقة باالستماع للشهود والخبراء ( المواد ‪.)202 – 200‬‬
‫و بالرجوع إلى الفقرة األولى من المادة ‪ 020‬نجد أنها تنص على أن "يمكن لكل هيئة من هيئات التحقيق أو الحكم كلما عرضت مسالة‬
‫تقنية أن تأمر بإجراء خبرة إما تلقائيا وإما بطلب من النيابة العامة أو األطراف"‪ .‬ويتضح من خالل هذه الفقرة أن مسالة إجراء الخبرة‬
‫خاضعة باألساس للسلطة التقديرية للمحكمة‪ ،‬حيث يمكن أن تثيرها من تلقاء نفسها أو بناء على طلب النيابة العامة أو األطراف‬
‫ويكون للمحكمة إما أن توافق عليه أو أن ترفضه‪ .‬ومما يثار في مسألة الموافقة أو الرفض هذه‪ ،‬أنه إذا كانت الموافقة ال تثير أي‬
‫إشكال فإن رفض الطلب يطرح التساؤل حول هل تكون املحكمة مطالبة بتعليل ذلك الرفض أم ال؟ ومع سكوت المشرع في الحكم‬
‫عن هذه المسالة‪ ،‬أجاب الفقه انطالقا من مضمون الفقرة الثالثة المادة ‪ 020‬من ق‪.‬م‪.‬ج المتعلقة بوجوب تعليل قاض ي التحقيق‬
‫أمره برفض الخبرة وجواز تطبيق مقتضيات هذه الفقرة حتى بالنسبة لقضاء الموضوع‪ .‬لكن هذا الرأي الفقهي يخالف قرار املجلس‬
‫األعلى عدد ‪ 0012‬الصادر بتاريخ ‪ 02‬ماي ‪ 02.0‬ملف جنائي ‪ .0/22.0‬المنشور بمجموعة قرارات املجلس األعلى الذي جاء فيه‬
‫"الخبرة وسيلة إثبات تملك معها املحكمة سلط تقديرية ال تخضع فيها لرقابة املجلس وإن عدم االستجابة لطلب إجراء الخبرة ال يؤثر‬
‫في قرار املحكمة وأن السكوت عنه يعد جوابا ضمنيا برفضه"‪ .‬راجع بهذا الخصوص ‪:‬‬
‫‪ -‬العلمي عبد الواحد‪ ،‬شرح قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬الجزء الثاني في "التحقيق واملحاكمة"‪ ،‬دار النشر النجاح الجديدة‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء‪ ،‬ط‪ ،0222 ،0 .‬ص ‪.002‬‬

‫‪P 136‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫الفقرة األولى‪ :‬الطب الشرعي‬

‫تتكامل في مسرح الجريمة األدوار ما بين الشرطة التقنية والعلمية من جهة والطبيب‬
‫الشرعي في حالة استدعائه من جهة ثانية‪ .‬وتترتب عن هذا التكامل االلتزامات التالية‪:‬‬

‫‪ ‬فالطبيب الشرعي هو المسؤول األول عن إجراء الفحوص الالزمة لتحديد سبب‬


‫وظروف حدوث الوفاة‪.‬‬

‫‪ ‬يجب على ضابط الشرطة القضائية ورجال الشرطة التقنية والعلمية أن يطلعوا‬
‫الطبيب الشرعي على كل المعلومات التي توصلوا إليها حتى يستطيع تكوين رأي في‬
‫القضية‪.‬‬

‫‪ ‬ال يجب تحريك الجثة أو جسد املجنـي عليه قبل فحص من طرف الطبيب الشرعي إال في‬
‫حاالت التدخل الطبـي المستعجل إلنقاذ حياة املجنـي عليه‪ ،‬مع وجوب إبالغه بنوعية‬
‫التدخل‪.‬‬

‫‪ ‬ال يبدأ الطبيب الشرعي في فحص الجثمان قبل التأكد من االنتهاء من تصوير مسرح‬
‫الجريمة ورفع البصمات الالزمة‪.‬‬

‫و من هذا المنطلق‪ ،‬نتساءل عن وظيفة الطب الشرعي؟‬

‫لإلجابة على هذا التساؤل‪ ،‬سنتطرق لهذه الوظيفة من خالل تحديد زمن الوفاة (أوال)‬
‫ثم تحديد سبب ونوع الوفاة (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬تحديد زمن الوفاة‪:‬‬

‫من أهم واجبات الطبيب الشرعي في مسرح الجريمة‪ ،‬خاصة الوفيات التي ال يوجد لها‬
‫شهود‪ .‬فتحديد وقت حدوث الجريمة قد يدين المتهم أو ينقض ادعاءه بأنه كان في مكان آخر أو‬
‫يبرئ مشتبها فيه‪ .‬ونظرا لتعدد العوامل التي تتدخل في تحديد زمن الوفاة‪ ،1‬لم يتم التوصل إلى‬
‫طريقة واحدة مقبولة جازمة تحدد بدقة وقت حدوث الوفاة‪ .‬ولذلك يفضل دائما أن يذكر‬
‫الطبيب الشرعي أن الوفاة في حدود ساعة من الساعات‪ .‬ويتم تحديد زمن الوفاة من خالل‬

‫‪ 1‬نظرا للتقدم العلمي وما أتاحه من وسائل اإلنعاش كالتنفس االصطناعي‪ ،‬جعل الطب الحديث عنصر الوفاة مرتبطا بتوقف الدماغ‬
‫عن العمل حتى وإن استمرت األجهزة األخرى في وظيفتها طبيعيا أو بدعم الوسائل الطبية‪ .‬لإلطالع على الموضوع‪ ،‬راجع‬
‫‪- Jean pierre Compana, Principes de la médecine légale, salgim, canal, 2005, p15.‬‬

‫‪P 137‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫المعاينات والمالحظات ومنها شهادة الشهود‪ ،‬وقت آخر اتصال هاتفي أجراه أو استقبله‬
‫الضحية‪ ،‬تاريخ الجريدة أو المشتريات وكذلك حالة الطعام‪ ،‬وكذا التغييـرات المشاهدة بالجثة‪:‬‬

‫‪ -3‬برودة الجسم ‪:‬‬

‫عند حدوث الوفاة‪ ،‬تنخفض درجة حرارة الجسم الطبيعية تدريجيا حتى تتساوى مع‬
‫درجة حرارة الجو املحيط بالجثمان‪ .‬وطبقا لقانون نيوتن‪ ،‬تفقد الجثة الحرارة في الجو البارد‬
‫أسرع من الجو الحار‪ .‬كذلك تبرد جثة الشخص النحيف بسرعة نظرا لصغر حجم طبقة‬
‫الدهون الموجودة تحت الجلد والتي تقلل فقد الحرارة‪ .‬واألمرنفسه بالنسبة لألطفال‪ .‬كما تبرد‬
‫بشكل أسرع الجثة المفرودة والعارية أو المغمورة في الماء أو التي عليها مالبس مبللة أو قطنية‬
‫عوض الصوفية‪ ،‬كما تفقد الجثة الحرارة في الجو الرطب أسرع منها في الجو الجاف وكلما زادت‬
‫سرعة الرياح وحركة الهواء‪1.‬‬

‫تقاس درجة حرارة الجثة بميزان حرارة كيميائي يتم إدخاله لمسافة ‪ 0‬إلى ‪ 38‬سنتمترات‬
‫بفتحة الشرج‪ ،‬ويترك لمدة ‪ 1‬دقائق‪ .‬وتفقد الجثة عادة في المتوسط درجة مئوية واحدة من‬
‫حرارتها في الساعة‪ ،‬وذلك بعد مض ي حوالي ‪ 1‬ساعات من الوفاة‪ .‬لذلك تقاس حرارة الجثة ثم‬
‫خصم من ‪( 10‬درجة الحرارة الطبيعية) ثم يضاف لها ‪ 1‬فتعطي زمن الوفاة مثال إذا كانت حرارة‬
‫الجثة ‪ 50‬درجة مئوية‪ ،‬فزمن الوفـ ـ ـ ـ ــاة‪ 30 = 1 + 50 -10 :‬ساعة‪2.‬‬

‫‪-5‬الرسوب الدموي‪:‬‬

‫تتوقف الدورة الدموية مباشرة بعد توقف القلب ويهبط دم الجسد لألجزاء الشمالية‬
‫بحسب موضع الجثة‪ ،‬مكونا الرسوب الدموي الذي يبدأ من الظهور بعد حوالي ‪ 5-3‬ساعة من‬
‫حدوث الوفاة ويكتمل تكوينه بعد ما بين ‪ 0 - 3‬ساعات‪.‬‬

‫‪ -1‬تيبس الجثة‪:‬‬

‫و هو تصلب عضالت الجسم‪ .‬ويبدأ تدريجيا مع حدوث الوفاة‪ .‬وتتضح معالمه بعد فترة‬
‫ساعتين منها ويكتمل حدوثه ما بين ‪ 35-0‬ساعة ثم يبدأ في الزوال تدريجيا في حدود ‪ 35‬ساعة في‬

‫‪ 1‬هشام عبد الحميد فرح‪ ،‬معاينة مسرح الجريمة‪ ،‬دار الفجر للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،0222 ،‬ص ‪..2‬‬
‫‪2‬هشام عبد الحميد فرح‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪..2‬‬

‫‪P 138‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫الجو المعتدل‪ .‬يبدأ التيبس الرمي في الظهور بالعضالت الصغيرة بالوجه قبل أن ينتشر إلى باقي‬
‫عضالت الجسد‪1.‬‬

‫‪-2‬تعفن الجثة ‪:‬‬

‫ترتبط مدة التعفن بعدة عوامل أهمها درجة حرارة الجو؛ فالجثة التي توجد بمكان بارد‬
‫تقل حرارته عن ‪ 38‬درجات أو ساخن تفوق حرارته ‪ 08‬درجة‪ ،‬يظهربها التعفن بعد فترات طويلة‬
‫ألن درجات الحرارة هذه غير مناسبة لظهوره بسرعة‪ .‬كما ترتبط درجة التعفن بعمر المتوفي؛‬
‫فاألطفال الصغار مثال تتعفن جثثهم ببطء لقلة وجود الميكروبات بأجسادهم‪ .‬كما يتأخر ظهور‬
‫التعفن الرمي في الجثث المدفونة في توابيت أو في التربة بخالف الجثث المدفونة سطحيا والتي‬
‫تتعفن أسرع بفعل التهوية والحرارة‪2.‬‬

‫‪-0‬التحول الموميائي‪:‬‬

‫أوما يسمى كذلك بالتحنيط الطبيعي وهوجفاف الجلد مع دكانة لون الجثة نتيجة تبخر‬
‫سوائل الجثة بفعل وجودها في جو شديد الحرارة (أكثرمن ‪ 08‬درجة مئوية) مما يؤدي إلى توقف‬
‫بكتيريا التعفن وعدم حدوثه بالجثة‪ .‬يمكن من خالل مشاهدة التحول الموميائي بالجثة تحديد‬
‫الزمن التقريبي للوفاة‪ ،‬حيث يبدأ التحول الموميائي في الظهور بالجثة بعد حوالي ‪ 1‬أسابيع‬
‫ويكتمل بعد حوالي ‪ 35 - 3‬شهرا‪3.‬‬

‫‪-3‬فحص محتويات المعدة‪:‬‬

‫أثناء التشريح‪ ،‬يسمح نوع الطعام ومستوى هضمه للطبيب الشرعي أن يأخذ فكرة‬
‫تقريبية عن الزمن المنقض ي بين آخر وجبة تناولها الشخص المتوفى ووقت حدوث الوفاة‪.‬‬
‫فالمعدة تفرغ محتوياتها في االثني عشر بعد حوالي ساعتين في الوجبات الخفيفة‪ ،‬وبعد حوالي‬
‫‪ 2 -1‬ساعات في الوجبات المتوسطة وبعد حوالي ‪ 3 -2‬ساعات في الوجبات الدسمة الثقيلة‪.‬‬
‫لكن يصعب في حاالت كثيرة تحديد الزمن بدقة بفعل عوامل خارجية مرتبطة بصحة الضحية‬
‫ونوعية الطعام‪ .‬كما أن وجود المعدة خالية أثناء التشريح يشيرإلى مض ي فترة ‪ 3- 2‬ساعات على‬

‫‪1‬هشام عبد الحميد فرح‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.22‬‬


‫‪2‬هشام عبد الحميد فرح‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.20‬‬
‫‪3‬هشام عبد الحميد فرح‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.22‬‬

‫‪P 139‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫األقل بعد تناول آخر وجبة‪ .‬ويشيرخلو المعدة واألمعاء الدقيقة من الطعام إلى مرور ‪ 35‬ساعة‬
‫على األقل يعد تناول آخر وجبة‪1.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬تحديد سبب ونوع الوفاة‪:‬‬

‫في حاالت الموت المشتبه فيه‪ ،‬يطلب من الطبيب الشرعي أن يحدد سبب ونوع الوفاة‪.‬‬
‫ويعرف سبب الوفاة بأنه المرض أو اإلصابة التي تحدث الخلل أو التعطيل للوظائف الحيوية في‬
‫الجسد مما يؤدي إلى حدوث الوفاة‪ .‬ويتم تحديد سبب الوفاة من قبل الطبيب المعالج على‬
‫أساس تشخيص حالة المتوفى أثناء حياته ويعرف هذا باسم سبب الوفاة السريري أو من قبل‬
‫الطبيب الشرعي بعد إجراء الصفة التشريحية للجثة ويعرف هذا باسم سبب الوفاة االصابي‪.‬‬
‫وقد يكون تحديد سبب الوفاة واضحا ظاهريا مثل إصابة طعنية أو إصابة نارية وقد يكون غير‬
‫واضح ويستلزم إجراء تشريح على الجثة لتحديده‪.‬‬

‫أما عن أسباب الوفاة‪ ،‬فيمكن تصنيفها إلى وفيات طبيعية‪ ،‬وأخرى غيرطبيعية (انتحار‪،‬‬
‫تسمم‪ ،‬قتل)‪ ،‬ووفيات غيرمحددة الكيفية وذلك في حالة عدم توفرمعلومات كافية لتشخيصها‬
‫كوفاة طبيعية أو غير طبيعية‪2.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬المعاهد العلمية والجنائية‪:‬‬

‫تختص المعاهد واملختبرات الجنائية التابعة للدرك الملكي واإلدارة العامة لألمن‬
‫الوطني في مقارنة األدلة التي تم رفعها من مسرح الجريمة مع تلك التي وجدت على المشتبه فيه‬
‫أو الضحية‪ ،‬فبحسب نظرية ادمون لوكارد من الحتمي أن يترك الجاني آثارا أو بقايا في مسرح‬
‫الجريمة أثناء اقتر افه للفعل املجرم‪ .‬وبالمقابل‪ ،‬يحمل ال محالة معه آثارا من نفس المكان‪ .‬ومن‬
‫أهم التخصصات بهذه ال معاهد هي شعبة البيولوجيا (أوال) شعبة الكيمياء والحرائق‬
‫والمتفجرات (ثانيا) شعبة السموم واملخدرات (ثالثا) شعبة الخبرة على المستندات والوثائق‬
‫(رابعا) شعبة التشخيص البالستي (خامسا) شعبة النظام اآللي للتعرف على البصمات‬
‫(سادسا) ثم شعبة اآلثارالرقمية والدعامات اإللكترونية (سابعا)‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬شعبة البيولوجيا ‪:‬‬

‫‪1‬هشام عبد الحميد فرح‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.022‬‬


‫‪2‬هشام عبد الحميد فرح‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.022‬‬

‫‪P 140‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫تعتبر مصلحة البيولوجيا من بين أهم التخصصات العلمية في مجال الفحص‬


‫البيولوجي أو ما يصطلح عليه بالخبرة الجينية التي تكتس ي أهمية قصوى في العديد من القضايا‬
‫الجنائية وغيرالجنائية بالنظرإلى قوة ويقينية ما يسفرعنه التحليل المقام بشأن القضايا التي‬
‫يكون موضوع الفحص فيها أثرا من اآلثار الحيوية التي تحتوي على الحمض النووي‪ .1‬ويمر‬
‫الفحص البيولوجي الذي تنتظرنتائجه من ‪:‬‬

‫‪ ‬تجميع العينات البيولوجية ( دم‪ ،‬مني‪ ،‬خاليا جلدية‪ ،‬أنسجة‪ ،‬أسنان‪ ،‬عظام‪ ،‬بول‪) ...‬‬
‫ثم تخزينها بالشكل الذي ال يعرضها للتلف‪.‬‬

‫‪ ‬استخالص الحمض النووي من العينات البيولوجية من خالل تقنية ‪ 1PCR‬وذلك بنسخ‬


‫الحمض النووي في املختبر الجنائي انطالقا من عينة محددة من العينات البيولوجية‬
‫التي تحتوي عليه لغاية مضاعفته حتى يصبح محال للعديد من الفحوصات األخرى‪.2‬‬

‫‪1‬لم تعرف البصمة الوراثية إال في عام ‪ 02.0‬حين نشر د‪ .‬إليك جيفريز‪ ،‬عالم الوراثة بجامعة ليسترا بانجلترا‪ ،‬بحثا أوضح فيه أن‬
‫المادة الوراثية قد تتكرر عدة مرات وتعيد نفسها في تتابعات عشوائية غير مفهومة وواصل أبحاثه حتى توصل بعد عام واحد إلى أن‬
‫هذه التتابعا ت مميزة لكل فرد‪ ،‬وال يمكن أن تتشابه بين اثنين إال في حاالت التوأم المتماثلة فقط‪ ،‬بل إن احتمال تشابه بصمتين‬
‫وراثيتين بين شخص وآخر هو واحد في التريليون مما يجعل التشابه مستحيال‪ .‬وسجل الدكتور أليك براءة اكتشافه عام ‪ 02.0‬وأطلق‬
‫على هذه التتابعات اسم‪ :‬البصمة الوراثية لإلنسان ‪ the DNA finger print‬أو الطبعة الوراثية ‪ . DNA typing‬وتتجلى األهمية‬
‫العلمية للبصمة الوراثية في الميدان الجنائي في إمكانية الحصول عليها من نسيج الجسم أو إفرازاته أو سوائله ( مثل الشعر‪ ،‬الدم‪،‬‬
‫اللعاب‪ ،‬العرق)‪ .‬ويكفي الختبار البصمة الوراثية نقطة دم صغيرة؛ بل إن شعرة واحدة إذا سقطت من جسم الشخص أو لعاب سال‬
‫من فمه كان هذا كفيأل بأن يوضح اختبار البصمة بوضوح‪ .‬كما تبرز األهمية الجنائية للبصمة الجينية بكونها يستحيل مسحها على‬
‫عكس بصمة األصابع وال تتغير من مكان آلخر على جسم اإلنسان؛ فهي ثابتة بغض النظر عن نوع النسيج‪ ،‬فالبصمة الوراثية التي في‬
‫العين تجد مثيالتها في الكبد والقلب والشعر‪.‬‬
‫‪ -‬يتم اللجوء إلى خبرة البصمة الوراثية إلثبات النسب وذلك وفق ما هو وارد في آخر نص المادة ‪ 001‬من مدونة األسرة التي نصت على‬
‫ما يلي "‪....‬إذا أنكر الخاطب أن ذلك الحمل منه أمكن اللجوء إلى جميع الوسائل الشرعية في إثبات النسب"‪.‬‬
‫‪ -‬في ميدان االثباث الجنائي‪ ،‬تكمن أهمية البصمة الجينية في كونها دليل مادي ال تقبل إثبات العكس إذ تعتبر وسيلة إثبات أو نفي‬
‫بنسبة ‪ .%022‬وتساهم في القضايا اإلجرامية في تحديد شخصية صاحب األثر والتعرف على املجرمين والتحقق من هوية الضحايا‬
‫والجثث المشبوهة واألشالء‪ .‬أنظر ‪:‬‬
‫‪ -‬ويكييبيديا‪ ،‬الموسوعة الحرة على الموقع االلكتروني ‪ ar.m.wikipédia.org.‬تاريخ الدخول ‪ 0202/2./22‬على الساعة السادسة‬
‫مساء‪.‬‬
‫‪1 La PCR, réaction de polymérisation en chaîne (Polymérase Chain‬‬ ‫‪Réaction), est une technique permettant d’obtenir‬‬
‫‪à partir d’un échantillon d’ADN d’importantes quantités d’une séquence d’ADN spécifique. Voir :‬‬
‫‪www.gris-pedagogie.org, consulté le 31/08/2019 à 22h40.‬‬
‫‪ 2‬طارق مهدي‪ ،‬إجراءات البحث في مسرح الجريمة‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الماسترفي القانون الخاص‪ ،‬ماستر العلوم الجنائية‪ ،‬كلية‬
‫العلوم القانونية اإلقتصادية واإلجتماعية‪ ،‬جامعة القاض ي عياض بمراكش‪ ،‬عام ‪ 0202 -0200‬ص ‪.02.‬‬

‫‪P 141‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫‪ ‬تحديد كمية الحامض النووي المستخلصة وتحديد سماته الجينية‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬شعبة الكيمياء والحرائق والمتفجرات‪:‬‬

‫تشكل أهم تطبيق للكيمياء الجنائية ألنها تعمل على استخدام مختلف التحاليل‬
‫الكيميائية التـي يمكن تقسيمها إلى شقين أساسين‪:‬‬

‫‪-3‬تحليل السموم على مستوى اإلفرازات الجسمية‪:‬‬

‫وتعهد إلى خبراء هده الشعبة مهام تحليل المواد السامة من خالل تحديد نوعها‪ 3‬وتقدير‬
‫كمية الجرعات التي تناولها األشخاص فيما يتعلق بالمشروبات الكحولية‪ ،‬وكذا تحليل كافة‬
‫اإلفرازات الجسمية الحيوية وغيرالحيوية لتحديد مكوناتها والتي في الغالب ما يرجى منها تحديد‬
‫مكوناتها من مواد سامة تتيح العمل على مقارنتها بما يتم حجزه من مواد سامة لدى المشتبه‬
‫فيهم أو في مسرح الجريمة‪ ،‬ثم تحليل محتويات المعدة واألمعاء والدم والبول وكذا األنسجة‬
‫البيولوجية لتحديد ما إذا كانت تحتوي على مواد سامة أيضا مع تحديد نسبة تركيزها في الدم‬
‫بالخصوص حينما يتعلق موضوع الخبرة بالوفيات المشبوهة والتسميم‪.‬‬

‫‪ -5‬تحليل بقايا المتفجرات والحرائق‪:‬‬

‫تطبق الكيمياء الجنائية أيضا في تحليل المواد المتفجرة التي يتم العثورعليها في مسرح‬
‫الجريمة سواء كان سيارة أو منزل أو مكان عام‪ ،‬بحيث ال تخرج عن مكونات القنبلة أو العبوة‬
‫الناسفة من قبيل مفاتيح التشغيل أو البطارية المولدة للطاقة‪ ،‬أو الحشوة المتفجرة‪ ،‬أو‬
‫الجسم الحاوي للعبوة المتفجرة؛ وبالتالي فمجمل عمل خبراء هذه الشعبة يتمحورباألساس في‬
‫التعرف على مكونات القنبلة قبل انفجارها أو حتى تلك التي لم يتمكن الجناة من تفجيرها‪.1‬‬

‫ثالثا ‪ :‬شعبة السموم واملخدرات‪:‬‬

‫يتمحورعمل هذه الشعبة على تشخيص وتحليل املخدرات المحجوزة من طرف مصالح‬
‫الشرطة القضائية أو القضاء‪ ،‬أو تلك التي تم رفع بقاياها من مسرح الجريمة‪ ،‬وهي عموما تكون‬

‫‪ 3‬تتوفر المعاهد الجنائية على عينات لجميع أنواع السموم والتي تشكل مرجعا أساسيا في التعرف على المواد السامة المستعملة في‬
‫الجرائم‪.‬‬
‫‪ 1‬في هذا املجال‪ ،‬تجدر اإلشارة إلى تعاون المعاهد الجنائية المغربية مع معهد ‪ BKA‬األلماني بحكم أن األلمان يتمتعون بالريادة‬
‫العالمية في هذا اإلختصاص‪.‬‬

‫‪P 142‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫في شكل مادة خام (مسحوق‪ ،‬حبوب‪ ،‬سوائل) وقد تكون عبارة عن عقاقير طبية ( منشطة‪،‬‬
‫مهدئة‪ ،‬مهلوسة‪ ،‬منومة‪.)..‬‬

‫رابعا ‪ :‬شعبة الخبرة على المستندات والوثائق‪:‬‬

‫تناط بهذه الشعبة مهام إنجازخبرات على الوثائق المزورة عن طريق مضاهاة الخطوط‬
‫ودراستها فيزيائيا وكيمائيا انطالقا من األحبار التي كتبت بها والورق الذي تضمنها‪ ،‬ثم مطابقة‬
‫اإلمضاءات والتعرف على صحتها وأصليتها من جهة‪ ،‬وكذا التعرف على النقود المزورة أوالمزيفة‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬وذلك عبر استخدام أجهزة فحص التزوير باألشعة فوق البنفسجية وتحت‬
‫الحمراء والعدسات المكبرة‪.‬‬

‫خامسا ‪ :‬شعبة التشخيص الباليستي‪:‬‬

‫المالحظ أن أخطرالجرائم هي التي يتم تنفيذها باستعمال سالح ناري يستوجب البحث‬
‫َ‬
‫في شأنه تحديد نوعيته وحجزه‪ .‬ويتم ذلك بمعرفة نوع العيارالناري المطلق انطالقا من الظرف‬
‫الفارغ إن عثر عليه في مسرح الجريمة أو من الرصاصة العالقة بجسد الضحية‪ .‬بعدها يتم‬
‫تحديد هل الطلقة أطلقت عمدا أم عن طريق الخطأ انطالقا من وضعية الضحية و السالح إذا‬
‫تم العثور عليه بمسرح الجريمة‪ .‬يتم أيضا فحص الظرف أو كبسولة الطلقة ‪la douille‬‬
‫والمقذوف ‪ la balle‬مع تحديد مسافة الرمي والبحث عن البارود‪ ،‬وفي األخيرالتعرف على الرقم‬
‫التسلسلي للسالح‪ .‬ويعتمد في الفحص والخبرة الباليستية في هذا النوع من الجرائم على النظام‬
‫المتخصص والمعروف بنظام‪ 1IBIS .‬يتميز هذا النظام بقدرته الفائقة على تحليل ومقارنة‬
‫الرصاصة وظرفها الفارغ في وقت وجيزبالمقارنة مع العمل الذي يمكن أن يقوم به الخبيرالتقني‬
‫المتخصص في األسلحة النارية‪ ،‬باإلضافة إلى تحديد تاريخ الطلق الناري اعتمادا على الغازات‬
‫العالقة بالماسورة‪2.‬‬

‫سادسا‪ :‬شعبة النظام اآللي للتعرف على البصمات‪:‬‬

‫تنبع األهمية القصوى للبصمات بمسرح الجريمة من كونها أثرا يتميزعن غيره من اآلثار‬
‫األخرى سواء كانت بيولوجية أم غيربيولوجية؛ ذلك أنه يخول السلطات المكلفة بالبحث تحديد‬

‫‪1. Integrate balistique identification système.‬‬


‫‪ 2‬مقابلة مع المالزم مكوري (منعم)‪ ،‬رئيس مصلحة التشخيص القضائي بالقيادة الجهوية للدرك الملكي بمراكش‪ ،‬بتاريخ‬
‫‪0202/2./00‬‬

‫‪P 143‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫هوية المشتبه فيهم انطالقا من قاعدة بيانات البصمات المتوفرة لديها حول جميع األشخاص‬
‫باستثناء ما لم يبلغوا السن القانوني إلنجاز بطاقة تعريف وطنية أو أولئك الذين ال يتوفرون‬
‫عليها أصال‪ .‬وتتم عملية تحديد البصمات من خالل تقنية النظام اآللي الذي يعتمد على قاعدة‬
‫بيانات رقمية بخصوص البصمات والمعروف بالنظام اآللي للتعرف على البصمات (‪ 2.)AFIS‬كما‬
‫يعمل هذا النظام على مقارنة البصمات المرفوعة من مسرح الجريمة سواء كانت منطبقة على‬
‫األشياء واألماكن أم كانت متعلقة بجثث الضحايا‪ 3‬أو من أشخاص مشتبه فيهم مع البصمات‬
‫المتوفرة بقاعدة البيانات املخزنة في النظام اآللي بدقة عالية‪ ،‬أما الثانية فهي إضافة بصمات‬
‫املجرمين إلى قاعدة البيانات‪.‬‬

‫سابعا ‪ :‬شعبة اآلثارالرقمية والدعامات اإللكترونية‪:‬‬

‫يعهد إلى هذه الشعبة معالجة اآلثارالرقمية والدعامات اإللكترونية؛ فاإلثبات الجنائي‬
‫باستخدام الوسائل الرقمية أخذ مكانة متميزة في كافة التشريعات الوطنية‪ .‬ويتخذ الدليل‬
‫المستخلص من الوسائل اإللكترونية عدة أشكال‪ :‬فقد يكون ممثال على شاكلة مستخرجات غير‬
‫ورقية يتم إنتاجها عن طريق الطابعات كالصور مثال‪ ،‬وإما على شكل مستخرجات غير ورقية أو‬
‫إلكترونية كاألشرطة الصوتية واألقراص الممغنطة أو أسطوانات الفيديو‪ ،‬أو ممثلة على شكل‬
‫أحرف وأرقام كعناوين العمالء وأرصدتهم في البنوك‪ ،‬كما يمكنها التمثل في شكل بيانات معالجة‬
‫بواسطة الحاسوب أو األنترنت وغيرها من األشكال اإللكترونية غير التقليدية والتي يمكن‬
‫تقديمها كدليل مادي يصلح لالعتماد عليه أمام القضاء‪ ،‬وذلك من أجل الربط بين الجريمة‬
‫واملجرم واملجني عليه‪.‬‬

‫و بالرغم من االنتقادات التي تعرضت لها هذه الوسائل عند توظيفها في مجال اإلثبات‬
‫الجنائي العتدائها على حرمة الحياة الخاصة لإلنسان والتي كرستها المواثيق الدولية واإلقليمية‬
‫ذات الصلة بحماية حقوق اإلنسان وكذلك الدساتير والقوانين الوطنية‪ ،‬إال أن هذه التقنية‬
‫شقت طريقها إلى عالم اإلثبات الجنائي عن طريق إخضاعها للعديد من القيود والشكليات‬

‫‪2. Automatic Fingerprint Identification Système‬‬

‫‪ 3‬يتيح نظام ‪ AFIS‬للتعرف اآللي على البصمات تحديد هوية الضحايا سواء كانوا من المغرب‪ ،‬وحتى إن تعلق األمر بضحايا أجانب‬
‫وذلك عن طريق إرسالها إلكترونيا إلى سلطات بلدانهم األصلية‪.‬‬

‫‪P 144‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫املحددة بنص القانون ووفق ما تقتضيه المصلحة العامة‪ .‬وعليه‪ ،‬تتلخص أهمية هذه التقنيات‬
‫في مجال الكشف عن الجريمة والتعرف على الجاني في العناصرالتالية‪:‬‬

‫‪ ‬يوثق بنتائج أجهزة المر اقبة اإللكترونية في إثبات الجريمة وزجر املجرم‪ ،‬شريطة‬
‫احترامها للقيود القانونية املحددة في النص التشريعي‪ ،‬وذلك راجع إلى هيمنة العنصر‬
‫الرقمي في تقنيات عملها‪ ،‬كما أن نسبة الخطأ تعتبر ضعيفة جدا مقارنة مع تقنيات‬
‫أخرى يتدخل فيها العنصرالبشري‪.‬‬

‫‪ ‬باستخدام تقنية التصنت بالطرق القانونية‪ ،266‬يمكن لألجهزة القضائية املختصة‬


‫الحصول عليها؛ فهي بمثابة مستند إثبات مفيد في كشف الحقيقة‪.‬‬

‫‪ ‬يعد التصوير بكاميرات المر اقبة عنصرا مساعدا لألجهزة األمنية في الكشف عن‬
‫مالبسات الجريمة وذلك بإعطاء صورة شاملة عن مسرح الجريمة‪ ،‬ما يساعد على‬
‫تدارك بعض األخطاء البشرية مثل إغفال املحقق لبعض المالحظات أو البيانات ذات‬
‫األهمية في التحقيق الجنائي‪.‬‬

‫‪ ‬يلعب العنوان ‪ IP‬دورا فاعال في تحديد هوية مرتكبي الجرائم عبر االنترنت ونوعية‬
‫النشاط اإلجرامي الممارس وخاصة الجرائم اإلرهابية وجرائم االتجار في البشر‬
‫والنصب وجرائم التهديد والشرف‪...‬‬

‫‪ ‬كما أدى استخدام هذه التقنية إلى زيادة الردع الخاص من خالل ما تقدمه أجهزة‬
‫التصوير من صور مسجلة للحوادث اإلجرامية‪ ،‬والتي تكون بمثابة دليل مادي على‬
‫ارتكاب الجريمة‪ ،‬مما ينعكس بدوره على انخفاض معدل الجريمة واملحافظة على األمن‬
‫العمومي والنظام العام‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬أعمال الشرطة التقنية والعلمية بمسرح الجريمة‪.‬‬


‫َ‬
‫تتولى الشرطة التقنية والعلمية مساعدة الضابطة القضائية في أبحاثها‪ ،‬من خالل‬
‫االعتماد على األدلة العلمية القاطعة والتي ال تدحض إال بالتزوير‪ 1،‬وفي إزالة الغموض الذي‬

‫‪ -266‬الباب الخامس من قانون المسطرة الجنائية المغربي المتعلق بالتقاط المكالمات واالتصاالت المنجزة بوسائل االتصال عن‬
‫بعد‪.‬‬
‫‪ 1‬سلماني عالء الدين‪ ،‬دور الشرطة العلمية في إثبات الجريمة‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الماستر في الحقوق‪ ،‬جامعة محمد خيضر‬
‫بسكرة‪ ،‬الجزائر‪ ،0200-0202 ،‬ص ‪.022‬‬

‫‪P 145‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫يعتري الجرائم وكشف الفاعلين‪ .‬ويعد مسرح الجريمة النطاق المكاني الذي تباشرفيه الشرطة‬
‫التقنية والعلمية أعمالها بهدف كشف الحقيقة عن طريق عمليات المسح الدقيق والتوثيق‬
‫والبحث عن اآلثار المادية للجريمة‪ ،‬ومن ثم القيام برفعها ثم فحصها ومضاهاتها في المعهد‬
‫الجنائي للتعرف على هوية الجاني‪.‬‬

‫وتتجلى أهمية مسرح الجريمة في كونه المكان الذي يحفظ أسرارالجريمة؛ فاملجرم مهما‬
‫كان حريصا‪ ،‬ال بد أن يترك أثرا يدل عليه‪ ،‬وهو أساس نظرية المبادلة‪ 2‬التي تطرق إليها المبحث‬
‫األول من هدا الفصل و التي تعتبرأساس عمل الشرطة التقنية و العلمية الذي يتم وفق قواعد‬
‫محددة و مضبوطة‪.‬‬

‫وإلبراز أهمية الدور المنوط بالشرطة التقنية والعلمية بمسرح الجريمة‪ ،‬سنتناول في‬
‫هذا المبحث تعريف مسرح الجريمة في (المطلب األول) قبل أن نتطرق في (المطلب الثاني) إلى‬
‫قواعد وإجراءات المعاينات الفنية‪.‬‬

‫المطلب األولل‪ :‬مسرح الجريمة‬

‫يمكن الحديث عن مسرح الجريمة انطالقا من ظروف ووضعيات مختلفة‪ :‬جثة تم‬
‫العثورعليها‪ ،‬منزل تمت سرقته‪ ،‬سيارة تعرضت للتخريب‪ ،...‬ففي كل هذه الحاالت وغيرها هناك‬
‫جريمة تم اقتر افها تستدعي التعرف على الجاني انطالقا مما يبوح به مسرح الجريمة من أسرار‪.‬‬
‫فما مسرح الجريمة؟ و أين تتجلى أهميته؟ (الفقرة األولى) وما هي الطرق المتبعة في البحث عن‬
‫اآلثارورفعها في مسرح الجريمة؟ (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬ماهية مسرح الجريمة وأهميته ‪:‬‬

‫يالحظ في التشريع المغربي أن قانون المسطرة الجنائية لم يضع حدودا مكانية ووصفا‬
‫أو تعريفا لمسرح الجريمة واكتفى فقط بإعطائها صفة مكان وقوع الجريمة‪ :‬المادة ‪ 00‬توجب‬
‫على ضباط الشرطة القضائية االنتقال فورا إلى عين مكان وقوع الجريمة إلجراء المعاينات‬

‫‪2.‬‬ ‫‪Principe de LOCARD :‬‬

‫‪En 1920, Edmond LOCARD énonce que "Nul ne peut agir avec l’intensité que suppose l’action criminelle, sans laisser des‬‬
‫‪marques multiples sur son passage…" « On ne peut aller et revenir d’un endroit, entrer et sortir d’une pièce, sans apporter ou‬‬
‫‪prendre quelque chose qui se trouvait auparavant dans l’endroit ou la pièce. Immanquablement, nous laissons des traces,‬‬
‫»‪comme un escargot qui marque son chemin de sa bave‬‬

‫‪P 146‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫المفيدة؛ والمادة ‪ 20‬تمنع على كل شخص غير مؤهل قانونا أن يغير حالة مكان وقوع الجريمة؛‬
‫كما أن المادة ‪ 30‬تتيح لضابط الشرطة القضائية منع أي شخص مفيد في التحريات من االبتعاد‬
‫عن مكان وقوع الجريمة إلى أن تنتهي تحرياته‪ .‬تبعا لذلك سوف نتطرق في هذه الفقرة الى ماهية‬
‫مسرح الجريمة (أوال) وأهميته (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬ماهية مسرح الجريمة‪:‬‬

‫لإللمام بهذه النقطة‪ ،‬سنتطرق لمفهوم مسرح الجريمة ثم ألصنافه تباعا على الشكل‬
‫التالي‪:‬‬

‫‪ -3‬مفهوم مسرح الجريمة‪:‬‬

‫في غياب اهتمام التشريعات بتعريف مسرح الجريمة‪ ،‬تعددت آراء الفقهاء والباحثين في‬
‫تحديد مفهومه‪ .‬ويمكن تعريفه كما يلي ‪:‬‬

‫‪ ‬مسرح الجريمة هو "كل مكان ارتكبت فيه جريمة‪ 1‬أو الرقعة المكانية التي تحدث فوقها‬
‫الجريمة بكل جزئياتها خاصة السلوك اإلجرامي والنتيجة"‪.2‬‬

‫‪ ‬كما تم تعريفه بأنه‪" :‬نقطة انطالق سلطات البحث والتحقيق في مجال كشف الجريمة‬
‫وإزالة الغموض عنها؛ فهو يشكل مستودع أسرار الجريمة الذي يزود املختصين بكافة‬
‫األدلة التي تؤدي إلى الكشف عن الحقيقة"‪.3‬‬

‫‪ ‬و يمكن تعريفه بأنه المكان الذي جرت فيه أطوار النشاط اإلجرامي للجاني أو وجدت‬
‫فيه آثارالجريمة‪ ،‬ويبدأ منه عمل الضابطة القضائية والشرطة التقنية والعلمية قصد‬
‫البحث عن و اقع اآلثار التي خلفها الجاني في مسرح الجريمة‪ ،‬والتي تعد بمثابة الشاهد‬
‫الصامت الذي يفيد البحث بمعلومات مؤكدة ال يخونها التعبير وال تؤثر فيها المؤثرات‬
‫االجتماعية وتتصف بالتبات والدوام‪.‬‬

‫‪1‬احمد ضياء الدين محمد خليل‪ ،‬مشروعية الدليل في المواد الجنائية‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬جامعة عين شمس‪،02.0 ،‬‬
‫ص ‪. 2.0‬‬
‫‪2‬طه احمد متولي‪ ،‬التحقيق الجنائي وفن استنطاق مسرح الجريمة‪ ،‬منشأة المعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،0222 ،‬ص ‪.01‬‬
‫‪3 Martin (jean claude), Investigations de scène de crime , Presse polytechniques et Universitaires Rommande,‬‬

‫‪Lausanne, 2004, P5‬‬

‫‪P 147‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫‪ -5‬أصناف مسرح الجريمة‪:‬‬

‫انطالقا مما سبق‪ ،‬يمكن تصنيف مسرح الجريمة وفق ظروف ومكان ارتكاب الو اقعة‬
‫اإلجرامية إلى أنواع متعددة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫َ‬
‫أ‪ -‬مسرح الجريمة األولي‪ :‬هو المكان الذي يعثـر فيه على جسم الجريمة أو الذي يرتكب‬
‫فيه الفاعل جرمه‪.‬‬

‫ب‪ -‬مسرح الجريمة الثانوي أو الفرعي‪ :‬هو المكان الذي يعثرفيه على أدلة مادية إضافية‬
‫حول الجريمة أو المكان الذي لجأ إليه الفاعل بقصد إخفاء معالم الجريمة أو تضليل العدالة‬
‫كنقل الجثة لمكان أخر‪.‬‬

‫ج‪ -‬مسرح الجريمة المغلق‪ :‬هو المكان الذي يتميز بوجود مداخل ومخارج حيث يمكن‬
‫فتحه أو غلقه والسيطرة عليه من قبل أصحابه والمسئولين عنه كالبنايات المشيدة (مساكن‪،‬‬
‫متاجر‪ ،‬مخازن‪)...‬‬

‫د‪ -‬مسرح الجريمة المفتوح‪ :‬هو كل مكان مكشوف وغيرمغلق كالحقول أو المساحات أو‬
‫الطرقات العمومية‪ .‬وبمجرد وقوع الجريمة ووصول املحققين‪ ،‬تصبح هذه األماكن‪ ،‬سواء كانت‬
‫مملوكة أم غير مملوكة‪ ،‬في يد السلطات المكلفة بالبحث إلى حين إنتهاء عملياتها‪1.‬‬

‫و‪ -‬مسرح الجريمة االلكتروني‪ :‬ويتعلق األمر بالوسائل المعلوماتية التي تستعمل في‬
‫ارتكاب الفعل املجرم كالحاسب اآللي أو األنظمة اإلكترونية‪ .‬وفي الغالب يكون مكان ارتكاب‬
‫الجريمة المعلوماتية مثل مكان ارتكاب الجرائم األخرى عندما يكون الهدف منها التخريب أو‬
‫إتالف البرامج أو تزوير المستندات والوثائق أو تفجيرالمباني والمنشآت‪1.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬أهمية مسرح الجريمة‬

‫يكتس ي مسرح الجريمة أهمية بالغة في البحث الجنائي‪ ،‬إذ يعتبرالمصدرالرئيس‬


‫لألدلة المادية التي يعتمد عليها في الكشف عن ظروف ومالبسات الحادث اإلجرامي وغيرها من‬
‫المعلومات التي تفيد في سير التحقيق‪ ،‬إذ يساهم بشكل أساس ومهم في تنوير العدالة وإظهار‬

‫‪ 1‬عمر المعايطة (منصور)‪ ،‬األدلة الجنائية والتحقيق الجنائي لرجال القضاء واإلدعاء العام واملحامين و أفراد الضابطة‬
‫العدلية‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪،0222 ،‬ص ‪.1.‬‬
‫‪ 1‬ضياء علي نعمان‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.212‬‬

‫‪P 148‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫الحقيقة‪ .‬انطالقا من هذا المعطى‪ ،‬يمكن إيجاز الدور الفعال لمسرح الجريمة ضمن األبحاث‬
‫الجنائية في مايلي‪:‬‬

‫‪ ‬يعتبرمسرح الجريمة هو نقطة انطالق البحث ونظرا ألهميته فان بعض الدول كبريطانيا‬
‫تخصص ضابطا خاصا بمسرح الجريمة‪.2‬‬

‫‪ ‬كما أن مسرح الجريمة هو أساس البحث الجنائي والتخطيط لعملياته انطالقا من‬
‫معرفة ظروف ومالبسات ودو افع الجريمة‪ ،‬األسلوب المتبع وغيرها من المعطيات‬
‫المرتبطة سواء بالجريمة أو بمرتكبيها أو ضحاياها‪.‬‬

‫‪ ‬كما تعتبر األدلة والمعلومات المستنبطة من مسرح الجريمة على درجة عالية من‬
‫الصدق والدقة ألنها تتعلق بآثار ال تعرف الكذب‪ 1.‬فهو شاهد صامت وخزان لآلثار‬
‫المادية التي تتوقف عليها إدانة المتهم أو تبرئته‪ .2‬كذلك الفحص التقني لمسرح الجريمة‬
‫يسمح‬

‫‪ ‬بتعليل وقوع الفعل المادي للجريمة‪.‬‬

‫‪ ‬ربط مسرح الجريمة و الضحية و المشتبه فيه‪.‬‬

‫‪ ‬تحديد هوية كل من الضحية و المشتبه فيه‪.‬‬

‫‪ ‬تأكيد شهادات و تفنيد إدعاءات أخرى‪.‬‬

‫‪ ‬تبرئة أشخاص و تنويرالبحث لمتابعة آخرين‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬طرق البحث عن اآلثارورفعها وحجزها في مسرح الجريمة‬

‫يتم فحص مسرح الجريمة للبحث عن اآلثار المادية والكشف عنها ورفعها وتحريزها‬
‫وحجزها؛ ثم إرسالها للمعهد الجنائي‪ 3‬لمضاهاتها مع العينة المشتبه فيها‪ ،‬بعد تصويرها‬

‫‪ 2‬سعد احمد محمود سالمة‪ ،‬مسرح الجريمة‪ ،‬منشأة المعارف اإلسكندرية‪ ،‬ط‪ ،0222 ،0.‬ص ‪.202‬‬
‫‪1. LERICHE (Anne), op.cit, p 3.‬‬

‫‪ 2‬سعد احمد محمود سالمة‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.2‬‬


‫‪ 3‬ترسل عينات اآلثار إلى المعهد الجنائي بعد إبالغ النيابة العامة وختمها لطلب الخبرة الموجه إليها من طرف ضباط الشرطة‬
‫القضائية‪.‬‬

‫‪P 149‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫وتحديد موقعها بالرسم ‪ .Croquis‬وتبعا لذلك‪ ،‬سوف نتطرق في هذه الفقرة إلى طرق البحث‬
‫عن اآلثارورفعها (أوال) ثم حجزها (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬طرق البحث عن اآلثارورفعها‪:‬‬

‫يتبع القائمون بالفحص النمط الذي يتناسب مع ظروف كل و اقعة وبحسب اإلمكانات‬
‫البشرية والمادية المتاحة وطبيعة المكان وطبيعة اآلثار المادية المراد البحث عنها ورف‪u‬ها‪،‬‬
‫ظاهرة أم غيرظاهرة‪ ،‬حجمها (كبيرأم ضئيل)‪ .‬ومن الطرق األكثرإتباعا في البحث والرفع ‪:‬‬

‫أ‪ -‬طرق البحث عن اآلثار ‪ :‬يمكن القيام بجرد أهم طرق البحث عن اآلثاركما يلي‪:‬‬

‫‪ -3‬الطريقة الطولية‪ :‬تعتبـر أسهل طرق البحث التي تستخدم بكفاءة في مسرح‬
‫الجريمة ولها أركان محددة ويمكن أن تتم بمحقق واحد إذا كانت الرقعة المكانية صغيرة‪ ،‬حيث‬
‫يبدأ التحرك من أحد أركان المكان طوليا وعند وصوله للجدارالمواجه يأخذ خطوة جانبية تم‬
‫يعود عكس االتجاه موازيا لطريق الذهاب‪ .‬ويكرر ذلك في المكان حتى االنتهاء من فحصه‬
‫بالكامل‪ .‬وتستعمل هذه الطريقة كذلك في المساحات الكبيرة كالغابات والحقول‪ ،‬حيث يتم‬
‫تقسيم مسرح الجريمة إلى مجموعة من المستطيالت يتم توزيع البحث فيها بنفس الطريقة‬
‫المتبعة على المستوى الطولي والعرضـي‪.‬‬

‫‪ -5‬طريقة الشبكة‪ :‬وتسمى كذلك طريقة الشريط المزدوج‪ .‬وتستخدم في مسرح الجريمة‬
‫المهيكل هندسيا إلى مربع أو مستطيل‪ ،1‬وتقض ي بوجوب إتباع القائمين بالمعاينة عند دخولهم‬
‫مكان الجريمة‪ ،‬مسارين أو اتجاهين أحدهما يكون موازيا للضلعين الشرقي والغربي واآلخرموازي‬
‫للضلعين الشمالي والجنوبي‪.‬‬

‫‪ -1‬طريقة التقسيم إلى المناطق‪ :‬تستخدم هذه الطريقة بكفاءة في المو اقع‬
‫الداخلية؛ حيث يتم تقسيم مسرح الجريمة إلى مربعات أوقطاعات ويتم فحص كل مربع أوقطاع‬
‫عن طريق محقق واحد‪.‬‬

‫‪ -2‬الطريقة الدائرية‪ :‬تتماش ى هذه الطريقة مع مسرح الجريمة الصغير‪ ،‬حيث‬


‫يبدأ الباحث من مركز المسرح أو محيطه الخارجي ثم يتحرك بطريقة دائرية حتى يصل لنهاية‬

‫‪ 1‬محمد عنب (محمد)‪ ،‬معاينة مسرح الجريمة‪ ،‬ج‪ ،0 .‬المركز العربي للدراسات األمنية و التدريب‪ ،‬الرياض‪ ،0220 ،‬صص ‪.00 00‬‬

‫‪P 150‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫المكان؛ ثم يأخذ خطوة جانبية ويبدأ الدوران مرة أخرى ويكرر ذلك في المكان حتى االنتهاء من‬
‫فحصه بالكامل‪.‬‬

‫ب ‪ :‬طرق رفع اآلثارالمادية ‪ :‬تعتبرعملية جمع اآلثاروتحريزها من أهم العمليات بمسرح‬


‫الجريمة‪ ،1‬باعتبارها تشكل خاتمة عملية البحث بعين المكان‪ .‬وتكون طرق الرفع بكيفية علمية‬
‫دقيقة تمكن من استغالل اآلثاربشكل جيد‪ 2،‬كما تختلف بحسب نوع األثر‪ ،‬ظاهرأو خفي‪ ،‬مما‬
‫ََ‬
‫يستوجب استعمال تقنيات وأدوات خاصة باستكشافه وجمعه ومنع تلفه‪ .‬ومن أهم هذه‬
‫الوسائل‪:‬‬

‫‪ -3‬االلتقاط اليدوي‪ :‬وهي الطريقة األسهل واألكثرتطبيقا في جمع اآلثارالظاهرة‬


‫كالمالبس والشعر والبقع وأجزاء الزجاج أو أعقاب السجائر‪ .‬وتتم باستعمال الملقاط وذلك‬
‫قبل استعمال أي طريقة أخرى للجمع مع وجوب ارتداء قفازات خاصة‪.‬‬

‫‪ -5‬المسحة‪ :‬تستخدم المسحات الجافة على جميع اآلثار الصغيرة حيث إن‬
‫الط بيعة الليفية لنهاية المسحة يمكنها بكفاءة جمع آثار معينة‪ .‬تستخدم المسحات المبللة‬
‫بالماء المقطرفي جمع آثارسوائل الجسم الجاف ‪.3‬‬

‫‪ -1‬الشريط الالصق‪ :‬وهو شريط الصق شفاف يوضع على الش يء المراد رفع‬
‫األثرعليه ثم ينزع ويوضع على قطعة زجاج نظيفة ثم يحرزفي وعاء أوحقيبة مدون عليها البيانات‪.‬‬
‫يستخدم الشريط الالصق في جميع اآلثار صغيرة الحجم وغير الظاهرة على األسطح أو األفرشة‬
‫وغيرهما‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الحجزفي مسرح الجريم ‪:‬‬

‫يتمخض عن عمليات المعاينة والتفتيش التي يجريها ضابط الشرطة القضائية في‬
‫مسرح الجريمة ضبط األسلحة واألدوات التي استعملت في ارتكاب الجريمة‪ ،‬لغاية إثباتها‬
‫ومواجهة المشتبه فيه خالل كافة أطوار الخصومة الجنائية‪ .‬وصالحية الحجز وما يعقبه من‬

‫‪ 1‬يمكن حصر قواعد حفظ العينات البيولوجية في ثالث أمور أساسية‪:‬‬


‫‪ -‬من حيث الحرز‪ :‬بالستيكي‪ ،‬ورق مقوى‪ ،‬زجاجي‪.‬‬
‫‪ -‬مكان الحفظ‪ :‬تجنيبه للتعرض المباشر أل شعة الشمس والحرارة وكذا الرطوبة‪.‬‬
‫‪ -‬األمان ‪ :‬البيانات المتعلقة باألثر البيولوجي المرفوع وقنه السري‪.‬‬
‫‪2 DOUTREMEPUICH (Christian), Les empreintes génétiques en pratique, la documentation française, 1998, p.31.‬‬

‫‪3‬هشام عبد الحميد فرج‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.002‬‬

‫‪P 151‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫إجراءات ممنوحة لضابط الشرطة القضائية تجد أساسها في الفقرة الثانية وما بعدها من‬
‫المادة ‪ 00‬من قانون المسطرة الجنائية والتي جاء فيها ما يلي "‪...‬و عليه أن يحافظ على األدلة‬
‫القابلة لالندثار وعلى كل ما يمكن أن يساعد على إظهار الحقيقة وأن يحجز األسلحة واألدوات‬
‫التي استعملت في ارتكاب الجريمة أو التي كانت معدة الرتكابها وكذا جميع ما قد يكون ناتجا عن‬
‫هذه الجريمة‪ ،‬وتعرض األشياء المحجوزة على األشخاص المشتبه في مشاركتهم في الجناية أو‬
‫الجنحة قصد التعرف عليها"‪.‬‬

‫كما تضمنت المادة ‪ 00‬من قانون المسطرة الجنائية في فقرتها السادسة ما يلي‪:‬‬
‫ً‬
‫"تحص ى األشياء والوثائق المحجوزة فورا وتلف أو توضع في غالف أو وعاء أو كيس ويختم عليها‬
‫ضابط الشرطة القضائية‪ .‬تتم هذه اإلجراءات بحضور األشخاص الذين حضروا التفتيش‪،‬‬
‫ويحرر ضابط الشرطة القضائية محضرا بما قام به من عمليات"‪ .‬وضبط األشياء المتعلقة‬
‫بالجريمة إجراء ال ينحصردائما في إجراءات التفتيش‪ ،‬بل يجد محله أيضا خالل إجراء المعاينة‪.‬‬
‫وعموما‪ ،‬فاألشياء التي يمكن أن تكون محال للحجز‪ 1‬من طرف ضابط الشرطة القضائية سواء‬
‫نتج هذا الحجزعن المعاينة أم التفتيش‪ ،‬يحدد معيارها في كل ما يحتمل أنه استعمل في ارتكاب‬
‫الجريمة أو نتج عنها‪ .‬وكل ما يفيد في كشف الحقيقة‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬فالمعيار هو الصلة بين الش يء‬
‫والجريمة‪ 2.‬بعد الحجز‪ ،‬يتم إجراء عملية الختم حيث يتم تشميع المحجوز أو وضع لصاق‬
‫الختم مع وضع طابع الختم بصفة تضمن سالمته ضد كل تغيير أو انتهاك مع اإلشارة إلى أن‬
‫الفتح غيرالقانوني لألختام يعد جريمة يعاقب عليها القانون‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬قواعد المعاينات الفنية وإجراءاتها‬

‫تكتس ي المعاينات أهمية بالغة في تحديد طريقة ارتكاب الجريمة ومعرفة مرتكبها‪ .1‬فهي‬
‫تعتبر من أهم اإلجراءات والعمليات الخاصة بالبحث والتحري التي يقوم بها ضباط الشرطة‬
‫القضائية والشرطة التقنية والعلمية بمسرح الجريمة وفق ضوابط محددة ومتعارف عليها‬

‫‪ 1‬هناك أشياء ال يمكن تطبيق الحجز عليها وإن كانت تتوفر على ما يربطها بوقوع الجريمة وهو ما عليه المادة ‪ 020‬من ق‪.‬م‪.‬س‪ ،‬التي تنص على‬
‫ما يلي "ال يمكن ان ينتج الدليل الكتابي عن الرسائل المتبادلة بين المتهم ومحاميه"‪.‬‬

‫‪2. Serge Guinchard- Jacques Buisson, procédure pénale , lexis Nexis, Paris, 10ème édition, 2014. p. 333.‬‬

‫‪ .1‬نظرا لعدم دراية ض‪.‬ش ق بأهمية قواعد الشرطة التقنية‪ ،‬فقد أصبح لزاما على تقنيي مسرح الجريمة الحصول على دبلوم الشرطة‬
‫القضائية‪ .‬كما تجب اإلشارة إلى حضور خبراء الشرطة العلمية بمكان الجريمة عند وقوع الجرائم الكبرى أو الغامضة‪.‬‬

‫‪P 152‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫دوليا‪ 2.‬إذ فور علمهم بالجريمة‪ ،‬ينتقلون الى عين المكان بعد إعالم النيابة العامة وأخذ إذنها‬
‫وإخبار السلطات الرئاسية‪ 3.‬وبالنظر ألهمية هذا اإلجراء‪ ،‬سنتطرق لمفهومه وأهميته (الفقرة‬
‫األولى) ثم التدابيرالمتخذة أثناء المعاينات بمسرح الجريمة (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬مفهوم المعاينة‪:‬‬

‫المالحظ أن المعاينة هي إثبات حالة وو اقعة من خالل التدوين الشامل والدقيق لكل‬
‫التفاصيل المرتبطة بمكان وقوع الجريمة كما تركه الجاني‪ :‬أبواب مفتوحة أم مغلقة‪ ،‬نوعية‬
‫وشكل اإلضاءة‪ ،‬رائحة السجائر أو العطر‪ ،‬عالمات أنشطة كاألكل‪ ،‬مؤشرات التاريخ كالرسائل‬
‫والجرائد‪ ...‬فالمعاينة بصفة عامة تعني إثبات ومشاهدة حالة سواء تعلق األمر بحالة األماكن‬
‫أو حالة األشخاص أو األشياء وكل ما يتعلق بماديات الجريمة‪ .‬كذلك يقصد بالمعاينة بمسرح‬
‫الجريمة مجموعة من العمليات التي يقوم بها المعاين وفق األساليب العلمية والتقنية الهادفة‬
‫إلى تجميع العناصر التي من شانها بيان كيفية وقوع الجريمة من جهة والوصول إلى مرتكبها من‬
‫جهة أخرى‪1.‬‬

‫َ‬
‫وأس َبغ المشرع على المعاينات صفة المفيدة‪ ،‬ألن دور املحقق يتمثل في البحث عن‬
‫الحقيقة من خالل القيام بكل ما هو مفيد ليجري البحث وفق طبيعة كل جريمة وما تقتضيه‬

‫‪2.‬‬
‫‪La gestion de la scène d’investigation a été consolidée par des protocoles et des standards de qualité:‬‬

‫‪- ACPO Association of Chief Police Officers, Grande Bretagne, 1998‬‬

‫‪- Enfopol, UE 1998‬‬

‫‪- Oisin Project, Hadley, UK 2001‬‬

‫‪- ENFSI Compétence Assurance Project Group, Europe, 2002.‬‬

‫‪ 3‬واجب إخبار السلطات الرئاسية نصت عليه المادة ‪ 01‬من ق‪ .‬م‪.‬ج‪ ،‬وكذا ما يقض ي به الفصل ‪ 00‬من الظهير الشريف رقم‬
‫‪ 0.02.0.2‬بشأن مصلحة الدرك الملكي ضمن الباب الثالث منه والمتعلق باتصاالت الدرك بالسلطة اإلدارية‪ ،‬وأخيرا ما يستفاد من‬
‫نص المادة ‪ 02‬من النظام األساس ي لموظفي األمن الوطنـي‪.‬‬
‫‪1‬رمسيس بهنام‪ ،‬البوليس العلمي أو فن التحقيق‪ ،‬منشأة المعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،0221 ،‬ص ‪..2‬‬

‫‪P 153‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫خصوصيتها‪ .‬كما أن هذه المعاينات ال يمكن أن تكون مفيدة إال إذا أتت على وجه السرعة ألن‬
‫كل تغييرفي حالة األمكنة سيفسد املجهود المبذول إلنجاح البحث والتحقيق‪.2‬‬

‫ولم يشترط المشرع المغربي في قانون المسطرة الجنائية إجراء المعاينات في وقت‬
‫معين‪ ،‬و إنما اشترط الفورية في االنتقال لمسرح الجريمة للمحافظة عليه ومنع العبث باآلثار‬
‫المتخلفة عن الجريمة واملجرم‪ .‬كما أن المعاينة وعلى خالف إجراء التفتيش‪ ،‬ال تشكل مساسا‬
‫بحقوق األفراد وحرمتهم ولم يحطها المشرع بقيود قانونية‪ ،‬كما أنها ال تتطلب حضور المتهم أو‬
‫صاحب المكان الذي ستجري المعاينة فيه‪.3‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬التدابيرالمتخذة بمسرح الجريمة‬

‫تقتض ي المعاينات المفيدة‪ ،‬القيام بمجموعة من العمليات الضرورية قبل توجيه‬


‫البحث بحسب طبيعة الوقائع املحتملة‪ .‬وهي عمليات تفرضها السالمة العامة واألمن العمومي‪،‬‬
‫ويمكن إيجازها في اإلجراءات األولية للمعاينات (أوال) والبحث عن التغييرات التي طرأت في مسرح‬
‫الجريمة (ثانيا) ثم تثبيت حالة األمكنة (ثالثا)‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬اإلجراءات األولية للمعاينات‪ :‬تتمثل هذه اإلجراءات فيما يلي‪:‬‬

‫‪ -3‬تنظيم عملية اإلغاثة واإلسعافات للمصابين بمسرح الجريمة‪:‬‬

‫في مسرح الجريمة تكون األولوية إلغاثة وإسعاف المصابين؛ فحياة اإلنسان أولى‬
‫بالحماية‪ .‬وقد أثارت المادة ‪ 20‬من قانون المسطرة الجنائية هذا الواجب في الفقرة الثانية التي‬
‫جاء فيها "على أنه يسمح بصفة استثنائية بهذه المتغيرات أو هذه اإلزاالت إذا كانت تفرضها‬

‫‪ 2‬تنص المادة ‪ 02‬من ق‪.‬م‪.‬ج على ما يلي‪" :‬يجب على ضابط الشرطة القضائية الذي أشعر بحالة تلبس بجنحة أو جناية أن يخبر‬
‫النيابة العامة فورا وينتقل في الحال إلى مكان ارتكابها إلجراء المعاينات المفيدة‪"...‬‬
‫‪ 3‬إذا كانت غاية التفتيش الجنائي ضبط اآلثار المتخلفة عن ارتكاب الجريمة واألشياء التي استخدمت فيها والتي تكون بتفتيش‬
‫المسكن طبقا لإلجراءات المنصوص عليها في المواد ‪ 12 – 10 – 10 – 12 – 02‬من قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬فالمالحظ من خالل‬
‫الصياغة التي جاء بها المشرع في المادتين ‪ 02‬و‪ 12‬أن مباشرة التفتيش تتم ألجل إثبات الجريمة وليس اكتشافها‪ ،‬ويراد به ضبط‬
‫األشياء املحتمل وجودها إما لدى المشارك في تنفيذ الجريمة أو لدى الغير املحتمل حيازته ألشياء ومستندات لها عالقة باألفعال‬
‫اإلجرامية‪.‬‬

‫‪P 154‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫ضرورة املحافظة على السالمة والصحة العمومية واإلسعافات للضحايا"‪ .‬في هذا األمر‪ ،‬يقوم‬
‫تقنيو مسرح الجريمة بتوجيه رجال اإلغاثة واألطقم الطبية ورجال الوقاية المدنية عبر ممرات‬
‫خاصة مع اتخاذ التدابير األمنية المتعلقة باملحافظة على مسرح الجريمة وعدم فرار األضناء‬
‫منه‪ .‬كما يقومون بتدوين كل المالحظات والتفاصيل حول وضعية األمكنة وكل تغيير أو تشويه‬
‫لحق بها‪ .‬في حالة وجود ضحية متوفاة‪ ،‬ال يتم لمس الجثة قبل إجراء فحص دقيق من طرف‬
‫الطبيب الشرعي‪1.‬‬

‫‪ -5‬حفظ النظام العام بمسرح الجريمة‪:‬‬

‫من الطبيعي أن يكون للجريمة وقع على الجمهور؛ فالتجمهرواحتمال ردة فعل ثأرية أو‬
‫غاضبة أو نشوب اشتباك بين عائالت الضحايا والجناة‪ ،‬كلها أحداث تشكل تهديدا لسالمة‬
‫األشخاص والممتلكات‪ ،‬خصوصا إذا تعلق األمربمسرح الجريمة المفتوح‪ .‬لذلك تتخذ األجهزة‬
‫األمنية التدابيرواالحتياطات الوقائية الالزمة كما تعمد إلى تنظيم حركة السيروالجوالن وتفريق‬
‫الجمهوربسالسة وحماية األضناء من عمليات االنتقام‪.‬‬

‫‪ -1‬املحافظة على مسرح الجريمة‪:‬‬

‫مسؤولية املحافظة على مسرح الجريمة تجد سندها في كون اآلثار المادية املحتمل‬
‫وجودها فيه‪ ،‬هي قوام اإلثبات الجنائي في القضية محل البحث‪ ،‬لذلك‪ ،‬فاملحافظة عليه هي‬
‫الضامن األساس ي لنجاح عملية البحث‪ .‬وهو ما نصت عليه المادة ‪ 00‬من قانون المسطرة‬
‫الجنائية التي جاء فيها ما يلي‪" :‬يمنع على كل شخص غيرمؤهل قانونا أن يغيرحالة المكان الذي‬
‫وقعت فيه الجريمة‪ ،‬أو أن يقوم بإزالة أي ش يء قبل القيام بالعمليات األولية للبحث القضائي‪،‬‬
‫وذلك تحت طائلة غرامة تتراوح بين ‪ 3.588‬و‪38.888‬درهم‪ .‬وإذا كان القصد من محواألثرأوإزالة‬
‫أشياء هو عرقلة سيرالعدالة‪ ،‬تكون العقوبة هي الحبس من ثالثة أشهرإلى ثالث سنوات وغرامة‬
‫من ‪ 1.888‬درهم إلى ‪ 35.888‬درهم"‪.‬‬

‫تطال المسؤولية الجنائية فقط األشخاص غير المؤهلين‪ ،‬بحكم أن الشرطة‬


‫التقنية والعلمية تملك حرية التصرف بمسرح الجريمة ألنها صاحبة االختصاص‪ .‬بالمقابل‪،‬‬
‫يالحظ أنه إضافة إلى الصعوبات التي تواجه املحققين والتقنيين‪ ،‬بفعل عوامل الطبيعة أو‬

‫مقابلة مع فرحان (عماد)‪ ،‬تقني مسرح الجريمة بالقيادة الجهوية للدرك الملكي بمراكش‪ .‬بتاريخ ‪.0202/22/02‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪P 155‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫اإلخفاء العمد لألثر من طرف الجاني أو أحد شركائه أو أقربائه‪ .‬كما تسجل مجموعة من‬
‫اإلختالالت التي تؤثر سلبا على عمل تقني مسرح الجريمة وعلى مجريات ونتائج األبحاث التي‬
‫يباشرها ضباط الشرطة القضائية بفعل عدم احترام بعض مسؤولي وممثلي السلطة والقضاء‬
‫للبرتوكول والمساطرالملزمة لكل المتدخلين في مسرح الجريمة على غرارما هومعمول في الدول‬
‫المتقدمة‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬البحث عن التغييرات التي طرأت في مسرح الجريمة‪:‬‬

‫بالرغم من هشاشة الشهادة بفعل تفش ي ظاهرة شهادة الزور‪ ،‬إال أن االستماع ألقوال‬
‫وشهادات الموجودين في مكان الحادث يمكنها أن تفيد املحققين بمعطيات هامة‪ .‬فاملحقق يتأكد‬
‫من كل تغيير بمعالم الجريمة من خالل مجموعة من المعطيات كعدم تناسق وضعية جسد‬
‫الضحية ومكان وجود اآلثار المادية‪ ،‬كوجود بقع الدم في المالبس أو على األرض‪ ،‬تغيير حالة‬
‫الجثة‪ ،‬لونها والعالمات الظاهرة عليها‪ ....‬كل هذه التغييرات التي وقف عليها تقنيو مسرح‬
‫الجريمة يتم تدوينها من طرف ضابط الشرطة القضائية المكلف بالبحث في محضرالمعاينات‪1.‬‬

‫ثالث ‪ :‬تثبيت حالة األمكنة‪:‬‬

‫فورالوصول إلى مسرح الجريمة يجب تنفيذ مجموعة من اإلجراءات‪:‬‬

‫‪ ‬تحديد مسرح الجريمة بواسطة شريط عازل على كامل حدودها مع تأمين الحراسة‪ .‬هذه‬
‫الحدود يتم رسمها قبال بناء على المعطيات الخاصة بنوع الحادث ضمانا ألمن‬
‫المتدخلين من جهة و حفاظا على ما يفيد البحث من جهة ثانية‪2.‬‬

‫‪ ‬إقفال جمي ع المنافذ والمداخل المؤدية إلى مسرح الجريمة وإذا اقتض ى األمر‪،‬‬
‫باستعمال الحواجز‪.‬‬

‫‪1‬عرف املحضر في الفقرة األولى من المادة ‪ 00‬من ق‪.‬م‪.‬ج بأنه‪:‬‬


‫"الوثيقة المكتوبة التي يحررها ضابط الشرطة القضائية أثناء ممارسة مهامه ويضمنها ما عاينه أو ما تلقاه من تصريحات أو ما قام‬
‫به من عمليات ترجع الختصاصه"‪.‬‬
‫‪ 2‬مثال في حالة وجود مواد متفجرة أو احتمال وجودها بمسرح الجريمة‪ ،‬يقوم تقنيو مسرح الجريمة بوضع حواجز وأشرطة عازلة‬
‫على بعد مسافة أمان تقدر بضعف قوة ومدى االنفجار (‪.)la portée maximale de l’explosion‬‬

‫‪P 156‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫‪ ‬تنظيم حركة السير في محيط الجريمة وتامين المسلك لإلغاثة واإلطفاء ودخول‬
‫املحققين ورجال القضاء وكذلك بعض المسئولين‪.‬‬

‫‪ ‬العمل قدراإلمكان على إقامة طوق عزل ثاني مخصص للعناصراألمنية‪.‬‬

‫‪ ‬منع دخول أي شخص إلى مسرح الجريمة وتسجيل أسماء الحاضرين وساعة دخولهم‬
‫وخروجهم‪.‬‬

‫‪ ‬ينبغي االنتباه إلى عوامل الخطروالسالمة الشخصية على سبيل المثال ‪ :‬احتمال وجود‬
‫المتفجرات‪ ،‬مواد سامة‪ ،‬انبعاث غازات مضرة‪ ،‬حدوث انهيارات‪ ،‬وجود أمراض معدية‬
‫أو احتمال وجود الجاني بالمكان‪.‬‬

‫بالمقابل‪ ،‬يجب على الشرطة التقنية والعلمية القيام باإلجراءات التالية داخل مسرح‬
‫الجريمة‪:‬‬

‫‪ ‬الكشف عن اآلثارو تشخيصها بأرقام متتالية‪.‬‬

‫‪ ‬منح رقم فريد للتعريف بكل أثريتم اكتشافه‪.‬‬

‫‪ ‬القيام بعملية مسح كاملة لمسرح الجريمة مع التركيز أكثر على األماكن التـي يبدو أن‬
‫الجاني قد لمسها‪.‬‬

‫‪ ‬توجيه العالمات الترقيمية في اتجاه واحد حتى تكون واضحة أثناء التصويرالفوتوغرافي‪.‬‬

‫والمالحظ أن تطبيق اإلجراءات السابقة يتوقف على نوع كل قضية وظروفها‪ ،‬لكن يبقى‬
‫الهدف األساس هو املحافظة على األدلة مهما كان نوع الجريمة‪ ،‬ألن أي عبث باألدلة أو تغيير‬
‫َّ‬
‫ألمكنتها أو تلوثها يضلل التحقيق ويؤدي إلى فقدان العناصر األساس في الكشف عن حقيقة‬
‫الجريمة‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬توثيق حالة األمكنة‪:‬‬

‫‪P 157‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫لتوثيق حالة األمكنة وعمليات البحث بمسرح الجريمة‪ ،‬باإلضافة إلى التوثيق الكتابي‬
‫(أوال) المتمثل في محضرالبحث أو محضرالتنقل والمعاينة‪ ،...‬يتم اللجوء إلى تقنيات التصوير‬
‫الفوتوغرافي‪ 1‬والتصويربواسطة الفيديو والرسم الهندسـي (ثانيا)‪.‬‬

‫‪ -3‬التوثيق الكتابي‪ :‬من القواعد الراسخة في قانون المسطرة الجنائية أن ت َوثق كل‬
‫العمليات التي يباشرها ضباط الشرطة القضائية بإنجاز محاضر‪ 2‬تنطبق عليها عناصر الدقة‬
‫والوضوح من حيث المصطلحات المستعملة فيها وكذلك الموضوعية في المعاينات‪ .‬ويجب أن‬
‫تتضمن هذه املحاضر وصفا تفصيليا ودقيقا لمسرح الجريمة ولآلثار الموجودة فيه‪ ،‬من حيث‬
‫حالتها التي تم كشفها عليها وأماكن العثور عليها بالتحديد‪ .‬بالنسبة لجثة الضحية أو الشخص‬
‫المصاب‪ ،‬يتم وصف حالتهم (الشكل‪ ،‬مجرد من اللباس أو بمالبسه‪ )...‬ومكان تواجدهم‪،‬‬
‫اإلصابات ودرجة خطورتها وأماكن تواجدها ونوعها باإلضافة إلى اآلثارالتـي وجدت عليهم أو التي‬
‫يعثرعليها بالقرب منهم‪.‬‬

‫‪ -5‬التوثيق بالتصوير والرسم المكاني‪ :‬إن التصوير الفوتوغرافي وبالفيديو والرسم‬


‫المكاني آليات تقنية للتوثيق تنقل صورة صادقة عن األحداث‪ 3‬من خالل حالة األمكنة واألشياء‬
‫واألشخاص؛ فهي مجردة من األحاسيس واالنفعاالت وحتى األخطاء واإلغفاالت التـي قد تشوب‬
‫املحاضروالتقاريرالكتابية‪ .‬كما أنها تبقى لمدة طويلة؛ إذ يمكن االستعانة بها في أي وقت‪ 4.‬فهذه‬
‫الوسائل يرجع إليها املحققون والقضاة سواء أثناء البحث والتحقيق أم عند االستماع ألطراف‬
‫القضية أو الشهود‪ .‬كما يمكن عرضها على املحكمة واستغاللها بصفة عامة في كل ما يفيد‬
‫الوصول إلى معطيات جديدة‪.‬‬

‫أ‪ -‬التصويرالجنائي‪:‬‬

‫‪ .1‬أصبح العمل بأخذ الصور الفوتوغرافية شامال لجميع الحوادث الجنائية وغيـر الجنائية؛ ففي الجرائم وحوادث السير‪ ،‬أصبح‬
‫ضباط الشرطة القضائية ملزمين بتضمين محاضرهم الصور الفوتوغرافية التـي تبين حالة األمكنة‪ ،‬حالة الطريق‪ ،‬األشخاص‪...‬‬
‫‪ .2‬أنظر المادة ‪ 52‬من ق‪ .‬م‪ .‬ج‪.‬‬
‫‪3. kaluszynski (martine), « Alphonse Bertillon et l’anthropométrie judiciaire. L’identification au cœur de l’ordre‬‬

‫‪républicain », publié dans « aux origines de la police scientifique: Alphone Bertillon, Précurseur de la science du‬‬
‫‪crime, Paris, Karthala, 2011, p 8.‬‬
‫‪4‬طارق مهدي‪ ،‬م‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.020‬‬

‫‪P 158‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫شكل التصوير الجنائي أو التصوير الخاص بعلم االستدالل الجنائي‪ ،1‬منذ ظهور‬
‫الشرطة التقنية والعلمية‪ ،‬وسيلة مهمة في التحقيق الجنائي والتعرف على املجرمين؛ فالصورة‬
‫أحسن وسيلة لتقديم الدليل المادي‪ .‬وفي مسرح الجريمة‪ ،‬يتكلف بعملية التصوير الجنائي‬
‫عناصر مختصة من الشرطة التقنية والعلمية أو تقنيو التصوير حيث يقومون بالتقاط صور‬
‫تغطي مسرح الجريمة بكامله إلى أدق التفاصيل‪ .‬فالمنظور الفوتوغرافي يجب أن يشمل‬
‫التفاصيل العامة ثم الخاصة‪ .‬وتؤخذ صورمن مختلف الزوايا تلتقط الوضع الخارجي‪ 2‬ومحيط‬
‫مسرح الجريمة ثم موضع ارتكاب الجريمة أو مكان وجود الضحية ووجه الضحية واإلصابات‬
‫التي يوجد عليها والعالمات واآلثارالموجودة بالمكان كآثاراألقدام‪ ،‬العجالت‪ ،‬الدم‪ ،‬البصمات‪.‬‬
‫وتتم عملية تصويراآلثارالمادية مباشرة بعد الكشف عنها وتحديدها برقمها أو بعالمة تشيرإلى‬
‫مكان تواجدها‪ ،‬ذلك أنه من املحتمل أن تتعرض للتغييروالتلف‪.‬‬

‫يتم التصوير الشمولي بمسرح الجريمة بتطبيق مبدأ التصوير الثالثي االتجاه‪ 3‬وذلك‬
‫بتصوير األمكنة في االتجاهات الثالثة المتقابلة مكونة بينها زوايا بحوالي ‪ .°358‬أما التصوير‬
‫الدقيق لآلثار والعالمات المستكشفة‪ ،‬فيتم باستخدام تقنية العدسة المكبرة‪ .‬و يمكن إيجاز‬
‫أنواع عمليات التصويربمسرح الجريمة كما يلي‪:‬‬

‫‪ ‬الصورالفوتوغر افية العامة‪ :‬مسرح الجريمة بكامله و ما به من آثارمادية‪.‬‬

‫‪ ‬الصور الفوتوغر افية المقربة‪ :‬تبيان كل اآلثار التي يتم كشفها ووضعها ومكان‬
‫كل منها و مسافته بالنسبة لآلثاراألخرى و تكون لهذه الصورأهمية كونها تساعد‬
‫على تحديد أصل ومكان كل آثرعثرعليه بمسرح الجريمة‪.‬‬

‫‪ ‬الصور الفوتوغر افية التفصيلية‪ :‬إظهار حجم اآلثار‪ .‬لذلك يجب أخدها مع‬
‫قياس يمكن استخدامه كمرجع‪.‬‬

‫‪1. Les Sciences forensique ou‬‬ ‫‪la criminalistique: est une science distincte de la criminologie. Tandis que la seconde‬‬
‫‪se pratique surtout dans des cabinets d’étude, la première s’exerce en laboratoire. Elle regroupe plusieurs disciplines‬‬
‫‪scientifiques telles que la médecine légale, la toxicologie, la police scientifique et technique et l’anthropologie ; elle‬‬
‫‪étudie par des voies scientifiques les indices et les traces des infractions des crimes .‬‬
‫‪ .0‬في بعض الجرائم‪ ،‬يتم تصوير الجمهور والفضوليين مما يسمح بإمكانية تحديد مالمح بعض األشخاص التي تكون غير‬
‫عادية‪ ،‬فالجاني يمكن أن يكون بينهم‪ ،‬كما أنها تفيد في تحديد هوياتهم عند وقوع اضطراب أو أفعال مجرمة كسرقة مسرح‬
‫الجريمة‪.‬‬
‫‪3. Principe de la Triangulation.‬‬

‫‪P 159‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫ب‪ -‬التصويربالفيديو‪ :‬تدعم الصورالفوتوغر افية الملتقطة من مسرح الجريمة أيضا‬


‫عبر التصوير بالفيديو‪ ،‬حيث يشمل هو اآلخر عناصر مسرح الجريمة من أمكنة وأشخاص‬
‫وأشياء‪ ،‬من خالل أخذ تسجيالت تبين فيها حالة اآلثار المادية المعثور عليها في مسرح الجريمة‬
‫واألماكن التي يرجح أن يكون الجاني أو الجناة قد سلكوها في الولوج والخروج من مسرح‬
‫الجريمة‪.1‬‬

‫ج‪ -‬الرسم التخطيطي‪ :‬هو إخراج بياني لمسرح الجريمة من حيث مكوناته وأجزؤه‬
‫والمنافذ المؤدية إليه‪ ،‬أماكن الدخول والخروج منه‪ ،‬منحنى سيرالمشتبه فيه وموضع الضحية‬
‫والشهود لتحديد إمكانية سماعهم أو رؤيتهم لوقائع الحادث‪ ،‬باإلضافة إلى إظهار مو اقع اآلثار‬
‫المادية به‪ .‬و يرتبط التصميم المكاني أو رسم الكروكي ‪ Croquis‬باألخص باألماكن السكنية‬
‫واملحالت التجارية والصناعية أو طرق المواصالت‪ .‬وفي حاالت استثنائية‪ ،‬عندما يتعلق األمر‬
‫بمساحات شاسعة‪ ،‬فالتصميم المكاني يتكلف به مختص في الرفع الطبوغرافي‪ .‬وتقنية رفع‬
‫الرسم المكاني هي تلك المستعملة في رسم البنايات مع استعمال الرموزالطبوغر افية‪2.‬ويكون‬
‫التصميم المكاني من ناحية الشكل موجها بحسب اإلتجاهات الجغر افية‪ ،‬وعلى سلم متري‬
‫وليس رقمـيا مع اعتماد مقياس مناسب حتى يسهل رسمه على الورقه (مثال ‪ 3‬متر من مسرح‬
‫الجريمة يساوي ‪ 3‬سنتمترعلى الورق)‪ ،‬مع إدراج عنوان ومفتاح فوق أوأسفل الورقة المتضمنة‬
‫له لقراءة الرموز التي يحتويها‪ .‬أما من ناحية المضمون‪ ،‬فيجب أن يكون واضحا وال يتضمن إال‬
‫المعلومات المفيدة للتحقيق‪.‬‬

‫ختاما‪ ،‬لقد حاول هذا المقال أن يسلط الضوء على موضوع ذي أهمية بالغة في‬
‫الميدان الجنائي‪ ،‬أال وهو الدور الذي تضطلع به الشرطة التقنية والعلمية في مادة اإلثبات‬
‫الجنائي؛ فإجراءات البحث والتحري في مسرح الجريمة والتعرف على الجناة بوسائل تقنية‬
‫علمية هي من العمليات التقنية الدقيقة‪ ،‬لذلك يبقى هذا الموضوع المتشعب المشارب يثير‬
‫اهتمام املختصين والباحثين األكاديميين‪ .‬ذلك أن الشرطة التقنية والعلمية كجهاز مختص في‬
‫الدليل العلمي تعتمد على األصول والحقائق العلمية التي لم تكن معروفة في السابق‪ ،‬إذ أن‬
‫األدلة بالوسائل الحديثة بدأت تحتل مركزها المناسب في مجال اإلثبات الجنائي‪ ،‬وذلك بما‬

‫‪1‬طارق مهدي‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.021‬‬


‫‪2. Les signes conventionnels topographiques‬‬

‫‪P 160‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫تمثله من عناصر القوة وبما تتميز به من أصول الثبات واالستقرار والثقة في مصادرها العلمية‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬ال يزال دور الشرطة التقنية والعلمية في اإلثبات الجنائي في حاجة إلى الكثير من عميق‬
‫الدراسة والتحليل والمقاربة‪.‬‬

‫قائمة المراجع‪:‬‬

‫‪ ‬محمود مصطفى‪ ،‬اإلثبات في المواد الجنائية في القانون المقارن‪ ،‬ج ‪ ،3‬ط ‪ ،3‬القاهرة‪،‬‬
‫‪.3000‬‬

‫‪ ‬ضياء علي أحمد نعمان‪ ،‬الغش المعلوماتي الظاهرة والتطبيقات‪ ،‬سلسلة الدراسات‬
‫القانونية في املجال المعلوماتي‪ ،‬العدد األول‪.5833 ،‬‬

‫‪ ‬العلمي عبد الواحد‪ ،‬شرح قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬دارالنشرالنجاح الجديدة‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء‪ ،‬الجزء الثاني في "التحقيق واملحاكمة" دار النشر النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء دار‬
‫النشرالنجاح الجديدة‪ ،‬الدارالبيضاء الطبعة األولى‪.5888 ،‬‬

‫‪ ‬حسين محمود إبراهيم‪ ،‬الوسائل العلمية الحديثة في اإلثبات‪ ،‬دار النهضة العربية‬
‫للنشر‪ ،‬القاهرة‪.3003 ،‬‬

‫‪ ‬عبد الفتاح مراد‪ ،‬شرح التحقيق الجنائي والبحث الفني‪ ،‬دارالكتب والوثائق المصرية‪،‬‬
‫‪.3008‬‬

‫‪ ‬قدري عبد الفتاح الشهاوي‪ ،‬أساليب البحث العلمي الجنائي والتقنية المتقدمة‪،‬‬
‫منشأة المعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪.3000 ،‬‬

‫‪ ‬هشام عبد الحميد فرح‪ ،‬معاينة مسرح الجريمة‪ ،‬دار الفجر للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪.5880‬‬

‫‪ ‬طه أحمد متولي‪ ،‬التحقيق الجنائي وفن استنطاق مسرح الجريمة‪ ،‬منشأة المعارف‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪.5888 ،‬‬

‫‪ ‬رمسيس بهنام‪ ،‬البوليس العلمي أو فن التحقيق‪ ،‬منشأة المعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪.3003 ،‬‬

‫‪P 161‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫‪ ‬سعد أحمد محمود سالمة‪ ،‬مسرح الجريمة‪ ،‬منشأة المعارف اإلسكندرية‪ ،‬الطبعة ‪،3‬‬
‫‪.5880‬‬

‫‪ ‬قدري عبد الفتاح الشهاوي‪ ،‬منباط التحريات "االستدالالت واالستخبارات"‪ ،‬منشأة‬


‫المعارف‪ ،‬االسكندرية‪.5881 ،‬‬

‫‪ ‬بيطام سميرة‪ ،‬حجية الدليل البيولوجي أمام القاض ي الجنائي‪ ،‬مؤسسة الوراق للنشر‪،‬‬
‫الجزائر‪ ،‬الطبعة ‪.5830 ،3‬‬

‫‪ ‬محمد عنب‪ ،‬معاينة مسرح الجريمة‪ ،‬الجزء‪ .‬الثاني‪ ،‬المركز العربي للدراسات األمنية‬
‫والتدريب‪ ،‬الرياض‪ ،‬المملكة العربية السعودية‪.3003 ،‬‬

‫‪ ‬منصور عمر المعايطة‪ ،‬األدلة الجنائية والتحقيق الجنائي لرجال القضاء واإلدعاء‬
‫العام واملحامين و أفراد الضابطة العدلية‪ ،‬دارالثقافة للنشروالتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪.5880 ،‬‬

‫‪ ‬أحمد ضياء الدين محمد خليل‪ ،‬مشروعية الدليل في المواد الجنائية‪ ،‬رسالة دكتوراه‪،‬‬
‫كلية الحقوق‪ ،‬جامعة عين شمس‪ ،‬جمهورية مصرالعربية‪.3005 ،‬‬

‫‪ ‬بهلول مليكة‪ ،‬دور الشرطة العلمية والتقنية على الكشف عن الجريمة‪ ،‬رسالة دكتوراه‬
‫في الحقوق‪ ،‬جامعة الجزائر‪ ،3‬الجزائر‪.5831 ،‬‬

‫‪ ‬ياسراألميرفاروق‪ ،‬مر اقبة األحاديث الخاصة في اإلجراءات الجنائية‪ ،‬رسالة دكتوراه في‬
‫القانون الجنائي‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬جامعة القاهرة‪:.5880 ،‬‬

‫‪ ‬طارق مهدي‪ ،‬إجراءات البحث في مسرح الجريمة‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الماسترفي القانون‬
‫الخاص‪ ،‬ماسترالعلوم الجنائية و األمنية‪ ،‬جامعة القاض ي عياض‪ ،‬مراكش‪ ،‬سنة ‪.5831 -5835‬‬

‫‪ ‬سلماني عالء الدين‪ ،‬دورالشرطة العلمية في إثبات الجريمة‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الماستر‬
‫في الحقوق‪ ،‬جامعة محمد خيضربسكرالجزائر‪.5832-5831 ،‬‬

‫‪ ‬خالدي شهيناز وداد‪ ،‬أثر األدلة الجنائية على االقتناع الشخص ي للقاض ي الجزائري‪،‬‬
‫كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة محمد خيضر‪ ،‬بسكرة‪ ،‬الجزائر‪.5832/ 5831 ،‬‬

‫‪P 162‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫‪ ‬سليم المسعودي‪ ،‬اإلثبات الجنائي بالطرق العلمية الحديثة‪ ،‬بحيث لنيل شهادة‬
‫الماستر‪ ،‬جامعة العربي بن مهيدي‪ ،‬الجزائر‪ ،‬سنة ‪.5830-5832‬‬

‫‪ ‬رحموني صونيه‪ ،‬األدلة العلمية ودورها في مجال إثبات الجريمة‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة‬
‫الماستر في الحقوق شعبة القانون الخاص‪ ،‬جامعة عبد الرحمن ميره‪ ،‬بجاية‪ ،‬الجزائر‪ ،‬س‪.‬ج‬
‫‪.5830-5833‬‬

‫‪ ‬أمل المرشدي‪" ،‬التطور التاريخي ألساليب التحقيق عبر العصور"‪ ،‬مقال منشور بتاريخ‬
‫‪ 5833/80/50‬بالموقع اإللكتروني‪ https ://www.mohamah.net/law،‬تاريخ الولوج‬
‫‪ 5830/80/33‬على الساعة ‪ 51‬و‪ 10‬دقيقة‬

‫‪ ‬الحبيب بيهي‪" ،‬المشروعية في البحث عن األدلة الجنائية"‪ ،‬مقال بتاريخ ‪5830/80/52‬‬


‫منشور بالموقع اإللكتروني‪ .https://www.bibliotdroit.com ،‬تاريخ الولوج ‪ 5830/80/53‬على‬
‫الساعة ‪ 80‬و‪ 38‬دقيقة‪.‬‬

‫‪ ‬البصمة الوراثية‪ ،‬ويكييبيديا‪ ،‬الموسوعة الحرة على الموقع االلكتروني‬


‫‪ ar.m.wikipédia.org.‬تاريخ الدخول ‪ 5830/80/81‬على الساعة السادسة مساء‪.‬‬

‫‪ ‬الموقع اإللكتروني لجامعة نايف العربية للعلوم األمنية‪ ،‬المملكة العربية السعودية‬
‫‪ nauss.edu.sa‬تاريخ الدخول ‪ 5830/80/30‬على الساعة ‪33‬و ‪ 18‬دقيقة‪.‬‬

‫‪‬‬ ‫‪Serge Guinchard-Jacques Buisson, « procédure pénale », lexisNexis,‬‬


‫‪Paris, 10ème édition, 2014.‬‬

‫‪‬‬ ‫‪Charles DIAZ, Police technique et scientifique, Presse‬‬


‫‪Universitaire, France (PUF),2000.‬‬

‫‪‬‬ ‫‪Christian DOUTREMEPUICH, Les empreintes génétiques en‬‬


‫‪pratique, la documentation française, 1998.‬‬

‫‪‬‬ ‫‪Christian JALBY, la police technique et scientifique, P.U.F, 1er‬‬


‫‪édition, 2009.‬‬

‫‪P 163‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

 Anne LERICHE, La criminalistique du mythe à la réalité


quotidienne, éd. Kluwer, 2002.

 Jean claude Martin, Investigations de scène de crime, Presse


polytechniques et Universitaires Rommande, Lausanne, 2004.

 David Owen, crime et scène. Tana, édition 2000.

 Nathalie Dehais, Sherlok Holmes un précurseur des polices


scientifiques et techniques, collection que sais-je ? Paris, 2001.

 Jean-François MORUZZI, profession, Police scientifique, les


compacts d’info, édition Casterman 1998.

 Jean pierre compana, principes de la médecine légale, salgim canal,


2005.

 kaluszynski (martine), « Alphonse Bertillon et l’anthropométrie


judiciaire. L’identification au cœur de l’ordre républicain », publié dans « aux
origines de la police scientifique : Alphone Bertillon, précurseur de la science du
crime, Paris, Karthala, 2011.

 -Revue de la Gendarmerie Royale numéro 56, édition. Avril-juin


2018.

 La chromatographie, article sur le site fr.m. Wikipédia .org.


consulté le 14/08/2019 à 10h15.

 La PCR, réaction de polymérisation en chaîne (Polymérase Chain


Réaction) article publié sur le site www.gris-pedagogie.org, consulté le
31/08/2019 à 22h40.

P 164 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫–‬

‫املسؤولية انجنايية ملالك البناء اآليل‬


‫للسقوط يف ضوء القانون رقم ‪02.35‬‬
‫‪Criminal liability of the owner of the falling masonry‬‬
‫مقدمة ‪:‬‬
‫في ظل زيادة مخالفات البناء بكافة صورها وأهمها عدم مراعاة األصول الفنية في البناء‬
‫والغش في مواد البناء وما يترتب عليه من انهيار العديد من العمارات والمباني وما يسببه هذا‬
‫االنهيارمن خسائرفي األرواح واألموال‪ .267‬باإلضافة الى كثرة ارتكاب جرائم البناء بدون ترخيص‬
‫و انتشار المباني العشوائية‪ .‬فقد تدخل المشرع المغربي وأصدر القانون رقم ‪ 02.35‬المتعلق‬
‫بالمباني اآليلة للسقوط وتنظيم عمليات التجديد الحضري‪ ،268‬لتحديد األدوار المنوطة‬
‫بمشيدي البناء سواء كان مالك البناء أو المقاول أو المهندس المعماري‪ ،‬وكذا مسؤوليتهم‬
‫الجنائية والعقاب في حالة مخالفة االلتزامات المنصوص عليها في القانون المشاراليه‪.‬‬

‫ولما كانت المسؤولية الجنائية تعني االلتزام بتحمل المتهم للنتائج المترتبة على فعله إذا‬
‫تو افرت أركان الجريمة من ركن مادي ومعنوي‪ ،‬وأن موضوع هذا االلتزام هو العقوبة أو التدبير‬
‫الوقائي الذي يقرره القانون للجريمة‪.‬‬

‫‪ 267‬عبد الناصر عبدالعزيز علي السن‪ ،‬المسؤولية الجنائية للقائمين بأعمال البناء – دراسة مقارنة ‪ ،-‬دار الفكر‬
‫والقانون للنشر والتوزيع مصر‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬السنة ‪ ،0200‬ص‪ 01 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪268‬ظهير شريف رقم ‪ 0.01.0.‬صادر في ‪ 02‬من رجب ‪ 02( 0022‬أبريل ‪ )0201‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 20.00‬المتعلق‬
‫بالمباني اآليلة للسقوط وتنظيم عمليات التجديد الحضري‪ ،‬عدد ‪ 2 – 1010‬شعبان ‪ 01( 0022‬ماي ‪ ،)0201‬ص‪:‬‬
‫‪.2220‬‬

‫‪P 165‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫ويرجع التدخل العقابي في مجال البناء وتقرير المسؤولية الجنائية للقائمين بأعمال‬
‫البناء الى عدم كفاية الحماية التي تحققها قواعد المسؤولية المدنية سواء كانت مسؤولية‬
‫عقدية أو مسؤولية تقصيرية أو قواعد خاصة للمسؤولية كالضمان العشري‪.269‬‬

‫ونظرا ألن الصورالتقليدية للتجريم والعقاب في مجموعة القانون الجنائي المغربي مثل‬
‫النصب وخيانة األمانة‪ ،‬والتي من الصعب تو افرأركان كل منهما غيركافي للحد من جرائم البناء‪.‬‬

‫في ضوء ما سبق يتضح أن هذا الموضوع يبين إحدى صورالمسؤولية الجنائية للقائمين‬
‫بأعمال البناء ‪-‬مالك البناء‪ ،‬المهندس المعماري‪ ،‬المقاول‪ -‬سند مشروعية عملهم المنهي الذي‬
‫يحميهم من المسؤولية حال مراعاتهم شروط هذه المسؤولية وذلك انطالقا من أن المسؤولية‬
‫الجنائية للقائمين بأعمال البناء ترتبط بااللتزامات القانونية التي تقض ي بتحميل مشيدي البناء‬
‫الجزاء أو ال عقاب نتيجة إتيانهم أفعاال أو امتناعهم عن إتيانها بشكل يمثل مخالفة لهذه‬
‫االلتزامات ويعد خروجا عن القواعد واألحكام الواردة في مجموعة القانون الجنائي المغربي‬
‫والقانون رقم ‪.02.35‬‬

‫وبالتالي فإن قيام المسؤولية الجنائية لمالك البناء منوط بعدم مراعاته للمقتضيات‬
‫السابقة من عدمه‪.‬‬

‫وإضافة إلى ذلك فقانون التعمير رقم‪ 27008.35‬لم يتعرض لهذا الموضوع بالرغم مما‬
‫تشكله هذه البنايات من خطورة على السالمة والمصلحة العامة‪ ،‬الش يء الذي يشكل ثغرة كبيرة‬
‫في قانون التعمير‪ ،‬لكن ليس هناك مكان مناسب لها أفضل من القانون رقم ‪ 02.35‬والمتعلق‬
‫بالمباني اآليلة للسقوط وتنظيم عملية التجديد الحضري والذي حاول ضبطها وتأطيرها‪.‬‬

‫فهذا القانون أعطى تعريفا لهذه الظاهرة في مادته الثانية‪ ،‬يعتبر‪ " :‬مبنى آيل للسقوط‬
‫هو كل بناية أو منشأة كيفما كان نوعها يمكن النهيارها الكلي أو الجزئي‪ ،‬أن يترتب عنه مساس‬
‫بسالمة شاغليها أو مستغليها أو المارة أو البنايات املجاورة وإن كانت غيرمتصلة بها‪.‬‬

‫‪ 269‬يحقق هذا الضمان حماية المالك مدنيا في حالة انهيار المبنى أو حدوث عيب جسيم في البناء كتشققه خالل‬
‫عشر سنوات من تاريخ التسليم‪ .‬أنظر مقتضيات الفصل ‪ 212‬من ظهير قانون االلتزامات والعقود‪.‬‬
‫‪ 270‬ظهير شريف رقم ‪ 0-20-20‬الصادر في ‪ 00‬من ذي الحجة ‪ 02( 0000‬يونيو ‪ )0220‬بتنفيذ القانون رقم ‪00.22‬‬
‫المتعلق بالتعمير‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 000‬والصادر بتاريخ ‪ 00‬يوليوز ‪ ،0220‬ص ‪...2‬‬

‫‪P 166‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫ويراد به كذلك‪ ،‬كل بناية أو منشأة لم تعد تتوفر فيها ضمانات المتانة الضرورية بسبب‬
‫ظهوراختالالت بأحد مكوناتها األساسية الداخلية أو الخارجية أو بسبب تشييدها على أرض غير‬
‫آمنة من التعرض للمخاطر"‪.‬‬

‫ولمقاربة هذا الموضوع ومالمسة جوانبه التقنية المهمة في مجال المباني اآليلة‬
‫للسقوط‪ ،‬ارتأينا طرح التساؤالت التالية‪:‬‬

‫‪ ‬أين تتجلى مسؤولية مالك المباني اآليلة للسقوط؟‬

‫‪ ‬وماهي العقوبات الجنائية المترتبة على إخالله بتلك التزامات؟‬

‫وسيرا منا لإللمام بتفاصيل األسئلة المطروحة‪ ،‬ومحاولة إعطاء جواب عنها سنعمد إلى‬
‫تبني التصميم المبين بعده‪ :‬المطلب األول‪ :‬االلتزامات المترتبة على مالك البناء اآليلة للسقوط‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬العقوبات الجنائية المترتبة على اإلخالل بالتزامات مالك البناء اآليل للسقوط‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬االلتزامات المترتبة على مالك البناء اآليلة للسقوط‬

‫فبقراءة القانون رقم ‪ 02.35‬نجده جاء بمجموعة من التوضيحات لمعالجة االختالالت‬


‫التي أفرزها المشهد الحضري وتنامي ظاهرة السكن اآليل للسقوط سواء داخل األنسجة‬
‫الحضرية العتيقة أو خارجها في ظل اختالل المنظومة القانونية وتعدد المتدخلين وتشتت‬
‫المسؤوليات‪.‬‬

‫ومن خالل هذا القانون فإن المشرع المغربي ألزم مالك المبنى اآليل للسقوط‬
‫بمجموعة من االلتزامات والتي سنتطرق إليها بالتفصيل في الفقرتين التاليتين‪ :‬الفقرة األولى‪:‬‬
‫االلتزامات في المسطرة العادية‪ .‬الفقرة الثانية‪ :‬االلتزامات في المسطرة االستعجالية‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬االلتزامات في المسطرة العادية‬

‫فبدخول القانون رقم ‪ 02.35‬المتعلق بالمباني اآليلة للسقوط حيزالتنفيذ‪ ،‬فقد أجاب‬
‫عن كل هاته اإلشكاالت القانونية فهو ينص بصريح العبارة في الفصل األول من بابه الثاني في‬
‫مادته الثالثة على تحديد المسؤولية بشكل واضح لمالك المباني اآليلة للسقوط حيث جاء فيها‬
‫"تقع مسؤولية صيانة المباني على مالكها سواء كانوا أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين‪ ،‬عموميين أو‬
‫خواص‪ ،‬كما يسألون عن الضرر الذي يحدثه انهيارها أو تهدمها الجزئي‪ ،‬إذا وقع ذلك بسبب‬

‫‪P 167‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫عيب في البناء أو عدم الصيانة أو التالش ي‪ ،‬مع مراعاة مقتضيات الفصل ‪ 030‬من الظهير‬
‫الشريف الصادرفي ‪ 80‬رمضان ‪ 35( 3113‬أغسطس ‪ )3031‬بمثابة قانون االلتزامات والعقود‪.‬‬

‫ولقد نص في هذا الفصل المشار إليه أعاله على أن" المهندس المعماري أو المهندس‬
‫والمقاول المكلفان مباشرة من رب العمل يتحمالن المسؤولية إذا حدث خالل العشر سنوات‬
‫التالية إلتمام البناء أو غيره من األعمال التي نفذاها أو أشرفا على تنفيذها إن انهارالبناء كليا أو‬
‫جزئيا‪ ،‬أو هدده خطر واضح باالنهيار بسبب نقص المواد أو عيب في طريقة البناء أو عيب في‬
‫األرض‪.‬‬

‫المهندس المعماري الذي أجرى تصميم البناء ولم يشرف على تنفيذ عملياته‪ ،‬ال يضمن‬
‫إال عيوب تصميمه‪.‬‬

‫تبدأ مدة العشرسنوات من يوم تسلم المصنوع‪ .‬ويلزم رفع الدعوى خالل الثالثين يوما‬
‫التالية ليوم ظهورالو اقعة الموجبة للضمان‪ ،‬وإال كانت غيرمقبولة‪".‬‬

‫ومن خالل ما ذكر‪ ،‬فإن مالك األبنية اآليلة للسقوط ملزم بصيانتها وترميمها سواء كان‬
‫هذا المالك شخصا طبيعيا أو اعتباريا كالمؤسسات العمومية والشركات الخاصة‪.‬‬

‫و أيضا يساءلون عن األضرار التي يحدثها العاملون الذين يكونون تحت رقابتهم‬
‫المباشرة أثناء قيامهم بأعمال الصيانة والترميم‪.‬‬

‫وفقا للقواعد العامة فإن المالك مسؤولين بالقيام بالترميمات الضرورية للمبنى‪" ،‬فإذا‬
‫أهمل في صيانته حتى سقط على من فيه‪ ،‬فال ينفى مسؤوليته عن ذلك بأن يكون الخلل راجعا‬
‫إلى عيب في الطابق األرض ي غير المملوك له‪ ،‬لكن كان يتعين عليه حين أعلن بوجود خلل في‬
‫ملكه‪ ،‬أن يعمل على إبعاد الخطرعمن كانوا يقيمون فيه‪ ،‬سواء بإصالحه أو بتكليفهم باإلخالء‪،‬‬
‫ومادام هو لم يفعل فإن الحادث يكون قد وقع نتيجة عدم احتياطه وتلزمه تبعته‪.271‬‬

‫كما قضت محكمة النقض المصرية بأن "من المقرر أن المالك مطالب بتعهد ملكه‬
‫وموالته بأعمال الصيانة والترميم فإذا هو قصر في ذلك كان مسئوال عن الضرر الذي يصيب‬
‫الغير عن هذا التقصير‪ ،‬وهو ما لم يخطئ الحكم في تقديره‪ ،‬بما أثبته في حق الطاعن من أنه‬

‫‪ 271‬طعن جنائي رقم ‪ 1.‬لسنة ‪ 00‬ق جلسة ‪ 02‬فبراير سنة ‪ ،0200‬مجموعة القواعد القانونية جنائية المصرية‪،‬‬
‫رقم ‪ 022‬ص‪.002‬‬

‫‪P 168‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫أهمل في التزامه بمداومة منزله القديم من وقت آلخر مع حاجته إلى التنكيس الشامل وقت‬
‫الحادث‪ ،‬ومن أنه ال يدرأ عنه التزامه هذا سبق قيامه بإجراء تنكيس من قبل"‪272.‬‬

‫فحالة المبنى السيئة ال تخلي المالك من كل المسؤولية‪ ،‬إذا نسب إليه خطأ معين‪،‬‬
‫حيث يتحقق الخطأ المشترك في هذه الحالة وتطبيقا لذلك قض ى بأن "عدم إذعان املجني عليهم‬
‫لطلب اإلخالء الموجه إليهم أو تراخي باقی مالك العقار في إجراء الترميم‪ ،‬ال ينفي عن الطاعن‬
‫الخطأ المستوجب المسؤولية‪ ،‬إذ يصح في القانون أن يكون الخطأ الذي أدى إلى وقوع الحادث‬
‫مشتركا بين المتهم وغيره‪ ،‬فال ينفي خطأ أحدهما مسؤولية اآلخر"‪.273‬‬

‫إن دوررئيس املجلس الجماعي في ظل معالجة المباني اآليلة للسقوط في الحاالت العادية‬
‫يستوجب عليه أن يخبربواسطة قرار‪ ،‬مالك المبنى أومستغليه أوشاغليه أووكيل اتحاد المالك‬
‫المشتركين بذلك وبكل وسائل التبليغ القانونية‪ 274‬يعلن فيه أن المبنى مهدد بالسقوط ويحدد‬
‫اسم العمليات التي يتوجب عليه القيام بها لدرء الخطر وذلك داخل أجل محدد‪ ،‬غير أن قرار‬
‫رئيس مجلس الجماعة ال يكون نهائيا‪ ،‬حيث يكون بإمكان الشخص المعني باألمر أن يقدم‬
‫فحصا يعده مهندس مختص‪ ،‬وفي هذه الحالة يبقى لرئيس املجلس الجماعي اإلبقاء على قراره‬
‫أو تغييره بقرارمعلل‪.275‬‬

‫فاذا لم يقبل رئيس مجلس الجماعة تغيير قراره يمكن للمالك الطعن في قرار رئيس‬
‫مجلس الجماعة أمام رئيس املحكمة اإلدارية التي يوجد بدائرتها المبنى بصفته قاضيا لألمور‬
‫المستعجلة‪ ،‬داخل أجل عشرة أيام ويبت في الطلب داخل األجل ثالثة أيام‪.276‬‬

‫وعندما تنتهي األشغال المتعلقة بتدعيم أو صيانة أو ترميم مبنى آيل للسقوط أو إعادة‬
‫بنائه يتحقق رئيس مجلس الجماعة من إنجاز األشغال المطلوبة و انتهائها بناء على شهادات‬
‫المهندس المعماري وفقا للمادة ‪ 00‬من القانون رقم ‪ 08.35‬المتعلق بالتعميرويتخذ قراره بإنهاء‬
‫حالة الخطر‪ ،‬ويمكن لألشخاص المعنيين إعادة استغاللها في ما كانت مخصصة له سابقا‪.‬‬

‫‪ 272‬نقض ‪ 02‬أبريل لسنة ‪ 0222‬مجموعة أحكام النقض المصرية‪ ،‬س‪ 0.‬رقم ‪ 22‬ص ‪.021‬‬
‫‪ 273‬نقض ‪ 00‬مايو سنة ‪ ،0212‬مجموعة أحكام النقض المصرية‪ ،‬س‪ 02‬رقم ‪ 002‬ص ‪.121‬‬
‫‪ 274‬المادة ‪ 2‬من القانون رقم ‪ ،20.00‬المتعلق بالمباني اآليلة للسقوط وتنظيم عمليات التجديد الحضري‪.‬‬
‫‪ 275‬المادة ‪ 00‬من القانون رقم ‪ ،20.00‬المتعلق بالمباني اآليلة للسقوط وتنظيم عمليات التجديد الحضري‪.‬‬
‫‪ 276‬المادة ‪ 00‬من القانون رقم ‪ 20.00‬المتعلق بالمباني اآليلة للسقوط وتنظيم عمليات التجديد الحضري‪.‬‬

‫‪P 169‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫من خالل هذه المادة تتضح بصورة واضحة المسؤولية التي يتحملها مالك المباني عن‬
‫مبانيهم لذلك يستوجب على المالك أو المستغل أن يقوم بالتدابير الضرورية واالستعجالية‬
‫لدفع الخطر في هذا الشأن كما يتعين عليه أن يقوم بتجديدها وصيانة تلك المباني وإعادة‬
‫تأهيلها بما يضمن متانتها وكذا سالمة الجوار‪.‬‬

‫والمشرع المغربي حين خاطب مالك المباني أو المستغلين لها لم ينس ى وضعية المباني‬
‫في حالة وجود مكتري للمبنى اآليل للسقوط والذي يستوجب الهدم بناء على طلب من طرف‬
‫رئيس املجلس الجماعي‪ ،‬حيث أتاح لمالك المبنى أن يطلب من املحكمة االبتدائية الموجود في‬
‫نفوذها الترابي المبنى المذكور فسخ عقد الكراء و إفراغ المكتري أو من يقوم مقامه بدون‬
‫تعويض‪.‬‬

‫ولقد أعطى للمكتري حق الرجوع إلى المبنى بعد إصالحه أو ترميمه أو إعادة بنائه‪.277‬‬

‫وقد جعل على عاتق كل مكتري أو شاغل أو مستغل لمبنى آيل للسقوط أن يشعر مالك‬
‫المبنى أو رئيس املجلس الجماعي والسلطات املحلية‪ ،‬بكل وسائل التبليغ المعتمدة قانونا‬
‫بالخطرالذي يهدد المبنى‪.278‬‬

‫وإذا كان القانون حمل المسؤولية لمالك المبنى فإنه لم يغفل الحالة التي يكون فيها‬
‫المبنى خاضعا للملكية المشتركة‪ ،‬حيث حمل المسؤولية هنا التحاد المالك المشتركين‪.279‬‬

‫وحدد المبلغ التحصيلي في الحالة التي يتمتع فيها اتحاد المالك المشتركين في تنفيذ‬
‫األشغال حسب الحصة التي يملكها كل مالك مشترك‪.280‬‬

‫‪ .1‬الفقرة الثانية‪ :‬االلتزامات في المسطرة االستعجالية‬

‫يتوقف انعقاد إختصاص القضاء االستعجالي على توفر شرطين وهما‪ :‬عنصر‬
‫االستعجال‪ ،‬وعدم المساس بالجوهر حسب ما ينص عليه الفصلين ‪ 320‬و‪ 305‬من قانون‬

‫‪ 277‬المادة ‪ 0‬من القانون رقم ‪ 20.00‬المتعلق بالمباني اآليلة للسقوط وتنظيم عمليات التجديد الحضري‪.‬‬
‫‪ 278‬المادة ‪ 0‬من القانون رقم ‪ 20.00‬المتعلق بالمباني اآليلة للسقوط وتنظيم عمليات التجديد الحضري‪.‬‬
‫‪ 279‬المادة ‪ 02‬من القانون رقم ‪ 20.00‬المتعلق بالمباني اآليلة للسقوط وتنظيم عمليات التجديد الحضري‪.‬‬
‫‪ 280‬المادة ‪ 00‬من القانون رقم ‪ 20.00‬المتعلق بالمباني اآليلة للسقوط وتنظيم عمليات التجديد الحضري‪.‬‬

‫‪P 170‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫المسطرة المدنية‪ ،‬لذلك تأتي التدابير المتخذة في هذا اإلطار ذات طابع وقتي تنقض ي بصدور‬
‫حكم بات في الموضوع‪.‬‬

‫والمقصود باالستعجال الحالة التي يكون فيها الحق معرضا للخطر املحقق‪ ،‬بحيث‬
‫يكون كل تأخيرفي اتخاذ إجراء وقائي عاجل يعرضه لخطريصعب تداركه بعد ذلك‪.‬‬

‫فهو إذن الضرورة الملحة لوضع حل مؤقت للنزاع دون أن يتغير المركز القانوني‬
‫للخصوم‪ ،‬لرغبة المتقاضين في البت في قضاياهم بالسرعة التي يرغبون فيها والحصول على‬
‫حكم سريع؛ أما عدم المساس بأصل الحق فالمقصود به أن قاض ي المستعجالت يخرج عن‬
‫اختصاصه النظر في السبب القانوني الذي يحدد حقوق والتزامات األطراف‪ ،‬كما يخرج عن‬
‫ا ختصاصه تقييم الحجج والوثائق المقدمة إليه من حيث الصحة والبطالن‪ ،‬وكذا اتخاذ‬
‫إجراءات التحقيق الهادفة إلى إثبات حق أحد األطراف‪ .‬وإذا تبين له أن طلبات المدعي ترمي إلى‬
‫المساس بالموضوع أصدر أمره بعدم االختصاص ال برفض الطلب‪ ،‬ألن الرفض يقتض ي عدم‬
‫أحقية المدعي في دعواه‪ ،‬وهو األمر الذي ال يستنتج إال من خالل دراسة وفحص المستندات‬
‫ي المستعجالت‪281.‬‬ ‫والحجج‪ ،‬وهو ما ال يستوعبه اختصاص قاض‬

‫عند وجود خطرحال يهدد سالمة شاغلي مبنى آيل للسقوط أو المارة أو المباني املجاورة‬
‫له طبقا للتعريف المشار إليه في المادة الثانية من هذا القانون‪ ،‬يأمر رئيس مجلس الجماعة‪،‬‬
‫بعد توصله بتقرير من اللجنة اإلقليمية المشار إليها في المادة ‪ 50‬بعده‪ 282‬أو من المر اقبين‬
‫المنصوص عليهم في المادة ‪ 20‬بعده‪ ،‬باتخاذ اإلجراءات االستعجالية الالزمة لدرء الخطر وال‬
‫سيما‪:‬‬

‫إعالم وتحسيس المالكين والقاطنين والمارة حول املخاطر املحتملة المتعلقة بالمباني‬
‫اآليلة للسقوط‪ ،‬املجاورة أو املحاذية لهم‪ ،‬وذلك باستعمال كل وسائل التشوير ولوحات‬
‫اإلعالنات وكل وسيلة أخرى من شأنها أن تساعد على درء الخطرعنهم؛‬

‫تدعيم المبنى؛‬ ‫‪-‬‬

‫‪ 281‬عبد الحميد أخريف‪ :‬محاضرات في القانون القضائي الخاص "دراسة في ضوء قانون القضاء المدني والتجاري‬
‫لتيهيء االجازة في القانون الخاص ومباريات التأهيل المهنية‪ ،‬طبعة ‪ 2002‬ص ‪ 91‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ 282‬محمد بهضوض‪ :‬تحديات المدينة في المغرب سال نموذجا‪ ،‬منشورات دار األمان‪ ،‬الرباط ‪ ،0200‬ص‪.020:‬‬

‫‪P 171‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫إخالء ساكني أو مستعملي المبنى أو المنشأة؛‬ ‫‪-‬‬


‫المنع المؤقت من استعمال المبنى أو المنشأة؛‬ ‫‪-‬‬
‫المنع النهائي من استعمال المبنى أو المنشأة؛‬ ‫‪-‬‬
‫المنع الجزئي أو الكلي من استعمال المبنى أو المنشأة؛‬ ‫‪-‬‬
‫الهدم الكلي أو الجزئي للمبنى أو المنشأة‪.283‬‬ ‫‪-‬‬
‫وحسب المادة ‪ 9‬من نفس القانون يبلغ رئيس املجلس القرار المتخذ في هذا اإلطار إلى‬
‫كل من‪:‬‬

‫مالك المبنى؛‬ ‫‪-‬‬


‫مستغلي المبنى؛‬ ‫‪-‬‬
‫شاغلي المبنى؛‬ ‫‪-‬‬
‫وكيل اتحاد المالك المشتركين إذا كان األمر يتعلق ببناية خاضعة لنظام الملكية‬ ‫‪-‬‬
‫المشتركة‪.‬‬

‫ونالحظ في هذا اإلطار أن المشرع قد استعمل عبارة" أو" التي تفيد التخيير‪ ،‬غير أنه في‬
‫تقدرينا المتواضع فالتبليغ يجب أن يراعى فيه الترتيب المذكور أعاله في الحاالت الثالث األولى‪،‬‬
‫حيث يجب مخاطبة المالك بالدرجة األولى‪ ،‬وفي حالة تعذر ذلك لسبب من األسباب‪ ،‬يمكن‬
‫تبليغ الشخص الذي يشغل المبنى أو يستغله بأي وجه من أوجه االستغالل ‪.‬وفي حالة البنايات‬
‫الخاضعة لنظام الملكية المشتركة فالتبليغ بطبيعة الحال يتم لوكيل اتحاد المالكين‪ ،‬غير أنه‬

‫‪ 283‬المادة ‪ 02‬من القانون رقم ‪ 20.00‬المتعلق بالمباني اآليلة للسقوط وتنظيم عمليات التجديد الحضري‪.‬‬

‫‪P 172‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫إذا تعذر ذلك بسبب عدم تواجد هذا الوكيل مثال‪ ،‬فيمكن التبليغ للمالكين فرادى أو‬
‫المستغلين‪.284‬‬

‫وبالتالي فإنه من الالزم على مالك المبنى اآليل للسقوط أن يقوم بانضباط لإلجراءات‬
‫التي يقوم بها رئيس املجلس الجماعي في حالة االستعجال من أجل الحفاظ على سالمته وسالمة‬
‫مستغليه‪.‬‬

‫بحيث ال يجوز أن يكون القرار المشار إليه في المادة ‪ 30‬أعاله‪ ،‬محل أي طعن يمكن أن‬
‫يترتب عنه وقف تنفيذ مقتضيات هذا القرار‪ ،‬حسب ما تنص عليه المادة ‪ 30‬من القانون رقم‬
‫‪.02.35‬‬

‫وهذا النهج ينسجم مع مقتضيات القانون الفرنس ي الذي يجيز لرئيس البلدية التدخل‬
‫في حالة االستعجال للقيام بإصالح أو هدم األبنية اآليلة للسقوط التي تشكل خطرا على سالمة‬
‫المواطنين في إطارممارسته للشرطة اإلدارية العامة‪.285‬‬

‫أما إذا تعذرعلى شاغلي المبنى اآليل للسقوط موضوع األمرباإلخالء أو عدم االستعمال‬
‫المؤقت أو النهائي لهذا المبنى‪ ،‬ولوج سكن الئق اعتمادا على إمكانيتهم الذاتية‪ ،‬تتخذ السلطة‬
‫اإلدارية املحلية املختصة اإلجراءات الضرورية إليوائهم مؤقتا بتنسيق مع الوكالة الوطنية‬
‫للتجديد الحضري وتأهيل المباني اآليلة للسقوط‪.‬‬
‫يراعى في عملية اإليواء الشروط الصحية والبيئية الضرورية‪286.‬‬

‫ومن خالل هذا المقتض ى يتضح لنا أن القانون رقم ‪ 02.35‬قد أحاط مستغلي ومالكي‬
‫المباني اآليلة للسقوط في حالة االستعجال بضمانات قانونية مؤقتة للحصول على سكن الئق‬
‫يأويهم ريثما يتم بناء أو تجديد المبنى اآليل للسقوط وذلك تماشيا مع ما ينص عليه الدستور‬
‫المغربي في الفصل ‪ 13‬منه على أنه‪" :‬تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية‪،‬‬

‫‪ 284‬سعيد الوردي‪ :‬معالجة المباني اآليلة للسقوط دراسة في ضوء أحكام القانون رقم ‪ 20/00‬المتعلق بالمباني‬
‫اآليلة للسقوط وتنظيم عمليات التجديد الحضري‪ ،‬الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم‪ ،0.-01-0‬بتاريخ ‪02‬‬
‫من رجب ‪ 02 ( 0022‬أبريل ‪ ،(0201‬ص‪.02 :‬‬
‫‪285 L 2212 – 2 Code General des collectivité territorials‬‬

‫‪ 286‬المادة ‪ 02‬من القانون رقم ‪ 20.00‬المتعلق بالمباني اآليلة للسقوط وتنظيم عمليات التجديد الحضري‪.‬‬

‫‪P 173‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫على تعبئة كل الوسائل المتاحة‪ ،‬لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين‪ ،‬على قدم‬
‫المساواة‪ ،‬من الحق في‪ ...:‬السكن الالئق‪"...‬‬

‫ولإلشارة فإن القانون الفرنس ي قد جعل مسألة إيواء قاطني المباني اآليلة للسقوط‬
‫على عاتق المالكين‪ ،‬وفي حالة تعذر ذلك فلرئيس البلدية أن يتخذ اإلجراءات الضرورية إليوائهم‬
‫أو إعادة إسكانهم‪ ،‬على أن يعود على المالكين السترجاع مصاريف هذا االيواء‪ .‬وفي حالة عوزهم‬
‫يتم اللجوء لمسطرة استخالص الديون العمومية‪287.‬‬

‫وفي حالة إذا ما تقرر إخالء المبنى مؤقتا من شاغليه يحرر محضر إداري بأسماء‬
‫الشاغلين الفعليين دون سواهم ويقوم رئيس املجلس الجماعي بإخطارهم باإلخالء في المدة التي‬
‫يحددها‪ ،‬فإذا لم يتم اإلخالء بعد انقضائها جازتنفيذه بالطريق اإلداري‪.‬‬

‫ولشاغلي البناء الحق في العودة إلى العين بعد ترميمها أو تدعيمها فور صدور شهادة‬
‫إتمام تنفيذ أعمال الترميم أو التدعيم أو الهدم الجزئي ‪-‬بحسب األحوال۔ دون الحاجة إلى‬
‫مو افقة المالك ويتم ذلك بالطريق اإلداري في حالة امتناع المالك‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬العقوبات الجنائية المترتبة على اإلخالل بالتزامات مالك البناء اآليل‬
‫للسقوط‬

‫يعرف النسيج الحضري بالمدينة القديمة تالحما وتماسكا بين المباني‪ ،‬هذا التالحم‬
‫والترابط يمكن الدورمن االحتفاظ بمتانتها وتماسكها وصالبتها‪ ،‬الش يء الذي جعلها تعمرلوقت‬
‫طويل‪ .‬لكن هذا الترابط الذي كان يطبع املجال في السابق‪ ،‬تعرض للخلل نتيجة ظهور العديد‬
‫من التحوالت‪ ،‬ونظرا لهجرة السكان األصليين والميسورين وتعويضهم بأسر قروية من الفئات‬
‫الضعيفة الدخل‪ ،‬التي ر افقها استغالل مكثف للمنازل وملختلف مر افقها‪ ،‬مما جعل اإلطار‬
‫المبني للمدينة القديمة يتخبط في العديدة من االختالالت التي أثرت سلبا على صيرورته‪.288‬‬

‫‪287 Article L.521-1 et suivants du Code de la construction et de l’habitation.‬‬

‫‪ 288‬فاطمة الزهراء بوجدي وغزالن الصنهاجي واليزيد علمي حمدوني‪" :‬المدن العتيقة بالمغرب‪ ،‬أية استراتيجية‬
‫للتأهيل؟ نموذج المدينة العتيقة لفاس"‪ ،‬منشورات الملتقى الثقافي لمدينة صفرو‪ ،‬الدورة السادسة والعشرون‪،‬‬
‫‪ 00-02‬مارس ‪ ،0200‬فاس‪ ،‬ص‪.002 :‬‬

‫‪P 174‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫فالمباني التي تكون معرضة لخطر االنهيار‪ ،‬قد تمس بسالمة الساكنة والجوار‪ ،‬األمر‬
‫الذي يستدعي اتخاذ اإلجراءات والتدابيرالالزمة‪ ،‬من أجل درء ذلك الخطروضمان أمن وسالمة‬
‫الساكنة‪ ،‬وبالتالي تمكينهم من عيش كريم مع حماية أرواحهم‪ .‬كما أن إعادة تأهيل المدن‬
‫بالمدينة العتيقة بكيفية وازنة وفاعلة يضمن استمراريتها ويحافظ على مواردها االقتصادية‬
‫والسياحية‪ ،‬كمدخل للتنمية المستدامة والقضاء على مواطن الضعف والقصور التي تعرقل‬
‫التنمية الشاملة‪.‬‬

‫وبصدورالقانون رقم ‪ 02.35‬المتعلق بالمباني اآليلة للسقوط وتنظيم عمليات التجديد‬


‫الحضري‪ ،‬ولكي تتحقق مالمح القانون الجديد كان البد من تجريم امتناع المالك والمستغلين‬
‫أو وكيل اتحاد المالك للمنشآت اآليلة للسقوط من الترميم والصيانة عن تنفيذ قرار رئيس‬
‫مجلس الجماعة‪ ،‬وسوف نعرض لهذه الجريمة من خالل النقاط اآلتية‪:‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬دوررئيس مجلس الجماعة في المباني اآليلة للسقوط‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬أركان الجريمة والعقوبات المقررة لمالك البناء اآليل للسقوط‬

‫‪ .2‬الفقرة األولى‪ :‬دوررئيس مجلس الجماعة في المباني اآليلة للسقوط‬

‫يتميز التدخل في المباني اآليلة للسقوط بتنوع الفاعلين المعنيين بهذا النوع من‬
‫العمليات‪ ،‬نذكر من بينهم على الخصوص‪:‬‬

‫عامل العمالة أو اإلقليم؛‬ ‫‪-‬‬


‫املجلس الجماعي وبشكل خاص رئيسه الذي يمارس إختصاصات الشرطة اإلدارية؛‬ ‫‪-‬‬
‫المكتب الصحي الجماعي‪289.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وقد عرض القانون رقم ‪ 94.12‬المتعلق بالمباني اآليلة للسقوط وتنظيم عمليات‬
‫التجديد الحضري إحداث لجنة إقليمية ومر اقبي المباني اآليلة للسقوط التي من خاللها يتخذ‬

‫‪ 289‬كمال غفتاني‪ "،‬دليل الممارسة الجيدة‪ ،‬التدخل في البنايات اآليلة للسقوط داخل المدن العتيقة‪ ،‬المديرية‬
‫العامة للجماعات املحلية‪ ،‬السنة ‪ ،0201‬ص‪.02:‬‬

‫‪P 175‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫رئي س مجلس الجماعة القرار إما بإصالح المبنى وترميمه أو هدمه جزئيا أو كليا وذلك من أجل‬
‫الحفاظ على السكينة والصحة العامة‪.‬‬

‫قراررئيس مجلس الجماعة‪:‬‬

‫فالقرار الذي يتخذه رئيس املجلس الجماعي في هذا الصدد يجب أن يتضمن ما يلي‪:‬‬

‫يعلن أن المبنى آيل للسقوط؛‬ ‫‪-‬‬


‫يحدد بدقة العمليات الواجب القيام بها؛‬ ‫‪-‬‬
‫يحدد الشخص أو األشخاص الملزمين بتنفيذ محتويات القرار؛‬ ‫‪-‬‬
‫يحدد المدة الزمنية التي يجب خاللها تنفيذ األشغال المأمور بها‪290.‬‬ ‫‪-‬‬
‫كما ألزم القانون المالك والمستغلين أو اتحاد المالك بتنفيذ قرار رئيس مجلس‬
‫الجماعة وفي حالة امتناعه تقوم الجهة اإلدارية بتنفيذه عن طريق الوكالة الوطنية للتجديد‬
‫الحضري وتأهيل المباني اآليلة للسقوط على نفقة المالك‪.‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى حرص المشرع في المادة ‪ 58‬من القانون رقم ‪ 02.35‬بالنص على أنه‬
‫"وفي جميع األحوال يعتبرالقرارنافذا بمرورأجل شهرمن تاريخ اتخاذ إجراءات التبليغ‪ ،‬وفي هذه‬
‫الحالة‪ ،‬يجوزلإلدارة أو الوكالة مباشرة تنفيذه على نفقة المالك"‪.‬‬

‫أي أن صدورالقراراإلداري النهائي بإجراء أعمال معينة ال يغني عن إتباع‬

‫األحكام الخاصة بالقانون رقم ‪ 02.35‬ومرسومه التطبيقي الصادر بتاريخ ‪38‬‬


‫أكتوبر‪ ،2915830‬والمثال على ذلك اآلتي ‪:‬‬

‫‪ 290‬سعيد الوردي‪ "،‬معالجة المباني اآليلة للسقوط"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.02‬‬
‫‪ 291‬مرسوم رقم ‪ 0.02.0.1‬صادر في ‪ 02‬من محرم ‪ 02( 0022‬أكتوبر ‪ ،)0202‬بتطبيق القانون رقم ‪ 20.00‬المتعلق‬
‫بالمباني اآليلة للسقوط وتنظيم عمليات التجديد الحضري‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪– 110.‬بتاريخ ‪ 02‬صفر‬
‫‪ 0( 0022‬نوفمبر ‪ ،)0202‬ص‪.12.2 :‬‬

‫‪P 176‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫‪3‬ـ أن يلتزم المالك أو الشاغلين عند تنفيذ قراررئيس مجلس الجماعة النهائي باستخراج‬
‫ترخيص ألعمال التدعيم والترميم طبقا لما هو منصوص عليه في المادة ‪ 28‬من القانون رقم‬
‫‪ 35.08‬المتعلق بالتعمير‪.‬‬

‫‪5‬ـ ضرورة وضع الفتة في مكان ظاهر من موقع البناء عند البدء في الترميم أو التدعيم‬
‫بالبيانات والمواصفات التي تحدده الالئحة التنفيذية‪.‬‬

‫‪1‬ـ أن يعهد المالك أو وكيل اتحاد المالك إلى مهندس أو مكتب هندس ي بإعداد‬
‫الرسومات والمستندات الالزمة لتنفيذ قرار رئيس مجلس الجماعة النهائي الصادر بالتدعيم أو‬
‫الترميم واستخراج الترخيص الالزم لذلك‪.‬‬

‫‪2‬ـ التزام المهندس المشرف على التنفيذ والمقاول باتخاذ اإلجراءات واالحتياطات‬
‫الالزمة والضرورية‪.‬‬

‫وكل هذا بعد أن تعد اللجنة اإلقليمية أو المر اقبين المعهود إليهم هذه المهمة تقريرا‬
‫كتابيا يقدم إلى رئيس مجلس الجماعة ليصدر قراره في هذا الشأن ويعد هذا التقرير وفق ما‬
‫نصت عليه المادة ‪ 18‬من القانون رقم ‪ ،02.35‬الذي يجب أن يتضمن التقريرما يأتي ‪:‬‬

‫"إعداد تقارير حول وضعية المباني اآليلة للسقوط وتحديد التدابير الخاصة بمر اقبة‬
‫استقرارومتانة المباني وطبيعة األشغال التي ينبغي القيام بها حسب الحالة؛"ومنه وجب‪:‬‬

‫‪ 3‬ـ تحديد وصف األجزاء المعيبة بالمبنى وما يقرره رئيس مجلس الجماعة للمحافظة‬
‫على المبنى وشاغليه سواء بالصيانة أو الترميم أو التدعيم لجعل المبنى صالحا للغرض‬
‫املخصص من أجله أو بالهدم الجزئي أو الكلي‪292.‬‬

‫‪ 5‬ـ تحديد المدة الالزمة لتنفيذ األعمال التي قررها رئيس مجلس الجماعة‪.‬‬

‫‪ 1‬ـ بيان ما إذا كانت األعمال التي قررها رئيس مجلس الجماعة تستوجب إخالء المبنى‬
‫كليا أو جزئيا ومدة اإلخالء‪.‬‬

‫‪ 292‬سعيد الوردي‪ "،‬معالجة المباني اآليلة للسقوط"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.02‬‬

‫‪P 177‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫ويالحظ أن التقرير المذكور ال يعد قرار واجب النفاذ أو قابال للطعن‪ ،‬بل يعد عمال‬
‫تحضيريا لعرض األمرعلى الجهة اإلدارية املختصة التي تصدرقرارها في هذا الشأن‪.‬‬

‫‪ .0‬الفقرة الثانية‪ :‬أركان تحقق المسؤولية الجنائية لمالك البناء اآليل للسقوط‬

‫تقوم هذه الجريمة على ركنين‪ :‬مادي ومعنوي وسنعرض لكل منها باإليضاح الالزم‪.‬‬

‫أوال‪ :‬الركن المادي‬

‫يتمثل الركن المادي في امتناع المالك أو الشاغلين أو وكيل اتحاد المالك في المنشآت‬
‫اآليلة للسقوط‪ ،‬من الترميم والصيانة المتخذ من طرف قرار رئيس مجلس الجماعة النهائي‬
‫وبالتالي فإن هذا الركن يتكون من ثالثة عناصروهي‪:‬‬

‫‪ :3‬صدورقرارنهائي لرئيس مجلس الجماعة‬

‫يجب أن يصدر قرار نهائي لرئيس مجلس الجماعة حتى يكون واجب النفاذ‪ ،‬بحيث "ال‬
‫يجوز أن يكون القرار المشار إليه في المادة ‪ 30‬أعاله‪ ،‬محل أي طعن يمكن أن يترتب عنه وقف‬
‫تنفيذ مقتضيات هذا القرار‪293".‬‬

‫ومفاد ذلك أنه إذا طعن في القرارالصادرمن رئيس مجلس الجماعة أمام رئيس املحكمة‬
‫اإلدارية املختصة طبقا لنص المادة ‪ 30‬من القانون رقم ‪ 02.35‬فإن ذلك الطعن يوقف تنفيذ‬
‫القرارالى حين البت في الطعن‪.294‬‬

‫‪ :5‬مدة التنفيذ‬

‫يجب أن يعين القرار الصادر بالهدم مدة معينة لشاغلي العقار؛ ليبادروا خاللها بتنفيذ‬
‫اإلخالء‪.‬‬

‫‪ :1‬االمتناع عن تنفيذ قراررئيس املجلس الجماعة‬

‫إذا لم يقم املخاطبين بالمادة ‪ 1‬من القانون رقم ‪ 02.35‬بتنفيذ قرار رئيس مجلس‬
‫الجماعة عند انتهاء المدة املحددة املخولة لهم للطعن في القرار داخل أجل عشرة أيام بحيث‬

‫‪ 293‬المادة ‪ 0.‬من القانون رقم ‪ 20.00‬المتعلق بالمباني اآليلة للسقوط وتنظيم عمليات التجديد الحضري‪.‬‬
‫‪ 294‬المادة ‪ 00‬من القانون رقم ‪ 20.00‬المتعلق بالمباني اآليلة للسقوط وتنظيم عمليات التجديد الحضري‪.‬‬

‫‪P 178‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫يبث فيها هذا األخير داخل أجل ثالثة أيام‪ ،‬أو االمتناع عن تنفيذ األشغال داخل األجل المقرر‬
‫لها‪ 295،‬فإن الجريمة تقوم في حقهم ويتعرضون للعقوبة المنصوص عليه في المواد ‪ 03‬و‪ 05‬من‬
‫القانون رقم ‪.02.35‬‬

‫ثانيا‪ :‬الركن المعنوي ‪:‬‬

‫هو انصراف إرادة املخالف إلى االمتناع عن تنفيذ قرار رئيس مجلس الجماعة النهائي في‬
‫المدة املحددة ويقوم على تو افرالقصد الجنائي بعنصريه العلم واإلرادة‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬العقوبة المقررة للجريمة‬

‫تنص مقتضيات المادة ‪ 03‬من القانون رقم ‪ 02.35‬على أنه ‪" :‬يعاقب بالحبس من شهر‬
‫واحد (‪ )3‬إلى ثالثة (‪ )1‬أشهر وبغرامة مالية من ‪ 18.888‬إلى ‪ 08.888‬درهم أو بإحدى هاتين‬
‫العقوبتين فقط ‪:‬‬

‫كل مالك لمبنى آيل للسقوط‪ ،‬ثبت رفضه عمدا وبدون سبب مشروع‪ ،‬بعد إنذاره‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫تنفيذ األشغال التي قررتها اإلدارة؛‬

‫كل شاغل لمبنى آيل للسقوط ثبت رفضه عمدا وبدون سبب مشروع‪ ،‬بعد إنذاره‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫إخالء المبنى إلنجازاألشغال المطلوبة؛‬

‫كل من عرقل مهمة األشخاص المكلفين بتنفيذ األشغال المقررة‪".‬‬ ‫‪-‬‬


‫وكذلك تنص مقتضيات المادة ‪ 05‬من نفس القانون على مضاعفة العقوبة "بالحبس‬
‫من ثالثة (‪ )1‬أشهر إلى سنة‪ ،‬وغرامة مالية من ‪ 08.888‬إلى ‪ 188.888‬درهم أو بإحدى هاتين‬
‫العقوبتين فقط‪:‬‬

‫كل من قام بوضع مبنى رهن إشارة أشخاص بأي صفة كانت‪ ،‬تم تصنيفه من قبل رئيس‬ ‫‪-‬‬
‫مجلس الجماعة المعني‪ ،‬أنه آيل للسقوط؛‬

‫‪ 295‬المادة ‪ 02‬من القانون رقم ‪ 20.00‬المتعلق بالمباني اآليلة للسقوط وتنظيم عمليات التجديد الحضري‪.‬‬

‫‪P 179‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫كل من قام بعمل ترتب عنه إتالف وتدهوروتخريب المباني أو جعلها غيرصالحة للسكن‬ ‫‪-‬‬
‫أو لالستعمال بأي شكل من األشكال‪ ،‬بهدف االستفادة بشكل غير مشروع من اإلعانات‬
‫والمساعدات املحتملة‪ ،‬أو بغرض إفراغ شاغلي هذه المباني‪".‬‬

‫وبالتالي فإن المشرع المغربي هنا قام بالتشديد على كل من سولت له نفسه تخريب‬
‫المباني بهدف الحصول على االعانات المالية أو وضع المبنى تحت تصرف شخص أو عدة‬
‫أشخاص رغم علمه بأن المبنى آيل للسقوط‪.‬‬

‫وجذير بالمالحظة‪ ،‬فإن القانون المشار إليه أعاله ونظرا ألهمية وضمان حماية أرواح‬
‫وممتلكات المواطنين‪ ،‬تصدى لهذه الظاهرة بالتنصيص على المتابعة القانونية لكل من يعرض‬
‫حياة المواطنين للخطر بإسكانهم في مباني مهددة بالسقوط‪ ،‬سيما وأن القانون ينص على‬
‫عقوبات حبسية وغرامة في حق كل من رفض عمدا وبدون سبب مشروع‪ ،‬بعد إنذاره تنفيذ‬
‫األشغال التي قررتها اإلدارة أو إخالء المبنى إلنجازاألشغال المطلوبة‪ ،‬كما ينص على معاقبة كل‬
‫من قام بوضع مبنى رهن إشارة أشخاص بأي صفة كانت تم تصنيفه أنه آيل للسقوط‪.‬‬

‫‪ .3‬خــاتمة‪:‬‬

‫وخالصة القول‪ ،‬على الرغم من قيام المشرع المغربي بالنص على العديد من االلتزامات‬
‫والتي يترتب على مخالفتها المسؤولية الجنائية لمالك البناء نتيجة قيامه بإتيان أفعال أو‬
‫امتناعه عن إتيانها بشكل يمثل مخالفة لهذه االلتزامات ويعد خروجا عن القواعد المنصوص‬
‫عليها في القانون رقم ‪ 02.35‬المتعلق بالمباني اآليلة للسقوط وتنظيم عمليات التجديد‬
‫الحضري‪ ،‬مع تقرير المسؤولية الجنائية بمجرد وقوع املخالفة دون االنتظار لوقوع الضرر‪،‬‬
‫باإلضافة الى قيام المشرع بالنص على عقوبات حبسية في حالة حدوث الضرروذلك برفع الحد‬
‫األدنى واألقص ى لعقوبات الحبس مع زيادة قيمة الغرامة األمر الذي يعبر على فلسفة المشرع‬
‫وحرصه على زيادة مدى وحدود المسؤولية الجنائية للقائمين بأعمال البناء من أجل تحقيق‬
‫الحماية القانونية للبيئة العمرانية وشاغلي العقارات المبنية‪.‬‬

‫‪ .0‬الئحة المراجع‪:‬‬

‫‪ ‬عبد الناصر عبد العزيز علي السن‪ ،‬المسؤولية الجنائية للقائمين بأعمال البناء –‬
‫دراسة مقارنة ‪ ،-‬دارالفكروالقانون للنشروالتوزيع مصر‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬السنة ‪.5832‬‬

‫‪P 180‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫‪ ‬محمد بهضوض‪ :‬تحديات المدينة في المغرب سال نموذجا‪ ،‬منشورات داراألمان‪ ،‬الرباط‬
‫‪.5835‬‬

‫‪ ‬سعيد الوردي‪ :‬معالجة المباني اآليلة للسقوط دراسة في ضوء أحكام القانون رقم‬
‫‪ 02/35‬المتعلق بالمباني اآليلة للسقوط وتنظيم عمليات التجديد الحضري‪ ،‬الصادر بتنفيذه‬
‫الظهيرالشريف رقم‪ ،20-33-3‬بتاريخ ‪ 30‬من رجب ‪ 50 ( 3210‬أبريل ‪.(5833‬‬

‫‪ ‬فاطمة الزهراء بوجدي وغزالن الصنهاجي واليزيد علمي حمدوني‪" :‬المدن العتيقة‬
‫بالمغرب‪ ،‬أية استراتيجية للتأهيل؟ نموذج المدينة العتيقة لفاس"‪ ،‬منشورات الملتقى الثقافي‬
‫لمدينة صفرو‪ ،‬الدورة السادسة والعشرون‪ 53-58 ،‬مارس ‪ ،5830‬فاس‪.‬‬

‫‪ ‬عبد الحميد أخريف‪ :‬محاضرات في القانون القضائي الخاص "دراسة في ضوء قانون‬
‫القضاء المدني والتجاري لتيهيء االجازة في القانون الخاص ومباريات التأهيل المهنية‪ ،‬طبعة‬
‫‪.2002‬‬

‫‪ ‬كمال غفتاني‪ "،‬دليل الممارسة الجيدة‪ ،‬التدخل في البنايات اآليلة للسقوط داخل‬
‫المدن العتيقة‪ ،‬المديرية العامة للجماعات املحلية‪ ،‬السنة ‪.5833‬‬

‫‪ ‬ظهيرشريف رقم ‪ 3.33.20‬صادرفي ‪ 30‬من رجب ‪ 50( 3210‬أبريل ‪ )5833‬بتنفيذ القانون‬


‫رقم ‪ 02.35‬المتعلق بالمباني اآليلة للسقوط وتنظيم عمليات التجديد الحضري‪ ،‬عدد ‪0 – 3230‬‬
‫شعبان ‪ 33( 3210‬ماي ‪ ،)5833‬ص‪.1005 :‬‬

‫‪ ‬ظهير شريف رقم ‪ 3-05-13‬الصادر في ‪ 30‬من ذي الحجة ‪ 30( 3235‬يونيو ‪ )3005‬بتنفيذ‬


‫القانون رقم ‪ 35.08‬المتعلق بالتعمير‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 032‬والصادر بتاريخ ‪ 30‬يوليوز‬
‫‪ ،3005‬ص ‪.000‬‬

‫‪ ‬طعن جنائي رقم ‪ 30‬لسنة ‪ 30‬ق جلسة ‪ 30‬فبراير سنة ‪ ،3020‬مجموعة القواعد‬
‫القانونية جنائية المصرية‪ ،‬رقم ‪ 080‬ص‪.508‬‬

‫‪ ‬مرسوم رقم ‪ 5.30.003‬صادرفي ‪ 30‬من محرم ‪ 38( 3210‬أكتوبر‪ ،)5830‬بتطبيق القانون‬


‫رقم ‪ 02.35‬المتعلق بالمباني اآليلة للسقوط وتنظيم عمليات التجديد الحضري‪ ،‬الجريدة الرسمية‬
‫عدد ‪– 3330‬بتاريخ ‪ 31‬صفر‪ 5( 3210‬نوفمبر‪.)5830‬‬

‫‪P 181‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫–‬

‫دور املكتـب الوطين للسـالمة الصحيـة‬


‫للامـنتجات الغـذاييـة يف محاية املـستهلـك( )‬
‫‪The role of the National Bureau of health safety in consumer protection‬‬
‫مـلخــص‪:‬‬
‫سيتطرق المقال الذي بين أيدينا إلى صالحيات ومهام مكتب السالمة الصحية‬
‫للمنتجات الغذائية‪ ،‬بموجب القانون رقم ‪ ،50.80‬وسياسة الدولة في مجال السالمة الصحية‬
‫للنباتات والحيوانات والمنتجات الغذائية‪ ،‬مع إمكانية إبداء الرأي عند وضع هذه السياسة‪،‬‬
‫تولي المر اقبة الصحية للحيوانات واألدوية البيطرية والمؤسسات الصيدلية البيطرية‪ ،‬كما‬
‫نستعرض فيه ذلك أركان و أنواع جريمة الغش في المنتجات الغذائية النباتية والحيوانية‪ ،‬مع‬
‫الوضعيات التي تتحقق فيها هذه الجريمة‪.‬‬

‫كلم ـ ـ ــات مفاح ـ ـ ـ ـ ــية‪ :‬جريمة الغش‪ ،‬المنتجات الغذائية ‪ ،‬المنتجات النباتية‪ ،‬السالمة‬
‫الصحية‪...،‬‬

‫‪Résumé‬‬

‫(‪ )296‬تحدث مؤسسة عمومية تتمتع بالشخصية المعنوية واالستقالل المالي تحمل اسم "المكتب الوطني للسالمة الصحية للمنتجات الغذائية" ويشار إليها‬
‫بالمكتب‪.‬يخضع المكتب لوصاية الدولة‪ ،‬ويكون الغرض من هذه الوصاية العمل على احترام أجهزته املختصة ألحكام هذا القانون‪ ،‬وخاصة ما يتعلق منها‬
‫بالمهام المنوطة به‪ ،‬وبصفة عامة الحرص على تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالمؤسسات العامة‪ ،‬يخضع المكتب كذلك للمراقبة المالية‬
‫للدولة المطبقة على المنشآت العامة وهيئات أخرى طبقا للنصوص التشريعية الجاري بها العمل‪ ،‬راجع المادة ‪ 20‬قانون رقم ‪ 25.08‬يقض ي بإحداث المكتب‬
‫الوطن للسالمة الصحية للمنتجات الغذائية‪ ،‬مع مراعاة االختصاصات املخولة بموجب النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل للقطاعات الوزارية‬
‫أو الهيئات األخرى‪ ،‬يمارس المكتب لحساب الدولة االختصاصات المتعلقة بحماية صحة المستهلك‪ ،‬تطبيقا للقانون رقم ‪ 20.2.‬القاض ي بتحديد تدابير لحماية‬
‫المستهلك الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 0.00.22‬بتاريخ ‪ 00‬من ربيع األول ‪ 0.( 0020‬فبراير ‪ ،)0200‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 0220‬بتاريخ ‪ 2‬جمادى‬
‫األولى ‪ 2 ( 0020‬أبريل ‪ ،)0200‬ص ‪ .0220‬والحفاظ على صحة الحيوانات والنباتات‪ ،‬حسب القانون رقم ‪ 00.22‬المتعلق بحماية واستصالح البيئة الصادر‬
‫بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 0.22.02‬بتاريخ ‪ 02‬ربيع األول ‪ 00( 0000‬ماي ‪ ،)0222‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 000.‬بتاريخ ‪ 0.‬ربيع اآلخر ‪ 02(0000‬يونيو ‪،)0222‬‬
‫ص ‪.0222‬‬

‫‪P 182‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫‪Le présent article traitera des attributions et missions de l’Office de‬‬


‫‪Sécurité Sanitaire des produits Alimentaires, conformément à la loi n ° 25.08, et‬‬
‫‪de la politique de l'État dans le domaine de la sécurité sanitaire des végétaux, des‬‬
‫‪animaux et des produits alimentaires. Cet article aborde de même la possibilité‬‬
‫‪d'exprimer un avis lors de l'élaboration de ladite politique, en prenant en charge‬‬
‫‪le contrôle sanitaire des animaux, des médicaments vétérinaires et des‬‬
‫‪institutions pharmaceutiques vétérinaires. Nous y passons également en revue‬‬
‫‪les composantes et les types de délit de tricherie ans les produits alimentaire‬‬
‫‪svégétaux et animaux, avec les situations d’occurrence de cedélit.‬‬

‫‪Mots clés: délit de tricherie, produits alimentaires, produit végétaux,‬‬


‫‪sécurité sanitaire,...‬‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫لقد اختار المكتب الوطني للسالمة الصحية للمنتجات الغذائية منذ بداية عمله‪ ،‬نهج‬
‫عملية التحسين المستمر‪ ،‬بغية التمكن من القيام بمهمته وفق الجودة المطلوبة‪ ،‬باعتباره‬
‫ضامن لسالمة األغذية بشكل عام‪ ،‬حيث أضحى منظمة فعالة‪ ،‬ذات مصداقية معترف بها من‬
‫قبل العديد من الشركاء‪ ،‬وذلك سواء على الصعيد الوطني وحتى الدولي‪.‬‬

‫ورغبة من المكتب الوطني للسالمة الصحية للمنتجات الغذائية في العمل بطريقة‬


‫ممنهجة تصبو إلى تحقيق الجودة المرجوة منه‪ ،‬فإنه جعل من أهم أهدافه‪ ،‬ضرورة تحسين‬
‫العالقة مع كل من المستخدمين‪ ،‬والعمالء‪ ،‬ثم الشركاء‪ ،‬وذلك بشكل مستمر(‪ ،)297‬وخصوصا‬
‫على مستوى االستقبال‪ ،‬وتوفير المعلومات‪ ،‬ثم معالجة الملفات‪ ،‬والتجاوب معها بشكل سريع‬
‫وفعال‪ ،‬هذا إلى جانب اعتماد المكتب ألساليب عمل رسمية‪ ،‬وواضحة ومتناسقة على المستوى‬
‫الوطني‪ ،‬من أجل تحسين جودة الخدمات المقدمة‪ ،‬وفق الشكل الذي من شأنه أن يكرس الثقة‬

‫(‪ )297‬يدير المكتب‪ ،‬مجلس إدارة ويسيره‪ ،‬مدير عام‪ ،‬تبعا للمادة ‪ 20‬من قانون رقم‪ ،25.08‬ويتكون مجلس اإلدارة من ممثلين عن الدولة‪ ،‬يمكن للمجلس‬
‫استدعاء أي شخص ينتمي إلى القطاع العام أو الخاص يرى فائدة في مشاركته لحضور اجتماعاته بصفة استشارية‪ ،‬كما جاء في المادة ‪ 20‬من قانون رقم‪،25.08‬‬
‫ويتمتع مجلس اإلدارة بجميع السلط واالختصاصات الالزمة إلدارة المكتب‪ ،‬وضع السياسة العامة للمكتب في إطار التوجهات املحددة من لدن الحكومة‪،‬‬
‫ويحديد مشروع ميزانية المكتب والبيانات التوقعية متعددة السنوات‪ ،‬والمصادقة على الحسابات السنوية‪ ،‬المصادقة على التقرير السنوي عن التسيير المعد‬
‫من طرف المدير العام للمكتب‪ ،‬تحديد أسعار الخدمات المقدمة للغير‪ ،‬وضع النظام األساس ي للمستخدمين الذي تحدد فيه بوجه خاص الشروط المتعلقة‬
‫بالتوظيف واألجور والمسار المنهي لمستخدمي المكتب‪ .‬حسب المادة ‪ 21‬من قانون رقم‪.25.08‬‬

‫‪P 183‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫والمصداقية في الخدمات المقدمة من طرف المكتب‪ ،‬وبالتالي تحسين صورة المكتب بشكل‬
‫مستمر لدى المواطنين والشركاء‪ ،‬هو األمر الذي لن يتحقق دون العمل على تحسين التنظيم‬
‫الداخلي واألداء الوظيفي للمكتب‪.‬‬

‫ولتحقيق هذه األهداف‪ ،‬اختار المكتب الوطني للسالمة الصحية للمنتجات الغذائية‬
‫العمل على إنشاء نظام متكامل لتدبيرالجودة‪ ،‬يتضمن ثالثة معاييرمرجعية منها معيار(‪ISO )298‬‬
‫‪ 9001‬ومعيار(‪ISO 17020 )299‬ومعيار‪ ، ISO 17025‬يتم تطبيق كل معيارداخل وحدات معينة‪،‬‬
‫بحيث يتم تطبيق معيار ‪ ISO 9001‬داخل المديرية المركزية‪ ،‬ومعظم المديريات الجهوية‪ ،‬ويتم‬
‫تطبيق معيار ‪ ISO 17020‬على مستوى مصالح التفتيش(‪ ،)300‬التابعة للمكتب الوطني للسالمة‬
‫الصحية للمنتجات الغذائية(‪ ،)301‬بينما يتم تطبيق معيار ‪ ISO 17025‬في جميع املختبرات‪.‬‬

‫وتتم مواكبة مختلف وحدات المكتب الوطني للسالمة الصحية للمنتجات‬


‫الغذائية‪ ،‬ودعمها في تطبيق نظام الجودة الخاص بها‪ ،‬من طرف مصلحة ضمان الجودة التابعة‬
‫لقسم مر اقبة التسيير والتدقيق الداخلي باإلدارة المركزية‪ ،‬وكذلك من طرف مصالح الجودة‬
‫والتدقيق المتواجدة على المستوى الجهوي‪.‬‬
‫وبفضل جهود جميع موظفيه‪ ،‬حقق المكتب ً‬
‫تقدما ً‬
‫كبيرا في مجال تدبيرالجودة‪ ،‬يتمثل‬
‫في حصول اإلدارة المركزية على شهادة ‪ ISO 9001‬نسخة ‪ 5880‬لجميع أنشطتها‪ ،‬من قبل هيئة‬
‫التصديق التابعة ل"مجموعة افنور المغرب" في ديسمبر ‪ ،5833‬تم منح االعتماد وفقا لمعيار‬

‫(‪ )298‬يتم تحديد عمليات تدبير الجودة على أساس أهميتها وتأثيرها على الزبناء كما هو موضح في مخطط العمليات‪.‬‬
‫(‪ )299‬هي طرق مكتوبة من قبل وحدات التفتيش التابعة للمكتب لتوحيد ترتيبات التفتيش المستعملة على المستوى الوطني‪.‬‬
‫(‪ )300‬هي طرق مكتوبة لتقليل مخاطر األخطاء املحتملة في إطار أنشطة التسيير المزاولة من طرف مختلف المصالح‪.‬‬
‫(‪ )301‬إلى جانب حصر املخطط التنظيمي الذي تحدد فيه البنيات التنظيمية المركزية والخارجية وكذا اختصاصاتها‪ ،‬وضع النظام الذي يحدد قواعد وطريقة‬
‫إبرام الصفقات‪ ،‬تحديد الشروط التي يفوض على أساسها إنجاز بعض مهام المكتب لفائدة بعض الهيآت العمومية أو األشخاص المعنوية الخاضعة للقانون‬
‫الخاص‪ .‬يمكن ملجلس اإلدارة أن يمنح تفويضا إلى المدير العام من أجل تسوية قضايا معينة‪ ،‬كما يمكن ملجلس اإلدارة أن يقرر إحداث أي لجنة استشارية‪،‬‬
‫راجع المادة ‪ 22‬من قانون رقم‪ .25.08‬ويجتمع مجلس اإلدارة باستدعاء من رئيسه كلما دعت حاجة إلى ذلك وعلى األقل مرتين في السنة‪ ،‬تطبيقا لمقتضيات‬
‫المادة ‪ 2.‬من قانون رقم‪.25.08.‬‬
‫ويشترط لصحة مداوالت مجلس اإلدارة أن يحضرها أو يمثل فيها نصف أعضائه على األقل ويتخذ قراراته بأغلبية األصوات‪ .‬فإن تعادلت‪ ،‬يرجح الجانب الذي‬
‫يكون فيه الرئيس مع مراعاة أحكام المادة ‪ ،2‬يتمتع المدير العام بجميع السلط والصالحيات الالزمة لتسيير جميع مصالح المكتب ويتصرف باسمه‪ .‬وينفذ‬
‫قرارات مجلس اإلدارة‪ ،‬وعند االقتضاء‪ ،‬قرارات اللجنة أو اللجن املحدثة من طرف هذا األخير‪ .‬ويباشر أو يأذن بمباشرة جميع األعمال أو العمليات المتعلقة‬
‫بغرض المكتب ويمثله إزاء الدولة وجميع الهيئات العمومية والخاصة وجميع األغيار ويقوم بجميع اإلجراءات التحفظية‪ .‬ويمثل المكتب أمام املحاكم ويجوز‬
‫له أن يقيم جميع الدعاوى القضائية للدفاع عن مصالح المكتب على أن يقوم بإخطار رئيس مجلس اإلدارة بذلك على الفور‪.‬ويحضر بصفة استشارية‬
‫اجتماعات مجلس اإلدارة واللجنة أو اللجن التي تحدث من طرف املجلس عند االقتضاء‪.‬ويمكنه أن يفوض تحت مسؤوليته بعض سلطه واختصاصاته إلى‬
‫المستخدمين العاملين تحت إمرته‪ .‬المادة ‪ 22‬من قانون رقم‪.25.08‬‬

‫‪P 184‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫الجودة ‪ ISO17020‬لمصلحة التسجيل والتفتيش التابعة لإلدارة المركزية‪ ،‬ومن المرتقب أن‬
‫يتم منح االعتماد أيضا لثالث أقسام تتعلق بالمر اقبة والجودة‪.‬‬

‫كما تم منح االعتماد ( ‪ ISO 17025‬المتطلبات العامة المتعلقة بكفاءة مختبرات‬


‫المعايرة واالختبار) إلى املختبرات المتواجدة بكل من الرباط‪ ،‬وأكادير‪ ،‬ثم مراكش وطنجة‪ ،‬في‬
‫حين بقيت املختبرات األخرى في طوراالعتماد‪.‬‬

‫ومن أجل مواصلة هذا الزخم‪ ،‬وتعزيزهذه اإلنجازات املختلفة‪ ،‬التي حققها المكتب‪ ،‬تم‬
‫وضع نظام تدبير الجودة ضمن أولويات المكتب‪ ،‬وذلك بفضل التزام اإلدارة العامة‪ ،‬وتضافر‬
‫الجهود المبذولة من قبل كل المتدخلين في هذه العملية‪ ،‬والتي أبانت عن كفاءتها العالية‪،‬‬
‫وجعلت من المكتب يكون ذو مصداقية‪ ،‬وبالتالي يمكن االعتماد عليه‪.‬‬

‫ومن هذا المنطلق‪ ،‬يثارتساؤل مهم وهو كيف ساهم المكتب الوطني للسالمة الصحية‬
‫للمنتجات الغذائية في حماية المستهلك منذ إنشائه؟‬

‫ولإلجابة على هذا التساؤل المهم ينبغي نهج خطة مناسبة للموضوع وهي على الشكل‬
‫التالي ‪ :‬الفقرة األولى‪ :‬حماية المستهلك من الغش في المنتجات الغذائية النباتية‪ .‬الفقرة الثانية‪:‬‬
‫حماية المستهلك من الغش في المنتجات الغذائية الحيوانية‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬حماية المستهلك من الغش في المنتجات الغذائية النباتية‬

‫يعد االستهالك املحطة األخيرة من املحطات المتطورللحلقة الغذائية والتي يحصل فيها‬
‫المستهلك على منتج النهائي قابل االستهالك أخدا بعين االعتبار األنواع هدا المنتج من جهة‬
‫وطرق عرضه من جهة ثانية(‪ . )302‬وسوف نتطرق خالل هذه الفقرة إلى أركان و أنواع جريمة‬
‫الغش الغذائي‪.‬‬

‫(‪ )302‬تطبيق سياسة الحكومة في مجال السالمة الصحية للنباتات والحيوانات والمنتجات الغذائية بدءا من المواد األولية وصوال إلى المستهلك النهائي‪ ،‬بما في‬
‫ذلك المواد المعدة لتغذية الحيوانات مع إمكانية إبداء الرأي عند وضع هذه السياسة‪ ،‬يولي الحماية الصحية للرصيد النباتي والحيواني الوطني ومراقبة‬
‫المنتجات النباتية والحيوانية أو ذات األصل النباتي أو الحيواني‪ ،‬بما في ذلك منتجات الصيد‪ ،‬سواء عند استيرادها أو في السوق الداخلي أو عند تصديرها‪.‬‬
‫إبداء الرأي فيما يخص المطابقة الصحية لمؤسسات الصيد البحري المشار إليها في الفقرة السالفة قبل اعتمادها‪ ،‬مراقبة المضافات الغذائية ومعدات‬
‫التلفيف والمنتجات والمواد التي يمكن أن تالمس المنتجات الغذائية وكذا األسمدة ومياه السقي‪ ،‬اإلذن الستغالليات تربية المواش ي و ‪ /‬أو تسجيلها‪ ،‬مراقبة‬
‫مبيدات اآلفات الزراعية والمصادقة عليها واعتماد المؤسسات التي تنتجها أو تستوردها أو تصدرها‪ ،‬مراقبة واعتماد البذور واألغراس واإلشهاد على مطابقتها‬
‫واعتماد المؤسسات التي تنتجها أو تستوردها أو تصدرها‪ ،‬راجع أكثر المرسوم رقم ‪ 0.00.2.0‬بتاريخ ‪ 22‬من رجب ‪ 02( 0021‬ماي ‪ )0200‬يتعلق بتنظيم‬
‫وبكيفيات سير الشرطة البيئية‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 1211‬بتاريخ ‪ 01‬شعبان ‪ 0( 0021‬يونيو ‪ ،)0200‬ص ‪.00.0‬‬

‫‪P 185‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫إن الزجر الغش يعتمد على المبادئ العامة في القانون الجنائي(‪ ،)303‬ومن ثم فان أي‬
‫جريمة الغش لقيامها‪ ،‬ال بد من تو افر أركان الجريمة المعروفة‪ ،‬وعليه فان أركان جريمة زجر‬
‫الغش في البضائع تتمثل في الركن القانوني والركن المادي ثم الركن المعنوي‪.‬‬

‫في ما يخص الركن القانوني لجريمة الغش الغذائي يعبر عن هذا الركن بمبدأ ال جريمة‬
‫وال عقوبة إال بنص‪ ،‬وهو مبدأ دستوري استقر في جميع القوانين الزجرية بجميع األنظمة‬
‫الديمقراطية‪ ،‬فالقانون هو الذي يحدد األفعال التي تعد جرائم بسبب ما تحدثه من اضطراب‬
‫اجتماعي ويوجب زجر مرتكبيها‪ ،‬الش يء الذي يمنع مؤاخذة احد على فعل ال يعتبر جريمة‬
‫بصريح القانون وال بمعاقبته بعقوبات لم يقررها القانون باعتبار شرعية الجريمة والعقوبة‬
‫تضمن الحماية القانونية للفرد من تعسف السلطة المكلفة بتطبيق القانون وتنفيذه‪.‬‬

‫ومن ثم‪ ،‬فإنه يتوجب تفسير القانون الجنائي بشكل ضيق‪ ،‬وعدم استعمال القياس‬
‫لتجريم أفعال ال ينص القانون صراحة على تجريمها والمعاقبة عليها‪ ،‬الن ذلك من شانه أن‬
‫يخلق جرائم وعقوبات ال سند لها‪ .‬وقانون الزجر عن الغش في البضائع ينص في الفقرة األولى‬
‫من الفصل األول على انه "يعد مرتكبا الغش عن طريق الخداع أو التزييف كل من غالط‬
‫المتعاقد بوسيلة ما في جوهر أو كمية الش يء المصرح به‪ ،‬أو قام خرقا ألحكام هذا القانون أو‬
‫النصوص المتخذة لتطبيقه أو خالفا لألعراف المهنية والتجارية‪ ،‬بعملية تهدف عن طريق‬
‫التدليس إلى تغييرهما وعليه فان الركن القانوني لجريمة الغش يتمثل في الزجر عن الغش في‬
‫البضائع(‪ .)304‬النصوص المتخذة لتطبيقه‪ .‬األعراف التجارية والمهنية‪.‬‬

‫ومن العلوم أن الركن المادي ألية جريمة هو القيام بفعل منعه القانون أو االمتناع عن‬
‫فعل أمربه‪ ،‬فهو إذن نشاط مدرك للقيام بتزييف البضاعة‪ ،‬فهو فعل ايجابي أو سلبي‪ .‬باألفعال‬
‫سواء كانت ايجابية أو سلبية‪ ،‬إما أن تكون جريمة نتيجة وإما أن تكون جريمة شكلية‪ ،‬فاألولى‬
‫يتحقق ركنها المادي بتحقيق النتيجة‪ ،‬بحيث أن النتيجة شرط لقيامه‪ ،‬وإال بقيت مجرد محاولة‬
‫إذا ما تو افرت أركانها‪ ،‬أما الثانية فان تجريمها مبني فقط على إتيان السلوك الممنوع ولو لم‬
‫تترتب عليه أية نتيجة أو ضرر‪ ،‬باعتبارأن الضررمتوفربشكل تجريدي و انطالقا من نص الفقرة‬

‫(‪)303‬انظر‪ :‬هشومة غازي‪ ،‬الحماية الجنائية للمستهلك على ضوء القانون المغربي‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر‪،‬جامعة محمد الخامس‪ ،‬كلية العلوم القانونية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية الرباط‪.022.-0222،‬‬
‫(‪)304‬للتوسع أكثر راجع جميلة جالم‪ ،‬الحماية الجنائية للمستهلك من الغش التجاري‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم ماستر‪،‬جامعة القاض ي عياض‪ ،‬كلية الحقوق‬
‫بمراكش‪.0202-0200،‬‬

‫‪P 186‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫األولى من الفصل األول من قانون الزجرعن الغش‪ ،‬فان الركن المادي يتحقق كلما وقع الفعل‬
‫الممنوع قانونا بشكل تتحقق معه عناصره‪ ،‬مما يتوجب تحديد تلك العناصر بالنسبة لكل‬
‫جريمة بشكل واضح حتى يمكن تطبيقها بشكل متناسب مع األفعال المرتكبة للقول بوجود‬
‫الركن المادي للجريمة من عدمه‪ ،‬دون قياس أو توسع في التفسير‪ ،‬وبالتالي فانه يتعين الرجوع‬
‫إلى قانون الزجرعن الغش والنصوص التنظيمية المتخذة واألعراف المهنية والتجارية‪ ،‬للقول‬
‫بان الفعل المرتكب يشكل جريمة غش معاقب عليها وإعطائها الوصف المناسب مع إبراز‬
‫العناصر بكل وضوح‪ ،‬دون االكتفاء بالقول بان الفعل هو جريمة غش دون وصف محدد‪ ،‬وهو‬
‫ما يدخل في تعليل األحكام و اقعيا وقانونيا‪.‬‬

‫وفي األخير يمكن التطرق إلى الركن المعنوي لجريمة الغش الغدائي‪ ،‬على أن جريمة‬
‫الغش في البضائع هي جريمة عمدية‪ ،‬يشترط لقيامها ثبوت القصد الجنائي الذي يتحقق بعلم‬
‫الجاني بان ما يعرضه للبيع يعد مغشوشا‪ ،‬وان يعلم بطبيعة المواد التي تستعمل في الغش‪ ،‬وان‬
‫من شأن ذلك خداع المشتري وإدخال الغش عليه وعلى السلعة‪ ،‬وكذا اتجاه إرادته نحو أفعال‬
‫من شأنها أن تغير من طبيعة وخصائص المواد التي أدخلت عليها وعليه‪ ،‬فان الركن المعنوي‬
‫لجريمة الغش ال بد لتأسيسه من تو افرالعلم بالفعل اإلجرامي‪ ،‬والوعي بالركن المادي للجريمة‬
‫المعاقب عليها‪.‬‬

‫خالل هذا الشق من الفقرة الثانية نتطرق إلى أنواع جريمة الغش الغذائي‪ ،‬وبالرجوع‬
‫إلى ما جاء في الفقرة األولى من الفصل األول من القانون رقم‪ 31.01‬على انه‪ ،‬يعد مرتكبا لجريمة‬
‫الغش عن طريق الخداع أو التزييف‪ ،‬و انطالقا من مقتضيات هذا الفصل نستنتج بان جريمة‬
‫الغش قد تتحقق‪ ،‬إما عن طريق الخداع‪ ،‬إما عن طريق التزييف‪.‬‬

‫جريمة الغش عن طريق الخداع‪ ،‬تتحقق من خالل استعمال الشخص لوسائل‬


‫احتيالية ليوقع المتعاقد اآلخر في الغلط سواء في جوهر الش يء‪ ،‬أو في الكمية المصرح بها‪،305‬‬
‫الش يء الذي يؤدي إلى أن جريمة الغش عن طريق الخداع يتم بأفعال المغالطة التي تمارس على‬

‫‪ 305‬للتوسع أكثر في الموضوع‪ ،‬يرجى االطالع على‪:‬‬


‫‪ ‬عبد القادر العرعاري‪ ،‬مصادر االلتزام الكتاب الثاني‪ ،‬المسؤولية المدنية دراسة مقارنة على ضوء النصوص التشريعية الجديدة‪ ،‬مطبعة األمنية‬
‫الرباط‪ ،‬الطبعة السابعة ‪.22 ،.0202‬‬
‫‪ ‬مأمون الكزبري‪ ،‬نظرية االلتزامات في ضوء قانون االلتزامات والعقود المغربي‪ ،‬مطابع دار القلم‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثانية سنة ‪ ،0220‬ص‪.2.‬‬
‫‪ ‬عبد الواحد العلمي‪ ،‬شرح القانون الجنائي المغربي القسم الخاص‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الطبعة العاشرة ‪ ،0202‬ص ‪. 2.2‬‬
‫‪ ‬عابد العمراني الميلودي‪ ،‬امحمد اقبلي‪ ،‬القانون الجنائي الخاص المعمق في شروح‪ ،‬مطبعة الرشاد السطات‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،0202‬ص ‪.012‬‬

‫‪P 187‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫المشتري وتستهدف البضاعة‪ ،‬والمشرع المغربي في القانون ‪ 31.01‬لم يحصر صور الخداع في‬
‫نطاق معين بل جعله على إطالقه‪ ،‬وذلك اعتبارا التساع مجال ما يلجا إليه الغشاشون من‬
‫وسائل كيدية في معامالتهم التجارية‪ ،‬إذ بمجرد أن يثبت أن البائع أو المنهي التجأ إلى وسيلة‬
‫خادعة في سبيل تحقيق غرضه‪ ،‬وبالتالي وجب في حقه العقاب ولقد حدد المشرع بعض األفعال‬
‫التي تشكل جريمة الغش في البضائع عن طريق الخداع وتتمثل في‪:‬‬

‫جريمة الخداع أومحاولته في خصائص البضاعة‪ :‬كل بضاعة تتميزعن غيرها بخصائص‬
‫جوهرية تنفرد بها‪ ،‬وبتخلفها تفقد البضاعة صفتها‪ ،‬مع العلم أن الخصائص التي تتميز بها‬
‫البضاعة هي التي قد تؤدي إلى التعاقد أصال‪ ،‬كعمرالسمن المملح‪ ،‬بحيث أن العرف بشكل عام‬
‫يعتبر قدم السمن خاصية جوهرية فيه‪ ،‬إذ كلما كان قديما كانت جودته مرتفعة ويرتفع معها‬
‫الثمن‪ ،‬وعليه فإذا بيع سمن عمره سنه مكان سمن عمره ‪ 0‬سنوات‪ ،‬فإن الغش عن طريق‬
‫الخداع يكون محققا ‪.‬‬

‫الخداع أو محاولته في البضاعة‪ :‬وهو الغش الذي يقع على المادة بكل عناصرها‬
‫ومكوناتها‪ ،‬كتصريف النحاس مكان الذهب الخداع أو محاولته في نوع البضاعة‪:‬اشترط المشرع‬
‫لقيام هذا النوع من الغش أن يعتبر تعيين النوع المنسوب زوروا للبضاعة هو السبب األساس ي‬
‫اللتزام المتعاقد بناء على اتفاق األطراف أو األعراف‪ ،‬أما إذا كان سببا ثانويا‪ ،‬أو لم يقع تعيينه‬
‫باالتفاق أو العرف فان الجريمة تنعدم‪.‬‬

‫الخداع أو محاولته في منشأ البضاعة‪ :‬والمنشأ يحدد جغر افيا بمكان إنتاج البضاعة‪،‬‬
‫ذلك أن بعض المناطق في المغرب تشتهر بإنتاج مواد معينة‪ ،‬وارتباط البضاعة بمكان‬
‫اإلنتاج يعني غالبا نوعا من الجودة‪ ،‬مثال الزريبة الرباطية والفاسية وغيرها‪ ،‬والمشرع اشترط‬
‫لقيام الجريمة في هذه الحالة‪ ،‬أن يعتبر المنشأ المنسوب زورا للبضاعة هو السبب األساس ي‬
‫للتعاقد‪.‬الخداع أو محاولته في كمية األشياء‪ :‬كأن يتعلق األمر باتفاق البائع والمشتري الذي‬
‫يحدد الكمية المطلوبة من القمح ويؤدي ثمنه‪ ،‬لكم بعد حصوله على الكمية يكتشف أنها‬
‫ناقصة‪.‬‬

‫الخداع أو محاولته في محتوى البضاعة من العناصر المفيدة‪ :‬كل بضاعة تحتوي على‬
‫عناصرمفيدة تقتنى من اجلها‪ ،‬فالحليب الطري يقتنى لمنافعه كمادة مغذية لألطفال خاصة‪،‬‬
‫دون حاجة إلى ذكر هذه العناصر ال من طرف البائع أو من المشتري ألنها محددة بالرغم عنهما‪،‬‬

‫‪P 188‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫في حين نجد موادا مبتكرة كمعجون أسنان معين ينسب إليه زورا عنصر مفيد يقي اللثة من‬
‫األمراض واألسنان والتسوس‪ ،‬والو اقع أن هذا المنتوج ال يتوفرعلى العناصرالمذكور‪.‬‬

‫وفي قرارملحكمة النقض قضت إبطال الخبرة المقتضيات القانونية اآلمرة المنصوص‬
‫عليها في الفصلين ‪ 50‬و‪ 11‬من ظهير ‪ 3002/38/0‬المتعلق بالزجر عن الغش في البضائع توجب‬
‫إحالة العينات على املختبرالرسمي للتحليل و إنجازه داخل أجل محدد‪ ،‬ويكون القرارالمطعون‬
‫فيه سليما حينما رتب على عدم احترام األجل القانوني النجاز التحليل إبطال الخبرة المنجزة‬
‫على مادة الدقيق وقض ى بالبراءة(‪.)306‬‬

‫أما جريمة الغش عن طريق التزييف فتتحقق عبر تغيير الحقيقة‪ ،‬وفي قانون الزجر عن‬
‫الغش في البضائع(‪ )307‬ال يخرج به عن كونه تغيير حقيقة البضاعة تغييرا من شأنه أن يخلق‬
‫إقتناعا معاكسا لحقيقية الش يء المزيف لدى المتعاقد بمعنى انه يستهدف البضاعة نفسها في‬
‫ماهيتها وخصائصها الجوهرية وتركيبها ومحتواها من العناصر المفيدة بتغيير مادية البضاعة‬
‫بآية وسيلة كانت مخالفة لقانون الزجر عن الغش في البضائع والنصوص المتخذة لتطبيقه‬
‫واألعراف المهنية والتجارية وعليه فإن الجرائم المرتبطة بالغش عن طريق التزييف ال تخضع‬
‫فقط ألحكام القانون المتعلق بالزجرعن الغش في البضائع‪،‬‬

‫بل تتعداه إلى االحتكام لقواعد النصوص المتخذة لتطبيقه وكذا األعراف المهنية‬
‫والتجارية والغش عن طريق التزييف يتخذ عدة صوريمكن إجمالها في التزييف عن طريق الخلط‬
‫بمعنى خلط منتوج مع بعض المواد األقل جودة منه‪ ،‬أو مع مواد غيرمأذون في استعمالها بحيث‬
‫يقوم الغشاشون بخلط البضائع بمواد غريبة عنها(‪ ،)308‬أو بخلط بضائع من جودة عالية‬
‫بأخرى أقل جودة منها غايتهم باألساس هو ربح فارق الثمن‪ ،‬كخلط الذهب بالنحاس‬
‫بنسبة مرتفعة‪ .‬والتزييف عن طريق النزع وهونوع من الغش يؤدي إلى إيجاد مادة ناقصة الجودة‪،‬‬
‫ال تتوفر فيها خصائص المادة األصلية الجوهرية وتركيبتها ومحتواها من العناصر المفيدة‪،‬‬
‫وغالبا ما ينصب النزاع على الجزء األكثر قيمة‪ ،‬كنزع المادة الذهنية من الحليب‪ ،‬فيفقد بذلك‬
‫خصائصه الجوهرية وتركيبته ومحتواه من عنصرمفيد‪.‬‬

‫(‪ )306‬قـرار محكمة النقض‪ ،‬عـدد ‪ 000/.‬المؤرخ في ‪ ،02/20/0220‬الملف الجنحي عدد ‪ ،.022/1/./0222‬منشور‪.‬‬
‫(‪)307‬القانون رقم ‪ 02..2‬المتعلق بالزجر عن الغش في البضائع الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 0..2.02.‬صادر في ‪ 2‬محرم ‪ 0( 0020‬أكتوبر ‪)02.0‬‬
‫(‪)308‬قرار وزيري مؤرخ في ‪ 00‬مارس ‪ 0202‬يتعلق بزجر مرتكبي الغش والتدليس في المأكوالت والمشروب‬

‫‪P 189‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫التزييف عن طريق الصنع من المعلوم أن كل البضائع‪ ،‬لها عناصرأساسية تحدد هويتها‬


‫الكاملة سواء بنص القانون أو العرف التجاري أو المنهي‪ ،‬ويتعلق األمر بماهيتها وتركيبتها‬
‫وخصائصها الجوهرية‪ ،‬ورغم ذلك فقد يعمد الغشاشون إلى صناعة مواد غذائية أو مشروبات‬
‫معدة لالستهالك اإلنساني أو الحيواني أو مواد فالحية أو طبيعية أو مخصصة للمداواة بمواد‬
‫ومكونات ال تدخل كلها أو بعضها في البضاعة األصلية(‪ ،)309‬حيث تأخذ شكلها دون المضمون‪،‬‬
‫كصنع الحليب من مادة بيضاء وماء‪ ،‬فنكون أمام شكل الحليب ومظهره‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬حماية المستهلك من الغش في المنتجات الغذائية الحيوانية‬

‫نجد ظاهرة الغش الغذائي في المنتجات النباتية أو ذات األصل النباتي والتي تشكل ما‬
‫يسمى بالمنتجات األولية الموجهة لالستهالك البشري(‪ ،)310‬ونجدها كذلك في المنتجات‬
‫الحيوانية أو ذات األصل الحيواني وبصفة عامة جميع المنتجات الغذائية التي يقتنيها‬
‫المستهلك لتلبية حاجياته من البروتينات والفيتامينات الضرورية لنمو جسمه(‪ ،)311‬وذلك‬
‫واضح من خالل إسناد الدولة المغربية للمكتب الوطني السالمة الصحية للمنتجات الغذائية‬
‫االختصاصات والمهام(‪،)312‬المتعلقة بممارسة حماية صحة المستهلك والحفاظ على صحة‬
‫الحيوانات(‪ )313‬والنباتات‪ ،‬وبصفة خاصة تطبيق سياسة الدولة في مجال السالمة الصحية‬
‫للنباتات والحيوانات والمنتجات الغذائية بدءا من المواد المعدة لتغذية الحيوانات(‪.)314‬‬

‫(‪)309‬ظهير شريف مؤرخ في ‪ 02‬ذي القعدة ‪ 0220‬الموافق (‪ 00‬أكتوبر ‪ )0200‬المتعلق بالزجر عن الغش في بيع البضائع وتدليس السلع والمأكوالت واملحصوالت‬
‫الفالحية والمعدة لتموين العساكر‬
‫(‪)310‬يعرف القانون رقم ‪ 0..22‬المتعلق بالسالمة الصحية للمنتجات الغذائية المنتوج األولى كاألتي‪:‬كل منتوج زراعي موجه لالستهالك البشري تمت زراعته أو‬
‫قطعه أو جنيه وكذا كل منع استخلص من الحيوانات كالحليب أو العسل أو البيض ومواد القنص والصيد أو قطف األصناف البرية أو المعروضة في السوق‬
‫على حالتها دون استعمال وسائل خاصة للتيهئ من أجل حفظها غير التبريد‪.‬‬
‫(‪)311‬وفقا للمادة ‪ 2‬من القانون السالف ذكره يراد بالمنتوج كل منتوج نباتي أو حيوان خام أو معالج كليا أو جزئيا موجه لالستهالك البشري بما في دلك‬
‫المشروبات والعلك وكل المواد المستعملة في إنتاج وتيهئ أو معالجة األغنية‪...‬‬
‫(‪)312‬راجع المادة ‪ 0‬قانون رقم ‪ 00 2.‬القاض ي بإحداث المكتب الوطني للسالمة الصحية للمنتجات العدائية السالفة الذكر‪.‬‬
‫(‪ )313‬القيام بتحليل املخاطر الصحية التي يمكن أن تتسبب فيها المنتجات الغذائية والمواد المعدة لتغذية الحيوانات على صحة المستهلكين وكذا العوامل‬
‫المرضية بالنسبة لص حة النباتات والحيوانات‪ ،‬مراقبة أمراض النباتات والحيوانات والمنتجات المتأتية من النباتات والحيوانات والمنتجات الغذائية والمواد‬
‫المعدة لتغذية الحيوانات واألدوية البيطرية وكل المنتجات األخرى الموجهة لالستعمال الطبي البيطري أو للجراحة البيطرية‪ ،‬تسليم األذون أو االعتمادات‬
‫الصحية حسب الحالة للمؤسسات التي تنتج فيها المنتجات الغذائية والمواد المعدة لتغذية الحيوانات أو تصنع أو تعالج أو تناول أو تنقل أو تودع أو يحتفظ‬
‫بها أو تباع فيها باستثناء أسواق السمك بالجملة وبواخر الصيد والنقاالت المائية ووحدات معالجة وإنتاج وتحويل وتوضيب وحفظ منتجات الصيد البحري‬
‫والمواد الثانوية لها‪ ،‬يولي المراقبة الصحية للحيوانات ومراقبة ترقيمها وتنقالتها‪ ،‬تطبيق النصوص التنظيمية الجاري بها العمل في مجال الشرطة الصحية‬
‫البيطرية والنباتية‪ ،‬مراقبة األدوية البيطرية والمؤسسات الصيدلية البيطرية والقيام بتسجيلها‪ ،‬راجع أكثر المرسوم رقم ‪ 0.00.2.0‬بتاريخ ‪ 22‬من رجب ‪0021‬‬
‫(‪ 02‬ماي ‪ )0200‬يتعلق بتنظيم وبكيفيات سير الشرطة البيئية‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 1211‬بتاريخ ‪ 01‬شعبان ‪ 0( 0021‬يونيو ‪ ،)0200‬ص ‪.00.0‬‬
‫(‪)314‬راجع المادة ‪ 0‬قانون رقم ‪ 00 2.‬القاض ي بإحداث المكتب الوطني للسالمة الصحية للمنتجات العدائية السالفة الذكر‪.‬‬

‫‪P 190‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫ولالستعراض التدابير الصحية المتخذة بموجب الدولة‪ ،‬سنقوم بدراسة بعض‬


‫اإلجراءات المتعلقة بالتفتيش والمر اقبة الصحية البيطرية التي يتولى القيام بها األطباء‬
‫والتقنيون الذين يحق لهم تحرير محاضر املخالفات التي يضبطوها أثناء قيامهم بالبحث‬
‫والمر اقبة على المنتجات الحيوانية وذات األصل الحيواني(‪ ،)315‬فما هي تدابير التفتيش‬
‫الصحي المتحدة في هذا املجال في ضوء التشريع المغربي المعمول به؟‬

‫البد من األطباء والتقنيون املحلفون التابعون للمصالح البيطرية للمكتب الوطني‬


‫للسالمة الصحية للمنتجات الغذائية‪ ،‬أن يعملوا على اتخاذ جميع إجراءات التفتيش‬
‫والمر اقبة الصحية البيطرية‪ ،‬وهي علي ثالث مستويات(‪ :)316‬المر اقبة االعتيادية‪ ،‬المر اقبة‬
‫الموسمية‪ ،‬المر اقبة المبرمجة‪.‬‬

‫تعد المر اقبة االعتيادية من ضمن المر اقبات التي يقوم بها المكتب الوطني السالمة‬
‫الذبائح(‪)317‬‬ ‫الصحية للمنتجات الغذائية‪ ،‬وتشمل هذه المر اقبة‪ ،‬املجازر والتأكد من سالمة‬
‫التي يتم عرضها لالستهالك العمومي(‪ ،)318‬وبعد التحقق من مطابقة المنتجات الحيوانية‬
‫لقواعد السالمة والجودة المنصوص عليها قانونا يقوم الطبيب المكلف بوضـع خـاتم عليها‬
‫بمثابة إذن أو ترخيص ببيع وتسويق هذه المنتجات للمستهلك(‪ ،)319‬وبالمقابل يمنع عرض أو‬
‫ترويج المواد الحيوانية والمواد ذات األصل الحيواني الغير المطابقة للمواصفات المعترف‬
‫بها(‪.)320‬‬

‫وفي نفس المنوال‪ ،‬تطرق المرسوم التطبيقي إلى كيفية إجراء التفتيش على‬
‫الحيوانات الحية والمواد الحيوانية من حيث السالمة والجودة(‪ ،)321‬بحيث يشمل على تفتيش‬
‫األماكن العامة والخاصة وملحقاتهـا األصطبالت‪ ،‬أسواق البهائم املجازر‪ ،‬األسواق‪ ،‬والمعارض‬

‫(‪)315‬يتولى األطباء والتقنيون القيام بمهام التفتيش حيث السالمة والجودة بالنسبة للحيوانات والمواد الحيوانية املحددة في الفصل ‪ 0‬من الشهر الشريف‬
‫رقم ‪ 0-20-020‬المؤرخ في ( ‪ .‬أكتوبر‪ ) 0222‬يتعلق بتدبير التفتيش من حيث السالمة والجودة بالنسبة للحيوانات الحية والمواد الحيوانية أو ذات األصل‬
‫الحيواني‪ ،‬ونذكر منها الحيوانات المسلم لحمها العموم ألالستهالك‪ ،‬حيوانات الجزارة الطيور الدواجن‪ ،‬منتجات البحر‪)...‬‬
‫(‪)316‬يتوفر المكتب ( ‪ )ONSSA‬على ‪ 02‬مصلحة بيطرية موزعة على ‪ 02‬مديريات جهوية‪.‬‬
‫(‪)317‬راجع الفصلين ‪ 2‬و‪ 0‬من الظهير بمثابة القانون السالف الذكر‪.‬‬
‫(‪)318‬ينص الفصل من الظهير بمثابة قانون رقم ‪ 0- 20- 020‬الصادر في ( ‪ .‬أكتوبر‪ ) 0222‬التفتيش إجباريا بالنسبة للحيوانات الحية واللحوم والمواد‬
‫الحيوانية والمواد ذات األصل الحيواني المعدة لالستهالك العمومي‪ ،‬وإجباريا كذلك بالنسبة للحيوانات واللحوم الحيوانية المعدة لتغذية الحيوانات وصناعة‬
‫المنتجات الحيوانية الثانوية‪.‬‬
‫(‪)319‬الفصل ‪ 2‬من الظهير بمثابة القانون المشار إليه‬
‫(‪)320‬الفصل ‪ .‬من نفس الظهير‪.‬‬
‫(‪)321‬المرسوم رقم ‪ 0 2..102‬صادر في ‪ 02‬من رمضان ‪ 0 ( 0002‬يناير‪ )0222‬لتطبيق الظهير الشريف رقم ‪ 0.20 020‬ج‪.‬ر عدد ‪ 02 - 0110‬شوال ‪0( 0002‬‬
‫فبراير ‪ )0222‬ص‪.022 :‬‬

‫‪P 191‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫والعربات والسفن ومؤسسات تقطيع الحيوانات ونقط البيع‪ ،‬مع إجراء الفحصين السابق‬
‫والالحق للذبح‪ ،‬منع الحيوانات التي تعاني من أعراض مرضية وكذا الهائجة المتعبة(‪،)322‬‬
‫التخلص من الحيوانات المصابة غير الصالحة لحومها لالستهالك عن طريق إحر اقها تحت‬
‫إشراف الطبيب المكلف بالتفتيش‪ ،‬حجز كل مادة حيوانية أو ذات أصل حيواني يمكن أن‬
‫تحتوي على عناصر جرثومية أو سامة بالنسبة لإلنسان أو الحيوان‪ ،‬تحديد شروط النظافة‬
‫المفروضة على مؤسسات الذبح و تحضيرالمواد الحيوانية أو من أصل حيواني‪.‬‬

‫والجدير بالذكر أن عمليات المر اقبة والتفتيش الصحي االعتيادية ال تنحصر فقط في‬
‫األسواق ونقط البيع‪ ،‬بل تمتد كذلك لتشمل تدخالت المصالح البيطرية العاملة على مستوى‬
‫الموانئ‪ ،‬وهي إجراءات من األهمية بمكان على اعتبار أنها تحمي المستهلك داخل التراب الوطني‬
‫من أي منتوج يمكن أن يشكل خطرا على صحته يتم استيراده من األسواق األجنبية‪ .‬لهذا الغرض‬
‫تفرض المصالح املختصة في الحدود تدابيرصحية عند استيراد بعض الحيوانات والمواد ذات‬
‫األصل الحيواني ومن أهم هذه التدابير اإلجراءات إخضاع الحيوانات والمنتجات للمر اقبة‬
‫بهدف التحقق من جودتها وتوفرها على الشروط الصحية‪ ،‬حظر دخول الحيوانات والمواد‬
‫والمنتجات التي نصت عليها المادة ‪ 3‬من القانون رقم‪ ،.25.08.‬إال إذا كانت خالية من األمراض‬
‫المعدية ومصحوبة بوثائق صحية صادرة عن بلد المنشأ‪ ،‬مع إمكانية إخضاع الحيوانات‬
‫لنظام الحجر الصحي(‪ )323‬قصد التحقق من حالتها الصحية أو بهدف إجراء اختبارات أو بحوث‬
‫تكميلية‪ ،‬إقصاء جميع الحيوانات التي يشتبه في كونها مصابة بأمراض معدية أو بعدوى خالل‬
‫إجراء المر اقبة الصحية‪ ،‬من الدخول إلى التراب الوطني كما يجوز إتالف المواد ذات األصل‬
‫الحيواني أو إحر اقها‪.‬‬

‫(‪)322‬الفصل ‪ 0‬من الظهير الشريف بمثابة قانون رقم ‪ 0.20.020‬بتاريخ ‪ 0‬شوال ‪ 02 ( 0222‬شتنبر ‪ )0222‬يتعلق باتخاذ التدابير الكفيلة بحماية الحيوانات‬
‫الداجنة من األمراض المعدية‪ ،‬الئحة األمراض التي يستوجب التصريح بها لدى المصالح البيطرية املختصة قصد اتخاذ التدابير المستعجلة لعزل الحيوانات‬
‫المصابة أو المشكوك فيها ‪.‬‬
‫تمت مراجعة الظهير بمقتض ى الظهير الشريف بمثابة قانون رقم ‪0.21.254‬صادر في رمضان ‪ 00 - 0002‬يناير ‪ 0222‬بتغير وتتميم الظهير الشريف المعتبر‬
‫بمثابة قانون رقم ‪ 020.20.0‬المشار إليه أعاله ‪-‬ج‪.‬ر عدد ‪ . 00.0‬محرم ‪ 00( 000.‬ماي ‪ )0222‬ص‪0012 :‬‬
‫(‪)323‬يكون الحجز في المحجر التابع لمنفذ الحدود التي تدخل منه الحيوانات أو في المكان الذي تعينه لذلك الجهة الصحية البيطرية المركزية عند عدم وجود‬
‫محجر في النفوذ الترابي‪.‬‬

‫‪P 192‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫وفي إطار إعمال مبدأ اليقظة وبهدف ضمان االكتفاء الذاتي من اللحوم‬
‫والمنتجات الحيوانية(‪)324‬من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى توفير حماية صحية للمستهلك(‪.)325‬‬
‫أعطى المشرع المغربي للمكتب الوطني للسالمة الصحية للمنتجات الغذائية‪ ،‬حق القيام‬
‫بالمر اقبة الموسمية للمصالح البيطرية في بعض المناسبات‪ ،‬كفصل الصيف حيث يكثر‬
‫اإلقبال على استهالك المنتجات الغذائية‪ ،‬وما يترتب على ذلك إمكانية تعرض المستهلك للتسمم‬
‫ما يشكل خطرا كبيرا على سالمته(‪ ،)326‬وال يقتصر التفتيش على المنتجات الحيوانية أو ذات‬
‫األصل الحيواني‪ ،‬بل شمل کذلك حتى الحيوانات بوصفها مصـدـرا لتلك المنتجات(‪ .)327‬بحيث‬
‫تخضع المؤسسات العاملة في هذا املجال للترخيص يسلم من طرف المصالح املختصة بعد‬
‫إجراء تفتيش صحي لهذه المنشآت والتأكد من توفرها على الضوابط المنصوص عليها في‬
‫المرسوم التطبيقي(‪.)328‬‬

‫وباإلضافة إلى الشروط الصحية التي يشترطها القانون في مؤسسات تربية الطيور‬
‫الداجنة‪ ،‬هناك شروط أخرى منصوص عليها في المرسوم التطبيقي للقانون ‪ ،20-00‬ويتعلق‬
‫األمربمراعاة واحترام المسافات الدنيا التي تفصل بين ضيعة وأخرى أو ضيعة ومحضن أو بين‪،‬‬
‫محضنين(‪ ،)329‬بحيث نظمت هذه المسألة بقرار الوزير المكلف بالفالحة الذي يحدد مسألة‬
‫قياس المسافة الواجب احترامها‪ ،‬الذي نص على وجوب توفر الضيعة الجديدة على مسافة ‪1‬‬
‫كيلومترات فاصلة مع وحدة أخرى لتربية و إنتاج الدواجن(‪ ،)330‬وهذا ما دفع رئيس المصلحة‬
‫البيطرية اإلقليمية للمديرية الجهوية للمكتب إلى إصدارقراربرفض طلب الترخيص لطالبه على‬
‫أساس عدم توفر ضيعته على الشروط المتعلقة بالمسافة القانونية كما يشترطها قرار السيد‬
‫وزير الفالحة والمسموح بها بين ضيعة لتربية و إنتاج الدواجن وأخرى مماثلة‪ ،‬باإلضافة إعمال‬

‫(‪)324‬المادة ‪ 0‬من القانون رقم ‪ ،00..2‬يراد بالحيوانات‪ :‬البقر والحصان والماعز واإلبل والخنازير والخيل والحمير والدواجن والحيوانات المتوحشة والحيوانات‬
‫المصطادة والنحل والحيوانات المتخذة للمرافقة والحيوانات المستخدمة في املختبرات‪.‬‬
‫(‪)325‬قرار الوزير الفالحة والتنمية القروية والصيد البحري رقم ‪ 00 -0002.2‬يوليو ‪ 0222‬بتغير القرار رقم ‪ 221 22‬صادر في ‪ .‬يونيو ‪ 0222‬بحضر در دخول‬
‫بعض الحيوانات والمنتجات الحيوانية أو ذات األصل الحيواني المعدة ألالستهالك البشري أو الحيواني إلى التراب الوطني ج‪.‬ر عدد ‪ 2 -020.‬جمادي األولى‬
‫‪0 ( 0002‬أغض ى ‪ )0222‬ص‪.0020 :‬‬
‫(‪)326‬بالرغم من كون حمالت العراقية التي يقودها العراقيون سواء منهم أعوان زجر الغش أو المفتشون أو التقنيون‪ ،‬تكون في بعض األوقات بصورة موسمیه‬
‫فإنها تبقى مقيدة للمستهلكين الدين قد يتعرضون خالل المناسبات المذكورة أعالم الحاالت عديدة من التسمم الغذائية الخطيرة التي تهدد صحته وسالمته‬
‫(‪)327‬القانون رقم ‪ 02-22‬المتعلق بالوقاية الصحية لتربية الطيور الداجنة وبمراقبة إنتاج وتسويق منتوجاتها على مجموعة من التدابير الهادفة إلى تحديد‬
‫الشروط الصحية والتقنية الضرورية لمزاولة أنشطة تربية الدواجن‬
‫(‪)328‬راجع الفصول من ‪ 0‬إلى ‪ 00‬من القانون رقم ‪ 02.22‬وكذلك مرسومه التطبيقي رقم ‪ 0.20.1.0‬صادر في ‪ 00‬من ذي القعدة ‪ 02 ( 0000‬سبتمبر ‪ ) 0220‬ج‪.‬ر‬
‫عدد ‪ 1 ( 00.2‬يناير ‪.) 0220‬‬
‫(‪)329‬المادة ‪ 1‬من المرسوم التطبيقي رقم ‪ 0-20 1.0‬صادر بتاريخ (‪ 02‬ديسمبر ‪.)0220‬‬
‫(‪ )330‬المادة ‪ 20‬من قرار وزير الفالحة والصيد البحري رقم ‪ 0002/20‬الصادر بتاريخ ‪.0220-00-00‬‬

‫‪P 193‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫مبدأ األسبقية بين الطلبات المقدمة لدى المصلحة البيطرية المعنية‪ ،‬وبذلك كان مصيرطلب‬
‫إلغاء القراراإلداري رفض طلب المعني باألمر(‪.)331‬‬

‫والجديربالذكرانه فيما يتعلق بتطبيق النصوص القانونية المنظمة لعمل المكتب أن‬
‫القاض ي المقررقد يلجأ إلى إجراء مقابلة أو بحث بين أطراف النزاع سواء كانوا أشخاصا ذاتيين‬
‫أو معنويين للتعرف عن قرب عن مضامين تلك النصوص التشريعية والتنظيمية التي تتميز‬
‫بالتعدد والتشعب‪.‬‬

‫ومن تدخالت األطراف من مدعي ومدعى عليه باإلضافة إلى ممثلي اإلدارة‪،‬‬
‫تتشكل وتتضح لدى القضاء غايـة أو فلسفة المشرع من وضع شروط ومواصفات محددة‬
‫إلصدار ترخيص بممارسة أنشطة تدخل في اختصاص المكتب‪ .‬كما أن املحكمة تعتمد على‬
‫الوثائق المرفقة بالقضية التي يمكن أن تتضمن محاضر المر اقبة والتفتيش الصادرة عن‬
‫المصلحة المعنية بإصدار قرار القبول أو رفض‪ ،‬باإلضافة إلى نسـخ مـن المراسالت التي يتم‬
‫إرسالها إلى املحامي المعني باألمرحول بارات بخصوص القرارالمتخذ وكذا النصوص القانونية‬
‫والمبررات المعتمدة التخاذ القرارالمناسب‪.‬‬

‫وبذلك فإن المكتب حريص على تطبيق المقتضيات القانونية‪ ،‬ألن العمل في مجال‬
‫الشرطة الصحية البيطرية والنباتية‪ ،‬يدخل في صميم االختصاصات المسندة إليه(‪.)332‬‬

‫ثم المر اقبة المبرمجة حيت انه ال تقل هذه المرحلة من مراحل المر اقبة أهمية عن‬
‫سابقاتها‪ ،‬بحيث إن ما يميزها كونها تتم في إطار لجن مشتركة بين ممثلي عدة قطاعات وزارية‬
‫(الفالحة‪ ،‬الداخلية‪ ،‬الصحة‪ ،‬التجارة والصناعة)‪ ،‬وتقوم هذه اللجان بإجراء زيارات تفتيش‬
‫مفاجئة لنقط البيع ووحدات اإلنتاج وغيرها وفي حالة إثبات مخالفة يتم تحرير محاضر بهذا‬
‫الشأن تكون مذيلة بتوقيعات ممثلي القطاعات المعنية‪ ،‬كما يمكن لها أخذ عينات من المنتوج‬
‫المشكوك فيه وإرساله للمختبر املختص إلجراء التحاليل املخبرية الضرورية‪ ،‬وقد مكنت‬
‫عمليات المر اقبة والتفتيش على مستوى اللجان اإلقليمية برسم سنة ‪ 5833‬من القيام ب‬

‫(‪)331‬الحكم املحكمة اإلدارية بالدار البيضـاء رقم ‪ .22‬الصادر بتاريخ ‪ ،2./20/0200‬منشور‪.‬‬

‫(‪)332‬يمكن أن يفوض مجلس إدارة المكتب‪ ،‬تحت مراقبته‪ ،‬إنجاز كل أو جزء من بعض المهام إلى هيئات عامة أو أشخاص معنوية خاضعة للقانون الخاص‬
‫يعتمدها المكتب لهذا الغرض‪ ،‬وتحدد هذه المهام بقرار وزاري للسلطة الحكومية المكلفة بالفالحة‪ ،‬المادة ‪ 20‬من قانون رقم‪ ،25.08‬تظل اختصاصات‬
‫ومسؤولية موظفي وأعوان زجر الغش املحلفين ومفتش ي وقاية النباتات والبياطرة المفتشين وتقنيي تربية المواش ي املحلفين التابعين للمكتب خاضعة لألحكام‬
‫التشريعية والتنظيمية المطبقة عليهم‪ ،‬وفقا للمادة ‪ 22‬من قانون رقم‪25.08‬القاض ي بإحداث المكتب الوطني للسالمة الصحية للمنتجات الغذائية‪.‬‬

‫‪P 194‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫‪ 03،888‬زيارة مر اقبة في إطار ‪ 15.188‬لجان مشتركة مكنت من مر اقبة ‪ 5.881.088‬طن من‬


‫المنتجات الغيرالصالحة لالستهالك‪ ،‬أي بزيادة ‪ % 25‬بالمقارنة مع سنة ‪.5830‬‬

‫و انطالقا من استعراض النصوص التي تنظم اختصاصات ومهام المكتب‪،‬‬


‫يتبين بأن مسؤولية المر اقبين والمفتشين التابعين له ليست بالمهمة الهينة بالنظر لتضخم‬
‫الترسانة التشريعية والتنظيمية التي يجب تنزيلها أثناء ممارسة مهام المر اقبة‪ ،‬وهذا ال يعني أن‬
‫المؤسسة هي المسؤولية الوحيدة عن تطبيق القانون وبالتالي توفير الحماية للمستهلك‪ ،‬بل‬
‫تعتد كذلك للمؤسسات والمقاوالت العاملة في القطاع الغذائي‪ ،‬مما يرتب المسؤولية على عاتق‬
‫أرباب هذه المؤسسات وعلى رأسهم المنهي المنتج‪.‬‬

‫الئ ـح ــة المــراج ــع المــعت ـمــدة‬

‫عبد القادرالعرعاري‪ ،‬مصادرااللتزام الكتاب الثاني‪ ،‬المسؤولية المدنية دراسة مقارنة‬


‫على ضوء النصوص التشريعية الجديدة‪ ،‬مطبعة األمنية الرباط‪ ،‬الطبعة السابعة ‪.5830‬‬

‫مأمون الكزبري‪ ،‬نظرية االلتزامات في ضوء قانون االلتزامات والعقود المغربي‪ ،‬مطابع‬
‫دارالقلم‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثانية سنة ‪.3005‬‬

‫عبد الواحد العلمي‪ ،‬شرح القانون الجنائي المغربي القسم الخاص‪ ،‬مطبعة النجاح‬
‫الجديدة‪ ،‬الطبعة العاشرة ‪.5830‬‬

‫عابد العمراني الميلودي‪ ،‬أمحمد اقبلي‪ ،‬القانون الجنائي الخاص المعمق في شروح‪،‬‬
‫مطبعة الرشاد السطات‪ ،‬الطبعة األولى ‪.5858‬‬

‫قـرار محكمة النقض‪ ،‬عـدد ‪ 322/0‬المؤرخ في ‪ ،30/83/5885‬الملف الجنحي عدد‬


‫‪ ،0200/3/0/5888‬منشور‪.‬‬

‫جميلة جالم‪ ،‬الحماية الجنائية للمستهلك من الغش التجاري‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم‬
‫ماستر‪،‬جامعة القاض ي عياض‪ ،‬كلية الحقوق بمراكش‪.5831-5835،‬‬

‫‪ ‬مراجع خاصة بالمهام وصالحيات المكتب‬

‫مرسوم رقم ‪ 5.80.205‬صادرفي ‪ 0‬ذي الحجة ‪ 3218‬بتطبيق القانون رقم ‪ 50.80‬القاض ي‬


‫بإحداث المكتب الوطني للسالمة الصحية للمنتجات الغذائية)‬

‫‪P 195‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫القانون رقم ‪ 50.80‬القاض ي بإحداث المكتب الوطني للسالمة الصحية للمنتجات‬


‫الغذائية الصادربتنفيذه الظهيرالشريف رقم ‪ 3.80.58‬صادرفي ‪ 55‬من صفر‪)3218‬‬

‫(مرسوم رقم ‪ 5.38.833‬صادر في ‪ 18‬من ربيع األول ‪ 30( 3213‬مارس ‪ )5838‬بتطبيق‬


‫المادة ‪ 33‬من القانون رقم ‪ 50.80‬القاض ي بإحداث المكتب الوطني للسالمة الصحية للمنتجات‬
‫الغذائية‪).‬‬

‫(قرار لوزير الفالحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات رقم ‪5830.30‬‬
‫صادر في ‪ 51‬من ذي القعدة ‪ 33( 3210‬أغسطس ‪ )5830‬يتعلق بالمهام التي يفوضها المكتب‬
‫الوطني للسالمة الصحية للمنتجات الغذائية إلى هيئات عمومية أو إلى أشخاص اعتباريين‬
‫خاضعين للقانون الخاص)‬

‫قرار وزير الفالحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات رقـم ‪3383.58‬‬
‫صـادرفي ‪ 50‬من شوال ‪ 58( 3223‬يونيو‪ )5858‬المتعلق بتفويض المكتب الوطني للسالمة الصحية‬
‫للمنتجات الغذائية ترقيم وتسجيل تحركات الحيوانات إلى هيئات عمومية أو إلى أشخاص‬
‫اعتباريين خاضعين للقانون الخاص)‬

‫السالمة الصحية للمنتجات الغذائية‪:‬‬

‫القانون رقم ‪ 50 .80‬المتعلق بالسالمة الصحية للمنتجات الغذائية الصادر بتنفيذه‬


‫الظهيرالشريف رقم ‪ 3.38.80‬صادرفي ‪ 53‬من صفر‪ 33( 3213‬فبراير‪)5838‬‬

‫مراجع خاصة بالترخيص واالعتماد من طرف المكتب‬ ‫‪‬‬

‫مرسوم رقم ‪ 5.38.201‬صادر في ‪ 0‬شوال ‪ 3( 3215‬سبتمبر ‪ )5833‬بتطبيق بعض‬


‫مقتضيات القانون رقم‪ 50.80‬المتعلق بالسالمة الصحية للمنتجات الغذائية)‬

‫(قرارمشترك لوزيرالفالحة والصيد البحري ووزيرالداخلية ووزيرالصحة رقم ‪5030.35‬‬


‫صادرفي ‪ 35‬من رمضان ‪( 3211‬فاتح أغسطس ‪ )5835‬بتحديد رمزالنشاط ورمزالعمالة أو اإلقليم‬
‫الواجب تضمينهما في أرقام الترخيص واالعتمادات على المستوى الصحي)‬

‫‪P 196‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫(قرار لوزير الفالحة والصيد البحري رقم ‪ 522.31‬صادر في ‪ 2‬ربيع األول ‪ 33( 3212‬يناير‬
‫‪ )5831‬يتعلق بالترخيص واالعتماد على المستوى الصحي للمؤسسات والمقاوالت في قطاع تغذية‬
‫الحيوانات وفي القطاع الغذائي‪ ،‬باستثناء البيع بالتقسيط والمطاعم الجماعية)‬

‫(قرار مشترك لوزير الفالحة والصيد البحري ووزير الصحة رقم ‪ 001.31‬في ‪ 0‬جمادى‬
‫األولى ‪ 53( 3212‬مارس ‪ )5831‬بتحديد أشكال وكيفيات المر اقبة الطبية لمستخدمي المؤسسات‬
‫والمقاوالت في القطاع الغذائي وكذا قائمة األمراض والتعفنات التي من شأنها أن تلوث المنتجات‬
‫الغذائية)‬

‫(قرارلوزيرالفالحة والصيد البحري رقم ‪ 3831.30‬صادرفي ‪ 38‬جمادى اآلخرة ‪13( 3213‬‬


‫مارس ‪ )5830‬بتحديد شكل ومحتوى سجل الزيارات الصحية المنتظمة المعد من طرف مستغلي‬
‫المؤسسات أو المقاوالت على المستوى الصحي في القطاع الغذائي وفي قطاع تغذية الحيوانات‪،‬‬
‫باستثناء البيع بالتقسيط والمطاعم الجماعية)‬

‫(قرار مشترك لوزير الفالحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات ووزير‬
‫الصحة رقم ‪ 5188.30‬صادر في ‪ 33‬من محرم ‪ 53( 3228‬سبتمبر‪ )5830‬بتحديد خصائص فعالية‬
‫مواد التنظيف والتطهير وصفات تسممها ونقائها وكذا ظروف استعمالها في المؤسسات‬
‫والمقاوالت في القطاع الغذائي وفي قطاع تغذية الحيوانات)‬

‫‪ ‬دالئل االستعماالت الصحية الجيدة‬

‫(قرار لوزير الفالحة والصيد البحري رقم ‪ 130.30‬صادر في ‪ 30‬من ربيع األخر ‪0( 3213‬‬
‫فبراير‪ )5830‬يتعلق بالمصادقة على دليل االستعماالت الصحية الجيدة للمطاحن الصناعية‪).‬‬

‫(قراروزيرالفالحة والصيد البحري رقم ‪ 5208.30‬صادرفي ‪ 53‬من رمضان ‪ 0( 3213‬يوليو‬


‫‪ )5830‬بالمصادقة على دليل االستعماالت الصحية الجيدة لقطاع مصبرات زيتون المائدة‪).‬‬

‫(قراروزيرالفالحة والصيد البحري رقم ‪ 5203.30‬صادرفي ‪ 53‬من رمضان ‪ 0( 3213‬يوليو‬


‫‪ )5830‬بالمصادقة على دليل االستعماالت الصحية الجيدة لقطاع مصبرات الكبار)‬

‫(قرارلوزيرالفالحة والصيد البحري رقم ‪ 1880.30‬صادرفي ‪ 51‬من ذي القعدة ‪0( 3213‬‬


‫سبتمبر‪ )5830‬يتعلق بالمصادقة على دليل االستعماالت الصحية الجيدة لقطاع الملح الغذائي‪).‬‬

‫‪P 197‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫(قرار لوزير الفالحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات رقم ‪3882.58‬‬
‫بتاريخ ‪ 3‬شعبان ‪ 53( 3223‬مارس ‪ )5858‬يتعلق بالمصادقة على دليل االستعماالت الصحية‬
‫الجيدة لقطاع زيوت الزيتون البكر)‪.‬‬

‫(قرار لوزير الفالحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات رقم ‪3852.58‬‬
‫صادرفي ‪ 35‬من شعبان ‪ 3( 3223‬أبريل ‪ )5858‬يتعلق بالمصادقة على دليل االستعماالت الصحية‬
‫الجيدة لقطاع النباتات العطرية ومشتقاتها)‪.‬‬

‫(قرار لوزير الفالحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات رقم ‪3850.58‬‬
‫صادرفي ‪ 35‬من شعبان ‪ 3( 3223‬أبريل ‪ )5858‬يتعلق بالمصادقة على دليل االستعماالت الصحية‬
‫الجيدة لقطاع التوابل)‪.‬‬

‫(قرار لوزير الفالحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات رقم ‪3002.58‬‬
‫صادر في ‪ 55‬من ذي القعدة ‪ 32( 3223‬يوليو ‪ )5858‬يتعلق بالمصادقة على دليل االستعماالت‬
‫الصحية الجيدة لقطاع الفواكه الحمراء املجمدة)‪.‬‬

‫(قرار لوزير الفالحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات رقم ‪1853.58‬‬
‫صادر في ‪ 53‬من ربيع اآلخر ‪ 0( 3225‬ديسمبر ‪ )5858‬يتعلق بالمصادقة على دليل االستعماالت‬
‫الصحية الجيدة لقطاع الفواكه الحمراء الطازجة)‪.‬‬

‫(قرار لوزير الفالحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات رقم ‪1855.58‬‬
‫صادر في ‪ 53‬من ربيع اآلخر ‪ 0( 3225‬ديسمبر ‪ )5858‬يتعلق بالمصادقة على دليل االستعماالت‬
‫الصحية الجيدة لقطاع اللحوم المستحضرة)‪.‬‬

‫(قرار لوزير الفالحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات رقم ‪5000.53‬‬
‫بتاريخ ‪ 30‬ربيع األول ‪ 50( 3221‬أكتوبر ‪ )5853‬يتعلق بالمصادقة على دليل االستعماالت الصحية‬
‫الجيدة لقطاع الفواكه الطرية)‪.‬‬

‫(قرار لوزير الفالحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات رقم ‪5000.53‬‬
‫بتاريخ ‪ 30‬ربيع األول ‪ 53( 3221‬أكتوبر ‪ )5853‬يتعلق بالمصادقة على دليل االستعماالت الصحية‬
‫الجيدة لقطاع الخضروات)‪.‬‬

‫‪P 198‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫‪ ‬مطابقة المنتجات ‪:‬‬

‫(قرارمشترك لوزيرالفالحة والصيد البحري ووزيرالصحة رقم ‪ 3000.32‬صادرفي ‪ 32‬من‬


‫رجب ‪ 32( 3210‬ماي ‪ )5832‬بتحديد قائمة المضافات الغذائية المرخص استعمالها في المنتجات‬
‫األولية والمنتجات الغذائية وحدودها وكذا البيانات الالزم ذكرها على تلفيف هذه المضافات‪).‬‬

‫(قرار مشترك لوزيرالفالحة والصيد البحري ووزيرالصحة رقم ‪ 303.32‬صادر في ‪ 30‬من‬


‫ربيع األول ‪ 30( 3210‬يناير ‪ )5832‬بتحديد الحدود القصوى المسموح بها لبقايا المواد المتعلقة‬
‫بالصحة النباتية في المنتجات األولية والمنتجات الغذائية أو عليها)‬

‫(قرارمشترك لوزيرالفالحة والصيد البحري ووزيرالصحة رقم ‪ 3321.33‬صادرفي ‪ 51‬من‬


‫شعبان ‪ 18( 3210‬مايو ‪ )5833‬بتحديد الحدود القصوى للملوثات المسموح بها في المنتجات‬
‫األولية والمنتجات الغذائية)‬

‫(قرار مشترك لوزير الفالحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات ووزير‬
‫الصحة رقم‪ 5202.30‬صادرفي ‪ 1‬جمادى اآلخرة ‪ 58( 3210‬فبراير‪ )5830‬بتحديد الحدود القصوى‬
‫المسموح بها من بقايا المنتجات الصيدلية في المنتجات األولية والمنتجات الغذائية)‬

‫(قرار مشترك لوزير الفالحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات ووزير‬
‫الصحة رقم ‪ 501.30‬صادر في ‪ 0‬جمادى االخرة ‪ 30(3228‬فبراير ‪ )5830‬بتحديد قائمة المعايير‬
‫الميكروبيولوجية وحدودها المسموح بها ضمن المنتجات األولية والمنتجات الغذائية)‬

‫‪ ‬العنونة‬

‫(مرسوم رقم ‪ 5.35.100‬صادرفي ‪ 33‬من جمادى اآلخرة ‪ 55( 3212‬أبريل ‪ )5831‬بتحديد‬


‫شروط وكيفيات عنونة المنتجات الغذائية)‬

‫(قرار لوزير الفالحة والصيد البحري رقم ‪ 3100.38‬صادر في ‪ 50‬من شعبان ‪33( 3213‬‬
‫أغسطس ‪ )5838‬يتعلق بالمنتجات المعفاة من بعض البيانات الضرورية في عنونتها‪).‬‬

‫(قرار لوزير الفالحة والصيد البحري رقم ‪ 1003.30‬صادر في ‪ 0‬صفر ‪ 58( 3210‬نوفمبر‬
‫‪ )5830‬بتحديد كيفيات اإلشارة إلى الكمية الصافية والوزن الصافي المقطر لبعض المنتجات و‬
‫اإلشارة إلى حصة اإلنتاج أو التصنيع أو التوضيب التي ينتمي إليها المنتوج الملفف)‬

‫‪P 199‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫(قرارمشترك لوزيرالفالحة والصيد البحري ووزيرالصحة رقم ‪ 503.33‬صادرفي ‪ 53‬من‬


‫ربيع األخر ‪( 3210‬فاتح فبراير ‪ )5833‬بتحديد قواعد وكيفيات اإلشارة إلى المعلومات الغذائية في‬
‫عنونة المنتجات الغذائية الملففة)‬

‫(قرار لوزير الفالحة والصيد البحري رقم ‪ 5810.33‬صادر في ‪ 0‬شوال ‪ 35( 3210‬يوليو‬
‫‪ )5833‬بتحديد الكيفيات التقنية لإلشارة إلى المكونات في عنونة المنتجات الغذائية)‬

‫(قرار مشترك لوزير الفالحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات ووزير‬
‫الصحة والحماية االجتماعية رقم ‪ 3500.55‬صادرفي ‪ 0‬شوال ‪ 38( 3221‬ماي ‪ )5855‬بتحديد الئحة‬
‫المنتجات السريعة التلف من الناحية الميكروبيولوجية والتاريخ األقص ى الستهالكها وكذا درجة‬
‫حرارة حفظها)‬

‫‪ ‬أعوان المر اقبة والبياطرة المنتدبون‬

‫(مرسوم رقم ‪ 5.30.530‬صادر في ‪ 0‬رمضان ‪ 55( 3213‬يونيو ‪ )5830‬بتطبيق المادة ‪53‬‬


‫من القانون رقم ‪ 50.80‬المتعلق بالسالمة الصحية للمنتجات الغذائية)‬

‫(قرارلوزيرالفالحة والصيد البحري رقم ‪ 1000.30‬صادرفي ‪ 58‬من محرم ‪ 1( 3210‬نوفمبر‬


‫‪ )5830‬بتحديد نموذج البطاقة المهنية لألعوان المؤهلين املحررين للمحاضر التابعين للمكتب‬
‫الوطني للسالمة الصحية للمنتجات الغذائية)‬

‫(قرار مشترك لوزير الفالحة والصيد البحري ولوزير االقتصاد والمالية رقم ‪508.33‬‬
‫صادر في ‪ 53‬من ربيع اآلخر ‪( 3210‬فاتح فبراير ‪ )5833‬يحدد مبلغ وكيفيات منح التعويض المالي‬
‫لألشخاص المستفيدين من انتداب التفتيش البيطري)‬

‫(قرار لوزير الفالحة والصيد البحري رقم ‪ 208.33‬صادر في ‪ 58‬من جمادى األولى ‪3210‬‬
‫(‪ 50‬فبراير‪ )5833‬بتحديد نموذج انتداب التفتيش البيطري وكيفيات منحه وتجديده وسحبه)‬

‫(قرار لوزير الفالحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات رقم ‪3003.58‬‬
‫صادرفي ‪ 50‬من شوال ‪ 58( 3223‬يونيو‪ )5858‬بتحديد أشكال وكيفيات إعداد املحاضراملحررة من‬
‫طرف األعوان المؤهلين التابعين للمكتب الوطني للسالمة الصحية للمنتجات الغذائية)‬

‫الزجرعن الغش‬ ‫‪‬‬

‫‪P 200‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫(القانون رقم ‪ 31.01‬المتعلق بالزجر عن الغش في البضائع الصادر بتنفيذه الظهير‬


‫الشريف رقم ‪ 3.01.380‬صادرفي ‪ 0‬محرم ‪ 0( 3280‬أكتوبر‪))3002‬‬

‫(ظهيرشريف مؤرخ في ‪ 51‬ذي القعدة ‪ 3115‬المو افق (‪ 32‬أكتوبر‪ )3032‬المتعلق بالزجر‬


‫عن الغش في بيع البضائع وتدليس السلع والمأكوالت واملحصوالت الفالحية)‬

‫(قراروزيري مؤرخ في ‪ 55‬جمادى اآلخرة ‪ 3120‬مو افق (‪ 3‬ديسمبر‪ )3050‬المتعلق بإجراء‬


‫العمل بالظهير الشريف المؤرخ في ‪ 51‬ذو القعدة ‪ 3115‬المو افق ‪ 32‬أكتوبر ‪ 3032‬المتعلق بالزجر‬
‫عن الغش) ‪.‬‬

‫(قراروزيري مؤرخ في ‪ 50‬مارس ‪ 3050‬يتعلق بزجر مرتكبي الغش والتدليس في المأكوالت‬


‫والمشروبات المعدة لتموين العساكر)‪.‬‬

‫(قرار للمدير العام للزراعة والتجارة واالستعمار الصادر في ‪ 38‬يوليو ‪ 3050‬بتحديد‬


‫الكميات المأخوذة لتكوين عينات من المواد الغذائية)‪.‬‬

‫‪P 201‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫‪-‬‬

‫ضوابط وحدود التفسري القضايي للنصوص‬


‫القانونية انجنايية‬
‫‪Controls and limits of judicial interpretation of criminal legal texts‬‬
‫مـلخــص‪:‬‬
‫يروم هذا المقال تبيان ضوابط وحدود التفسير القضائي للنصوص القانونية‬
‫الجنائية ‪ ،‬بالنظر إلى أن التفسير في المادة الجنائية تحكمه مجموعة من الضوابط‪ ،‬والتي‬
‫تختلف في جزء كبيرمنها عن مثيالتها في تفسيرالمادة المدنية أو التجارية أو غيرهما‪ .‬ذلك أن أي‬
‫توسع في تفسير النصوص القانونية الجنائية قد تكون له أثار سلبية كبيرة‪ ،‬ألنه قد يفض ي إلى‬
‫إنشاء قواعد جنائية أخرى‪ ،‬جرائم كانت أو عقوبات‪ ،‬ما يجعل القاض ي‪ ،‬والحالة هذه‪ ،‬يرتدي‬
‫جبة المشرع‪ ،‬وبالتالي قد يخرق مبدأ شرعية التجريم والعقاب‪ ،‬في نوع من االعتداء على‬
‫صالحيات واختصاصات السلطة التشريعية‪ ،‬كما قد يخرق مجموعة من المبادئ الدستورية‬
‫والقانونية‪ ،‬كمبدأ فصل السلط‪ ،‬ومبدأ مطابقة التفسيرللقواعد الدستورية‪.‬‬

‫لهذا يأتي هذا المقال ليعالج إشكالية مفادها‪" :‬ما هي الضوابط التي يجب على‬
‫القاض ي الجنائي التقيد بها وهو بصدد تفسيره للنصوص القانونية الجنائية؟"‪ ،‬وتتفرع عن هذه‬
‫اإلشكالية جملة من األسئلة الفرعية‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫‪ -‬ما هي حدود تفسيرالقاض ي الجنائي للنصوص القانونية الجنائية؟‬

‫‪ -‬ما هي المبادئ الدستورية والقانونية التي قد يفض ي إلى خرقها التوسع في تفسير‬
‫النصوص القانونية الجنائية؟‬

‫‪P 202‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

‫ هل مبدأ التفسير الضيق للنصوص القانونية الجنائية مبدأ مطلق أم ترد عليه بعض‬-
‫االستثناءات؟‬

‫ سنقسم مقالنا إلى‬،‫ واألسئلة المتفرعة عنها‬،‫ولمعالجة هذه اإلشكالية الرئيسية‬


:‫مبحثين‬

.‫ مذاهبه وبواعثه‬،‫ أنواعه‬،‫ مفهومه‬،‫ تفسيرالنصوص القانونية‬:‫ المبحث األول‬-

،‫ ضوابط التفسير القضائي للنصوص القانونية الجنائية‬:‫ المبحث الثاني‬-


.‫واالستثناءات الواردة عليه‬

:‫الكلمات المفتاح‬

‫ النصوص القانونية الجنائية – فصل السلط – شرعية التجريم‬- ‫التفسير الضيق‬


.‫والعقاب – القياس‬

Controls and limitations of judicial interpretation of criminal legal texts

Abstract:: This article is intended to indicate the controls and limitations


of judicial interpretation of criminal rules, since the interpretation in the criminal
article is governed by a set of controls, which differ in large part from the same in
the interpretation of civil, commercial or other discipline Any expansion of the
interpretation of criminal law rules may have significant negative effects as it
may lead to the establishment of other criminal rules, crimes or penalties Which
makes the judge in this case, wear the lawmaker's hat, and therefore may breach
the principle of legality of criminalization and punishment in a kind of
infringement of the powers and powers of the legislature, as well as a set of
constitutional and legal principles as the principle of the separation of power, the
principle of conformity of interpretation with constitutional norms.

P 203 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

This article is therefore problematic: "What controls should a criminal


judge abide by while interpreting criminal legal rules?", This problem has a series
of sub-questions:

- What are the limitations of the criminal judge’s interpretation of criminal


legal texts?

- What constitutional and legal principles might be violated by the wider


interpretation of criminal legal norms?

- Is the principle of narrow interpretation of criminal legal texts absolute or


does it contain certain exceptions?

- In order to address this key problem, and the questions that have been
raised about it, we will divide our article bodies of research tow chapters:

 Chapter 1: interpretation of legal texts, concepts, types, doctrines


and motives examination.

 Chapeter2: controls and exceptions to the judicial interpretation of


criminal legal texts

Key words

Narrow interpretation - Criminal legal texts - The principle of the


separation of power - The principle of legality of criminalization- Analogy

:‫مقدمة‬

‫يلعب تفس ير النصوص القانونية دورا جوهريا في درء ما يشوب بعض مقتضياتها من‬
‫ ذلك أن بعض ألفاظ ومتون النصوص القانونية قد تحتمل أكثر من معنى أو‬.‫غموض أو لبس‬
‫ ما قد يؤدي إلى تضارب وتباين األحكام والقرارات الناجمة عن تعدد هذه المعاني أو‬،‫تأويل‬
‫ وبالتالي‬،‫ وهو ما يستوجب تدخل القضاء من أجل تحديد وتوحيد معناها وتأويلها‬،‫التأويالت‬
.‫ وتعزيزثقتهم وأمنهم في القانون وفي القضاء أيضا‬،‫الرفع من منسوب اطمئنان املخاطبين بها‬

P 204 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫وإذا كان ألهل التأويل والتفسير‪ ،‬في المادة المدنية‪ ،‬صالحيات أوسع و مجال أرحب‪،‬‬
‫خصوصا في تفسيرما قد يشوب النصوص القانونية المدنية‪ ،‬من لبس وغموض‪ ،‬أوحتى نقص‪،‬‬
‫فإنهم‪ ،‬وفي المادة الجنائية‪ ،‬ملزمون بضوابط أدق‪ ،‬تجعل تفسيرهم مقيدا بقاعدة عدم‬
‫التوسع‪ ،‬بالنظر لما قد يتأتى‪ ،‬من خالل عدم احترامهم لهذه القاعدة‪ ،‬من اختالق لجرائم لم‬
‫ينصص عليها القانون‪ ،‬أو ابتداع لعقوبات وتدابير وقائية لم يقرها المشرع‪ ،‬وهو ما قد يمس‬
‫بأهم قاعدة يجمع حولها رجاالت وفقهاء القانون‪ ،‬أال وهي قاعدة شرعية التجريم والعقاب‪.‬‬
‫ولعل بعض التشريعات كانت أكثر وضوحا وصرامة في التنصيص على هذا المبدأ‪ ،‬كالقانون‬
‫الجنائي الفرنس ي‪ ،‬والذي نص على هذا األمرمن خالل المادة ‪.3332-332‬‬

‫فالتوسع في تفسير النصوص الجنائية خصوصا من طرف القضاء‪ ،‬قد يشكل خطرا‬
‫محدقا باألمن القضائي الجنائي‪ ،‬حيث يضحي املخاطبون بالقواعد القانونية الجنائية مهددون‪،‬‬
‫بفعل التفسير القضائي الواسع للنصوص‪ ،‬بجرائم وعقوبات وتدابير وقائية لم ينصص عليها‬
‫المشرع بشكل مباشر‪ ،‬ولم يضمنها داخل تشريعاته‪ ،‬وذلك بدعوى اختزان قاعدة قانونية‬
‫جنائية لمعنى ال يستطيع املخاطب بها إدراكه‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فالقاض ي الجنائي‪ ،‬وهو بصدد أجرأة‬
‫النصوص الجنائية وتنزيلها‪ ،‬للبت في ما يعرض عليه من قضايا ونوازل‪ ،‬ملزم بأن يتقيد‬
‫بمجموعة من الضوابط التي تجعل تفسيره لما استشكل من قواعد تفسيرا ال يخرق مبدأ عدم‬
‫التوسع في تفسيرالقاعدة الجنائية‪ ،‬وخصوصا القاعدة الجنائية الموضوعية‪ ،‬وبالتالي ال يخرق‬
‫مبدأ األمن القضائي الجنائي‪.‬‬

‫وإذا كانت ترد على مبدأ عدم التوسع في تفسير النصوص القانونية الجنائية بعض‬
‫االستثناءات‪ ،‬فهي تبقي مؤكدة للقاعدة‪ ،‬وال يمكنها بأي حال أن تفض ي لخلق قواعد جنائية‬
‫جديدة‪ ،‬سواء تعلق األمربالجرائم أو بالعقوبات‪ ،‬وحتى بالتدابيرالوقائية‪ ،‬ألن ما يرد على األصل‬
‫من استثناء هو على سبيل الحصروعليه أن ال يخرق مبدأ دستوريا واضحا‪.‬‬

‫ومن المعلوم أن التفسير القضائي للنصوص القانونية الجنائية هو جزء من تفسير‬


‫النصوص القانونية عموما‪ ،‬سواء المدنية أوالجنائية أوغيرها‪ ،‬كما أنه جزء من تفسيرات عدة‪،‬‬
‫كالتفسيرالتشريعي والفقهي‪ .‬لهذا سنتطرق في المبحث األول لداللة تفسيرالنصوص القانونية‬

‫‪333‬‬
‫‪L’article 114-4 du code pénal français : « la loi pénal est d’interprétation stricte ». sur le lien :‬‬
‫‪http://www.legifrance.gouv.fr/codes/texte_lc/LEGITEXT000006070719/ ( le 16/10/2022 à‬‬
‫)‪10 :20‬‬

‫‪P 205‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫عموما‪ ،‬مع تحديد أنواعه وبواعثه وطرقه‪ ،‬على أن نخصص المبحث الثاني لضوابط ومرتكزات‬
‫التفسيرالقضائي للقواعد الجنائية‪ ،‬واالستثناءات الواردة عليه‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬تفسيرالنصوص القانونية‪ ،‬مفهومه‪ ،‬أنواعه وبواعثه‬

‫إن الغموض الذي قد يشوب بعض النصوص القانونية ومقتضياتها أحيانا‪ ،‬يفض ى‬
‫بالضرورة إلى محاولة تفسيرها ودرء هذا الغموض واإلبهام عنها‪ ،‬ألنه ال يمكن االحتكام إلى قاعدة‬
‫قانونية تحمل تأويالت عدة‪ ،‬بحكم أن هذا األمريؤدي إلى تضارب وتباين آثارها في حالة تطبيقها‬
‫على نوازل متماثلة من حيث حيثياتها ومالبساتها‪ ،‬وهو ما قد يمس بثقة املجتمع في القانون‪ ،‬وفي‬
‫معياريته كذلك‪.‬‬

‫غير أن التعدد ال يشمل معاني وتأويالت النص القانوني فقط‪ ،‬بل هو يمتد كذلك إلى‬
‫التفسير نفسه‪ ،‬سواء من حيث مصادره‪ ،‬أو من حيث مذاهبه ومدارسه‪ ،‬بل وحتى من حيث‬
‫بواعثه وطرقه‪ .‬حيث نميز في التفسير‪ ،‬من حيث المصدر‪ ،‬ما بين التفسير التشريعي‪ ،‬والفقهي‪،‬‬
‫ثم القضائي‪ .‬بينما نميز في التفسير‪ ،‬من حيث مذاهبه‪ ،‬ما بين التفسير الحرفي‪ ،‬والمنطقي‪ ،‬ثم‬
‫التاريخي‪ .‬أما فيما يتعلق ببواعثه‪ ،‬فإننا نميز ما بين حالة غموض النص القانوني أو وجود خطأ‬
‫مادي أو مادي في متنه‪ ،‬أو وجود تناقض وتعارض بين أجزائه‪ ،‬أو في الحالة التي يكون فيها مشوبا‬
‫بنقص أو سكوت‪ .‬كما يتم تقسيم طرق التفسيرإلى طرق داخلية وأخرى خارجية‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬مفهوم تفسيرالنصوص القانونية‪ ،‬أنواعه ومذاهبه‬

‫لقد تعددت أشكال تفسير النصوص القانونية‪ ،‬تبعا للجهة المصدرة لهذا التفسير‪،‬‬
‫وتبعا للمذهب المعتمد في التفسيروالتأويل‪ .‬حيث يتم التمييزما بين كل من التفسيرالتشريعي‪،‬‬
‫والفقهي ثم التفسير القضائي‪ .‬كما يتم التمييز كذلك ما بين التفسير القائم على شرح المتون‪،‬‬
‫والتفسيرالتاريخي‪ ،‬ثم التفسيراالجتماعي والعلمي‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬داللة تفسيرالنصوص القانونية و أنواعه‬

‫أوال‪ :‬في مفهوم التفسير‬

‫‪P 206‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫يشتق مصدر التفسير لغة من فعل فسر( بتضعيف حرف السين)‪ ،‬ونقول فسر األمر‬
‫إذ وضحه وشرحه و أبانه‪ ،‬ووضعه في صورة أبسط‪ ،‬و"فسرالشعر‪/‬القانون‪ /‬الحلم – فسرآيات‬
‫القرآن الكريم‪ :‬شرحها ووضح ما تنطوي عليه من معان وأسرار وأحكام"‪ 334.‬كما يحيل التفسير‬
‫على الشرح والبيان‪ 335،‬بل إن التفسيرقد يعني التأويل الذي هوكشف الغطاء‪ ،‬أي كشف المراد‬
‫عن اللفظ المشكل‪ ،‬والتأويل رد أحد املحتملين إلى ما يطابق الظاهر‪336.‬‬

‫أما اصطالحا‪ ،‬فيحيل تفسير النصوص القانونية على توضيح ما أبهم من ألفاظه‪،‬‬
‫وتكميل ما اقتضب من نصوصه‪ ،‬وتخريج ما نقص من أحكامه‪ ،‬والتوفيق بين أجزائه‬
‫المتناقضة‪ 337.‬أي أن تفسير النصوص القانونية إما أن يأتي إلزالة غموض وإبهام عن ألفاظ‬
‫نص قانوني‪ ،‬أو أن يكمل نصا مقتضبا ومختصرا‪ ،‬كما قد يأتي الستقراء أحكام من نص لم‬
‫يفصح عنها واضعوه بشكل مباشر‪ ،‬أو للتوفيق بين أجزاء نص متسمة بالتناقض والتضارب‪ ،‬أو‬
‫بين نصوص متضاربة حول نفس النازلة‪.‬‬

‫وعموما‪ ،‬فإن التفسير هو استثناء من األصل‪ ،‬ذلك أن األصل هو األخذ بظاهر‬


‫النصوص‪ ،‬كما أن المفترض في النصوص القانونية هو الوضوح‪ ،‬ضمانا إلحاطة املخاطبين بها‬
‫بداللتها وفحواها‪ ،‬وإال أصبح القانون مصدر قلق وارتياب‪ ،‬عوض أن يكون مصدر أمن‬
‫واطمئنان‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬أنواع التفسير‬

‫يتم التمييز في أنواع التفسير‪ ،‬من حيث الجهة المصدرة له‪ ،‬ما بين التفسير التشريعي‬
‫الصادر عن السلطة التشريعية‪ ،‬والتفسير الفقهي الناجم عن شرح األساتذة والباحثين‪ ،‬ثم‬
‫التفسيرالقضائي الذي يصدرعن القضاة وهم بصدد البت في ما يرفع إليهم من قضايا‪.‬‬

‫‪ -1‬التفسيرالتشريعي‪:‬‬

‫‪ 334‬أحمد مختار عمر‪ ،‬معجم اللغة العربية المعاصر‪ ،‬المجلد الثالث‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬القاهرة‪ ،‬عالم الكتب‪ ،1008 ،‬ص ‪.7101‬‬
‫‪ 335‬إبراهيم أنيس وآخرون‪ ،‬المعجم الوسيط‪ ،‬مجمع اللغة العربية‪ -‬مكتبة الشروق الدولية‪ ،1002 ،‬ص ‪.988‬‬
‫‪ 336‬محمد ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬بدون سنة النشر‪ ،‬ص ‪. 1271- 1271‬‬
‫‪ 337‬األهواني‪ ،‬المدخل للعلوم القانونية الجزء األول‪ ،‬ص ‪( 121‬محمد كمال خميس الحولي‪ ،‬تفسير النصوص القانونية في‬
‫التشريع الفلسطيني‪ ،‬رسالة لنيل ديبلوم الماجيستير في القانون العام‪ ،‬فلسطين‪ ،‬الجامعة اإلسالمية – غزة‪ ،‬الموسم الجامعي‬
‫‪.)1071‬‬

‫‪P 207‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫يراد بالتفسيرالتشريعي‪ ،‬ذلك التفسيرالذي أناط به المشرع نفسه وحمل عبأه‪ ،‬حتى‬
‫يضع حدا لما قد يثار من خالف قد يهم مضمون نص أو نصوص محل تفسير‪ .‬ويتم في العادة‬
‫إصدار تشريع جديد من قبل المشرع يوضح فيه ما غمض من نصوص ويفك هذا الغموض‪.‬‬
‫وبالتالي يصبح هذا التفسير التشريعي نافذا من تاريخ صدور القانون المتعلق به‪ ،‬ويضحي هذا‬
‫التفسير ملزما للقاض ي وهو بصدد بته في وقائع مشمولة بهذه النصوص القانونية‪ ،‬وال يحق له‬
‫مخالفتها‪ ،‬وبذلك يكون أثره رجعيا على الماض ي ليشمل جميع األحكام التي لم تكتسب بعد‬
‫الدرجة القطعية عند نفاذه‪338.‬‬

‫والتفسير التشريعي قد يكون أحيانا بمثابة تعريف لجريمة معينة أو لفعل معين‪،‬‬
‫ويكون متضمنا داخل المدونة القانونية نفسها‪ ،‬حيث نجد مثال المشرع المغربي قد عرف‬
‫العنف ضد المرأة في القانون ‪ 381.31‬حينما اعتبره " كل فعل مادي أو معنوي أو امتناع أساسه‬
‫التمييزبسبب الجنس‪ ،‬يترتب عليه ضررجسدي أو نفس ي أو جنس ي أو اقتصادي للمرأة"‪ ،‬كما أنه‬
‫عمد إلى تفسير مختلف أنواع هذا العنف‪ ،‬سواء الجسدي أو النفس ي أو االقتصادي‪ ،‬مغلقا‬
‫الباب أمام أي تفسيرآخر‪.‬‬

‫ومن أمثلة التفسير التشريعي كذلك تعريف مفهوم" الموظف" داخل القانون‬
‫الجنائي‪ ،‬حتى ال يقع الخلط مع داللته داخل قانون الوظيفة العمومية‪ .‬حيث اعتبر المشرع‬
‫الجنائي أن الموظف هو كل شخص‪ ،‬كيفما كانت صفته‪ ،‬يعهد إليه‪ ،‬في حدود معينة بمباشرة‬
‫وظيفة أو مهمة ولو مؤقتة بأجر أو بدون أجر ويساهم بذلك في خدمة الدولة‪ ،‬أو المصالح‬
‫العمومية أو الهيئات البلدية‪ ،‬أو المؤسسات العمومية أو مصلحة ذات نفع عام‪ 339.‬وكذا عرف‬
‫المشرع مفهوم السالح داخل القانون الجنائي‪ ،‬باعتباره شامال لجميع األسلحة النارية‬
‫والمتفجرات‪ ،‬وجميع األجهزة واألدوات أو األشياء الواخزة أو الراضة أو القاطعة أو الخانقة‪340.‬‬

‫‪ -2‬التفسيرالفقهي‪:‬‬

‫يقصد بالتفسيرالفقهي ذلك التفسيرالصادرعن شارحي ومفسري القانون وهم بصدد‬


‫تقديم وشرح النصوص القانونية‪ ،‬سواء في مؤلفاتهم أو خالل محاضراتهم وندواتهم أو لقاءاتهم‬

‫‪ 338‬علي حسين الخلف‪ ،‬سلطان عبد القادر الشاوي‪ ،‬المبادئ العامة في قواعد العقوبات‪ ،‬بغداد‪ ،‬دار السنهوري القانونية والعلوم‬
‫السياسية‪ ،1072 ،‬ص ‪.18‬‬
‫‪ 339‬الفصل ‪ ،112‬مجموعة القانون الجنائي المغربي‪ ،‬ظهير شريف رقم ‪ 7.56.271‬صادر في ‪ 18‬جمادى الثانية‪19 ( 7181‬‬
‫نونبر ‪ )7691‬بالمصادقة على مجموعة القانون الجنائي‪.‬‬
‫‪ 340‬مجموعة القانون الجنائي المغربي‪ ،‬الفصل ‪.101‬‬

‫‪P 208‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫العلمية‪ .‬فهو يضم مجموع اآلراء والدراسات واألبحاث التي يقوم بها األساتذة والباحثون‪،‬‬
‫والمتعلقة بشرح أحكام القانون‪.‬‬

‫وإذا كان هذا النوع من التفسيرغيرملزم للقضاء‪ ،‬وال يتعدى إبداء الرأي بخصوص هذا‬
‫النص أو ذاك من نصوص القانون‪ ،‬فإن هذا ال يمنع أن فائدته بالغة في إعانة القضاة على‬
‫تطبيق القانون‪ ،‬وفي توجيه المشرع الستكمال ما في التشريع من نقص‪ ،‬ولذلك كثيرا ما تستأنس‬
‫املحاكم بما يكتبه فقهاء القانون‪ ،‬بل أحيانا ترجع عن مسلكها لتتبع ما قالوا به من رأي‪ ،‬وكذلك‬
‫األمربالنسبة للمشرع حيث قد يتدخل إلصالح ما في التشريع من نقص أو عيب أو غموض يظهره‬
‫الفقهاء في كتاباتهم وشروحهم‪.‬‬

‫ولعل ما يعكس أهمية وقيمة التفسيرالفقهي هوأن الفقه‪ ،‬ولمدة طويلة‪ ،‬اعتبرمصدرا‬
‫من مصادرالتشريع‪ ،‬خصوصا في القانون الروماني‪ ،‬ولو أن مكانته هذه تراجعت‪ ،‬بحكم أن هذا‬
‫النوع من التفسير يتسم بطابعه النظري‪ ،‬وال يحمل صفة أو طابع اإللزام بالنسبة للمحاكم‪341.‬‬

‫‪ -3‬التفسيرالقضائي‪:‬‬

‫إذا كان كل من التفسيرين التشريعي والفقهي يصدران غالبا عن ممارسة نظرية‬


‫وبحثية‪ ،‬فإن التفسير القضائي هو نتاج لممارسة عملية وإجرائية‪ .‬ذلك أن التفسير القضائي‬
‫للنصوص القانوني يصدر عن القاض ي أثناء تطبيقه وتنزيله لها وهو بصدد الفصل فيما قد‬
‫يعرض عليه من قضايا‪ ،‬أي خالل نظره في الدعوى المرفوعة إليه للنظرفيها‪.‬‬

‫فالتفسير القضائي للنص القانوني بهذا المعنى هو تحصيل حاصل‪ ،‬أي أنه وسيلة‬
‫وليس هدفا في حد ذاته‪ ،‬بمعنى أنه ال يتم الرجوع إليه بحثا عن تفسير لنص قانوني غامض‪ ،‬بل‬
‫هو ينجم عن النظرفي قضية معروضة ال يمكن إال البت فيها وإال أصبح األمربمثابة إنكارللعدالة‪.‬‬
‫كما أنه تفسير ال يحمل صفة اإللزام بالنسبة لباقي القضاة إذا ما كانت قضايا مماثلة محط‬
‫أنظارهم‪ 342،‬إال إذا كان هذا التفسير صادرا عن محكمة النقض‪ ،‬مما يجعله‪ ،‬والحالة هذه‪،‬‬
‫اجتهادا قضائيا في مجال التفسير وجب اعتماده‪ .‬ولعل ما يميز التفسير القضائي عن التفسير‬

‫‪ 341‬يحي قاسم علي‪ ،‬المدخل لدراسة العلوم القانونية‪ ،‬نظرية القانون‪ ،‬نظرية الحق‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬القاهرة‪:‬‬
‫دار كوميت للتوزيع‪ ،،7661 ،‬ص ‪.757‬‬
‫‪ 342‬يحي قاسم علي‪ ،‬المدخل لدراسة العلوم القانونية‪ ،‬نظرية القانون‪ ،‬نظرية الحق‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.750‬‬

‫‪P 209‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫الفقهي هو أنه تفسير عملي وو اقعي وليس نظري‪ ،‬ألنه يعطي حالل لنزاع قائم وجب البت فيه‪،‬‬
‫وداخل أجل معقول‪.‬‬

‫وإلى جانب أنواع التفسير السابقة‪ ،‬فإن ثمة من أضاف تفسيرا آخر‪ ،‬وهو ذلك الصادر‬
‫عن السلطة التنفيذية وعن اإلدارات التابعة لها‪ ،‬وهو التفسيراإلداري‪ ،‬والذي يهدف إلى توحيد‬
‫تفسير مجموعة من القواعد أو النصوص القانونية داخل اإلدارة‪ ،‬ويكون من خالل بالغات‬
‫وتعليمات صادرة عن اإلدارات العامة‪ ،‬وهو ملزم فقط للموظفين الذين صدرإليهم‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬التفسير‪ ،‬مدارسه‪ ،‬بواعثه وطرقه‬

‫يستند تفسير النصوص القانونية في الوقت نفسه إلى مذاهب وإلى بواعث‪ .‬فبالنسبة‬
‫للمذاهب التفسيرية فهي مذاهب ال تهم فقط تفسيرالنصوص القانونية‪ ،‬بل تهم تفسيرمختلف‬
‫النصوص الغامضة‪ .‬ولعل من أهمها مذهب الشرح على المتون‪ ،‬والمذهب التاريخي‪ ،‬ثم‬
‫المذهب االجتماعي‪ ،‬فالمذهب العلمي‪ .‬وأما فيما يتعلق ببواعث تفسير النص القانوني‪ ،‬فهي ال‬
‫تعود إلى غموض النصوص القانونية ولبسها فقط‪ ،‬بل قد تعود للنقص والسكوت‪ ،‬وكذا للخطأ‬
‫المادي أو المعنوي‪ ،‬كما قد يكون مبعثها التناقض والتعارض ما بين أجزاء النص القانوني‬
‫الواحد‪.‬‬

‫أوال‪ :‬مدارس التفسير‬

‫‪ -3‬مدرسة الشرح على المتون‪:‬‬

‫يعود مذهب‪/‬مدرسة الشرح على المتون للقرن التاسع عشر في فرنسا‪ ،‬وقد ارتبط‬
‫هذا المذهب بظاهرة تجميع أحكام القانون المدني في مجموعات قانونية ‪ -‬أي المدونات‪ -‬مع‬
‫إلزام رجال القانون وهم بصدد محاولة تفسير النص القانوني التقيد بإرادة المشرع الحقيقية‬
‫أو المفترضة‪ 343.‬وهو األمر الذي يجعل من النص القانوني نصا مقدسا‪ ،‬ال يمكن االستعانة في‬
‫تفسيره بأي رأي أو عرف أو اجتهاد‪ ،‬بل التشريع هو المصدرالوحيد واألوحد للقانون‪.‬‬

‫فمدرسة الشرح على المتون سميت بهذا االسم ألن فقهاءها يفسرون النصوص‬
‫القانونية متنا متنا كما يفعل المفسرون في الكتب المقدسة‪ ،‬وهم يعتبرون أن النصوص‬

‫‪ 343‬عاصم جاسر خليل‪ ،‬منهجية البحث القانوني وأصوله‪ :‬تطبيقات من النظام القانوني الفلسطيني‪ ،‬دار الشروق للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬األردن‪ ،1071 ،‬ص ‪.701‬‬

‫‪P 210‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫التشريعية قد ضمت واحتوت كل القواعد القانونية‪ ،‬ولم تفرط فيها من ش يء‪ ،‬مما ال يجعل من‬
‫باب أمام الفقيه إال باب استعراض هذه النصوص وتفسيرها نصا نصا‪ .‬أي ضرورة التقيد‬
‫بالنصوص ‪ ،‬أي النصوص قبل كل ش يء‪ ،‬ثم العبرة بنية المشرع الحقيقية أو المفروضة وقت‬
‫وضع التشريع‪ ،‬وليس باللفظ‪344.‬‬

‫غيرأن األخذ بهذا المذهب في تفسيرالنص القانوني يجعل من هذا األخير نصا جامدا‪،‬‬
‫بحكم أنه ال يستحضرالتغيرات املجتمعية‪ ،‬كما ال يستحضرأهم خاصية من خصائص القاعدة‬
‫القانونية‪ ،‬والممثلة في صفة التطور‪ ،‬ألنها متعلقة باملجتمع‪ ،‬واملجتمع في حركية وتغير دائمين‪،‬‬
‫ولعل هذه أهم االنتقادات التي وجهت لهذا المذهب التفسيري‪.‬‬

‫‪ -5‬المدرسة التاريخية للتفسير‪:‬‬

‫تؤمن المدرسة التاريخية للتفسير بفكرة التطور‪ ،‬حيث تذهب إلى أن القانون يشرع‬
‫تبعا للوقت الذي شرع فيه‪ ،‬فالقواعد القانونية التي قد تصلح لفترة معينة قد ال تصلح لفترة‬
‫أخرى‪ ،‬فإرادة المشرع تتماش ى والظرفية االجتماعية واالقتصادية التي عاشها‪ .‬ولعل هذا األمر‬
‫هو ما جعل هذه المدرسة توجهها سهام نقدها للقانون الطبيعي‪ ،‬واعتبرته قانونا ال يستحضر‬
‫التغيرات التي يعرفها الزمان والمكان‪.‬‬

‫فالمدرسة التاريخية للتفسير‪ ،‬أو مذهب التطور التاريخي يعتبر أنه ليس ثمة قانون‬
‫طبيعي عام ثابت ال يتغير‪ ،‬بل القانون في تغير دائم‪ ،‬وفقا لحاجيات كل مجتمع وظروفه‪ ،‬كما أن‬
‫القانون يخضع للتطور‪ ،‬ألنه ليس له غاية يحققها‪ ،‬وليس هناك إرادة عاقلة تسيره وتكيفه‪345.‬‬

‫لهذا فاألساس الذي يستند إليه في تفسير النصوص القانونية حسب المدرسة‬
‫التاريخية ليس هو إرادة المشرع‪ ،‬والتي هي إرادة رهينة زمان ومكان صدورالنص القانوني‪ ،‬و إنما‬
‫الو اقع والمستجدات التي يعرفها زمن ومكان الوقائع والنصوص القانونية المشمولة‬
‫بالتفسير‪.‬‬

‫‪ -1‬المدرسة االجتماعية للتفسير‪:‬‬

‫‪ 344‬عبد الرزاق أحمد السنهوري‪ ،‬علم أصول القانون‪ ،‬مطبعة فتح الله إلياس نوري‪ ،7615 ،‬ص ‪78-71‬‬
‫‪ 345‬عبد الرزاق أحمد السنهوري‪ ،‬علم أصول القانون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.11‬‬

‫‪P 211‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫يرجع هذا المذهب أساس تفسيرالنصوص الغامضة إلى الغاية االجتماعية التي وجد‬
‫من أجلها النص القانوني أساسا‪ ،‬وليس إلى السبب الذي جاءت نتاجا له‪ ،‬ما يستلزم العودة إلى‬
‫جوهرالقانون ودراسة مصادره الحقيقية من عرف وقواعد العدالة ومبادئ القانون الطبيعي‪،‬‬
‫بغية تفسيرما قد يكتنف النص القانوني من غموض أو إبهام‪.‬‬

‫وبالرغم مما قد يبدو عليه هذا المذهب من ليونة في التفسيرإال أن ما يؤاخذ عليه هو‬
‫أنه ينظر إلى القانون كما لو أنه عملية آلية‪ ،‬مما يجعلها تعتبر غاية القانون هي فقط حفظ‬
‫املجتمع وليست إقامته‪ ،‬األمر الذي يجعل القانون وجها من أوجه القوة وليست وجها للحق‪،‬‬
‫وبالتالي ربطه بالكفاح والنزاع من أجل تحقيق المصالح الخاصة‪346.‬‬

‫‪ -2‬المدرسة العلمية للتفسير‪:‬‬

‫حاولت المدرسة العلمية للتفسير التوفيق ما بين كل من المدرستين التاريخية‬


‫واالجتماعية‪ ،‬عبراألخذ بإيجابيتهما واجتناب سلبياتهما‪ .‬حيث تبنت فكرة استقرارمعنى التشريع‬
‫وثباته‪ ،‬مع استحضار المرونة الالزمة التي تستوجبها التغيرات التي يعرفها املجتمع‪ ،‬مع اإلبقاء‬
‫على القيمة المركزية للنص القانوني والبحث عن تفسيره ونزع اللبس والغموض عنه انطالقا‬
‫من بنية النص نفسه‪ ،‬بحكم أن الفقه أو القضاء ال يمكنه أن يحل محل المشرع في وضع‬
‫القواعد القانونية‪ .‬ويتم التفسيرحسب المدرسة العلمية من خالل إعطاء النص القانوني بنيته‬
‫المستقلة‪ ،‬واعتماد وسائل البحث العلمي والمنطق من أجل تبريروتعليل تطبيق قاعدة قانونية‬
‫واردة ضمن مقتضيات نص قانوني على نازلة أو نزاع قائم‪347.‬‬

‫ثانيا‪ :‬بواعث التفسيروطرقه‬

‫وبالرغم من تعدد المذاهب والمدارس المفسرة للنص القانوني‪ ،‬وبغض النظرعن‬


‫المنطق المعتمد في األخذ بتفسير دون آخر‪ ،‬فإن الباعث على التفسير ال يمتد فقط لكشف‬
‫الغموض واللبس الذي يعتري النص القانوني‪ ،‬بل ثمة مجموعة من البواعث التي تستوجب‬
‫التدخل التفسيري من أجل سد النقص الذي قد يشوب نص ما‪ ،‬أو الكشف عما سكت عنه‬

‫‪ 346‬عاصم جاسر خليل‪ ،‬منهجية البحث القانوني وأصوله‪ :‬تطبيقات من النظام القانوني الفلسطيني‪ ،‬دار الشروق للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬األردن‪ ،.1071 ،‬ص ‪.706‬‬
‫‪ 347‬عاصم جاسر خليل‪ ،‬منهجية البحث القانوني وأصوله‪ :‬تطبيقات من النظام القانوني الفلسطيني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.701‬‬

‫‪P 212‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫المشرع وهو بصدد تشريعه‪ ،‬أو حتى إصالح خطأ مادي أو معنوي قد يتضمنه النص القانوني‪،‬‬
‫ناهيك عن حل إشكال التناقض والتعارض الذي قد يطال هذا األخير‪.‬‬

‫‪ -3‬بواعث التفسير‬

‫غموض النصوص القانونية ولبسها‪:‬‬ ‫‪3- 3‬‬

‫إن أولى بواعث التفسير هي عدم وضوح نص قانوني ولبسه‪ ،‬ذلك أن غموض نص ما‬
‫يستوجب التفسيروإظهارمعناه وإال أصبحت إمكانية تنزيله وتطبيقه أمرا مستعصيا إن لم يكن‬
‫مستحيال‪ .‬فكل لفظ غامض أو اعتراه اللبس ال بد له من داللة ومعنى‪ ،‬ألنه مناط النص القانوني‬
‫ومقتضياته هو التنزيل والتطبيق حتى يتم حل النزاعات والبت في القضايا المعروضة‪ ،‬بل إن‬
‫القاض ي ملزم بالتفسير حتى يستطيع الحكم وال يحق له أن يرفض البت من خالل التحجج‬
‫بغموض نص ما‪ ،‬وإال أصبح في حكم المتهم بإنكار العدالة‪348.‬‬

‫النقص والسكوت‪:‬‬ ‫‪5- 3‬‬

‫إذ كان ثمة خالف حول امتداد التفسير إلى إكمال النص القانوني المشوب بالنقص‪،‬‬
‫حيث تذهب المدرسة العلمية للتفسير إلى أن إكمال النقص ال يدخل في معنى التفسير بل هو‬
‫اجتهاد خارج دائرة النص ويدخل في إطار البحث العلمي الحر‪ ،349‬فإن معظم المدارس‬
‫والمذاهب التفسيرية األخرى قد أجمعت على أن إكمال النقص الذي يشوب النصوص‬
‫القانونية هو من مشتمالت التفسير‪.‬‬

‫الخطأ المادي أو المعنوى‪:‬‬ ‫‪1- 3‬‬

‫يتعلق الخطأ المادي أو المعنوي الذي قد يشوب النص القانوني بالصياغة اللغوية‪،‬‬
‫سواء من حيث ركاكة األسلوب أو من حيث اإلفراط في األساليب البالغية‪ ،‬كاستعمال أسلوب‬
‫الحذف أحيانا في بعض النصوص القانونية الفترض بيان ما تم حذفه تفاديا لإلطناب‪ 350،‬وهو‬

‫‪ 348‬حيث ينص الفصل ‪ 120‬من مجموعة القانون الجنائي المغربي على أن "كل قاض أو موظف عمومي‪ ،‬له اختصاصات‬
‫قضائية‪ ،‬امتنع عن الفصل بين الخصوم ألي سبب كان‪ ،‬ولو تعلل بسكوت القانون أو غموضه‪...‬يمكن ن يتابع ويحكم عليه‬
‫بغرامة من مائتين وخمسين درهما إلى ألفين وخمسمائة درهم على األكثر‪ ،‬وبالحرمان من تولي الوظائف العمومية من سنة‬
‫إلى عشر سنوات"‪.‬‬
‫‪ 349‬عبد المهدي أحمد العجلوني‪ ،‬قواعد تفسير النصوص وتطبيقاتها في االجتهاد القضائي األردني دراسة أصولية مقارنة‪،‬‬
‫أطروحة دكتوراه‪ ،‬كلية الدراسات العليا‪ ،‬الجامعة األردنية‪ ،1005 ،‬ص ‪.721‬‬
‫‪ 350‬كما هو األمر في المادة ‪ 181‬من مدونة األسرة التي اعتبرت أن من شروط الموصى له "عدم قتله للموصى عمدا إال إذا‬
‫أوصى له من جديد"‪ ،‬والتي افترضت عدم وفاة الموصي ونجاته رغم محاولة القتل التي تعرض لها من طرف الموصى له‪.‬‬

‫‪P 213‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫ما يستلزم التدخل من أجل إصالح هذا الخطأ المادي‪ ،‬حتى يضحي النص القانوني ومقتضياته‬
‫قابلة للتنزيل والتطبيق خصوصا بالنسبة للقاض ي المنوط به تنزيل هذه النصوص‪.‬‬

‫التناقض والتعارض‪:‬‬ ‫‪2- 3‬‬

‫قد تعرف النصوص القانونية أحيانا تعارضا فيما بينها‪ ،‬كما قد يعرف النص‬
‫القانوني الواحد تعارضا وتناقضا ما بين أجزائه‪ ،‬وهو ما يتطلب حال لهذا التضارب أو توفيقا ما‬
‫بين هذه األجزاء المتضاربة‪ ،‬حتى ال تتضارب األحكام والقرارات القضائية التي استندت‬
‫لمقتضيات هذه النصوص‪ .‬وإذا كانت قاعدة أن القانون الخاص يقيد القانون العام‪ ،‬كما هو‬
‫الشأن مثال في تقييد مدونة التجارة المغربية‪ ،‬كقانون خاص‪ ،‬للقانون الجنائي‪ ،‬كقانون عام‪،‬‬
‫لجريمة الشيك بدون مؤونة‪ ،351‬فإنه أحيانا يتعلق األمربنصين لهما نفس القوة‪ ،‬بحيث نجد أن‬
‫الحكم الدال عليه النص األول يخالف الحكم الذي قد يستنتج من النص الثاني دونما إمكانية‬
‫للتوفيق بينهما وتطبيقهما معا‪ 352،‬وهو ما يجعل من حل هذا التضارب نوعا من التفسير الذي‬
‫ال محيد عنه للبت في القضايا أو النزاعات الماثلة أمام القضاء‪.‬‬

‫وعموما‪ ،‬فالتفسيرالقانوني‪ ،‬سواء من خالل كشف الغموض عن النصوص القانونية‬


‫الغامضة‪ ،‬و من خالل حل التناقض ما بين أجزائها‪ ،‬أو عبر الكشف عن المسكوت عنه فيها‬
‫وإكمال النقص الحاصل فيها‪ ،‬أو من خالل إصالح األخطاء المادية أو المعنوية فيها‪ ،‬يظل‬
‫عنصرا أساسيا وحاسما في تطبيق القواعد القانونية وال يمكن االستغناء عنه‪ ،‬فال يمكن عمليا‬
‫تطبيق قاعدة قانونية على و اقعة ما أونزاع ما معروض على القاض ي دون تفسيرها‪ 353،‬خصوصا‬
‫حينما يتعلق األمر بالقضايا الجنائية‪ ،‬حيث يضحي القاض ي ملزما‪ ،‬ليس فقط بالتفسير‪ ،‬بل‬
‫و أيضا بعدم التوسع فيه حتى ال يمس باألمن القضائي الجنائي‪.‬‬

‫‪ -5‬طرق التفسير‪:‬‬

‫يستند مفسرو النصوص القانونية وهم بصدد التفسير ملجموعة من الطرق من أجل‬
‫استجالء الغموض الذي يشوبها‪ ،‬أو النقص الذي قد يطالها‪ .‬ويتم التمييز عموما ما بين الطرق‬
‫التفسيرية الداخلية‪ ،‬والطرق التفسيرية الخارجية‪.‬‬

‫‪ 351‬حيث يخضع هذا الفعل لتنظيم كل من مدونة التجارة من خالل المادة ‪ 179‬وللقانون الجنائي من خالل الفصل ‪.521‬‬
‫‪ 352‬محمد عبد الكريم يوسف‪ ،‬التفسير القانوني للنصوص‪ ،‬على الرابط ‪( http://elsada.net/107960/.‬بتاريخ‬
‫‪ 1011/06/02‬على الساعة ‪)79:11‬‬
‫‪ 353‬محمد صبري سعدي‪ ،‬تفسير النصوص في القانون والشريعة‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ، 1979 ،‬ص‪21‬‬

‫‪P 214‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫‪ 3-5‬طرق التفسيرالداخلية‬

‫فبالنسبة لطرق التفسير الداخلية‪ ،‬فهي تشمل كل من القياس‪ ،‬واالستنتاج من باب‬


‫أولى‪ ،‬ثم واالستنتاج بالخلف أو باملخالفة‪.‬‬

‫‪ -‬فأما القياس فيتم من خالل إلحاق و اقعة ال نص على حكمها بو اقعة ورد نص بحكمها‪،‬‬
‫في الحكم الذي ورد به النص‪ ،‬لتساوي الو اقعتين في علة هذا الحكم‪ ،354‬وهذه الطريقة‬
‫وإن كان قد يؤخذ بها في المادة المدنية‪ ،‬فإن النصوص الجنائية غالبا ما ال تأخذ‬
‫بالقياس إال في حاالت استثنائية‪ ،‬احتراما لمبدأ شرعية التجريم‪.‬‬

‫‪ -‬وفيما يتعلق باالستنتاج من باب أولى فهو أن تكون ثمة حالة تم التنصيص على حكمها‬
‫وتكون علة الحكم أكثر تو افرا وحضورا في حالة أخرى غير منصوص على الحكم فيها‪،‬‬
‫فينسب في الحالة المنصوص عليها على الحالة غير المنصوص عليها من باب أولى‪،355‬‬
‫كما هو الحال في حالة إهانة موظف عمومي‪ ،‬حيث إنه إذا كان مجرد التلفظ بما يدل‬
‫على إهانة ومساس بشرف الموظف العمومي يستوجب العقاب‪ ،‬فإنه االعتداء أو‬
‫اإليذاء المادي هو أولى بالعقاب وبالتشديد‪.‬‬

‫‪ -‬أما عن االستنتاج بالخلف أو املخالفة فإنه يتم إعطاء حالة لم ينصص عليها حكما‬
‫يعاكس الحكم في حالة نصص عليها الختالف العلتين‪ ،‬ولترابط الحالتين من حيث أن‬
‫إحداها من جزئيات األخرى‪ ،‬والمثال على ذلك هو تحمل المشتري تبعة هالك المبيع‬
‫بمجرد تمام العقد حسب الفصل ‪ 201‬من ظهير االلتزامات والعقود المغربي‪،‬‬
‫فاالستنتاج باملخالفة هنا يكون بعدم تحمل المشتري تبعة هالك المبيع قبل تمام‬
‫العقد‪.‬‬

‫‪ 5-5‬طرق التفسيرالخارجية‬

‫تشتمل طرق التفسير الخارجية على كل من األعمال التحضيرية‪ ،‬وإلى ما قد يصدره‬


‫المشرع من تفسيرات الحقة لبعض القواعد أو النصوص‪ ،‬باإلضافة إلى المرجع الملزم‪ ،‬وهو ما‬
‫أمرالمشرع بالعودة إليه في حالة وجود فراغ تشريعي‪.‬‬

‫‪ 354‬يحي قاسم علي‪ ،‬المدخل لدراسة العلوم القانونية‪ ،‬نظرية القانون‪ ،‬نظرية الحق‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪751‬‬
‫‪ 355‬يحي قاسم علي‪ ،‬المدخل لدراسة العلوم القانونية‪ ،‬نظرية القانون‪ ،‬نظرية الحق‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪755‬‬

‫‪P 215‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫‪ -‬األعمال التحضيرية تهم كل ما سبق تشريع قانون ما‪ ،‬كما هو األمر بالندوات التي تعقد‬
‫من طرف القضاء ورجاالت التشريع حول بعض القضايا التي تشكل إشكاالت مجتمعية‬
‫تستوجب حلها‪ ،‬أو جرائم تستوجب الحد منها‪ ،‬كالندوات التي عقدت حول السياسة‬
‫الجنائية بالمغرب في بداية األلفية الثانية‪.356‬‬

‫‪ -‬ما يصدره المشرع من تفسيرات الحقة فهي تكون ملزمة باعتبارها نصوصا تشريعية‬
‫تضع حال لما يثار من غموض بعض النصوص‪ ،‬كتحديد معنى السالح ومعنى العنف‬
‫وغيرها من المفاهيم التي قد يفض ي تأويلها لتضارب األحكام والقرارات التي استند إليها‬
‫القضاء في بته‪.‬‬

‫‪ -‬المرجع الملزم أو المبادئ العليا الملزمة‪ ،‬فإن المشرع يضع مرجعا تتم العودة إليه في‬
‫حالة وجود فراغ تشريعي‪ ،‬وال أدل على ذلك من المادة ‪ 288‬من مدونة األسرة‪ ،‬والتي‬
‫نصت على أن " كل ما لم يرد به نص في هذه المدونة‪ ،‬يرجع فيه إلى المذهب المالكي‬
‫واالجتهاد الذي يراعى فيه تحقيق قيم اإلسالم في العدل والمساواة والمعاشرة‬
‫بالمعروف"‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬ضوابط التفسيرالقضائي للنصوص القانونية الجنائية واالستثناءات‬


‫الواردة عليها‬

‫إذا كان القاض ي ملزم بتطبيق النص القانوني الواضح دون تغييرأو تحريف لمضمونه‬
‫أو لما يترتب عنه من أحكام‪ 357،‬أي بعيدا عن أي تأويل بحكم وضوحه‪ ،‬فإن النص الغامض‬
‫يستلزم تدخله حتى تتم إزالة هذا الغموض واللبس ويكون التعليل مؤسسا ومرتكزا‪ .‬غيرأن هذا‬
‫التفسير‪ ،‬وخصوصا في المادة الجنائية‪ ،‬يجب أن يتسم بمجموعة من الضوابط المؤطرة‬
‫والناظمة له‪ ،‬وإال وجد القاض ي نفسه أمام خرق ملجموعة من المبادئ والقواعد‪ ،‬ما قد يؤدي‬
‫إلى نقض أحكامه أو قراراته‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬ضوابط تفسيرالنصوص القانونية الجنائية‬

‫‪ 356‬أنظر ‪ :‬ندوة ""السياسة الجنائية بالمغرب‪ :‬واقع وآفاق"‪ ،‬سلسلة الندوات واأليام الدراسية‪ ،‬العدد ‪.1002 ،1‬‬
‫‪ 357‬فرج القصير‪ ،‬القانون الجنائي العام‪ ،‬تونس‪ ،‬مركز النشر الجامعي‪ ،1009 ،‬ص ‪.27‬‬

‫‪P 216‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫تقوم ضوابط التفسير القضائي للنصوص القانونية الجنائية على مجموعة من‬
‫المبادئ‪ ،‬والتي من أهمها مبدأ الفصل بين السلط‪ ،‬ومبدأ سمو القواعد الدستورية‪ ،‬ثم مبدأ‬
‫شرعية التجريم والعقاب‪ .‬ويتفرع عن هذا المبدأ األخيرمبدأين فرعيين يتمثالن في كل من مبدأ‬
‫منع الحكم عن طريق القياس‪ ،‬ومبدأ اعتماد المعنى المالئم لمقصد المشرع‪.358‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬مبدأ فصل السلطات وسمو القواعد الدستورية‬

‫يعد كل من مبدأ الفصل ما بين السلط وسمو القواعد القانونية من أهم الضوابط‬
‫التي يجب على القاض ي استحضارها وهو بصدد تفسير ما قد يرد عليه من نصوص قانونية‬
‫جنائية غامضة‪ ،‬ألن المبدأين يكرسان على التوالي‪ ،‬انفراد السلطة التشريعية بالتشريع وعدم‬
‫جوازأن يرتدي القاض ي جبة المشرع‪ ،‬وهرمية القواعد القانونية وتربع القواعد الدستورية على‬
‫قمتها‪.‬‬

‫أوال‪ :‬مبدأ فصل السلطات‬

‫يقصد بمبدأ فصل السلطات‪ ،‬توزيع وظائف للدولة على هيئات منفصلة تستقل كل‬
‫منها عن األخرى في مباشرة وظيفتها‪ ،‬بحيث يتحقق داخل الدولة سلطة تشريعية تتمثل وظيفتها‬
‫ف ي وضع القوانين‪ ،‬وسلطة تنفيذية مهمتها تنفيذ القوانين‪ ،‬ثم سلطة قضائية دورها األساس ي‬
‫هو الفصل في النزاعات والخصومات‪ .‬فهو بمثابة كفالة قدر معين لكل هيئة من الهيئات‬
‫التشريعية والتنفيذية والقضائية لمباشرة اختصاصاتها بعيدا عن الوصاية التي تمارسها‬
‫إحدى الهيئات على األخرى‪.359‬‬

‫وفصل السلط من المبادئ العريقة التي دعا إليها الفيلسوف الفرنس ي مونتسكيو في‬
‫كتابه الشهير"روح القوانين"‪ ،‬حيث أن تجميع السلطات وتداخلها يهدد األمن بمختلف أنواعه‪،‬‬
‫قانونيا كان أو قضائيا‪ ،‬ويكون التهديد أخطر حينما تتدخل السلطة التنفيذية أو التشريعية في‬
‫القضاء‪ ،‬حيث تصبح الحقوق في مهب األهواء والتعليمات‪ ،‬وهو ما يعصف بمبدأ األمن‬
‫القضائي‪.‬‬

‫‪ 358‬فرج القصير‪ ،‬القانون الجنائي العام‪ ،‬مركز النشر الجامعي‪ ،‬تونس‪ ،1009 ،‬ص ‪21-21‬‬
‫‪ 359‬حاحة عبد العالي وأمال يعيش‪ ،‬تطبيقات مبدأ الفصل بين السلطات في ظل دستور ‪ ،1996‬مجلة االجتهاد القضائي‬
‫الجزائري‪ ،‬العدد الرابع‪ ،2008 ،‬ص‪.255 :‬‬

‫‪P 217‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫فهو مبدأ يروم عدم تركيزسلطات الدولة وتجميعها في يد هيئة واحدة بل توزيعها على‬
‫هيئات منفصلة ومتساوية‪ ،‬دون أن يمنع هذا األمرالتوزيع واالنفصال من تعاون ورقابة كل هيئة‬
‫مع أخرى‪.‬‬

‫ويقوم مبدأ فصل السلط على أسس ومقومات عدة‪ ،‬أهمها‪:‬‬

‫‪ -‬ضرورة وجود ثالث سلط أساسية في النظام السياس ي‪ ،‬وهي السلطة التنفيذية والسلطة‬
‫التشريعية والسلطة القضائية‪ ،‬مع ضرورة تمتع كل سلطة منها بصالحيات‬
‫واختصاصات أصيلة ومحددة في القانون األساس ي‪ ،360‬في ظل استقالل نسبي لكل‬
‫واحدة منها عن األخرى في عملها وفي آليات اتخاذ القرارات‪ ،‬وبما يسند لها من صالحيات‪.‬‬

‫‪ -‬عدم استئثارأي سلطة من السلطات الثالث سابقة الذكربصالحيات مطلقة في تنفيذها‬


‫للمهام الموكولة لها‪ ،‬بمعنى أن هناك ضمانا للحيلولة دون االحتكارالمطلق للسلطة في‬
‫أي مجال من املجاالت حتى ال يتم االستبداد باستخدامها‪.‬‬

‫‪ -‬وجود رقابة متبادلة وفعالة بين السلطات الثالث‪ ،‬بحيث تمارس كل منها صالحياتها تحت‬
‫رقابة السلطات األخرى‪ ،‬ولضمان التزام كل سلطة بحدودها‪.‬‬

‫ففصل السلطات عموما‪ ،‬واستقاللية السلطة القضائية تحديدا‪ ،‬هو أحد الضمانات‬
‫واالشتراطات األساسية التي تزرع بذور الثقة داخل المرفق القضائي‪ ،‬مما يسهم في إشاعة‬
‫الضامن األمن القضائي‪ .‬فاستقالل السلطة القضائية عن السلطة التشريعية تجعل القضاء‬
‫ال يخضع في أحكامه إال للقانون وال يلزم إال بتطبيقه‪ ،‬كما أن األحكام والقرارات القضائية ال‬
‫تصدرإال على أساس التطبيق العادل والسليم للقانون‪.361‬‬

‫ثانيا‪ :‬مبدأ مطابقة التفسيرللقواعد الدستورية‬

‫يلتزم القاض ي وهو بصدد تفسيرالنصوص القانونية الجنائية بضرورة مطابقة تفسيره‬
‫هذا للقواعد الدستورية‪ ،‬بالنظر إلى أن القاعدة الدستورية تتسم بسموها على باقي القواعد‬
‫األخرى‪ ،‬وهوما يجعل هذا المبدأ يتقاطع ومبدأ تراتبية أوهرمية القوانين‪ .‬لهذا فالقاض ي ملزم‬
‫بتفسير النصوص الجنائية على ضوء الدستور‪ ،‬حتى في حالة خضوع هذا القانون للرقابة‬

‫‪360‬‬
‫‪Thomas weigend : la notion de tribunal impartial et indépendant en républilique fédérale‬‬
‫‪d’Allemagne, revue de science criminelle ; année 1990 ; p : 742‬‬
‫‪ 361‬وهذا ما أكد عليه الفصل ‪ 10‬من الدستور المغربي الذي تم تعديله سنة ‪.2011‬‬

‫‪P 218‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫السابقة‪ ،‬بل إن خلو نص قانوني من التنصيص على ضمان أورده الدستور‪ ،‬فإن هذا الخلو ال‬
‫يمكن تفسيره إال في ظل النص الدستوري نفسه‪ ،‬كما يجب تطبيق المقتضيات الدستورية‬
‫مباشرة لتوفيرهذا الضمان‪.362‬‬

‫وهكذا فإن القاض ي وهو بصدد تفسيره نص قانوني جنائي أن يتوخى عدم المساس‬
‫بأحد المبادئ الدستورية‪ ،‬أو قد يجتزئ من حق أساس ي نص عليه الدستور‪ ،‬ألن هذا األمريمس‬
‫بجودة األحكام والقرارات القضائية القائمة على التعليل والتسبيب الجيدين‪ ،‬وبالتالي يعرضها‪،‬‬
‫والحالة هذه‪ ،‬للنقض‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬مبدأ شرعية التجريم والعقاب‬

‫أوال‪ :‬مبدأ شرعية التجريم والعقاب‪ ،‬أصوله‪ ،‬مفهومه واالنتقادات الموجهة إليه‬

‫‪ -3‬تأصيل وداللة شرعية التجريم والعقاب‬

‫يعد مبدأ شرعية الجريمة والعقاب من المبادئ التي تعود للفيلسوف ورجل القانون‬
‫اإليطالي "سيزاري بيكاريا"‪ ،363‬والذي رفض تملك القضاة لسلطة التشريع والقضاء في نفس‬
‫الوقت‪ .‬حيث يحيل هذا المبدأ على أنه ال جريمة وال عقوبة إال بنص قانوني‪ ،‬وبالتالي فإنه ال‬
‫يحق للقاض ي أن يجرم فعال أباحه القانون‪ ،‬وال أن يطبق عقوبة لم يتم التنصيص عليها المشرع‬
‫الجنائي‪ ،‬أو يتصرف فيها من حيث الحد األدنى أو الحد األقص ى‪ ،‬أو من حيث ظروف التشديد أو‬
‫التخفيف‪ ،‬وال أن يبت بتدبيروقائي لم يقره القانون‪.‬‬

‫وعموما‪ ،‬يرتكزمبدأ شرعية التجريم والعقاب‪ ،‬أو مبدأ الشرعية الجنائية‪ ،‬على أساس‬
‫التوفيق ما بين حماية الحرية الشخصية أوال‪ ،‬عبر تبصير املخاطبين بالقانون بالحدود التي ال‬
‫يجب تجاوزها عبر تحديد األفعال المشمولة بالتجريم والعقوبات التي تجب في حالة اقتر افها‪،‬‬
‫ما يجعلهم في مأمن من أي تحكم من طرف القاض ي الذي ال يحق له إدانة أحد إال وفق ما نص‬
‫عليه القانون تجريما وعقوبة‪ ،‬وبين حماية مصلحة املجتمع أو المصلحة العامة ثانيا‪ ،‬من خالل‬

‫‪ 362‬فتحي سرور‪ ،‬القانون الجنائي الدستوري‪ ،‬الشرعية الدستورية في قانون العقوبات‪ ،‬الشرعية الدستورية في قانون‬
‫اإلجراءات الجنائية‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار الشروق‪.1001 ،‬ص ‪.61‬‬
‫‪ 363‬محمد المدني بوساق‪ ،‬اتجاهات السياسة الجنائية المعاصرة والشريعة اإلسالمية‪ ،‬الرياض‪ ،‬مركز الدراسات والبحوث‪،‬‬
‫‪ ،1001‬ص ‪.16‬‬

‫‪P 219‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫جعل مهمة التشريع بيد المشرع وحده‪ ،364‬ألن هذا األخيرهومن يمثل الشعب عبرممثليهم داخل‬
‫الجهازالتشريعي‪.‬‬

‫وقد نصت مجموعة من الدساتير على هذا المبدأ‪ ،‬كالدستور الفرنس ي لسنة ‪3000‬‬
‫الذي أكد على أن القانون هو من يحدد لجنايات والجنح والعقوبات المقررة لها واإلجراءات‪،‬‬
‫وكذا لدستورالمصري من خالل المادة ‪ .36523‬وهو ما أكد عليه الدستورالمغربي هو اآلخر‪ ،‬من‬
‫خالل الفصل ‪ 51‬من دستور ‪ ،5833‬وكرسته مجموعة القانون الجنائي من خالل من خالل‬
‫الفصل ‪ ،1‬حينما اعتبرت أنه ال يسوغ مؤاخذة أحد على فعل ال يعد جريمة بصريح القانون وال‬
‫معاقبته بعقوبات لم يقررها القانون‪ ،‬بل إن األمرامتد حتى للتدابيرالوقائية‪ ،‬حيث أكد الفصل‬
‫‪ 0‬من القانون السالف الذكر على أنه ال يجوز الحكم بأي تدبير وقائي‪ ،‬إال في األحوال وطبق‬
‫الشروط المقررة في القانون‪.‬‬

‫‪ -5‬انتقادات مبدأ شرعية التجريم والعقاب‬

‫لم يسلم مبدأ الشرعية الجنائية من مجموعة من االنتقادات‪ ،‬بالرغم من تكريسه‬


‫ملجموعة من المبادئ ذات األساس الدستوري‪ .‬ولعل من أهم المدارس التي انتقدته‪ ،‬هناك‬
‫المدرسة الوضعية في علم اإلجرام‪ ،‬والتي جسدها كل من سيزار لومبروزو و أنريكو فيري‪ ،‬ثم‬
‫جاروفالو‪ .‬حيث اعتبرت هذه المدرسة أن األخذ المطلق بالشرعية الجنائية ال يستحضر عدم‬
‫قدرة المشرع على حصر كل الجرائم المقترفة وتعريفها وتحديدها‪ ،‬مما يجعل مجموعة من‬
‫األفعال الجرمية تنفلت من دائرة التشريع‪ ،‬مما يفسح املجال أمام األشرارالذين يجدون مساحة‬
‫القتراف جرائمهم دونما أن تطالهم يد العدالة‪ .‬كما اعتبروا أن هذا المبدأ هو مبدأ يكرس‬
‫التدخل البعدي فقط‪ ،‬أي يتدخل بعد اقتراف الجريمة‪ ،‬علما أنه يجب أن يتدخل قبليا من‬
‫خالل تقديره لخطورة بعض األشخاص المعلوم خطرهم‪ ،‬من خالل إبعادهم عن املجتمع‬
‫واستئصال خطرهم هذا‪.366‬‬

‫وعموما‪ ،‬فإن هذه االنتقادات لم تقلل من أهمية هذا المبدأ‪ ،‬ألنه من غيرالمعقول أن‬
‫يتم معاقبة أشخاص لم يقترفوا أي جريمة فقط ألن حالتهم النفسية تعكس خطورتهم‪ ،‬كما أنه‬

‫‪ 364‬فتحي سرور‪ ،‬القانون الجنائي الدستوري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪11‬‬


‫‪ 365‬فتحي سرور‪ ،‬القانون الجنائي الدستوري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪ 366‬فتحي سرور‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.15-12‬‬

‫‪P 220‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫ال يمكن أن يتم اعتماد القياس على إطالقيته‪ ،‬وإال أضحى املخاطب بالقانون ال يعرف حدود‬
‫أفعاله‪ ،‬ومدى شرعيتها‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬المبدآن المتعلقان بشرعية التجريم والعقاب‬

‫يتفرع عن مبدأ شرعية الجريمة والعقاب مبدأين أساسيين وهما‪ :‬مبدأ منع الحكم عن‬
‫طريق القياس في القضايا الجنائية‪ ،‬ومبدأ اعتماد المعنى المالئم لمقصد المشرع‪.‬‬

‫‪ -3‬منع الحكم عن طريق القياس في القضايا الجنائية‬

‫يعتبرالقياس بمثابة إعطاء حالة غيرمنصوص عليها في القانون حكم حالة منصوص‬
‫عليها التفاق الحالتين في العلة‪ 367.‬وإذا كان اعتماده في بعض القضايا المدنية يعد مقبوال‪ ،‬فإن‬
‫األخذ به في القضايا الجنائية يفض ي إلى توسيع تفسير النص الجنائي‪ ،‬وبالتالي إلى توسيع دائرة‬
‫تجريم مجموعة من األفعال التي لم يشملها التشريع بالمنع صراحة‪ ،368‬وبالتالي المساس بمبدأ‬
‫شرعية التجريم والعقاب‪ ،‬وباألمن القضائي‪.‬‬

‫فالقياس ال يمكن األخذ به كآلية تفسيرية للقواعد الجنائية الموضوعية ما دام أنه‬
‫سيفض ي إلى خلق جرائم جديدة أو عقوبات وتدابير جديدة أو ظروف مشددة‪ .‬وهو ما يجعل‬
‫املخاطب بالقانون في حالة من الالثقة واالرتياب في عالقته بالنصوص القانونية‪ ،‬وبالتالي يفقد‬
‫القانون أمنه المفترض فيه‪.‬‬

‫وقد كان للقضاء األعلى كلمته في الحكم عن طريق القياس من خالل منع إلحاقه‬
‫العقارات بالمبالغ المتحصل عليها من ارتكاب جريمة‪ ،‬وهو ما أكده القرار عدد ‪ 5020‬الصادر‬
‫عن املجلس األعلى والذي اعتبر أن عبارة " جميع المبالغ المالية المتحصل عليها من ارتكاب‬
‫الجريمة" المنصوص عليها في لفصل ‪ 33‬من ظهير‪ ،3002/80/53‬إنما يقصد بها النقود أو القيم‬
‫المالية المنقولة وليس العقارات‪ ،369‬وهو ما عرض الحكم للنقض‪ ،‬بالنظر إلى أن املحكمة‬
‫المصدرة للقرار قاست العقارات على المبالغ المالية‪ ،‬وهو م يعتبر توسع في تفسير نص قانوني‬
‫جنائي‪ ،‬دونما البحث في كون هذه العقارات متحصل عليها بشكل مباشرمن الجريمة المقترفة‪.‬‬

‫‪ 367‬علي حسين الخلف‪ ،‬سلطان عبدالقادر الشاوي‪ ،‬المبادئ العامة في قانون العقوبات‪ ،‬المكتبة الجامعية‪ ،‬بغداد‪،1009 ،‬‬
‫ص‪25‬‬
‫‪ 368‬فرج القصير‪ ،‬القانون الجنائي العام‪ ،‬مركز النشر الجامعي‪ ،‬تونس‪ ،1009 ،‬ص ‪21‬‬
‫‪ 369‬القرار عدد ‪ ،1625‬صادر بتاريخ ‪ 16‬دجنبر ‪ ،1070‬في الملف الجنحي عدد ‪ ، 1009/1/9/5067‬منشور بمجلة قضاء‬
‫محكمة النقض‪ ،‬العدد ‪ ، 12‬مركز نشر والتوثيق القضائي‪ ،1071 ،‬ص ‪.17‬‬

‫‪P 221‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫‪ -5‬مبدأ اعتماد المعنى المالئم لمقصد المشرع‪.‬‬

‫يتطلب الغموض الذي يكتنف نصا قانونيا‪ ،‬حتى وإن كان جنائيا‪ ،‬ضرورة تدخل‬
‫القاض ي من أجل تفسيره وتأويله‪ .‬إال أن هذا التفسير يجب أن يستحضر الغاية التي وضع من‬
‫أجلها نص قانوني ما‪ ،‬وهو ما يتطلب عودة القاض ي إلى األعمال التحضيرية لهذا القانون لتعرف‬
‫األسباب المنشئة له‪ ،‬وإلى اإلرادة الحقيقية للمشرع وهو بصدد تشريعه هذا‪ ،‬عوض اكتفائه‬
‫بالداللة اللغوية أو اللفظية للنص المشوب بالغموض‪.‬‬

‫ومبررالعودة إلى الغاية األولى التي وضع من أجلها نص قانوني جنائي ما يعود لضرورة‬
‫تكريس التفسير الضيق للنص الجنائي في لحظة أو تاريخ صدوره‪ ،‬ألن البحث عن التفسير الذي‬
‫يتالءم مع روح عصر وما يعرفه من مستجدات‪ ،‬قد يفض ي إلى إغفال واستبعاد إرادة المشرع‬
‫وبالتالي توسيع نطاق التجريم‪ ،‬وهو ما يعارض قاعدة التفسير الضيق والدقيق للنص‬
‫القانوني‪.370‬‬

‫فتفسيرالنص القانوني الغامض إذن يجب أن يتم في حدود ما أراده المشرع في الوقت‬
‫الذي وضع فيه النص‪ ،‬وهذا ألنه لو قام القاض ي بالبحث عن الحكم الذي يتالءم مع العصر أو‬
‫الظروف متناسيا بذلك حدود ما أراده المشرع من تجريم وعقاب في التاريخ الذي صدر فيه‬
‫النص التجريمي‪ ،‬يمكن أن يؤدي به ذلك األمر إلى توسيع نطاق التجريم الذي يقتضيه النص‪،‬‬
‫وبالتالي إلى مخالفة مبدأ التفسير الضيق للقانون الجنائي بصفة مباشرة‪ ،‬ومبدأ شرعية‬
‫الجرائم والعقوبات بصفة غيرمباشرة‪.371‬‬

‫وقد ذهبت محكمة النقض في قرارها عدد ‪ ": 520‬إلى أن املحكمة لما أدانت الطاعن‬
‫من أجل جنحة إهانة موظف عمومي أثناء قيامه بعمله‪ ،‬بسبب قيامه بسب المشتكية التي‬
‫تشتغل معه كممرضة بالمستشفى بعبارة نابية‪ ،‬رغم أن الفعل الصادر عنه ال تنطبق عليه‬
‫مقتضيات الفصل ‪ 531‬من القانون الجنائي المتابع به‪ ،‬ودون تمحيص الو اقعة المعروضة‬
‫أمامها وتطبيق الوصف القانوني الصحيح‪ ،‬يجعل القرار المطعون فيه مشوبا بعيب نقصان‬
‫التعليل الموازي النعدامه"‪ ،372‬وهو ما يبين أن القاض ي لم يستحضر المعنى المالئم لمقصد‬

‫‪ 370‬فرج القصير‪ ،‬القانون الجنائي العام‪ ،‬مركز النشر الجامعي‪ ،‬تونس‪ ،1009 ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪ 371‬فرج القصير‪ ،‬القانون الجنائي العام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪ 372‬القرار عدد ‪ 248‬الصادر عن محكمة النقض بتاريخ ‪ 08‬فبراير ‪ 2017‬في الملف الجنائي عدد‪ ،1079/1/9/ 9584‬التقرير‬
‫السنوي لمحكمة النقض لسنة ‪ ، 1071‬مطبعة األمنية‪ ،‬الرباط‪ ،1078 ،‬ص ‪.710‬‬

‫‪P 222‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫المشرع‪ ،‬والذي كان يهدف من خالل هذا الفصل حماية الموظف العمومي من أي اعتداء صادر‬
‫في حقه من طرف المرتفقين‪.‬‬

‫وعموما فإن القاض ي الجنائي‪ ،‬وهو بصدد تفسيره للقواعد المشوبة بغموض أو نقص‬
‫أو تناقض أو حتى بخطأ مادي أو معنوي‪ ،‬يجب أن يستحضرمختلف الضوابط التي تم التطرق‬
‫إليها‪ ،‬ألنه والحالة هذه ملزم بالتعليل إذا ما خرق قاعدة عدم التوسع‪ ،‬وإال تعرض حكمه أوقراره‬
‫للنقض‪.‬‬

‫غير أن مبدأ دقة تفسير النصوص القانونية الجنائية وعدم التوسع فيه وإن كان هو‬
‫القاعدة‪ ،‬فإنه ليس على إطالقيته‪ ،‬حيث قد ترد عليه أحيانا بعض االستثناءات‪ ،‬سوء تعلق‬
‫األمربالنصوص القانونية الجنائية الموضوعية أو اإلجرائية‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬االستثناءات الواردة على قاعدة التفسيرالضيق للقواعد الجنائية‬

‫إذا كان من شروط تفسيرالنصوص القانونية الجنائية الدقة وضرورة استحضارمبدأ‬


‫عدم التوسع من خالل اعتماد تفسير ضيق ودقيق‪ ،‬فإن ثمة استثناءات‪ ،‬ال يمكن إغفالها‪ ،‬ترد‬
‫على هذا المبدأ‪ ،‬سواء تعلق األمربالنصوص القانونية الجنائية الموضوعية أو اإلجرائية‪ ،‬وكذا‬
‫في حالة ما إذا تعلق األمرباعتماد التفسيرالواسع أو باالستناد إلى القياس‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬إمكانية التوسع في تفسيرالنصوص الجنائية الموضوعية‬

‫أوال‪ :‬في حالة التوسع في التفسيرلفائدة المتهم‬

‫إذا كان التوسع في تفسير القواعد القانونية الجنائية الموضوعية يشكل مساسا‬
‫بالشرعية الجنائية كقاعدة عامة‪ ،‬فإن إمكانية األخذ به يبقى أمرا ممكنا ما دام ال يحد من حرية‬
‫المتهم وال يؤدي إلى اإلضرار به‪ .‬فاالستثناءات التي ترد على مبدأ عدم اعتماد القياس في تفسير‬
‫هذا النوع من النصوص تتعلق أساسا بتطبيقها لفائدة المتهم‪ ،‬حيث يضحي التوسع ولو عن‬
‫طريق القياس مقبوال ما دام يروم تطبيق نصوص كتلك التي تقررأسباب إباحة فعل ما أو موانع‬
‫المسؤولية أو أعذارا قانونية مخففة‪.373‬‬

‫‪ 373‬فتحي سرور‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.707‬‬

‫‪P 223‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫فكل شك يراود القاض ي في إمكانية انطباق نص من النصوص الجنائية على الوقائع‬


‫المعروضة أمامه إال امتنع عليه إدانة المتهم‪ ،‬مع وجوب ترجيحنه الشك لفائدة المتهم‪ ،‬وهو م‬
‫يقتض ي الحكم ببراءته‪ .‬وقد جاء في قرار بمحكمة التعقيب التونسية ال تبنى األحكام على الظن‬
‫والتخمين‪ ،‬وتأسيسا على ذلك فإذا قضت املحكمة بما ال يمكن االعتماد عليه من الحجج‬
‫والمؤيدات وكان قضائها مبنيا على مجرد استثناءات ال يؤيدها الو اقع‪ ،‬فإن حكمها يكون‬
‫ضعيف التعليل ومستهدفا للنقض‪374.‬‬

‫كما يدخل في هذا األمر تفسير الشك لفائدة المتهم‪ .‬بل إن النص الذي قد يشوبه‬
‫غموض شديد‪ ،‬يستعص ي معه التفسير‪ ،‬حيث ننتقل من مجرد الشك في تحديد إرادة المشرع‬
‫إلى تعذرتحديد هذه اإلرادة‪ ،‬يستلزم تفسيره لفائدة المتهم‪ ،‬حيث ال يمكن نسب التهمة إلى المتهم‬
‫أو الحكم عليه بعقوبة ما‪ ،‬ألنه ال جريمة وال عقوبة إال بنص‪.375‬‬

‫ثانيا‪ :‬القياس القائم على اإللحاق‬

‫يقصد باإللحاق هنا أن يلحق القاض ي أسباب التخفيف على جريمة أخرى‪ ،‬أوأن يلحق‬
‫موجبا مبررا بموجب آخر يشترك معه في أهميته أو قيمته‪.‬‬

‫ولعل من أهم األمثلة على إمكانية القياس كاستثناء في القواعد الجنائية ما ذهبت إليه‬
‫محكمة النقض الفرنسية‪ ،‬حيث عمدت إلى إلحاق جرائم النصب وخيانة األمانة بين األصول‬
‫كليهما‪376.‬‬ ‫والفروع وبين األزواج بجريمة السرقة‪ ،‬وجعل عقوبة التعويض المدني تسري على‬
‫حيث والحالة هذه أن املحكمة قامت بإلحاق جريمتي النصب وخيانة األمانة بالسرقة استنادا‬
‫إلى القرابة التي هي من أسباب التخفيف‪ ،‬سواء تعلق األمرباألزواج بعضهم البعض أو باألصول‬
‫والفروع‪.‬‬

‫كما قد يمتد القياس في حالة الدفاع الشرعي لكافة الجرائم التي ترتكب في هذه الحالة‬
‫مثل التخريب واإلتالف و انتهاك حرمة ملك الغير وحبس شخص أو حجزه‪ 377.‬حيث نجد أن‬

‫‪ 374‬إدريس الكريني‪ ،‬السلطة التقديرية للقاضي الجنائي‪ ،‬مطبعة التلمساني‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،1002 ،‬ص ‪.196‬‬
‫‪ 375‬فتحي سرور‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.700‬‬
‫‪ 376‬فتحي سرور‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.701‬‬
‫‪ 377‬عبد األحد جمال الدين‪ ،‬تفسير النصوص الجنائية‪ ،‬على الرابط‪ ( http://urlz.fr/j9Hh :‬تاريخ االطالع ‪1011/06/06‬‬
‫على الساعة ‪.) 76:76‬‬

‫‪P 224‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫الفصل ‪ 328‬من القانون الجنائي الفرنس ي المتعلق بالدفاع الشرعي لم ينص صراحة إال على‬
‫حالة الدفاع عن األشخاص‪ ،‬فقد وسع القضاء مجال تطبيقه عن طريق القياس وجعله يشمل‬
‫كذلك الدفاع عن األموال‪ .‬بمعنى أنه تم إلحاق كل من الدفاع على األموال بالدفاع على النفس‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬التوسع في تفسيرالنصوص الجنائية اإلجرائية‬

‫إن ضرروة مواكبة القانون للتقدم العلمي‪ ،‬خصوصا في مجال اإلثبات الجنائي‪ ،‬قد‬
‫تجعل القاض ي يستحضرالمستجدات التي قد يعرفها البحث العلمي الجنائي مثال‪ ،‬وهوما أقرته‬
‫محكمة النقص المغربية في ظل القرار رقم ‪ 3830/1‬حول اعتماد الدليل العلمي المتمثل في‬
‫الخبرة الجينية إلثبات جرائم الفساد والخيانة الزوجية‪ .378‬حيث أقرت اعتماد الدليل العلمي‬
‫المتمثل في الخبرة الجينية إلثبات الجرائم المعاقب عليها في الفصلين ‪ 208‬و‪ 203‬من القانون‬
‫ً‬
‫الجنائي (الفساد والخيانة الزوجية)‪ ،‬وذلك زيادة على وسائل اإلثبات املحددة حصرا بمقتض ى‬
‫الفصل ‪ 201‬من القانون الجنائي‪.‬‬

‫و قد اعتبرت محكمة النقض في هذا الصدد أن الخبرة الجينية هي دليل وحجة علمية‬
‫ال يتسرب الشك إلى مدى قوتها الثبوتية‪ ،‬وقرينة قوية وكافية على وجود عالقة جنسية بين‬
‫الطاعن والضحية‪ ،‬نتجت عنها والدة‪ ،‬يمكن من خاللها نسبة و اقعة العالقة الجنسية إلى‬
‫الطاعن‪ .‬ولذلك‪ ،‬فإن محكمة الموضوع باعتمادها تقرير الخبرة الجينية‪ ،‬تكون قد مارست‬
‫ً‬
‫السلطة املخولة لها قانونا في تفسير وتأويل النص القانوني في ضوء المستجدات واالكتشافات‬
‫العلمية الحديثة‪ ،‬التي أصبح معها الدليل العلمي وسيلة إثبات قطعية‪ ،‬وآلية من آليات تفسير‬
‫ً‬
‫وتأويل النص القانوني‪ ،‬ال يمكن للمنطق السليم أن يتغاض ى عنه متى كان حاسما‪.‬‬

‫ومن المعلوم أن هذا التوسع في وسائل اإلثبات ونقلها من "على سبيل الحصر" إلى "‬
‫على سبيل المثال" كان محل رفض من طرف محكمة النقض سابقا‪ ،‬حيث اعتبرت هذه األخيرة‬
‫في قرار لها أن جريمة الخيانة الزوجية ال تثبت إال بإحدى وسائل اإلثبات املحددة حصرا في‬
‫الفصل ‪ 201‬من القانون الجنائي‪ ،‬وبالتالي ال تكون املحكمة الزجرية قناعتها في ثبوت الجريمة‬
‫بالنظر‬ ‫على وسيلة إثبات أخرى غيرها حتى ولو كانت خبرة جينية قاطعة في موضوع النسب‪379.‬‬

‫إلى أن هذا األمر هو استثناء يرد على القاعدة العامة التي تكرسها الفقرة األولى من المادة ‪503‬‬

‫‪ 378‬القرار رقم ‪ 1/7076‬بتاريخ ‪ 1017/09/11‬الصادر في الملف الجنائي ‪1078/1/9/7172‬‬


‫‪ 379‬القرار ‪ 7012‬الصدر بتاريخ ‪ 19‬اكتوبر ‪ 1077‬في الملف لجنحي عدد ‪ ( 1077/1/9/6519‬قرر منشور في مجلة قضاء‬
‫محكمة النقض‪ ،‬مركز النشر والتوثيق القضائي‪ ،‬عدد ‪ ،1071 ،15‬ص ‪.)172‬‬

‫‪P 225‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫من قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬والمتعلقة بحرية اإلثبات الجنائي‪ ،‬والتي نصت على أنه "يمكن‬
‫إثبات الجرائم بأية وسيلة من وسائل اإلثبات"‪ ،‬وهو ما جعل املحكمة تقض ي ببراءة المطلوبة‬
‫واستبعاد الخبرة الجينية‪.‬‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫يتبين إذن‪ ،‬أن مبدأ عدم التوسع في تفسير النصوص القانونية الجنائية يستند‬
‫ملجموعة من الضوابط التي تبرره وتعلله‪ ،‬بل وتفرضه كذلك‪ ،‬ولعل أهمها مبدأ فصل السلط‬
‫الذي يجعل من القاض ي الجنائي يلتزم بدوره القضائي دونما اجتراء على االختصاصات‬
‫التشريعية‪ ،‬وكذا مبدأ مطابقة التفسير للقواعد الدستورية‪ ،‬تكريسا لسمو هذه القواعد على‬
‫باقي القواعد القانونية األخرى‪ ،‬ثم مبدأ شرعية التجريم والعقاب الذي يجعل من النصوص‬
‫القانونية الجنا ئية اختصاصا خالصا للسلطة التشريعية‪ ،‬ما يجعل القاض ي الجنائي يستبعد‬
‫القياس تفاديا لخلق قواعد لم يتم التنصيص عليها‪ ،‬مع بحثه ومحاولة استنباطه لمقصد‬
‫المشرع‪ ،‬وهو األمر الذي يجعل املخاطبين بالقانون يدركون جيدا ما جرمه القانون وما أباحه‪،‬‬
‫وعو اقب إتيان ما لم يسمح به المشرع‪.‬‬

‫كما يتبين أيضا أن مبدأ عدم التوسع في تفسير القواعد الجنائية قد ترد عليه بعض‬
‫االستثناءات‪ ،‬خصوصا عندما يتعلق األمر بتفسير قد يروم المصلحة القانونية للمتهم‪ ،‬وعدم‬
‫اإلضراربه أو الحد من حريته‪ .‬وكذلك حينما يتعلق األمرببعض النصوص القانونية اإلجرائية‪،‬‬
‫كاعتماد أدلة علمية قد تسهم في إثبات فعل جرمي أو نفيه‪.‬‬

‫وعموما‪ ،‬فإن القاض ي الجنائي‪ ،‬وهو بصدد تفسير ما استشكل من نصوص‪ ،‬ملزم‬
‫باستحضار جملة من الضوابط التي تجعل تفسيره هذا متسما بالدقة وعدم التوسع‪ ،‬حتى ال‬
‫يكون مآل أحكامه أو قراراته هو النقض حينما تعرض على القضاء األعلى‪ ،‬وحتى يتم كذلك‬
‫تكريس نوع من الثقة في القضاء‪ ،‬خصوصا القضاء الجنائي‪ ،‬بالنظر إلى أن التوسع الكبير في‬
‫تفسير النصوص القانونية الجنائية قد يجعل المتقاض ي أمام أفعال لم تكن مجرمة‪ ،‬أو أمام‬
‫عقوبات لم ينصص عليها القانون‪.‬‬

‫المراجع‪:‬‬

‫باللغة العربية‪:‬‬

‫‪P 226‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫‪ ‬إبراهيم أنيس وآخرون‪ ،‬المعجم الوسيط‪ ،‬مجمع اللغة العربية‪ -‬مكتبة الشروق‬
‫الدولية‪.5882 ،‬‬

‫‪ ‬إدريس الكريني‪ ،‬السلطة التقديرية للقاض ي الجنائي‪ ،‬مطبعة التلمساني‪ ،‬الطبعة‬


‫األولى‪.5882،‬‬

‫‪ ‬الرزاق أحمد السنهوري‪ ،‬علم أصول القانون‪ ،‬القاهرة‪ .‬مطبعة فتح الله إلياس نوري‪،‬‬
‫‪3010‬‬

‫‪ ‬عاصم جاسر خلي ل‪ ،‬منهجية البحث القانوني وأصوله‪ :‬تطبيقات من النظام القانوني‬
‫الفلسطيني‪ ،‬دارالشروق للنشروالتوزيع‪ ،‬األردن‪.5835 ،‬‬

‫‪ ‬علي حسين الخلف‪ ،‬سلطان عبد القادرالشاوي‪ ،‬المبادئ العامة في قواعد العقوبات‪،‬‬
‫بغداد‪ ،‬دارالسنهوري القانونية والعلوم السياسية‪.5832 ،‬‬

‫‪ ‬عمر‪،‬أحمد مختار‪ .‬معجم اللغة العربية المعاصر‪ .‬املجلد الثالث‪ .‬الطبعة األولى‪.‬‬
‫القاهرة‪ .‬عالم الكتب‪.5880 .‬‬

‫‪ ‬فتحي سرور‪ ،‬القانون الجنائي الدستوري‪ ،‬الشرعية الدستورية في قانون العقوبات‪،‬‬


‫الشرعية الدستورية في قانون اإلجراءات الجنائية‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دارالشروق‪.5885 ،‬‬

‫‪ ‬فرج القصير‪ ،‬القانون الجنائي العام‪ ،‬تونس‪ ،‬مركزالنشرالجامعي‪.5883 ،‬‬

‫‪ ‬محمد ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬دارصادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬بدون سنة النشر‪.‬‬

‫‪ ‬محمد المدني بوساق‪ ،‬اتجاهات السياسة الجنائية المعاصرة والشريعة اإلسالمية‪،‬‬


‫الرياض‪ ،‬مركزالدراسات والبحوث‪5885 ،‬‬

‫‪ ‬محمد صبري سعدي‪ ،‬تفسير النصوص في القانون والشريعة‪ ،‬دار النهضة العربية‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪. 1979 ،‬‬

‫‪ ‬يحي قاسم علي‪ ،‬المدخل لدراسة العلوم القانونية‪ ،‬نظرية القانون‪ ،‬نظرية الحق‪،‬‬
‫دراسة مقارنة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬القاهرة‪ :‬داركوميت للتوزيع‪.3000.‬‬

‫املجالت والتقارير‪:‬‬

‫‪P 227‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫‪ ‬التقريرالسنوي ملحكمة النقض لسنة ‪ ،5830‬مطبعة األمنية‪ ،‬الرباط‪5830 ،‬‬

‫‪ ‬حاحة عبد العالي وأمال يعيش‪ ،‬تطبيقات مبدأ الفصل بين السلطات في ظل دستور‬
‫‪ ،1996‬مجلة االجتهاد القضائي الجزائري‪ ،‬العدد الرابع‪.2008 ،‬‬

‫‪ ‬مجلة قضاء محكمة النقض‪ ،‬العدد ‪ ،02‬مركزنشروالتوثيق القضائي‪5835 ،‬‬

‫الرسائل واألطاريح‪:‬‬

‫‪ ‬عبد المهدي أحمد العجلوني‪ ،‬قواعد تفسيرالنصوص وتطبيقاتها في االجتهاد القضائي‬


‫األردني دراسة أصولية مقارنة‪ ،‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬كلية الدراسات العليا‪ ،‬الجامعة األردنية‪.5880 ،‬‬

‫‪ ‬محمد كمال خميس الحولي‪ ،‬تفسير النصوص القانونية في التشريع الفلسطيني‪ ،‬رسالة‬
‫لنيل ديبلوم الماجيسترفي القانون العام‪ ،‬فلسطين‪ ،‬الجامعة اإلسالمية – غزة‪ ،‬الموسم الجامعي‬
‫‪5830‬‬

‫المقاالت‪:‬‬

‫‪ ‬عبد األحد جمال الدين‪ ،‬تفسيرالنصوص الجنائية‪http://urlz.fr/j9Hh ،‬‬

‫للنصوص‪،‬‬ ‫القانوني‬ ‫التفسير‬ ‫يوسف‪،‬‬ ‫الكريم‬ ‫عبد‬ ‫‪ ‬محمد‬


‫‪http://elsada.net/107960/‬‬

‫‪ ‬القانون ‪ 08.81‬بمثابة مدونة األسرة‪ ،‬الجريد الرسمية عدد ‪ 0302‬بتاريخ ‪ 32‬ذو الحجة‬
‫‪ 0( 3252‬فبراير‪ ،)5882‬ص ‪.230‬‬

‫‪ ‬قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬ظهير‪ 0‬رمضان ‪ 35( 3113‬أغسطس ‪.)3031‬‬

‫‪ ‬قانون المسطرة الجنائية المغربي‪ ،‬ظهير شريف رقم ‪ 3.85.500‬في ‪ 50‬رجب ‪1( 3251‬‬
‫‪:‬توبر‪ )5885‬بتنفيذ القانون ‪ 55.83‬المتعلق بالمسطرة الجنائية‪.‬‬

‫‪ ‬مجموعة القانون الجنائي المغربي‪ ،‬ظهير شريف رقم ‪ 3.00.231‬صادر في ‪ 50‬جمادى‬


‫الثانية ‪ 53( 3105‬نونبر‪ )3035‬بالمصادقة على مجموعة القانون الجنائي‪.‬‬

‫‪P 228‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫‪ ‬ظهير شريف رقم ‪ 3.03.01‬صادر في ‪ 30‬ربيع األول ‪ ( 3230‬فاتح أغسطس ‪ )3003‬بتنفيذ‬


‫القانون ‪ 30.00‬رقم المتعلق بمدونة التجارة‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ ،2230‬ص ‪.5300‬‬

‫األحكام والقرارات القضائية‪:‬‬

‫‪ ‬القراررقم ‪ 1/3830‬بتاريخ ‪ 5853/83/55‬الصادرفي الملف الجنائي ‪5830/1/3/3132‬‬

‫‪ ‬القرار ‪ 3852‬الصدر بتاريخ ‪ 53‬اكتوبر ‪ 5833‬في الملف لجنحي عدد ‪( 5833/1/3/0053‬‬


‫قرر منشور في مجلة قضاء محكمة النقض‪ ،‬مركز النشر والتوثيق القضائي‪ ،‬عدد ‪ ،5835 ،00‬ص‬
‫‪.)132‬‬

‫‪ ‬القرار عدد ‪ 248‬الصادرعن محكمة النقض بتاريخ ‪ 08‬فبراير ‪ 2017‬في الملف الجنائي‬
‫عدد‪ ،5833/1/3/ 9584‬التقرير السنوي ملحكمة النقض لسنة ‪ ، 5830‬مطبعة األمنية‪ ،‬الرباط‪،‬‬
‫‪ ،5830‬ص ‪.358‬‬

‫مراجع باللغة األجنبية‬

‫‪ Thomas weigend : la notion de tribunal impartial et indépendant en‬‬


‫‪républilique fédérale d’Allemagne ; revue de science criminelle ; année‬‬
‫‪1990.‬‬

‫‪ code pénal français, Adoption 22/07/1992 et entrée en vigueur‬‬


‫‪01/03/1994.‬‬

‫‪P 229‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫األحكام اخلاصة باألجراء يف وضعية إعاقة‬


‫‪Provisions for disabled workers‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫إن المملكة المغربية عرفت ما بعد فترة التسعينيات من القرن الماض ي تحوالت كبيرة‬
‫مست مجموعة من الجوانب االقتصادية واالجتماعية والسياسية ‪ ،‬مما فرض عليها االندماج‬
‫ومواكبة التطورات الحاصلة على مستوى التشريعات العالمية‪ ،‬وجعلها تبرم عدة اتفاقيات‬
‫الغرض منها هو مواكبة الترسانة القانونية بأسلوب حديث‪ ،‬لتجاوزمكامن الخلل‪ ،‬وبالتالي وضع‬
‫أي حد ألي فراغ تشريعي مستجيبا لمطالب منظمات العمل الدولية والعربية من أجل حماية‬
‫الطرف الضعيف في العالقة الشغلية‪ ،‬والسعي إلعادة التوازن لها ضمانا الستمرار العمل‬
‫وحماية األمن والسلم االجتماعيين بوجه عام‪ ،‬والمغرب بدوره كرس الحق في الشغل منذ دستور‬
‫‪ 3035‬وفسح املجال لولوج سوق الشغل لكافة المواطنين دون تمييز سواء على أساس اللون أو‬
‫الجنس أو اإلعاقة أو الحالة الزوجية أو العقيدة أو الرأي السياس ي أو النقابي أو األصل‬
‫االجتماعي‪.380‬‬

‫وتبعا لذلك وعلى غرار توفير الحماية القانونية الالزمة لألجراء بصفة عامة‪،‬‬
‫ولألجراء الذين هم في حالة أقل من األجراء العاديين‪ ،‬مثل المرأة العاملة‪ ،‬واألجيرالحدث‪ ،‬وأجراء‬
‫ذوي االحتياجات الخاصة هذه األخيرة قد حظيت قضايا باهتمام واسع من قبل العديد من‬
‫الدول والمنظمات الدولية‪ ،‬بحيث أصبحت إحدى أهم مرتكزات الساحة الحقوقية العالمية‪،‬‬

‫ـ فاطمة ازبوري ‪ :‬الحماية القانونية لألجراء ذوي االعاقة‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في المقاولة والقانون‪ ،‬كلية‬ ‫‪380‬‬

‫العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬جامعة ابن زهر‪ ،‬اكادير‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،4102/4102‬ص ‪.01‬‬

‫‪P 230‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫إذ أن مقدارالرعاية والتأهيل المقدم لهذه الفئات لم يعد يمثل فقط تحديا أمام الدول لتوفير‬
‫الرعاية لشريحة من سكانها‪ ،‬و إنما أصبح يمثل أيضا أحد المعاييراألساسية لقياس مدى تحضر‬
‫وتقدم املجتمعات ومكانتها داخل املجتمع الدولي مع التأكيد على أن االهتمام بهذه الفئة يجب‬
‫أال يرتكزعلى فكرة اإلحسان والشفقة و إنما على أساس ما يجب أن تتمتع به من حقوق والتي تم‬
‫التنصيص عليها في دستورالمملكة المغربية لسنة ‪.3815833‬‬

‫فتصديردستورالمملكة المغربية الجديد يؤكد على التزامها بحضركافة أشكال‬


‫التمييزبسبب الجنس أو اللون أو المعتقد أو الثقافة أو االنتماء االجتماعي أو الجهوي أو اللغة أو‬
‫اإلعاقة أو أي وضع شخص ي‪ ،‬كما ينص الفصل ‪ 12‬من الدستور نفسه على أن تقوم السلطات‬
‫العمومية بوضع وتفعيل سياسات موجهة إلى األشخاص والفئات من ذوي االحتياجات‬
‫الخاصة‪.‬‬

‫وقد أكد المغرب بتوقيعه على االتفاقية الدولية لحقوق األشخاص ذوي اإلعاقة في ‪18‬‬
‫مارس ‪ 5880‬على وضع تنظيم شامل وكامل لحقوق ذوي االحتياجات الخاصة‪ ،‬وااللتزام التام‬
‫بترسيخ مسلسل المشاركة االجتماعية لألشخاص في وضعية إعاقة‪.‬‬

‫كما حاول المغرب خالل العقود األخيرة تضمينه نصوص قانونية الغاية منها استهداف‬
‫حماية ذوي االحتياجات الخاصة أوما يسمي "بذوي اإلرادة الصلبة" من خالل تعزيزالديناميكية‬
‫الحقوقية التي يشهدها المغرب والتي تجسدت في اإلصالحات الكبرى التي عرفتها مجموعة من‬
‫الملفات الحقوقية المهمة‪ ،‬ضمن مسلسل إرساء دعائم دولة الحق والقانون بدءا بملف حقوق‬
‫اإلنسان عامة‪ ،‬مرورا بملف المرأة والطفل‪ ،‬وترسيخ سلم اجتماعي عبرمدونة الشغل التي نصت‬
‫على أحكام خاصة بحماية األجراء ذوي االحتياجات الخاصة دون أن تعطي تعريفا لمفهوم‬
‫اإلعاقة‪.‬‬

‫‪ ‬أهـمـيـة ال ـمـوضــوع ‪:‬‬

‫إن موضوع األجراء ذوي االحتياجات الخاصة يكتس ي أهمية بالغة سواء على المستوى‬
‫القانوني وعلى المستوى االقتصادي‪.‬‬

‫ـ ظهير شريف رقم ‪ 0.00..0‬صادر في ‪ 40‬من شعبان ‪ 4.( 0244‬يوليوز ‪ )4100‬بتنفيذ نص الدستور‪،‬‬ ‫‪381‬‬

‫الجريدة الرسمية عدد ‪ 2.92‬مكرر‪ ،‬بتاريخ ‪ 42‬شعبان ‪ 41( 0244‬يوليو ‪ ،)4100‬ص ‪.4911.4940‬‬

‫‪P 231‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫أما من الناحية االقتصادية فتتجلى هذه األهمية فيما يمكن أن تساهم به هذه الفئة في‬
‫تحقيق اإلقالع االقتصادي من خالل توفيرهامش من الحماية لهم من أجل الرفع من المردودية‬
‫اإلنتاجية وإعطائهم حافزا للعطاء أكثر‪ ،‬مما سينعكس على القدرة اإلنتاجية للمقاولة‪.‬‬

‫أما بالنسبة للناحية القانونية فإن المشرع المغربي لم يعط حيزا كافيا ضمن القانون‬
‫االجتماعي بصفة عامة وفي مدونة الشغل بصفة خاصة‪ ،‬بمقتضيات تهم الفئات الخاصة من‬
‫األجراء ذوي االحتياجات الخاصة‪ ،‬وذلك بالنظر لألهمية يوليها املجتمع الدولي لهذه الفئة من‬
‫خالل حمايتها والعمل على ادماجها داخل املجتمع لكي ال تحس بالنقص‪.‬‬

‫‪ ‬إش ـك ــالـ ـ ـيـة ال ـم ـ ــوض ــوع ‪:‬‬

‫إن هذا الموضوع يطرح إشكالية غاية في األهمية تتعلق أساسا ب ـ ‪:‬‬

‫إلى أي حد ما استطاع المشرع المغربي توفير الحماية الالزمة لألجراء ذوي‬


‫االحتياجات الخاصة ؟‬

‫وتتفرع عن هذه اإلشكالية التساؤالت التالية ‪:‬‬

‫‪ ‬كيف نظم المشرع المغربي األحكام الخاصة باألجراء ذوي االحتياجات الخاصة ؟‬

‫‪ ‬وماهي االتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب والتي من شأنها تحقيق الحماية‬
‫لصالح هذه الفئة ؟‬

‫‪ ‬الـمـن ـهــج الـمــتبــع ‪:‬‬

‫سيتم االعتماد المنهج التحليلي الوصفي من أجل وصف وضعية هذه الفئة‬
‫ضمن مقتضيات االتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب للوقوف على أهم جوانب‬
‫الحماية التي أولتها هذه األخيرة ولتحليل النصوص القانونية المتعلقة بهذه الفئة والمضمنة في‬
‫مدونة الشغل‪.‬‬

‫‪ ‬خ ـطــة ال ـب ـحـ ــث ‪:‬‬

‫على ضوء ما سبق‪ ،‬سيبتم معالجة هذا موضوع وفق خطة البحث التالية ‪ :‬المبحث‬
‫األول ‪ :‬األحكام الخاصة باألجراء ذوي االحتياجات الخاصة من خالل االتفاقيات الدولية‪.‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬األحكام الخاصة باألجراء ذوي االحتياجات الخاصة على ضوء مدونة الشغل‬

‫‪P 232‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫المبحث األول ‪ :‬األحكام الخاصة باألجراء ذوي االحتياجات الخاصة من خالل‬


‫االتفاقيات الدولية‬

‫من المعلوم أن المغرب كباقي التشريعات المقارنة يعمل على تدويل القانون الوطني من‬
‫خالل مالئمته لالتفاقيات الصادرة عن منظمة العمل الدوليةـ‪ ،‬على اعتبار أن االتفاقيات‬
‫الدولية تسمو على القوانين الوطنية فور نشرها في الجريدة الرسمية‪ ،‬وذلك بمقتض ى تصدير‬
‫دستور المملكة المغربية لسنة ‪ ،5833‬والمغرب كغيره من التشريعات المقارنة يعد عضوا‬
‫ضمن منظمة العمل الدولية‪ ،‬هذه األخيرة التي أسست سنة ‪ ،3030‬حيث صدرت عنها مجموعة‬
‫من االتفاقيات لعل من بين أبرزها‪ ،‬اتفاقية حقوق األشخاص ذوي اإلعاقة والبروتوكول‬
‫االختياري وهو ما سيتم تناوله في (المطلب األول)‪ ،‬كما ال يغيب عن البال االتفاقية رقم ‪333‬‬
‫بشأن التمييزفي االستخدام والمهنة‪( ،‬المطلب الثاني)‪.‬‬

‫المطلب األول ‪ :‬اتفاقية حقوق األشخاص ذوي اإلعاقة والبروتوكول االختياري‬

‫صادفت المملكة المغربية على مجموعة من المواثيق الدولية المتعلقة‬


‫بحماية الشخص المعاق بصفة عامة والتي كانت تضم العديد من المواد المتعلقة بالشغل‬
‫والتكوين المنهي‪ ،‬على غرار "االتفاقيات الدولية لحماية الشخص في وضعية إعاقة" والبرتوكول‬
‫الملحق بها (الفقرة األولى) والتي وقع عليها المغرب بتاريخ ‪ 18‬مارس ‪ 5880‬وصادق عليها في ‪0‬‬
‫أبريل ‪ 5880‬بعد قرار جاللة الملك محمد السادس نصره الله بالمصادقة عليها في الرسالة‬
‫الملكية الموجهة إلى املجلس االستشاري لحقوق اإلنسان‪.382‬‬

‫بمناسبة الذكرى الستين لإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان‪ ،‬كذلك نجد المغرب صادق‬
‫على االتفاقية ‪ 333‬المتعلق بشأن التمييز في االستخدام والمهنة (الفقرة الثانية) بتاريخ‬
‫‪ 3038/83/30‬والتي جاءت بعدة مقتضيات حمائية على مستوى الحماية من التمييزبين األجراء‬
‫بسبب اإلعاقة‪.‬‬

‫ـ اتفاقية حقوق األشخاص ذوي اإلعاقة األمم المتحدة والبروتوكول االختياري ثم اعتمادها في دجنبر ‪،4119‬‬ ‫‪382‬‬

‫ودخلت حيز التنفيذ في ماي ‪ ،4112‬صادق عليها المغرب سنة ‪.411.‬‬

‫‪P 233‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬مفهـوم اإلع ــاق ــة‬

‫قبل التطرق ألهم ما جاءت به هذه االتفاقية على مستوى حماية األشخاص المعاقين‬
‫بصفة عامة واألجراء بصفة خاصة البد أن نشير إلى أنها عرفت لنا مفهوم اإلعاقة من خالل‬
‫الفقرة الثالثة من المادة ‪ 1‬حيث جاء فيها "وينطلق مفهوم اإلعاقة املحدد سنة ‪ 3005‬من النظر‬
‫إلى الكائن البشري نظرة كلية بحيث هي شكل من أشكال املختلفة للحياة البشرية‪ ،‬وباعتبارها‬
‫كذلك يجب أن تحظى بالقبول وال يجوز أن تكون سببا لتهميش األشخاص المتأثرين وال‬
‫الستبعادهم من املجتمع على أي نحو"‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬األحكام الخاصة باألجراء ذوي االحتياجات الخاصة من خالل هذه‬
‫االتفاقية‬

‫إن المادة ‪ 50‬من هذه االتفاقية تنص على ضمان استفادة األشخاص المعاقين من‬
‫أوضاع مناسبة في مجال العمل وجعلت جميع العروض المدرجة في السياسات المتعلقة بسوق‬
‫العمل وفي عمليات النهوض بفرص العمل الحر‪ ،‬مفتوحة أمام األشخاص ذوي اإلعاقة وحددت‬
‫العديد من التدابير التي تم وضعها من أجل الدمج المنهي لألشخاص ذوي اإلعاقة كالتمويل‬
‫الفردي ودعم المشاريع الخاصة بهم‪.‬‬

‫كذلك فرضت تدابيرخاصة في إطارحملة التوظيف المتعلقة بهذه الفئة أهمها‬


‫تدابير "التهيئة" حيث يجري تحليل لمواطن القوة والضعف في الفترة االنتقالية بين المدرسة‬
‫والعمل توضع على أساسها خطة تطويرفردية تتضمن مناظرمهنة محددة وتبعا لنتائجها يمكن‬
‫الحصول على المؤهالت أو تقديم مساعدة له في مجال العمل او التدريب المنهي‪.‬‬

‫كذلك لم تغفل هذه االتفاقية مكافأة الشركات المشغلة لألشخاص المعاقين‬


‫‪.‬‬ ‫حيث خصصتها بإعانات ادماج أو إعانات أجور أو إعانات للحفاظ على الوظائف‪383‬‬

‫ومما تجدر اإلشارة إليه أن هذه االتفاقية عملت على توفير الحماية القانونية‬
‫لألجراء ذوي االحتياجات الخاصة أثناء مزاولة شغلهم‪ ،‬حيث نصت المادة ‪ 50‬من هذه االتفاقية‬

‫‪ 383‬ـ حيث نصت اتفاقية حقوق األشخاص ذوي اإلعاقة في الفقرة ‪ 42.‬على "وإذا قامت الشركات بتوظيف أشخاص‬
‫ذوي إعاقة فإنها تستطيع الحصول على إعانات إدماج أو إعانات أجور‪ ،‬أو إعانات للحفاظ على الوظائف‪ ،‬أو منح‬
‫بشأن تكليف األجور ‪ /‬تدريب أو إعانات لتكليف المنشأة بجعلها أكثر خلو من العوائق‪.‬‬

‫‪P 234‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫في فقرتها التاسعة الموضوعة تحت رقم ‪ 501‬على ضرورة مناهضة كل أشكال التمييزفيما يتعلق‬
‫باألشخاص ذوي اإلعاقة حيث اعتبرت الحماية من التمييزوالمضايقة في مكان العمل جزءا هاما‬
‫في تشريعات مناهضة التمييزضد األشخاص في وضعية إعاقة‪ ،‬وأكدت على أنه ال يجوزبأي حال‬
‫من األحوال التمييز ضد أحد بصورة مباشرة أو غير مباشرة في مجال التوظيف بسبب وجود‬
‫إعاقة ما‪ ،‬وتمتد هذه الحماية من عملية تقديم الطلبات الحصول على الوظائف إلى غاية إنهاء‬
‫الوظيفة وتشمل كذلك معدالت األجور والتدريب الولي والالحق وإعادة التدريب والقضايا‬
‫المتعلقة بالمهن‪ ،‬وأكدت على ضرورة مسطرة الصلح في النزاعات بين المشغلين‪ ،‬واألجراء‬
‫المعاقين قبل الوصول للمسطرة القضائية هذا من جهة‪.‬‬

‫أما من جهة أخرى وطبقا لمقتضيات نفس المادة في فقرتها العاشرة‬


‫الموضوعة تحت رقم ‪ ،384502‬والتي نصت على ضرورة تمتيع األشخاص في وضعية إعاقة‬
‫بحماية خاصة من الفصل التعسفي وفرضت على الدول األعضاء إنشاء لجان إقليمية معنية‬
‫باإلعاقة تضم منظمات املجتمع المدني‪ ،‬هي من ل ها الحق في تقريرجوازالفصل من عدمه‪.‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬االتفاقية رقم ‪ 333‬بشأن التمييزفي االستخدام والمهنة‬

‫إن المصادقة على االتفاقيات في مجال المساواة وعدم التمييز بمنظمة العمل الدولية‬
‫وتنفيذها تكتس ي أهمية خاصة لتحسين وضعية كل من فئات األجراء الذين يعانون من عدم‬
‫تطبيق هذا الحق كالمرأة واألجيرالحدث واألجراء ذوي االحتياجات الخاصة‪ ،‬هذه األهمية تظهر‬
‫بجالء في كونها تسمو وتطيق باألولوية على كل التشريعات الوطنية بمجرد نشرها بالجريدة‬
‫الرسمية‪.385‬‬

‫ـ نصت نفس االتفاقية السابقة الذكر في فقرتها ‪ 4.2‬على أنه "توجد فيما يتعلق باألشخاص المعوقين المسجلين‬ ‫‪384‬‬

‫حماية من الفصل من العمل تسمح بحمايتهم من الفصل غير جائزة اجتماعيا‪ ،‬فمسألة ما إذا كان يمكن الفصل من‬
‫عدمه‪ ،‬هي أمر تقرره اللجنة اإلقليمية معينة باإلعاقة تظم منظمات المجتمع المدني‪ ،‬ويستند القرار المعني إلى عملية‬
‫موازنة المصالح‪.‬‬
‫ـ جاء في ديباجة دستور المملكة المغربية ‪ :‬جعل االتفاقية الدولية كما صادق عليها المغرب في نطاق أحكام‬ ‫‪385‬‬

‫الدستور‪ ،‬وقوانين المملكة وهويتها الوطنية الراسخة‪ ،‬تسمو فور نشرها‪ ،‬على التشريعات الوطنية‪ ،‬والعمل على مالئمة‬
‫هذه التشريعات‪ ،‬مع ما تتطلبه تلك المصادقة‪.‬‬

‫‪P 235‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫ولعل نشر االتفاقية رقم ‪ 333‬بالجريدة الرسمية عدد ‪ 5355‬يوم ‪ 3031/83/50‬يدخلها‬


‫في هذا اإلطارويجعل مقتضياتها تدخل ضمن التشريع الوطني‪.‬‬

‫هذه االتفاقية جاءت مقتضبة في ‪ 32‬مادة تناولت موضوع التمييز في أماكن الشغل بين‬
‫ألجراء لسبب معين‪ ،‬حيث جاء في ديباجتها "وإذا يرى أن إعالن فيالدلفيا يؤكد أن لجميع البشر‬
‫أيا كان عرقهم أومعتقدهم أوجنسهم الحق في العمل من أجل رفاهيتهم المادية وتقدمهم الروحي‬
‫كليهما‪ ،‬وأن التمييزيمثل انتهاكا للحقوق الواردة في اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان"‪.‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬مفهوم التمييزواالستخدام في هذه االتفاقية‬

‫سيتم التطرق في هذه الفقرة إلى بيان مفهوم التمييز (أوال) وإلى مفهوم االستخدام أو‬
‫المهنة (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال ـ مفهوم التمييز‪:‬‬

‫إن هذه االتفاقية عرفت لنا مصطلح التمييز من خالل مقتضيات المادة األولى منها‪،‬‬
‫حيث عرفته بكل تفريق مبني على أساس العرق أو اللون أو الجنس أو الدين أو الرأي السياس ي أو‬
‫األصل الوطني أو األصل االجتماعي ويكون سببا في انعدام مبدأ تكافئ الفرص‪ ،‬واستثنت هذه‬
‫االتفاقية من ذلك التفضيل على أساس المؤهالت التي تفتضيها بعد الوظائف الخاصة‪.‬‬

‫ثانيا ـ مفهوم االستخدام أو المهنة ‪:‬‬

‫تم تعريف مفهوم االستخدام أو المهنة ضمن مقتضيات الفقرة األخيرة من المادة‬
‫األولى‪ ،‬حيث جاء فيها "في مفهوم هذه االتفاقية يشمل تعبير [االستخدام] و [المهنة] إمكانية‬
‫الوصول إلى التدريب المنهي والوصول إلى مهن معينة وكذلك شروط االستخدام‪ ،‬وظروفه‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬مقتضيات خاصة بالدول المصادق عليها‬

‫إن المادة الثانية من هذه االتفاقية تنص على ضرورة التزام كل دولة عضو تسري عليها‬
‫بصياغة وتطبيق سياسة وطنية ترمي إلى تشجيع تكافؤالفرص والمساواة في المعاملة وفي العمل‬
‫درء لكل حيف ضد بعض الفئات من األجراء خاصة من أجل القضاء على كل تمييز في هذا‬
‫املجال‪.‬‬

‫‪P 236‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫كذلك من أهم المقتضيات التي جاءت بها هذه االتفاقية عدم اعتبار التدابير‬
‫الخاصة لحماية أو مساعدة بعض الفئات المعينة من قبيل التمييز‪ ،‬وإعطائها الضوء األخضر‬
‫لكل دولة عضو أن تنضم مجاالت بعض الفئات الخاصة كالنساء واألجراء المعاقين بنصوص‬
‫خاصة بهم دون أن يعتبر ذلك تمييزا في حق العموم‪ ،‬إنما مراعاة لالحتياجات خاصة قد تكون‬
‫على مستوى الجنس او السن أو العجزأو المسؤوليات العائلية‪.‬‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬األحكام الخاصة باألجراء ذوي االحتياجات الخاصة على ضوء مدونة‬
‫الشغل‬

‫لما كانت غاية وفلسفة قانون الشغل تقوم على تحقيق جانب من السلم والعدالة‬
‫االجتماعية بشكل يوفر حماية لألجراء دون استثناء‪ ،‬ويضمن لهم حقوقا أساسية تسمح لهم‬
‫بأداء عملهم في جو ومناخ مالئمين‪ ،‬مما يكرس حد أدنى من الحقوق واالمتيازات‪ ،‬فإنه في بعض‬
‫األحيان يستوجب األمرتمتيع بعض الفئات بحماية خاصة والعتبارات معينة‪ ،‬كفئة األجراء ذوي‬
‫االحتياجات الخاصة‪.386‬‬

‫ومن أهم ما جاءت به مدونة الشغل‪ 387‬بخصوص هذه الشريحة من األجراء‪ ،‬هو إيراد‬
‫أحكام خاصة تتعلق بتشغيلهم وحمايتهم‪ ،‬هذه األحكام التي تشبه إلى حد ما تلك الخاصة‬
‫باألجراء األحداث‪ ،‬ومنها ما ينطبق عليهما معا‪ ،‬فإن هناك أحكاما خاصة تراعي خصوصية‬
‫وضعهم الصحي‪ ،‬وتترجم إرادة المشرع في االلتفات إلى هذه الفئة من األجراء‪ ،388‬والتي سنحاول‬
‫الوقوف عند شروط تشغيلها كما جاء بمدونة الشغل (المطلب األول) وكذا عن جوانب تخص‬
‫تنظيم شغل األجراء ذوي االحتياجات الخاصة (المطلب الثاني)‪.‬‬

‫المطـلب األول ‪ :‬شروط تشغيل األجراء ذوي االحتياجات الخاصة‬

‫سنتطرق في هذا المطلب إلى شروط تشغيل األجراء ذوي االحتياجات الخاصة‪ ،‬كالمنع‬
‫من كل تمييز في تشغيلهم بسبب اإلعاقة (الفقرة األولى)‪ ،‬وبضرورة التصريح بهم لدى مفتش‬

‫ـ فاطمة ازبوري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.49‬‬ ‫‪386‬‬

‫ـ ظهير شريف رقم ‪ 0.14.0.2‬صادر في ‪ 02‬من رجب ‪ 00( 0242‬سبتمبر ‪ )4114‬بتنفيذ القانون رقم‬ ‫‪387‬‬

‫‪ 92...‬المتعلق بمدونة الشغل‪.‬‬


‫ـ محمد بهير ‪ :‬الحماية الزجرية لألجير في التشريع المغربي‪ ،‬دون ذكر الطبعة‪ ،‬مطبعة األمنية‪ ،‬الرباط ‪،4100‬‬ ‫‪388‬‬

‫ص ‪ 014‬و ‪.014‬‬

‫‪P 237‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫الشغل من طرف المقاولة المشغلة (الفقرة الثانية)‪ ،‬باإلضافة إلى خضوعهم للفحص الطبي‬
‫المسبق وللمر اقبة الطبية الدورية (الفقرة الثالثة)‪.‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬المنع من التمييزفي الشغل‬

‫يعرف الشخص في وضعية إعاقة بأنه الشخص الذي انخفضت إمكانية حصوله على‬
‫عمل مناسب بدرجة كبيرة‪ ،‬مما يحول دون احتفاظ به نتيجة لقصور بدني أو عقلي‪ ،‬كما يعرف‬
‫كذلك بأنه الشخص الذي يختلف عن المستوى الشائع في املجتمع في صفة أو قدرة شخصية‬
‫سواء كانت ظاهرة كالشلل‪ ،‬وبتر األطراف‪ ،‬وفقد البصر أو غير ظاهرة مثل التخلف العقلي‬
‫والصمم واإلعاقات السلوكية والعاطفية‪.389‬‬

‫وأكيد أن األجير انطالقا من مبدأ الحرية في الشغل‪ ،‬حر في االشتغال أو عدم‬


‫االشتغال وإذا ما قرراالشتغال‪ ،‬فهو له كامل الحرية في اختيارطبيعة ونوع العمل الذي يمارسه‪،‬‬
‫فإن ذات المبدأ يطبق بالنسبة للمشغل‪ ،‬فهذا األخير حر في قبول أو عدم قبول من يتقدمون‬
‫لالشتغال عنده‪ ،‬مادام أن دو افع القبول والرفض مبنية على مجرد االعتبارات المهنية‪.‬‬

‫وعلى هذا األساس ينص المشرع المغربي‪ 390‬على منع كل تمييزبين األجراء بسبب‬
‫اإلعاقة يكون من شأنه خرق أو تحريف مبدأ تكافؤ الفرص‪ ،‬أو عدم المعاملة بالمثل في مجال‬
‫التشغيل أو تعاطي مهنة‪ ،‬السيما فيما يتعلق باالستخدام‪ ،‬وإدارة الشغل وتوزيعه‪ ،‬والتكوين‬
‫المنهي‪ ،‬واألجر والترقية‪ ،‬واالستفادة من االمتيازات االجتماعية‪ ،‬والتدابير التأديبية‪ ،‬والفصل‪،‬‬
‫من الشغل‪ ،‬وكل مشغل خالف هذه المقتضيات يتعرض لعقوبة زجرية تتمثل في الغرامة من‬
‫‪ 30.888‬إلى ‪ 18.888‬درهم‪ .‬وفي حالة العود تضاعف هذه الغرامة‪.391‬‬

‫ـ رشيدة احفوض ‪ :‬اإلدماج االجتماعي والمهني لألشخاص في وضعية إعاقة‪ ،‬منشور بالموقع اإللكتروني ‪:‬‬ ‫‪389‬‬

‫‪ www.alkanounia.com‬تم االطالع عليه ‪ 42/12/4144‬على الساعة العاشرة صباحا‪.‬‬


‫ـ عبد اللطيف خالفي ‪ :‬الوسيط في مدونة الشغل‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬عالقة الشغل الفردية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬المطبعة‬ ‫‪390‬‬

‫والوراقة الوطنية مراكش‪ ،4112 ،‬ص ‪.292‬‬


‫ـ تنص المادة ‪ .‬من مدونة الشغل منع كل مس بالحريات والحقوق المتعلقة بالممارسة النقابية داخل المقاولة‬ ‫‪391‬‬

‫وفق القوانين واألنظمة الجاري بها العمل‪ ،‬كما يمنع كل مس بحرية العمل بالنسبة للمشغل واألجراء المنتمين للمقاولة‪،‬‬
‫كما يمنع كل تمييز بين األجراء من حيث الساللة او اللون أو الجنس أو اإلعاقة‪ ،‬أو الحالة الزوجية‪ ،‬أو العقيدة‪ ،‬أو‬
‫الرأي السياسي‪ ،‬أو االنتماء النقابي‪ ،‬أو األصل الوطني‪ ،‬أو األصل االجتماعي‪ ،‬يكون من شأنه خرق أو تحريف‬
‫مبدأ تكافؤ الفرص‪ ،‬أو عدم المعاملة بالمثل في مجال التشغيل‪ ،‬أو تعاطي مهنة السيما فيما يتعلق باالستخدام بإدارة‬

‫‪P 238‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫كما أنه في حالة ما إذا أصبح األجير معاقا لسبب من األسباب‪ ،‬فإنه يحتفظ‬
‫بمنصب شغله‪ ،‬ويسند إليه شغل يالئم نوع إعاقته‪ ،‬وذلك بعد تأهيله‪ ،‬إال إذا تعذر ذلك لحدة‬
‫اإلعاقة أو لطبيعة الشغل‪ ،‬وهذا كله بعد أخذ رأي طبيب الشغل أو لجنة السالمة وحفظ‬
‫الصحة‪.392‬‬

‫وفي حالة مخالفة هذه المقتضيات األخيرة‪ ،‬يتعرض المشغل للتدابير الزجرية‬
‫المنصوص عليها في المادة ‪ 303‬من مدونة الشغل والمتمثلة في معاقبته بغرامة من ‪ 5888‬إلى‬
‫‪ 0888‬درهم‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬التصريح بتشغيل األجراء ذوي االحتياجات الخاصة‬

‫يصطلح مفتش الشغل بصالحيات متعددة ومسؤوليات هامة تروم أساسا إلى‬
‫السهرعلى تطبيق مقتضيات قانون الشغل‪ ،‬حيث بإمكانه مر اقبة مدى توفيرالحماية الالزمة‪،‬‬
‫التي خولها المشرع لفائدة األجير من ذوي االحتياجات الخاصة خصوصا‪ ،‬وغيره من األجراء‬
‫عموما‪ ،‬وهذه الحماية تعتبرمن بين االلتزامات الملقاة على عاتق المشغل لصالح األجير‪.393‬‬

‫وإذا كان يستوجب على كل شخص طبيعي أو اعتباري يخضع لمقتضيات مدونة‬
‫الشغل‪ ،‬يرغب في فتح مقاولة أو مؤسسة أو ورش لكي يشغل فيه أجراء‪ ،‬أن يقدم تصريحا بذلك‬
‫إلى العون المكلف بالشغل‪ ،‬وفق الشكليات والشروط املحددة ينص تنظيمي‪.394‬‬

‫فإن نفس المدونة ألزمته بأن يقدم تصريحا مماثال‪ ،‬في حالة ما إذا قرر تشغيل‬
‫أجراء من ذوي االحتياجات الخاصة‪ ،‬وذلك حتى يكون التفتيش الذي توجد المؤسسة أو‬

‫الشغل وتوزيعه‪ ،‬والتكوين المهني واألجر والترقية‪ ،‬واالستفادة من االمتيازات االجتماعية والتدابير التأديبية‪ ،‬والفصل‬
‫من الشغل‪ ،‬يترتب عن ذلك بصفة خاصة مايلي ‪:‬‬
‫‪ 0‬ـ حق المرأة في إبرام عقد الشغل‬
‫‪ 4‬ـ منع كل إجراء تميزي يقوم على االنتماء أو النشاط النقابي لألجراء‬
‫‪ 4‬ـ حق المرأة متزوجة كانت أو غير متزوجة االنضمام إلى نقابة مهنية‪ ،‬والمشاركة في إدارتها وتسيرها‪.‬‬
‫ـ المادة ‪ 04‬من مدونة الشغل‪.‬‬ ‫‪392‬‬

‫‪ .393‬تنص المادة ‪ 099‬من مدونة الشغل ‪ :‬يحتفظ كل أجير أصبح معاقا بسبب من األسباب بمنصب شغله‪ ،‬ويسند‬
‫إليه شغل يالئم نوعية إعاقته بعد إعادة تأهيله‪ ،‬إال إذا تعذر ذلك لحدة اإلعاقة أو لطبيعة الشغل‪ ،‬وذلك بعد أخذ رأي‬
‫طبيب الشغل‪ ،‬أو لجنة السالمة‪ ،‬وحفظ الصحة‪.‬‬
‫ـ فاطمة ازبوري‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.44.42‬‬ ‫‪394‬‬

‫‪P 239‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫المقاولة أو الورش‪ ،‬الذي يشغل األجراء المعاقين على علم بهذا التشغيل‪ ،‬وبالتالي القيام‬
‫بواجبه في مر اقبة شروط وظروف تشغيلهم‪.395‬‬

‫وفي حالة عدم احترام المشغل هذه المقتضيات‪ ،‬يعاقب طبقا للمادة ‪ 310‬من‬
‫ذات المدونة بغرامة من ‪ 5888‬إلى ‪ 0888‬درهم‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة ‪ :‬الفحص الطبي والمر اقبة الطبية الدورية‬

‫إذا كان المشرع المغربي‪ ،‬أكد على حق األجير من ذوي االحتياجات الخاصة في‬
‫الشغل‪ ،‬فإنه ألزم أي مشغل يريد أن يشغلهم بضرورة عرضهم على الفحص الطبي‪ ،‬والذي يبقى‬
‫بعد ذلك يجرى بصفة دورية كل سنة من الشغل‪ ،‬من طرف طبيب الشغل‪.396‬‬

‫زيادة على ذلك يحق للعون المكلف بتفتيش الشغل في أي وقت وحين عرض‬
‫جميع األجراء الذين هم من ذوي االحتياجات الخاصة على طبيب بمستشفى تابع لوزارة المكلفة‬
‫بالصحة العمومية‪ ،‬وذلك بهدف التحقق من أن الشغل الذي يعهد به إليهم‪ ،‬ال يفوق طاقتهم‬
‫أوال يتناسب مع إعاقتهم‪ ،‬بحيث أنه يحق لمفتش الشغل األمربإعفاء أي أجيرمعاق من الشغل‬
‫بدون أي إخطار‪ ،‬إذا أبدى الطبيب رأي مطابقا لرأيه‪ ،‬وأجرى عليه فحصا مضادا بطلب من‬
‫ذويه‪.397‬‬

‫والشك أنه بمجرد اكتشاف أي انعكاس سلبي على صحة األجير فإن المشغل‬
‫يتعين عليه تغييرنوع الشغل إلى شغل يتناسب مع وضعه الصحي وفق التفصيل الوارد في المادة‬
‫‪ 333‬التي سبق الحديث عنها‪.398‬‬

‫ـ المادة ‪ 042‬من مدونة الشغل ‪ :‬يجب على كل شخص طبيعي كان أو اعتباريا يخضع لمقتضيات هذا القانون‬ ‫‪395‬‬

‫يريد فتح المقاولة أو مؤسسة‪ ،‬أو ورش يشغل فيه أجراء‪ ،‬أن يقدم تصريحا بذلك‪ ،‬إلى العون المكلف بتفتيش الشغل‪،‬‬
‫وفق الشروط والشكليات المحددة بنص تنظيمي‪.‬‬
‫ـ محمد بهير‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.012.012‬‬ ‫‪396‬‬

‫ـ تنص المادة ‪ 092‬من مدونة الشغل ‪ :‬يجب على المشغل أن يعرض على الفحص الطبي األجراء المعاقين‬ ‫‪397‬‬

‫الذين ينوي تشغيلهم‪.‬‬


‫ـ تنص المادة ‪ 022‬من مدونة الشغل ‪ :‬يحق للعون المكلف بتفتيش الشغل أن يطلب في وقت عرض جميع‬ ‫‪398‬‬

‫األجراء واألحداث الذين تقل سنهم عن ‪ 02‬سنة‪ ،‬وجميع األجراء المعاقين‪ ،‬على طبيب بمستشفى تابع للو ازرة المكلفة‬
‫بالصحة العمومية‪ ،‬قصد التحقق من أن الشغل الذي يعهد به إليهم‪ ،‬ال يفوق طاقتهم‪ ،‬أو ال يتناسب مع إعاقتهم‪.‬‬

‫‪P 240‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫لذا يجب على كل مشغل يشغل أجيرا ينتمي إلى هذه الفئة‪ ،‬أن يحرص على توفير‬
‫كل شروط الوقاية الصحية‪ ،‬والسالمة المهنية لهؤالء األجراء‪ ،399‬ويسهل شغلهم‪ ،‬خاصة من‬
‫حيث تجهيز أماكن الشغل بالولوجيات‪ ،400‬الالزمة لتسهيل قيامهم بشغلهم‪ ،‬تحت طائلة‬
‫التعرض لغرامة مالية تتراوح ما بين ‪ 5888‬إلى ‪ 0888‬درهم‪.‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬تنظيم شغل األجراء ذوي االحتياجات الخاصة‬

‫ال تقف حماية المشرع المغربي من خالل مدونة الشغل األجير المعاق عند‬
‫تحديد شروط تشغيل تضمن له عدم التمييز بسبب اإلعاقة‪ ،‬والتصريح الخاص بتشغيله‬
‫وخضوعه للفحص الطبي قبل التشغيل‪ ،‬و إنما تمتد إلى الظروف التي ينفذ فيها الشغل‪ ،‬سواء‬
‫من حيث نوعية وطبيعة األعمال التي قد تناط به (الفقرة األولى) أو من حيث حمايته من العمل‬
‫الليلي وتمت يعه بالراحة األسبوعية (الفقرة الثانية) أو من الفصل بسبب إعاقته (الفقرة‬
‫الثالثة)‪.‬‬

‫الفـقرة األولى ‪ :‬األعمال الممنوعة على األجراء ذوي االحتياجات الخاصة‬

‫على غرار األجراء األحداث والنساء تدخل المشرع المغربي لحماية فئة األجراء‬
‫ذوي االحتياجات الخاصة‪ ،‬ومنع عليهم جملة من األعمال التي من شأنها أن تؤدي إلى تفاقم‬
‫إعاقتهم أو تتشكل خطورة عليهم‪.‬‬

‫وهكذا يمنع تشغيل األجراء المعاقين في أشغال قد تعرضهم إلضرار أو تزيد من‬
‫حدة إعاقتهم‪401‬ـ كما يمنع تشغيلهم في المقالع‪ ،‬وفي األشغال الجوفية التي تؤدي في أغوار‬
‫المناجم‪ 402‬وفي جميع األعمال التي قد تعيق نموهم‪ ،‬أو تساهم في تفاقم إعاقتهم‪ ،‬وهذا سواء‬

‫ـ محمد سعد جراندي ‪ :‬الدليل العملي لمدونة الشغل‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬مطبعة صناعة الكتاب الدار‬ ‫‪399‬‬

‫البيضاء‪ ،4109 ،‬ص ‪.002‬‬


‫‪ 400‬ـ تنص المادة ‪ 09.‬من مدونة الشغل على أنه ‪" :‬يجب على المشغل أن يجهز أماكن الشغل بالولوجيات الالزمة‬
‫لتسهيل قيام األجراء المعاقين القيام بشغلهم‪ ،‬وأن يحرص على توفير كل شروط الوقاية الصحية‪ ،‬والسالمة المهنية‬
‫لهؤالء األجراء‪.‬‬
‫ـ تنص المادة ‪ 090‬من مدونة الشغل ‪ :‬يمنع تشغيل األجراء المعاقين في أشغال قد تعرضهم ألضرار أو تزيد‬ ‫‪401‬‬

‫من حدة إعاقتهم"‪.‬‬


‫ـ تنص المادة ‪ 00.‬من مدونة الشغل ‪ :‬يمنع تشغيل األحداث دون ‪ 02‬سنة والنساء واألجراء المعاقين‪ ،‬في‬ ‫‪402‬‬

‫المقالع وفي األشغال الجوفية‪ ،‬التي تؤدى بأغوار المناجم"‪.‬‬

‫‪P 241‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫كانت هذه األعمال تؤدي على سطح األرض أو في جوفها‪ ،403‬وبصفة عامة يمنع تشغيل األجراء‬
‫المعاقين في كل عمل من شأنه أن يشكل مخاطر بالغة عليهم أو يفوق طاقتهم‪ ،‬أو قد يترتب عنها‬
‫ما قد يخل باآلداب العامة‪ ،‬والتي أحالت مدونة الشغل تحديد الئحتها على نص تنظيمي‪.404‬‬

‫ونظرا للطبيعة الخاصة لهؤالء األشخاص‪ ،‬فرض المشرع قواعد على تشغيلهم‬
‫قصد توفيرالحماية الالزمة التي تستدعيها وضعيتهم‪ ،405‬وفي هذا اإلطاريالحظ أن المشرع ّأوجب‬
‫على المشغل الذي يقرر تشغيل أجراء من ذوي االحتياجات الخاصة تقديم تصريح بذلك إلى‬
‫العون المكلف بتفتيش الشغل‪.406‬‬

‫كما أوجب على كل مشغل يرغب في تشغيلهم أن يعرضهم على الفحص الطبي‪،‬‬
‫مع خضوعهم لهذا الفحص بصفة دورية بعد كل سنة من الشغل‪.407‬‬

‫إلى جانب ذلك يحق لمفتش الشغل أن يطلب عرض جميع هؤالء األجراء على‬
‫طبيب بمستشفى تابع لوزارة الصحة قصد التأكيد من أن الشغل المسند إليهم ال يتناسب مع‬
‫إعاقتهم‪ ،‬مع حقه في إعفائهم دون إخطار إذا أبدى الطبيب رأيا مطابقا لرأيه وأجرى عليهم‬

‫ـ تنص المادة ‪ 021‬من مدونة الشغل ‪" :‬يمنع تشغيل األحداث دون ‪ 02‬سنة في األشغال قد تعيق نموهم‪ ،‬أو‬ ‫‪403‬‬

‫تساهم في تفاقم إعاقتهم‪ ،‬إذا كانوا معاقين‪ ،‬سواء إذا كانت هذه األشغال على سطح األرض‪ ،‬أو في جوفها"‪.‬‬
‫ـ تنص المادة ‪ 020‬من مدونة الشغل ‪" :‬يمنع تشغيل األحداث دون ‪ 02‬والنساء األجراء المعاقين‪ ،‬في األشغال‬ ‫‪404‬‬

‫التي تشكل مخاطر بالغة عليهم‪ ،‬أو تفوق طاقتهم‪ ،‬أو قد يترتب عنها ما قد يخل باآلداب العامة‪.‬‬
‫ـ محمد بنحساين‪ ،‬عالقة الشغل الفردية والجماعية‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬مطبعة طوب بريس‪ ،‬الطبعة ‪ ،4109‬ص‬ ‫‪405‬‬

‫‪.90‬‬
‫ـ تنص المادة ‪ 049‬من مدونة الشغل ‪" :‬يجب على المشغل أن يقدم أيضا تصريحا مماثال للتصريح الوارد ذكره‬ ‫‪406‬‬

‫في المادة ‪ 042‬أعاله‪ ،‬في األحوال التالية ‪:‬‬


‫‪ 0‬ـ إذا اعتزمت المقاولة تشغيل أجراء جدد‬
‫‪ 4‬ـ إذا غيرت المقاولة نوع نشاطها وهي تشغل أجراء‬
‫‪ 4‬ـ إذا انتقلت المقاولة إلى مكان آخر وهي تشغل أجراء‬
‫‪ 2‬ـ إذا قررت المقاولة تشغيل أجراء معوقين‬
‫‪ 2‬ـ إذا كانت المقاولة تشغل أجراء ‪."....‬‬
‫ـ تنص المادة ‪ 092‬من مدونة الشغل ‪" :‬يجب على المشغل أن يعرض على الفحص الطبي األجراء المعاقين‬ ‫‪407‬‬

‫الذين ينوي تشغيلهم‪ ،‬يجري طبيب الشغل هذا الفحص بصفة دورية بعد كل سنة من الشغل‪.‬‬

‫‪P 242‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫فحص مضاد بطلب من ذويهم‪ ،408‬وقد تم تحديد هذه األشغال بداية‪ ،‬كما هو الشأن بالنسبة‬
‫لألحداث والنساء‪ ،‬بواسطة مرسوم رقم ‪ 5.82.305‬بتاريخ ‪ 50‬ديسمبر ‪ 5882‬بتحديد الئحة‬
‫األشغال الممنوعة على األحداث دون الثامنة عشرة والنساء واألجراء المعاقين‪ ،409‬غير أن‬
‫مرسوما آخر صدر بتاريخ ‪ 33‬نونبر ‪ ،4105838‬نسخ المرسوم السابق ومدد الئحة األشغال‬
‫الممنوعة عليهم والتي أضحت على الشكل التالي ‪:‬‬

‫‪ 3‬ـ أشغال التشحيم والتنظيف أثناء عملية فحص وإصالح األجهزة الميكانيكية عندما‬
‫تكون في حالة اشتغال ؛‬

‫‪ 5‬ـ استخدام اآلالت التي تشغل باليد أو بواسطة محرك ميكانيكي‪ ،‬وال تتوفر األجزاء‬
‫الخطيرة منها على ما يلزم من وسائل الوقاية ؛‬

‫‪ 1‬ـ خدمة الحنفيات البخارية ؛‬

‫‪ 2‬ـ طرق وتمطيط القضبان المعدنية وترقيقها ؛‬

‫‪ 0‬ـ األشغال التي يتوقف إنجازها على ‪:‬‬

‫إقامة هياكل خشبية أو معدنية متحركة من أجل ترميم وتنظيف المنازل ؛‬

‫نصب هياكل خشبية أو معدنية ثابتة تستعمل في صناعة البناء واألشغال العمومية ؛‬

‫‪ 3‬ـ األشغال التي تنجزفوق السطوح ؛‬

‫‪ 0‬ـ أشغال الهدم ؛‬

‫‪ 0‬ـ إذابة الزجاج ؛‬

‫‪ 0‬ـ استخدام اآلالت بمعامل الزجاج‪ ،‬حيث يتم صنع القنينات بالطرق الميكانيكية ؛‬

‫ـ تنص المادة ‪ 022‬من مدونة الشغل ‪" :‬يمنع على أي شخص أن يكلف أحداثا دون ‪ 02‬سنة بأداء ألعاب‬ ‫‪408‬‬

‫خطيرة‪ ،‬أو القيام بحركات بهلوانية أو التوائية‪ ،‬أو أن يعهد إليهم بأشغال تشكل خط ار على حياتهم أو صحتهم أو‬
‫أخالقهم‪.‬‬
‫ـ المنشور بالجريدة الرسمية عدد ‪ 22..‬بتاريخ ‪ 14‬يناير ‪ ،4112‬ص ‪.00‬‬ ‫‪409‬‬

‫‪ 410‬ـ مرسوم رقم ‪ 4.01.024‬صادر في ‪ 09‬نوفمبر ‪ 4101‬بتحديد الئحة األشغال التي يمنع أن يشغل فيها بعض‬
‫الفئات األشخاص‪ ،‬الجريدة الرسمية‪ ،‬عدد ‪ 22..‬بتاريخ ‪ 04‬ديسمبر ‪ ،4101‬ص ‪.2422‬‬

‫‪P 243‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫‪ 38‬ـ تمديد أنابيب وقضبان الزجاج ؛‬

‫‪ 33‬ـ كل شغل قد يعرضهم لإلشعاعات؛‬

‫‪ 35‬ـ األشغال التي تنجزفي قنوات الصرف الصحي ؛‬

‫‪ 31‬ـ األشغال التي تنجز في المدابغ ؛‬

‫‪ 32‬ـ أشغال إنتاج الكهرباء وتحويلها وإرسالهم وكل قوة محركة كيفما كان نوعها ؛‬

‫‪ 30‬ـ أشغال جمع النفايات ومعالجتها ؛‬

‫‪ 33‬ـ تصنيع المتفجرات ونقلها ؛‬

‫‪ 30‬ـ إنتاج ومناولة مبيدات الطفيليات والحشرات واألعشاب ؛‬

‫‪ 30‬ـ أشغال تسطيح األرض ؛‬

‫‪ 30‬ـ األشغال التي تنجز في الهواء المضغوط ؛‬

‫‪ 58‬ـ أشغال الصباغة التي تستعمل فيها مواد كيماوية خطيرة تحتوي على الرصاص‬
‫واألكزان؛‬

‫‪ 53‬ـ األشغال التي تستعمل فيها مواد الحريرالصخري أو تحتوي على مادة البنزين ؛‬

‫‪ 55‬ـ أشغال ذبح الحيوانات في املجازر ؛‬

‫‪ 51‬ـ تصنيع واستخدام وبيع كتابات أو مطبوعات أو ملصقات أو رسوم أو نقوش أو‬
‫لوحات أو شعارات أو صور أو أشياء أخرى يعاقب على بيعها أو تقديمها أو عرضها أو إلصاقها أو‬
‫توزيعها بموجب القانون الجنائي لتعارض مع اآلداب العامة‪ ،‬لكونها مضرة بطبيعتها بأخالق‬
‫األطفال ولو لم تكن موضوع تجريم بموجب القانون المذكور؛‬

‫‪ 52‬ـ األشغال التي تتم داخل الحانات والخمارات أو دوراأللعاب ؛‬

‫‪ 50‬ـ أشغال أو أنشطة تعرض لعوامل بيولوجية خطيرة ؛‬

‫‪ 53‬ـ أشغال تنجزفي أجواء شديدة الحرارة أو البرودة أو الرطوبة ؛‬

‫‪ 50‬ـ األشغال التي تتم بواسطة أمشاط يدوية في صناعة الدوم ؛‬

‫‪P 244‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫‪ 50‬ـ األشغال التي تتم بآالت تستعمل في الصناعات الخشبية ؛‬

‫‪ 50‬ـ األشغال التي تنجز بمقصات ميكانيكية حادة وكل ينجز بآالت ضاغطة كيفما كانت‬
‫طبيعتها‪ ،‬غيرتلك التي تحرك باليد ؛‬

‫‪ 18‬ـ العمل بالشغل المؤدى ؛‬

‫‪ 13‬ـ مختلف األشغال المنجزة في باطن األرض ؛‬

‫‪ 15‬ـ جميع األشغال التي قد تتسبب في أمراض مهنية كما هي محددة بموجب قرار وزير‬
‫التنمية االجتماعية والتضامن والتشغيل والتكوين المنهي رقم ‪ 330.00‬الصادر في ‪ 32‬من‬
‫رمضان ‪ 51( 3258‬ديسمبر ‪ )3000‬؛‬

‫‪ 11‬ـ األشغال التي تنجزفي ظروف تتسم بالضجيج والذبذبات المؤذية‪.‬‬

‫وإذا كان يسمح استثناء للمشغل تشغيل األحداث دون ‪ 33‬سنة ليال‪ ،‬فإن هذا‬
‫االستثناء ال يطبق إذا تعلق األمربأجيرمن ذوي االحتياجات الخاصة‪.‬‬

‫ونظرا لكون األجراء معرضين بسبب عملهم أو لسبب آخر إلى اإلصابة بإعاقة‪،‬‬
‫فإن المشرع قد تنبه للحالة التي تؤثر فها إعاقتهم على مستقبل شغلهم‪411‬ـ وألزم المشغل‬
‫باالحتفاظ باألجير الذي أصبح معاقا وأن يسند إليه شغل يالئم نوع إعاقته بعد إعادة تأهيله‪،‬‬
‫وال يعفى من هذا االلتزام إال إذا استحال ذلك لحدة اإلعاقة أو لطبيعة الشغل بعد أخذ رأي‬
‫طبيب الشغل أو لجنة السالمة وحفظ الصحة‪.412‬‬

‫كما تجدراإلشارة إلى أن كل مشغل خالف هذه األحكام المتعلق بتشغيل األجراء‬
‫ذوي ا الحتياجات الخاصة بأعمال ممنوعة عليهم إلى عقوبة تتجلى في غرامة من ‪ 188‬إلى ‪088‬‬
‫درهم‪.‬‬

‫ـ محمد بنحساين‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.01‬‬ ‫‪411‬‬

‫‪ 412‬ـ تنص المادة ‪ 099‬من مدونة الشغل ‪" :‬يحتفظ كل أجير أصبح معاقا بسبب من األسباب بمنصب شغله‪ ،‬ويسند‬
‫إليه شغل يالءم نوع إعاقته بعد إعادة تأهيله‪ ،‬إال إذا تعذر ذلك لحد اإلعاقة أو لطبيعة الشغل وذلك بعد أخذ رأي‬
‫طبيب الشغل أو لجنة السالمة وحفظ الصحة"‪.‬‬

‫‪P 245‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫وبجانب هذا المنع فقد أوجب المشرع تسهيال لعمل المعاقين وحرصا منه‬
‫لتوفير كل شروط الوقاية الصحية والسالمة المهنية للمعاقين‪ ،‬على المشغل أن يجهز أماكن‬
‫الشغل بالولوجيات الالزمة لتسهيل قيام األجراء المعاقين بشغلهم‪ ،‬وأن تكون هذه األماكن‬
‫مجهزة تجهيزا يضمن سالمة األجراء‪ ،‬ويسهل شغل األجراء والمعاقين المشغلين بها‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬الشغل الليلي والراحة األسبوعية‬

‫بخصوص العمل الليلي يالحظ أنه وإذا كانت مقتضيات الفقرة الثالثة من‬
‫المادة ‪ 305‬من مدونة الشغل‪ ،‬تمنع على األجراء األحداث دون من السادسة عشراألشغال ليال‪،‬‬
‫فإن الفقرة األولى من المادة ‪ 303‬منها‪ ،‬تخول المشغل استثناء إمكانية مخالفة حكم المادة‬
‫‪ ،305‬وبالتالي تشغيل األجراء ليال ولو كان سنهم دون السادسة عشر‪ ،‬إذا اقتض ى األمر اتقاء‬
‫حوادث وشبكة الوقوع‪ ،‬أو تنظيم عمليات نجدة أو إصالح خسائر لم تكن متوقعة‪ ،‬وهذا‬
‫االستثناء ال يمكن مطلقا العمل به إذا كان األجيرمعاقا‪. 413‬‬

‫ونفس األمر بالنسبة للراحة األسبوعية‪ ،‬فإذا كان يمكن وقفها في الحاالت التي‬
‫تبررها طبيعة نشاط المؤسسة‪ ،‬او المواد المستعملة‪ ،‬أو إنجازأشغال استعجالية‪ ،‬أو زيادة غير‬
‫عادية في حجم الشغل‪ ،414‬فإن نظام وقفها ال يطبق وقفها ال يطبق على األجراء المعاقين‪ ،‬وذلك‬
‫في األحوال التي يحددها نص تنظيمي‪ ،415‬كما أن مرسوم رقم ‪ 4165.82.031‬الخاص بتنظيم‬
‫الراحة األسبوعية لفائدة بعض فئات األجراء وفق متطلبات طبيعة شغلهم داخل المؤسسة أو‬
‫المقاولة مع مراعاة جملة من التدابير من ضمنها األخذ بعين االعتبار حالة األجراء في وضعية‬
‫إعاقة‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة ‪ :‬الحماية من الفصل بسبب اإلعاقة‬

‫ـ تنص الفقرة األخيرة من المادة ‪ 009‬من مدونة الشغل "ال يمكن للمشغل أن يعمل بهذا االستثناء إال إذا كان‬ ‫‪413‬‬

‫األجير معاقا‪.‬‬
‫ـ تنص المادة ‪ 404‬من مدونة الشغل ‪" :‬على أنه يمكن وقف ال ارحة األسبوعية في حاالت التي تبررها طبيعة‬ ‫‪414‬‬

‫نشاط المؤسسة‪ ،‬أو المواد المستعملة‪ ،‬أو إنجاز أشغال استعجالية‪ ،‬أو زيادة غير عادية في حجم الشغل"‪.‬‬
‫ـ تنص المادة ‪ 402‬من مدونة الشغل ‪" :‬ال يطبق نظام وقت الراحة األسبوعية على األحداث دون سن ‪ 02‬وال‬ ‫‪415‬‬

‫على النساء دون ‪ 41‬وال على األجراء المعاقين‪ ،‬وذلك في األحوال المحددة بنص تنظيمي"‪.‬‬
‫‪ 416‬ـ مرسوم رقم ‪ 4.12.204‬صادر في ‪ 09‬من ذي القعدة ‪ 0242‬ـ ‪ 4.‬ديسمبر ‪ 4112‬بتنظيم الراحة األسبوعية‪،‬‬
‫الجريدة الرسمية‪ ،‬عدد ‪ ،240.‬بتاريخ ‪.14/10/4112‬‬

‫‪P 246‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫إمعانا في حماية األجير المعاق‪ ،‬وفي حماية حقه في االستقرار في شغله‪ ،‬ينص‬
‫المشرع المغربي‪ ،417‬صراحة على أن اإلعاقة ال تعد من المبررات المقبولة التخاذ عقوبة‬
‫الفصل من الشغل‪ ،‬اللهم إال إذا كانت تحول دون أداء األجير المعلق لشغل يناسبه داخل‬
‫المقاولة المشغلة‪ ،418‬وهو الحكم الذي تكرسه أيضا المادة ‪ 333‬من المدونة‪ ،‬التي تنص على‬
‫احتفاظ كل أجير أصبح معاقا لسبب من األسباب بمنصب شغله‪ ،‬حيث يسند إليه شغل يالئم‬
‫نوع إعاقته بعد إعادة تأهيله‪ ،‬اللهم إال إذا تعذرذلك لحدة اإلعاقة أو لطبيعة الشغل وذلك بعد‬
‫أخذ رأي طبيب الشغل‪ ،‬أو لجنة السالمة وحفظ الصحة‪.‬‬

‫ولقد تعرضت هذه المادة لألجير الذي يكون سليما صحيا أثناء التحاقه بعمله ثم‬
‫يتعرض إلع اقة معينة مهما كان نوعها بعد ذلك‪ ،‬وبمناسبة عمله أو بسبب حادثة سير أو غيرها‬
‫ولو لم يكن لها ارتباط بعمله‪ ،‬حيث ألزمت المشغل في هذه الحالة باالحتفاظ له بمنصب‬
‫شغله‪.419‬‬

‫غيرأن هذا الحق ال يعتبرمطلقا بمعنى االحتفاظ له بنفس المنصب يتوقف على طبيعة‬
‫اإلعاقة‪ ،‬ذلك أنه إذا كان من المعتذر أو من المستحيل عليه‪ ،‬ذلك فيتعين تعويضه بمنصب‬
‫آخر يتالءم مع وضعه الصحي وبعد خضوعه لتأهيل أو تدريب خاص أو ترويض إذا كان ذلك‬
‫المنصب الجديد يتطلب شيئا من هذا القبيل‪.‬‬

‫ـ تنص المادة ‪ 49‬من مدونة الشغل ‪" :‬على أنه ال تعد األمور التالية ‪ :‬من المبررات المقبولة التخاذ العقوبات‬ ‫‪417‬‬

‫التأديبية أو الفصل من الشغل‪.‬‬


‫‪ 0‬ـ االنتماء االنتقابي أو ممارسة مهمة الممثل النقابي‬
‫‪ 4‬ـ المساهمة في أنشطة نقابية خارج أوقات الشغل أو أثناء تلك األوقات برضا المشغل‪ ،‬أو عمال بمقتضيات اتفاقية‬
‫الشغل الجماعية‪ ،‬أو النظام الداخلي‬
‫‪ 4‬ـ طلب ترشيح لممارسة مهمة مندوب األجراء‪ ،‬أو ممارسة هذه المهمة‪ ،‬أو ممارستها سابقا‬
‫‪ 2‬ـ تقديم شكوى ضد المشغل أو المشاركة في دعاوى ضده في إطار تطبيق مقتضيات هذا القانون‬
‫‪ 2‬ـ العرق أو اللون أو الجنس أو الحالة الزوجية‪ ،‬أو المؤسسات العائلية‪ ،‬أو العقيدة‪ ،‬أو الرأي السياسي‪ ،‬أو األصل‬
‫الوطني‪ ،‬أو األصل االجتماعي‬
‫‪ 9‬ـ إذا لم يكن من شأنها أن تحول دون أداء األجير المعاقد لشغل يناسبه داخل المقاولة"‪.‬‬
‫ـ عبد اللطيف خالفي‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.292‬‬ ‫‪418‬‬

‫ـ محمد سعد جراندي‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.000‬‬ ‫‪419‬‬

‫‪P 247‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫وفي هذا الصدد جاء قرار ملحكمة النقض‪ 420‬يتعلق بفصل أجيرة بعد تعرضها لإلعاقة ‪:‬‬
‫" لكن حيث إن الثابت من وثائق الملف أن المطلوبة في النقض أصيبت بنقص حاد في سمعها‬
‫وتمت إحالتها على طبيب الشغل إلبداء رأيه في وضعيته الصحية‪ ،‬هذا األخير الذي خلص في‬
‫تقريره إلى كون اإلصابة بالصمم ليست مطلقة‪ ،‬وأن المطلوبة في النقض يمكنها االشتغال في‬
‫عمل يتالءم وقدراتها البدنية‪ ،‬وهوما تم إذ تم تشغيلها بمصلحة البريد اإللكتروني ليتم االستغناء‬
‫بعد ذلك بدعوى أن المصلحة المذكورة لم يعد لها وجود‪ ،‬وهو خالل الو اقع أمام إثبات‬
‫المطلوبة في النقض وجود عمال آخرين يمارسون نفس العمل الذي حرمت منه‪ ،‬وأن تمسك‬
‫الطالبة بعدم قدرة األجيرة على االستمرار في مزاولة عملها يعتبر مردودا مادام هي نفسها قد‬
‫أسندت لها مهام إلى مصلحة البريد اإللكتروني‪ ،‬وأن إنهاء العالقة بناءا على المقتضيات أعاله‬
‫يشكل خرقا للمادة ‪ 0‬من مدونة الشغل في فقرتها الثانية"‪.‬‬

‫أما فيما يخص تعويض وتوفير عمل يتالءم مع الوضعية الصحية لألجير المعاق بعد‬
‫تأهيله فيعتبرمن أهم حقوقه‪ ،‬وفي هذا السياق ذهبت محكمة النقض‪ 421‬إلى اعتبارمنع األجيرة‬
‫من العمل بسبب عدم توفير عمل يتناسب مع الحالة الصحية لألجيرة المعاقة يعتبر طردا‬
‫تعسفيا ‪" :‬والطاعنة لما لم تقم بإلحاق المطلوبة في النقض بعملها ومصاحبتها للمفوض‬
‫القضائي ولما لم تقم بتهيئتها للمطلوبة عمال في وضعية الجلوس يتماش ى وحالتها الصحية حسب‬
‫البين من الشهادتين الطبيتين المنجزتين من طرف طبيب المشغلة واللتين تؤكدان أن الوضعية‬
‫الصحية للمطلوبة ال تسمح لها بالعمل وقوفا تكون هي من أقدمت على فصلها وبإرادة منفردة‬
‫عالقة الشغل التي كانت تربطها مع المطلوبة"‪.‬‬

‫إال أن إذا كانت هذه اإلعاقة بلغت من الحدة بحيث أصبح من المستحيل عليه القيام‬
‫بأي عمل كما هو الحال حينما يصبح عجزه مطلقا كأن تصل نسبته إلى ‪ 08‬أو ‪ 388‬في المائة من‬
‫قدرته البدنية‪ ،‬أو أن اإلعاقة تحول دون قيامه بعمله األصلي أو عمل آخركإعاقة العمى أو غيرها‬

‫ـ قرار محكمة النقض‪ ،‬عدد ‪ 22/0‬الصادر بتاريخ ‪ 42/10/4100‬في الملف االجتماعي عدد‬ ‫‪420‬‬

‫‪ ،0240/2/0/4102‬منشور بكتاب الدليل العملي لمدونة الشغل‪ ،‬لمؤلفه‪ ،‬محمد جرندي‪ ،‬ص ‪.024‬‬
‫ـ قرار محكمة النقض عدد ‪ 420/4‬الصادر بتاريخ ‪ 12/12/4100‬في الملف االجتماعي عدد‬ ‫‪421‬‬

‫‪.2.0/2/0/4109‬‬

‫‪P 248‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫فإن المشغل يكون معفيا من االحتفاظ له بهذا المنصب ويكون إنهاء عقد الشغل من قبله له‬
‫ما يبرره قانونا‪.‬‬

‫غير أن تمكين المشغل من هذا اإلعفاء يجب أن يعزز برأي طبيب مختص في الشغل أو‬
‫برأي لجنة السالمة وحفظ الصحة‪ ،‬وذلك تفاديا ألي تعسف من قبل المشغل وذلك من أجل‬
‫الحسم في أي اعتراض على ذلك من قبل األجير‪.422‬‬

‫خـ ــات ـ ـم ــة ‪:‬‬

‫يتضح من خالل ما سبق أن المشرع حاول وضع إطار قانوني لحماية األجراء ذوي‬
‫االحتياجات الخاصة‪ ،‬بالتنصيص على حقوق هذه الفئة في مدونة الشغل‪ ،‬وكذا في القانون‬
‫اإلطار رقم ‪ 00.31‬المتعلق بحماية حقوق األشخاص في وضعية إعاقة والنهوض بها‪ ،‬باإلضافة‬
‫إلى االتفاقيات الدولية التي وقع عليها المغرب والتي يكون ملزما بعد ذلك بتنزيلها على أرش‬
‫الو اقع‪ ،‬إسهاما من جانبه لضمان أرضية صلبة كفيلة بتحقيق الحماية لهذه الشريحة من‬
‫األجراء‪ ،‬وكذلك بتجاوزمرحلة اإلحسان إلى مرحلة حقوقية بامتياز‪.‬‬

‫وعلى الرغم من هذه الترسانة القانونية التي جاء بها المشرع المغربي لصالح‬
‫األجراء ذوي االحتياجات الخاصة‪ ،‬فإنه يمكن تسجيل بعض المالحظات بخصوص مدى كفاية‬
‫وجدوى هذه الحماية في تحقيق إدماج فعلي لهم في سوق الشغل أمم التحديات‪ ،‬واإلكراهات‬
‫التي تقف أمامهم‪ ،‬من بينها غياب نصوص قانونية تفرض تشغليهم في القطاع الخاص‪ ،‬عالوة‬
‫على أن المشغلين يرفضون تشغيل هذه الفئة االجتماعية تحت ذريعة أنها ليست لها مردودية‪.‬‬

‫وتأسيسا على هذا كله نقترح بعض التدابير والخطوات التي تهم انخراط هذه‬
‫الفئة إيجابا دخل سوق الشغل ‪:‬‬

‫‪ ‬إنه مادامت الوقاية تعد خيرمن العالج فإنه يتعين التأكيد على الو اقية من اإلعاقة‪،‬‬
‫سواء داخل األسرة أو في المؤسسات التعليمية في أماكن الشغل ؛‬

‫‪ ‬توفيرمراكزومصحات عمومية من أجل الوقاية من األمراض التي قد تكون سببا في‬


‫هذه اإلعاقة ومعالجتها و اتخاذ التدابيرالكافية في مؤسسات الشغل ؛‬

‫ـ محمد سعد جراندي‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.000‬‬ ‫‪422‬‬

‫‪P 249‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫‪ ‬مضاعفة الغرامات المالية‪ ،‬نظرا ألن الخيارات قد تعددت أمام أصحاب األعمال‪،‬‬
‫ومنها التشغيل مع التمتع باإلعفاءات‪،‬ـ وأداء المقابل المالي لألحجام عن تشغيل المعاقين فإن‬
‫تقاعس صاحب العمل فال يمكن إال أن يكون هذا التقاعس ناتجا عن سوء نية‪ ،‬والبد من انزال‬
‫العقاب المناسب‪.‬‬

‫الئ ـ ـ ـ ـحــة الـ ـ ـمـ ـراج ــع‬

‫‪ ‬الحاج الكوري ‪ :‬مدونة الشغل الجديدة القانون ‪ 00.00‬طبعة األولى‪ ،‬مطبعة األمنية‬
‫الرباط‬

‫‪ ‬محمد بنحساين ‪ :‬عالقات الشغل الفردية والجماعية‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬مطبعة طوب‬
‫بريس‪ ،‬طبعة مراكش ‪5833‬‬

‫‪ ‬محمد بهير ‪ :‬الحماية الزجرية لألجير في التشريع المغربي‪ ،‬دون ذكر الطبعة‪ ،‬مطبعة‬
‫األمنية‪ ،‬الرباط ‪5830‬‬

‫‪ ‬عبد اللطيف خالفي ‪ :‬الوسيط في مدونة الشغل‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬عالقات الشغل‬
‫الفردية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬المطبعة والور اقة الوطنية مراكش ‪5882‬‬

‫‪ ‬محمد سعد جرندي ‪ :‬الدليل العملي لمدونة الشغل‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬الطبعة الثانية‪،‬‬
‫مطبعة صناعة الكتاب‪ ،‬الدارالبيضاء ‪5833‬‬

‫‪ ‬فاطمة ازبوري ‪ :‬الحماية القانونية لألجراء ذوي اإلعاقة‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر‬
‫في القاولة والقانون‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬جامعة ابن زهر اكادير‪،‬‬
‫السنة الجامعية ‪5830/5832‬‬

‫‪‬رشيد احفوض ‪ :‬االدماج االجتماعي والمنهي لألشخاص في وضعية إعاقة‪ ،‬في الموقع‬
‫اإللكتروني ‪ www.alkanounia.com‬منشور‬

‫‪ ‬فدوى مرابط ‪ :‬تشغيل الشخص المعاق في التشريع المغربي منشور بالموقع‬


‫اإللكتروني‪www.tanmia.com :‬‬

‫‪P 250‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫القراين وأهاميتها يف اإلثبات‬


‫‪Clues and their confir ming role‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫بسم الله الرحمان الرحيم وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحابته‬
‫أجمعين ‪.‬‬

‫وبعد‪ :‬فإن العدل اسم من أسماء الله تعالى وصفة من صفاته‪ ،‬أقام على أساسها‬
‫االرض والسماوات‪ ،‬و أنزل من أجلها الكتب وأرسل الرساالت‪ ،‬وبعث الرسل وشرع األحكام‬
‫والتشريعات‪.‬‬

‫وبه يقض ي سبحانه يوم القيامة بين الخالئق‪ ،‬ويظل العادل من شدة الحروينجيه من‬
‫كل ضائق؛ ولتحقيقه بين الناس ردا للمظالم ودفعا للشبه والتهم‪ ،‬شرع الله سبحانه تقديم‬
‫البرهان والبينات تعزيزا للدعوى والمر افعات‪.‬‬

‫وإذا تعذرتقديم الحجج والبينات لسبب ظاهرأو خفي فيلجأ القاض ي بين الخصوم إلى‬
‫اعتماد القرائن واألمارات‪ ،‬فدورها هام وقوي في االستئناس والترجيح‪ ،‬وتعيين الجانب األقوى‬
‫في الدعوى‪.‬‬

‫كما أنها تلعب دورا في تشكيل قناعة القاض ي عند وزن البينات‪ ،‬وتساعد على حماية‬
‫الحقوق و إيصالها إلى أصحابها عند حدوث التنازع والجحود‪ ،‬وتفتح املجال أمام القضاء إلقامة‬
‫وتحدد مصيرالدعاوى والمر افعات‪.‬‬‫العدل وصيانة املجتمع من الظلم‪ّ ،‬‬

‫فلهذه المزايا وغيرها ارتأيت أن أكتب نبذة عن القرائن وأهميتها في إثبات الدعاوى‪،‬‬
‫وقبل معالجتها والخوض في مجالها البد من طرح السؤال المتعدد الجوانب في أمرها‪:‬‬

‫فماهي القرائن لغة واصطالحا؟ وهل اعتبارها واعتمادها يستند على أدلة شرعية؟‬

‫‪P 251‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫وما هي أهمية األخذ بها ‪ ،‬وهل هي معتبرة في مجال محدد أم شاملة لكل القضايا‬
‫املختلفة؟ وهذه اإلشكاالت تكون اإلجابة عنها في املحاور اآلتية‪ :‬املحور األول‪ :‬تعريف القر ائن‬
‫ّ‬
‫الثالث‪:‬حجيةالقرائن‪ .‬املحور الرابع‪ :‬أنواع‬ ‫واإلثبات‪ .‬املحور الثاني‪ :‬أقسام القرينة‪ .‬املحور‬
‫القرائن‪ .‬املحور الخامس ‪:‬أهمية القرائن‪ .‬املحور السادس ‪ :‬نماذج من القضايا اعتبرت فيها‬
‫القرائن‪.‬‬

‫تمهيد‪:‬‬

‫لقد كتب العلماء قديما وحديثا في موضوع القرائن‪ ،‬فمنهم من ذكرها في التفسيرعند‬
‫اآليات الدالة عليها‪ ،‬ومنهم من ساقها عند شرحه لألحاديث النبوية‪ ،‬ومنهم من ذكرها في أبواب‬
‫الفقه كالقضاء والشهادات‪ .‬ومنهم من خصها بالذكرفي باب مستقل‪ ،‬ومنهم من أوفرها بالتأليف‪.‬‬

‫الجديد في هذه الدراسة‪.‬‬

‫ما سبق ذكره من الدراسات التي تطرقت لموضوع القرائن‪ ،‬فقد عالجت الموضوع من‬
‫خصص‬‫كل جوانبه ‪،‬إال أن بعضها اقتصرعلى الجانب القانوني تأصيال وتمثيال ‪ ،‬والبعض اآلخر ّ‬

‫الدراسة في مجال واحد كاألسرة مثال‪ .‬وقد حاولت في هذا الجهد المتواضع أن أجمع بين الجانب‬
‫الشرعي والقانوني‪،‬كما أنني نوعت األمثلة قدر المستطاع‪ ،‬وأشرت كما نبنهي اإلخوان إلى ذكر‬
‫بصمة العين واعتمادها في ضبط المسافرين وأحوالهم في دولة اإلمارات العربية المتحدة‪.‬‬

‫املحوراألول‪ :‬تعريف القرائن واإلثبات‬

‫القرينة لغة‪ :‬قال الجوهري‪ ":‬القرينة في اللغة فعيلة بمعنى المفاعلة مأخوذة من‬
‫المقارنة‪ 423‬أي ما يدل على الش يء مشتقة من المقارنة بمعنى المصاحبة ‪.‬‬

‫و اصطالحا‪:‬بمعنى األمارة والعالمة؛ إذ يلزم من العلم بها الظن بوجود المدلول‪ ،‬وهي كل‬
‫أمارة ظاهرة تقارن شيئا خفيا فتدل عليه‪ .424‬وذلك ألنها مقارنة للحق أي مصاحبة له في أغلب‬

‫‪ 423‬التعريفات لعلي بن محمد الجرجاني ج‪ .222/1/‬نشر‪ :‬دار الكتاب العربي بيروت ‪.‬ط‪ 1041/1:‬هـ‪.‬‬
‫‪ 424‬الفقه اإلسالمي وأدلته للدكتور محمد وهبة الزحيلي‪.‬ج‪ .141/1/‬نشر دار الفكر دمشق سوريا‪.‬‬

‫‪P 252‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫األحوال‪.425‬وهي بذلك تشكل سندا قويا في معرفة الحق وتمييزه عن الباطل‪ ،‬ولذا قال فيها ابن‬
‫القيم‪ ":‬مسألة كبيرة عظيمة النفع ‪ ،‬جليلة القدر‪ ،‬إن أهملها الحاكم أو الولي أضاع حقا كبيرا‪،‬‬
‫و أقام باطال كبيرا‪.426‬‬

‫اإلثبات لغة‪ :‬قال صاحب المصباح‪ ":‬ثبت الش يء يثبت ثبوتا دام واستقر‪..‬وثبت األمر‬
‫صح"‪.427‬‬

‫وفي اللسان‪ ":‬و أثبت حجته أقامها وأوضها ‪ ،‬وقول ثابت ‪ :‬صحيح‪،‬وفي التنزيل‬

‫العزيز‪:‬‬
‫(يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت)‪ 428‬وكله من الثبات‪429‬‬

‫وفي االصطالح هو إقامة الدليل والحجة على صحة أمر‪.430‬‬

‫املحورالثاني‪ :‬أقسام القرينة‬

‫القرينة قد تكون دال لتها قوية أو ضعيفة على حسب قوة المصاحبة وضعفها ‪ ،‬وقد‬
‫ترتقي إلى درجة القطع ‪ ،‬أو تهبط إلى درجة االحتمال البعيد جدا‪ ،‬بحيث تصبح اليعبأ بها فهي في‬
‫حيز التردد ‪ ،‬والمرجع في ضبطها واصطيادها إلى قوة الذهن والفطنة واليقظة وما يفيضه الله‬
‫تعالى على عباده من المواهب‪ 431‬كما قال ابن الرومي‪:‬‬

‫وخبيء الفؤاد يعلمه العـ ـ ـ ــا ‪ //‬قل قبل السماع باإليماء‬

‫‪425‬مسائل فقهية معاصرة لعارف علي عارف القره داغي ص‪. 11:‬نشر‪IIUM PRESS.INTNATER :‬‬
‫‪ATIONAL.ISLAMIC.MALAISYA.‬الطبعة األول‪:‬سنة‪.2411:‬‬
‫‪426‬ا لطرق الحكمية البن القيم الجوزية ت‪111:‬هـ بعناية هيثم خليفة الطعيمي ‪ .‬ص‪.12:‬نشر‪:‬المكتبة العصرية ط‪/1:‬‬
‫سنة‪242/1021:‬‬
‫‪ 427‬المصباح المنير في غريب الشرح الكبير‪.‬تأليف أحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي نشر المكتبة العلمية بيروت ‪.‬بدون تاريخ‬
‫‪.‬ج‪ 1/‬ص‪.14:‬‬
‫‪ 428‬سورة ‪:‬‬
‫‪ 429‬لسان العرب ألبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور اإلفريقي المصري ‪.‬نشر أدب الحوزة قم ‪ .‬إيران سنة ‪1041‬هـ‪.‬‬
‫ج‪.12/‬ص‪.22:‬‬
‫‪ 430‬اإلثبات بالقرائن في الفقه الفقه اإلسالمي إلبراهيم بن محمد الفائز ص‪ .01:‬نشر‪ :‬مكتبة أسامة ‪.‬الرياض ط‪ 2:‬سنة‪1042:‬هـ‪/‬‬
‫‪1812‬م‪.‬‬
‫‪ 431‬طرق اإلثبات الشرعية للشيخ أحمد إبراهيم بك وواصل عالء الدين ص‪.218/‬نشر‪:‬المكتبة األزهرية للتراث ط‪.2442 .0:‬‬

‫‪P 253‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬
‫ّ‬
‫الذكي أنفذ في الح ـ ـ ــق ‪ //‬سهاما من رؤية األغبياء‪.432‬‬ ‫وظنون‬
‫ي ال في نص القانون" ‪433‬‬ ‫ومن قواعد أهل القانون‪ ":‬العدل في ضميرالقاض‬

‫وقد قسم أغلب الفقهاء القرائن إلى قسمين ؛ قرائن قوية‪ ،‬وقرائن ضعيفة‪ ،‬لكن أحد‬
‫الباحثين رجح أن تقسم إلى ثالثة أقسام‪.434‬‬

‫‪ 3‬القرينة القاطعة‪ :‬وهي األمارة البالغة حد اليقين أو األمارة الواضحة التي تصير األمر‬
‫في حيزالمقطوع به‪.435‬‬
‫ومثالها من الحديث الشريف‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرالزبيرأن يقرر ّ‬
‫عم‬
‫حيي بن أخطب بالعذاب على إخراج المال الذي غيبه وادعى نفاده فقال له‪ ":‬العهد قريب والمال‬
‫أكثر من ذلك"‪.436‬فهاتان قرينتان في غاية القوة ‪،‬كثرة المال وقصر المدة التي اليحتمل إنفاق‬
‫المال كله فيها‪.437‬‬

‫‪ 5‬القرينة الضعيفة‪ :‬وهي التي تنزل داللتها إلى مجرد االحتمال فتكون ضعيفة فال يصح‬
‫االعتماد عليها وحدها في ترتيب الحكم عليه ا بل البد من ضميمتها إلى الدليل أو اجتماعها مع‬
‫قرائن أخرى لتكتسب الحجية‪.‬‬

‫مثالها‪ :‬إذا وجد رجل مع امرأته غريبة عنه في مكان مظلم ‪ ،‬ولم ير أحد ممن شاهدهما‬
‫حدوث ما بستوجب إقامة الحد عليهما ‪ ،‬فإن مجرد وجودهما في موضع ريبة اليكفي إلثبات الحد‬
‫عليهما ‪ ،‬و إنما التعزيربما يناسب‪ .‬وهذه القرينة لم يعتمد عليها عمربن الخطاب رض ي الله عنه‬
‫وحدها في ترتيب الحكم عليها ‪ ،‬فقد ثبت أنه عزررجال وجد مع امرأته بعد العتمة في ريبة بضربه‬

‫‪ 432‬محا ضرات األدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء للحسين بن محمد المعروف بالراغب األصفهاني ت‪ 142:‬هـ ج‪ .114/1/‬نشر‪:‬‬
‫شركة دار األرقم بن أبي األرقم بيروت لبنان ط‪ /1:‬سنة‪1024:‬هـ‪.‬‬
‫‪ 433‬موسوعة األخالق والزهد والرقائق لياسر عبد الرحمان ج‪.22/2/‬نشر‪:‬مؤسسة اقرأ ‪.‬ط‪.1/‬سنة‪ .2441/1021:‬القاهرة‪.‬‬

‫‪ 434‬المصدر نفسه ص‪.22:‬‬


‫‪ 435‬مجلة األحكام العدلية‪ .‬للجنة مكونة من عدة علماء وفقهاء في الخالفة العثمانية‪.‬نشر‪ :‬نور محمد كارخانة تجارة كتب‪ ،‬آرام باغ‪،‬‬
‫كراتشي‪ .‬مادة رقم‪.1101:‬ج‪/1/‬ص‪.212:‬‬
‫‪ 436‬رواه اإلمام البيهقي في كتاب السير‪.‬باب من رأى قسمة األراضي السنن الكبرى ألبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي نشر ‪ :‬مجلس‬
‫دائرة المعارف النظامية الكائنة في الهند ببلدة حيدر آبادالطبعة ‪ :‬الطبعة ‪ :‬األولى ـ ‪ 1200‬هـ ‪.‬تحقيق عالء الدين علي بن عثمان‬
‫المارديني الشهير بابن التركماني‪.‬‬
‫‪ 437‬اإلثبات بالقرائن في الفقه الفقه اإلسالمي إلبراهيم بن محمد الفائز ص‪.21‬‬

‫‪P 254‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫دون المائة جلدة‪ .‬فوجود الرجل مع امأة ليس من محارمها سبيل للخلوة‪،‬ويعتبرذلك دليال على‬
‫ارتكابه أمرا محرما يستحق التعزير‪ ،‬وهذا من القرائن القوية‪،‬لكن داللتها على ارتكاب جريمة‬
‫الزنا تعتبر قرينة ضعيفة‪438‬‬

‫‪ 1‬القرينة الكاذبة‪ :‬وهي القرينة المتوهمة التي التفيد شيئا من العلم وال من الظن ‪ ،‬وال‬
‫يترتب عليها حكم ‪ ،‬فهي ليست لها داللة ‪.‬‬

‫مثالها‪ :‬ما فعله إخوة يوسف عليه السالم ‪ ،‬فقد خانوا وظلموا وكذبوا ‪ ،‬وجاءوا أباهم‬
‫عشاء يبكون ‪ ،‬فأظهروا البكاء لفقد يوسف ليبرئوا أنفسهم من الخيانة ‪ ،‬وأوهموا أنهم مشاركون‬
‫في المصيبة ‪ ،‬ويثبتوا ما كان أظهره يعقوب عليه السالم لهم من خوفه على يوسف أن ياكله‬
‫الذيب ‪،‬فقالوا‪ (:‬إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذيب وما أنت بمومن لنا‬
‫ولو كنا صادقين)‪439‬‬

‫فوجود الدم على القميص قرينة على القتل في حد ذاتها ‪ ،‬لكن لما عارضتها قرينة أخرى‬
‫أقوى منها تدل على عدم القتل وهي عدم تخريق القميص ‪،‬دل ذلك على أن القرينة األولى قرينة‬
‫كاذبة ‪،‬ال داللة لها على القتل‪ .440‬ولذلك قال يعقوب عليه السالملما رأى القميص صحيحا‬
‫قال‪ ":‬يا بني والله ما عهدت الذئب حليما"‪441.‬‬

‫‪ 438‬المصدر نفسه ص‪.21:‬‬


‫‪ 439‬سورة يوسف اآلية‪11:‬‬
‫‪ 440‬اإلثبات بالقرائن في الفقه الفقه اإلسالمي إلبراهيم بن محمد الفائز ص‪.14:‬‬
‫‪ 441‬أحكام القرآن ألحمد بن علي أبي بكر الرازي الجصاص ت‪ 214:‬هـ ج‪ 2/‬ص‪ .211:‬تحقيق عبد السالم محمد علي شاهين‬
‫‪.‬نشر‪:‬دار الكتب العلمية بيروت لبنان ط‪ 1011/1:‬هـ ‪1880/‬م‪.‬‬

‫‪P 255‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬
‫املحورالثالث‪ّ :‬‬
‫حجية القرائن‬

‫ذهب فريق من الفقهاء إلى جوازاالعتماد على القرائن واعتبارها طريقا من طرق اإلثبات‬
‫الشرعية‪ ،‬وبذلك قال ابن العربي ‪ ،‬والقرطبي ‪ ،‬و ابن فرحون‪ 442،‬و ابن رشد ‪ 443،‬و ابن رجب‬
‫الحنبلي‪ 444‬والكساني ‪445‬‬

‫وغيرهم‪ ،‬واعتمدوا في ذلك على أدلة من الكتاب والسنة‪ ،‬فمن السنة قوله سبحانه‪:‬‬

‫( وجاءوا أباهم عشاء يبكون قالوا ياأبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا‬
‫فأكله الذيب وما أنت بمومن لنا ولو كنا صادقين وجاءوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت‬
‫لكم أنفسكم أمرا فصبرجميل والله المستعان على ما تصفون)‪ 446‬قال اإلمام القرطبي‪ ":‬استدل‬
‫الفقهاء بهذه اآلية في إعمال األمارات في مسائل من الفقه كالقسامة وغيرها ‪ ،‬وأجمعوا على أن‬
‫يعقوب عليه السالم استدل على كذبهم بصحة القميص "‪ 447‬وهكذا يجب على الناظرأن يلحظ‬
‫األمارات والعالمات إذا تعارضت فما ترجح منها قض ى بجانب الترجيح وهي قوة التهمة لوجوه‬
‫تضمنها القرآن‪.448‬‬

‫فنبي الله يعقوب عليه السالم الحظ القميص فوجده غير ممزق‪ ،‬فاستدل على ذلك‬
‫بكذب دعواهم ‪،‬ألنهم لما أرادوا جعل الدم على القميص عالمة على صدقهم فيما يدعون ‪ ،‬قرن‬
‫الله بها عالمة تعارضها وتدفعها وهي سالمة القميص من التخريق والتمزيق‪ ،‬فإنه اليتصور أن‬
‫يأكل الذيب يوسف وهو البس قميصه ثم يسلم القميص من التمزيق ‪ ،‬فكانت هذه العالمة‬
‫والقرينة مكذبة لهم داحضة لحجتهم ‪ ،‬فهاهنا استدالل بالقرينة واألمارة على الحكم ‪ ،‬وهو دليل‬
‫على اعتبارالقرينة وحجيتها‪.449‬‬

‫‪ 442‬تبصرة الحكام في أصول األقضية ومناهج األحكام إلبراهيم بن علي بن محمد بن فرحون ت‪ 188:‬هـ‪ /‬ج ‪ 1‬ص‪.028/ 211:‬‬
‫وج‪ 2/‬ص‪121/118:‬نشر‪ :‬مكبة الكليات األزهرية ‪ .‬ط‪ /1:‬سنة‪1042:‬هـ‪1812/‬م‪.‬‬
‫‪ 443‬بداية المجتهد ونهاية المقتصد كتاب الشفعة نشر دار الكتب العلمية سنة‪ .2441:‬ص‪.212:‬‬
‫‪ 444‬القواعد الفقهية نشر دار ابن عفان المملكة العربية السعودية ط‪1018/1:‬هـ‪/‬ص‪..014/28/21:‬‬
‫‪ 445‬بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع نشر المكتبة الحبيبية باكستان ط‪ 1048/1:‬هـ‪/‬ج‪..111/2/‬‬
‫‪ 446‬سور ة يوسف اآلية‪.11:‬‬
‫‪ 447‬الجامع ألحكام القرآن ألبي عبد الله محمد بن أحمد القرطبي األنصاري ت‪ 211:‬هـ تحقيق سمير هشام البخاري‪.‬ج‪.100/8/‬‬
‫نشر‪:‬دار عالم الكتب الرياض المملكة العربية السعودية‪.‬ط‪.2442/1022:‬‬
‫‪ 448‬أحكام القرآن البن العربي ج‪22/2/‬‬
‫‪ 449‬مسائل فقهية معاصرة ص‪.12:‬‬

‫‪P 256‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫وكذلك استدلوا بقوله سبحانه( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثالثة قروء)‪ .450‬فالله‬
‫سبحانه جعل القروء عالمة وأمارة على عدم وجود حمل لدى المطلقة ‪،‬وال ريب في أن هذا إعمال‬
‫للقرينة فيجوزالعمل به‪.451‬‬

‫ومن السنة ما رواه عبد الرحمان بن عوف عن أبيه عن جده أن غالمين من األنصارقتال‬
‫أبا جهل ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه فقال‪ ":‬أيكما قتله"؟ قال كل‬
‫واحد منهما أنا قتلته فقال‪ (:‬هل مسحتما سيفكما)؟ قاال ‪:‬ال فنظر في السيفين فقال‪ ":‬كالكما‬
‫قتله سلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح‪ 452.‬فنظر النبي صلى الله عليه وسلم في السيفين إنما هو‬
‫ليرجح القاتل بما يراه من أثر الطعان وصبغ الدم‪ ،‬و إنما خص أحدهما بسلبه ألنه ترجح عنده‬
‫من نظره إلى السيفين أنه هو الذي أنفذ مقتله‪ ،‬وقوله عليه السالم" كالكما قتله"تطييبا لنفس‬
‫اآلخر من حيث إن له بعض المشاركة‪ .453‬قال ابن القيم‪ :‬وهذا من أحسن األحكام وأحقها‬
‫باالتباع ‪،‬فالدم في النصل شاهد عجيب‪.454‬‬

‫املحورالرابع‪:‬أنواع القرائن‪:‬‬

‫القرائن من حيث مصدرها تتنوع إلى ثالثة أنواع‪:‬‬

‫‪ 3‬قرائن نصية شرعية ‪ :‬وهي ما نص عليها الشرع أواستنبطها أئمة الشريعة باجتهاداتهم‬
‫وصارت شرعا اجتهاديا يفتي به المفتون ‪ ،‬ويحكم به القضاة والمقلدون لذلك املجتهد‪.455‬‬

‫ومثالها من القرآن الكريم قوله سبحانه‪":‬إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من‬
‫الكاذبين وإن كان قميصه قد من دبرفكذبت وهو من الصاد قين" ‪.456‬‬

‫‪ 450‬سورة البقرة ‪.221:‬‬


‫‪ 451‬مسائل فقهية معاصرة ص‪.11:‬‬
‫‪ 452‬صحيح البخاري لمحمد بن إسماعيل البخاري ت‪ 112:‬هـ تحقيق الدكتور مصطفى ديب البغا نشر‪:‬دار ابن كثير اليمامة بيروت‬
‫لبنان ط‪ /2:‬سنة‪ .1811/1041:‬كتاب الخمس باب من لم يخمس األسالب ومن قتل قتيال فله سلبه‪.‬‬
‫‪ 453‬فتح الباري شرح صحيح البخاري ألحمد بن علي بن حجر العسقالني ت‪ 112:‬هـ‪.‬ج‪.201/2/‬نشر‪ :‬دار المعرفة بيروت‬
‫سنة‪ 1218:‬هـ‪.‬‬
‫‪ 454‬الطرق الحكميةص‪.24:‬‬
‫‪ 455‬طرق االثبات الشرعية ص‪.211:‬‬
‫‪ 2‬سورة يو سف اآلية‪.21/22:‬‬

‫‪P 257‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫قال ابن العربي في مسائل هذه اآلية‪ ":‬قال علماؤنا‪ :‬في هذا دليل على العمل بالعرف‬
‫والعادة لماذكر من أخذ القميص مقبال ومدبرا‪ ،‬وما دل عليه اإلقبال من دعواها‪ ،‬واإلدبار من‬
‫صدق يوسف‪ ،‬وهذا أمر تفرد به المالكية كما بيناه في كتبنا‪ ..‬وقد استدل يعقوب بالعالمة‪،‬‬
‫فروى العلماء أن اإلخوة لما ادعوا أكل الذيب له قال‪ :‬لقد كان هذا الذيب حليما‪ ،‬وهكذا‬
‫فاطردت العادة والعالمة‪ ،‬وليس هذا بمناقض لقوله عليه السالم" البينة على المدعي واليمين‬
‫على من أنكر"‪ .457‬والبينة إنما هي البيان ‪ ،‬ودرجات البيان تختلف بعالمة تارة‪ ،‬وبأمارة أخرى‪،‬‬
‫وبشاهد أيضا وبشاهدين ثم بأربع‪.458‬‬

‫وأما مثالها من السنة‪ ،‬فقد جعل الشرع الفراش أمارة وقرينة على نسبة الولد إلى‬
‫الزوج‪ ،‬ومثله الشبه في القافة ‪ ،‬واللوث في القسامة‪ ،‬والصمات في زواج البكرللداللة على رضائها‬
‫ومو افقتها ‪ ،‬ووضع العالمات التي تدل على المومن أو تميز المنافق والكافر عن غيرهما‪ ،‬كما‬
‫وخلوه من الحمل ورتب عليه أحكاما تتعلق‬‫ّ‬ ‫جعل الشارع دم الحيض أمارة على براءة الرحم‬
‫بانتهاء العدة ومنع الرجعة وجواز العقد عليها من اآلخر‪ ،‬ومنها إثبات الشعر قرينة على البلوغ‪459‬‬

‫وهذه القرائن النصية يجب الحكم بموجبها وتطبيق الحكم الشرعي الثابت بها دون النظر إلى‬
‫أساس الحكم أو باعث تشريعه ‪ ،‬وكذلك اليجوز إثبات عكسه إال بالطرق التي حددها الشرع ‪،‬‬
‫فقرينة الولد للفراش مثال ال يمكن إثبات عكسها إال عن طريق المالعنة قال ابن أصرم ‪"460:‬‬
‫الولد للفراش حتى يالعن"‪.461‬‬

‫‪ 5‬قرائن فقهية‪ :‬وهي القرائن التي استنبطها الفقهاء وجعلوها أدلة على أمور أخرى‬
‫ودونوها في كتب الفقه ‪ .‬ومثالها‪ :‬بطالن بيع المريض في مرض الموت لوارثه إال بإجازة الورثة ‪،‬‬

‫‪ 0‬رواه الترمذي‪.‬في كتاب األحكام بلفظ ‪ ":‬واليمين على المدعى عليه"‪ .‬السنن ألبي عيسى محمد الترمذي تحقيق أحمد محمد شاكر‬
‫‪.‬نشر ‪:‬دار إحياء التراث العربي بيروت لبنان‪.‬‬
‫‪ 1‬أحكام القرآن للحافظ ابن العربي ت‪ 102:‬ج‪ 04/2/‬بتصرف‪.‬نشر‪ :‬المكتبة العصرية بيروت‪ .‬سنة‪.2412:‬‬
‫‪ 459‬مسائل فقهية معاصرة لعارف علي عارف القره داغي ص‪. 21:‬نشر‪IIUM PRESS.INTNATER :‬‬
‫‪ATIONAL.ISLAMIC.MALAISYA.‬الطبعة األول‪:‬سنة‪.2411:‬‬
‫‪ 460‬هو أحمد بن أصرم بن خزيمة بن عباد بن عبد الله بن مغفل المزني سمع عبد األعلى بن حماد وأحمد بن حنبل ويحيى بن‬
‫معين‪.‬أنظر تاريخ بغداد للحافظ أبي بكر الخطيب البغدادي ‪.‬‬
‫‪ 461‬الفروع ألبي عبد الله شمس الدين المقديسي ت‪ 122:‬هـ‪ /‬تحقيق عبد الله بن عبد المحسن التركي ج‪ .211/8/‬نشر مؤسسة‬
‫الرسالة ط‪ 1020/1:‬هـ‪.2442/‬‬

‫‪P 258‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫وكذلك بيعه لغير الوارث فإنه يبطل فيما زاد على الثلث ؛ ألن هذه التصرفات قرينة على إرادة‬
‫اإلضرار لباقي الورثة أو جميعهم ‪.462‬‬

‫ومن ذلك ما يجري بين الناس اآلن من إبرام العقود عبر آالت االتصال الحديثة فقال‬
‫الفقهاء‪ ":‬يعتبروصول القبول إلى علم الموجب قرينة على العلم به ما لم يقم الدليل على عكس‬
‫ذلك‪463‬‬

‫‪ 1‬قرائن قضائية‪ :‬وهي القرائن التي يستنبطها القضاة بحكم ممارسة القضاء ومعرفة‬
‫األحكام الشرعية التي تجعل عندهم ملكة يستطيعون بها االستدالل و إقامة القرائن في‬
‫القضايا ومواضع الخالف ويالحظون العالمات ويستخرجون األمارات من ظروف كل دعوى عن‬
‫طريق الفراسة والفطنة والذكاءويصلون إلى معرفة الحق‪.464‬فالقاض ي قد يستخلص الحجة‬
‫من قرائن يأخذها من ظروف الدعوى بعد أن يقتنع بأن لها دالالت معينة‪ ،‬ووسيلته إلى ذلك أن‬
‫يختار بعض الوقائع الثابتة أمامه في الدعوى ‪ ،‬وهذه الوقائع إما أن تكون موضع منا قشة بين‬
‫األطراف ‪ ،‬وإما أن تؤخذ من ملف الدعوى‪ ،‬وربما تكون في أوراق خارج الدعوى‪،‬كتحقيق إداري‬
‫‪ ،‬وعليه أن يستخلص من هذه الو اقعة الثابتة الحجة على الو اقعة التي يراد إثباتها ‪ ،‬فيتخذ‬
‫من الو اقعة المعلومة قرينة على الو اقعة املجهولة‪.465‬‬

‫فالمالحظ أن القرائن تفتح أمام القاض ي بابا واسعا لفهم مالبسات القضية وما‬
‫يكتنفها من الدالالت ‪ ،‬وذلك من خالل فهمه وبعد نظره الخارج عن التقيد بنصوص القانون‬
‫وحرفيتها‪،‬فقد ذكر ابن القيم أن رجال قال إلياس بن معاوية‪ :‬علمني القضاء‪.‬فقال‪ :‬إن القضاء‬
‫اليعلم‪،‬إنما القضاء فهم ‪ ،‬ولكن قل علمني العلم‪ ،‬وهذا هو سر المسألة ‪ ،‬فإن الله سبحانه‬
‫وتعالى يقول‪ ":‬وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم‬

‫‪ 462‬طرق اإل ثبات الشرعية مع بيان اختالف المذاهب الفقهيةللشيخ أحمد إبراهيم بك‪.‬ص‪.281:‬نشر المكتبة األزهرية للتراث ط‪0:‬‬
‫سنة‪.2444:‬‬
‫‪ 463‬مجلة مجمع الفقه اإلسالمي ج‪.121/2/‬‬
‫‪ 464‬وسائل اإل ثبات في الشريعة اإلسالمية في المعامالت المدنية واألحوال الشخصية للشيخ محمد مصطفى الزحيلي‪.‬ج‪ .081/2/‬نشر‬
‫مكتبة دار البيان‪.‬ط‪.1812/1042/1:‬‬
‫‪ 465‬مجلة الملحق القضائي لرشيد العراقي ص‪/22:‬العدد‪.1881/24:‬نشر‪ :‬المعهد الوطني للدراسات القضائية المغرب‪.‬‬

‫‪P 259‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫شاهدين ففهمناها سليمان وكال آتينا حكما وعلما"‪ .466‬فخص سليمان بفهم القضية وعمهما‬
‫بالعلم‪467‬‬

‫ومثالها‪:‬إذا شهد شاهدان في الصحو وصفاء الجو في البلد الكبير على ثبوت هالل‬
‫رمضان ولم يره غيرهما‪ ،‬فال تقبل شهادتهما قال اإلمام مالك رحمه الله‪ ":‬هما شاهدا سوء"‪.468‬‬
‫ألن ذلك قرينة ظاهرة على كذبهما ‪.‬‬
‫ّ‬
‫ومن أمثلتها ‪ :‬انعقاد التبايع بالمعاطاة من غير لفظ اكتفاء بالقرائن واألمارات الدالة‬
‫على الرضا‪.469‬‬

‫وهذا النوع من القرائن تجب فيه الحيطة والحذر وعدم التعويل عليها إال ضمن‬
‫القواعد والضوابط المقبولة ‪ ،‬وربما تتغير القرائن القضائية بتغير الظروف املحيطة بها‪.470‬‬
‫ومنها أيضا وجود سند الدين تحت يد المدين فهو قرينة قضائية ظاهرة على إيفاء الدين‪ ،‬وعلى‬
‫القاض ي أن يستوثق من وجود هذا السند في يد المدين ‪ ،‬وأن يستخلص من ذلك الوجود قرينة‬
‫على الوفاء‪.471‬‬

‫املحورالخامس‪ :‬أهمية القرائن في اإلثبات‪:‬‬

‫قد يظن كثير من الناس أنه ال حاجة إلى القرائن ما دام يمكن أن تقوم مقامها وسائل‬
‫اإلثبات األخرى كاليمين مثال ‪ ،‬فإذا لم يستطع المدعي اإلتيان بالبينة ولم يقرالمدعى عليه بالحق‬
‫نوجه إليه اليمين ‪ ،‬وتحسم القضية ‪ ،‬ولكن نقول يمكن أن نتصور أن المدعي عجز عن إقامة‬
‫البينة على المدعى عليه ‪ ،‬ولم يقرالمدعى عليه بالحق الذي عليه‪ ،‬والمدعي و اثق من حقه تمام‬
‫الثقة ‪ ،‬والمدعى عليه مصرعلى باطله وجحود الحق ‪ ،‬ويتيه طربا ونشوة ويحلف األيمان الكاذبة‬
‫وال يخش ى الله تعالى‪ ،‬فهل نتركه كذلك مع أننا نرى أن كل الدالئل واألمارات والقرائن واضحة‬

‫‪ 466‬سورة األنبياء‪.18/11:‬‬
‫‪ 467‬الطرق الحكمية ص‪.01:‬‬
‫‪ 468‬جامع األمهات البن الحاجب ت‪ 202:‬ه‪/‬ج‪ /114/1/‬نشر دار اليمامة للطباعة والنشر ط‪.1:‬سنة‪1021:‬هـ‪.2444/‬‬
‫‪ 469‬طرق اإلثبات الشرعية ص‪.281:‬‬
‫‪ 470‬دور القرائن في االثبات في الشريعة اإلسالمية لألستاذ زياد عبد الحميد محمد أبو الحاج ص‪24:‬غزة فلسطين‪.‬‬
‫‪ 471‬مجلة مجمع الفقه اإلسالمي ص‪811/12/‬‬

‫‪P 260‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫تمام الوضوح في داللتها على صدق المدعي في دعواه‪ ،‬وكذب جاحد الحق فيما جحده ‪ ،‬فهل‬
‫نقره على ظلمه وجحوده ونترك الحق يضيع هدرا؟‪.‬‬

‫الحقيقة الأظن عاقال آتاه الله الفهم واإلدراك يسكت عن مثل هذه القضية ‪ ،‬فضال‬
‫عن أن يكون قاضيا وكل الله إليه الفصل بين الناس في الخصومات ورد الحقوق إلى أصحابها‬
‫‪ ..‬إضافة إلى ذلك فإننا لو تصفحنا تاريخ القضاة سواء كانوا من الطبقة األولى في الذكاء‬
‫والفطنة‪ ،‬كعلي وعمر وشريح و إياس‪،‬أو كانوا من الطبقة الثانية ‪ ،‬رأينا أنهم ال يمكن أن يتركوا‬
‫مثل هذه القضية تمر دون أن يتلمسوا أما رات الحق والعدل ‪ ،‬فمتى ظهرت في جانب معين‬
‫حكموا بها ‪ ،‬ولم يلتفتوا إلى ما عداها ولو كانت شهادة شهود أو إقرار فال يدعون هؤالء على‬
‫باطلهم بل يلجأون إلى شتى الطرق والوسائل لإليقاع بهم والوصول إلى الحقيقة ‪ ،‬إما عن طريق‬
‫االتهام أو التهديد أو الترغيب حتى يرد الحق إلى صاحبه ‪ ،‬وهذا المنحى منهم رض ي الله عنهم يؤكد‬
‫أن اليمين حتى الشهادة أو اإلقرار ال تغني أحيانا في الوصول إلى الحقيقة ‪ ،‬لكثرة ما يبادر إلى‬
‫األيمان الباطلة وأكل أموال الناس بالباطل وهضم حقوقهم ‪ ،‬وما يرد على الشهادة من تزوير ‪،‬‬
‫وعلى اإلقرارمن تدليس أو مالبسات‪.‬‬

‫فالقرائن إذا ضرورية في القضاء ومفيدة في اإلثبات‪،‬كما أنه مما ينبغي التنبيه إليه أن‬
‫القرائن المستخلصة من ظاهر الحال ال تعارض األدلة األخرى ألنها استنتاج من القاض ي‬
‫يستخلصها لتبرير حكم قد يعوزه الدليل إلثبات الحق‪472‬‬

‫املحورالسادس‪ :‬نماذج من القضايا اعتبرت فيها القرائن‬

‫إن وفرة وسائل التواصل وطفرة التكنولوجيا الحديثة قذفت للحياة المعاصرة مئات‬
‫المسائل والق ضايا والمشكالت ‪ ،‬وهي حوادث ومستجدات تحتاج إلى إبداء الرأي اإلسالمي فيها‬
‫‪ ،‬ومن تلك المستجدات المعاصرة‪:‬‬

‫‪ : 3‬اإلثبات بقرائن الصوت والصورة إن هذا النوع من وسائل اإلثبات لم يكن يعرفه‬
‫الفقهاء األقدمون ‪ ،‬والباحث المدقق في هذه المسائل يرى أنه ليس في الشريعة نصوص تمنع‬
‫من تنظيم هذه الوسائل العلمية الحديثة‬

‫‪ 472‬اإلثبات بالقرائن في الفقه اإلسالمي دراسة مقارنة إلبراهيم بن محمد الفائز ‪.‬ص‪ .122/121:‬بتصرف نشر‪:‬مكتبة أسامة الرياض‪.‬سنة‬
‫‪1042:‬هـ‪1812/‬م‪.‬‬

‫‪P 261‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫إذا ما حققت العدالة‪ .473‬وإن كان بعض العلماء يرى أنه اليجوز اعتبارها وسيلة من‬
‫وسائل اإلثبا ت الشرعي بحجة التنصت والتجسس وكشف األسرار واستراق السمع‪ ،‬وهي أمور‬
‫منهي عنها في الشرع‪.‬‬

‫و الذي يبدو أن هذه األمور منهي عنها في األحوال االعتيادية ‪ ،‬فال يجوز تتبع الناس‬
‫والتقاط صورهم ‪ ،‬وتسجيل أصواتهم خلسة ودون علمهم‪.‬‬

‫لكن إذا دعت الضرورة إلى ذلك وكان صاحب الحق البينة له إال بواسطة هذه الوسائل‪،‬‬
‫فيجوز في مثل هذه الحاالت التجسس حذرا من فوات ما اليستدرك من انتهاك املحارم وارتكاب‬
‫املحظورات‪ . 474‬وهذا االستثناء أشار إليه العلماء منهم اإلمام الغزالي في اإلحياء قال‪ ":‬فال ينبغي‬
‫أن يسترق السمع على دار غيره ليسمع صوت األوتار‪ ،‬والأن يستنشق ليدرك رائحة الخمر ‪ ،‬وال‬
‫أن يمس ما في ثوبه ليعرف شكل المزمار ‪ ،‬والأن يستخبر من جيرانه ليخبروه بما يجري في داره‪،‬‬
‫نعم لوأخبره عدالن ابتداء من غيراستخباربأن فالنا يشرب الخمرفي داره‪ ..‬فله إذ ذاك أن يدخل‬
‫داره ‪ ،‬وال يلزم االستئذان ويكون تخطي ملكه بالدخول للتوصل إلى دفع المنكر‪."475‬‬

‫وقال محمد بن سالم الشنقيطي ‪ ":‬فإن كان ذلك أي التجسس في انتباهات يفوت‬
‫استدراكها ‪ ،‬كأن يخبره بمن يثق بصدقه أن رجال خال بامرأة ليزني بها جازالتجسس والبحث"‪.476‬‬

‫فبناء على هذا فإنه ليس في الشريعة ما يمنع على العدالة االستعانة بثمرات التطور‬
‫العلمي ‪ ،‬واالستفادة من قرائن التسجيل الصوتي والتصوير في بيان الحقيقة وتتبع الجناة‬
‫وإدانتهم ‪ ،‬وليس فيه من انتهاك للحقوق والحريات أكثر مما في القبض والتفتيش ‪ ،‬وال يعد هذا‬
‫اإلجراء والتقييد لحرية المتهم نفيا للبراءة األصلية ‪ ،‬ولكنه إجراء وقتي تمليه الضرورة‪.477‬‬

‫‪ 5‬اإلثبات بقرائن البصمات‪ :‬أشارالقرآن الكريم إلى معجزة الله تعالى في خلق اإلنسان‬
‫وحسن تصويره له ‪ ،‬و أيضا معجزة تسويته لبنانه‪ ،‬قال سبحانه‪(:‬أيحسب االنسان ألن نجمع‬

‫‪ 473‬مسائل فقهية معاصرة لعارف علي عارف القره داغي ص‪. 21:‬نشر‪IIUM PRESS.INTNATER :‬‬
‫‪ATIONAL.ISLAMIC.MALAISYA.‬الطبعة األول‪:‬سنة‪ .2411:‬ص‪ 111/111:‬بتصرف‪.‬‬
‫‪ 474‬مسائل فقهية معاصرة للدكتور علي القره داغي ص‪.111:‬‬
‫‪ 475‬إحياء علوم الدين للغزالي ت‪ 141:‬هـ ج‪ .228/2/‬نشر دار المعرفة بيروت لبنان بدون تاريخ‪.‬‬
‫‪ 476‬لوامع الدرر في هتك أستار المختصر لمحمد بن محمد بن سالم الشنقيطي ت‪ 1242:‬هـ‪/‬ج‪.01/2/‬مراجعة وتصحيح األحاديث‬
‫اليدالي بن الحاج أحمد‪.‬نشر‪ :‬دار الرضوان نواكشوط موريطانيا‪.‬سنة‪1222:‬هـ‪.‬‬
‫‪ 477‬مسائل فقهية معاصرة لعارف علي عارف القره داغي ص‪.184:‬‬

‫‪P 262‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫عظامه بلى قادرين على أن نسوي بنانه)‪ .478‬وقد تعرض بعض المفسرين المعاصرين لعلم‬
‫البصمات ودورها في اإلثبات عند تفسيره لهذ اآلية‪ .‬قال الشيخ محمد علي الصابوني‪ ":‬وأما ذكره‬
‫تعالى البنان وهي رؤوس األصابع لما فيها من غرابة الوضع ودقة الصنع‪ ،‬ألن الخطوط‬
‫والتجاويف الدقيقة التي في أطراف أصابع إنسان التماثلها خطوط أخرى في أصابع شخص آخر‪،‬‬
‫ولذلك يعتمدون على بصمات األصابع في تحقيق شخصية اإلنسان في هذا العصر‪ ،‬وثبت علميا‬
‫أن بشرة األصابع مغطاة بخطوط دقيقة متناهية منها ما هو على شكل أقواس ‪ ،‬أو عراو أو‬
‫دوامات‪ ،‬وهذه الخطوط اليمكن أن يشابه إنسان فيها آخر ‪ ،‬ولهذا اعتمدتها الدول رسميا‬
‫وأصبحت تميزاإلنسان ببصمة اإلبهام فتبارك الله أحسن الخالقين"‪.479‬‬

‫وقال الشيخ عبد الرحمان بن يحيى المعلمي‪ ":‬اآلية فيها إشارة إلى ما عرف اآلن من أن‬
‫ّ‬
‫أسرة البنان أي خطوطها متمايزة لها في كل شخص هيئة خاصة ال يشبهه فيها أحد من الناس ‪،‬‬
‫ولذلك الطبع بها بدال عن اإلمضاء ‪ ،‬ويتوصلون بها إلى معرفة أصحابها من اللصوص واملجرمين‬
‫الذين التعلم أشخاصهم ‪ ،‬ولكن يوجد أثرأصابعهم في موضع الجريمة"‪.480‬‬

‫وتتكون بصمات أصابع وراحتا اليدين والقدمين من خطوط بارزة تسمى الخطوط‬
‫الحلمية ويفصلها عن بعضها البعض فراغات أخرى منخفضة‪ ،‬وحين أخذ انطباع البصمة‬
‫بالحبراألسود على ورقة بيضاء تنطبع الخطوط بارزة ويبقى الفراغ األبيض ؛ ذلك أن الخطوط‬
‫البارزة هي التي تالمس الحبر بينما تبقى الخطوط البيضاء منخفضة وتكون هذه الخطوط‬
‫متفاوتة في العدد حسب عمر اإلنسان ‪ ،‬فهي في األطفال حديثي الوالدة حتى سن ثمان سنوات‬
‫من ثالثين إلى ست وثالثين خطا‪ ،‬وفي تسع سنوات إلى اثنتي عشرة سنة تبلغ أربعا وعشرين خطا‬
‫وفي سن واحد وعشرين إلى أربعين سنة تبلغ من ست إلى تسع خطوط ثم تأخذ في االنكماش مع‬
‫تقدم السن ‪ ،‬ومن هنا نستطيع أن نعرف البصمة لطفل أم لشاب أم لشيخ؟ مما يساعد على‬
‫حصرحلقة البحث في نطاق معين‪.481‬‬

‫‪ 478‬سورة القيامة اآلية‪2:‬‬


‫‪ 479‬صفوة التفاسيرللشيخ محمد علي الصابوني ج‪ .018/2/‬نشر‪ :‬دار الصابوني للطباعة والنشر القاهرة مصر‪.‬ط‪/1:‬‬
‫سنة‪.1881/1011:‬‬
‫‪ 480‬آثار الشيخ عبد الرحمان بن يحي المعلمي ‪.‬ج‪ /11/20/‬نشر‪:‬دار عالم الفوئد ط‪ /1:‬سنة‪ 1020:‬هـ‪.‬‬
‫‪ 481‬د ور القرائن في اإلثبات في الشريعة اإلسالمية ص‪.22:‬‬

‫‪P 263‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫والبد من إجراءات الزمة للتعرف على صاحب البصمة وأول هذه اإلجراءات كيفية رفع‬
‫البصمات فعندما تقع الجريمة في مكان ما فإن هذا المكان هو الذي يسميه أهل علم البحث‬
‫الجنائي " مسرح الجريمة"‪.‬‬

‫كما أن البصمة تحمل الكثير من الصفات المميزة ألصحابها والتي تعتبر مدخال علميا‬
‫وفنيا يسهل التعرف على المعني حتى يستطيع الخبير أن يحدد أن هناك جرحا بأحد األصابع أو‬
‫إصبعا مبتورا أو زائدا خلقيا ‪ ،‬كما يمكن العثورعلى جنس صاحب البصمة ذكرأو أنثى صغيرأو‬
‫كبير‪ ،‬فوجود هذا األثر في المكان ال يستطيع صاحبه أن ينكره ‪ ،‬فمثال إذا وجدت بصمة الخادم‬
‫في المطبخ ‪ ،‬أوالحارس في الباب على خزانة المال فإن هذا األثريعتبرقرينة على مال مسة الخادم‬
‫للخزانة‪.482‬‬

‫إذن فوجود بصمات للمتهم في مكان الجريمة قرينة قضائية على ارتكابه إياها وعلى‬
‫القاض ي عند االستدالل بها أن يتحقق من صحتها ومطابقتها لبصمات المتهم ‪ ،‬ومن عدم وجود‬
‫مبرر مقبول يشفع لوجودها في مكان العثور عليها ‪ ،‬ثم عليه أن يستشف ما يقوده إلى استنباط‬
‫ثبوت جريمة السرقة مثال من هذه الو اقعة الظاهرة أو عدم ثبوتها‪.483‬‬

‫‪ 1‬اإلثبات ببصمة العين المستخدمة في المطارات‪:‬‬

‫وهي تجربة ناجحة من خالل عملية مر اقبة وفحص للمسافرين القادمين إلى دولة‬
‫اإلمارات ‪ ،‬حيث يقوم موظفو الهجرة بدولة اإلمارات داخل المطارات بإجراء بصمة العين ‪،‬‬
‫وذلك بأخذ صورة لقزحية العين وعمل مسح لها عبر‪ IRisscon:‬ثم تسجيلها في أنظمة الحاسوب‬
‫وبيان الهجرة في اإلمارات العربية المتحدة‪.‬‬

‫وقد بدأ العمل بهذا النظام في دولة اإلمارات سنة‪ 5885:‬وبذلك تعتبر اإلمارات الدولة‬
‫السباقة للعمل بنظام بصمات العين والقزحية‪.‬‬

‫وتعتبر أبو ظبي أول من بدأت العمل بنظام مسح قزحية العين لمر اقبة المسافرين‬
‫والو افدين لإلمارات‪ ،‬عبر إجراء روتيني يتمثل في مسح صورة لقزحية العين بواسطة كاميرات‬
‫جدا ومخصصة لهذا الغرض ‪ ،‬تتميزبالدقة والشفافية‪.‬‬ ‫متطورة ّ‬

‫‪ 482‬دور القرائن في اإلثبات بتصرف ص‪.01:‬‬


‫‪ 483‬مجلة مجمع الفقه اإلسالمي التابعة لمنظمة المؤتمر اإلسالمي بجدة ج‪.811/12/‬‬

‫‪P 264‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫ويهدف هذا العمل إلى تسجيل كل بيانات المسافرين وإدراجها في نظام الحاسوب حتى‬
‫يتسنى لدائرة الهجرة والجوازات في اإلمارات التعرف على هوية الو افد الجديد‪ ،‬وهل كان‬
‫مخالفا لقوانين اإلقامة والتأشيرة ‪ ،‬والتحقق من السجل الجنائي له‪.‬‬

‫وقد سهل هذا اإلجراء كثيرا من عمل موظفي الهجرة ‪ ،‬حيث أصبح من السهل جدا‬
‫التعرف على هوية كل مسافر وسجلة الجنائي ‪ ،‬كما تم بواسطة بصمة العين التحقق من‬
‫صاحب التأشيرة في حالة سفره مرة أخرى لدولة اإلمارات‪.‬‬

‫كما استطاعت الدولة تطوير بياناتها اإللكترونية بخصوص تنظيم الهجرة إليها‪،‬‬
‫فأصبح من السهل إكشاف المزورين ومن صدر ضدهم قرار الطرد أو الترحيل من داخل‬
‫اإلمارات‪ ،‬أو تعرضوا لعقوبات خاصة باإلقامة الشرعية‪.484‬‬

‫‪ 2‬اإلثبات للنسب بقرائن الشرع والعرف‬

‫ومن ذلك ما جاء في الحديث الشريف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪:‬الولد‬
‫للفراش"‪ 485‬قال اإلمام النووي‪ ":‬أن معنى كون الولد للفراش أنه إذا كان للرجل زوجة أومملوكة‬
‫يتسرى بها صارت فرا شا له‪ ،‬فإن أتت بولد لمدة اإلمكان ـ أي ستة أشهر فأكثر ـ لحقه وصار ولدا‬
‫له يجري بينهما التوارث وغيره من أحكام الوالدة سواء أكان مو افقا له في الشبه أم مخالفا‪.486‬‬

‫وهذه القرينة الشرعية قدمها بعض الباحثين على القرائن العلمية المعاصرة فقال‪":‬‬
‫اليجوز األخذ بنتيجة الحمض النووي في مجال إثبات النسب المتو افر فيه الفراش ‪ ،‬لوجود‬
‫نص شرعي قطعي في مجال الزوجية الصحيحة ‪ ،‬أن الولد للفراش فهو نص في إثبات نسبة الولد‬
‫ألبويه ‪ ،‬وال يجوزترك النص والعدول عنه إلى أمرآخرمهما بلغ من القوة اإلثباتية‪.487‬‬

‫‪ 0‬اإلثبات بقرائن التحاليل الدموية‪:‬‬

‫‪ 484‬معلومات منشورة على يوميات مهاجر بتاريخ‪. 2424/11/2:‬‬


‫‪ 485‬رواه البخاري في موضع متعددة منها‪ :‬كتاب المساقاة باب دعوى الوصي للميت‪.‬وكتاب الفرائض باب الولد للفراش‪.‬صحيح البخاري‬
‫لمحمد بن إسماعيل البخاري ت‪ 112:‬هـ تحقيق الدكتور مصطفى ديب البغا نشر‪:‬دار ابن كثير اليمامة بيروت لبنان ط‪/2:‬‬
‫سنة‪.1811/1041:‬‬
‫‪ 486‬شرح صحيح مسلم ألبي زكرياء يحي بن شرف النووي ج‪. 21/14/‬نشر‪ :‬دار إحياء التراث العربي‪.‬ط‪ 1282/2:‬هـ‪.‬‬
‫‪ 487‬دور القرائن في اإلثبات ص‪.02:‬‬

‫‪P 265‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫تعتبر فحوصات الدم من أهم الفحوصات التي يعتمد عليه الخبراء في محاوالتهم‬
‫للكشف عن غموض القضايا ‪ ،‬فيمكن للطبيب الشرعي االستدالل على سبب الوفاة من خالل‬
‫فحوصات الدم ‪ ،‬وتشخيص األمراض مثل نقصان المناعة ‪ ،‬أو فقرالدم ‪ ،‬أو سرطان الدم ‪ ،‬كما‬
‫يقوم األطباء من خالل مشاهدات شكل الترسبات ودرجة تعفنها إلى تقديروقت وقوع الجريمة‪.‬‬

‫وكذلك يمكن لخبراء السموم من خالل تحليل الدم االستدالل على وجود مواد‬
‫كحولية‪ ،‬أو مواد مخدرة‪ ،‬أو مواد سامة‪ ،‬فيستدلون بذلك على كيفية وقوع الحادث‪.488‬‬

‫من خالل هذه المعلومات تتضح أهمية الدم في علم الطب الشرعي والبحث الجنائي ‪،‬‬
‫وال يوجد في الفقه اإلسالمي ـ والله أعلم ـ ما يمنع من اعتبار التحليالت المعملية للدم أو غيره‬
‫قرينة على استجواب المتهم ‪ ،‬ومن هنا يمكن التحقيق معه هل هو الجاني أم ال؟ ولكن اليعول‬
‫على التحليالت إليقاع العقاب على المتهم‪ .489‬فلو ثبت من التحليل المعملي أن الولد ليس ابنا‬
‫للزوج فإننا النستطيع أن نقيم على المرأة حد الزنا؛ ألنها ربما أن تكون وطئت بشبهة أو كانت‬
‫نائمة مثال‪ ،‬وكذلك النستطيع أن نقيم حد الخمر على رجل وجد في دمه مواد مسكرة ألنه ربما‬
‫شربها مكرها أو مضطرا‪ ،‬أو جاهال أنها خمر‪ ،‬وكلها احتماالت واردة ‪ ،‬واالحتمال يورد الشبهة‬
‫والحدود تدرأ بالشبهات‪.490‬‬

‫فالشريعة اإلسالمية لم تبن القضاء على الحجة القطعية والخبر القطعي فقط ؛ ألن‬
‫ذلك يؤدي إلى تعطيل مصالح الناس ‪ ،‬وألن القطعية واليقين قلما يتحققان ‪ ،‬لذلك قررت‬
‫الشريعة الحكيمة مراعاة لمصالح الناس أن يبنى القضاء على الحجة الظنية بعد أخذت‬
‫الحيطة والحذرلذلك بأقص ى ما يستطاع إلى جانب القضاء بالحجة القطعية اليقينية‪.491‬‬

‫خاتمة‪.‬‬

‫بناء على ما تقدم يتضح أن القرائن واألمارات ذكرها القرآن الكريم في إثبات التهم أو‬
‫نفيها‪ ،‬واعتمدها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله وفعله للفصل بين المتنازعين‪ ،‬كما اعتمدها‬

‫‪ 488‬دور القرائن في اإلثبات بتصرف ص‪.12:‬‬


‫‪ 489‬دور القرائن في اإلثبات ص‪14:‬‬
‫‪ 490‬المصدر نفسه ص‪.11:‬‬
‫‪ 491‬طرق اإلثبات الشرعية ص‪.21:‬‬

‫‪P 266‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫الفقهاء على مختلف مذاهبهم‪ ،‬وهي وسائل تعين القاض ي على فهم مالبسات القضية‪ ،‬وقد تكون‬
‫ظاهرة وقد تكون خفية‪ ،‬وال تدرك من خالل اإلحاطة بنصوص القانون ‪ ،‬و إنما تكتسب‬
‫بالممارسة والدربة‪ ،‬والذكاء وحدة الفطنة‪،‬وأهميتها بالغة في الوصول إلى الحق ومعرفة الجاني‬
‫واملجني عليه‪،‬خاصة في عصرنا هذا الذي تطورت فيه وسائل العلم كما تطورت فيه طرق‬
‫الجرائم‪ .‬فكم من جناية ضبط فاعلها من خالل كامرات المنازل أو المتاجر‪ ،‬وكم من سارق‬
‫للسلع كشفته أيضا كامرات األسواق الكبرى‪.‬‬

‫ومن هنا الينبغي إهمالها‪ ،‬بل يجب اعتبارها واالستعانة بها ‪ ،‬كما يجب االستئناس‬
‫بأحكام القضاة المتقدمين الذين برعوا في القرائن ومعرفة خبايا القضايا من خالل سبرأحوال‬
‫الناس وعاداتهم ‪ ،‬فالقاض ي هو طبيب املجتمع والعدل ليس صفة كمالية أو ترفا حضاريا و إنما‬
‫هو فريضة ربانية ومطلب بشري عام يتوصل إلى تحقيقه بكل ما يبين الحق من الباطل والجر‬
‫والله سبحانه أعلى وأعلم وأعدل وأحكم‪.‬‬

‫المصادروالمراجع‬

‫‪ ‬القرآن الكريم برواية اإلمام ورش عن اإلمام نافع نسخة مؤسسة محمد السادس لنشر‬
‫المصحف الشريف بمدينة املحمدية المملكة المغربية ط‪5835./5:‬‬

‫‪ 3‬التعريفات لعلي بن محمد الجرجاني ‪ .‬نشر‪ :‬دارالكتاب العربي بيروت ‪.‬ط‪ 3280/3:‬هـ‪..‬‬

‫آثار الشيخ عبد الرحمان بن يحي المعلمي ‪ .‬نشر‪:‬دار عالم الفوائد ط‪ /3:‬سنة‪3212:‬‬ ‫‪5‬‬

‫هـ‪..‬‬

‫اإلثبات بالقرائن في الفقه اإلسالمي دراسة مقارنة إلبراهيم بن محمد الفائز‬ ‫‪1‬‬

‫‪.‬نشر‪:‬مكتبة أسامة الرياض‪.‬سنة ‪3281:‬هـ‪3001/‬م‪.‬‬

‫‪ 2‬الجامع ألحكام القرآن ألبي عبد الله محمد بن أحمد القرطبي األنصاري ت‪ 303:‬هـ‬
‫المملكة‬ ‫الرياض‬ ‫الكتب‬ ‫نشر‪:‬دار عالم‬ ‫البخاري‪..‬‬ ‫سمير هشام‬ ‫تحقيق‬
‫العربيةالسعودية‪.‬ط‪.5881/3251:‬‬

‫‪ 0‬أحكام القرآن للحافظ ابن العربي ت‪.021:‬نشر‪ :‬المكتبة العصرية بيروت‪ .‬سنة‪5835.:‬‬

‫‪P 267‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫‪ 3‬أحكام القرآن ألحمد بن علي أبي بكر الرازي الجصاص ت‪ .10:‬تحقيق عبد السالم‬
‫محمد علي شاهين ‪.‬نشر‪:‬دارالكتب العلمية بيروت لبنان ط‪ 3230/3:‬هـ ‪3002/‬م‪.‬‬

‫إحياء علوم الدين للغزالي ت‪ 080:‬هـ‪ .‬نشردارالمعرفة بيروت لبنان بدون تاريخ‪.‬‬ ‫‪0‬‬

‫الطرق الحكمية البن القيم الجوزية ت‪003:‬هـ بعناية هيثم خليفة الطعيمي ‪.‬‬ ‫‪0‬‬

‫نشر‪:‬المكتبة العصرية ط‪ /3:‬سنة‪5883/3250:‬‬

‫‪ 0‬الفروع ألبي عبد الله شمس الدين المقدس ي ت‪ 031:‬هـ‪ /‬تحقيق عبد الله بن عبد‬
‫املحسن التركي ‪ .‬نشرمؤسسة الرسالة ط‪ 3252/3:‬هـ‪.5881/‬‬

‫‪ 38‬الفقه اإلسالمي وأدلته للدكتورمحمد وهبة الزحيلي‪ .‬نشردارالفكردمشق سوريا‪.‬‬

‫‪ 33‬السنن ألبي عيس ى محمد الترمذي تحقيق أحمد محمد شاكر‪.‬نشر‪:‬دارإحياء التراث‬
‫العربي بيروت لبنان‪.‬‬

‫‪ 35‬القواعد الفقهية نشر دارابن عفان المملكة العربية السعودية ط‪3230/3:‬هـ‪./‬‬

‫‪ 31‬بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع نشرالمكتبة الحبيبية باكستان ط‪ 3280/3:‬هـ‪. .‬‬

‫‪ 32‬بداية املجتهد ونهاية المقتصد كتاب الشفعة نشر دارالكتب العلمية سنة‪5880.:‬‬

‫‪ 30‬تاريخ بغداد للحافظ أبي بكر الخطيب البغدادي ت‪ 231:‬ه‪.‬دراسة وتحقيق عبد‬
‫القادرعطا نشردارالكتب العلمية‪.‬‬

‫‪ 33‬تبصرة الحكام في أصول األقضية ومناهج األحكام إلبراهيم بن علي بن محمد بن‬
‫فرحون ت‪ 000:‬هـ‪ /‬نشر‪ :‬مكبة الكليات األزهرية ‪ .‬ط‪ /3:‬سنة‪3283:‬هـ‪3003/‬م‪.‬‬

‫‪ 30‬جامع األمهات البن الحاجب ت‪ 323:‬ه‪ .‬نشر دار اليمامة للطباعة والنشر‬
‫ط‪.3:‬سنة‪3253:‬هـ‪.5888/‬‬

‫‪ 30‬دور القرائن في اإلثبات في الشريعة اإلسالمة لألستاذ زياد عبد الحميد محمد أبو‬
‫الحاج غزة فلسطين‪.‬‬

‫‪ 30‬طرق اإلثبات الشرعية للشيخ أحمد إبراهيم بك وواصل عالء الدين ‪.‬نشر‪:‬المكتبة‬
‫األزهرية للتراث ط‪5881. .2:‬‬

‫‪P 268‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫‪ 58‬لوامع الدررفي هتك أستاراملختصرملحمد بن محمد بن سالم الشنقيطي ت‪ 3185:‬هـ‬


‫‪.‬مراجعة وتصحيح األحاديث اليدالي بن الحاج أحمد‪.‬نشر‪ :‬دار الرضوان نواكشوط‬
‫موريطانيا‪.‬سنة‪3113:‬هـ‪..‬‬

‫لسان العرب ألبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور اإلفريقي المصري‬
‫‪.‬نشرأدب الحوزة قم ‪ .‬إيران سنة ‪3280‬هـ‪.‬‬

‫‪ 53‬مجلة مجمع الفقه اإلسالمي التابعة لمنظمة المؤتمراإلسالمي بجدة ‪.‬‬

‫‪ 55‬مجلة الملحق القضائي لرشيد العراقي ‪.‬العدد‪.3000/18:‬نشر‪ :‬المعهد الوطني‬


‫للدراسات القضائية المغرب‪.‬‬

‫‪ 51‬مجلة األحكام العدلية‪ .‬للجنة مكونة من عدة علماء وفقهاء في الخالفة‬


‫العثمانية‪.‬نشر‪ :‬نورمحمد كارخانة تجارة كتب‪ ،‬آرام باغ‪ ،‬كراتش ي‪.‬‬

‫محا ضرات األدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء للحسين بن محمد المعروف بالراغب‬
‫األصفهاني ت‪ 085:‬هـ‪ .‬نشر‪ :‬شركة داراألرقم بن أبي األرقم بيروت لبنان ط‪/3:‬سنة‪3258:‬هـ‪.‬‬

‫‪ 52‬مسائل فقهية معاصرة لعارف علي عارف القره داغي ‪.‬نشر‪IIUM :‬‬
‫‪PRESS.INTNATER ATIONAL.ISLAMIC.MALAISYA.‬الطبعة األول‪:‬سنة‪.5833:‬‬

‫‪ 50‬المصباح المنير في غريب الشرح الكبير‪.‬تأليف أحمد بن محمد بن علي المقري‬


‫الفيومي نشرالمكتبة العلمية بيروت ‪.‬بدون تاريخ ‪.‬‬

‫‪53‬موسوعة األخالق والزهد والرقائق لياسر عبد الرحمان‪.‬نشر‪:‬مؤسسة اقرأ‬


‫ط‪.3/‬سنة‪ .5880/3250:‬القاهرة‪.‬‬

‫‪ 50‬صحيح البخاري ملحمد بن إسماعيل البخاري ت‪ 303:‬هـ تحقيق الدكتور مصطفى‬


‫ديب البغا نشر‪:‬دارابن كثيراليمامة بيروت لبنان ط‪ /1:‬سنة‪3000./3280:‬‬

‫‪ 50‬صفوة التفاسيرللشيخ محمد علي الصابوني‪ .‬نشر‪ :‬دار الصابوني للطباعة والنشر‬
‫القاهرة مصر‪.‬ط‪ /3:‬سنة‪3000./3230:‬‬

‫‪P 269‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫‪ 50‬السنن الكبرى ألبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي نشر ‪ :‬مجلس دائرة المعارف‬
‫النظامية الكائنة في الهند ببلدة حيدرآبادالطبعة ‪ :‬الطبعة ‪ :‬األولى ـ ‪ 3122‬هـ ‪.‬تحقيق عالء الدين‬
‫علي بن عثمان المارديني الشهيربابن التركماني‪..‬‬

‫‪ 18‬شرح صحيح مسلم ألبي زكرياء يحي بن شرف النووي‪.‬نشر‪ :‬دار إحياء التراث‬
‫العربي‪.‬ط‪ 3105/5:‬هـ‪.‬‬

‫‪ 13‬فتح الباري شرح صحيح البخاري ألحمد بن علي بن حجر العسقالني ت‪005:‬‬
‫هـ‪..‬نشر‪ :‬دارالمعرفة بيروت سنة‪ 3100:‬هـ‪. .‬‬

‫‪ 15‬وسائل اإل ثبات في الشريعة اإلسالمية في المعامالت المدنية واألحوال الشخصية‬


‫للشيخ محمد مصطفى الزحيلي‪ .‬نشرمكتبة دارالبيان‪.‬ط‪.3005/3285/3:‬‬

‫‪P 270‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫ماهية الشرطة اإلدارية ودورها يف‬


‫محاية النظام العام‬
‫‪What is the administrative police and its role in protecting public order‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫الضبط اإلداري‪ ،‬الشرطة اإلدارية أو البوليس اإلداري إحدى الدعامات الرئيسية التي‬
‫تقوم عليها وظيفة اإلدارة العامة‪ ،‬التي تعمل على إشباع حاجيات األفراد بتقديم أفضل‬
‫الخدمات لهم‪492.‬‬

‫لذلك يفضل األستاذ عبد القادر باينة مفهوم الضبط اإلداري الذي يستعمله الفقهاء‬
‫في الوطن العربي ويعتبره أقوم على تعبير الشرطة اإلدارية‪ ،‬التي ال تقتصر على مفهوم السلطة‬
‫أو الردع‪ ،‬بل تؤكد أيضا على التنظيم وضبط النشاط اإلداري والحياة العامة بالبالد وتوجيه‬
‫نشاط المواطنين في نطاق الصالح العام يعني في إطار الحفاظ على النظام العام‪493.‬‬

‫ففي الوقت الذي كانت أغراض سلطة الضبط اإلداري مقتصرة على إشاعة األمن‬
‫العام والصحة العامة والحفاظ على السكينة العامة وراحة عموم الناس‪ ،‬شهدت نظم الحياة‬
‫االجتماعية واالقتصادية والسياسية تطورات كبيرة مما استوجب تدخل الدولة الفاعل‪،‬‬
‫لتنظيم حريات األفراد التي بدورها تعددت مناحي نشاطاتها وتنوعت أشكالها‪ ،‬لهذا فإن تدخل‬

‫‪ -492‬عدنان الزنكة‪ ،‬سلطة الضبط اإلداري في المحافظة على جمال المدن وروائها منشورات الحلبي الحقوقية بيروت‬
‫لبنان‪ ،‬طبعة أولى‪ 2011،‬ص‪.21‬‬
‫‪ -493‬عبد القادر باينة‪ ،‬أشكال النشاط اإلداري منشورات زاوية للفن والثقافة‪ ،‬طبعة‪ ، 2006‬ص‪. 57‬‬

‫‪P 271‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫سلطة الضبط اإلداري لتحقيق مصالح املجتمع العليا والمتمثلة في الحفاظ على النظام العام‬
‫أصبح ضرورة ال مناص منها ‪.‬‬

‫إن الضبط اإلداري والشرطة اإلدارية أو البوليس اإلداري هو نشاط ومظهر من مظاهر‬
‫عمل اإلدارة تهدف من خالله الحفاظ على النظام العام أو إعادته لنصابه عند اختالله من‬
‫خالل الوسائل واألساليب المقررة لها قانونا‪ ،‬ويقتض ي ذلك منحها اإلدارة العديد من‬
‫االمتيازات الالزمة لتحقيق الغاية المذكورة‪ ،‬إال أن تلك االمتيازات ال يمكن أن تكون غاية بحد‬
‫ذاتها‪ ،‬بقدر ما هي وسائل يمكن لسلطة الضبط اإلداري من خاللها أن تقوم بأداء مهامها‬
‫بفاعلية ونشاط ‪.‬‬

‫غير أنه وبسبب االرتباط المباشر النشاط الضبط اإلداري بحقوق األفراد وحرياتهم‬
‫العامة‪ ،‬فإن ذلك يمكن أن يرتب أثره تجاه سلطة الضبط اإلداري بحيث ال يمكن أن تكون لها‬
‫حرية مطلقة عند أداء مهامها‪ ،‬دون حدود و قيود بل يجب عليها التقيد بإجراء الموازنة بين‬
‫متطلبات املحافظة على النظام العام كونه يمثل غاية الضبط اإلداري من جهة واحترام حقوق‬
‫األفراد وحرياتهم العامة من جهة أخرى حتى وان تطلب ذلك تنظيمها لممارسة األفراد لتلك‬
‫الحريات تفاديا للتهديد الحاصل بالنظام العام ‪.‬‬

‫وحيث أن فكرة النظام العام‪ ،‬فكرة مرنة ونسبية ومتغيرة من زمان ألخر ومن مكان‬
‫اآلخر‪ ،‬بحيث ال يمكن تحديد ماهيتها ضمن مفهوم محدد سلفا في النصوص القانونية أو‬
‫األحكام القضائية‪ ،‬فإنه قد يفسح املجال أمام سلطة الضبط اإلداري في التعسف بالسلطة‬
‫الممنوحة لها لفرض املحافظة على النظام العام‪ ،‬بشكل قد يرتب آثاره السلبية تجاه حقوق‬
‫األفراد وحرياتهم العامة‪ ،‬من خالل المساس بها أو تقييدها دون مبرر قانوني خاصة وان عناصر‬
‫النظام العام لم تعد قاصرة على العناصر التقليدية لها والمتمثلة باألمن العام والصحة العامة‬
‫والسكينة العامة بل أصبحت شاملة في الوقت الحاضر لعناصر أخرى‪ ،‬كالنظام العام‬
‫المعنوي (األخالق العامة) والنظام العام البيئي (جمال الرونق والرواء) والنظام‬
‫العام االقتصادي‪494 .‬‬

‫‪ -494‬حبيب إبراهيم حمادة الدليمي‪ ،‬حدود سلطة الضبط اإلداري في الظروف العادية ‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬م م‪ ،‬ص‪9‬‬

‫‪P 272‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫وفي هذا الصدد‪ ،‬فإننا سنتطرق في هذا المقال لتأصيل فكرة الضبط اإلداري من خالل‬
‫التطرق لطبيعة الضبط اإلداري في المطلب األول و انواعه وعالقته ببعض األنظمة المشابهة‬
‫له في المطلب الثاني ثم اهدافه في المطلب الثالث‪.‬‬

‫المطلب األول ‪ :‬تأصيل فكرة الضبط اإلداري‬

‫إن الضبط اإلداري إحدى الدعامات الرئيسية التي تقوم عليها وظيفة اإلدارة العامة‬
‫التي تعمل على إشباع حاجات األفراد بتقديم أفضل الخدمات لهم‪.‬‬

‫والسلطات العمومية هي المكلفة بالحفاظ على النظام العام وكل دولة ال تستطيع‬
‫الحفاظ عليه فال يمكن أن تعتبر دولة قادرة على القيام بمسؤولياتها من اجل حماية مواطنيها‬
‫وسالمة الدولة نفسها ‪.‬‬

‫لما كانت سلطة الضبط اإلداري تطال مجاالت شتى‪ ،‬فقد تباينت آراء فقهاء القانون في‬
‫تناولهم لطبيعتها‪ ،‬إذ رأى قسم منهم أنها سلطة قانونية محايدة (الفقرة االولى) في حين عدها‬
‫آخرون سلطة ذات طبيعة سياسية (الفقرة الثانية) بينما أكد رأي آخر على الطبيعة المزدوجة‬
‫لسلطة الضبط اإلداري (الفقرة الثالثة)‪.‬‬

‫الفقرة االولى ‪:‬الضبط اإلداري سلطة قانونية محايدة ‪.‬‬

‫يری جانب من الفقه بان سلطة الضبط هي سلطة قانونية محايدة‪ ،‬تمارس في حدود‬
‫القانون وتخضع لرقابة القضاء للتأكد من مشروعية عمل الضبط‪ ،‬ويقصد بالحيادية في هذا‬
‫الخصوص" أن تـنصرف وظيفة الضبط اإلداري إلى غاية األوضاع الرتيبة لحياة املجتمع من أي‬
‫ى"‪495.‬‬ ‫خلل ضمن إطار يباشر فيه األفراد حرياتهم حتى إلرساء استخدامها وتسود الفوض‬

‫ويمثل هذا االتجاه في الفقه الفرنس ي الفقيه)‪ ، (ber nard‬والذي ينكر وجود نظام عام‬
‫سياس ي مستقل يكون مبررا لوجود سلطة ضبط سياسية‪ ،‬على اعتبار أن هناك فروقا جوهرية‬
‫بين السلطتين اإلدارية والسياسية‪ ،‬وأن السلطة اإلدارية كقاعدة عامة البد من أن تكون بمنأى‬
‫عن المؤثرات السياسية داخل الدولة األمر الذي يترتب عليه عدم ارتباط النظام العام بالنظام‬
‫السياس ي‪ ،‬ومتى حصل ذلك فإنه يؤدي إلى انتفاء الصفة القانونية عن فكرة النظام العام التي‬

‫‪ -495‬حبيب إبراهيم حمادة الدليمي‪ ،‬حدود سلطة الضبط اإلداري في الظروف العادية ‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬م م‪ ،‬ص‪9‬‬

‫‪P 273‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫تمثل غاية الضبط اإلداري‪ ،‬ومن أنصار هذا االتجاه الفقيه )‪ (ULman‬والذي أكد على الطبيعة‬
‫القانونية املحايدة للضبط اإلداري‪ ،‬إال أنها‪ ،‬حسب هذا الرأي‪ ،‬قد تتحول إلى طبيعة سياسية‬
‫متى ما حصل انحراف باستعمالها من قبل األشخاص القائمين بها‪.‬‬

‫أما في الفقه العربي فقد ذهب ذ ‪.‬محمود سعد الدين الشريف إلى إيضاح الطبيعة‬
‫القانونية املحايدة للضبط اإلداري من خالل تمديد الخصائص المميزة لهذه الفكرة‪ ،‬كونها‬
‫ضرورية‪ ،‬كما تصنف بكونها حيادية‪ ،‬إضافة إلى خضوع وظيفة الضبط اإلداري لسيادة‬
‫القانون ورقابة القضاء اإلداري‪ ،‬كونها تمثل نشاطا إداريا يستمد شرعيته من النصوص‬
‫الدستورية والتشريعية‪ ،‬وأخيرا ما تتميز به هذه الوظيفة هو اعتمادها على وسيلة السلطة‬
‫العامة في املحافظة على النظام العام ‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬الضبط اإلداري سلطة سياسية‬

‫اتجه جانب من الفقه اإلداري إلى المناداة بالطبيعة السياسية للضبط اإلداري ويمثل‬
‫هذا االتجاه الفقيه باسكو )‪ (pasco‬في الفقه الفرنس ي و د ‪.‬محمد عصفور في الفقه العربي‪،‬‬
‫حيث يؤكد أصحابه بأن طبيعة الضبط اإلداري في الجوهر ما هو إال فكرة سياسية بحتة‬
‫ويتمثل بمظهرين في وقت واحد‪ ،‬هما المظهر الخارجي الظاهر للعيان ويتجلى بتحقيق األمن في‬
‫الشوارع‪ ،‬والمظهر الداخلي المتمثل باألمن الذي يمكن أن تشعر به سلطة الحكم ‪.‬‬

‫لذلك فإنه إذا كان هنالك حدا ال يختلف من مجتمع ألخر ضمن نطاق النظام‬
‫العام والمتمثل في تحقيق األمن العام والصحة العامة والسكينة العامة‪ ،‬فإن هناك حدا آخر‬
‫يختلف بين املجتمعات ويتعلق بحماية النظام السياس ي في الدولة‪ ،‬ويبرز ذلك بصورة واضحة‬
‫في الرقابة القضائية على سلطات اإلدارة في مجال الضبط اإلداري والقيود التي تفرض على‬
‫الحريات العامة بإدعاء حماية النظام العام‪ ،‬رغم أنها تفرض حماية السلطة الحاكمة في الدولة ‪.‬‬

‫ولغرض تأكيد الطبيعة السياسية للضبط اإلداري فقد ذهب الفقيه باسكو إلى أن‬
‫الضبط اإلداري ما هو إال سلطة سياسية لها حق الرقابة والدفاع عن كيان الدولة‪ ،‬وتملك هذه‬
‫السلطة في سبيل تحقيق غايتها‪ ،‬الحق في إجبار األفراد على احترام نظام الدولة ولو بالقوة ‪.‬‬

‫و انتقد أصحاب هذا االتجاه الرأي القائل بالطبيعة القانونية املحايدة للضبط‬
‫اإلداري‪ ،‬على اعتبار أن ذلك يعد ضربا من الخيال‪ ،‬وال يمكن أن يوجد إال في املجتمعات‬

‫‪P 274‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫المثالية‪ ،‬ومن الناحية النظرية حيث أن الو اقع العملي يشيرإلى خالف ذلك‪ ،‬باعتبار أن الطبقة‬
‫الحاكمة هي التي تفرض النظام الذي يمكن لها من خالله البقاء في السلطة ألطول فترة ممكنة‪،‬‬
‫وقد تعرض هذا الرأي العديد من االنتقادات ‪:‬‬

‫اوال ‪ :‬إغفاله جانبا هاما من النشاط الضبطي وهو الضبط اإلداري بالمعنى الضيق‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬يترتب عليه التوسع في نظرية أعمال السيادة وهو أمر غير مستحب‪ ،‬ألنه يؤدي‬
‫إلى عدم خضوع أعمال الضبط لرقابة القضاء اإلداري‪.‬‬

‫ثالثا‪:‬إنه يضفي على السلطة التنفيذية نوعين من الوالية‪ ،‬إحداهما تنفيذ القوانين‬
‫واألخرى ذات طابع سياس ي وهذا غير متصور عقال ‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬الطبيعة المزدوجة للضبط اإلداري‬

‫لغرض التوفيق بين االتجاهين السابقين‪ ،‬فقد تبنى بعض الفقه اتجاها وسطا يقوم‬
‫على االعتداد بالطبيعة المزدوجة للضبط اإلداري كونها ذي طبيعة قانونية محايدة في‬
‫الوظائف التقليدية للضبط اإلداري وذي طبيعة سياسية في الوظائف ذات الطابع السياس ي‪.‬‬

‫ويربط أصحاب هذا الرأي بين طبيعة الضبط اإلداري من جهة وغايتها من جهة أخرى‪،‬‬
‫حيث أن وظيفة الضبط اإلداري في كافة الدول‪ ،‬ديمقراطة كانت أو ديكتاتورية‪ ،‬إنما تهدف إلى‬
‫ممارسة األفراد لحرياتهم العامة‪ ،‬والحيلولة دون إساءة استعمالها بشكل ال تكون معه مضرة‬
‫بحريات اآلخرين‪ ،‬األمر الذي يتطلب اتخاذ اإلجراءات المانعة الرتكاب الجرائم الجنائية‪،‬‬
‫والعمل على حماية النظام العام بعناصره التقليدية من امن عام وصحة عامة وسكينة عامة ‪.‬‬

‫وتكتنف هذه الوظيفة طبيعة قانونية حيادية وفق مبادئ الحياد الوظيفي دون أية‬
‫شبهة سياسية‪ ،‬وهذا بخالف ما هو عليه الحال عندما يكون الغرض من ممارسة الضبط‬
‫اإلداري الوظيفة سياسية أو لغرض منع ارتكاب جرائم سياسة‪ ،‬وهي التي تنصب عادة على أمن‬
‫الدولة أو تتعلق بنظامها السياس ي إذ يعمد النظام السياس ي عادة على إصدار العديد من‬
‫القوانين التي تحقق له الطمأنينة السياسية وعندها فال يمكن القول بغير الطبيعة السياسية‬
‫الضبط اإلداري ‪.‬‬

‫‪P 275‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫وبالعودة إلى سلطات الدولة التقليدية نجد تو افر هذه المقومات فيها‪ ،‬فقد اعترف بها‬
‫الدستور‪ ،‬ولها من الهيئات ما تستطيع تنفيذ ما يلقى على كاهلها من مهام وواجبات‪ ،‬بال تدخل‬
‫سلطة أخرى والسيما في األنظمة الديمقراطية ‪.‬‬

‫وإذا اتفقت سلطات الدولة التقليدية في هذه األمور المشتركة فإنها تختلف فيما تنفرد‬
‫به كل منها الختالف طبيعة النشاط الذي تمارسه ‪.‬‬

‫وحسب رأي الدكتور عدنان الزنكة‪ ،‬فإن سلطة الضبط اإلداري ال تتو افر فيها‬
‫المقومات لكي تعد سلطة مستقلة في الدولة أسوة بالسلطات الثالث األخرى‪ ،‬زد على ذلك ال‬
‫يمكن إضافتها إلى السلطات التقليدية (التشريعية والتنفيذية والقضائية) كسلطة رابعة وما‬
‫تصدر عنها من إجراءات أو قرارات تهدف إلى حماية النظام العام‪ ،‬إن هي إال استثناء على مواد‬
‫الدستور أو مخالفتها له لدى ممارسة اختصاصاتها‪ ،‬لذا ال يمكن عدها سلطة مستقلة من‬
‫سلطات الدولة بل هي جزء من السلطة التنفيذية‪496.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الضبط اإلداري و األنظمة المشابهة له ‪.‬‬

‫إذا كان تعريف الضبط اإلداري لم يلق اتفاقا حاسما بين أقطاب الفقه اإلداري‪ ،‬وكذلك‬
‫طبيعته القانونية لم تكن أفضل حاال‪ ،‬حيث احتدم الخالف فقهيا بصدد تحديدها‪ ،‬كذلك‬
‫يتداخل مفهوم الضبط اإلداري ببعض المفاهيم األخرى‪ ،‬سيما إذا كانت أهدافها متقاربة أو‬
‫يكمل بعضها البعض اآلخر أو تصب كلها في اتجاه واحد‪ ،‬حيث يخش ى أن يؤدي ذلك التداخل‪،‬‬
‫إلى سوء فهم أو تفسير لمضمونها أو حمله على غير محمله‪.‬‬

‫لذلك سنتطرق لتمييز الضبط اإلداري عن بعض األنظمة المشابهة له‪ ،‬من خالل‬
‫التمييز بين الضبط اإلداري والضبط التشريعي في الفقرة االولى ‪ ،‬والتمييز بين الضبط اإلداري‬
‫والضبط القضائي في الفقرة الثانية‪ ،‬والتمييز بين الشرطة اإلدارية والمرفق العام في الفقرة‬
‫الثالثة ‪.‬‬

‫الفقرة االولى ‪:‬الضبط اإلداري والضبط التشريعي‬

‫‪ -496‬عدنان الزنكة‪ ،‬سلطة الضبط اإلداري في المحافظة على جمال المدن وروائها‪ ،‬م ‪.‬س‪ ،‬ص‪. 35 - 36.،‬‬

‫‪P 276‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫سنتناول في هذه الفقرة الفرق بين الضبط اإلداري والضبط التشريعي وذلك‬
‫وفقا للمعيار الشكلي اوال ثم المعيار الموضوعي ثانيا‪.‬‬

‫اوال‪ :‬المعيار الشكلي‬

‫يمارس الضبط اإلداري من طرف السلطة اإلدارية التي تنتمي إلى السلطة التنفيذية‬
‫وذلك من خالل وضع القيود والضوابط على ممارسة الحريات الفردية ألجل حماية النظام‬
‫العام‪ ،‬أما الضبط التشريعي فتمارسه السلطة التشريعية وذلك بإصدار القوانين التي تنظم‬
‫الحريات الفردية التي كفلها الدستور لألفراد فهو يشمل القوانين والتشريعات التي تحدد نطاق‬
‫مباشرة الحريات الفردية التي نص عليها الدستور‪ ،‬لكن األصل العام ال يحرم السلطة التنفيذية‬
‫من استخدام سلطتها المستقلة في فرض قيود أخرى على حريات األفراد طالما أنها ضرورية‬
‫لحماية النظام العام في املجتمع وهو ما أدى إلى إدخال لوائح الضبط في إصدار اللوائح‬
‫المستقلة‪497.‬‬

‫ثانيا ‪:‬المعيار الموضوعي‬

‫إن الضبط اإلداري يقصد به مختلف التدابير واألعمال اإلدارية التي ترمي للحفاظ على‬
‫النظام العام‪ ،‬وبهذا فإن المهمة الوقائية للضبط اإلداري تتمثل في الحفاظ على النظام العام‬
‫وذلك بالوقاية من حدوث الجرائم وغيرها من األفعال التي تهدد األمن العام أو السكينة العامة‬
‫أو الصحة العامة في املجتمع ‪.‬‬

‫أما الضبط التشريعي يشمل القوانين التي تصدرها السلطة التشريعية والتي تحدد‬
‫وتضبط وتبين كيفيات ممارسة الحريات الواردة في الدستور ذلك أن معظم تلك الحريات‬
‫تقتض ي سن قوانين متعلقة بها‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪:‬الضبط اإلداري والضبط القضائي‬

‫يقصد بالضبط القضائي اإلجراءات التي تتخذها السلطة الضبطية في التحري عن‬
‫الجرائم بعد حدوثها في سبيل القبض على مرتكبي هذه الجرائم وجمع األدلة الالزمة للتحقيق‬

‫‪ -497‬بن ساسي بن الزين‪ ،‬عناصر الضبط اإلداري‪ ،‬مذكرة مقدمة الستكمال متطلبات شهادة ليسانس أكاديمي‪،‬‬
‫مرباح‪،‬الجزائر‪،‬السنة‬ ‫قاصدي‬ ‫العام‪،‬جامعة‬ ‫قانون‬ ‫التخصص‬ ‫السياسية‬ ‫والعلوم‬ ‫الحقوق‬ ‫كلية‬
‫الجامعية‪ 2014/2013 ،‬ص ‪.16‬‬

‫‪P 277‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫و إقامة الدعوى ملحاكمة المتهمين و إنزال العقوبة على من تثبت إدانته‪ ،498‬ونوضح فيما يلي‬
‫أهمية التمييزبين الضبط االداري و الضبط القضائي اوال‪ ،‬ومعايير التمييزبينهما ثانيا ‪.‬‬

‫أوال ‪:‬أهمية التمييز بين الضبط اإلداري والضبط القضائي‬

‫إن التمييز بين الضبط اإلداري والضبط القضائي يظهر في مجالين األول‬
‫مجال االختصاص والثاني في مجال المسؤولية ‪.‬‬

‫‪-3‬مجال االختصاص القضائي‬

‫إن نشاط الضبط اإلداري يتصل بالسلطة التنفيذية أما الضبط القضائي فيتعلق‬
‫بممارسة والية السلطة القضائية‪ ،‬وعليه فإن أعمال الضبط القضائي أعمال قضائية وتدخل‬
‫المنازعات المتعلقة بها في اختصاص القضاء العادي وال يقبل الطعن باإللغاء أو إيقاف‬
‫التنفيذ‪ ،‬أما أعمال الضبط العادي فتعتبر قرارات إدارية يدخل الطعن فيها باإللغاء‬
‫وبالتعويض و هي من اختصاص القضاء اإلداري‪.‬‬

‫‪ -5‬في مجال المسؤولية‬

‫إن أعمال الضبط اإلداري تعتبر قرارات إدارية وتسأل فيها الدولة أسوة بالقرارات‬
‫اإلدارية عموما‪ ،‬أما بالنسبة ألعمال الضبط القضائي فقد اختلف الوضع بشأنها‪ ،‬ففي فرنسا‬
‫ظل القضاء الفرنس ي فترة طويلة متمسكا بمبدأ عدم مسؤولية الدولة عن أعمال الضبط‬
‫القضائي باعتبارها داخلة ضمن أعمال السلطة القضائية‪ ،‬إال أن التعديل الذي أدخله المشرع‬
‫الفرنس ي على قانون المر افعات بموجب قانون ‪ 5‬يوليو ‪ 1972‬أشار في مادته ‪ 11‬إلى مسؤولية‬
‫الدولة عن األخطاء التي يقع فيها مرفق القضاء في حالتين هما‪ ،‬حالة الخطأ الجسيم وحالة إنكار‬
‫العدالة ‪.‬‬

‫في مصر‪ ،‬فإن القضاء المصري بالرغم من إضفاء صفة األعمال القضائية على أعمال‬
‫الضبطية القضائية‪ ،‬إال أنه قد اتجه منذ البداية إلى تقرير مسؤولية الدولة عنها‪ 499‬وفي المغرب‬
‫وحسب المادة ‪ 122‬من الدستور فهي تنص على حق" كل متضرر عن خطأ قضائي الحصول‬

‫‪ -498‬دايم عبد السالم‪ ،‬النظام العام الوضعي والشرعي وحماية البيئة ‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة دكتوراه دولة في القانون‬
‫العام‪ ،‬جامعة أبي بكر بلقايد ‪ ،‬تلمسان كلية الحقوق الجزائر السنة ‪ 2004/2003‬ص‪52 ،‬‬
‫‪ -499‬دايم بلقاسم‪ ،‬النظام العام الوضعي والشرعي وحماية البيئة م ‪.‬س‪ ،‬ص‪54،‬‬

‫‪P 278‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫على تعويض تتحمله الدولة " فإن األعمال القضائية أصبحت شأنها شأن األعمال اإلدارية من‬
‫حيث إمكانية انعقاد مسؤولية الدولة عن وقوع خطأ من المرفق الصادر عن العمل"‪.500‬‬

‫ثانيا ‪:‬معايير التمييز بين الضبط اإلداري والضبط القضائي‬

‫إن إيجاد معيار للتمييز بين الضبط اإلداري والضبط القضائي أمر بالغ الدقة‬
‫والصعوبة‪ ،‬نظرا للتداخل الموجود بينهما والذي بيناه من قبل لذلك نجد الفقه في هذا‬
‫املجال ما يقدم عدة معايير للتمييز بينهما‪.‬‬

‫‪-3‬المعيار الشكلي‬

‫يقوم هذا المعيار على أساس الفصل بين السلطات حيث ينظر للعمل من حيث‬
‫الجهة التي أصدرته‪ ،‬فيكون عمال إداريا إذا صدر عن السلطة اإلدارية ويكون قضائيا إذا صدر‬
‫عن السلطة القضائية‪ ،‬إذ أن الضبط اإلداري يتصل في عملياته وإجراءاته بالسلطة التنفيذية‬
‫أو اإلدارية ومن ثم تخضع إجراءاته للقضاء اإلداري أما إجراءات الضبط القضائي فيختص بها‬
‫القضاء العادي أو العدلي‪.501‬‬

‫غير أن التمييز بين الضبط اإلداري والضبط القضائي على النحو المذكور ال ينفي‬
‫وجود تداخل بينهما خصوصا عندما يتم إسناد هما لنفس الشخص‪ ،‬فالعمال والباشوات‬
‫والقواد مثال يقومون في نفس الوقت بمهام الضبط اإلداري بصفتهم ممثلين للسلطة اإلدارية‬
‫المركزية‪ ،‬ويسهرون على تطبيق القوانين والحفاظ على النظام العام ويمارسون مهام الضبط‬
‫القضائي استنادا على مقتضيات قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬نفس الش يء بالنسبة لرجال األمن‬
‫والدرك والسير على الطرقات‪ ،‬كما يمارسون مهام الضبط القضائي عندما يقومون بالتحقيق‬
‫والبحث والقبض على الجناة ‪.502‬‬

‫‪ -5‬معيار الغاية والهدف‬

‫‪ -500‬حسن صحيب‪ ،‬تطور دعوى التعويض اإلدارية في القضاء اإلداري المغربي‪ ،‬المجلة المغربية لإلدارة في القضاء‬
‫اإلداري المغربي‪ ،‬المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية‪ REMARD ،‬ص‪ 30 ،‬و ‪31‬‬
‫‪ -501‬حسام مرسي‪ ،‬سلطة اإلدارة في مجال الضبط اإلداري‪ ،‬دراسة مقارنة في القانون الوضعي و الفقه اإلسالمي‪،‬‬
‫توزيع منشأة المعرف باإلسكندرية مصر‪ ، 2010‬ص‪. 129 ،‬‬
‫‪ -502‬أحمد أجعون‪ ،‬النشاط اإلداري وظائف اإلدارة وسائل اإلدارة‪ .‬مطبعة سجلماسة مكناس طبعة‪، 2016/2015 ،‬‬
‫ص‪. 6،‬‬

‫‪P 279‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫تتميز الشرطة اإلدارية عن الشرطة القضائية بطابعها الوقائي حيث تهدف إلى منع‬
‫االضطرابات في النظام العام‪ ،‬سواء من خالل األفعال المادية‪ ،‬مثل هدم مبنى غير صحي أو‬
‫نشر قوات الشرطة في شوارع التجمعات السكنية أو عن طريق تنفيذ أحكام األنظمة القانونية‪،‬‬
‫أو بسن تدبير فردي‪ ،‬مثل منح تصريح إقامة لمواطن أجنبي بخالف الشرطة القضائية فتتميز‬
‫بكونها نشاط قمعي تهدف إلى التعرف على مرتكبي الجرائم والبحث عنهم والقبض عليهم‪.503‬‬

‫‪ -1‬المعيار المادي أو الموضوعي‬

‫حسب المعيار المادي‪ ،‬يعتبر العمل ضبطا قضائيا إذا كان العمل الذي يقوم به‬
‫الموظف املختص يدخل في نطاق البحث والتحري واالستدالل عن جريمة معينة بقصد‬
‫القبض على مرتكبيها وتقديمهم للعدالة وتوقيع العقوبات عليهم‪ ،‬ويعتبر العمل ضبطا إداريا إذا‬
‫كان العمل الذي يقوم به الموظف املختص يدخل في نطاق المر اقبة واإلشراف العام بغية‬
‫املحافظة على النظام العام ‪.‬‬

‫وقد اعتمد مجلس الدولة الفرنس ي في هذا الخصوص على المعيار الموضوعي‪ ،‬وذلك‬
‫بالنظر إلى طبيعة وموضوع اإلجراء الضبطي ومن ثم إذا كـان اإلجراء الضبطي‪ ،‬قد اتخذ بصدد‬
‫جريمة محددة بقصد جمع االستدالالت أو البحث عن املجرمين والقبض عليهم لتقديمهم إلى‬
‫العدالة‪ ،‬فإن اإلجراء في هذه الحالة يعد من قبيل إجراءات الضبط القضائي‪ ،‬أما إذا كان‬
‫اإلجراء الضبطي ال يواجه جريمة معينة و إنما اتخذه رجل الضبط بقصد حماية النظام العام‪،‬‬
‫فإن اإلجراء في هذه الحالة يعتبر من إجراءات الضبط اإلداري ‪.‬‬

‫ومن أحكام مجلس الدولة الفرنس ي التي أخذت بهذا المعيار حكمه الصادر في ‪11‬‬
‫مايو ‪ 1951‬في قضية » ‪ « BAUD‬ثم الحكم الصادر ف ـ ـي ‪ 24‬يونيو ‪ 1960‬في‬
‫قضية ‪.504 FRAMPAR‬‬

‫رغم هذه المعايير السابق ذكرها‪ ،‬لم تزدد محاولة التمييز بين الشرطتين إال تشعبا كما‬
‫تعددت اآلراء واالتجاهات بخصوصها‪ ،‬وفي هذا السياق حاول البعض البحث ع ـ ـن عناصر‬

‫‪503‬‬
‫‪--la police administrative, par Eric Guér. www.wiriterritorial.cnfpt.fr/xwiki/bin Vu a‬‬
‫‪10/3/2018, 22:14h .‬‬
‫‪ -504‬دايم بلقاسم‪ ،‬النظام العام الوضعي والشرعي وحماية البيئة‪ ،‬م ‪.‬س‪ ،‬ص‪. 334.،‬‬

‫‪P 280‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫التمييز بينهما من خالل اعتماد عنصر من العناصر التي تبدو في نظره وجيهة ‪.‬من بين هذه‬
‫العناصرنجد ‪:‬‬

‫‪-3‬عنصر تحديد المسؤولية اإلدارية و عنصر ازدواجية القانون ‪.‬‬

‫‪-5‬عنصر االجتهاد القضائي إذ يستخلص عنصر التمييز بين ثنايا األحكام‬


‫القضائية الصادرة عن مختلف املحاكم ‪.‬‬

‫‪-1‬عنصر نوع النشاط‪.‬‬

‫‪- 2‬عنصر العقوبة هل هي إدارية أم جنائية‪.‬‬

‫‪-0‬عنصر شرعية العمل ‪.‬‬

‫‪-3‬عنصر الوقائية والزجرية ‪..‬إلخ ‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة ‪ :‬الشرطة اإلدارية والمرفق العام‬

‫يستعمل اصطالح المرفق العام للداللة على معنيين ‪:‬أحدهما عضوي واآلخر مادي‪،‬‬
‫فالمعنى العضوي يطلق على الهيئة العامة التي تمارس النشاط ذو النفع العام‪ ،‬ومن أمثلة ذلك‬
‫الجامعات والمستشفيات والوزارات بمختلف أنواعها بصفة عامة أما المعنى المادي فيطلق‬
‫على النشاط أو العمل الذي يمارسه المرفق تحقيقا للمصلحة العامة‪ ،‬ومن أمثلة المر افق‬
‫العامة المادية حماية الصحة وصيانة األمن وتحقيق العدالة ‪..‬الخ‪ ،‬وكافة الخدمات التي‬
‫تقدمها الحكومة للجمهور‪505 .‬‬

‫أجمع معظم الباحثين على ضرورة التمييز بين الشرطة اإلدارية والمرفق العمومي داخل‬
‫الوظيفة اإلدارية‪ ،‬حيث اعتبر مارسيل واكين بان الشرطة اإلدارية و المرفق العمومي مختلفين‬
‫للتدخل مختلفين ومتناقضين فيما بينهما‪ ،‬ومن جهته اعتبر العميد فيديل بأن التعارض يتجلى‬

‫‪ -505‬مليكة الصروخ‪ ،‬القانون اإلداري دراسة مقارنة التنظيم اإلداري‪ ،‬النشاط اإلداري أسلوب اإلدارة وامتيازاتها رقابة‬
‫القضاء على أعمال اإلدارة‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة ‪-‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة السابعة‪ ، 1431-2010‬ص‪334 ،‬‬

‫‪P 281‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫في كون أن النمط العادي للشرطة هو إصدار األوامر بينما النمط العادي للمرفق العمومي هو‬
‫إرساء الخدمات معترفا بأن هذا التعارض يبقى نسبيا‪.506‬‬

‫إن األخذ بفكرة المرفق العام يتعارض مع النشاط الفردي‪ ،‬فحيث ما يوجد مرفق‬
‫عام يصبح هذا النشاط محكوما بصفة جزئية أو كلية بالقانون العام القانون اإلداري‬
‫وبالعكس فإن تدخل الشرطة اإلدارية ينصب على النشاط الذي يمارسه األفراد والذي يعتبر‬
‫بطبيعة الحال نشاطا خاصا‪ ،‬وهذا يبرز الخالف ما بين الشرطة اإلدارية من جهة والمرفق العام‬
‫من جهة ثانية على اعتبار أن كال منهما يتجه إلى أسلوب يختلف عن األسلوب األخر ‪.‬‬

‫فعندما تتدخل اإلدارة عن طريق اتخاذ تدابير شرطية تفرض قيودا على حريات األفراد‬
‫ونشاطهم بهدف حماية النظام العام‪ ،‬فهذا أسلوب الشرطة اإلدارية أما عندما تتدخل مباشرة‬
‫إلشباع حاجيات المواطنين إما بنفسها أو عن طريق الغير وتقديم خدمات لهم سواء كانت‬
‫مجانا أو بمقابل نظرا لعجز األفراد عن إشباعها بأنفسهم أو لعدم توفرهم على اإلمكانيات‬
‫المالية أو الفنية أو لعزوفهم عن القيام بها ألنها ال تدر ربحا أو غير ذلك من األسباب فإن هذا‬
‫هو أسلوب المرفق العمومي ‪.507‬‬

‫بناء على هذا التمييز يتضح أن الفرق بين الشرطة اإلدارية والمرفق العمومي يكمن في‬
‫أن األولى تدخلها سلبي‪ ،‬وأداتها األساسية هي وضع التنظيمات التي هي عبارة عن أوامر أو نواهي‬
‫بينما الثاني وهو المرفق العام تدخله يتميز باإليجابية أي تقديم خدمات معينة للمواطنين ‪.‬‬
‫وهنا يثور التساؤل عن خطوط التماس بين الشرطة اإلدارية والمرفق العام؟‬

‫والجواب عن ذلك هو أنه يوجد بهذا الصدد مذهبان في تكييف العالقة بينهما يختلف‬
‫كل منهما عن األخر وهما مذهب الوحدة‪ ،‬ومذهب االزدواجية ‪.‬‬

‫فمذهب الوحدة‪ ،‬يعتبر أنصاره أن فكرة المرفق العمومي‪ ،‬هي أساس القانون اإلداري‬
‫ومعيار تطبيقه‪ ،‬لذا يقول العميد دوكي‪ ،‬أن نشاط الضبط اإلداري هو في جوهره مرفق عمومي‪،‬‬
‫وقد برر توجهه هذا بكون السعي نحو تحقيق المصلحة العامة هو الهدف الذي ينبغي الوصول‬

‫‪506‬‬
‫‪-Mohamed Amine BN Abdallah, la police administrative dans le système juridique‬‬
‫‪marocain, Publications APREJ collection de droit public, 1987, p : 75.‬‬
‫‪ -507‬عبد العزيز أشرقي‪ ،‬الشرطة اإلدارية الممارسون له‪ ،‬والنصوص القانونية والتنظيمية المتعلقة بها‪ ،‬توزيع الشركة‬
‫المغربية لتوزيع الكتاب الدار البيضاء الطبعة األولى ‪ ، : 2006/1427‬ص‪48 ،‬‬

‫‪P 282‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫إليه‪ ،‬وبرأيه فإن كال من الشرطة اإلدارية والمرفق العمومي يسعيان إلى تحقيق المصلحة‬
‫العامة‪ ،‬إذ هما ش يء واحد‪.‬‬

‫أما مذهب االزدواجية فإن أنصاره يضعون التمييز بين الشرطة اإلدارية والمرفق‬
‫العمومي من ناحية وجود تعارض نسبي بين ما اإلجراءات التي يمارس بها كل منهما نشاطه‪.‬‬

‫إن التمييز بين المرفق العام والشرطة اإلدارية من الصعوبة بمكان في نظر بعض‬
‫الباحثين‪ ،‬وكل اآلراء التي قيلت حول موضوع العالقة بينهما رغم جديتها وعمقها لم تحسم في‬
‫الموضوع‪ ،‬وكل ما وصلت إليه هو تقديم محاولة للتذليل على تحديد مهمة الشرطة اإلدارية‬
‫تجاه المرفق العامة‪ ،508‬وبناء عليه فإنه من الصعوبة بمكان الجزم بأن هنالك حدا فاصال بين‬
‫المرفق العام والشرطة اإلدارية يمكن الركون إليها وأن التمييز بينهما على كل ما هنالك آراء‬
‫أطلقها بعض الفقهاء القانون اإلداري محاولين إيجاد صيغة مقبولة تختلف باختالف النظر‬
‫إلى كل من المرفق العام والشرطة اإلدارية يمكن الركون إليها لتقريب وجهات النظر بخصوص‬
‫التمييز بين المدلولين ‪.‬ويمكن تلخيص وجهات النظر تلك فيما يلي ‪:‬‬

‫الشرطة اإلدارية تشكل في نظر البعض مرفقا عاما في مدلول إطالق المصالح اإلدارية‬
‫للدولة‪ ،‬والتي تعتبر كل ـها مؤسسات تابعة لها‪ ،‬كيف ـ ـما كانت المسميات التي تطلق‬
‫عليها كمصلحة األشغال البلدية‪ ،‬المكتب الصحي البلدي‪ ،‬مصلحة النظافة‪ 509‬وجمع النفايات‪،‬‬
‫مصلحة الرقابة المدنية ‪..‬الخ‪ ،‬من هذا المنظور فإن الدولة تتكون من عدد من المصالح كل‬
‫واحدة تعمل في ميدان معين ومنها جميعها تتفرع المر افق العمومية ‪.‬‬

‫انطالقا من هذا التوجه‪ ،‬فإن الشرطة اإلدارية مثلها مثل المرفق العام تتحول إلى‬
‫النظام العام‪ ،‬وهي بهذا تلتقي مع المرفق العام الذي يتمظهر أيضا كمؤسسة من مؤسسات‬
‫الدولة يقدم خدماته للمواطنين‪ ،‬وبناء عليه فإن الشرطة اإلدارية حسب هذا المفهوم مشابهة‬
‫للمرفق العام من الوجهة التنظيمية المؤسساتية ‪.‬‬

‫‪ -508‬عبد العزيز أشرقي‪ ،‬الشرطة اإلدارية‪ ،‬الممارسون لها‪ ،‬والنصوص القانونية والتنظيمية المتعلقة بها‪ ،‬م ‪.‬س‪،‬‬
‫ص‪.51. ،‬‬
‫‪ -509‬عبد العزيز أشرقي‪ ،‬الشرطة اإلدارية والممارسون لها والنصوص القانونية و التنظيمية المتعلقة بها ‪ ،‬م ‪.‬س‪،‬‬
‫ص‪.52‬‬

‫‪P 283‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫الشرطة اإلدارية تؤدي نفس الغرض الذي يؤديه المرفق العام‪ ،‬بمعنى المصلحة‬
‫العامة إذ ال ننس ى أن تعريف المرفق العام بصفة عامة‪ ،‬هو نشاط يرمي لخدمة الصالح العام‬
‫دون الخوض في تحديد أسلوب إرضاء تلك الحاجيات‪.‬‬

‫من جهة أخرى يعتقد البعض أنه من غير الممكن بناء على هذا التصور القول أن‬
‫الشرطة اإلدارية مرفق عام إذا ما اعتبرنا تعريف هذا األخير والذي يوصف بالخدماتي أي أنه‬
‫عمل إيجابي‪ ،‬بينما يمتاز نشاط الشرطة اإلدارية بالتقنين وهو بطبيعة الحال عمل سلبي أو‬
‫بعبارة أخرى إن تدخلها بطبيعته تدبير ‪.‬يحد من نشاط األفراد ‪.‬‬

‫وهذا العمل السلبي الذي تقوم به الشرطة اإلدارية والمقيد لنشاط األفراد هو نفسه‬
‫الفضاء الطبيعي الذي يمارس في إطاره المرفق العام نشاطه حسب التنظيمات المعمول بها‬
‫المقننة لمزاولة أي نشاط خاص‪.510‬‬

‫إال أنه ورغم ما ذكر فإن الفرق ما بين المرفق العمومي والشرطة اإلدارية يمكن التوصل‬
‫إليه حسب رأي األستاذ محمد األعرج استنادا إلى القاعدة التي تؤكد بأن المرفق العام يمكنه‬
‫اللجوء إلى تقنية العقود‪ ،‬في حين أن الشرطة اإلدارية ال يمكن تفويتها إلى األشخاص الخاصة‪.511‬‬

‫وأخيرا وفي إطار هذه الفقرة‪ ،‬وجب التمييز بين الشرطة اإلدارية والسلطة التنظيمية‬
‫فهذه األخيرة وسيلة قانونية يرتكز عليها عمل الشرطة في حين أن الشرطة اإلدارية عمل من‬
‫أعمال اإلدارة‪.512‬‬

‫المطلب الثالث ‪ :‬أهداف الضبط اإلداري و أنواعه‬

‫تضع السلطات المكلفة بمهام الشرطة اإلدارية قيودا على حريات األفراد وحتى ال يترك‬
‫املجال لهذه السلطات لتعصف بهذه الحريات تحت ستار املحافظة على النظام العام‪ ،‬كان‬
‫لزاما تحديد أهدافها وغاياتها ‪.‬‬

‫‪ -510‬محمد األعرج‪ ،‬المنازعات اإلدارية والدستورية في تطبيقات القضاء المغربي‪ ،‬المجلة المغربية لإلدارة المحلية‬
‫والتنمية‪ ،‬سلسلة مواضيع الساعة‪ ،‬العدد ‪ 83‬سنة‪ ، 2013‬ص‪86،‬‬
‫‪ -511‬محمد األعرج‪ ،‬المنازعات اإلدارية والدستورية في تطبيقات القضاء المغربي‪ ،‬المجلة المغربية لإلدارة المحلية‬
‫والتنمية‪ ،‬سلسلة مواضيع الساعة‪ ،‬العدد ‪ 83‬سنة‪ ، 2013‬ص‪. 86،‬‬
‫‪ -512‬أمل المرشدي‪ ،‬تفاصيل قانونية حول سلطات الشرطة اإلدارية الجماعية مقال منشور على الموقع االلكتروني‬
‫‪2022-10-06‬تاريخ المشاهدة ‪www.Mohamad.net/law:‬‬

‫‪P 284‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫وعليه فإن سلطات الضبط اإلداري ليست سلطات مطلقة بل مقيدة من جهة ما ورد في‬
‫الدستور والنصوص التشريعية والتنظيمية ‪ ،‬ومن جهة أخرى مقيدة بهدف املحافظة على‬
‫النظام العام‪ ،‬وإذا انحرفت سلطات الضبط اإلداري عن تحقيق هذا الهدف اعتبر تصرفها‬
‫مشوبا بعيب التجاوز في استعمال السلطة‪.‬‬

‫وهكذا تخضع سلطات الشرطة اإلدارية لرقابة القضاء اإلداري إلغاء وتعويضا‪.513‬‬
‫وتعتبر حماية النظام العام بمدلوالته المتعارف عليها‪ ،‬الهدف األساس ي من وظيفة‬
‫الشرطة‪/‬اإلدارية فليس لهيئات الشرطة اإلدارية استخدام سلطاتها من أجل تحقيق أهداف‬
‫أخرى غير ذلك ‪ ،‬وان تعلق األمر بالمصلحة العامة ألن أهداف الضبط اإلداري هي أهداف‬
‫مخصصة ليس لإلدارة أن تخرج عليها‪ ،‬وذلك باعتبار أن فكرة النظام العام فكرة لصيقة‬
‫باملجتمع مما يجعلها تشكل ضرورة حيوية لتدخل سلطة الضبط اإلداري بهدف وقاية املجتمع‬
‫وتحقيق أمنه وسكينته‪ ،‬وبذلك تمثل السند األساس ي والشرعي لتلبية حاجيات املجتمع من‬
‫استقرار وسالم كما يخولها سلطة تنظيم نشاط األفراد في املجتمع بما يسمح للجميع من‬
‫ممارسة حقوقهم وحرياتهم من جهة والحفاظ على النظام العام من جهة أخرى‪.514‬‬

‫وقد وجد الفقهاء صعوبة في وضع تعریف جامع ومانع للنظام العام‪ ،‬ذلك ألن مفهومه‬
‫ال يتصف بالثبات ولكونه يتغير بتغير الزمان والمكان بحسب طبيعة النظام السياس ي السائد‪،‬‬
‫كون فكرة النظام العام فكرة مرنة ومتطورة‪ ،‬وكل ما يستطيع المشرع أن يفعله هو أن يعرفها‬
‫من خالل مضمونها فحسب تاركا املجال للقضاء والفقه لتحديد التصرفات التي تعد مناهضة‬
‫للنظام العام ‪.515‬‬

‫وعلى هذا األساس فإن النظام العام ينصرف في مدلوله التقليدي إلى املحافظة على‬
‫األمن العام والسكينة العامة والصحة العامة‪ ،‬ويالحظ على هذا المضمون الضيق لفكرة‬

‫‪ -513‬نجاة خلدون‪ ،‬العمل اإلداري‪ ،‬الطبعة األولى‪ ، 2015،‬الطبع‪ ،‬دعاية‪ Diaaya‬حي أشماعو‪ ،‬ص‪.042‬‬
‫‪ -514‬محمد البعدوي‪ ،‬الشرطة اإلدارية وإشكالية الموازنة بين الحفاظ على النظام العام وضمان الحريات‪ ،‬منشورات‬
‫المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية‪ ،‬سلسلة مؤلفات وأعمال جامعة‪ ،‬العدد‪ ، 102‬الطبعة الثانية‪ ، 2014‬ص‪،‬‬
‫‪.41‬‬
‫‪ -515‬أمل المرشدي‪ ،‬تفاصيل قانونية حول سلطات الشرطة اإلدارية الجماعية مقال منشور على الموقع االلكتروني‬
‫‪2022-10-06‬تاريخ المشاهدة ‪www.Mohamad.net/law:‬‬

‫‪P 285‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫النظام العام التقاؤه مع الفكر الليبرالي التقليدي الذي ال يقبل تدخل الدولة إال في أضيق‬
‫الحدود ‪.‬‬

‫ولقد ظل القضاء اإلداري الفرنس ي متمسكا بهذا المضمون الضيق لفكرة النظام العام‬
‫لمدة طويلة‪ ،‬إال أنه عدل عن ذلك جراء التغييرات االجتماعية واالقتصادية التي سادت العالم‬
‫و أثرت على مفاهيم المذهب الليبرالي نفسه‪ ،‬فخول اإلدارة التدخل بإجراءات الضبط في‬
‫مجاالت أوسع لم يكن يتيحها قصر مضمون النظام العام على العناصر التقليدية الثالثة‬
‫المتعارف عليها‪ ،516‬كحماية األخالق الحميدة واآلداب العامة وجمالية المدينة والكرامة‬
‫اإلنسانية ‪ .‬هكذا سنتناول أهداف الضبط اإلداري من خالل التعريف بمدلول فكرة النظام‬
‫العام وعناصره في (الفقرة االولى) واألهداف الحديثة المعتبرة من مدلوالت النظام العام‬
‫في (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى ‪:‬مدلول فكرة النظام العام وعناصره‬

‫أوال ‪:‬مدلول فكرة النظام العام‬

‫يهدف الضبط اإلداري أساسا إلى صيانة النظام العام وإعادته إلى نصابه إذا اختل‪،‬‬

‫وللنظام العام مدلول محدد في هذا املجال يختلف عن مفهومه في مجال القوانين‬
‫األخرى سواء كانت تلك القوانين من فروع القانون العام أو القانون الخاص ‪ ،517‬وكما سبق‬
‫الذكر اختلف الفقهاء في تحديد مفهوم النظام العام حيث اختلفوا في ماهيته وطبيعته ويرجع‬
‫اختالفهم في ذلك لمرونة ونسبية فكرة النظام العام‪ ،‬حيث يتغير مفهومة باختالف الزمان‬
‫والمكان‪ ،‬اختالفه من دولة ألخرى بل حتى داخل الدولة الواحدة وكذلك باختالف التوجه‬
‫االديولوجي والجانب الديني للمجتمع ‪.‬‬

‫النظام العام فكرة قانونية يتجاوز بكثير نطاق الضبط اإلداري وتتغلغل في ثنايا النظرية‬
‫العامة للقانون‪ ،‬فهو من ناحية يعد حالة يسود فيها الترتيب المتناسق للعالقات االجتماعية‪،‬‬

‫‪ -516‬محمد البعدوي‪ ،‬الشرطة اإلدارية وإشكالية الموازنة بين الحفاظ على النظام العام‪ ،‬وضمان الحريات‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص‪. 41،‬‬
‫‪ -517‬مليكة الصروخ‪ ،‬القانون اإلداري‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬التنظيم اإلداري‪ ،‬النشاط اإلداري أسلوب اإلدارة وامتيازاتها‪،‬‬
‫رقابة القضاء على أعمال اإلدارة‪ ،‬م س ص‪421‬‬

‫‪P 286‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫ومن ناحية أخرى يعني التعبير عن بعض القواعد القانونية الملزمة التي ال يمكن االتفاق على‬
‫مخالفتها أو نقضها‪ ،‬ويجب على القاض ي ترجيحها إذا ساد الصمت أطراف العالقة القانونية‬
‫‪.518‬‬

‫ولهذا ال يملك المشرع أن يحدد لها مضمونها وال يعرفها على وجه محدد‪،‬‬
‫فيشوه طبيعتها ويمنعها من أن تؤدي وظيفتها بحيث ترك للفقه والقضاء أمر تحديد التصرفات‬
‫التي تعد مناهضة للنظام العام ‪.519‬‬

‫وقد ظهرت فكرة النظام العام في صورتها القانونية من خالل إعالن الثورة الفرنسية‬
‫الذي قض ى بمبدأ المساواة‪ ،‬واعتبرت أن كل اتفاق يهدف إلى المساس بالمبادئ الكبرى ال يعتبر‬
‫مخالفا للنظام العام‪.520‬‬

‫للنظام العام مفاهيم متعددة وفقا لالتجاهات الفقهية واألحكام القضائية‪ .521‬في‬
‫املجال الفقهي برزت عدة تعريفات النظام العام‪ ،‬وذلك من خالل التركيز على انعكاس سلطة‬
‫الضبط على النشاط والحرية‪ ،‬ومن خالل التقيد أو من خالل ربط التعريف بالعوامل المؤثرة‬
‫في املجتمع‪.522‬‬

‫في هذا الصدد وفي الفقه الفرنس ي‪ ،‬يعرفه األستاذ هوريو بأنه "النظام المادي‬
‫املحسوس والذي يعتبر بمثابة حالة مناقضة للفوض ى "أما الفقيه فالين ‪ Walin‬فعرفه بأنه "‬
‫مجموعة الشروط الالزمة لألمن واآلداب العامة التي ال غنى عنها لقيام عالقات سليمة بين‬
‫األفراد‪ ،‬وعلى ذلك فإن النظام العام يتسع ليشمل الجانب األدبي أو المعنوي إضافة‬
‫للجانب المادي‪.523‬‬

‫‪ -518‬جلطي أعمر‪ ،‬األهداف الحديثة للضبط اإلداري‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام ‪ ،‬جامعة أبي بكر‬
‫بلقايد‪ ،‬تلمسان كلية الحقوق والعلوم السياسية الجزائر‪ ،‬السنة الجامعية‪ ، 2016/2015 ،‬ص‪13،‬‬
‫‪ -519‬جلطي أعمر‪ ،‬األهداف الحديثة للضبط اإلداري‪ ،‬م س‪ ،‬ص‪13. ،‬‬
‫‪ -520‬حبيب إبراهيم حمادة الدليمي‪ ،‬حدود سلطة الضبط اإلداري في الظروف العادية دراسة مقارنة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪85‬‬
‫‪ -521‬جلطي أعمر‪ ،‬األهداف الحديثة للضبط اإلداري‪ ،‬م س ص‪14. ،‬‬
‫‪ -522‬حبيب إبراهيم‪ ،‬حمادة الدليمي‪ ،‬حدود سلطة الضبط اإلداري في الظروف العادية‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬مرجع سابق‪89،‬‬
‫‪ -523‬حبيب إبراهيم‪ ،‬حمادة الدليمي‪ ،‬حدود سلطة الضبط اإلداري في الظروف العادية‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬مرجع سابق‪89،‬‬

‫‪P 287‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫وفي الفقه اإلداري العربي عرف خالد خليل الظاهر النظام العام بأنه" المفاهيم‬
‫والعقائد التي يقوم عليها املجتمع سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية السائدة في‬
‫الدولة مع حركات تطور ظروف الزمان والمكان ‪ ،524‬ويعرفه الدكتور زين العابدين بركان بقوله‬
‫"النظام العام بمعنى املحافظة على األمن العام والراحة العامة والسالمة العامة‪ ،‬وعلى ذلك‬
‫يدخل ضمن أغراض الضابطة اإلدارية كلما دعت الضرورة للمحافظة على النظام العام " ‪.525‬‬

‫وفي املجال القضائي وفي فرنسا فقد كتب مفوض الدولة" ‪ le tour neur‬في تقرير له‬
‫يقول فيه " بأن النظام العام فكرة مبهمة إن غموض غائية النظام العام و الطابع الظرفي له‬
‫يأتيان من تعدد المقتضيات التي تهدده‪ ،‬بل عليه أيضا أن يحمي الفرد من األخطار التي ال يمكنه‬
‫هو نفسه استبعادها سواء كان مصدرها أفرادا آخرون‪ ،‬أم كان مصدرها حيوانات أم ظواهر‬
‫اجتهادية‪ ،‬لذلك ليس من الممكن حصر تلك المقتضيات ذات المضمون المتغير داخل صيغة‬
‫محددة‪ ،‬إن تلك الحقبة قد أدركها القضاء تماما‪ .526‬ال بد من إعادة النظر في هذه الفقرة غير‬
‫المفهومة‪.‬‬

‫اتجه القضاء اإلداري الفرنس ي أول األمر إلى تبني االتجاه القائم على التضييق من فكرة‬
‫النظام العام بأن قصرها على الجانب المادي فقط بدون جوانبه األدبية أو المعنوية‪ ،‬إال أن‬
‫نقطة التحول في قضاء هذا املجلس يتمثل في حكمه الصادر بتاريخ و‪ 18‬ديسمبر ‪1959‬في قضية‬
‫لوتيسيا )‪ .527(LUTETIA‬حيث تواترت أحكام املجلس المذكور على اإلقرار بالنظام العام‬
‫المعنوي أو األدبي‪ ،‬بشكل مستقل عن النظام العام المادي‪ ،‬بل توسع إلى أبعد الحدود في‬
‫تفسير فكرة اآلداب العامة نفسها حيث قض ى في قراره المؤرخ في ‪ 1995/10/27‬إلى أن كرامة‬
‫وشرف اإلنسان ‪.‬األدبي تشكل إحدى عناصر النظام العام‪528.‬‬

‫‪ -524‬سليماني هندون سلطات الضبط في اإلدارة الجزائرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪. 54،‬‬
‫‪ -525‬جلطي أعمر‪ ،‬األهداف الحديثة للضبط اإلداري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 18 ،‬و‪. 19‬‬
‫‪ -526‬حيث أقر مجلس الدولة الفرنسي لسلطة الضبط اإلداري أن تتدخل لمنع عرض الفيلم المذكور‪ ،‬رغم وجود إجازة‬
‫سابقة بعرضه صادرة عن هيئة الرقابة‪ ،‬وذلك متى ترتب على عرض الفيلم المذكور إخالل بالنظام العام بسبب صفته‬
‫الالخالقية والمقترنة مع الظروف المحلية بموقفها ‪.‬‬
‫‪ -527‬حبيب إبراهيم الدليمي‪ ،‬حدود سلطة الضبط اإلداري في الظروف العادية‪ ،‬دراسة مقارنة مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 96 ،‬و‬
‫‪97‬‬
‫‪ -528‬ظهير ‪ 01‬مارس ‪ 1963‬بمثابة قانون خاص بمتصرف و ازرة الداخلية‪ ،‬المادة ‪ 31‬منه ‪.‬‬

‫‪P 288‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫هذا وتجدر اإلشارة وبالعودة إلى بعض النصوص القانونية المتعلقة بالنظام العام في‬
‫القانون المغربي منذ سنة ‪ 1960‬التي نظمت مهام الشرطة اإلدارية ‪ ،‬استعملت تعابير مختلفة‬
‫عند الحديث عن العناصر المكونة للنظام العام من نص ألخر كتعبير الهدوء ‪ 529‬النظام العام‬
‫والصحة وذلك إلثارة نوع من الغموض بهدف ترك هامش واسع لإلدارة وحرية أكبر التخاذ القرار‬
‫المناسب وهي في ظرف يسمح لها بسلطة تقديرية هامة ‪.530‬‬

‫ثانيا ‪ :‬عناصر النظام العام‬

‫اتفق الفقه على العناصر التقليدية للنظام العام‪ ،‬غيران اتساع تدخل الدولة في‬
‫ميادين متعددة داخل املجتمع جعل الفقه اإلداري ينادي بعناصر أخرى بغية الحفاظ على‬
‫النظام العام وهو ما أكده القضاء اإلداري في عدة دول كفرنسا ومصر‪.‬‬

‫‪-3‬عناصر النظام العام بالمفهوم التقليدي‪:‬‬

‫على الرغم من اختالف الفقه في تحديد مفهوم النظام العام إال أن هذا لم يحل دون‬
‫تحديد عناصره‪ ،‬فقد اتفق الفقه على أن العناصر التقليدية للنظام العام ال يخرج عن‬
‫ثالثة عناصر وهي املحافظة على األمن العام‪ ،‬والصحة العام‪ ،‬والسكينة العامة‪ ،‬بغض النظر‬
‫عن النصوص القانونية‪.531‬‬

‫& في املحافظة على األمن العام‬

‫األمن يقابله الخوف‪ ،‬ويقصد باألمن العام أو السالمة العامة ‪ ،‬حماية المواطنين ضد‬
‫الجرائم واملخاطر والحوادث والكوارث التي يمكن أن تقع عليهم أو تهددهم في أنفسهم أو‬
‫أموالهم أو أعراضهم سواء كانت من فعل اإلنسان أو الحيوان أو من الطبيعة‪ ،‬من خالل هذا‬
‫التعريف نجد أن األمن العام يلقي على سلطات الضبط اإلداري واجب القيام ببعض المهام‬

‫‪ -529‬ظهير ‪ 1976/09/30‬المتعلق بالتنظيم الجماعي المادة ‪ 44‬من الفقرة األولى‪.‬‬


‫‪ -530‬عبد العزيز أشرقي‪ ،‬الشرطة اإلدارية الممارسون لها والنصوص القانونية والتنظيمية المتعلقة بها‪ ، ،‬م س‪ ،‬ص‬
‫‪57. -52‬‬
‫‪ -531‬بشر صالح العاوور‪ ،‬سلطات الضبط اإلداري في الظروف االستثنائية في التشريع الفلسطيني‪ ،‬م س‪ ،‬ص‪33،‬‬

‫‪P 289‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫من أجل تحقيق هدف الحفاظ على األمن العام منها ‪:‬منع المظاهرات والتجمعات التي تخل‬
‫باألمن‪ ،‬اتخاذ كافة اإلجراءات الالزمة لمنع وقوع الجرائم‪ ،‬تنظيم المرور في الشوارع ‪.532‬‬

‫& املحافظة على الصحة العامة‬

‫تحيل الصحة العامة على حماية المواطنين ضد األخطار التي تهدد صحتهم من األوبئة‬
‫وأخطار العدوى‪ ،‬واألخطار الناجمة عن غياب عام للصحة‪ ،‬والصحة العامة هي عنصر النظام‬
‫العام الذي يتميز بانعدام األمراض وتهديدها والذي يتطلب حالة صحية مرضية‪ ،‬ويتمخض عن‬
‫إجراءات تتعلق بصحة األشخاص والحيوانات وبمكافحة والوقاية من األوبئة والجائحات‬
‫الحيوانية ومر اقبة األطعمة المعروضة للبيع‪ ،‬ولحفظ الصحة العامة ووقايتها‪ ،‬يجب على‬
‫سلطات الشرطة اإلدارية أو الضبط اإلداري أن تقوم بوضع الشروط الصحية الالزمة لحماية‬
‫الجماعة كرعاية نظافة األماكن العامة‪ ،‬والطرق العامة والتزويد بالمياه النقية‪....‬الخ ‪533 .‬‬

‫&‪ -‬املحافظة على السكينة العامة أو الطمأنينة العامة‬

‫ويقصد بها املحافظة على حالة الهدوء والسكون ومنع الضوضاء التي تقلق الراحة‬
‫والناتجة عن إنسان أو أشياء أو حيوان أو عن أبواق السيارات‪ ،‬أو مضايقة الباعة المتجولين‬
‫في الشوارع وغيرها‪.534‬‬

‫ولهذا السبب تتدخل الهيئات اإلدارية التي تملك سلطات الشرطة اإلدارية لمنع أي‬
‫نشاط يضر أو يؤثر على السكينة العامة‪ ،‬أو منع أي نشاط من شأنه إلحاق األذى بالسكينة‬
‫العامة للمجتمع ‪.535‬‬

‫‪ -5‬األهداف الحديثة المعتبرة من مدلوالت النظام العام‬

‫‪ -532‬بشر صالح العاوور‪ ،‬سلطات الضبط اإلداري في الظروف االستثنائية في التشريع الفلسطيني‪ ،‬م س‪ ،‬ص‪.35 ،‬‬
‫‪ -533‬كريم ل حرش‪ ،‬القانون اإلداري المغربي‪ ،‬الجزء الثاني نشاط اإلدارة وامتيازاتها‪ ،‬الطبعة الثالثة مزيدة ومنقحة مطبعة‬
‫األمنية ‪ 2014‬الرباط ص ‪50‬‬
‫‪ -534‬عبد المجيد غنيم عقشان المطيري‪ ،‬سلطة الضبط اإلداري وتطبيقاتها في دولة الكويت ‪ ،‬قدمت هذه الدراسة‬
‫استكماال لمتطلبات الحصول على درجة الماجستير‪ ،‬قسم القانون العام‪ ،‬كلية الحقوق جامعة الشرق األوسط‪، 2011،‬‬
‫ص‪. 37،‬‬
‫‪ -535‬كريم لحرش‪ ،‬القانون اإلداري المغربي‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬نشاط اإلدارة وامتيازاتها‪ ،‬هم س‪ ،‬ص‪. 405 ،‬‬

‫‪P 290‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫كون فكرة النظام العام هي فكرة مرنة وال تقتصر على عناصر محددة‪ ،‬إضافة إلى‬
‫اتساع تدخل الدولة في ميادين متعددة داخل املجتمع‪ ،‬اتسعت فكرة النظام العام لتشمل‬
‫عناصر أخرى إضافية إذ لم تعد العناصر التقليدية كافية للحفاظ على النظام العام وحمايته‪،‬‬
‫بحيث أصبح لسلطة الضبط اإلداري أن تتدخل لحماية عناصر أخرى نادى بها الفقه اإلداري‬
‫وأكدتها أحكام القضاء اإلداري في عدة دول منها فرنسا ومصر‪.536‬‬

‫&‪ -‬حماية األخالق الحميدة واآلداب العامة ‪:‬‬

‫اتجه القضاء الفرنس ي حديثا إلى إدخال في وظائف الشرطة اإلدارية مقتضيات تهم‬
‫مجال األخالق الحميدة واآلداب العامة‪ ،‬بحيث أصبحت سلطات الضبط اإلداري تتدخل في‬
‫حالة انتهاك اآلداب العامة‪ ،‬غير أن القضاء الفرنس ي كان يرفض تدخل سلطة الضبط‬
‫لحماية األخالق العامة ما لم يكن لألخالق بها مظهر خارجي يهدد النظام المادي‪ ،‬أي أنه ال ينبغي‬
‫األخذ بعين االعتبار انتهاك اآلداب العامة إال إذا كان ذلك أن يؤدي إلى إحداث‬
‫اضطرابات مادية‪ ،‬وأن النظام المعنوي ال يكون محل التدخل الضبطي إال إذا كان مرتبطا‬
‫ارتباطا وثيقا بالنظام العام المادي‪.537‬‬

‫غير أن القضاء الفرنس ي قد أجاز في فترة الحقة لسلطات الضبط التدخل لحماية‬
‫القواعد األخالقية األساسية ولو لم يترتب على اإلخالل بهـ ـا تهديد باالضـ ـطراب المادي‪ ،‬وكان‬
‫ذلك في حكمه الشهير في قضية » ‪ «LUTETIA‬سنة ‪ 1959‬حيث اعترف مجلس الدولة في هذا‬
‫الحكم بسلطة العمدة في أن يحظر عرض أفالم سبق أن أجازتها هيئة الرقابة على األفالم ‪ ،‬إذ‬
‫كان من شأن عرضها ‪ ،‬بسبب طابعها الالاخالقي والظروف املحلية‪ ،‬أن يضر ذلك بالنظام العام‪،‬‬
‫وبعبارة أخرى‪ ،‬أن ال أخالقية الفيلم شكل دافعا صحيحا للمنع‪ ،‬ولكن يشترط أن تكون‬
‫مصحوبة بظروف محلية‪.538‬‬

‫‪ -536‬حبيب إبراهيم حمادة الدليمي‪ ،‬حدود سلطة الضبط اإلداري في الظروف العادية‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬م م‪ ،‬ص‪. 132،‬‬
‫‪ -537‬محمد البعدوي‪ ،‬الشرطة اإلدارية وإشكالية الموازنة بين الحفاظ على النظام العام وضمان الحريات‪ ،‬م س ص‪،‬‬
‫‪49‬و ‪50‬‬
‫‪ -538‬د ‪.‬محمد البعدوي‪ ،‬الشرطة اإلدارية ‪.‬وإشكالية الموازنة بين الحفاظ على النظام العام وضمان الحريات ‪ ،‬م س‪،‬‬
‫ص‪. 50-51،‬‬

‫‪P 291‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫وقد سار على خطاه القضاء المغربي إذ ذهب في نفس االتجاه وأخذ بمبدأ التوسع في ‪:‬‬
‫مفهوم النظام العام وأصدر بعض األحكام المؤيدة لهذا الموقف‪ ،‬حيث قرن بين األخالق‬
‫الحميدة والنظام العام منها على سبيل المثال‪ ،‬الحكم الصادر بتاريخ ‪ 22‬يونيو ‪ 1964‬في قضية‬
‫المدعو أحمد واكريم والحكم الصادر بتاريخ ‪ 19‬يونيو ‪ 1962‬في قضية حمو دافيدو أيضا‬
‫الحكم الصادر بتاريخ ‪ 17‬أكتوبر ‪ 1985‬والذي جاء فيه ما يلي" ‪:‬إن اإلدارة وان كان لها الحق في‬
‫منع بيع أي منشور إال أن ذلك يجب أن يكون مبررا قانونيا بمعنى أن يكون الهدف من ذلك‬
‫استعمال حق الرقابة للحفاظ على األخالق والنظام العام‪.539‬‬

‫‪-5‬املحافظة على رونق وجمالية البيئة الحضرية‬

‫يقصد بالنظام العام الجمالي للبيئة بأنه"االهتمام بجماليات الشوارع ومر افقها‬
‫وبهائها‪ ،‬بحيث تبعث الهدوء والراحة النفسية سواء بتجميل الشوارع أو وضع مواصفات معينة‬
‫في الميادين بحيث يأتي منظر المدينة والشوارع منسقا"‪540.‬‬

‫أو النظام الذي يهدف إلى حماية جمال الرونق والرواء للبيئة حفاظا على السكينة‬
‫النفسية لألفراد المقيمين في هذه البيئة‪.541‬‬

‫تعد المدينة تجمعا حضريا لعدد كبير من السكان على ارض واسعة نوعا ما لذا كان‬
‫البد من االهتمام بتنظيم المدينة والعمل على تجميلها مما يتو افق مع آراء فقهاء القانون‪ ،‬إذ‬
‫وضعوها ضمن األغراض غير التقليدية لسلطة الضبط اإلداري مما استدعى ضرورة اتخاذ‬
‫سلطات الضبط اإلداري إجراءات وتدابير بغية اإلبقاء على جمال المدينة المتمثل في تنسيق‬
‫أحيائها وشوارعها وأزقتها باستحضار مواصفات معينة للمباني السكنية والعمارات‪ ،‬والعمل‬
‫على زراعة الميادين وتقاطعات الطرق وحماية الميادين األثرية والتراثية وإشاعة أجواء من‬
‫النظافة والتنسيق مما تولد المتعة بجمال المدينة وبهائها‪ ،‬ألن هذا الجمال بدون االستفادة‬
‫من التطورالمعماري وتوفير السكينة واالرتياح النفس ي ال يكفي في حد ذاته ‪.‬‬

‫‪ -539‬عبد العزيز اشرفي‪ ،‬الشرطة اإلدارية‪ ،...‬م س ‪ ،‬ص ‪62.‬‬


‫‪ -540‬بشر صالح العاوور‪ ،‬سلطات الضبط اإلداري في الظروف االستثنائية في التشريع الفلسطيني‪ ،‬م س‪ ،‬ص‪43،‬‬
‫‪ -541‬حسام مرسي‪ ،‬سلطة اإلدارة في مجال الضبط اإلداري‪ ،‬دراسة مقارنة في القانون الوضعي والفقه اإلسالمي‪ ،‬م‬
‫س‪ ،‬ص‪160 ،‬‬

‫‪P 292‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫ومن الصور األساسية لجمال المدن وروائها ‪:‬‬

‫‪-3‬ترميم المباني القديمة وتشييد العمارات ونظافة البيئة وتنظيم لوحات‬


‫الدعاية واإلعالن في المدينة ‪.‬‬

‫‪ -5‬تشجير المدينة وتزيينها واالهتمام بحدائقها ‪.‬‬

‫فهنا تبرز المسؤولية المباشرة لإلدارة التي تناط بها واجبات حماية المواطن‬
‫الذي يتذوق جمال مدينة ويعمل جاهدا على سالمتها واملحافظة عليها بكل غال ونفيس‪.542‬‬

‫لقد كان مجلس الدولة الفرنس ي في أول األمر ال يعترف بحق سلطات الضبط اإلداري في‬
‫حماية الرونق والرواء و أيد هذا االتجاه بعد ذلك ‪ ،‬في حكمه الصادر بتاريخ ‪ 1946‬عندما اقر‬
‫بمشروعية قرار يحذر توزيع منشورات على المارة في الشوارع العمومية خشية إلقائها في‬
‫الطرقات بعد قراءتها مما يشوب رونقها ويخل بجمال منظرها‪ ،543‬إذ أشار الحكم صراحة إلى‬
‫حق سلطة الشرطة اإلدارية في اتخاذ اإلجراءات التي تتطلبها ضرورة املحافظة على النظام‬
‫والصحة العامة والسكينة وجمال الرونق على انه اشترط لذلك أن يصل مستوى المساس‬
‫بجمال الرونق درجة من الخطورة وأن يكون من شأنه إثارة اضطرابات داخلية‪.‬‬

‫امتداد النظام العام للمجال االقتصادي ‪:‬‬

‫إذا كانت الدولة في عصرنا وجدت نفسها مضطرة تحت الظروف االقتصادية‬
‫واالجتماعية إلى التدخل في أوجه النشاط االقتصادي من أجل تحقيق الصالح العام لألفراد‬
‫فإن اتساع فكرة النظام العام تكون في حدود وضوابط معينة‪ ،‬أي أن النظام العام االقتصادي‬
‫ال يقوم إال على أساس النصوص التشريعية أو التنظيمية‪ ،‬لكون سلطة الشرطة اإلدارية أو‬
‫الضبط اإلداري ال تملك سلطة التدخل في حرية التجارة والصناعة إال لتحقيق بعض المصالح‬

‫‪ -542‬عدنان الزنكة‪ ،‬سلطة الضبط اإلداري في المحافظة على جمال المدن وروائها‪ ،‬م ‪.‬س‪ ،‬ص‪57،‬‬
‫‪ -543‬د ‪.‬عبد العزيز أشرقية الشرطة اإلدارية الممارسون لها والنصوص القانونية والتنظيمية المتعلقة بها‪ ،‬م ‪.‬س‪ ،‬ص‪،‬‬
‫‪.24‬‬

‫‪P 293‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫االقتصادية األساسية التي تهم النظام العام كما في مجال المواد األساسية ومنع االرتفاع‬
‫الوهمي لألسعار وخاصة في أوقات األزمات ‪.544‬‬

‫وقد استقرت أحكام القضاء اإلداري على االعتراف لسلطة الضبط اإلداري وضمن‬
‫حدود معينة من التدخل لحماية النظام العام االقتصادي إذ قض ى مجلس الدولة الفرنس ي‬
‫بقراره المؤرخ ‪ 22‬ديسمبر ‪ 1949‬بأن املحافظ يستطيع أن ينظم فتح مخازن الخبز وأن يحضر‬
‫نقله إلى المنازل في نطاق السياسية العامة للتغذية وأن العمدة يملك لحماية مصالح‬
‫المستهلكين أن يفرض التدابير المالئمة لمنع نقص المواد األولية وكذا االرتفاع الوهمي‬
‫لألسعار‪.545‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬خصائص النظام العام‬

‫يعتبر النظام العام من أهم المكونات األساسية المعبرة عن النظام القانوني لدولة ما‪،‬‬
‫فهو ال يقتصر على ميادين خاصة من ميادين التنظيم القانوني و إنما يمتد إلى جميع املجاالت‬
‫التي تتطلب استتباب األمن والنظام في املجتمع‪ ،‬وبذلك فإن فكرة النظام العام تشمل نطاق كل‬
‫من القانون العام والخاص وتشكل فكرة مشتركة لجميع فروع القانون‪ ،‬فهي واحدة في كافة‬
‫النظم القانونية لما تتميز به من خصائص مهمة يمكن توضيحها فيما يلي‪:‬‬

‫أوال ‪:‬قيام النظام العام على أساس قواعد قانونية آمرة‬

‫يشمل النظام العام مجموعة من القواعد والنظم التي لها من األهمية االجتماعية ما‬
‫ال يمكن تجنب تطبيقها‪ ،‬نظرا ألنها تستهدف املحافظة على القيم التي ال غنى عنها للنظام‬
‫االجتماعي‪ ،‬فذهب البعض إلى أن" النظام العام بوصفه انعكاسا للجو القانوني للدولة يقوم‬
‫على أسس نظم معينة وقواعد معينة متأصلة في السلوك التقليدي للمواطنين بحيث أن أي‬
‫مساس بما يمكن أن يمثل إخالال بالنظام العام‪ ،‬لذلك نجد أن هذا األخير يتجه إلى ضبط نشاط‬
‫األفراد وتصرفاتهم اجتماعيا‪ ،546‬من خالل رسم ضوابط السلوك االجتماعي التي ال يجوز لهم‬
‫انتهاكها وذلك ما يؤكد حتما أن ثمة قيما وأوضاعا تسمو على القيم أو القواعد التي تنظم‬

‫‪ -544‬حبيب إبراهيم حمادة الدليمي‪ ،‬حدود سلطة الضبط اإلداري في الظروف العادية‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫ص‪413‬‬
‫‪ -545‬كريم لحرش‪ ،‬القانون اإلداري المغربي‪ ،‬الجزء الثاني نشاط اإلدارة وامتيازاتها مرجع سابق‪ ،‬ص‪408. ،‬‬
‫‪ -546‬سليماني هندون‪ ،‬سلطات الضبط في اإلدارة الجزائرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪56-57،‬‬

‫‪P 294‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫العالقات الفردية وبالتالي يجب املحافظة عليها واحترامها‪ ، 547‬وترتيبا على ما تقدم نجد أن ما‬
‫يضفي على فكرة النظام العام صفتها اآلمرة هو أنها تصنع حلوال للمنازعات في اتجاه الحفاظ‬
‫على كيان املجتمع‪ ،‬وذلك عن طريق المالئمة بين اإلرادة الفردية والمصلحة االجتماعية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬النظام العام ليس من صنع المشرع وحده‬

‫يقوم المشرع بدور هام في التعبير عن النظام العام وتطوره ورغم ذلك فإنه ال يستطيع‬
‫أن يفرض النظام العام الذي يريده بالقوة‪ ،‬ذلك أن النظام العام ليس نتاج النصوص‬
‫بضفة مطلقة و إنما هو التعبير عن فكرة اجتماعية فالوسيط االجتماعي والسياس ي الفلسفي‬
‫وحالة اآلداب السائدة في لحظة معينة هي التي تكون المصدر المباشر للنظام العام‪ ،‬لذلك‬
‫كانت للتقاليد واألعراف املحلية قيمتها الكبرى في تكوين النظام العام ‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬النظام العام فكرة مرنة ومتطورة ومتغيرة باستمرار‬

‫النظام العام فكرة مرنة ومتطورة تبعا لتطور القانون ذاته مع مقتضيات التطور‬
‫االجتماعي‪.548‬‬

‫وهذا ما يبرر استبعاد حصر النظام العام في النصوص القانونية‪ ،‬فكل ما يستطيع‬
‫المشرع فعله هو تركه للقضاء والفقه أمر تحديد التصرفات التي تعد مناهضة للنظام العام‬
‫لهذا فإنه من الصعوبة حصر عناصر النظام العام بشكل محدد ألن التحديد وإن كان صحيحا‬
‫بالنسبة لفترة معينة‪ ،‬إال أنه يخضع لتطور مستمر‪.549‬‬

‫رابعا‪ :‬ارتباط فكرة النظام العام بنطاق التفسير القضائي ‪.‬‬

‫إن القاض ي بحكم وظيفته القضائية هو الجهة التي تستطيع أن تحدد مضمون النظام‬
‫العام بمناسبة نظره في المنازعات المعروضة عليه ‪ ،‬وذلك بناء على ما يستلهمه من‬
‫مضمون تصوري يستمده من و اقع الخصومة‪ ،‬فهو هنا يحس أو يتصور المضمون وال يضمن‬
‫في حكمه تعريفا مجردا لهذه الفكرة بقدر ما يتصور مضمونها بمناسبة الخصومة التي يتطلب‬

‫‪ -547‬محمد البدوي‪ ،‬الشرطة اإلدارية وإشكالية الموازنة بين الحفاظ على النظام العام وضمان الحريات‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫ص‪57-58. ،‬‬
‫‪ -548‬سليماني هندون‪ ،‬سلطات الضبط اإلداري في اإلدارة الجزائرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪58،‬‬
‫‪ -549‬جلطي أعمر‪ ،‬األهداف الحديثة للضبط اإلداري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪39،‬‬

‫‪P 295‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫ال منه الحسم بالفصل فيها وفق التفسير المالئم لروح عصره ففي هذا اإلطار المرن‬
‫يكون القاض ي بمثابة مشرع يتقيد بآداب عصره ونظم مجتمعه ومصالحة العامة‪. 550‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬أنواع الضبط اإلداري‬

‫الضبط اإلداري قد يكون عاما وقد يكون خاصا‪ ،‬فالشرطة اإلدارية العامة هي‬
‫مجموعة األنشطة اإلدارية التي يكون موضوعها سن قواعد عامة و اتخاذ التدابير الفردية‬
‫الضرورية والحفاظ على النظام العام بمفهومه الواسع‪.‬‬

‫والضبط اإلداري العام من حيث األشخاص المعهود إليهم بمزاولته ينقسم إلى ضبط‬
‫وطني‪ ،‬والمقصود به السلطات الممارسة للشرطة اإلدارية على التراب الوطني برمته ويمارسه‬
‫بكيفية أساسية الوزير األول (رئيس الحكومة حاليا)‪ ،‬والضبط اإلداري املحلي أي مجموعة‬
‫السلطات املحلية الممارسة للشرطة على جزء محدود ومعين من إقليم الدولة كالجهة واإلقليم‬
‫والعمالة والجماعة وتدخل في اختصاص عامل الجهة بالنسبة‪ 551‬للجهات وعامل اإلقليم‬
‫وبالنسبة لألقاليم ويتقاسمه القائد والباشا ورئيس الجماعة الحضرية أو القروية بالنسبة‬
‫للجماعة ‪.‬‬

‫والضبط اإلداري الخاص مقارنة مع الضبط اإلداري العام يتميز بمجموعة‬


‫من الخصائص ‪:‬‬

‫‪ +‬وجود نص يحدد موضوعه بدقة ووضوح ‪.‬‬

‫‪+‬الوسائل المستعملة من قبل الشرطة اإلدارية محددة على سبيل الحصر‪ ،‬تتميز‬
‫بالتدقيق والصرامة‪.‬‬

‫‪+‬العقوبات المطبقة في حالة الضبط اإلداري الخاص منصوص عليه على سبيل‬
‫الحصر وال يمكن إخضاعها لتفسيرات واسعة ‪.‬‬

‫‪ -550‬محمد البعدوي‪ ،‬الشرطة اإلدارية و إشكالية الموازنة بين الحفاظ على النظام العام وضمان الحريات‪ ،‬م ‪ ،‬ص‪59 ،‬‬
‫و‪.20‬‬
‫‪ -551‬محمد البعدوي‪ ،‬الشرطة اإلدارية و إشكالية الموازنة بين الحفاظ على النظام العام وضمان الحريات‪ ،‬م ‪ ،‬ص‪59 ،‬‬
‫و‪20‬‬

‫‪P 296‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫ورغم أن هدف الشرطة اإلدارية بصفة عامة واضحا وهو الحفاظ على النظام العام‬
‫في مفهومه الواسع‪ ،‬وفي إطار التمييز بينهما اجتهد الفقه في تقديم عدة معايير إال أنه ال يوجد‬
‫ثمة اتفاق على معيار معين‪ ،‬لكن يمكن إجمال المعايير التي تم االتفاق عليها فيما يلي ‪:‬‬

‫أوال‪ :‬المعيار العضوي أو القائم على أساس المعيار الموضوعي‬

‫ويتزعم هذا الرأي األستاذ العميد ‪ VEDEL‬حيث يرى أن معيارالتمييز يكون على أساس‬
‫الشخص القائم بسلطة الضبط اإلداري والذي إما أن يمنح سلطة ضبط إداري عام أو سلطة‬
‫ضبط إداري خاص‪.552‬‬

‫غير أن هذا المعيار يبدو أنه غير مقنع وذلك لما ينطوي عليه من عامل ازدواجية‬
‫ممارسة الشرطة اإلدارية مما ال يضفي على معيار العضو بأي صفة مميزة بين الشرطتين‪. 553‬‬

‫ثانيا‪ :‬التمييز على أساس المعيار الترابي‬

‫يعتمد هذا المعيار على منطقة ترابية‪ ،‬أو جغر افية كأساس لتطبيق أو اتخاذ تدبير‬
‫من تدابير الشرطة من طرف إدارة معينة‪ ،‬إال أن هذا المعيار القائم على االعتبار الترابي قد ال‬
‫يفيد هو األخر للتمييز بين الشرطتين وذلك نظرا لتداخل االختصاصات بعضها ببعض فإذا كان‬
‫يؤخذ به في مجال ممارسة الشرطة اإلدارية العامة وتحديدا تلك التي تمارس من طرف السلطة‬
‫المركزية على الصعيد الوطني وعلى مستوى التراب الوطني فإنها تمارس كذلك على الصعيد‬
‫املحلي من قبل رئيس املجلس الجماعي أو السلطة املحلية في نطاق وحدة ترابية محددة‪554 .‬‬

‫ثالثا‪ :‬التمييز على أساس الغاية أو الهدف‬

‫ويتزعم هذا الرأي العميد ‪ AUBY‬حيث يميز بين الضبط اإلداري العام عن طريق الهدف‬
‫الذي يسعى إليه نشاط الضبط فإذا كان النشاط يهدف إلى حماية النظام العام فإن الجزاء‬

‫‪ -552‬سليماني هندون‪ ،‬سلطات الضبط في اإلدارة الجزائرية‪ ،‬م س ‪ ،‬ص‪.32 ،‬‬


‫‪ -553‬محمد البعدوي‪ ،‬الشرطة اإلدارية و إشكالية الموازنة بين الحفاظ على النظام العام وضمان الحريات‪ ،‬م س ‪ ،‬ص‪،‬‬
‫‪64.‬‬
‫‪ -554‬محمد البعدوي‪ ،‬الشرطة اإلدارية وإشكالية الموازنة بين الحفاظ على النظام العام وضمان الحريات‪ ،‬م س ‪ ،‬ص‪،‬‬
‫‪65‬‬

‫‪P 297‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫المتخذ هو إجراء ضبط إداري عام‪ ،‬أما إذا كان النشاط محدد يهدف معين وتشريع سابق كان‬
‫الضبط خاصا مثل الضبط الخاص بأماكن الصيد والضبط الخاص بالسكك الحديدية‪555 .‬‬

‫رابعا‪ :‬معيار األساليب المستخدمة‬

‫ويتمثل هذا المعيار في أن الضبط اإلداري الخاص يتميز عن الضبط اإلداري‬


‫العام باستناده إلى أساليب خاصة في ممارسة نشاطه‪ ،‬بل إن أصحاب هذا المعيار يرون أن‬
‫تدخل الضبط اإلداري الخاص في مجاالت أخرى تغاير مجال نشاط الضبط اإلداري العام أو‬
‫تبغي أهدافا أخرى غير األمن والصحة والسكينة ليس في الو اقع إال اختالفا في األسلوب الذي‬
‫يتميز به الضبط اإلداري الخاص‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬المعيار التوفيقي‬

‫إزاء هذه التشتت‪ ،‬الفقهي ذهب رأي إلى األخذ بمعيار توفيقي أو مختلط يتكون من‬
‫مزيج من معايير مختلفة‪ ،‬ويتم على أساسه تعريف الضبط اإلداري الخاص وتمييزه بالتالي عن‬
‫الضبط اإلداري العام‪ ،‬خاصة عند حدوث ازدواج أو تداخل في االختصاص بين كل من هيئات‬
‫الضبط اإلداري العام والضبط اإلداري الخاص ويثور التساؤل عن كيفية معالجة هذا األمر‪،‬‬
‫ويمكن القول بأنه يجب التمييز في هذا الصدد بين حالتين ‪:‬‬

‫الحالة األولى ‪:‬أن يمنح المشرع صراحة سلطات الضبط اإلداري العام من التدخل في‬
‫اختصاص الضبط اإلداري الخاص‪ ،‬ومثال ذلك تنظيم المشرع الفرنس ي لضبط السكك‬
‫الحديدية بنصوص مفصلة تواجه كل ما يعرض النظام العام في مناطق السكك الحديدية‬
‫للخطر وتعهد بها إلى هيئات الضبط اإلداري الخاص ‪.‬‬

‫الحالة الثانية ‪:‬أن يرد كل من الضبط العام والضبط الخاص على أوجه من النشاط ال‬
‫يهتم بها األخر أو الن ما يعالجه الضبط الخاص ال يغطي كافة النواحي التي يستهدفها الضبط‬
‫العام ‪ ،‬وهنا يمكن للضبط اإلداري العام أن يتدخل ليكمل الضبط اإلداري الخاص‪ ،‬غير أن‬
‫هذا التداخل يجب أن يكون له ما يبرره من ظروف الزمان والمكان‪ ،‬مثال ذلك أن تحظر سلطة‬
‫الضبط اإلداري العام في بلدة ما عرض فيلم سينمائي أجازته سلطة الضبط الخاص بالرقابة‬

‫‪ -555‬سليمان هندون‪ ،‬سلطات الضبط في اإلدارة الجزائرية‪ ،‬م‪.‬س‪ .‬ص ‪88‬‬

‫‪P 298‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫على المصنفات الفنية التي يمتد اختصاصها ليشمل كل إقليم الدولة‪ ،‬وذلك الحتواء الفيلم‬
‫على السخرية من أبناء البلدة لكونها مقرا الماكن عبادة‪.‬‬

‫الئحة المراجع‪:‬‬

‫عدنان الزنكة‪ ،‬سلطة الضبط اإلداري في املحافظة على جمال المدن وروائها منشورات‬
‫الحلبي الحقوقية بيروت لبنان‪ ،‬طبعة أولى‪. 2011،‬‬

‫عبد القادر باينة‪ ،‬أشكال النشاط اإلداري منشورات زاوية للفن والثقافة‪ ،‬طبعة ‪. 2006‬‬

‫حبيب إبراهيم حمادة الدليمي‪ ،‬حدود سلطة الضبط اإلداري في الظروف العادية ‪،‬‬
‫دراسة مقارنة‪.‬‬

‫حبيب إبراهيم حمادة الدليمي‪ ،‬حدود سلطة الضبط اإلداري في الظروف العادية ‪،‬‬
‫دراسة مقارنة‪.‬‬

‫بن ساس ي بن الزين‪ ،‬عناصر الضبط اإلداري‪ ،‬مذكرة مقدمة الستكمال متطلبات‬
‫شهادة ليسانس أكاديمي‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية التخصص قانون العام‪،‬جامعة‬
‫قاصدي مرباح‪،‬الجزائر‪،‬السنة الجامعية‪. 2014/2013 ،‬‬

‫دايم عبد السالم‪ ،‬النظام العام الوضعي والشرعي وحماية البيئة ‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة‬
‫دكتوراه دولة في القانون العام‪ ،‬جامعة أبي بكر بلقايد ‪ ،‬تلمسان كلية الحقوق الجزائر‬
‫السنة‪. 2004/2003‬‬

‫حسن صحيب‪ ،‬تطور دعوى التعويض اإلدارية في القضاء اإلداري المغربي‪ ،‬املجلة‬
‫المغربية لإلدارة في القضاء اإلداري المغربي‪ ،‬املجلة المغربية لإلدارة املحلية والتنمية‪،‬‬
‫‪REMARD‬‬

‫حسام مرس ي‪ ،‬سلطة اإلدارة في مجال الضبط اإلداري‪ ،‬دراسة مقارنة في القانون‬
‫الوضعي و الفقه اإلسالمي‪ ،‬توزيع منشأة المعرف باإلسكندرية مصر‪. 2010‬‬

‫أحمد أجعون‪ ،‬النشاط اإلداري وظائف اإلدارة وسائل اإلدارة‪ .‬مطبعة سجلماسة‬
‫مكناس طبعة‪. 2016/2015 ،‬‬

‫‪P 299‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫مليكة الصروخ‪ ،‬القانون اإلداري دراسة مقارنة التنظيم اإلداري‪ ،‬النشاط اإلداري‬
‫أسلوب اإلدارة وامتيازاتها رقابة القضاء على أعمال اإلدارة‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة ‪-‬الدار‬
‫البيضاء‪ ،‬الطبعة السابعة‪. 1431-2010‬‬

‫عبد العزيز أشرقي‪ ،‬الشرطة اإلدارية الممارسون له‪ ،‬والنصوص القانونية والتنظيمية‬
‫المتعلقة بها‪ ،‬توزيع الشركة المغربية لتوزيع الكتاب الدار البيضاء الطبعة األولى‪: 2006/1427‬‬

‫محمد األعرج‪ ،‬المنازعات اإلدارية والدستورية في تطبيقات القضاء المغربي‪ ،‬املجلة‬


‫المغربية لإلدارة املحلية والتنمية‪ ،‬سلسلة مواضيع الساعة‪ ،‬العدد ‪ 83‬سنة‪. 201‬‬

‫أمل المرشدي‪ ،‬تفاصيل قانونية حول سلطات الشرطة اإلدارية الجماعية مقال‬
‫منشور على الموقع االلكتروني‪ 2022-10-06‬تاريخ المشاهدة‪www.Mohamad.net/law: .‬‬

‫‪P 300‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫–‬

‫البعد البيئي ضامن أدوات التهيئة باملغرب‬


‫على ضوء التجارب املقارنة‬
‫‪The environmental dimension within the tools of preparation in Morocco in the‬‬
‫‪light of comparative experiences‬‬
‫مقدمة‪:‬‬

‫يعد املجال ذلك االطار الجغرافي الدي يجسد عالقة الدولة بمحيطها‪ ،‬ومختبرفلسفتها‬
‫في تدبير أقاليمها ووحداتها الترابية عبر آلية التخطيط كمفهوم سياس ي و اقتصادي واجتماعي‬
‫وبيئي منبني على فلسفة شمولية وطنية ‪ ،‬بهدف رصد اإلمكانات الراهنة والحاجيات المستقبلية‬
‫على المدى القريب والمتوسط والبعيد‪.‬‬

‫فاإلعتناء باملجال سواء كان عفويا أوموجها هوالذي دفع بالسلطات العمومية من أجل‬
‫مواجهة مشاكله واكراهاته الى تأسيس وسائل عمل منهجية عبر اعتماد مخططات ووثائق‬
‫توقعية‪ ،‬هدفها التخطيط القبلي لتنمية املجال والبحث عن سبل تحقيق التوازن بين مختلف‬
‫أجزاءه وتنظيم المد الحضري‪556.‬‬

‫وال شك ان تدهور االطار البيئي كان نتيجة التحوالت المتسارعة التي تشهدها األوساط‬
‫الحضرية بفعل ارتفاع وثيرة النزوح القروي وتفش ي مظاهر التهميش الحضري وبروز حركة‬
‫صناعية غير منظمة‪557.‬‬

‫‪ - 556‬المصطفى معمر‪ ،‬أحمد أجعون‪ " :‬اعداد التراب الوطني والتعمير"‪ ،‬الطبعة االولى ‪ ،‬المجموعة البيداغوجية لوحدة تدبير المجال‪،‬‬
‫مكناس ‪ ،‬سنة ‪ 4044-4040‬الصفحة ‪14‬‬
‫‪ - 557‬أحمد مالكي ‪ ،‬سعيد البولماني ‪ " :‬ادارة التعمير واكراهات الواقع"‪ ،‬المجلة المغربية لالدارة المحلية والتنمية ‪ ،‬شتنبر‪-‬دجنبر‪ ،‬عدد‬
‫‪ ،11-12‬سنة ‪ ،4001‬الصفحة ‪152-55‬‬

‫‪P 301‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫وفي هذا الصدد فان التنمية بمختلف تجلياتها و أبعادها االقتصادية واالجتماعية‬
‫والثقافية لم تعد تقاس بمدى خلق الرفاه المادي واشباع الحاجيات الضرورية للمواطنين‬
‫فقط‪ ،‬بل صارت تدمج البعد البيئي كمكون هام لتحقيق تنمية مستديمة قوامها بيئة سليمة‬
‫لالفراد باعتبارها الجيل الثالث من حقوق االنسان‪.‬‬

‫وتشكل وثائق التعمير أدوات اساسية لتجسيد االنشغال البيئي في السياسة العمرانية‬
‫من خالل رصد التصورالعمراني الحالي و التصدي ملختلف املخاطرالبيئية المطروحة‪.‬‬

‫من هذا المنطلق تتمحور اشكالية هذه الورقة حول المكانة التي تحتلها البيئة ضمن‬
‫مخططات التعميربالمغرب؟‬

‫فالمغرب على غرار باقي دول العالم أصبح يهتدي الى ضرورة بذل الجهود‬
‫التنموية باملجال الترابي سواء املجال القروي أو الحضري‪ ،‬وذلك من خالل التفكير في اليات‬
‫قادرة على ضبط و تنمية الحواضرببالدنا‪.‬‬

‫وتعتبر أدوات التعمير أحد الوسائل األساسية التي تعمل على الموازنة بين متطلبات‬
‫التطور الذي يشهده املجال والتصدي للمخاطر التي تلحق بالبيئة كموروث وحق من حقوق‬
‫اإلنسان‪.‬‬

‫وقد تم اإلعتماد على قوانين التعميركالية من اليات تدخل الدولة لتنظيم املجال وذلك‬
‫بالتخطيط القبلي غايته رصد الو اقع واستشراف المستقبل بهدف ضبط املجال من جهة‬
‫واملحافظة على البيئة من جهة أخرى‪.‬‬

‫وباالطالع على قوانين التعمير خاصة قانون ‪ 08.35‬و النصوص الخاصة المرتبطة‬
‫بالماء والهواء والتطهير وتدبير النفايات ودراسة التأثير على البيئة وغيرها يتبين أن الجوانب‬
‫البيئية غالبا ما يلتفت اليها في مجال التخطيط الحضري‪.‬‬

‫وسنتاول في هذا الصدد نقتطتين نبرز فيهما أهمية البيئة في وثائق التعميرذات الطابع‬
‫التوجيهي (أوال) في حين سنتطرق لوثائق التعميرذات الطابع النافذ (ثانيا)‪.‬‬

‫‪P 302‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫أوال ‪ :‬البيئة ضمن وثائق التعميرذات الطابع التوجيهي‬

‫حدد قانون ‪ 08.35‬وثيقة التعمير التقديري في وثيقة وحيدة وهي مخطط توجيه التهيئة‬
‫العمرانية‪ ،‬التي تعد وثيقة توقعية توجيهية غايتها إقامة التوجيهات األساسية في مجال تنظيم‬
‫التجمعات العمرانية‪ ،‬وتحديد متطلبات التوسع العمراني وما تستلزمه ممارسة األنشطة‬
‫االقتصادية واملحافظة على تجانس المنظر العام داخل هذه التجمعات‪558.‬‬

‫فاملخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية يتمييز بتعليمات وقرارات عامة على المدى‬
‫المتوسط والبعيد ‪ ،‬تجعله أداة لتشجيع التنمية والحفاظ على المكون البيئي كحق أساس ي‬
‫يضمن العيش الكريم للجميع‪.‬‬

‫وبالرجوع الى المادة ‪ 5‬من القانون رقم ‪ 08.35‬نجدها أغفلت التنصيص بشكل صريح‬
‫على المكون البيئي في عملية التنظيم املجالي عندما نص المشرع على أن املخطط يتولى دراسة‬
‫الرقعة األرضية المراد تنميتها بسبب الترابط القائم بين مكوناتها في املجاالت االقتصادية‬
‫والتجارية واالجتماعية مهمال بذلك مكونا هاما في هذا الترابط هو المكون البيئي‪.‬‬

‫وبالرغم من أن قانون ‪ 08.35‬أشار في المادة ‪ 2‬إشارة بسيطة الى البيئة ضمن أهداف‬
‫املخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية ‪ ،‬فان الو اقع العملي ينم عن غياب ان لم نقل انعدام ارادة‬
‫سياسية في تفعيل هذه االهداف على الو اقع المعاش‪.‬‬

‫ولتأكيد ذلك فالتخطيط بوجه عام له أبعاد متعددة يتصدرها البعد البيئي من حيث‬
‫األهمية ضمن أبعاد التخطيط الحضري نظرا التسامه بمجموعة من الخصائص الطبيعية‬
‫للموقع والتي تلعب دورا أساسيا في تخطيط وتصميم األبنية و اتخاذ التدابير الالزمة لتوفير بيئة‬
‫سليمة لسكن اإلنسان‪ ،‬وذلك عبر مراعاة مجموعة من العوامل ‪ :‬كعامل األرض من الناحية‬
‫الطبوغر افية وكذا العمليات الجيومورفولوجية السائدة في المنطقة المقترحة لتوسيع‬

‫‪ - 558‬المصطفى معمر ‪ ،‬أحمد أجعون ‪ " :‬إعداد التراب الوطني والتعمير"‪،‬الطبعة األولى ‪،‬المجموعة البيداغوجية لوحدة‬
‫تدبير المجال‪ ،‬مكناس‪ ،‬سنة ‪ ،2011-2010‬ص ‪.145 :‬‬

‫‪P 303‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫المدينة والمتوقعة الحدوث مستقبال و أثارها على العمران ونوعية التربة في المنطقة وتحديد‬
‫مدى صالحيتها للعمران ‪ ،‬ومعرفة قوة تحملها وتركيبها الكيميائي ‪،‬وطبيعة المناخ السائد‪559....‬‬

‫وللوقوف أكثر على الوضعية البيئية ببالدنا من خالل التقارير الرسمية خصوصا تقرير‬
‫املجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي لسنة ‪ 5830‬بعنوان "انجاح العبور نحو المدن‬
‫المستدامة " نجد أرقام مقلقة للوضعية االنية التي نعيشها فعلى سبيل المثال بالنسبة لمدينة‬
‫الدارالبيضاء‪:‬‬

‫ثاني‬ ‫غاز‬ ‫الجسيمات‬ ‫ثاني‬ ‫ثاني‬ ‫الغازات‬


‫االوزون ‪ O3‬أكسيد‬ ‫الدقيقة ‪PM10‬‬ ‫أكسيد‬ ‫اكسيد‬
‫الكربون‬ ‫النتروجين‬ ‫الكبريت‬

‫تتجاوز‬ ‫نسبة الميكوغرام تجاوز القيمة تجاوز لحماية تجاوزت قيمتها معيار تجاوز القيمة لم‬
‫القيمة‬ ‫‪ 18‬الحماية الصحية ‪ 08‬القصوى‬ ‫النباتات‬ ‫القصوى‬ ‫في المترمكعب‬
‫القصوى‬ ‫في ميكوغرام في المتر المتعلقة‬ ‫لحماية النظم ميكوغرام‬
‫بحماية الصحة للحماية‬ ‫مكعب‬ ‫االيكولوجية ‪ 58‬المترمكعب‬
‫‪ 338‬ميكوغرام الصحية ‪38‬‬ ‫في‬ ‫ميكوغرام‬
‫ميكوغرام في‬ ‫في المترمكعب‬ ‫مكعب‬ ‫المتر‬
‫المترمكعب‬ ‫بالنسبة لمدينة‬
‫الدارالبيضاء‬

‫‪ ‬تركيب شخص ي بناء على معلومات مستقاة من مديرية االرصاد الجوية الوطنية‬
‫(مكتب شبكة مر اقبة نوعية الهواء لسنة ‪ 5831‬أشاراليه تقريراملجلس االقتصادي‬
‫واالجتماعي والبيئي لسنة ‪ 5830‬بعنوان انجاح العبور نحو المدن المستدامة‬
‫الصفحة ‪.)331‬‬

‫‪ -‬نبيل الريمي ‪ " :‬البعد البيئي في ميدان التعمير بالمغرب " أطروحة لنيل الدكتوراه ‪ ،‬مركز دراس ا ااات الدكتوراه الاانون الماارن ‪،‬‬ ‫‪559‬‬

‫االقتص ا ا اااد الت طبياي والتنمية المس ا ا ااتدامة‪ ،‬لدويو الدكتوراه ‪ :‬الاانون العاو والعيوو الس ا ا ااياس ا ا ااية‪ ،‬يامعة مومد ال ام ‪ ،‬كيية العيوو‬
‫الاانونية واالقتصادية وااليتماعية بسال‪ ،‬السنة ‪.2316-2315‬ص ‪.76‬‬

‫‪P 304‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫هذا باالضافة لمعدل طرح النفايات الخاضعة للمر اقبة فبالنسبة للحموالت المنزلية‬
‫الناتجة عن النفايات السائلة نجد ‪ 288.888‬طن من المواد القابلة للتأكسد أما بالنسبة للمياه‬
‫العادمة المنتشرة في الوسط الطبيعي نجد ‪ 032‬مليون مترمكعب ‪ 08‬متر فقط يتم تصريفها في‬
‫املجال المائي العمومي زد على ذلك نسبة المعالجة للمياه العادمة في الوسط الحضري التتجاوز‬
‫‪ %18‬و نسبة معالجة النفايات السائلة التتجاوز ‪ 203‬مليون متر مكعب في السنة أي أنها تقل‬
‫بكثير عن ‪ %08‬ناهيك عن نسبة معالجة النفايات الصلبة التي التتجاوز ‪ 58‬بالمائة وذلك راجع‬
‫لعدم توفر خدمات تجميع النفايات بالمقارنة مع حجم النفايات وحجم الساكنة المتزايدة‬
‫بالمدن‪.‬‬

‫وعلى غرارالتجارب المقارنة نجد التجربة االلمانية في مجال معالجة النفايات نهجت ما‬
‫يسمى باالقتصاد الدائري‪ ،560‬وهو نظام يعتمد على إدارة النفايات و الحفاظ على الموارد‬
‫الطبيعية و حماية األفراد و البيئة أثناء اإلنتاج‪.‬‬

‫فاالقتصاد الدائري المعمول به منذ ‪ 1‬يونيو ‪ 2112‬جعل ألمانيا محورا اقتصاديا‬


‫متطورا وقويا‪ ،‬فأكثر من ‪ 211.111‬موظف في حوالي ‪ 11.111‬شركة يحققون مبيعات تصل إلى‬
‫‪ 01‬مليار يورو سنويا‪ ،‬أضف إلى ذلك ‪ 15511‬مصنع للتخلص من النفايات‪ ،‬أما فيما يخص‬
‫النفايات التي ال يمكن إعادة تدويرها يتم معالجتها ميكانيكيا أو بيولوجيا أو حرقا‪ .‬فقد عملت‬
‫الدولة األلمانية على خلق مصانع و محطات حريق لمعالجة النفايات الميكانيكية و البيولوجية‬
‫‪561.‬‬

‫كلها عوامل ساهمت في الرقي بالتخطيط العمراني الناجع للحد من التدهور البيئي‬
‫وتعزيزاألمن االستدامي الجسدي والصحي للبالد‪.‬‬

‫‪ - 560‬اعتمدت ألمانيا هذا المفهوم " االقتصاد الدائري" ‪ krieslaufwirtschaft‬منذ سنة ‪ 0891‬وتم تطويره وحضي بأولوية‬
‫قصوى إلدارة النفايات وإعادة تدويريها من خالل ترتيب مسؤولية المواطنين في فرز النفايات وتوسيع قدراتهم في ذلك‪.‬‬
‫‪ - 561‬منذ سنة ‪ 5112‬عملت الدولة األلمانية على معالجة هذا النوع من النفايات وذلك بإنشاء ‪ 89‬محطة حرق النفايات سنة ‪5102‬‬
‫وكذلك خلق مصانع بطاقة حوالي ‪ 51‬مليون طن ‪ ،‬باإلضافة إلى أن هناك قدرات احتراق تصل إلى حوالي ‪ 25‬محطة وقود بديلة لمعالجة‬
‫النفايات الميكانيكية والبيولوجية وقد وصلت الدولة األلمانية إلى معالجة ‪ 5.2‬مليون طن من النفايات سنة ‪ 5102‬موزعة على ‪ 52‬محطة‬
‫بسعة ‪ 2‬ماليين طن تم أخد هذه المعطيات من تقرير ‪:‬‬
‫‪Bundesministerium fur umwelt, Naturschutz und nukleare sicherheit « Abfallwirtschaft in deutschland‬‬
‫‪2020 », BMU, Referat WR 2 1 Proforma GMbh und CO. KG, Marz 2020, Berlin, seite : 13.‬‬

‫‪P 305‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫فالمغرب بدوره وضع أسس ومعايير وآليات التخطيط الحضري‪ ،‬وحدد أهداف كل‬
‫آلية على حدة‪ ،‬خصوصا استحضار العنصر البيئي ضمن مخططات التعمير‪ ،‬وهو ما سنقوم‬
‫بتفصيله في النقطة الموالية‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬البيئة ضمن وثائق التعميرذات الطابع التنظيمي‬

‫تشكل وثائق التعمير التنظيمي ابرز االدوات التي تحدد كيفية استعمال االراض ي‬
‫المفتوحة في وجه العمران‪ ،‬وتصبح قابلة للتطبيق على ارض الو اقع بمجرد اكتسابها للقوة‬
‫التنفيذية بعد استنفاذ المسطرة القانونية الخاصة باإلعداد والمصادقة والنشر ‪.562‬‬

‫وتروم هذه الوثائق تنظيم وتأطير املجال عمرانيا من جهة وحمايته بيئيا من جهة ثانية‬
‫من خالل الوقوف على دور وثائق التعمير ذات الطابع التنفيذي (تصميم التنطيق‪ ،‬تصميم‬
‫التهيئة‪ ،‬قرارات تخطيط حدود الطرق العامة) التي تجسد أحكام املخطط التوجيهي للتهيئة‬
‫والتعميربالوسط الحضري‪.‬‬

‫فبمجرد اكتساب هذه الوثائق قوتها اإللزامية فيما يتعلق باستعمال األراض ي‪ ،‬تصير‬
‫قابلة للتطبيق على األفراد مما يفيد بأن "لكل شخص الحق ولو لم تكن له مصلحة مباشرة إلزام‬
‫المصالح المعنية باحترام توقعات التصاميم وبإمكانه كذلك الطعن أمام القضاء في مقررات‬
‫منح الرخص التي تتضمن خرقا لنظام هذه التصاميم"‪.‬‬

‫وسنبرزدوروثائق التعميرالنافذة التي يتناولها قانون ‪ 91.12‬في عالقتها بالبعد البيئي بدءا‬
‫بتصميم التنطيق ‪،‬ثم تصميم التهيئة ‪،‬فقرارات التخطيط ‪.‬‬

‫‪ - 1‬تصميم التنطيق ودوره في حماية البيئة‬

‫لقد خصص قانون ‪ 91.12‬فصال واحدا مكون من خمس مواد من الباب األول لتصميم‬
‫التنطيق الذي يهدف إلى تمكين اإلدارة والجماعات الترابية من اتخاذ التدابير التحفظية‬
‫الالزمة إلعداد تصميم التهيئة والحفاظ على توجهات مخطط توجيه التهيئة العمرانية؛ وهو‬
‫بذلك يعد أداة قانونية انتقالية بين وثائق التعمير التقديري ووثائق التعمير التنظيمي‪ ،563‬الذي‬

‫‪562‬‬
‫;‪- M’hmmed DRYF : “ Urbanisme Et Droit d’urbanisation Au Maroc “ CNRS Edition. dé. La Porte‬‬
‫‪1993, P152.‬‬
‫‪ - 563‬أحمد مالكي ‪ " :‬محاضرات في مادة قانون التعمير "‪،‬ألقيت على طلبة ماستر القانون العام الداخلي وتنظيم الجماعات الترابية الفوج‬
‫الثالث‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬مراكش‪ ،‬السنة الجامعية ‪.2013-2012‬‬

‫‪P 306‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫يسري على نفوذ الجماعات الحضرية والمراكز املحددة والمراكز المستقلة والمناطق املجاورة‬
‫للمدن‪ ،‬والذي له دوروقائي لمدة سنتان إلى حين تطبيق تصميم التهيئة‪ ،‬ويقوم بتحديد األغراض‬
‫العامة لألراض ي والمناطق التي يمنع فيها البناء وكذا المناطق املخصصة إلنجاز التجهيزات‬
‫األساسية واالجتماعية وحصرتلك المناطق التي يجوزفيها لرئيس املجلس الجماعي تأجيل البث‬
‫في طلبات اإلذن بإنجاز تجزئات أو مجموعات سكنية أو تراخيص بالبناء‪.‬‬

‫وللوقوف أكثر على دور تصميم التنطيق في حماية البيئة سنحاول توضيح مسطرة‬
‫إعداده كنقطة أولى على أساس إبرازأثاره على المكون البيئي في المناطق التي يطبق فيها كنقطة‬
‫ثانية‪.‬‬

‫‪ 1-1‬مسطرة إعداد تصميم التنطيق‬

‫حسب المرسوم التطبيقي لقانون ‪ ،56491-12‬فان تصميم التنطيق يتم وضعه بمبادرة‬
‫من اإلدارة المكلفة بالتعمير وبمساهمة الجماعات الترابية المعنية مع مراعاة الصالحيات‬
‫المسندة بموجب التشريع الجاري به العمل في هذا الميدان إلى الوكاالت الحضرية ‪.‬ثم تقوم‬
‫بعرض المشروع على نظرلجنة محلية تتألف من‪ :‬العامل المعني‪ ،‬رئيسا؛ أعضاء اللجنة التقنية‬
‫التابعة للعمالة أو اإلقليم المعني؛ رؤساء املجالس الجماعية المعنية؛ رؤساء الغرف المهنية‬
‫المعنية‪.‬‬

‫وتوجه اللجنة املحلية موجزا ألعمالها مدعوما بمحضر عن هذه األعمال إلى اإلدارة‬
‫المكلفة بالتعمير أو إلى مديرالوكالة الحضرية بحسب الحالة‪ ،‬قصد اتخاذ القرار‪ ،‬وذلك داخل‬
‫أجل خمسة عشر يوما على األكثر بعد انتهاء األعمال المذكورة‪.‬‬

‫بعد ذلك تحيل السلطة المكلفة بالتعمير أو مدير الوكالة الحضرية بحسب الحالة‬
‫مشروع تصميم التنطيق إلى املجالس الجماعية المعنية لدراسته‪ ،‬ويمكن لهذه املجالس أن‬
‫تبدي‪ ،‬داخل أجل شهرين يبتدئ من تاريخ توصلها بالتصميم‪ ،‬ما تراه في شأنه من اقتراحات‪ ،‬و‬
‫مباشرة بعد ذلك‪ ،‬تتم دراسة تصميم التنطيق بصفة نهائية من طرف السلطة المركزية‬
‫المشرفة على إعداده و تو افق عليه بقرارمن الوزيرالمكلف بالتعميرو ينشربالجريدة الرسمية‪.‬‬

‫‪ - 564‬من المادة ‪ 71‬إلى المادة ‪ 17‬من المرسوم التطبيقي لقانون ‪ 90.12‬المتعلق بالتعمير‪.‬‬

‫‪P 307‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫‪ 2-1‬أثارتصميم التنطيق على البعد البيئي‬

‫بمجرد المصادقة على تصميم التنطيق ونشرة بالجريدة الرسمية‪ ،‬فانه يصبح ساري‬
‫المفعول على املجال املخصص له في مدة سنتين كما سبقت اإلشارة إلى ذلك‪ ،‬وتصبح األغراض‬
‫املخصص لها ملزمة بالنسبة لإلدارات العمومية التي يجب أن تحترم التخصيص الذي قام به‬
‫التصميم فيما يتعلق بالمنشآت وكذا المناطق المسموح بها البناء والتجزئ إما بمنح الرخصة‬
‫أو رفضها أو تقييدها‪ ،‬وبذلك فهو يلزم األفراد واإلدارات في نفس الوقت‪.‬‬

‫بحيث يقوم تصور تصميم التنطيق على معيار تقسيم المناطق حسب وظيفة حسن‬
‫استعمال السطح وتنظيم حركة النمو العشوائي ومواجهة التصنيع المتوحش بغية الحفاظ‬
‫على توازن المكون البيئي واستمرارية التخطيط العمراني المنظم‪.‬‬

‫والجدير بالذكر أن الكثير من هذه التصاميم –تصاميم التنطيق‪ -‬انتهت مدة سريانها‬
‫القانونية بمرور سنتين بعد المصادقة عليها وبالرغم من ذلك نجد السلطات الجماعية تستمر‬
‫في تطبيق مقتضياتها إزاء المواطنين واإلدارات العمومية والسبب في ذلك يرجع إلى الفراغ الذي‬
‫يسببه عدم االنتهاء من مسطرة اإلعداد والمصادقة على تصميم التهيئة مما أدى إلى نمو السكن‬
‫العشوائي وهو ما يؤثر بشكل كبير في تدهور البيئة و انتشار النفايات الضارة بالصحة العامة‬
‫للسكان ‪.‬‬

‫ويبقى للمخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية الدوراألساس ي في ملء ذلك الفراغ باعتباره‬
‫يهتم على األقل باالستعماالت األساسية لألراض ي‪ 565.‬على اعتبار أن الحاالت التي يطبق فيها‬
‫تصميم التنطيق تظل ضئيلة لتوفر اإلدارة على سلطة تقديرية في اتخاذ إجراءات وضع تصميم‬
‫التنطيق أو االستغناء عنه‪ ،‬ألنه غيرإلزامي‪.‬‬

‫مما يستدعي إعادة النظر في مدة إعداد تصميم التهيئة الذي سنتطرق إليه في النقطة‬
‫الموالية باعتباره احد أهم وثائق التعميراألساس ي لتنظيم املجال‪.‬‬

‫‪ -2‬تصميم التهيئة وحضورالمكون البيئي‬

‫‪ - 565‬عبد الرحمان البكريوي ‪ " :‬التعمير بين المركزية والالمركزية"‪ ،‬الشركة المغربية للطباعة والنشر‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬الرباط ‪ ،‬سنة ‪،0882‬‬
‫ص‪.18-18:‬‬

‫‪P 308‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫يعتبر تصميم التهيئة بمثابة وثيقة تعميرية تنظيمية هدفها تخطيط املجال الحضري‬
‫بشكل خاص‪ ،‬والتحكم في التوسع العمراني للجماعات الحضرية والقروية بشكل عام‪،566‬‬
‫وتتضمن مجموعة من المعطيات البيانية والقانونية إضافة إلى الخرائط‪ ،‬كما تشكل أداة‬
‫لترجمة توجهات املخططات التوجيهية للتهيئة العمرانية عن طريق مبادئ قانونية يمكن‬
‫االحتجاج بها عند االقتضاء أمام اإلدارة أو املجالس الجماعية‪.‬‬

‫وتجدر اإلشارة أن تصميم التهيئة هو أول وثيقة تعميرية نص عليها التشريع المغربي في‬
‫مجال التخطيط الحضري ‪ ،‬ضمن أول قانون تنظيمي ألعمال التعمير صدر سنة ‪ ، 1911‬وقد‬
‫كانت هذه الوثيقة أول مخطط تنظيمي اعتمدت عليه سلطات االستعمارلتهيئة المدن‪ ،‬وتنظيم‬
‫االستعماالت العقارية وإحداث المناطق و انجازالتجهيزات والمر افق األساسية‪567.‬‬

‫لذا فقد أولى المشرع المغربي عناية بالغة لتصميم التهيئة وأدخل عليه الكثير من‬
‫التعديالت‪ ،‬وذلك لمواكبة التطورات التي عرفها التعمير‪ ،‬والتمكن من تجاوزالثغرات التي أبانت‬
‫عنها‪ ،‬وذلك في ظهير‪ 01‬يوليوز‪ 1952‬بست مواد ‪ ،‬ثم ظهير‪ 10‬يونيو ‪ 1992‬الذي خصص له أربعة‬
‫عشرمادة من المادة ‪ 18‬إلى المادة ‪.56801‬‬

‫وألجل اإلحاطة بمضمون هذه الوثيقة ودورها في حماية البيئة ‪ .‬سنعمل على إبراز نطاق‬
‫تطبيقها مع توضيح دوراملجالس الجماعية في إنتاج هذه الوثيقة (اوال) على أساس دراسة اثآثار‬
‫المترتبة عن هذه الوثيقة على البيئة(ثانيا)‪.‬‬

‫‪ 1-2‬تجليات حماية البيئة ضمن تصميم التهيئة العمرانية‬

‫حسب المادة ‪ 18‬من قانون ‪ ،91.12‬فان تصميم التهيئة يشمل فضاء الجماعات‬
‫الحضرية والمراكز املحددة‪ ،‬إضافة إلى المناطق املحيطة بالمدن والمراكز املحددة‬
‫ي صبغة خاصة‪569.‬‬ ‫واملجموعات العمرانية والمناطق التي تكتس‬

‫‪ - 566‬محمد الكنوني ‪" :‬الوكاالت الحضرية وتدبير ميدان التعمير ‪ -‬حالة الوكالة الحضرية لسطات ‪ ،" -‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا‬
‫المعمقة في القانون العام‪ ،‬وحدة التكوين و البحث تدبير اإلدارة المحلية‪ ،‬جامعة الحسن األول كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪،‬‬
‫سطات ‪ ،2008-2007،‬ص ‪.23 :‬‬
‫‪ - 567‬أحالم محراث ‪ " :‬وثيقة تصميم التهيئة ‪ -‬حالة مدينة سطات –"‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام‪ ،‬وحدة التكوين و البحث‬
‫تدبير اإلدارة المحلية‪ ،‬جامعة الحسن األول كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬سطات ‪ ،2011-2010،‬ص ‪.28 :‬‬
‫‪ - 568‬أحيدار سمير‪":‬قرار نزع الملكية في القانون العام المغربي"‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام –وحدة التكوين والبحث ‪:‬‬
‫اإلدارة العامة ‪ ،‬جامعة محمد األول‪،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬وجدة‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ، 2002-2004‬ص ‪.167:‬‬
‫‪ - 569‬المادة ‪ 18‬من قانون ‪ 90-12‬المتعلق بالتعمير‪.‬‬

‫‪P 309‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫ومن بين أهداف تصميم التهيئة هي تنظيم املجال وتحسين الطابع الحضري وكذا‬
‫القروي وتدعيمه بالتجهيزات الضرورية التي يحتاجها املجال في تنميته اقتصاديا واجتماعيا‪،‬‬
‫لذا فان قانون التعميرخلق نوعا من المرونة واالنسجام لهذه الوثيقة وذلك بإمكانية إخضاعها‬
‫ى الحال‪570.‬‬ ‫لبعض التعديالت والتغييرات إن اقتض‬

‫أما فيما يتعلق بمسطرة إعداد تصميم التهيئة فقبل وضعه‪ ،‬يجوز اتخاذ قرار يقض ي‬
‫بالقيام بدراسته ويعين حدود الرقعة األرضية التي يشملها تصميم التهيئة المزمع دراسته من‬
‫أجل الوقوف على الوضعية التي توجد عليها التجهيزات والبنايات التحتية الموجودة بالمنطقة‬
‫ثم بعد ذلك يصدر رئيس مجلس الجماعة بطلب من اإلدارة أو بمبادرة منه قرار القيام بدراسة‬
‫تصميم التهيئة بعد تداوله باملجلس ويستمر مفعول القرار المشار إليه حسب المادة ‪ 21‬من‬
‫قانون ‪ 91.12‬مدة ستة أشهرمن تاريخ نشره بالجريدة الرسمية‪ ،‬ويجوزتجديده مرة واحدة لمدة‬
‫مساوية للمدة األولى‪ ،‬وبذلك يؤجل رئيس مجلس الجماعة البت في جميع الطلبات الرامية إلى‬
‫إحداث تجزئة أومجموعة سكنية أوإقامة بناء في الرقعة األرضية المعنية‪ ،‬فقط يمكنه أن يأذن‬
‫في إحداث تجزئة أومجموعة سكنية أو إقامة بناء بعد مو افقة اإلدارة إذا كان المشروع المتعلق‬
‫بذلك يتالءم مع األحكام الواردة في مخطط توجيه التهيئة العمرانية أو مع ما يصلح له فعال‬
‫القطاع المعني في حالة عدم وجود املخطط اثآنف الذكر؛ وقد وضح المرسوم التطبيقي لقانون‬
‫‪ 91.12‬بأن تصميم التهيئة يتم وضعه بمبادرة من اإلدارة التي تتمثل في السلطة الحكومية‬
‫المكلفة بالتعمير مع مراعاة الصالحيات المسندة للوكاالت الحضرية بموجب التشريع‬
‫وبمساهمة الجماعات املحلية‪ ،‬بعد ذلك يحال مشروع تصميم التهيئة قبل مو افقة اإلدارة عليه‬
‫إلى مجلس الجماعة أو مجالس الجماعات المعنية لدراسته وللمجالس المشار إليها في الفقرة‬
‫أعاله أن تبدي داخل أجل شهرين من تاريخ إحالة مشروع التصميم إليها من اقتراحات تتولى‬
‫اإلدارة دراستها بمشاركة الجماعات املحلية التي يعنيها األمر‪ ،‬وإذا لم تبد املجالس اثآنفة الذكر‬
‫أي رأي داخل األجل المنصوص عليه أعاله فإن سكوتها يحمل على أن ليس لها أي اقتراح في‬
‫موضوع التصميم املحال إليها‪ ،‬ويكون مشروع تصميم التهيئة محل بحث علني يستمر شهرا‬
‫ويجري خالل المدة التي يكون فيها مجلس الجماعة أو مجالس الجماعات المعنية بصدد‬
‫دراسته الذي يهدف إلى إطالع العموم على المشروع وتمكينه من إبداء ما قد يكون لديه من‬

‫‪ - 570‬الفقرة األخيرة من المادة ‪ 19‬والمادة ‪ 26‬من قانون ‪ 90.12‬المتعلق بالتعمير‬

‫‪P 310‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫مالحظات عليه بعد أن يوفررئيس مجلس الجماعة وسائل النشرواإلشهارقبل تاريخ بدء البحث‬
‫ثم يتولى مجلس الجماعة عند دراسته لمشروع تصميم التهيئة‪ ،‬دراسة المالحظات المعبر عنها‬
‫خالل إجراء البحث قبل عرضها على اإلدارة‪571.‬‬

‫‪ 2-2‬أثارتصميم التهيئة على المكون البيئي‬

‫بمجرد إتمام مسطرة اإلعداد والمصادقة على تصميم التهيئة تجعله مصدرا لاللتزام به‪،‬‬
‫إال أن المستجد في قانون ‪ 91.12‬هو إمكانية التطبيق القبلي من خالل المادة ‪ 20‬من القانون‬
‫المذكور‪ .‬وعليه فبمجرد اختتام مرحلة البحث العلني الذي يتم فيه عرض مشروع التصميم‬
‫على أنظار المواطنين إلبداء مالحظاتهم حوله والى غاية صدور النص الذي يقض ي بالمصادقة‬
‫عليه يمنع حسب مقتضيات نفس المادة أعاله لمدة محددة في اثني عشر شهرا‪ ،572‬منح اإلذن‬
‫بانجاز مختلف األعمال المتعلقة بالبناء والغرس و إقامة التجزئات واملجموعات السكنية إذا‬
‫ما تضمنت هذه األعمال ما يخالف أحكام مشروع تصميم التهيئة الجديد‪573.‬‬

‫ونشير في هذا الصدد إلى أن المشرع المغربي لم يوضح بشكل صريح اثآثار المترتبة عن‬
‫تصميم التهيئة على عكس المشرع الفرنس ي الذي ألزم كل شخص عمومي أو خاص بالنسبة‬
‫لتنفيذ أي عمل من أعمال التعميرمما يحمل على كل أشخاص القانون العام أو الخاص االلتزام‬
‫بارتفاقات التعميرالتي يحدثها وفرض طلب الرخصة فيها‪574.‬‬

‫وتتم المصادقة على تصميم التهيئة بقرار تنظيمي ينشر بالجريدة الرسمية وتصبح‬
‫مقتضياته من المنفعة العامة التي حدد المشرع المغربي اجلها في عشر سنوات من تاريخ‬
‫المصادقة عليه والذي يقض ي بالقيام بكل ما يلزم من أجل انجازالتجهيزات الضرورية كتحديد‬
‫الطرق بما فيها المسالك والساحات ومو اقف السيارات الواجب الحفاظ عليها أو إحداثها‪،‬‬
‫و إقامة حدود المساحات الخضراء العامة بما تشتمل عليه من أماكن مشجرة وبساتين و إقامة‬

‫‪ - 571‬أحمد مالكي‪ " :‬محاضرات في مادة قانون التعمير "‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ - 572‬غرض المشرع من تحديد المدة في اثني عشر شهرا هو التعجيل بصدور نص المصادقة على مشروع تصميم التهيئة‪.‬‬
‫‪ - 573‬المصطفى معمر ‪ ،‬أحمد أجعون ‪ " :‬إعداد التراب الوطني والتعمير"‪،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.189 :‬‬
‫‪ - 574‬انظر عبد الرحمان البكريوي ‪ " :‬التعمير بين المركزية والالمركزية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.120 :‬‬

‫‪P 311‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫حدود ميادين األلعاب والمساحات المعدة للتظاهرات الثقافية والفلكلورية الواجب الحفاظ‬
‫عليها أو تغييرها أو إحداثها‪ ،‬ثم إقامة كل المساحات املخصصة للتجهيزات العامة بما فيها‬
‫السكك الحديدية والتجهيزات الصحية والثقافية والتعليمية والمباني اإلدارية والمساجد‬
‫والمقابر‪ ،‬إضافة إلى تحديد دو ائرالقطاعات الواجب إعادة هيكلتها أوتجديدها‪ .‬مما يؤثربشكل‬
‫ايجابي في الحفاظ على البيئة‪.‬‬

‫يمكن القول أن أحكام تصميم التهيئة تلزم كل الهيئات المعنوية المعنية بتطبيقه في‬
‫نطاق اختصاصاتها وداخل دائرة نفوذها هذا من جهة‪ ،‬أما من جهة ثانية فتصميم التهيئة يلزم‬
‫كذلك الفاعلين الذين يتعين عليهم احترام قواعده والتقيد بضوابطه خصوصا فيما يتعلق‬
‫بمسطرة الحصول على الرخص في انجاز المشاريع المتعلقة بالتجزئات والتجهيز واألبنية‪575،‬‬

‫‪ - 0‬قرارتعيين الطرق العامة وتأثيرها على البيئة‬

‫تشكل قرارات تخطيط الطرق العامة ابرز وثائق التعمير التي تكتس ي طابع االولوية من‬
‫حيث ظهورها والعمل بها بالمغرب وهو تصميم خاص بتهيئة الطرقات والساحات العامة‬
‫ومو اقف السيارات كما يعد اداة من ادوات التعميروتخطيط المدن‪.‬‬

‫و انطالقا من التصميم الوطني إلعداد التراب ووثائق التعمير تتضح معالم السياسة‬
‫الوطنية إلعداد التراب الوطني في عالقتها مع البيئة‪ ،‬حيث نجد ان كل املخططات والتصاميم‬
‫تعمل على املحافظة على البيئة ‪ ،‬اما في اطارمحاربة البناء العشوائي او اقامة مدن جديدة ‪ ،‬او‬
‫فيما يتعلق بتصميم وتهيئة المناطق الخضراء ‪ .‬وهذا ما تمت مناقشته اثناء اعداد الميثاق‬
‫الوطني إلعداد التراب الوطني‪.576‬‬

‫فبالرجوع الى المادة ‪ 02‬من قانون ‪ 91.12‬نجد انه سواء تعلق االمر بتخطيط حدود‬
‫الطرق العامة أم بقرارات تخطيط الطرق العامة المعينة فيها األراض ي المراد نزع ملكيتها لما‬
‫تستوجبه العملية‪ ،‬فان صالحية إصدارهما ‪ -‬عكس باقي وثائق التعمير‪ -‬تعود لرئيس املجلس‬
‫الجماعي و التي توضح هدفها إما بإحداث طرق جماعية وساحات ومو اقف عامة للسيارات أو‬

‫‪ - 575‬المصطفى معمر ‪ ،‬أحمد أجعون ‪ " :‬إعداد التراب الوطني والتعمير"‪،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.191-190 :‬‬
‫‪ - 576‬عباس دنيال ‪ :‬اشكالية التوازن بين التنمية المستدامة والمحافظة على البيئة ‪ ،‬بحث لنيل الدبلوم الجامعي في االستشارة القانونية‬
‫‪ ،‬جامعة محمد الخامس السويسي ‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية بسال ‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ، 8182-8188‬ص ‪.81‬‬

‫‪P 312‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫تغيير تخطيطها أو عرضها أو حذفها كال أو بعضا وتكون هذه القرارات مصحوبة بخريطة تبين‬
‫حدود الطرق والساحات ومو اقف السيارات المزمع إحداثها وإدخال تغيير عليها أو حذفها‪577.‬‬

‫فالغاية من احداث مثل هاته الطرقات هو تنظيم المدن والقرى جماليا وبيئيا من خالل‬
‫صالحية احداث الطرق العامة والساحات العمومية بالجماعات الترابية او تغييرها او عرضها‬
‫او حذفها كال او بعضا وهنا نستنتج ان قرار تخطيط الطرق العامة والساحات العمومية يخول‬
‫لإلدارة حق اتخاذ تدابير ترمي الى تعيين الملك العمومي الجماعي وتعيين الحدود الفاصلة بينه‬
‫وبين اراض ي الخواص‪.‬‬

‫كلها امورمن شـأنها تنظيم المدن جماليا وتنظيميا ما سيؤثرالمحالة بشكل ايجابي على‬
‫المكون البيئي واستدامتها‪.‬‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫لطالما اعتمد نهج التعمير منذ نشاته في القرن التاسع عشر على مبدأ املحافظة على‬
‫الصحة العامة والحفاظ على المكون البيئي ‪ ،‬لكن التطورالسريع للمدن والعمران بصفة عامة‬
‫جعل القضايا الصحية لإلنسان من ضمن الثانويات وبذلك اصبح المكون البيئي يواجه‬
‫تحديات اجتماعية وتربوية و اقتصادية وقانونية‪.‬‬

‫واالكثر من ذلك أن قانون التعمير بالمغرب الزال يواجه فكرة استهالك املجال ‪ ،‬مما‬
‫يجعل سياسة التخطيط العمراني يرتكز على رؤية جامدة ومتشددة تتأسس على مبدأ الكل‬
‫لالسمنت في اطارمقاربة كمية يهيمن عليها منطق االسكان بدل التعميروهوما يؤثرعلى الموروث‬
‫البيئي بشكل مباشر مايستدعي انقاد هذا الموروث عبر اصدار مدونة شاملة تجمع شتات‬
‫القوانين والدوريات المتعلقة بالتعميروالبيئة‪.‬‬

‫الئحة المراجع ‪:‬‬

‫المصطفى معمر‪ ،‬أحمد أجعون‪ " :‬اعداد التراب الوطني والتعمير"‪ ،‬الطبعة االولى ‪،‬‬
‫املجموعة البيداغوجية لوحدة تدبيراملجال‪ ،‬مكناس ‪ ،‬سنة ‪. 5833-5838‬‬

‫‪ - 577‬أحمد مالكي‪ " :‬التدخل العمومي في ميدان التعمير بالمغرب"‪.،‬طروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق‪ ،‬وحدة التكوين والبحث‪،‬‬
‫اإلدارة العامة‪ ،‬جامعة محمد األول‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬وجدة‪ ،‬السنة الجامعية ‪ 4004-4001‬ص ‪. 18 :‬‬

‫‪P 313‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫أحمد مالكي ‪ ،‬سعيد البولماني ‪ " :‬ادارة التعمير و اكراهات الو اقع"‪ ،‬املجلة المغربية‬
‫لالدارة املحلية والتنمية ‪ ،‬شتنبر‪-‬دجنبر‪ ،‬عدد ‪ ،00-03‬سنة ‪ ،5880‬الصفحة ‪.‬‬

‫نبيل الريمي ‪ " :‬البعد البيئي في ميدان التعميربالمغرب " أطروحة لنيل الدكتوراه ‪ ،‬مركز‬
‫دراسات الدكتوراه القانون المقارن ‪ ،‬االقتصاد التطبيقي والتنمية المستدامة‪ ،‬تكوين‬
‫الدكتوراه ‪ :‬القانون العام والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪ ،‬كلية العلوم القانونية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية بسال‪ ،‬السنة ‪.5833-5830‬‬

‫تقريرباللغة االلمانبة ‪:‬‬

‫أحمد مالكي ‪ " :‬محاضرات في مادة قانون التعمير "‪،‬ألقيت على طلبة ماستر القانون‬
‫العام الداخلي وتنظيم الجماعات الترابية الفوج الثالث‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬مراكش‪ ،‬السنة الجامعية ‪.2110-2112‬‬

‫عبد الرحمان البكريوي ‪ " :‬التعميربين المركزية والالمركزية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.82-81:‬‬

‫‪ -‬محمد الكنوني ‪" :‬الوكاالت الحضرية وتدبير ميدان التعمير ‪ -‬حالة الوكالة الحضرية‬
‫لسطات ‪ ،" -‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام‪ ،‬وحدة التكوين و‬
‫البحث تدبير اإلدارة املحلية‪ ،‬جامعة الحسن األول كلية العلوم القانونية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬سطات ‪،2118-2110،‬‬

‫أحالم محراث ‪ " :‬وثيقة تصميم التهيئة ‪ -‬حالة مدينة سطات –"‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم‬
‫الماستر في القانون العام‪ ،‬وحدة التكوين و البحث تدبير اإلدارة املحلية‪ ،‬جامعة الحسن األول‬
‫كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬سطات ‪.2111-2111،‬‬

‫أحيدار سمير‪":‬قرار نزع الملكية في القانون العام المغربي"‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في‬
‫القانون العام –وحدة التكوين والبحث ‪ :‬اإلدارة العامة ‪ ،‬جامعة محمد األول‪،‬كلية العلوم‬
‫القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬وجدة‪ ،‬السنة الجامعية ‪، 2115-2111‬‬

‫أحمد مالكي‪ " :‬التدخل العمومي في ميدان التعمير بالمغرب‪ ،‬طروحة لنيل الدكتوراه في‬
‫الحقوق‪ ،‬وحدة التكوين والبحث‪ ،‬اإلدارة العامة‪ ،‬جامعة محمد األول‪ ،‬كلية العلوم القانونية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬وجدة‪ ،‬السنة الجامعية ‪.5880-5880‬‬

‫‪P 314‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

Bundesministerium fur umwelt, Naturschutz und nukleare sicherheit


« Abfallwirtschaft in deutschland 2020 », BMU, Referat WR 2 1 Proforma GMbh
und CO. KG, Marz 2020, Berlin, seite : 13.

- M’hmmed DRYF : “ Urbanisme Et Droit d’urbanisation Au Maroc “ CNRS


Edition. éd. La Porte; 1993, P152.

P 315 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫–‬

‫االهتامام اإلمنايي يف االقتصاد‬


‫اإلسالمي‬
‫‪Development interest in the Islamic economy‬‬
‫ملخص‪:‬‬
‫يتناول هذا المقال موضوع اإلنماء في االقتصاد اإلسالمي‪ ،‬وسنحاول تبيين األهمية‬
‫البالغة التي أوالها علماء األمة اإلسالمية لهذا املجال‪ ،‬وذلك انطالقا من تعاليم الدين اإلسالمي‬
‫الحنيف‪ ،‬ألن هذا الدين يحث ويجازي المسلم على النشاط االقتصادي و انطالقا من هذا فقد‬
‫كان لعلماء المسلمين السبق المطلق لقضية االهتمام بهذا املجال‪ ،‬كما سنوضح في ثنايا‬
‫المقال‪ ،‬ألن حضارتهم بدأت مليئة بأشكال اإلنماء االقتصادي وتطويره‪ ،‬حتى بلغ أوجه حيث‬
‫تطورت الصناعات بكل أشكالها وعلى جميع األصعدة في كل أنحاء البالد وكان ذلك خالل فترة‬
‫االزدهارالذي أقامته الحضارة اإلسالمية خالل قرون متواصلة ‪.‬‬

‫ولما لهذا املجال من أهمية ودوربارزفي تقدم األمة وازدهارها‪ ،‬فقد اخترته ليكون عنوانا‬
‫لسلسة مقاالت تغوص في الموضوع عساها تنير الدرب للمهتمين‪ ،‬حتى يتبين للغير شمولية‬
‫االقتصاد اإلسالمي و أنه ليس بمنأى عن مستجدات العصر‪ ،‬وأن اإلسالم صالح لكل زمان‬
‫ومكان‪.‬‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫ال يخفى على أحد أن اإلسالم رسالة جاءت لجميع العالمين وخاتما لما قبله‪ .‬و انطالقا‬
‫من ذلك جاء متناوال لحياة البشر على جميع األصعدة‪ ،‬سواء روحية كانت أو مادية‪ .‬فهذا الدين‬
‫لم يكن أبدا مجرد عقيدة بل هو شامل لجميع الحياة سياسية ـاقتصادية ـاجتماعية في تنظيم‬

‫‪P 316‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫لنواحي حياة البشر‪ .‬وتجسد األمر في أفعاله صلى الله عليه وسلم و أقواله ‪،‬فهو الله صلى الله‬
‫عليه وسلم لم يكن واعظا فقط بل حاكما على دولة تنفذ في دولة أسسها هو وأصحابه ‪.‬‬

‫و تعبير باصطالح جاء بلفظ (اإلسالم عقيدة وشريعة دين ودنيا) وذلك ما جعلني أجزم‬
‫أن الفكراالقتصادي اإلسالمي قديم بقدم رسالته‪ ،‬ألن اإلسالم محيط بشتى أنواع الحياة‪ .‬لذا‬
‫من الطبيعي أن يساهم أصحاب المفكري اإلسالمي في إثراء دراسات اقتصادية‪ ،‬وخاصة‬
‫اإلنمائية منها‪ 578‬بإفراد مؤلفات تخص التنمية‪.579‬‬

‫وبالنظر لما سبق فبإمكاني القول بأن فكر اإلقتصاد اإلسالمي كان استجابة ضرورية‬
‫لفهم اإلسالم‪ ،‬والوقوف عند هديه في كل املجاالت والتي بال شك منها مجال اإلنماء في االقتصاد‪.‬‬

‫وقد نشأت هذه الفكرة بداية في حضن الفقه والتفسير ‪ ،‬فعندما نجد علماء من أهل‬
‫التفسيريبينون جوانبا متعلقة بالتنمية وهم بمعرض تفسيربعض اآليات القرءانية يتضح لنا‪،‬‬
‫نوع االهتمام عندهم بهذا الجانب‪ ،‬إن ما يهمني هنا في هذا المقال هو إبراز اهتمام المتقدمين‬
‫من العلماء بالقضية‪ ،‬لكنها كانت بعبارة عمارة األرض لقوله تعالى <هو أنشأكم من األرض‬
‫واستعمركم فيها>‪ .580‬أي بمعنى كلفكم بعمارتها ‪581‬‬

‫ولفظ عمارة األرض اصطالح مشتمل على مضمون التنمية االقتصادية وزيادة ‪ ،‬فنرى‬
‫عليا كرم الله وجهه يقول في كتابه إلى أحد والته بمصر (واليكن نظرك في عمارة األرض أبلغ من‬
‫نظرك في استجالب الخراج ألن ذلك ال يدرك إال بالعمارة ومن طلب الخراج من غيرعمارة أخرب‬
‫البالد )‪.‬‬

‫وقد جعل عمررض ي الله عنه مهمة ولي األمرفي عبارته المعروفة (إن الله قد استخلفنا‬
‫على عباده لنسد جوعهم ونوفرلهم حريتهم فإن لم نفعل فال طاعة لنا عليهم )‪.‬‬

‫مما شك فيه أن تأمين معاش الناس هو أساس الحكم وهو ما يعرف باصطالح القدامى‬
‫بضمان حد الكفاية ‪.582‬‬

‫‪578‬محمد شوقي الفنجري ‪:‬المذهب االقتصادي في االسالم ـالهيئة المصرية للكتاب ـ‪4242‬ـص‪142‬‬
‫‪580‬سورة هود اآلية ‪124‬‬
‫‪581‬أحكام القرءان للقرطبي ‪:‬دار المصحف بيروت ـالجزءالرابع ـص ـ‪1314‬‬
‫‪582‬محمد شوقي الفنجري مرجع سابق ـص ـ‪1433‬‬

‫‪P 317‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫وبالنظر إلى هذا المنطق جاء القرءان العظيم في البداية واضعا حكام المسلمين‬
‫وعلمائهم واألمة جمعاء على الطريق الصحيح ألجل تحقيق ذاتهم كي يكونوا كما أراد الله لهم‬
‫خلفاء األرض‪.‬‬

‫ومن هنا تحقق للمسلمين التقدم واالنطالق ماداموا ملتزمين بذلك‪ ،‬و انتكسوا يوم‬
‫تخليهم عنه ‪583.‬‬

‫ومع انتشاراإلسالم و اتساع الفتوحات وكثرت النشاط االقتصادي وتعدد أشكاله أنجز‬
‫المسلمون انجازات عظيمة للحضارة في جميع املجاالت االقتصادية ‪..‬‬

‫فعلى سبيل المثال‪ ،‬ال حصر‪ ،‬وبإرادة بال نطير كان باستطاعتهم في العهد األول لظهور‬
‫بداية اإلسالم أن طوروا نظامهم المالي‪ ،‬عندما أوجدوا الميزانية والضرائب ومؤسسة بيت‬
‫المال‪ ،‬كذلك استخدموا الدواوين وسكوا النقود‪ ،‬وجعلوا المعامالت بالصكوك وبالسندات‬
‫وظهر أهل املحاسبة ‪،‬وما رسوا نوعي الصناعة تعدينا وتحويال فكان استخراج أنواع المعادن‬
‫واألمالح والذهب والفضة والجواهروالرصاص والنحاس واللؤلؤ والزئبق والفحم ‪.‬‬

‫وقاموا بصنع أنواع النسيج من حريروصوف وكتان ‪..‬‬

‫كذلك كانت صناعة أجهزة علمية للرصد الفلكي والكيمياء والجراحة‪ ،‬وصناعة أنواع‬
‫السالح والعتاد والسفن ‪ ،‬أما فيما يخص املجال الزراعي فقد اشتهروا بأنظمة الري بأنواعها من‬
‫قنوات ونحوها ‪.‬‬

‫باإلضافة إلى ما سبق فقد تبوأت التجارة عند المسلمين المكان األول في التجارة‬
‫العالمية‪ ،‬وكانت األسكندرية وبغداد هما اللتان تحددان األسعارللعالم ‪.584‬‬

‫وبتتبع هذا النشاط االقتصادي الفريد كانت األفكارتتدفق اقتصادا وتنمية انطالقا من‬
‫الشريعة اإلسالمية ‪.‬‬

‫وكانت مؤلفات الفقهاء تتزايد على مدى الدهر‪ ،‬فلم ينقطع عطاء األمة اإلسالمية في‬
‫هذا النوع إلى يوم الناس هذا‪ ،‬فقد بدأت المؤلفات من اإلمام أبي حنيفة المتوفى عام‬

‫‪583‬نفس المرجع السابق ـ ص ـ‪1 431‬‬


‫‪584‬سعيد سعيد مرطان ـ مدخل للفكر االقتصادي في اإلسالم ـ مؤسسة الرسالة ـط ـ‪4‬ـ ‪4222‬ـ ص ـ‪12‬‬

‫‪P 318‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫(‪308‬ه)ومالك المتوفى عام (‪ )300‬الشافعي المتوفى عام (‪،582‬و ابن حنبل المتوفى عام‬
‫‪532‬ه‪.585‬‬

‫كما أن ابن حزم المتوفى ‪ 200‬ألف كتابه املحلى‪ ،‬وكان عالج فيه التزام الدولة بضمان‬
‫حد الكفاية لكل أفرادها‪ ،‬فتجاوز به كل األفكار اقتصادية المتقدمة‪586 .‬‬

‫واستمرالعطاء حتى وصل نهضة الفقه اإلسالمي الحديث‪ ،‬يتمل ذلك في مؤلفات اإلمام‬
‫أبي زهرة والشيخ يوسف القرضاوي في مؤلفاته ‪ ،587‬وغيرهما‪..‬‬

‫وهذا المسلك نجد عليه النظريات االقتصادية التي لها العمق الرصين‪ ،‬كما عند‬
‫أصحاب التفاسير مثل الطبري ‪ ،‬وكذا الجصاص ‪ ،‬والقرطبي ‪ ،‬و ابن كثير‪..‬‬

‫وهذه التفاسيروغيرها ال تخلوا من فكرة إنمائية ‪ .‬وال شك أن استخراج أحكام من ثنايا‬


‫الكتب وجعلها أبحاثا مستقلة يوفر لدينا ما يسمى باالقتصاد اإلسالمي‪ ،‬وهو يتضمن دراسات‬
‫عميقة‪ ،‬سواء كان ذلك في مجال الكشف عن المبادئ االقتصادية التي في اإلسالم‪ ،‬أوفي مجال‬
‫بيان حلول االسالم لمشاكل العصر االقتصادية‪ ،‬وكيفية إعمال مبادئه االقتصادية ‪588.‬‬

‫ومع تناثرأغلب الدراسات التي لها عالقة باالقتصاد اإلسالمي في كتب الفقه والتفسير‪،‬‬
‫إال أنها توجد بعض المؤلفات االقتصادية المستقلة بل أبعد من ذلك‪ ،‬حيث أن أول دراسات‬
‫اقتصادية موجودة في العالم‪ ،‬ظهرت في ظل اإلسالم كانت على يد كتاب مسلمين منذ القرن‬
‫السابع الميالدي ‪،589‬وهذه المؤلفات بدأت بكتاب الخراج ألبي يوسف ‪ ،‬ثم كتاب يحيى ابن ءادم‬
‫القرش ي‪ ،‬كتابه الذي سماه الخراج ‪ ،‬وهذان المؤلفان ظهرا في القرن الثاني للهجرة ‪ ،‬وهما‬
‫يشتمالن على فكر إنمائي متقدم‪ ،‬وهما ما يجعالن الفكر اإلسالمي أولى محاوالت للبشر إلفراد‬
‫الفكراإلقتصادي بتأليف مستقل ‪ ،‬ألنه ال يعرف العالم كتابا اقتصاديا سابق لهذين المؤلفين‪،‬‬
‫وخصوصا كتاب أبي يوسف ‪.590‬‬

‫نبذة عن فكرأبي يوسف اإلنمائي‪:‬‬

‫‪585‬المرجع السابق ـ ص ـ ‪150‬‬


‫‪ 586‬محمد شوقي الفنجري ـمرجع سابق ـص ‪114‬‬
‫‪587‬إبراهيم يوسف إبراهيم ‪:‬استراتيجية وتكنيك التنمية االقتصادية في اإلسالم ـ اتحاد البنوك اإلسالمية ‪4244‬ـ ص ‪1434‬‬
‫‪588‬محمد شوقي الفنجري مرجع سابق ـ ص ـ‪1431‬‬
‫‪589‬إبراهيم يوسف إبراهيم ـ مرجع سابق ـ ص ـ ‪1435‬‬
‫‪590‬المرجع السابق ـ ص ـ‪1431‬‬

‫‪P 319‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫اإلمام أبي يوسف هو يعقوب بن إبراهيم قاض ي القضاة‪ ،‬في عصر الدولة العباسية في‬
‫فترتها الذهبية‪ ،‬وهو من أكبرتالميذة اإلمام أبي حنيفة‪ ،‬ولد عام (‪)331‬وتوفي عام (‪.)305‬‬

‫واإلمام أبي يوسف هذا انفرد بش يء ما شاركه فيه أحد من المسلمين‪ ،‬وكان ذلك يتمثل‬
‫في تقديم دراسة اقتصادية مستقلة عن الفقه االقتصادي‪ ،‬إذ أفرد كتابا خاصا عن االقتصاد‬
‫هو *كتاب الخراج*‪.‬‬

‫ومن هنا فعلى يديه ظهرت أولى الدراسات االقتصادية المستقلة في العالم ‪ .591‬وهذا‬
‫الكتاب رآه الدكتور صالح نامق أشبه ما يكون بمؤلف *دلتون * أستاذ المالية العامة في‬
‫الضرائب في القرن العشرين ‪ 592.‬والو اقع في كتاب الخراج أنه مهتم بشؤون الجباية والخراج‬
‫كما يظهرمن اسمه ‪،‬‬

‫في حين يتضح من جوهره أنه خطة لإلصالح المالي واالقتصادي‪ ،‬ألجل رفع من مستوى‬
‫إنتاج األمة اإلسالمية‪ ،‬ويحقق تنميتها االقتصادية بشكل كامل‪ ،‬وقد حمل في ذلك المسؤولية‬
‫للكل من دولة وفرد ‪ ،‬مبينا أن العمل هو كل ش يء وأساسه وبه يكون العمران والقوة ‪.593‬‬

‫و كتاب الخراج متضمن مجموعة أسس رأى أبو يوسف أنها ال بد منها ألجل إقامة تنمية‬
‫اقتصادية‪.‬‬
‫وقد لخصت في محاور ثالثة ‪594.‬‬

‫أـ سيادة العدل وتحقيق اإلنصاف ‪.‬‬

‫ب ـ املحافظة على الملكية الخاصة وتدعيمها ‪.‬‬

‫ج ـ تدخل الدولة وقيامها بدورإيجابي في املجال اإلقتصادي ‪.‬‬

‫أ ـ ـ سيادة العدل وتحقيق اإلنصاف ‪:‬‬

‫‪591‬يوسف إبراهيم يوسف ـ مرجع سابق ـ ص ـ‪1441‬‬


‫‪592‬محمد شوقي الفنجري ‪ :‬مرجع سابق ص ـ‪114‬‬
‫‪593‬نفس المرجع السابق ـ ص ـ ‪ 14‬ـ ‪113‬‬
‫‪594‬يوسف إبراهيم يوسف ـ مرجع سابق ص ‪1425‬‬

‫‪P 320‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫قال أبويوسف <إن العدل و إنصاف المظلوم وتجنب الظلم مع ما في ذلك من األجريزيد‬
‫به الخراج وتكثر به عمارة األرض والبركة مع العدل تكون ‪ ،‬وهي تفقد مع الجور ‪ ،‬والخراج‬
‫المأخوذ مع الجورتنقص البالد به وتخرب ‪.595‬‬

‫فالعدل كما يقال هو أساس الملك ‪ ،‬وهو أساس كل تنمية ‪.‬‬

‫و للدكتوريوسف إبراهيم يوسف تعليق يقول ‪:‬‬

‫<ومن هنا فإن أبي يوسف عندما يتحدث عن أسس العمارة "التنمية" وأصولها وبناؤها‬
‫يستخدم تعبير"عمارة البالد" الذي يشمل عمارات كل القطاعات فيقول <إن تجنب الظلم تكثر‬
‫به عمارة البالد > أي عمارات جميع القطاعات ‪ ،‬كذلك يستخدم أبي يوسف مرادفا ءاخر‬
‫للرفاهية وهو ‘البركة ‘ والبركة في الفكر اإلسالمي تعني الوفرة والشعور عند اإلنسان بتحقيق‬
‫رغباته وإشباع حاجاته‪ ،‬فهي ضامن لجانب من اإلحساس الروحي إلى جانب اإلحساس المادي‪،‬‬
‫والبركة عند أبي يوسف مالزمة للعدل وتنتفي عندما يوجد الظلم ‪.596‬‬

‫و انطالقا مما ذكرت فإن وجود العدل عند أبي يوسف يعتبر شرطا من شروط تحقيق‬
‫التنمية‪ ،‬ويشعرالبشربالرضا‪ ،‬وتلك مزية تدفعهم أن يعملوا‪ ،‬فيحصل اإلنتاج ويحصل الرفاه ‪.‬‬

‫إن لإلسالم أهمية معتبرة يوليها للملكية الخاصة‪ ،‬ويعتبرأنها حق مصان لصاحبه‪ ،‬وأن‬
‫املحافظة على الملكية الخاصة ودعمها هو شرط أساس ي للتنمية‪ ،‬ولذلك يدفع اإلنسان ليبذل‬
‫جهدا يوسع به ملكيته ويعمل على تنميتها‪ ،‬ما يجعل موارد املجتمع تساهم في التنمية‪ ،‬وهذا‬
‫موقف أبي يوسف الذي بينه بقوله " ليس لإلمام أن يخرج من يد أحد إال بحق ثابت معروف"‪597.‬‬

‫ومن هذا يبين أبو يوسف ويقرر‪:‬‬

‫ـ ـ ـ عدم جوازاالعتداء على الملكية الخاصة ‪.‬‬

‫ـ ـ يحمل الدولة مسؤولية تدعيم الملكية الخاصة ونشر نطاقها‪ ،‬بأن يتم إقطاع األرض‬
‫الموات لمن يقدرعلى تعميرها ‪.‬‬

‫فيقول ‪:‬‬

‫‪595‬نفس المرجع السابق ـ ص ـ ‪1425‬‬


‫‪596‬المرجع السابق ـ ص ـ ‪1422‬‬
‫‪597‬المرجع السابق ـ ص ‪1422‬‬

‫‪P 321‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫"ال يترك اإلمام ‘الدولة‘ أرضا ال ملك ألحد فيها وال عمارة حتى يقطعها اإلمام فذلك أعمر‬
‫للبالد "‪.598‬‬

‫فتعمراألرض بالملكية الخاصة ‪ ،‬وبها تحصل التنمية عند اإلمام أبي يوسف ‪.‬‬

‫يرى أبو يوسف أن تدخل الدولة عامل أساس ي تحصل به التنمية وبه يزدهر اإلقتصاد‬
‫ويستمر‪.‬‬

‫يقول "يا أميرالمؤمنين إن الله قلدك أمرهذه األمة فأصبحت وأمسيت تبني لخلق كثير‬
‫قد استرعاكم الله و ائتمنك عليهم وليس يثبت البنيان إذا أسس على غير التقوى أن يأتيه الله‬
‫من القواعد فيهدمه على من بناه فيه فال تضيعن ما قلدك الله من أمر هذه األمة والرعية فإن‬
‫القوة في العمل ‪..‬و إنما يدعم البنيان قبل أن يهدم "‪.599‬‬

‫يقول األستاذ الدكتوريوسف إبراهيم يوسف معلقا على هذا النص " فمهمة الدولة في‬
‫بناء املجتمع يعني تحقيق التنمية االقتصادية "‪600.‬‬

‫اإلمام أبو يوسف العمل عنده مربوط بالتقوى وهذه سمة من سمات االقتصاد‬
‫اإلسالمي الذي أساسه على األخالق ومر اقبة رب العالمين ‪.‬‬

‫نرى كذلك اإلمام محمد ابن الحسن الشيباني المتوفى عام (‪512‬هـ)يؤلف في الثلث األول‬
‫من القرن الثالث الهجري كتابه الذي يساهم في فكرة اإلنماء وهو يحمل عنوان *االكتساب في‬
‫الرزق المستطاب *‪.‬‬

‫و في نفس الفترة الزمنية جاء اإلمام أبو عبيد القاسم ابن سالم المتوفى عام (‪522‬هـ)‪،‬‬
‫أوسع كتاب وأكثر جمعا فيما يتعلق باألموال في الدولة‪ ،‬كما توالت مؤلفات في الموضوع تحت‬
‫عناوين مختلفة‪،‬‬

‫األحكام السلطانية ـ السياسة الشرعية والحسبة ‪..‬‬


‫وفي القرن الرابع جاء الماوردي وكذلك أبي يعلى الحنبلي‪601 .‬‬

‫‪598‬نفس الرجع السابق ـ ص ـ ‪1421‬‬


‫‪599‬المرجع السابق إبراهيم يوسف إبراهيم ـ ص ‪1424‬‬
‫‪600‬المرجع السابق ـ ص ـ ‪1422‬‬
‫‪601‬نفس المرجع السابق ـ ص ـ ‪1410‬‬

‫‪P 322‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫واإلشارة إلى محاسن التجارة لجعفرالدمشقي‪ ،‬والذي وجد اهتماما كبيرا لم يقتصرعلى‬
‫المسلمين الذين اشتغلوا باإلقتصاد اإلسالمي فقط ‪ ،‬و إنما من بعض المستشرقين الذين‬
‫حرصوا عليه بشكل كبير وملح ‪602.‬‬

‫وبما أن الدمشقي في كتابه هذا تعرض ألفكار عدة لها صلة بالتنمية سنتعرض لبعض‬
‫منها بنوع من اإليجاز‪ ،‬فمن الموضوعات ذات الطابع اإلقتصادي التي كتب الدمشقي عنها ‪ ،‬هي‬
‫المال وتقسيماته ـ قيمة المال ـ الحاجات وتعددها ـ الثمن ـ النقود ـ العرض والطلب ـ الملكية ـ‬
‫وسائل حفظ المال ‪603.‬‬

‫مسائل تخص المال وطرق الكسب ‪:‬‬

‫يعرف المال بأنه كل ما يقتنى ‪،‬ويرى أن األموال كلها نافعة إذا حسن تدبيرها ‪.‬‬

‫وحين يتكلم عن المال يثني على الغنى الموروث وكذلك المكتسب فبالنسبة لألول ينبؤ‬
‫عن نعمة قديمة بينما الثاني ينبؤ عن همة عالية وعقل و افر ورأي كامل ‪604.‬‬

‫ويكتسب المال عند الدمشقي بطرق متمثلة في نوعين ‪:‬‬

‫أولهما‪ :‬االكتساب بالقصد والطلب‪:‬‬

‫وثانيهما‪ :‬االكتساب عن طريق المصادفة والعرض ‪ ،‬وهو ما يكزن من الميراث والركاز‪:‬‬

‫كما أنه تحدث عن األموال و أنواع الصنائع وقسمها إلى نوعين ‪:‬‬

‫علمية كالفقه والهندسة ‪.‬‬


‫وعملية كالزراعة والحياكة ‪605.‬‬

‫يقول الدكتوررفعت السيد العوض ي‬

‫‪602‬صالح عبدالله كامل لإلقتصاد اإلسالمي جامعة األزهر ـ ‪4224‬ـ ص ـ‪143‬رفعت السيد العوضي ‪:‬تراث المسلمين العلمي اإلقتصادي‪:‬‬
‫مركز‪1‬‬
‫‪603‬المرجع السابق ـ ص ـ ‪141‬‬
‫‪604‬رفعت السيد المرجع السابق ـ ص ـ ‪145‬‬
‫‪605‬نفس المرجع السابق ـ ص ـ ‪145‬‬

‫‪P 323‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫"تتضمن اآلراء التي عرفها الدمشقي نوع ريادة في تاريخ الفكراالقتصادي ‪،‬فالمعنى الذي‬
‫فهم به مصطلح الصناعة فيه نوع ريادة إنه يعتبرالعلوم صناعة وهذا ما تعتبره اآلن الدراسات‬
‫االقتصادية ‪ ،‬والدمشقي بهذا الفهم كان سابقا على عصره"‪606.‬‬

‫قضية اإلنفاق ‪:‬‬

‫تكلم الدمشقي في كتابه عن اإلنفاق في مواضيع كثيرة‪ ،‬وكانت كتاباته عن هذا النوع على‬
‫محورين ‪:‬‬

‫أولهما يتعلق بالناحية الفنية والتحليلية ‪:‬‬

‫ثانيهما يتعلق باملجال األخالقي ‪:‬‬

‫وفي تقديمه في العرض الذي ذكرنالحظ أن املحورين متداخلين بشكل واضح‪ ،‬ويمكن أن‬
‫نلخص ءاراءه حسب اآلتي ‪:‬‬

‫أ ـ ـ أال ينفق الشخص شيئا زائدا على ما يكتسب‪ ،‬وكذلك أن ال يتساوى اإلنفاق مع‬
‫الدخل‪ ،‬بل يكون دونه ‪ ،‬وكان كالمه هذا حثا على االدخار ‪.‬‬

‫ب ـ أن يقتصر اإلنسان في اإلنفاق على حاجته‪ ،‬غير متعد في ذلك أهل طبقته ‪ ،‬أي أنه‬
‫يربط اإلنفاق االستهالكي بالحاجة‪ ،‬وكذلك ربط الحاجة بمستواه الطبقي ‪.‬‬

‫ج ـ ـ يحذرالدمشقي من التقتير والسرف والبذخ‪ ،‬وكذلك سوء التدبيروهذا يعني مجالي‬


‫اإلدخارواإلستهالك ‪.‬‬

‫الدمشقي يربط إيجابيا اإلنفاق مع بعض القيم كاألخالق والقناعة وطاعة الله تعالى ‪.‬‬

‫كما أنه ربط بين اإلنفاق والمعصية واللؤم فربطه االقتصاد واألخالق سلبا كان كان‬
‫أو إيجابا هي من خصوصيات تراث اإلسالم التي تتعلق باالقتصاد ‪.‬‬

‫ه ـ ـ له ءاراء في االستثمارمنها ‪:‬‬

‫‪606‬المرجع السابق ص ـ ‪142‬‬

‫‪P 324‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫أال يمد يده إلى ما يعجزعن القيام به كأن يشغل ما عنده في مدينة ال يقدرعلى عمارتها ‪.‬‬
‫وأن ال يشغله بش يء يتأخر خروجه ‪،‬إنه يربط اإلنفاق االستثماري بطبيعة وسرعة دوران رأس‬
‫المال وبالقدرة على العمل ‪.‬‬

‫ولنذكرما قاله الدكتوررفعت السيد العوض ي عن الدمشقي‬

‫*فإنه يمكن القول أن مساهمة الدمشقي تمثل أقوى مساهمة من نوعها في تراث‬
‫المسلمين العلمي في االقتصاد‪ ،‬وذلك حتى عصرالدمشقي أي التفوق الذي نقصده لمساهمته‬
‫موضوع تحت تحفظ أن ذلك مربوط بعصره والعصورالسابقة عليه ‪607.‬‬

‫ابن خلدون ونظرية العمران ‪:‬‬

‫وهذا اإلسم قد أخذ مكانه من الشهرة واألهمية ال غبارعليه في تراثنا اإلسالمي وشهرته‬
‫هذه لم تقتصر على املجال االقتصادي فحسب و إنما غطت مساحات كثيرة وواسعة في مجال‬
‫العلوم اإلجتماعية ‪.‬‬

‫وال يخفى على أحد ما لقيه ابن خلدون من كثير عناية من لدن الباحثين المتخصصين‬
‫في عدة فروع معرفية وعنه عقدت مؤتمرات ‪ ،‬ولم يقتصر هذا على اللغة العربية فقط و إنما‬
‫مساهمات جاءت في كتابات وبلغات كثيرة ‪.‬‬

‫وتتضح لنا أهمية أفكار ابن خلدون إذا ما رأينا أن كتابه المقدمة ترجم إلى عدة لغات‬
‫مثل اللغات األوروبية وكذلك التركية واليابانية ‪608‬‬

‫إن مقدمة ابن خلدون التي جاءت سنة ‪000‬هـ في القرن الرابع عشر ميالدي هي صورة‬
‫مماثلة لكتاب ثروة األمم الذي كتبه أب االقتصاد الحديث ءادم سميث ‪3003‬م‬

‫ورغم أن ابن خلدون سبق ءادم سميث بخمسة قرون فقد بحث في مقدمته مقومات‬
‫الحضارة ونشوئها و إنتاج الثروة وصور النشاط اإلقتصادي ونظريات القيمة وتوزيع السكان‬
‫و أنه ال يختلف الكتابان إال اختالفا بيئيا ‪609‬‬

‫‪607‬تراث المسلمين العلمي االقتصادي ‪11‬مرجع سابق ـ ص ـ ‪1 31‬‬


‫‪608‬رفعت السيد مرجع سابق ـ ص ـ ‪ 14‬ـ ‪ 13‬ـ ‪115‬‬
‫‪609‬محمد شوقي الفنجري مرجع سابق ـ ص ـ ‪111‬‬

‫‪P 325‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫لقد قدم ابن خلدون دراسة مستفيضة عن نموالثروة بلغ فيها مستوى لم يسبق له مثيل‬
‫أو بعبارة ابن خلدون ‘العمران؛ وهو يمثل الموضوع الرئيس ي في كتاب المقدمة يتأكد هذا من‬
‫عنوان الكتاب مقدمة في طبيعة العمران ‪ ،‬كما يتأكد من موضوعاته التي تتناول العمران‬
‫بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ‪610‬‬

‫وال بأس أن نورد بعض الدراسات التي تناولت نظرية النمو في مقدمة ابن خلدون‬

‫أوال ‪:‬دراسة األستاذ الفرنس ي أولف يي اكراند فيل ‪Olivier de grandville‬‬

‫فقد قدم دراسة تحت عنوان ‘نظرية النمو االقتصادي؛ويعتقد أنها أول دراسة بلغة‬
‫أجنبية تخصص مساحة مميزة لنظرية اقتصادية من نظريات ابن خلدون لقد تضمنت فقرة‬
‫بعنوان ‘تفسيرمعاصرلنظرية ابن خلدون ؛عمل المؤلف على تقديم نظرية ابن خلدون في النمو‬
‫االقتصادي في صياغة حديثة مستخدما نموذجا رياضيا وبيانيا متقدما استغرق عرض هذه‬
‫النظرية الصفحات من ‪23‬إلى الصفحة ‪61100‬‬

‫ويرى األستاذ اكراند فيل أن نظرية ابن خلدون تقوم على أن النمو االقتصادي ناتج عن‬
‫تفاعل خمسة عوامل هي ‪:‬‬

‫‪ 3‬ـ النمو السكاني‬

‫‪ 5‬ـ التقدم التكنولوجي‬

‫‪ 1‬ـ بحث األفراد عن الربح‬

‫‪ 2‬ـ المكية الخاصة‬

‫‪ 0‬ـ قوة المؤسسات السياسية والقضائية ‪.‬‬

‫يقول الدكتور السيد رفعت العوض ي ‪ ،‬لقد استنتج اكراند فيل أن ابن خلدون قدم‬
‫نظرية للنمو االقتصادي ذات تفوق في فن التحليل قد سبق ‘سلو؛في أفكاره ومعروف أن‬

‫‪610‬رفعت السيد مرجع سابق ص ـ ‪111‬‬


‫‪611‬المرجع السابق ص ـ ‪114‬‬

‫‪P 326‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫‘سلو؛هو اقتصادي ءامريكي أعطى مساهمات لها اعتبارها في نظرية النمو وذلك في النصف‬
‫الثاني من القرن العشرين ‪612‬‬

‫ثانيا ‪:‬‬

‫دراسة األستاذ الدكتورشوقي أحمد دنيا ‪:‬‬

‫وفي دراسته التي قدمها الدكتور دنيا ‪ ،‬الفكر االقتصادي في مقدمة ابن خلدون كان قد‬
‫استخدم مصطلح النمو االقتصادي للتعبيرعن نظرية ابن خلدون في العمران‪.‬‬

‫ويتوصل الدكتوردنيا في الدراسة التي أعدها إلى عاملين وهما األساسيين الذين يؤثران‬
‫في النمو وهما العامل السياس ي والديني ‪:‬‬

‫أ ـ العامل السياس ي ‪:‬‬

‫وخالل نقاشه أبرزبوضوح بنودا أساسية لهذا التعامل جمعها في يلي ‪:‬‬

‫أ ـ ضرورة العمل على إيجاد وضع أمثل للتعاون وتوزيع المهام في املجتمع‪.‬‬

‫ب ـ حماية الحقوق والممتلكات ‪.‬‬

‫جـ ـ ضرورة تأمين حق الحرية لكل أفراد املجتمع ‪.‬‬

‫د ـ اإلستقرارالسياس ي ‪.‬‬

‫هـ ـ حماية الوطن من العدوان األجنبي ‪.‬‬

‫و ـ إيجاد هدف مشترك يؤمن به ويتكتل حوله أفراد املجتمع ‪.‬‬

‫ب ـ العامل الديني ‪:‬‬

‫وقد أشارالباحث إلى العامل الديني و أنه يؤثرعلى النمو بحيث اعتبرأن العامل العقدي‬
‫هو أهم عوامل التقدم وأن السياسة الشرعية اإلسالمية هي شرط لتحقيق النمو على على نحو‬
‫مستقروأن التخلي عن شريعة اإلسالم سبب به يقع خراب العمران‬

‫‪612‬نفس المرجع ـ ص ـ ‪144‬‬

‫‪P 327‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫واستنتج شوقي أحمد دنيا ‪ ،‬أن ابن خلدون يرى أن الدين هوالعامل األساس ي القادرعلى‬
‫تحقيق الشروط التمهيدية للتقدم‪.614613‬‬

‫الخاتمة‪:‬‬

‫مما ذكر سابقا يتضح لنا أن لفظ العمارة جاء بمعنى التنمية االقتصادية ولذلك يرى‬
‫بعض الكتاب اإلسالميين إن لم نقل كلهم أن الحضارة اإلسالمية كان لها السبق إلى معرفة‬
‫التنمية ألن لفظ العمارة يعني التنمية والنهوض باملجتمع على مختلف األصعدة وهذا جوهر ما‬
‫تطمح إليه جميع النظريات التنموية ولذلك لفظ العمارة أكثرشموال من التنمية كما يرى أهل‬
‫االختصاص المعاصرون ‪..‬‬

‫ولـأن عمارة األرض *التنمية بالمعنى الحديث*لم تكن عمال دنيويا فحسب بل كذلك‬
‫جهد يعبد الله تعالى به وكل خطى اإلنسان إذا كانت طاعة للعي القدير ولو كانت ألجل الدنيا‬
‫وطلب الرزق تكون عبادة يرجى بها رض ى الله تعالى وحسن ثوابه‪.‬‬

‫الئحة المصادر‬

‫‪ ‬محمد شوقي الفنجري‪ :‬المذهب االقتصادي في االسالم ـالهيئة المصرية للكتاب ـ‪.3003‬‬

‫‪ ‬أحكام القرءان للقرطبي ‪ :‬دارالمصحف بيروت ـالجزءالرابع ‪.‬‬

‫‪ ‬سعيد سعيد مرطان ـ مدخل للفكر االقتصادي في اإلسالم ـ مؤسسة الرسالة ـط ـ‪5‬ـ‬
‫‪.3003‬‬

‫‪ ‬إبراهيم يوسف إبراهيم ‪ :‬استراتيجية وتكنيك التنمية االقتصادية في اإلسالم ـ اتحاد‬


‫البنوك اإلسالمية ‪3003‬ـ‬

‫‪ ‬صالح عبد الله كامل لإلقتصاد اإلسالمي جامعة األزهر ـ ‪3000‬ـ ص ـ‪.51‬رفعت السيد‬
‫العوض ي‪ :‬تراث المسلمين العلمي االقتصادي‪.‬‬

‫‪613‬رفعت السيد العوضي ـ صـ ‪144‬‬

‫‪P 328‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫الشروط يف البيع وأحكامها عند‬


‫املالكية‬
‫‪Conditions of sale and their provisions upon ownership‬‬
‫ملخص‪:‬‬
‫تهدف هذه الدراسة إلى بيان مسألة مهمة يحتاج لها كل مسلم أال وهي تحديد مفهوم‬
‫الشروط في البيع وبيان أقسامها ما يجوزمنها وما ال يجوزوذلك على ضوء الفقه المالكي استنادا‬
‫إلى مختصرالشيخ خليل مع جملة من شراحه باستخدام المنهج االستقرائي التحليلي من خالل‬
‫تتبع النصوص المتعلقة بمجال الدراسة واستنتاج خالصتها لمعرفة ما تؤسس له من قواعد‬
‫وما ترمي إليه من مقاصد يمكن البناء عليها واستنباط أحكام مختلف الشروط بالنظر إليها مع‬
‫اإلحالة لما استندت إليه الدراسة من النقول الفقهية‪ ،‬وتخريج ما ورد فيها من األحاديث النبوية‪.‬‬

‫وتوصلت الدراسة إلى نتائج من أبرزها أن الخالف في أصل الشروط في البيع من الخالف‬
‫العالي مبناه على جملة من األحاديث الواردة فيه وأن الفقهاء اتفقوا على جواز الشروط التي ال‬
‫تنافي العقد وال تصادم نصا شرعيا وعلى حرمة عكسها واختلفوا فيما سوى ذلك‪ ،‬وأن المالكية‬
‫تفردوا بمحاولة الجمع بين األحاديث فكان لهم تقسيم خاص وتمييز بين تلك الشروط على نحو‬
‫ما سيأتي تفصيله‪.‬‬

‫الكلمات المفتاحية الفقه المعامالت المالية الشروط البيع‪.‬‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬وصلى الله على أشرف األنبياء والمرسلين‪ ،‬وعلى آله وصحبه‬
‫والتابعين‪ ،‬ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬

‫‪P 329‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫وبعد فإن المعامالت المالية‪ ،‬ومكانة تنظيمها ومركزيته في نظام حياة الناس‪ ،‬من‬
‫أمهات المهمات في التشريع اإلسالمي لمسيس الحاجة العامة إليها‪ ،‬وأوسطية شأنها في الشريعة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬ول قد كانت عناية الشارع بتنظيمها‪ ،‬وبيان كافة اإلجراءات‪ ،‬والمناهج الصحيحة‪،‬‬
‫الموضحة لها‪ ،‬والتي يجب على المكلف اتخاذها كافية في الداللة على ما تحتله من منصب بالغ‬
‫األهمية في التشريع‪ ،‬وقد عدها بعض أولي النظرمن املحققين مما يجب على كل مكلف معرفته؛‬
‫إذ ال يخلو المكلف عادة من معاطاة هذه المعامالت؛ لحاجته للوصول إلى ما بيد األخر برضاه‬
‫بطريق شرعي‪ ،‬حسما لباب المنازعات‪ ،‬واالعتداء‪ ،‬واللجوء إلى الخداع‪ ،‬والحيل املحرمة شرعا‪.‬‬

‫كل ذلك من أجل االبتعاد عن أسباب تحريهما وفسادها‪ ،‬والتنبيه على الصراط‬
‫المستقيم في ذلك والنهج القويم حتى يتبين الصحيح من الفاسد‪ ،‬والحق من الباطل‪،‬‬
‫والمتشابه من الواضح؛ فيكون المسلم المتعاطي لهذه المعامالت على بينة من أمره‪ ،‬وبصيرة‬
‫من ربه‪.‬‬

‫و انطالقا من ذلك و إيضاحا لما قد يلتبس على الكثير من دقائق األحكام المتعلقة‬
‫بمجال المعامالت المالية جاءت هذه الدراسة المقتضبة في موضوع من أهم مواضيع هذا‬
‫الباب الذي هو‪ :‬الشروط في البيع تعريفا وتقسيما‪ ،‬وتمييزا للصحيح منها والفاسد على مذهب‬
‫السادة المالكية‪.‬‬

‫إشكالية الدراسة‪ :‬ال بد للمتبايعين أو أحدهما في الغالب من شرط في عقد البيع إما‬
‫لمصلحة العقد أو ألحد المتعاقدين وقليل من العامة بل ومن بعض المتفقهة من يميز بين‬
‫الجائزمن تلك الشروط والممتنع منها فكانت هذه الدراسة محاولة موجزة لعالج تلك اإلشكالية‬
‫بالتمييزبين أقسام تلك الشروط‪ ،‬وبيان أحكامها في منهج يقرب المنشود للطلبة والباحثين‪.‬‬

‫منهج الدراسة‬

‫المنهج الذي قامت عليه الدراسة هو المنهج االستقرائي التحليلي ألهم ما ورد من‬
‫النصوص من حيث الصحة والشمول في مضوع الشروط في البيع؛ الستنتاج خالصته‪ ،‬وقطف‬
‫يانع ثمرته‪ ،‬وجعلها في ثوب منهجي قشيب‪.‬‬

‫أهميتها‪:‬‬

‫‪P 330‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫تكتسب هذه الدراسة أهميتها من أهمية مضوع البحث ومركزيته في المعامالت المالية‬
‫وكثرة وقوعه وحاجة متع اطيه إلى بيان حكمه إذ يجب على المسلم الذي يحتاج للبيع والشراء‬
‫أن يتعلم أحكامهما وما يتعلق بها من شروط وغيرها تفاديا للوقوع فيما ال يجوز وقطعا‬
‫للخصومات‪.‬‬

‫أهداف الدراسة‪:‬‬

‫‪ ‬خدمة الفقه عموما‪ ،‬وخاصة جانب المعامالت‪.‬‬

‫‪ ‬إيضاح مذهب اإلمام مالك في أصل الشروط في البيع‪ ،‬وكيف تعامل مع مختلف‬
‫األحاديث الواردة في ذلك‪.‬‬

‫‪ ‬اإلسهام في تقريب أحكام الشروط في البيع لمن يحتاجها من العاملين في البيع والشراء‪،‬‬
‫والطلبة والباحثين‪.‬‬

‫سبب اختيار المضوع ‪ :‬يعود اختيار مسألة الشروط في البيع ليكون موضوع الدراسة‬
‫أساسا إلى كثرة ما يقع فيه من الخلط عند بعض الدارسين لتشعبه وتفرق مادته واختالف‬
‫أقسامه‪ ،‬وأحكامها‪.‬‬

‫خطة البحث‪:‬‬

‫انتظم عقد هذه الدراسة في مقدمة ومبحثين وخاتمة وفق ما يلي‪ :‬المبحث األول‪ :‬مفهوم‬
‫الشروط في البيع وتأصيلها‪ .‬المبحث الثاني‪ :‬أقسام الشروط في البيع عند المالكية‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬مفهوم الشروط في البيع وتأصيلها‬

‫مما تقررعند العلماء أن الحكم على الش يء فرع عن تصوره والتزاما بهذا النهج المعرفي‬
‫الترتيبي نتناول مفهوم الشروط في البيع في المطلب األول من هذا المبحث ثم نحقق األصل في‬
‫الشروط في البيع في المطلب الثاني‪.‬‬

‫المطلب األول مفهوم الشروط في البيع‪.‬‬

‫أوال‪ :‬مفهوم الشرط لغة‬

‫‪P 331‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫الشرط بتسكين الراء في اللغة‪ :‬إلزام الش يء والتزامه في البيع ونحوه‪ ،‬كالشريطة‪ ،‬جمعه‪:‬‬
‫شروط وشرائط‪.615‬‬

‫ثانيا‪ :‬مفهوم الشرط اصطالحا‬

‫الشرط في اصطالح األصوليين‪ :‬ما يلزم من عدمه العدم وال يلزم من وجوده وجود وال‬
‫عدم لذاته‪616‬‬

‫والمراد به في اصطالح الفقهاء هنا‪ :‬إلزام أحد المتعاقدين اآلخربسبب العقد ما له فيه‬
‫منفعة‪.617‬‬

‫ثالثا‪ :‬الفرق بين الشروط في البيع وشروط البيع‬

‫تجدراإلشارة إلى أن هناك فروقا بين ما يعرف بالشروط في البيع وهي المقصودة بالبحث‬
‫هنا وشروط البيع‪.‬‬

‫الفرق األول‪ :‬أن شروط البيع هي التي وضعت من قبل الشارع والشروط في البيع هي التي‬
‫يشترطها أحد المتعاقدين على اآلخر‪.‬‬

‫الفرق الثاني‪ :‬أن شروط البيع تتوقف عليها صحته والشروط في البيع يتوقف عليها لزوم‬
‫البيع إن كانت صحيحة وفساده إن كانت فاسدة على ما يأتي من التفصيل في مبحث أنواع‬
‫الشروط‪.‬‬

‫الفرق الثالث‪ :‬أن شروط البيع ليس ألحد من المتعاقدين أن يسقطها بخالف الشروط‬
‫في البيع‪.‬‬

‫الرابع‪ :‬الشروط في البيع منقسمة إلى ما هو صحيح وفاسد بخالف شروط البيع‪.618‬‬

‫‪615‬القاموس المحيط (ش ر ط) ‪1213/4‬‬


‫‪ 616‬الفروق للقرافي ‪ ،24/4‬شرح تنقيح الفصول ‪ ،44‬الغيث الهامع شرح جمع الجوامع‪1342‬‬
‫‪ 617‬المبدع في شرح المقنع ‪ ،50/1‬منتهى اإلرادات ‪ ،442/4‬الشرح الممتع ‪1444/4‬‬
‫‪ 618‬الشرح الممتع ‪1443/4‬‬

‫‪P 332‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫المطلب الثاني‪ :‬األصل في الشروط في البيع‪:‬‬

‫اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في األصل في الشروط في البيع وإن اتفقوا في الجملة‬
‫على جواز ما ال ينافي المقصود من العقد وال يصادم نصا شرعيا فذهب طائفة إلى أن األصل في‬
‫كالحنفية‪619‬‬ ‫الشروط المنع وإذا وقع البيع مقترنا بالشرط فالبيع باطل والشرط باطل‬
‫والشافعية‪620‬وذهبت طائفة إلى أن البيع جائز والشرط باطل وهو قول ابن أبي ليلى والحسن‬
‫البصري والشعبي والنخعي‪ ،621‬وقالت طائفة بجوازالبيع والشرط معا كالحنابلة‪.622‬‬

‫وفصل مالك رحمه الله تعالى في ذلك فقصرالنهي الوارد في الحديث على وجهين‪:‬‬

‫أحدهما الشرط الذي يناقض مقتض ى العقد‪.‬‬

‫والثاني الشرط الذي يعود لخلل في الثمن‪.‬‬

‫وأما ما ال يناقض المقصود من العقد وال يؤدي إلى خلل في الثمن فجائز‪.623‬‬

‫واختالفهم في ذلك يعود إلى األحاديث المروية في مسألة البيع والشرط فمن أبطل البيع‪،‬‬
‫والشرط أخذ بعموم النهي عن بيع وشرط الوارد في حديث عمرو بن شعيب‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده‬
‫«أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط»‪ ،624،‬وعموم النهي عن الثنيا; في حديث جابر‬
‫قال‪« :‬نهى رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬عن املحاقلة‪ ،‬والمزابنة‪ ،‬واملخابرة‪ ،‬والمعاومة‪،‬‬
‫والثنيا‪ ،‬ورخص في العرايا»‪625‬‬

‫ومن أجازهما جميعا أخذ بحديث جابر«أنه باع لرسول الله صلى الله عليه وسلم جمال‬
‫واستثنى حمالنه إلى أهله»‪.626‬‬

‫ومن أجاز البيع و أبطل الشرط أخذ بعموم حديث بريرة فقد جاءت عائشة رض ي الله‬
‫عنها تستعينها في كتابتها فقالت لها عائشة‪« :‬ارجعي إلى أهلك‪ ،‬فإن أحبوا أن أقض ي عنك كتابتك‬

‫‪ 619‬بدائع الصنائع‪ ،414/1 ،‬حاشية ابن عابدين‪141/5 ،‬‬


‫‪ 620‬الحاوي الكبير‪ ،343/5 ،‬روضة الطالبين‪1100/3 ،‬‬
‫‪ 621‬شرح ابن بطال على صحيح البخاري ‪1421/2‬‬
‫‪ 622‬المبدع في شرح المقنع ‪ ،50/1‬كشاف القناع ‪1125/4‬‬
‫‪ 623‬شرح ابن بطال على صحيح البخاري‪ ،423/2 ،‬الجواهر الثمينة ‪ ،213/4‬المقدمات الممهدات ‪،21/4‬‬
‫مواهب الجليل ‪ ،313/1‬الخرشي‪ ،40/5 ،‬حاشية الدسوقي ‪ 404/3‬منح الجليل ‪154/5‬‬
‫‪ 624‬مسند أبي حنيفة ‪ ،420‬المعجم األوسط ‪1335/1‬‬
‫‪ 625‬سنن النسائي ‪ 422/1‬النهي عن بيع الثنيا حتى تعلم ح رقم‪ ،1231 :‬مسند أحمد ‪ 454/44‬ح رقم‪141354 :‬‬
‫‪ 626‬صحيح مسلم كتاب المساقاة باب بيع البعير واستثناء ركوبه‪14444/3 ،‬‬

‫‪P 333‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫ويكون والؤك لي فعلت‪ ،‬فأبوا‪ ،‬وقالوا‪ :‬إن شاءت أن تحتسب عليك‪ ،‬فلتفعل ويكون لنا والؤك‪،‬‬
‫فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فقال لها‪« :‬ابتاعي‪ ،‬فأعتقي‪ ،‬فإنما الوالء لمن‬
‫أعتق»‪627‬‬

‫ومن لم يجزالشرطين وأجازالواحد احتج بحديث عمرو بن العاص خرجه أبو داود قال‪:‬‬
‫قال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪« :-‬ال يحل سلف وبيع‪ ،‬وال يجوزشرطان في بيع‪ ،‬وال ربح ما‬
‫لم تضمن‪ ،‬وال بيع ما ليس هو عندك»‪.628‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬أقسام الشروط في البيع عند المالكية‪:‬‬

‫تنقسم الشروط في البيع إلى قسمين كبيرين القسم األول الشروط الصحيحة وسيتم‬
‫تناولها في المطلب األول من هذا المبحث والقسم الثاني الشروط الفاسدة وهي موضوع‬
‫المطلب الثاني‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬الشروط الصحيحة في البيع‬

‫الشروط الصحيحة عند المالكية نوعان‬

‫النوع األول‪ :‬الشروط التي يقتضيها العقد يعني‪ :‬أن العقد بطبيعته يستلزم تلك‬
‫الشروط‪.‬‬

‫مثاله‪ :‬أن يشترط المشتري على البائع تسليم المبيع أو أن يشترط عليه ضمان ما يظهر‬
‫فيه من العيوب وما أشبه ذلك مما هو من صميم مقتضات العقد‪.‬‬

‫حكمه‪ :‬هذا النوع من الشروط يقض ى به ولو لم يشترط ويتأكد بالشرط‪.629‬‬

‫‪ 627‬صحيح البخاري كتاب الشروط باب الشروط في البيع ح رقم‪1442/3 4141 :‬‬
‫‪ 628‬المستدرك ح رقم‪ 44/4 ،4445 :‬سنن الترمذي أبواب البيوع باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك‪،‬‬
‫‪ 541/3‬سنن أبي داوود أبواب اإلجارة باب في الرجل يبيع ما ليس عنده‪ ،‬ح قم‪ 443/3501،3 :‬سنن النسائي‬
‫كتاب البيوع ح رقم‪ 425/1 ،1242 :‬السنن الكبرى للبيهقي كتاب البيوع باب من قال ال يجوز بيع العين الغائبة‪،‬‬
‫ح رقم‪1134/5 ،40142 :‬‬
‫‪ 629‬المقدمات الممهدات ‪ ،21/4‬بداية المجتهد ونهاية المقتصد ‪ ،412-414/3‬شرح مختصر خليل للخرشي‬
‫‪140/5‬‬

‫‪P 334‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫النوع الثاني‪ :‬الشروط التي ال يقتضيها عقد البيع ولكنها ال تنافيه لكونها ال تناقض‬
‫المقصود من البيع وال تؤدي إلى غرر أو فساد في الثمن أو المثمن‪ ،‬وال إلى إخالل بشرط من‬
‫الشروط المشترطة في صحة البيع‪.‬‬

‫مثاله‪:‬‬

‫‪ )3‬شرط توثيقي كأن يشترط البائع على المشتري رهنا حتى يعطيه الثمن أو يشترط عليه‬
‫حميال يضمنه‪.‬‬

‫‪ )5‬شرط نفع يسيرمعلوم للبائع أو للمشتري ال يعود بمنع التصرف في أصل المبيع‪ ،‬مثل أن‬
‫يبيع الدار ويشترط سكناها مدة يسيرة أو يبيع مركبة ويستثني ركوبها ثالثة أيام أو إلى‬
‫مكان قريب‪.‬‬

‫‪ )1‬شرط صفة معينة يكون عليها المبيع أو شرط سالمة المبيع من العيوب‬

‫‪ )2‬شرط تقييدي جزئي مثل أن يشترط عليه أال يبيع لزيد مثال‬

‫حكمه‪ :‬فهذا صحيح الزم يقض ى به إن شرط وإال فال‪.630‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الشروط الفاسدة في البيع‬

‫القسم األول‪ :‬الشروط التي تؤدي إلى اإلخالل بشرط من شروط صحة البيع‪ ،‬كالغرر‬
‫والجهالة في الثمن أو في المثمن أو تجرإلى ربا فضل أو نساء‪.‬‬

‫مثاله‪ :‬أن يشترط أحد المتعاقدين الخيار إلى مدة مجهولة أو تأجيل الثمن إلى أجل‬
‫مجهول‪.631‬‬

‫ومن ذلك البيع بشرط السلف ألنه إذا كان السلف من المشتري فاالنتفاع به من جملة‬
‫الثمن وهو مجهول‪ ،‬فقد أوجب شرطه الجهل بقدر الثمن‪ ،‬وإن كان من البائع فاالنتفاع به من‬
‫المثمن وهو مجهول فقد أوجب شرطه الجهل به وهو ثمن أيضا‪ ،‬ويمكن أن يقال إنه إن كان‬
‫السلف من المشتري فاالنتفاع به يقابله بعض المثمن وبعضه اآلخر يقابل الثمن وهو مجهول‬

‫‪ 630‬بداية المجتهد ونهاية المقتصد ‪ ،414/3‬مواهب الجليل‪ ،312-315/1 ،‬شرح مختصر خليل للخرشي ‪،40/5‬‬
‫منح الجليل ‪152/5‬‬
‫‪631‬مواهب الجليل ‪ ،313/1‬الدسوقي ‪ ،404-404/3‬منح الجليل‪1 54/5‬‬

‫‪P 335‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫فقد أدى إلى جهل في المثمن وإن كان السلف من البائع قابل االنتفاع به بعض الثمن وقابل‬
‫باقيه وهو مجهول المثمن فقد أدى إلى جهل الثمن‪.632‬‬

‫حكمه‪ :‬الشرط الذي يترتب عليه إخالل بشرط من شروط صحة البيع يوجب فسخ‬
‫البيع فاتت السلعة أو لم تفت وليس للمتبايعين إمضاؤه‪ ،‬فإن لم تفت السلعة ردت بعينها وإن‬
‫فاتت ردت قيمتها بالغة ما بلغت إال البيع بشرط السلف فلمشترطه تصحيحه بإسقاط شرطه‬
‫قبل فوات المبيع بيد المشتري ما لم يغب غيبة يمكن معها االنتفاع وأال ففيه قوالن بالصحة‬
‫وعدمها ولكل من القولين مرجح‪633‬‬

‫القسم الثاني‪ :‬الشروط التي تنافي مقتض ى البيع أي‪ :‬المقصود منه وهي التي ال يتم معها‬
‫االنتفاع بالمبيع‪.‬‬

‫مثاله‪ :‬أن يشترط البائع على المشتري عدم التصرف في المبيع ببيع أو هبة أو نحو‬
‫ذلك‪.634‬‬

‫حكمه‪ :‬كل شرط يناقض المقصود من البيع فإنه يؤدي إلى فسخ العقد ما دام البائع‬
‫متمسكا بشرطه‪ ،‬فإن تركه صح البيع‬

‫ويستثنى من هذه القاعدة شروط ال يصح البيع معها ولو أسقطها مشترطها وهي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬أن يشترط أحدهما أكثرمن أمد الخيار فيفسخ على كل حال‪ ،‬ولو ترك الشرط ألنه‬
‫يعد اختيارا ال تركا له‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬أن يشترط البائع على المشتري النقد في بيع الخيار‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬أن يشترط المشتري بثمن مؤجل على البائع أنه إن مات فالثمن صدقة عليه أو‬
‫على وارثه‪.‬‬

‫‪ 632‬المقدمات المهدات ‪ ،21/4‬مواهب الجليل ‪ ،315/1‬شرح مختصر خليل للخرشي ‪ ،44/5‬منح الجليل ‪155/5‬‬
‫‪ 633‬بداية المجتهد ‪414/3‬شرح مختصر خليل للخرشي ‪ ،44/5‬حاشية الدسوقي ‪ ،21/3‬منح الجليل ‪155/5‬‬
‫‪ 634‬شرح مختصر خليل للخرشي مع محشيه ‪ ،40/5‬منح الجليل ‪154-54/5‬‬

‫‪P 336‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫رابعا‪ :‬شرط الثنيا وهي أن يشترط البائع على المشتري أنه متى أراد بيع ما اشتراه منه‬
‫فهو أحق به بالثمن الذي باعه به‪ ،‬أو أنه متى أتاه بالثمن فالسلعة له‪.635‬‬

‫القسم الثالث‪ :‬شرط غير صحيح إال أنه خفيف ال يخل بالثمن فيصح معه البيع ويلغى‬
‫الشرط كأن يشترط عليه زكاة ما لم يطب من الثمرة ونحو ذلك‪.636‬‬

‫الخاتمة‪:‬‬

‫في ختام هذه الدراسة بعد حمد الله سبحانه‪ ،‬وتعالى‪ ،‬الذي بنعمته تتم الصالحات‪،‬‬
‫والثناء عليه بما هو أهل له‪ ،‬لما من به من إتمام هذه الورقات‪ ،‬وما ذلل في طريق إنجازها من‬
‫العقبات؛ فضال منه‪ ،‬ونعمة‪ ،‬وقبل طي هذه الصفحات أود تلخيص بعض أهم الثمرات‪ ،‬و أبرز‬
‫األمور‪ ،‬الواردة في ثنايا هذه السطور‪.‬‬

‫‪ )3‬أن العماء مجمعون على منع ما يصادم نصا شرعيا من الشروط‪ ،‬وما يناقض ويتنافى مع‬
‫المقصود من العقد‪.‬‬

‫‪ )5‬أن العلماء متفقون على جواز ما يقتضيه العقد من الشروط وما ال يتعارض مع نص‬
‫شرعي منها‪.‬‬

‫‪ )1‬أن مالكا رحمه الله تعالى نحى منحى خاصا في الشروط في البيع جامعا بذلك بين األحاديث‬
‫الواردة فيها فقصرالنهي على قسمين من الشروط هما‪:‬‬

‫‪ -‬الشروط التي تتنافى والمقصود من العقد فتفسد العقد ما لم يسقطها مشترطها‬


‫فيصح إال في شروط معينة تقدم ذكرها‪.‬‬

‫‪ -‬الشروط التي تؤدي إلى اإلخالل بشرط من شروط الصحة فتفسد العقد ولو أسقطها‬
‫مشترطها إال ما يتعلق منها باإلخالل بالثمن زيادة ونقصا كبيع وشرط سلف فيصح العقد إن‬
‫أسقط الشرط‪.‬‬

‫وما سوى ذلك من الشروط فجائز فإن كان مما يقتضيه العقد فالزم على كل حال‬
‫واشتراطه توكيد له‪ ،‬وإن كان مما ال يقتضيه العقد وال يتنافى معه فإن اشترط لزم وإال لم يلزم‪.‬‬

‫‪ 635‬المقدمات الممهدات ‪ ،21/4‬بداية المجتهد ‪ ،414/3‬مواهب الجليل ‪ ،315/1‬شرح مختصر خليل للخرشي‬
‫‪ ،44/5‬الدسوقي ‪ 25/3‬منح الجليل ‪152/5‬‬
‫‪ 636‬المقدمات الممهدات ‪ ،21/4‬بداية المجتهد ونهاية المقتصد ‪ 414/3‬منح الجليل ‪152/5‬‬

‫‪P 337‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫المصادروالمراجع‬

‫إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد ابن مفلح‪ ،‬أبو إسحاق‪ ،‬برهان الدين المبدع‬
‫في شرح المقنع دارالكتب العلمية‪ ،‬بيروت لبنان الطبعة‪ :‬األولى‪ 3230 ،‬هـ ‪ 3000 -‬م‪.‬‬

‫ابن بطال أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك شرح ابن بطال على صحيح البخاري‬
‫مكتبة الرشد ‪ -‬السعودية‪ ،‬الرياض الطبعة‪ :‬الثانية‪3251 ،‬هـ ‪5881 -‬م‪.‬‬

‫أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي‪ ،‬الشهير بالماوردي‬
‫الحاوي الكبيردارالكتب العلمية‪ ،‬بيروت – لبنان الطبعة‪ :‬األولى‪ 3230 ،‬هـ ‪ 3000-‬م ‪.‬‬

‫أبو العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن المالكي الشهيربالقرافي أنوار‬
‫البروق في أنواء الفروق‪ :‬عالم الكتب‪.‬‬

‫أبو العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن المالكي الشهيربالقرافي شرح‬
‫تنقيح الفصول شركة الطباعة الفنية المتحدة الطبعة‪ :‬األولى‪ 3101 :‬هـ ‪ 3001 -‬م‪.‬‬

‫أبو القاسم الطبراني سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطيراللخمي‪ ،‬المعجم األوسط دار‬
‫الحرمين ‪ -‬القاهرة‪.‬‬

‫أبوالوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي المقدمات الممهدات دارالغرب اإلسالمي‪،‬‬


‫بيروت – لبنان الطبعة‪ :‬األولى‪ 3280 ،‬هـ ‪ 3000 -‬م‪.‬‬

‫أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد القرطبي الشهير بابن رشد‬
‫الحفيد بداية املجتهد ونهاية المقتصد دارالحديث – القاهرة تاريخ النشر‪3250 :‬هـ ‪ 5882 -‬م‪.‬‬

‫أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بن موس ى البيهقي السنن الكبرى دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بيروت – لبنات الطبعة‪ :‬الثالثة‪ 3252 ،‬هـ ‪ 5881 -‬م‪.‬‬
‫أبو داود سليمان بن األشعث بن إسحاق األزدي ّ‬
‫السجستاني سنن أبي داوود المكتبة‬
‫العصرية‪ ،‬صيدا ‪ -‬بيروت‬

‫‪P 338‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي روضة الطالبين المكتب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪-‬‬
‫دمشق‪ -‬عمان الطبعة‪ :‬الثالثة‪3235 ،‬هـ ‪3003 /‬م ‪.‬‬

‫أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي الخراساني‪ ،‬النسائ سنن النسائي مكتب‬
‫المطبوعات اإلسالمية حلب الطبعة‪ :‬الثانية‪. 3003 - 3283 ،‬‬

‫أبو عبد الله الحاكم محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه المستدرك على‬
‫الصحيحين دارالكتب العلمية – بيروت الطبعة‪ :‬األولى‪.3008 – 3233 ،‬‬

‫أبو عيس ى محمد بن عيس ى بن َسورة بن موس ى بن الضحاك‪ ،‬الترمذي‪ ،‬سنن الترمذي‬
‫شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي مصر الطبعة‪ :‬الثانية‪ 3100 ،‬هـ ‪ 3000 -‬م‪.‬‬

‫أبو محمد جالل الدين عبد الله بن نجم بن شاس عقد الجواهرالثمينة في مذهب عالم‬
‫المدينة دارالغرب اإلسالمي‪ ،‬بيروت لبنان الطبعة‪ :‬األولى‪ 3251 ،‬هـ ‪ 5881 -‬م‪.‬‬

‫تقي الدين محمد بن أحمد الفتوحي الحنبلي الشهيربابن النجارمنتهى اإلرادات مؤسسة‬
‫الرسالة الطبعة‪ :‬األولى‪3230 ،‬هـ ‪3000 -‬م ‪.‬‬

‫شمس الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الطرابلس ي المغربي‪،‬‬
‫المعروف بالحطاب ُّ‬
‫الرعيني المالكي مواهب الجليل في شرح مختصر خليل دار الفكر الطبعة‪:‬‬
‫الثالثة‪3235 ،‬هـ ‪3005 -‬م ‪.‬‬

‫عالء الدين‪ ،‬أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني الحنفي بدائع الصنائع دار الكتب‬
‫العلمية الطبعة‪ :‬الثانية‪3283 ،‬هـ ‪3003 -‬م ‪.‬‬

‫مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادى القاموس املحيط مؤسسة‬
‫الرسالة للطباعة والنشروالتوزيع‪ ،‬بيروت لبنان ط‪ :‬الثامنة‪ 3253 ،‬هـ ‪ 5880 -‬م‪.‬‬

‫محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي حاشية الدسوقي على الشرح الكبير دار‬
‫الفكر‪.‬‬

‫محمد بن أحمد بن محمد عليش‪ ،‬أبو عبد الله المالكي منح الجليل شرح مختصرخليل‬
‫دارالفكر– بيروت تاريخ النشر‪3280 :‬هـ‪3000/‬م ‪.‬‬

‫‪P 339‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي صحيح البخاري دار طوق النجاة‬
‫الطبعة‪ :‬األولى‪3255 ،‬هـ ‪.‬‬

‫محمد بن صالح بن محمد العثيمين الشرح الممتع دار ابن الجوزي الطبعة‪ :‬األولى‪،‬‬
‫‪ 3250 - 3255‬هـ‪..‬‬

‫محمد بن عبد الله الخرش ي المالكي أبو عبد الله شرح مختصرخليل للخرش ي دارالفكر‬
‫للطباعة ‪ -‬بيروت ‪.‬‬

‫مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري صحيح مسلم دار إحياء التراث‬
‫العربي – بيروت‪.‬‬

‫مسند اإلمام أبي حنيفة رواية أبي نعيم أحمد بن عبد الله األصبهاني مكتبة الكوثر‬
‫الرياض الطبعة‪ :‬األولى‪ 3230 ،‬هـ‪.‬‬

‫منصور بن يونس بن صالح الدين ابن حسن بن إدريس البهوتى الحنبلى كشاف القناع‬
‫دارالكتب العلمية‪.‬‬

‫ولي الدين أبي زرعة أحمد بن عبد الرحيم العراقي الغيث الهامع شرح جمع الجوامع دار‬
‫الكتب العلمية الطبعة‪ :‬األولى‪3250 ،‬هـ ‪5882 -‬م ‪.‬‬

‫‪P 340‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫التنظيم القانوني لزيارة احملضون أي‬

‫اشكاليات عاملية وقانونية‬


‫‪Legal regulation of visiting bailiffs - any practical and legal issues‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫يعد موضوع الحضانة أثرا من اآلثار التي تتولد عن الزواج و انحالله‪ ،‬ألن الحضانة‬
‫ترتبط بحق الطفل في الحماية والرعاية والتربية والتوجيه‪ ،‬ولذلك تعتبر األحكام المتعلقة بها‬
‫أساسا في مصلحة املحضون بالدرجة األولى‪ ،‬وإن كانت تعد حقا للحاضن كذلك واملحضون معا‪،‬‬
‫إال أن حق املحضون‪ ،‬أقوى ألن الطفل الذي حرم من حنان أسرته نتيجة انفصال أبويه عن‬
‫بعضهما يكون في أشد الحاجة إلى الرعاية والعناية من أجل تجنب املخاطرالتي تعترض سبيله‪،‬‬
‫وهذا ما تم تأكيده في المادة ‪ 02‬من مدونة األسرة‪.‬‬

‫وقد اهتم الفقه اإلسالمي‪ ،‬قبل القوانين الوضعية‪ ،‬بموضوع الحضانة كذلك‪ ،‬وأوالها‬
‫عناية وأهمية بالغة من خالل التنظيم املحكم ملختلف الجوانب المرتبطة والمتعلقة بها‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬وقد اهتمت مدونة األسرة‪ ،‬وقبلها مدونة األحوال الشخصية الملغاة بالحضانة‬
‫من خالل تخصيص ‪ 32‬فصال للحضانة (من الفصل ‪ 00‬إلى الفصل ‪ ،)333‬حيث إن مدونة‬
‫األسرة أولت بدورها للحضانة أهمية بالغة من خالل وضع نصوص قانونية تكون أكثراستجابة‬
‫للو اقع‪ .‬ومن أجل توفير حماية أفضل للمحضون مع إسناد السلطة التقريرية للمحكمة في‬
‫غالب األحيان‪ ،‬شريطة توفير مصلحة املحضون بالدرجة األولى‪ ،‬وهكذا خصصت المدونة‬
‫القسم الثاني من الكتاب الثالث للحضانة ابتداء من المادة ‪ 331‬إلى غاية المادة ‪303‬منها‪ .‬وهذا‬
‫يدل على العناية التامة التي أوالها المشرع المغربي للحضانة‪ ،‬كما تم تقرير حق الزيارة الذي‬
‫بموجبه يحافظ على صلة الرحم والتعرف على أحواله الشخصية‪ ،‬سواء ألبوي املحضون أو‬

‫‪P 341‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫أقاربهم‪ ،‬وغيرها من الموضوعات التي ترتبط بها‪.‬لكن ورغم ذلك فإن المتصفح ملختلف هذه‬
‫المواد و انطالقا من التجربة العملية يتضح أن هناك العديد من االشكاليات التي ال زالت‬
‫تطرحها تطبيق هذه النصوص‪.‬‬

‫وبناء على ما سبق يمكن أن نقسم دراسة هذا الموضوع إلى مطلبين على الشكل التالي‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬التنظيم القانوني لزيارة املحضون‪ .‬المطلب الثاني‪ :‬االشكاالت العملية و‬
‫القانونية المرتبطة بتنظيم زيارة املحضون‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬التنظيم القانوني لزيارة املحضون‬

‫أفردت مدونة األسرة لزيارة املحضون المواد من ‪ 308‬إلى ‪ 303‬نظرا ألهميتها البالغة‪،‬‬
‫حيث تعد الحضانة حق للمحضون قبل أن تكون حقا لغير الحاضن من األبوين‪ ،‬ونظرا لذلك‬
‫فقد تدخل المشرع المغربي من خالل مدونة األسرة ووضع شروط للحضانة وبين طريقة زيارة‬
‫املحضون التي منح لألبوين حرية تنظيمها كأصل واستثناء يمكن للمحكمة تنظيمها (الفقرة‬
‫الثانية)‪ ،‬ولكن قبل ذلك ال بد أن نتطرق إلى تعريف الحضانة (الفقرة األولى)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬مفهوم الحضانة‬

‫لنحيط بمفهوم الحضانة بشكل شامل‪ ،‬ارتأينا أن نتحدث (أوال) عن تعريف الحضانة‬
‫وسندها الشرعي‪ ،‬بعد ذلك نتناول ترتيب الحاضنين وفق ما جاءت به مدونة األسرة ونحدد نطاق‬
‫الحضانة (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬تعريف الحضانة وسندها الشرعي‬

‫الحضانة في اللغة من الحضن و هو الجنب‪ ،‬نقول تحتضن المرأة ولدها إذا جعلته في‬
‫حصنها أي أحد جنبيها‪ ،‬مما يفيد أن الحضانة هي ضم الولد أو الش يء إلى الجنب قصد حمايته‪.‬‬

‫أما الحضانة في الفقه فهي حفظ الولد في مبيته ومؤونته طعامه و ملبسه‪ ،‬ومضجعه و‬
‫تنظيف جسمه‪ ،‬ويمكن تعريفها أيضا في نظر البعض‪ 637‬بأنها‪" :‬حفظ الولد مما قد يضره‬
‫والقيام بتربيته ومصالحه‪ ،‬فهي تكون لألبوين معا وتعتبرمن واجباتهما ما دامت العالقة الزوجية‬
‫قائمة بينهما‪ ،‬فالقاصر يعتبر ساكنا مع أبيه الذي يتحمل مسؤولية ما أحدثه من أضرار‬

‫‪ -637‬محمد الشاافعي‪ ،‬الزواج وانحالله في مدونة األسارة‪ ،‬الطبعة الخامسة‪ ،‬المطبعة والوراقة الوطنية‪ ،‬مراكش ‪ ،1011‬ص‪:‬‬
‫‪.755‬‬

‫‪P 342‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫للغير"‪ ،‬وقد عرفها أيضا عمر عبد الله بأنها‪" :‬تربية الطفل ورعايته والقيام بجميع شؤونه في‬
‫سن معينة‪ ،‬ممن له الحق في ذلك من أقاربه املحارم"‪ .638‬وهو ما عبر عنه المشرع المغربي في‬
‫مدونة األسرة من خالل المادة ‪ 331‬التي تنص على أن‪" :‬الحضانة حفظ الولد مما قد يضره و‬
‫القيام بتربيته و مصالحه‪ ،‬و على الحاضن أن يقوم قدرالمستطاع بكل اإلجراءات الالزمة لحفظ‬
‫املحضون وسالمته في جسمه ونفسه‪ ،‬والقيام بمصالحه في حالة غيبة النائب الشرعي وفي حالة‬
‫الضرورة إذا خيف ضياع مصالح املحضون"‪.‬‬

‫والحضانة بهذا المفهوم هي حفظ الولد القاصرالذي لم يبلغ بعد سن الرشد القانوني‬
‫مما قد يضره عموم ا‪ ،‬و القيام بكل ما يتعلق بحماية ذاته و حاجياته و مصالحه المادية و‬
‫المعنوية و رعايته إلى حين بلوغه كامال في عقله و جسمه‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬ترتيب الحاضنين ونطاق الحضانة‬

‫تقتض ي منا الدراسة أن نتطرق لترتيب الحاضنين في نقط أوى‪ ،‬ثم بعد ذلك نتناول نطاق‬
‫الحضانة في نقطة ثانية‪.‬‬

‫أ‪ :‬ترتيب الحاضنين‬

‫تخول الحضانة لألم‪ ،‬ثم لألب‪ ،‬ثم ألم األم‪ .‬فإن تعذر ذلك‪ ،‬فللمحكمة أن تقرر بناء على‬
‫ما لديها من قرائن لصالح رعاية املحضون‪ ،‬وإسناد الحضانة ألحد األقارب األكثر أهلية‪ ،‬مع‬
‫جعل توفيرسكن الئق للمحضون من واجبات النفقة‪.639‬‬

‫وفي هذا اإلطار فللمحكمة االستعانة بمساعدة اجتماعية في إنجاز تقرير عن سكن‬
‫الحاضن‪ ،‬وما يوفره للمحضون من الحاجيات الضرورية المادية والمعنوية‪.640‬‬

‫وبما أن الحضانة هي حفظ الولد مما قد يضره‪ ،‬والقيام بتربيته ومصالحه‪ .‬وعلى‬
‫الحاضن أن يقوم‪ ،‬قدرالمستطاع‪ ،‬بكل اإلجراءات الالزمة لحفظ املحضون وسالمته في جسمه‬
‫ونفسه‪ ،‬والقيام بمصالحه في حالة غيبة النائب الشرعي‪ ،‬وفي حالة الضرورة إذا خيف ضياع‬
‫مصالح املحضون‪ .‬وفي حالة عدم وجود األبوين‪ ،‬يمكن للقاصر اختيار أحد أقاربه المنصوص‬

‫‪ -638‬أشار إليه محمد الكشبور‪ ،‬الواضح في شرح مدونة األسرة‪ ،‬انحالل ميثاق الزوجية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الطبعة‬
‫الثالثة‪ ،‬سنة ‪ ،1075‬ص‪.267 :‬‬
‫‪ -639‬المادة ‪ 717‬من مدونة األسرة‪.‬‬
‫‪ -640‬المادة ‪ 711‬من مدونة األسرة‪.‬‬

‫‪P 343‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫عليهم في مدونة األسرة‪ ،‬شريطة أال يتعارض ذلك مع مصلحته‪ ،‬وأن يو افق نائبه الشرعي‪ .‬وفي‬
‫حالة عدم المو افقة‪ ،‬يرفع األمرإلى القاض ي ليبت وفق مصلحة املحضون‪ .‬ويمكن للمحكمة أن‬
‫تعيد النظرفي الحضانة إذا كان ذلك في مصلحة املحضون‪.‬‬

‫ب‪ :‬نطاق ومدة الحضانة‬

‫من خالل هذه النقطة تقتض ي منا ضرورة دراستها أن نبين أوال نطاق الحضانة‪ ،‬بعد‬
‫ذلك سنوضح مدتها‪.‬‬

‫‪ -‬نطاق الحضانة‬

‫بالرجوع لمقتضيات المادة ‪ 331‬من مدونة األسرة نجدها تقرر أن الحضانة هي حفظ‬
‫الولد مما قد يضره قدر المستطاع والقيام بتربيته ومصالحه‪ ،‬لكن‪ ،‬السؤال الذي يتبادر إلى‬
‫الذهن هو هل تقتصرالحضانة على الولد الصغيرفقط أم تمتد إلى أشخاص آخرين كالمصاب‬
‫بمرض عقلي كاملجنون والمعتوه في أي سن هما فيه؟‬

‫لإلجابة على هذا السؤال فقد تعددت آراء الفقه‪ ،‬فاألحناف والمشهور عند المالكية‪،‬‬
‫أن الجنون والعته ال يعتبرسببا للحضانة ولذلك فاملجنون والمعتوه ال يبق بعد بلوغه في حضانة‬
‫أمه و إنما يضم إلى أبيه ليقوم برعايته‪ .‬أما الشافعية والحنابلة‪ ،‬فالجنون والعته عندهم من‬
‫أسباب الحضانة وهكذا فمتى بلغ الصغيرمجنونا أو معتوها فإن حضانته تستمر‪ .‬وإذا بلغ عاقال‬
‫ثم أصيب بجنون أو بعته‪ ،‬فإنه يخضع للحضانة من جديد‪.641‬‬

‫‪ -‬مدة الحضانة‬

‫تنص المادة ‪ 333‬من مدونة األسرة على أن الحضانة تستمرإلى بلوغ سن الرشد القانوني‬
‫للذكرواألنثى على حد سواء‪ .‬وبعد انتهاء العالقة الزوجية‪ ،‬يحق للمحضون‪ ،‬الذي أتم الخامسة‬
‫عشرة سنة‪ ،‬أن يختارمن يحضنه من أبيه أو أمه‪.‬‬

‫في حالة عدم وجودهما‪ ،‬يمكنه اختيار أحد أقاربه المنصوص عليهم في المادة ‪303‬‬
‫بعده‪ ،‬شريطة أن ال يتعارض ذلك مع مصلحته‪ ،‬وأن يو افق نائبه الشرعي‪.‬‬

‫وفي حالة عدم المو افقة‪ ،‬يرفع األمرإلى القاض ي ليبت وفق مصلحة القاصر‪.‬‬

‫‪ -641‬محمد الكشبور‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.502 :‬‬

‫‪P 344‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬شروط الحضانة وزيارة املحضون‬

‫سبق وأن بينا مفهوم الحضانة بأنها حفظ الولد القاصر الذي لم يبلغ بعد سن الرشد‬
‫القانوني مما قد يضره عموما‪ ،‬والقيام بكل ما يتعلق بحماية ذاته و حاجياته و مصالحه المادية‬
‫و المعنوية و رعايته إلى حين بلوغه كامال في عقله و جسمه‪ .‬وقد أوجب المشرع المغربي في‬
‫الحاضن أن تتوفر فيه مجموعة من الشروط (أوال)‪ ،‬وبين أيضا كيفية زيارة املحضون من قبل‬
‫غيرالحاضن من األبوين (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬شروط الحضانة‬

‫نظرا ألهمية الحضانة و أثرها على تربية الطفل و رعايته‪ ،‬فقد قيدها المشرع بشروط ال‬
‫بد من تو افرها في شخص الحاضن‪ ،‬و هي المنصوص عليها في المادة ‪ 301‬من مدونة األسرة‪.642‬‬

‫‪ – 3‬الرشد القانوني لغيراألبوين‬

‫يشترط في غيرالحاضن من األبوين بلوغ سن الرشد القانوني المنصوص عليه في المادة‬


‫‪ 580‬من مدونة األسرة‪ ،‬و هو ‪ 30‬سنة شمسية كاملة‪ ،‬مما يفيد أن الحاضن يجب أن يكون كامل‬
‫األهلية‪ ،‬بمفهوم المادة ‪ 583‬من نفس القانون أعاله‪.‬‬

‫و لعل المشرع لم يشترط هذا الشرط في األبوين‪ ،‬اعتبارا و مراعاة لمقتضيات المواد‬
‫األخرى من مدونة األسرة التي تسمح بزواج من لم يبلغ سن الرشد‪ ،‬و انسجاما مع المادة ‪ 55‬التي‬
‫تنص على أن " المتزوجان يكتسبان طبقا للمادة ‪ 58‬أعاله‪ ،‬األهلية المدنية في ممارسة حق‬
‫التقاض ي في كل ما يتعلق بآثار عقد الزواج من حقوق و التزامات ‪ " ...‬ولعل من الحقوق التي‬
‫يمكن التقاض ي بشأنها ما يرتبط بالحضانة‪.‬‬

‫‪ – 5‬االستقامة و األمانة‬

‫‪ -642‬تنص المادة ‪ 711‬من مدونة األسرة على ما يلي‪ " :‬شروط الحاضن‪:‬‬
‫‪ -7‬الرشد القانوني‪،‬‬
‫‪ -1‬االستقامة واألمانة‪،‬‬
‫‪ -1‬القدرة على تربية المحضون وصيانته ورعايته دينا وصحة وخلقا وعلى مراقبة تمدرسه‪،‬‬
‫‪ -2‬عدم زواج طالبة الحضانة إال في الحاالت المنصوص عليها في المادتين ‪ 712‬و‪ 715‬بعده‪.‬‬
‫إذا وقع تغيير في وضعية الحاضن خيف منه إلحاق الضرر بالمحضون‪ ،‬سقطت حضانته وانتقلت إلى من يليه"‪.‬‬

‫‪P 345‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫و يعني ذلك أن يكون الحاضن مستقيما في دينه و أخالقه‪ ،‬حتى ال يؤذي املحضون و يؤثر‬
‫فيه بسوء أخالقه أو بفسقه‪ ،‬كما يجب أن يكون أمينا عليه في نفسه و عقله و ماله‪.‬‬

‫‪ -1‬القدرة على تربية املحضون و صيانته و رعايته دينا و صحة و خلقا وعلى مر اقبة‬
‫تمدرسه‬

‫ويعيني ذلك ان يكون الحاضن قادرا على القيام بجميع مستلزمات املحضون‪ ،‬بأن يكون‬
‫صحيح الجسم و سالما من األمراض المعدية‪ ،‬و له من االمكانيات المادية والمعنوية وما يجعله‬
‫يتكفل برعاية املحضون دينا و صحة و خلقا و تمدرسا‪.‬‬

‫رابعا – عدم زواج طالبة الحضانة إال في الحاالت المنصوص عليها في المادتين ‪ 302‬و‬
‫‪ 300‬من مدونة األسرة‬

‫عدم زواج الحاضنة يختلف حسب ما اذا كانت هذه األخيرة أما أم غيرها‪ ،‬و ذلك حسب‬
‫التفصيل المبين في المادتين ‪ 302‬و ‪ 300‬من مدونة األسرة‪.‬‬

‫و تجدر اإلشارة‪ ،‬إلى أن القضاء يتحمل مسؤولية كبرى في التأكد والتحقق من توفر‬
‫الشروط المذكورة أعاله‪ ،‬في طالبة الحضانة‪ ،‬و ذلك عبر القيام بمجموعة من التحريات و‬
‫البحوث التي من شأنها االطمئنان على مصلحة املحضون وسالمته‪ ،‬و هو ما تم تأكيده من خالل‬
‫الفقرة األخيرة من المادة ‪ 301‬أعاله‪ ،‬التي تنص على أنه‪" :‬إذا وقع تغييرفي وضعية الحاضن خيف‬
‫منه إلحاق الضررباملحضون‪ ،‬سقطت حضانته و انتقلت إلى من يليه"‬

‫المطلب الثاني‪ :‬االشكاالت العملية و القانونية المرتبطة بتنظيم زيارة املحضون‬

‫الزيارة واالستزارة حق يضمنه القانون لغير الحاضن من األبوين باتفاق بينهما‪ ،643‬وإذا‬
‫تعذرذلك‪ ،‬تحدده املحكمة في قرارإسناد الحضانة‪.‬‬

‫وقد تعرض المشرع ألحكام زيارة املحضون في المواد ‪ 308‬الى ‪ ،303‬فتطرق إلى امكانية‬
‫اتفاق األبوين على تنظيم هذه الزيارة حسبما يناسبهما معا‪ ،644‬و إال فإن على املحكمة التدخل‬
‫من أجل تحديدها وضبطها زمانا ومكانا بالشكل الذي يضمن تنفيذها وعدم التحايل في ذلك‪،‬‬

‫‪ -643‬المادة ‪ 780‬من مدونة األسرة‪.‬‬


‫‪ -644‬المادة ‪ 787‬من مدونة األسرة‪.‬‬

‫‪P 346‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫مراعية ظروف األطراف و مالبسات كل قضية على حدة‪ ،645‬مع امكانية المتضرر من ذلك طلب‬
‫المراجعة والتعديل حسبما يتالءم وما استجد من ظروف‪.646‬‬

‫و قد أكدت المادة ‪ 303‬على ضرورة مراعاة مصلحة املحضون في تطبيق مواد هذا الباب‬
‫المتعلق بتنظيم الزيارة‪ ،‬و جعلها فوق كل اعتبار‪ ،‬مما يسمح للمحكمة تبعا لسلطتها التقديرية‪،‬‬
‫باتخاذ جميع اإلجراءات المناسبة و الالزمة لضمان مالءمة االتفاق المنظم للزيارة أو المقرر‬
‫املحدد لها لمصلحة املحضون‪.‬‬

‫و لعل أبرز اإلشكاليات المثارة بخصوص تطبيق أحكام المواد أعاله نجد اشكاليات‬
‫تتعلق بزيارة املحضون ( الفقرة االولى ) و أخرى تتعلق بإسقاط الحضانة ( الفقرة الثانية )‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬االشكاالت المتعلقة باستزارة املحضون‬

‫هناك عدة اشكاالت مرتبطة بزيارة املحضون وهو ما سنتطرق إليه اتباعا‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬الحالة التي يكون فيها محل اقامة األب غيرمحل اقامة الحاضن‬

‫فعندما تكون املحكمة قد حددت تنظيم الزيارة في كل يوم أحد من األسبوع‪ ،‬و يصادف‬
‫أن األب لم يعد يقيم في نفس المدينة التي تقيم بها الحاضنة‪ ،‬فإن هذا األخير يتقدم بطلب من‬
‫أجل تعديل المقرر املحدد للزيارة‪ ،‬بجعلها أربعة أيام متتالية كل شهر بدال من يوم األحد كل‬
‫أسبوع‪ ،‬على أساس أنه ال يستطيع التنقل أسبوعيا إلى مقرإقامة املحضون قصد استالمه‪.‬‬

‫و ال يخف أن االستجابة لهذا الطلب ال يكون في مصلحة املحضون خاصة عندما يكون‬
‫هذا األخيرمازال في سن الرضاعة ويكون محتاجا إلى رعاية األم باستمراركما أنه حتى على فرض‬
‫أنه تجاوز سن الرضاعة‪ ،‬فإن متابعته للدراسة ال تسمح بانتقاله من محل سكناه ما عدا أيام‬
‫اآلحاد والعطل‪ .‬وعليه فإنه يلزم في كل األحوال مراعاة المصلحة الفضلى للمحضون وذلك عند‬
‫تعديل أو تقرير أي مقتضيات خاصة باملحضون من قبيل تجميع أيام الزيارة في فترة متوالية‬
‫خاصة إذا كان املحضون الزال صغيرالسن أو يتابع دراسته أو به عاهة تجعل انتقاله عبء على‬
‫صحته وسلوكه‬

‫‪ -645‬المادة ‪ 781‬من مدونة األسرة‪.‬‬


‫‪ -646‬المادة ‪ 781‬من مدونة السرة‪.‬‬

‫‪P 347‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫ثانيا ‪ :‬الحالة التي تمنع فيها الحاضن من تسليم املحضون لألب قصد زيارته على أساس‬
‫أنه مازال صغيرأو في سن الرضاعة‪:‬‬

‫و تبرز هذه االشكاليات عندما يكون املحضون في سن الرضاعة‪ ،‬فتمتنع األم الحاضن‬
‫من تسليمه لألب تنفيذا للمقرر املحدد لتنظيم الزيارة‪ ،‬بعلة أنه يحتاج إلى الرضاعة و مزيد من‬
‫العناية والرعاية‪ ،‬فيعمد األب إلى تقديم طلب يرمي من خالله إلى اسقاط الحضانة‪ ،‬على اعتبار‬
‫أنه الحاضنة أخلت بواجبها في تنفيذ االتفاق أو المقرر المنظم للزيارة‪ ،‬استنادا إلى المادة ‪302‬‬
‫من مدونة األسرة‪.647‬‬

‫ففي هذه الحالة‪ ،‬يظهر أنه يجب ترجيح مصلحة املحضون‪ ،‬التي تقتض ي بقاءه مع األم‬
‫قصد ارضاعه في ظروف تضمن نموه في ظروف طبيعية‪ ،‬خاصة إذا كان األب ال يتوفر على من‬
‫يقوم بذلك مع مراعاة مالبسات كل قضية على حدة ‪ .‬وفي هذا االطارذهبت محكمة الناظورإلى‬
‫أنه" وحيث إن البنت موضوع الدعوى لم يتجاوز سنها أربع سنوات وبالتالي فإنه بالرغم من أن‬
‫المدعى عليها الحاضنة امتنعت عن تنفيذ الحكم القاض ي بمنح األب حق الزيارة فإنه من شأن‬
‫إسقاط حضانتها أن يشكل ضرركبيرا باملحضونة التي ال زالت صغيرة السن وتحتاج لرعاية أمها‬
‫ويبقى من حق األب اتباع المساطر القانونية إلجبار الحاضنة على منحه حق زيارة ابنته‪ ،‬مما‬
‫ارتأت معه املحكمة التصريح برفض الطلب"‪ .648‬وذهبت أيضا استئنافية وجدة في قرار صادر‬
‫بتاريخ ‪ 55‬مارس ‪ 5883‬جاء في إحدى حيثياته " حيث إن هذه املحكمة بعد اطالعها على وثائق‬
‫الملف ومحتوياته على الصعيد االبتدائي و االستئنافي ودراستها لعلل الحكم المستأنف ‪ ،‬تبين‬
‫لها أن ما نعته الجهة المستأنفة مبدئيا في محله ‪ ،‬ذلك أن حق زيارة املحضون وفق مقتضيات‬
‫الفصل ‪ 308‬و ما يليه من مدونة األسرة تراعي فيه املحكمة مصلحة املحضون دائما وهي األولى‬
‫بالحماية من غيرها‪ .‬وعليه فإن المستأنف عليهما وإن كانا يعتبران جدودا للمحضون ومن‬
‫حقهما زيارته وفق الفصول المشار اليها أعالها ‪ ،‬فإن ذلك يجب أن يراعي مصلحة املحضون‬
‫و أنه بالنظر لحداثة سن املحضون فإنه من الصعوبة بمكان نقله من مكان إلى مكان أو تسليمه‬
‫مدة من الزمن بعيدا عن والدته األم حتى ال ينعكس ذلك على نفسه وصحته البدنية‪ ،‬بل‬

‫‪ -647‬تنص المادة ‪ 782‬من مدونة األساااااارة على أنه‪ " :‬تتخذ المحكمة ما تراه مناساااااابا من إجراءات‪ ،‬بما في ذلك تعديل نظام‬
‫الزيارة‪ ،‬وإسقاط حق الحضانة في حالة اإلخالل أو التحايل في تنفيذ االتفاق أو المقرر المنظم للزيارة"‪.‬‬
‫‪ 648‬حكم صادر ابتدائية الناظور بتاريخ ‪ 1008-01-12‬في ملف رقم ‪ , 7921-1009‬أورد ‪ :‬سعيد الوردي في مؤلفه ‪:‬‬
‫الحضانة و إشكاالتها العملية على ضوء أحكام مدونة االسرة و العمل القضائي المغربي "‪ ،‬الطبعة االولى ‪ ،‬مطبعة االمنية‬
‫الرباط ‪ 1076‬ص ‪.88‬‬

‫‪P 348‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫باإلمكان زيارته بمقرالحاضنة مرة كل أسبوع واالطالع على أحواله لذا وجب تعديل الحكم وفق‬
‫منطوق القرار"‪ .649‬وهو نفس االتجاه الذي ذهبت إليه استئنافية فاس في قرارلها حيث اعتبرت‬
‫أن " ثبوت امتناع األم الحاضنة عن تسليم املحضونة ألبيها قصد الزيارة بسبب خوفها من نيته‬
‫االستحواذ عليها ال يسقط الحضانة طالما أن عمراملحضونة ال يتجاوز خمس سنوات ومن شأنه‬
‫فر اقها عن أمها أن يلحق إضراربها وبمصلحتها الفضلى ‪.650‬‬

‫لكن إذا ما تبث أن األم الحاضنة امتنعت عن تنفيذ مقررالزيارة وذلك بتسليم املحضون‬
‫لوالده قصد زيارته دون سبب مشروع فإن املحكمة هنا تقض ي بإسقاط حضانتها ‪ ، 651‬ويمكن‬
‫أيضا أن تحكم عليها بالحبس أو بتعويض تؤديه إلى من له الحق في الزيارة أو بهما معا نظرا‬
‫الرتكابها جريمة عدم تقديم طفل لمن له الحق فيه ‪.652‬‬

‫ثالثا ‪ :‬أثناء العالقة الزوجية‪:‬‬

‫نصت المادة ‪ 332‬من مدونة األسرة على أن الحضانة من واجبات األبوين‪ ،‬ما دامت‬
‫عالقة الزوجية قائمة‪ ،‬إال أن االشكال المطروح هوعندما ينتقل أحد الزوجين لالستقرارفي مكان‬
‫آخر‪ ،‬بعيدا عن بيت الزوجية‪ ،‬و يقوم باصطحاب األبناء معه‪ ،‬فيعمد الزوج اآلخر إلى المطالبة‬
‫بإسناد حضانة األبناء إليه‪ ،‬بعلة ان الطرف المدعى عليه ترك بيت الزوجية و اخل بالواجبات‬
‫الملقاة على عاتقه بمقتض ى عقد الزواج‪.‬‬

‫‪ 649‬قرار صادر عن استئنافية وجدة بتاريخ ‪ 11‬مارس‪ 1009‬ملف عدد ‪ 1005-501‬منشور ب " المنتقى من عمل القضاء‬
‫في مدونة االسرة " الجزء االول مطبعة اليت سال ‪ 1006‬ص ‪.112‬‬
‫‪ 650‬قرار صادر عن محكمة االستئناف بفاس بتاريخ ‪ 10072-01-7‬عدد ‪ 1072-901‬ملف رقم ‪ 1071-7906-7150‬غير‬
‫منشور‪.‬‬
‫‪ 651‬وهذا ما جاء في قرار للمجلس االعلى (محكمة النقض) حيث قضى باسقاط حضانة االم إلمتناعها عن تنفيذ مقرر الزيارة‬
‫حيث جاء فيه ‪ :‬لكن؛ حيث إنه تطبيقا لمقتضيات المادة ‪ 782‬من مدونة األسرة فإن المحكمة تتخذ ما تراه مناسبا من إجراءات‬
‫بما في ذلك تعديل نظام الزيارة وإسقاط حق الحاضنة في حالة اإلخالل أو التحايل في تنفيذ االتفاق أو المقرر المنظم للزيارة‪.‬‬
‫والبين من أوراق الملف أن المطلوب عزز طلبه بمحضر امتناع مؤرخ في ‪ 1009-01-11‬صرحت فيه الطاعنة بأنها تصر‬
‫على امتناعها عن تنفيذ مقتضيات األمر الصادر بتاريخ ‪ 1001-07-72‬تحت عدد ‪ 02-71‬في الملف رقم ‪1001-8-905‬‬
‫والقاضي بأن تمكن المطلوب من صلة الرحم مع ابنه مرة كل أسبوع؛ والمحكمة لما قضت بإسقاط حضانتها عن الطفل المذكور‬
‫تكون قد طبقت مقتضيات المادة ‪ 782‬من مدونة األسرة تطبيقا سليما ويبقى ادعاء الطاعنة بكون هذا القرار ليس في مصلحة‬
‫المحضون و سوف يلحق به ضررا سابقا ألوانه وغير ثابت مما يجعل ما أثير غير مؤسس‪.‬‬
‫‪ -‬القرار ‪ 552‬الصادر بتاريخ ‪ 1006-77-02‬في الملف رقم ‪ 1008-7-1-250‬منشور على الموقع االلكتروني‬
‫‪https://www.mahkamaty.com/blog/2016:‬‬

‫‪ 652‬حيث ذهبت المحكمة االبتدائية بسال الى الحكم على المدعى عليها بشهرين حبسا موقوفة التنفيذ وتعويض مدني قدره‬
‫‪ 70000‬درهم كتعويض عن الضرر المادي و المعنوي الذي لحق المطالب بالحق المدني ‪.‬‬
‫‪ -‬حكم صادر عن ابتدائية سال بتاريخ ‪ 8‬ابريل ‪ 1017‬حكم رقم ‪ 7950‬ملف عدد ‪ - 1017-1709-117‬غير منشور‪.‬‬

‫‪P 349‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫و قد قض ى املجلس األعلى سابقا‪ ،‬بنقض القرار االستئنافي القاض ي بتسليم الولد‬


‫لوالدته لتحضنه رغم بقاء العالقة الزوجية بعلة ان الحضانة على األوالد هي مشتركة بين أبويهما‬
‫ما دامت الزوجية متصلة بينهما‪.653‬‬

‫إذن فمدونة األسرة لم تتطرق إلى انفراد األم بالحضانة أثناء قيام الزوجية‪ ،‬بل اكتفت‬
‫بالقول إن الحضانة تكون لألبوين معا ما دامت الزوجية قائمة مع اعتباراألسرة تحت رعاية كل‬
‫من الزوجين‪.654‬‬

‫هذا وتجدر اإلشارة في هذا الصدد انه يمكن ألحد األبوين وذلك خالل قيام العالقة‬
‫الزوجية وحدوث خالف او شقاق بين الزوجين أن يطلب من املحكمة اإلذن له بزيارة املحضون ‪،‬‬
‫و في هذه الحالة فإن املحكمة تستجيب لطلبه إذا تبين لها أن ذلك يصب في مصلح املحضون ‪،‬‬
‫وفي هذا االتجاه قضت املحكمة االبتدائية بتنغير‪ -‬رغم قيام العالقة الزوجية‪ -‬بتمكين المدعي‬
‫من صلة الرحم بأبنائه وذلك كل يوم احد من كل أسبوع من التاسعة صباحا إلى غاية السادسة‬
‫مساء وفي النصف األول من أيام األعياد الدينية و الوطنية و العطل المدرسية ‪.655‬‬

‫رابعا ‪ :‬الحالة التي يرفض فيها املحضون مر افقة صاحب الحق في الزيارة‬

‫وتجد هذه الحالة موضوعا لها عندما يرفض املحضون مر افقة من له الحق في الزيارة‪،‬‬
‫أو بعبارة اخرى عندما يمتنع املحضون عن مر افقة أبيه أو جده أو أحد األقارب الذين لهم الحق‬
‫في الزيارة ‪ ،‬ففي هذه الحالة ال تمتنع الحاضنة أو الحاضن عن تسليم املحضون الى من له الحق‬
‫في استزارته ‪ ،‬و إنما املحضون هو من يأبى ذلك ‪ ،‬فهنا يطرح االشكال ذلك أن الحاضنة ال تمتنع‬
‫عن تنفيذ مقررالزيارة و إنما املحضون هو من يمتنع ‪ ،‬وتزداد حدة هذه الوضعية عندما يتشبث‬
‫من له الحق في الزيارة بضرورة تنفيذ مقرر الزيارة ‪ ،‬ويكون املحضون في حالة نفسية سيئة أو في‬
‫حالة بكاء هيستيرية مما قد ينعكس على صحته النفسية و الجسدية ‪ ،‬ففي هذه الحالة يقوم‬

‫‪ -653‬القرار رقم ‪ 597‬الصااااااادر بتااريخ ‪ 7666-09-11‬ملف ح‪.‬ش ‪ ،61/255‬منشااااااور بمجلة قضاااااااء المجلس األعلى في‬
‫األحوال الشخصية والعقار عدد ‪.71‬‬
‫‪ -654‬محمد الشافعي‪ ،‬م س‪ ،‬ص‪.755 :‬‬
‫‪ 655‬حكم عدد ‪ 760‬صادر عن المحكمة االبتدائية بتنغير في ملف رقم ‪ 1078_7910-752‬بتاريخ ‪1076—06-11‬غير‬
‫منشور‪.‬‬

‫‪P 350‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫الشخص المكلف بالتنفيذ بتحريرمحضريضمنه ما راج في تلك الو اقعة وال يقوم بتحريرمحضر‬
‫امتناع في حق الحاضن أو الحاضنة‪.‬‬

‫ولعل من بين األسباب التي تساهم في هذه الحالة هو شد الجبل بين األبوين‪ ،‬هذا األخير‬
‫الذي ينعكس سلبا على املحضون ‪ ،‬فيعمد الحاضن في كثير من األحيان إلى اعتماد أسلوب‬
‫التخويف و الترهيب ‪ ،‬وذلك ببث هذا األخير في نفسية املحضون ‪ ،‬حيث يعمد إلى غرس أفكار‬
‫سلبية عن والدته أو أبيه مثل أنه سوف يقوم باختطافه أو ضربه أو كيه إذا هو ر افق من له‬
‫الحق في الزيارة‪.‬‬

‫خامسا ‪ :‬الوكالة في زيارة املحضون‬

‫وتثيرهذه الحالة اشكالية تتعلق حول امكانية اعتماد الوكالة في زيارة محضون ‪ ،‬بحيث‬
‫يمكن للمستفيد من حق الزيارة أن يوكل عنه شخص آخر في استزارة املحضون سواء كان من‬
‫األقارب أو شخص آخر ؟‬

‫فمن الناحية القانونية وباالطالع على مختلف النصوص المنظمة للحضانة لم يتم‬
‫اإلشارة الى هذه النقطة ‪،‬و بالرجوع إلى القواعد العامة المنظمة للوكالة فإننا ال نجد أي إستثناء‬
‫بهذا الخصوص مما يمكن معه القول بجوازاعتماد الوكالة في زيارة محضون‪ .‬غيرأنه في نظرنا ال‬
‫يمكن اعتماد الوكالة في زيارة املحضون ‪،‬ذلك أن حق االستزارة هو حق شخص ي معنوي يتعلق‬
‫بالشعورو العاطفة الذي يوجد بين املحضون ومن له الحق في الزيارة ‪.‬‬

‫وتجدر االشارة هنا إلى أنه يمكن لألشخاص الذين لهم عالقة قرابة باملحضون أن‬
‫يلتجؤوا إلى املحكمة قصد اصدار أمر أو حكم يمكنهم من استزارة املحضون ‪ ،‬فاملحكمة هنا‬
‫تستجيب للطلب إذا رأت أن ذلك يصب في مصلحة املحضون‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬االشكاالت المتعلقة بسقوط الحضانة‬

‫يرتبط موضوع سقوط الحضانة أشد االرتباط بتوفر شروطها‪ ،‬و بإثبات تلك الشروط‪،‬‬
‫وألن الحاضن‪ ،‬في حالة اختالل شروط الحضانة في جانبه‪ ،‬ال يتصور منه أن يتخلى عنها بكيفية‬
‫تلقائية ‪ ،‬فإن األمريحتاج إلى رفع دعوى قضائية‪ ،‬متى تبين أن هناك مساس بمصلحة املحضون‪,‬‬
‫و اتحاد جميع االجراءات الكفيلة بذلك‪.‬‬

‫‪P 351‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫من خالل هذا فسنتحدث عن حاالت سقوط الحضانة و االشكاالت المرتبطة وهي‬
‫كالتالي‪:‬‬

‫أوال‪ -‬حالة زواج الحاضنة بأجنبي‬

‫كما تم تبيانه سابقا في الشروط الخاصة التي يجب توفرها في الحاضنة من خالل‬
‫المادتين ‪ 302‬و ‪ 300‬من المدونة‪ .‬فإن القاعدة أن الحضانة تسقط بسبب الزواج بغير قريب‬
‫محرم‪ ،‬و الواضح من المادتين اتتنا باستثناءات للقاعدة المذكورة جاءت رعاية لمصلحة‬
‫املحضون ‪ ،‬ترمي إلى غرض وهوإبقاء الطفل مع أمه أقص ى مدة ممكنة‪ ،‬لكون األم ال أحد يعوض‬
‫حنانها ‪ ،‬و غريزة األمومة أقوى من أي عطف يمكن أن تقدمه حاضنة أخرى‪.‬‬

‫فالقاعدة هنا صارمة و جامدة‪ ،‬ال كنها تلين إذا تعلق األمر بالحاضنة األم‪ ،‬وعليه فإن‬
‫القاض ي في هذه الحالة يتعين عليه أن يسير في االتجاه الذي يحقق مصلحة فضلى للمحضون‪،‬‬
‫ويتوجب لالستفادة من االستثناء المنصوص عليه في المادة ‪ 302‬من مدونة األسرة أن يكون‬
‫زواج الحاضنة بشخص تجمعه قرابة مباشرة باملحضون‪.‬‬

‫ثانيا ‪ -‬االنتقال باملحضون‪:‬‬

‫فيما يتعلق بانتقال املحضون‪ ،‬أي السفربه داخل أو خارج المغرب‪ ،‬فقد نظمه المشرع‬
‫في المادتين ‪ 300‬و ‪ 300‬من مدونة األسرة‪.‬‬

‫ويتضح من خالل المادة ‪ 300‬من المدونة أن انتقال الحاضنة أوالنائب الشرعي اإلقامة‬
‫من مكان آلخر داخل المغرب ال يسقط الحضانة‪ ،‬إال في حالة ثبوت ما يوجب السقوط و بذلك‬
‫يكون المشرع قد استبعد األحكام الخاصة بالمذهب المالكي بحيث أن سفر الحاضنة‬
‫باملحضون بعيدا عن المكان الذي يوجد به الولي يسقط حضانتها‪ .‬فبمجرد انتقال الحاضنة إلى‬
‫مدينة الدارالبيضاء مثال و األب في مدينة كلميم يبررسقوط الحضانة ألن في ذلك إرهاق لألب في‬
‫ممارسة حقه في الزيارة و المر اقبة و التوجيه‪ .‬حيث قال األستاذ محمد الكشبور‪ 656‬أن ما قرره‬
‫المشرع في آخر المادة ‪ 300‬يتناقض في طره مع ما جاء في مقدمتها‪ ،‬إذ إن االنتقال ال يسقط‬
‫الحضانة داخل المغرب ثم عاد وقرر ثانيا أنه يجب مراعاة الظروف الخاصة باألب و النائب‬

‫‪ -656‬محمد الكشبور‪ ،‬م س‪.‬‬

‫‪P 352‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫الشرعي و المسافة الفاصلة بين املحضون و أبيه أي مراعاة األحكام اإلمام مالك‪" :‬االنتقال‬
‫باملحضون داخل المغرب ال يسقط الحضانة إال استثناء‪.657‬‬

‫وتجدر االشارة هنا الى أنه يلزم الحاضنة وذلك عند تغيير سكناها أو محل إقامتها أن‬
‫تشعر ‪ 658‬من له الحق في الزيارة وذلك بعنوانها الجديد ‪ ،‬كما يلزمها أيضا أن تضع املحضون‬
‫رهن اشارة من له الحق في استزارته وذلك طيلة االوقات املخصصة للزيارة وإال اعتبرت متحايلة‬
‫في تنفيذ مقررالزيارة مما يبررمعه إمكانية اسقاط حضانتها عند تنفيذ مقررالزيارة‪.‬‬

‫أما انتقال املحضون خارج المغرب فيشكل عائقا أمام أبيه أو نائبه الشرعي في اإلشراف‬
‫و التوجيه و ممارسة حق الزيارة لهذا نجد أن المشرع نص في المادة ‪ 300‬من مدونة األسرة على‬
‫أحكام هذا السفر‪ ،‬فهناك حالة السفرالمؤقت و حالة االستقرار‪.‬‬

‫ففي حالة السفر المؤقت باملحضون إلى الخارج ال بد من مو افقة نائبه الشرعي‪ ،‬و كذا‬
‫للنيابة العامة أن ترفع دعوى تلتمس فيها منع السفر باملحضون‪ .،‬و يمكن اللجوء إلى القضاء‬
‫االستعجالي لمنع السفر املحضون في حالة االستعجال القصوى طبقا للمادة ‪659 320‬قانون‬
‫المسطرة المدنية‪ ،‬لكن قد تكون هناك ضرورة تستدعي سفر املحضون خارج التراب الوطني‬
‫فيرفض النائب الشرعي منح المو افقة على ذلك‪ ،‬فهنا يمكن للحاضنة اللجوء بدورها إلى قاض ي‬
‫المستعجالت الستصدارإذن بذلك بعد أن يتأكد هذا األخيرمن الصفة العرضية للسفروبالتالي‬
‫العودة باملحضون إلى أرض الوطن في المستقبل القريب‪ ،‬كالسفرمن أجل العطلة الصيفية‪ ،‬أو‬
‫السفرمن أجل العالج‪.‬‬

‫أما حالة الثانية كون هذا السفر يهدف من ورائه الحاضنة االستقرار بصفة نهائية‬
‫باملحضون خارج الوطن‪ ،‬مما يصعب على األب مر اقبة ولده‪ ،‬فإن هذا الطلب ال يستجاب له من‬

‫‪ -657‬محمد الكشبور‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.511 :‬‬


‫‪ 658‬يمكن أن يتم االشعار في هذه الحالة عبر البريد مع اشعار بالتوصل او تبليغ االشعار عن طريق مفوض قضائي‬
‫‪ 659‬في هذا االطار صدر امر عن المحكمة االبتدائية بتزنيت قضى برفض طلب المدعية بخصوص السفر بالمحضون لخارج ارض‬
‫الوطن نظرا لعدم توفر االستعجال و الصفة العرضية ‪ ،‬حيث جاء في احدى حيثياته ‪ :‬وحيث إنه من المقرر فقها وقضاء أن من شروط‬
‫سلوك مسطرة القضاء االستعجالي ضرورة توفر عنصر االستعجال العتباره الخطر الحقيقي المحدق بالحق المراد المحافظة عليه و أن‬
‫كل تأخير في اتخاذ إجراء وقائي عاجل يعرضه لخطر يصعب تداركه في حالة سلوك مساطر التقاضي العادية ‪1‬‬
‫وحيث لئن كان مناط اختصاص قاضي االمور المستعجلة هو كذلك فإنه بموجب المادة ‪ 412‬من مدونة االسرة يظل تدخله باالذن بسفر‬
‫المحضون الى خارج أرض الوطن مقرونا بتحقق الصفة العرضية للسفر ومن عودة المحضون الى المغرب‬
‫وحيث إن الثابت من خالل ظاهر وثائق الملف أن المبررات التي ساقتها المدعية للسفر بالمحضونة إلى خارج أرض الوطن تبقى مجرد‬
‫من االثبات ‪ 1‬وتتنافى مع نظام الحضانة المحدد في الحكم المرفق بالمقال ‪ ،‬كما أنه ال دليل على تحقق الشروط الواردة في المادة ‪412‬‬
‫سالفة االشارة مما يبقى معه الطلب وفق ذلك غير مبني على أساس ويتعين التصريح برفضه‪1‬‬
‫‪ -‬أمر صادر عن إبتدائية تزنيت ملف استعجالي صدر بتاريخ ‪ 4044-01-40‬غير منشور‪1‬‬

‫‪P 353‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫طرف القضاء األسري‪ .‬وعليه فانتقال املحضون إلى خارج أرض الوطن ومكوثه هناك لمدة‬
‫طويلة كانت أم قصيرة يجعل زيارته من طرف من له الحق له من الصعوبة بمكان ‪ ،‬زيادة على‬
‫ذلك أنه ال يمكن ان نتصور قيام الولي الشرعي بمر اقبة احوال املحضون في الوقت الذي ال‬
‫يستطيع السفر إليه من أجل زيارته‪ .‬وفي هذا االتجاه ذهب القضاء المغربي إلى رفض السفر‬
‫باملحضون إلى خارج أرض الوطن بعلة عدم تمكن النائب الشرعي من مر اقبة أحوال املحضون‬
‫وذلك من خالل القرار الصادر عن محكمة النقض الصادر في '‪ 2‬يناير ‪ 5883‬حيث قض ى بتأييد‬
‫الحكم المستأنف القاض ي بإسقاط حضانة االم بعد انتقالها باملحضونين الى السودان وذلك‬
‫بعلة انه من الصعب على والدهم مر اقبة احوالهم نظرا للمسافة الفاصلة بين دولة السودان و‬
‫المغرب‪ 660‬وهو ما ذهبت اليه أيضا محكمة تاوريرت في حكم حيث اعتبرت ان تواجد الحاضنة‬
‫رفقة ابنها خارج المغرب يتعذر معه ممارسة األب لحقه في مر اقبة ابنه وتوجهه ألنه بمفهوم‬
‫املخالة للمادة ‪ 300‬من م أ أن إقامة الحاضنة خارج المغرب يسقط حضانتها وسقوط حضانة‬
‫االم يخول للمحكمة التصريح بإسنادها لألب باعتباره األحق بها طبقا للمادة ‪ 303‬من م أ‪.661‬‬

‫ثالثا ‪ :‬االخالل بالشروط الواجب توفرها في الحاضن (االستقامة)‬

‫كم تبيانه سابقا فإنه إلسناد الحضانة الى الحاضن يجب أن تتوفر فيه مجموعة من‬
‫الشروط كتلك التي تتعلق باالستقامة و المروءة ‪،‬مستقيما في دينه و أخالقه‪ ،‬حتى ال يؤذي‬
‫املحضون و يؤثر فيه بسوء أخالقه أو بفسقه‪ ،‬كما يجب أن يكون أمينا عليه في نفسه و عقله و‬
‫ماله‪ .‬وعليه فإذا اختلت إحدى هذه الشروط فإنه يمكن للطرف المتضررأو النيابة العامة من‬
‫تلقاء نفسها أن تطالب بإسقاط الحضانة ‪ ،‬وفي هذا اإلطارقضت محكمة النقض بنقض القرار‬
‫الصادرعن محكمة االستئناف ‪ ،‬حيث اعتبرت أنه ال يشترط إلسقاط الحضانة إدانة الحاضنة‬
‫بالخيانة الزوجية بل يكفي املحكمة تلمس عدم استقامتها من خالل ما يعرض عليها من أدلة‬
‫مادية كالصور الفوتوغر افية والمراسالت االلكترونية غير المنازع فيها أو تقارير مؤسسات‬
‫رسمية تشهد عدم اهلية الحاضنة للحضانة‪ . 662‬وفي عمل قضائي اخر جاء فيه" وحيث إن‬
‫الطلب يهدف إلى الحكم بإسقاط حضانة المدعى عليها لالبن و اسنادها إلى والده المدعي لعدم‬
‫استقامة الحاضنة ‪ ،‬وحفاظا على مصلحة املحضون الذي اصبح شبه مهمل ويعاني نقص‬

‫‪ 660‬قرار عدد ‪ 7‬ملف شرعي ‪ 1002-177‬منشور بمجلة المناهج عدد ‪.6-8‬‬


‫‪ 661‬حكم صادر عن المحكمة االبتدائية يتوريرت بتاريخ ‪ 1071-06-15‬ملف رقم ‪ 1079—7906‬غير منشور‪.‬‬
‫‪ 662‬قرار عدد ‪ 112-7‬الصادر بتاريخ ‪ 1017-09-16‬في ملف شرعي عدد ‪ 1010-7-1-19‬غير منشور‪.‬‬

‫‪P 354‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫التغذية ‪ ،‬وحيث ادلى المدعي بقرار استئنافي يفيد أن المدعى عليها ادينت من اجل الخيانة‬
‫الزوجية ‪ ،‬وحيث إنه من شروط استحقاق الحضانة االستقامة و االمانة طبقا للفصل ‪ 301‬من‬
‫م أ ‪ ،‬وحيث إن ثبوت جريمة الخيانة الزوجية بقرار نهائي في حق األم الحاضنة يعدم استقامتها‬
‫وامانتها وأهليتها للحضانة ‪ ،‬وحيث إنه تبعا لذلك وحفاظا على مصلحة االبن املحضون الفضلى‬
‫ارتأت املحكمة االستجابة لطلب المدعي والقول بإسقاط حضانة المدعى عليها لإلبن وإسنادها‬
‫إلى والده المدعي"‪663‬‬

‫هذا‪ ،‬وتعود الحضانة لألم إذا زال السبب الذي منعها منها‪ .‬فباستقرائنا للمادة ‪308‬‬
‫من مدونة األسرة نجدها تأكد على أن الحضانة تعود لمستحقها في الحالة التي يتم فيها انتفاء‬
‫السبب الذي أدى إلى سقوط الحضانة من مستحقها‪ ،‬هذا ويمكن للمحكمة أن تعيد النظر في‬
‫الحضانة إذا كان ذلك في مصلحة املحضون‪.664‬‬

‫يوفره للمحضون من الحاجات الضرورية المادية والمعنوية‪ .‬غيرأن زواج األم الحاضنة‬
‫يعفي األب من تكاليف سكن املحضون‪.665‬‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫وعلى سبيل الختم فإنه يتضح أن زيارة محضون يطرح العديد من االشكاليات سواء على‬
‫مستوى القانوني أو العملي مما يحتم ضرورة تدخل المشرع بنصوص جديدة يمكن معها‬
‫التقليل من هذه االشكاليات‪.‬‬

‫ويمكن في هذا االطارالتنصيص على تفعيل أو احداث المساعدة االجتماعية باعتبارها‬


‫وسيلة يمكن معها تالفي العديد من االشكاليات التي تتعلق بزيارة محضون وذلك من خالل‬
‫حضورها في تنفيذ مقررالزيارة و المساعدة على تيهئ األطراف من حاضن ومحضون و المستفيد‬
‫من حق الزيارة‪.‬‬

‫زيادة على ذلك فإنه يلزم الحسم في العديد من االشكاليات بنصوص واضحة‪ ،‬مثل‬
‫اعتماد الوكالة في زيارة املحضون وضرورة توفرالسند التنفيذي من عدمه في تنفيذ مقررالزيارة‪.‬‬

‫‪ 663‬حكم صادر عن ابتدائية ابي الجعد بتاريخ ‪ 1001-09-10‬ملف رقم ‪ 1001-799‬غير منشور‪.‬‬
‫‪ -664‬تنص المادة ‪ 710‬من مدونة األسرة على أنه‪" :‬تعود الحضانة لمستحقها إذا ارتفع عنه العذر الذي منعه منها‪.‬‬
‫يمكن للمحكمة أن تعيد النظر في الحضانة إذا كان ذلك في مصلحة المحضون"‪.‬‬
‫‪ -665‬المواد ‪ 717‬و‪ 711‬و‪ 715‬من مدونة األسرة‪.‬‬

‫‪P 355‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫الئحة المراجع‪:‬‬

‫محمد الشافعي‪ ،‬الزواج و انحالله في مدونة األسرة‪ ،‬الطبعة الخامسة‪ ،‬المطبعة‬


‫والور اقة الوطنية‪ ،‬مراكش ‪.5855‬‬

‫محمد الكشبور‪ ،‬الواضح في شرح مدونة األسرة‪ ،‬انحالل ميثاق الزوجية‪ ،‬مطبعة‬
‫النجاح الجديدة‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬سنة ‪.5830‬‬

‫سعيد الوردي في مؤلفه ‪ :‬الحضانة و إشكاالتها العملية على ضوء أحكام مدونة االسرة‬
‫و العمل القضائي المغربي "‪ ،‬الطبعة االولى ‪ ،‬مطبعة االمنية الرباط ‪.5830‬‬

‫قرار صادرعن استئنافية وجدة بتاريخ ‪ 55‬مارس‪ 5883‬ملف عدد ‪ 5880-080‬منشور ب‬


‫" المنتقى من عمل القضاء في مدونة االسرة " الجزء االول مطبعة اليت سال ‪.5880‬‬

‫قرارصادرعن محكمة االستئناف بفاس بتاريخ ‪ 58832-80-3‬عدد ‪ 5832-381‬ملف رقم‬


‫‪ 5831-3380-3508‬غيرمنشور‪.‬‬

‫القرار رقم ‪ 033‬الصادر بتاريخ ‪ 3000-83-55‬ملف ح‪.‬ش ‪ ،00/200‬منشور بمجلة قضاء‬


‫املجلس األعلى في األحوال الشخصية والعقارعدد ‪.31‬‬

‫حكم عدد ‪ 308‬صادر عن املحكمة االبتدائية بتنغير في ملف رقم ‪5830_3358-302‬‬


‫بتاريخ ‪5830—86-50‬غيرمنشور‪.‬‬

‫حكم صادر عن املحكمة االبتدائية يتوريرت بتاريخ ‪ 5830-80-50‬ملف رقم ‪—3380‬‬


‫‪ 5833‬غيرمنشور‪.‬‬

‫‪P 356‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫–‬

‫التفريد يف انجزاء انجنايي‬


‫‪The uniqueness of the criminal sanction‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫لقد عرفت البشرية الجريمة منذ أن وجدت على سطح األرض‪ ،‬فهي ظاهرة اجتماعية‬
‫و إنسانية خطيرة‪ ،‬ناتجة عن التفاعالت والعالقات المترابطة بين األفراد والمصالح المتعارضة‬
‫بينهم‪ ،‬وقد أصبحت من الظواهر الثابتة والمألوفة في طبيعة اإلنسان وتكوين املجتمع‪ ،‬بحيث‬
‫يتعذر منعها بصورة مطلقة وإن كان باإلمكان تقليصها نسبيا بتحقيق منابعها‪ ،‬فوضع سياسات‬
‫هادفة للحيلولة بقدر اإلمكان دون نشوء الميل اإلجرامي لدى األفراد لمعالجة النوازع الجرمية‬
‫الكامنة في نفوسهم‪.‬‬

‫وإذا كانت الجريمة خطرا يمس كيان املجتمع ومقوماته األساسية‪ ،‬ويهدد أمنه‬
‫واستقراره‪ ،‬فإن العقوبة تعد وسيلة املجتمع في مكافحة تلك الظاهرة‪ ،‬التي ارتبط تطور وظيفتها‬
‫بتطوير املجتمع‪ ،‬فبدل الفالسفة والفقهاء على مر الزمن جهودا كبيرة في تطوير مفاهيم‬
‫وأغراض وظيفة العقوبة‪ ،‬باعتبارها الوسيلة المثلى للوقاية من الجريمة فقد انصبت الجهود‬
‫قديما على وظيفة العقوبة‪ ،‬أن تكون رادعة ومانعة للغير من اإلقدام على ما اقترفه الجاني‬
‫واالنزالق في السلوك اإلجرامي‪ ،‬فكانت العقوبة تمثل الشر الذي تواجه به الجريمة‪ ،‬ويفترض‬
‫فيها لتكون منتجة وفعالة للحد منها‪ ،‬أن تكون قاسية ومؤلمة ومؤذية بشكل كبير‪ ،‬لتحقيق‬
‫أهدافها‪ ،‬وبما أن الخطر هو الشخص المنحرف‪ ،‬فكان من الطبيعي أن يكون الهدف األساس ي‬
‫لهذه المواجهة‪ ،‬وإما بقتله وبالتالي إزالة هذا الخطر اإلجرامي وليس املجرم الذي يعتبر فرد‬
‫عادي في املجتمع دفعته عوامل متعددة إلى ارتكاب السلوك اإلجرامي‪ ،‬وأن مصلحة املجتمع في‬
‫حماية مصالحه‪ ،‬تقتض ي عالج هذا الشخص‪ ،‬ومساعدته على تخطي والقضاء على عوامل‬
‫اإلجرام لديه‪.‬‬

‫‪P 357‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫هذا التطور للعقوبة وأهدافها كان تبعا للتطور الفكري والحضاري‪ ،‬وبالتالي أضحى لها‬
‫وظيفتان‪ ،‬األولى ذات طبيعة أخالقية تتمثل في تكفير الجاني عن ذنبه الذي اقترفه‪ ،‬و إيقاظ‬
‫الشعور بالمسؤولية لديه وغرض إرضاء الشعور بالعدالة المتأصل في النفس البشرية‪ ،‬حيث‬
‫يتحقق معنى القصاص الذي يمنع الجاني ويمنع الجماعة نفسها من ممارسة هذا االنتقام‬
‫الجماعي ضد مرتكبي الجريمة أو ضد ذويه‪ ،‬والوظيفة الثانية نفعية بمعنى تحقيق الردع العام‬
‫عن طريق تهديد الناس كافة بتوقيع العقاب على من يخالف أوامرالمشرع ونواهيه‪ ،‬فضال عن‬
‫تحقيق الردع الخاص بإصالح حال الجاني‪ ،‬وعالج الخطورة اإلجرامية الكامنة في شخصه‪.‬‬

‫إن التطور في الفكر العقابي جعل مطلب اإلصالح العقابي متقدما على وظيفة العقوبة‬
‫ويتبين في الردع العام وتحقيق العدالة‪ ،‬بل جعلت من هذا اإلصالح هدفا وحيدا للجزاء الجنائي‪،‬‬
‫فبمقتض ى هذا المطلب أن تحولت وظيفة العقوبة من كونها وسيلة إيالم إلى وسيلة للعالج‬
‫والتقويم‪.‬‬

‫ومن هذا المنطلق‪ ،‬أرى أن أي محاولة لإلجابة على اإلشكاليات السالفة تقتض ي منا أن‬
‫نمهد أوال بإلقاء نظرة على مختلف المدارس الجنائية التي حاولت كل منها حسب فلسفتها‬
‫الخاصة التطرق إلى موضوع تفريد الجزاء الجنائي الذي أحدث ثورة في الفقه الجنائي قلبت‬
‫مفاهيمه وحولت تركيزه من الجريمة إلى املجرم كما سنرى‪ ،‬ثم سنتطرق إلى تطبيقات مبدأ تفريد‬
‫الجزاء الجنائي على ضوء التجربة المغربية وذلك وفق التقسيم التالي المبحث األول‪ :‬اإلطار‬
‫النظري لمبدأ تفريد الجزاء الجنائي‪ .‬المبحث الثاني‪ :‬صور تفريد الجزاء الجنائي على ضوء‬
‫التجربة المغربية‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬اإلطار النظري لمبدأ تفريد الجزاء الجنائي‬

‫يعتبرمبدأ تفريد الجزاء الجنائي من أهم المبادئ األساسية التي تقوم عليها التشريعات‬
‫الحديثة والمعاصرة في ظل سياستها الجنائية‪ ،‬بعدما كانت في الحضارات القديمة تطبق أبشع‬
‫العقوبات وحشية في تنفيذها‪ ،‬وتروم وظيفة العقوبة زجر مرتكبيها‪ ،‬فكلما كانت مؤلمة فهي‬
‫منتجة‪ ،‬لكن مع ظهور بعض الفالسفة وبعض النظريات‪ ،‬تغيرت مفاهيم العقوبة من وسيلة‬
‫لتحقيق ردع وزجرإلى وسيلة لتأهيل الجاني‪ ،‬وعالجه وإعادة تأهيله‪.‬‬

‫‪P 358‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬
‫ً‬
‫و انطالقا مما سبق‪ ،‬نستنتج أن التفريد العقابي واختيار الجزاء المناسب هو السند‬
‫الو اقعي لسلطة القاض ي التقديرية في حدود ما يسمح به المشرع الجنائي‪ ،‬وبالتالي فإن أي‬
‫محاولة للوقوف على أهمية التفريد بالنسبة للسياسة الجنائية الحديثة والدور الذي يلعبه في‬
‫كافة المراحل سواء المرحلة التشريعية أو مرحلة املحاكمة أو المرحلة التنفيذية يقتض ي منا‬
‫التطرق إلى المدارس الجنائية التي ظهرت إبان مرحلة التطور العلمي للعقاب ألن مبدأ التفريد‬
‫لم يتم اإللمام به بشكل عقالني إال في إطار عقلنة العقوبة وإخضاعها للمنطق السليم‪.‬‬

‫وهذه المدارس منها من ركزت اهتمامها على الجانب المتعلق بإصالح الجاني‪ ،‬أي منح‬
‫الصالحية للسلطات اإلدارية لتفريد الجزاء وفق الخطورة اإلجرامية للجاني‪ ،‬ويتعلق األمر‬
‫بالمدرسة الوضعية‪.‬‬

‫وباإلضافة إلى المدرسة التقليدية والوضعية هناك مدارس حاولت التوفيق في التفريد‬
‫الجنائي بين الجانب القانوني والقضائي واإلداري ويتعلق األمر بالمدرسة التقليدية الحديثة‬
‫ومدرسة الدفاع االجتماعي‪ ،‬ولعل هذا ما سأعمل على التحدث عليه كالتالي‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬المدرسة التقليدية‬

‫لقد جاءت المدرسة التقليدية‪ ،‬بمجموعة من المبادئ األساسية التي قدمتها‬


‫بخصوص مقياس العقوبة‪.‬‬

‫بحيث ظهرت هذه األخيرة في إطار المطالبة بالقطيعة مع النظام الجنائي الذي كان‬
‫سائدا في أوروبا في تلك المرحلة والذي تميز بالتعسف وقد تمثلت أهداف هذه المدرسة حول‬
‫ضرورة إعادة النظر في العقوبات وفرض إصالحات عليها‪ ،‬وذلك انطالقا منه فكرتين‬
‫أساسيتين‪:666‬‬

‫الفكرة األولى‪ :‬وتنطلق من سلطة الدولة في العقاب وتأسيسها على العقد االجتماعي‬
‫وضرورة تنفيذها بشكل يحقق المساوات بين المواطنين وهذا ال يتحقق إال بإخضاع العقوبات‬
‫للقانون‪ .‬وتحديدها بطريقة موضوعية دون االهتمام بالحاالت الخاصة لكل نازلة أو بالظروف‬
‫الذاتية للجاني‪.667‬‬

‫‪ -666‬محيي الدين أمزازي‪ ،‬العقوبة‪ ،‬منشورات جمعية تنمية البحوث والدراسات القضائية‪ ،‬طبعة ‪ ،1999‬ص‪.275‬‬
‫‪ -667‬عبد الواحد العلمي‪ ،‬شرح القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية‪ ،‬الجزء الثالث‪ ،‬ص‪.2.‬‬

‫‪P 359‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫أما الفكرة الثانية‪ :‬فتتمثل في افتراض الحرية المطلقة لدى اإلنسان شريطة أن يكون‬
‫كامل اإلدراك والتمييز واعتبار هذه الحرية واحدة بالنسبة لجميع األشخاص وبالنسبة لجميع‬
‫التصرفات واألفعال‪.668‬‬

‫نستنتج إذن أن هذه المدرسة‪ ،‬تفترض وجود الحرية عند كل مواطن وبنفس القدر‬
‫وبتأسيس المسؤولية الجنائية على هذه الحرية المفترضة وال يتحقق ذلك حسب هذه المدرسة‬
‫إال إذا قام المشرع بتحديد مختلف الجرائم وتقدير مختلف العقوبات المقدرة مسبقا والتي‬
‫ال ينبغي أن تتفاوت عن الحد األدنى واألقص ى‪.669‬‬

‫إذن تطبيق العقوبة حسب هذه المدرسة يهدف أساسا عند مؤيديها تقوية الثقة‬
‫بالنظام الجنائي حيث ال تأخذ بعين االعتبار مصلحة الجاني وأحاسيسه ومشاعره كما ال تأخذ‬
‫بعين االعتبار ظروف وعوامل ارتكابه للجريمة‪.‬‬

‫وفي هذا اإلطار يقول "بيكاريا" أحد رواد هذه المدرسة أن هدف العقوبة‪ ،‬يتجلى في منع‬
‫الجاني من اإلساءة مجددا للمجتمع‪ ،‬فاألمر عنده كما يبدو يتعلق بوسائل العقوبة دون‬
‫االهتمام بغاياتها‪ ،‬ومن هنا يتبين لنا بأن هذه المدرسة جاءت لمناهضة وسائل التعذيب التي‬
‫كانت قائمة في السابق‪ ،‬حيث قامت بوضع قاعدة التجريم والعقاب‪ ،‬لكنها ركزت فقط على‬
‫الجريمة دون املجرم‪ ،‬ولعل هذا ما تبناه المشرع الفرنس ي في مدونة ‪ 1791‬الفرنسية التي عملت‬
‫بنظام العقوبات املحددة‪ .670‬لكن عوض هذا القانون بالذي صدر من بعده سنة ‪ 1810‬الذي‬
‫يضعف‪671‬‬ ‫تنازل عن العقوبات املحددة‪ ،‬لكن رغم ذلك فتأثير المدرسة التقليدية عليه لم‬
‫ففكرة المسؤولية ظلت على ما كانت عليه في المدرسة األولى ولم يعتبر الجاني إال كو اقع مجرد‬
‫والجريمة شر يستوجب مواجهته بالشكل الذي يحدده القانون دون مراعاة األلم الفعلي الذي‬
‫سيعانيه الجاني‪ .‬والمالحظ أن هذه النظرة املجردة تعرضت للنقد لسببين‪:‬‬

‫‪ -668‬عبد الواحد العلمي‪ ،‬ص‪.2.‬‬


‫‪ -669‬عبد الواحد العلمي‪ ،‬ص‪.2.‬‬
‫‪ -670‬محيي الدين أمزازي‪ ،‬ص‪.20‬‬
‫‪ -671‬محيي الدين أمزازي‪ ،‬ص‪.021‬‬

‫‪P 360‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫السبب األول‪ :‬الو اقع أن هذه النظرة املجردة التي يتوخى القانون تحقيقها تقتض ي عند‬
‫التطبيق إلى عدم المساواة‪ ،‬حيث يتم إخضاع الجناة الذين ارتكبوا نفس الفعل إلى نفس‬
‫العقوبة وهذا فيه مساس باإلحساس العام للعدل بدل تحقيق المساواة‪.672‬‬

‫أما السبب الثاني‪ :‬فيكمن في تصور هؤالء للحرية ‪،‬حيث أن افتراض الحرية واعتبارها‬
‫متساوية عند كل األشخاص وعند نفس الشخص بالنسبة لجميع تصرفاته‪ ،‬وهو تصور‬
‫مرفوض ألن الو اقع أثبت وجود حاالت تنعدم فيها حرية االختيار‪ ،‬كما تنعدم فيها حرية‬
‫التقدير‪ ،673‬وبالتالي فمن غير المنطقي ومن غير العدل أن تطبق نفس العقوبة على شخص‬
‫يرتكب جريمة قتل ضد زوجته نتيجة اندفاعاته العاطفية والنفسية جراء مفاجئته لزوجته وهي‬
‫متلبسة بجريمة الخيانة الزوجية وآخر يرتكب جريمة القتل من أجل السرقة‪ .‬فالجريمة األولى‬
‫وقعت نتيجة خطأ الضحية وليس خطأ الجاني وعليه يجب تمتيعه بظروف التخفيف وعدم‬
‫مساو اته بالشخص الذي يقتل بدافع السرقة‪ ،‬ولعل هذا ما مهد لظهور المدرسة الوضعية‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬المدرسة الوضعية‬

‫تميزت هذه المدرسة الوضعية بمعارضتها المطلقة للمدرسة التقليدية وال سيما‬
‫ألفكارها المتعلقة بالمسؤولية الجنائية وأسسها‪ ،‬حيث طرحت فكرة الحرية والمسؤولية التي‬
‫تترتب عليها جانبا واستعاضت عنها بفكرة الجبرية‪.674‬‬

‫وقد انطلقت هذه المدرسة من إيطاليا بزعامة اإليطالي المشهور "المبورزو" الذي‬
‫انتقل بفلسفته من االهتمام بالجريمة إلى التركيز على املجرم‪ ،‬أي البحث عن أسباب الجريمة‬
‫في ذات املجرم أي في ظروفه البيولوجية‪ ،‬الوراثية‪ ،‬والنفسية وكذلك ظروفه االجتماعية‪.‬‬
‫ً‬
‫انطالقا مما سبق‪ ،‬يتبين لنا بوضوح‪ ،‬أن المدرسة الوضعية اعتبرت الجريمة ظاهرة‬
‫ثانوية‪ ،‬ما دامت ترتكب تحت تأثير عناصر ذاتية وموضوعية يستحيل مقاومتها ومر اقبتها من‬
‫طرف الجاني‪ ،‬وقد أسست هذا االقتراح انطالقا من فكرتين أساسيتين ‪:‬‬

‫‪ -672‬محيي الدين أمزازي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.021‬‬


‫‪ -673‬محيي الدين امزازي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.021‬‬
‫‪ -674‬محمود السقا‪ ،‬عقوبة اإلعدام‪ ،‬الرباط‪ ،022. ،‬ص‪.22‬‬

‫‪P 361‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫‪ -‬الفكرة األولى‪ :‬نفي الحرية عن الجاني حيث إذا كانت المدرسة التقليدية اعتبرت حرية‬
‫الفرد مطلقة‪ ،‬فإن هاته األخيرة‪ ،‬تنفي هذه الحرية‪ ،‬ومع غياب هذه الحرية ال يمكن عقاب الجاني‬
‫بل ينبغي خلق تدبير إصالحي يتوخى منه عدم تكرار الجريمة مستقبال‪.‬‬

‫‪ -‬الفكرة الثانية‪ :‬اعتبار املجرم أهم من الجريمة ألنه يهدد املجتمع ويملك بداخله قوة‬
‫وغرائز تدفعه إلى ارتكاب الجريمة‪ ،675‬وال يمكن إذن للمجتمع أن يواجه الجريمة ويقض ي على‬
‫آثارها إال إذا نظر إلى األسباب الذاتية والشخصية التي تحتم على الفرد ارتكاب الجريمة‪.‬‬

‫وكلما تعذر القضاء على هذه األسباب وجب القضاء على الجاني نفسه حتى يتحقق‬
‫الهدف المتوخی‪ ،‬فعند أنصار هذه المدرسة‪ ،‬فالجريمة هي نتيجة عوامل متنوعة تختلف‬
‫باختالف الظروف املحيطة بالجاني وال عالقة لها بحرية االختيار و إنما هي نتيجة عوامل متنوعة‬
‫تختلف باختالف الظروف املحيطة بالجاني وال عالقة لها بحرية االختيار لدى الجاني‪.‬‬

‫نستنتج أن كل من المدرسة التقليدية والوضعية تميزت بالتجريد المفرط والمتطرف‬


‫ولعل هذا ما أدى إلى ظهور الحاجة إلى مدارس أكثر اتزانا‪ ،‬وبالتالي ظهرت المدرسة التقليدية‬
‫الحديثة ومدرسة الدفاع االجتماعي‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬المدرسة التقليدية الحديثة‬

‫إذا كانت المدرسة التقليدية اهتمت بالظروف المادية املحيطة بالجريمة والمدرسة‬
‫الوضعية ركزت اهتماماتها على املجرم‪ ،‬فإن المدرسة الحديثة حاولت التوفيق بين المدرستين‬
‫وجاءت بنظرية متكاملة ومتزنة‪ ،‬حيث حضت أفكارها باهتمام كبير من طرف مختلف‬
‫التشريعات ومنها المشرع المغربي الذي أخذ بمبادئ المدرسة فيما يخص المسؤولية الجنائية‬
‫وتفريد الجزاء الجنائي‪.‬‬

‫ويعتبر "سالي" المؤسس الفعلي للمدرسة التقليدية الحديثة وأحد مجددي المدرسة‬
‫التقليدية حيث أصدر كتاب تفريد العقاب ‪ 6761898‬وفي وقت عرفت فيه الدراسات القانونية‬
‫تطورا بالغ األهمية‪ .‬ومن أهم ما جاءت به هذه المدرسة هو إقامة نوع من التوازن بين الحرية‬

‫‪ -675‬محيي الدين أمزازي‪ ،‬ص‪.020‬‬


‫‪ -676‬محيي الدين أمزازي‪ ،‬ص‪.020‬‬

‫‪P 362‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫والجبرية‪ 677‬حيث قالت أن حرية االختيار هي أساس هذه المسؤولية إال أن هذه الحرية ليست‬
‫مطلقة حسبها وليست متساوية عند جميع األفراد ولعل هذا ما أدى بأنصارها إلى ضرورة تقدير‬
‫حدين للعقوبة‪ ،‬حد أدنى وحد أقص ى‪ ،‬والدفاع عن مبدأ تفريد الجزاء لتمكين القاض ي من‬
‫تمتيع الجاني بظروف التخفيف حسب ما يراه من تفاوت في حرية االختيار بين الجناة في ظروف‬
‫كل نازلة‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬مدرسة الدفاع االجتماعي‬

‫مدرسة الدفاع االجتماعي أقامها "مارك أنسل" والذي جاء بتقنيات جديدة لتفريد‬
‫الجزاء الجنائي‪ ،‬كما جاء بمجموعة من المبادئ األساسية كالشرعية في التجريم والحرية في‬
‫االختيار كأساس للمسؤولية الجنائية وضرورة إبقاء الجزاء بنوعيه العقوبة والتدبير الوقائي‪،‬‬
‫وكذلك ضرورة تناسب الجزاء مع الخطأ‪.‬‬

‫ومن هنا يتبين لنا أن هناك نوع من االتفاق بين "سالي ومارك أنسل" حول وضعية‬
‫العقوبة والقانون الجنائي وحول ضرورة التفريد الذي ال ينبغي أن يضحي بمبدأ الشرعية‬
‫الجنائية والوسائل والتقنيات التي يطالب بها عند اللجوء إلى تفريد الجزاء منطلقا في ذلك من‬
‫االهتمام بالو اقع واالرتباط به حيث ال يعتبر الجريمة خرق للقواعد القانونية فقط ولكنها‬
‫نتيجة للظروف االجتماعية والنفسية للجاني كذلك وبالتالي‪ ،‬ال يجب التعامل مع الجاني على‬
‫أساس الجزاء بل وعلى أساس الحماية أيضا‪.678‬‬

‫بالنسبة للمسؤولية يعتبرها مذهب الدفاع االجتماعي عنصرا أساسيا‪ ،‬فالمسؤولية‬


‫الجنائية هي حرية االختيار واإلحساس بها الذي يرتبط بتصرف اإلنسان ونشاطه معناه أن‬
‫المسؤولية مرتبطة بوعي اإلنسان بها وبشخصه الذي يظهر به‪.679‬‬

‫انطالقا مما سبق يمكن القول أن أهم ما جاءت به المدارس المتزنة األخيرة‪ ،‬فيما يتعلق‬
‫بتفريد الجزاء يتمحور حول ما يلي ‪:‬‬

‫‪‬أن الهدف من العقوبة هو إصالح الجاني وإعادة إدماجه‪.‬‬

‫‪ -677‬العلمي عبد الواحد‪ ،‬ص‪.02‬‬


‫‪ -678‬العلمي عبد الواحد‪ ،‬ص‪.00‬‬
‫‪ -679‬محيي الدين أمزازي‪ ،‬ص‪.021‬‬

‫‪P 363‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫‪ ‬أن تفريد الجزاء يتطلب إعطاء الجريمة واملجرم نفس االهتمام‪.‬‬

‫‪ ‬أن تحديد العقوبة وتفریدها يقوم على توزيع االختصاصات بين المشرع والقاض ي‬
‫وإدارة السجون‪.‬‬

‫‪ ‬أن التفريد يتناقض مع العقوبة الثابتة ويتطلب قابلية تخطيطها كلما ظهرت‬
‫الحاجة لذلك‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬صور تفريد الجزاء الجنائي على ضوء التجربة المغربية‬

‫كشفت التطورات الحديثة التي لحقت بالسياسة الجنائية عن مبدأ التناسب‪ ،‬ويتوجه‬
‫مضمون هذا المبدأ إلى أن المشرع نبه إلى ضرورة مراعاة التناسب بين مقدار العقوبة الجنائية‬
‫والجريمة التي تقررت لها هذه العقوبة وظهر بموازاته مبدأ المساواة في العقاب کرد فعل عن‬
‫نظام عدم المساواة الذي اتسمت به اإلدارة الجنائية في النظام القديم‪ ،680‬لكن المساواة في‬
‫القانون الجنائي أدت إلى عدم المساواة بين أناس مختلفين‪ ،‬ألن العقاب وإن كان واحدا فإنه‬
‫يختلف في الحقيقة باختالف النوع والسن والظروف وغير ذلك من األحوال‪ ،‬فالشكلية التي‬
‫اتسم بها االتجاه املحافظ كادت تقض ي على المبررات التي من أجلها نودي بمبدأ الشرعية‪،‬‬
‫وذلك بالهبوط بالقضاة إلى مستوى اآللة في تطبيقهم للقانون بحرمانه من أي سلطة تقديرية‬
‫ولعل هذا ما يضر بطبيعة الحال بمبدأ المساواة أمام القانون الذي يتطلب بالضرورة أن يؤخذ‬
‫بعين االعتبار التغييرات التي أحاطت بارتكاب الجريمة‪ ،‬ومن ثم فإن المساواة الحقيقية هي‬
‫المساواة بين الجناة في األلم‪.‬‬

‫ومن هنا ظهر التفريد للتعبير عن هذا المنطق الذي هو في الحقيقة عصب السياسة‬
‫الجنائية فالمعنى الحقيقي للمساواة هو تماثل العقوبة كلما تماثلت الظروف واألوضاع ومن ثم‬
‫فال تعارض بين مبدأ المساواة في العقوبة ومبدأ تفريدها‪ ،‬ولما كان تفريد العقوبة يحقق‬
‫العدالة والمساواة فقد أخدت به النظم الجنائية الحديثة على ثالث مستويات ابتداءا من‬
‫المرحلة التشريعية إلى المرحلة القضائية تم إلى مرحلة تنفيذ العقوبة‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬التفريد القانوني للجزاء‬

‫‪ -680‬عن محيي الدين أمزازي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.222‬‬

‫‪P 364‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫رغم جهل المشرع للمجرم قبل ارتكابه الجريمة فإنه ينطلق من معطيات عامة من أجل‬
‫تحديد العقوبة‪ ،‬حيث وضع التقسيم الثالثي للجرائم والجنايات والجنح واملخالفات كما أنه‬
‫ميز بين املجرم العادي واملجرم السيالي وبين املجرم المتعود على الجريمة واملجرم المبتدئ‪ ،‬كما‬
‫أنه نص على مجموعة من التدابير القضائية‪ ،‬ومن أجل تمييزه عن املجرم الحدث وضع سياسة‬
‫جنائية خاصة باألحداث هدفها إصالح الجاني بدل الزج به داخل السجن‪ ،‬وفضال عما سبق‬
‫فإنه نص على بعض األعذار القانونية المعنية واملخففة من العقاب‪ ،‬فضال عن الظروف التي‬
‫ترفع العقوبة كما نص المشرع على العقوبات التخييرية‪.‬‬

‫إذن أن التفريد القانوني هو ذلك الذي يراعيه المشرع عند تحديده التدرج في العقوبة‬
‫حسب ظروف املجرم والجريمة‪ ،‬فيفرض على القاض ي تطبيق عقوبة أخف أو أشد الختالف‬
‫الظروف المتعلقة بالجريمة والجناة ويتمثل التفريد القانوني أو التشريعي في تفريد شخصية‬
‫املجرم أو حسب طبيعة الجريمة‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬التفريد حسب شخصية املجرم‬

‫نجد أن المشرع أورد الظروف التي تخفف العقوبة وكذلك الظروف التي تؤدي إلى‬
‫تشديدها نظرا لعودته إلى ارتكابها‪.‬‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬أعذار تخفيف العقوبة‬

‫لقد أورد المشرع أسباب حددها وأوجب تخفيف العقوبة عند توفرها وكان السن من‬
‫العوامل الرئيسية التي ساهمت بقسط وفير في شخصية القانون الجنائي وإكسائه الصيغة‬
‫الذاتية‪ ،‬ومن ثم تكريس مبدأ التدرج في العقوبة ومقادريها وهو نفسه ما کرسه المشرع المغربي‬
‫نفسه‪.‬‬

‫واألعذار القانونية املخففة تنقسم إلى نوعين ‪:‬‬

‫‪ -‬بالنسبة لألعذار القانونية املخففة العامة‪:‬‬

‫وقد سميت باألعذار املخففة العامة ألنها تنطبق على السن ‪ /‬التمييز أو ما يسمى‬
‫باألهلية الجنائية‪.‬‬

‫‪ -‬بالنسبة لألعذار القانونية املخففة الخاصة‪:‬‬

‫‪P 365‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫ولقد سميت باألعذار املخففة الخاصة‪ ،‬ألنها وردت بمناسبة مجموعة من الجرائم‬
‫املحددة على سبيل الحصر وال ينتج أثرها إال عليها‪.‬‬

‫وإذا رجعنا إلى القانون الجنائي المغربي‪ ،‬نجد أن األعذار القانونية املخففة للعقوبة‬
‫تمتثل في‪:‬‬

‫‪ -‬حالة قتل األم لوليدها‪.681‬‬

‫‪ -‬حالة القتل‪ ،‬الضرب والجرح المرتكب نهارا بقصد دفع تسلق أو كسر سور أو حائط‬
‫أو مدخل منزل أو بيت مسكون أو أحد ملحقاته‪.682‬‬

‫‪ -‬حالة القتل‪ ،‬الضرب أو الجرح الذي يرتكبه أحد الزوجين ضد الزوج اآلخر وشريكه‬
‫عند مفاجئتهما متلبسين بجريمة الخيانة الزوجية‪.683‬‬

‫‪ -‬حالة الضرب أو الجرح حتى ولو أدى إلى الموت دون نية إحداثه بسبب مفاجئة رب‬
‫األسرة ألشخاص في منزله وهم في حالة اتصال جنس ي غير مشروع‪.684‬‬
‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬الظروف المشددة في العقاب‬

‫يمكن تعريف الظروف المشددة بأنها تلك الظروف املحددة في القانون والتي توجب‬
‫تشديد العقوبة المقررة للجريمة‪ .‬وهذا ما نستنتجه من خالل الفصل ‪ 152‬ق‪.‬ج الذي نص‪:‬‬
‫"تشديد العقوبة المقررة في القانون بالنسبة لبعض الجرائم ينتج عن ظروف متعلقة بارتكاب‬
‫الجريمة أو بإجرام المتهم‪ ،‬وهذه الظروف محددة في القانون على سبيل الحصر‪ ،‬وبالنسبة‬
‫لجرائم معينة من جنايات وجنح حيث نص المشرع في الفصل ‪ 153‬يحدد القانون ظروف‬
‫التشديد المتعلقة بجنايات أو جنح معينة" وهي ظروف متعددة ومتنوعة وردت بصورة متفرقة‬
‫في الكتاب الثالث‪ ،‬وهي نوعان‪:‬‬

‫‪ -‬الظروف المتعلقة بارتكاب الجريمة‪:‬‬

‫‪ -681‬الفصل ‪ 222‬من ق‪.‬ج‪.‬م‪.‬‬


‫‪ -682‬الفصل ‪ 417‬من ق ‪.‬ج‪.‬م‪.‬‬
‫‪ -683‬الفصل ‪ 417‬من ق ‪.‬ج‪.‬م‪.‬‬
‫‪ -684‬الفصل ‪ 420‬من ق‪.‬ج ‪.‬م‪.‬‬

‫‪P 366‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫وهي مجموعة من الظروف المادية أو العينية التي تتعلق بالمالبسات العائدة للجانب‬
‫المادي أو العيني في الجريمة‪ ،‬حيث ال يمكن أن يساوي المشرع بين مرتكب جريمة السرقة‬
‫بالنشل وهي جريمة بسيطة مع من يرتكب هذه الجريمة‪ ،‬باستعمال السالح أو بالكسر أو‬
‫بالتسلق أو أن يتم ارتكابها ليال حيث يعتبر حمل السالح والكسر والتسلق ظرف مشدد في جريمة‬
‫السرقة ويتعلق بكيفية ارتكاب الجريمة‪ ،‬كما يعتبر الليل ظرف مشدد يتعلق بزمن ارتكاب هذه‬
‫الجريمة ومثال ذلك‪ ،‬فقد عاقب المشرع المغربي على جريمة السرقة في الفصل ‪ 505‬من ق‪.‬ج‬
‫بالحبس من سنة إلى ‪ 5‬سنوات وغرامة من ‪ 200‬إلى ‪ 500‬درهم إال أنه في حالة تو افر أحد ظروف‬
‫التشديد کارتكابها ليال أو باستعمال مفاتيح مزورة أو بواسطة الكسر أو التسلق‪ ،‬فإن العقوبة‬
‫تكون السجن من ‪ 5‬سنوات إلى ‪.68538‬‬

‫والمالحظ أن هذه الظروف المشددة العينية تسري على الفاعل األصلي والمساهمين‬
‫والمشاركين معه في الجريمة‪ ،‬حتى ولو كانوا يجهلون تماما تو افرها في النازلة‪.‬‬

‫‪ -‬الظروف المتعلقة بإجرام المتهم‪:‬‬

‫وهي ظروف شخصية منها ما يتعلق بالخطورة اإلجرامية للمجرم کسبق اإلصرار‬
‫والترصد حيث شدد المشرع جريمة القتل العمد من السجن المؤبد إلى اإلعدام وهذا ما‬
‫نص عليه الفصل ‪ 686293‬والمشرع شدد هذه العقوبة وعيا منه بالخطورة التي يحملها الجاني‬
‫والمتمثلة في تصميمه وعزمه المسبق على ارتكاب فعله اإلجرامي‪.‬‬

‫ومنها ما يتعلق بمالبسات تعود إلى الصفة المتوفرة في الجاني أو نوع العالقة التي تربطه‬
‫باملجني عليه ومثال ذلك حالة الفصل ‪ 547‬من ق‪.‬ج الذي يعاقب جريمة خيانة األمانة بالحبس‬
‫من ‪ 6‬أشهر إلى ‪ 3‬سنوات وغرامة من ‪ 200‬درهم إلى ‪ 2000‬درهم لكن هذه العقوبة تشدد فتصبح‬
‫حبسا من سنة إلى ‪ 5‬سنوات وغرامة إذا ارتكبها عدل أو حارس قضائي‪... 687‬‬

‫‪ -685‬الفصل ‪ 505‬من ق ‪.‬ج‪.‬م‪.‬‬


‫‪ -686‬الفصل ‪ 022‬من ق‪.‬ج‪.‬م‪.‬‬
‫‪ -687‬الفصل ‪ 002‬من ق‪.‬ج‪.‬م‪.‬‬

‫‪P 367‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫والفصل ‪ 486‬من ق‪.‬ج الذي عاقب على جريمة اإلغتصاب‪ 688‬لكنه تشدد في العقوبة في‬
‫الفصل ‪ 689487‬إذا كان الفاعل من أصول الضحية أو له سلطة عليها‪.‬‬

‫من خالل ما سبق يتبين لنا أهمية ظروف التشديد‪ ،‬لذلك نجد المشرع أعطاها اهتماما‬
‫خاصا حيث يالحظ أنه أناط بالقانون وحده‪ ،‬تحديد هذه الظروف وتقديرها‪.‬‬
‫ً‬
‫ثالثا‪ :‬العقوبات التخييرية‬

‫لقد أقر "سالي" أن نظرية العقوبات التخييرية أو المتوازية‪ ،‬تتلخص في وضع المشرع‬
‫اثنين من العقوبات األولى مشينة والثانية غير مشينة‪ ،‬حيث يترك القاض ي سلطة اختيار‬
‫العقوبة المناسبة لكل مجرم على حدة‪ ،690‬هذا ما جعل معظم التشريعات الحديثة‪ ،‬تأخذ‬
‫بنظام العقوبات التخييرية إال أن معظم هذه العقوبات تتمحور حول الحبس أو الغرامة وهذا‬
‫هو النهج الذي سلكه المشرع المغربي‪ ،‬حيث أننا إذا تفحصنا نصوص القانون الجنائي يالحظ‬
‫أنه اقتصر على عقوبتين فقط هما الحبس أو الغرامة‪.691‬‬

‫وفضال عما نص عليه القانون الجنائي نجد أن المشرع المغربي ينص على العقوبات‬
‫التخييرية في قانون الصحافة وكذلك القانون المنظم لالنتخابات الصادر ‪ ،1959‬وفي المدونة‬
‫المتعلقة بحوادث السير حيث أن معظم نصوصها تنص على عقوبات تخييرية باستثناء حوادث‬
‫السير القاتلة حيث تكون العقوبة الحبس والغرامة‪ ،‬وتطبيق هذا النظام قاصر على الجنح‬
‫واملخالفات دون الجنايات لخطورتها‪.‬‬

‫بهذا يكون المشرع المغربي قد انضم إلى التشريعات التي أخذت بنظام العقوبات‬
‫التخييرية وإن كان ذلك في نطاق جد محدود‪ ،‬إال أن ظروف التخفيف المنصوص عليها في‬
‫الفصل ‪ 174‬من ق‪.‬ج‪ 692‬كفيل بنقل القاض ي إلى العقوبات التخييرية لما يتمتع به من سلطة‬
‫تقديرية في تفريد الجزاء وهذا ما سأتناوله في المطلب الثاني‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬التفريد القضائي للجزاء‬

‫‪ -688‬الفصل ‪ 0.1‬من ق‪.‬ج‪.‬م‪.‬‬


‫‪ -689‬الفصل ‪ 0.2‬من ق‪.‬ج‪.‬م‪.‬‬
‫‪ -690‬الفصل ‪ 002‬من ق‪.‬ج‪.‬م‪.‬‬
‫‪ -691‬لطيفة مهداتي‪ ،‬حدود سلطة القاض ي التقديرية في تفريد الجزاء‪ ،‬طبعة ‪ ،2007‬ص‪.2‬‬
‫‪ -692‬الفصل ‪ 174‬من ق ‪.‬ج‪.‬م‪.‬‬

‫‪P 368‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫يتمثل التفريد القضائي في منح القاض ي الجنائي سلطة تقديرية واسعة االختيار‬
‫العقوبة المناسبة في نوعها ومقدارها للحالة الجرمية التي ينظرها وهي سلطة يمنحها له‬
‫المشرع‪ ،‬إذ أن هذا األخير يقرر للجريمة عقوبة بحد أدنى وحد أقص ى للعقاب ثم يترك للقاض ي‬
‫الجنائي أن يختار بين هذين الحدين أو دون الحد األدنى حسب جسامة الجريمة وظروفها‬
‫وخطورة املجرم‪.‬‬

‫وهكذا تكون قضية تقدير العقوبة قضائيا عنصرا أساسيا من عناصر التقنية‬
‫الجديدة لتوزيع العقوبة‪ ،‬واحتلت مركزالصدارة في تقيد حق الدولة في العقاب ذلك أن المشرع‬
‫عند تحديده للعقوبة على الجريمة‪ ،‬فإن القاض ي يركز أكثر على املجرم‪ ،‬ومن هنا يعمل القاض ي‬
‫على استخراج التحديد الو اقعي للجريمة‪ ،‬انطالقا من التحديد التشريعي للمجرم‪ .‬ولعل هذا‬
‫ما سأتطرق إليه في الفقرات التالية‪:‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬السلطة التقديرية للقاض ي في الجزاء الجنائي‬


‫ً‬
‫أوال‪ :‬تطور سلطة القاض ي في تقدير العقوبة‬

‫لبيان مفهوم سلطة القاض ي التقديرية ال بد من التطرق لتصور هذه السلطة وكما هو‬
‫معروف عبر التاريخ أن السلطة كانت دائما مطلقة بيد رئيس القبيلة أو الجماعة في املجتمعات‬
‫البدائية‪ ،‬وقد كان يمارس رئيس القبيلة سلطة القضاء فيحكم على الجناة بما يشاء من األحكام‬
‫دون أي ضابط أو قاعدة يلتزم بها‪ ،‬كما باشر أغلب الملوك القدماء سلطة القضاء بأنفسهم ثم‬
‫عهدوا بسلطاتهم القضائية الحقا ألفراد من الطبقة الخاصة فمارسوا القضاء بصورته المطلقة‬
‫وقد أدى كل هذا إلى االستبداد القضائي واستعمال السلطة وبالتالي اإلساءة إلى استعمال‬
‫سلطات القضاء‪.‬‬

‫ونتيجة للعيوب التي ظهرت يستند هذا النظام إلى تعاون كل من المشرع والقاض ي‬
‫بحيث يقوم األول بتحديد العقوبة المالئمة للجاني‪ ،‬ويتولى الثاني توقيع العقوبة المالئمة‬
‫للمجرم ضمن تحديد المشرع للجرائم والعقوبات فيقدر القاض ي العقوبة المناسبة بين‬
‫الحدين األعلى واألدنى المقررين للجريمة مراعيا فيه ظروف املجرم وظروف ارتكاب الجريمة‬
‫وهو ما يعرف بالتفريد القضائي للعقاب‪.‬‬

‫‪P 369‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬
‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬ماهية سلطة القاض ي التقديرية في تقدير العقوبة‬

‫لقد ظهرت سلطة القاض ي التقديرية كردة فعل للقاعدة القانونية "بأن ال جريمة وال‬
‫عقوبة إال بنص" وخولت هذه السلطة القاض ي الجنائي سلطة في تقدير العقوبة واختيار‬
‫العقوبة التي تتناسب والظروف التي أحاطت بوقوع الجريمة واملجرم‪ ،‬خاصة وأن املجرم دائما‬
‫يبقى غير معروف للمشرع وأن هذا األخير يكتفي بوضع العقوبة للشخص العادي وفي الظروف‬
‫العادية‪.‬‬

‫ويستلزم إعمال القاض ي لسلطته التقديرية االستعانة بالمنطق والمقتض ى القانوني في‬
‫تحليل الوقائع واالستدالل والنطق بالحكم‪ ،‬ألن القانون ما هو إال علم من العلوم اإلنسانية‬
‫التي تتفق والو اقع االجتماعي وو اقع الحياة وأسلوبها ومن ثم يقوم القاض ي بتقدير الوقائع ثم‬
‫يبحث عن القاعدة القانونية الواجبة التطبيق والتي تحقق أقص ى درجات العدالة في إصدار‬
‫الحكم‪.693‬‬

‫ومن ثم فإن القاض ي الجنائي لن يستطيع تقدير العقوبة إال بعد تكييف للوقائع‬
‫المطروحة أمامه وبعد أن يطابق وقائع الفعل للنص الذي حدده المشرع ومن ثم كان التكييف‬
‫لبيان العوامل التي تؤدي إلى تحقيق المطابقة بين الو اقعة والنص‪.‬‬

‫لكن ما هو التكييف؟‬

‫التكييف معناه رد و اقعة الدعوى على النص القانوني الذي يؤثمها‪ 694‬وهو أيضا‪ ،‬يعني‬
‫ثبوت الوقائع وصحة نسبتها إلى المتهم فهو العالقة بين الوقائع والقانون وينتهي بمنح الوقائع‬
‫إسما قانونيا ينطوي في القانون الجنائي على نتيجة مالزمة هي تطبيق العقوبة المنصوص عليها‬
‫بهذا االسم‪ ،‬ويتوقف لصحة االسم القانوني الممنوح للوقائع على اإلمساك المنضبط للعالقة‬
‫التي تربط هذه الوقائع بقواعد القانون الجنائي‪.695‬‬

‫‪ -693‬صايش عبد المالك‪ ،‬مدى نجاعة العقوبات السالبة للحرية في مكافحة الجريمة‪ ،‬المؤسسة الحديثة للكتاب‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫طبعة ‪ ، 2015‬ص‪.00‬‬
‫‪Ste Fami, Le Vasseur, Criminologie, p : 275.-694‬‬
‫‪ -695‬فوزية عبد الستار‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.002‬‬

‫‪P 370‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫ولصحة التكييف يجب تحديد النموذج القانوني للجريمة الذي يضم كل العناصر‬
‫الالزمة لقيام الجريمة والتي لو تخلف أحدها المتنع قيامها أي تحديد أركان الجريمة الركن‬
‫المادي والمعنوي والنية اإلجرامية‪.‬‬

‫ويكون القاض ي اقتناعه في حسم النزاع من خالل االعتماد على وسائل اإلثبات‬
‫القانونية والمنطقية كالمعاينة والفحص واإلطالع واالنتقال إلى مكان الجريمة واالستدالل‬
‫والقرائن واالعتراف والشهود واالستجواب والو اقع أن تقدير القاض ي الجنائي هو تقدير‬
‫شخص ي بالدرجة األولى يعتد بشخصية الجاني ومدى مسؤوليته الجنائية عن الفعل المرتكب‬
‫وبالتالي‪ ،‬فإن السلطة الممنوحة للقاض ي في تقدير العقوبة ومالئمته بين الو اقع والظروف‬
‫وأحوال املجرم والجريمة يخرج النص التشريعي من قالب نص التجريم إلى ساحة التطبيق‪.‬‬

‫نستنتج إذن أن سلطة القاض ي التقديرية هي الرخصة الممنوحة له في اختيار العقوبة‬


‫التي يراها مناسبة لحالة المتهم وظروف ارتكاب الجريمة في ضوء الحدود المقررة بالقانون ومن‬
‫ثم فهي القدرة على المالئمة بين الظروف الو اقعية للحالة المعروضة والعقوبة التي يقررها‬
‫القانون‪.‬‬
‫ً‬
‫ثالثا‪ :‬القيود الواردة على سلطة القاض ي التقديرية‬

‫إن القضاء الجنائي هو قبل كل ش يء مؤسسة اجتماعية ذات صبغة أوجدتها المدنية‬
‫المتحضرة لتكون قيمة على حرية المواطنين في أنفسهم ورأيهم‪ ،‬ولتكون درعا يحميهم من‬
‫التسلط واالعتداء ناشدة بينهم العدالة والطمأنينة إلى حاضرهم ومستقبلهم‪.‬‬

‫لذلك فإن مهمة القاض ي الجنائي في غاية التعقيد‪ ،‬فالنظريات املختلفة حول أهداف‬
‫العقاب ومعاملة المدنيين تتضمن عدة اعتبارات متناقضة من الصعب التمييز بينهما وكذلك‬
‫التوفيق بينها‪ ،‬حيث يلزم القاض ي اليوم باالهتمام باالعتبارات أوسع كثيرا من مجرد التطبيق‬
‫القانوني في قضية معينة‪ ،‬هذه االعتبارات التي تشتمل احتياجات املجتمع‪ ،‬مما يتطلب‬
‫المشاركة إلى حد كبير في الحوار مع اآلخرين‪ ،‬حول أنواع القيم واالتجاهات التي يجب‬
‫تطويرها وحمايتها عن طريق جهاز العدالة الجنائية‪ ،‬والو اقع أن مسألة التقدير هذه ال يجب‬
‫أن تترك لمطلق السلطة التقديرية للقاض ي ولو في إطار مبدأ الشرعية وفي الحدود المرسومة‬
‫من قبل الشارع ألن المدى المتروك بين الحدين األدنى واألقصر قد يصل في بعض األحيان إلى‬

‫‪P 371‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫حد غير معقول لذلك فمن واجب محكمة النقض أن تمارس رقابة خاصة في هذا الصدد حتى‬
‫يتم توحيد اتجاهات القضاء لتحقيق سياسة جنائية قوامها العدالة‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬هناك مجموعة من الضوابط التي ينبغي التقيد بها‪ ،‬ثم سأتطرق إلى الرقابة‬
‫القضائية على سلطة القاض ي تقديرية‪.‬‬

‫‪ -)3‬مبدأ الشرعية الجنائية‪:‬‬

‫يعد مبدأ الشرعية الجنائية ضمانة أساسية في كافة التشريعات الحديثة‪ ،‬التي عملت‬
‫على تكريسه والنص عليه في صلب دساتيرها ونذكر منها على سبيل المثال الدساتير المغربية‬
‫لسنة ‪ ،1992 ،1972 ،1970 ،1962‬وكذا دستور ‪ 1996‬كما نص عليه الفصل ‪ 1‬من القانون‬
‫الجنائي المغربي‪.696‬‬

‫يقتض ي هذا المبدأ تحديد نصوص التجريم والعقاب‪ ،‬تحديدا دقيقا ومحكما لكي ال‬
‫يبقى الباب مفتوحا للتأويل أو الخروج عنه‪ ،‬فالقاض ي الذي ال يجد عقوبة في القانون يجب‬
‫عليه أن يخلي ساحة المتهم‪ ،‬كما أنه يلتزم بتطبيق الجزاء المفروض قانونا على جريمة معينة‪،‬‬
‫يسوغ له أن يتوسع في تفسير النص القانوني إلى درجة القياس‪ ،‬بل يجب عليه التحري عن‬
‫اإلرادة الحقيقة للمشرع وأن ال يتجاوز هدفه من إصدار القاعدة القانونية‪.‬‬

‫كما أن النصوص الجنائية‪ ،‬ال تكتس ي صبغة الشرعية إال إذا كانت صادرة عن المشرع‬
‫وحده ممثال في الهيئات أو الجهات املختصة بإصدار هذه القوانين‪ ،‬ألن العدل يقتض ي أن يقوم‬
‫المشرع ببيان الجرائم وعقوباتها‪ ،‬لكي يكون الفاعل على بينة بعو اقب ما هو بصدد اإلقدام‬
‫عليه‪.‬‬

‫‪ -)5‬الخطورة اإلجرامية‪:‬‬

‫إن مفهوم الخطورة اإلجرامية له أهمية بالغة في النظام القانوني المعاصر بوصفه‬
‫مفترض للجزاء‪ ،‬ذلك أن الخطورة هي الضابط الذي يستند إليه القاض ي لتحديد نوع ومقدار‬
‫هذا الجزاء‪ ،‬أكثر من ذلك فالمشرع يجيز للقاض ي عند انتفاء الخطورة اإلجرامية بالنسبة‬
‫للجاني والعدول عن تطبيق العقوبة وهو ما يسمى بوقف التنفيذ‪.‬‬

‫‪ -696‬الفصل ‪ 3‬من ق‪.‬ج‪.‬م‪.‬‬

‫‪P 372‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫والخطورة اإلجرامية ال تنحصر أهميتها فقط في طور النطق بالحكم بل تتعداه إلى طور‬
‫التنفيذ أيضا إذ أنها تعتبر مناطا للعديد من األنظمة العقابية في المؤسسات السجنية‪ ،‬كنظام‬
‫اإلفراج الشرطي ونظام االختبار القضائي‪ ،‬لذلك اعتبرها الفقه أداة التقييم في كافة مراحل‬
‫الدعوى ولعل هذا ما سار عليه المشرع المغربي في الفصل ‪ 141‬من ق‪.‬ج‪.697‬‬

‫‪ -)1‬شخصية املجرم‪:‬‬

‫إن دراسة مفهوم شخصية املجرم يهدف إلى عدة جوانب خاصة تلك التي ساهمت في‬
‫سلوك املجرم سبيل الجريمة وتتظافر عدة عوامل في تكوين هذه الشخصية‪ ،‬وهذه العوامل‬
‫عديدة ومتنوعة‪ ،698‬يرجع بعضها إلى التكوين النفس ي للمجرم والبعض اآلخر إلى الوسط أو‬
‫املحيط العائلي‪ ،‬وطريقة التعايش في هذا الوسط ويرجع الباقي إلى الوسط االجتماعي ككل‪.699‬‬

‫‪ -)2‬الرقابة القضائية على سلطة القاض ي التقديرية‪:‬‬

‫فالقاض ي الجنائي أثناء اختياره للجزاء الجنائي المناسب لشخصية املجرم بواسطة‬
‫منحه سلطة تقديرية تتيح له الكشف عن سائر الجوانب والعوامل النفسية واالجتماعية‬
‫الكامنة منذ زمن بعيد‪ ،‬لكن هذا ال يعني أن القاض ي ال يمكن له أن يخطأ في تقدير هذا الجزاء‪،‬‬
‫خاصة إذا كان المشرع لم يضع بين يديه معايير دقيقة إلرشاده في مهمته؟‬

‫تجاوزا لكل ما يمكن أن يقع فيه القاض ي من خطأ أثناء ممارسته لسلطته التقديرية‬
‫فقد أوجدت أغلب الدول حاليا محكمة عليا تعرف بمحكمة النقض أو اإلجراء أو محكمة‬
‫التمييز أو التعقيب تتولى الرقابة على األحكام الصادرة عن املحاكم االبتدائية واالستئنافية‬
‫وتتجلى هذه الرقابة في عدة جوانب يمكن حصرها في السهر على مراعاة القانون من لدن‬
‫املحاكم الزجرية‪ ،‬ويمثلها في المغرب املجلس األعلى محكمة النقض حاليا‪ ،‬الذي أصبح يعطي‬
‫الضمان القوي لسير العدالة فضال عن مجموعة من اإلجراءات القضائية والوقائية‪ 700‬التي‬
‫تهدف إلى الوقاية من السقوط في الخطأ‪.‬‬

‫‪ -697‬محمد الجبور‪ ،‬الوسيط في قانون العقوبات‪ ،‬دار وائل‪ ،‬طبعة ‪ ،2012‬ص‪.000‬‬


‫‪ -698‬محمد عياد الحلبي‪ ،‬شرح قانون العقوبات األردني‪ ،‬طبعة ‪ ،1993 ،1‬ص‪.553‬‬
‫‪ -699‬سليمان عبد المنعم‪ ،‬النظرية العامة للقانون الجنائي األردني‪ ،‬طبعة ‪ ،1993‬ص‪.553‬‬
‫‪ -700‬عبد الواحد العلمي‪ ،‬شرح القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية‪ ،‬الجزء الثالث‪.‬‬

‫‪P 373‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫المطلب الثالث‪ :‬التفريد اإلداري أو التنفيذي للجزاء الجنائي‬

‫لم يعد السجن في الزمن المعاصر‪ ،‬مجرد مكان مخصص لعزل املحكوم عليهم طيلة‬
‫فترة العقوبة املحكوم بها بل تحول في ظل السياسة العقابية الحديثة إلى مرفق اجتماعي غايته‬
‫تقويم وإصالح النزالء‪ 701‬وقد استفادت اإلدارة العقابية من النتائج التي توصلت إليها الدراسات‬
‫اإلجرامية فيما يتعلق بشخصية املحكوم عليه‪ ،‬وما يطراأعليها من تغيير بفعل الجزاء الجنائي‬
‫فقد يتاح للقائمين على التنفيذ العقابي بالتعديل من طبيعة العقوبة أو من مدتها أو من طريقة‬
‫تنفيذها‪ ،‬حسب ما يضمن أعلى شخصية املجرم ومدى استجابته للتأهيل واإلصالح‪.‬‬

‫والتفريد التنفيذي أو اإلداري للعقوبة هو الذي تتواله السلطة التنفيذية في حدود‬


‫المبادئ والقواعد العامة التي يحددها المشرع‪ ،‬فكثيرا ما يعهد هذا األخير إلى السلطة‬
‫التنفيذية باعتبارها الجهة القائمة على التنفيذ العقابي وإدارة المؤسسات والمنشآت‬
‫العقابية‪ ،‬التي يتم التنفيذ فيها‪ ،‬بمهمة تفريد العقوبة عندما تكون هي األجدر على تقدير‬
‫مالئمتها لظروف الجريمة واملجرم من ناحية وتحقيقها للغاية منها كما رسمها القانون من ناحية‬
‫أخرى‪.‬‬

‫ومن بين صور التفريد التنفيذي ما يسمح له لجهة التنفيذ من نقل املحكوم عليه بعد‬
‫فترة إلى أحد السجون العامة‪ ،‬إذا رأت أن التطور اإليجابي الذي طرأ على شخصيته لم يعد‬
‫يناسب ظروف المؤسسة التي هو فيها‪ .‬ومثال هذا النوع من التفريد إمكانية إسقاط الجزء‬
‫المتبقي من العقوبة بعد فترة من البدأ فيها أو في تنفيذها وفقا لنظام اإلفراج الشرطي أو العفو‬
‫عن العقوبة كلها أو بعضها أو إبدالها بأخف منها متى كان سلوك املحكوم عليه ينبئ عن عدم‬
‫العودة إلى طريق الجريمة في المستقبل‪.‬‬

‫وسأحاول أن أقتصر في هذا المطلب بالتحدث عن التفريد التنفيذي من‬


‫خالل المعاملة العقابية أوال ثم نماذج من التفريد التنفيذي‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬التفريد التنفيذي من خالل المعاملة العقابية‬

‫تعني المعاملة العقابية مجموعة أساليب التنفيذ العقابي التي تحقق األغراض‬
‫المبتغاة من العقوبة وهي تأهيل املحكوم عليه عن طريق تهذيبه أو عالجه أو أنها مجموعة‬

‫‪ -701‬محمد أبو العال عقيدة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.000‬‬

‫‪P 374‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫المبادئ واألسس التي تحدد أقل األوضاع والمعايير المقبولة لمعاملة مختلف طوائف‬
‫المسجونين البالغين‪ ،‬وتنظيم لهم العقاب الحديث وسأتحدث من الفحص األول ثم التصنيف‬
‫ثانيا‪.702‬‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬الفحص‬

‫يمكن القول أن الفحص هو نوع الدراسة الفنية التي يقوم بها أخصائيون في مجاالت‬
‫مختلفة إلجراء الدراسة على املحكوم عليه لتحديد شخصية وبيان العوامل اإلجرامية التي‬
‫دفعته إلى ارتكاب الجريمة‪ ،‬حتى يمكن المالئمة بين ظروفه اإلجرامية وبين األساليب العقابية‬
‫التي تجعل الجزاء الجنائي املحكوم به يحقق تأهيله‪.‬‬

‫والفحص ثالثة أنواع هي‪:‬‬

‫‪ -)3‬الفحص السابق للحكم‪ :‬وهو بالفحص القانوني الذي يهدف أساسا إلى تحديد نوع‬
‫ومقدار التدبير الجنائي الالزم للمتهم‪ ،‬وقد نصت تشريعات عديدة على هذا النوع من الفحص‬
‫استجابة لما تم إقراره من مفاهيم حديثة في مجال السياسة العقابية‪.‬‬

‫‪ -)5‬الفحص الالحق للحكم‪ :‬وهو الذي يمهد السبيل إلى تصنيف املحكوم عليه‪ ،‬لتقرير‬
‫المعاملة العقابية لكل طائفة حتى يحقق الجزاء غرضه التأهيلي‪ ،‬ويجب أن يكون هذا النوع‬
‫من الفحص امتداد للنوع األول‪ ،‬والسبيل إلى ذلك يكون بنقل ملفه الشخص ي إلى مركز‬
‫الفحص‪.703‬‬

‫‪ -)1‬الفحص التجريبي‪ :‬وهو الذي يجري بعد دخول املحكوم عليه المؤسسات العقابية‬
‫يقوم به القائمون على المؤسسة من إداريين وحراس‪ ،‬فيالحظون سلوك املحكوم عليه أثناء‬
‫إقامته بالمؤسسة ومدى تجاوبه معهم‪ ،‬والعالقة بينه وبين زمالئه وذلك من شأنه أن يعين في‬
‫تحديد طريق معاملته‪.‬‬

‫‪ -702‬أحمد شوقي أبو خطوة‪ ،‬المساواة في القانون الجنائي‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ، 1991،‬ص‪ 0.‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ -703‬عثمانية لخميس ي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.020‬‬

‫‪P 375‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫وأهم الجوانب الشخصية التي تكون موضوعا للفحص‪ ،‬هي الجانب العضوي‬
‫البيولوجي والجانب العقلي والجانب النفس ي وكذلك يمتد إلى دراسة حياة املحكوم عليه‬
‫االجتماعية‪.704‬‬
‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬التصنيف‬

‫إن مبدأ تصنيف السجناء قد أس يء فهمه في أغلب أنحاء العالم وقد أشار إلى هذه‬
‫الحقيقة العالم الجنائي الشهير‪" 705‬بول باتان" في كتابه "سبيل اإلصالح المعاصر" ويقول أن‬
‫سبب سوء الفهم نابع من عدم فهم الوظيفة األساسية للتصنيف بأنها وضع كل صنف من‬
‫المسجونين عن جرائم القتل في محل والسرقة في محل آخر وأن هذا الفصل هو موضوع‬
‫انتقاد كبير وهو بدوره ليس له صلة بموضوع تصنيف السجناء الذي نحن بصدده‪.‬‬

‫والتصنيف العلمي للمحكوم عليهم يختلف طبقا للمدلولين األمريكي واألوروبي‪:‬‬

‫‪ -)3‬المدلول األمريكي‪:‬‬

‫أن التصنيف في المعنى العقابي هو في المقام األول أسلوب يحقق التنسيق بين‬
‫التشخيص والتوجيه والمعاملة في كل حالة على حدة في صور فعالة وهو يكاد يشمل كل نظام‬
‫التنفيذ العقابي‪.‬‬

‫‪ -)5‬المدلول األوروبي‪:‬‬

‫يقسم املحكوم عليهم طبقا للمدلول األوروبي إلى فئات مختلفة في المؤسسات املختلفة‬
‫المتخصصة باإلستناد إلى السن‪ ،‬الجنس وغيرها وبعدها يتم تقسيمهم إلى مجموعات مختلفة‬
‫داخل كل مؤسسة‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬نماذج التغريد التنفيذي‬

‫وسنقتصر في هذه الفقرة بالتحدث عن اإلفراج المقيد بشروط أوال‬


‫والتخفيف التلقائي للعقوبة والعفو منها ثانيا‪ ،‬والقاض ي المكلف بتطبيق العقوبة ثالثا‪.‬‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬اإلفراج المقيد بشروط‬

‫‪ -704‬فتوح عبد الله الشادلي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.554‬‬


‫‪ -705‬محمد نجيب حسني‪ ،‬علم العقاب‪ ،‬ص‪.231‬‬

‫‪P 376‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫يعد اإلفراج المقيد بشروط من بين أهم اإلجراءات التي تتحكم في مواكبة المعتقلين‬
‫حيث يرمي إلى منح السجين فرصة لمواجهة الذات وتشجيعه على االنضباط داخل السجن‪،‬‬
‫كما يمنح له الفرصة من أجل التشبث بحسن السلوك ألن عدم احترام ذلك سيكون سببا‬
‫لعودته إلى السجن من جديد‪.‬‬

‫ولقد عرف المشرع المغربي اإلفراج المقيد بشروط في المادة ‪ 59‬من ق‪.‬ج حيث نصت‬
‫على ما يلي‪" :‬اإلفراج المقيد بشروط هو إطالق سراح املحكوم عليه قبل األوان لتحسن حالته‬
‫وسلوكه داخل السجن على أن يظل مستقيم السيرة في المستقبل‪ ،‬أما إذا تبين عليه سوء‬
‫السلوك أو إذا أخل بالشروط التي حددها القرار باإلفراج المقيد فإنه يعاد إلى السجن لتتميم‬
‫ما تبقى عليه من عقوبة‪.‬‬

‫ولقد حددت المواد من ‪ 622‬إلى ‪ 632‬من قانون المسطرة الجنائية المغربي‪ ،‬اإلجراءات‬
‫التشكيلية المرتبطة بهذا الموضوع‪ ،‬وبالرجوع إلى هذه المواد نجد المشرع قد وضع مجموعة‬
‫من الشروط لالستفادة من هذا اإلجراء حيث يجب أن يقض ي املحكوم عليه نصف العقوبة إذا‬
‫كان األمر يتعلق بجنحة وثلثي العقوبة بالنسبة للجنايات أو بعقوبة جنحية من أجل وقائع‬
‫وصفت بجناية وإذا تعلق األمر بمحكوم عليه باإلقصاء‪.‬‬
‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬التخفيف التلقائي للعقوبة أو العفو منها‬

‫التخفيف التلقائي للعقوبة يتيح إمكانية استفادة كل معتقل محكوم عليه‪ ،‬أبان عن‬
‫حسن سلوكه من تخفيض قد يصل إلى ‪ 3‬أشهر كحد أقص ى عن كل سنة أو بتخفيض مدته‬
‫سبعة أيام في الشهر إذا كان محكوم عليه بعقوبة أقل من سنة‪.‬‬

‫المالحظ أن هذا اإلجراء ال يشكل وسيلة للتقليل من عدد المعتقلين فحسب ولكنه‬
‫وسيلة لنشر السكينة واالطمئنان داخل صفوف املحكومين‪.‬‬

‫أما بالنسبة للعفو الملكي السامي فهو بدوره يهدف إلى تحقيق أهداف نبيلة ويخلف‬
‫ارتياحا في نفوس المعتقلين كما يجدد لديهم األمل في مستقبل أفضل وفي اندماج سليم داخل‬
‫النسيج االجتماعي بعد اإلفراج‪ ،‬وهذا هو الهدف من العقوبة شريطة أن يتم اختيار الئحة‬
‫ولقد‪706‬‬ ‫المستفيدين منه بطرق سليمة من طرف اإلدارة المشرفة على المؤسسة السجنية‬

‫‪ -706‬عبد الواحد العلمي‪ ،‬شرح القانون المتعلق بم ‪.‬ج‪.‬م‪.‬‬

‫‪P 377‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫نص عليه المشرع في المادة ‪ 53‬من ق‪.‬ج وهو منظم بظهير رقم ‪ 387.57.1‬الصادر ‪ 6‬فبراير‬
‫‪.1958‬‬
‫ً‬
‫ثالثا‪ :‬التدخل القضائي في مرحلة تطبيق الجزاء الجنائي‬

‫لقد ظهر مبدأ التدخل القضائي في مرحلة تنفيذ الجزاء الجنائي نتيجة املجهودات‬
‫فقهية منفردة أو مجتمعة ثم التعبير عنها في إطار المؤتمرات الدولية وقد تم تأسيس فكرة هذا‬
‫التدخل على أسانيد وأسس تشريعية متنوعة مرتبطة أساسا بالهدف من الجزاء الجنائي‬
‫وبالجاني محل توقيع هذا الجزاء بحيث يكون الهدف في النهاية هو إعادة تأهيل الجاني‬
‫اجتماعيا أوال تطبيق العقوبة‪.‬‬

‫خ ــات ـم ــة‪:‬‬

‫نستخلص من خالل الدراسة أن تفريد الجزاء الجنائي‪ ،‬يعتمد على ما يتمتع به القاض ي‬
‫الجزائي من سلطة تقديرية في اختيار العقاب المناسب لكل و اقعة تعرض عليه على حدة‬
‫وبالتالي فهو أدق أنواع التفريد الجنائي‪ ،‬وأن وسائل القاض ي الجنائي عند استعماله لسلطته‬
‫التقديرية في تحديد العقوبة محددة بنصوص قانونية‪ ،‬متمثلة في التدرج الكمي مع اختيار نوع‬
‫العقوبة‪ ،‬تمكن القاض ي من اختيار العقوبة لكنه مقيد بالحدود القانونية التي رسمها له‬
‫المشرع وبالتالي فإن سلطته في هذا املجال ليست مطلقة بل مقيدة‪.‬‬

‫وفي األخير نؤكد على أن تفريد الجزاء الجنائي ليس باألمر السهل كما أن استعمال‬
‫القاض ي لسلطته التقديرية‪ ،‬تعتمد في جانب كبير على فطنة القاض ي وتمرسه‪ ،‬األمر الذي‬
‫يستوجب ضرورة تخصص القاض ي الجنائي والحفاظ على استقراره الوظيفي‪ ،‬ولعل هذا ما‬
‫ً‬
‫سينعكس حتما على اكتسابه مزيد من الخبرة والتمرس وبناء سلطته التقديرية في اختيارالعقاب‬
‫على أسس سليمة ومدروسة‪.‬‬

‫الئحة المراجع‪:‬‬

‫محيي الدين أمزازي‪ ،‬العقوبة‪ ،‬منشورات جمعية تنمية البحوث والدراسات القضائية‪،‬‬
‫طبعة ‪.1999‬‬

‫عبد الواحد العلمي‪ ،‬شرح القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية‪ ،‬الجزء الثالث‪.‬‬

‫‪P 378‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫لطيفة مهداتي‪ ،‬حدود سلطة القاض ي التقديرية في تفريد الجزاء‪ ،‬طبعة ‪.2007‬‬

‫صايش عبد المالك‪ ،‬مدى نجاعة العقوبات السالبة للحرية في مكافحة الجريمة‪،‬‬
‫المؤسسة الحديثة للكتاب‪ ،‬لبنان‪ ،‬طبعة ‪. 2015‬‬

‫محمد الجبور‪ ،‬الوسيط في قانون العقوبات‪ ،‬دار و ائل‪ ،‬طبعة ‪.2012‬‬

‫محمد عياد الحلبي‪ ،‬شرح قانون العقوبات األردني‪ ،‬طبعة ‪.1993 ،1‬‬

‫سليمان عبد المنعم‪ ،‬النظرية العامة للقانون الجنائي األردني‪ ،‬طبعة ‪.1993‬‬

‫عبد الواحد العلمي‪ ،‬شرح القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية‪ ،‬الجزء الثالث‪.‬‬

‫‪P 379‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫العاملية الزراعية ودورها يف الرقي‬


‫باالقتصاد الزراعي يف دولة فلسطني‬
‫‪The agricultural process and its role in promoting the agricultural economy in the state of‬‬
‫‪Palestine‬‬
‫تعريف التنمية الزراعية وخصائصها‪:‬‬

‫يسود األدبيات االقتصادية تعريفات متعددة لمفهوم التنمية الزراعية‪ ،‬تعكس آراء‬
‫المفكرين واملختصين في علم التنمية الزراعية‪ ،‬وتباين نظرتهم إلى تلك المفاهيم ومقاصدهم‬
‫منها‪ ،‬فالتنمية الزراعية في نظر البعض هي زيادة أو النمو اإلداري املخطط له‪ ،‬حيث يمكن‬
‫التوصل إلى هذا الحد من النمو بواسطة اإلجراءات والتدابير التي تتخذها السلطة‪ ،‬ويعبر عتها‬
‫في الوقت الحاضربالخطط والسياسات التي تهدف إلى تحقيق معدالت معينة من النمو ‪.707‬‬

‫ومن هنا ينظر االقتصاديون للتنمية الزراعية باعتبارها عملية تغيير تركيبة الهيكل‬
‫االقتصادي في املجتمع‪ ،‬الذي تتم بموجبه تحقيق زيادة حقيقية في الناتج الزراعي‪ ،‬أو زيادة‬
‫الدخل الحقيقي للفرد الريفي خالل فترة طويلة ومستمرة من الزمن‪ ،‬أي أن التنمية الزراعية‬
‫تشمل كافة اإلجراءات التي من شأنها تطوير القوى المنتجة‪ ،‬لتحقيق زيادة في اإلنتاج الزراعي‬

‫‪ - 707‬وزارة الزراعة‪ ،)0202( ،‬استراتيجية القطاع الزراعي في فلسطين‪ ،‬تاريخ االطالع‪ ،0202/0/02 :‬الموقع‪:‬‬
‫(‪.)www.moa.gov.ps‬‬

‫‪P 380‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫المتاح لعملية التنمية االقتصادية‪ ،‬وزيادة دخل المزارع وتحسين مستوى الخدمات الزراعية‬
‫لسكان الريف‪ ،‬وتحسين ظروف ومستوى معيشتهم ‪.708‬‬

‫كما تم تعريف التنمية الزراعية بأنها مجموعة من اإلجراءات واألساليب التي يكون لها‬
‫دوركبيروفعال في التأثيرعلى هيكل االقتصاد الوطني ككل وباألخص في الدول النامية ‪.709‬‬

‫وعلى الرغم من أهمية التنمية الزراعية فإنه لم يعد من الممكن أن تهتم السياسات‬
‫الزراعية بأهداف اإلنتاج فقط‪ ،‬إذ وجدت رؤية جديدة للتنمية في القطاع الزراعي ذات أبعاد أكبر‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫من اإلنتاج واالستهالك‪ ،‬تولي الجانب البيئي اهتماما واسعا‪ ،‬وتلبي احتياجات الجيل الحاضر‬
‫وأجيال المستقبل‪ ،‬وعلى ضوء تلك الرؤية تم تعريفها بالتنمية الزراعية المستدامة‪ .‬فقد عرفت‬
‫منظمة األغذية والزراعة التابعة لألمم المتحدة (‪ )FAO‬التنمية الزراعية المستدامة بأنها إدارة‬
‫وصيانة الموارد الطبيعية األساسية‪ ،‬بحيث تضمن المؤسسات‪ ،‬والتقنيات‪ ،‬والمتطلبات‬
‫اإلنسانية الحالية والمستقبلية‪. 710‬‬

‫من خالل ما تقدم يتضح أن التعاريف املختلفة للتنمية الزراعية تؤكد على أهمية‬
‫القطاع الزراعي في تلبية الحاجات األساسية للسكان‪ ،‬و تساعدهم في تلبية تطلعاتهم االقتصادية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬وتقض ي على مشكالت الجوع والمرض والفقر‪ ،‬كما أنها تحمي الموارد الطبيعية‬
‫وتحافظ عليها من خالل االستخدام األمثل لهذه الموارد‪ ،‬فالتنمية الزراعية كما فهمنا هي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عملية تحسين اإلنتاج الزراعي كما ونوعا من خالل تطوير وسائل اإلنتاج‪ ،‬وتنظيم اإلنتاج بما‬
‫ينسجم مع خطة التنمية االقتصادية التي تسعى الدولة إلى تحقيقها‪.‬‬

‫ويتم تقييم أوضاع التنمية الزراعية من خالل الخصائص والمؤشرات التالية‪: 711‬‬

‫‪ .3‬الحفاظ على المياه وزيادة العائد من الوحدة‬

‫‪ - 708‬أبو حلوب‪ ،‬فادي مصطفى عبد الجواد‪ ،)0201( ،‬محددات نمو القطاع الزراعي في فلسطين‪ ،‬دراسة قياسية خالل‬
‫فترة (‪ ،)0200-0220‬الجامعة اإلسالمية‪ ،‬شؤون البحث العلمي والدراسات العليا‪ ،‬كلية التجارة‪ ،‬ماجستير اقتصاديات‬
‫التنمية‪ ،‬غزة‪ -‬فلسطين‪.‬‬
‫‪ - 709‬السالم‪ ،‬أحمد جبر‪ ،)0202( ،‬واقع التنمية الزراعية المستدامة ومتطلباتها في العراق‪ ،‬رسالة ماجستير في االقتصاد‪،‬‬
‫جامعة البصرة‪ ،‬العراق‪ ،‬ص‪.2‬‬
‫‪ - 710‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.02 :‬‬
‫‪ - 711‬عفانة‪ ،‬لميس محمد ممدوح عبد الرؤوف‪ ،)0202( ،‬استراتيجيات التنمية المستدامة لألراض ي الزراعية في الضفة‬
‫الغربية محافظة طوباس كحالة دراسية‪ ،‬جامعة النجاح‪ ،‬كلية الدراسات العليا‪ ،‬نابلس‪ -‬فلسطين‪ ،‬ص‪.00 :‬‬

‫‪P 381‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫تعتبر المياه "املحدد األهم" لإلنتاج الزراعي‪ ،‬حيث أن "األمن المائي" في وقتنا الحالي‬
‫مقدم على "األمن الغذائي" ولذلك فإن الحفاظ على "املخزون االستراتيجي" من " المياه‬
‫الجوفية " يعتبرالهدف االستراتيجي األول في الخطة التنفيذية‪ ،‬بل ويتعدى ذلك ليكون " الهدف‬
‫االستراتيجي األول" في االستراتيجية العامة للتنمية‪.‬‬

‫‪ .5‬حماية األرض الزراعية وزيادة العائد من الوحدة‬

‫تتعرض األراض ي الزراعية لهجمة شرسة من عدة اتجاهات‪ ،‬كلها تعمل على تآكل‬
‫ا لمساحة‪ ،‬وأهمها‪ :‬التجريفات الصهيونية المستمرة التي أدت إلى تآكل عشرات اآلالف من‬
‫الدونمات‪ .‬وتفتت الملكية الزراعية نتيجة لقسمتها بين اإلخوة واألبناء وتآكل جزء هام منها‬
‫وتحويله إلى شوارع أو مباني أوالبيع لمشاريع مختلفة‪ .‬باإلضافة إلى االلتهام العمراني لمساحات‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫واسعة خصوصا املحاذية للتجمعات السكانية خصوصا في مراكزالمدن والقرى وذلك الرتفاع‬
‫سعرها‪.‬‬

‫‪ .1‬توفيرمستلزمات اإلنتاج‬

‫تفرض سياسة االقتصاد الزراعي المقاوم االعتماد على المستلزمات الزراعية املحلية‬
‫مثل (األسمدة –األعالف‪ -‬البذور– المبيدات‪ -‬الدوبال‪... -‬الخ )‪ ،‬واالبتعاد قدر المستطاع عن‬
‫استيرادها من الخارج‪ .‬فزراعة األنسجة توفر األشتال النوعية ذات المواصفات الجيدة‬
‫والخالية من األمراض‪ ،‬كما يمكن الحصول على األسمدة من خالل تدوير املخلفات الزراعية‬
‫والمنزلية‪ ،‬واستخدام مياه الصرف الصحي المعالجة ومياه االستزراع السمكي‪ .‬و إنتاج بذور‬
‫ً‬
‫األسماك وتوفير أمهات الدجاج البياض والالحم محليا‪ .‬وتستمد األعالف من مخلفات النخيل‬
‫والزيتون ومخلفات التصنيع الغذائي والفطر والطحالب وغيرها‪ ،‬وتعتبر اإلدارة األمثل‬
‫لمستلزمات اإلنتاج هي التقليل من محاصيل الفائض وزراعة محاصيل العجز وتقليل الفاقد‬
‫‪.712‬‬

‫‪ .2‬تحقيق األمن الغذائي في بعض املحاصيل االستراتيجية‬

‫‪ - 712‬الزعبي‪ ،‬أحمد محمد‪ ،)0222( ،‬األدوار المرتقبة لإلرشاد الزراعي في ظل سياسات وبرامج � اإلصالح االقتصادي‪،‬‬
‫الندوة القومية حول تعزيز دور اإلرشاد الزراعي في التنمية الزراعية المستدامة المنعقدة بالجزائر‪ ،‬المنظمة العربية‬
‫للتنمية الزراعية‪ ،‬الخرطوم‪ ،‬ص‪.02 :‬‬

‫‪P 382‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫يعتبر تحقيق األمن الغذائي من أهم األهداف االستراتيجية‪ ،‬ويعني توفير الغذاء في كل‬
‫ً‬
‫وقت بسعر مناسب وجودة مقبولة محتويا على العناصر والمركبات الغذائية األساسية‪ ،‬ولقد‬
‫ً ً‬
‫أولت االستراتيجية هذا الهدف اهتماما كبيرا حيث أدخلت العديد من المنتجات االستراتيجية‬
‫الضرورية لتحقيق األمن الغذائي‪ ،‬بل وتحقيق "مخزون غذائي استراتيجي" منها‪ ،‬حيث يمكن‬
‫ً‬
‫إجراء عملية التخزين بطريقة غير مكلفة وال تحتاج إلى عملية تصنيع معقدة تكنولوجيا أو‬
‫مصانع متقدمة‪ ،‬إذ تستطيع "ربة البيت" القيام بذلك حيث أن "ربة البيت" معيار أساس ي في‬
‫معاييراالقتصاد الزراعي المقاوم ‪.713‬‬

‫‪ .0‬ترشيد االستهالك‬

‫تهدف هذه الخاصية إلى ترشيد االستهالك في العديد من املحاصيل االستراتيجية ذات‬
‫األولوية العالية أوالثانوية‪ ،‬وهواألمرالذي يؤدي إلى توسيع دائرة االدخارللمواطن والمزارع معا‬
‫‪.714‬‬

‫‪ .3‬تقليل الفائض‬

‫تعمل هذه الخاصية على تقليل "الفائض التسويقي" للعديد من املحاصيل مثل‬
‫البندورة والخيار و أنواع أخرى من الخضار‪ ،‬وذلك من خالل سياسة "التنويع املحصولي"‪،‬‬
‫وإدخال محاصيل جديدة مثل الطبية والعطرية وغيرها‪ ،‬حيث يتم إحالل مساحات معينة من‬
‫الخضار بأنواع أخري كالشمام والبطيخ والبصل وغيرها‪ ،‬ويؤدي الفائض في كثير من األحيان‪،‬‬
‫ً‬
‫خصوصا أوقات الذروة‪ ،‬إلى حدوث "اختناقات تسويقية"‪ ،‬إضافة إلى األثر األكبر وهو‬
‫"التشوهات" الناشئة عن ذلك سواء في االقتصاد العام أوالزراعي علي وجه الخصوص ‪ ،‬يضاف‬
‫إلى ذلك تقليل خسائرالمزارع نتيجة النخفاض األسعارفي وقت الذروة‪ ،‬وهو األمرالذي يؤدي إلى‬
‫زيادة المدخرات وإمكانية استثمارها في مجاالت أخرى سواء زراعية أو غيرها ‪.715‬‬

‫التنمية الزراعية في ظل السلطه الفلسطينية‪:‬‬

‫‪ - 713‬الزهراني‪ ،‬خضران حمدان‪ ،‬والحاج أحمد الحاج‪0002( ،‬ه ــ)‪ ،‬التنمية الزراعية في المملكة العربية السعودية‪ ،‬النشر‬
‫العلمي والمطابع‪ ،‬جامعة الملك سعود‪ ،‬الرياض‪ ،‬بدون صفحة‪.‬‬
‫‪ - 714‬السبيعي‪ ،‬صعيبان بن سلطان‪ ،)0221( ،‬اتجاهات المزارعين نحو الزراعة المستدامة في محافظة الخرج بالمملكة‬
‫العربية السعودية‪ ،‬املجلة العلمية‪ ،‬كلية الزراعة‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،‬مجلد ‪ ،02‬العدد (‪ ،)0‬القاهرة‪ ،‬ص‪.22 :‬‬
‫‪ - 715‬عفانة‪ ،)0202( ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.20 :‬‬

‫‪P 383‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫بدأت السلطة الوطنية الفلسطينية عند قدومها عام‪ 3002‬م بإعادة االعتبار للقطاع‬
‫ً‬
‫الزراعي‪ ،‬فقد كان من واجبها حماية هذا القطاع وتطويره‪ ،‬والحفاظ على ما تبقي منه سليما‪،‬‬
‫وزيادة اإلنتاج ووقف الزحف االستيطاني‪ ،‬واملحافظة على األرض والمياه ومصادرها‪ ،‬وزيادة‬
‫اإلنتاجية‪ ،‬حيث قامت بإنشاء وزارة الزراعة الفلسطينية ومديرياتها في محافظات الوطن‪ .‬كما‬
‫وقامت بإعادة تأهيل املحطات الزراعية ومراكز البحث العلمي‪ ،‬واستصالح األراض ي وشق‬
‫الطرق الزراعية‪ ،‬وقامت الوزارة بإرسال الكوادر الفنية للخارج في دورات تدريبية والبعض‬
‫الستكمال دراساتهم العليا‪ .‬عملت وزارة الزراعة الفلسطينية علي وضع البرامج الزراعية والتي‬
‫تضمنت برامج في شتي الحقول الزراعية‪ .‬حيث تضمنت تلك المشاريع (مشاريع لحفر اآلبار‬
‫االرتوازية‪ ،‬و آبارالتجميع لمياه األمطار‪ ،‬إعادة تأهيل بعض اآلبارالمدمرة)‪ ،‬وكان هناك مشاريع‬
‫إلنتاج املحاصيل الزراعية(خضار‪ ،‬فاكهة ‪ ،‬رعوية) ‪،‬ومشاريع أخرى لتسويق المنتوجات‬
‫الزراعية الفلسطينية إلي الدول الصديقة واملجاورة وتم ذلك من خالل توقيع مذكرات التفاهم‬
‫والروزنمات الزراعية واالتفاقيات وغيرها ‪.‬‬

‫كما شجعت وزارة الزراعة المزارع الفلسطيني على التمسك بأرضه‪ ،‬والعمل على‬
‫زراعتها‪ ،‬وعملت بكل جهد وتفاني وفي ظل ظروف صعبة‪ ،‬حيث النقص في الكوادر الزراعية‬
‫المدربة‪ ،‬ونقص في الموارد الطبيعية والمالية الضرورية‪ .‬ولقد أخذت وزارة الزراعة وجهات‬
‫رسمية أخري أن تأخذ على عاتقها مهمة تنمية وتطويرالقطاع الزراعي‪ ،‬وبالتعاون مع المنظمات‬
‫غير الحكومية‪ ،‬واالتحادات واللجان الزراعية ومن خالل استغالل كل اإلمكانات المتاحة من‬
‫األرض والمياه والطاقات الزراعية‪ .‬وبالتعاون مع الفعاليات الزراعية المذكورة‪ ،‬تم وضع خطة‬
‫للتنمية الزراعية‪ ،‬وشجعت القطاع الخاص ليأخذ دوره في العملية الزراعية ودعمته وشجعته‬
‫علي شق طريقه في هذا املجال‪ ،‬مستندة الى سياسات واستراتيجيات وأهداف وأولويات خطة‬
‫التنمية الزراعية الوطنية والتي تم وضعها من قبل وزارة الزراعة الفلسطينية ‪.716‬‬

‫ولقد شكل االحتالل اإلسرائيلي والظروف السياسية في المنطقة األساس في تقسيم‬


‫التنمية في فلسطين إلى مراحل زمنية مختلفة‪ ،‬تنازعت وتشاركت في قيادتها العديد من الجهات‬
‫املحلية والدولية‪ ،‬كما أدت هذه التغيرات إلى تشكيل وتغيير وتطوير مفهوم التنمية في فلسطين‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ليمثل مفهوما استثنائيا وليشمل مستويات عدة‪ .‬وفي نفس الوقت أدت هذه التغيرات السياسية‬

‫‪ - 716‬رضوان‪ ،)0202( ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.. :‬‬

‫‪P 384‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫إلى عدم الوصول إلى تنمية حقيقية‪ .‬فبينما كان العالم يناقش سبل التنمية المستدامة في‬
‫العالم حتى عام ‪ 5830‬في جوهانسبرغ‪ ،‬كان الفلسطينيون يعانون من اجتياحات إسرائيلية‬
‫متكررة ألراضيهم‪ ،‬هدفت إلى تدمير البنية التحتية الفلسطينية وتجويع وتركيع الشعب‬
‫الفلسطيني واالستيالء على أكبرقدرمن األراض ي الفلسطينية‪. 717‬‬

‫ومما ال شك فيه أن قطاع الزراعة في فلسطين هو من القطاعات المهمة التي يجب‬


‫العمل على تطويرها‪ ،‬إذ يعتبرهذا القطاع عماد االقتصاد الوطني الفلسطيني‪ ،‬ويستوعب تقريبا‬
‫‪% 18‬من األيدي العاملة في فلسطين‪ ،‬كما أن االهتمام بقطاع الزراعة يعزز صمود المزارع‬
‫ويجعله متمسكا في أرضه‪ ،‬حيث كانت سياسة االحتالل اإلسرائيلي تهدف لجعل المزارع‬
‫الفلسطيني يترك أرضه ويجعلها بورا‪ .‬وال تنبع أهمية القطاع الزراعي بالنسبة لالقتصاد‬
‫الفلسطيني من كونه يساهم في الناتج املحلي اإلجمالي بنسبة (‪ )%10-58‬فحسب‪ ،‬بل من مقدار‬
‫مساهمته في تلبية االحتياجات الغذائية للشعب الفلسطيني‪ ،‬وفي مدى مساهمته في تغطية‬
‫ميزان المدفوعات التجاري‪ ،‬واألهم من هذا وذاك ارتباطه باألرض والماء جوهر الصراع‬
‫الفلسطيني اإلسرائيلي ‪.‬‬

‫وبالرغم من صغر مساحة األراض ي الفلسطينية إال أنها تمتاز بالتنوع الطبوغرافي وما‬
‫يتبعه من تنوع في المناخ‪ ،‬مما يتيح الفرصة النتشارالعديد من األنماط الزراعية‪ ،‬فبينما ترتفع‬
‫جبال القدس والخليل أكثر من ‪3888‬م فوق سطح البحر‪ ،‬تنخفض في منطقة األغوار ما يقارب‬
‫‪108‬م تحت سطح البحر (وزارة الزراعة الفلسطينية‪ (. 5883 ،‬وتمتاز الحيازة في فلسطين‬
‫ً‬
‫بصغرها‪ ،‬مما يشكل عائقا أمام تطوير إنتاجية األرض‪ ،‬وإدخال التكنولوجيات الحديثة في‬
‫الزراعة‪ .،‬كما يؤثر على تطبيق بعض البرامج التنموية كاستصالح األراض ي‪ ،‬وتعتمد الزراعة في‬
‫المناطق الريفية الفلسطينية العمل عائلي‪ ،‬وتقوم على مبدأ االستغالل الفردي لألرض ‪.‬‬

‫أضف إلى ذلك تأثر استخدامات األراض ي بالعديد من العوامل البيئية والطبيعية‬
‫والسياسية واالجتماعية والجيولوجية والمناخ و أنواع التربة والنشاطات اإلنسانية املختلفة‪.‬‬
‫ويمكن القول إن العامل املحدد ألسلوب و أنواع الزراعات هو توفر المياه‪ ،‬وبشكل و اقعي فان‬
‫كميات األمطار ونسبة السيطرة على الموارد المائية هي العامل املحدد والرئيس ي في الزراعة‪،‬‬
‫نظرا لتعدد القوانين الزراعية والمتعلقة باستخدام األراض ي الفلسطينية خالل المائة عام‬

‫‪ - 717‬خليل‪ ،‬محمد‪ ،)022.( ،‬توجه التنمية في فلسطين‪ ،‬معهد األبحاث التطبيقية‪ -‬القدس (أريج)‪ ،‬بيت لحم‪ ،‬ص‪.00 :‬‬

‫‪P 385‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫السابقة‪ ،‬لم تغفل السلطة الفلسطينية القانون الزراعي‪ ،‬وتنبهت إلى ضرورة إيجاد وسيلة‬
‫لحماية األراض ي الزراعية للمحافظة على هذا المورد املحدود للشعب الفلسطيني‪ ،‬فأصدرت‬
‫قانون الزراعة الفلسطيني عام ‪5881‬م‪ ،‬ولقد احتوى القانون الزراعي على حماية الطبيعة‬
‫واألراض ي الزراعية وحفظ التربة‪ ،‬وفرض حظرا على تجريف األراض ي الزراعية والبور‪ ،‬وحظر‬
‫إنشاء أية مبان عامة أو خاصة أو منشآت صناعية أو تجارية أو حرفية في األراض ي الزراعية أو‬
‫اتخاذ أية إجراءات في شأن تقسيم األراض ي إلقامة مبان عليها إال في حاالت محددة نص عليها‬
‫ً‬
‫القانون‪ ،‬كما ال يجوز اتخاذ أية إجراءات بشان تقسيم األراض ي الزراعية هيكليا في المناطق‬
‫اإلقليمية لمساحات تقل عن خمسة دونمات بالرغم ممن تؤول إليه ملكية هذه األرض‪. 718‬‬

‫ولقد ركزالفصل الثاني من قانون الزراعة الفلسطيني على حماية األراض ي الزراعية‪ ،‬إذ‬
‫تقوم الوزارة بالتعاون مع الجهات املختصة األخرى بوضع خطة إدارة املحميات الطبيعية‬
‫واملحافظة على جميع النباتات والكائنات الحية التي تعيش فيها‪ ،‬كما تحظر المادة العاشرة من‬
‫القانون تجريف األراض ي الزراعية والبور أو نقل األتربة منها أو إليها‪ ،‬ما لم يكن ذلك ألغراض‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تحسينها زراعيا أو املحافظة على خصوبتها وتحدد الوزارة ذلك وفقا للقانون ‪.719‬‬

‫نستخلص مما سبق أن القطاع الزراعي يعتبرأحد القطاعات االقتصادي ــة الـرئيسـة التي‬
‫تس ــهم فـي االقتصـاد الـوطني‪ ،‬ويرتبـط األمـن الغـذائي باألمن الوطنـي‪ ،‬وتحقيق األمـن الغـذائي‬
‫يعتمـد بالدرجـة األسـاس على توفير الغذاء من اإلنتاج الزراعي املحلي‪ ،‬ويسهم نهوض القطاع‬
‫الزراعي بتنويع االقتصاد وتخفيف وطأة الفقروتحسين الميزان التجاري وتحقيق حركة لمعظم‬
‫القطاعات المرتبطة به بصورة مباشرة وغيرمباشرة‪.‬‬

‫بعبارة أخرى‪ ،‬يساهم تطور القطاع الزراعي في مكافحة البطالة‪ ،‬وتقليص حجم‬
‫ً‬
‫فضال عن أن المنتج املحلي يكون‬ ‫االستيراد‪ ،‬وتطور ونهوض املجتمع وتعزيز االقتصاد الوطني‪،‬‬
‫ً‬
‫أكثر أمانا على السالمة الصحية للمستهلك مقارنة بالمستورد‪ ،‬الذي يؤدي إلى االهتمام بصحة‬
‫الفرد‪ ،‬ألن أغلب أمراض العصر مرتبطة بالغذاء واالستهالك الغذائي‪ ،‬كما وأن تطور القطاع‬
‫ً‬
‫الزراعي ينعكس إيجابيا على تحسين الو اقع البيئي‪.‬‬

‫‪ - 718‬الجهاز المركزي لإلحصاء الفلسطيني‪ ،)0222( ،‬التعداد العام للسكان والمنشآت والمساكن عام‪ ،0222‬منشورات‬
‫الجهاز المركزي لإلحصاء الفلسطيني‪.0222 ،‬‬
‫‪ - 719‬وزارة الزراعة الفلسطينية‪ ،)0220( ،‬استراتيجية الزراعة المستدامة‪.‬‬

‫‪P 386‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫السيادة الفلسطينية ودورها في إحداث التنمية الزراعية‬

‫تعتبر العديد من الدراسات والتقارير أن علمية التنمية في األراض ي الفلسطينية في ظل‬


‫االحتالل هي عملية شبه مستحيلة‪ ،‬حيث ال تزال السياسيات والخطط التنموية ال ترقى إلى‬
‫المستوى المطلوب ألهمية المنطقة وحساسية الوضع على األرض‪ ،‬من حيث استحالة إقامة‬
‫دولة فلسطينية دون السيطرة على المناطق المصنفة (ج) والتي تخضع للسيطرة االسرائيلية‬
‫الكاملة‪ ،‬األمرالذي يحتاج إلى تدخل حكومي سريع وعاجل وضمن خطوات مهمة‪ ،‬وبصورة عامة‬
‫لم تنجح أي من هذه السياسات والخطط التي اتبعتها الحكومة في إحداث تنمية على أرض‬
‫الو اقع في جميع أنحاء الضفة الغربية‪ ،‬األمر الذي تؤكده المؤشرات االقتصادية والتي أظهرت‬
‫تراجع معدل النموالحقيقي إلى ‪ ، %8.3‬وزيادة نسبة البطالة لتصل إلى ‪ ،%50‬وزيادة نسبة الفقر‬
‫في الضفة إلى ‪ %30‬حسب الجهازالمركزي لإلحصاء الفلسطيني للعام ‪ ،5830‬باإلضافة إلى تردي‬
‫األحوال االقتصادية واالجتماعية في املجتمع الفلسطيني ‪.720‬‬

‫هذه اإلشكاليات الحقيقية التي تواجهها الحكومة الفلسطينية ناتجة عن عدم سيطرتها‬
‫على المناطق (ج)‪ ،‬و اتباعها سياسات نابعة من الممولين منذ البداية‪ ،‬باإلضافة إلى سياسات‬
‫االحتالل‪ ،‬وهذه األسباب مجتمعة أدت إلى تحول كامل في الوعي الفلسطيني من جهة‪ ،‬وإلى فشل‬
‫السياسات التنموية على األرض لعدم مالمستها الو اقع الفلسطيني من جهة أخرى ‪.721‬‬

‫السيطرة اإلسرائيلية على المعابروالحدود‪:‬‬

‫انتهجت سلطات االحتالل اإلسرائيلي سياسة إغالق المعابروسياسة العقاب الجماعي‬


‫ً‬
‫بشكل منتظم وذلك منذ بداية انتفاضة األقص ى عام ‪ ،5888‬ودائما ما تستخدم ورقة المعابر‬
‫كوسيلة ضغط على الشعب الفلسطيني لتحقيق أهدافها السياسية واألمنية‪ ،‬وتأزم وضع‬
‫المعابر بشكل غير مسبوق بعد نجاح حماس في االنتخابات التشريعية‪ ،‬حيث بدأت سلطات‬

‫‪ - 720‬شبيطة‪ ،‬ريما‪ )020.( ،‬نح و سياسات لتعزيز التنمية في مناطق (ج)‪ ،‬المركز الفلسطيني ألبحاث السياسات‬
‫والدراسات االستراتيجية‪ -‬مسار‪ ،‬ص‪.02 :‬‬
‫‪ - 721‬عرفة‪ ،‬نور‪ ،‬البطمة‪ ،‬سامية‪ ،‬فرسخ‪ ،‬ليلى‪ ،) 0200( ،‬المستوطنات اإلسرائيلية تخنق االقتصاد الفلسطيني‪ ،‬شبكة‬
‫السياسات الفلسطينية‪ )https://al-shabaka.org/ar/( ،‬تاريخ الزيارة‪.0202/1/0 :‬‬

‫‪P 387‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫االحتالل بتضييق الخناق على الفلسطينيين عن طريق إغالق جميع المعابر بشكل منظم‬
‫ومستمرلفترات طويلة تحت مزاعم أمنية باطلة‪. 722‬‬
‫ً‬
‫لقد كان االحتالل دائما بالمرصاد للمزارع الفلسطيني‪ ،‬حيث يتبين لنا من خالل‬
‫اإلحصائيات كافة أن الناتج املحلي من القطاع الزراعي في تراجع مستمر نتيجة السيطرة‬
‫اإلسرائيلية الكاملة على المعابر‪ ،‬حيث أن اإلنتاج الزراعي قل‪ ،‬فهناك أراض زراعية صودرت‬
‫وأحاطتها المستوطنات‪ ،‬وهناك سياسات إسرائيلية قمعية فتتت األراض ي الفلسطينية‪،‬‬
‫ً‬
‫وساهمت في عزلتها والصعوبة في وصول المزارع لها‪ ،‬حيث أصبحت الطرق صعبة جدا على‬
‫المزارع ومكلفة في نقل المعدات ولوازم األرض والزراعة‪ ،‬كما أن هناك قوانين تدعم إسرائيل‪،‬‬
‫مثل القانون العثماني الذي يسمح بتملك األرض إذا تركت من ‪ 1‬إلى ‪ 0‬سنوات بال زراعة‪،‬‬
‫وإسرائيل فعليا تستغل كل القوانين لكسر صمود المزارع الفلسطيني ودفعه لترك أرضه‪ .‬كما‬
‫أن هناك معيقات عدة تتمثل في منع السماد الكيماوي ألسباب أمنية إسرائيلية‪ ،‬حيث يضطر‬
‫المزارع إلى استخدام السماد البلدي‪ ،‬وهو مكلف ويحتاج الجهد الكبير‪. 723‬‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬السيطرة اإلسرائيلية على المعابرو أثرها على الصادرات الزراعية‬

‫تكمن أهميــة الصــادرات في أنها ر افد أساســي من رو افــد االقتصاد الوطني‪ ،‬فالصادرات‬
‫ً‬
‫تشــكل مصدرا من مصــادر الدخــل القومي‪ ،‬كونها تعود بالفوائد الجمة للدولة ولقطاعاتها‪ ،‬غير‬
‫أنها تســاهم في توفير العمالت الصعبة‪ ،‬وتزيد من ربحية الشركات العاملة وقدرتها في مجال‬
‫التصدير‪ ،‬وذلك من خالل تبادل المعرفة والخبرات بين الشــركات المصدرة والشــركات‬
‫المســتوردة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كما تلعب الصادرات دورا مهما في خفض نســبة البطالة والفقر‪ ،‬مــن خالل زيــادة حجم‬
‫التوظيف والتشــغيل لــدى الشــركات المصدرة‪ ،‬وزيــادة األيدي العاملة لتلبيــة احتياجات‬
‫األسواق الخارجية‪ .‬والدولــة التــي تســعى إلــى زيادة وتطويرصادراتهــا‪ ،‬وزيادة دخلها القومــي تصل‬
‫في نهاية المطــاف إلى تنمية مســتدامة لصادراتها‪ .‬ومن أجل الوصول إلى االستدامة ال بد من بذل‬
‫الكثير من الجهد والعمل على مســتوى الدولــة والشــركات الخاصــة والمؤسســات املحلية‪ ،‬وذلك‬
‫ً‬
‫لتســهيل األعمال وتوفير بيئة عمــل مواتية‪ .‬وعلى مدار تســعة عشــر عاما ركز مركز التجارة‬

‫‪ - 722‬أبو الخير‪ ،‬السيد مصطفى‪ ،)022.( ،‬المعابر الفلسطينية رؤية قانونية‪ .‬مؤسسة النور للثقافة واإلعالم‪.‬‬
‫‪ - 723‬مجلة حياة وسوق‪ ،‬الزراعة في فلسطين حراثة في حقل األلغام‪ ،)0200( ،‬السنة الرابعة‪ ،‬العدد (‪.)0.0‬‬

‫‪P 388‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫الفلســطيني على أن المنافسة العالمية تحتاج إلى عمليات تطويرية مســتمرة للمنتجات‬
‫والخدمات المصدرة‪ .‬ولضمان اســتدامة الشــركات وبقاءها بشــكل منافس في سوق حر يتطلب‬
‫األمر عمليات بحث مســتمرة عن توجهات ورغبات السوق املحلي‪ ،‬تتميز فيه المنافســة‬
‫ً‬
‫بالشراســة‪ ،‬و أيضا األسواق الخارجية والمنافسين ومستويات وحدود المنافسة في هذه‬
‫األسواق‪.‬‬

‫وتتوقــف تطويــر العمليــات وحدهــا لتأديــة المهــام علــى أكمل وجــه لضمان اســتدامة‬
‫الصادرات واســتدامة الشــركات‪ ،‬فال بد مــن توفــرعنصــرمهم وفعــال ومكمــل لها ويتمثــل بتوفيــر‬
‫كادرمؤهــل قادرعلــى العمل ‪.724‬‬

‫أما بخصوص تشخيص وضع الصادرات في فلسطين‪ ،‬فإن آثاراألزمة االقتصادية تتفاقم‬
‫كلما استمر الحصار على االقتصاد الفلسطيني على المدى الطويـل‪ ،‬حيـث لـم يعـد بمقدور‬
‫االقتصاد استعادة وضعه الطبيعي حتى مع رفع الحصارواإلغـالق‪ .‬حيث شددت إسرائيل حدة‬
‫الحصار على األراض ي الفلسطينية بشكل ملحوظ‪ ،‬وحولتها لمناطق شبه معزولة عن العالم‬
‫الخارجي (حتى عن بعضها البعض)‪ .‬حيث منعت الصادرات الفلسطينية من الوصول لألسواق‬
‫اإلسرائيلية أو عبر موانئها والمعابـر الحدودية التي تسيطر عليها للعالم الخارجي‪ ، ،‬كما أعاقت‬
‫ً‬
‫تدفق الواردات الفلسطينية (وخصوصا مدخالت اإلنتاج) القادمة من – أو عبر– إسرائيل مما‬
‫أثر على بعض القطاعات االقتصـادية الـريادية مـثل القطاع الصناعي‪ ، ،‬حيث انعكس التراجع‬
‫في الصادرات بأضـرار فادحـة على القطاع الزراعي والفروع التي تعتمد على إسـرائيل في تسويق‬
‫إنتاجها‪ ،‬وتضررت كذلك المؤسسات والمنشآت العاملة فـي الـتجارة الخارجـية نتيجة انخفاض‬
‫حجم التبادل التجاري بفعل العوائق اإلسرائيلية أمام حـركة الصـادرات وبدرجة أقل أمام‬
‫حركة الواردات مما يؤثر على طبيعة اإلنتاج والعرض الكلي الفلسطيني‪ ،‬النخفاض الطلب على‬
‫السلع املحلية المستوردة ‪.725‬‬

‫كما أن االنخفاض الكبير للصادرات يعود إلى المعوقات اإلسرائيلية املخططة إلدماج‬
‫الزراعة الفلسطينية‪ ،‬باعتبارها منتجات وسيطة للصناعات اإلسرائيلية‪ ،‬وإلغاء فرص‬

‫‪ - 724‬مركز التجارة الفلسطيني‪ ،‬بال تراد‪ ،)0202( ،‬التقرير السنوي لحجم الصادرات والواردات في األراض ي الفلسطينية‬
‫والتجارة الخارجية‪ ،‬ص‪..00 :‬‬
‫‪ - 725‬نصر الله‪ ،‬عبد الفتاح‪ ،)0220( ،‬التجارة الخارجية الفلسطينية – تحليل ورؤية نقدية‪ ،‬إدارة الدراسات والتخطيط‪،‬‬
‫ص‪.00 :‬‬

‫‪P 389‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫تصديرها للخارج‪ ،‬وفرض المزيد من اعتماد االقتصاد الفلسطيني على إسرائيل‪ .‬وتمثلت أبرز‬
‫المعوقات في تقييد المدخالت اإلنتاجية للزراعة الفلسطينية من بذور‪ ،‬وأسمدة‪ ،‬ومبيدات‪،‬‬
‫ومعدات‪ ،‬وآالت‪ ،‬باإلضافة إلى التحكم اإلسرائيلي في المياه الفلسطينية‪ ،‬وبنسبة تزيد على ‪08‬‬
‫‪ ، %‬واستنز افها عن طريق مستعمراتها‪ ،‬باإلضافة إلى منع صيد األسماك‪ ،‬واإلضرار بالمنتجات‬
‫الحيوانية‪ ،‬والدواجن‪ ،‬لترسيخ االعتماد المطلق على المنتجات اإلسرائيلية‪ ،‬إضافة إلى ذلك‬
‫استولت إسرائيل على حوالي ‪ %00‬من أراض ي الضفة الغربية لبناء المستوطنات‪ ،‬و إقامة‬
‫الجدارالعنصري العازل‪. 726‬‬
‫ً‬
‫وتشكل المستعمرات اإلسرائيلية عائقا في وجه استغالل ‪ 35000‬حيازة زراعية في‬
‫ً‬
‫الضفة الغربية‪ ،‬بينما شكل جدار الضم والتوسع عائقا أمام استغالل ‪ 0010‬حيازة زراعية‪،‬‬
‫و‪ 0505‬حيازة زراعية تعيق الحواجز العسكرية استغاللها‪ .‬وبلغ عدد الحيازات التي تعيق‬
‫المناطق العسكرية المغلقة استغاللها في األراض ي الفلسطينية ‪ 0003‬حيازة زراعية‪. 727‬‬

‫وتشير إحصاءات وزارة االقتصاد الوطني الفلسطينية‪ ،‬ومعهد البحوث التطبيقية إلى‬
‫ارتفاع كبير في تكاليف النقل التي يتحملها المنتجون الفلسطينيون نتيجة القيود اإلسرائيلية‬
‫المفروضة على ولوج األسواق العالمية‪ ،‬إذ تعادل تكاليف التصدير التي يتكبدها الوكالء‬
‫الفلسطينيون ضعف التكاليف التي يتحملها نظراؤهم اإلسرائيليون‪ ،‬بينما تتطلب إجراءات‬
‫التصديرأربعة أمثال الوقت الذي يمضيه اإلسرائيليون على أنشطة مشابهة ‪.‬‬
‫ً‬
‫إجماال تتمثل أهم العوائق في وجه صادرات المنتجات الزراعية في النقاط التالية‪:‬‬

‫‪ -3‬تشــهد بيئة التصدير للمنتجات الزراعية في فلســطين سلسلة طويلة من إجراءات‬


‫التصدير على وجه الخصوص إلى بعض األسواق ومنها السوق األمريكي والكندي‪ ،‬حيث تتعدد‬
‫اإلجراءات لتصل إلى ما يقارب ‪ 38‬خطوات و‪ 0‬خطوات منها غير مطلوبة من هذه األسواق‪،‬‬
‫فمسألة تسهيل إجراءات التصدير وإســقاط كافــة الخطوات واإلجراءات غير المطلوبة من‬

‫‪ - 726‬النجار‪ ،‬أحمد سيد‪ ،)0220( ،‬االتجاهات االقتصادية االستراتيجية‪ ،‬مركز الدراسات والسياسات االستراتيجية‪،‬‬
‫األهرام‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ص‪.002 :‬‬
‫‪ - 727‬الديراوي‪ ،‬سلمان محمد‪ ،)0200( ،‬العالقـات االقتصاديـة الفلسطينيـة والعوامل المؤثـرة في تطويرهـا في ظل المتغيرات‬
‫اإلقليميـة والدوليـة ‪-‬آفــاق مستقبليــة‪ ،-‬جامعة القدس المفتوحة فلسطين – غزة‪ ،‬ص‪.220 :‬‬

‫‪P 390‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫األسواق المســتخدمة من شــأنه أن ينعكس على النشاط التصديري لهذه المنتجات ويخفف‬
‫العبء عن الشركات الفلسطينية‪.‬‬

‫‪ -5‬تعتبر اإلجراءات اإلسرائيلية على المعابر وعملية النقل ‪ back to back‬من أهم‬
‫ً‬
‫المشاكل التي تواجه تســويق المنتجات نظرا الرتفاع تكلفة النقل إضافة إلى ذلك فإن هذه اآللية‬
‫تؤدي إلى خســائروأضراروتلف في البضاعة بسبب عملية التحميل والتنزيل‪.‬‬

‫‪ -1‬إن التصدير مرهون بالحصول على رخصة استيراد تصدر من وزارة الزراعة األردنية‬
‫ً‬
‫والتي تكون أحيانا غيرواضحة لمن يريد الحصول عليها‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -2‬المتطلبات الفنية تكون أحيانا بدون سابق معرفة مما تخلق أزمة لدى قطاع‬
‫المصدرين‪.‬‬

‫‪ -0‬عدد ساعات العمل على معبراألردن غيرمنتظم بآلية محددة ومعروفة‪. 728‬‬

‫كما وضعت سلطات االحتالل اإلسرائيلي مجموعة من العر اقيل املختلفة من أجل‬
‫تعطيل وصول اإلنتاج الوطني للخارج‪ ،‬على الرغم من وجود العديد من االتفاقيات مع أطراف‬
‫خارجية كاالتحاد األوروبي‪ .‬وعمدت على تأخير إصدار أذونات التصدير للمزارعين الفلسطينيين‬
‫في الوقت المناسب‪ ،‬وربطت ذلك بمواسم اإلنتاج اإلسرائيلي حتى تنفرد بالسوق الفلسطينية‪،‬‬
‫مما أدى إلى ضياع نسبة كبيرة من املحصول بين تالف وغير مباع‪ .‬كما منعت تصدير المنتجات‬
‫الزراعية الفلسطينية إلى األسواق اإلسرائيلية إال بتصاريح من الحاكم العسكري‪ ،‬حيث تمنح‬
‫هذه التصاريح للمزارعين الفلسطينيين عادة عندما تكون المصانع اإلسرائيلية بحاجة ماسة‬
‫لهذه المنتجات‪ .‬و اتبعت سياسة إغراق األسواق الفلسطينية بالمنتجات الزراعية‬
‫اإلسرائيلية‪ ،‬مما أدى إلى تدهورأسعارالمنتجات الزراعية الفلسطينية المماثلة وبالتالي خسارة‬
‫المزارعين بشكل كبير و إفالس الكثيرمنهم‪ .‬كما عمدت سلطات االحتالل اإلسرائيلي إلى تعطيل‬
‫تنقل الشاحنات الفلسطينية بين املحافظات بفعل اإلغالقات المتكررة والحواجز المنتشرة‪،‬‬
‫مما عرض المنتجين الزراعيين إلى خسائرفادحة بسبب عدم تسويق منتجاتهم احيانا وتعرضها‬
‫للتلف في احيان اخرى‪ .‬وكذلك تحكمت بمدخالت اإلنتاج الزراعي األساسية في الضفة والقطاع‪،‬‬

‫‪ - 728‬مركز التجارة الفلسطيني‪ ،‬بال تراد‪ ،)0202( ،‬التقرير السنوي لحجم الصادرات والواردات في األراض ي الفلسطينية‬
‫والتجارة الخارجية‪ ،‬ص‪.21 :‬‬

‫‪P 391‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬
‫ً‬
‫وحصرت استيراد المواد األولية للزراعة من "إسرائيل"‪ ،‬فضال عن سيطرتها الفعلية على حركة‬
‫المنتجات الفلسطينية بين "إسرائيل" ومناطق السلطة‪ ،‬إلى جانب فرض حصار شديد على‬
‫تسويق المنتجات الفلسطينية في الضفة والقطاع‪ .‬مقابل جعل أسواق الضفة والقطاع‬
‫ً‬
‫أسو اقا مفتوحة للمنتجات اإلسرائيلية ‪.729‬‬
‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬السيطرة اإلسرائيلية على المعابر و أثرها على الواردات الزراعية ومدخالت‬
‫اإلنتاج‬

‫استخدمت سلطات االحتالل طيلة العقود الماضية سياسة سحق المنتجات الزراعية‬
‫الفلسطينية التقليدية‪ ،‬من خالل إغراق السوق الفلسطيني بالمنتجات الزراعية اإلسرائيلية‪،‬‬
‫ومنع حماية المنتجات الزراعية الفلسطينية من المنافسة اإلسرائيلية واألجنبية‪ ،‬وتشجيع‬
‫المزارعين الفلسطينيين على الزراعة الكمالية واألحادية و أنواع أخرى من الزراعة ذات رأس‬
‫المال الكبير‪ ،‬والموجهة لألسواق اإلسرائيلية أو الخارجية‪ ،‬والتي يتم زراعتها باالعتماد على‬
‫ً‬
‫القروض‪ ،‬والتي ال يستفيد محليا من أرباحها سوى نفرقليل من المالكين والتجارالكبار‪. 730‬‬

‫وتعتبرالسياسة التجارية املحرك الرئيس ي لعجلة أي تطوراقتصادي‪ ،‬وتهدف إلى تحقيق‬


‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫استقالل أي قرار سواء كان سياسيا أو اقتصاديا أو عسكريا‪ ،‬حيث يبنى على السياسة التجارية‬
‫ً‬
‫النظام االقتصادي الذي ستسير عليه الدولة‪ ،‬ويعد ذلك توجها نحو االعتماد على الذات‬
‫واالستقالل االقتصادي‪ ،‬وبناء القاعدة االقتصادية القوية‪ ،‬لكي تستطيع الصمود أمام‬
‫التقلبات االقتصادية والسياسية واملحلية والعالمية‪ .‬إال أن السياسة التجارية الفلسطينية‬
‫خضعت للسياسات واألوامر العسكرية اإلسرائيلية‪ ،‬منذ احتالل األراض ي الفلسطينية عام‬
‫‪ ،3030‬حيث أنشأت إسرائيل آليات أدت إلى ربط االقتصاد الفلسطيني باقتصادها ‪.731‬‬

‫وقد تمثلت تلك اآلليات في اإلجراءات التي شكلت مجتمعة ما يشار إليه باسم شبه‬
‫االتحاد الجمركي‪ ،‬والتي من خاللها كانت إسرائيل تسمح بحركة السلع واليد العاملة بين‬
‫االقتصادين الفلسطيني واإلسرائيلي في إطار من القيود غير المتبادلة‪ ،‬حيث كانت الصادرات‬

‫‪ - 729‬عبد الرحمن‪ ،‬محمد‪ ،)0222( ،‬االقتصاد الزراعي‪ ،‬جامعة القدس المفتوحة‪ ،‬عمان‪ -‬األردن‪ ،‬ص‪.02. :‬‬
‫‪ - 730‬أحمد‪ ،‬عوض الله محمد‪ ،)0202( ،‬ضعف القطاعات اإلنتاجية الفلسطينية وأثره على الصادرات‪ ،‬جامعة األزهر‪،‬‬
‫غزة‪ -‬فلسطين‪ ،‬ص‪.01 :‬‬
‫‪ - 731‬العجلة‪ ،‬مازن‪ ،)0202( ،‬االقتصاد السياس ي للدولة الفلسطينية‪ ،‬قراءات استراتيجية‪ ،‬مركز التخطيط الفلسطيني‪،‬‬
‫غزة‪ ،‬ص‪.21 :‬‬

‫‪P 392‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫والواردات الفلسطينية تخضع إلجراءات وقيود معقدة‪ ،‬كما أن شهادات االستيراد والتصدير‬
‫تمنح من خالل األوامر العسكرية‪ ،‬باإلضافة إلى فرض حدود على أنواع وكميات المواد الخام‬
‫المسموح بدخولها إلى الضفة الغربية وقطاع غزة‪.‬‬
‫ً‬
‫هذه اإلجراءات والتدابير مقترنة بمصادرة الموارد الطبيعية الفلسطينية أدت فعليا إلى‬
‫فرض حدود على آفاق تنمية االقتصاد وإلى حدوث تشوهات واختالالت هيكلية في اإلنتاج وسوق‬
‫العمل والعرض والطلب‪ ،‬إضافة إلى نشوء عالقات تجارية غير متكافئة عززت عالقة التبعية‬
‫المفروضة على االقتصاد الفلسطيني‪ .‬ومع إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية عام ‪،3002‬‬
‫وبالرغم من االتفاقيات المتعددة وخاصة اتفاق باريس االقتصادي ‪ ،‬إال أن الممارسات‬
‫اإلسرائيلية التي تمثلت في مصادرة األراض ي وتجريف المساحات الزراعية‪ ،‬وتدمير المنشآت‪،‬‬
‫والحصار واإلغالق‪ ،‬ظلت تشكل السمات البارزة للحياة اليومية في األراض ي الفلسطينية منذ‬
‫العام ‪ 3002‬وحتى اآلن‪. 732‬‬

‫وقد بذلت السلطة الفلسطينية محاوالت جادة لتشجيع االستيراد والتصدير المباشر‬
‫مع األسواق العالمية‪ ،‬إال أن إسرائيل ما زالت المصدر الرئيس‪ .‬فنجد أن متوسط معدل‬
‫الواردات السلعية المرصودة من السوق اإلسرائيلي لألراض ي الفلسطينية خالل األعوام‬
‫(‪ )5858 -5838‬بلغ (‪ )% 05.3‬من إجمالي الواردات‪ ،‬كما حاولت السلطة الفلسطينية منذ‬
‫نشوئها تنمية االقتصاد الفلسطيني الذي عانى على مدار سنوات االحتالل‪ ،‬وما زال‪ ،‬من‬
‫السيطرة اإلسرائيلية على موارده ومقدراته‪ .‬فكان على السلطة الفلسطينية أن تنهض باقتصاد‬
‫محدود الموارد‪ ،‬ومعدوم السيادة على حدوده الجغر افية واالقتصادية‪ ،‬باإلضافة إلى‬
‫التشوهات الهيكلية في االقتصاد الفلسطيني الناشئة عن سياسات االحتالل وإجراءاته؛ فقد‬
‫عملت إسرائيل على تعزيز تبعية االقتصاد الفلسطيني لالقتصاد اإلسرائيلي من خالل العديد‬
‫من السياسات‪ ،‬منها نفاذ المنتجات اإلسرائيلية بحرية كاملة لألسواق الفلسطينية‪ ،‬ووضع‬
‫القيود على انتقال البضائع الفلسطينية إلى األسواق اإلسرائيلية‪ ،‬وعدم السماح للفلسطينيين‬
‫باالستيراد من دول ال تقيم عالقات دبلوماسية مع الجانب اإلسرائيلي؛ مما أدى إلى تقييد تطور‬

‫‪ - 732‬شعبان‪ ،‬عبد الحميد‪ ،) 0200( ،‬فاعلية السياسات االقتصادية في تعزيز تنافسية المنتج الفلسطيني‪ ،‬ورقة بحثية‬
‫مقدمة إلى المؤتمر االقتصادي لجامعة القدس المفتوحة‪ :‬نحو تعزيز تنافسية المنتجات الفلسطينية‪ ،‬المنعقد في رام‬
‫الله‪ -‬فلسطين‪.‬‬

‫‪P 393‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫اإلنتاج الفلسطيني وعدم تنوعه‪ ،‬والعمل بما يلبي احتياجات السوق اإلسرائيلي‪ ،‬ما نتج عنه‬
‫عجزدائم في الميزان التجاري الفلسطيني ‪.733‬‬

‫أضف إلى ذلك اإلجراءات المتبعة في موانئ حيفـا وأسدود‪ ،‬يجـب تفريــغ الشـحنات‬
‫الفلسـطينية‪ ،‬بمـا فيهـا المــواد المـبردة والقابلــة للتلـف‪ ،‬ثم إعــادة تحميلها عند نقاط العبور‬
‫التجارية في الضفة الغربية بغية تفتيشـها باسـتخدام نظـام تتـابع عمليـات التفريـغ وإعـادة‬
‫التحميـل‪ .‬ونتيجة لهذه العملية‪ ،‬يقض ي الشاحنون الفلسطينيون أوقات طويلة في مناولة‬
‫البضـائع واالنتظـار‪ ،‬كمـا تتعـرض البضـائع للمناولـة السـيئة‪ ،‬وهـووضـع يمكـن أن يـؤدي إلى ارتفـاع‬
‫تكـاليف الصـفقات والنقـل وإلحـاق أضـراربالبضـائع‪ .‬وقـد خلصت دراسـة أجرتها في اآلونـة األخـيرة‬
‫مؤسسـة التعـاون االقتصـادية لنقطـة ترقوميـا للعبـورالتجـاري إلى أن وقـت االنتظـارالذي تقضيه‬
‫الشاحنات الفلسطينية في معبر ترقوميـا يصـل إلى سـاعة ونصـف في المتوسـط‪ ،‬ممـا يزيـد تكلفـة‬
‫الشـحن بنسـبة ‪ %30‬علـى األقـل حسـب تقـديرات مؤسسـة التعـاون االقتصـادي (‪،) ECF ،5830‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وقـد أجـري هـذا التقـديرفي الوقـت الـذي كـان فيـه معـبرترقوميـا التجـاري يسيرجزءا ضئيال فقط‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫من مرحلة العبور ويعني ذلك أن التكلفة سوف ترتفع ارتفاعا شديدا عندما تعمل نقطة العبور‬
‫بكامل طاقتها ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كما أن القيود المفروضة على المدخالت المستوردة تشكل عبئا كبيرا على المزارع‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫الفلسطيني‪ ،‬إذ أن عمليات التفتيش األمني اإلسرائيلي يمكن أن تستغرق وقتا طويال‪ .‬ونظرا‬
‫الرتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف في غوراألردن فقد يكون من الصعب استيراد السلع‬
‫الزراعية عبر جسر الملك حسين في هذا الفصل‪ ،‬وفي بعض األحيان ال تتمكن سوى شاحنات‬
‫قليلة محملة بجزء من الشحنة من عبورالحدود قبل إغالقها في الساعة الثانية من بعد الظهر‪،‬‬
‫عندئذ في بعض األحيان أن ترفض إدارة المعابر‬
‫ٍّ‬ ‫ويذكر الشاحنون الفلسطينيون أنه يحدث‬
‫الحدودية اإلسرائيلية معالجة النصف الثاني من الشحنة في اليوم التالي‪ ،‬بذريعة أنها ال تستوفي‬
‫شروط شهادات المنشأ وتطلب اإلدارة تقديم مستندات جديدة وتفرض غرامات في بعض‬
‫ً‬
‫األحيان‪ ،‬وفضال عن ذلك يؤثر الحظر األمني الذي تفرضه إسرائيل على األسمدة المستوردة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تأثيرا سلبيا في الزراعة الفلسطينية ويدفع المزارعين إلى استخدام البدائل الغيرالمناسبة والتي‬

‫‪ - 733‬النتشة‪ ،‬أمنة‪ ،)0202( ،‬سبل زيادة حجم وتنويع مصادر الواردات الفلسطينية المباشرة وتقليص االعتماد على‬
‫الواردات المعاد تصديرها من إسرائيل‪ ،‬جامعة بير زيت‪ ،‬معهد إبراهيم أبو الغد للدراسات الدولية‪ ،‬برنامج الماجستير في‬
‫الدراسات الدولية‪ -‬تركيز الهجرة القسرية والالجئين‪ ،‬رام الله‪ -‬فلسطين‪ ،‬ص‪.00 :‬‬

‫‪P 394‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫تقلل من جودة التربة وتخفض اإلنتاجية والربحية في ٍّآن واحد‪ ،‬ولذلك تشير التقديرات إلى أن‬
‫فرض هذا الحظر على استيراد األسمدة أدى إلى تدهور اإلنتاجية الزراعية بنسبة تتراوح ما بين‬
‫‪ %18-58‬من اإلنتاج الزراعي‪.734‬‬

‫يتضح انه من الصعوبة بمكان وجود تنمية في ظل االحتالل اإلسرائيلي الذي يسيطر‬
‫على كل تفاصيل حياة المواطن الفلسطيني الن التنمية المستقلة بحاجه إلى سيطرة كاملة على‬
‫الموارد الطبيعية وأهمها األرض والمياه وإعاقة الوصول إليها وتطويرها فاالحتالل يسيطر على‬
‫مفاتيح االقتصاد الفلسطيني بطرق مختلفة (مباشره أو غير مباشره ) فكيف باإلمكان التنمية‬
‫في ظل االحتالل الذي يسيطر على مقدرات الشعب الفلسطيني من خالل ممارساته على األرض‬
‫ومن خالل المستوطنات التي تنتشر وتتفش ى مثل السرطان والتي تتخذ األماكن الحيوية‬
‫واالستراتيجية موقعا لها ضاربة بعرض الحائط كل القرارات والمواثيق الدولية أهمها اتفاقية‬
‫الهاي ‪ 3080‬المادة (‪ ،)20‬ومعاهدة جينيف الرابعة ‪ 3020‬المادة (‪ )01‬التي تدين وفي أكثر من‬
‫‪ 58‬قرارسياسة إسرائيل في االستيطان وتستنكرعدم التزامها‪.‬‬

‫وحقيقة األمر أن االحتالل اإلسرائيلي يستمر بفرض و اقع تهويدي بامتياز يصعب‬
‫االنفكاك عنه‪ ،‬من خالل منع الفلسطينيين الوصول إلى عمقهم العربي و انسياب التجارة بينهم‪،‬‬
‫ً‬
‫وقد سلكت سلطات االحتالل اإلسرائيلي طرقا خبيثة لضرب االقتصاد الفلسطيني‪ ،‬وضرب‬
‫قطاع الزراعة‪ ،‬وخلق أجواء المنافسة غير الشريفة‪ ،‬كتخفيض األسعار‪ ،‬والسيطرة على‬
‫المصادر المائية‪ ،‬والقضاء على األصناف البلدية من اإلنتاج الحيواني بكافة أنواعه‪ ،‬والنباتي‬
‫من األشجار والخضروات والحبوب‪ ،‬وعمل االحتالل على تدمير البنية التحتية للزراعة عبر شق‬
‫الشوارع بين المستوطنات‪ ،‬بما تبعه من اقتالع األشجار‪ ،‬وعبر إلقاء نفايات المستوطنات في‬
‫األرض الزراعية الفلسطينية‪ ،‬مما أدى إلى تدميرهائل هدد القطاع الزراعي برمته‪.‬‬
‫ً‬
‫وتسعى الحكومة الفلسطينية الحالية (الثامنة عشر) جاهدة لالنفكاك التدريجي من‬
‫العالقة الكولونيالية مع االحتالل اإلسرائيلي‪ ،‬من خالل خطة التنمية بالعناقيد (زراعية‪.‬‬
‫سياحية‪ .‬صناعية) في كافة أرجاء الوطن حسب طبيعة املحافظة‪ ،‬للوصول إلى االكتفاء الذاتي‬
‫في بعض املحاصيل والمنتجات‪ ،‬كما يأمل الفلسطينيون الوصول إلى تنمية قائمة على الحد من‬

‫‪ - 734‬مؤتمر التجارة لألمم المتحدة‪ ،‬األونكتاد‪ ،)0200( ،‬تيسير التجارة في األراض ي الفلسطينية املحتلة‪ ،‬القيود والعائق‪،‬‬
‫ص‪.01 :‬‬

‫‪P 395‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫المشروع االستعماري‪ ،‬وتغيير نمط المساعدات المقدمة من الدول المانحة (التمويل‬


‫المشروط)‪ ،‬والذي يتسم بالطابع اإلغاثي ويتعارض مع متطلبات التنمية الشاملة‪.‬‬

‫الئحة المراجع‪:‬‬

‫أبو حلوب‪ ،‬فادي مصطفى عبد الجواد‪ ،)5833( ،‬محددات نمو القطاع الزراعي في‬
‫فلسطين‪ ،‬دراسة قياسية خالل فترة (‪ ،)5832-3000‬الجامعة اإلسالمية‪ ،‬شؤون البحث العلمي‬
‫والدراسات العليا‪ ،‬كلية التجارة‪ ،‬ماجستيراقتصاديات التنمية‪ ،‬غزة‪ -‬فلسطين‪.‬‬

‫السالم‪ ،‬أحمد جبر‪ ،)5838( ،‬و اقع التنمية الزراعية المستدامة ومتطلباتها في العراق‪،‬‬
‫رسالة ماجستيرفي االقتصاد‪ ،‬جامعة البصرة‪ ،‬العراق‪.‬‬

‫عفانة‪ ،‬لميس محمد ممدوح عبد الرؤوف‪ ،)5838( ،‬استراتيجيات التنمية المستدامة‬
‫لألراض ي الزراعية في الضفة الغربية محافظة طوباس كحالة دراسية‪ ،‬جامعة النجاح‪ ،‬كلية‬
‫الدراسات العليا‪ ،‬نابلس‪ -‬فلسطين‪.‬‬

‫الزعبي‪ ،‬أحمد محمد‪ ،)3000( ،‬األدوارالمرتقبة لإلرشاد الزراعي في ظل سياسات وبرامج‬


‫� اإلصالح االقتصادي‪ ،‬الندوة القومية حول تعزيز دور اإلرشاد الزراعي في التنمية الزراعية‬
‫المستدامة المنعقدة بالجزائر‪ ،‬المنظمة العربية للتنمية الزراعية‪ ،‬الخرطوم‪،‬‬

‫الزهراني‪ ،‬خضران حمدان‪ ،‬والحاج أحمد الحاج‪3251( ،‬ه ــ)‪ ،‬التنمية الزراعية في‬
‫المملكة العربية السعودية‪ ،‬النشرالعلمي والمطابع‪ ،‬جامعة الملك سعود‪ ،‬الرياض‪.‬‬

‫السبيعي‪ ،‬صعيبان بن سلطان‪ ،)5883( ،‬اتجاهات المزارعين نحو الزراعة المستدامة‬


‫في محافظة الخرج بالمملكة العربية السعودية‪ ،‬املجلة العلمية‪ ،‬كلية الزراعة‪ ،‬جامعة القاهرة‪،‬‬
‫مجلد ‪ ،00‬العدد (‪ ،)5‬القاهرة‪.‬‬

‫خليل‪ ،‬محمد‪ ،)5880( ،‬توجه التنمية في فلسطين‪ ،‬معهد األبحاث التطبيقية‪ -‬القدس‬
‫(أريج)‪ ،‬بيت لحم‪.‬‬

‫الجهاز المركزي لإلحصاء الفلسطيني‪ ،)5880( ،‬التعداد العام للسكان والمنشآت‬


‫والمساكن عام‪ ،5880‬منشورات الجهازالمركزي لإلحصاء الفلسطيني‪.5880 ،‬‬

‫‪P 396‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫شبيطة‪ ،‬ريما‪ )5830( ،‬نحو سياسات لتعزيزالتنمية في مناطق (ج)‪ ،‬المركز الفلسطيني‬
‫ألبحاث السياسات والدراسات االستراتيجية‪ -‬مسار‪.‬‬

‫عرفة‪ ،‬نور‪ ،‬البطمة‪ ،‬سامية‪ ،‬فرسخ‪ ،‬ليلى‪ ،)5830( ،‬المستوطنات اإلسرائيلية تخنق‬
‫االقتصاد الفلسطيني‪ ،‬شبكة السياسات الفلسطينية‪ )https://al-shabaka.org/ar/( ،‬تاريخ‬
‫الزيارة‪.5858/3/2 :‬‬

‫‪P 397‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫الشروط املتعلقة بالصواير القضايية‬


‫يف الشكاية املباشرة‬
‫‪-‬يف ضل قانون املسطرة انجنايية املغربي‪-‬‬
‫‪Conditions related to judicial orders in the direct complaint‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫اشترط المشرع المغربي المطالب بالحق المدني أداء الصوائر القضائية تحت طائلة‬
‫عدم قبول الشكاية المباشرة المرفوعة سواء أمام قاض ي التحقيق‪ ،‬أم هيئة الحكم‪ ،‬إذا كان ال‬
‫يتمتع بالمساعدة القضائية ويستفاد ذلك من نص المادة ‪ ،)735(20‬من القانون المتعلق‬
‫بالصوائرالقضائية(‪.)736‬‬

‫ويبقى الهدف من وراء تنصيص المشرع على ضرورة أداء المصاريف القضائية في‬
‫الميدان الجنائي هو الحد نمن اللجوء إلى القضاء بدون أي سبب(‪.)737‬‬

‫‪ -735‬ينص الفصل ‪ 45‬من القانون رقم ‪ 23-86‬المتعلق بتنظيم الصوائر القضائية في الميدان الجنائي على أنه‬
‫يجب على الم دعي بالحقوق المدنية غير المتمتع بالمساعدة القضائية أن يودع بكتابة ضبط المحكمة وإال كانت‬
‫دعواه غير مقبولة المبلغ المفترض أنه ضروري لتسديد جميع مصاريف اإلجراءات إذا رفع قضيته مباشرة إلى‬
‫قاضي التحقيق‪ ،‬أو إلى المحكمة وفقا لقانون اإلجراءات الجنائية‪ ،‬ويشمل مبلغ اإليداع المذكور القسط الجزافي‬
‫المنصوص عليه في المادة ‪ 50‬أعاله مضافا إليه إن اقتضى الحال المبلغ المعد لتسديد مصاريف الخبرة إذا تقرر‬
‫القيام بهذا اإلجراء‪.‬‬
‫للمزيد من التفاصيل حول المساعدة القضائية‪ ،‬أنظر‪ ،‬محمد القدوري‪" ،‬المساعدة القضائية"‪ ،‬مجلة المحاماة عدد‬
‫‪ 2‬فبراير ‪ ،1985‬ص‪.37 :‬‬
‫‪ -736‬القانون رقم ‪ 23-86‬المتعلق بتنظيم الصوائر القضائية في الميدان الجنائي الصادر بتنفيذه الظهير الشريف‬
‫رقم ‪ 1-86-238‬الصادر في ‪ 28‬ربيع الثاني ‪( 1407‬الموافق لـ ‪ 31‬دجنبر ‪ ،)1986‬منشور بالجريدة الرسمية‬
‫عدد ‪ 3877‬بتاريخ ‪ 19‬جمادى الثانية ‪ 18( 1407‬فبراير ‪ )1987‬الذي ألغى الظهير الشريف رقم ‪،1-59-300‬‬
‫بتاريخ ‪ 29‬جمادى ‪ 17( 1380‬يناير ‪.)1961‬‬
‫‪ -737‬محمد كاسم "بعض اإلشكاليات الناجمة عن تطبيق االستثناءات الواردة على قاعدة لزومية أداء الرسم‬
‫القضائي" مجلة المحامي‪ ،‬العدد ‪ ،91‬المطبعة الوطنية‪ ،‬مراكش‪ ،‬ماي ‪ ،2001‬ص‪.136 :‬‬

‫‪P 398‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫وتتمثال هذه المصاريف القضائية أساسا في أداء القسط الجزافي (أوال)‪ ،‬ومبلغ اإليداع‬
‫أو الوديعة (ثانيا) وأداء الرسم القضائي (ثالثا)‪.‬‬

‫‪ .0‬أوال ‪:‬أداء القسط الجزافي‪.‬‬

‫بالرجوع إلى قانون رقم ‪ 51-03‬المتعلق بتنظيم الصوائرالقضائية في الميدان الجنائي‪،‬‬


‫نجده قد حدد المبلغ الذي يجب على المطالب بالحق المدني أداؤه‪ ،‬ولتحديد هذا المبلغ نجد‬
‫أن المشرع استند إلى نوع الجريمة المقترفة والناتج عنها الضرر‪ ،‬وبالتالي فبالرجوع إلى المادة‬
‫‪ 08‬من القانون السالف الذكر أعاله‪ ،‬نجدها قد حددت مبلغ القسط الجزافي بالنسبة‬
‫للمخالفات المعروضة على املحاكم االبتدائية في ‪ 18‬درهما‪ ،‬وفي القضايا الجنحية حددت في‬
‫مبلغ ‪ 388‬درهم‪ ،‬بينما حدد مبلغ ‪ 088‬درهم أمام الغرفة الجنحية ملحاكم االستئناف‪ ،‬وكذا‬
‫املحاكم العسكرية أما املجلس األعلى فقد حددت المادة ‪ 018‬في الفقرة األولى من قانون‬
‫المسطرة الجنائية هذا المبلغ في ‪ 3888‬درهم(‪.)738‬‬

‫وقد حددت المادة ‪ 08‬أعاله في فقرتها الثانية أن هذه المبالغ قد تضاف في حالة الطعن‬
‫باالستئناف أو التعرض وذلك كما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬عند استئناف حكم صادرعن محكمة ابتدائية في قضايا املخالفات‪ :‬مبلغ ‪ 388‬درهم‪.‬‬

‫‪ -‬عند استئناف حكم صادرعن محكمة ابتدائية في قضايا جنحية‪ :‬مبلغ ‪ 388‬درهما‪.‬‬

‫‪ -‬عند استئناف أمرلقاض ي التحقيق أمام الغرفة الجنحية‪ :‬مبلغ ‪ 388‬درهما‪.‬‬

‫‪ -‬عند التعرض على حكم غيابي صادر عن حكومة ابتدائية في قضايا املخالفات‪ :‬مبلغ‬
‫‪ 58‬درهما‪.‬‬

‫‪ -‬عند التعرض على حكم غيابي صادرعن محكمة االستئناف‪ :‬مبلغ ‪ 388‬درهم‪.‬‬

‫وتضيف الفقرة الثالثة من المادة نفسها‪ ،‬أنه زيادة على القسط الجزافي املحدد يجب‬
‫وضع قائمة لتصفية المصاريف إذا استلزمت اإلجراءات القيام بخبرة تتطلب مصاريف تتجاوز‬

‫‪ -738‬تنص المادة ‪ 530‬من قانون المسطرة الجنائية على أنه‪" :‬يجب على الطرف الذي يطلب النقض ما عدا‬
‫النيابة العامة أو اإلدارات العمومية‪ ،‬أن يودع مع مذكرة النقض‪ ،‬أو داخل األجل المقرر إليداعها في الحاالت التي‬
‫ال تكون فيها المذكرة إجبارية‪ ،‬مبلغ ألف درهم (‪ )1000‬بكتابة الضبط للمحكمة التي أصدرت القرار المطعون‬
‫فيه‪."...‬‬

‫‪P 399‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫القسط الجزافي أمام أي محكمة من املحاكم‪ ،‬يعلى أن يتم إصدارها في شأن أمر بتنفيذ إضافي‬
‫يضاف مبلغه على مبلغ مجموع القسط الجزافي في الحكم القاض ي بأداء المصاريف‪ ،‬ولتسهيل‬
‫التصفية المذكورة يتعين على هيئة التحقيق أن تضيف المستندات المتعلقة باإلجراءات مبينة‬
‫فيها مصاريف عمليات الخبرة التي أصرت بإنجازها‪.‬‬

‫وقد سار القضاء على منوال المشرع ورتب على عدم أداء القسط الجزافي عدم قبول‬
‫الشكاية المباشرة‪ ،‬وهكذا جاء في حكم ابتدائية وزان رقم ‪ 3113‬الصادرفي ‪ 82-38-30‬في الملف‬
‫الجنحي رقم ‪ 81/3530‬بأن‪ :‬إدارة الجمارك غيرمعفية من أداء الرسوم القضائية‪ ،‬تكون شكايتها‬
‫المباشرة غيرمقبولة لعدم أداء القسط الجزافي(‪.)739‬‬

‫وأكد املجلس األعلى ما سبق‪ ،‬حيث قض ى في إحدى قراراته‪" :‬يلزم المطالب بالحق‬
‫المدني بإيداع المبلغ الجزافي املحدد قانونا‪ ،‬وإال اعتبر طلبه غير مقبول"(‪ ،)740‬وفي قرار آخر له‬
‫جاء فيه‪" :‬عندما يكون المشتكي مطالب بالحق المدني أمام قاض ي التحقيق فالبد من مراعاة‬
‫الفصل ‪ 112‬من قانون المسطرة الجنائية [الفصل ‪ 120‬من قانون المسطرة الجنائية] لقبول‬
‫طلباته المدنية أمام املحاكم الزجرية"(‪.)741‬‬

‫و هدا ما أكده أيضا قرار صادر عن محكمة االستئناف بالجديدة و الذي جاء فيه ما‬
‫يلي"حيث قض ى القرارالمستأنف بعدم قبول هده الدعوى لعدم اإلدالء بالرسم الجزافي واعتبر‬
‫عن حق أن الطلب خرق مقتضيات الفصل ‪ 120‬من قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬وحيث أن القرار‬
‫المستأنف مرتكز على أساس قانوني في هدا الشق "(‪ .)742‬وتجدر اإلشارة إلى انه في حالة ما إذا‬
‫صدر قاض ي التحقيق أمرا بعدم المتابعة في موضوع الشكاية المباشرة‪ ،‬فإن هذا األمر يبقى‬
‫خاضعا للطعن باالستئناف من طرف المطالب بالحق المدني أمام الغرفة الجنحية(‪.)743‬‬
‫ويتعين في هده الحالة على المطالب بالحق المدني لقبول طعنه أداء الرسم الجزافي وهذا ما‬
‫أكده قرار صادر عن الغرفة الجنحية بمحكمة االستئناف بالجديدة والدي جاء فيه "حيث أن‬

‫‪ -739‬حكم منشور بمجلة المعيار‪ ،‬عدد ‪ 2004.، 31‬ص‪.219 :‬‬


‫‪ -740‬القرار عدد ‪ 2142‬الصادر بتاريخ ‪ 1988-03-10‬في الملف الجنحي رقم ‪ ،81/12258‬قرار منشور بمجلة‬
‫قضاء المجلس األعلى‪ ،‬عدد ‪ ،45‬ص‪.172 :‬‬
‫‪ -741‬قرار عدد ‪ 22/653‬الصادر بتاريخ ‪ 1979-04-12‬ملف جنحي رقم ‪ ،46/288‬منشور بمجلة رابطة القضاة‪،‬‬
‫عدد ‪ ،15-14‬ص‪.83 :‬‬
‫‪ -742‬قرار عدد ‪ ،2009/254‬ملف رقم ‪ 09/147‬صادر بتاريخ ‪ ،2010-11-05‬قرار غير منشور‪.‬‬
‫‪ -743‬طبقا للمادة ‪ 224‬من قانون المسطرة الجنائية التي جاء فيها "يمكن للطرف المدني ان يستأنف لدى الغرفة‬
‫الجنحية األوامر الصادرة بعدم إجراء تحقيق‪ ،‬وبعدم المتابعة‪ ،‬وكدا األوامر التي تمس بمصالحه المدنية"‬

‫‪P 400‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫االستئناف المرفوع من قبل الطرف المدني لم يؤد عنه الرسم الجزافي الالزم قانونا أداؤه‬
‫للمطالبة بالحق المدني‪ ،‬ولذلك يبقى الطعن غيرمقبول من الناحية الشكلية‪ ،‬ويتعين التصريح‬
‫بدلك وتحميل ر افعه الصائر"(‪.)744‬‬

‫ويطرح التساؤل حول ما ادا كان المشرع المغربي حدد أجال ألداء القسط الجزافي أمام‬
‫هيئة الحكم ؟ وما ادا تم أداؤه بعد انتهاء اجل االستئناف هل يؤدي دلك إلى عدم قبوله‪.‬‬

‫إن مقتضيات النص المتعلق بتنظيم المصاريف القضائية في الميدان الجنائي لم‬
‫تحدد أي اجل ألداء القسط الجزافي إلى حين النطق بالحكم‪،‬كما أن أداء دلك القسط بعد انتهاء‬
‫اجل االستئناف ال يؤدي إلى عدم قبوله‪ ،‬وهواالتجاه الذي أكده املجلس األعلى في قرارات عديدة‬
‫له(‪.)745‬‬

‫واإلشكال الثاني يتعلق بما ادا كانت املحكمة ملزمة باندار األطراف المدنية بأداء‬
‫القسط الجزافي ؟ اإلجابة هي أن المشرع المغربي لم يتطرق لهدا اإلشكال وفي ضل سكوته عن‬
‫هدا األمركان ال بد للقضاء أن يتصدى لهدا اإلشكال ‪ ،‬إال أن العمل القضائي انقسم إلى اتجاهين‬
‫‪،‬األول دهب إلى انه يجب على املحكمة تشعر المطالب بالحق المدني لإلدالء بما يفيد أداء‬
‫القسط الجزافي قبل أن تصرح بعدم قبول استئنافه‪ ،‬وإال اعتبر قضاؤها مسا بحقوق الدفاع‬
‫ويبررالنقض(‪.)746‬‬

‫بينما االتجاه الثاني اعتبر أن األطراف المدنية حسب الفصل ‪ 03‬من القانون المتعلق‬
‫بالمصاريف القضائية في الميدان الجنائي ملزمة بأداء الرسم الجزافي واملحكمة تكن بحاجة إلى‬
‫اندار العارض بما ألزم به قانونا‪ ،‬وبدلك فهي عندما قضت يعدم قبول استئنافه بعدم أداء‬
‫القسط الجزافي تكون قد طبقت القانون تطبيقا سليما(‪.)747‬‬

‫‪ -744‬قرار الغرفة الجنحية لمحكمة االستئناف بالجديدة رقم ‪ 111‬ملف عدد‪ 2010-10-74‬صادر بتاريخ ‪ 5‬ماي‬
‫‪ ،2010‬قرار غير منشور‪.‬‬
‫‪ -745‬قرار صادر عن المجلس األعلى بتاريخ ‪ 97-3-11‬تحت عدد ‪ 313‬منشور بمجموعة قرارات المجلس‬
‫األعلى المادة الجنائية الجزء ‪ 2‬ص ‪ 247‬وما يليها‪ .‬وقرار آخر صادر عن المجلس األعلى بتاريخ ‪-03-27‬‬
‫‪ 1997‬تحت عدد ‪ ،6469‬منشور بمجموعة قرارات المجلس األعلى المادة الجنائية الجزء الثاني ص ‪ 411‬وما‬
‫يليها‪.‬‬
‫‪ -746‬قرار صادر عن المجلس األعلى بتاريخ ‪ 2007-7-18‬تحت عدد ‪ 31892‬في الملف عدد ‪06/20405‬‬
‫منشور بمجلة الملف عدد ‪ 13‬ص ‪ 270‬وما يليها‪.‬‬
‫‪ -747‬قرار صادر عن المجلس األعلى بتاريخ ‪ 2002-2-20‬تحت عدد ‪ 11183‬في الملف عدد ‪01/12698‬‬
‫منشور بالتقرير السنوي للمجلس األعلى لسنة ‪ 2002‬ص ‪.125‬‬

‫‪P 401‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫وتماشيا مع ما سبق ‪ ،‬فان االتجاه الثاني حسب نظرنا صادف الصواب‪،‬على اعتبار أنه‬
‫ال يوجد في نصوص المسطرة الجنائية ما يلزم املحكمة بإنذار الطرف المدني بأداء القسط‬
‫الجزافي‪ ،‬دلك انه ملوم قانونا بأدائه تحت طائلة عدم قبول الطلبات المدنية أو عدم قبول‬
‫االستئناف‪ ،‬وهو ما أكده املجلس األعلى آخر له حيث دهب فيه "إلى أن عدم اندار المستأنف‬
‫المطالب بالحق المدني بوضع المصاريف القضائية‪-‬القسط الجزافي‪-‬ال يترتب عنه‬
‫البطالن"(‪.)748‬‬

‫واإلشكال الثالث يتعلق بحالة تعدد األطراف المدنية مما يفترض علينا التساؤل هل‬
‫يتعين على كل واحد منهم أن يؤدي القسط الجزافي حتى تكون مطالبه المدنية مقبولة ؟‬

‫وحيث أنه بعد إلقائنا نضرة على فصول ظهير‪ 3003-35-13‬ثبت لنا انه ال يوجد فيها ما‬
‫يستوجب األداء على كل فرد منه‪ ،‬أي على كل طرف مدني‪ ،‬ذلك أن المقصود بالمطالب بالحق‬
‫المدني الذي يتدخل في الدعوى الجنائية التي أثارتها النيابة العامة الفريق المتضرر المطالب‬
‫أمام القضاء الجنائي بالتعويض عن الجريمة‪ ،‬و انه ادا تعدد أفراد هدا الفريق وتدخل أمام‬
‫القضاء بما له من مصلحة مشتركة وبمقتض ى طلب واحد فانه يتعين أداء قسط جزافي واحد‪.‬‬
‫وهو ما سارعليه قضاء محكمة النقض حاليا واملجلس األعلى سابقا‪ ،‬حيث أكد أن "المطالبون‬
‫بالحق المدني الدين يؤدون قسطا جز افيا واحدا تكون مطالبهم مقبولة ادا كانت تربطهم‬
‫مصلحة مشتركة في الدعوى وتقدموا بمطالبهم ضد نفس المسئول المدني معتمدين نفس‬
‫السبل(‪.)749‬‬

‫إضافة إلى القسط الجزافي‪ ،‬نجد أنه على المطالب بالحق المدني أداء مبلغ اإليداع أو‬
‫ما يسمى بالوديعة‪.‬‬

‫‪ .0‬ثانيا ‪:‬أداء مبلغ اإليداع أو الوديعة‬

‫بالرجوع إلى الباب الخامس من ظهير ‪ 13‬دجنبر ‪ 3003‬المتعلق بتنظيم المصاريف‬


‫القضائية في الميدان الجنائي‪ ،‬نجد أن المادة ‪ 02‬منه تنص على أنه‪" :‬يجب على المدعي‬
‫بالحقوق المدنية غير المتمتع بالمساعدة القضائية أن يودع بكتابة الضبط‪ ،‬وإال كاتب دعواه‬

‫‪ -748‬قرار صادر عن المدلس األعلى بتاريخ ‪ 01-5-30‬تحت عدد ‪ 1/1385‬في الملف الجنحي عدد ‪01//8153‬‬
‫منشور بمجلة المرافعة عدد ‪ 14‬و‪ 15‬ص ‪ 192‬وما يليها‪.‬‬
‫‪ -749‬قرار صادر عن المجلس األعلى بتاريخ ‪ 2007-04-04‬تحت عدد ‪ 07124‬في الملف عدد ‪،05-4375‬‬
‫منشور بمجلة الملف عدد ‪ ،12‬ص ‪ 282‬وما يليها‪.‬‬

‫‪P 402‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫غير مقبولة‪ ،‬المبلغ المفترض أنه ضروري لتسديد جميع مصاريف اإلجراءات إذا رفع قضيته‬
‫مباشرة إلى قاض ي التحقيق أو إلى املحكمة وفقا لقانون اإلجراءات الجنائية‪.‬‬

‫ويشمل مبلغ اإليداع المذكور القسط الجزافي المنصوص عليه في المادة ‪ 08‬أعاله‬
‫مضاف إليه إن اقتض ى الحال المبلغ املحدد لتسديد مصاريف الخبرة إذا تقدر القيام بهذا‬
‫اإلجراء‪ ،‬ويقوم بتحديد مبلغ اإليداع‪:‬‬

‫‪ -3‬قاض ي التحقيق بمجرد ما ترفع إليه الشكوى‪.‬‬

‫‪ -5‬املحكمة خالل الجلسة األولى المعروضة فيها القضية في حالة تكليف مباشر‬
‫بالحضور‪.‬‬

‫إذ تبين أنه من الضروري القيام بخبرة جازت المطالبة بإيداع تكميلي خالل المتابعة إما‬
‫حين إجراء التحقيق وإما أمام هيئة الحكم‪.‬‬

‫ويستنتج مما سبق أن المشرع المغربي استعمل صيغة الوجوب في استيفاء مبلغ‬
‫اإليداع‪ ،‬وعليه فقد رتب على عدم أدائه عدم قبول الشكاية المباشرة‪ ،‬كما أنه جعل القسط‬
‫الجزافي داخل ضمن مبلغ اإليداع‪.‬‬

‫وقد أعفى الفصل ‪ 00‬من الظهير السالف الذكر مجموعة من األشخاص من أداء مبلغ‬
‫اإليداع وحددهم على سبيل الحصركما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬اإلدارة العامة بشأن الدعوى المرفوعة من قبلها‪.‬‬

‫‪ -‬مكتب التبغ‪.‬‬

‫‪ -‬المطالب بالحق المدني الذي يفصل أثناء نظر القضاء الزجري في الدعوى العمومية‬
‫المثارة من قبل النيابة العامة‪ ،‬وهذا اإلعفاء يتضمن مبلغ اإليداع فقط دون القسط الجزافي‬
‫الذي يلزم أداؤه‪.‬‬

‫وقد أشارت الفقرة الثالثة من المادة ‪ 02‬إلى أن تحديد اإليداع يتم عن طريق تحديد‬
‫الصوائر القضائية من طرف املحكمة في جلستها األولى‪ ،‬وذلك إذا خلصت املحكمة إلى ضرورة‬
‫هذا اإليداع‪ ،‬أو من طرف قاض ي التحقيق بمجرد ما ترفع إليه الشكاية‪.‬‬

‫‪P 403‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫غير أنه إذا تبين لهيئة الحكم أو قاض ي التحقيق أن مبلغ اإليداع غير كاف‪ ،‬وال يعطي‬
‫مصاريف الخبرة التي اتضح أنها ضرورية ومنتجة في النازلة جاز لهما المطالبة بإيداع تكميلي‬
‫(الفقرة األخيرة من المادة ‪.)02‬‬

‫وإذا كان لقاض ي التحقيق إمكانية إصدار أمر باإليداع التكميلي‪ ،‬فإن اإلشكال يثور هنا‬
‫بالنسبة للمحكمة‪ ،‬ألن الفقرة األخيرة من المادة ‪ 02‬لم تحدد الكيفية التي يتم من خاللها تكليف‬
‫المطالب بالحق المدني إيداع المبلغ اإلضافي‪ ،‬وعليه يطرح السؤال عن إمكانية إصداراملحكمة‬
‫لحكم تمهيدي تأمربموجبه المطالب بالحق المدني باإليداع التكميلي؟‬

‫ويرى عبد الرحيم زكارأنه يجب إصدارحكم تمهيدي يقض ي بضرورة إيداع المعني باألمر‬
‫المبالغ المالية التي تراها املحكمة الزمة لصائرالخبرة(‪.)750‬‬

‫ونعتقد أن هذا االتجاه صادف الصواب على اعتبار أنه إذا اتضح للمحكمة بأن مبلغ‬
‫اإليداع غيركاف لتغطية مصاريف الخبرة فإنها في إطارالمادة ‪ 302‬من قانون المسطرة الجنائية‬
‫يمكن لها إما تلقائيا أو بطلب من األطراف أن تصدر حكما تمهيديا يقض ي بإجراء خبرة بغض‬
‫النضر عن نوعها‪ ،‬ومن ضمن ما تحدد فيه هو إيداع المتضرر أو المطالب بالحق المدني‬
‫لمصاريف أو صائر الخبرة داخل اجل معين(‪ .)751‬ألنه في حالة عدم إيداع هذا المبلغ التكميلي‬
‫املحدد من قبل املحكمة إلجراء خبرة داخل األجل املحدد سيؤدي إلى صرف النظر عن الخبرة‬
‫ويبقى الخيار للمحكمة في أن تستجيب للطلب أو ترفضه حسبما تستنتجه من دراستها للقضية‬
‫في إطارسلطتها التقديرية ‪ ،‬وهو ما أكده املجلس األعلى في العديد من قراراته القضائية(‪.)752‬‬

‫ويبقى السؤال المطروح‪ ،‬هل يمكن استئناف الحكم التمهيدي الذي يحدد مصاريف‬
‫الخبرة؟‬

‫وقد أجابت عن هذا التساؤل المادة ‪ 283‬من قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬حيث نصت‬
‫على أن األحكام التمهيدية ال تقبل االستئناف إال بعد صدورالحكم في جوهر الدعوى‪ ،‬وفي نفس‬

‫‪ -750‬عبد الرحيم زكار‪ ،‬اإلدعاء المباشر والشكاية المباشرة في التشريع المغربي‪ ،‬دراسة تحليلية عملية الطبعة‬
‫األولى‪ ،‬مطبعة إيديكا‪ ،2001 ،‬ص‪.67 :‬‬
‫‪ -751‬قرار صادر عن المجلس األعلى بتاريخ ‪ 1992-11-16‬تحت عدد ‪ 2725‬في الملف الجنحي عدد‬
‫‪ 90/20656‬منشور بمجلة قضاء المجلس األعلى عدد ‪ 46‬ص ‪ 293‬وما يليها‪.‬‬
‫‪ -752‬قرار صادر عن المجلس األعلى بتاريخ ‪ 1989-12-19‬تحت عدد ‪ 9672‬في الملف الجنحي عدد ‪87/126‬‬
‫منشور بمجلة المحامي عدد ‪ 19‬و‪ 20‬ص ‪ 164‬وما يليها‪.‬‬

‫‪P 404‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫الوقت الذي يطلب فيه استئناف هدا الحكم‪ ،‬وهدا ما أكده املجلس األعلى سابقا في‬
‫قراراته(‪.)753‬‬

‫وبهذا يكون مصيرالشكاية المباشرة عدم القبول في حالة عدم اإليداع المالي بصندوق‬
‫املحكمة ‪ ،‬لذا عليه إيداع هذا المبلغ حتى يتسنى له ممارسة الطعن باستئناف الحكم التمهيدي‬
‫مع الحكم الصادرفي الجوهر(‪ .)754‬فمن شان إيداع المتضررلصائرالخبرة أن يضمن على األقل‬
‫يغض النضر عن نتيجة الخبرة الحق في ممارسة الطعن باستئناف الحكم التمهيدي مع الحكم‬
‫الصادرفي الجوهر‪.‬‬

‫قد ساراالجتهاد القضائي على هدا المنوال و قض ى بعدم قبول الشكاية المباشرة جاء‬
‫في حيثيات الحكم" وحيث أنه بناء على القرار بتحديد مبلغ اإليداع المالي بتاريخ ‪33-38-5838‬‬
‫وحيث تخلف المطالب بالحق المدني عن أداء هذا المبلغ بواسطة دفاعه رغم اإلعالم ‪،‬وبناء‬
‫على ملتمس النيابة العامة ‪،‬المؤرخ في ‪’50-3-5838‬وحيث انه تطبيقا للمادة ‪ 00‬من ق‪.‬م‪.‬ج يتعين‬
‫التصريح بعدم قبول الشكاية المباشرة"(‪.)755‬‬

‫وقد اختلف القضاء الفرنس ي بخصوص الجزاء القانوني المترتب عن عدم أداء‬
‫المصاريف القضائية التكميلية‪ ،‬فتارة يذهب إلى بطالن الشكاية المباشرة لعدم أداء المطالب‬
‫بالحق المدني للمصاريف القضائية‪ ،‬وتارة أخرى يقض ي بعدم قبول اإلدعاء‪ ،‬وقد قضت‬
‫محكمة النقض الفرنسية إلى اعتبار الدعوى قائمة‪ ،‬لكن يتعين على املحكمة تأجيل البث في‬
‫شأنها إلى جلسة الحقة في انتظار إيداع المطالب بالحق المدني للمصاريف التي تراها ضرورية‬
‫لصائر الدعوى‪ ،‬وقد حسم المشرع الفرنس ي في هذا الخالف وقض ى على عدم قبول االدعاء‬
‫المباشرإذا لم يؤدي المعني باألمرالمصاريف القضائية(‪.)756‬‬

‫وعلى غرار المشرع الفرنس ي‪ ،‬نجد أن المشرع المغربي من خالل المادتين ‪ 02‬و ‪ 03‬من‬
‫قانون رقم ‪ 51 – 03‬المتعلق بتنظيم المصاريف القضائية في الميدان الجنائي‪ ،‬استعمل صيغة‬

‫‪ -753‬قرار صادر عن المجلس األعلى بتاريخ ‪ 1970-12-10‬تحت عدد ‪ 111‬منشور بمجموعة قرارات المجلس‬
‫األعلى المادة الجنائية الجزء األول ص ‪ 50‬وما يليها‪ .‬وفي قرار آخر صادر عنه بتاريخ ‪ 1973-11-08‬تحت‬
‫عدد ‪ 287‬في الملف الجنحي عدد ‪ 24123‬منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد ‪ 26‬ص ‪ 80‬وما يلبها‪.‬‬
‫‪ -754‬عبد الوهاب بنسعيد‪" ،‬دراسة حول الشكاية المباشرة"‪ ،‬مجلة المحاماة‪ ،‬العدد ‪ ،2‬فبراير ‪ ،1985‬ص‪.101 :‬‬
‫‪ -755‬قرار المحكمة االبتدائية بمكناس في ملف تحقيق عدد ‪ 216-2010‬بتاريخ ‪.30-6-2010‬قرار غير منشور‪.‬‬
‫‪ -756‬للمزيد من التفاصيل أنظر عبد المجيد مربوح‪ ،‬الشكاية المباشرة أمام القضاء الزجري‪ ،‬رسالة نهاية التدريب‬
‫بالمعهد العالي للقضاء فوج ‪ ،2004 – 2002 ،32‬ص‪.22 :‬‬

‫‪P 405‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫الوجوب في أداء المطالب بالحق المدني سواء لمبلغ اإليداع أوالرسم القضائي‪ ،‬ورتب جزاء عدم‬
‫قبول الشكاية المباشرة في حالة اإلخالل بهذا األداء‪.‬‬

‫ويطرح السؤال حول محل هذا الجزاء‪ ،‬هل يسري على الشكاية المباشرة بشقيها‬
‫الجنائي والمدني ككل؟ أم يقتصرعلى الشق المدني فقط؟‪.‬‬

‫وجوابا على هذا التساؤل قض ى املجلس األعلى في إحدى قراراته جاء فيه‪" :‬بمقتض ى‬
‫نص الفصل ‪ 02‬من ظهيرالمصاريف القضائية‪ ،‬أن يودع بكتابة الضبط‪ ،‬وإال كانت الدعوى غير‬
‫مقبولة المبلغ المفترض أنه ضروري لتغطية جميع مصاريف اإلجراءات‪.‬‬

‫وإذا تعلق األمر بالخبرة‪ ،‬فإن األمر القضائي هو الذي يحدد مصاريفها‪ ،‬ولهذا فإن ال‬
‫مجال لإلنذار بوضع المصاريف المذكورة بناء على ما استدل به الطاعن‪ ،‬والذي ال اعتبار له‬
‫أمام النص القانوني المذكور"(‪.)757‬‬

‫وأعتقد أن قرار املجلس األعلى جانب الصواب حيث قض ى بعدم قبول الشكاية‬
‫المباشرة في حالة عدم أداء الرسوم القضائية‪ ،‬باعتبار أن الشكاية المباشرة تتميز بطبيعة‬
‫قانونية مزدوجة الرتباط شقيها ببعضهما كما أن المطالب بالحق المدني لم ينظم للنيابة العامة‬
‫بعد إثارتها للدعوى العمومية‪ ،‬و إنما أثارها بصفة شخصية‪ ،‬وبالتالي يتوجب عليه احترام‬
‫الشكليات التي يقتضيها القانون‪.‬‬

‫وتأسيسا على ما سبق‪ ،‬فإنه وبموجب الفصل ‪ 03‬من قانون المصاريف القضائية في‬
‫الميدان الجنائي فإنه يجب على المدعي بالتعويض المدني غير المتمتع بالمساعدة القضائية‬
‫أن يودع بكتابة الضبط المبلغ المفترض أنه ضروري لتغطية جميع مصاريف اإلجراءات‪ ،‬تحت‬
‫طائلة عدم قبول دعواه‪ ،‬أما ادا كانت هده المصاريف ال تغطي الخبرة فال ضيرفي ذلك ألنه يمكن‬
‫للمحكمة بعد دلك وفي إطارإصدارها لحكم تمهيدي بإجراء خبرة معينة أن تحدد مصاريفها‪.‬‬

‫و يمكن أن نسوق في هذا الشأن مثاالن عن أوامر صادرة عن قاض ي التحقيق صرحت‬
‫بعدم قبول الشكاية المباشرة المقدمة أمامه نظرا لعدم أداء المطالب بالحق المدني للوديعة‬

‫‪ -757‬قرار عدد ‪ 2725‬بتاريخ ‪ 1992-04-16‬في الملف الجنحي عدد ‪ ،90/2065658‬منشور بمجلة قضاء‬
‫المجلس األعلى عدد ‪ ،41‬دجنبر ‪ ،2000‬ص‪.279-278 :‬‬

‫‪P 406‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫القضائية داخل األجل املحدد لذلك‪ ،‬وهكذا جاء في أمر قاض ي التحقيق بمحكمة االستئناف‬
‫بالجديدة في ملف تحقيق عدد ‪:0/02‬‬

‫"‪ ...‬وحيث حددت هذه الغرفة بمقتض ى قرار مؤرخ في ‪ 5880/33/38‬الوديعة في مبلغ‬
‫‪ 2888.88‬درهم‪ ،‬وبلغ نائب المطالب بالحق المدني بهذا القراربتاريخ ‪ 5880/82/0‬حسب شهادة‬
‫التسليم المؤرخة في ‪ 5880/82/0‬إال أنه لم يؤد المبلغ المذكور داخل االجل املحدد في أسبوع‪،‬‬
‫وحيث أوجبت المادة ‪ 00‬من قانون المسطرة الجنائية على الطرف المدني أن يودع المبلغ‬
‫المذكور أعاله داخل األجل املحدد من طرف قاض ي التحقيق تحت طائلة عدم قبول شكايته‪،‬‬
‫ألجل نصرح بعدم قبول الشكاية المباشرة مع تحميل الطرف المشتكي صائردعواه"‪ ،‬ونص أمر‬
‫آخرصادرعن قاض ي التحقيق بمحكمة االستئناف بالجديدة في ملف تحقيق عدد ‪ 80/510‬على‬
‫ما يأتي‪" :‬وحيث حددت هذه الغرفة بمقتض ى قرارها المؤرخ في ‪ 5880/38/31‬الوديعة في المبلغ‬
‫‪ 3888.88‬درهم وتم تحديد أجل أسبوع من أجل أداء هذه الوديعة وبلغ الطرف المشتكي بهذا‬
‫القراربتاريخ ‪ 5880/38/31‬حسب شهادة التسليم المؤرخة في ‪ ،5880/38/31‬إال أنه ليم يتم أداء‬
‫مبلغ الوديعة داخل األجل‪ ،‬وحيث أوجبت المادة ‪ 00‬من قانون المسطرة الجنائية على الطرف‬
‫المدني أن يودع المبلغ المذكورأعالء داخل األجل املحدد من طرف قاض ي التحقيق تحت طائلة‬
‫عدم قبول شكايته‪ ،‬من أجله‪ :‬نصرح بعدم قبول الشكاية المباشرة مع تحميل الطرف المشتكي‬
‫صائردعواه"‪.‬‬

‫إضافة إلى ذلك يطرح تساؤل ينصب على محل جزاء عدم قبول الشكاية المباشرة‪ ،‬فهل‬
‫يسري ذلك على الشق الجنحي والمدني معا أم ينحصر عدم قبول فقط على الشق المدني؟‬
‫وكجواب على هذا التساؤل يمكن القول أنه بالنظر إلى الطبيعة المزدوجة لالدعاء المباشر أو‬
‫الشكاية المباشرة الرتباط شقيها المدني والجنحي يترتب عدم أداء مبلغ الوديعة القضائية جزاء‬
‫عدم قبول االدعاء المباشرككل‪ ،‬ما دام أن المطالب بالحق المدني لم ينضم إلى النيابة العامة‬
‫بعد إثارتها للدعوة الزجرية‪ ،‬و إنما حركها بصفة شخصية فكان عليه تبعا لذلك أن يحرص على‬
‫احترام مراعاة الشكليات المتطلبة قانونا بما في ذلك تنصيصات الظهير المتعلق بتنظيم‬
‫المصاريف القضائية في الميدان الجنائي(‪.)758‬‬

‫‪ - 758‬عبد الرحيم زكار‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.69 :‬‬

‫‪P 407‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫والحديث عن الودي عة القضائية يدفعنا إلى الحديث عن كيفية تصفيتها واإلعفاء من‬
‫أدائها‪.‬‬

‫*‪ :‬كيفية تصفية الوديعة القضائية‬

‫يحق للمطالب بالحق المدني إذا ما صدر حكم لصالحه في إطار الشكاية المباشرة أن‬
‫يسترجع المبالغ التي أودعها لدى كتابة الضبط السيما المتعلقة بصوائر المسطرة‪ ،‬إال أن‬
‫الوديعة القضائية إليه بعد انتهاء القضية يقتضيه حكم يكتسب قوة الش يء المقض ي به(‪،)759‬‬
‫ولذلك تكون كتابة الضبط ملزمة حسب الفصل ‪ 000‬من ظهيرتنظيم المصاريف القضائية في‬
‫الميدان الجنائي بأن ترد إلى المطالب بالحق المدني المبالغ الباقية بحساب املحكمة مقابل‬
‫إيصال ألن كتابة الضبط يتعين عليها مسك سجل رقم وموقع من طرف رئيس املحكمة تفتح فيه‬
‫حسابات خصوصية تتعلق بالمبالغ المودعة من طرف المطالب بالحق المدني لمواجهة‬
‫مصاريف الدعوى‪ ،‬لكن استرجاع المطالب بالحق المدني للمبالغ المودعة يستلزم أن يطالب‬
‫بذلك داخل السنتين المواليتين لتاريخ صدورالحكم النهائي وإال تسلم إلى الخزينة العامة وتصير‬
‫ملكا لها بصفة نهائية(‪.)760‬‬

‫أما المبالغ المستعلمة من طرف كتاب الضبط قصد تسديد مصاريف المسطرة‬
‫فتردها الخزينة العامة إلى المطالب بالحق المدني بعد تأشيرة النيابة العامة وذلك خالل أجل‬
‫سنتين ابتداء من صيرورة الحكم غير قابل للطعن كما ينص على ذلك الفصل ‪ 00‬من ظهير‬
‫‪ 3003/35/13‬المتعلق بتنظيم المصاريف القضائية في الميدان الجنائي‪ ،‬أما فيما يخص‬
‫المبالغ المودعة من طرف المطالب بالحق المدني والتي صرفت لتغطية مصاريف الدعوى‬
‫فإن الطرف الخاسر هو الذي يتحملها سواء كان المطالب بالحق المدني أو المتهم‪ ،‬فإذا كان‬
‫المتهم هو الذي خسر الدعوى يحق حينئذ للمطالب بالحق المدني استرجاعها منه تنفيذا‬
‫للمقررأو الحكم الصادر(‪.)761‬‬

‫*‪ :‬اإلعفاء من أداء الوديعة القضائية‬

‫‪ - 759‬عبد الوهاب بن سعيد‪" ،‬دراسة حول الشكاية المباشرة" مقال منشور بمجلة رسالة المحاماة‪ ،‬عدد ‪/2‬‬
‫فبراير ‪ 1985‬ص‪.115 :‬‬
‫‪ - 760‬بن جلون عبد العزيز‪ ،‬الشكاية المباشرة‪ ،‬تقرير نهاية التمرين بالمعهد الوطني للدراسات القضائية‪ ،‬الرباط‪،‬‬
‫الفوج ‪ ،15‬ص‪.15 :‬‬
‫‪ - 761‬عبد الوهاب بن سعيد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.115 :‬‬

‫‪P 408‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫أنش ئ نظام المساعدة القضائية بالمغرب تطبيقا لمبدأ مجانية القضاء للمعوزين‬
‫الذين يعجزون عن تحمل نفقات التقاض ي أمام املحاكم للدفاع عن حقوقهم‪ ،‬ويخضع حاليا‬
‫هذا النظام للمرسوم الملكي رقم ‪ 032-30‬الصادر بتاريخ ‪ 30‬رجب ‪ 3103‬هـ المو افق (لـ ‪ 3‬نونبر‬
‫‪ ،)762()3033‬لذلك فإن نظام المساعدة القضائية يستفيد منه أيضا المطالب بالحق المدني‬
‫الذي حرك الدعوى ال عمومية عن طريق الشكاية المباشرة شريطة أن يتقدم بطلب إلى مكتب‬
‫المساعدة القضائية املختص الذي يختلف تأليفه حسب املحاكم‪ ،‬فبالنسبة للمكتب القائم‬
‫بمحكمة االستئناف فيتكون من ممثل الحق العام وآخر لوزارة المالية ومحام ويصدر قراراته‬
‫بحضور جميع األعضاء وترفع الطلبات إلى مباشرة أو عن طريق املحكمة االبتدائية مصدرة‬
‫الحكم غيرأن قراراته ال تتوفرعلى أثر و اقف وبالنسبة للمكتب المتواجد باملحكمة االبتدائية‬
‫فإن تركيبة وسير عمله ال يختلفان عن نظيره بمحكمة االستئناف(‪ ،)763‬لكن يتعين على طالب‬
‫المساعدة القضائية استنادا إلى الفصل السابع من المرسوم الملكي المذكور أعاله أن يدعم‬
‫طلبه بشهادة إدارية يسلمها الباشا أو القائد تتضمن وسائل عيشه‪ ،‬إال أن العمل جرى على‬
‫مطالبة صاحب الطلب زيادة على الشهادة المذكورة بشهادة بعدم فرض أي ضريبة عليه(‪،)764‬‬
‫إضافة إلى ذلك يتأكد من خالل المادة ‪ 00‬من قانون المسطرة الجنائية المغربي والمادة ‪ 02‬من‬
‫ظهير ‪ 3003/83/50‬المتعلق بتنظيم المصاريف القضائية في الميدان الجنائي أنه من حق‬
‫المطالب بالحق المدني المثير للدعوى العمومية أن يحصل على اإلعفاء من مكتب المساعدة‬
‫القضائية املختص(‪ ،)765‬هذا اإلعفاء الذي ينصب على مبلغ الوديعة القضائية فإذا صدر قرار‬
‫المساعدة القضائية لصالح المطالب بالحق المدني يمكنه حينئذ تقديم شكايته المباشرة دون‬
‫أداء هذه الوديعة‪ ،‬مع العلم أن المقررالممنوحة بموجبه المساعدة القضائية يحدد عادة نوع‬
‫اإلجراء والغرض الذي من أجله واإلجراءات التي يشملها(‪ .)766‬إذن فاإلعفاء من أداء الوديعة‬

‫‪ - 762‬محمد محبوبي‪ ،‬أساسيات في التنظيم القضائي المغربي‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،2007 ،‬دار أبي رقراق للطباعة‬
‫والنشر‪ ،‬الرباط‪ ،‬ص‪.62 :‬‬
‫‪ - 763‬محمد لمريني‪" ،‬مؤسسة المساعدة القضائية"‪ ،‬مجلة الحدث القانوني‪ ،‬عدد ‪ /18‬شتنبر ‪ ،1999‬ص‪.13 :‬‬
‫‪ - 764‬محمد القدوري‪"،‬المساعدة القضائية"‪ ،‬مجلة رسالة المحاماة‪ ،‬إصدار هيئة المحامين بالرباط‪ ،‬العدد ‪/2‬‬
‫فبراير ‪ ،1985‬مطبعة الرسالة بالرباط‪ ،‬ص‪.44 :‬‬
‫‪ - 765‬محمد بلهاشمي التسولي‪ ،‬المصاريف القضائية في الميدان الجنائي‪ ،‬الطبعة األولى‪1423 ،‬هـ ‪2001/‬م‪،‬‬
‫المطبعة الوراقة الوطنية‪ ،‬مراكش‪ ،‬ص‪.52 :‬‬
‫‪ - 766‬محمد القدوري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.46 :‬‬
‫يعد قرار المساعدة القضائية قرار لكونه يتركز على الحالة المادية للطالب وهي حالة تقبل التغيير في أي وقت‪،‬‬
‫من هنا يمكن القول أنه إذا زال سبب منح المساعدة القضائية فإن طالب المساعدة القضائية في هذه الحالة يكون‬
‫ملزما بأداء المصاريف القضائية‪ ،‬وبالرجوع إلى الفصل ‪ 14‬من المرسوم الملكي المنظم للمساعدة القضائية نجد‬

‫‪P 409‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫القضائية بموجب قرار المساعدة القضائية الذي يخول للمطالب بالحق المدني تحريك‬
‫الدعوى العمومية بناء على الشكاية المباشرة دون أن يؤدي هذا المصروف القضائي‪ ،‬وهويمثل‬
‫وسيلة قانونية تحمي المتضررغيرملئ الذمة المالية وتمكنه من اقتضاء حقوقه‪.‬‬

‫إضافة إلى مبلغ اإليداع الذي يتضمن القسط الجزافي يتوجب على المطالب بالحق‬
‫المدني أن يؤدي الرسم القضائي‪.‬‬

‫‪ .38‬ثالثا ‪:‬أداء الرسم القضائي‬

‫لقد ألزمت المادة ‪ 03‬من قانون ‪ 51-03‬المتعلق بتنظيم المصاريف القضائية في‬
‫الميدان الجنائي المطالب بالحق المدني أداء الرسم القضائي سواء أمام قاض ي التحقيق‪ ،‬أو‬
‫هيئة الحكم‪ ،‬حتى تقبل شكايته المباشرة(‪.)767‬‬

‫وبهذا الخصوص صدر قرار عن املجلس األعلى عدد ‪ 1352‬صادر بتاريخ ‪3000-82-50‬‬
‫جاء فيه‪" :‬بمقتض ى قانون تصفية المصاريف القضائية في الميدان الزجري الذي أصبح معموال‬
‫به ابتداء من فبراير ‪ ،3000‬فإن المطالب بالحق المدني إنما يؤدي مبلغا عن طلباته أمام‬
‫املحكمة الجنائية"(‪.)768‬‬

‫يتضح مما سبق أن المشرع المغربي ألزم المتضرر من أداء مبلغ الرسم القضائي‪ ،‬وإال‬
‫نتج عن عدم أداءه عدم قبول شكايته المباشرة‪ ،‬األمر نفسه ينتج في حالة عدم أداء القسط‬
‫الجزافي أو مبلغ اإليداع‪.‬‬

‫ويجب اإلشارة إلى أن المادة ‪ ،)769(00‬من قانون المسطرة الجنائية تثيرثالث إشكاليات‬
‫تتمثل األولى في وجود نوع من التعارض بينها وبين قانون المصاريف القضائية في الميدان‬

‫أنه يحدد األسباب التي يمكن أن تسحب فيها المساعدة من الطالب ومنها حصوله على مبالغ مالية نتيجة تنفيذ‬
‫الحكم الصادر لفائدته‪.‬‬
‫‪ -767‬تنص المادة ‪ 56‬على أنه‪" :‬يجب على المطالب بالحقوق المدنية التي ترفع دعواه مباشرة إلى المحكمة أن‬
‫يدفع زيادة على مبلغ اإليداع‪ ،‬مبلغ الرسم الذي كان يتعين عليه أداؤه‪ ،‬لو رفع الدعوى إلى المحكمة المدنية‪،‬‬
‫وإال اعتبر طلبه غير مقبول‪ ،‬يجب كذلك دفع هذا الرسم على المدعي بالحقوق المدنية الذي رفع قضيته مباشرة‬
‫إلى قاضي التحقيق وفق الشروط المقررة في قانون اإلجراءات الجنائية"‪.‬‬
‫‪ -768‬قرار منشور بمجلة قضاء المجلس األعلى‪ ،‬عدد ‪ ،43-42‬دجنبر ‪ ،2000‬ص‪.202-201 :‬‬
‫‪ -769‬ينص الفصل ‪ 95‬من قانون المسطرة الجنائية على أنه‪" :‬يجب على الطرف المدني عند إقامته للدعوى‬
‫العمومية‪ ،‬ما لم يكن محمال على المساعدة القضائية‪ ،‬أن يودع بكتابة الضبط المبلغ الذي يفترض أنه ضروري=‬
‫= لمصا ريف الدعوى‪ ،‬ويحدد له أجل اإليداع‪ ،‬وذلك تحت طائلة عدم قبول شكايته‪ ،‬ويحدد هذا المبلغ بأمر من‬
‫قاضي التحقيق الذي عليه أن يراعي اإلمكانيات المالية للمشتكي"‪.‬‬

‫‪P 410‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫الجنائي‪ ،‬حيث أن هذا األخير ألزم المطالب بالحق المدني املحرك للدعوى العمومية بإيداع‬
‫جميع مصاريف اإلجراءات‪ ،‬و أيضا أداء الرسم القضائي‪ ،‬تحت طائلة عدم قبول الشكاية‬
‫المباشرة‪ ،‬في حين نجد المادة ‪ 00‬من قانون المسطرة الجنائية أوجبت إيداع مصاريف‬
‫اإلجراءات فقط‪ ،‬التي يضاف إليها القسط الجزافي الذي يحدد قانون المصاريف‬
‫القضائية(‪.)770‬‬

‫وإذا اعتمد قاض ي التحقيق على المادة ‪ 00‬من قانون المسطرة الجنائية فقط في تحديد‬
‫صوائرالشكاية المباشرة‪ ،‬فإنها تعتبرغيرمقبولة والغية بالنظرإلى قانون ‪ ،51-03‬الذي إضافة‬
‫إلى إلزامه أداء المصاريف القضائية أضاف ضرورة أداء الرسم القضائي تحت طائلة عدم‬
‫القبول‪.‬‬

‫ولهذا ولتجنب هذا التناقض يتعين على قاض ي التحقيق دائما الرجوع إلى قانون ‪-03‬‬
‫‪ ،51‬وإلى قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬لتحديد مبلغ الصوائرالقضائية حتى ال يترتب على ذلك عدم‬
‫قبول الشكاية‪.‬‬

‫مع أنه كان عليه التنصيص صراحة في قانون المسطرة الجنائية على إلزامية أداء الرسم‬
‫القضائي إلى جانب مصاريف إجراءات الدعوى وبالتالي تجاوزالخالف بين القانونين‪.‬‬

‫ونحن نعتقد بخصوص اإلشكالية األولى أنه ليس هناك تعارض بين المادة ‪ 00‬من قانون‬
‫المسطرة الجنائية وقانون ‪ 03-51‬المتعلق بالمصاريف القضائية في الميدان الجنائي على‬
‫اعتبار أن هدا القانون األخر هو في األصل قانون خاص وهو يقيد النص العام‪ ،‬أي انه األولى‬
‫بالتطبيق في حالة تواجد تعارض‪ .‬مع العلم أنه ليس هناك تعارض لكون عبارة مصاريف‬
‫الدعوى في المادة ‪ 00‬من قانون المسطرة الجنائية جاءت عامة وشاملة ولم تخصص أو تحدد‬
‫مصروف بعينه‪ ،‬مما يستنتج القول على أن الرسم القضائي يدخل في نطاق مصاريف الدعوى‪،‬‬
‫بل هناك تجانس وتكامل ذلك أن قاض ي التحقيق يقوم بإعمال المادة ‪ 00‬من قانون المسطرة‬
‫الجنائية عندما يتعلق األمر بمصاريف تنفق على إجراءات الدعوى العمومية املحركة من قبل‬
‫المتضرر‪ ،‬وتشمل هذه المصاريف على سبيل المثال ) أجور الخبراء والتراجمة ومصاريف‬
‫استدعاء الشهود‪...‬الخ( ‪ .‬وهو يراعي في تقديره اإلمكانيات المالية للمشتكي ‪ ،‬أما عندما يتعلق‬

‫‪ -770‬عمر األبيض‪" ،‬الشكاية المصحوبة باإلدعاء بالحق المدني أمام قاضي التحقيق"‪ ،‬نشرة محكمة االستئناف‪،‬‬
‫العدد ‪ ،1‬الرباط ‪ ،2004‬ص‪:‬‬

‫‪P 411‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫األمربالرسم القضائي باألجرالضريبية القضائية التي تفرضها الدولة على المتضرر أو المشتكي‬
‫لقاء قبول شكايته والتحقيق فيها‪ .‬وبعبارة أخرى أن أداء المشتكي للرسم القضائي يكون نضير‬
‫توفيرالدولة ممثلة في مرفق املحكمة لخدمة التحقيق والمتابعة و إيقاع العقاب في حق المتهم‪.‬‬

‫واإلشكالية الثانية تتجلى في جزاء عدم قبول الشكاية الذي أشار إليه الفصل ‪ 03‬عند‬
‫عدم أداء صوائرالدعوى‪ ،‬فهل هذا الجزاء يجب أن يصدرفي إطارأمر قضائي من طرف قاض ي‬
‫التحقيق‪ ،‬أم يقتصراألمرفقط على موقف سلبي‪ ،‬يتمثل في عدم إنجازأي إجراء بشأن الشكاية؟‪.‬‬

‫إنه من الواجب أن يتم التنصيص على هذا األمر حتى يتم تنظيم العمل القضائي‪ ،‬غير‬
‫أن النصوص القانونية المنظمة للشكوى في قانون المسطرة الجنائية لم تشرإلى هذا اإلشكال‪،‬‬
‫وبالتالي لم يتم تحديد كيفية صدور هذا الجزاء‪ ،‬هل يتعين إصدار أمر من قاض ي التحقيق‪ ،‬أم‬
‫يكتفي فقط باتخاذ موقف سلبي عن طريق عدم القيام بأي إجراء بخصوص الشكاية المباشرة‪،‬‬
‫وهذا اإلشكال وجد أيضا في فرنسا‪ ،‬لكن تم تجاوزه‪ ،‬حيث عمدت مديرية الشؤون الجنائية‬
‫والعفو إلى إصدارمنشورمؤرخ في يناير‪ 3001‬يحث قضاة التحقيق على إصدارأمربعدم القبول‬
‫في حالة عدم إيداع الصائر(‪.)771‬‬

‫وندعوالمشرع المغربي أن يحدوا ما ذهب إليه المشرع الفرنس ي‪ ،‬وينص على ضرورة أن‬
‫يصدرقاض ي التحقيق أمر بعدم قبول الشكاية في حالة عدم أداء صوائرالدعوى‪.‬‬

‫وبتحليل قانوني فإنه إذا كان تحديد مبلغ مصاريف الدعوى يتم بمقتض ى أمر قضائي‬
‫صادرعن قاض ي التحقيق حسب المادة ‪ 00‬من قانون المسطرة الجنائية فإن نفس األمرأيضا‬
‫ينطبق على عدم أداء مصاريف الدعوى حيث يصدرأمرقضائي بعدم قبول الشكاية‪.‬‬

‫واإلشكالية الثالثة تتمثل في الطبيعة القانونية لألمر القضائي املحدد لصائر‬


‫الدعوى(‪ ،)772‬وما مدى إمكانية الطعن فيه أم ال‪ ،‬في حالة إذا اتسم تحديد المبالغ بالمبالغة‬
‫البعيدة عن المعاييرالموضوعية إلى حد تشكل تعجيزا في ممارسة حق من الحقوق التي يمنحها‬
‫القانون في مجال التقاض ي؟‪.‬‬

‫‪ -771‬عمر األبيض‪" ،‬الشكاية المصحوبة باإلدعاء بالحق المدني أمام قاضي التحقيق"‪ ،‬مجلة القضاء والقانون‪،‬‬
‫عدد ‪ ،2006 ،146‬ص‪.92 :‬‬
‫‪ -772‬ونشير هنا أنه في حالة كون المشتكي حاصال على المساعدة القضائية‪ ،‬فإنه ال يكون الزما في هذه الحالة‬
‫تحديد صائر الدعوى‪ ،‬ألنه معفي من اإليداع‪ ،‬وتتكلف الخزينة العامة بأداء مصاريف الدعوى‪.‬‬

‫‪P 412‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫والسؤال المطروح أيضا هل يمكن االستناد إلى المادة ‪ 502‬من قانون المسطرة‬
‫الجنائية التي تمنح الحق للمطالب بالحق المدني استئناف أوامر قاض ي التحقيق التي تمس‬
‫مصالحه المدنية‪ ،‬وهو تحديد عام وشامل يستند إلى معيارالمس بالمصالح المدنية؟‬

‫هنا يرى عمر األبيض(‪ ،)773‬أنه يصعب الجزم بإمكانية ذلك ألنه توجد المادة ‪ 00‬من‬
‫قانون المسطرة الجنائية التي تقروبصريح العبارة أن عدم إيداع صائرالدعوى يترتب عليه عدم‬
‫قبول الشكاية المباشرة‪ ،‬وما دام األمر كذلك فهي منعدمة‪ ،‬ومن هنا ال يمكن القيام بأي إجراء‬
‫سواء تعلق بالدعوى المدنية أو الدعوى العمومية‪.‬‬

‫ويضيف عمر األبيض أن الطعن ما هو إال فرع من أصل و انعدام الحق في األصل يترتب‬
‫عليه ال محالة انعدام الحق في الفرع‪.‬‬

‫وأعتقد أن ما ذهب إليه األستاذ عمراألبيض يجانب الصواب‪ ،‬ألنه ما دام أنه يترتب عن‬
‫عدم أداء صائر الدعوى عدم قبول الشكاية و انعدامها من الناحية القانونية‪ ،‬فإنه ال يمكن‬
‫الطعن في أمرقضائي أصال غيرموجود ومنعدم‪.‬‬

‫وبالنسبة لمعايير تحديد صائر الدعوى‪ ،‬فنجد أن المادة ‪ 00‬من قانون المسطرة‬
‫الجنائية قد اعتمدت على معيار اإلمكانيات المالية للمشتكي‪ ،‬وهو المعيار الوحيد المعتمد‬
‫عليه‪ ،‬حيث جاء في المادة السالفة الذكر ما يلي‪..." :‬ويحدد له أجل اإليداع وذلك تحت طائلة‬
‫عدم قبول شكايته‪ ،‬ويحدد هذا المبلغ بأمرمن قاض ي التحقيق الذي عليه أن يراعي اإلمكانيات‬
‫المالية للمشتكي‪."...‬‬

‫وما يالحظ هو أن عبارة "اإلمكانيات المالية" جاءت عامة‪ ،‬وهذا يثير إشكال يتمثل في‬
‫اختالف مبلغ اإليداع من متضرر إلى آخر‪ ،‬وكذا لنفس الجريمة وغاية المشرع من وراء هذا‬
‫المعيار لتحديد مبلغ اإليداع‪ ،‬هو الحد من الشكايات الكيدية التي قد يلجأ إليها البعض‪ ،‬والتي‬
‫تؤدي إلى إطالة المساطروتعطيل تنفيذ أحكام وقرارات التي يمكن أن تكون قد قطعت أشواطا‬
‫مهمة في مرحلة التقاض ي‪ ،‬والتي قد تتوقف نتيجة تقديم هذه الشكاية(‪.)774‬‬

‫‪ -773‬عمر األبيض‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.93 :‬‬


‫‪ -774‬عبد المجيد مربوح‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.24 :‬‬

‫‪P 413‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫وقد أشارت المادة ‪ 00‬من قانون المسطرة الجنائية الفرنسية على المعيارنفسه‪ ،‬حيث‬
‫خولت لقاض ي التحقيق أن يقوم بتحديد المبلغ اعتمادا على موارد عيش المشتكي‪ ،‬وبالتالي‬
‫يمكن إعفاؤه في حالة عدم توفره على موارد عيش كافية(‪.)775‬‬

‫ويكمن الخالف بين المشرع المغربي ونظيره الفرنس ي في كون هذا األخير استعمل عبارة‬
‫"موارد العيش" في مقابل المشرع المغربي الذي استعمل عبارة "اإلمكانيات المالية"‪ ،‬وقد أعطى‬
‫المشرع الفرنس ي لقاض ي التحقيق الحق في إعطاء المشتكي من أداء صائرالدعوى‪ ،‬في حالة ما‬
‫إذا تبين له عدم كفاية موارد عيشه‪ ،‬وهذا على خالف المشرع المغربي الذي لم ينص على هذا‬
‫المقتض ي‪ ،‬و إنما أشار فقط إلى إمكانية حصوله على المساعدة القضائية من خالل تقديمه‬
‫طلب مدعم بشهادة إدارية يسلمها الباشا أو القائد‪ ،‬تتضمن وسائل عيشه(‪.)776‬‬

‫وبمجرد إيداع صائر الدعوى يصبح المشتكي حامال صفة مطالب بالحق المدني وما‬
‫يترتب عن ذلك من وضع قانوني تعترف به مقتضيات قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬المنظمة لذلك‪.‬‬

‫ونشير هنا إلى أنه وبحكم التجربة التي يتوفر عليها قاض ي التحقيق‪ ،‬يستطيع تنبؤ أو‬
‫افتراض مختلف إجراءات البحث التي تفترضها الشكاية من استماع إلى الشهود وإجراء خبرة‬
‫خاصة في الشكايات المتعلقة بالزور‪ ،‬وغيرها من اإلجراءات‪ ،‬من خالل ذلك يحدد صائر لكل‬
‫إجراء ليصل إلى املجموع ونشير أيضا إلى أنه وطبقا للفصل ‪ 00‬من قانون ‪ 51-03‬المتعلق‬
‫بالصوائرالقضائية في الميدان الجنائي ترد مبالغ المودعة خصوصا صوائرالمسطرة ترد إليه‬
‫في حالة ما إذا صدر حكم لصالحه‪ ،‬ولكن ال ترد إال بعد صدور حكم نهائي مكتسب لقوة الش يء‬
‫المقض ي به‪.‬‬

‫ويضيف الفصل ‪ 00‬أنه يتعين على المطالب بالحق المدني والذي صدر في حقه حكم‬
‫حائزلقوة الش يء المقض ي به‪ ،‬أن يطالب بإرجاع هذه المبالغ في حدود أجل ال يتعدى سنتين من‬
‫تاريخ صدورالحكم وإال فإن المبالغ ستصبح ملكا للخزينة العامة بعد تسليمها إليها‪.‬‬

‫وتسترجع أيضا المبالغ التي لم يتم استعمالها‪ ،‬والتي بقيت بحوزة كتابة الضبط في‬
‫حساب خاص كما ينص على ذلك الفصل ‪ 00‬من قانون ‪ 51-03‬أما بخصوص المبالغ التي لم‬

‫‪775‬‬‫‪-Gillbert Azibert، Code De Procédure Pénale، Lite، 20éme édition، Paris، 2009، P :‬‬
‫‪112.‬‬
‫‪ -776‬محمد القدوري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.44 :‬‬

‫‪P 414‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫يتم صرفها‪ ،‬فإن الطرف الذي خسر الدعوى هو الذي يتحملها‪ ،‬ويحق للمطالب بالحق المدني‬
‫حينها أن يسترجعها منه تنفيذا للحكم الصادر‪.‬‬

‫الئحة المراجع‪:‬‬

‫محمد كاسم "بعض اإلشكاليات الناجمة عن تطبيق االستثناءات الواردة على قاعدة‬
‫لزومية أداء الرسم القضائي" مجلة املحامي‪ ،‬العدد ‪ ،03‬المطبعة الوطنية‪ ،‬مراكش‪ ،‬ماي‬
‫‪.5883‬‬

‫القرار عدد ‪ 5325‬الصادر بتاريخ ‪ 3000-81-38‬في الملف الجنحي رقم ‪ ،03/35500‬قرار‬


‫منشوربمجلة قضاء املجلس األعلى‪ ،‬عدد ‪.20‬‬

‫قرارعدد ‪ 55/301‬الصادربتاريخ ‪ 3000-82-35‬ملف جنحي رقم ‪ ،23/500‬منشوربمجلة‬


‫رابطة القضاة‪ ،‬عدد ‪.30-32‬‬

‫قرار الغرفة الجنحية ملحكمة االستئناف بالجديدة رقم ‪ 333‬ملف عدد‪5838-38-02‬‬


‫صادربتاريخ ‪ 0‬ماي ‪ ،5838‬قرارغيرمنشور‪.‬‬

‫قرار صادرعن املجلس األعلى بتاريخ ‪ 00-1-33‬تحت عدد ‪ 131‬منشور بمجموعة قرارات‬
‫املجلس األعلى المادة الجنائية الجزء ‪ 5‬ص ‪ 520‬وما يليها‪ .‬وقرار آخر صادر عن املجلس األعلى‬
‫بتاريخ ‪ 3000-81-50‬تحت عدد ‪ ،3230‬منشوربمجموعة قرارات املجلس األعلى المادة الجنائية‬
‫الجزء الثاني ص ‪ 233‬وما يليها‪.‬‬

‫قرار صادر عن املجلس األعلى بتاريخ ‪ 5880-0-30‬تحت عدد ‪ 13005‬في الملف عدد‬
‫‪ 83/58280‬منشوربمجلة الملف عدد ‪ 31‬ص ‪ 508‬وما يليها‪.‬‬

‫قرار صادر عن املجلس األعلى بتاريخ ‪ 5885-5-58‬تحت عدد ‪ 33301‬في الملف عدد‬
‫‪ 83/35300‬منشوربالتقريرالسنوي للمجلس األعلى لسنة ‪. 5885‬‬

‫قرار صادر عن المدلس األعلى بتاريخ ‪ 83-0-18‬تحت عدد ‪ 3/3100‬في الملف الجنحي‬
‫عدد ‪ 83//0301‬منشوربمجلة المر افعة عدد ‪ 32‬و‪. 30‬‬

‫‪P 415‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫قرار صادر عن املجلس األعلى بتاريخ ‪ 5880-82-82‬تحت عدد ‪ 80352‬في الملف عدد‬
‫‪ ،80-2100‬منشوربمجلة الملف عدد ‪.35‬‬

‫عبد الرحيم زكار‪ ،‬اإلدعاء المباشر والشكاية المباشرة في التشريع المغربي‪ ،‬دراسة‬
‫تحليلية عملية الطبعة األولى‪ ،‬مطبعة إيديكا‪.5883 ،‬‬

‫قرار صادر عن املجلس األعلى بتاريخ ‪ 3000-35-30‬تحت عدد ‪ 0305‬في الملف الجنحي‬
‫عدد ‪ 00/353‬منشوربمجلة املحامي عدد ‪ 30‬و‪. 58‬‬

‫قرار صادر عن املجلس األعلى بتاريخ ‪ 3008-35-38‬تحت عدد ‪ 333‬منشور بمجموعة‬


‫قرارات املجلس األعلى المادة الجنائية الجزء األول ص ‪ 08‬وما يليها‪ .‬وفي قرار آخر صادر عنه‬
‫بتاريخ ‪ 3001-33-80‬تحت عدد ‪ 500‬في الملف الجنحي عدد ‪ 52351‬منشور بمجلة املحاكم‬
‫المغربية عدد ‪. 53‬‬

‫عبد الوهاب بنسعيد‪" ،‬دراسة حول الشكاية المباشرة"‪ ،‬مجلة املحاماة‪ ،‬العدد ‪،5‬‬
‫فبراير‪.3000‬‬

‫قرار عدد ‪ 5050‬بتاريخ ‪ 3005-82-33‬في الملف الجنحي عدد ‪ ،08/5830300‬منشور‬


‫بمجلة قضاء املجلس األعلى عدد ‪ ،23‬دجنبر‪.5888‬‬

‫عبد الوهاب بن سعيد‪" ،‬دراسة حول الشكاية المباشرة" مقال منشور بمجلة رسالة‬
‫املحاماة‪ ،‬عدد ‪ /5‬فبر اير‪. 3000‬‬

‫‪P 416‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫–‬

‫احلاماية انجنايية للامعطيات ذات الطابع‬


‫الشخصي على ضوء العامل القضايي‬
‫‪Criminal protection of personal data in the light of judicial work‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫إن الحق في احترام الحياة الخاصة يعد من أهم حقوق اإلنسان في املجتمعات المدنية‬
‫الحديثة‪ ،‬فهو ثمرة للتطورالحضاري للمجتمع اإلنساني‪ ،‬وتقتض ي طبيعة الحياة الخاصة حفظ‬
‫األسرار ذات الطابع الشخص ي للفرد ومشمول معطياته وبياناته ذات الطابع الشخص ي‪ ،‬فمن‬
‫حق الفرد أن يحتفظ بأسرارحياته بعيدا عن إطالع الغير‪.777‬‬

‫فالحق في الحياة الخاصة ومعها حماية المعطيات الشخصية للفرد تعتبرحقا عاما يمتد‬
‫نطاقه لحماية الشخص الفرد من كافة أوجه االعتداءات على حياته الخاصة أيا كان مظهرها أو‬
‫طبيعتها‪ ،‬إذ بات حق األفراد في السيطرة على المعلومات والبيانات الخاصة في مواجهة تحديات‬
‫العصرالرقمي ضرورة ملحة تفرض ذاتها بقوة‪.‬‬

‫فالثورة التكنولوجية بالرغم مما تقدمه من خدمات كبرى للمجتمع اإلنساني في هذا‬
‫العصر من تسهيل التواصل وتبادل المعلومات‪ ،‬إلى نشر المعرفة وتحقيق التنمية بمختلف‬

‫‪ -777‬يونس عرب‪ ،‬موسوعة القانون وتقنية المعلومات‪ ،‬دليل أمن المعلومات والخصوصية‪ ،‬الجزء الثاني‪ :‬الخصوصية‬
‫وحماية البيانات في العصر الرقمي‪ ،‬اتحاد المصارف العربية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،1881 ،‬ص ‪.08‬‬

‫‪P 417‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫مجاالتها‪ ،‬غيرأنها في المقابل تحمل في طياتها عدة مخاطرتهدد الحياة الخاصة لألفراد وحقوقهم‬
‫المرتبطة بمعطياتهم الشخصية‪.778‬‬

‫الش يء الذي يطرح عالمة استفهام حول الحياة الخاصة في العصر الرقمي الذي أدى إلى‬
‫إفرازمستجدات تقنية لم تكن في الحسبان من بينها الحاسب اآللي الذي دعم استخدامه بوالدة‬
‫الشبكة اإللكترونية للمعلومات المسماة االنترنيت‪ ،‬إذ بات من الصعب جدا على الفرد أن‬
‫يسيطر على خصوصيته في ظل التطور التكنولوجي والرقمي الهائل‪ ،‬خاصة مع ما أصبح ينتشر‬
‫اليوم من فضائح وأسرار جعلت عامة الناس قبل المهتمين والمتخصصين بمجال القانون‬
‫وحقوق اإلنسان والسياسة وعالم االقتصاد ينتبهون إلى ما يمكن أن تفعله التقنية المعلوماتية‬
‫بمعطياتهم وبياناتهم الشخصية‪ ،‬ومدى قدرتها على انتهاك حياتهم الشخصية وأسرارهم‬
‫وميوالتهم التي ال طالما فكروا في سترها عن املجتمع واالحتفاظ بها ألنفسهم‪ ،‬ولعل آخرها‬
‫وأشهرها فضيحة شركة "كامبردج أناليتيكا" التي تم خاللها تسريب بيانات شخصية لنحو‪00‬‬
‫مليونا من مستخدمي "فيسبوك" لصالح هذه الشركة‪ ،‬التي من المفترض أنها استخدمت تلك‬
‫المعلومات خالل حملة االنتخابات الرئاسية في ‪ 5833‬واالستفتاء على انسحاب بريطانيا من‬
‫اإلتحاد األوروبي‪ ،‬لتتوالى بعد ذلك اعتذارات مؤسس فيسبوك‪ ، 779‬إضافة للدراسة التي نشرت‬
‫في عام ‪ 5830‬في الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬حول األمريكيين واألمن المعلوماتي‪ ،‬إذ عبرالعديد‬
‫منهم عن عدم ثقتهم بالمؤسسات الحديثة من ناحية حماية بياناتهم الشخصية‪ ،780‬ويدعم هذا‬
‫األمر عدد االعتداءات على األنظمة المعلوماتية‪ ،‬وحاالت تسرب البيانات الشخصية سواء عبر‬

‫‪ -778‬فهد وزاني الشاهدي‪ ،‬الحق في حماية الحياة الخاصة أية حماية؟‪ ،‬مجلة المعيار‪ ،‬العدد ‪ ،1831 ،21‬ص‬
‫‪.368‬‬
‫‪ -779‬الخبر منشور في الموقع الرسمي لقناة الجزيرة تحت عنوان فضيحة "كامبردج‪-‬فيسبوك" تعصف بمصداقية‬
‫شبكات التواصل االجتماعي على الرابط التالي‪:‬‬
‫االطالع‬ ‫تاريخ‬ ‫‪http://www.aljazeera.net/programs/newsreports/2018/3/12‬‬
‫‪.1811/82/32‬‬
‫‪780‬‬ ‫‪- Americans and Cybersecurity Many Americans do not trust modern‬‬
‫‪institutions to protect their personal data _even as they frequently neglect‬‬
‫‪cybersecurity best practices in their own personal lives.‬‬
‫‪http://www.pewinternet.org/2017/01/26/americans-and -cybersecurity‬‬

‫‪P 418‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫اختر اقات البريد اإللكتروني‪ ،‬أو سرقة بيانات شركات تقدم خدمات عبر اإلنترنيت‪ ،‬أو التالعب‬
‫بحسابات على مو اقع التواصل االجتماعي‪.781‬‬

‫وقد جاء اهتمام المغرب بهذا املجال من خالل سنه للقانون ‪ 80.80‬ألجل مسايرة التوجه‬
‫الدولي في مجال حماية المعطيات ذات الطابع الشخص ي‪ ،‬وتحقيقا لألمن المعلوماتي من أجل‬
‫في الحياة الخاصة لألفراد‪ ،‬وكسب ثقة‬ ‫الدستوري‪782‬‬ ‫ضمان االستقرار وتكريسا للحق‬
‫المستثمرين األجانب والوطنيين‪ ،‬خاصة في عالقته االقتصادية والتجارية مع أوروبا‪ ،‬و انتشار‬
‫التجارة اإل لكترونية التي تعتمد في تعامالتها على التبادل المستمر للمعطيات والبيانات‬
‫الشخصية‪.‬‬

‫فالمعطيات الشخصية أو ذات الطابع الشخص ي‪ ،‬هي كل معلومة كيفما كان نوعها والتي‬
‫تمكن من التعرف على الشخص الذاتي وتحديد هويته‪ ،‬وفي هذا الصدد عرفها القانون السالف‬
‫الذكر في المادة األولى‪ 783‬منه بأنها "كل معلومة كيفما كان نوعها بغض النظر عن دعامتها‪ ،‬بما‬
‫في ذلك الصوت والصورة‪ ،‬والمتعلقة بشخص ذاتي معرف أو قابل للتعرف عليه والمسمى بعده‬
‫"بالشخص المعني"‪.‬‬

‫وفي ظل األهمية الكبرى للمعطيات ذات الطابع الشخص ي باعتبارها أحد عناصرالحق في‬
‫الحياة الخاصة التي تجسد ضرورة إنسانية وقيمة اجتماعية مهمة‪ ،‬وعلى ضوء التهديدات التي‬
‫أصبحت تواجه المعطيات الشخصية المتعلقة باألفراد جراء المعالجة التي تخضع لها هذه‬
‫المعطيات‪ ،‬والتحديات المطروحة من أجل خلق التوازن بين تطورالتقنية المعلوماتية والشق‬
‫القانوني والحقوقي والشق االقتصادي في مجال حماية المعطيات ذات الطابع الشخص ي‪ ،‬فإن‬
‫اإلشكالية املحورية التي يطرحها البحث تتمثل في‪ :‬ما مدى توفق المشرع المغربي من خالل‬
‫قانون ‪ 80.80‬في إيجاد حماية جنائية فعالة للمعطيات ذات الطابع الشخص ي‪ ،‬وبالتالي تحقيق‬
‫الحماية الالزمة للحقوق والحريات األساسية؟‬

‫‪ -781‬منى األشقر جبور و محمود جبور‪ ،‬البيانات الشخصية و القوانين العربية الهم األمني و حقوق األفراد‪ ،‬المركز‬
‫العربي للبحوث القانونية و القضائية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪ ،‬ص ‪.33‬‬
‫‪ -782‬ينص الفصل ‪ 11‬من الدستور المغربي لسنة ‪1833‬على‪":‬لكل شخص الحق في حماية حياته الخاصة "‪.‬‬
‫‪-783‬ظهير شريف رقم ‪ 3183132‬صادر في ‪ 11‬من صفر ‪ 30( 3118‬فبراير ‪ )1883‬بتنفيذ القانون رقم‬
‫‪ 83-80‬المتعلق بحماية األشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي‪.‬‬

‫‪P 419‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫المبحث األول‪ :‬الحماية الجنائية الموضوعية للمعطيات ذات الطابع الشخص ي‬

‫فرض المشرع المغربي حماية جنائية لمعالجة المعطيات ذات الطابع الشخص ي حيث‬
‫جرم القانون ‪ 80.80‬مجموعة من األفعال التي تشكل خرقا للقواعد الموضوعية التي يلزم‬
‫مراعاتها عند القيام بكل معالجة للمعطيات ذات الطابع الشخص ي‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬الجرائم الماسة بالقواعد الموضوعية للمعالجة‬

‫قد يرتكب المسؤول عن المعالجة مجموعة من الجرائم المرتبطة بعدم احترامه‬


‫للقواعد الموضوعية الضامنة لحماية حقوق األفراد المرتبطة بالمعطيات الشخصية‬
‫المنصوص عليها في القانون ‪ 80.80‬ويمكن تحديدها في بعض الجرائم على سبيل المثال ال‬
‫الحصر جريمة المعالجة غيرالمشروعة‪ ،‬و جريمة االستعمال غيرالمشروع للمعطيات‪.‬‬

‫الفقرة أولى‪ :‬جريمة المعالجة غيرالمشروعة‬

‫انطالقا من المادتين ‪ 78402‬و‪ 78500‬من القانون ‪ 80.80‬واللتان تقابلهما المادة ‪30-553‬‬


‫من القانون الجنائي الفرنس ي فإن الركن المادي لجريمة المعالجة غير المشروعة يقوم من‬
‫خالل تحقق أحد العنصرين‪:‬‬

‫‪ -‬الجمع أو المعالجة غير المشروعة للمعطيات الشخصية‪ ،‬وذلك من خالل جمع‬


‫المعطيات الشخصية بطريقة تدليسيه أو غيرنزيهة وغيرها من وسائل التجميع غيرالمشروعة‪.‬‬

‫‪ -‬حفظ المعطيات الشخصية لمدة تزيد عن المدة القانونية‪.‬‬

‫‪ -784‬تنص المادة ‪ 21‬من قانون ‪ 83180‬على‪ " :‬يعاقب بالحبس من ثالثة أشهر إلى سنة وبغرامة من ‪181888‬‬
‫الى ‪ 1881888‬درهم‪ ،‬أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط‪ ،‬كل من قام بخرق أحكام أ) وب) و ج) من المادة ‪ 1‬من‬
‫هذا القانون بجمع معطيات ذات طابع شخصي بطريقة تدليسيه أو غير نزيهة أو غير مشروعة‪ ،‬أو أنجز معالجة‬
‫ألغراض أخرى غير تلك المصرح بها أو المرخص لها‪ ،‬أو أخضع المعطيات المذكورة لمعالجة الحقة متعارضة مع‬
‫األغراض المصرح بها أو المرخص لها"‪.‬‬
‫‪ -785‬تنص المادة ‪ 22‬من نفس القانون على‪ " :‬يعاقب بالحبس من ثالثة أشهر إلى سنة وبغرامة من ‪181888‬‬
‫الى ‪ 1881888‬درهم‪ ،‬أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط‪:‬‬
‫‪ -‬كل من احتفظ بمعطيات ذات طابع شخصي لمدة تزيد عن المدة المنصوص عليها في النصوص التشريعية‬
‫الجاري بها العمل أو المنصوص عليها في التصريح أو اإلذن؛‬
‫‪ -‬كل من احتفظ بالمعطيات المذكورة خرقا ألحكام ه) من المادة ‪ 1‬من هذا القانون"‪.‬‬

‫‪P 420‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫فبالنسبة للجمع أو المعالجة غيرالمشروعة للمعطيات الشخصية‪:‬‬

‫يتحقق ذلك من خالل إتيان أحد األفعال المنصوص عليها في المادة ‪ 02‬والمتمثلة في‪:‬‬

‫‪ ‬جمع المعطيات الشخصية بطريقة تدليسيه أو غير نزيهة أو غير مشروعة كالتدليس أو‬
‫الغش أوالتنصت على الهاتف أواعتراض وتفريغ الرسائل المتبادلة عن طريق البريد اإللكتروني‪،‬‬
‫وغيرها من الوسائل غيرالمشروعة‪ ،786‬وما يالحظ على هذا المقتض ى أنه يطرح صعوبات كبيرة‬
‫أمام عدم دقة المصطلحات المستعملة‪ ،787‬إذ أن محكمة النقض الفرنسية قد اعتبرت في قرار‬
‫لها صادر عن الغرفة الجنائية بتاريخ ‪ 1‬نونبر ‪ 3000‬بأنه ال يكفي لقيام هذه الجريمة جمع‬
‫المعطيات بطريقة تدليسيه أو غير نزيهة أو غير مشروعة‪ ،‬ولكن يلزم كذلك أن يتم تسجيل أو‬
‫حفظ هذه المعطيات في ملف سواء كان آليا أو يدويا‪ ،788‬وفي قرار حديث آخر صادر عن نفس‬
‫املحكمة بتاريخ ‪ 32‬مارس ‪ 5883‬اعتبرت‪ 789‬الجمع غيرالنزيه للمعطيات اإلسمية متحققا في‪:‬‬

‫‪‬كل اطالع على العناوين اإللكترونية واستعمالها‪ ،‬ولو دون تسجيلها في ملف من أجل‬
‫إرسال رسائل إلكترونية ألصحاب هذه العناوين‪.‬‬

‫‪ -786‬بولين أنطونيوس أيوب‪ ،‬الحماية القانونية للحياة الشخصية في مجال المعلوماتية‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية‪،‬‬
‫ط األولى‪ ،‬بيروت‪1883 ،‬ص ‪.132‬‬
‫‪ -787‬يونس تلمساني‪ ،‬الحماية الجنائية للمعطيات ذات الطابع الشخصي‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون‬
‫الخاص‪ ،‬جامعة القاضي عياض‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية مراكش‪ ،‬السنة الجامعية‬
‫‪ ،1883/1880‬ص ‪.33‬‬
‫‪788‬‬ ‫‪- André LUCAS, Jean DEVEZE et Jean FRAYSSINET, op.cit., p 673.‬‬
‫‪Voir aussi les arrêts suivants :‬‬
‫‪- Cass crim , 23 mai 1991, n 90-87. 555, Bull crim 1991, n 218.‬‬
‫‪Téléchargeable sur le site suivant http://www.legalis.net‬‬
‫‪- Cass crim, 8 sept 2015, n 587-85-13, Bull crim 2015, n191.‬‬
‫‪Téléchargeable sur le site suivant http://www.legalis.net‬‬
‫‪ -789‬قرار الغرفة الجنائية بمحكمة النقض الفرنسية رقم ‪ 821011111‬بتاريخ ‪ 31‬مارس ‪ 1886‬وتتلخص وقائع‬
‫النازلة في قيام شركة معينة سنتي ‪ 1881‬و‪ 1881‬بإرسال رسائل إشهارية إلى مجموعة من األفراد كانت قد‬
‫تحصلت على عناوينهم اإللكترونية من الفضاء العام لشبكة اإلنترنيت‪ ،‬وذلك عن طريق القيام في مرحلة أولى‬
‫بواسطة «برنامج الحاسوب" )‪ (logiciel‬بتسجيل المعلومات المتعلقة بهم في ملف بغية استعمالها الحقا‪ ،‬ثم القيام‬
‫في مرحلة ثانية بواسطة برنامج آخر بتوجيه رسائل إشهارية إلى العناوين المجمعة بدون تسجيلها في ملف‪.‬‬
‫‪ ‬وقد أدانت غرفة الجنح االستئنافية بمحكمة القنيطرة في القضية عدد ‪ ،1831/1683/112‬شخصا من أجل‬
‫التحريض على الفساد والقذف بواسطة وسيلة إعالم إلكترونية ومعالجة المعطيات الشخصية بطريقة غير مشروعة‬
‫بعشرة أشهر حبسا نافدا وغرامة نافذة قدرها ‪ 288‬درهم‪.‬‬

‫‪P 421‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫‪‬كل تجميع للعناوين اإللكترونية الشخصية لألشخاص الطبيعيين دون علمهم بالفضاء‬
‫العام لإلنترنيت باعتبارهذه الطريقة تشكل عائقا أمام ممارسة حقه في التعرض‪.‬‬

‫‪ ‬إنجاز المعالجة ألغراض أخرى غير تلك المصرح بها أو المرخص لها‪ :‬تتحقق هذه‬
‫الجريمة من خالل إجراء معالجة للمعطيات الشخصية متنافية مع الغايات املحددة والمعلنة‬
‫والمشروعة التي ثم ذكرها في التصريح المقدم إلى اللجنة الوطنية أوثم إيرادها في اإلذن الممنوح‬
‫من قبل هذه األخيرة بناء على طلب المسؤول عن المعالجة‪ ،790‬ويدخل في ذلك أيضا إنجاز‬
‫معالجة غيرمالئمة وغيرمناسبة ومفرطة بالنسبة للغايات السالفة الذكر‪.‬‬

‫وفي هذا السياق قضت محكمة ألمانية بوقف إحصاء للسكان سنة ‪ 3002‬بعدما ثبت لها‬
‫أن وزارة الداخلية استطاعت من خالل استمارات اإلحصاء الحصول على عناوين مجموعة‬
‫متطرفة إرهابية‪ ،‬حيث اعتبرت املحكمة ذلك من قبيل اإلساءة الستخدام البيانات التي جمعت‬
‫من أجل غ اية معينة‪ ،‬وهي اإلحصاء السكاني‪ ،‬مما يشكل اعتداء على الحياة الخاصة لألفراد‬
‫و انتهاكا لسرية البيانات الشخصية‪.791‬‬

‫أما حفظ المعطيات الشخصية لمدة تزيد عن المدة القانونية‪:‬‬

‫نصت عليها المادة ‪ 00‬من قانون ‪ 80.80‬ويقابلها في ذلك الفصل ‪ 553-58‬الفقرة األولى‬
‫من العقوبات الفرنس ي‪ 792‬ويتحقق هذا العنصربالقيام بأحد األفعال التالية‪:‬‬

‫‪ -790‬رضوان لمخيار‪ ،‬الحماية الجنائية للمعطيات الشخصية المعالجة بطرق الكترونية‪-‬على ضوء القانون المغربي‬
‫والقانون المقارن‪ -‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪،‬‬
‫جامعة عبد المالك السعدي‪ ،‬طنجة‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،1831-1831‬ص ‪.30‬‬
‫‪ -791‬أسامة عبد الله قايد‪ ،‬الحماية الجنائية للحياة الخاصة وبنوك المعلومات‪ -‬دراسة مقارنة‪ ،-‬ط الثالثة‪ ،‬دار‬
‫النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،3331 ،‬ص ‪.21‬‬
‫‪792‬‬
‫‪- article 226-20 :‬‬
‫‪« Le fait de conserver des données à caractère personnel au-delà de la durée prévue‬‬
‫‪par la loi ou le règlement, par la demande d’autorisation ou d’avis, ou par la déclaration‬‬
‫‪préalable adressée à la commission nationale de l’informatique et des libertés, est puni‬‬
‫‪de cinq ans d’emprisonnement et de 300000 euros d’amende, sauf si cette conservation‬‬
‫‪est effectuée à des fins historiques, statistiques ou scientifiques dans les conditions‬‬
‫‪prévues par la loi.‬‬
‫‪=Est puni des mêmes peines le fait, hors les cas prévus par la loi, des données à‬‬
‫‪caractère personnel conservées ou de la durée mentionnée ou premier alinéa».‬‬

‫‪P 422‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫‪ ‬االحتفاظ بالمعطيات الشخصية لمدة تزيد عن المدة المنصوص عليها في النصوص‬


‫التشريعية المعمول بها‪ ،‬أو المنصوص عليها في التصريح أو اإلذن‪ ،‬وكل حفظ يتجاوز المدة‬
‫املحددة‪ ،‬يعتبرحفظا غير مشروع للمعطيات الشخصية‪.‬‬

‫‪ ‬االحتفاظ بالمعطيات الشخصية باملخالفة ألحكام البند هـ من المادة ‪ 1‬من قانون‬


‫‪ 80.80‬فبالرجوع للبند المشارإليه نجد أن المعطيات الشخصية يجب أن تكون محفوظة وفق‬
‫شكل يمكن من التعرف على األشخاص المعنيين طوال مدة ال تتجاوز المدة الضرورية إلنجاز‬
‫الغايات التي ثم جمعها ومعالجتها الحقا من أجلها‪ ،‬وبالتالي فمدة الحفظ تكون مرتبطة بالمدة‬
‫الضرورية إلنجاز الغايات التي ثم جمع المعطيات ومعالجتها الحقا من أجلها‪ ،‬وفي كافة األحوال‬
‫فإن مدة الحفظ تكون محددة سلفا سواء من قبل النص التشريعي أو التصريح أو اإلذن‪ ،‬حيث‬
‫يعد تحديدها من البيانات األساسية واإللزامية في نفس الوقت‪ ،‬وكل حفظ يتجاوز المدة‬
‫املحددة يعتبرحفظا غيرمشروع‪.‬‬

‫‪ ‬إضافة إلى أن كل حفظ لمعطيات شخصية لغايات أخرى غير الغايات التاريخية أو‬
‫االحصائية أو العلمية‪ -‬كما تطرقنا لذلك سابقا‪ -‬يعد حفظا غير مشروع وبالتالي عنصرا مكونا‬
‫لجريمة المعالجة غيرالمشروعة لهذه المعطيات‪ ،‬وقد أدانت محكمة النقض الفرنسية مسؤوال‬
‫عن المعالجة‪ ،‬قام بحفظ معطيات إسمية خارج المدة المصرح بها‪.793‬‬

‫وتعد جريمة المعالجة غير المشروعة للمعطيات ذات الطابع الشخص ي جريمة‬
‫تقوم على علم الجاني بأن األفعال التي يأتيها تشكل جمعا وتخزينا غير مشروع‬ ‫عمدية‪794‬‬

‫للمعطيات الشخصية‪ ،‬وأن التنافي مع الغايات من المعالجة أو استمرار حفظ البيانات‬


‫الشخصية رغم تجاوزالمدة القانونية املحددة لها يعد معالجة غيرمشروعة‪ ،‬كما يلزم أن تتجه‬
‫إرادة الجاني إلى اقتراف هذه األعمال‪.‬‬

‫‪793‬‬‫‪- Cass crim, 3 mars 2015, N du pourvoi : 13.88-079. Téléchargeable sur le‬‬
‫‪site suivant http://www.legalis.net‬‬
‫‪ -794‬يتضح ذلك من خالل المادتين ‪ 21‬و‪ 22‬من قانون ‪ 83180‬رغم غياب التنصيص الصريح على الركن‬
‫المعنوي‪.‬‬

‫‪P 423‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫والقصد الجرمي المتطلب في هذه الجريمة هو قصد عام‪ ،‬وال تتطلب قصدا خاصا وال‬
‫البحث في أسباب وبواعث ارتكابها من طرف الجاني‪.795‬‬

‫وقد حدد المشرع عقوبة واحدة لألفعال السالفة الذكر المكونة لجريمة المعالجة غير‬
‫المشروعة بعقوبة الحبس من ‪ 1‬أشهرإلى سنة وبغرامة من ‪ 58.888‬درهم إلى ‪ 588.888‬درهم أو‬
‫بإحدى هاتين العقوبتين فقط‪.796‬‬

‫والمالحظ أنها عقوبة مخفضة بالمقارنة مع المشرع الفرنس ي الذي عاقب على هذه‬
‫الجريمة في المادة ‪ 30/553‬من قانون العقوبات الفرنس ي بعقوبة الحبس لمدة ‪ 0‬سنوات وغرامة‬
‫تبلغ ‪ 188.888‬أورو‪ ،797‬حيث يلزم الحكم بهما معا‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬جريمة االستعمال غيرالمشروع للمعطيات‬

‫نص المشرع على عناصرجريمة االستعمال غيرالمشروع للمعطيات الشخصية وعقوبتها‬


‫في المادة‪ 79833‬من ق ‪ 80.80‬وبالتالي فالركن المادي لهذه الجريمة يتحقق بتو افر العنصرين‬
‫التاليين‪:‬‬

‫‪ ‬أن ترتكب هذه الجريمة من قبل أشخاص معينين وهم‪ :‬المسؤول عن المعالجة وكل‬
‫معالج من الباطن وكل شخص‪ 799‬مكلف بحكم مهامه بمعالجة معطيات ذات طابع شخص ي‪.‬‬

‫‪ -795‬أسامة عبد الله قايد‪ ،‬الحماية الجنائية للحياة الخاصة وبنوك المعلومات‪ -‬دراسة مقارنة‪ ،-‬م س‪ ،‬ص ‪.362‬‬
‫‪ -796‬انظر المادتين ‪ 21‬و‪ 22‬من قانون ‪83180.‬‬
‫‪3-Yves MAYAUD, code pénal, 14 eme éd, Dalloz, 2009, p 674.‬‬

‫‪ -798‬تنص المادة ‪ 63‬من قانون ‪ 83180‬على‪" :‬يعاقب بالحبس من ‪ 6‬أشهر إلى سنة وبغرامة من ‪ 18888‬درهم‬
‫إلى ‪ 188888‬درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط‪ ،‬كل مسؤول عن معالجة وكل معالج من الباطن وكل شخص‪،‬‬
‫بالنظر إلى مهامه مكلف بمعالجة معطيات ذات طابع شخصي‪ ،‬يتسبب أو يسهل‪ ،‬ولو بفعل اإلهمال‪ ،‬االستعمال‬
‫التعسفي أو التدليسي للمعطيات المعالجة أو المستلمة‪ ،‬أو يوصلها ألغيار غير مؤهلين‪.‬‬
‫زيادة على ذلك يمكن للمحكمة أن تقضي بحجز المعدات المستعملة في ارتكاب هذه المخالفة‪ ،‬وكذا بمسح كل‬
‫المعطيات ذات الطابع الشخصي موضوع المعالجة التي أدت إلى ارتكاب المخالفة‪ ،‬أو جزء منها"‪.‬‬
‫‪ -799‬كل شخص يتدخل في عملية المعالجة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر‪ ،‬مثل موظفي المصالح التي تقوم‬
‫بمعالجة المعطيات الشخصية‪ ،‬والذين يكونوا خاضعين للسلطة المباشرة للمسؤول عن المعالجة أو المعالج من‬
‫الباطن‪.‬‬

‫‪P 424‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫‪ ‬أن يتسببوا أو يسهلوا عمدا أو إهماال منهم في االستعمال التعسفي أو التدليس ي‬


‫للمعطيات المعالجة أو المستعملة أو المستلمة‪ ،‬أو وصول هذه المعطيات إلى أغيار غير‬
‫مؤهلين‪ ،‬وتجدر اإلشارة هنا إلى أنه ال يشترط في الصورة األخيرة (أي وصول المعطيات إلى أغيار‬
‫غير مؤهلين) اإلضرار بالحياة الخاصة للشخص المعني بل تقوم الجريمة بمجرد إيصال‬
‫المعطيات الشخصية إلى أشخاص غيرمؤهلين باستالمها ولو لم يترتب أي ضررعن ذلك‪.‬‬

‫ومن بين القضايا الشهيرة في هذا اإلطارقضية "شركات التأمين الفرنسية" باالشتراك مع‬
‫بعض العاملين في شركة كهرباء فرنسا » ‪ « EDF‬والتي تتلخص وقائعها في توصل مجموعة من‬
‫األشخاص فور انتقالهم من منازلهم للسكن في منازل جديدة‪ ،‬بخطابات من إحدى شركات‬
‫التأمين تعرض عليهم إجراء التأمين الخاص بمنازلهم الجديدة‪ ،‬وبعد تقص ي هؤالء عن المصدر‬
‫الذي أخدت منه شركة التأمين بياناتهم الشخصية‪ ،‬وجدوا أن األمريتعلق بشركة الكهرباء‪ ،‬مما‬
‫جعلهم يتقدموا بشكاوى إلى اللجنة الوطنية للمعلوميات والحريات‪ ،‬وبعد قيام هذه األخيرة‬
‫بالتحريات التي يخولها لها قانون ‪ 3‬يناير ‪ 3000‬اكتشفت أن شركة التأمين حصلت على‬
‫المعلومات بطريقة غير مشروعة بمساعدة بعض عمال شركة كهرباء بفرنسا مقابل مبالغ‬
‫مالية‪ ،‬وقد أسفركل ذلك عن متابعة مسؤولي شركة التأمين وعمال شركة الكهرباء أمام محكمة‬
‫باريس االبتدائية التي أدانت في حكمها الصادر بتاريخ ‪ 33‬دجنبر ‪ 3002‬عمال شركة الكهرباء‬
‫بإفشاء بيانات شخصية‪ ،‬إضافة إلدانة مسؤولي شركة التأمين بجرائم أخرى‪.800‬‬

‫وبخصوص الركن المعنوي يتضح من خالل المادة ‪ 33‬من ق‪ 80.80.‬بأن جريمة‬


‫االستعمال غيرالمشروع للمعطيات الشخصية حسب لفظ المشرع "ولو بفعل اإلهمال" يمكن‬
‫أن ترتكب عن طريق القصد كما يمكن أن ترتكب عن طريق الخطأ‪ ،‬وقد سايرت المادة المذكورة‬
‫في توسعها في الركن المعنوي المادة ‪ 55/553‬في قانون العقوبات الفرنس ي المعدل بمقتض ى‬
‫قانون ‪ 3‬غشت ‪ 5882‬حيث اعتبرت هي األخرى بأن هذه الجريمة يمكن أن ترتكب عن طريق‬
‫القصد كما يمكن أن ترتكب عن طريق الخطأ‪.801‬‬

‫‪ -800‬نائلة عادل محمد فريد قورة‪ ،‬جرائم الحاسب اآللي االقتصادية‪ ،‬دراسة نظرية وتطبيقية‪ ،‬ط ‪ ،3‬دار النهضة‬
‫العربية‪ ،‬سنة ‪ ،1881‬ص ‪.113‬‬
‫‪801‬‬‫‪- Yves MAYAUD, op.cit., p 678.‬‬

‫‪P 425‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫وفي كلتا الحالتين فقد حدد المشرع نفس العقوبة لهذه الجريمة سواء كانت عن قصد أو‬
‫عن طريق الخطأ‪ ،‬من خالل عقوبة أصلية وأخرى إضافية‪ ،‬حيث عاقب المشرع على جريمة‬
‫االستعمال غيرالمشروع للمعطيات الشخصية بعقوبة الحبس من ‪ 3‬أشهرإلى سنة‪ ،‬وغرامة من‬
‫‪ 58.888‬إلى ‪ 188.888‬درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط‪ ،‬وهو نهج في نظرنا غير سليم نظرا‬
‫الختالف الخطورة اإلجرامية لدى مرتكب الفعل في الحالتين‪ ،‬وما يعزز هذا الطرح هو أن المادة‬
‫‪ 553/55‬من قانون العقوبات الفرنس ي جعلت عقوبة هذه الجريمة هي الحبس لخمس سنوات‬
‫وغرامة ‪ 188.888‬أورو عندما يرتكب االستعمال بشكل عمدي‪ ،‬أما إذا ارتكب االستعمال عن‬
‫طريق الخطأ فإن العقوبة تكون هي الحبس لثالث سنوات وغرامة ‪ 388.888‬أورو‪.‬‬

‫كما خول المشرع للمحكمة أن تقض ي بعقوبة إضافية تتمثل في حجز المعدات‬
‫المستعملة في ارتكاب الجريمة‪ ،‬وفضال عن ذلك يمكن للمحكمة أن تحكم بمسح المعطيات‬
‫ذات الطابع الشخص ي ال تي كانت محال للمعالجة المكونة للجريمة‪ ،‬إما بشكل كلي أو جزئي‬
‫وتكمن أهمية هذه العقوبة في أنها تساهم في محو أثارالجريمة أو على األقل التقليل منها‪.802‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الجرائم الماسة بالقواعد الشكلية للمعالجة‬

‫يتطلب القيام بمعالجة المعطيات ذات الطابع الشخص ي ضرورة احترام مجموعة من‬
‫القواعد الشكلية التي نص عليها المشرع بهدف حماية األشخاص الذاتيين في مواجهة هذه‬
‫المعالجة‪ ،‬حيث يلزم المسؤول عن المعالجة قبل إجراء المعالجة ضرورة القيام ببعض‬
‫الشكليات المسبقة باعتبارها حماية احترازية واستباقية من املخاطر الناتجة عن معالجة‬
‫المعطيات الشخصية‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬جريمة المعالجة بدون تصريح أو بدون إذن مسبق‬

‫حددت المادة ‪ 05‬من ق ‪ 80.80‬أركان هذه الجريمة وعقوبتها‪ ،803‬حيث يلزم لتحقق الركن‬
‫المادي لجريمة المعالجة بدون تصريح أو بدون إذن مسبق إنجاز ملف معطيات ذات طابع‬

‫‪ -802‬يونس تلمساني‪ ،‬الحماية الجنائية للمعطيات ذات الطابع الشخصي‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.387‬‬
‫‪ -803‬تنص المادة ‪ 21‬من ق ‪ 83180‬على ‪" :‬دون المساس بالمسؤولية المدنية تجاه األشخاص الذين تعرضوا‬
‫ألضرار نتيجة هذه المخالفة‪ ،‬يعاقب بغرامة من ‪ 381888‬درهم إلى ‪ 3881888‬درهم كل من أنجز ملف معطيات‬
‫ذات طابع شخصي دون التصريح بذلك أو الحصول على اإلذن المنصوص عليه في المادة ‪ 31‬أعاله‪ ،‬أو واصل‬
‫نشاط معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي رغم سحب وصل التصريح أو اإلذن"‪.‬‬

‫‪P 426‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫شخص ي ويعرف هذا األخير طبقا للمادة ‪ 3/2‬من ق ‪ 80.80‬بأنه‪" :‬كل مجموعة مهيكلة من‬
‫المعطيات ذات الطابع الشخص ي يمكن الولوج إليها وفق معايير معينة سواء كانت هذه‬
‫املجموعة ممركزة أوغيرممركزة أوموزعة بطريقة وظيفية أوجغر افية مثل املحفوظات أوبنوك‬
‫المعطيات وملفات اإلحصاء"‪ .‬وبالتالي فإن إنجاز ملف معطيات ذات طابع شخص ي بدون‬
‫تصريح أو إذن المنصوص عليه في المادة ‪ 35‬وما يليها من نفس القانون يؤدي لقيام هذه‬
‫الجريمة‪.‬‬

‫وقد قضت محكمة النقض الفرنسية في قرار لها بتاريخ ‪ 18‬أكتوبر ‪ ،5883‬بأن محكمة‬
‫االستئناف كانت على صواب حينما قضت بتو افر جميع أركان الجريمة المنصوص عليها في‬
‫المادة ‪ 33/553‬من قانون العقوبات‪ ،‬فيما يخص غياب التصريح وذلك بعدما استخلصت من‬
‫نتائج تحقيقها بأن المتهمين استعملوا نظاما للمعالجة اآللية للمعلومات اإلسمية بدون إجراء‬
‫أي تصريح مسبق إلى اللجنة الوطنية للمعلوميات والحريات كما هو منصوص عليه في المادة‬
‫‪ 33‬من قانون ‪ 3‬يناير ‪.8043000‬‬

‫كما تتحقق هذه الجريمة بمواصلة المعالجة بعد سحب التصريح أو اإلذن حيث نجد‬
‫المادة ‪ 05‬من ق ‪ 80.80‬سوت بين إنجازملف معطيات ذات طابع شخص ي دون تصريح أو إذن‪،‬‬
‫ومواصلة نشاط معالجة المعطيات ذات الطابع الشخص ي رغم سحب وصل التصريح أو اإلذن‬
‫من طرف اللجنة الوطنية وفقا ألحكام المواد ‪( 50‬البند ‪ 805)30‬و‪ 80603‬من نفس القانون‪.‬‬

‫أما بخصوص ركنها المعنوي فال يوجد في النص ما يدل على طبيعتها من حيث كونها‬
‫جريمة عمدية أم ال‪ ،‬وهذا اإلشكال يطرح على مستوى أغلب الجرائم المنصوص عليها في قانون‬
‫‪ ،80.80‬فهل يمكن القول في ظل خلوالمادة ‪ 05‬من قانون ‪ 80.80‬من عبارات صريحة بأن جريمة‬

‫‪804‬‬‫‪- Yves MAYAUD, op.cit., p672.‬‬


‫‪ -805‬ينص البند ‪ 32‬من المادة ‪ 10‬من ق ‪ ": 83180‬القيام بسحب الوصل أو اإلذن وفق أحكام المادة ‪ 23‬من‬
‫هذا القانون"‪.‬‬
‫‪ -806‬تنص المادة ‪ 23‬من نفس القانون على ‪" :‬دون اإلخالل بالعقوبات الجنائية‪ ،‬يمكن للجنة الوطنية حسب الحاالت‬
‫وبدون أجل‪ ،‬سحب توصيل التصريح أو اإلذن إذا تبين بعد إجراء المعالجة موضوع التصريح أو اإلذن المنصوص‬
‫عليهما في المادة ‪ 31‬من هذا القانون‪ ،‬أن هذه المعالجة تمس باألمن أو النظام العام أو منافية لألخالق أو اآلداب‬
‫العامة"‪.‬‬

‫‪P 427‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫المعالجة بدون تصريح أو إدن جريمة عمدية؟ أم أنها تتحقق بمجرد الخطأ؟ أم يمكن تصور‬
‫وقوعها في الحالتين معا كما هو الشأن بالنسبة للتشريع الفرنس ي؟‬

‫بالرجوع إلى المادة ‪ 05‬السالفة الذكر ومن خالل االستعانة بالمصطلحات المكونة‬
‫للركن المادي للجريمة يتضح من طبيعتها أنها تقتض ي سلوكا إيجابيا ال يمكن تصوره إال في ظل‬
‫علم وإرادة الجاني‪ ،‬مما يستتبع استبعاد إمكانية ارتكاب هذه األفعال عن طريق مجرد الخطأ‪.‬‬

‫وهكذا فإن جريمة المعالجة بدون تصريح أو إذن تعد من الجرائم العمدية‪ ،‬حيث يلزم‬
‫أن يكون الجاني على علم بكون األفعال التي يأتيها تشكل إنجازا لملف معطيات ذات طابع‬
‫شخص ي و أنه ال يتوفرعلى تصريح أوإذن بذلك‪ ،‬وأن يكون عالما بأن األفعال التي يقوم بها تشكل‬
‫مواصلة لنشاط معالجة المعطيات ذات الطابع الشخص ي بعدما سحب منه وصل التصريح أو‬
‫اإلذن‪ ،‬كما يستلزم أن تكون لدى الجاني إرادة الرتكاب هذه األفعال‪.‬‬

‫وإذا كانت جريمة المعالجة بدون تصريح أو إذن في ظل قانون ‪ 80.80‬من الجرائم‬
‫العمدية‪ ،‬فإن المشرع الفرنس ي اعتبر في المادة ‪ 33/533‬من قانون العقوبات الفرنس ي‬
‫وبمصطلحات صريحة بأن هذه الجريمة يعاقب عليها ولو قام بها الفاعل عن طريق اإلهمال‪.807‬‬

‫أما من حيث العقوبة فبالرغم من الخطورة التي تحملها هذه الجريمة على حقوق وحريات‬
‫األشخاص من جراء معالجة معطياتهم الشخصية دون إدن بشأن ذلك‪ ،‬فقد أفرد لها المشرع‬
‫عقوبة مخففة تتمثل في الغرامة فقط المتراوحة قيمتها بين ‪ 38.888‬درهم و‪ 388.888‬درهم أما‬
‫المشرع الفرنس ي عاقب عنها بالحبس لمدة ‪ 0‬سنوات وغرامة ‪ 188.888‬أورو‪.‬‬

‫ومن التطبيقات القضائية لهذه الجريمة نذكر‪:‬‬

‫فقد قضت محكمة الدرجة الكبرى لمدينة ‪ Créteil‬الفرنسية في قرار لها بتاريخ ‪ 38‬يونيو‬
‫‪ ،3000‬مسؤولي شركة » ‪ « SKF‬بجريمة جمع وتخزين المعلومات الشخصية دون الحصول عن‬
‫إدن مسبق من قبل اللجنة الوطنية للمعلوميات والحريات‪ ،‬وتتلخص وقائع هذه النازلة في قيام‬
‫الشركة المذكورة بتخزين معلومات تتعلق بالحياة الخاصة واالتجاهات السياسية وعضوية‬
‫االتحادات والنقابات العمالية لموظفيها‪ ،‬كانت قد تحصلت عليها من االستمارات المقدمة من‬

‫‪807‬‬ ‫‪- Yves MAYAUD, op.cit., p 671.‬‬

‫‪P 428‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫قبل هؤالء الموظفين أثناء الترشح للعمل بالشركة‪ ،‬وذلك دون أن تحصل الشركة السالفة‬
‫الذكرعلى إدن مسبق من اللجنة الوطنية كما ينص على ذلك القانون‪.808‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬جريمة مخالفة قواعد نقل المعطيات الشخصية إلى بلد أجنبي‬

‫تؤدي مخالفة المسؤول عن المعالجة ألحكام المواد ‪ 21‬و‪ 22‬من قانون ‪ 80.80‬عند نقل‬
‫معطيات شخصية إلى بلد أجنبي إلى قيام الركن المادي لجريمة "مخالفة قواعد نقل المعطيات‬
‫الشخصية إلى بلد أجنبي" سواء بشكل عمدي أو عن طريق الخطأ‪ ،‬فالمشرع لم يحدد الطبيعة‬
‫العمدية لهذه الجريمة‪ ،‬وهو ما نصت عليه المادة ‪ 38‬التي جاء فيها" يعاقب بالحبس من ثالثة‬
‫أشهر إلى سنة وبغرامة من ‪ 58.888‬درهم إلى ‪ 588.888‬درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط‬
‫كل من نقل معطيات ذات طابع شخص ي نحو دولة أجنبية خرقا ألحكام المادتين ‪ 21‬و‪ 22‬من‬
‫هذا القانون"‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬جريمة االمتناع عن التعاون مع اللجنة الوطنية‬

‫نصت المواد ‪ 80935‬و‪ 81031‬من قانون ‪ 80.80‬على أن جريمة االمتناع عن التعاون مع‬
‫اللجنة الوطنية تتحقق كلما تمت عرقلة ممارستها لمهامها أو رفض التعاون معها ورفض تطبيق‬
‫قراراتها‪.‬‬

‫حيث يقوم االمتناع عن التعاون مع اللجنة الوطنية بقيام الجاني بأحد األفعال التالية‪:‬‬

‫‪ ‬عرقلة ممارسة اللجنة الوطنية لمهامها‪ :‬لم تحدد المادة ‪ 35‬األشخاص الذين يمكن‬
‫أن يرتكبوا هذا الفعل املجرم‪ ،‬إذ يمكن أن يتعلق األمر بالمسؤول عن المعالجة أو ممثله‪ ،‬أو‬

‫‪ -808‬نائلة عادل محمد فريد قورة‪ ،‬جرائم الحاسب اآللي االقتصادية‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.110‬‬
‫‪ -809‬تنص المادة ‪ 61‬من ق ‪83180‬على‪" :‬يعاقب بالحبس من ثالثة أشهر إلى ستة أشهر وبغرامة من ‪381888‬‬
‫درهم إلى ‪ 281888‬درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط من‪=:‬‬
‫= ‪ -‬عرقل ممارسة اللجنة الوطنية لمهامها في المراقبة؛‬
‫‪ -‬رفض استقبال المراقبين ولم يسمح لهم بإنجاز تفويضهم؛‬
‫‪ -‬رفض إرسال الوثائق أو المعلومات المطلوبة؛‬
‫‪ -‬رفض نقل الوثائق التي ينص عليها القانون"‪.‬‬
‫‪ -810‬تنص المادة ‪ 61‬من نفس القانون على‪" :‬يعاقب كل مسؤول يرفض تطبيق ق اررات اللجنة الوطنية بالحبس من‬
‫‪ 1‬أشهر إلى سنة وبغرامة من ‪ 381888‬إلى ‪ 3881888‬درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط"‪.‬‬

‫‪P 429‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫بالمعالج من الباطن‪ ،‬أو أي شخص أخر غيرهؤالء كما أن عدم التحديد ينصرف أيضا لألفعال‬
‫التي يمكن أن ترتكب بها العرقلة‪ ،‬حيث يمكن أن تتم بأي فعل يحول دون قيام اللجنة بمهامها‪،‬‬
‫سواء عن طريق القيام بأفعال ايجابية أو عن طريق مجرد االمتناع عن القيام بعمل معين‪.‬‬

‫وبالتالي فالعرقلة تنصب على مجموعة مهام المر اقبة التي تختص بها اللجنة الوطنية‬
‫بناء على مقتضيات قانون ‪ 80.80‬وكذا مقتضيات المرسوم التطبيقي‪.‬‬

‫‪ ‬رفض استقبال المر اقبين وعدم السماح لهم بإنجاز تفويضهم وينطوي هذا السلوك‬
‫على عدم االستجابة لاللتزام القانوني الذي يفرض توفير الظروف المناسبة للمر اقبين‬
‫المفوضين التابعين للجنة الوطنية من أجل إنجاز مهامهم‪ ،‬يتحقق هذا السلوك املجرم سواء‬
‫اتخذ الرفض شكال صريحا أو ضمنيا‪ ،‬وتتجلى الصورة التي يتحقق بها هذا العنصر برفض‬
‫القبول بالولوج إلى المعطيات الخاضعة للمعالجة من قبل أعوان اللجنة الوطنية المفوضين‬
‫من قبلها للقيام بمهام التحري والبحث التي تتوفرعليها اللجنة‪ ،‬كما يتحقق هذا السلوك بعدم‬
‫االستجابة لمطالبة األعوان المفوضين بالولوج المباشرللمحال التي تجري فيها المعالجة وكذا‬
‫برفض تمكينهم من تجميع جميع المعلومات والوثائق الضرورية للقيام بمهام المر اقبة وفق ما‬
‫يقتضيه التفويض الذي يتوفرون عليه‪.811‬‬

‫‪ ‬رفض إرسال الوثائق أو المعلومات المطلوبة‪ :‬يتمثل هذا السلوك في عدم االستجابة‬
‫لاللتزام القانوني بضرورة تمكين اللجنة الوطنية من جميع الوثائق أو المعلومات التي تطلبها‬
‫هذه األخيرة‪ ،‬ويتجسد هذا الرفض في عدم القيام بإرسال هذه الوثائق أو المعلومات مهما كانت‬
‫طبيعتها وكيفما كانت دعامتها وذلك داخل اآلجال وطبقا للكيفيات املحددة من قبلها‪ ،‬ويتعلق‬
‫األمر بشكل عام بمختلف الوثائق أو المعلومات التي تمكن اللجنة من دراسة وقائع الشكايات‬
‫املحالة عليها‪ 812‬ويمكن أن يتخذ هذا الرفض عدة أشكال كإرسال وثائق ناقصة أو تحتوي على‬
‫أخطاء عمدية أو إرسالها بعد انتهاء اآلجال املحددة من قبل اللجنة‪.‬‬

‫‪ ‬رفض نقل الوثائق التي ينص عليها القانون‪ :‬يشترك هذا العنصر مع سابقه في‬
‫كونهما يتعلقان معا بوثائق‪ ،‬إال أن هذه الوثائق بالنسبة للعنصرالسابق تكون مطلوبة من قبل‬
‫اللجنة في حين أنها في إطارهذا العنصريكون منصوص عليها قانونا‪ ،‬وإذا كان المشرع في العنصر‬

‫‪ -811‬يونس تلمساني‪ ،‬الحماية الجنائية للمعطيات ذات الطابع الشخصي‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.311‬‬
‫‪ -812‬المادة ‪ 18‬الفقرة ‪ 1‬من قانون ‪.83180‬‬

‫‪P 430‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫السابق قد استخدم لفظ "إرسال" واستعمل بالنسبة لهذا العنصر لفظ "نقل"‪ ،‬فإن ذلك ال‬
‫يعكس أي اختالف جوهري على اعتبار أننا نكون في كافة األحوال أمام التزام بتزويد اللجنة‬
‫الوطنية ببعض الوثائق‪ ،‬ومن بين الوثائق التي يلزم نقلها إلى اللجنة الوطنية تلك المتعلقة‬
‫بإحاطة اللجنة الوطنية علما بأي تغييرأوحذف يطال المعلومات المضمنة في التصريح المقدم‬
‫إلى اللجنة الوطنية كما أشارت إلى ذلك المادة ‪ 35‬من ق ‪ 80.80‬وتلك المتعلقة بتعيين مسؤول‬
‫عن معالجة المعطيات بالنسبة للمعالجات التي يكون الغرض منها فقط مسك سجل يعد إلخبار‬
‫العموم ويكون مفتوحا أمام هؤالء لالطالع عليه‪ ،‬وأمام كل شخص يثبت أن له مصلحة مشروعة‬
‫في ذلك حسب ما تنص عيه المادة ‪ 30‬من نفس القانون‪ ،‬إضافة إلى الوثائق المتعلقة بالتبليغ‬
‫عن هوية الممثل الذي يقطن في المغرب‪ ،‬والذي يحل محل المسؤول عن المعالجة القاطن‬
‫خارج المغرب‪.813‬‬

‫‪ ‬رفض تطبيق قرارات اللجنة الوطنية‪ :‬تم تجريم هذا الفعل ضمن مادة مستقلة عن‬
‫األفعال األخرى في المادة ‪ 31‬من ق ‪ 80.80‬ويتوجه مضموم هذه المادة إلى كل مسؤول عن‬
‫المعالجة أو ممثله بالمغرب‪ ،‬أو المعالج من الباطن‪ ،‬دون غيره من األشخاص المؤهلين من‬
‫الناحية الو اقعية لمعالجة المعطيات والخاضعين للسلطة المباشر للمسؤول عن المعالجة‬
‫أو للمعالج من الباطن‪ ،‬الذين يرفضون تطبيق القرارات الصادرة عن اللجنة الوطنية سواء‬
‫تعلق األمربالقرارات التي تتضمن حقوق األشخاص المعنيين كقرارإجراء التصحيحات الالزمة‬
‫بعد رفض المسؤول القيام بها‪ ،814‬أو تلك الصادرة عنها في إطار السلطات الممنوحة لها من‬
‫خالل قانون ‪ 80.80‬ومرسومه التطبيقي‪.‬‬

‫أما فيما يخص الركن المعنوي لجريمة االمتناع عن التعاون مع اللجنة الوطنية يتضح‬
‫من خالل المادتين ‪ 35‬و ‪ 31‬أنه ال يتحقق إال عن طريق القصد ويظهر ذلك من طبيعة األفعال‬
‫المعاقب عليها والتي ال يمكن تصور ارتكابها عن طريق الخطأ‪ ،‬حيث يلزم أن يكون لدى الجاني‬
‫القصد الرتكابها‪ ،‬وذلك من خالل علمه بكون األفعال التي يرتكبها تعد عرقلة لممارسة اللجنة‬
‫الوطنية لمهامها في المر اقبة أو رفضا الستقبال المر اقبين وعدم السماح لهم بإنجاز‬
‫تفويضهم‪ ،‬أو رفضا إلرسال الوثائق أو المعلومات المطلوبة أو رفضا لنقل الوثائق المنصوص‬

‫‪-813‬المادة ‪/ 17‬ب ‪ 3‬من قانون ‪80.83‬‬


‫‪ -814‬المادة ‪ 1/18‬من قانون ‪.83180‬‬

‫‪P 431‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫عليها قانونا‪ ،‬أو رفضا لتطبيق قرارات اللجنة الوطنية‪ .‬باإلضافة إلى ذلك يلزم أن تتجه إرادة‬
‫الجاني إلى القيام بهذه األفعال‪ ،‬وتتحقق هذه الجريمة بمجرد تو افرالقصد الجنائي العام‪ ،‬دون‬
‫القصد الجنائي الخاص‪.815‬‬

‫وقد أوجد المشرع المغربي لجريمة االمتناع عن التعاون مع اللجنة الوطنية عقوبتين‬
‫مختلفتين بمقتض ى المادتين ‪ 35‬و‪ ،31‬حيث عاقب في المادة ‪ 35‬بعقوبة الحبس من ‪ 1‬أشهرإلى‬
‫‪ 3‬أشهروبغرامة من ‪ 38.888‬درهم إلى ‪ 08.888‬درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط على عرقلة‬
‫ممارسة اللجنة الوطنية لمهامها في المر اقبة‪ ،‬أو رفض استقبال المر اقبين وعدم السماح لهم‬
‫بإنجاز تفويضهم أو رفض إرسال الوثائق أو المعلومات المطلوبة‪ ،‬أو رفض نقل الوثائق التي‬
‫ينص عليها القانون‪.‬‬

‫أما بخصوص المادة ‪ 31‬عاقب المشرع فيها بالحبس من ‪ 1‬أشهر إلى سنة وبغرامة من‬
‫‪ 38.888‬درهم إلى ‪ 388.888‬درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط على رفض تطبيق قرارات‬
‫اللجنة الوطنية‪.‬‬

‫وحري بالبيان أن الشخص المسؤول عن المعالجة يمكن أن يكون شخصا طبيعيا كما‬
‫يمكنه أن يكون شخصا معنويا‪ 816‬وبالتالي فالنصوص التي تضم الجرائم الماسة بمعالجة‬
‫المعطيات الشخصية تطبق أيضا على األشخاص المعنوية إال أنها تختلف من حيث العقوبة‬
‫وذلك راجع إلى طبيعتها وهو ما سنتطرق له ضمن تحديد قواعد المسؤولية الجنائية في المطلب‬
‫الموالي‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬المسؤولية الجنائية والقواعد اإلجرائية للجرائم الماسة بالمعالجة‬

‫تحكم المسؤولية الجنائية عن الجرائم الماسة بمعالجة المعطيات ذات الطابع‬


‫الشخص ي مجموعة من القواعد الخاصة‪ ،‬ترتبط بطبيعة األشخاص المسؤولين عن معالجة‬
‫هذه المعطيات (المطلب األول)‪ ،‬ومن حيث القواعد اإلجرائية فقد نظم قانون ‪80.80‬‬
‫مقتضيات خاصة بالجرائم المنصوص عليها في هذا القانون (المطلب الثاني)‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬المسؤولية الجنائية عن الجرائم الماسة بمعالجة المعطيات الشخصية‬

‫‪ -815‬رضوان لمخيار‪ ،‬الحماية الجنائية للمعطيات الشخصية المعالجة بطرق إلكترونية‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.380‬‬

‫‪P 432‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫يسأل جنائيا عن الجرائم الماسة بالعطيات ذات الطابع الشخص ي‪ ،‬الشخص المسؤول‬
‫عن معالجة هذه المعطيات‪ ،‬وقد حددت المادة ‪ 3‬في فقرتها الخامسة من قانون ‪ 80.80‬هذا‬
‫المسؤول بكونه‪ " :‬الشخص الذاتي أوالمعنوي أوالسلطة العامة أوالمصلحة أوأي هيئة تقوم‪،‬‬
‫سواء بمفردها أو باشتراك مع آخرين‪ ،‬بتحديد الغايات من معالجة المعطيات ذات الطابع‬
‫الشخص ي ووسائلها‪ ،‬إذا كانت الغايات من المعالجة ووسائلها محددة بموجب نصوص تشريعية‬
‫أو تنظيمية‪ ،‬تجب اإلشارة إلى المسؤول عن المعالجة في قانون التنظيم والتسيير أو في النظام‬
‫األساس ي للهيئة املختصة بموجب القانون أوالنظام األساس ي في معالجة المعطيات ذات الطابع‬
‫الشخص ي المعنية"‪.‬‬

‫يتضح من خالل المادة السالفة الدكر أن المسؤول جنائيا عن الجرائم الماسة‬


‫بمعالجة المعطيات ذات الطابع الشخص ي يمكن أن يكون شخصا ذاتيا (أوال) كما يمكن أن‬
‫يكون شخصا معنويا (ثانيا)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬المسؤولية الجنائية للشخص الطبيعي‬

‫يعتبر مسؤوال جنائيا على الجرائم المنصوص عليها في قانون ‪ 80.80‬كل شخص طبيعي‬
‫يكتسب صفة فاعل سواء أكان فاعال أصليا أو مساهما أو مشاركا في هذه الجرائم‪ ،‬ويمكن أن‬
‫يكتسب هذه الصفة كل شخص ذاتي مسؤول عن المعالجة وهو الشخص الذي يقوم بمفردة‬
‫أو باشتراك مع آخرين‪ ،‬بتحديد الغايات من معالجة المعطيات ذات الطابع الشخص ي‬
‫ووسائلها‪ ،817‬وتشمل الغايات هنا مجموع األهداف التي تقف وراء القيام بهذه المعالجة‪،‬‬
‫ويشترط فيها لقيام المسؤولية الجنائية أن تكون غير مشروعة وغير محددة بشكل مسبق‪ ،‬أما‬
‫الوسائل فهي تلك األدوات والمعدات التي تخصص إلنجاز المعالجة مثل الحواسيب اآللية‬
‫واألجهزة اإللكترونية‪ ،‬كما يمكن أن يكتسب صفة فاعل كل شخص ذاتي يقوم بمعالجة من‬
‫الباطن‪ ،‬وقد حددته المادة ‪ 3/3‬من قانون ‪ 80.80‬بأنه كل شخص يعالج معطيات ذات طابع‬
‫شخص ي لحساب المسؤول عن المعالجة‪ ،‬وفضال عن ذلك فإن صفة الفاعل يمكن أن يكتسبها‬
‫كل شخص مؤهل لمعالجة معطيات ذات طابع شخص ي خاضع للسلطة المباشرة للمسؤول‬

‫‪ -817‬المادة ‪ 3‬الفقرة ‪ 2‬من قانون ‪.83180‬‬

‫‪P 433‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫عن المعالجة أو للمعالج من الباطن‪ ،‬بحيث يمكن أن يكون شريكا أو مساهما في الجريمة مع‬
‫هؤالء‪ ،‬كما يمكن أن يكون فاعال أصليا‪.‬‬

‫ويكون مسؤوال جنائيا كذلك عن الجرائم الماسة بمعالجة المعطيات ذات الطابع‬
‫الشخص ي كل شخص ذاتي ترسل إليه المعطيات ذات الطابع الشخص ي‪ ،‬كما لو احتفظ بهذه‬
‫المعطيات لمدة تزيد عن المدة املحددة بموجب النصوص التشريعية المعمول بها أو املحددة‬
‫في التصريح أو اإلذن‪ ،‬أو احتفظ بها خرقا ألحكام المادة ‪ /1‬الفقرة هـ من قانون ‪.80.80‬‬

‫غير أنه يشترط لقيام المسؤولية الجنائية للشخص الطبيعي عن الجرائم الماسة‬
‫بالمعطيات ذات الطابع الشخص ي أن يكون المسؤول عن المعالجة مقيما على التراب المغربي‪،‬‬
‫ويعد هذا الشخص مقيما على التراب المغربي متى كان يمارس نشاطه فوق التراب المغربي في‬
‫إطار منشأة كيفما كان شكلها القانوني‪ ،‬ويدخل في ذلك الشركات التجارية أو المدنية وغيرها‪،‬‬
‫أما المسؤول عن المعالجة غيرالمقيم على التراب المغربي‪ ،‬فإنه يلزم أن يلجأ ألغراض معالجة‬
‫المعطيات ذات الطابع الشخص ي إلى وسائل آلية أو غير آلية توجد فوق التراب المغربي‪ ،‬ما لم‬
‫يتعلق األمر بالمعالجات التي ال تستعمل إال ألغراض العبور فوق التراب المغربي أو فوق تراب‬
‫دولة أخرى تتوفر على قانون معترف بمعادلته للتشريع المغربي في مجال حماية المعطيات‬
‫الشخصية‪ ،818‬ويبقى أمرتحديد الئحة الدول التي تتوفرعلى تشريعات مالئمة للتشريع المغربي‬
‫في مجال حماية األشخاص الذاتيين في مواجهة معالجة المعطيات ذات الطابع الشخص ي وفق‬
‫ما نصت عليه المادة ‪ 50‬من قانون ‪.80.80‬‬

‫ويلزم في الحالة التي يكون فيها المسؤول عن المعالجة غير مقيم على التراب المغربي‪،‬‬
‫ولكن يلجأ ألغراض المعالجة إلى وسائل آلية أو غير آلية توجد فوق التراب المغربي‪ ،‬أن يبلغ‬
‫اللجنة الوطنية بهوية ممثل له مقيم بالمغرب‪.819‬‬

‫الفقرة التانية‪ :‬المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي‬

‫أقر قانون ‪ 80.80‬بمسؤولية الشخص المعنوي عن الجرائم المنصوص عليها في هذا‬


‫القانون‪ ،‬وخصه بمجموعة من العقوبات التي تتالءم وطبيعته‪.‬‬

‫‪ -818‬المادة‪ 1/1‬من قانون ‪.83180‬‬


‫‪ -819‬المادة‪ 1/1‬من قانون ‪.83180‬‬

‫‪P 434‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫إذن ما هو نطاق المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي في ظل قانون ‪80.80‬؟ وما هي‬
‫مختلف الجزاءات المتعلقة به؟‬

‫أ‪ -‬نطاق المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي‬

‫يقتض ي تناول نطاق المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي‪ ،‬الحديث عن األشخاص‬


‫المعنوية المسؤولة جنائيا ثم شروط مسائلة هذه األشخاص‪.‬‬

‫‪ ‬األشخاص المعنوية المسؤولة جنائيا في إطار قانون ‪ 80.80‬األشخاص المعنوية‬


‫الخاصة‪:‬‬

‫يتعلق األمر بكل شخص معنوي ينتمي للقانون الخاص‪ ،‬باعتباره مسؤوال عن المعالجة‪،‬‬
‫وذلك متى قام بمفرده أوباشتراك مع آخرين بتحديد الغايات من معالجة المعطيات ذات الطابع‬
‫الشخص ي ووسائلها‪ ،‬كما يمكن أن يكون محال للمساءلة الجنائية الشخص المعنوي الخاص‬
‫باعتباره معالجا من الباطن‪ ،‬وذلك متى قام بمعالجة معطيات ذات طابع شخص ي لحساب‬
‫المسؤول عن المعالجة‪ ،‬ويشمل الشخص المعنوي الخاص هنا جميع األشخاص المعنوية‬
‫التي تنتمي للقانون الخاص والمكتسبة للشخصية المعنوية كالشركات مهما كان شكلها وكيفما‬
‫كان غرضها‪ ،‬كما يشمل كذلك الجمعيات والتعاونيات واألحزاب‪ ،‬وتقوم المسؤولية الجنائية‬
‫للشخص المعنوي الخاص‪ ،‬سواء كان مقيما أو غير مقيم فوق التراب المغربي في إطار منشأة‬
‫بغض النظرعن شكلها القانوني‪.‬‬

‫أما بالنسبة للشخص المعنوي غير المقيم فوق التراب المغربي فيلزم لقيام مسؤوليته‬
‫الجنائية أن يلجأ من أجل معالجة المعطيات ذات الطابع الشخص ي إلى وسائل آلية أو غيرآلية‬
‫متواجدة فوق التراب المغربي‪.‬‬

‫ويستثنى من ذلك المعالجات التي تستعمل فقط من أجل غايات العبور فوق التراب‬
‫المغربي أوفوق تراب دولة أخرى تتوفرعلى تشريع معترف بمعادلته للتشريع المغربي فيما يتعلق‬
‫بحماية المعطيات الشخصية‪.820‬‬

‫‪ -820‬المادة ‪ 1‬من قانون ‪.83180‬‬

‫‪P 435‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫وهكذا إذا كانت المسؤولية المعنوية للشخص المعنوي الخاص في إطارقانون ‪ 80.80‬ال‬
‫تطرح أي إشكال‪ ،‬فإن التساؤل يطرح حول مدى قيام المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي‬
‫العام؟‬

‫‪ ‬األشخاص المعنوية العامة‬

‫تعددت المو اقف التشريعية في هذا الصدد‪ ،‬بين تشريعات تمنع صراحة المسائلة‬
‫الجنائية لألشخاص العامة‪ ،‬وأخرى تعترف بهذه المسؤولية‪ ،821‬ويندرج قانون العقوبات‬
‫الفرنس ي ضمن هذه األخيرة حيث اعترفت المادة ‪ 5/353‬منه بأن جميع األشخاص المعنوية‬
‫العامة باستثناء الدولة تخضع للمسؤولية الجنائية‪ ،‬وقد قصرت هذه المادة المسؤولية‬
‫الجنائية للوحدات اإلقليمية وتجمعاتها – مثل األقاليم والبلديات– على الجرائم المتركبة من‬
‫قبلها بمناسبة مباشرة أنشطة مرفق عام يمكن تفويض إدارته للغيرعن طريق االتفاق‪.822‬‬

‫أما بالنسبة ملجموعة القانون الجنائي المغربي‪ ،‬وأمام الصياغة العامة لعبارة "الشخص‬
‫المعنوي" التي جاء بها الفصل ‪ 350‬من املجموعة المذكورة‪ ،‬فإننا نرى إمكانية تفسيرهذه المادة‬
‫وفق سياق المادة ‪ 5/353‬من قانون العقوبات الفرنس ي‪ ،‬بشكل يجعل األشخاص المعنوية‬
‫العامة بالمغرب محال للمسائلة الجنائية‪ ،‬مع األخذ باالعتبار استثناء الدولة‪ ،‬والقيود الواردة‬
‫على المسؤولية الجنائية لألشخاص المعنوية اإلقليمية‪ ،‬وهو ما ينطبق على المادة ‪ 32‬من‬
‫قانون ‪ 80.80‬التي جاءت هي األخرى بعبارة الشخص المعنوي دون أي تحديد‪ ،‬عند وضعها‬
‫للعقوبات التي تنطبق على هذا الشخص المعنوي الذي يرتكب الجرائم المرتبطة بمعالجة‬
‫المعطيات الشخصية باعتباره مسؤوال عن المعالجة‪ ،‬ومعلوم أن هذا األخير ممكن أن يكون‬
‫شخصا معنويا خاصا كما يمكن أن يكون شخصا معنويا عاما‪ ،‬ويشمل الشخص المعنوي‬
‫العام السلطة العامة أو المصلحة أو المؤسسة العمومية أو أي هيئة تقوم سواء بمفردها أو‬
‫باشتراك مع آخرين بتحديد الغايات من معالجة المعطيات ذات الطابع الشخص ي ووسائلها‪.823‬‬

‫‪ ‬شروط قيام مسؤولية الشخص المعنوي‬

‫‪ -821‬شريف سيد كامل‪ ،‬المسؤولية الجنائية لألشخاص المعنوية‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬ط ‪،3‬‬
‫القاهرة‪ ،3377،‬ص ‪.33‬‬
‫‪822‬‬ ‫‪- Yves MAYAUD, op.cit., p 90.‬‬
‫‪ -823‬المادة ‪ 2/3‬من قانون ‪.83180‬‬

‫‪P 436‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫اختلفت التشريعات في هذا الصدد بين اتجاهين‪:‬‬

‫االتجاه األول‪ :‬يشترط أن يكون الشخص الطبيعي الذي ارتكب الجريمة يشغل وظيفة‬
‫هامة داخل الشخص المعنوي‪ ،‬ويندرج ضمن هذا االتجاه قانون العقوبات الفرنس ي‪ ،‬حيت‬
‫استلزمت المادة ‪ 5/353‬منه إلمكانية مسائلة الشخص المعنوي جنائيا أن تكون الجريمة قد‬
‫ارتكبت من قبل أحد أجهزته أو ممثليه‪ ،824‬مما يكون معه هذا االتجاه مضيقا نوعا ما من نطاق‬
‫األشخاص الذين يملكون حق التعبيرعن إرادة الشخص المعنوي‪ ،‬مما يترتب عنه عدم إمكانية‬
‫مسائلة الشخص المعنوي عن الجرائم الماسة بمعالجة المعطيات ذات الطابع الشخص ي‬
‫المرتكبة من قبل أشخاص ال يحتلون وظائف هامة داخله‪.‬‬

‫االتجاه الثاني‪" :‬االتجاه الموسع" وفقا لهذا االتجاه يمكن مسائلة الشخص المعنوي‬
‫جنائيا بغض النظر عن صفة الشخص الطبيعي الذي ينتمي له‪ ،‬ومن ثم فإنه يمكن مسائلة‬
‫الشخص المعنوي عن الجرائم الماسة بمعالجة المعطيات ذات الطابع الشخص ي ولو ارتكبت‬
‫من طرف عامل بسيط داخل الشخص المعنوي‪ ،‬ويندرج ضمن هذا االتجاه قانون العقوبات‬
‫الهولندي‪ ،‬وبعض النصوص التشريعية الخاصة داخل التشريع المصري‪.825‬‬

‫وباإلضافة إلى ارتكاب الجريمة من قبل شخص يملك حق التعبير عن إرادة الشخص‬
‫المعنوي‪ ،‬فإنه يلزم لمسائلته جنائيا أن ترتكب الجريمة لمصلحته‪ ،‬وهذا ما استلزمته أغلب‬
‫التشريعات‪ ،‬ومن بينها قانون العقوبات الفرنس ي في مادته ‪.8265/353‬‬

‫وتجدراإلشارة إلى أن المصلحة هنا تهم كل فائدة يحققها الشخص المعنوي أوكل تجنب‬
‫للضررمن قبله‪ ،‬سواء تعلق األمربمصلحة مادية أومعنوية‪ ،‬وسواء كانت هذه المصلحة مباشرة‬
‫أو غيرمباشرة‪ ،‬وبغض النظرعما إذا كان وقوعها محققا أو احتماليا‪.‬‬

‫ب‪ -‬الجزاءات الجنائية المطبقة على الشخص المعنوي‬

‫‪824‬‬ ‫‪- Yves MAYAUD, op.cit., p 90.‬‬


‫‪825‬‬ ‫‪-Frédéric DESPORTES et Francis LE GUNEHEC, Droit pénal général, 9 eme‬‬
‫‪éd. Economica, paris 2002, p 567.‬‬
‫‪826 -Frédéric DESPORTES et Francis LE GUNEHEC, op.cit., p 567.‬‬

‫‪P 437‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫أفرد القانون رقم ‪ 80.80‬لألشخاص المعنوية مجموعة من العقوبات التي تتالءم‬


‫وطبيعة هذه األشخاص‪ ،‬وتشمل هذه العقوبات على عقوبة الغرامة كعقوبة وجوبية وعلى‬
‫عقوبات إضافية وتدابيروقائية‪.‬‬

‫‪ ‬عقوبة الغرامة‬

‫خصت المادة ‪ 32‬من قانون ‪ 80.80‬الشخص المعنوي بعقوبة الغرامة التي تعد عقوبة‬
‫وجوبية‪ ،‬حيث يلزم املحكمة أن تحكم وجوبا بعقوبة الغرامة وذلك في الحالة التي يرتكب فيها‬
‫الشخص المعنوي إحدى الجرائم المرتبطة بمعالجة المعطيات ذات الطابع الشخص ي‬
‫المنصوص عليها في قانون ‪ ، 80.80‬بغض النظر عن العقوبات التي يمكن أن يخضع لها مسيرو‬
‫الشخص المعنوي‪ ،‬بحيث يكون مبلغ الغرامة المنصوص عليه بالنسبة للجرائم المتعلقة‬
‫بمعالجة المعطيات ذات الطابع الشخص ي مضاعفا بالمقارنة مع مبلغ الغرامة التي يمكن‬
‫الحكم بها على الشخص الطبيعي‪ ،‬كما تتضاعف عقوبة الغرامة المنصوص عليها بالنسبة‬
‫للجريمة المرتكبة من الشخص المعنوي في حالة العود‪.‬‬

‫‪ ‬المصادرة‬

‫باإلضافة إلى عقوبة الغرامة التي يلزم الحكم بها على الشخص المعنوي في حال ارتكابه‬
‫إلحدى الجرائم المرتبطة بمعالجة المعطيات ذات الطابع الشخص ي‪ ،‬فإن الفقرة الثانية من‬
‫المادة ‪ 32‬من قانون ‪ 80.80‬أجازت للمحكمة الحكم على هذا الشخص كذلك بعقوبة المصادرة‬
‫الجزئية ألمواله‪ ،‬ويتعلق األمر هنا بعقوبة إضافية وفق ما ينص على ذلك الفصل ‪ 13‬من‬
‫مجموعة القانون الجنائي المغربي‪ ،‬تشمل هذه المصادرة األدوات واألشياء التي استعملت أو‬
‫كانت ستستعمل في ارتكاب الجريمة‪ ،‬كما هو الشأن بالنسبة للحواسيب اآللية التي تمت بها‬
‫معالجة المعطيات الشخصية‪ ،‬أو كان من المنتظر أن تستعمل لهذا الغرض‪ ،‬كما يمكن أن‬
‫تشمل المصادرة األشياء أو األدوات التي تحصلت من الجريمة مثل الملفات والمستندات‬
‫والوثائق التي تحتوي على معطيات ذات طابع شخص ي خضعت لمعالجة تتحقق فيها إحدى‬
‫صورالجرائم المنصوص عليها في قانون ‪.80.80‬‬

‫كما أجازت المادة ‪ 32‬من قانون ‪ 80.80‬في فقرتها الثانية للمحكمة إمكانية الحكم على‬
‫الشخص المعنوي بالمصادرة المنصوص عليها في الفصل ‪00‬من مجموعة القانون الجنائي‪،‬‬

‫‪P 438‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫ويتعلق األمر هنا بالمصادرة كتدبير وقائي عيني – وإن كان المشرع اعتبرها عقوبة‪ -‬وبناء على‬
‫ذلك يمكن للمحكمة الحكم بمصادرة األدوات واألشياء المتعلقة بالشخص المعنوي‪ ،‬وذلك‬
‫متى كان استعمالها أو حملها أو حيازتها يكون جريمة‪ ،‬ويدخل في ذلك استعمال أو حمل أو حيازة‬
‫ملفات للمعطيات ذات الطابع الشخص ي آلية كانت أم يدوية متى كان ذلك يشكل جريمة‪.‬‬

‫‪ ‬إغالق مؤسسة أو مؤسسات الشخص المعنوي‬

‫خول المشرع للمحكمة إمكانية الحكم بإغالق مؤسسة أو مؤسسات الشخص المعنوي‬
‫التي ارتكبت فيها إحدى الجرائم الماسة بمعالجة المعطيات ذات الطابع الشخص ي‪ ،‬ويعد‬
‫اإلغالق هنا بمثابة تدبيروقائي عيني وفق ما نص عليه الفصل ‪ 35‬من مجموعة القانون الجنائي‬
‫المغربي‪ ،‬ويمكن أن يشمل اإلغالق مؤسسة الشخص المعنوي بأكملها‪ ،‬كما يمكن أن يطال‬
‫جميع مؤسساته أو بعضها فقط‪.‬‬

‫فضال عن ذلك يمكن أن يكون هذا التدبيرمؤقتا أو نهائيا‪ ،‬فإذا تعلق األمربإغالق مؤقت‬
‫يلزم أن ال تقل مدته عن عشرة أيام وأن ال تتجاوزستة أشهر‪ ،827‬وسواء تعلق األمربإغالق مؤقت‬
‫أو نهائي فإنه يترتب عن الحكم به منع الشخص المعنوي من مزاولة األنشطة التي ارتكبت‬
‫الجريمة بمناسبتها في هذا املحل المعني باإلغالق ويكون ذلك عن طريق سحب الترخيص‬
‫بممارسة النشاط في هذا املحل خالل المدة املحددة بالحكم عندما يتعلق األمر باإلغالق‬
‫المؤقت‪ ،‬أو الترخيص بشكل نهائي إذا كان اإلغالق نهائيا‪.‬‬

‫وأمام خطورة تدبيراإلغالق‪ ،‬فإنه يرجى حصرنطاقه على الشخص المعنوي الخاص دون‬
‫الشخص المعنوي العام‪ ،‬مراعاة لمبدأ استمرارية المرفق العام كأحد المبادئ الدستورية‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬القواعد اإلجرائية للجرائم الماسة بالمعالجة‬

‫يقتض ي وضع قواعد لحماية المعطيات ذات الطابع الشخص ي باإلضافة إلى إقرارقواعد‬
‫زجرية موضوعية ضرورة وضع قواعد إجرائية قادرة على كفالة هذه الحماية‪ ،‬وبشكل عام‬
‫فاإلجراءات المتعلقة بالتثبت من الجرائم والبحث عن مرتكبيها ومحاكمتهم تخضع لمقتضيات‬
‫وقواعد قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬غير أنه نظرا للطابع الخاص للجرائم الماسة بمعالجة‬

‫‪ -827‬الفصل ‪ 1/38‬من القانون الجنائي‪.‬‬

‫‪P 439‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫المعطيات الشخصية فقد خصها قانون ‪ 80.80‬ببعض القواعد اإلجرائية التي ترتبط على وجه‬
‫الخصوص بضبط الجرائم وتحريك الدعوى العمومية بشأنها (أوال) وكذا وسائل إثباتها (ثانيا)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬التحري عن الجرائم الماسة بالمعطيات الشخصية وتحريك الدعوى‬


‫العمومية بشأنها‬

‫يقتض ي تطبيق العقوبات المنصوص عليها في قانون ‪ 80.80‬بشأن الجرائم المرتكبة‬


‫باملخالفة لنصوصه‪ ،‬إجراء جميع التحريات للتثبت من وقوع هذه الجرائم‪ ،‬بهدف المتابعة‬
‫عنها‪.‬‬

‫أ‪ -‬التحري عن الجرائم الماسة بالمعالجة‬

‫نظرا للطابع الفني للجرائم المرتكبة باملخالفة ألحكام القانون ‪ ،80.80‬فقد أناط المشرع‬
‫مهمة القيام بالتحري باإلضافة إلى ضباط الشرطة القضائية‪ ،‬إلى أعوان اللجنة الوطنية‪.‬‬

‫‪ ‬ضباط الشرطة القضائية‬

‫يستمد ضباط الشرطة القضائية اختصاصهم بشأن بحث ومعاينة الجرائم المرتبطة‬
‫بالمعالجة غير المشروعة للمعطيات ذات الطابع الشخص ي إضافة لمقتضيات المادة ‪ 33‬من‬
‫هذا القانون‪ ،‬إلى القواعد العامة المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية‪.828‬‬

‫ويجري ضباط الشرطة القضائية أبحاثهم إما تلقائيا أو بناء على تلقيهم وشايات أو‬
‫شكايات من األشخاص المعنيين بجرائم معالجة المعطيات ذات الطابع الشخص ي أو بأي‬
‫وسيلة أخرى كالصحافة وحديث الجمهور‪ ،‬ويقومون باألبحاث إما في إطار حالة التلبس بهذه‬
‫الجرائم أو في إطار البحث التمهيدي العادي‪ ،829‬ويتوجب عليهم تحرير محاضر بشأن العمليات‬
‫التي قاموا بإنجازها‪ ،‬على أن يوجهوها مباشرة بعد انتهاء عملياتهم إلى وكيل الملك املختص‬
‫مرفقة بنسختين منها مشهود بمطابقتهما لألصل وبجميع الوثائق والمستندات المرتبطة بها‪،830‬‬

‫‪ -828‬ظهير شريف رقم ‪ 31811122‬صادر في ‪ 12‬من رجب ‪ 1( 3111‬أكتوبر ‪ ،)1881‬بتنفيذ القانون رقم‬
‫‪ 11183‬المتعلق بالمسطرة الجنائية‪ ،‬منشور بالجريدة الرسمية عدد ‪ 2870‬بتاريخ ‪ 17‬ذي القعدة ‪ 18( 3111‬يناير‬
‫‪ ،)1881‬ص ‪.132‬‬
‫‪ -829‬رضوان لمخيار‪ ،‬الحماية الجنائية للمعطيات الشخصية المعالجة بطرق إلكترونية‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.311‬‬
‫‪ -830‬المادة ‪ 11‬من قانون م ج‪.‬‬

‫‪P 440‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫وفضال عن ذلك يتمتع ضباط الشرطة القضائية بسلطات معاينة الجرائم الماسة بالمعطيات‬
‫ذات الطابع الشخص ي وحجزالمعدات واألدوات المستعملة في ارتكابها‪.831‬‬

‫وبالتالي فإن ضباط الشرطة القضائية يتمتعون في إطار البحث عن الجرائم الماسة‬
‫بالمعطيات الشخصية بكافة السلطات الممنوحة لهم بموجب قانون المسطرة الجنائية‪،‬‬
‫باإلضافة إلى ضرورة توفرهم على كفاءة وتكوين خاص يتناسب والطبيعة الخاصة والتقنية‬
‫لهذه الجرائم‪ ،832‬وال شك أن خصوصية هذه الجرائم أمام قلة الموارد البشرية المؤهلة‬
‫والمؤطرة‪ ،‬كان دافعا أساسيا إلسناد مهمة البحث والتحري إلى أشخاص آخرين‪ ،‬هم أعوان‬
‫اللجنة الوطنية‪.833‬‬

‫‪‬أعوان اللجنة الوطنية‬

‫تسند مهمة البحث والتحري عن الجرائم المنصوص عليها في القانون ‪ 80.80‬كما أشرنا‬
‫سابقا إلى كل من ضباط الشرطة القضائية إضافة ألعوان الشرطة القضائية المؤهلين لهذا‬
‫الغرض‪.‬‬

‫ويمارس هؤالء األعوان البحث والمعاينة‪ ،‬حسب الشروط وضمن الحدود المنصوص‬
‫عليها طبقا لقانون المسطرة الجنائية فيما يتعلق بمهام الشرطة القضائية كما نصت على ذلك‬
‫المادة ‪ 50‬من قانون المسطرة الجنائية‪" :‬يمارس موظفو وأعوان اإلدارات والمر افق العمومية‬
‫الذين تسند إليهم بعض مهام الشرطة القضائية بموجب نصوص خاصة‪ ،‬هذه المهام حسب‬
‫الشروط وضمن الحدود المبينة في هذه النصوص"‪.‬‬

‫ويلزم هؤالء األعوان أن يكونوا مفوضين للقيام بمهام البحث والمعاينة من قبل رئيس‬
‫اللجنة الوطنية وأن يعملوا تحت سلطته‪ ،‬طبقا لما نصت عليه المادة ‪ 33‬من المرسوم‬
‫التطبيقي للقانون ‪ ،80.80‬كما يلزم أن تكون عملية المر اقبة التي يقوم بها هؤالء موضوع قرار‬

‫‪ -831‬انظر في ذلك المواد من ‪ 23‬إلى المادة ‪ 61‬من قانون م ج‪.‬‬


‫‪ -832‬محمد جوهر‪ ،‬خصوصيات زجر اإلجرام المعلوماتي‪ ،‬المجلة القانونية لالقتصاد والتدبير‪ ،‬ع ‪،1886 ،21‬‬
‫ص ‪.03‬‬
‫‪ -833‬يونس تلمساني‪ ،‬الحماية الجنائية للمعطيات ذات الطابع الشخصي‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.321‬‬

‫‪P 441‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫اللجنة الوطنية‪ ،‬ويتوجب أن يتضمن هذا القرار البيانات المنصوص عليها في المادة ‪ 30‬من‬
‫نفس المرسوم والمتمثلة في‪:‬‬

‫‪ -‬اسم وعنوان العون المسؤول عن المعالجة المعنية؛‬

‫‪ -‬اسم وعنوان العون المفوض أو األعوان المكلفين بالعملية؛‬

‫‪ -‬موضوع ومدة العملية‪.‬‬

‫وبناء على ذلك فإن كل عملية مر اقبة يقوم بها أعوان اللجنة الوطنية في غياب قرار من‬
‫اللجنة الوطنية تعد باطلة‪ ،‬ولو أسفرت هذه العملية عن ضبط ملخالفات أحكام قانون ‪،80.80‬‬
‫وقد ألزمت المادة ‪ 30‬من المرسوم التطبيقي هؤالء األعوان بضرورة تقديم وثيقة تكليفهم‬
‫بالمهمة‪ ،‬وأن يثبتوا عند الضرورة أهليتهم لمباشرة تلك المر اقبة‪.‬‬

‫وباإلضافة الى توفر هؤالء األعوان على قرار للجنة الوطنية‪ ،‬فإنه في حالة إجراء العون‬
‫المفوض عملية مر اقبة لدى مؤسسة معينة‪ ،‬فإنه يلزم أن ال يكون هذا األخيرقد سبق له داخل‬
‫الخمس سنوات الما ضية‪ ،‬أن أشرف على هذه المؤسسة أو حصل منها على منفعة مباشرة أو‬
‫مارس فيها وظائف معينة‪ ،‬أو نشاطا مهنيا أو انتدب انتخابيا‪.834‬‬

‫وقد استوجبت المادة ‪ 30‬من المرسوم التطبيقي للقانون ‪ ،80.80‬قبل إجراء أية عملية‬
‫مر اقبة ضرورة إشعار وكيل الملك الذي يرجع إليه االختصاص الترابي بشأن هذه العملية‪،‬‬
‫وذلك قبل أربع وعشرين ساعة على األكثر من التاريخ املحدد إلجراء المر اقبة في عين المكان‪،‬‬
‫ويلزم أن يتضمن اإلشعارتاريخ وساعة ومكان وموضوع المر اقبة‪.‬‬

‫كما يتمتع األعوان في إطار القيام بمهام التحري والبحث‪ ،‬بسلطة المطالبة بالولوج إلى‬
‫املحال التي تجرى فيها المعالجة‪ ،‬وكذا تجميع جميع المعلومات والوثائق الضرورية للقيام‬
‫بمهام المر اقبة والمطالبة بها‪ ،835‬ويتعين على هؤالء األعوان تطبيقا للمادة ‪ 33‬من قانون ‪80.80‬‬
‫أن يحرروا محاضر بشأن كل عملية مر اقبة يقومون بها‪ ،‬ويلزم تضمين هذا املحضر طبيعة‬
‫عملية المر اقبة ويوم وساعة ومكان إنجازها‪ ،‬كما يجب أن يذكرفيه موضوع العملية‪ ،‬وأعضاء‬
‫اللجنة الذين شاركوا فيها‪ ،‬واألشخاص الذين تمت مقابلتهم‪ ،‬وعند االقتضاء تصريحات‬

‫‪ -834‬المادة ‪ 30‬من المرسوم المتعلق بتطبيق القانون رقم ‪.83180‬‬


‫‪ -835‬المادة ‪ 18‬من قانون ‪.83180‬‬

‫‪P 442‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫األشخاص الذين خضعوا لعملية المر اقبة ومطالب األعوان الذين قاموا بالمر اقبة‪،‬‬
‫والصعوبات التي واجهتهم‪ ،‬وتلحق باملحضر مختلف نسخ المستندات والوثائق املحصل عليها‬
‫من قبل األعوان‪ ،‬على أن يتم توقيع هذا املحضرمن قبل هؤالء وكذلك من طرف المسؤول عن‬
‫األماكن أو المعالجات أو كل شخص معين من قبل هذا األخير‪.836‬‬

‫ويتوجب توجيه املحاضر املحررة من قبل األعوان المفوضين بشأن عمليات البحث‬
‫والمعاينة إلى وكيل الملك املختص‪ ،‬داخل أجل خمسة أيام الموالية النتهاء هذه العمليات‪.837‬‬

‫يتمتع األعوان المفوضين في إطار القيام بمهام البحث والمعاينة بإمكانية حجز كل‬
‫المعدات موضوع الجريمة‪ ،‬لكن مع ضرورة الحصول على ترخيص بشأن ذلك من قبل وكيل‬
‫الملك‪ ،‬حيث يلزم األعوان تقديم طلب الترخيص بذلك‪ ،‬والذي يتم تضمينه كل عناصر‬
‫المعلومات التي يمكن أن تبررهذا الحجز‪ ،‬كما أن األعوان يلزمهم القيام بالحجز‪ ،‬تحت مر اقبة‬
‫وكيل الملك املختص الذي رخص به‪ ،838‬ومن بين السلطات التي يتمتع بها كذلك األعوان‬
‫المفوضين أثناء القيام بعمليات المر اقبة‪ ،‬إمكانية استدعاء كل شخص يمكنه أن يزودهم‬
‫بالمعلومات أوالتبريرات المفيدة في إنجازمهمة المر اقبة‪ ،‬فضال عن إمكانية االستماع إليه كما‬
‫نصت على ذلك المادة ‪ 55‬من المرسوم التطبيقي لقانون ‪ ،80.80‬ويتوجب على األعوان أن‬
‫يوجهوا االستدعاء إلى الشخص المعني عن طريق رسالة مضمونة أو تسليمه إليه يدا ليد‪ ،‬قبل‬
‫سبعة أيام على األقل من تاريخ االستماع‪ ،‬وفي حالة امتناع الشخص عن الحضور يلزم أن يشار‬
‫في املحضر إلى هذا االمتناع‪ ،‬ويجب تمتيع الشخص المستدعى بكافة حقوق الدفاع‪ ،‬والسيما‬
‫حقه في اختارمستشارلمساعدته‪ ،‬والذي يمكنه أن يكون محاميا‪.839‬‬

‫ويلزم ا ألعوان المفوضين بكتمان السر المنهي فيما يتعلق بالمهام المسندة إليهم وذلك‬
‫تحت طائلة العقوبات النصوص عليها في القانون الجنائي‪.840‬‬

‫ب‪ -‬تحريك الدعوى العمومية‬

‫‪ -836‬المادة ‪ 18‬من المرسوم التطبيقي لقانون ‪.83180.‬‬


‫‪ -837‬المادة ‪ 66‬من ق ‪.83180‬‬
‫‪ -838‬المادة ‪ 13‬من المرسوم التطبيقي لقانون ‪.83180.‬‬
‫‪ -839‬يونس تلمساني‪ ،‬الحماية الجنائية للمعطيات ذات الطابع الشخصي‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.322‬‬
‫‪ -840‬نفس المرجع أعاله‪ ،‬ص ‪.326‬‬

‫‪P 443‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫يمكن تحريك الدعوى العمومية في إطار الجرائم المتصلة بمعالجة المعطيات ذات‬
‫الطابع الشخص ي‪ ،‬إما من قبل النيابة العامة أو من طرف المتضررمن هذه الجرائم‪.‬‬

‫‪ ‬تحريك الدعوى العمومية من طرف النيابة العامة‬

‫تملك النيابة العامة صالحية تحريك الدعوى العمومية فيما يتعلق بالجرائم المرتكبة‬
‫باملخالفة ألحكام القانون ‪ 80.80‬حيث يمكن لوكيل الملك املختص ترابيا‪ ،841‬إما تلقائيا أو بناء‬
‫على شكوى الطرف المتضرر أو استنادا لشكايات هذا األخير املحالة من قبل اللجنة الوطنية‪،‬‬
‫إقامة الدعوى العمومية بشأن الجرائم السالفة الذكر‪ ،‬وذلك إما عن طريق استدعاء المتهم‬
‫للحضور بالجلسة‪ ،‬أو من خالل اإلحالة الفورية للمتهم على املحكمة‪ ،‬وفي كافة األحوال داخل‬
‫أجل ثالثة أيام دون سابق استدعاء‪ ،‬بعد استنطاقه من طرف وكيل الملك أو نائبه‪ ،‬وفق ما‬
‫نصت على ذلك المادة ‪ 02‬من قانون المسطرة الجنائية‪.‬‬

‫ويمكن لوكيل الملك بالنسبة لكل الجرائم المنصوص عليها في قانون ‪ 80.80‬باستثناء‬
‫الجريمتين المنصوص عليهما في المادتين ‪ 05‬و‪ 01‬من هذا القانون‪ ،‬أن يضمن محضر الصلح‬
‫الحاصل بين المتضرر والمشتكى به‪ ،‬وذلك قبل إقامة الدعوى العمومية‪ ،‬بناء على طلب‬
‫أحدهها أو هما معا‪ ،‬وفق مقتضيات المادة ‪ 23‬من قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬وال تخفى أهمية‬
‫هذه المسطرة بالنسبة لجرائم معالجة المعطيات ذات الطابع الشخص ي‪ ،‬وتوقف هذه‬
‫المسطرة إقامة الدعوى العمومية من طرف وكيل الملك‪.‬‬

‫وإذا كانت المادة ‪ 1‬من قانون المسطرة الجنائية قد خولت حق إقامة الدعوى العمومية‬
‫باإلضافة إلى النيابة العامة إلى بعض الموظفين المكلفين بذلك‪ ،‬وهو ما كرسته مجموعة من‬
‫القوانين الخاصة‪ ،842‬فإن قانون ‪ 80.80‬لم يمنح ألعوان وموظفي اللجنة الوطنية الحق في‬
‫إقامة الدعوى العمومية‪ ،‬فكل ما تتمتع به اللجنة الوطنية في هذا اإلطار هو صالحية إحالة‬
‫الشكايات التي تلقتها من الشخص المعني على وكيل الملك قصد إجراء المتابعة‪.‬‬

‫‪ -841‬و ازرة العدل‪ ،‬شرح قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬ج األول‪ ،‬الدعوى العمومية والسلطات المختصة بالتحري‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫مطبعة فضالة‪ ،‬المحمدية‪ .1886 ،‬ص ‪.38‬‬
‫‪ -842‬كما هو الشأن بالنسبة لمدونة الجمارك وظهير ‪ 38‬أكتوبر ‪ 3337‬المتعلق بحفظ الغابات واستغاللها‪.‬‬

‫‪P 444‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫ومن خالل هذا المقتض ى يتضح أن سلطة اإلحالة التي تتمتع بها اللجنة الوطنية تقتصر‬
‫على الشكايات التي تلقتها من الشخص المعني‪ ،‬ومن تم فإن ذلك ال يشمل إمكانية إبالغ النيابة‬
‫العامة بكافة الجرائم التي تصل إلى علم اللجنة الوطنية باملخالفة لقانون ‪ ،80.80‬وذلك عكس‬
‫المشرع الفرنس ي الذي منح بموجب المادة ‪ 2/53‬من قانون ‪ 3000‬للجنة الوطنية للمعلوميات‬
‫والحريات صالحية إبالغ وكيل الجهورية بمختلف الجرائم التي تصل إلى علمها كما يمكن لهذه‬
‫اللجنة تقديم مالحظاتها‪.843‬‬

‫‪ ‬تحريك الدعوى العمومية من طرف المتضرر‬

‫يملك المتضرر من جرائم المعالجة غير المشروعة للمعطيات ذات الطابع الشخص ي‬
‫الحق في إقامة الدعوى العمومية بشأن هذه الجرائم وذلك إذا أثبت أنه تضرر منها‪ ،‬ويمكنه‬
‫إقامة الدعوى العمومية أمام هيئة الحكم فقط دون قاض ي التحقيق على اعتبار أن الجرائم‬
‫السالفة الذكر ال تقبل التحقيق‪ ،‬وذلك عن طريق شكاية مدعمة بأسباب كافية‪ ،‬ومتضمنة‬
‫لعرض األفعال المكونة للجريمة ومبلغ التعويض المطلوب واألسباب المبررة للطلب‪ ،‬باإلضافة‬
‫إلى ذلك يلزم الطرف المدني أن ينصب نفسه مطالبا بالحق المدني‪ ،‬وأن يودع بكتابة الضبط‬
‫المبلغ الالزم لمصاريف الدعوى داخل األجل املحدد من قبل املحكمة‪ ،‬مع ضرورة اإليداع‬
‫بكتابة الضبط قبل بداية الجلسة‪ ،‬أو أثنائها بين يدي الرئيس مذكرة مرفقة بوصل أداء الرسم‬
‫القضائي الجزافي‪.844‬‬

‫ولعل من المفيد أن نؤكد على أن الضرر الذي يمكن أن ينتج عن الجرائم الماسة‬
‫بالمعطيات ذات الطابع الشخص ي‪ ،‬يبقى ذو طبيعة خاصة لكونه يتعلق بالكيان المعنوي‬
‫للشخص‪ ،‬ويندرج هذا الضرر الناتج عن مخالفة القواعد المتعلقة بمعالجة المعطيات ذات‬
‫الطابع الشخص ي ضمن األضرارالناشئة عن انتهاك الحق في الحياة الخاصة للفرد‪ ،‬ويشكل هذا‬

‫‪843‬‬ ‫‪- - André LUCAS, Jean DEVEZE et Jean FRAYSSINET, droit de‬‬
‫‪l’informatique et de l’internet. Presses universitaires de France, Economica,‬‬
‫‪Paris 2001, p 250.‬‬
‫‪ -844‬و ازرة العدل‪ ،‬شرح قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.11‬‬

‫‪P 445‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫النوع من التعويض موضع خالف فقهي‪ ،‬حيث يرى جانب من الفقه‪ ،845‬بأن المس بالحق في‬
‫الحياة الخاصة ال يخول المعتدى عليه الحق في التعويض لعدم تحقق ضرر ثابت عن فعل‬
‫االعتداء‪ ،‬مادام الضررعنصرجوهري لتحديد التعويض‪ ،‬وبالتالي فإن تخلف الضررفي االعتداء‬
‫على الحق في الحياة الخاصة ال يخول أي تعويض‪ ،‬فكلما يملكه المعتدى عليه بالنسبة لهذا‬
‫الجانب من الفقه وقف االعتداء على حقه في الحياة الخاصة‪.‬‬

‫ومقابل هذا االتجاه هناك اتجاه راجح يرى بأن مجرد االعتداء على الحق في الحياة‬
‫الخاصة للفرد يعد مشكال للضرر‪ ،‬مادام هذا الحق أصبح قائما بذاته في ظل تمتيعه بحماية‬
‫خاصة بموجب أغلب التشريعات‪ 846‬والمواثيق الدولية واإلقليمية‪ ،‬ومن ثم فإن الضرر يكون‬
‫هنا نتيجة حتمية لحالة الالمشروعية المترتبة عن فعل المعتدي‪ ،‬وهذا يجعل كل انتهاك للحق‬
‫في الحياة الخاصة بمثابة ضرريخول لصاحب هذا الحق المطالبة بالتعويض‪ ،‬وقد سارالقضاء‬
‫الفرنس ي في هذا االتجاه ضمن مجموعة من قراراته‪.847‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬إثبات الجرائم الماسة بمعالجة المعطيات ذات الطابع الشخص ي‬

‫تطرح مسألة إثبات الجرائم المنصوص عليها في قانون ‪ 80.80‬صعوبات كثيرة‪ ،‬بالنظر‬
‫للطبيعة الخاصة لهذه الجرائم‪ ،‬فاإلثبات في الميدان الرقمي عموما من األمور الصعبة‬
‫والشائكة وذلك راجع الى سرعة اختفائها و اندثارها‪ ،‬إضافة لغياب الدليل المرئي الذي يعتبر‬
‫أساسا لهذه الصعوبة‪.848‬‬

‫‪ -845‬خديجة عاشور‪ ،‬الحماية القانونية للمقومات المادية والمعنوية لحقوق الشخصية اإلنسانية‪ ،‬أطروحة لنيل دكتوراه‬
‫الدولة في القانون الخاص‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪-‬أكدال‪ ،‬الرباط‪،‬‬
‫س‪.‬ج ‪ ،1888-3333‬ص ‪.108‬‬
‫‪ -846‬فقد جاء في القرار عدد ‪ 336‬الصادر بتاريخ ‪ 128‬مارس ‪ 1831‬في الملف المدني عدد ‪1831/1/3/3028‬‬
‫ما يلي‪ :‬التقاط صورة إشهارية للمدعية وهي تحمل إناء من النحاس بيدها اليسرى من أجل التعريف بنادي رياضي‪،‬‬
‫واستعمال نفس الصورة من طرف شركة متخصصة في صنع األواني البالستيكية‪ ،‬يخولها حق مطالبة هذه األخيرة‬
‫بالتعويض عن الضرر المعنوي الناجم عن نشر الصورة بدون إدنها‪.‬‬
‫‪ -847‬يونس تلمساني‪ ،‬الحماية الجنائية للمعطيات ذات الطابع الشخصي‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.323‬‬
‫‪-848‬الحسن بكار‪ ،‬الطبيعة القانونية للجريمة المعلوماتية‪ ،‬مجلة الملف‪ ،‬ع ‪ ،37‬أكتوبر ‪ ،1838‬ص ‪.310‬‬

‫‪P 446‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫ومن بين أهم وسائل اإلثبات في مجال الجرائم الماسة بالمعالجة اآللية للمعطيات‬
‫الشخصية نجد محاضر البحث المنجزة من طرف ضباط الشرطة القضائية وأعوان اللجنة‬
‫الوطنية‪ ،‬والخبرة التقنية‪.‬‬

‫أ‪ -‬محاضرالبحث‬

‫يتعلق األمر هنا باملحاضر التي يقوم بتحريرها ضباط الشرطة القضائية وهم يمارسون‬
‫اختصاصهم األصيل‪ ،‬ومحاضراألعوان المكلفون ببعض مهام الشرطة القضائية‪.‬‬

‫‪ ‬محاضرضباط الشرطة القضائية‬

‫تعد املحاضر من بين املحررات التي تشكل إحدى وسائل اإلثبات الجنائي إذا استجمعت‬
‫الشكليات المتطلبة قانونا‪.849‬‬

‫وتعد محاضر ضباط الشرطة القضائية من بين أهم وسائل إثبات جر ائم المعالجة غير‬
‫المشروعة للمعطيات ذات الطابع الشخص ي‪ ،‬ويتعلق األمر هنا بمختلف املحاضر التي يلزم‬
‫هؤالء تحريرها بشأن كل العمليات التي يقومون بها بمناسبة بحثهم عن الجرائم الماسة‬
‫بمعالجة المعطيات الشخصية وجمع األدلة عنها‪.‬‬

‫وقد عرفت المادة ‪ 52‬من قانون المسطرة الجنائية املحضربكونه "‪ ...‬الوثيقة المكتوبة‬
‫التي يحررها ضابط الشرطة القضائية أثناء ممارسة مهامه ويضمنها ما عاينه وما تلقاه من‬
‫تصريحات أو ما قام به من عمليات ترجع الختصاصه"‪.‬‬

‫وبخصوص حجية هذه املحاضرفإنها تخضع لمقتضيات المادة ‪ 508‬من قانون المسطرة‬
‫الجنائية على اعتبار أن كل هذه الجرائم تعد جنحا‪ ،‬ومن ثم فإن املحاضر املحررة بشأنها يوثق‬
‫بمضمنها إلى أن يثبت العكس بأية وسيلة من وسائل اإلثبات‪ ،‬كما قضت بذلك المادة السالفة‬
‫الذكر‪ ،‬وتقتصرحجية هذه املحاضرعلى الوقائع المادية التي أثبتها ضابط الشرطة القضائية‪،‬‬

‫‪ -849‬المادة ‪ 11‬من قانون المسطرة الجنائية‪.‬‬

‫‪P 447‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫ومن تم فهي ال تمتد إلى تقدير قيمتها الثبوتية التي تبقى خاضعة لمبدأ حرية القاض ي في تكوين‬
‫اقتناعه‪.850‬‬

‫‪ ‬محاضراألعوان المفوضين‬

‫باإلضافة إلى محاضرضباط الشرطة القضائية‪ ،‬يمكن إثبات جرائم معالجة المعطيات‬
‫الشخصية عن طريق املحاضر املحررة من قبل األعوان المفوضين من قبل رئيس اللجنة‬
‫الوطنية والذين يعملون تحت سلطته‪ ،‬ويتعلق األمر بمحاضر المر اقبة التي يحررها هؤالء‬
‫بمناسبة ممارستهم لمهمة بحث مخالفات أحكام قانون ‪ 80.80‬والنصوص المتخذة‬
‫لتطبيقه‪ ،851‬إذ يتعين عليهم تحريرمحاضرعن مختلف العمليات التي يقومون بها‪ ،‬في احترام تام‬
‫ملجموع البيانات المنصوص عليها في المادة ‪ 58‬من المرسوم التطبيقي لقانون ‪ 80.80‬تحت‬
‫طائلة عدم االعتداد بها وفق ما تنص عليه المادة ‪ 500‬من قانون المسطرة الجنائية‪.‬‬

‫وإذا كانت محاضر ضباط الشرطة القضائية تتوفر على حجية اإلثبات إلى أن يثبت‬
‫العكس بأي وسيلة من وسائل اإلثبات‪ ،‬على اعتبارأن الجرائم الماسة بالمعالجة تعد جنحا‪،852‬‬
‫فإن حجية املحاضرالتي ينجزها أعوان اللجنة الوطنية ال توجد لها أي إشارة في القانون ‪80.80‬‬
‫أو مرسومه التطبيقي‪ ،‬على عكس بعض النصوص الخاصة التي أشارت إلى حجية املحاضرالتي‬
‫يحررها الموظفون المكلفون ببعض مهام الشرطة القضائية‪ ،‬كما هوالشأن بالنسبة للمحاضر‬
‫املحررة من قبل أعوان إدارة الجمارك أو أعوان إدارة المياه والغابات‪ ،‬وهو ما يعني الرجوع إلى‬
‫القواعد العامة وبالتحديد المادة ‪ 508‬من ق م ج‪ ،‬وبالتالي يمكن القول على غرارمحاضرضباط‬
‫الشرطة القضائية في الجنح‪ ،‬أن محاضرأعوان اللجنة الوطنية ‪-‬المكلفين ببعض مهام الشرطة‬
‫القضائية‪ -‬يوثق بمضمنها إلى أن يثبت العكس بأي وسيلة من وسائل اإلثبات‪ ،‬وهو أمر منطقي‬

‫‪ -850‬محمد بازي‪ ،‬االعتراف الجنائي في القانون المغربي‪ ،‬د ارسة مقارنة‪ ،‬أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون‬
‫الخاص‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬جامعة الحسن الثاني‪ ،‬عين الشق‪-‬الدار البيضاء‪ ،‬دون سنة‬
‫النشر‪ ،‬ص‪.181‬‬
‫‪ -851‬المادة ‪ 36‬من المرسوم التطبيقي رقم ‪ 11831362‬للقانون ‪.83180‬‬
‫‪-852‬المادة ‪ 138‬من ق م ج‪ " :‬المحاضر والتقارير التي يحررها ضباط الشرطة القضائية في شأن التثبت من‬
‫الجنح والمخالفات‪ ،‬يوثق بمضمونها إلى أن يثبت العكس باي وسيلة من وسائل اإلثبات "‪.‬‬

‫‪P 448‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫خاصة وأنهم أكثر خبرة وتكوينا وفهما في مجال حماية المعطيات الشخصية مقارنة بضباط‬
‫الشرطة القضائية‪.853‬‬

‫ب‪-‬الخبرة القضائية‬

‫ترتب عن التقدم العلمي والتكنولوجي ظهور صعوبات كبيرة فيما يتعلق بإثبات بعض‬
‫الجرائم والتي من بينها الجرائم المتصلة بمعالجة المعطيات ذات الطابع الشخص ي‪ ،‬لذلك‬
‫تحتل الخبرة أهمية كبيرة في إثباتها‪.‬‬

‫وقد عرف بعض الفقه‪ 854‬الخبرة بكونها المعرفة المتخصصة في أحد العلوم الفنية‪ ،‬أو‬
‫العلمية التي ال تتوفر لدى رجل القضاء أو املحقق‪ ،‬من أجل الكشف عن دليل أو قرينة تفيد في‬
‫معرفة الحقيقة بشأن وقوع الجريمة‪ ،‬أو نسبتها إلى المتهم أو تحديد مالمح شخصيته‬
‫اإلجرامية‪.855‬‬

‫وإذا كان للمحكمة كامل السلطة التقديرية في اللجوء إلى الخبرة من عدمه فيما يتعلق‬
‫بالجرائم الناشئة عن المعالجة اآللية غيرالمشروعة للمعطيات الشخصية‪ ،‬فإن المالحظ من‬
‫الناحية العملية أن اللجوء لالستعانة بالخبراء في مجال تكنولوجيا المعلومات يبقى ضرورة ال‬
‫محيد عنها‪ ،‬إذ ال تخفى أهمية االسترشاد بخبراء اإلجرام المعلوماتي‪ ،‬ويلزم املحكمة عند اختيار‬
‫الخبير في هذا املجال ضرورة األخذ باالعتبار اإلمكانات والقدرات العلمية والفنية في مجال‬
‫التخصص موضوع الخبرة وكذا الكفاءة الفنية المكتسبة من مجال الممارسة العملية‪.856‬‬

‫ونظرا لخصوصية الخبرة في الجرائم الماسة بالمعالجة‪ ،‬فإن مهمة الخبير يجب أن‬
‫تتضمن وصفا لتركيب الحاسب وصناعته ونوع نظام التشغيل‪ ،‬وكذا األجهزة الملحقة به‪،‬‬
‫وطبيعة بيئة الحاسب التي تتضمن تنظيم وتوزيع عمل المعالجة اآللية‪ ،‬كما يجب أن ينصب‬

‫‪ -853‬حسن الحافظي‪ ،‬الحماية القانونية للمعطيات ذات الطابع الشخصي بين التشريع الوطني واالتفاقيات الدولية‪،‬‬
‫كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬جامعة موالي إسماعيل‪ ،‬مكناس‪ ،‬السنة الجامعية ‪،1830-1837‬‬
‫ص ‪.370‬‬
‫‪ -854‬محمد علي سالم الحلبي‪ ،‬الوجيز في أصول المحاكمات الجزائية‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬ط ‪ ،3‬عمان‬
‫األردن‪ ،1883 ،‬ص ‪.111‬‬
‫‪ -855‬رشيدة بوكر‪ ،‬جرائم االعتداء على نظم المعالجة اآللية في التشريع الجزائري والمقارن‪ ،‬ط‪ ،3‬منشورات الحلبي‬
‫الحقوقية بيروت‪ ،1831 ،‬ص ‪.111‬‬
‫‪ -856‬رضوان لمخيار‪ ،‬الحماية الجنائية للمعطيات الشخصية المعالجة بطرق إلكترونية‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.323‬‬

‫‪P 449‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫وصف الخبير على الموضع املحتمل ألدلة اإلثبات وشكلها‪ ،‬ثم أثر التحقيق على المشاركين في‬
‫استخدام النظام من الناحية االقتصادية والمالية‪.857‬‬

‫وفضال عما سبق يلزم أن يبين الخبيركيفية عزل النظام المعلوماتي بدون أن يؤدي ذلك‬
‫إلى إتالف األدلة أوتدميرها أوإلحاق ضرربأجهزة هذا النظام‪ ،‬وكيفية نقل أدلة اإلثبات إلى أوعية‬
‫دون تلف‪ ،‬وأخيرا كيفية ترجمة األدلة في شكل مادي‪ ،‬مثل تجسيدها على دعامات ورقية تسهل‬
‫مأمورية االطالع عليها من قبل املحكمة‪.858‬‬

‫وتعد اللجنة الوطنية لمر اقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخص ي من بين الجهات‬
‫المؤهلة إلجراء خبرة حول ارتكاب جرائم المعالجة غيرالمشروعة لهذه المعطيات‪ ،‬طبقا للبند‬
‫الثاني من الفقرة الثانية من المادة ‪ 85950‬من القانون ‪ 80.80‬التي جعلت إجراء الخبرة من بين‬
‫اختصاصات اللجنة المذكورة وذلك بناء على طلب السلطات العمومية والسيما السلطات‬
‫القضائية‪.‬‬

‫وهكذا يمكن للمحكمة كلما ارتأت ضرورة إجراء خبرة فيما يتعلق بالجرائم المرتبطة‬
‫باملخالفة لقانون ‪ 80.80‬أن تلجأ إلى طلب خبرة اللجنة الوطنية فيما يتعلق بالعناصرالخاضعة‬
‫لتقديرهذه الخبرة‪.‬‬

‫وال تخفى أهمية الخبرة التي يمكن أن تنجزها اللجنة الوطنية‪ ،‬على اعتبار أنها قد تكون‬
‫مؤهلة أكثر من غيرها إلجراء خبرة في النزاعات الناشئة عن تطبيق قانون ‪ 80.80‬ومرسومه‬
‫التطبيقي ومختلف النصوص األخرى المتعلقة بتطبيقه‪ ،‬مع اإلشارة إلى أن الخبرة المنجزة من‬
‫قبلها تبقى خاضعة لمبدأ حرية القاض ي في تكوين اقتناعه طبقا لما تنص عليه المادة ‪ 503‬من‬
‫قانون المسطرة الجنائية‪.‬‬

‫‪ -857‬يونس تلمساني‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.362‬‬


‫‪-858‬هشام محمد فريد رستم‪ ،‬الجرائم المعلوماتية أصول التحقيق الجنائي الفني وآلية التدريب التخصصي للمحققين‪،‬‬
‫مجلة األمن والقانون‪ ،‬عدد‪ 1‬يوليوز ‪ ،3333‬ص ‪.00‬‬
‫‪-859‬البند ‪ 1‬من الفقرة الثانية من المادة ‪ 10‬من القانون ‪ 83180‬ينص على‪ " :‬تختص اللجنة الوطنية كذلك بما‬
‫يلي‪:‬‬
‫‪.....-3‬‬
‫‪-1‬إجراء خبرة‪ ،‬بناء على طلب السلطات العمومية‪ ،‬والسيما السلطات القضائية‪ ،‬على العناصر الخاضعة لتقديرها‬
‫أثناء النزاعات الناشئة عن تطبيق هذا القانون أو النصوص المتخذة لتطبيقه"‪.‬‬

‫‪P 450‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫الئحة المراجع‪:‬‬

‫يونس عرب‪ ،‬موسوعة القانون وتقنية المعلومات‪ ،‬دليل أمن المعلومات والخصوصية‪،‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬الخصوصية وحماية البيانات في العصرالرقمي‪ ،‬اتحاد المصارف العربية‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪.5885 ،‬‬

‫فهد وزاني الشاهدي‪ ،‬الحق في حماية الحياة الخاصة أية حماية؟‪ ،‬مجلة المعيار‪ ،‬العدد‬
‫‪.05‬‬

‫منى األشقر جبور و محمود جبور‪ ،‬البيانات الشخصية و القوانين العربية الهم األمني و‬
‫حقوق األفراد‪ ،‬المركزالعربي للبحوث القانونية و القضائية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪.‬‬

‫بولين أنطونيوس أيوب‪ ،‬الحماية القانونية للحياة الشخصية في مجال المعلوماتية‪،‬‬


‫منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،‬ط األولى‪ ،‬بيروت‪.5880 ،‬‬

‫يونس تلمساني‪ ،‬الحماية الجنائية للمعطيات ذات الطابع الشخص ي‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم‬
‫الماستر في القانون الخاص‪ ،‬جامعة القاض ي عياض‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية مراكش‪ ،‬السنة الجامعية ‪.5880/5880‬‬

‫رضوان ملخيار‪ ،‬الحماية الجنائية للمعطيات الشخصية المعالجة بطرق الكترونية‪-‬على‬


‫ضوء القانون المغربي والقانون المقارن‪ -‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص‪ ،‬كلية‬
‫العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬جامعة عبد المالك السعدي‪ ،‬طنجة‪ ،‬السنة‬
‫الجامعية ‪.5832-5831‬‬

‫أسامة عبد الله قايد‪ ،‬الحماية الجنائية للحياة الخاصة وبنوك المعلومات‪ -‬دراسة‬
‫مقارنة‪ ،-‬ط الثالثة‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪.3002 ،‬‬

‫نائلة عادل محمد فريد قورة‪ ،‬جرائم الحاسب اآللي االقتصادية‪ ،‬دراسة نظرية‬
‫وتطبيقية‪ ،‬ط ‪ ،3‬دارالنهضة العربية‪ ،‬سنة ‪.5882‬‬

‫شريف سيد كامل‪ ،‬المسؤولية الجنائية لألشخاص المعنوية‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬دارالنهضة‬
‫العربية‪ ،‬ط ‪ ،3‬القاهرة‪.3000،‬‬

‫‪P 451‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫محمد جوهر‪ ،‬خصوصيات زجر اإلجرام المعلوماتي‪ ،‬املجلة القانونية لالقتصاد‬


‫والتدبير‪ ،‬ع ‪.5883 ،05‬‬

‫خديجة عاشور‪ ،‬الحماية القانونية للمقومات المادية والمعنوية لحقوق الشخصية‬


‫اإلنسانية‪ ،‬أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون الخاص‪ ،‬كلية العلوم القانونية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪-‬أكدال‪ ،‬الرباط‪ ،‬س‪.‬ج ‪.3000‬‬

‫محمد بازي‪ ،‬االعتراف الجنائي في القانون المغربي‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬أطروحة لنيل دكتوراه‬
‫الدولة في القانون الخاص‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬جامعة الحسن‬
‫الثاني‪ ،‬عين الشق‪-‬الدارالبيضاء‪ ،‬دون سنة النشر‪.‬‬

‫‪P 452‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫–‬

‫حدود رقابة حمكامة النقض على سلطة قاضي‬


‫املوضوع انجنايي عند تقديرية العقوبة‬
‫‪The limits of the Cassation Court's control over the judge's authority at the discretion of‬‬
‫‪the sentence‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫إذا سلمنا بأن التناسب التشريعي بين الجرم والعقوبة المستحقة‪ ،‬يتحقق في مرحلة‬
‫التقنين التشريعي للجزاء‪ ،‬فإن التناسب القضائي يتحقق في مرحلة تطبيق العقوبة‪ ،‬وهي الفترة‬
‫التي يسمح فيها للقاض ي الزجري نظرا لما يمتلكه من صفات ومزايا بسلطة تقديرية في اختيار‬
‫صنف وكم الجزاء العقابي الذي يوقع على المتهم كرد فعل للجرم المقترف‪ .‬وألن ممارس‬
‫القاض ي للسلطة التقديرية في تحديد العقوبة وجرعتها تكون تكملة للعمل التشريعي‪ ،‬وذلك‬
‫باستخراج التحديد الو اقعي للعقوبة من التحديد املجرد لها‪ ،‬بغية تحقيق المالئمة بين ذلك‬
‫التحديد التشريعي وبين مختلف الحاالت الو اقعية‪.‬‬

‫اعتبارا لذلك أعطت جل األنظمة الجنائية للقاض ي الزجري صالحية حصر العقوبة بين‬
‫حدها األقص ى واألدنى‪ ،‬طبقا لقاعدة تفريد العقاب‪ ،‬وإمكانية منح الظروف املخففة‪ ،‬أووقف‬
‫تنفيذ العقوبة‪ ،‬كما منحه صالحيات اختيارالعقوبات المناسبة والمستحقة من العقوبات التي‬
‫سنها المشرع الجنائي‪ .860‬مما يفيد وضوحا أن القاض ي الزجري يتوفر على سلطة تقديرية‬
‫واسعة في تدبير العقوبة باعتماد المعايير املحددة في النص التجريمي والخاصة بالحدين األدنى‬
‫واألقص ى‪ ،‬ومراعاة ظروف التشديد العينية أو الشخصية إن تو افرت‪.‬‬

‫إال أن الو اقع الحالي أظهرأن استغالل القاض ي الجنائي لمفهوم السلطة التقديرية عند‬
‫تحديد واختيار العقوبة و إفرادها أدى في كثير من األحيان إلى مشكلة اختالل التناسب عند‬

‫‪ -860‬إدريس لكريني‪ ،‬السلطة التقديرية للقاضي الزجري‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬مطبعة فضالة‪ ،‬الرباط‪ ،4002 ،‬ص‬
‫‪1402‬‬

‫‪P 453‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫التقدير القضائي للعقوبة‪ ،‬إضافة إلى تفش ي ظاهرة التضخم العقابي وتباينه في القضية‬
‫الواحدة‪ ،‬مما عجل بضرورة المناداة بتوحيد معايير التقدير القضائي للعقوبات على مستوى‬
‫الممارسة‪ ،‬وتفعيل دورالرقابة القضائية على أحكام قضاة الدرجة الدنيا‪.861‬‬

‫ولإلحاطة بهذه اإلشكاالت سنتناول في هذه الدراسة انعكاسات غياب مبدأ التناسب‬
‫القضائي (المبحث األول)‪ ،‬قبل أن نتطرق لنطاق رقابة محكمة النقض على قاض ي الموضوع‬
‫الجنائي في اختياروتقديرالعقوبة(المبحث الثاني)‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬انعكاسات غياب مبدأ التناسب عند التفرد القضائي للعقوبة‪.‬‬

‫تعد سلطة القاض ي التقديرية مقصودا هي سلطته في التقويم والتقدير‪ ،‬سواء كانت‬
‫متعلقة بتقدير األدلة أو البراءة أي السلطة التي تمكن القاض ي من الحكم بقدرته على التقدير‬
‫والتقييم والقياس‪ .862‬أو بتعبير أدق سلطة القاض ي الجنائي في التوفيق والموازنة أساسا بين‬
‫المصالح المتعارضة بما فيها مصلحة الفرد في املحافظة على حقوقه وحرياته‪ ،‬ومصلحة الدولة‬
‫في صون كيانها ونظامها‪ .863‬واعتبارا لذلك فإن مجال السلطة التقديرية للقاض ي الزجري‪:‬‬
‫يشمل شقين‪ :‬أولهما يقترن بقناعاته في تقدير وسائل اإلثبات المعروضة أمامه لتكوين قناعته‬
‫الصميمة حول نسبة الجرم إلى المتهم أو براءته منها‪ .‬والثاني يتعلق بتقديرالعقوبة المناسبة له‬
‫في إطارالفريد القضائي للعقاب‪ .‬وهو ما يهمنا حاليا‪.‬‬

‫وإذا كانت فكرة تفريد العقاب ال يثير أي إشكاالت من الناحية النظرية الصرفة‪ ،‬إذ أن‬
‫القاض ي الجنائي يمتلك سلطة في تقدير العقوبة وتفريدها في نطاق الحدين األدنى واألقص ى‬
‫المقررين في القانون مراعيا في ذلك خطورة السلوك اإلجرامي وشخصية الجاني وظروفه‬
‫(الفصل ‪ 323‬من القانون الجنائي)‪ ،‬إال أنه في المقابل فإن الممارسة القضائية أفرزت تفاوتا‬

‫‪ -861‬من الفقه من يرى وعن حق أن توجهات محكمة النقض في توحيد االجتهادات القضائية مهم لتطبيق أهداف‬
‫السياسة الجنائية‪ ،‬من حيث توجيه القضاء إلى تالفي االختالفات الشاذة‪ 1‬على أن مقررات النقض تبقى ذات قيمة‬
‫وإن كانت تعبر عن آراء قضاتها الشخصية‪ ،‬في مناقشة سالمة أو عيب السياسة الجنائية القضائية التي تنهجها‬
‫المحاكم الزجرية ومحكمة النقض‪1‬‬
‫‪ -‬عبد الرحيم صدقي‪ ،‬السياسة الجنائية في العالم المعاصر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،8917 ،‬ص ‪1802‬‬
‫‪ - 862‬عبد الله الفاصل عيسى‪ ،‬السلطة التقديرية نظرا وتطبيقا دراسة تأصيلية مقارنة‪ ،‬مقال منشور بالموقع‬
‫االلكتروني ‪ http://arabslowyer.com/article‬تاريخ االطالع ‪ 4040/9/40‬على الساعة الثانية‬
‫والنصف زواال‪1‬‬
‫‪ -863‬فهد الكساسبة‪ ،‬وسائل وضوابط السلطة التقديرية للقاضي الجزائي في التفريد العقابي‪ ،‬مقال منشور بمجلة‬
‫علوم الشريعة والقانون‪ ،‬مج ‪ ،24‬ع ‪ ،4082 18‬ص ‪1339‬‬

‫‪P 454‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫من محكمة إلى أخر ومن قاض إلى أخر وحسب ظروف كل قضية على حدا‪ ،‬وكذا تبعا لتباين‬
‫طبائع أو أمزجة وقناعات قضاة األحكام الزجرية‪.864‬‬

‫وتجسيدا لمنطق اتساع هامش السلطة التقديرية المسموح بها للقاض ي الزجري في‬
‫تفريد العقوبة وتقديرها‪ ،‬وما لذلك من أثارهامة على تنزيل سياسة العقاب‪ ،‬تضمن المؤتمرين‬
‫الدوليين السابع والثامن لقانون العقوبات‪ ،865‬وكذلك مؤتمراألمم المتحدة الخامس لمكافحة‬
‫الجريمة ومعاملة املجرمين المنعقد في جنيف سنة ‪ 3000‬توصيات بهذا الشأن منها‪:‬‬

‫‪ -‬أن السياسة الجنائية العصرية في تفريد العقاب تفترض ضرورة منح القاض ي سلطة‬
‫تقديرية واسعة في تقدير العناصر املختلفة للدعوى‪ ،‬أساسا فيما يتعلق بتقدير األدلة‬
‫و إثبات اإلدانة‪ ،‬وتحديد واختيارالعقوبات والتدابيرالوقائية‪.‬‬

‫‪ -‬كون مبدأ قانونية الجرائم والعقوبات الذي هو الضمانة الجوهرية للحريات الفردية ال‬
‫يمكن أن يحول دون منح القاض ي الجنائي سلطة التفريد للعقاب‪.‬‬

‫‪ -‬ولتفعيل السلطة التقديرية المقررة للقاض ي الزجري يجب أن يضع القانون رهن إمرته‬
‫مجموعة متنوعة ومتعددة من العقوبات والتدابير الوقائية‪ ،‬حتى يتسنى له اختيار‬
‫وتقديرالعقوبة المستحقة أو التدبيرالمناسب والمالئم‪.‬‬

‫والشك أن مشكلة التقدير القضائي للعقوبة‪ ،‬تزايدت حدتها مع السنوات األخيرة‬


‫وأضحت شغال شاغال للمهتمين والباحثين في الدارسات الجنائية و أبحاث علم السياسة على‬
‫وجه التحديد‪ ،‬وظهرت كنتيجة للسلطة التقديرية التي تركها القانون الجنائي للقاض ي ألجل‬
‫تقديرالعقوبة وتفريدها ‪،‬بحيث للقاض ي سلطة تقديرية في تفريد العقاب ضمن النطاق الكمي‬
‫والنوعي للعقوبة المقررة للجريمة‪ ،‬و انه يتمتع بسلطة استثنائية تسمح له بتجاوز النطاق‬
‫املحدد أساسا ‪،‬نحو التخفيف أو التشديد ‪،‬ففي حالة تو افر الظروف املخففة يجوز للقاض ي‬
‫النزول بالعقوبة المقررة إلى ما دون حدها األدنى المنصوص عليه أوالحكم بعقوبة أخرى أخف‬
‫نوعا منها ‪ .‬وعند تو افر ظروف التشديد يجب عليه أو يجوز له االرتفاع بالعقوبة العينية فوق‬

‫‪ -864‬سهيلة بوزالفة‪ ،‬مبدأ عدم اإلفالت من العقاب‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص‪ ،‬جامعة‬
‫سيدي محمد بن عبد الله‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬فاس‪ ،4081/4087 ،‬ص ‪1432‬‬
‫‪ -865‬المؤتمر السابع المنعقد في أثينا خالل الفترة الممتدة ما بين ‪ 42‬سبتمبر إلى غاية ‪ 4‬أكتوبر ‪ 8927‬والمؤتمر‬
‫الثاني الذي انعقد في لشبونة إبان الفترة ما بين ‪ 48‬و‪ 47‬شتنبر عام ‪18928‬‬

‫‪P 455‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫حدها األعلى‪ ،‬أو الحكم بدال عنها‪ ،‬أو إضافة عقوبة أخرى إليها ‪-‬أخذ بعين االعتبارتوجه المشرع‬
‫الجنائي‪ -‬وفي ذلك إتاحة السبيل الستعمال أصوب للسلطة التقديرية مراعاة للظروف‬
‫الو اقعية ومعالجة للنقص التشريعي وتطويرا للقانون‪.‬‬

‫والمالحظ أن الظروف املخففة بمعناها الواسع‪ ،‬إما أن تكون ظروف قضائية يقدرها‬
‫القاض ي في كل حالة على حدة ويترخص في إعمالها وإغفالها‪ .‬وإما أن تكون ظروف يقدرها‬
‫المشرع ذاته ويترتب عليها آثارها‪ ،‬ويطلق عليها األعذار القانونية‪ ،‬وهذه األخيرة تكفل المشرع‬
‫بتحديدها حصرا‪ ،‬وإلزام القاض ي بالتخفيف عند توفرها‪ .‬بينما لم يحدد الظروف القضائية‬
‫املخففة‪ ،‬وترك للقاض ي سلطة استخالصه ما يعتبر مبررا لتخفيف العقوبة‪ ،‬مما جعل‬
‫التخفيف تفريدا قضائي جوازي في هذه الحالة واألعذار القانونية خالف ذلك وسيلة للتفريد‬
‫التشريعي‪.‬‬

‫والحقيقة أن المشرع الجنائي أعطى للقضاء الجنائي سلطة تقديرية في اختيار وتحديد‬
‫العقوبة وتفريدها‪ ،‬ومن تم مكنه بطريقة غير مباشرة من صالحيات واسعة في تطبيق السياسة‬
‫العقابية‪ ،866‬حيث يصطلح على هذا االمتياز في التشريع الجنائي بالقناعة اليقينية لقاض ي‬
‫الموضوع الزجري‪ .‬غيرأنه من الموضوعية بما كان أن يبرزنقاش لحض ي حول مدى شروط نضج‬
‫هذه القناعة بالنسبة للقضاء الزجري العربي عموما؟‪ ،‬والقضاء الجنائي المغربي على وجه‬
‫الخصوص‪867‬؟‪.‬‬

‫وجوابا على التساؤل الحظ جانب من الفقه الجنائي‪ ،‬بأن القاض ي الزجري في أغلب‬
‫الحاالت ال يتوفرعلى تكوين مثالي في مجال اختياروتحديد العقوبة‪،868‬إذ استحضرنا الخصاص‬
‫المهول للقضاة أمام الكم الهائل من القضايا الزجرية التي تعج بها املحاكم والتي تثقل كاهل‬
‫القضاة‪ ،‬إضافة إلى غياب تخصص القاض ي الجنائي منذ تكوينه‪ ،‬ومنه فلكي توصف العقوبة‬

‫‪ -866‬أعطى المشرع المغربي للقاضي الجنائي إمكانية المؤاخذة بعقوبة مخففة أو مشددة حسب األحوال كلما ثبت‬
‫لديه واحد أو أكثر من األعذار القانونية المخفضة للعقوبة أو أحد أو أكثر الظروف المشددة المقررة في القانون‪1‬‬
‫وقد نصت الفصول من ‪ 822‬إلى ‪ 828‬من القانون الجنائي على هذه األعذار وظروف التخفيف‪ ،‬بينما نص‬
‫الفصل ‪ 823‬من القانون الجنائي على ظروف التشديد بقوله‪ ،‬يحدد القانون ظروف التشديد المتعلقة بجنايات أو‬
‫جنح معينة‪ ،‬كما نص في الفصل ‪ 824‬قبله على أنه‪ ،‬تشديد العقوبة المقررة في القانون بالنسبة لبعض الجرائم‪،‬‬
‫ينتج عن ظروف متعلقة بارتكاب الجريمة أو بإجرام المتهم‪،‬‬
‫‪ -867‬موالي الحسن اإلدريسي‪ ،‬السياسة العقابية بالمغرب التحديات واإلصالحات‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراة في‬
‫القانون الخاص كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية سال الموسم الجامعي ‪ ،4081-4087‬ص ‪1823‬‬
‫‪868-Michel Jean aout, La politique pénale au Maroc, T 2, p 26.‬‬

‫‪P 456‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫بأنها مستحقة من جهة وعادلة محققة ألهداف التناسب المتوخاة منها‪ .‬فيجب على القاض ي‬
‫الزجري أن يكون متملكا لمقومات ومهارات الفن القضائي الزجري ‪-‬إن صح التعبير‪ -‬متشبعا‬
‫بمبادئ الفكرالحديث للسياسة القضائية الجنائية‪ ،‬ومكتسبا للتكوين المطلوب في هذا املجال‬
‫متوفرعلى الملكات واآلليات التقنية والفنية لتيهئ ملف متكامل عن الجاني ودو افعه اإلجرامية‬
‫وملزما عند تحديد العقوبة أوالتدابيرالوقائية في أحكامه أن تكون معللة بشكل واضح وكاف‪.869‬‬

‫واألكيد أن و اقع الممارسة القضائية تتباين بصدد اختيار وتقدير العقوبة في نفس‬
‫الوقائع المعروضة وظروفها بين محكمة وأخرى كما قلنا‪ ،‬بل وحتى بين هيئة وأخرى داخل نفس‬
‫املحكمة‪ ،‬بحيث تكون إحداهما مبالغة في العقوبة إلى حد التشدد‪ ،‬واألخرى تتصف بالر أفة‬
‫والتخفيف حسب قناعات القاض ي وشخصيته وبناءه النفس ي وخبراته المهنية في استخدام‬
‫سلطته‪ ،‬مما يوحي للباحث في كثير من األحيان غياب الحكمة من وراء هذا التو افق واختالف‬
‫التناسب والتو افق بين األحكام والقرارات‪ ،‬لذلك نعتقد أن سلطة القاض ي الجنائي في تقدير‬
‫العقوبة ليست سلطة متعسفة‪ ،‬و إنما يجب أن تمارس في سياق المشروعية و طبقا لمبادئ‬
‫القانون الطبيعي والعدالة التي تضمن عدم التحكم‪ ،‬تالفيا للتشدد فتهدرحقوق األفراد وتفقد‬
‫المواطن ثقته في العقوبة السالبة للحرية‪ ،‬أو تتراخى األحكام عن أهداف وأغراض الجزاء فنكون‬
‫أمام ظاهرة اإلفالت من العقاب أو تكديس السجون بالعقوبات غير النفعية سالبة للحرية‬
‫قصيرة المدة‪ .870‬وفي هذا الصدد‪ ،‬نادى جانب من الفقه بضرورة العمل على توحيد معايير‬
‫التقدير عند القاض ي الزجري بمناسبة تفريده العقوبة في مختلف مراحل املحاكمة وااللتزام‬
‫بعناصره محددة يجب مراعاتها عند إصدار األحكام القاضية بالعقوبة أو التدابير الوقائية‪،871‬‬
‫وأن توضح في البناء المنطقي لألحكام عند تعليلها‪.‬‬

‫من ناحية أخرى‪ ،‬فإن المسألة تدق كذلك عندما يطرح تساؤال ال يقل أهمية عن سابقه‬
‫عما إذا كانت مهمة القاض ي الجنائي ودوره الفاعل في إطار تطبيق السياسة الجنائية تبيح له‬
‫إمكانية تجاوز حدود التشريع بحجة العقوبة المبررة‪ ،‬إلهدار القيمة القانونية ومبدأ شرعية‬

‫‪ -869‬األمن القضائي وجودة األحكام جمعية عدالة بشراكة مع ‪FRIEDRICH EBERT ST/ PTUNG‬‬
‫األلمانية مطبعة دار القلم‪ ،‬الرباط‪ ،4083 ،‬ص ‪1802‬‬
‫‪ -870‬أكرم نشأت إبراهيم‪ ،‬الحدود القانونية لسلطة القاضي الجنائي في تقدير العقوبة‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،4004،‬ص‬
‫‪11-7‬‬
‫‪ -871‬لقد اعتبر جانب من الفقه أن عملية إصدار األحكام من أشد العمليات الفنية تعقيدا‪ ،‬ألن نتائجها المباشرة وغير‬
‫المباشرة يتجاوز المحكوم عليه لتمتد إلى الضحية ونظام العدالة الجنائية برمته‪1‬أنظر‪:‬‬
‫‪ -‬علوي جعفر‪ ،‬عجوزات مرافق العدالة الجنائية‪ ،‬بعض التجليات وسبل المعالجة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪128‬‬

‫‪P 457‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫النص التشريعي الجنائي؟ ؛فالو اقع يؤكد أن هذه الفكرة كان لها دور ووجود في الممارسة‬
‫القضائية‪ ،‬ذلك أن أبرزمفاتيح السياسة الجنائية أتت من جانب التطبيق القضائي‪ ،‬نذكر منها‬
‫نظرية الظروف املخففة ونظرية العقوبة المبررة ‪ ،La Peine Justifiée‬حيث أن التنوعات‬
‫الموجودة داخل "الظروف" تسمح للقاض ي الجنائي باختيار موقفا ما وفق سياسة جنائية‬
‫معينة‪ ،‬وفي بعض األحيان يؤكد جانب من الفقه أنه من السهل االهتداء إلى السياسة الجنائية‬
‫التي ينتهجها القاض ي الزجري‪ .‬وفي أحيان أخرى ال يكون األمر كذلك‪ .‬ويصعب اكتشاف توجه‬
‫القاض ي وفكر السياسة الجنائية الذي تأثر به إن كان أصال متأثرا بفكر حداثي‪ ،872‬وعند‬
‫اكتشاف الحكمة وراء أحكام القضاء الزجري تكون مبررة تبريرا منطقيا‪ ،‬وبالتالي يسلم من‬
‫انتقادات شراح القانون الجنائي‪ ،‬لكن في حالة التي يكون وراء القاض ي سياسة جنائية مفروضة‬
‫تلزمه بان يسلكها في قراراته وأحكامه ومثاله القرارات المرتبطة بجرائم اإلرهاب‪ ،‬وبعض‬
‫الجرائم المرتبطة بالرأي العام والتي إن تأثرت بها يحدث مساسا بمبدأ الشرعية‪.‬‬

‫ب‪ -‬مدى رقابة النقض على سلطة القاض ي الجنائي في تقديرالعقوبة‪873‬؟‪:‬‬

‫إن االعتراف بوجود السلطة التقديرية الموكلة بالقاض ي الزجري في مجال اختياروتقدير‬
‫العقوبة مسالة في غاية من األهمية‪ ،‬ذلك أنه ليس باستطاعة الشارع الجنائي أن يلم بكل‬
‫األنماط التي يمكن أن يظهر عليها السلوك اإلجرامي لإلنسان الذي يشكل ضررا على المصالح‬
‫محل الحماية القانونية فالقاض ي الزجري متروك له أمر تقدير مدى تو افر عناصر الجريمة من‬
‫حيث أركانها المادية والمعنوية‪874‬؛ وتقتض ي العدالة أن يكون هناك تناسب بين ما يفرضه‬
‫القاض ي الزجري من عقوبة وبينما يتمتع به المتهم من حرية في االختيار و اقتراف للجرم‪ ،‬تبعا‬
‫لتباين الظروف االجتماعية والنفسية واالقتصادية‪ ،‬فباستثناء العقوبات ذات الحد الواحد‬
‫كاإلعدام والسجن المؤبد‪ ،‬نجد القاض ي يملك سلطة تقديرالعقوبة بين الحدين األعلى واألدنى‪،‬‬

‫‪ -872‬عبد الرحيم صدقي‪ ،‬السياسة الجنائية في العالم المعاصر‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪1802-802‬‬
‫‪ -873‬حاتم حسن موسى بكار‪ ،‬سلطة القاضي الجنائي في تقدير العقوبة والتدابير‪ ،‬منشأة اإلسكندرية ‪ ،4004‬ص‬
‫‪1222 -222‬‬
‫‪ -874‬يمكن اعتبار السلطة التقديرية للقاضي الجنائي تنحصر في الموازنة بين المصالح المتعارضة‪ ،‬مصلحة الفرد‬
‫في المحافظة على حقوقه وحرياته‪ ،‬ومصلحة المجتمع في صون أمنه ونظامه‪ ،‬وهذا ما ينبغي أن يستحضره القاضي‬
‫الجزائي عند النظر في الواقعة الجنائية‪ ،‬ويمكنه االستعانة بكافة الوسائل التي من شأنها أن تعينه على تشكيل اقتناعه‬
‫الوجداني‪ ،‬والوصول إلى الحقيقة وتطبيق العقوبة المناسبة‪ 1‬انظر‬
‫‪ -‬منصور أسحق إبراهيم‪ ،‬ممارسة السلطة وآثارها في العقوبات‪ ،‬دار الرائد للطباعة‪ ،‬القاهرة ‪ ،8912‬ص‪177‬‬

‫‪P 458‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫وال يعد تحديد المشرع للعقوبة على هذا النحو ومنح سلطة تقديرية للقاض ي إهدارا لمبدأ‬
‫الشرعية الجنائية‪،‬‬

‫و بالرغم من منح المشرع القاض ي الجنائي سلطة تقديرية في تحديد الجزاء المالئم‪،‬إال‬
‫أن هذا ال يعني تحكم القاض ي وعدم خضوعه مطلقا لرقابة محكمة النقض بل يتوجب عليه أن‬
‫يمارس سلطته التقديرية ضمن النطاق والشروط التي حددها القانون الجنائي‪ ،‬وهو خاضع في‬
‫ذلك ملحكمة النقض‪ ،‬فقد تضمن المؤتمرالدولي لقانون العقوبات في دورته السابعة المنعقدة‬
‫بأثينا سنة ‪3003‬توصية تفيد أن مبدأ قانونية التجريم والعقاب ال يتعارض مع منح القضاء‬
‫سلطة تقديرية موسعة لتحقيق غايات السياسة العقابية الحديثة في تفريد العقاب‪ ،875‬غيرأن‬
‫هذه السلطة التقديرية ال يجب أن تعتبر سلطة تحكمية‪ ،‬إنما يجب أن تمارس في نطاق قانوني‬
‫يتفق مع المبادئ األساسية التي يؤمن بها المشرع‪ .‬و أنه يستحسن أن يستعين القاض ي عند‬
‫مباشرة هذه السلطة التقديرية بمبادئ قانونية محددة يطبقها على الحاالت الموضوعية التي‬
‫تعرض عليه‪.876‬‬

‫وطالما أن ميدان السلطة التقديرية للقاض ي الزجري‪ :‬يشمل مجالين‪ :‬أولهما يتعلق‬
‫بتقدير قيمة أدلة اإلثبات إعماال لفكرة حرية القاض ي في تكوين اقتناعه كأحد المقومات‬
‫الرئيسية للعملية القضائية‪ ،‬حيث يملك قاض ي الموضوع سلطة تقديرية في قبول أورد أوترجيح‬
‫األدلة‪ ،‬واملجال الثاني‪ :‬يقترن باختيار العقوبة المستحقة للجاني في إطار تفريد العقاب‪ ،‬وال‬
‫سيادة لرقابة محكمة النقض إال على الشق القانوني للدعوى الجنائي ‪،‬أما جانب الو اقع فيخرج‬
‫من نطاق رقابتها إال ما اقترن بمر اقبة مدى اعتماد قاض ي الموضوع للمنطق القضائي لتسبيب‬
‫األحكام والذي بنى عليه اقتناعه‪ ،877‬تطبيقا للقاعدة الراسخة فقهيا أن محكمة النقض ال‬
‫تبسط رقابتها على قضاء الموضوع‪ ،‬لماذا اقتنع بل تر اقب بماذا اقتنع؟ ‪ ،‬وألن التميزبين الو اقع‬
‫والقانون والمعايير مثار جدل إجرائي لم يتم الحسم فيه بعد‪،‬ومنها إشكالية ما إذا كان تقدير‬

‫‪ -875‬لقد اعتبر أحد الباحثين أن من واجب القاضي الجنائي أن يقارب عدله قدر اإلمكان لما يرى اإلنصاف عن‬
‫أجل الوصول إلى أحكام جنائية عادلة تقنع الخصوم والرأي العام‪ ،‬وتأمين عدالة جنائية تكمن سالمة األحكام‬
‫الصادرة خصوصا األحكام القاضية باإلدانة والتي يجب أن تكون منطقية وعقالنية‪ ،‬تقترن من الحقيقة‪1‬‬
‫‪ -‬انظر‪ ،‬مستاري عادل‪ ،‬المنطق القضائي ودوره في ضمان سالمة الحكم الجزائي‪ ،‬رسالة دكتوراة فرع القانون‬
‫الجنائي جامعة محمد حيضرة بسكرة الجزائر‪ ،4088-4080 ،‬ص (أ)‪1‬‬
‫‪ -876‬عادل عزر‪ ،‬النظرية العامة في ظروف الجريمة‪ ،‬أطروحة لنيل درجة الدكتورة جامعة القاهرة‪،8927 ،‬‬
‫ص ‪1220‬‬
‫‪ -877‬أحمد فتحي سرور‪ ،‬النقض الجنائي‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬مصر‪ ،4003 ،‬ص ‪1492‬‬

‫‪P 459‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫وتزداد حدة الخالف‬ ‫العقوبة مسألة و اقع صرف؟ أم يختلط فيها الو اقع بالقانون؟‬
‫عند عدم تحديد محكمة النقض لمعايير ضابطة للتفرقة بين ما هو من مسائل الو اقع فيخرج‬
‫عن رقابتها أو من مسائل القانون فتخضعها للرقابة‪ ،878‬مما يؤدي حتما إلى عدم إدراك قاض ي‬
‫الموضوع حدود سلطته التقديرية باعتبار أن هذه األخيرة هي القطاع الحيوي للقاض ي الذي‬
‫يمكن أن يمارس فيه مبدأ حرية االقتناع‪.879‬‬

‫وفي هذا السياق‪ ،‬تبنت محكمة العليا المصرية حديثا مبدأ قضائيا جديدا بشأن سلطتها‬
‫في الرقابة على األحكام الصادرة من املحاكم الجنائية‪ ،‬وبالتحديد فيما يتعلق بسلطة تقدير‬
‫العقوبة ‪ ،‬وذلك في قرارها الصادرفي ‪ 38‬يوليوز‪ ،5830‬حيث بسطت محكمة النقض رقابتها على‬
‫تقديرمحكمة الموضوع للعقوبة في القضية المعروفة إعالميا ب "أحداث كرداسة" وقد عللت‬
‫قرراها بكون تقدير محكمة الموضوع للعقوبة ال يعدوأن يكون خاتمة مطاف الموضوع‬
‫ومحطته النهائية‪ .‬فمن غير المقبول عقال ومنطقا أن يبقى تقدير العقوبة بمنأى عن رقابة‬
‫محكمة النقض‪ ،‬دون حاجة لنقض الحكم المطعون فيه وتحديد جلسة لنظرموضوعه‪.880‬‬

‫وبالرجوع االتجاه محكمة النقض بالمغرب وقبلها املجلس األعلى نالحظ أن المستقر‬
‫عليه أن تقدير العقوبة من المسائل التي يختص بالنظر فيها قاض ي الموضوع وال حق ملحكمة‬
‫النقض أن تلتفت إليها أو تبسط رقابتها عليها‪ ،‬وبذلك فإن نطاق الظروف املخففة والتي ترك‬

‫‪ -878‬أنظر بتفصيل في محاولة تحديد معايير التمييز بين الواقع والقانون‪ ،‬أحمد مليجي‪ ،‬أوجه الطعن بالنقض‬
‫المتصلة بواقع الدعوى‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬ص ‪ 128‬ومستاري عادل‪ ،‬المنطق القضائي ودوره‬
‫في ضمان سالمة الحكم الجزائي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 824‬وما بعدها‪1‬‬
‫‪ -879‬حرية اقتناع القاضي أو عقيدة القاضي الجنائي هي انطباع أكيد يتولد لدى القاضي نتيجة عملية علمية ذهنية‬
‫ومنطقية تختلج في نفس وضمير القاضي تحت تأثير ما يعرض عليه من وقائع‪ ،‬وما ينطبع في وجدانه من تصورات‬
‫ونماذج للحقيقة الواقعية‪ ،‬فيصل في نهاية تلك العملية إما إلى إذعان حاد وتسليم‪ ،‬وبتعبير آخر‪ ،‬هي السلطة المنضبطة‬
‫في التعامل مع وقائع وأطراف الدعوى الجنائية المحملة إلى القاضي الجنائي‪ ،‬في استخدام األدوات القانونية المقررة‬
‫أو المتاحة عن طريق االستدالل المنطقي باعتبارها المواد األولية لتكوين قناعة ورأي يقيني بإدانة المتهم أو ببراءته‬
‫من مخالفة القانون المنسوب إليه‪ ،‬وبعدم قبول الدعوى ضده أو عدم اختصاصه لنظرها أو غير ذلك‪ 1‬يراجع للمزيد‬
‫من التفصيل في تعريف معنى حرية اقتناع القاضي الجنائي وعقيدته‪- :‬كمال عبد الواحد الجوهري‪ ،‬ضوابط حرية‬
‫القاضي الجنائي في تكوين اقتناعه والمحاكمة الجنائية العادلة‪ ،‬وأوجه أسباب في األحكام الصادرة باإلدانة وفق‬
‫أحكام القوانين المصري والكويتي وقضاء محكمتي النقض والتمييز‪ ،‬الطبعة األولى ‪،‬المركز القومي لإلصدارات‬
‫القانونية ‪ ،‬مصر‪ ،4082 ،‬ص‪ 47‬وما بعدها‪1‬‬
‫‪ -880‬وتعود وقائع القرار إلى أن مجموعة من المهتمين المتابعين على خلفية القضية المعروفة إعالميا بأحداث‬
‫كدراسة تهم القتل العمد وتخريب المباني والمصالح الحكومية والتجهيزات في منطقة كرداسة‪ ،‬وصدر حكم جنائي‬
‫على المهتمين باإلعدام وفي سنة ‪ 4081‬طعن المتهمين بواسطة دفاعهم بالنقض‪ ،‬وبعد المداولة قضت محكمة‬
‫النقض المصرية بدورها بتعديل الحكم المطعون فيه وإلغاء عقوبة اإلعدام‪ ،‬واالكتفاء بالسجن المؤبد‪1‬طعن رقم‬
‫‪ 83342‬لسنة ‪ 11‬قضائية محكمة النقض ‪-‬الدائرة الجنائية‪ -‬جلسة ‪ 80‬يونيو ‪ 4089‬وأورده أحمد صالح‪،‬‬
‫محكمة النقض تفرض رقابتها في تقدير العقوبة‪ :‬اجتهاد بمبدأ للحد من عقوبة اإلعدام أم اجتهاد معزول؟‬
‫‪ hppt//wwwlegal.agender.com‬اطلع بتاريخ ‪ 404822287‬الساعة ‪ 88282‬صباحا‪1‬‬

‫‪P 460‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫أمرها لقاض ي الموضوع الذي له سلطة إعمالها أو إهمالها حسب ما يطمئن إليه من خالل‬
‫ظروف الجريمة وشخصية مرتكبها فاألمر جوازي للقاض ي‪،881‬بخالف نظام األعذار املخففة‬
‫للعقوبة التي يفرض القانون فيها على القاض ي بأن يخفف العقوبة عند توفرها ألنها وسيلة‬
‫للتفريد القانوني‪.‬‬

‫بينما يعتبر تقدير ظروف التشديد ووجودها من عدمه مسألة موضوع ال رقابة ملحكمة‬
‫القانون عليها إال في حدودها العامة‪ ،‬أما تحديدا الظروف القانونية المشددة و أثرها في العقوبة‬
‫أو في وصف الو اقعة المادية للجرم وتطبيقها على المتهم‪ ،‬فتعد من األمور المشمولة برقابة‬
‫النقض‪ ،‬وهوما كرسته محكمة النقض في اجتهاداتها المتواترة نذكر منها القرار عدد ‪0/000‬‬
‫بتاريخ ‪ ،0/0/5830‬الذي اعتبر القرار االستئنافي مشوبا بعيب نقص التعليل لعدم تبريرها‬
‫لألسباب القانونية وعناصراستخالص ظروف تشديد‪ ،‬وهو ما يعرضه للنقض واإلبطال‪.882‬‬

‫وفي هذا السياق ‪،‬فإن استخدام الظروف املخففة التقديرية أو وقف تنفيذ العقوبة‬
‫يخضع لرقابة محكمة النقض‪ ،‬أما إذا لم تستخدم ظروف املخففة ولم يتم منح وقف التنفيذ‬
‫فال تخضع بذلك لرقابة النقض‪ .‬وهذا ما أكدته محكمة النقض في قرار صادر عنها بتاريخ‬
‫‪ 5830.3.30‬حينما اعتبرت أن ما ذهبت إليه محكمة الموضوع من جعل العقوبة نافذة في جزء‬
‫منها وموقوفة في الباقي دون ما تعليل بشأن وقف التنفيذ ال ينسجم والمقتضيات القانونية‬
‫الواجبة التطبيق وخصوصا الفصول ‪ 33‬و ‪ 00‬و ‪ 323‬و ‪ 320‬وما يليه من القانون الجنائي والمادة‬
‫‪ 210‬من قانون المسطرة الجنائية إذ أنه وطبقا لمقتضيات الفصول والمادة أعاله فإنه من غير‬
‫الممكن وقف تنفيذ العقوبة جنائية‪ ،‬وال يمكن العدول عن عقوبتها إال إذ تو افرت ظروف‬
‫قضائية مخففة من شأنها أن تنزل بالعقوبة السجنية عن حدها األدنى وتسمح بالتالي بتطبيق‬

‫‪ -881‬قرار محكمة النقض ع ‪ 9/771‬صادر بتاريخ ‪ 4082/2/7‬في الملف الجنائي ع ‪4082/9/2/322‬‬


‫مجلة افتتاح السنة القضائية ‪ ،‬تصدرها وزارة العدل ‪ ،‬ماي ‪4082‬م ‪،‬ص‪1843‬‬
‫‪ -882‬إن ظروف التخفيف متروك للقاضي الستظهاره من وقائع الدعوى‪ ،‬فال يترتب على القاضي إذ لم يعامل‬
‫المتهم بها و ال يكون حكمه معيبا‪ ،‬لذلك ال يصح أن يكون طلب الرأفة أساسا أو وسيلة للطعن بالنقض‪ ،‬ألنه حتى‬
‫المشرع لم يفرض على قاضي الموضوع بيان أسباب رفض األخذ بالظروف المخففة‪ 1‬ولكن متى قررت المحكمة‬
‫اعتبار واقعة ما سببا مخففا تقديريا‪ ،‬فيكون عندئذ لمحكمة النقض أن تبسط رقابتها على األسباب المانحة لظروف‬
‫التخفيف‪ 1‬والتي منها ما قضت به محكمة التمييز األردنية‪ ،‬من كون األسباب المخففة التقديرية وإن كان متروك‬
‫تقديرها لمحكمة الموضوع‪ ،‬تلجأ إليه عندما تشعر بوجود ما يستدعي الرأفة والشفقة إال أنها ملزمة ببيان أسباب‬
‫التخفيف في القرار‪ ،‬وبما أن المحكمة قد عللت القرار بأخذها يكشف أسبقيات المعذور سوء سلوكه‪ ،‬ولما كان هذا‬
‫السبب ال ينسجم مع واقع المجرم وظروفه ويتناقض مع النظريات العامة التي أخذ منها التشريع الجزائي األسباب‬
‫المخففة ألن ذلك يشجع على ارتكاب الجرائم ‪،‬مما يجعل السبب في غير محله‪ ،‬تمييز جزاء رقم ‪،4002/290‬‬
‫منشورات مركز نمالة‪ ،4002 ،‬أورده خالد سعود بشير الجبور‪ ،‬التفريد العقابي من القانون األردني دراسة مقارنة‬
‫مع القانون المصري والقانون الفرنسي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪1822‬‬

‫‪P 461‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫عقوبة حبسية قد ينتج عنها تمتيع المتهم بوقف التنفيذ عند عدم وجود نص خاص يمنع ذلك‬
‫تطبيقا للمادة ‪ 210‬قانون المسطرة الجنائية التي تمنح لغرفة الجنايات أن تنظرعند االقتضاء‬
‫في تمتيع المتهمين بإيقاف تنفيذ العقوبة إذا تبين لها أن الظروف متو افرة في املحكوم عليه وأن‬
‫العقوبة التي انتهت إليها هي عقوبة حبسية ال سجنية‪ ،‬مما جاء القرار المطعون فيه خارقا‬
‫للقانون وفاسدا يعرضه للنقض واإلبطال‪.883‬‬

‫هكذا يتضح ختاما أن اتساع هامش سلطة التقدير الممنوحة للقضاة في تفريد العقاب‬
‫في أنظمة جنائية مقارنة يوحي بال محدودية نطاق الصالحيات التقديرية في استخدام العقوبة‬
‫دون تعقيب أو رقابة من محاكم النقض إال في حدود ضيقة ‪،‬في ظل غياب معايير قضائية‬
‫مضبوطة وموحدة قد أثر بال شك سلبا ال إيجابا على السياسة القضائية الجنائية وتحديدا في‬
‫األنظمة املخلصة للمذاهب التقليدية‪ ،‬هذه الحدة يظهر لنا أنها تخف في األنظمة الجنائية‬
‫األنجلوسكسونية التي وأن أعطت مجاال واسعا للقاض ي في إعمال سلطته التقديرية في تقدير‬
‫العقوبة وأحيان أخرى تتجاوزصالبة مبدأ الشرعية بتليينه ‪،‬إال أنها تمارس في إطارمن التناسب‬
‫بين الجرم ورد الفعل العقابي وتحت رقابة املحكمة العليا‪،‬وهي تجربة نرى أن تقتدي بها‬
‫الممارسة القضائية في بالدنا ‪ ،‬على أن تؤطرإشكالية التقديرالعقابي‪ ،‬ومعاييره‪ ،‬وحدود امتداد‬
‫الرقابة باجتهادات قضائية ملحكمة النقض توحيدا للعمل القضائي‪ ،‬في انتظار تدخل تشريعي‬
‫يرفع البس ويحدد نطاق السلطة التقديرية لقاض ي الموضوع الجنائي‪.‬‬

‫الئحة المراجع‪:‬‬

‫إدريس لكريني‪ ،‬السلطة التقديرية للقاض ي الزجري‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬مطبعة فضالة‪،‬‬
‫الرباط‪.5882 ،‬‬

‫عبد الرحيم صدقي‪ ،‬السياسة الجنائية في العالم المعاصر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪.3000 ،‬‬

‫‪ -883‬قرار الصادر عن محكمة النقض تحت ع ‪ ،88/21‬ملف جنائي ع ‪ 4088/2/87231‬تنازع‬


‫‪ 4082208282‬وانظر قرار في نفس التوجه ثبت قاعدة عدم جواز إيقاف التنفيذ العقوبة السجنية‪ :‬قرار رقم‬
‫جنائي‬ ‫ملف‬ ‫‪8299‬‬
‫ع ‪ 40327/29/94‬صادر بتاريخ ‪118992/88/03‬أنظر مجلة وزارة العدل والحريات‪ ،‬افتتاح السنة القضائية‬
‫‪ ،4082‬كلمات السادة المسئولين القضائيين واقع المحاكم وأفاق النهوض بها‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪1372‬‬

‫‪P 462‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫عبد الله الفاصل عيس ى‪ ،‬السلطة التقديرية نظرا وتطبيقا دراسة تأصيلية مقارنة‪ ،‬مقال‬
‫منشوربالموقع االلكتروني ‪ http://arabslowyer.com/article‬تاريخ االطالع ‪ 5858/0/58‬على‬
‫الساعة الثانية والنصف زواال‪.‬‬

‫فهد الكساسبة‪ ،‬وسائل وضوابط السلطة التقديرية للقاض ي الجزائي في التفريد‬


‫العقابي‪ ،‬مقال منشوربمجلة علوم الشريعة والقانون‪ ،‬مج ‪ ،25‬ع ‪.5830 .3‬‬

‫سهيلة بوزالفة‪ ،‬مبدأ عدم اإلفالت من العقاب‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في‬
‫القانون الخاص‪ ،‬جامعة سيدي محمد بن عبد الله‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬فاس‪.5830/5830 ،‬‬

‫موالي الحسن اإلدريس ي‪ ،‬السياسة العقابية بالمغرب التحديات واإلصالحات‪ ،‬أطروحة‬


‫لنيل الدكتوراة في القانون الخاص كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية سال‬
‫الموسم الجامعي ‪.5830-5830‬‬

‫أكرم نشأت إبراهيم‪ ،‬الحدود القانونية لسلطة القاض ي الجنائي في تقدير العقوبة‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪.5885،‬‬

‫حاتم حسن موس ى بكار‪ ،‬سلطة القاض ي الجنائي في تقدير العقوبة والتدابير‪ ،‬منشأة‬
‫اإلسكندرية ‪.5885‬‬

‫منصور أسحق إبراهيم‪ ،‬ممارسة السلطة و آثارها في العقوبات‪ ،‬دار الر ائد للطباعة‪،‬‬
‫القاهرة ‪.3002‬‬

‫مستاري عادل‪ ،‬المنطق القضائي ودوره في ضمان سالمة الحكم الجزائي‪ ،‬رسالة دكتوراة‬
‫فرع القانون الجنائي جامعة محمد حيضرة بسكرة الجزائر‪.5833-5838 ،‬‬

‫عادل عزر‪ ،‬النظرية العامة في ظروف الجريمة‪ ،‬أطروحة لنيل درجة الدكتورة جامعة‬
‫القاهرة‪.3030 ،‬‬

‫‪P 463‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫–‬

‫سلطة القاضي يف تقدير التعويض عن‬


‫الضرر‬
‫يف املسؤولية التقصريية يف القانون املوريتاني‬
‫‪The authority of the judge in assessing compensation for damage in tort‬‬
‫ملخص المقال‪:‬‬
‫يهدف هذا المقال إلى ستليط الضوء على مدى سلطة القاض ي في تقدير التعويض عن‬
‫الضرر في المسؤولية التقصيرية في ظل القانون الموريتان‪ ،‬و إبراز كل ما تحتويه النصوص‬
‫الواردة بهذا الشأن في قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬والتي يتبين من خاللها أن القاض ي يتمتع‬
‫بسلطة واسعة بشأن تقدير التعويض عن الضرر سواء على مستوى نوع التعويض أو على‬
‫مستوى قيمة التعويض في حالة ما إذا كان التعويض املحكوم به تعويضا نقديا‪ ،‬و أنه ال ش يء‬
‫يقيد هذه السلطة إال ما وضعه القانون من قواعد ومعايير يلزم القاض ي بمراعاتها عند تقدير‬
‫التعويض‪.‬‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫المسؤولية المدنية عموما هي االلتزام بتعويض الضررالمترتب عن االخالل بالتزام أصلي‬


‫سابق‪ ،‬وهذا األخيرإما أن يكون ناشئا عن عقد أو ناشئا عن القانون‪.884‬‬

‫‪ 884‬ـ حمليل صالح‪ ،‬سلطة القاضي في تقدير التعويض عن المسؤولية المدنية في القانون والقضاء الجزائري‪،‬‬
‫مجلة الفقه والقانون‪ ،‬ع‪ ،44‬يولويو ‪ ،4041‬ص‪120 :‬‬

‫‪P 464‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫وهذا ما جعل الفقه يميز بين نوعين من المسؤولية المدنية‪ ،‬فأطلق على المسؤولية‬
‫الناشئة عن االخالل بالتزام عقدي مصطلح " المسؤولية العقدية"‪ ،‬فيما أطلق على المترتبة‬
‫عن االخالل بالتزام قانوني مصطلح " المسؤولية التقصيرية"‪.885‬‬

‫والشخص عند ما يخل بالتزام مقررفي ذمته وفقا ألحد نوعي المسؤولية المدنية‪ ،‬ويترتب‬
‫عن ذلك االخالل ضرر يلحق بالغير‪ ،‬فإنه يصبح ملزم بتعويض الشخص المضرور عما أصابه‬
‫من ضرر‪.‬‬

‫وقد كان االلتزام بالتعويض عن الضررفي ظل القانون الروماني والقانون المدني القديم‬
‫يقوم على فكرة عقاب الشخص املخطئ‪ ،‬ثم بعد ذلك بدأ التعويض يقتصر دوره على وظيفة‬
‫إصالح الضرر وذلك في ضوء الشريعة اإلسالمية والقوانين المدنية المعاصرة‪ ،‬لتصبح هذه‬
‫الوظيفة هي الوظيفة الوحيدة للتعويض‪.886‬‬

‫فالمسؤولية التقصيرية مثال لها وظيفة تعويضية‪ ،‬حيث أن المسؤول ملزم بتعويض‬
‫المضرور‪ ،‬وذلك ألن مضمونها هو إعادة التوازن المفقود بسبب حصول الضرر وإرجاع‬
‫الضحية إلى الوضعية التي كان عليها قبل حدوث الفعل الضار‪ ،887‬فعند ما تتو افر أركانها من‬
‫خطأ وضرروعالقة سببية بين الخطأ والضرر فإنها تتعقد‪ ،‬ويترتب على قيامها آثار تتمثل في حق‬
‫المضرور في التعويض عما أصابه من ضرر‪ ،‬فقد نصت المادة ‪ 00‬و‪ 00‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬على حق‬
‫المضرورفي التعويض‪ ،‬كما قررت المواد‪ 358 – 330 – 330 :‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬بعض األحكام الواجبة‬
‫التطبيق في ميدان التعويض عن الضرر‪.‬‬

‫فالتعويض هو وسيلة القضاء لجبر الضرر الذي لحق بالمضرور‪ ،‬وذلك من خالل إزالة‬
‫الضرر كامال أو التخفيف منه‪ ،‬وقد فرضه المشرع كغيره من التشريعات على كل من تسبب في‬
‫إحداث ضرر للغير‪ ،‬كمت أن الفقه مجمع على حق الضحية في التعويض الكامل عن الضرر‬
‫الذي لحق به حيث أعتبر أن التعويضات ينبغي أن تضمن جبرا كليا للضرر الذي لحق‬
‫بالمضرور‪ ،888‬فالمبدأ هو أن التعويضات ينبغي أن تضمن التعويض الكامل والتام للمضرور‪،‬‬

‫‪ 885‬ـ سليمان مرقس‪ ،‬الوافي في شرح القانون المدني في االلتزامات‪ ،‬ج‪ ،4‬الفعل الضار والمسؤولية المدنية‪ ،‬د‬
‫ط‪ ،‬د د ن‪ ،‬د ت ن‪ ،‬ص‪1444 :‬‬
‫‪ 886‬ـ حمليل صالح‪ ،‬م س ذ‪ ،‬ص‪120 :‬‬
‫‪ 887‬ـ عبد الرحمن الشرقاوي‪ ،‬القانون المدني‪ ،‬مصادر االلتزام‪ ،‬ج‪ ،4‬الواقعة القانونية‪ ،‬ط‪ ،2‬مطبعة المعارف‬
‫الجديدة‪ ،‬الرباط‪ ،4042 ،‬ص‪1441:‬‬
‫‪ 888‬ـ نفس المرجع‪ ،‬ص‪1 442 :‬‬

‫‪P 465‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫بحث تغطي كل الضررولكن دون غيره‪ ،‬فمبدأ المساواة أوالتكافؤأوالعدالة يفرض على القاض ي‬
‫تقديرا محددا للضرر‪ ،‬أي يحب على القاض ي أن يقررتعويضا عن الضرربأكمله‪ ،‬على اعتبارأن‬
‫التعويض إنما يمثل مقابال للضرر‪ ،‬ومن هنا يتعين أن يكون متعادال مع الضرر الحاصل‪ ،‬ومن‬
‫هذا المنطلق فإن التعويض ينبغي أن ال يتجاوزحدود الضررالذي أصاب المضرور‪.‬‬

‫فالضررهو القياس الذي يقدرالقاض ي التعويض على أساسه‪ ،‬مع مراعاة خطورة الخطأ‬
‫من عدمها‪ ،‬وكذا مراعاة دورالضحية في احداث الضرر‪ ،‬وذلك طبقا لمقتضيات المادة ‪(330‬ق‬
‫ل ع) التي جاء فيها‪ ...<< :‬ويجب على املحكمة أن تقدر االضرار بكيفية مختلفة حسبما تكون‬
‫ناتجة عن خطإ المدين أو عن تدليسه>>‪.‬‬

‫فما هو التعويض عن الضررفي المسؤولية التقصيرية؟‬

‫التعويض لغة يعني "الخلف والبدل"‪ ،889‬بمعني العوض‪ ،‬والجمع أعواض‪ ،‬وأعاضه كذا‬
‫عوضا‪ :‬أي أعطاه إياه بدل ما ذهب منه‪ ،‬فهوعائض‪ ،‬وأعاضه منه‪ :‬أخذ العوض‪ ،‬واعتاض فالن‪:‬‬
‫سأله العوض‪.890‬‬

‫فمثال يقال أخذ فالن الكتاب عوضا عن ماله أي بدال منه وأعاضه وعوضه تعويضا‪،‬‬
‫وعاوضه‪ :‬أي أعطاه العوض أي البدل‪ ،‬فأعاضه فالن عن كذا أي أعطاه عوضا أي بدال‪،‬‬
‫واعتاضني فالن إذا جاء طالبا العوض‪.‬‬

‫والتعويض هو مصطلح التعويض هو مصطلح قانوني‪ ،‬ويقابله في الشريعة اإلسالمية‬


‫مصطلح الضمان أو التضمين‪ ،‬فقد ورد الضمان بمعنى التعويض على لسان فقهاء الشريعة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬من ذلك ما ذكره االمام الغزالي من أن الضمان هو‪" :‬واجب الش يء أو بدله بالمثل أو‬
‫بالمقابل"‪ ،891‬كما عرفه الدكتور‪ :‬مصطفى الزرقاء بأنه‪" :‬التزام بتعويض مالي عن ضرر‬
‫الغير"‪.892‬‬

‫وقد شرع الضمان للجبر ال للعقوبة‪ ،‬لذلك لم يفرق الفقهاء في الضمان بين المميز وغير‬
‫المميزوالعامد واملخطئ انطالقا من القاعدة "العمد والخطأ في أموال الناس سواء"‪ ،‬ألن الخطأ‬

‫‪ 889‬ـ الفيروز آبادي‪ ،‬القاموس المحيط‪ ،‬ج‪ ،4‬مطبعة مصطفى البابي‪ ،‬مصر ‪ ،4254‬ص‪1 350 :‬‬
‫‪ 890‬ـ محمد فتح الله النشار‪ ،‬حق التعويض المدني في الفقه االسالمي والقانون الوضعي‪ ،‬دار الجامعة الجديدة‬
‫للنشر‪ ،‬االسكندرية‪ ،‬مصر ‪ ،4004‬ص‪145 :‬‬
‫‪ 891‬ـ أبي حامد الغزالي‪ ،‬الوجيز في الفقه االسالمي الشافعي‪ ،‬ج‪ ،4‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،4212 ،‬ص‪1 404 :‬‬
‫‪ 892‬ـ محمد فتح الله النشار‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪1 41 :‬‬

‫‪P 466‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫ال ينفي عصمة املحل‪ ،‬فكل فعل ضار يؤدى إلى إلحاق الضرر بالغير يعد مخالفا للشرع‪ ،‬وما دام‬
‫الضرر ممنوعا في الشرع فإنه البد من رفعه‪ ،‬ومن هنا شرع الضمان في األموال يؤدى بموجبه‬
‫المسؤول عوضا عما أتلفه لجبرالضرروإزالته وإعادة الحال إلى ما كان عليه قبل وقوع الضرر‪.‬‬

‫وأما على مساوى الفقه القانوني فقد تعدد تعريفات الفقهاء للتعويض‪ ،‬ومن هذه‬
‫التعريفات نذكر تعريفه بأنه‪" :‬وسيلة القضاء ملحو الضرر أو تخفيف وطأته إذا لم يكن محوه‬
‫ممكن‪ ،‬والغالب أن يكون مبلغا من المال يحكم به للمضرور على من أحدث الضرر‪ ،‬ولكنه قد‬
‫يكون شيئا آخرغيرالمال كالنشرفي الصحف أوالتنويه بحق المدعى في الحكم‪ ،893‬كما أن هناك‬
‫من عرفه بأنه‪" :‬وسيلة إلصالح الضرر وعلى وجه التحديد يقصد به اإلصالح وليس املحو التام‬
‫والفعلي للضررالذي وقع‪.894‬‬

‫إن موضوعا التعويض يعد من مواضيع المسؤولية المدنية بصفة عامة والمسؤولية‬
‫التقصيرية بصفة خاصة التي تثير بعض اإلشكاالت التي تحتاج إلى دراسة تحليله متخصصة‬
‫ومعمقة‪ ،‬فعلى الرغم من عديد الكتابات فيه في ضوء التشريعات العالمية إال أنه لم يحظى ولو‬
‫قليال بالكتابة فيه في إطار القانون الموريتاني‪ ،‬وهذا ما دفعني إلى اختيار " سلطة القاض ي في‬
‫تقدير التعويض عن الضرر في المسؤولية التقصيرية" كعنوان لهذا المقال‪ ،‬باإلضافة إلى‬
‫األهمية التي يحتلها موضوع التعويض عن الضرر في حياة الناس الو اقعية‪ ،‬وذلك الرتباطه‬
‫بالحياة العملية لألطراف‪ ،‬وكذا السعي إلثراء المكتبات الموريتانية والمساهمة في توفير‬
‫المراجع المتخصصة لطالب الجامعة وللباحثين نظرا لندرة الكتابات في إطار القانون‬
‫الموريتاني المتعلقة بمواضيع المسؤولية المدنية عموما‪ ،‬وموضوع التعويض عنها على وجه‬
‫الخصوص‪.‬‬

‫وفي ضوء هذا الطرح جاءت اإلشكالية الرئيسة لهذا الموضوع في السؤال التالي‪:‬‬

‫ما مدى سلطة القاض ي في تقديره للتعويض عن الضرر في المسؤولية التقصيرية التي‬
‫يمنحه القانون الموريتاني؟‬

‫‪ 893‬ـ منذر الفضل‪ ،‬النظرية العامة لاللتزامات‪ ،‬ج‪ ،4‬مصادر االلتزام‪ ،‬د ط‪ ،‬مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫عمان‪ ،4222 ،‬ص‪1 142 :‬‬
‫‪ 894‬ـ سعيد السيد قنديل‪ ،‬آليات تعويض األضرار البينية‪ ،‬دراسة في ضوء األنظمة القانونية واالتفاقيات الدولية‪ ،‬د‬
‫ط‪ ،‬دار الجامعة الجديدة للنشر‪ ،‬االسكندرية‪ ،4001 ،‬ص‪145 :‬‬

‫‪P 467‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫ولمعالجة هذا الموضوع في ضوء هذه اإلشكالية‪ ،‬فقد قسمناه إلى فقرتين‪ :‬تناولنا في‬
‫الفقرة األولى‪ :‬صور التعويض عن الضرر وكيفية تقديره‪ ،‬فيما تناولنا في الفقرة الثانية‪ :‬مدى‬
‫سلطة القاض ي في التعويض عن الضرر‪.‬‬

‫‪ .33‬الفقرة األولى‪ :‬صورالتعويض عن الضرروكيفية تقديره‬

‫إذا كانت بعض التشريعات المقارنة قد تطرقت لشكل التعويض‪ ،895‬إال أن المشرع‬
‫الموريتاني لم يتعرض لهذه المسألة حيث لم ينص على صور التعويص التي يمكن الحكم بها‬
‫قضائيا‪ ،‬يل ارك االمر للقض ى على ما يبدو الختيار التعويض المناسب عينيا كان أو نقديا‪ ،‬مع‬
‫ضرورة مراعاة القاض ي لبعض القواعد التي الوم مراعاتها عند تقديرالتعويض‪.‬‬

‫وسنتعرض لصورالتعويض عن الضرر(أوال)‪ ،‬على أن نتناول كيفية تقديره( ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬صورالتعويض عن الضرر‬

‫لم يحدد المشرع الموريتاني الصور التي يتخذها التعويض‪-‬كما ذكرنا آنفا‪ ،-‬إال أنه‬
‫بالرجوع إلى العمل القضائي الموريتاني وخاصة في مجال التعويض عن المسؤولية التقصيرية‬
‫الناجمة عن حوادث السير‪ ،‬نالحظ أن القضاء غالبا ما يحكم بالتعويض النقدي ‪-‬كما سنرى‬
‫الحقا عند الحديث عن التعويض النقدي‪-‬غير أن ذلك ال يعني عدم إمكانية أن يجيء التعويض‬
‫في صورة التعويض العيني ‪ ،‬فالمسؤولية التقصيرية عندما تثبت في حق مرتكبي الخطأ ‪ ،‬فإن‬
‫الحكم بالتعويض يأخذ إحدى صورتين‪:‬‬

‫ـ الحكم برد الحال إلى ما كان عليه وهذا ما يسمى بالتعويض العيني‬

‫ـ الحكم بجبر الضرر وتعويض المضرور‪ ،‬وهذا ما يسمى بالتعويض بمقابل (نقدي أو غير‬
‫نقدي)‬

‫‪ -3‬التعويض العيني‬

‫‪ 895‬ـ كالمشرع المدني األلماني والمسرع المدني السويسري‪ ،‬انظر بهذا الحصوص‪ ،‬عبد الرحمن الشرقاوي‪ ،‬م‬
‫س ذ‪ ،‬ص‪1302 :‬‬

‫‪P 468‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫يعرف التعويض العيني بأنه‪" :‬الحكم بإعادة الحال إلى ما كان عليه قبل أن يرتكب‬
‫المسؤول الخطأ الذي أدى إلى وقوع الضرر"‪.896‬‬

‫فهو يؤدى إلى إصالح الضرر إصالحا تاما بإعادة المتضرر (طالب التعويض) إلى الوضع‬
‫نفسه الذي كان عليه قبل حصول الضرر‪ ،‬فهو يسمى بالتعويض العيني لكونه يزيل الضررعينا‪،‬‬
‫وهو يغلب في األضرارالمادية‪.‬‬

‫والتعويض العيني بهذا المعني يعد أفضل من التعويض بمقابل‪ ،‬ذلك أنه يؤدى إلى محو‬
‫الضرروإزالته بدال من بقاء الضررعلى حاله وإعطاء المضرورمبلغا من المال عوضا عنه‪ ،‬كما‬
‫هو الحال في التعويض النقدي‪ 897‬ـ كما سنرى الحقا ـ‬

‫ويرى البعض أن التعويض العيني كثيرا ما يقع في االلتزامات التعاقدية‪ ،‬أما المسؤولية‬
‫التقصيرية عن الفعل الشخص ي كصورة من صور المسؤولية التقصيرية‪ ،‬فنادرا ما يقع في‬
‫نطاقها مثل هذا التعويض‪.898‬‬

‫وإمكانية دحض هذا القول (الذي يرى بأن التعويض العيني في المسؤولية التقصيرية‬
‫نادرا) ‪ ،‬مستساغ استنادا إلى الظروف الناجمة عن التقدم العلمي في املجال الطبي والتقني وفي‬
‫مختلف مجاالت الحياة ‪ ،‬فما كان مستعصيا إصالحه عينا من األضرار واإلصابات الجسدية ‪،‬‬
‫والتي كانت تصيب اإلنسان في زمن مض ى جراء تعرضه لفعل ضار ‪ ،‬لم يعد كذلك اآلن ‪ ،‬حيث‬
‫أصبحت األضرار التي تصيب اإلنسان في جسمه وتترتب عليها تشويهات ‪ ،‬أصبح من الممكن‬
‫تعويض هذه التشويهات عينا ‪ ،‬وذلك من خالل إجراء عملية تجميلية للمضروربحيث تعيده إلى‬
‫الحالة التي كان عليها قبل وقوع الضرر‪ ،‬والكثيرمما كان يعد من األضرارالتي يستحيل إصالحها‬
‫عينا والتي تلحق األشخاص في وقتنا الحاضر قد ال تبقى كذلك بعد فترة من الزمن بفضل ما‬
‫نشهده من تقدم هائل ومتسارع في مختلف مجاالت الحياة ‪ ،‬وبالتالي فإن تعلق التعويض العيني‬
‫بصورة غالبة وحسب نوعية المسؤولية ال يمكن إخضاعه لضابط محدد ‪ ،‬كما أنه ال أهمية‬
‫إلخضاعه لمثل هذا الضابط الذي يحدد المدى األوسع للتطبيق في نطاق أي من المسؤوليتين‬

‫‪ 896‬ـ نصير صبار لفته الجبور‪ ،‬التعويض العيني‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬ط‪ ،4‬دار قنديل للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪،‬‬
‫‪ ،4040‬ص‪142 :‬‬
‫‪ 897‬ـ عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون المدني الجديد‪ ،‬ج‪ ،4‬نظرية االلتزام بوجه عام‪ ،‬مصادر‬
‫االلتزام‪ ،‬ط‪ ،4‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬د ت ن‪ ،‬ص‪/ 222 :‬محمود جالل حمزة‪ ،‬الفعل غير المشروع‬
‫باعتباره مصدرا لاللتزام‪ ،‬د ط‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪ ،4245 ،‬ص‪1454 :‬‬
‫‪ 898‬ـ عبد الرزاق السنهوري ‪ ،‬ج‪ ، 4‬م س ذ ‪ ،‬ص‪1222‬‬

‫‪P 469‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫ما دام التعويض العيني أمر ممكن في نطاق أي منهما (عقدية وتقصيرية) وال يوجد مانع قانوني‬
‫يحول دون اللجوء إليه ‪ ،‬فالمواد‪ (330 – 00 – 00 :‬ق ل ع) أوجبت التعويض عن الضررسواء‬
‫كان أدبيا أو ماديا وتركوا لقاض ي الموضوع سلطة تقديرية لتقديرالتعويض المناسب والممكن‬
‫‪ ،‬والتقديرالمناسب قد يرى القاض ي بأن يكون عينيا متى كان ممكن ‪ ،‬أو أن يكون بمقابل‪.‬‬

‫فالمادة ‪ 00‬وردت عامة‪ ،‬االمرالذي يمكن معه العتداد بشرعية التعويض العيني‪ ،‬حيث‬
‫جاء فيها‪ << :‬كل فعل ارتكبه اإلنسان عن بينة واختيارمن غيرأن يسمح له به القانون‪ ،‬فأحدث‬
‫ضررا ماديا أو معنويا للغير‪ ،‬التزم مرتكبه بتعويض هذا الضرر‪ ،>>...‬فالمشرع ترك سلطة‬
‫واسعة للقاض ي في تحديد شكل التعويض ليحكم بما يراه مناسبا‪ ،‬كأن يحكم بالتعويض العيني‬
‫إذا تبين له أنه األكثرمالئمة للمضرورما لم يكن مستحيال‪.899‬‬

‫ونشير إلى أن هناك من الفقهاء من يرى أن التعويض العيني هو أفضل طرق التعويض‪،‬‬
‫وذلك ألنه يفض ي إلى إصالح الضررإصالحا كامال بإرجاع الوضعية إلى ما كانت عليه‪.900‬‬

‫وهذا التوجه هو الذي اعتمده الفقه اإلسالمي‪ ،‬بل إن هذا األخير اعتبرالتعويض العيني‬
‫هو األصل بحيث ال ينتقل القاض ي إلى ضمان القيمة إال إذا تعذر ضمان المثل على اعتبار أنه‬
‫ه و التعويض المثالي الكامل‪ ،‬لكونه يمثل المقابل الذي يطابق األصل شكال وعقال‪ ،‬بخالف‬
‫التعويض بمقابل الذي ال يطابقه إال عقال‪.901‬‬

‫فالمسؤولية التقصيرية هي إخالل الشخص بالتزام قانوني ملقى على عاتقه وهو عدم‬
‫اإلضرار بالغير دون حق ‪ ،‬وقد يتخذ اإلخالل بهذا االلتزام صورة القيام بعمل تمكن إزالته ومحو‬
‫أثره‪ ،902‬كما إذا شيد شخص حائطا في ملكه ليسد عن جاره الضوء والهواء تعسفا منه ‪ ،‬ففي‬
‫هذه الحالة يكون الباني مسؤوال مسؤولية تقصيرية نحو الجار لتعويض‪ ،‬ويجوز هنا أن يكون‬
‫التعويض عينا بهدم الحائط على حسابه‪ ،‬كما أن التعويض يكون عينيا إذا التزام المسؤول بأن‬
‫يؤدى للمضرور شيئا غير النقود أو يقوم بعمل لحساب المضرور‪ ،903‬ومثال ذلك أن يلتزم من‬

‫‪ 899‬ـ التعويض العيني قيد يكون مستحيال في بعض الحاالت‪ ،‬وهذه االستحالة قد تكون مادية مثال‪ :‬كما هو الحال‬
‫بالنسبة لفقدتني شخص عزيز أو حالة ضياع شيء فريد ال يمكن استبداله‪1‬‬
‫‪ 900‬ـ عبد الحق صافي‪ ،‬الوجيز في القانون المدني‪ ،‬ج‪ ،4‬المصادر غير االرادية لاللتزام‪ ،‬د ط‪ ،‬مطبعة النجاح‬
‫الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،4045 ،‬ص‪1435:‬‬
‫‪ 901‬ـ عبد الرحمن الشرقاري‪ ،‬م س ذ‪ ،‬ص‪1344 :‬‬
‫‪ 902‬ـ عبد الرزاق السنهوري ‪ ،‬ج‪ ، 4‬م س ذ‪ ،‬ص‪1222 :‬‬
‫‪ 903‬ـ محمد لبيب شلب‪ ،‬الوجيز في مصادر االلتزام‪ ،‬المصادر غير االرادية‪ ،‬د ط‪ ،‬دار النهضة العربية للطباعة‬
‫والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،4222 ،‬ص‪1444‬‬

‫‪P 470‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫أتلف سيارة لغيره أن يسلمه سيارة غيرها من نوعها أو يلتزم الطبيب الذي أحدث جرحا بغيره أن‬
‫يجري له عملية جراحية‪.‬‬

‫فالتعويض العيني إذا هو الطريقة الناجعة بالنسبة للمضرور‪ ،‬فهو يهدف إلى محو ما‬
‫لحقه من ضرر طالما كان ذلك ممكن‪ ،‬أي إعادة الحال إلى ما كان عليه واألصل في الشريعة‬
‫اإلسالمية التي تقض ي أنه إذا كان الش يء الذي تلف مثليا وجب تعويضه بمثله‪ ،‬وإذا كان قيميا‬
‫فثمنه‪ ،904‬غيرأنه يصعب في بعض الحاالت إعادة الحال إلى ما كان عليه‪ ،‬مما يدفع املحكمة إلى‬
‫اللجوء إلى التعويض بمقابل‪.‬‬

‫‪ -5‬التعويض بمقابل‬

‫قد يصعب في كثيرمن األحيان محو وإصالح آثارالضرربإعادة الحال إلى ما كان عليه قبل‬
‫حدوث الضرر عن طريق التعويض العيني‪ ،‬عندئذ ال يبقى من سبيل عدا الرجوع إلى أحكام‬
‫التعويض بمقابل والذي يمكن تعريفه بأنه‪" :‬إلزام المسؤول عن الضرر بأداء مبلغ من النقود‬
‫أو أية ترضية من جنس الضررتعادل مقداره إلى المضرور‪.905‬‬

‫وهذا يعني أن التعويض بمقابل إما أن يكون تعويضا نقديا وهو الشائع في ألنه ينسجم‬
‫أكثر مع إصالح الضرر الناجم عن الفعل الضار‪ ،‬أو تعويض غير نقدي كأن تحكم املحكمة في‬
‫دعوى السب والقذف ينشرالحكم الصادرإلدانة المسؤول في الجرائد مثال ‪.906‬‬

‫أ‪ -‬التعويض النقدي‪:‬‬


‫التعويض النقدي هو التعويض الذي يغلب الحكم به في دعوى المسؤولية التقصيرية‪907‬‬

‫فاألصل في التعويض عن هذه المسؤولية أن يحكم القاض ي بإلزام محدث الضرر بمبلغ من‬
‫النقود للمضرور يتساوى في مقدوره مع الضرر الذي لحقه‪ .908‬ويكمن السبب وراء ذلك في‬

‫‪ 904‬ـ وهبة الزحيلي ‪ ،‬نظرية الضمان‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪ ،‬ص‪ 45‬وما بعدها ‪1‬‬
‫‪ 905‬ـ محمد وحيد الدين اسوار‪ ،‬شرح القانون المدني‪ ،‬النظرية العامة لاللتزامات‪ ،‬ج‪ ،4‬مصادر االلتزام‪ ،‬د ط‪،‬‬
‫جامعة دمشق‪4214 ،‬م‪ ،‬ص‪1 431 ،‬‬
‫‪ 906‬ـ عبد الحق صافي‪ ،‬م س ذ‪ ،‬ص‪1435 :‬‬
‫‪ 907‬ـ أغلب األحكام الصادرة عن القضاء الموريتاني في المسؤولية التقصيرية يأخذ فيها التعويض صورة التعويض‬
‫النقدي ‪ ،‬ومن هذه األحكام ما صدر عن الغرفة المدنية بمحكمة والية نواكشوط (الحكم رقم‪ 4041/042 :‬بتاريخ‪:‬‬
‫‪ ، 4041/03/30‬والحكم رقم‪ 4041/041 :‬بتاريخ‪ ، 4041/03/30 :‬والحكم رقم‪ 4045/054 :‬بتاريخ‪:‬‬
‫‪1 )4045/02/44‬‬
‫‪ 908‬ـ األصل في الفقه االسالمي أن يكون التعويض عينيا (ال نقديا ‪ ،‬ألنه أقرب إلى العدل ‪ ،‬أما في القوانين المدنية‬
‫فإن األولوية للتعويض النقدي ‪ ،‬والسبب في ذلك هو أن األصل التاريخي لتلك القوانين هو القانون الروماني الذي‬

‫‪P 471‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫القابلية االستهالكية الكيرة للنقود كونها تصلح لتعويض أنواع الضرر كافة‪ ،909‬فضال عن أن‬
‫التعويض النقدي يفتح للمضرورباب الخيارعلى مصراعين في أن يفعل بمبلغ التعويض ما تمليه‬
‫رغبته‪ ،‬التي غالبا ما ترشده إلى األسلوب األفضل لجبرالضررالذي تعرض له‪.910‬‬

‫هذا وإن كان األصل في التعويض النقدي أن يكون دفعة واحدة يدفع إلى المضرورأو إلى‬
‫الورثة ‪ ،‬إال أنه يمكن لقاض ي الموضوع في بعض األحيان أن يخرج عن هذا األصل تبعا للظروف‬
‫‪ ،‬ويحدد طريقة التعويض على وجه آخر ‪ ،‬وذلك بأن يكون التعويض النقدي مبلغ مقسطا ‪،‬‬
‫بحيث يتحدد عدد هذه األقساط وقيمتها أو على شكل إيراد مرتب مدى الحياة ‪ ،‬والفرق بين‬
‫الصورتين (مبلغ مقسطا و إيرادا مدى الحياة) أن التعويض المقسط يدفع على أقساط محدد‬
‫عددها ويتم استيفاء التعويض بدفع آخر قسط منها ‪ ،‬أما اإليراد المرتب فهو غير محدد العدد‬
‫ألنه مرتبط بحياة الشخص ‪ ،‬فال يمكن معرفة تاريخ موته ‪ ،‬إلى جانب التأمين الذي قد تقرره‬
‫املحكمة في هذه الحالة لضمان استمرار دفع المدين لإليراد‪.911‬‬

‫وللقاض ي الخيار في أن يلجأ إلى األصل في طريقة التعويض أو أن يخرج عليها بحسبما إذا‬
‫كانت مناسبة للمضرور‪ ،‬فالمضرور من جراء ارتكاب الفعل الضار ضده قد يصاب في جسمه‪،‬‬
‫مما يؤدى إلى إصابته بعجزيمنعه من العمل مدة معينة من الزمن ‪ ،‬فيحكم له القاض ي بتعويض‬
‫على أقساط حتى يشفى ويعود إلى العمل‪ ،‬وإن كان هذا العجز دائم فيحكم له بمرتب مدى‬
‫الحياة‪ ،‬حيث يتمتع قاض ي الموضوع في هذا الشأن بسلطة تقديرية واسعة‪ ،‬فلو رجعنا إلى رغبة‬
‫المضرور لوجدنا أنه يفضل الحصول على مبلغ التعويض دفعة واحدة‪ ،‬وذلك بغرض‬
‫استثمارها ‪ ،‬غير أن ذلك ليس في مصلحة المدين‪ ،‬المسؤول الذي يفضل أن يكون المبلغ على‬
‫شكل أقساط ‪ ،‬أو على شكل إيراد مرتب مدى الحياة ‪ ،‬مما يسهل عليه الدفع من جهة ‪ ،‬وربما‬
‫يتوفى المضرورعاجال ويربح المدة المتبقية‪.‬‬

‫كانت المحاكم الرومانية في ظله تفضل تعزير الممتنع عن تنفيذ التزامه ‪ ،‬فتأثرت تلك القوانين المدنية بهذه الفكرة‬
‫‪ ،‬فأعطت األولوية للتعويض النقدي ‪ ،‬ولكون التعويض العيني قد يكون مستعصيا في بعض األحيان ‪ ،‬انظر الدكتور‪:‬‬
‫عدنان إبراهيم السرحان و نوري حمد خاطر ‪ ،‬شرح القانون المدني ‪ ،‬مصادر الحقوق الشخصية (االلتزامات) ‪،‬‬
‫دراسة مقارنة ‪ ،‬ط‪ ، 4‬دار الثقافة ‪ ،‬عمان ‪ ،4004‬ص‪1410 :‬‬
‫‪ 909‬ـ عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬م س ذ‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪1 221 :‬‬
‫‪ 910‬ـ عدنان إبراهيم سرحان و نور حمد خاط‪ ،‬م س ذ‪ ،‬ص‪1 110 :‬‬
‫‪ 911‬ـ منذر الفضل‪ ،‬م س ذ‪ ،‬ص‪1 130 :‬‬

‫‪P 472‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫بيد أنه ثارخالف فقهي حول إمكانية قطع جزء من المبلغ اإلجمالي لمصلحة المسؤول ‪،‬‬
‫حيث ذهب البضع‪ 912‬إلى أن هناك أحكام قضائية تجيز مثل هذا االقتطاع ‪ ،‬فضال عن أن‬
‫العدالة تقتض ي ذلك ‪ ،‬وما يبرر ذلك أن المتضرر الذي حصل على التعويض دفعة واحدة إذا‬
‫مات بعد مدة قصيرة من حادث جديد فإن المسؤول يتعرض إلى خسارة كبيرة ‪ ،‬على عكس‬
‫الحال إذا كان التعويض إيرادا مرتبا مدى الحياة فإنه يستوقف حتما على موت المضرور ‪،‬‬
‫ولذلك يقولون من العدل أخذ هذا االحتمال بعين االعتبار وتعويض المسؤول عن مثل هذا‬
‫الخطر‪ ،‬وذلك بإعطائه الحق في اقتطاع جزء من مبلغ التعويض‪.913‬‬

‫غيرأن هذه الحجة غيرقاطعة ألن الخطرليس ببعيد عن المتضررنفسه‪ ،‬إذ من املحتمل‬
‫أن تمتد حياته إلى أكثرمما قدرلها‪ ،‬وبهذا يكون المتضررالذي قبض التعويض دفعة واحدة قد‬
‫حصل على مبلغ أقل من مجموع اإليراد‪.‬‬

‫كما قيل أيضا تبريرا لجواز االقتطاع بأن العجز الدائم سيتقلص حتما مع مرور الزمن‬
‫بسبب التعود عليه ‪ ،‬وبفضل العناية التي لم يكن باإلمكان توقعها في البداية ولما كان من‬
‫المستحيل إعادة النظر في تقدير التعويض ضد مصلحة المتضرر ولو تحسنت حالته الصحية‬
‫أو زال عدم قدرته على العمل ‪ ،‬فإن من العدالة اقتطاع جزء من مبلغ التعويض الذي يدفع له‬
‫جملة واحدة ‪ ،‬ولكن يرد على هذه الحجة بأن الخبراء يأخذون عادة في تقديرهم نسبة العجز‬
‫الدائم ‪ ،‬وإمكانية تحسن حال المصاب على مر الزمن ‪ ،‬ولذا ترى أن استقطاع أية نسبة من‬
‫المبلغ المقدرجملة واحدة ليس له ما يبررال في نصوص القانون وال في منطق العدالة‪.914‬‬

‫أما إذا أدت اإلصابة إلى عجز دائم للمضرور فإن أفضل طريق للحكم له بالتعويض‬
‫النقدي هي أن يكون إيرادا مرتبا مدى الحياة‪ ،‬ألن الضرر الناش ئ عن هذا العجز ال يظهر بهيئته‬
‫الكاملة مباشرة‪ ،‬بل يستمرإلى غاية وفاة المضرور‪ ،‬وذلك الحال إذا فقد المضرورعائله الوحيد‬
‫الذي يكفله‪ ،‬السيما إذا كان قاصرا فينبغي أن يحكم له بإيراد مرتب مدى الحياة‪.‬‬

‫‪ 912‬ـ عبد العزيز اللصاصمه ‪ ،‬م س ذ‪ ،‬ص‪1 421‬‬


‫‪ 913‬ـ نفس المرجع ونفس الصفحة‪1‬‬
‫‪ -‬سعدون العامري‪ ،‬تعويض الضرر في المسؤولية التقصيرية‪ ،‬د ط‪ ،‬مركز البحوث القانونية‪ ،‬بغداد‪،4244 ،‬‬
‫ص‪1 455 :‬‬
‫‪ 914‬ـ عبد العزيز اللصاصمه‪ ،‬م س ذ‪ ،‬ص‪1425‬‬
‫‪ -‬سعود العامري‪ ،‬م س ذ‪ ،‬ص‪1452‬‬

‫‪P 473‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫ونظرا إلى أن اإليراد قد يستمرمدة طويلة مما قد يطرأ معه ارتفاعا في األسعارو انخفاضا‬
‫في قيمة النقود‪ ،‬مما يؤدى إلى تدهور حالة المضرور وعدم كفاية هذا المبلغ لسد حاجته‪ ،‬من‬
‫هذا المنطلق ثارتساؤل في الفقه والقضاء الفرنسيين حول ما إذا كان بإمكان املحاكم أن تجعل‬
‫اإليراد مناسبا مع ارتفاع مستوى المعيشة‪.915‬‬

‫ولقد واجهت فكرة ربط اإليراد بمستوى المعيشة حجج منها‪ :‬أن التعويض يجب أن يقدر‬
‫في يوم صدور الحكم دون أخذ في االعتبار الظروف االقتصادية المستقبلية‪ ،‬وقد رد على هذه‬
‫الحجة بأنها غيرمقنعة‪ ،‬فالقضاء قد أوجب تقديرالتعويض بحسب قيمة الضررفي يوم وقوعه‪،‬‬
‫فإنه إنما جعل ذلك ليجعل التعويض كامال على اعتبارأنه يجب أن يكون معادال ومناسبا للضرر‬
‫في اليوم الذي يحق فيه للمضرورقبض المبلغ‪.‬‬

‫والحجة الثانية ضد ربط اإليراد بارتفاع تكاليف المعيشة‪ ،‬فهي تقوم على مبدأ عدم‬
‫تعويض الضرر غير المباشر ألنه ال يوجد في نظر هؤالء عالقة سببية بين خطأ المسؤول وبين‬
‫الضرر الذي لحق بالمصاب بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة‪ ،‬ولهذا ال يمكن تحميله تبعة‬
‫التقلبات االقتصادية والنقدية الخارجة عن إرادته‪.916‬‬

‫يتبين لنا مما سلف أن التعويض النقدي يكاد يكون أكثر الوسائل مالئمة إلصالح الضرر‬
‫والوسيلة المثلى لجبره‪ ،‬أو التخفيف من حدة وطأته على المضرور‪ ،‬كون النقود تتمتع بالقابلية‬
‫على االنتشاروالتبادل وهي مقبولة من الجميع بوصفها أداة معلومة القيمة تصلح لجبرالضرر‪،‬‬
‫وهذا ما دفع املحاكم للحكم به غالبا في نطاق المسؤولية التقصيرية‪.‬‬

‫ب‪ -‬التعويض غيرالنقدي‬

‫يراد بالتعويض غيرالنقدي صدورأمرمن املحكمة بأداء أمرمعين على سبيل التعويض‪،‬‬
‫فهذا النوع من أنواع التعويض ال هو بالتعويض النقدي الذي يلزم المسؤول عن الضرر بدفع‬
‫مبلغ من النقود للمضرور‪ ،‬وال هو بالتعويض العيني الذي يتضمن إعادة الحال إلى ما كان عليه‬
‫قبل تحقق الضرر‪ ،‬إنما يتمثل في انسب صورة للتعويض تراعي فيها ظروف ومصلحة المضرور‬
‫في كثيرمن األحيان‪ ،‬ويطلق البعض على التعويض غيرالنقدي التعويض األدبي‪.917‬‬

‫‪ 915‬ـ عبد العزيز اللصاصمه‪ ،‬م س ذ‪ ،‬ص‪1422 :‬‬


‫‪ 916‬ـ سعود العامري‪ ،‬م س ذ‪ ،‬ص‪/ 452‬عبد العزيز اللصاصمه ‪ ،‬م س ذ‪ ،‬ص‪1421 :‬‬
‫‪ 917‬ـ سعود العامري‪ ،‬م س ذ‪ ،‬ص‪ / 454 :‬محمود جالل حمزة‪ ،‬م س ذ‪ ،‬ص‪1453 :‬‬

‫‪P 474‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫فالتعويض غير النقدي يمكن اعتباره تعويض من نوع خاص تقتضيه الظروف في بعض‬
‫الصور وحسب نوع الضرر املحدث‪ ،‬ويغلب الحكم به في الضرر المعنوي دون الضرر المادي‪،‬‬
‫ومن صوره أن يأمر القاض ي المسؤول بنشر الحكم الصادر ضده على نفقته الشخصية‪ ،‬حيث‬
‫يعد هذا النشرتعويضا عما أصاب المضرورمن ضررمعنوي‪.918‬‬

‫ثانيا‪ :‬كيفية التقديرعن الضرر‬

‫إن القاض ي اثناء تقديره للتعويض عن الضرر ملزم بمراعاة بعض القواعد التي وضعها‬
‫المشرع‪ ،‬حتى يتوصل إلى الحكم بتعويض عادل وكامل‪ ،‬ولكن قبل أن التعرض لهذه القواعد‬
‫سنتساءل عن وقت استحقاق التعويض‪ ،‬هل هو من وقت حدوث الضرر أم من وقت صدور‬
‫الحكم؟‬

‫‪ -3‬وقت استحقاق التعويض‬

‫إذا كان للقاض ي أن يقدرالتعويض وفقا لطبيعة الضررالحاصل‪ ،‬فإن هناك سؤال يطرح‬
‫حول الوقت الذي ينشأ فيه حق المضرورفي التعويض‪ ،‬هل هو وقت وقوع الضررأم وقت صدور‬
‫الحكم؟‪.‬‬

‫من خالل البحث في احكام التعويض عن الصرر في المسؤولية التقصيرية في قانون‬


‫االلتزامات والعقود لم نقف على قواعد قانونية تجيب عن هذا التساؤل وهو ما يستدعي منا‬
‫البحث في ما كابه فقهاء القانون بهذا الشأن‪ ،‬وسنرى أنه برز رأيان فقهيان في هذا الصدد ‪ ،‬رأي‬
‫يقول بنشوء الحق في التعويض ابتداء من تاريخ صدور الحكم ومن أنصاره الفقيه "مازو"‪، 919‬‬
‫حيث يرى أن الحكم بالتعويض منش ئ للحق وليس كاشفا له ‪ ،‬ألن الحق في التعويض حقا غير‬
‫محدد المقدارإلى حين صدورالحكم الذي يحدد مقداره ‪ ،‬ولذلك وجب االعتداد بعناصرالضرر‬
‫وقت صدورالحكم‪ ،920‬ففي الحالة التي ينتظرفيها المضرورالحكم في دعوى التعويض فإن تاريخ‬
‫صدورالحكم هو وقت تحديد التعويض الذي يستهدف تمكين المضرورمن إصالح الضرر‪.921‬‬

‫‪ 918‬ـ أمجد محمد منصور‪ ،‬الكظرية العامة لاللتزامات‪ ،‬مصادر االلتزام‪ ،‬ط‪ ،4‬الدار العلمية الدولية ودار دار‬
‫الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،4003 ،‬ص‪ / 353‬محمد وحيد الدين سوار‪ ،‬م س ذ‪ ،‬ص‪1435 :‬‬
‫‪ 919‬ـ مقدم سعيد‪ ،‬نظرية التعويض عن الضرر المعنوي‪ ،‬د ط‪ ،‬المؤسسة الوطنية للكتاب‪ ،‬الجزائر‪ ،‬د ت ن‪ ،‬ص‪:‬‬
‫‪1402‬‬
‫‪ 920‬ـ نفس المرجع‪ ،‬ونفس الصفحة‪1‬‬
‫‪ 921‬ـ عبد الحق صافي‪ ،‬م س ذ‪ ،‬ص‪1434 :‬‬

‫‪P 475‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫في حين يذهب رأي أغلب الفقهاء‪ 922‬إلى القول بأنه يجب االعتداد بوقت وقوع الضرر‬
‫كتاريخ لنشوء الحق في التعويض لكونه يعتبر الوقت الذي تكتمل فيه أركان المسؤولية‪ ،‬فقبل‬
‫وقوع الضررال يتصورنشوء الحق‪ ،‬والحكم ليس إال كاشفا للحق ال منشئا له‪.‬‬

‫وللوقت الذي ينشأ فيه الحق في التعويض أهمية علمية تتمثل خاصة إذا كان الحكم‬
‫منشئا للحق فإنه‪:‬‬

‫ـ ليس للمضرورقبل اتخاذ الحكم اتخاذ أي إجراء تحفظي‬

‫ـ ال يمكن للمضرورأن يتصرف في هذا الحق إال بعد صدورالحكم المنش ئ لهذا الحق‬

‫ـ العبرة بحساب التعويض وتقديره من يوم صدورالحكم‬

‫ـ يسري التقادم من يوم صدورالحكم‪.‬‬

‫ومهما يكن فإنه يجب التمييز بين حق المضرور في التعويض وتقدير التعويض‪ ،‬فاألول‬
‫ينشأ منذ وقوع الضرر‪ ،‬أما الثاني فإنه يقدربقيمة الضرروقت الحكم‪.‬‬

‫وهناك رأي وسط قالت به األستاذة "ريبيرت" وأخذ به األستاذ "اللو"‪ 923‬مؤداه أنه يجب‬
‫التمييزبين االلتزام بإصالح الضرروبين االلتزام بدفع التعويض‪ ،‬فاألول ينشأ وقت وقوع الضرر‪،‬‬
‫ولهذا فإن الحق في التعويض ينشأ في ذلك الوقت وهوحق ينتقل إلى الورثة‪ ،‬ويتحول هذا االلتزام‬
‫إلصالح الضرر إلى االلتزام بدفع التعويض وقت الحكم‪ ،‬ولذلك يجب االعتداد بذلك الوقت في‬
‫تقدير مبلغ التعويض وتبعا لذلك تجب مراعاة التطورات التي تكون قد حدثت منذ وقوع‬
‫الضرر‪.924‬‬

‫وخالصة القول فإن حق المضرورفي التعويض ينشأ من وقت وقوع الضررذلك أن العمل‬
‫غير المشروع هو مصدر الحق في التعويض‪ ،‬فإذا تحقق الضرر وقت صدور هذا الفعل الضار‬
‫وجد الحق في التعويض منذ ذلك الوقت‪ ،‬أما إذا حصل الضرر بعض مض ي زمن على اقتراف‬
‫الفعل الخاطئ فإن الحق ال يوجد إال من وقت تحقق الضرر‪ ،‬ألن هذا الوقت هو الذي تكتمل‬

‫‪ 922‬ـ عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬ج‪ ، 4‬م س ذ‪ ،‬ص‪1 224 :‬‬


‫‪ 923‬ـ منير قزمان‪ ،‬التعويض المدني في ضوء الفقه والقضاء‪ ،‬ط‪ ،4‬دار الفكر الجامعية‪ ،‬االسكندرية‪ ،‬مصر‬
‫‪ ،4004‬ص‪143 :‬‬
‫‪ 924‬ـ نفس المرجع ونفس الصفحة‪1‬‬

‫‪P 476‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫فيه أركان المسؤولية‪ ،‬ومن أهم اآلثارالتي تترتب على ذلك أن القانون الذي ينطبق على االلتزام‬
‫هو القانون الذي يسرى وقت وقوع الضررال وقت صدورالحكم‪.‬‬

‫‪ -5‬القواعد التي يخضع لها تقديرالتعويض‬

‫إذا وقع عمل غير مشروع كان للمضرور الحق في التعويض عما لحقه من ضرر‪ ،‬وقد أيد‬
‫المشرع الموريتاني حق المضرورفي التعويض في المواد‪( 00 – 00 :‬ق‪.‬ل‪.‬ع) وقررفي المواد‪330 :‬‬
‫– ‪ 358 – 330‬من نفس القان بعض األحكام الواجبة التطبيق في نطاق التعويض‪ ،‬وتتلخص في‬
‫أربعة قواعد هي‪:‬‬

‫القاعدة األولى‪ :‬يجب أن يكون التعويض عن الضررتعويضا كامال‪ ،‬بحيث يشمل الخسارة‬
‫التي لحقت المدعى (المضرور) والمصروفات الضرورية التي اضطر أو سيضطر إلى إنفاقها‬
‫إلصالح نتائج الفعل الذي ارتكب إضرارا به وكذا ما حرم من نفع في دائرة الحدود العادية(انظر‬
‫الفقرة‪ 3‬من المادة ‪ 330‬ق‪.‬ل‪.‬ع)‪.‬‬

‫القاعدة الثانية‪ :‬يجب على املحكمة أن ترعى إذا ما كان الضرر الذي لحق المضرور جاء‬
‫نتيجة لخطأ المسؤول أو تدليسه (انظرالفقرة‪ 5‬من المادة‪ 330‬ق‪.‬ل‪.‬ع)‪.‬‬

‫القاعدة الثالثة‪ :‬إذا وقع الضررمن أشخاص متعددين يعملون متو افقين‪ ،‬كان كل منهم‬
‫مسؤوال بالتضامن عن نتائج ال فرق بين من كان منهم محرضا أو شريكا أو فاعال أصليا(انظر‬
‫المادة ‪ 330‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪.).‬‬

‫القاعدة الرابعة‪ :‬يسري الحكم نفسه من حيث المسؤولية التضامنية إذا تعدد‬
‫منهم‪925‬‬ ‫المسؤولون عن الضرر وتعذر تحديد فاعله األصلي من بينهم أو تعذر تحديد مناب كل‬
‫(انظرالمادة ‪ 358‬ق‪.‬ل‪.‬ع)‪.‬‬

‫وإن كان حسب رأيي ما نصت عليه المادة ‪ 330‬هو التضامن بمعناه االصطالحي‬
‫الصحيح‪ ،‬أما ما نصت عليه المادة ‪ 358‬فيمكن التعبير عنه بالتضامم ال التضامن أي أن‬
‫المضرور ضمهم لكي يضمن التعويض عما لحقه من ضرر‪ ،‬وليس هناك تضامن سابق بينهم‬
‫بالمفهوم الصحيح للتضامن‪.‬‬

‫‪ 925‬ـ عبد العزيز اللصاصمه‪ ،‬م س ذ‪ ،‬ص‪1442‬‬

‫‪P 477‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬مدى سلطة القاض ي في تقديرالتعويض عن الضرر‬

‫منح المشرع القاض ي سلطة واسعة لتقدير التعويض عن ذلك الضرر في المسؤولية‬
‫التقصيرية‪ ،‬نظرا لما له من سلطة مطلقة لتكييف الوقائع المادية وتقدير مقدار الضرر الذي‬
‫على أساس يتحدد مقدار التعويض‪ ،‬فمتى تبن للقاض ي تو افر شروط المسؤولية التقصيرية‪،‬‬
‫فإنه يحكم بالتعويض وله سلطة تقديرية واسعة في تحديد الطريقة األمثل ليتم بها‬
‫التعويض(أوال)‪ ،‬كما أنه يعتمد في تقديره ذلك علال معاييرمحددة قانونيا(ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬تحديد نطاق سلطة القاض ي في تقديرالتعويض عن الضرر‬

‫التعويض في أي صورة من صوره يقدربمقدارالضررالمباشرالذي ترتب عن الخطأ سواء‬


‫كان هذا الضررماديا أو معنوي‪ ،‬وسواء كان حاال أو مستقبليا‪.‬‬

‫والضرر المباشر يشتمل على عنصرين أساسيين هما‪ :‬الخسارة التي لحقت المضرور‬
‫والكسب الذي فاته‪ ،926‬فقد نصت المادة ‪(330‬ق ل ع) في فقرتها األولى على أن الضرريشمل ما‬
‫لحق المدعى من خسارة وما فاته من نفع‪ ،‬وفي فقرتها األخير منحت القاض ي سلطة واسعة في‬
‫سبيل تقدير التعويض عن الضرر‪ ،‬حيث نصت على أنه‪" :‬ويجب على املحكمة أن تقدر األضرار‬
‫بكيفية مختلفة حسبما تكون ناتجة عن خطأ المدين أو عن تدليسه"‪.‬‬

‫و انطالقا من هذا النص فإن القاض ي متى تبينت له الطريقة المناسبة إلصالح كافة‬
‫األضرارالالحقة بالمضرور سعى لتقديرالتعويض عنها‪ ،‬وله في ذلك سلطة واسعة ـ كما أسلفنا ـ‬
‫فهو غيرملزم بنصاب معين أو بمبلغ ثابت لجبرهذه األضرار‪.927‬‬

‫إال أن هذه السلطة الممنوحة للقاض ي في سبيل تقدير التعويض عن الضرر تحكمها‬
‫ضوابط معينة ألنها ال تعد حالة نفسية يحكم من خاللها القاض ي حسب هوائه وميوالتها‪،‬‬
‫فتقدير التعويض يعد مسألة موضوعية وقانونية ‪ ،‬تفرض على القاض ي عند االضطالع بها‬
‫استبعاد كل إجحاف أو مغاالة ‪ ،‬فعليه فقط أن يلتزم بالضرر الفعلي المباشر ويقدر التعويض‬
‫بقدره‪ ،‬وفي سبيل تحقيق ذلك يجوزللقاض ي اللجوء إلى ذوي الخبرة واالختصاص‪ ،‬إذا استعصت‬
‫عليه أي مسألة يكون من شأن الكشف عنها إما إعطاء الوصف الحقيقي أو التكييف القانوني‬

‫‪ 926‬ـ عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬م س ذ‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪1214 :‬‬


‫‪ 927‬ـ مصطفى العوجي‪ ،‬القانون المدني‪ ،‬ج‪ ،4‬المسؤولية المدنية‪ ،‬ط‪ ،4‬منشورات الحلي الحقوقية‪ ،‬بيروت‬
‫‪ ،4001‬ص‪1244 :‬‬

‫‪P 478‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫للوقائع بما فيها تحقيق جسامة الضرر‪ ،‬ما لم يكن األمر يتعلق بما يدخل في سلطته‪ ،‬ذلك ألن‬
‫الخصوم ملزمين بتقديرالوقائع ‪ ،‬في حين يلتزم القاض ي بتطبيق القانون على الوقائع المعروضة‬
‫أمامه‪ ،‬وال يجوز له أن يفوض فيها أي أحد غيره‪ ،‬وله اعتماد ما وصل إليه الخبير ـ الذي عادة ما‬
‫يكون طبيبا محلفا بالنسبة لألضرارالتي تصيب الجسم ـ ـ في حكمه ‪ ،‬كما أن له رفضه ‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬المعاييرالتي يعتمد عليها القاض ي في تقديرالتعويض‬

‫وقد وضع المشرع مجموعة من العناصر والمعايير أوجب على القاض ي االعتماد عليها‬
‫للوصول إلى تقديرالتعويض بما يتناسب والضرر‪ ،‬فال يجوزله أن يستبعد عنصرا منها‪ ،‬وتتمثل‬
‫هذه العناصرفي وجوب مراعاة ما يلي‪:‬‬

‫ـ ما لحق المضرورمن خسارة وما فاته من كسب‬

‫ـ الظروف المالبسة‪.‬‬

‫‪ .3‬ما لحق المضرورمن خسارة وما فاته من كسب‪:‬‬

‫إن تقديرقاض ي الموضوع للتعويض يجب أن يراعى ما لحق المضرورمن خسارة وما فاته‬
‫من كسب حتى يجيء التعويض شامال لما يعتبرضررا مباشرا ‪ ،‬سواء كان خسارة لحقت المضرور‬
‫أوكسبا ضاع عليه ‪ ،‬جاء في الفقرة األولى من المادة ‪ << :330‬الضررفي الجرائم وأشباه الجرائم‪،‬‬
‫هو السارة التي لحقت المدعي فعال‪ ،‬والمصروفات الضرورية التي اضطرأو سيضطرإلى اتفاقها‬
‫إلصالح نتائج الفعل الذي أرتكب إضرارا به‪ ،‬وكذلك ما حرم من نفع في دائرة الحدود العادية‬
‫لنتائج هذا الفعل>>‪ ،‬ألن هذان العنصران هما اللذان يقومهما القاض ي بالمال‪ ،928‬فلو أن‬
‫شخصا أتلف سيارة مملوكة لشخص آخر وكان صاحب السيارة اشتراها ب‪ 188‬ألف وحصل‬
‫على وعد من الغير أن يشتريها منه ب‪ 288‬ألف‪ ،‬فالثالثمائة ألف األولى هي الخسارة التي لحقت‬
‫صاحب السيارة‪ ،‬ومائة ألف والتي هي الفارق بين ما اشتراها بيه وبين ما كان سيبيعها به‪ ،‬هي‬
‫الكسب الذي فاته ‪ ،‬وكالهما ضررمباشريستوجب التعويض‪.‬‬

‫وفي مثال آخر كأن يصيب الفعل الضار ممثال أو مغنيا في أثناء ذهابه إلى حفلة كان قد‬
‫تعهد بإنعاشها‪ ،‬ففي هذه الحالة فإن الممثل أو المغني يستحق التعويض عما لحقه من خسارة‬

‫‪ 928‬ـ محمود جالل حمزة‪ ،‬م س ذ‪ ،‬ص‪1451‬‬

‫‪P 479‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫مثل‪ :‬تكاليف تنقالته وعالجه‪ ،‬كما يستحق تعويضا عما فاته من كسب وهو مقدار الريع الذي‬
‫كان سيجنيه من إحياء تلك الحفلة باعتبارذلك كسبا ضاع عليه‪.‬‬

‫كما أنه يدخل في مفهوم الكسب الفائت أو " ما حرم من نفع" حسب تعبير المادة ‪330‬‬
‫أعاله‪ ،‬مجدر التأخر في استيفاء المنفعة‪ ،‬فمثال لو أن هناك شخص يملك قطعة أرضية أتفق‬
‫مع مقاول لبناء نزل سياحي عليها لغرض االستثمار‪ ،‬غير أن المقاول لم ينفذ العمل أو تأخر في‬
‫تسليم البناية في التاريخ المتفق عليه فأدى ذلك إلى إلحاق ضرر بصاحب األرض‪ ،‬ويتمثل ذلك‬
‫الضررفي ما فات عليه من ربح كان من الممكن أن يحصل عليه لوأتم المقاول العمل في الموعد‬
‫المتفق عليه من خالل استثمار النزل( الفندق)‪ ،‬وبالتالي على القاض ي أثناء تحديده لقيمة‬
‫التعويض عن الضرر الذي لحق بصاحب األرض(الدائن) مراعاة ما فات هذا األخير من كسب‬
‫أي ما حرم من نفع نتيجة تقصيرالمقاول في تنفيذ التزاماته‬

‫وال يدخل في الحساب عند تقديرالتعويض أن يكون الضررمتوقعا أو غيرمتوقع ذلك أنه‬
‫في المسؤولية التقصيرية يشمل التعويض كل ضرر مباشر متوقعا كان أو غير متوقع بخالف‬
‫المسؤولية العقدية‪.‬‬

‫وإلزامية القاض ي بمراعاة هذين العنصرين أثناء تقدير التعويض يهدف إلى جعل‬
‫التعويض كامال وشامال وبالتالي يغطي الضرر‪.929‬‬

‫‪ .5‬الظروف المالبسة‬

‫جاء في الفقرة الثانية من المادة‪ << :330‬ويجب على املحكمة أن تقدير األضرار بكيفية‬
‫مختلفة حسبما تكون ناتجة عن خطإ المدين أوعن تدليسه>>‪ ،‬فال شك في أن تقديرالضررعلى‬
‫هذا النحو سيؤثر على تقدير التعويض عنه ألن ما يؤثر في الضرر فهو ال محال يؤثر في التعويض‬
‫عنه ألن األول هو مقياس القاض ي لتقديرالثاني‪.‬‬

‫وعموما فقد استقر التشريع والفقه والقضاء على عوامل تجب مراعاتها أثناء تقدير‬
‫التعويض لما لها من أثر على تقديره‪ ،‬وجب على القاض ي االعتداد بها بغية أن يجيء التعويض‬
‫عن الضررجابرا وكامال وعادال‪ ،‬حيث أن هناك عوامل خاصة بالمضرورتؤثرفي مبلغ التعويض‬

‫‪ 929‬ـ عبد الكريم شهون‪ ،‬الشافي في شرح قانون االلتزامات والعقود المغربي‪ ،‬الكتاب األول‪ ،‬االلتزام بوجه عام‪،‬‬
‫ج‪ ،4‬مصادر االلتزام‪ ،‬ط‪ ،4‬د د ن‪ ،‬د ب ن‪ ،4222 ،‬ص‪1 121 :‬‬

‫‪P 480‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫املحكوم به‪ ،‬وهناك عوامل خاصة بالمسؤول (المدين) تجب مراعاتها عن تقدير التعويض‬
‫أحيانا‪.‬‬

‫أ) الظروف الخاصة بالمضرورو أثرها على تقديرمبلغ التعويض‪:‬‬

‫تعد الحالة الصحية للمضرورووضعه المالي‪ ،‬عوامل خاصة به تؤثرفي تقديرالتعويض‪،‬‬


‫حيث يجب االعتداد بالحالة الصحية للمضرور قبل وقوع االعتداء‪ ،‬فإذا كان المضرور مصاب‬
‫في أحد عينين‪ ،‬وأصيب في العين األخرى فإن ضرره أقدح من الضررالذي يصيب شخصا سليما‪.‬‬

‫كما يكون محال لالعتبار حالة المضرور العائلية والمالية‪ ،‬فمن يعيل زوجة و أبناء يكون‬
‫ضرره أشد من الضررالذي يصيب األعزب‪ ،‬وال يمكن للقاض ي أن يغفل الوضع المالي للمضرور‬
‫أثناء تقدير التعويض باعتباره طرفا خاصا بالنسبة إليه رغم تباين المو اقع الفقهية‬
‫والتشريعية حوله‪.‬‬

‫ففي حالة تقدير التعويض عن الضرر فإن القاض ي عادة ما ينظر إلى الوضع المالي‬
‫واالجتماعي للمضرورحتى وإن لم يفصح عن ذلك في حكمه ‪ ،‬وما يبررذلك هو أن القوة الكسبية‬
‫للمضرور ليست واحدة ‪ ،‬فمن كان كسبه أكبر كان الضرر الذي حيق به أشد‪ ، 930‬فال يجوز‬
‫العتداد بالظروف الشخصية عند تقدير مبلغ التعويض للمسؤول ‪ ،‬فال تأثير‪ ،‬لما إذا كان‬
‫المسؤول غنيا أو فقيرا‪ ،‬ولما إذا كان يعيل أسرة أم ال يعيل إال نفسه‪ ،‬كما ال أهمية كذلك ما إذا‬
‫كان هو الذي سيتحمل التعويض في النهاية‪ ،‬أم أن التعويض ستتحمله شركة التأمين‪ ،‬إذا كان‬
‫قد سبق له أن أمن لديها على أخطارأفعاله الموجبة للمسؤولية‪.‬‬

‫ب) الظروف الخاصة بالمسؤول و أثرها على تقديرمبلغ التعويض‪:‬‬

‫لقد اختلف الفقهاء حول الظروف الشخصية التي تالبس فعل المسؤول على رأيين‪:‬‬

‫‪ ‬رأي يرى عدم االعتداد بها ومن القائلين بها الرأي الدكتور‪ :‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬حيث‬
‫يرى أن الظروف الشخصية للمسؤول ال تؤخذ بعين االعتبارعند تقديرالتعويض‪ ،‬إنما‬

‫‪ 930‬ـ ليس المقصود أن المضرور إذا كان غنيا كان أقل حاجة إلى التعويض من الفقير‪ ،‬والضرر واحد أصاب‬
‫غنيا أو فقيرا‪ ،‬إنما الذي يدخل في االعتبار هو اختالف الكسب الذي يفوت المضرور من جراء اإلصابة التي‬
‫لحقته‪1‬‬

‫‪P 481‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫الذي يؤخذ بعين االعتبار عند تقدير التعويض الظروف املحيطة بالمضرور ال‬
‫المسؤول‪.931‬‬

‫ويبدو أن األستاذ السنهوري تراجع عن هذا الرأي حيث يقول بالحرف الواحد في حاشية‬
‫الصفحة ‪ 001‬ما نصه‪" :‬وقد رأينا أن الحالة المالية لكل من المسؤول والمضرورومقدار يسار‬
‫كل منهما يكون محل اعتبارفي تقديرالتعويض"‪.‬‬

‫‪ ‬أما الرأي الثاني‪ 932‬فيذهب إلى وجوب االعتداد بالظروف المالبسة للمسؤول‪ ،‬ويمكن‬
‫حصرالعوامل الخاصة بالمسؤول التي تؤثرفي تقديرمبلغ التعويض عن الفعل الضار‪،‬‬
‫فمن الناحية الو اقعية يتأثرالقاض ي حتما ببعض العوامل والظروف حين يقررالعقوبة‬
‫الجنائية ويحكم بالتع ويض المدني‪ ،‬فالقاض ي ال يمكن أن يهمل جسامة الخطأ السيما‬
‫إذا كان التعويض ناتجا عن جريمة جنائية‪.933‬‬

‫واألصل أال ينظر القاض ي إلى جسامة الخطأ عند تقدير التعويض بل ينظر إلى جسامة‬
‫الضرر‪ ،‬ومهما كان الخطأ جسيما فإن التعويض يجب أال يزيد على الضررالمباشر‪ ،‬فالتعويض‬
‫المدني أمرموضوعي ال يراعى فيه إال األضرار‪ ،‬في حين أن العقوبة الجنائية ش يء ذاتي يراعى فيه‬
‫جسامة الخطأ‪.‬‬

‫وإذا كان هو األصل إال أن القاض ي يميل إلى االعتداد بجسامة الخطأ‪ ،‬وهذا شعورطبيعي‬
‫يستولي على القاض ي‪ ،‬فما دام مقدار التعويض موكال إليه فإنه يميل إلى زيادته إذا كان الخطأ‬
‫جسيما وإلى التخفيف إذا كان الخطأ يسيرا‪.934‬‬

‫فالقضاء يسيرفي العمل ـ في أغلب األوقات ـ على منح تعويض أكبرإذا كان الخطأ جسيما‪،‬‬
‫السيما فيما يتعلق بتقديرالتعويض عن الضررالمعنوي‪ ،‬وقد أدى هذا االعتبارالعملي بالمشرع‬
‫الموريتاني أن يتبناه‪ ،‬فجاء يقض ي في الفقرة الثانية من المادة ‪ 330‬من ق‪.‬ل‪.‬ع على أنه‪" :‬يجب‬
‫على املحكمة أن تقدر األضرار بكيفية مختلفة حسبما تكون ناتجة عن خطأ المدين أو عن‬
‫تدليسه‪.‬‬

‫‪ 931‬ـ عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬ج‪ ،4‬م س ذ‪ ،‬ص‪1 213‬‬


‫‪ 932‬ـ منذر الفضل‪ ،‬م س ذ‪ ،‬ص‪1 135‬‬
‫‪ 933‬ـ نفس المرجع ونفس الصفحة‪ ،‬ص‪1 135‬‬
‫‪ 934‬ـ د‪ /‬عبد الرزاق السنهوري ‪ ،‬ج‪ ، 4‬م س ذ‪ ،‬ص‪1 211‬‬

‫‪P 482‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫الخ ـ ــاتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ــة‪:‬‬

‫يناول المشرع على غرار غيره من التشريعات‪ ،‬مسألة التعويض عن الضرر كجزاء لقيام‬
‫المسؤولية التقصيرية‪ ،‬وقد أطلق يد القاض ي في تقديره حيث منحه سلطة واسعة في هذا‬
‫الصدد نوع التعويض المناسب أو قيمته في حالة ما إذا كان تعويضا نقديا‪ ،‬إال أن هذه السلطة‬
‫احكمها مجموعة من القواعد والمعايير الضابطة لها‪ ،‬إذ يجب على القاض ي أن يحدد االضرار‬
‫التي يقوم بتقدير التعويض عنها من حيث نوعها‪ ،‬كأن تكون مثال أضرار مباشرة أو اضرار‬
‫مستقبلية مؤكدة الحصول‪ ،‬كما أن عليه أن يراعي في تقدير التعويض مجموعة من العناصر‬
‫التي أوردها المشرع في المادة‪ 330‬ق ل ع‪.‬‬

‫قائمـ ـ ـ ـ ــة الم ـ ـراجـ ـ ـ ـ ــع‪:‬‬

‫‪ ‬الفيروزآبادي‪ ،‬القاموس املحيط‪ ،‬ج‪ ،5‬مطبعة مصطفى البابي‪ ،‬مصر‪.3005 ،‬‬

‫‪ ‬سليمان مرقس‪ ،‬الوافي في شرح القانون المدني في االلتزامات‪ ،‬ج‪ ،5‬الفعل الضار‬
‫والمسؤولية المدنية‪ ،‬ط‪ ،0‬د د ن‪ ،‬د ب ن‪.3000 ،‬‬

‫‪ ‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون المدني الجديد‪ ،‬ج‪ ،3‬نظرية االلتزام‬
‫بوجه عام‪ ،‬مصادرااللتزام‪ ،‬ط‪ ،3‬دارإحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬د ت ن‪.‬‬

‫‪ ‬عبد الرحمن الشرقاوي‪ ،‬القانون المدني‪ ،‬مصادر االلتزام‪ ،‬ج‪ ،5‬الو اقعة القانونية‪،‬‬
‫ط‪ ،3‬مطبعة المعارف الجديدة‪ ،‬الرباط‪.5830 ،‬‬

‫‪ ‬محمد فتح الله النشار‪ ،‬حق التعويض المدني في الفقه اإلسالمي والقانون الوضعي‪،‬‬
‫دارالجامعة الجديدة للنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪.5885 ،‬‬

‫‪ ‬أبي حامد الغزالي‪ ،‬الوجيزفي الفقه اإلسالمي الشافعي‪ ،‬ج‪ ،3‬دارالمعرفة‪ ،‬بيروت‪.3000 ،‬‬

‫‪ ‬منذرالفضل‪ ،‬النظرية العامة لاللتزامات‪ ،‬ج‪ ،3‬مصادرااللتزام‪ ،‬د ط‪ ،‬مكتبة دارالثقافة‬


‫للنشروالتوزيع‪ ،‬عمان‪.3003 ،‬‬

‫‪ ‬سعيد السيد قنديل‪ ،‬آليات التعويض عن االضرار البيئية دراسة في ضوء األنظمة‬
‫القانونية واالتفاقيات الدولية‪ ،‬د ط‪ ،‬دارالجامعة الجديدة للنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪.5882 ،‬‬

‫‪P 483‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫‪ ‬حمليل صالح‪ ،‬سلطة القاض ي في تقدير التعويض عن المسؤولية المدنية في القانون‬


‫والقضاء الجزائري‪ ،‬مجلة الفقه والقضاء‪ ،‬العدد ‪ ،53‬يوليو ‪.55832‬‬

‫‪ ‬نصير صبار لفته الجوري‪ ،‬التعويض العيني‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬ط‪ ،3‬دار قنديل للنشؤ‬
‫والتوزيع‪ ،‬عمان‪.5882 ،‬‬

‫‪ ‬محمود جالل حمزه‪ ،‬الفعل غير المشروع العتباره مصدرا لاللتزام‪ ،‬د ط‪ ،‬ديوان‬
‫المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪.3000 ،‬‬

‫‪ ‬عبد الحق صافي‪ ،‬الوجيز في القانون المدني‪ ،‬ج‪ ،5‬المصادر غير االرادية لاللتزام‪ ،‬د ط‪،‬‬
‫كطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدارالبيضاء‪.5830 ،‬‬

‫‪ ‬محمد لبيب شلب‪ ،‬الوجيز في مصادر االلتزام‪ ،‬المصادر غير االرادية‪ ،‬د ط‪ ،‬دار النهضة‬
‫العربية للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪.3030 ،‬‬

‫‪ ‬وهبة الزحيلي‪ ،‬نظرية الضمان‪ ،‬ط‪ ،0‬دارالفكر‪ ،‬دمشق‪.5835 ،‬‬

‫‪ ‬محمد وحيد الدين اسوار‪ ،‬شرح القانون المدني ـ النظرية العامة لاللتزامات‪ ،‬ج‪،3‬‬
‫مصادرااللتزام‪ ،‬د ط‪ ،‬جامعة دمشق‪.3000 ،‬‬

‫‪ ‬عدنان السحران و نوري حمد خاطر‪ ،‬شرح القانون املجنين مصادر االلتزامات‪ ،‬دراسة‬
‫مقارن‪ ،‬ط‪ ،5‬دارالثقافة للنشروالتوزيع‪ ،‬عمان‪.5880 ،‬‬

‫‪ ‬عبد العزيز اللصاصمه‪ ،‬نظرية االلتزام في ضوء القانون المدني األردني‪ ،‬المسؤولية‬
‫المدنية والتقصيرية‪ ،‬ط‪ ،3‬الدارالعلمية الدولية ودار الثقافة للنشروالتوزيع‪ ،‬عمان‪.5885 ،‬‬

‫‪ ‬سعدون العامري‪ ،‬تعويض الضرر في المسؤولية التقصيرية‪ ،‬د ط‪ ،‬مركز البحوث‬


‫القانونية‪ ،‬بغداد‪.3003 ،‬‬

‫‪ ‬أمجد محمد منصور‪ ،‬النظرية العامة لاللتزامات‪ ،‬مصادر االلتزام‪ ،‬ط‪ ،2‬الدار العلمية‬
‫الدولية ودارالثقافة للنشروالتوزيع‪ ،‬عمان‪.5881 ،‬‬

‫‪ ‬مقدم سعيد‪ ،‬نظرية التعويض عن الضررالمعنوي‪ ،‬د ط‪ ،‬المؤسسة الوطنية للكتاب‪،‬‬


‫الجزائر‪ ،‬د ت ن‪.‬‬

‫‪P 484‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫‪ ‬منير قزمتن‪ ،‬التعويض المدني في ضوء الفقه والقضاء‪ ،‬د ط‪ ،‬دار الفكر الجامعية‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪5885 ،‬‬

‫‪ ‬مصطفى العوجي‪ ،‬القانون المدني‪ ،‬ج‪ ،5‬المسؤولية المدنية‪ ،‬ط‪ ،2‬منشورات الحلبي‬
‫الحقوقية‪ ،‬بيروت‪.5882 ،‬‬

‫‪ ‬عبد الكريم شهبون‪ ،‬الشافي في شرح قانون االلتزامات والعقود المغربي‪ ،‬الكتاب األول‪،‬‬
‫االلتزام بجوه عام‪ ،‬ج‪ ،3‬مصادرااللتزام‪ ،‬ط‪ ،3‬د د ن‪ ،‬د ب ن‪.3000 ،‬‬

‫‪P 485‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫إثبات انتقال امللك بعوض يف دعوى الشفعة على‬


‫ضوء الفقه املالكي والعامل القضايي املغربي‬
‫‪Proof of the transfer of the mosquito King in the pre-emption claim‬‬
‫ملخص‪:‬‬
‫تتلخص محاور الدراسة في اإلجابة عن إشكالية احتمالية تحايل البائع والمشتري من إخفاء‬
‫عقد البيع الوارد على العقاربعقد صوري يتضمن تبرعا لمنع الشريك الشفيع من األخذ بالشفعة‪،‬‬
‫وذلك في محورين‪ :‬األول؛ إثبات المعاوضة في العقارغيراملحفظ بوسائل إثبات المعاوضة‪ ،‬والثاني‬
‫إلثبات البيع في العقاراملحفظ‪.‬‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫الحمد لله ذي الجالل واإلكرام؛ الذي أنزل القران ووضع الميزان وأوضح لعباده سبيل‬
‫األقضية واألحكام؛ وصلى الله وسلم على سيدنا محمد إمام المرسلين المبعوث رحمة للعالمين؛‬
‫وعلى آله وأصحابه أجمعين‪.‬‬

‫وبعد؛ فإن الشفعة من الحقوق التي أقرها الشرع ألشخاص يوجدون في مركز شرعي معين‪،‬‬
‫ً‬
‫الذي يمكن لهؤالء األشخاص المطالبة بها عن طريق القضاء‪ ،‬وذلك لما لها من أهمية قصوى على‬
‫أكثر من مجال‪ :‬ففي املجال االجتماعي؛ تكتس ي الشفعة أهمية بالغة باعتبارها تساهم في تحقيق‬
‫السلم االجتماعي بواسطة تحقيق األمن واالستقرار املجتمعي؛ وذلك عن طريق التقليل من‬
‫المنازعات العقارية والتقليص منها‪ .‬وفي املجال االقتصادي تتجلى أهميتها في كونها ترمي إلى منع‬
‫تجزئة العقارات وتشتتها إلى قطع صغيرة لدرجة يصعب معها مواصلة العمل فيها‪.‬‬

‫‪P 486‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫وتعرف فقها ب "استحقاق شريك أخذ مبيع شريكه بثمنه‪ 935"..‬وعرفها الشيخ خليل بقوله‪":‬‬
‫أخذ شريك‪ ..‬ممن تجدد ملكه الالزم اختيارا بمعاوضة‪...‬عقارا‪ ..‬بمثل الثمن‪ ...‬أو قيمته‪ ..‬أو قيمة‬
‫الشقص"‪ .936‬وفي التشريع عرفتها المادة ‪ 505‬من مدونة الحقوق العينية‪ 937‬بما مفاده" أخذ شريك‬
‫في ملك مشاع أو حق عيني مشاع حصة شريكه المبيعة بثمنها بعد أداء الثمن ومصروفات العقد‬
‫الالزمة والمصروفات الضرورية النافعة عند االقتضاء"‪ .‬وفي ظل هذا التعريف الذي جاءت به‬
‫مدونة الحقوق العينية أن الشفعة ال تثبت للشريك في العقار على الشياع إال في صورة واحدة من‬
‫صور انتقال ملك شريكه إلى مالك جديد وذلك عندما يتم عن طريق البيع‪ .‬غير أن الفقرة األخيرة‬
‫من المادة ‪ 501‬من مدونة الحقوق العينية نصت على أن يكون المشفوع منه قد تملك الحصة‬
‫المبيعة بعوض‪.‬‬

‫إن األخذ بالشفعة يتوقف على ضرورة تملك المشفوع منه الحصة المبيعة بعوض‪ ،‬أي أن‬
‫الشفيع يستحق الشفعة في ملكية شريكه التي يفوتها إلى الغير بعوض‪ ،‬فإن حصل التفويت بغير‬
‫عوض كالهبة أو الوصية‪ ...‬فال شفعة‪ ،‬لقول ابن عاصم‪" :‬والمنع في التبرعات مفترض"‪ .938‬لذا فمن‬
‫الممكن جدا أن يتفق البائع مع المشتري على اإلدالء بأن األمريتعلق بتبرع كهبة أو صدقة أو نحوها‬
‫ليقطع الطريق على الشفيع في استشفاع حصته‪ ،‬األمرالذي يجعل هذا األخيراستعمال جميع طرق‬
‫اإلثبات المتاحة شرعا وقانونا لتفنيد ما ادعياه – البائع والمشتري –‪ .‬فقد نصت المادة ‪ 500‬من‬
‫مدونة الحقوق العينية على أنه "يتعين على طالب الشفعة إثبات بيع الحصة المطلوب شفعتها‪،‬‬
‫فإذا كان العقارمحفظا يتعين عليه إثبات تقييد البيع بالرسم العقاري"‪.‬‬

‫يتضح من خالل هذه المادة أن المشرع المغربي لم يقيد الشفيع بوسيلة إثبات معينة في‬
‫العقار غير املحفظ‪ ،‬في حين قيده في العقار املحفظ بضرورة إثبات تقييد البيع بالرسم العقاري‪.‬‬
‫فإن ذلك يجعلني أتساءل حول المقتضيات الفقهية والقانونية والقضائية الكفيلة بحماية‬

‫‪ -935‬أبو عبدالله محمد االنصاري‪ ،‬الرصاع"شرح حدود ابن عرفة " دارالغرب االسالمي ص‪.202:‬‬
‫‪ -936‬خليل بن إسحاق بن موسى‪ ،‬ضياء الدين الجندي المالكي المصري (المتوفى‪009 :‬هـ)" مختصر خليل"‪.‬المحقق‪ :‬أحمد‬
‫جاد‪.‬الناشر‪ :‬دار الحديث‪/‬القاهرة‪.‬الطبعة‪ :‬األولى‪0249 ،‬هـ‪4112/‬مـ‪.‬ص‪.0.4:‬‬
‫‪ -937‬القانون رقم ‪ 12.4.‬المتعلق بمدونة الحقوق العينية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 0.00.002‬صادر في ‪42‬‬
‫من ذي الحجة ‪0244‬هـ(‪44‬نونبر‪4100‬م)الجريدة الرسمية عدد‪2..2‬بتاريخ ‪42‬نونبر ‪4100‬م ص‪2220:‬‬
‫‪ -938‬عثمان بن المكي التوزري الزبيدي" توضيح األحكام شرح تحفة الحكام"‪.‬الناشر‪ :‬المطبعة التونسية‪.‬الطبعة‪ :‬األولى‪،‬‬
‫‪044‬هـ‪.012/4.‬‬

‫‪P 487‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫الشفيع الشريك من تحايل محتمل من البائع والمشتري إلى إخفاء عقد البيع الوارد على العقار‬
‫بعقد صوري يتضمن تبرعا لمنع الشريك الشفيع من األخذ بالشفعة؟‪.‬‬

‫ومن أجل اإلحاطة بجوانب اإلشكال المطروح أعاله فقد قسمت هذه الدراسة إلى محورين‪:‬‬
‫خصصت األول للحديث عن إثبات المعاوضة في العقار غير املحفظ‪ ،‬والثاني للحديث عن إثبات‬
‫البيع في العقاراملحفظ‪ .‬يتقدمها مقدمة ويتذيلهما خاتمة‪.‬‬

‫املحوراألول‪ :‬إثبات المعاوضة في العقارغيراملحفظ‪.‬‬

‫مما ال شك فيه أن الشفعة تثبت لطالبها بعد إثباته كون الحصة المشفوعة انتقلت إلى‬
‫المشفوع منه بعوض‪ .939‬ولقد حدد ابن عرفة في باب الموجب الستحقاق الشفيع األخذ بالشفعة‬
‫سبب استحقاق الشفيع للشفعة بقوله‪" :‬ثبوت ملك الشفيع لشقص شائع من كل ربع واشتراء‬
‫غيره شقصا آخرمنه‪ .940‬حيث إذا طلب الشفيع المبتاع بالشفعة عند السلطان‪ ،‬فال يقض ي له بها‬
‫حتى يثبت عنده البيع"‪.941‬‬

‫وأكدت ذلك محكمة النقض في عدة قرارات صادرة عنها والذي جاء في أحدها‪" :‬ال يقض ى‬
‫بالشفعة إال بعد إثبات البيع‪ ،942‬وفي قرارآخر‪ ،‬أنه ال يحكم بثبوت الشفعة أو عدمها إال بعد ثبوت‬
‫البيع‪ .943‬لكن إذا وقع خالف حول نوع التصرف‪ ،‬وادعى الشفيع كون البيع مستورا بتصرف آخر‪،‬‬
‫كما لو كانت هناك هبة ساترة للبيع‪ ،‬جاز له أن يثبت الصورية بجميع الطرق‪ ،‬فإذا نجح في إقامة‬
‫الدليل على أن العقد في حقيقته بيع وليس هبة فإن الشفعة تجوزله في هذا العقد‪.‬‬

‫ولإلحاطة بجوانب هذا املحور‪ ،‬يتعين تقسيمه إلى فقرتين‪ :‬تخصص األولى لوسائل إثبات‬
‫المعاوضة‪ ،‬والثانية إلثبات صورية التبرع‪.‬‬

‫‪ -939‬عادل حاميدي‪" ،‬التصرفات الواردة على العقار غير المحفظ بين الفقه اإلسالمي والفراغ القانوني"‪ ،‬المطبعة والوراقة‬
‫الوطنية ‪ -‬مراكش‪ .‬الطبعة األولى‪ ،‬أكتوبر ‪ ،4119‬ص‪.22 :‬‬
‫‪ -940‬الرصاع‪ ،‬شرح "حدود ابن عرفة"‪ ،‬م س‪ ،‬ص‪.204 :‬‬
‫‪ -941‬بوطلحة امبارك‪" ،‬مسائل اليمين الشرعية في الشفعة"‪ ،‬رسالة المحاماة‪ ،‬مجلة تصدرها هيئة المحامين بالرباط‪ ،‬العدد ‪،42‬‬
‫دجنبر ‪ ،4110‬ص‪.20 :‬‬
‫‪ -942‬قرار رقم‪ 0919 :‬الصادر بتاريخ ‪ ،0..2/1./0.‬في ملف األحوال الشخصية عدد‪ ..0/224. :‬لدى عبد العزيز‬
‫توفيق‪ ،‬قضاء محكمة النقض في الشفعة من سنة ‪ 0.20‬إلى ‪4102‬م‪ ،‬ص‪.012 :‬‬
‫‪ -943‬قرار رقم‪ 042 ،‬الصادر بتاريخ ‪ .‬يناير ‪ ،0.92‬عبد العزيز توفيق‪ ،‬م س‪ ،‬ص‪.41 :‬‬

‫‪P 488‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫الفقرة األولى‪ :‬وسائل إثبات المعاوضة‪.‬‬

‫تثبت و اقعة انتقال الشقص المشفوع إلى المشفوع منه بعوض في الفقه المالكي بالطرق التي‬
‫تثبت بها الحقوق المالية‪ ،‬وأن المشرع المغربي لم يحدد وسيلة معينة‪ ،‬مما أمكن القول معه‬
‫بإمكان اعتماد جميع الوسائل الممكنة إلثبات تحقق و اقعة البيع أو التفويت بعوض‪ ،‬ولعل‬
‫أهمها‪:‬‬

‫أوال‪ :‬الشهادة والكتابة‪.‬‬

‫فالطريقة التي يمكن أن يثبت بها الشفيع انتقال الشقص إلى المشفوع منه عن طريق‬
‫المعاوضة هي أن يشهد عدالن‪ ،‬أو من يقوم مقامهما بوقوع هذه المعاوضة‪ ،‬كأن يلجأ طالب‬
‫الشفعة إلى اإلتيان بشهادة لفيفية إلثبات وقوع البيع‪ .‬غير أن السلطة التقديرية تبقى ملحكمة‬
‫الموضوع للحكم بذلك‪ ،‬أو رفضه على ضوء وثائق الملف ومستند علم شهود اللفيفية بو اقعة‬
‫البيع‪ .944‬فإذا كان هذا المستند هو السماع‪ ،‬فإنه ال يعادل املجاورة من حيث اليقين‪.945‬‬

‫وقد كان العمل يجري على أن من حق الشريك الذي يطالب بالشفعة أن يطلب من املحكمة‬
‫تكليف المدعى عليه بان يدلي برسم شرائه لذلك الشقص‪ ،‬وكان يكلف المشفوع منه بذلك‪ ،‬إال‬
‫أن الكثير من املحاكم أصبحت ال تستجيب لهذا الطلب‪ .‬وذلك بالنظر إلى أن القواعد تقتض ي بأن‬
‫المدعي هو المكلف بإثبات دعواه‪ ،‬كما أنه من المعروف أن املحكمة ال تقيم الحجة للخصم وال‬
‫تعينه على إقامتها‪ ،‬لذلك أصبح من الالزم على المدعي الذي يطلب الحكم له بالشفعة أن يثبت‬
‫موجباتها بما فيها انتقال الشقص إلى المدعى عليه بعوض‪.946‬‬

‫لكن غالبا ما يتعذر على طالب الشفعة الحصول على نظير لرسم الشراء على اعتبار أن عقد‬
‫الشراء قد يكون مجرد وثيقة عرفية محررة بين الطرفين يحتفظ بها المشتري‪ ،‬فال يتأتى للشريك‬
‫الحصول على نسخة منها‪ ،‬مما يستدعيه األمر إثبات و اقعة البيع بوسائل أخرى‪947.‬‬

‫‪ -944‬عادل حاميدي‪ ،‬م س‪ ،‬ص‪.22 :‬‬


‫‪ -945‬عبد السالم بن زروع "إنطالق آجال الشفعة في ثبوت االستحقاق في قضاء المجلس األعلى" رسالة الدفاع‪ .‬العدد‪ 2‬دجنبر‬
‫‪4112‬م‪ ،‬ص‪.022 :‬‬
‫‪ -946‬ابن معجوز‪" ،‬أحكام الشفعة في الفقه االسالمي والتقنين المغربي المقارن"مطبعة النجاح الجديدة الدارالبيضاء‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية ‪0204‬هـ ـ ـ‪0..4‬م ص‪.441 :‬‬
‫‪-947‬ابن معجوز" أحكام الشفعة‪ "...‬م س‪ ،‬ص‪.441 :‬‬

‫‪P 489‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫وأحسنت مدونة الحقوق العينية صنعا لما حددت الجهات املخول لها توثيق التصرفات‬
‫العقارية‪ ،948‬وما تخضع له محرراتها من شكليات‪ ،‬بما فيها املحررالثابت التاريخ‪ ،‬األمرالذي يسهل‬
‫الحصول على نسخ من العقود المبرمة بشأن تلك التصرفات لمن له الحق فيها‪ ،‬وبما في ذلك‬
‫الشفيع‪ ،‬وذلك في إطارالضوابط القانونية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬إثبات البيع باإلقرار‪.‬‬

‫يمكن للشريك إثبات المعاوضة بإقراركل من البائع بالبيع‪ ،‬والمشتري بالشراء‪ ،‬فإذا أقرا معا‬
‫ضمن إقرارهما بمحضراالستجواب‪ ،949‬أخذ الشفيع الشقص المشفوع‪.‬‬

‫لكن قد يحدث أن يقر البائع بالبيع‪ ،‬وينكر المشتري أو يسكت عنه أو يكون غائبا‪ ،‬فهل تثبت‬
‫الشفعة للشفيع؟‪.‬‬

‫لإلجابة عن هذا‪ ،‬فقد جاء في المدونة‪" :‬أرأيت إن أقرالبائع بالبيع وجحد المشتري البيع‪ ،‬وقال‬
‫لم أشترمنك شيئا‪ ،‬ثم تحالفا وتفاسخا البيع‪ ،‬فقام الشفيع‪ ،‬فقال‪ :‬أنا آخذ الشفعة بما أقررت لي‬
‫أيها البائع؟ قال‪ :‬ما سمعت من مالك فيه شيئا‪ ،‬وال أرى فيه شفعة‪ ،950‬ألن إنكار المشتري للشراء‬
‫أصل‪ ،‬فيصدق‪ ،951‬أما إقرار المشتري بالشراء في غيبة المالك‪ ،‬فإن الشفيع ال يأخذ بالشفعة إال‬
‫ببينة على الشراء‪ ،‬ألن الغائب قد ينكرفيأخذ داره ويرجع على المشتري باألجرة إال أن يقض ي قاض‬
‫بإقراره‪.952‬‬

‫وإذا حدث أن أقرالمشتري بالشراء وحده‪ ،‬و أنكره البائع فال شفعة؛ إذ ال يحكم بالشفعة بناء‬
‫على إقرارالمشتري وحده بالبيع‪ ،‬لكونه إقرارعلى الغير‪ ،‬حيث جاء في أحد قرارات محكمة النقض‪:‬‬

‫‪ -948‬تنص المادة ‪ 2‬من مدونة الحقوق العينية بما نصه‪ ":‬يجب أن تحرر‪-‬تحت طائلة البطالن‪-‬جميع التصرفات المتعلقة‬
‫بنقل الملكية أو بإنشاء الحقوق العينية األخرى أو نقلها أو تعديلها أو إسقاطها وكذا الوكاالت الخاصة بها بموجب محرر‬
‫رسمي‪ ،‬أو بمحرر ثابت التاريخ يتم تحريره من طرف محامي مقبول للترافع أمام محكمة النقض‪ ،‬مالم ينص قانون خاص على‬
‫خالف ذلك‪".......‬‬
‫‪ -949‬قرار عدد‪ 041. :‬الصادر بتاريخ ‪ ../14/00‬في الملف العقاري عدد‪ ،.9/4442 :‬لدى عبد العزيز توفيق‪ ،‬م س‪،‬‬
‫ص‪.044 :‬‬
‫‪ -950‬رواية اإلمام سحنون‪" ،‬المدونة الكبرى" دار الكتب العلمية بيروت‪ .444/2 ،‬اإلمام عبد الرحمان الطرابلسي‪،‬‬
‫الحطاب"مواهب الجليل في شرح مختصر خليل" دار الفكر الطبعة الثالثة‪0204‬ه ـ‪0..4‬م‪.442/2 ،‬‬
‫‪ -951‬اإلمام القرافي‪" ،‬الذخيرة"‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي بيروت الطبعة االولى‪0..2‬م‪.441/0 ،‬‬
‫‪ -952‬اإلمام القرافي‪ ،‬ن م ‪.490/0 ،‬‬

‫‪P 490‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫"أنه ال يحكم بثبوت الشفعة أو عدمها إال بعد ثبوت البيع‪ ،‬إذ ال يحكم بين اثنين في مال ثالث‪ ،‬وال‬
‫يحكم بإقرارالمشتري والشفيع حتى يثبت عنده البيع"‪.953‬‬

‫وجاء في قرارآخرما مفاده "تطبيقا لقاعدة 'أن ال يحكم بين اثنين في مال ثالث' فإن القاض ي ال‬
‫يحكم باستحقاق الشفعة إال بعد ثبوت سببها وهو الشراء‪ ،‬فإذا لم يثبتها و أنكرها المشتري‪ ،‬فإن‬
‫القول قول هذا األخيربيمينه‪ ،‬سواء أقرالبائع بالشراء أو ال‪ .‬ألن إقراره وحده بعد البيع ال يكون له‬
‫أثرلكونه أصبح أجنبيا‪ ،‬و إقراراألجنبي على غيره ال يفيد‪.‬‬

‫وإن املحكمة عندما اعتمدت في إثبات الشراء على محضراالستجواب المتضمن إلقرارالبائع‬
‫بالبيع‪ ،‬فإنها تكون قد خالفت وسائل اإلثبات المعمول بها فقها في دعوى الشفعة‪ .954‬وهو ما أشار‬
‫إليه الشيخ خليل عند حديثه عن مسقطات الشفعة بقوله‪" :‬أو أنكرالمشتري الشراء وحلف و أقر‬
‫به بائعه"‪.955‬‬

‫إال أن محكمة النقض تراجعت عن هذا التوجه في عدة قرارات؛ ألن الغير المراد حمايته وفر‬
‫له المشرع عدة مساطر قانونية كالتدخل االختياري‪ ،‬والتعرض الخارج عن الخصومة‪ ،‬ومبدأ‬
‫نسبية األحكام‪.956‬‬

‫وهكذا جاء في قرار ملحكمة النقض‪" :‬إذا أقر المطلوب بوقوع الشراء لزمه هذا اإلقرار وأعفي‬
‫طالب الشفعة من إثبات الشراء‪ ،‬ويمكن لمن تضرر من هذا القرار أن يطعن فيه‪ ،‬كما يمكن أن‬
‫يدفع بنسبية األحكام‪ .‬ولهذا يكون تعليل املحكمة لرفض األخذ باإلقراربالشراء بأنه ال بد من إثباته‬
‫حتى ال يحكم في مال ثالث غيرمرتكزعلى أساس‪.957‬‬

‫ويرى بعض الفقه أن محكمة النقض لم تكن على صواب عندما تراجعت عن تطبيق القاعدة‬
‫التي قررها الفقهاء وسار عليها العمل منذ القديم ألنها القاعدة التي تحافظ على مصلحة الجميع‪.‬‬
‫أما القاعدة التي أقرها القضاء فهي تؤدي إلى المساس بحقوق الغير الذي هو الشريك الذي زعم‬

‫‪ -953‬قرار عدد ‪ 042‬الصادر بتاريخ ‪ .‬يناير ‪ 0.92‬لدى عبد العزيز توفيق‪ ،‬م س‪ ،‬ص‪.021 :‬‬
‫‪ -954‬القرار رقم‪ 02.. :‬الصادر بتاريخ‪ 2 :‬ماي ‪ 0..2‬في الملف المدني عدد‪ ،.1/291 :‬عبد العزيز توفيق‪ ،‬م س‪ ،‬ص‪:‬‬
‫‪.22‬‬
‫‪ -955‬العالمة خليل‪" .‬مختصر خليل"تحقيق احمد جاد دار الحيث القاهرة الطبعة االولى ‪4112‬م ص‪0.2:‬‬
‫‪ -956‬أمينة ناعمي‪ ،‬اإلثبات في دعوى الشفعة" مجلة الحقوق المغربية الجزء األول الطبعة األولى‪ ،‬ص‪.024 :‬‬
‫‪ -957‬قرار عدد‪ 42 :‬الصادر بتاريخ ‪ ،0.21/0/44‬ملف شرعي عدد‪ ،914.1. :‬منشور بمجلة قضاء المجلس األعلى‪،‬‬
‫عدد‪ 40 :‬لسنة ‪ .0.20‬ص‪.012 :‬‬

‫‪P 491‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫المشفوع منه أنه اشترى منه نصيبه‪ ،958‬استنادا على مجموعة من الحجج‪ ،‬إذ إن الحكم بالشفعة‬
‫بناء على مجرد إقرارالمشفوع منه بالشراء قد يؤدي إلى ضياعه حق المالك الحقيقي لتلك الحصة‬
‫المشفوعة‪ .‬كما يعتبرهذا اإلقرار في حقيقته دعوى ال إقرارا‪ ،‬ألنه يترتب عليه أن يحكم على طالب‬
‫الشفعة بتمكين هذا المشفوع منه من ثمن تملك الحصة وما يدعي صرفه في سبيل الحصول عليها‪.‬‬
‫ولذلك يكون اعتر افه بمثابة ادعائه أنه يستحق مقابل الشفعة أي المشفوع به‪ .‬وأن القول بأن‬
‫المسطرة المدنية حافظت على حقوق الطرف الثالث عن طريق التدخل في الدعوى أو عن طريق‬
‫تعرض خارج عن الخصومة‪ ،‬أو عن طريق الدفع بنسبية األحكام؛ ال يكفي إلهدارقاعدة فقهية سار‬
‫عليها العمل طويال‪.959‬‬

‫وأمام هذه المو اقف يمكن القول إنه في الحالة التي يقر فيها المشتري بالبيع ويكون المبيع‬
‫بحوزته‪ ،‬فإن إقراره هذا يكفي إلثبات وجود معاوضة إن أنكر البائع‪ .‬أما في الحالة التي يقر فيها‬
‫المشتري بالبيع وينكرالبائع‪ ،‬والمبيع بيد هذا األخير‪ ،‬فإنه ال يمكن القول بثبوت البيع‪ ،‬وبالتالي فال‬
‫شفعة إال بعد أن يكون البيع ثابتا‪ .‬أما إذا أنكره البائع والشقص بيده و أقر المبتاع بالشراء فال‬
‫شفعة إال بعد صدورالحكم بكون البيع ثابتا‪.960‬‬

‫إضافة إلى البينتين السابقتين‪ ،‬يمكن اللجوء إلى يمين اإلنكاراستنادا لقول صاحب التحفة‪:‬‬

‫فمن ادعاه فعليه البينة‪......‬وخصمه يمينه معينة‪.961‬‬

‫وقول الشيخ خليل في مختصره‪" :‬أو أنكرالمشتري الشراء وحلف و أقر به بائعه‪ 962"..‬فإنه إذا‬
‫أنكرالمشتري الشراء ولم يتمكن الشفيع إثباته‪ ،‬يحق له توجيه اليمين له – المشتري – وهي يمين‬
‫اإلنكارالتي مع عدم أدائها يترتب عليها الحق للشفيع‪.963‬‬

‫وصفوة القول مما سبق أن إثبات و اقعة انتقال الملك بعوض‪ ،‬أن فقهاء المالكية وعلى‬
‫منوالهم المشرع المغربي لم يحددا أي وسيلة لإلثبات وتركا األمر للقواعد العامة‪ .‬ولهذا يجب أن‬

‫‪ -958‬ابن معجوز‪" ،‬أحكام الشفعة‪ "..‬م س‪ ،‬ص‪.442 :‬‬


‫‪ -959‬ابن معجوز‪" ،‬أحكام الشفعة" م س‪ ،‬ص‪.442 :‬‬
‫‪ -960‬ينظر‪ :‬اإلمام الحطاب‪ ،‬م س‪ .441/2 ،‬قرار عدد ‪ 49‬الصادر بتاريخ ‪ ،0.9./04/14‬ملف شرعي أورده محمد‬
‫محجوبي‪ ،‬م س‪ ،‬ص‪.412 :‬‬
‫‪ -961‬ابن عاصم‪" .‬تحفة الحكام في نكت العقود واألحكام"‪ .‬دار األفاق العربية ص‪.91 :‬‬
‫‪ -962‬العالمة خليل" المختصر" م س ص‪.0.2:‬‬
‫‪ -963‬بوطلحة امبارك‪"،‬مسائل اليمين الشرعية في الشفعة" رسالة المحاماة الرباط العدد‪ 42‬دجنبر ‪4110‬م‪ ،‬ص‪.29 :‬‬

‫‪P 492‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫تقبل من الشريك طالب الشفعة إثبات انتقال الملك إلى المشفوع منه بكل الطرق التي تثبت بها‬
‫دعاوى الحقوق المالية‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬إثبات صورية التبرع‪.‬‬

‫فالعقد يرتكزعلى عنصرين هامين‪ :‬األول‪ :‬اإلرادة الظاهرة‪ ،‬والثاني‪ :‬اإلرادة الباطنة‪ ،‬وهي النية‪.‬‬
‫فإذا ما اختلفت اإلرادتان‪ ،‬أي اختالف الصيغة عن اإلرادة الحقيقية‪ .‬فهل ينبع الحكم لإلرادة‬
‫الخفية أم العبارة الظاهرة؟ مع داللة القرينة على عدم إرادة المتعاقد لما أظهرته العبارة‪ ،‬سواء‬
‫صدرت هذه العبارة منه بغيرقصد أم كانت تحت تأثير اإلكراه‪ ،‬أم بمجرد التظاهروالتفاخر‪...‬‬

‫فإذا تو افقت اإلرادتان الخفية والظاهرة‪ ،‬كان العقد حقيقيا صحيحا‪ ،‬وإذا ما تعارضت‬
‫اإلرادتان ينتج عنهما عقدان ظاهرصوري وآخرحقيقي مستور‪.‬‬

‫وان الفقه اإلسالمي يعتبر العقد منعقدا بمجرد تبادل طرفين معبرين عن إرادتهما بإيجاب‬
‫وقبول متو افقين‪ ،‬وموضوع العقد أو المقصد األصلي للعقد‪ ،‬والمالكية بالخصوص‪ ،‬أن العقد‬
‫عندهم يصبح باطال إن دل على وجود قصد فاسد؛ سدا للذريعة‪.964‬‬

‫وغالبا ما يكون الغرض أو الغاية من الصورية هو التهرب من رسمية العقد المستتر‪ ،‬التي لو‬
‫ظهرت في ثوبها الحقيقي لترتبت عنه آثارغيرالمترتبة عنه كالبيع في صورة الهبة‪ .‬فالعقد الظاهرهو‬
‫الهبة‪ ،‬وهي عقد صوري مستوفية لجميع أركانها وشروطها‪ ،‬والعقد المستتر هو البيع‪ ،‬وهو العقد‬
‫الحقيقي‪ .‬ولو ظهرهذا القصد لطالب الشفيع بحقه‪.‬‬

‫هذا يطال العقد بكامله‪ ،‬لكن قد ال تتناول الصورية وجود العقد أو نوعه‪ ،‬بل ركنا أو شرطا‬
‫فيه‪ ،‬كأن يعقد بيعا يذكر فيه ثمنا أكبر من الثمن الحقيقي‪ ،‬تهربا من األخذ بالشفعة‪ ،‬ففي هاتين‬
‫الحالتين معا يبطل العقد الظاهرويثبت حق الشفعة للشفيع‪ ،‬إذا أثبت ذلك‪.‬‬

‫ولمالمسة هذا الجانب‪ ،‬أخصص له نقطتين‪ :‬أتناول في األولى إثبات صورية العقد‪ ،‬وفي الثانية‬
‫إثبات الثمن‪.‬‬

‫‪ -964‬ابن رشد‪" ،‬بداية المجتهد ونهاية المقتصد"‪ ،‬دار الحديث القاهرة ‪0242‬هـ ‪0..4‬م‪ .449/4 ،‬ابن قدامة‪" ،‬المغني"مكتبة‬
‫القاهرة‪0422.‬ه‪0.92/‬م الجزء ‪.440/2‬‬

‫‪P 493‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫أوال‪ :‬إثبات صورية العقد‪.‬‬

‫إن الثابت في دواوين الفقه المالكي أنه ال شفعة في التبرعات كالصدقة والهبة لغيرثواب لقول‬
‫صاحب التحفة‪ ..." :‬والمنع في التبرعات مفترض"‪ .965‬وسار على المنوال نفسه المشرع المغربي في‬
‫مدونة الحقوق العينية‪ ،‬حيث نصت المادة ‪ 181‬منها‪" :‬أنه ال شفعة فيما فوت تبرعا ما لم يكن هذا‬
‫التبرع صوريا أو تحايال"‪ .‬لكن قد يلجأ البعض إلى إخفاء المعاوضة وإظهار التبرع ليحرم الشريك‬
‫من ضم الحصة إلى حصته‪ ،‬األمر الذي ينبغي معه على الشفيع إثبات سرية المعاوضة‪ ،‬ومنها‬
‫القرائن القوية المكذبة لدعوى التبرع‪ ،‬وحلف المتبرع عليه على عدم المعاوضة‪ ،‬متهما كان أم ال‪،‬‬
‫ما لم يكثرالحيل‪ ،‬وإال وجبت الشفعة للشفيع‪.966‬‬

‫فقد جاء في المعيار أنه سئل أبو عمر بن المكوي االشبيلي عن مسألة نزلت‪ ،‬وهي إذ ذلك من‬
‫عمل األندلس‪ ،‬وذلك أن الفقيه يحيى بن تميم من أهلها‪ ،‬اشترى حصة من حمام فيه شريك‪،‬‬
‫وأشهد البائع للفقيه يحيى بن تميم في الظاهرأنه تصدق عليه ليقطع بذلك الشفعة‪ ،‬فقام الشريك‬
‫يطلب الشفعة فأجاب فقهاء سبتة بعدم الشفعة‪ ،‬وقال الشفيع للقاض ي ال أرض ى بفتوى فقهاء‬
‫الحضرة‪ ،‬فرفع إليه السؤال على وجهه و أفتى أبي عمر‪" :‬هذه من حيل الفجار‪ ،‬وأرى الشفعة‬
‫واجبة‪ .967‬ووجوب الشفعة هو الظاهروالمتعين عندما دلت القرائن على كذب التبرع‪ ،‬ويثبت ذلك‬
‫بالقرائن والمالبسات القوية‪.968‬‬

‫ويستطيع الشفيع إثبات التوليج أو الصورية بسائر وسائل اإلثبات ما دام لم يكن طرفا في‬
‫العقد منها اليمين على المشتري‪ 969‬لرفع تهمة التواطؤ مع البائع‪ ،‬وهذه يطلق عليها يمين التهمة‪،‬‬
‫ألنها غيرقابلة للرد على الشفيع الذي يعفى من اإلثبات بمجرد نكول خصمه عن أدائها‪ ،‬وتوجه إذا‬
‫كانت التهمة قوية‪.‬‬

‫‪ -965‬ابن عاصم‪ ،‬م س‪04.‬‬


‫‪ -966‬الكافي‪ "،‬إحكام الحكام" المكتبة العصرية لبنان‪ ،‬ص‪.02. :‬‬
‫‪ -967‬المهدي الوزاني‪ "،‬النوازل الجديدة الصغرى" و ازرة األوقاف والشؤون اإلسالمية ‪0..4‬م‪.910/4 ،‬‬
‫‪ -968‬بوطلحة مبارك‪ ،‬م س‪ ،‬ص‪.2. :‬‬
‫‪ -969‬التسولي "البهجة في شرح التحفة" دار الكتب العلمية بيروت لبنان‪.024/4 ،‬‬

‫‪P 494‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫ومن المعروف أن يمين التهمة ال تنقلب بمعنى أن المتبرع عليه إذا نكل عن هذه اليمين‪ ،‬فإن‬
‫الشريك يستحق الشفعة بمجرد هذا النكول‪ ،‬وال يطالب بأن يحلف على أن العقد صوري و أنه‬
‫يخفي معاوضة‪ .970‬استنادا لقول المتحف‪:‬‬
‫وتهمة إن قويت بها تجب يمين المتهم وليست تنقلب‪971‬‬

‫وقد أكد هذا التوجه القضاء المغربي‪ ،‬حيث جاء في أحد قرارات محكمة النقض أنه إذا ثار‬
‫نزاع بين الشفيع والمشتري حول نوع التصرف فادعى الشفيع أنه بيع في حين تمسك المشتري‬
‫بكونه صدقة أو هبة أو غيرها من التبرعات‪ ،‬فالقاعدة هي تكليف الشفيع بإثبات ما يدعيه من‬
‫صورية‪ 972‬بجميع الوسائل ما دامت القاعدة تقتض ي أن الصورية يمكن إثباتها بالنسبة للغيربكافة‬
‫وسائل اإلثبات‪ .973‬فله أن يثبتها بالقرائن والشهود‪ ،‬ألنها تشكل بالنسبة للغير مجرد و اقعة‪،‬‬
‫والوقائع تثبت بجميع وسائل اإلثبات‪.974‬‬

‫وإذا كان المدعي (الشفيع) له الحق في إثبات الصورية بجميع وسائل اإلثبات‪ ،‬فإن هذه‬
‫الوسائل يجب أن تكون قوية خالية من اللبس‪ ،‬بحيث تتكون قناعة غير قابلة للشك لدى‬
‫القاض ي‪.975‬‬

‫وقد سلكت محكمة النقض هذا المسار في قراراتها‪ ،‬والتي جاء في أحدها‪" :‬بمقتض ى الفصل‬
‫‪ 202‬من قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬فإن القرائن التي يمكن للقاض ي أن يعتمدها في قضائه هي‬
‫القرائن القوية الخالية من اللبس‪ ،‬أما القرائن المبنية على الظن والتضمين واالستنتاج الفاسد‬
‫فال يعتد بها‪ ،‬وأن اعتماد املحكمة فيما قضت به من صورية عقد الهبة وإخفائه بيعا على فقر‬
‫المتصدقة وبخلها وغنى الموهوب لها‪ ،‬يفقد قرارها األساس القانوني ويجعله معلال تعليال فاسدا‬
‫يوازي انعدامه‪.976‬‬

‫‪ -970‬ابن معجوز‪" ،‬أحكام الشفعة‪ ،‬م س‪ ،‬ص‪.022 :‬‬


‫‪ -971‬ابن عاصم‪ ،‬م س‪ ،‬ص‪04:‬‬
‫‪ -972‬قرار عدد ‪ 902‬الصادر بتاريخ ‪ 0.2./12/12‬ملف شرعي عدد‪ ،20/2991 :‬منشور بمجلة قضاء المجلس األعلى‬
‫عدد‪ 24-24 :‬لسنة ‪ ،0.2.‬ص‪.022 :‬‬
‫‪ -973‬حمداتي ماء العينين‪" ،‬الصورية في الشريعة والقانون"‪ ،‬الطبعة األولى ‪0..2‬م‪ ،‬ص‪.022 :‬‬
‫‪ -974‬حمداتي ماء العينين‪ ،‬ن م ‪ ،‬ص‪.022 :‬‬
‫‪ -975‬حمداتي ماء العينين‪ ،‬ن م ‪ ،‬ص‪.022 :‬‬
‫‪ -976‬قرار رقم‪ 09/4210 :‬أكتوبر ‪ ،0..0‬ملف مدني عدد‪ ،2./4944 :‬لدى عبد العزيز توفيق‪ ،‬ص‪.420 :‬‬

‫‪P 495‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫ثانيا‪ :‬إثبات الثمن‪.‬‬

‫إذا ثبت الشراء في دعوى الشفعة‪ ،‬وأن الثمن المسطر بالرسم اختلف فيه‪ ،‬بحيث دفع‬
‫الشفيع أن الثمن المذكور غير حقيقي و أنه صوري‪ .‬أو قد يحدث اختالف بين البائع والمشتري‬
‫والشفيع على الثمن‪ ،‬فمن من هؤالء يصدق؟‪.‬‬

‫جاء في المدونة‪" :‬أرأيت إن قال المشتري اشتريتها بمائة دينار‪ ،‬وقال الشفيع‪ :‬بل اشتريتها‬
‫بخمسين دينارا‪ ،‬وقال البائع‪ :‬بل بعتها بمائتي دينار‪ ،‬قال‪ :‬إن كانت الدارفي يد البائع أو يد المشتري‪،‬‬
‫ولم تفت بطول الزمان‪ ،‬أو بهدم الدارأو تغييرالمساكين أو ببيع‪ ،‬أو بهبة‪ ،‬أو بصدقة‪ ،‬أو بما تخرج به‬
‫من ملك المشتري‪ ،‬فالقول قول البائع‪ ،‬وإن تغيرت الدار بما ذكرت لك‪ ،‬وهي في يد المشتري وقد‬
‫قبضها‪ ،‬فالقول قول المشتري‪ ،‬وهذا قول مالك في البيوع ثم يأخذ الشفيع على مثل ذلك‪ .977‬وإن‬
‫اختلف الشفيع والمبتاع في الثمن صدق المبتاع (المشتري) ألنه مدعى عليه‪ ،‬إال أن يأتي بما ال‬
‫يشبه مما ال يتغابن الناس عن مثله فال يصدق‪ .978‬فمثال إذا كان العقارثمنه المعروف لدى الناس‬
‫هو عشرون ألف درهم‪ ،‬وادعى المشتري أكثرمن ذلك‪ ،‬فال يصدق‪ ،‬ألنه أتى بما يشبه‪.979‬‬

‫وتصديق المشتري بما ادعاه من ثمن؛ ألنهما –البائع والمشتري‪-‬بمنزلة من ال بينة لهما‪ ،‬والدار‬
‫في يده‪.980‬‬

‫بقي أن نشيرإلى حالة اختالف المشتري مع الشفيع في قيمة الشقص‪ ،‬فالوقت الذي ينظرإلى‬
‫قيمته هو يوم الصفقة أو يوم العقد‪ ،‬فإن كان مستهلكا صدق المشتري مع يمينه في قيمته‪.981‬‬

‫ويجوز للشفيع تحليف المشتري بيمين التهمة من أن الثمن ظاهره كباطنه ال تدليس فيه‪ ،‬إذا‬
‫لم يكن الثمن مدفوعا بالمعاينة‪ ،‬ألن في هذا الباب مبنية على التهمة‪ ،‬وقد حصل ما ينفي االتهام‪.‬‬

‫‪ -‬اإلمام سحنون" المدونة الكبرى" م س ‪.440/2‬‬ ‫‪977‬‬

‫‪ -978‬الحطاب‪" ،‬مواهب الجليل" م س‪.441/2 ،‬‬


‫‪ -979‬ابن رشد القرطبي‪" ،‬البيان والتحصيل"‪ ،‬تحقيق محمد حجي دار الغرب االسالمي بيروت لبنان الطبعة الثانية ‪0.22‬م‪،‬‬
‫‪.94/04‬‬
‫‪ -980‬اإلمام سحنون‪" ،‬المدونة الكبرى"‪ ،‬م س‪.444/2 ،‬‬
‫‪ -981‬عبد السالم التسولي‪" ،‬البهجة"‪ ،‬م س‪.020/4 ،‬‬

‫‪P 496‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫وال تنقلب اليمين لكثرة تحايل الناس ولفسادهم‪ ،‬ويستثنى من ذلك المبرز في العدالة‪،‬‬
‫المنقطع الصالح والخيرفال يحلف‪.982‬‬

‫أما موقف القضاء بخصوص الثمن المسطر في العقد فإنه جاء في أحد قرارات محكمة‬
‫النقض ما نصه‪" :‬وإذا ادعى الشفيع أن الثمن المصرح به في عقد البيع أكثر من الثمن الحقيقي‪،‬‬
‫وأن المشتري عمد إلى رفعه ليمنع الشفيع من ممارسة حق الشفعة‪ ،‬وطلب أدائه اليمين على أن‬
‫الثمن المذكور في عقد الشراء ظاهره كباطنه‪ ،‬وجب على املحكمة االستجابة إلى طلبه‪ ،‬تكون‬
‫املحكمة التي أيدت الحكم القاض ي على المشتري بأداء اليمين المذكورة قد طبقت قواعد الفقه‬
‫المالكي تطبيقا سليما‪.983‬‬

‫املحورالثاني‪ :‬إثبات البيع في العقاراملحفظ‪.‬‬

‫إن الشفعة في العقاراملحفظ ال تثبت إال في البيع دون غيره من المعاوضات‪ .‬كما أن هذا البيع‬
‫ال يكون له أثرفي مواجهة الغيرإال إذا سجل في الرسم العقاري‪.984‬‬

‫ويبقى إثبات هذا البيع رهينا بتقييده بالرسم العقاري‪ ،‬إذ أن الوسيلة التي تقبل في إثبات هذا‬
‫الشراء هي أن يدلي الشفيع بشهادة من املحافظة العقارية تثبت أن تلك الحصة انتقلت إلى المدعى‬
‫عليه بعوض‪ .985‬هذا ما نصت عليه الفقرة األخيرة من المادة ‪ 503‬بنصها‪" :‬فإذا كان العقارمحفظا‬
‫يتعين عليه – طالب الشفعة – تقييد البيع بالرسم العقاري"‪.‬‬

‫لكن قد يحدث أن ال يقوم الشخص الذي انتقلت إليه الحصة المبيعة بإجراء هذا التقييد‬
‫بالرسم العقاري‪ ،‬فهل في هذه الحالة يمكن لطالب الشفعة أن ينتظر إلى حين قيام المشتري بهذا‬
‫التقييد‪ ،‬بعدها يثبت هذا األخيرليستحق الشفعة بشروطها؟ أم بإمكانه إلزام المشتري على إجراء‬
‫هذا التقييد بالرسم العقاري حتى يتمكن من ممارسة حقه في الشفعة؟ لتسليط الضوء على هاتين‬
‫الحالتين‪ ،‬أخصص الحديث عنهما في فقرتين‪:‬‬

‫‪ -982‬بوطلحة امبارك‪ ،‬م س‪ ،‬ص‪.22 :‬‬


‫‪ -983‬قرار رقم‪ .21 :‬الصادر بتاريخ ‪ .‬مارس ‪ 0..2‬في الملف المدني عدد‪ ..4/2011 :‬لدى عبد العزيز توفيق‪ ،‬م س‪،‬‬
‫ص‪.490 :‬‬
‫‪ -984‬ينص الفصل ‪ 99‬من قانون ‪ 10.02‬المتعلق بالتحفيظ العقاري على‪" :‬كل حق عين متعلق بعقار محفظ يعتبر غير‬
‫موجود بالنسبة للغير إال بتقييده‪."...‬‬
‫‪ -985‬ابن معجوز‪" ،‬أحكام الشفعة"‪ ،‬م س‪ ،‬ص‪.202 :‬‬

‫‪P 497‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫الفقرة األولى‪ :‬حالة تقييد البيع بالرسم العقاري‪.‬‬

‫إثبات انتقال الحصة إلى المدعى عليه ال تتم إال بعد تقييد هذا الشراء بالرسم العقاري‪ ،‬ألنه‬
‫وحسب الفصل ‪ 30‬من ظهير التحفيظ العقاري‪ ،986‬فإن التصرفات الواردة على العقار املحفظ‬
‫كيفما كان نوعها ال أثر لها فيما بين المتعاقدين إال من تاريخ التقييد بالرسم العقاري‪ ،‬وبذلك‬
‫فالبيع غير المقيد ال ينقل الملكية حتى فيما بين المتعاقدين‪ .‬ويترتب على ذلك أن المشتري ال‬
‫يصبح مالكا للعين المبيعة ما دام لم يقيد شراءه‪ ،‬وبالتالي فإنه ال يمكن استحقاق الشفعة قبل‬
‫تقييد البيع بالرسم العقاري‪ ،987‬ولو أثبت الشفيع ذلك البيع عن طريق اإلدالء بنسخة من‬
‫العقد‪.988‬‬

‫وعليه فإن ممارسة حق الشفعة في العقار املحفظ ال تجوز إال في البيع المقيد‪ ،‬ألن الوجود‬
‫القانوني للحق ال ينشأ إال بتقييده في الرسم العقاري‪ ،989‬حيث ينتج عن عدم التقييد عدم االعتراف‬
‫به و إبقائه في طي الكتمان‪ ،‬ألن المشتري للعقاراملحفظ ال يصيرمالكا إال بتمام إجراء التقييد‪.990‬‬

‫كما أكد القضاء المغربي هذا التوجه‪ ،‬حيث جاء في قرار ملحكمة النقض أنه‪" :‬لما قضت‬
‫املحكمة برفض طلب الشفعة بعلة عدم تسجيل البيع المراد شفعته في الرسم العقاري تكون قد‬
‫طبقت الفصل ‪ 30‬من ظهيرالتحفيظ العقاري تطبيقا سليما‪.991‬‬

‫بهذا الموقف يكون االجتهاد القضائي المغربي قد حافظ على المبادئ واألسس التي يبنى عليها‬
‫قانون التحفيظ العقاري والمنصوص عليها بالفصول ‪ 30‬و ‪ 33‬و ‪ 30‬من ظهيرالتحفيظ العقاري‪.‬‬

‫وعليه فلعملية التقييد بالرسم العقاري أهمية كبيرة سواء فيما بين المتعاقدين أو اتجاه‬
‫الغير‪ ،‬إذ إنه ما دام ال يوجد ما يثبت انتقال الحصة للغير فالشفيع ال يمكنه االستشفاع‪ ،‬ذلك أن‬

‫‪ -986‬الفصل ‪ : 90‬إن األفعال اإلرادية واالتفاقات التعاقدية الرامية إلى تأسيس حق عين أو نقله إلى الغير أو اإلقرار به أو‬
‫تغييره أو إسقاطه‪ ،‬ال تنتج أي أثر ولو بين األطراف إال من تاريخ التقييد بالرسم العقاري‪ ،‬دون اإلضرار بما لألطراف من‬
‫حقوق في مواجهة بعضهم البعض‪ ،‬وكذا بإمكانية إقامة دعاوى فيما بينهم بسبب عدم تنفيذ اتفاقاتهم"‪.‬‬
‫‪ -987‬آمال برنوسي‪" ،‬ممارسة حق الشفعة في العقار المحفظ"‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر‪ :‬قانون العقود والعقار‪ .‬كلية العلوم‬
‫القانونية واالقتصادية واالجتماعية بوجدة‪ .‬السنة الجامعية ‪ ،4110/4119‬ص‪.0 :‬‬
‫‪ -988‬ابن معجوز‪" ،‬أحكام الشفعة"‪ ،‬م س‪ ،‬ص‪.202 :‬‬
‫‪ -989‬عبد السالم زيزون‪" ،‬إشهار الحقوق العينية"‪ ،‬مجلة التحفيظ العقاري عدد‪ 2 :‬أكتوبر ‪ ،0..2‬ص‪.01 :‬‬
‫‪ -990‬محمد بونبات‪" ،‬قوانين التحفيظ والتسجيل والتجزئة العقارية"‪ ،‬منشورات كلية الحقوق مراكش‪ ،‬السنة الجامعية‪:‬‬
‫‪ ،0..0/0..9‬ص‪.099 :‬‬
‫‪ -991‬قرار عدد‪ 2201 :‬بتاريخ ‪ 0.../01/12‬في الملف المدني عدد‪ ،22/4190 :‬عبد العزيز توفيق‪ ،‬م س‪ ،‬ص‪.204 :‬‬

‫‪P 498‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫ثبوت انتقال الحصة من أحد الشركاء للغير ال تتم إال عن طريق تقييد البيع بالرسم العقاري‪ ،‬إذ‬
‫وبمقتض ى هذا التقييد يمكن للشفيع اإلدالء بشهادة من املحافظة العقارية والتي بمقتضاها يثبت‬
‫البيع‪.992‬‬

‫وبالتالي فإن توجه المشرع المغربي والقضاء يعتبر توجها سليما لعدة اعتبارات منها‪ :‬أنه وفر‬
‫وسيلة حماية للشفيع وسهل عليه األمر بالنسبة إلثبات و اقعة البيع باإلضافة إلى أنه حافظ على‬
‫المبادئ التي بني عليها قانون التحفيظ العقاري‪.‬‬

‫لكن ما هو الحل إذا ما تم بيع جزء شائع منه لمشتري‪ ،‬و أبى هذا األخير تقييد شرائه على‬
‫الرسم العقاري؟‪.‬‬

‫هذا ما أبينه في الفقرة الموالية‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬حالة عدم تقييد البيع بالرسم العقاري‪.‬‬

‫سبق القول بأن كال من المشرع المغربي والفقه والقضاء قد اتخذوا موقفا صريحا يتمثل في‬
‫كون الشفعة ال تجب إال في البيوع المقيدة‪ ،‬لكن بالرغم من ذلك فقد اختلف الرأي فيما إذا كان‬
‫البيع غير المقيد ينهض كحجة لممارسة حق الشفعة‪ .993‬فرأى بعضهم جواز األخذ بالشفعة ولو‬
‫أن العقد لم يقيد‪ ،‬ألن البيع يبقى محتفظا بالوصف القانوني وينعقد صحيحا‪ ،‬فيجوز األخذ فيه‬
‫بالشفعة ولولم يقيد بالرسم العقاري‪ .994‬والذي أيدته محكمة النقض في أحد قراراتها حيث قضت‬
‫بجوازممارسة حق الشفعة في البيع غيرالمقيد‪.995‬‬

‫‪ -992‬لمياء جبروني‪" ،‬حماية الشفيع في العقار المحفظ" رسالة لنيل شهادة الماستر‪ :‬قانون العقود والعقار‪ .‬كلية العلوم القانونية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية وجدة‪ .‬السنة الدراسية ‪ ،411./4112‬ص‪.02 :‬‬
‫‪ -993‬محمد خيري‪" ،‬الملكية ونظام التحفيظ في المغرب"‪ ،‬مكتبة المعارف الجديدة الرباط‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،0.29 ،‬ص‪.249 :‬‬
‫‪ -994‬منتصر الداودي‪" ،‬مسطرة التحفيظ العقاري وأثرها وإشهار الحقوق العينية وتسجيلها على الرسم العقاري"‪ ،‬مداخلة في ندوة‬
‫العقار المنعقدة بالرباط بتاريخ ‪ 9‬نونبر ‪ ،0.02‬ص‪.024 :‬‬
‫‪ -995‬قرار رقم ‪ 222‬الصادر بتاريخ ‪ 41‬شتنبر ‪ 0.09‬عن الغرفة المدنية‪ ،‬عبد العزيز توفيق‪ ،‬م س‪ ،‬ص‪.41 :‬‬

‫‪P 499‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫لكن القضاء سرعان ما تراجع عن هذا الموقف في القرارات المتواترة عنه‪ ،‬فجاء في أحد‬
‫قرارات محكمة النقض أن عقد البيع الذي طلبت الشفعة بموجبه قبل تسجيله بالرسم العقاري‬
‫ال يعتمد في األخذ بالشفعة‪.996‬‬

‫ويبقى اإلشكال المطروح هو الحالة التي ال يعمد فيها المشتري إلى تقييد البيع بالرسم‬
‫العقاري‪ ،‬فكيف للشفيع في هذه الحالة أن يستحق الشفعة؟ وكيف يمكن إثبات البيع الذي يعتبر‬
‫شرطا أساسيا لممارستها؟‪.‬‬

‫إذا كانت القاعدة المقررة أن الشريك ال يمكنه أن يطلب الشفعة إال بعد تسجيل الشراء‬
‫بالرسم‬

‫العقاري‪ ،‬فإنه يمكن القول أن الشفيع يبقى على حقه في الشفعة إلى حين تقييد البيع بالرسم‬

‫العقاري‪.997‬‬

‫وما دام أن الشفيع يبقى على حقه‪ ،‬فبإمكانه االنتظار إلى حين تقييد البيع‪ ،‬وبعد ذلك يدلي‬
‫بشهادة من املحافظة العقارية تثبت و اقعة البيع‪ ،‬وهذا الحل أخذ به بعض الفقه‪ ،998‬إذ جعل‬
‫للشريك الحق في أن ينتظر إلى أن يقوم المشتري بتقييد شرائه بالرسم العقاري ولو لم يقم‬
‫المشتري بذلك التقييد إال بعد عدة سنوات‪.999‬‬

‫لئن كان هذا الرأي وجيها وسديدا فإنه يضربمصالح الشفيع‪ ،‬وذلك بطول المدة التي ينتظرها‪،‬‬
‫وما يترتب عليها من مصاريف‪ ،‬خصوصا إذا طرأت على المشفوع تحسينات‪ ،‬وكذا ما أداه المشفوع‬
‫منه لحفظه وإدارته‪.‬‬

‫وما دام األمر كذلك فهل بإمكان الشفيع إجبار المشتري على تقييد شرائه ليتمكن من إثبات‬
‫تقييد البيع بالرسم العقاري وبالتالي ممارسة حقه في الشفعة؟‪.‬‬

‫‪ -996‬القرار رقم‪ 2224 :‬الصادر بتاريخ ‪ 42‬أكتوبر ‪ 0..2‬في الملف المدني عدد‪ .42/.22 :‬عبد العزيز توفيق‪ ،‬م س‪،‬‬
‫ص‪01 :‬‬
‫‪ -997‬قرار محكمة النقض عدد‪ 2224 :‬صادر بتاريخ‪ ،0..2/01/42 :‬ملف مدني عدد‪ ..2/.22 :‬قضاء المجلس االعلى‬
‫عدد ‪ 22‬لسنة ‪ .0..9‬ص‪.09. :‬‬
‫‪ -998‬ابن معجوز" أحكام الشفعة‪ ،‬م س‪ ،‬ص‪.21. :‬‬
‫‪ -999‬ابن معجوز "أحكام الشفعة‪"...‬م س‪ ،‬ص‪.21. :‬‬

‫‪P 500‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫لقد أجابت محكمة النقض على هذا السؤال حين منحت الشفيع إمكانية التقدم بدعوى في‬
‫مواجهة المشتري يطلب فيها من املحكمة أن تأمر بتسجيل شرائه في الرسم العقاري حتى يتمكن‬
‫الشفيع من استعمال حقه‪ .‬وقد عللت محكمة النقض هذا التوجه في قرارها الذي جاء فيه‪" :‬أن‬
‫انتقال هذه الحصة من البائع إلى المشتري ثم إلى الشفيع يقتض ي التسجيل بالرسم العقاري‬
‫باعتبار أن الحقوق العينية المتعلقة بالعقار املحفظ ال تكون لها أي قيمة ما لم يقع إشهارها‬
‫بالتسجيل المذكور‪ .‬فالشفعة تستلزم أن يسجل الشراء حتى يتسنى أن تسجل هي أثره‪ .‬فالقانون‬
‫الذي يعطي للشريك على الشياع الحق في الشفعة هو الذي يعطي له حق إلزام المشتري بتسجيل‬
‫هذا الشراء‪.1000‬‬

‫كما قضت في قرار آخر أنه‪" :‬ما دام تسجيل شراء الحصة المطلوب شفعتها على الرسم‬
‫العقاري يعد إجراءا ضروريا إلشهارالحكم بشفعتها‪ ،‬فإن للشفيع المصلحة في أن يطلب إلى جانب‬
‫استحقاق شفعة هذه الحصة‪ ،‬إلزام المشفوع منه بأن يسجل شراءه على الرسم العقاري‪.1001‬‬

‫بهذا التوجه يكون المشرع واالجتهاد القضائي قد سهل عملية إثبات البيع بالنسبة للشفيع ما‬
‫دام أن مسألة إثبات البيع بالعقاراملحفظ ال تطرح أي إشكال‪ ،‬إذ يكفي الشفيع اإلدالء بشهادة من‬
‫املحافظة العقارية تثبت أن تلك الحصة انتقلت إلى المدعى عليه عن طريق البيع‪.‬‬

‫وإذا أثبت الشريك شراء المطلوب بالشفعة للحصة التي يطلب شفعتها فال يقبل من هذا‬
‫المشتري أن يدعي أن ذلك البيع صوري يخفي تبرعا أو هبة ولو أثبته‪ ،‬لما هو معروف أن للغير في‬
‫الصورية أن يتمسك بالعقد الظاهردون العقد الباطن‪ ،‬أما إذا ادعى الشفيع بصورية البيع فإن له‬
‫إثبات هذه الصورية بجميع وسائل اإلثبات‪.‬‬

‫وفي آخر هذه الفقرة ال بد من أن أبدي مالحظتي البسيطة حول مسألة أن الشفعة في العقار‬
‫املحفظ ال تثبت إال في البيع دون غيره من المعاوضات‪ .‬ولئن كان هذا التوجه سديدا وله مبرراته‬
‫فإنه ال مانع من ثبوت الشفعة في سائرالمعاوضات من مناقلة وصلح‪ ،‬وهبة الثواب‪ ...‬شريطة تقييد‬
‫هذه التصرفات بالرسم العقاري‪ .‬وذلك على اعتبارأن هذه المعاوضات تأخذ أحكام أقرب العقود‬

‫‪ -1000‬قرار عدد ‪ 24.‬الصادر بتاريخ ‪ ،0.22/4/9‬ملف مدني عدد‪ ،.24. :‬منشور بمجلة القضاء والقانون‪ ،‬عدد ‪ 042‬و‬
‫‪ 049‬يناير ‪ ،0.29‬ص‪.092 :‬‬
‫‪ -1001‬قرار رقم‪ 0.00 :‬صادر بتاريخ ‪ ،0..4/10/44‬ملف مدني عدد ‪ ،2./04.0‬منشور بمجلة قضاء المجلس األعلى‬
‫عدد ‪ ،29‬نونبر ‪ ،0..4‬ص‪.29 :‬‬

‫‪P 501‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫إليها الذي هو البيع‪ .‬حيث إنه من الثابت في دواوين الفقه المالكي أن هذه المعاوضات المنصبة‬
‫على المثليات فهي بيع صحيح مستجمع ألركانه وشروطه‪.‬‬

‫وبالتالي فإن إثبات الشفعة في العقاراملحفظ القاصرعلى البيع فقط ليس له ما يبرره‪ ،‬ما دام‬
‫أن المعاوضات األخرى بيعا‪.‬‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫إن الشقص المشفوع إذا انتقل بغيرعوض في صورة تبرع فإنه ال شفعة؛ وال حق للشفيع فيه؛‬
‫لذلك يعمد البائع والمشتري إلظهار هذا األخير‪-‬التبرع‪ -‬وإخفاء حقيقة التصرف المبرر للشفعة‪،‬‬
‫األمرالذي يتعين معه طالب الشفعة إثبات التصرف الناقل للملكية حتى يتأتى له ممارسة حقه‪.‬‬

‫وهذه الوسائل تختلف باختالف العقارأهو عقارغيرمحفظ أم محفظ؟‪ .‬فإن كان غيرمحفظ‬
‫فإن ما يلجأ إليه من وسائل إثبات ذلك نجد الشهادة؛ كأن يشهد عدالن أو من يقوم مقامهما‪ ،‬أو‬
‫باالعتماد على شهادة لفيفية إلثبات و اقعة البيع‪ .‬ثم كذلك بإقراركل من البائع بالبيع والمشتري‬
‫بالشراء؛ فإذا أقرا معا أخذ الشفيع الشقص المشفوع‪ .‬باإلضافة إلى هذا يمكن إثبات الصورية‬
‫بالقرائن القوية‪.‬‬

‫وفضال عن هذا فإن الشفيع والمشتري قد يختلفا حول ثمن الشقص؛ بحيث يعمد طرفا‬
‫العقد‪-‬البائع والمشتري‪ -‬إخفاء الثمن الحقيقي وإظهارثمن أعلى منه؛ بغية إبعاد الشفيع من طلبه‬
‫استشفاع الحصة‪ .‬ففي هذه الحالة تطرح مسألة إثبات الثمن الحقيقي؛ وذلك باالعتماد على‬
‫توجيه يمين التهمة للمشتري من أن الثمن ظاهره كباطنه‪ .‬ثم كذلك بالنظرإلى قيمة الشقص لدى‬
‫الناس‪ ،‬فإذا كان الثمن المسطرأكثرمن قيمته فال يصدق‪.‬‬

‫أما العقار املحفظ فإن وسيلة إثبات الشراء تبقى رهينة بتقييده بالرسم العقاري؛ آنذاك‬
‫يمكن للشفيع أن يدلي بشهادة من املحافظة العقارية تثبت أن الحصة انتقلت إلى المشفوع منه‬
‫بعوض‪ .‬وإذا حدث أن هذا األخير لم يقم بتسجيل شرائه؛ فإن الشفيع عليه سلوك طريقين‪ :‬إما‬
‫أن ينتظر حتى يتم التسجيل‪ ،‬أو تقديم دعوى لمطالبة المشتري بتسجيل شرائه على الرسم‬
‫العقاري حتى يتأتى له األخذ بحقه في الشفعة‪.‬‬

‫المصادروالمراجع المعتمدة‪:‬‬

‫‪P 502‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫‪ -1‬اإلمام مالك" المدونة الكبرى" دارالكتب العلمية بيروت‬

‫‪ -2‬ابن رشد الجد "البيان والتحصيل" دارالغرب اإلسالمي بيروت‬

‫‪ -3‬ابن رشد" بداية املجتهد ونهاية المقتصد" دارالحديث القاهرة‪.‬‬

‫‪ -4‬اإلمام التسولي" البهجة في شرح التحفة" دارالكتب العلمية‪.‬‬

‫‪ -5‬العالمة خليل" املختصر" دارالحديث القاهرة‬

‫‪ -6‬اإلمام الحطاب" مواهب الجليل في شرح مختصرخليل" دارالفكر‬

‫‪ -7‬محمد األنصاري الرصاع" شرح حدود ابن عرفة" دارالغرب اإلسالمي‬

‫‪ -8‬عثمان بن المكي الزبيدي" توضيح األحكام شرح تحفة الحكام" المطبعة التونسية‪.‬‬

‫‪ -9‬اإلمام القرافي" الذخيرة" دارالغرب اإلسالمي بيروت‪.‬‬

‫‪ -11‬ابن عاصم" تحفة الحكام في نكت العقود واألحكام" داراألفاق العربية‪.‬‬

‫‪ -11‬المهدي الوزاني" النوازل الجديدة الصغرى" وزارة األوقاف والشؤون‬


‫اإلسالمية‪.‬‬

‫‪ -12‬الكافي" إحكام الحكام" المكتبة العصرية لبنان‪.‬‬

‫‪ -13‬ابن معجوز" أحكام الشفعة في الفقه اإلسالمي والتقنين المغربي " مطبعة‬
‫النجاح الجديدة‬

‫‪ -14‬محمد خيري" الملكية ونظام التحفيظ العقاري في المغرب" مكتبة المعارف‬


‫الجديدة الرباط‬

‫‪ -15‬حمداتي ماء العينين" الصورية في الشريعة والقانون"‬

‫‪ -16‬عادل حاميدي" التصرفات الواردة على العقارغيراملحفظ بين الفقه‬


‫اإلسالمي والفراغ القانوني" المطبعة الور اقة الوطنية مراكش‪.‬‬

‫‪P 503‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫‪ -17‬عبد العزيزتوفيق" قضاء محكمة النقض في الشفعة من سنة ‪ 3000‬الى‬


‫‪5832‬م‪ .‬المكتبة القانونية‪.‬‬

‫أمينة ناعمي" اإلثبات في دعوى الشفعة" مجلة الحقوق المغربية الجزء‬ ‫‪-18‬‬
‫األول‪.‬‬

‫مجلة قضاء املجلس األعلى األعداد‪.20-21-25-50:‬‬ ‫‪-19‬‬

‫عبد السالم بن زروع" انطالق آجال الشفعة في ثبوت االستحقاق في قضاء‬ ‫‪-21‬‬
‫املجلس األعلى" رسالة الدفاع‪ .‬العدد (‪ .)0‬دجنبر ‪.5882‬‬

‫بوطلحة امبارك" مسائل اليمين الشرعية في الشفعة" رسالة املحاماة مجلة‬ ‫‪-21‬‬
‫تصدرها هيئة املحامين بالرباط العدد‪ 55‬سنة ‪.5880‬‬

‫عبد السالم زيزون" اشهارالحقوق العينية" مجلة التحفيظ العقاري عدد(‪)0‬‬ ‫‪-22‬‬
‫أكتوبر‪.3000‬‬

‫محمد بونبات" قوانين التحفيظ والتسجيل والتجزئة العقارية" منشورات‬ ‫‪-23‬‬


‫كلية الحقوق مراكش‪.‬‬

‫آمال برنوس ي ممارسة حق الشفعة في العقاراملحفظ" رسالة‪.‬‬ ‫‪-24‬‬

‫لمياء جبروتي" حماية الشفيع في العقاراملحفظ" رسالة‪.‬‬ ‫‪-25‬‬

‫قانون رقم ‪ 10/80‬المتعلق بمدونة الحقوق العينية‪.‬‬ ‫‪-26‬‬

‫ظهير‪ 0‬رمضان ‪3113‬هـ(‪58‬غشت‪3031‬م) المتعلق بالتحفيظ العقاري‬ ‫‪-27‬‬


‫المعدل بقانون رقم ‪.80/32‬‬

‫‪P 504‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫التضليل االعالني وأثره على‬


‫املستهلك‬
‫‪Advertising misinformation and its impact on the consumer‬‬
‫مقدمة ‪:‬‬
‫لعل ابرزما يميزالنشاط التجاري في عصرنا هذا هو االزدياد المطرد في االنتاج وما تبعه‬
‫من تعقيد الطابع الفني للسلع والخدمات فضال عن التطور الكبير في اليات التعاقد مما جعل‬
‫طائفة من الناس تقدم على التعاقد على نحو غير متبصر بالسلع والخدمات التي يهدفون‬
‫للحصول عليها الى جانب عدم معرفتهم الكافية باليات التعاقد او بالجانب القانوني للشروط‬
‫التعاقدية على الرغم من تمتعهم باألهلية القانونية للتعاقد وازاء هذه الظاهرة التي بدت في‬
‫جوانبها االولى ظاهرة اقتصادية اال انها ما لبثت ان تحولت الى ظاهرة قانونية حيث وجد المشرع‬
‫ً‬
‫مرغما في كثير من الدول لتنظيم عملية التعاقد والجوانب القانونية لهذه الفكرة مدفوعا‬
‫باعتبارات اجتماعية و اقتصادية واحيانا سياسية فشاع مصطلح حماية المستهلك بوصفه‬
‫مصطلحا قانونيا يخضع لنظام قانوني خاص ابرز ما يميزه هو الخروج في اغلب احكامه على‬
‫القواعد المعروفة في القانون المدني او القانون التجاري ‪.‬‬

‫ولما كان المشرع العراقي لم يصدر قانونا ال لحماية المستهلك وال لتنظيم العقود‬
‫االلكترونية فإن البحث في حماية المستهلك في عقود التجارة االلكترونية اخذ يكتس ي بأهمية‬
‫بالغة اذ ال مناص واالمر هكذا من الرجوع الى القواعد العامة ومحاولته تلمس احكام يمكن‬
‫تطويعها إلقرار هذه الحماية بيد ان اهمية الموضوع على هذا النحو ال يلغي ما يكتنف دراسته‬
‫من صعوبات بالغة وذلك ان البحث في القواعد العامة التي استقرت في التشريع وفي التفسير‬

‫‪P 505‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫القضائي وترسخت بمبادئ عامة استقرت في العمل القضائي ومحاولة تطويع هذه القواعد‬
‫لحكم حاالت مستجدة في اطارها العام ‪.‬‬

‫ان التضليل يتداخل مع الكذب في االعالن التجاري وهو ما يوجب تحديدهما وكذلك‬
‫بيان معيارالتضليل في االعالن وتوضيح اساليب التضليل في االعالن التجاري وهذا ما سنبحثه‬
‫في‬

‫المطلب األول‪ :‬ونبحث االعالن التجاري عن طريق المقارنة بين السلع و منتجها في‬
‫المطلب الثاني‪ :‬باإلضافة الى بحث االعالن المضلل في القانون العراقي في المطلب الثالث وكما‬
‫يأتي‪:‬‬

‫الفرع األول‪ :‬مفهوم االعالن المضلل‬

‫يتداخل االعالن المضلل مع مفاهيم اخرى تقترب منه كثيرا منها الكذب والخداع‬
‫االعالني مما يقتض ي تحديدها بدقة الكذب هو لغة االخبار عن شيئ بخالف ما هو عليه في‬
‫الو اقع‪ 1002‬فالكذب االعالني هو ادعاء او زعم مخالف للحقيقة الهدف منه تضليل المستهلك‬
‫عن طريق تزييف الحقيقة او اصدار تأكيدات غير صحيحة او غير مطابقة للو اقع او ال يمكن‬
‫الوفاء بها من الناحية العملية ‪.‬‬

‫والكذب يحتوي على عنصرين احدهما مضمون كاذب واالخر قصد الغش وتزييف‬
‫الحقيقة ويذهب االتجاه الغالب في الفقه والقضاء الفرسيين في ظل قانون ‪ 50‬كانون االول‬
‫‪ 3001‬الى عدم ضرورة ان يكون االعالن قد تم بسوء نية ليكون مضلال بل يكفي ان يكون‬
‫المضمون كاذبا بصرف النظرعن حسن نية المعلن اوسوئها‪ 1003‬والكذب قد يكون بعمل ايجابي‬
‫او قد يتحقق بموقف سلبي اي بالسكوت عن و اقعة لو علم المتعاقد بها لما اقدم على التعاقد‬
‫اما االعالن المضلل فهو االعالن الذي يكون من شأنه خداع المستهلك او يمكن ان يؤدي الى‬
‫ذلك وقد عرف التوجيه االوربي الصادرفي ‪ 38‬ايلول ‪ 3002‬بالمادة القانوية منه االعالن المضلل‬
‫بأنه (أي اعالن بأي طريقة كانت يحتوي في طريقة تقديمه على اي تضليل او يؤدي الى تضليل‬
‫هؤالء الذين يصلهم االعالن ) كما نصت المادة الثالثة في التوجيه السابق على ان االعالن‬

‫‪ 1002‬ابن منظور ‪ ,‬لسان العرب ‪ ,‬المجلد الخامس ‪ ,‬القاهرة ‪ ,‬دار الكتاب المصري ‪ ,‬مطبعة المعارف ‪ ,‬ص‪11011‬‬
‫‪ 1003‬عبد الفضيل محمد احمد ‪ ,‬االعالن عن المنتجات والخدمات من الوجهة القانونية ط‪ , 3‬القاهرة ‪ ,‬مكتبة الجالء‬
‫الجديدة ‪ 3333 ,‬ص‪1371‬‬

‫‪P 506‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫المضلل يقع بطريق اغفال احدى الخصائص الجوهرية للسلعة المعلن عنها وقد استعمل‬
‫الفقه مصطلحي االعالن الكاذب واالعالن المضلل كمترادفين رغم ما بينها من فروق‪ 1004‬فالفرق‬
‫بين االعالن الكاذب من جهة واالعالن الخادع والمضلل من جهة اخرى هو ان االعالن الخادع او‬
‫المضلل ال يتضمن بيانات كاذبة اال انه يصاغ في عبارات في شأنها ان تؤدي الى خداع المستهلك‬
‫في حين ان الخداع في االعالن الكاذب يكون اكثر وضوحا ومن ثم فأن كل اعالن كاذب هو اعالن‬
‫ً‬
‫مضلل دون العكس ومن ثم فأن التضليل االعالني اوسع نطاقا في الكذب االعالني واذا كان‬
‫الدين واالخالق يدينان الكذب فإن القانون ال يحاسب عليه اال اذا بلغ حدا يمس بالعالقات‬
‫ً‬
‫االجتماعية والحقيقة ان الصدق الكامل قد يكون متعذرا في االعالن التجاري الن التاجر‬
‫املحترف يركز في اعالناته على الجوانب المشرقة في السلعة او الخدمة محل االعالن اعتمادا‬
‫ع لى المبالغة في الوصف والمدح الذي يأخذ اسلوب الطر افة والخيال لدفع المستهلكين‬
‫للحصول عليها وهومسلك مبررفي ضوء طبيعة االعالن التجاري والهدف منه لذلك يجب التمييز‬
‫بين الكذب والتضليل في االعالن ومجرد المبالغة واالثارة حيث ان القانون ال يشمل المستهلك‬
‫بالحماية اال في االعالن المضلل او الكاذب ‪.‬‬
‫ً‬
‫وتعاطي الموضوع تقدير كون االعالن مضلال او ال مترشدا في ذلك بالظروف المالبسة‬
‫وثقافة املجتمع ووعيه فقد ذهبت محكمة النقض الفرنسية اال ان االعالن عن شراب يتكون‬
‫من مواد كيميائية على انه شراب ذوطعم عصيرالفواكه يعتبراعالنا صحيحا ولكنه يصيرخادعا‬
‫اذا صاحبته صورة الفواكه ناضجة اذ ان ذلك يدعوا المستهلكين الى االعتقاد بان الشراب‬
‫مصنوع من عصيرالفواكه وليس ذلك صحيحا وذهبت محكمة النقض الفرنسية في حكم اخر‬
‫الى ان قيام شركة في اعالناتها عن حقائب السمو نايت الذي جاء بصورة مباراة كرة قدم بين‬
‫مجموعة من البلدوزرات الضخمة والكرة عبارة عن حقيبة السمو نايت تمر عليها البلدوزرات‬
‫عدة مرات لكن الحقيبة تبقى قوية وسليمة داللة على متانة االنتاج فان مثل هذا االعالن ال‬
‫يعتبرمضلال فهو ال يعدو ان يكون نوعا من المبالغة والخيال ‪.‬‬

‫المقبولين في الحياة التجارية وعد مثل هذا االعالن مضلال يعني تجرد الجمهورمن ادنى‬
‫درجات االدراك والفطنة‪.‬‬

‫‪ 1004‬احمد سعيد الزقرد ‪ ,‬الحماية القانونية من الخداع االعالني في القانون الكويتي والمقارن ‪ ,‬بحث منشور في‬
‫مجلة الحقوق ‪ ,‬جامعة الكويت العدد ‪ , 3332, 1‬ص‪1 378‬‬

‫‪P 507‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫الفرع الثاني‪ :‬معيارتقديرالتضليل في االعالن التجاري‬

‫اشارت مسألة تحديد المعيارالذي يركن اليه البيان ما اذا كان االعالن مضلال من عدمه‬
‫خالفا فقهيا وذهبت االراء الفقهية بشأنه الى المذهبين بعضها يقول بالمعيار الشخص ي وذهب‬
‫بعضها االخرالى القول بالمعيارالموضوعي ونتناول هذين المعيارين في فقرتين وكما يأتي ‪:‬‬

‫أوال – المعيارالشخص ي‬

‫وبموجب هذا المعيارينظرفي التضليل الى الشخص المتلقي (المستهلك) ال الى التضليل‬
‫في حد ذاته بحيث ينظرفيه الى كل حالة مستقلة عن الحاالت االخرى ‪.‬‬

‫فالتضليل يتحدد من خالل شخص المتلقي هل هو على درجة كبيرة من اليقظة وحسن‬
‫التدبيروالذكاء فان االعالن يكون مضلال اذا كان يخدع مثل هذا الشخص اما اذا كان المستهلك‬
‫المتلقي دون المستوى العادي في الفطنة والذكاء فيكون االعالن مضلال مهما تضاءلت درجة‬
‫التضليل اما اذا كان المستهلك من المستوى العادي المألوف فأن االعالن ال يعد حينئذ مضلال‬
‫اال اذا كان يقع فيه جمهور الناس‪ 1005‬وعيب هذا المعيار هو عدم انضباطه ألنه يتطلب البحث‬
‫في شخصية المتلقي وكشف درجة اليقظة والذكاء لديه وهو امرعسيرعلى القضاء ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬المعيارالموضوعي‬

‫ويذهب هذا المعيارالى تجريد متلقي االعالن في الظروف الشخصية الخاصة به واعتماد‬
‫معيارالشخص المعتاد فهوشخص ليس خارق الذكاء في جهة وليس بليدا وغبيا في جهة المقابلة‬
‫وهذا المعيار ال يختلف باختالف االشخاص يستوي في التضليل ان يكون ضحية االعالن‬
‫المضلل شخصا فطنا ذكيا او شخصا اقل فطنة وذكاء فاإلعالن يكون مضلال اذا كان من شأنه‬
‫تضليل المستهلك العادي وتتجه غالبية احكام القضاء في فرنسا الى تبني هذا المعياراملجرد فقد‬
‫ذهبت محكمة باريس في حكمها الصادر بتاريخ ‪ 13‬كانون الثاني ‪ 3000‬الى ان قيام احد االندية‬
‫باالعالن عن تقديم برنامج ترفيهي العضائه يشمل تقديم حفالت وعروض مسرحية ونزهات دون‬
‫ان يشيرالى ان ذلك بمقابل ليس من شأنه تضليل الشخص المعتاد الذي ليس له ان يتوقع ان‬
‫يكون مثل هذا البرنامج الحافل مجانيا ‪.‬‬

‫‪ 1005‬عبدالرزاق احمد السنهوري ‪ ,‬الوسيط في شرح القانون المدني ‪ ،‬ج‪ 3‬نظرية االلتزام بوجه عام ‪,‬ط‪,1‬‬
‫القاهرة ‪ ,‬دار النهضة العربية ‪ , 3361 ,‬ص‪1 001‬‬

‫‪P 508‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫الفرع الثالث‪ :‬أساليب الخداع في االعالن المضلل‬

‫ان اساليب التضليل في االعالن التجاري ال تقع تحت حصر ولكن الفقهاء قسموا هذه‬
‫االساليب الى مجموعتين االولى تتعلق بالعناصر الذاتية للسلعة او الخدمة والثانية تتعلق‬
‫بالعناصرالخارجة عن السلعة او الخدمة وهو ما نبحثه بالتفصيل وكاآلتي ‪:‬‬
‫ً‬
‫أوال – العناصرالذاتية للسلعة او الخدمة ‪:‬‬
‫ً‬
‫يقع الكذب والتضليل في هذه الحالة على السلعة او الخدمة منظورا اليها في ذاتها والتي‬
‫تكون محمل اعتبارفي اقبال المستهلك من اجل التعاقد عليها بدءا من وجود الخدمة او السلعة‬
‫مرورا بخصائصها و ً‬
‫انتهاء بمكوناتها وعلى النحو اآلتي ‪:‬‬

‫‪ – 3‬وجود السلعة او الخدمة ‪-:‬‬

‫هناك صورتان للتضليل في االعالن التجاري عن وجود السلعة او الخدمة ‪.‬‬

‫الصورة االولى ‪ :‬وفيها تكون السلعة او الخدمة موجودة ولكن ليس بالصورة المعلن عنها‬
‫كأن يعلن تاجر عن وجود غساالت تحمل عالمات تجارية متعددة ومشهورة في حين ال يجد‬
‫المشترون سوى نوع من الغساالت غيرمعروف ولم يرد في االعالن اصال ‪.‬‬

‫الصورة الثانية ‪ :‬الصورة الثانية للتضليل وتتمثل بعدم وجود السلعة او الخدمة اصال‬
‫ومثاله اعالن سمسارعقارات كن وجود شقق وعمارات معروضة للبيع مع انه لم يستطع تقديم‬
‫عنوان واحد لهؤالء المالك وال الحد االدنى من المعلومات ‪.‬‬

‫‪ – 5‬طبيعة السلعة او الخدمة‬

‫ان الكذب والخداع في طبيعة السلعة له اهمية كبيرة بالنسبة للمستهلك الرتباطه‬
‫الوثيق بمدى وجود السلعة او الخدمة ومدى مالئمتها للغرض من التعاقد وقد صدرت في فرنسا‬
‫قرارات قضائية عديدة عن الكذب في االعالن الذي يتصل بطبيعة المنتجات او الخدمات‬
‫كاالعالن عن تحفة من البرونز مع انها من الزنك او االعالن عن بيع مخطوطات نادرة اصلية لم‬
‫يسبق نشرها على خالف الحقيقة ‪.‬‬

‫‪ – 1‬منشأ السلعة او الخدمة‬

‫‪P 509‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫ان المستهلك بشكل عام يميل الى تفضيل السلعة اوالخدمة التي يكون منشؤها معروفا‬
‫بالجودة واالتقان لذا يتوجب على المعلن بيان مصدراالنتاج بدقة متناهية وتطبيقا لذلك عد‬
‫من قبيل االعالن المضلل االعالن عن مالبس على انها من اصل فرنس ي والتي كانت تحمل بطاقة‬
‫مطبوعة عليها العلم الفرنس ي بالحجم الكبير في الوقت الذي دون فيه على البعض منها وبخط‬
‫صغير غير واضح انها صنعت في مكاو او هونج كونج‪ 1006‬وألهمية االشارة للمنشأ فقد حرص‬
‫المشرع العراقي في قانون البيانات والعالمات التجارية رقم ‪ 53‬لسنة ‪ 3000‬على وضع احكام‬
‫خاصة بمنشأ االنتاج ومنها نص الفقرة الثامنة من المادة الخامسة التي تقرر( ال تسجل عالمة‬
‫لغرض هذا القانون تحمل الجمهور على اعتقاد بصحة بيانات غير صحيحة فيما يتعلق بمنشأ‬
‫البضاعة واوصافها وكذلك العالمات التي تحتوي على اسم تجاري وهمي او مقلد او مزور )‬
‫وتقض ي المادة الثالثة والثالثون من القانون على انه ( ال يجوز وضع اسم البائع او عنوانه على‬
‫بضائع واردة من بالد غيرالتي يحصل فيها البيع مالم تقترن ببيان بحروف ظاهرة عن الجهة التي‬
‫انتجت فيها وال يجوزللمقيمين في جهة ذات شهرة خاصة في انتاج بعض المنتجات او صنعها اذا‬
‫كانوا يتاجرون في منتجات متشابهة واردة اخرى ان يضعوا على هذه االخيرة عالماتهم اذا كان من‬
‫شأن ذلك تضليل الجمهور فيما يتعلق بمصدر المنتجات ما لم تتخذ االجراءات الكفيلة بمنع‬
‫اي التباس في ذلك ) ‪.‬‬

‫‪ – 2‬مكونات السلعة او الخدمة‬


‫ً‬
‫ويراد بها العناصر الداخلة في االنتاج فاالعالن عن مكونات سلعة معينة خالفا‬
‫لعناصرها الحقيقية يعد اعالنا مضلال واكثرما يكون الكذب بشأن المكونات عند االعالن عن‬
‫منتجات االثاث والمواد الغذائية والجلود والمركبات الصيدلة والمنسوجات‪ 1007‬كاإلعالن عن‬
‫نوع من العصير على انه من المواد الطبيعية في حين انه من المواد الصناعية او االعالن عن‬
‫معجون اسنان على انه يحتوي على نوع من الفيتامينات والحقيقة خالف ذلك ‪.‬‬

‫‪ – 0‬تاريخ الصنع ‪:‬‬

‫‪T. orr. Paris 12 dec 1979 BID 1980 11 p. 82 1006‬‬


‫مشار للقرار لدى عمر محمد عبدالباقي ‪ ,‬الحماية العقدية للمستهلك ‪ ,‬دراسة مقارنة بين الشريعة والقانون ‪1‬‬
‫االسكندرية ‪ ,‬منشأة المعارف ‪ , 1881 ,‬ص‪1 311‬‬
‫‪ 1007‬عبدالفضيل محمد احمد ‪ ,‬مصدر سابق ‪ ,‬ص‪1331‬‬

‫‪P 510‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫يمكن ان يرد التضليل بشأن تاريخ الصنع وتاريخ انتهاء مدة الصالحية عن طريق تقديم‬
‫او تأخيرهذا التاريخ وهذا النوع من التضليل ال يتصوروقوعه اال في المنتجات دون الخدمات‪1008‬‬

‫ويحدث الكذب بشأن التاريخ في لمنتجات الغذائية واالدوية بشكل خاص التي يهم المستهلك ان‬
‫تكون صالحة لالستهالك ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬العناصرالخارجة عن السلعة او الخدمة‬

‫هناك عناصرخارجة عن السلعة او الخدمة في االعالن المضلل يمكن ان تؤثرعلى قرار‬


‫المستهلك في التعاقد من اجل الحصول على السلعة او الخدمة ولعل من اهمها ‪:‬‬

‫‪ – 3‬االعالن المضلل بطريقة الترك‬


‫ً‬
‫وذلك بان يغفل المعلن عمدا او سهوا االشارة لبعض الجوانب الجوهرية وقد اشار‬
‫التوجيه االوربي الصادرفي ‪ 38‬كانون االول ‪ 3002‬الى التضليل بطريقة الترك حيث اشارت المادة‬
‫‪ 581‬منه الى ان االعالن المضلل يقع عن طريق اغفال احدى المعطيات الجوهرية ‪.‬‬

‫‪ – 5‬إدعاء التفرد‬

‫وذلك بأن يدعي المعلن عن تفرد السلعة المعلن عنها في خصائصها ومواصفاتها‬
‫وتفوقها وعدم وجود ما يضاهيها من السلع المنافسة وقد يكون ذلك غيرصحيح مما يعد كذبا‬
‫وتضليال ‪.‬‬

‫‪ – 1‬االستخدامات اللفظية المضللة لألسعار‪.‬‬

‫‪ – 2‬شهادات نجوم املجتمع والمتخصصين ‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬االعالن التجاري عن طريق المقارنة بين السلع او منتجيها‬

‫يمكن تعريف االعالن المقارن بصورة عامة بأنه االعالن الذي يركز على مزايا المنتوج‬
‫اوخدمة معينة من خالل مقارنتها بمواصفاتها ومزايا غيرها مع االشارة الى اسم التاجرالمنافس‬
‫وغموض‪1009‬‬ ‫او اسم منتجاته على نحو يحط من قيمتها ويؤدي الى ايقاع المستهلك في لبس‬
‫والهدف من ذلك هو اقناع المستهلكين بان الفائدة التي يحصلون عليها في السلعة او الخدمة‬

‫‪ 1008‬فاتن حسين حوى ‪ ،‬الوجيز في قانون حماية المستهلك ‪ ،‬ط‪ ، 3‬منشورات الحلبي ‪ ،‬بيروت ‪1831 ،‬م ‪،‬‬
‫ص‪167‬‬
‫‪ 1009‬محمد ابراهيم عبيدات ‪ ,‬سلوك المستهلك ‪ ,‬ط‪ , 1‬عمان ‪ ,‬دار وائل للطباعة والنشر ‪ 3330,‬ص‪1101‬‬

‫‪P 511‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫محل االعالن ستكون بشكل افضل من تلك التي سيحصلون عليها من سلعة او خدمة منافسة‬
‫‪.‬‬

‫ويختلف االعالن التجاري المقارن عن باقي اساليب الحث على التعاقد في ان المعلن‬
‫ً‬
‫يتخذ فيه منهجا مغاير ذا طبيعة مزدوجة فال يقنع كما هو المعتاد بإبراز خصائص ومميزات‬
‫ً‬
‫سلعته محل االعالن بل يقوم فضال عن ذلك بالحط عن مزايا منتجات تاجر منافس و ابراز‬
‫عيوبها والتقليل من شأنها بهدف تسويق سلعته‪ 1010‬وقد اثاراالعالن التجاري المقارن جدال حول‬
‫مشروعيته بصورة المعروفة لذا نبحث مدى مشروعية االعالن التجاري المقارن وصوره غير‬
‫المشروعة في فرعين‪:‬‬

‫الفرع األول‪ :‬مشروعية االعالن التجاري المقارن‬

‫اثارت االعالنات المقارنة منذ بدايتها ظهورها جدال كبيرا حول مشروعيتها وسبب هذا‬
‫الجدل ان االعالنات المقارنة تثيرتعارضا بين مبدأين مبدأ حرية التعبيروالذي يعد احدى صور‬
‫حرية االعالن وهي حرية ال يمكن استبعادها او مصادرتها بالكامل من ناحية ومبدأ مثالية مهنة‬
‫االعالن التي تأبى اجراء مقارنة تمس مشروعا منافسا اومنتجاته اوخدماته من ناحية اخرى‪.1011‬‬

‫وقد اختلفت التشريعات بين المنع واالجازة لإلعالنات المقارنة فقد ذهبت بعض‬
‫التشريعات الى اجازة االعالنات المقارنة بوصفها تحقق فائدة للمستهلك متى انصبت المقارنة‬
‫على عناصر يمكن التحقق منها كالقانون االمريكي والكندي وااليرلندي والهولندي والسويسري‬
‫وقوانين الدول االسكندنافية (السويد والنرويج والدنمارك وفنلندا )‪ 1012‬زمع ذلك فأنه حتى في‬
‫هذه الدول التي يعترف فيها بجواز االعالنات المقارنة فإن هذه االعالنات تخضع لشروط‬
‫وضوابط مشددة من جانب القضاء واالدارة وجهات االنضباط المهنية بحيث ينبغي ان ترد‬
‫المقارنة على عناصر المنتج كافة فال يجوزاجتزاء عنصر بذاته واجراء المقارنة بشأنه واسقاط‬
‫العناصر االخرى‪ 1013‬اما في فرنسا فقد اتخذ القضاء الفرنس ي في غالبية احكامه قبل صدور‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫قانون ‪ 30‬كانون الثاني ‪ ،3005‬موقفا متشددا في االعالن المقارن بوصفه يفتقر للصدق‬
‫والموضوعية حيث ان مصدره هو المعلن نفسه والذي يسعى الى تحقيق الربح ولو على حساب‬

‫‪ 1010‬محمد عبدالباقي ‪ ,‬مصدر سابق ‪ ,‬ص‪1 30‬‬


‫‪ 1011‬عبد الفضيل محمد احمد ‪ ,‬مصدر سابق ‪ ,‬ص‪1 111‬‬
‫‪ 1012‬خالد ممدوح ابراهيم ‪ ,‬ابرام العقد االلكتروني ‪ ,‬االسكندرية ‪ ,‬دار الفكر الجامعي ‪ , 1886 ,‬ص‪1 112‬‬
‫‪ 1013‬عبد الفضيل محمد احمد ‪ ,‬مصدر سابق ‪ ,‬ص ‪1 112‬‬

‫‪P 512‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫االخرين فعدها منافسة غير مشروعة تخول المضرور حق المطالبة بالتعويض بصرف النظر‬
‫عما اذا كان االعالن المقارن يتضمن مقارنة حقيقية فالخطريقع على مبدأ المقارنة في ذاته وال‬
‫يقع على الصدق او الكذب في االعالن المقارن‪ 1014‬اما قانون ‪ 30‬كانون الثاني ‪ 3005‬والمتعلق‬
‫بدعم المستهلكين وحمايتهم فقد اجاز في المادة العاشرة منه االعالنات التجارية المقارنة متى‬
‫كانت فعالة تنصب على الخصائص الجوهرية للسلع المتماثلة بما تتضمنه من بيانات دقيقة‬
‫وصادقة وموضوعية ليس من شأنها ان توقع المتلقي في لبس او خلط ‪ ،‬ويشترط لمشروعية‬
‫االعالن المقارن في القانون الفرنس ي ما يلي ‪:‬‬

‫‪ – 3‬ان يكون االعالن موضوعيا ونزيها وليس من شأنه تضليل المستهلك وان ال يترتب‬
‫عليه اي غموض اولبس وان يقارن بين اموال وخدمات تلبي نفس االحتياجات ولها نفس الهدف‪.‬‬

‫‪ – 5‬يجب ان تكون المقارنة بين الخصائص االساسية للسلع موضوع المقارنة كما‬
‫يجب ان ال يقلل من قيمة احدى العالقات التجارية وشأنها او احد المنافسين وان ال يستفيد‬
‫دون وجه حق من شهرة عالمة تجارية منافسة ‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ – 1‬يوجب قانون االستهالك الفرنس ي ان يكون نشر االعالن مسبوقا باطالع اصحاب‬
‫المهن المنافسين بهدف افساح املجال امام مناقشة موضوعية حول هذا االعالن وهو ما يعني‬
‫ان الطرف المنافس قد اطلع على االعالن المقارن الذي يرغب المعلن نشره عبر االنترنت او اي‬
‫وسيلة اعالن اخرى‪. 1015‬‬

‫‪ – 2‬ان يكون المعلن قادرا على اثبات صحة البيانات التي يحتويها االعالن خالل مدة‬
‫وجيزة‪.1016‬‬

‫ان هذه الشروط ادت الى عزوف كثيرمن المعلنين عن هذا الشكل من االعالن ويدل على‬
‫ذلك ان اجمالي اعالنات المقارنة بلغت عشرة اعالنات فقط في فرنسا عام ‪. 1017 3005‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬صوراالعالن المقارن غيرالمشروع‬

‫‪ 1014‬احمد سعيد الزقرد ‪ ,‬مصدر سابق ‪ ,‬ص‪1161‬‬


‫‪ 1015‬خالد ممدوح ابراهيم ‪ ,‬مصدر سابق ص‪112‬‬
‫‪ 1016‬المادة ‪ 1/313‬من قانون االستهالك الفرنسي لعام ‪13331‬‬
‫‪ 1017‬عمر محمد عبدالباقي ‪ ,‬مصدر سابق ص‪388‬‬

‫‪P 513‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫يعد االعالن عبر شبكة االنترنت وغيرها في وسائل االعالن من اول مصادر المعلومات‬
‫بالنسبة لل مستهلك عن سلعة او الخدمة اال انه اذا كان المعلن يستهدف االساءة لسمعة‬
‫منتجات تاجر منافس او ايقاع جمهور المستهلكين في لبس عد هذا االعالن عمال غير مشروع‬
‫وعليه فان االعالن المقارن غير المشروع يتخذ له صورتين فهو اما ان يكون محط للقيمة او‬
‫مفض ي الى اللبس وهو ما نبحثه فيما يأتي ‪:‬‬

‫اوال – االعالن المقارن الذي يحط من قيمة السلع المنافسة‬

‫ال يقتصر التضليل في االعالن التجاري على خداع المستهلك بل يمتد لينال من قيمة‬
‫سلع وخدمات التاجرالمنافس او سمعته ذاتها عن طريق الحط من تلك القيمة ويمكن تعريف‬
‫الحط بأنه (الكذب الذي يهدف الى تشويه سمعة منشأة تجارية وخدماتها او االساءة لسمعة‬
‫ً‬
‫المنشأة القائمة على انتاج هذه المنتجات او تقديم هذه الخدمات‪ ،) 1018‬بناءا على ذلك يمكن‬
‫القول ان عناصراالعالن التجاري املحط للقيمة هي ‪:‬‬

‫‪ – 3‬تتضمن االعالن ادعاءات مسيئة عن المنتجات والخدمات او المنشأة المنافسة‬


‫ذاتها‬

‫‪ – 5‬كذب االدعاءات‬

‫‪ – 1‬حصول اضرارللتاجر المنافس‬

‫ويستفاد من العنصرين االول والثاني ضرورة توفرسوء النية لدى المعلن استثناء من‬
‫القواعد العامة في التضليل االعالني‪1019‬‬

‫اما العنصر الثالث فانه يفيد ضرورة وقوع اضرار للتاجر المنافس والحقيقة ان اثبات‬
‫الضررامرصعب اذ يتمثل الضررفي انصراف عدد من العمالء عن التاجروهوامرال يمكن الجزم‬
‫به ولذلك كانت مسألة محل اجتهاد فذهب بعض الفقهاء الى استلزام وقوع الضررفي حين ذهب‬
‫بعضهم االخر الى عدم لزوم وقوع الضرر وان القضاء في مصر وفرنسا وان كان يشترط تحقق‬

‫‪ 1018‬سميحة القيلوبي ‪ ,‬المحل التجاري (البيع ‪ ,‬الرهن بالجدك ) ‪ ,‬القاهرة دار النهضة العربية ‪, 3373 ,‬‬
‫ص‪1 326‬‬
‫‪ 1019‬حسين فتحي ‪ ,‬حدود مشروعية االعالنات التجارية لحماية المتجر المستهلك ‪ ,‬القاهرة ‪ ,‬مجلة مصر‬
‫المعاصرة ‪ ,‬السنة الثالثة والثمانون ‪ ,‬العدد ‪ 3371 , 317‬ص‪1 11‬‬

‫‪P 514‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫الضرر اال ان يتساهل في اثبات حدوثه بحيث يكتفي بان يكون الضرر معنويا او احتماليا‬
‫فالقضاء يستخلص وقوع الضررمن قيام وقائع تؤدي الى احداثه عادة‪.‬‬

‫ثانيا – االعالن المؤدي الى اللبس‬

‫االعالن التجاري المقارن قد يفض ي الى اللبس بالنسبة لجمهور المستهلكين وذلك‬
‫عندما يعمد التاجرالمعلن في اعالنه الى تقليد المظهرالخارجي الذي يتميزبه محل اخراو يتسم‬
‫به اعماله او تقليد عنوانه او عالمته التجارية او الرسم او االنموذج الصناعي او تقليد االسم او‬
‫الهدف دائما هو تضليل المستهلك كي يقع في اللبس المهم في هذا النوع من االعالن ان يؤدي الى‬
‫اللبس لدى المستهلك من خالل وجود منافسة تجارية بين التاجرالمعلن والتاجرالمنافس وان‬
‫يتوفرسوء النية لدى المعلن وذلك بأن يقصد باألضراربالمنافس لتسويق منتجاته‬

‫المطلب الثالث‪ :‬التضليل االعالني في القانون العراقي‬

‫عالجت الكثير من الدول االعالن التجاري اما بتشريعات خاصة او تركت المعالجة‬
‫للقواعد العامة مكتفية بما ورد فيها من احكام وسنبحث في الفرع االول التنظيم التشريعي‬
‫لإلعالن المظلل ونبحث الحماية المدنية في االعالن المضلل في الفرع الثاني ‪.‬‬

‫الفرع االول ‪ :‬التنظيم التشريعي للتضليل االعالني في العراق عد المشرع العراقي في‬
‫قانون التجارة النافذة رقم ‪ 18‬لسنة ‪ 3002‬االعالن التجاري عمال تجاريا في المادة الخامسة‬
‫الفقرة الخامسة من القانون‪ 1020‬كما اصدر المشرع العراقي القانون رقم ‪ 20‬لسنة ‪3003‬‬
‫المعدل بالقانون رقم ‪ 10‬لسنة ‪ 3000‬والخاص بتنظيم عمل مكاتب الدعاية والنشر ويمكن‬
‫القول ان المشرع العراقي لم يغفل االشارة لبعض صور التضليل االعالني مشوشة في هذا‬
‫القانون او ذاك‪ ،‬كقانون العالمات والبيانات التجارية رقم ‪ 53‬لسنة ‪ 1021 3000‬وكذلك قانون‬
‫الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية رقم ‪ 02‬لسنة ‪ 3000‬وهو الذي جاءت نصوصه في‬
‫اغلبها لحماية المستهلك من الغش التجاري والصناعي‪. 1022‬‬

‫‪ 1020‬تنص المادة (‪( )2‬تعتبر االعمال التالية اعماال تجارية اذا كانت بقصد الربح ويفترض فيها هذا القصد ما لم‬
‫يثبت العكس ‪ 11‬خامسا ‪ 1‬النشر والطباعة والتصوير واالعالن ) ‪1‬‬
‫‪ 1021‬انظر المادتين ‪ 13‬و ‪ 11‬من القانون العراقي‬
‫‪ 1022‬انظر المادة ‪ 33/0‬من القانون العراقي‬

‫‪P 515‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫كما صدرت تعليمات رئيس هيئة التخطيط بالرقم ‪ 33‬لسنة ‪ 1023 3000‬بهدف حماية‬
‫المستهلك من التضليل االعالني حيث نصته المادة ‪ 5/38‬من التعليمات (يحظر استعمال‬
‫عالمة الجودة عمدا في غيراالغراض املخصصة لها او االعالنات المضللة للمنتوج النهائي )‬

‫اما على الصعيد التنفيذي اي المؤسسات الرسمية فانه ال يوجد في الوقت الحاضر‬
‫مؤسسة متخصصة وبشكل مباشر بموضوع الرقابة على االعالن ومع ذلك فقد استحدثت‬
‫جامعة بغداد عام ‪ 3000‬مركزبحوث السوق وحماية المستهلك بوصفه اوجهة تساهم في حماية‬
‫المستهلك من الغش والتضليل الذي يتعرض له االخير‪ 1024‬وصدرت عن المركزتعليمات خاصة‬
‫برقم ‪ 23‬لسنة ‪. 1025 5883‬‬

‫وتحدد هذه التعليمات مهام المركز واهدافه التي تنحصر بأعداد البحوث والدراسات‬
‫النظرية والميدانية وكشف حاالت الغش التجاري عموما ومن بينها االعالنات الكاذبة‬
‫والمضللة‪. 1026‬‬

‫اما اهم المالحظات‬

‫المالحظات على التنظيم التشريعي للتضليل االعالني في العراق وكما يأتي ‪:‬‬

‫‪ – 3‬ان المشرع العراقي لم يعالج االعالن التجاري ودوره في الحياة االقتصادية في قانون‬
‫خاص مستقل اكتفاء بما ورد في المادة الخامسة من قانون التجارة النافذة بشان تقرير تجارية‬
‫نشاط االعالن التجاري وكذلك القانون رقم ‪ 20‬لسنة ‪ 3003‬المعدل وهو قانون محدود‬
‫الفاعلية اذ ان دوره رقابي تنظيمي فجهة الرقابة في هذا القانون هي وزارة الثقافة االعالم وكذلك‬
‫التعليمات الصادرة من الجهات املختصة ‪.‬‬

‫‪ – 5‬ان هذه التشريعات رتبت جزاءات ادارية على مخالفة احكامها دون التطرف الى‬
‫الجزاء المدني المتمثل بالتعويض ويبدو ان المشرع اراد ترك التعويض عن االضرار التي تنشأ‬
‫عن مخالفة احكام هذه التشريعات الى القواعد العامة ‪.‬‬

‫‪ 1023‬نشرت التعليمات في الوقائع العراقية بالعدد ‪ 1727‬في ‪1 3333/3/30‬‬


‫‪ 1024‬ليث الربيعي ‪ ,‬سياسات الحماية الرسمية للمستهلكين ‪ ,‬الملتقى الرابع لالمانة العامة لالتحاد العربي‬
‫للمستهلك ‪ ,‬صنعاء ‪ , 1883 3/31,36 ,‬ص‪1 1‬‬
‫‪ 1025‬نشرت التعليمات في الوقائع العراقية بالعدد ‪ 1381‬في ‪1883/33/2‬‬
‫‪ 1026‬ليث الربيعي ‪ ,‬سياسات الحماية الرسمية للمستهلكين الملتقى الثالث لألمانة العامة لالتحاد العربي للمستهلك‬
‫‪ ,‬صنعاء فيان ‪ , 1883 ,‬ص‪1 13‬‬

‫‪P 516‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬
‫‪ – 1‬ان قانون العقوبات العراقي النافذ كان اكثروضوحا في محاربة التضليل االعالني‪1027‬‬

‫واكثرحماية للمستهلك بهذا الصدد من التشريعات المدنية ‪.‬‬

‫‪ – 2‬ان دور مركز بحوث السوق والحماية المستهلكين يقتصر على اعداد البحوث‬
‫النظرية في مجال بحوث السوق وحماية المستهلك‬

‫اما في الجانب العملي فإن دوره يكاد يكون معدوما‪.‬‬

‫‪ – 0‬ان شيوع ظاهرة الغش التجاري والصناعي والتضليل االعالني في العراق والتي ال‬
‫تقف عند حد توجب تدخل المشرع باصدار قانون خاص بحماية المستهلك ومن ضمن اوجه‬
‫الحماية محاربة الغش اوالتضليل االعالني وكذلك انشاء المؤسسات التي تكفل تطبيق القانون‬
‫ً‬
‫وعدم االكتفاء بابحاث مركزبحوث السوق وحماية المستهلك التي تأخذ طابعا نظريا ‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬الحماية المدنية‬

‫ان اثار التضليل االعالني ال تقتصر على ما يلحق المستهلك من اضرار تصيبه شخصيا‬
‫بل تمتد لتشمل الحياة االقتصادية للمجتمع بأسره لذلك فان القوانين المقارنة لمعظم الدول‬
‫تذهب الى عد التضليل جريمة معاقبا عليها في القوانين الجزائية فضال عن الحماية المدنية ‪.‬‬

‫وفي المرحلة السابقة للتعاقد فانه ال يتصوروجود عقد بين المعلن وجمهورالمستهلكين‬
‫فالمعلن ال يرتبط مع المستهلكين بأية رابطة عقدية ومن ثم فان اخطاء المعلن التي تصدر‬
‫خالل هذه المرحلة من سببت ضررا فإنها تثيرالمسؤولية التقصيرية ‪.‬‬

‫اما ما يتعلق في حماية المستهلك من اثار التضليل االعالني بعد ابرام العقد فإن‬
‫جوهرها يكمن في الزام المعلن بتنفيذ التزاماته الواردة في االعالن متى كان ذلك ممكنا او اعادة‬
‫الحال الى ما كان عليه قبل ذلك اذا كان ذلك متاحا او الحكم بالتعويض من غيرهاتين الحالتين‬
‫ان كان لذلك مقتض ى ‪.‬‬

‫‪ 1027‬انظر المادتين ‪ 166‬و ‪ 167‬من قانون العقوبات العراقي النافذ رقم ‪ 333‬لسنة ‪ 3363‬حيث تقضي المادة‬
‫‪ 166‬بحبس كل من تسبب باخفاء سلعة من السلع المعدة لالستهالك باذاعته عمدا وقائع مختلفة او اخبار غير‬
‫صحيحة او ادعاءات كاذبة او بارتكاب اي عمل ينطوي على غش او تدليس كما قضت المادة ‪ 167‬من القانون‬
‫بحبس كل من غش متعاقدا معه بحقيقة بضاعته او طبيعتها او صفاتها الجوهرية او العناصر الداخلة في تركيبها‬
‫او نوع البضاعة او مصدرها في االحوال التي يعتبر فيها ذلك سببا اساسيا في التعاقد او كان الغش في عدد البضاعة‬
‫او مقدارها ‪ 1111‬الخ ‪1‬‬

‫‪P 517‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫بناءا على ما تقدم يمكن تقسيم الموضوع الى ثالث فقرات ‪:‬‬
‫ً‬
‫أوال ‪ :‬تنفيذ االلتزام العيني ‪.‬‬
‫ً‬
‫ثانيا ‪ :‬التغريرمع الغبن ‪.‬‬
‫ً‬
‫ثالثا ‪ :‬التعويض ‪.‬‬

‫اذا اعلن التاجر املحترف عبر االنترنت عن سلعة او خدمة معينة لغرض التعاقد عليها‬
‫وفبل المستهلك هذا العرض وبعد ذلك امتنع التاجر املحترف عن تنفيذ التزامه وذلك بتسليم‬
‫ش يء من النوع ذاته الذي تضمنه االعالن التجاري وذلك بمقتض ى نص المادة ‪ 1028523‬من‬
‫القانون المدني العراقي والتي تقرر اجبار المدين (المعلن) هنا على تنفيذ التزامه عينيا متى كان‬
‫ذلك ممكنا فاذا لم يقم المعلن بتنفيذ التزامه جاز للمستهلك ضحية التضليل االعالني ان‬
‫يحصل على ش يء من النوع ذاته على نفقة التاجر المعلن بعد استئذان املحكمة او بغير‬
‫استئذانها في حالة االستعجال‪ 1029‬فضال عن ذلك فان له مطالبة المعلن‬

‫التعويض ( أي التنفيذ بمقابل ان كان لذلك مقتض ى ) واساس الزام المعلن في تنفيذ‬
‫التزامه هو عد االعالن ايجابا متى تضمن العناصر الجوهرية للعقد و انعقاد العقد اذا صادف‬
‫هذا االيجاب قبول مطابق ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬التغريرمع الغبن‬

‫يمكن حماية المستهلك من االعالن المضلل استنادا الى القواعد العامة التي تجيزوقف‬
‫العقد للتغرير مع الغبن في القانون العراقي متى ما تو افرت شروطه او طلب ابطاله العقد‬
‫للتدليس في القانون الفرنس ي والمصري‪. 1030‬‬

‫والتغريرهوما يطلق عليه بالتدليس في الفقه الغربي ويقصد به استعمال طرق احتيالية‬
‫بقصد ايقاع المتعاقد االخر في غلط يدفعه الى التعاقد‪ 1031‬والتغرير هو من اكثر عيوب االرادة‬
‫شيوعا في العقود المبرمة عبر االنترنت ويتحقق التغرير باستعمال اساليب احتيالية تظهر‬

‫‪ 1028‬تقابلها المادة ‪ 181‬من القانون المدني المصري والمادة ‪ 3301‬من القانون المدني الفرنسي‬
‫‪ 1029‬انظر المادة ‪ 1/110‬من القانون المدني العراقي تقابلها المادة ‪ 1/182‬مدني مصري ‪1‬‬
‫‪ 1030‬انظر المادة ‪ 1/313‬في القانون المدني العراقي والمادة ‪ 3/312‬في القانون المدني المصري والمادة ‪3336‬‬
‫في القانون المدني الفرنسي‬
‫‪ 1031‬عبدالرشيد مأمون ‪ ,‬الوجيز في النظرية العامة لاللتزامات الكتاب االول ‪ ,‬مصادر االلتزام ‪ ،‬القاهرة ‪ ,‬دار‬
‫النهضة العربية ‪ ,‬بال سنة طبع ‪ ,‬ص‪1 311‬‬

‫‪P 518‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫السلعة على غير مظهرها باستغالل تقنيات الحاسب االلكتروني او حتى بوصفها اما الغبن فهو‬
‫عدم التعادل بين ما يأخذه المتعاقد وما يعطيه اذا كانت التشريعات الغربية ومعظم‬
‫التشريعات العربية تذهب الى عد التدليس عيبا مستقال من عيوب االرادة فان المشرع العراقي‬
‫خالف هذه التشريعات وجرى على نهج الفقه االسالمي في اشتراط اقتران الغبن بالتقرير حتى‬
‫يعد عيبا من عيوب االرادة فالغبن وحده ال يمنع من نفاذ العقد مادام لم يصحبه تغرير‪ 1032‬ولكي‬
‫تكون دعوى التغريرمع الغبن منتجة فال بد من تو افرشروط التغريراذ ال بد من استعمال طرق‬
‫احتيالية وان تكون هذه الطرق دافعة الى التعاقد وان يكون التغريرصادرا من احد المتعاقدين‬
‫او يكون على علم به وهو ما سنبحثه كما يأتي ‪:‬‬

‫‪ – 3‬استعمال طرق احتيالية‬

‫وهذه الطرق تتمثل بعنصرين احدهما مادي واالخرمعنوي ‪:‬‬

‫أ – العنصر المادي ‪ :‬اي الوسائل والطرق االحتيالية التي قد تكون مادية او غير مادية‬
‫والتي تستهدف التأثير على ارادة المستهلك من اجل دفعه الى التعاقد وياتي في مقدمة هذه‬
‫الوسائل الكذب من اجل التغرير بالمتعاقد ويمكن القول بشكل عام بأن التغرير مع الغبن هو‬
‫اكثر عيوب االرادة شيوعا في العقود المبرمة عبر شبكة االنترنت فالمستهلك ال يكون امامه اال‬
‫جهاز الحاسب االلكتروني وما يقدمه له التاجر املحترف من معلومات في االعالن عن السلعة او‬
‫الخدمة التي يروم الحصول عليها او مواصفاتها او كل ما يتعلق بها وينبغي ان تكون هذه‬
‫ً‬
‫المعلومات دقيقة لذا فان مجرد الكذب يعد وسيلة احتيالية ويعد التغريرو اقعا ‪.‬‬

‫اما فيما يتعلق في الكتمان في االعالن التجاري وما اذا كان يعد تغريرا او ال ؟ الو اقع ان‬
‫التغرير في اية حالة او امر يكون االفضاء به واجبا للمستهلك ولكن التاجر املحترف يمتنع عن‬
‫ذلك من اجل دفعه للتعاقد‪ 1033‬ويقوم هذا الحكم على مبادى القواعد العامة التي تقض ي بعدم‬
‫جوازالغش متى ما ظهرمن ظروف التعاقد او طبيعته ان امرا هاما يؤثربالتعاقد الى درجة كبيرة‬
‫ويدرك المعلن خطره ويعرف ان المستهلك يجهله ومع ذلك يكتمه عنه فيحمله بذلك على‬

‫‪ 1032‬حسن علي الذنون ‪ ,‬النظرية العامة لاللتزامات ‪ ,‬مصادر االلتزام واحكام االلتزام واثبات االلتزام ‪ ,‬بغداد بال‬
‫دار نشر ‪ 3376 ,‬ص‪133‬‬
‫‪ 1033‬انور طلبة ‪ ,‬النظرية العامة لاللتزام ‪ ,‬مصادر االلتزام ‪ ,‬القاهرة ‪ ,‬دار ابو المجد للطباعة ‪, 1881 ,‬‬
‫ص‪1 133‬‬

‫‪P 519‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫التعاقد‪ 1034‬وقد اشار لهذا الحكم القانون المدني المصري في المادة ‪ 5/350‬حيث نص ويعتبر‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تدليسا السكوت عمدا عن و اقعة او مالبسة اذا ثبت ان المدلس عليه ما كان ليبرم العقد لو‬
‫علم تلك الو اقعة او هذه المالبسة ‪.‬‬

‫ب – العنصر المعنوي ‪ :‬وهو نية التضليل للوصول الى غرض غير مشروع فالمبالغة في‬
‫وصف مزايا منتوج واضفاء احسن االوصاف على الخدمة ال يعد تغريرا اذا تم بنية الترويج اما‬
‫اذا صدر بنية التضليل عن طريق ايهام المستهلك بأمور ليس لها وجود اصال فإن هذا االمر يعد‬
‫تغريرا‪. 1035‬‬

‫‪ – 5‬ان يكون التغريردافعا الى التعاقد ‪:‬‬

‫يجب ان يكون التغرير دافعا الى التعاقد وقاض ي الموضوع هو الذي يبت فيما اذا كان‬
‫ما تضمنه االعالن من الكذب والتضليل هو الذي ودفعه للتعاقد‪. 1036‬‬

‫‪ – 1‬اتصال التغريربعلم المعلن‬

‫وهو ان يكون التغرير صادرا من المعلن او ان يكون عالما به اذا صدر من غير المعلن‬
‫(التاجراملحترف) يضمن صيغ التغريراذا كان صادرا منه اما اذا صدرت من مكتب االعالن وعلم‬
‫به المعلن او كان بامكانه ان يعلم به فمن حق المستهلك المغرربه اذا لحقه غبن فاحش من هذا‬
‫التعاقد ان يرجع على المعلن على وفق دعوى التغريرمع الغبن‪. 1037‬‬

‫اما اذا لم يكن المعلن يعلم بالتغرير وليس بإمكانه ان يعلم به عند صدوره من الغير‬
‫(مكتب اعالن) فالحكم هو نفاذ العقد المبرم بين المعلن والمستهلك ولكن يكون للمستهلك حق‬
‫الرجوع على الغير‪ 1038‬واذا اقترن التغرير بالغبن كان العقد موقوفا وللمستهلك اما نقضه او‬
‫اجازته حسبما تقض ي به مصلحته من خالل مدة ثالثة اشهر من الوقت الذي ينكشف فيه‬
‫التغرير‪ 1039‬ويمكن القول ان دعوى التغرير مع الغبن محدودة الفاعلية في مجال االعالنات‬

‫‪ 1034‬انور طلبة ‪ ,‬نفس المصدر ‪ ,‬ص‪1 131‬‬


‫‪ 1035‬عبدالمجيد الحكيم ‪ ,‬عبدالباقي البكري ‪ ,‬محمد طه البشير ‪ ,‬الوجيز في نظرية االلتزام في القانون المدني‬
‫العراقي ‪ ,‬ج‪( 3‬مصادر االلتزام) الموصل ‪ ,‬مطابع مؤسسة دار الكتب للطباعة والنشر ‪ ,‬ص‪1 03‬‬
‫‪ 1036‬منذر الفضل ‪ ,‬النظرية العامة لاللتزامات في القانون المدني ‪ ,‬ج‪ , 3‬مصادر االلتزام ‪ ,‬بغداد ‪ ,‬مطبعة‬
‫جامعة بغداد ‪ , 3333 ,‬ص‪1 376‬‬
‫‪ 1037‬المادة ‪ 311‬من القانون المدني العراقي‬
‫‪ 1038‬المادة ‪ 311‬من القانون المدني العراقي‬
‫‪ 1039‬المادة ‪ 316‬من القانون المدني العراقي‬

‫‪P 520‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫الكاذبة او المضللة في القانون العراقي او انها تفترض وجود عقد بين التاجراملحترف والمستهلك‬
‫كذلك اتصال التغرير بعلم المعلن (التاجراملحترف) وان يكون التضليل الدافع الى التعاقد قد‬
‫تم بسوء نية‪ 1040‬وبعد تحقق كل شروط التغرير يجب ان يقترن بالتغرير بغبن فاحش اصاب‬
‫المستهلك ( المغرربه ) وكلها مسائل قد يكون من الصعب اثباتها وحتى على فرض امكانية اثباتها‬
‫فان الجزاء وهو وقف العقد او ابطاله بحسب اختالف القوانين قد ال تتناسب ومصلحة‬
‫المستهلك الذي يتكلف النفقات والجهد والوقت في رفع الدعوى الفردية ويصطدم بعدد من‬
‫العقبات النفسية االجرائية في مواجهة المعلن وهو الطرف القوي في العالقة التعاقدية‪. 1041‬‬

‫ثالثا ‪ :‬التعويض‬

‫ان وصف االعالن التجاري بالتضليل يعني فيما يعنيه وجود خطأ من جانب المعلن‬
‫يتضمن سعي هذا االخيرالى الخداع المستهلك وتضليله وذلك من خالل عمله على ابرازصفة او‬
‫اكثرفي السلعة او الخدمة المعلن عنها وغالبا ما تكون هذه الصفة جوهرية بالنسبة للمستهلك‬
‫بحيث تدفعه الى التعاقد معتقدا انها تلبي حاجته التي يرجى اليها والحقيقة خالف ذلك ويترتب‬
‫على وجود هنا االختالف بين حقيقة مقومات السلعة اوالخدمة وبين الصورة المعلن عنها الحاق‬
‫الضرربالمستهلك بما يحقق شروط قيام مسؤولية المعلن فيكون للمستهلك والحالة هذه الحق‬
‫في طلب التعويض وطلب التعويض على هذا النحو يتم استغالل ودون تداخل مع دعوى تنفيذ‬
‫االلتزام التعاقدي او دعوى التغرير مع الغبن (التدليس) حيث ان لكل من هاتين الدعوتين‬
‫نطاقها الخاص من حيث الشروط واالهداف فهو مكنة اعطاها المشرع للمستهلك يستطيع‬
‫بمقتضاها جبر االضرار الو اقعة عليه كأثر لدخوله في عالقة مع المعلن اتسمت منذ بدايتها‬
‫بالكذب والتضليل من جانب المعلن‪. 1042‬‬

‫فبالنسبة لدعوى تنفيذ االلتزام التعاقدي فان المشرع العراقي احتفظ للمستهلك بحقه‬
‫في المطالبة بالتعويض متى كان له مقتض ى فقد نصت الفقرة الثانية من المادة ‪ 520‬من‬
‫القانون المدني العراقي ( فاذا لم يقم المدين بتنفيذ التزامه جازللدائن ان يحصل على ش يء من‬

‫‪ 1040‬خالفا على ما استقر عليه الفقه والقضاء ال سيما في فرنسا من ان المعلن مسؤول عن التضليل االعالني‬
‫بغض النظر عن حسن نيته او سوءها وهو تطور مهم ال يجوز النكوص عنه ‪1‬‬
‫‪ 1041‬احمد سعيد الزقرد ‪ ,‬مصدر سابق ‪ ,‬ص‪1 117‬‬
‫‪ 1042‬عمر محمد عبدالباقي ‪ ,‬مصدر سابق ص‪1 372‬‬

‫‪P 521‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫النوع نفسه على نفقة المدين بعد استئذان املحكمة او بغيراستئذانها في حالة االستعجال كما‬
‫انه يجوزله ان يطالب بقيمة الش يء من غيراخالل في الحالتين بحقه في التعويض ) ‪.‬‬

‫وبالنسبة لدعوى التغريرفأنه يجوزللمغرربه ان يرفع دعوى للمطالبة بتعويض االضرار‬


‫المترتبة على استعمال المعلن لوسائل احتيالية حتى اذا كانت غير جسيمة استنادا لقواعد‬
‫المسؤولية التقصيرية‪. 1043‬‬

‫ان استجابة القضاء لطلب المستهلك بالتعويض متى تحققت شروطه انما هو امر‬
‫تتكامل به جوانب حمايته القانونية من اضرار االعالن التجاري المضلل فبينما تمنحه دعوى‬
‫تنفيذ االلتزام التعاقدي الحق في اجبار المعلن على تنفيذ التزامه عينا او بمقابل تمنحه دعوى‬
‫التغرير مع الغبن الحق في طلب وقف العقد نجد ان دعوى التعويض تعمل على جبر الضرر‬
‫الو اقع عليه جراء صدورمثل هذا االعالن‪. 1044‬‬

‫الخاتمة‪:‬‬
‫ً‬
‫ويستخلص مما ورد في ثنايا البحث ما يأتي ‪ :‬أوال ‪ :‬يتوجب القيام بالتنوير المعلوماتي‬
‫ألجل حماية المستهلك من التضليل االعالني ‪ ,‬فرغم اهمية االعالن التجاري ودوره في حث‬
‫ً‬
‫المستهلك ودفعه للتعاقد اال انه لم يحظ بإهتمام المشرع العراقي عندما يكون كاذبا او مضلال‬
‫مكتفيا بالقانون رقم ‪ 20‬لسنة ‪ 3003‬المعدل بالقانون رقم ‪ 10‬لسنة ‪ 3000‬والخاص بتنظيم‬
‫عمل مكاتب الدعاية والنشر ‪ ,‬وبعض النصوص الواردة في القوانين الخاصة في هذا القانون او‬
‫ذاك وبعض التعليمات ‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬ان نصوص القانون المدني العراقي غيركافية لضمان سالمة المستهلك االلكتروني‬
‫اذ ان القواعد العامة للمسؤولية التعاقدية في القانون المدني العراقي لم تتضمن اي اشارة‬
‫خاصة بمسؤولية املحترف عن ضمان سالمة المستهلك بسبب عيب المبيع او الخطوة الكامنة‬
‫فيه‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬لم يواكب القضاء العراقي التطور في مسؤولية املحترف عن ضمان سالمة‬
‫المستهلك ولم يحاول اقتباس الحلول التي قررها القضاء المقارن فلم نجد في االحكام المنشورة‬

‫‪ 1043‬احمد سعيد الزقرد ‪ ,‬مصدر سابق ص‪1 110‬‬


‫‪ 1044‬عمر محمد عبدالباقي ‪ ,‬مصدر سابق ‪ ,‬ص‪1 372‬‬

‫‪P 522‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫او غير المنشورة ما يفيد وجود مثل هذا االتجاه فإذن تتضح ضرورة االعتراف باهمية تحديد‬
‫مفهوم التضليل والكذب في االعالن التجاري بشكل دقيق وممدد بحيث يشمل حاالت الكتمان‬
‫واالمتناع عن تقديم المعلومات الضرورية التي كان من المفروض تقديمها للمستهلك وعدها‬
‫سببا كافيا العتبار العقد موقوفا على اجازة المستهلك دون اشتراط اقتران التغرير بالغبن بل‬
‫ً‬
‫اكتفاء بمجرد االهمال ‪.‬‬ ‫ودون الحاجة الى اثبات سوء نية المعلن‬

‫المصادر‪:‬‬
‫‪ -‬المصادرالقانونية‬
‫‪ -3‬ابن منظور ‪ ,‬لسان العرب ‪ ,‬املجلد الخامس ‪ ,‬القاهرة ‪ ,‬دار الكتاب المصري ‪ ,‬مطبعة‬
‫المعارف ‪ ,‬ص‪.1052‬‬
‫‪ -5‬احمد سعيد الزقرد ‪ ,‬الحماية القانونية من الخداع االعالني في القانون الكويتي والمقارن‬
‫‪ ,‬بحث منشورفي مجلة الحقوق ‪ ,‬جامعة الكويت العدد ‪.3000, 2‬‬
‫انور طلبة ‪ ,‬النظرية العامة لاللتزام ‪ ,‬مصادر االلتزام ‪ ,‬القاهرة ‪ ,‬دار ابو املجد للطباعة ‪,‬‬
‫‪.5881‬‬
‫‪ -1‬حسن علي الذنون ‪ ,‬النظرية العامة لاللتزامات ‪ ,‬مصادر االلتزام واحكام االلتزام و اثبات‬
‫االلتزام ‪ ,‬بغداد بال دارنشر ‪ 3003 ,‬ص‪.00‬‬
‫‪ -2‬حسين فتحي ‪ ,‬حدود مشروعية االعالنات التجارية لحماية المتجر المستهلك ‪ ,‬القاهرة ‪,‬‬
‫مجلة مصرالمعاصرة ‪ ,‬السنة الثالثة والثمانون ‪ ,‬العدد ‪ 3005 , 350‬ص‪. 22‬‬
‫‪ -0‬خالد ممدوح ابراهيم ‪ ,‬ابرام العقد االلكتروني ‪ ,‬االسكندرية ‪ ,‬دار الفكر الجامعي ‪, 5883 ,‬‬
‫ص‪. 520‬‬
‫‪ -3‬سميحة القيلوبي ‪ ,‬املحل التجاري (البيع ‪ ,‬الرهن بالجدك ) ‪ ,‬القاهرة دارالنهضة العربية ‪,‬‬
‫‪ , 3000‬ص‪. 303‬‬
‫‪ -0‬عبد الرشيد مأمون ‪ ,‬الوجيزفي النظرية العامة لاللتزامات الكتاب االول ‪ ,‬مصادرااللتزام ‪،‬‬
‫القاهرة ‪ ,‬دارالنهضة العربية ‪ ,‬بال سنة طبع ‪ ,‬ص‪. 355‬‬
‫‪ -0‬عبد الفضيل محمد احمد ‪ ,‬االعالن عن المنتجات والخدمات من الوجهة القانونية ط‪3‬‬
‫‪ ,‬القاهرة ‪ ,‬مكتبة الجالء الجديدة ‪ 3003 ,‬ص‪.301‬‬

‫‪P 523‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫‪ -0‬عبدالرزاق احمد السنهوري ‪ ,‬الوسيط في شرح القانون المدني ‪ ،‬ج‪ 3‬نظرية االلتزام بوجه‬
‫عام ‪,‬ط‪ ,5‬القاهرة ‪ ,‬دارالنهضة العربية ‪ , 3032 ,‬ص‪. 001‬‬
‫‪ -38‬عبداملجيد الحكيم ‪ ,‬عبدالباقي البكري ‪ ,‬محمد طه البشير ‪ ,‬الوجيز في نظرية االلتزام في‬
‫القانون المدني العراقي ‪ ,‬ج‪( 3‬مصادر االلتزام) الموصل ‪ ,‬مطابع مؤسسة دار الكتب‬
‫للطباعة والنشر‪ ,‬ص‪. 00‬‬
‫‪ -33‬فاتن حسين حوى ‪ ،‬الوجيز في قانون حماية المستهلك ‪ ،‬ط‪ ، 3‬منشورات الحلبي ‪ ،‬بيروت ‪،‬‬
‫‪5835‬م ‪ ،‬ص‪30‬‬
‫‪ -35‬ليث الربيعي ‪ ,‬سياسات الحماية الرسمية للمستهلكين ‪ ,‬الملتقى الرابع لالمانة العامة‬
‫لالتحاد العربي للمستهلك ‪ ,‬صنعاء ‪ , 5883 0/32,33 ,‬ص‪. 2‬‬
‫‪ -31‬ليث الربيعي ‪ ,‬سياسات الحماية الرسمية للمستهلكين الملتقى الثالث لألمانة العامة‬
‫لالتحاد العربي للمستهلك ‪ ,‬صنعاء فيان ‪ , 5883 ,‬ص‪. 53‬‬
‫‪ -32‬محمد ابراهيم عبيدات ‪ ,‬سلوك المستهلك ‪ ,‬ط‪ , 5‬عمان ‪ ,‬دارو ائل للطباعة والنشر‪3000,‬‬
‫ص‪505‬‬
‫‪ -30‬مشار للقرار لدى عمر محمد عبدالباقي ‪ ,‬الحماية العقدية للمستهلك ‪ ,‬دراسة مقارنة بين‬
‫الشريعة والقانون ‪ .‬االسكندرية ‪ ,‬منشأة المعارف ‪ , 5882 ,‬ص‪322‬‬
‫‪ -33‬منذرالفضل ‪ ,‬النظرية العامة لاللتزامات في القانون المدني ‪ ,‬ج‪ , 3‬مصادرااللتزام ‪ ,‬بغداد‬
‫مطبعة جامعة بغداد ‪ , 3003 ,‬ص‪. 303‬‬

‫‪ -‬القوانين‪.‬‬
‫‪ .1‬القانون المدني العراقي رقم (‪ )28‬لسنة ‪ 3003‬المعدل النافذ‪.‬‬
‫‪ .2‬القانون المدني الفرنس ي لسنة ‪ 3082‬المعدل بالمرسوم رقم (‪ )313‬لسنة ‪ 5833‬والقانون‬
‫رقم‪ )5830/500( .‬الصادر بتاريخ ‪ 58‬أبريل ‪.5830‬‬
‫‪ .2‬القانون المدني المصري رقم (‪ ) 13‬لسنة ‪ 3020‬المعدل النافذ‪.‬‬
‫‪ .0‬قانون حماية المستهلك العراقي رقم (‪ )3‬لسنة ‪ 5838‬النافذ‪.‬‬
‫‪ .1‬قانون حماية المستهلك المصري رقم (‪ )30‬لسنة ‪ 5883‬النافذ‪.‬‬
‫‪ .2‬قانون حماية الملكية الفكرية الفرنس ي رقم (‪ )000 - 05‬لسنة ‪ 3005‬النافذ‪.‬‬

‫‪P 524‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫مقاالت وأبحاث‬
‫قانونية وقضائية‬
‫باللغة الفرنسية‬

‫‪P 525‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

Le régime de l’action en comblement de l’insuffisance


d’actif en droit des procédures collectives
Introduction
L’entreprise en tant que partie prenante essentielle dans le processus de
production, de circulation et de consommation des richesses, donc des activités
humaines liées au bien-être économique et social des individus et des groupes, n’est
jamais à l’abri d’incidents de parcours pouvant mettre en question sa pérennité. La
survie de cette structure économique étant menacée, tout l’ordonnancement de
l’ordre juridique se trouve troublé, des créanciers perdent tout ou partie de leur
emploi, des fournisseurs perdent leur débauche, des institutions publiques perdent
une source de contribution ...1045Alors lorsqu’on parle d’une entreprise en difficultés,
une inquiétude commune apparaît celle de sa disparition pour des causes diverses :
financières, structurelles, humaines, juridiques.
En effet la plupart des sociétés connaissent aujourd’hui des difficultés, certes
de leurs statuts mais aussi de l’incompétence de leurs dirigeants et dans une bien
moindre mesure de leur malhonnêteté, ce comportement nous ramène à la notion
de faute de gestion.
A cet égard le législateur marocain a établi, à travers les dispositions du livre V
du code de commerce une politique qui prend en considération les circonstances de
l’entreprise et de l’entrepreneur. Elle protège, d’une part les entrepreneurs

1045
D. VIDAL, droit de l’entreprise en difficulté, Gualino 3 éme édition 2010. P : 313.

P 526 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

endommagés par la concurrence et par les transformations technologiques et les


crises économiques, ceci afin de permettre aux entreprises de subsister et de
jouer leur rôle dans le développement économique, mais en parallèle un régime
répressif voué à dissuader tout acte et agissement découlant de la faute de gestion ou
des manœuvres frauduleuses des dirigeants engendrant les difficultés financières.
1046.

Dans le schéma de l’ancien code de commerce de 1913, on révèle l’absence


d’un titre réservé aux sanctions, ainsi que l’absence d’une vision globale
responsabilisant le dirigeant à plusieurs niveaux. La philosophie de ce code inspiré
du code napoléonien de 1804 était largement focalisée sur les commerçants
personnes physiques, perçues comme agissant contre les intérêts des créanciers,
éventuellement en organisant leurs faillites, et donc sanctionnables sur le terrain
délictuel à travers les incriminations de la banqueroute.1047
Inversement à ce que se produisait sous l’empire de l’ancienne loi de commerce
de 1913, la nouvelle loi n° 73.17 1048modifiant le livre V de la loi 15.95 formant code
de commerce, a fait de l’intervention judiciaire avant que l’entreprise ne cesse ses
paiements un nouvel apport important, lui permettant de mieux jouer son rôle dans
la réalisation de la prospérité économique du pays. Dans ce cadre, le législateur a opté

1046
Mounia Rhoumri Mounir : « La politique pénale en vertu du livre v du code de commerce » RER Juri,
N° 2 2018. P : 170.
1047
Le code de commerce de 1913, traitait dans son livre 11, à la fois de la faillite, de la banqueroute, de
la liquidation judiciaire et de la réhabilitation, sur les 193 articles de ce livre, deux articles étaient réservés
à la faillite commune (l’art 197 et l’art 361), dix-huit articles à la banqueroute (de l’art 362 à l’art 379)
mais qui comportent uniquement des incriminations sans être accompagnées de sanctions, et enfin dix
articles à la réhabilitation (de l’art 380 à l’art 389).
M. Jaouhar « les sanctions applicables aux dirigeants dans cadre des procédures collectives » revue
marocaine de droit, d’économie et de gestion, n° 22, 2006. P : 36.
1048
La loi n° 73-17 du 19 Avril 2018, promulguée par le dahir n° 1-18-26, B.O- n° 6732, abrogeant et
remplaçant le livre V de la loi 15-92 formant code de commerce relatif aux difficultés de l’entreprise.

P 527 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

pour une politique d’accompagnement de l’entreprise au lieu de l’assainissement des


commerçants défaillants.
Dans certaines hypothèses, le dirigeant d’une société en difficulté est
susceptible de voir exercer à son encontre une action dont l’objet est de lui faire
supporter tout ou partie du passif de la société : il sera alors tenu pour responsable de
tout ou partie de l’insuffisance d’actif1049.
En effet, aux termes de l’article 738 du code de commerce : « lorsque la
procédure concernant une société commerciale, fait apparaitre une insuffisance
d’actif, le tribunal peut, en cas de faute de gestion ayant contribué à cette insuffisance
d’actif, décider que cette dernière sera supportée, en tout ou en partie, avec ou sans
solidarité, par tous les dirigeants ou seulement certains d’entre eux, cette action
appelée, l’action, en comblement expose les dirigeants à des conséquences
patrimoniales importantes. Aux termes de cette introduction une problématique qui
s’impose à l’évidence et celle de savoir qu’il est le régime juridique de cette action et
ces effets, pour répondre à cette problématique, nous allons adopter le plan suivant.
Partie I : les conditions de l’action en comblement de l’insuffisance d’actif.
Partie II : Réalité des pratiques actuelles face à l’action en comblement et
résultats de l’action.
Partie I : les conditions de l’action en comblement de l’insuffisance d’actif.
L’article 7391050, du code de commerce permet la réparation du dommage subi
à la suite d’une faute commise par le dirigeant.

1049
A. FALLI, procédure de traitement des difficultés de l’entreprise DAR ASSALAM, Décembre e 2012.
P : 355.
1050
Art 739 de la loi 73-17, op.cit.

P 528 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

Aussi la condamnation au comblement de passif suppose t’elle la réunion de


trois condition)
- L’insuffisance d’actif (I) condition sine qua non de l’action en
comblement, elle répond dans le régime de droit commun au
dommage subi.
- La faute de gestion (II ), et cela dans la simple attitude fautive du
dirigeant.
- Le lien de causalité (III) qui se singularise par certaines
particularités et qui donne lieu à la constatation d’une action en
réparation du dommage subi « l’action en comblement de
l’insuffisance d’actif » malgré que la pratique jurisprudentielle en
la matière reste rare (IV).
I- L’insuffisance de l’actif
L’action en comblement de passif serait une lettre morte sans l’existence d’un
préjudice pour les créanciers, qui ne traduit pas une insuffisance d’actif. L’article 739
dispose dans sa formule que « lorsque le redressement ou la liquidation judiciaire fait
apparaître une insuffisance d’actif… ».
Peu de difficultés surgissent sur ce point, notamment sur sa définition (1), son
domaine (2) ainsi qu’à sa détermination (3).
1-Définition :
En l’absence d’une définition légale, la doctrine s’accorde1051 pour considérer
que l’insuffisance d’actif existe si le passif est supérieur à l’actif.

1051
F.PEROCHON et R BONHOMME, entreprise en difficulté, instrumente, de crédit et de paiement
LGDJ 7ème édition 2006 . P : 569

P 529 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

Plus précisément, celle-ci résulte d’un déséquilibre entre le passif externe de


l’entreprise et l’actif dont elle dispose au jour où le juge est saisi1052.
En théorie, l’insuffisance désigne la différence négative entre le passif admis et
la valeur estimée ou de réalisation, de l’actif de l’entreprise1053 c'est-à- dire que
l’insuffisance existe si le passif est supérieur à l’actif 1054. Le passif est constitué par
toutes les créances vérifiées et admises. L’actif ne doit pas être déterminé uniquement
en fonction de l’actif disponible, d’autres valeurs entrent en ligne de compte : en effet
en cas de redressement judiciaire, la valeur du patrimoine social doit être prise en
considération, en cas de liquidation c’est plutôt la valeur de la réalisation.
La preuve de l’existence d’une insuffisance d’actif, laquelle s’apprécie au regard
de la situation globale du passif et de l’actif de la société à la date à laquelle le
dirigeant a cessé ses fonctions, il est ainsi nécessaire de préciser le montant de
l’insuffisance d’actif à la date à laquelle la condamnation est prononcée, la
condamnation du dirigeant ne pouvant excéder ce montant1055
Les dettes nées après le jugement d’ouverture la détermination de
l’insuffisance d’actif pouvant être mis à la charge des dirigeants sociaux1056.

1- Domaine d’application

Comme nous l’avons déjà indiqué, le dommage nécessaire à la mise en œuvre


de l’art 738 est une insuffisance d’actif, c’est à dire qu’il n’y a pas assez de fond dans
1052
M. C. CAQUELET, entreprise en difficulté instruments de paiement et de crédit Dalloz 7ème édition,
2009. P :352.
1053
D. R. MARTIN, droit commercial et bancaire Marocain Al Madani, 1 ère édition 1999. P : 370.
1054
B. SOINNE : traité théorique et pratique des procédures collectives, LITEC 1987. P : 1103.
Com 25 mai 2018 pourvoir, n° 17.10.117 com 24 janvier 2018, pouvoir n° 15 – 26810. 16-17803 l
1055

Publié sur le site : intranet.cour-de-cassation.intranet.justice.fr consulté le : 01/11/2022. A 20h20.


1056
Com. 28 avr 1998 n° 95-21-969, RTD com 1999, 187, obs. Aloude, Defrénois 1998. 948, note. P. Le
cannu, Rev. Proc.coll. 2000. P : 49.

P 530 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

le patrimoine de la société pour rembourser toutes les créances, de telle sorte qu’une
fraction de ces créances ne sera pas satisfaite à échéance1057.
Reste que le déclenchement d’une procédure collective peut aboutir à
plusieurs possibilités où l’article 738 ne permet pas de voire claire.
Dans le cadre d’une cession totale d’entreprise et encore plus d’une liquidation
judiciaire, l’article 738 jouera car les créanciers ne seront pas payés dans leur
intégralité, La condition d’une insuffisance d’actif sera établie.
Les difficultés apparaissent dans le cadre d’un plan de continuation, car on
suppose ici que les créanciers vont être payés1058, grâce aux délais consentis par le
tribunal ou aux remises qu’ils ont consenti eux-mêmes, à ce moment-là l’action ne
pourra pas être exercée faute d’une insuffisance d’actif.
A notre sens, la solution n’est pas aussi tranchée car l’art 738 prévoit
expressément, l’action en cas de continuation de l’entreprise. Les termes sont trop
vagues. N’aurait-il pas fallu préciser dans cet alinéa que l’action ne pourra être menée
que dans le cadre d’une continuation pure et simple.
Enfin, il faut remarquer que le tribunal va accorder des délais, ce qui suppose
des remboursements échelonnés dans le temps qui sont un préjudice pour les
créanciers et notamment pendant la procédure judiciaire avec l’arrêt du cours des
intérêts. Ce préjudice ne peut pas être pris en considération pour intenter une action
en comblement d’insuffisance d’actif, car cette dernière repose sur le défaut de
paiement des créances, de telle sorte que tout autre préjudice lui est complètement
étranger1059.
1057
Jug. Tri com de Casablanca n° 1014/34 du 23 /202/2010, cité par A. FALLI, op ; cité. P : 358.
1058
Voire dans ce sens : A. EL HAMMOUMI, op ;cité. P : 145.
1059
F. DERRIDA, P GADE et J.P SORTAIS: Redressement et liquidation judiciaire, 3ème édition
1991.P :58.

P 531 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

En conclusion, il faut admettre qu’aucune action ne sera possible dans le cadre


d’un plan de continuation pure et simple, celle-ci ne pouvant être exercée que lorsque
le plan sera un échec et qu’on lui substituera un plan de cession ou de liquidation
judiciaire.
2- La Détermination de l’insuffisance d’actif

La détermination de l’insuffisance d’actif ne peut être établie qu’après


achèvement des opérations de vérification du passif d’une part et fin des opérations
de réalisation d’actif d’autre part.
Cependant une jurisprudence constate décide que l’action est recevable même
si ces opérations ne sont pas terminées, dès lors qu’il apparaît avec évidence que
l’actif sera insuffisant pour payer le passif 1060 il suffit que l’insuffisance d’actif soit
certaine peu importe que le passif et l’actif soient exactement chiffrés.
Mais cette solution discutable au regard du principe indemnitaire 1061 a été
remise en cause 1062 dès lors que la condamnation ne peut excéder l’insuffisance
d’actif (elle peut être inférieure), autrement dit le tribunal malgré son large pouvoir
d’appréciation, ne peut en aucun cas faire supporter aux dirigeants fautifs un
montant supérieur que la valeur du passif de la personne morale, dans la mesure où
cette action ne constitue pas une action en réparation du dommage, mais une action
en indemnisation visant à combler l’insuffisance d’actif1063 il est indispensable de
déterminer celle-ci, autrement l’existence et le montant de l’insuffisance d’actif sont
classiquement appréciés au moment où statue la juridiction saisie sur l’action1064.

1060
Com 28 mai 1991, n° 89.21 116 Bull ci IV 187 cité par Pierre Michel le corre, droit et pratiques des
procédures collectives 2013 -2014 , P : 922.
1061
Qui condamnait déjà de limiter la condamnation au montant de l’insuffisance d’actif.
1062
Com 27 juin 2006 n° 05. 11 690 cité par Française op ; cité. P : 824.
1063
A. CHOKRI SABAI, op.cit. P : 381.
1064
A. JACQUEMONT, droit des entreprises e difficulté Lexic Nexic 7 ème édition, 2011.P: 59.

P 532 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

Par ailleurs, la jurisprudence déduisait du fait que la faute doit être antérieure
au jugement d’ouverture que les créances à considérer devaient l’être aussi, de sorte
qu’il n’avait pas lieu en principe de tenir compte dans la détermination de
l’insuffisance d’actif des dettes postérieures du débiteur1065. Alors, l’insuffisance
d’actif doit exister dès l’ouverture et non pas résulter d’une continuation déficitaire
de l’exploitation. L’importance de cette insuffisance est d’ailleurs différente selon
qu’on en détermine le montant avant ou juste après le jugement qui prononce le
redressement judiciaire. En effet le dépôt de bilan entraine une accumulation de
dettes nouvelles du fait de la résiliation de certains contrats en cours et une
dépréciation de l’actif.
Selon Pierre Michel LE CORRE, le fait que certaines créances soient contestées
ne peut suffire à écarter l’action en comblement de passif, dès lors que sont
supérieurs aux actifs, la contestation de créance n’ayant évidemment pas pour effet
d’augmenter l’actif, mais seulement de diminuer le passif. En revanche, le liquidateur
ne peut se prévaloir, pour déterminer l’insuffisance d’actif, d’un passif déclaré à titre
provisionnel.1066
II : La faute de gestion
En l’absence d’une définition légale (1) la doctrine et la jurisprudence ont établi
plusieurs applications de la notion, toutefois, certains points méritent d’être avancés,
notamment, l’équivalence quant à la nature de la faute (2) ainsi que sa preuve (3).

1065
F. PEROCHAN, op.cit. P : 824.
1066
S. HADJI, Artinian : la faute de gestion en droit des sociétés, Litec, 2002. P : 125.

P 533 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

1-L’absence de définition légale


En l’absence d’une définition légale d’une faute de gestion. Les tribunaux
disposent d’un large pouvoir d’appréciation pour la caractériser, c'est-à-dire pour en
établir l’existence, cette dernière se trouve généralement déduite du comportement
passé du dirigeant par comparaison à ce qu’aurait été le comportement d’un dirigeant
normalement compétent et placé dans la même situation119 l’étude de la
jurisprudence (marocaine et française) en la matière permet d’en dégager ces
multiples applications.
La faute de gestion doit être obligatoirement caractérisée, elle ne peut être
déduite de la seule importance du passif 1067
a-La violation de la loi des règlements ou des statuts :
Selon Pierre Michel LE CORRE, il y a faute de gestion en cas de violation
caractérisée des règles relatives à la gestion des sociétés.1068Dans ce sens, la
jurisprudence est très extensive, car la quasi-totalité des décisions du dirigeant ont
ou peuvent avoir une incidence sur la gestion. En effet, la gestion largement entendue
ne se réduit pas à l’exploitation1069. Ainsi, la faute de gestion peut résulter aussi de la
poursuite d’une exploitation sachant que l’activité est rendue difficile.
L’absence de reconstitution de capitaux propres en cas de perte de la moitié du
capital social, la réalisation d’opérations étrangères à l’objet social, la privation de la

1067
Com 26 février 2020, pouvoir n° 18 – 24 188. Publié sur le site : intranet.cour-de-
cassation.intranet.justice.fr consulté le : 01/11/2022. A 21h40.
Com 24 mars 2021, pouvoir n° 19 -21, 471. Publié sur le site : intranet.cour-de-
cassation.intranet.justice.fr consulté le : 01/11/2022. A 21h45.
1068
P. M. LE CORRE, op ; cité . P : 921.
1069
L. EL KASSID : « Les procédures collectives dans le cadre des difficultés d’entreprise » Al MEIAR
n° 48, décembre 2012, P : 78.

P 534 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

société de la quasi-totalité de sa trésorerie. Il en sera de même de l’absence de réunion


des assemblées d’associés ou du conseil d’administration1070.
b-L ’incurie des dirigeants :
Il est évident que la faute peut résulter d’un acte positif commis par le dirigeant,
mais elle peut aussi découler d’une abstention pure et simple1071. Ainsi il est
fréquemment retenu contre les dirigeants de sociétés le retard avec lequel ils ont
déclaré la cessation des paiements. De même, commet une faute de gestion du fait
de sa passivité le dirigeant qui laisse tous ces pouvoirs, notamment le fait pour un
dirigeant du droit de laisser la gestion à un dirigeant de fait.
L’incurie peut ensuite résulter de l’absence de décision du dirigeant, par
exemple, le cas pour un dirigeant qui s’était abstenu de mettre en place une structure
compétente et des outils de gestion fiables, permettant à la personne morale et à lui-
même d’appréhender la situation économique et financière exacte, il en résulte de
prendre en temps utile, les mesures de redressement qui s’imposaient en l’espèce.
Cette anarchie totale dans la gestion était à l’origine de l’insuffisance d’actif qui avait
ainsi pu se créer et s’accroitre sans que le gérant puisse s’en apercevoir.1072 La cour de
cassation Française a eu l’occasion de préciser que la désignation d’un mandataire ad
hoc, qui ne prive pas le dirigeant de la société débitrice de l’exercice de ses pouvoirs
ne le dispense pas de ses obligations1073.

1070
La cour d’appel de commerce de Fès a considéré que le fait pour le dirigeant de déposer la marchandise
( le fourrage) dans une ferme dont la propriété lui appartient sous prétexte que la superficie du siège de la
société est insuffisante pour constituer une faute de gestion, justifiant l’application de l’action en
comblement de l’insuffisance d’actif, cité par : Allal Falli, op ;cité. P : 360.
1071
P. R. GALLE, op ;cité. P : 753.
1072
Com. 14 décembre 1993, n° 91. 20 839 cité par F. F. DE FRANDEVILLE. Ambroise marlage
dirigeants des sociétés Delmas 3ème édition 2015, op.cit., P : 313.
1073
Com. 18 mai 2016, n0 14-16.895, bul. Joly 2016, E. Monil Bassilama. P.65.

P 535 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

c-Faute de gestion résultat d’inobservation d’obligations fiscales


Le non-respect de la législation fiscale constitue une faute de gestion rendant
possible la condamnation à combler le passif. Il en est ainsi par exemple de l’absence
de déclaration régulière des charges fiscales, ayant entrainé des taxations d’office. Le
fait d’avoir fait subir indument à la société de pénalités et intérêts de retard, ainsi que
le fait de ne pas avoir respecté le plan d’apurement établi par l’administration fiscale
sont également des fautes de gestion lorsque les manquements constitutifs de fraude
fiscale sont antérieurs à la nomination du dirigeant, ce dernier commet une faute de
gestion à ne pas tirer les conséquences des manquements dont il est informé1074.
Le non-respect de la législation sociale constitue également une faute de
gestion rendant possible la condamnation à réparer l’insuffisance d’actif. Il l’en est
ainsi par exemple de l’absence de déclarations régulières des charges sociales, ayant
entrainé des taxations d’office1075.
d-Faute de gestion tenant au fait de vouloir Avantager un créancier :
La faute de gestion peut également consister à vouloir avantager un créancier,
par exemple en effectuant entre ces mains un paiement préférentiel, alors qu’il
connaissait l’état de cessation des paiements du débiteur1076
Il peut aussi être question de rembourser des avances en comptes courants
d’associés, de manière préférentielle par rapport aux autres créanciers. Il peut encore
être question de faire payer les salaires du dirigeant au moyen de la prise en charge
de ceux-ci par une société débitrice, puis de procéder par voix de compensation entre

1074
P. M. LE CORRE, op ;cité. P : 920.
1075
Com 13 nov 2007 n° 06 -13- 2012 NP n° 1239 F- D gaz pro coll 2008, p. 68 note Monterau [PierreMC].
1076
Com 11 juin 1996 n° 94 – 16067 bull civ IV n° 169. Rev pro coll 1997, n° 2, P : 243 060 matin cerf

P 536 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

la créance détenue sur cette société et la société dirigée, privant de la sorte la société
dirigée de toute trésorerie1077.
L’inaction peut également être sanctionnée, tel a été le cas pour un dirigeant
qui s’est abstenu de mettre en place une structure compétente et des outils de gestion
fiables, permettant à la personne morale et à lui-même d’appréhender la situation
économique et financière exacte et, en conséquence de prendre en temps utile les
mesures de redressement qui s’imposaient.
En l’espèce, cette anarchie totale dans la gestion était à l’origine de
l’insuffisance d’actif qui avait ainsi pu se créer et s’accroitre sans que le gérant puisse
s’en apercevoir1078.
2- L’équivalence quant à la nature de la faute
Le législateur n’apportant aucune qualification de la faute, la notion reste
ambiguë. Dès lors, les juges en ont une interprétation très large, faisant de la faute de
gestion une notion « fourre-tout » au regard de la responsabilité du dirigeant, la
bonne foi ne constitue pas une excuse, il peut s’agir autant d’une négligence, d’une
erreur ou d’une imprudence que la violation de la loi ou des statuts, c’est la théorie
de l’équivalence des conditions qui permet ainsi de retenir une simple faute de
gestion même légère ou de la loi.
L’article 738 nous parait cependant cohérent. Le législateur s’est montré subtil,
d’une subtilité risquée mais mesurée. Le rôle qu’a joué le législateur il l’a fait en amont
en posant des conditions sévères et en faisant de l’article 738 un texte

1077
Pierre Michel le Corre, op ;cité . P : 922.
1078
Com 14 décembre 1993 n° 91, 20 239. Bull ci Iv n 473 JCP 1994 Iv 480, 62. JCPE 1994, par cité note
Fabrice François, E. DE FRONDEVILLE Ambroise Marlang, op.cité. P : 313.

P 537 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

sanctionnateur. Il a joué la carte répressive en mettant en garde les dirigeants contre


tout écart de conduite de leur part.
Mais, il a laissé en aval un pouvoir quasi souverain aux juges pour alléger,
atténuer cette responsabilité et ne pas tuer l’esprit d’entreprise quand on veut faire
des affaires il faut savoir prendre des risques et ce n’est pas toujours payant.
Le risque existe qu’à son tour la jurisprudence ne fasse pas des analyses subtiles
qui aillent au-delà de la seule équivalence des conditions.
Les fautes retenues sont bien souvent des actes de gestion dont les
conséquences sont jugées des années plus tard et auxquels se sont mêlés de
nombreux facteurs qui ont dû influer sur le sort de la société.
Car les mêmes faits peuvent aussi bien être qualifiés de faute ou de réussite
selon l’évolution de l’environnement économique, et ne constituent pas
nécessairement une violation d’une disposition légale, réglementaire ou statutaire,
La faute de gestion, peut aussi être une action ou une omission ; librement appréciée
par le juge de fond, mais dont les éléments de qualification et de motivation sont
susceptibles de contrôle1079.
Dès lors une expansion trop rapide au regard des capacités financières sera
jugée fautive une fois l’échec constaté, inversement, si le succès est au rendez- vous,
on saluera l’initiative et l’audace du dirigeant.
L’appréciation à posteriori interfère sur la faute de gestion et rend plus délicat
l’appréciation de la responsabilité du dirigeant. Il est donc facile d’être sage après les
faits, c’est dire que la tâche des magistrats n’est pas aisée.

1079
Arrêt de la cour d’appel de Marrakech n° 08/2002 du 06/02/2002, Cité par : A. EL HAMMOUMI,
droit des difficultés de l’entreprise, librairie Dar ASSALAM, 3ème édition, 2008. P :176.

P 538 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

A l’opposé, il y a des actes de gestion ou la faute existe bien au moment où l’acte


est opéré. Ici se poseront moins de problèmes. Car le comportement fautif est ici
intrinsèque aux faits, à l’image par exemple du non tenu de comptabilité ou de la
violation des statuts.
3-La preuve de la faute de gestion
a- Position du législateur français : « d’une faute présumée à une faute
prouvée ».
Le législateur français dans l’article 99 de la loi du 13 juillet 1967 reposait sur
une présomption de faute. Il appartenait donc au dirigeant poursuivi de démontrer
qu’il n’avait pas commis de faute. Le renversement de la charge de la preuve avait été
critiqué 1080 souvent de manière excessive et parfois inexacte. En exigeant ce que
d’ailleurs les tribunaux retenaient avant même la réforme, que la preuve soit
rapportée de la commission d’une faute par le dirigeant poursuivi.
La loi du 25 janvier 1985, Avait replacé le mécanisme dans le droit commun de
la responsabilité, l’article L 651.2, dans sa rédaction due à la loi du 26 juillet 2005,
confirme ce choix, commun dans ce droit comme dans le droit antérieur, c’est la faute
de gestion qui justifie une condamnation à combler l’insuffisance d’actif1081.
La suppression de la présomption de faute par le législateur à travers l’article
180 de la loi de 1985, a le mérite de permettre aux dirigeants de combattre les
prétentions des personnes habilitées à agir à armes égales. Une faute même légère
suffit, une simple imprudence ou une négligence, mais la faute de gestion ne peut
1080
La présomption de faute qi existait entrainait un renversement de la charge de la preuve par rapport aux
principes de la responsabilité du droit commun, il n’incombait pas au demandeur de prouver la gestion
fautive, ni son lien avec l’insuffisance d’actif, c’était donc au dirigeant de prouver qu’il avait apporté à la
gestion de la société toute l’activité et la diligence nécessaire.
1081
M. JEANTIN, Paul LE CANNU : droit commercial entreprise en difficulté, Dalloz, 6.7ème édition
2006, P : 788.

P 539 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

être déduite de la seule importance du passif social constaté1082 revient au juge du


fond d’exercer son pouvoir souverain d’appréciation à défaut de définition précise.
b-Position du législateur marocain
La condamnation suppose ensuite la preuve d’une faute de gestion, le droit
marocain a bénéficié à cet égard de l’évolution qui a rythmé le droit français, dans la
mesure où il a fait de la faute de gestion une faute dont la preuve doit être apportée.
Les éléments de preuve de la faute de gestion peuvent être puisés dans le
rapport d’un expert-comptable, dès lors que ce rapport a été versé aux débats et
soumis à un débat contradictoire. La faute peut exister dès la création de la personne
morale, par exemple pour cause d’insuffisance des financements réunis par rapports
aux investissements à réaliser ou de fixation d’une rémunération disproportionnée
par rapport aux résultats prévisionnels, ou encore de défaut de libération intégrale
du capital dès la première année alors même que la loi n’en fait pas obligation.
Elle est également constatée, le plus souvent, en cours d’exploitation par
exemple : pour cause de poursuite d’une exploitation déficitaire sans prendre les
mesures nécessaires, même si la société n’est pas déjà en état de cessation des
paiements et alors que sa situation était déjà compromise lorsque le dirigeant a pris
ses fonctions, ou encore pour cause d’octroi, irrégulier, par le dirigeant lui- même
d’une rémunération (auto-rémunération) et alors que la société était dans une
situation difficile1083.
III - Le lien de causalité
Au-delà de l’exigence de la contribution de la faute à l’insuffisance d’actif

1082
Com. 19 jan 1993, RJDA 7/1993, n° 660-com. 8 octobre 2003, RJDA 2004, n° 203. P : 70.
1083
André JACQUEMONT, droit des entreprises difficulté, op.cit. P : 600.

P 540 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

« L’exigence d’un lien de cause à effet » est nécessaire (1) notre intérêt, va porter
sur une problématique importante, à savoir, le degré de participation de chacun des
dirigeants fautifs à la production du dommage (2) en cas de leur pluralité.
1- L’exigence d’un lien de cause à effet

a-La contribution à l’insuffisance d’actif


L’article 738du code de commerce précise que la faute de gestion doit avoir
contribué à l’insuffisance d’actif. Il s’agit ici d’une adaptation de la règle de droit
commun de l’article 5 du code civil, qui prévoit un lien de causalité entre la faute et le
préjudice subi. Bien que le législateur n’évoque pas explicitement le lien de causalité
entre la faute de gestion et l’insuffisance d’actif, le terme « contribuer » fait
évidemment penser à ce lien. Selon Françoise PEROCHAN le terme contribuer
correspond à une conception lâche du lien de causalité1084. On pourrait penser que
l’objectif du législateur était d’éviter la condamnation systématique du dirigeant à la
moindre inobservation de la loi. En effet il est possible de condamner un dirigeant,
même si sa faute de gestion n’est que l’une des causes d’insuffisance d’actif1085
En fait, selon Pierre Michel LE CORRE par l’expression « contribuer », le
législateur distend le lien de causalité, en permettant d’écarter le problème des causes
plurales du dommage. Il n’est pas besoin que la faute soit à l’origine exclusive du
dommage. Pour cette raison, la juridiction qui condamne le dirigeant n’a pas à
déterminer la part de l’insuffisance d’actif imputable à la faute de gestion. Il suffit que
le fait reproché au dirigeant soit l’une des fautes ayant contribué à la réalisation du
dommage, peu important qu’elle soit la cause principale ou unique il en résulte que

1084
F. PEROCHON, Régime Bonhomme, op.cit. P : 464.
1085
Com. 17 février 1998, n° 95-18.510, Bull.ci. IV, n° 78 – com 21 juin 2005, n° 04-12.087, Bull.ci IV
n° 134.

P 541 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

la faute d’un dirigeant ne permettra pas d’exonérer un autre dirigeant fautif, il en


résulte aussi que le fait que les difficultés de la société soient principalement dues à
l’attitude de tiers, par exemple les pouvoirs publics, ne peuvent suffire à exonérer le
dirigeant des fautes qu’il aurait commises la demande de condamnation ne peut donc
être rejetée sans l’examen des fautes invoquées contre le dirigeant. Mais, l’attitude
des pouvoirs publics, par exemple, celle d’une commune dans la gestion d’une
association sportive, peut conduire à ne prononcer qu’une condamnation minime
contre le dirigeant de droit, la commune étant, quant à elle, plus lourdement
condamnée, spécialement pour avoir fait des promesses financières non tenues.1086
b-Le recours à la théorie de l’équivalence des conditions
La lettre du texte de l’article 738du code de commerce énonce que le tribunal
peut, en cas de faute de gestion, ayant contribué à cette insuffisance d’actif déclarer
le dirigeant responsable et exercer cette action en comblement. Ce qui laisse
entendre que le législateur a voulu une interprétation large de cette notion. En
renvoyant à la théorie de l’équivalence des conditions1087 il suffit que la faute ait
contribué à l’insuffisance d’actif pour qu’elle soit retenu par les juges, peu importe
qu’elle ait été légère ou lourde. Il n’y a pas lieu de démontrer qu’elle a été la cause
unique ou principale1088.
En fait l’exigence d’une simple contribution permet au tribunal de décider que
le dirigeant d’une personne morale peut être déclaré responsable, même si la faute
de gestion qu’il a commise n’est que l’une des causes de l’insuffisance d’actif et qu’il
1086
P.M. LE CORRE, op ;cité. P : 2477.
1087
M. ESSARSAR, la responsabilité des dirigeants d’entreprise dans la procédure de traitement des
difficultés de l’entreprise, sans année, Ed, P :663
1088
On adoptant la théorie de l’équivalence plutôt que celle de la causalité adéquate , le texte admet que
tous les évènements qui ont conditionnés le dommage sont équivalents, en ce sens que tous en sont au
même titre la cause.

P 542 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

peut être condamné à supporter la totalité des dettes sociales, même si sa faute n’est
à l’origine que d’une partie d’entre elles1089. Il suffit, par conséquent, qu’elle soit l’un
des éléments intervenus dans la création d’actif.
D’ailleurs, il est souvent difficile d’affirmer que telle faute a été la cause
principale de l’insuffisance d’actif en raison de la complexité de la gestion des
entreprises : dans la majorité des cas, plusieurs facteurs contribuent à la création de
cette situation. Il est par exemple difficile de prouver que la convocation tardive d’une
assemblée (qui peut pourtant constituer une faute de gestion) a contribué à
l’insuffisance d’actif. En définitive, pour retenir un lien de causalité il n’est pas besoin
que la faute soit à l’origine exclusive du dommage.
2- La pluralité des dirigeants condamnés et la théorie de
l’équivalence des conditions
Selon l’article 738du code de commerce140, le tribunal peut en cas de faute de
gestion ayant contribué à l’insuffisance d’actif, décider que cette dernière, sera
supportée, en tout ou en partie, avec ou sans solidarité, par tous ces dirigeants ou
seulement certains d’entre eux. Le pouvoir souverain d’appréciation offert au juge a
pour conséquence directe, la possibilité de condamner un ou plusieurs dirigeants, en
cas de contribution de plusieurs d’entre eux à la réalisation du dommage.
La juridiction pourra ainsi apprécier le degré de participation de chacun des
dirigeants à la production du dommage, sans en avoir cependant l’obligation. Le
tribunal peut décider que la condamnation de plusieurs dirigeant soit solidaire. De la
sorte, chacun sera tenu dans la limite de sa condamnation à la totalité des dettes
mises à charge des autres.

1089
A. JACQUEMONT, droit des entreprises en difficulté, op.cité. P : 601.

P 543 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

Il s’agit d’une certaine manière de la concrétisation de la faute ayant contribué


à l’insuffisance d’actif et par conséquent une manifestation du recours à la théorie de
l’équivalence des conditions et le rejet de la notion de la faute ayant causé le préjudice
qui nécessite de la part du tribunal une décision motivée d’une manière que la
participation de chaque dirigeant à la faute doit être établie avec précision.
Enfin, comme le souligne Thierry MONTERAIN la précision selon laquelle les
dirigeants doivent avoir « contribué à la faute de gestion », faute qui a elle- même
contribué à l’insuffisance d’actif améliore le sort des dirigeants dont le tribunal devra
relever à leur encontre la contribution de chacun à la faute ayant contribué à
l’insuffisance d’actif. Le lien de causalité est ici renforcé car applicable à chaque
dirigeant »1090.
Partie II : Réalité des pratiques actuelles face à l’action en comblement et
résultats de l’action
La pratique actuelle est menée par la jurisprudence avec une grande faculté (I)
d’où il ressort en fin de compte un bilan contrasté qui appelle quelques observations
(II). Aussi l’action produit quelques effets à ne pas négliger.
I-Réalité de la pratique jurisprudentielle
1-Etude statistique
Après avoir mené une analyse statistique en la matière au niveau du tribunal
de commerce de Casablanca ,144 à l’exception de quelques très rares jugements1091,
on peut conclure, qu’il n’y a pratiquement pas d’utilisation de la procédure prévue
par l’article 738du code de commerce1092. Ce que nous regrettons c’est de voir que

1090
François PEROCHAN, op ; cité. P : 826.
1091
Jug. Tri com de Rabat n° 108 Dossier n° 116/ 18 / 2009 du 29/09/2010 non publié.
1092
Loi n° 15-95 formant C.com.

P 544 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

l’ensemble des tribunaux de commerce n’ont pas tendance à effectuer des poursuites
en comblement de passif malgré l’existence de fautes lourdes de gestion.
Alors, pourquoi actuellement ce semi échec ? On est en présence d’une action
qui est à la fois répressive et sanctionnatrice, de plus le législateur nous a donné un
article qui est l’article 738, qui reste d’une application ridicule par rapport aux autres
sanctions personnelles. Quant au tribunal de commerce de Casablanca, il a prononcé
en 2015, trois actions en extension, en 2011, cinq actions en extension, en 2010 dix
actions en extension, en 2005, 16 actions en extension 1093 pourtant aucune
application de l’action en comblement n’a eu lieu.

1094

1093
On a effectué même une recherche dans les registres du tribunal
1094
Statistique émanant du tribunal de commerce de Casablanca.

P 545 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

Ces chiffres sont éloquents pour comprendre l’inapplicabilité de l’action en


comblement.
2-Bilan contrasté
Le juge est investi d’un large pouvoir concernant la condamnation du dirigent
défaillant, en fait l’article 738 emploie la formule suivante « le tribunal peut » ce qui
revient à dire que le tribunal de commerce n’est pas tenu de prononcer une
condamnation même si les conditions de la responsabilité du dirigeants sont réunies,
ce pouvoir reconnu au tribunal serait inadmissible s’il s’agissait du régime commun
de la responsabilité civile, à notre sens ce large pourvoir confié au juge, peut avoir
comme conséquence majeure la non application de cette action en responsabilité
même si tous les éléments de la responsabilité sont réunies, alors face à
l’augmentation des défaillances d’entreprises, avec des insuffisances d’actif de plus
en plus élevées, les magistrats se montrent très vigilants face aux dirigeants fautifs.
II : Les résultats de l’action en comblement de l’insuffisance d’actif
Le large pouvoir d’appréciation laissé aux tribunaux quant à la condamnation
du dirigeant fautif, a pour effet à notre avis d’atténuer la portée du titre V du livre V
du code commerce1095.
D’autant que l’action en comblement du passif à vocation à s’appliquer dès
qu’il y a ouverture d’une procédure collective, peu importe qu’elle aboutisse à une
liquidation ou à un plan de continuation, il convient alors de préciser les résultats de
l’action, d’une part à l’égard des dirigeants (I) d’autre part à l’égard des créanciers (II).

1095
Loi n° 15-95 formant C.com. tel que complétée et modifiée par la loi n°73.17 op.cit. P :14.

P 546 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

I : En ce qui concerne les dirigeants


On étudiant le régime de l’action en comblement de l’insuffisance d’actif qui se
veut excessif, on peut être dans un premier temps surpris, puis par la suite
compréhensif, de la grande liberté qui a été laissée aux tribunaux, chose qui est
susceptible de contrebalancer des textes qui se veulent répressifs, alors qu’ils sont
inatteignables tant en ce qui concerne les dirigeants condamnés (1) qu’en ce qui
concerne les créanciers (2).
1-La condamnation des dirigeants
a-La détermination des dirigeants condamnés
Tout d’abord, le juge dispose d’un large pouvoir d’appréciation pour
déterminer la sanction à l’égard de ou des dirigeants quand bien même seraient
remplies les conditions de l’action en responsabilité pour insuffisance d’actif, il n’est
pas tenu de prononcer la sanction à la différence du droit commun, la loi confère au
juge une faculté mais ne lui crée pas d’obligation de condamner. Même en présence
d’un retard pour déclarer la cessation ayant pu contribuer à l’insuffisance d’actif les
juges du fond peuvent au motif de leurs pouvoirs d’appréciation, considérer que cette
faute ne suffit pas à justifier la condamnation du dirigeant1096.
En revanche, le dirigeant peut être déclaré responsable sur le fondement de
l’article 738 du code de commerce, alors même que sa faute de gestion ne constitue
qu’une des causes de l’insuffisance d’actif, et être condamné à supporter entièrement
ou partiellement les dettes sociales, cette faute n’étant à l’origine que d’une partie
d’entre elle1097. En cas de pluralité des dirigeants l’article 738 dispose que le tribunal

1096
D. GIBINILA op. cité. P : 665.
A notre sens l’originalité de cette action par rapport au droit commun de la responsabilité civile c’est le
1097

pouvoir d’appréciation inhabituel dont dispose le tribunal.

P 547 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

peut décider que l’insuffisance d’actif sera supportée en tout ou en partie, avec ou
sans solidarité, par tous les dirigeants ou seulement certains d’entre eux1098.
La juridiction qui constate la contribution de plusieurs dirigeants à la
réalisation du dommage peut décider d’en condamner un ou plusieurs. Le pouvoir
d’appréciation de l’opportunité de la condamnation ouvert au juge du fond a pour
corollaire cette possibilité, la juridiction pourra ainsi apprécier le degré de
participation de chacun des dirigeants à la production du dommage, sans en avoir
cependant l’obligation.1099 La condamnation de plusieurs dirigeants pourra être
gradée afin de tenir compte de la plus au moins grande implication dans la réalisation
du dommage ou encore de la plus ou moindre grande expérience des affaires des
dirigeants condamnés. Il s’agit à notre avis d’éviter de condamner solidairement des
dirigeants n’ayant plus le même degré d’implication dans la faute. C’est d’une certaine
manière remplacer, pour une condamnation solidaire, la notion de faute ayant
contribué à l’insuffisance d’actifs par celle de faute ayant causé le préjudice, chacune
des fautes commises par chacun des dirigeants étant alors pour partie
éventuellement variable, la cause du dommage. Le législateur Français, dans la loi de
sauvegarde du 26 juillet 20051100, à la suite d’un amendement présenté par la
commission des lois du Sénat, a prévu qu’en cas de condamnation solidaire, le
tribunal devait statuer par décision motivée. Il a été expliqué que, la participation de
chaque dirigeant à la faute pourrait être établie avec certitude1101 il s’agit à notre avis

1098
Article 738 du code de commerce.
1099
N. ALBAKOURI, « la responsabilité des dirigeants d’entreprise en difficulté » Al MANAR, n°3, 2013,
P : 15.
1100
La loi n° 2005-845, de sauvegarde des entreprises. op.cité.
1101
En fait de ce dernier n’est pas tenu condamner le dirigeant lorsque les conditions de cette condamnation
sont réunies et peut donc prendre en considération la gravité de la faute reprochée au dirigeant.

P 548 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

d’éviter de condamner solidairement des dirigeants n’ayant plus le même degré


d’implication dans la faute.
C’est d’une certaine manière, remplacer, pour une condamnation solidaire, la
notion de faute ayant contribué à l’insuffisance d’actif par celle de faute ayant causé
le préjudice, chacune des fautes commises par chacun des dirigeants étant alors pour
partie éventuellement variable, la cause du dommage. Le législateur français a posé
dans la loi de sauvegarde des entreprises en difficultés1102 une condition selon
laquelle, il faut que les dirigeants aient affectivement contribué à la faute de gestion,
ce qui implique de mettre en évidence le rôle de chacun des protagonistes sans se
borner à constater une faute collective1103.
Le large pouvoir d’appréciation dont disposent les juges dans ce cadre a fait
l’objet de diverses interprétations. Certains auteurs ont considéré que cette liberté
d’appréciation présentait de nombreux avantages car elle autorise une appréciation
subtile tenant compte de la gravité des fautes en présence, et d’incidence plus ou
moins directe sur l’insuffisance d’actif, mais aussi de l’importance absolue ou relative
de celle-ci.
En revanche, pour le professeur Mascala, cette liberté peut paraître contraire
au principe de proportionnalité de la sanction à la faute. En effet, il affirme que la
méconnaissance du principe de proportionnalité par les juges du fond, caractérisée
par la différence entre la gravité de la faute de gestion et le montant de la sanction
mise à la charge des dirigeant pourrait fonder un recours devant la cour européenne
des droits de l’homme1104.Pour sa part le professeur Sortais évoque un risque

1102
D. GIBRILA, op.cit. P : 666.
1103
P. Roussel GALLE, op.cit. P : 762.
1104
J PEROCHON, BONHOMMER, entreprise en difficulté, instruments de crédit et de paiement.
Lextenso édition. P : 660.

P 549 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

d’arbitraire1105. Mais pour d’autres auteurs, si le législateur a accordé cette liberté aux
juges, c’est dans le but d’éviter de responsabiliser les administrateurs minoritaires, en
laissant au juge toute la faculté d’apprécier les efforts des uns et des autres pour
s’opposer à une erreur de gestion.
b- Le montant de la condamnation
Le tribunal dispose également d’une grande latitude dans la détermination du
montrant de la condamnation en tenant compte implicitement et contrairement aux
principes de la responsabilité civile, de la gravité des fautes.
Ce pouvoir souverain d’appréciation en opportunité du montant de la
condamnation affirme le caractère répressif plus que réparateur de l’action1106. En fait
s’il prononce la sanction, le tribunal fixe le montant de la réparation due par les
dirigeants fautifs. Il décide que les dettes de la personne morale sont entièrement ou
partiellement supportées, conjointement ou par décision motivée avec solidarité, par
tous les dirigeants de droit ou de fait ou par certains d’entre eux seulement1107 il
établit enfin la part de responsabilité de chacun d’eux et la somme mise à leur charge,
selon la gravité de leurs fautes, la proportion dans laquelle les fautes ont contribué à
l’insuffisance d’actif, leur situation personnelle, voire familiale, et leurs facultés
contributives. L’un des dirigeants fautifs peut être tenu solidairement d’une partie de
la dette avec l’autre, alors que ce dernier peut être tenu pour le tout1108.

1105
Sortais, 2002. P : 321.
1106
A. JACQUEMONT, droit des entreprises 8ème édition lexis Nexis. P : 615.
1107
Art 738 : lorsque la procédure concernant une société commerciale fait apparaitre une insuffisance
d’actif, le tribunal peut en cas de faute de gestion ayant contribué à cette insuffisance d’actif, décider que
cette derrière sera =supportée en tout ou en partie, avec ou sans solidarité, par tous ses dirigeants ou
seulement certains d’entre eux.
1108
Com. 9 mai 2018, n° 16 26.674, D. 2018, actu 1005
- com 8 mars 2017, n° 15 – 16. 005 ; D. 2017 actu 566.

P 550 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

La pratique montre que les tribunaux sont peu enclins à une condamnation
systématique à la totalité de l’insuffisance d’actif. Tout dépendra s’il y a faute,
incompétence poursuite abusive.
Le comportement du ou des dirigeants, de droit ou de fait, sera le point de mire
de l’attitude du juge dans le prononcé de la condamnation1109. Se singularise encore
en ce qui concerne le sort des condamnations puisque celle-ci ne sont pas
directement versées du dirigeant responsable au créancier mais intègre le patrimoine
de l’entreprise.
2-Affectation des sommes
En application de l’art 738 du code de commerce, les sommes auxquelles les
dirigeants peuvent être condamnés « entrent dans le patrimoine du débiteur » et sont
réparties au Marc le franc entre tous les créanciers1110 c'est-à-dire au prorata de leurs
créances, abstraction faite de tout droit de préférence, et donc en particulier du rang
prioritaire des créances super privilèges. Cette réparation égalitaire et universelle est
dénuée de tout fondement juridique1111. Le professeur Martin-Serf écrit très
justement que « si les sommes entrent dans le patrimoine du débiteur, elles devraient
être partagées en tenant compte des causes de préférence … ».1112
L’article 738 prévoit deux issues possibles pour les sommes payés par les
dirigeants après leur condamnation.

1109
D. GIBIRLA, op.cit. P : 667.
A notre sens, face à ce pourvoir d’appréciation conféré aux juges, le risque est grand d’un arbitraire
judiciaire, mais on peut se demander si les tribunaux n’ont pas leurs propres barèmes de référence …,
chose qui nous semble souhaitable.
1110
A notre sens, cette action en responsabilité se singularise aussi en ce qui concerne le sort
des condamnations, puisque celles-ci ne sont pas directement versées du dirigeant responsable au créancier
mais intègre le patrimoine de la société débitrice.
1111
F. PEROCHAN, Op,cité. P : 829.
1112
M. SERF, l’intérêt collectif des créanciers ou l’impossible adieu à la masse Mél. Honorat, 2000. P :
155.

P 551 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

On distingue deux situations, soit un plan de cession ou de liquidation est


adopté soit un plan de continuation est retenu.
II - En ce qui concerne les créanciers
Afin de dépasser les controverses qu’étaient apparues sur le sort à réserver aux
sommes versées par le dirigeant la loi 15-95 formant code de commerce a tranché
dans l’article 738 le sort des sommes versées par le dirigeant condamné (1) Aussi elle
a prévu la sanction qui pourra être infligée au dit dirigeant en cas de la non-exécution
de sa condamnation (2).
1-Sort des sommes versées
a-En cas de continuation
En cas de continuation de l’entreprise, les sommes sont affectées selon les
modalités d’apurement du passif. En principe l’intervention d’un plan de
continuation suppose le règlement des créanciers. Il est donc logique que le
législateur n’ait plus prévu des droits aux créanciers sur les sommes versées.
Il faut noter que dans le cadre d’un plan de continuation, les sommes sont
versées par d’anciens dirigeants, car en principe il se peut y avoir d’action en
comblement quand les dirigeants conservent leurs fonctions au sein de l’entreprise.
Les sommes versées doivent être utilisées aux fins d’aider au redressement de
l’entreprise, ce qui semble exclure les créanciers postérieurs qui ne sont pas
concernés par le plan. Cette issue n’est pourtant pas concevable en l’absence de
dispositions claires et précises visant à écarter cette priorité des paiements, du fait
que ces sommes entrent dans le patrimoine du débiteur. En effet, puisqu’elles

P 552 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

intègrent le patrimoine du débiteur on ne voit pas pourquoi elles n’entraient pas dans
l’assiette des priorités des créanciers postérieurs1113.
Pour Y. GUYON l’issue de cette condamnation, en cas de continuation reste
mystérieuse et insensée1114.En effet celui-ci relève une véritable incohérence. Car
selon lui, s’il y a un plan de continuation c’est que tout le passif a été payé. Or, si celui-
ci a été payé il n’y a pas d’insuffisance d’actif alors l’une des conditions de l’article 738
n’est pas remplie.
b-En cas de cession ou de liquidation
L’article7381115 stipule que les sommes versées doivent être réparties entre
tous les créanciers au Marc le franc » solution équitable qui tend à vouloir donner
aux créanciers chirographaires169 une chance de ne pas tout perdre mais qui n’a
aucun fondement juridique. Car, le principe est que les sommes entrent dans le
patrimoine du débiteur, donc dans le gage général des créanciers, ce qui suppose que
l’on tienne compte des privilèges. Or, au mépris de cette règle les créanciers
antérieurs à l’ouverture de la procédure se trouvent au même point que les créanciers
postérieurs sensés bénéficier de la période accordée1116. Alors quel sort donner aux
créanciers de l’article738 du code de commerce ?
Il semble difficile que l’on puisse sacrifier des créanciers qui sont appelés à
assurer la survie de l’entreprise, et de nombreux auteurs sont pour le maintien du
rang prioritaire des créanciers de l’article738. D’autant que cet article dispose qu’en

1113
M. ESSARSAR, op ; cité. P : 660.
1114
Y. GUYON, traité de droit commercial, op ; cité. P : 1382.
1115
De la loi 73-17 Op, cité. P : 14.
1116
Le créanciers chirographaires est un créancier simple, c'est-à-dire ne disposant d’aucune garantie
particulière privilège, nantissement, hypothèque lui permettant d’être payé avant les autres créanciers sur
le prix de vente des biens de son débiteur. Il dispose seulement comme garantie du paiement de sa créance,
de l’ensemble des biens actuels et à venir de son débiteur.

P 553 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

cas de liquidation, ces créances seront payées avant toute autre. 1117A notre avis
l’article se doit prioritaire car le but ici est d’assurer la continuation de l’entreprise,
même s’il est vrai que l’article 738 postule clairement une égalité sans pour autant
distinguer entre créanciers chirographaires antérieurs et créanciers postérieurs.
D’où la nécessité d’une modification de l’article et donc d’un classement entre
créanciers antérieurs et postérieurs.
2-La sanction de la non-exécution de la condamnation
Il se peut que le dirigeant soit dans l’impossibilité de payer les sommes dont il
est redevable en vertu du jugement ordonnant le comblement de passif, malgré que
ces dits jugements soient exécutoires de plein droit. En réaction à une telle situation,
le législateur a prévu trois sortes les sanctions qui sont applicables aux dirigeants qui
ne s’acquittent pas de la dette mise à leur charge par l’action en comblement de passif.
Ils sont tout d’abord exposés à une extension de procédure de redressement
ou de liquidation de bien en application de l’art 739 du code de commerce1118.
Cependant, une question se pose, est-ce bien adopté de mettre en redressement ou
en liquidation judiciaire un dirigeant qui n’a pas exécuté sa condamnation en
comblement de passif ? Cela nous semble inutile, car par hypothèse si la personne n’a
pas payé, c’est qu’elle n’a pas d’argent ou tout au moins d’argent apparent.
Le tribunal doit ensuite prononcer la déchéance commerciale, en vertu de l’art
7481119 du code de commerce qui emporte interdiction de diriger, gérer administrer
ou contrôler, directement ou indirectement, toute entreprise commerciale ou
artisanale et toute société ayant une activité économique.

1117
M. EL ESSAROR, op.cit. P: 660.
1118
L’art 739 : tel que complétée et modifiée par la loi n°73.17 op.cit. P96 formant C.com. -La loi n° 15
1119
L’art 748, tel que complétée et modifiée par la loi n°73.17 op.cit. P : 14.

P 554 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

Ils sont enfin punissables pénalement des peines de banqueroute. Cette


mesure se justifie par le fait que le dirigeant peut organiser son non-paiement en
confluant tout ou partie de son patrimoine c’est pourquoi il peut être condamné aux
peines de banqueroute, cet article vise alors à condamner les dirigeants qui de
mauvaise foi, détournent ou dissimulent ou tentent de dissimuler, tout ou partie de
leurs biens, en vue de les soustraire aux poursuites de la personne morale en état de
redressement judiciaire.

P 555 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

La dynamique de la gouvernance de l’action publique


sous l’effet de la territorialisation au Maroc
Introduction
Dans un contexte de territorialisation marqué par des mutations de l’action
publique locale, il est désormais prioritaire de s’interroger sur la nécessité de mettre
en place des structures managériales de la bonne gouvernance et de nouveaux
mécanismes de participation et de proximité. Puisque la constitution de 2011 et les
lois organiques 111-14, 111-13 et 111-12 disposent à la fois de la libre
administration, de la subsidiarité et du pouvoir réglementaire local qu’il est
nécessaire d’adapter la gouvernance territoriale à la nouvelle gestion publique face
aux exigences de la territorialisation. En effet l’action publique locale est au cœur des
objectifs plus globaux de l’action territoriale (droits économiques, sociaux culturels
et politiques). Assurément, la territorialisation constitue aujourd’hui le réfèrent de
base de toute conception de système de gouvernance territoriale.
La territorialisation rend saillante la gouvernance comme mode correct de
régulation. Il s’agit ici de montrer comment la territorialisation permet de renouveler
des politiques locales. Il est à ce propos important de noter que la territorialisation de
l’action publique est une des réformes les plus radicales qu’ont connues les dispositifs
de gouvernabilité. La territorialisation met en jeu très profondément les modes de
fonctionnement de la plupart des collectivités publiques (paragraphe I). Pour établir
les bases de la territorialisation, on constate l’exigence d’une approche de

P 556 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

développement qui serait le nœud des relations entre le pouvoir local et les relais de
la gouvernance. D’ailleurs le développement répondait à la responsabilisation de
toutes les parties prenantes. Le (paragraphe II) traitera les modalités de
développement au service des politiques territoriales. Ces modalités mettent en jeu
les modes de fonctionnement de l’action publique locale1120.
Paragraphe 1 : la territorialisation facteur déterminant du caractère
composite de d'action publique locale
La référence territoriale peut-être analytiquement définie dans sa contexture
en la spécifiant par rapport à diverses dimensions du signifié «territorialisation». C’est
à partir de là que l’on peut réfléchir sur les pragmatiques sociales qu’elle permet en
même temps que sur les enjeux discursifs des constructions sociopolitiques
aujourd’hui. La territorialisation enfin tend à identifier l’avatar actuel de la
représentation de la «bonne gestion». Le thème associé à la territorialité est celui de
la proximité par laquelle est présumée une adéquation meilleure des actions
publiques aux besoins. Le thème second associé est celui de la transversalité requise
du fait de la multisectorialité de l’action publique devenant de plus en plus complexe.
Le territoire parait à l’origine l’espace de l’intégration. En effet les procédés de
la territorialisation ont fait l’objet de l’intégration de la population locale dans l’action
publique locale en vue de renforcer la compétence territoriale eu égard
l’hétérogénéité qui s’impose lors de toute initiative de développement (A).

1120
CASTEIGTS.M, Autonomies locales versus contrôle social : Les ambivalences de la territorialisation
de l’action publique, In : Etat, gouvernementalité et gestion du changement, édition l’harmattan 2015, p
306.

P 557 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

Au Maroc la participation des territoires à l’élaboration des politiques


publiques se focalise sur des logiques particulières. Celles-ci caractérisent le rôle, la
fonction et le statut de l’action publique locale (B).
A- Les procédés de la territorialisation
1- L’intégration de la population locale dans l’action publique.
La notion de territorialisation est un processus par lequel des actions ou des
enjeux collectif sont déclinés sur des échelles territoriales diversifiées1121, c’est à ce
titre que toute politique ou action quels que soient ses objectifs et ses moyens a
vocation à être mise en œuvre dans des contextes territoriaux différenciés.
La territorialisation de l’action publique est une des réformes qu’ont connues
les dispositifs de gouvernementalité depuis plusieurs décennies. Ce type de
gouvernance mettait en jeu très profondément les modes de fonctionnement de la
plupart des territoires. Pour ce faire la territorialisation utilisait de procédés qui
souvent se combinent dans le cadre de démarche analytique :
-D’une part un transfert de pouvoirs et /ou de compétence de l’Etat à des
collectivités publiques infra-étatique ;
-Ensuite, la réorganisation interne à l’institution étatique qui distribue agents
et pouvoirs décisionnels des administrations centrales vers les services territoriaux.
-Enfin la différentiation territoriale des actions menées dans le cadre des
politiques publiques, même quand elles continuent à êtres mises en œuvre par l’Etat,
pour les adapter aux besoins spécifiques des territoires.
L’évolution des relations de pouvoirs et de leur impact sur les libertés et les
capacités d’action des individus et des groupes sociaux, le passage d’une

1121
Idem,

P 558 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

coordination centrale à une coordination territorialisée a plusieurs effets sur la


gouvernance : d’une part, elle permet la diversification des acteurs de la vie locale,
notamment des promoteurs de politiques publiques, et l’autonomisation de leurs
stratégies. De ce point de vue, on peut considérer qu’elle a un effet positif sur
l’exercice des libertés. Mais d’autre part elle renforce l’efficacité du contrôle par
l’action publique locale des conduites des territoires, c'est-à-dire des comportements
collectifs. Ce comportement n’est que le tissu associatif qui est considéré comme
l’organe de contrôle des actions publiques, puisqu’il exige transparence, reddition
des comptes et divulgue les mauvaises pratiques de l’action publique1122.
Or sans le partage du pouvoir décisionnel dans le sens de l’intégration des
populations locales et des acteurs socio-économiques dans le processus de
développement, la territorialisation de l’action publique ne serait en fait qu’une
coquille vide. Cependant, force est de reconnaitre que l’approche participative
adoptée dès le début de l’indépendance a fait l’objet de consolidation constante de
territorialisation, mais calculée eu égard les données politiques, sociales et culturelles
qui ont caractérisé l’Etat. D’ailleurs l’interaction entre la participation et la
territorialisation fait de la déconcentration et la décentralisation un instrument au
service des affaires locales dans des nouveaux rapports établis.
Cette option de territorialisation met en commun des objectifs à atteindre et lie
par des rapports l’action publique locale et la société locale.
Qui dit la territorialisation de l’action publique invoque nécessairement la
politique de la décentralisation. Mais une décentralisation doublée d’une
déconcentration afin da garantir une bonne gouvernance de proximité pour la
1122
EBA NGUAN N., Implication des associations dans le processus décisionnel : cas du Maroc, In : Etat,
gouvernementalité et gestion du changement », édition l’harmattan 2015, p 457.

P 559 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

satisfaction des besoins locaux et, en même temps, la conduite de l’action publique
concernée sur la base des transferts des compétences consentis par l’Etat.
Néanmoins, on ne doit pas perdre de vue que la réussite de toute politique de
territorialisation demeure tributaire de tout un ensemble de conditions dont la
réunion n’est pas invariablement acquise dans le monde. A chaque Etat, sont
inhérentes des caractéristiques propres qui font que la territorialisation se caractérise
parfois de multiples contraintes. En effet pour le besoin d’une telle organisation le
renforcement du cadre institutionnel de la territorialisation passe impérativement
par une adaptation du rôle de l’Etat aux conséquences découlant de la réforme de
l’action publique. En France on a estimé que pour réussir l’harmonisation et
l’efficacité de l’action publique, il fallait opter pour l’institution d’un « fonds national
d’aménagement et développement du territoire »1123. Au Maroc le pouvoir
réglementaire s’engage dans ce sens. Deux nouveaux décrets d'application des lois
organiques relatives aux collectivités territoriales sont publiés au Bulletin Officiel n°
66-27 en date du 04 Septembre 2017. IL s’agit du :
- Décret n° 2-17-598 en date du 20 Novembre 2017 en application des
dispositions de l’article 231 de la loi organique n° 111.14 relative aux Régions en ce
qui concerne le Fonds de mise à niveau sociale.
- Décret n° 2-17-667 en date du 20 Novembre 2017 fixant les critères de
répartition des recettes du Fonds de Solidarité Interrégionale.
2-l’ hétérogénéité s’impose sur la territorialisation
L’Etat doit se préoccuper dans la cadre de la territorialisation de la recherche de
la réduction des inégalités des ressources entre les niveaux de l’action publique
1123
FADHEL MOUSSA M., Instruments et politiques d’aménagement du territoire : l’exemple tunisien,
In : La revanche des territoires », édition l’harmattan 1997, p 150.

P 560 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

territoriale. En ce sens, justement de la territorialisation des politiques publiques


l’action locale s’inscrivait dans une démarche où un niveau de gouvernance
intermédiaire comme la région doit jouer le rôle du fédérateur de tous les acteurs
locaux sur la base de projets territoriaux communs.
Or, à cet égard, la territorialisation tenait compte de l’hétérogénéité des
contextes locaux, de l’inégalité des ressources et des capacités humaines où les
acteurs locaux ne disposant que de moyens limités. Or dans ce cas, la
territorialisation recours à une position privilégiée dans la mesure où les disparités
territoriales se gèrent par le pouvoir législatif et le pouvoir exécutif. Cette situation
marque le rôle de l’Etat qui définit les règles de territorialisation tout étant un acteur
public directement intéressé.
La territorialisation, approche des politiques publiques mettant l'accent sur les
spécificités de chaque territoire par opposition à celle à caractère vertical et
organisant l'action publique par secteurs d'activités cloisonnés, a commencé, au
Maroc, juste après son indépendance en 1956. Il s’est avéré nécessaire de remédier
aux répercussions de la vision socio - économique produite par les politiques
centralisatrices menées jusqu'alors.
Des notions telles que « la territorialisation, l’intégration, la décentralisation »
1124rimant avec les nouveaux paradigmes du développement, avaient structuré les
actions de certains acteurs institutionnels. Certes, cette nouvelle orientation de
proximité s’adapte mieux à la politique amorcée par les pouvoirs publics pour
valoriser la territorialisation et rénover le rôle de l’administration locale et des
organisations de la société civile (Circulaire du Premier Ministre : 2003, partenariat

1124
la Gouvernance locale de la gestion des ressources naturelles, in : Rapport PNUD,2004.

P 561 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

Etat / Associations). Diverses formules de partenariat ont été mises en œuvre et


éprouvées. Au stade actuel, on constate des avancées certaines et aussi des limites à
deux niveaux :
– celui des dispositions législatives, réglementaires et administratives relatives
à la déconcentration, la décentralisation, la promotion du secteur privé et du secteur
associatif1125; mais aussi des aspects non abordés par ces dispositions, et des
décalages quant à leur mise en œuvre
.– le deuxième niveau concerne les progrès du partenariat dans certains
secteurs, celui des programmes nationaux d’infrastructures de base notamment,
grâce à la disposition de moyens suffisants, humains et financiers, mis au service de
politiques et de stratégies portées par une vision globale et cohérente. Mais dans les
autres secteurs, les progrès sont inégaux et cette situation s’explique en dernière
instance par les déficits en termes de capacité institutionnelle et de compétences des
acteurs (niveau de formation, savoir-faire ...)..
Une ébauche de territorialisation a été adoptée au Maroc. On assiste à un
prélude à la construction d’un édifice démocratique, ouvert, institutionnel et
prometteur de l’élaboration des programmes de développement. D’où la
redynamisation des communautés de base .Dans ce cadre, les autorités marocaines,
conscientes de la lourdeur de l’héritage légué par le protectorat, ont posé les premiers
jalons d’une organisation administrative de proximité dans la mesure où les
structures de l’espèce sont de nature à développer le sentiment d’une véritable
communauté d’intérêts. De même, la transformation du cadre institutionnel en place
par un redimensionnement du pouvoir de décision et la tendance de rompre avec le
1125
Exemples de dispositions : propositions en matière de procédure budgétaire déconcentrée, de gestion
déconcentrée des investissements, charte communale, modification de la loi relative aux associations.

P 562 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

schéma bureaucratique d’avant l’indépendance a accentué l'implication des zones


rurales, urbaines et périurbaines.
Pour ce faire une réflexion en profondeur s'impose sur les étapes de la
délocalisation du pouvoir de décision qui a associé les entités décentralisées et
déconcentrées dans ce processus ambitieux. Cette "décentration", justifiant la
délocalisation du pouvoir de décision incite d'une part, à voir dans la décentralisation
un outil de développement institutionnel et d’amélioration des capacités de
développement des citoyens jusqu’alors marginalisées des circuits de la décision et,
d'autres part, à saisir la déconcentration comme un appui considérable aux acteurs
territoriaux. En somme, cette "décentration" à deux facettes, décentralisée et
déconcentrée, est au service du développement des territoires1126. Nombre de projets
de développement se fondent sur la participation des communautés de base, en tant
qu’entités pertinentes d’action collective, ou des organisations qui en émanent,
associations et/ou coopératives. Une telle approche s’est imposée progressivement
en matière de gestion des ressources naturelles. Deux grands cas de figure se
présentent :
–celui de services à livrer aux usagers : eau potables (programme sectoriel
national PAGER), eau d’irrigation (programmes de PMH). Des associations sont
créées, appelées à assurer le service en partenariat avec l’Administration et d’autres
partenaires (collectivités locales, secteur privé). Dans ces secteurs, il est nécessaire de
clarifier le régime de propriété des ouvrages implantés et de définir les conditions de
leur renouvellement afin de garantir les conditions de durabilité. Ces conditions ne

1126
Dalil, M., Gouvernance territoriale, [en ligne]. Disponible sur <http://mustaphadalil.blogspot.com/>.
(consulté le 20/08/2017 )

P 563 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

sont pas acquises au stade actuel et il n’est pas dit que la prise en charge par les
associations soit partout la meilleure solution.
– deuxième cas, celui des ressources naturelles dont les régimes juridiques de
propriété et d’exploitation demeurent ambigus. Il en est ainsi des terres de parcours,
en principe collectives, c’est-à-dire propriété légale des communautés1, en fait
exploitées voire appropriées par une minorité d’agro-pasteurs et parfois objet de
conflits intra et/ou intercommunautaires. C’est aussi le cas des forêts dont la majorité
des surfaces relèvent du domaine forestier ou présumé forestier. L’Administration
des Eaux et Forêts exerce sa tutelle mais ne dispose pas de moyens suffisants pour
mettre fin ou au moins réduire les dégradations portées à ce patrimoine
(défrichements, dessouchages, écobuages, et autres facteurs d’érosion et de
désertification).
B- Les logiques de la territorialisation au Maroc
1- le nouveau statut de territoire et ses fonctions
La territorialisation s’impose au Maroc en raison des questions
d’aménagement de territoire (arti143) et du l’implication des citoyennes et citoyens
dans l’élaboration et le suivi des programmes de développement (arti139)1127.
Les mutations locales au Maroc ont touché le principe de la territorialisation de
l’action publique. Celle-ci a en effet entraîné une délocalisation graduelle, mais
perceptible du pouvoir de décision du centre vers la périphérie. Ainsi ladite
territorialisation a pris la forme d’une organisation administrative, déconcentré et
décentralisée adaptée aux exigences de la nouvelle approche.

1127
Dahir no 1-11-91 du 27 chaabane 1432 (29 juillet 2011) portant promulgation du texte de la
Constitution, In : Bulletin officiel du Royaume du Maroc, no 5964 bis, 30 juillet 2011.

P 564 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

Le contexte de l’action publique locale au Maroc serait soumis aux logiques de


l’équité, de l’intégrité, de l’égalité et de durabilité. Cela conduirait à l’adaptation de
l’action publique par rapport aux besoins des populations. De ce point, le contexte
constitutionnel a évolué ses dispositions relatives aux territoires sur les mécanismes
et les principes afin que la territorialisation marque l’efficacité de l’action locale dans
son adaptation au nouveau contexte de développement territorial.
Il s’agit de l’instauration d’un modèle polycentrique qui cherche à réconcilier
les besoins d’unité nationale (voir constitution) et d’autonomie locale en pratiquant
une approche de répartition des compétences et de concertation plutôt que l’exercice
du pouvoir uniforme. C’est cette nouvelle construction de politique de territoire qui
semble prévaloir en Espagne, en France, En Italie, En Angleterre, en Allemagne et dans
d’autres pays du Nord.
La vitesse des transformations sans pareil à cause de la mondialisation met en
cause la notion de territoire. Ceci ne peut rester en dehors de ces mutations. En effet
les territoires intégraient la dynamique de changement par de nouvelles institutions,
avec de nouveaux instruments de travail et de gestion. Il s’ensuit que la territorialité
semble converger vers une sorte de consensus autour de nécessité d’initier le
développement par le bas. La compétitivité d’une nation à l’échelle mondiale est
tributaire de la compétitivité de ses territoires.
La notion des collectivités territoriales au Maroc au lieu des collectivités
territoriales devient un espace politico administratif et construit collectif par un jeu
de tendances nouvelle qui préfigurent les articulations entre le centre et la périphérie,
entre le national et le local. Ce changement de notion de territoires a des
conséquences sur la position des territoires dans le système global de l’action

P 565 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

publique1128. Le nouveau statut de territoire marocain inscrit celui-ci dans un certain


nombre de fonction à savoir le territoire est :
-un lieu d’élaboration des politiques publiques
- un construit commun permanent
-un système dynamique complexe
-une forme particulière de coordination par création de groupe
-un système aux limites auto-construites
Alors il va falloir faire preuve d’une grande capacité transformatrice. On
constate la réflexion sur la mise en place de nouvelles stratégies de développement
local qui conduit à reconnaitre la diversité et l’hétérogénéité des territoires. D’où la
nécessité d’une réorganisation territoriale prenant appui sur la diversité économique,
physique, culturelle et sociale des composantes de l’espace. Ce constat relève de
l’évidence, car l’espace public territorial est à géographie variable. Elle peut être
utilisée dans le sens d’une diversification des activités, des services, et des économies,
et donc d’une réelle compétitivité. En effet la diversité des territoires érige la notion
de ceux-ci comme base de la citoyenneté pour ceux qui aspirent à de meilleures
conditions de développement. Par conséquent l’exercice de citoyenneté se fait sur le
territoire, d’ailleurs c’est un cadre de vie supportable, avec un but, une vision pour
des projets concrets afin de réussir le pari de développement. L’espace provincial à
titre d’exemple au Maroc fait partie de la géométrie des formes de base du pouvoir.
La province marocaine détient des avantages d’encadrement, d’exercice réel des

1128
SEDJARI A., les nouvelles logiques de structuration des territoires, In : Gouvernance, réforme et
gestion du changement, édition l’harmattan 2008, p 299.

P 566 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

compétences et de division du travail, que ce soit avec les communes qui la


composent ou avec les services extérieurs1129.
2-le rôle de planification dans le cadre de territorialisation
Les actions de planification devraient constituer un point de rencontre entre les
stratégies sectorielles à l’échelle nationale et la planification intersectorielle aux
divers échelons territoriaux. Il ne s’agit pas de privilégier la planification « ascendante
» ou la planification « descendante », mais d’élaborer à tous les niveaux territoriaux
les mécanismes de concertation entre l’ensemble des concernés. À cette fin, face aux
organes existants des collectivités locales (assemblées, conseils), les autres acteurs
sociaux, associations, coopératives, secteur privé, communautés scientifiques,
devraient également se doter dans le cadre de la loi de leurs organes de
représentation.
Les projets de développement se donnent pour objectifs dans un premier
temps l’obtention de la confiance des populations grâce à la création de services
répondant à leurs besoins immédiats (eau, pistes...), avant de s’attaquer par la suite
en concertation avec elles, et avec leur participation dans un cadre partenarial, aux
objectifs finaux de conservation et de développement des ressources naturelles. Il
n’est pas certain que la finalité de ces projets soit atteinte sans un réexamen radical
du régime de propriété et de gestion des terres collectives et de la législation
forestière. C’est à ce prix qu’il sera possible de construire un régime d’exploitation des
ressources susceptible d’assurer la cohérence et la durabilité des actions de
conservation et de développement1130.

1129
EL MERGHADI M., Etat et symbolique du développement territorial, In : La revanche des territoires,
édition l’harmattan 1997, p 165.
1130
Les projets de développement n’abordent pas cette question fondamentale du régime foncier et de
l’exploitation des terres collectives et du domaine forestier. Dans ce dernier cas, plusieurs propositions de

P 567 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

.Ce schéma linaire n’est que les séquences de participation des régions et les
autres collectivités territoriales à la mise en œuvre de la politique générale de l'État et
à l'élaboration des politiques territoriales comme le prévoyait la constitution à son
article 137. Et concernant les projets de conversion dont parle notre définition.
L’article 136 dispose que l’organisation territoriale assure la participation des
populations concernées à la gestion de leurs affaires et favorise leur contribution au
développement humain intégré et durable.
En France, la territorialisation observe les politiques publiques sociales, et
souvent les services de base. Cela constitue en théorie une profonde mutation de la
gestion des administrations locales, ainsi que des territoires en dépendant.
Globalement, il s’agit de rapprocher les services publics de leurs premiers
destinataires : les usagers, mais la méthode diffère d’une collectivité territoriale à
l’autre. Le programme paraît ambitieux, et vise une meilleure réactivité aux
demandes, une identification facilitée des interlocuteurs, une plus grande
adéquation aux besoins, etc. les termes « culture de projet », « service de proximité »,
ou « transversalité des actions » apparaissent. Actuellement, les collectivités
progressent dans ces domaines surtout par tâtonnement et expérimentations1131.
Deux priorités semblent fondamentales en matière de renforcement des
capacités institutionnelles et des compétences de l’ensemble des acteurs locaux
marocains :

réforme de la législation forestière auraient été étudiés mais sans concrétisation jusqu’à présent. Cf ; A.
Lhafi : « ... une loi doit être le fruit d’une concertation. Plus on négocie collectivement les règles du jeu
(...) plus une loi a des chances d’être appropriée et de ne pas être transgressée. Le texte doit répondre aux
attentes des personnes auxquelles il est destiné, prendre en considération leurs préoccupations ». In « ISIC
Journal », no65, mars 2004, p. 7.
1131
HERNANDEZ S., évolution du processus de décision et management public territorialisé, In :
Administration, gouvernance et décision publique, édition l’harmattan 2004, p 157.

P 568 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

– En matière d’éducation et de formation, veiller à la mobilisation des


ressources nécessaires à la mise en œuvre des programmes d’alphabétisation, d’ENF
et de formation professionnelle dans le cadre de stratégies cohérentes (adéquation
objectifs – résultats – moyens – délais). À tous points de vue l’amélioration des
compétences et l’adéquation formation – emploi – pour tous les âges et pour tous
les secteurs – sont les premières des priorités.
– En matière de suivi, évaluation, contrôle et régulation, il est essentiel de
considérer qu’il s’agit de valeurs culturelles que tout acteur social devrait s’approprier
comme telles. De nombreux organes exerçant ces activités mériteraient d’être
redynamisés : inspections, cours des comptes ...Un alignement sur les normes
internationales d’organes autonomes est souhaitable1132.
Pour territorialiser les actions à mettre en œuvre, les acteurs territoriaux
doivent faire la preuve de leur faculté d’innovation et de leur capacité créative. Les
innovations méritant de retenir l’attention représentent une évolution significative
par rapport aux pratiques traditionnelles. Elles possèdent un fort potentiel de
démonstration et offrent souvent des résultats en ne mobilisant que (relativement)
peu de ressources.
Paragraphe II : les modalités de développement au service des politiques
territoriales.
Le Maroc a inauguré une nouvelle réforme en matière de décentralisation à
travers le lancement du projet de la de la territorialisation des politiques publiques. Il
s'agit d'un chantier prometteur pour l'ancrage d'une bonne gouvernance locale, la

1132
RMAD, no17, 2003, rôle des ISC (instances supérieures de contrôle) et directives de l’INTOSAI
(International Organization of supremaudit institutions), organisation ouverte aux États membres de
l’ONU.

P 569 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

consolidation de la politique de proximité et la réalisation du développement socio-


économique et culturel intégré au niveau territorial.
Le rapport entre le développement et l’action publique territoriale est devenue
une préoccupation grandissante des acteurs de la gouvernance locale. Il s’ensuit que
le développement associe des parties prenantes des politiques publiques territoriales
dans le cadre de la gouvernance. Les modalités de développement persiste un champ
d’investigation de l’action publique qui essaie de comprendre pourquoi et comment
la gouvernance passent d’un mode de coordination hiérarchique à un mode plus
coopératif (A).
L’implication des acteurs de territorialisation serait une composante
fondamentale qui cimenterait les modalités de développement territoriale. En outre
la réussite d’un plan de marketing territorial est tributaire de la capacité qu’on ses
responsable à fédérer et à mobiliser toutes les parties prenantes et les composantes
du territoire1133. Les acteurs décentralisés à la disposition de développement pour
s’impliquer dans la gouvernance de l’action locale responsable, efficace et cohérente
(B).
A- Les instruments de l’action publique dans le cadre de développement
1-la coopération et la coordination entre différents acteurs
L’action publique doit retrouver ses articulations avec le système de
gouvernance. Et le changement des structures de l’action territoriale ne peut avancer
que par un processus de réhabilitation et la reconsidération de la gouvernance
territoriale. Il est aussi indispensable que les pratiques des politiques publiques
territoriales évoluent pour permettre le changement. Sans une action publique locale
1133
CHEGGOUR M., Le marketing territorial au service du développement humain, In : Droit humains et
développement des territoires, vers un nouveau modèle de gouvernance, édition l’harmattan 2013, p 222.

P 570 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

approfondie sur l’ensemble des spécificités territoriales, aucun changement ne


pourra mettre en place durablement.
Pour inverser la spirale descendante dans laquelle nous sommes pris et
retrouver le chemin de la gouvernance efficace, nous avons besoin de maitriser le
référentiel pour l’action publique locale qui agissait sur la gouvernance au niveau à
la fois institutionnel, de l’organisation territoriale, des modalités d’organisation
d démocratique et, bien entendu au niveau culture et mental.
L'action publique locale n'est plus présentée comme la seule responsabilité de
l'institution municipale (ou départementale), mais comme la résultante d'un
processus de coopération ou de coordination entre de nombreux acteurs et
opérateurs (Gaudin et Novarina, 1997).
Cette définition serait applicable pour le cas marocain. Le Dahir n° 1-02- 269
(art. 4) dispose à titre d’exemple que le conseil préfectoral ou provincial est composé
de deux catégories de membres, à savoir1134 :
Premièrement des membres élus en son sein par le collège électoral formé des
membres de conseils communaux relevant de la préfecture ou de la province et
deuxièmement des membres représentant les chambres professionnelles, élus parmi
les membres de la chambre d’agriculture, la chambre de commerce, d’industrie et de
services, la chambre d’artisanat et la chambre des pêches maritimes. L’élection des
membres des conseils préfectoraux et provinciaux est réglée plus en détail dans la loi
formant Code électoral et dans la loi organique n° 59-11. Les membres des conseils
des préfectures et des provinces sont élus par un collège électoral formé des membres
des conseils des communes relevant de la préfecture ou de la province concernée, au
1134
Loi organique n° 112-14 relative aux préfectures et provinces, promulguée par le Dahir n° 1-15-84 du
07 juillet 2015, BO n° 6440 du 18 février 2016.

P 571 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

scrutin de liste à la représentation proportionnelle suivant la règle du plus fort reste.


Toutefois, l’élection a lieu au scrutin uninominal à la majorité relative à un tour au cas
où un seul membre est à élire. Le nombre des membres du conseil de la préfecture ou
de la province ne peut, en aucun cas, être supérieur à la moitié du nombre total des
conseillers de la ou des communes relevant de la préfecture ou de la province
concernée. Concernant l’inéligibilité et incompatibilités, sont inéligibles en qualité de
membre du conseil de la préfecture ou de la province dans toute l’étendue du
Royaume les personnes visées à l’article 6 de la présente loi organique1135.
L'action publique intègre des éléments de diverses natures tels que des
relations entre organisations publiques ou privées, des réseaux interindividuels, des
« références discursives collectives » (ou mythes), renforçant l'idée d'une imbrication
des dimensions aussi bien politiques et économiques que sociales1136.
Les pouvoirs publics prennent part de cet ensemble de relations plus ou moins
institutionnalisée pour déterminer le pilotage de la décision locale. D’ailleurs le
système de l’action locale fonctionne en vertu des normes disposées. Ces normes
édictent les statuts et les positions des autres parties prenantes de façon à donner
attitude aux dispositions de l’action collective. De même que la production de
services publics et l’exercice de la puissance publique sont deux formes que prend
l’action territoriale.
Le développement de ses dimensions conceptuelles met en relief le droit
administratif comme le cadre des règles qui régissent les processus de l’action

1135
Dahir n° 1-11-173 du 24 hija 1432 (21 novembre 2011) portant promulgation de la loi organique n°
59-11 relative à l’élection des membres des conseils des collectivités territoriales, In : Bulletin officiel n°
6066 du 29 chaabane 1433 (19-7-2012)
1136
Bertrand N., Moquay P., La gouvernance locale, un retour à la proximité, In: Économie rurale(
Proximité et territoires), N°280, 2004, pp. 77-95.

P 572 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

collective locale, car en étudiant la structuration de la puissance publique et les


pratique de services publics, on déduit les dimensions des instruments qui donnent
la légalité à l’action publique territoriale.
L’action territoriale ne se résume plus à l’ensemble des moyens de la puissance
publique locale et ceux des services publics locaux qui opérationnalisent les
programmes gouvernementaux, mais aux instruments législatifs et réglementaires.
Souvent on constatait une multitude d’instruments réglementaires par lesquels
l’action publique se mettait en œuvre.
La réforme de territoires constitue une étape essentielle dans la mise en œuvre
progressive de la réforme de l’action publique locale au Maroc. Elle fournit un cadre
législatif aux différentes mesures entreprises au cours de ces dernières années pour
moderniser les services publics locaux. Dans la pratique, l’action publique représente
une mutation des processus de la gestion publique. Les règlements dépassent la
culture des moyens et des procédures.
2-les principaux instruments engagés par l’action locale
Cette approche instrumentaliste de l’action publique l’envisage de point de vue
des pratiques qui structurent ses référentiels1137. L’action publique en conséquence
est ventilée en quatre instruments à savoir :
 Premièrement l’usage rhétorique de pouvoir politique quand
l’action publique relève des autorités publiques, dont le règlement
conditionne la légitimité et la responsabilité de système des acteurs
en activité.

1137
Alain F., La question territoriale, Pouvoirs locaux, action publique et politique(s), In : Travaux
d’Habilitation à Diriger des Recherches en Science Politique (HDR) Université Pierre Mendès France.
Grenoble 2, 27 septembre 2002. Grenoble : CERAT-I.E.P., mai 2002, 257 p.

P 573 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

 Deuxième instrument serait le conditionnement de l’action


publique par les modalités d’une action collective reliant différents
niveaux d’intervention tant infra- que supranationaux.
 Troisième instrument renvoie à l’institutionnalisation de l’action
publique.
 Quantième instrument l’action publique doit être se justifie par la
contrainte de légitimité, cause qui nécessite de caractériser l’action
publique comme une action politique.
Ainsi plusieurs recherches des rapports entretenus entre le centre et la
périphérie conduisent la doctrine pour considérer l’action publique locale une
interprétation de l’action collective générale à l’échelon locale :
Ce raccourci de manche relative à l’action publique national se traduit par des
phénomènes juridiques dont je cite la décentralisation, la déconcentration avec toute
autre pratique qui accompagne le fonctionnement de l’action publique locale comme
les modes de régulation, de contractualisation et de coopération dans les processus
de compatibilité entre l’action publique étatique et l’action publique locale.
L’action publique locale marocaine fonctionne par le rôle de ses enjeux dans
l’analyse des politiques gouvernementales, par conséquent les prérogatives et
missions des conseils communaux par exemple suggèrent une nouvelle forme de
gouvernance basée sur de nouveaux agencements organisationnels1138. Au terme de
ce sens, on constate l’action locale qualifiée comme une séquence de l’action
gouvernementale. Cette vision identifie le local (ou le territoire) un espace résultant
des exigences de management public pour compléter les niveaux d’efficacité à l’égard
1138
ZOUITEN M., Gouvernance locale, partenariat organisé et décisions communales, in : Administration,
gouvernance et décision publique, édition l’harmattan 2004, p 285.

P 574 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

des programmes de développement. Par conséquent l’action publique locale


s’émerge pour moderniser le fonctionnement et les structures de l’Etat. On est devant
un processus qui vise des objectifs recherchés par la territorialisation notamment :
L’amélioration de la qualité du service public par la mise en place d’une
administration de proximité
 Le renforcement des règles d’éthique au sein de l’administration pour
consolider la confiance des citoyens eu égard le service public,
 La plus grande ouverture des services centraux sur leur environnement par
le développement de la communication interne externe,
La revalorisation des ressources humaines du département pour en faire le
noyau dur du projet de réforme et passage obligé des actions de modernisation,
 Le développement d’une meilleure gestion publique qui traduit un besoin de
rénovation des méthodes et outils de gestion.
Certes le concept de local en ce stade montre ses missions en matière
d’intégration, la formulation des priorités et des négociations locales. Cette
dynamique conceptuelle explique l’importance de l’aménagement de territoire
tenant compte de son rôle crucial dans les processus de rationalisation de l’action
publique. En dernier lieu réservé à la signification doctrinale de l’action publique
locale qui implique une réflexion sur la codification de l’intérêt général local à travers
son institutionnalisation en matière de décentralisation et la territorialisation. Cette
dernière conception vise l’efficacité puisqu’elle fonde l’action locale autour d’un bien
commun localisé. Ainsi ce sens renvoie l’action locale à un compromis entre les élus
locaux et les administrations de l’Etat suite aux arrangements institutionnels sur la
base de principe de territorialité. Les conditions qui inaugurent les finalités de la

P 575 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

territorialisation sont indispensables pour la mise de la gouvernance locale. D’où on


dénombre :
 La conception de la réforme de l’Administration dans le cadre des
principes, valeurs et règles générales énoncés dans la Constitution de
2011. Ces principes et valeurs constituent les règles de bonne
gouvernance essentielles de la charte des Services Publics
 L’amélioration de la performance de l'administration publique, visé par
cette réforme, à travers le renforcement de la bonne gouvernance, en
assurant la corrélation entre la responsabilité et la réédition des comptes
et en respectant les principes d'équité, de neutralité, de transparence et
d'intégrité;
 Assurer le droit d’accès des citoyens à l'information et organiser les
Services Publics sur la base de l’égal accès des usagers, de la couverture
équitable du territoire national et de la continuité des prestations rendues
pour renforcer la justice sociale et l'égalité des chances 1139;
L’installation de la bonne gouvernance territoriale ne s’exclue de de chantier
national. En effet les engagements gouvernementaux fixent des règles de bonne
gouvernance relatives au fonctionnement des administrations publiques, des régions
et des autres collectivités territoriales et des organismes publics. Ces règles
concernent l’administration publique (étatique et territoriale). Les principes
directeurs de cette vision observent des actions à savoir :
 Réformer l’Administration est au cœur du programme gouvernemental
2016-2021, qui contient un ensemble d'engagements liés à la promotion

1139
Plan National de la Réforme de l’Administration 2018 –2021

P 576 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

de l'intégrité, à la bonne gouvernance et à l'adoption de l’administration


numérique;
 Renforcer l'intégrité, la responsabilité, la transparence et l'ouverture, en
particulier le droit d'accès à l'information, qui constituent notamment les
engagements du gouvernement, à honorer à travers l'adoption d'une
approche participative lors de l’élaboration et l'évaluation des politiques
publiques ;
 Mettre le citoyen au cœur des préoccupations de la Fonction Publique et
activer le principe de corrélation effective entre responsabilité et réédition
des comptes pour assurer une gestion optimale des ressources humaines
et matérielles.
L’approche de division de travail incombe à l’action publique locale la fonction
de garantir l’intérêt général par les élites et les fonctionnaires locaux. A partir de ce
premier sens toute action publique locale revêtit la signifiance d’un local construit
pour contribuer au fonctionnement de système de l’administration général. Ces traits
qui caractérisent l’action locale se concrétisaient par des relais locaux où se
représentent les intérêts locaux suite à une division de travail entre l’Etat et le
territoire concerné.
Ces essaims de notions s’interrogent sur la territorialisation convenable
susceptible de coordonner les parties prenantes dans de le développement de l’action
publique locale.
B- l’implication des acteurs de territorialisation dans le développement
de l’action publique locale
1- l’exigence des acteurs décentralisés

P 577 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

La contribution de l’action publique locale au développement est, ensuite le


résultat de l’implication des acteurs décentralisés dans les actions de l’Etat qui les
concernent directement. Cette logique de coopération est vitale pour le
développement des espaces, et en conséquence, demeure déterminante pour le
développement national. Le constituant en fait un élément fondamental du
processus de développement du processus de développement lorsqu’il affirme
clairement dans l’article 137 que « les régions et les autres collectivités territoriales
participent à la mise en œuvre de la politique générale de l’Etat et à l’élaboration des
politiques territoriales ». Le choix pour la démocratie par la région marque fortement
le régime constitutionnel consacré à cette collectivité territoriale. Elle demeure une
collectivité ouverte permettant à travers divers mécanisme l’intervention directe des
citoyenne et citoyen dans la gestion de leurs propres affaires1140.
Le choix de l’action publique locale tend à atteindre divers objectifs qui
dépassent souvent la simple participation à la gestion de leurs propres affaires
locales. L’action publique locale est également préconisée comme une action
incontournable pour le développement des territoires. Le développement territorial
est, dans cette optique, largement participative et conditionnée par l’implication des
acteurs décentralisés.
Les deux impératifs, participation politique et développement en l’occurrence,
sont des fondements inséparables de la gouvernance territoriale. Cette conception
des institutions de l’action publique locale est perceptible dans la nouvelle
constitution qui fait de l’organisation territoriale un moyen pour assurer « la

1140
BOUACHIK A., La régionalisation avancée dans la constitution marocaine 2011, in : REMALD, série
« Thèmes actuels, n° 82 , 2013, p 228.

P 578 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

participation des populations concernées à la gestion de leurs affaires et favorise leur


contribution au développement humains intégré et durable »1141.
L’action publique locale par l’intermédiaire de la gouvernance territoriale est
une nécessité pour la réussite de toute action de toute politique publique. La
contribution de la gouvernance à ce chantier de l’action publique territoriale est le
résultat d’une action double. Elle est d’abord, le fait d’actions isolées de la part des
pouvoirs décentralisés dans l’exercice de leurs attributions propres. L’action publique
est alors le produit de stratégies adoptées et mise en œuvre par les niveaux de la
gouvernance. En garantissant à l’action publique locale des compétences propres et
en accordant aux acteurs une liberté de gestion, le constituant offre alors les
conditions indispensables pour conduire ce type d’actions.
La question de l’action publique locale met en avant l’intervention de divers
acteurs (régions, préfectures, provinces et communes). L’obligation de réussir le
partage des attributions entre ces différentes catégories de niveaux de gouvernance
est une étape fondamentale pour réussir le projet dans son ensemble. La logique du
partage prend en compte la nature de chaque compétence pour la correspondre à
l’action publique la mieux placée pour la réussir en conformité avec le principe de
subsidiarité consacré pour la première fois par la constitution. L’application de ce
principe permet de donner à la structure administrative le plus de souplesse et le plus
d’adaptabilité1142.
En parlant de la logique qui accorde à l’action publique régionale un rôle de
premier ordre concernant l’exercice de certaines compétences relevant par essence

1141
BELMIHOUB M., La gouvernance du rôle de l’Etat dans le domaine économique et social, In : quel
État pour le 21e siècle ?, Paris, l’Harmattan, 2001.
1142
SEDJARI A., La fin du pouvoir d’Etat : vérité ou illusion ?, In : la revanche des territoires,
l’Harmattan, 1997, P. 34.

P 579 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

de la compétence naturelle de ce niveau de gouvernance. Ainsi selon l’article 142,


« dans l’élaboration et le suivi des programmes de développement régionaux et des
schémas régionaux d’aménagement des territoires, la région assure n sous la
supervision du président du Conseil de la région, un rôle prééminent par rapport aux
autres collectivités territoriales, dans le respect des compétences propres de ces
dernières ». Cette disposition revêt une importance particulière dans le sens où elle
permettait de confier à la région une place capitale en ce qui concerne l’action
publique territoriale. Des considérations techniques, notamment l’efficacité de
l’action et la hiérarchie des objectifs, ont dicté cette démarche.
En plus de la question des méthodes empruntées et politiques publiques
territoriales adoptées, la problématique de l’action publique locale est également
tributaire des moyens dont disposent les acteurs territoriaux. Conscient de cette
exigence, le constituant s’est orienté vers l’adoption d’un régime propre à la gestion
des affaires locales aptes à leur permettre de disposer des moyens nécessaires pour
réussir leur développement.
Par exemple en matière de la gouvernance financière locale, la constitution
consacre une règle fondamentale des finances locales qui part de la nécessité de faire
correspondre les moyens nécessaires aux compétences à assumer.
Pour atteindre un tel objectif, le constituant a jugé nécessaire de
constitutionaliser dans l’article 98 de la loi organique 111-14 sur la région la
disposition suivant : « Des finances, de la fiscalité et du patrimoine de la région »1143.
Surtout les délibérations relatives :
- au vote de budget ;
1143
Loi organique n° 111-14 relative aux régions, promulguée par le Dahir n° 1-15-83 du 07 juillet 2015,
BO n° 6440 du 18 février 2016.

P 580 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

- à l’ouverture des comptes spéciaux et des budgets annexes, sous réserve des
dispositions des articles 182, 184 et 185 de la présente loi organique ;
- à l’ouverture de nouveaux crédits, le relèvement des crédits et le transfert des
crédits à l’intérieur du même article ;
L’article 141 de la nouvelle constitution énonce alors que « les régions et les
autres collectivités territoriales disposent de ressources financières propres et de
ressources financières affectées par l’Etat. Tout transfert de compétences de l’Etat
vers les régions et les autres collectivités territoriales doit s’accompagner d’un
transfert des ressources correspondantes ». Cette règle de la concordance entre
compétences transférées et ressources accordées est fondamentale, non seulement
pour réussir l’action publique locale, mais surtout pour favoriser l’autonomie des
acteurs territoriaux à l’encontre de toute ingérence des pouvoirs centraux dans les
affaires locales. La réussite de la mise en œuvre de l’action locale dépendra en grande
partie de l’engagement de l’Etat à côté des territoires.
2- la solidarité et la coopération entre les acteurs locaux
Etant donnée de la nature extraordinairement déséquilibrée des moyens dont
dispose chaque niveau de l’action publique, la constitution a emprunté une
conception solidaire de l’action publique et de la gouvernance territoriale. Pour
matérialiser cette règle, elle consacre deux principes fondamentaux et
complémentaires : la solidarité et la coopération.
La solidarité comme composante de l’action locale est regardée par l’article 136
comme l’un des principes fondamentaux sur lesquels repose la gouvernance
conformément au principe plus large faisant de la collectivité. La matérialisation de
cette idée passe, conformément aux propositions faites par la Commission

P 581 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

consultative de la régionalisation, la constitutionnalisation de deux fonds dédiés au


développement régional1144. L’organisation de ces fonds sera par la suite l’une des
structures de système de gouvernance car ils devraient avoir des caractères
gestionnaires comme suit :
-ils ont un caractère temporaire et destiné à la résorption des déficits en matière
de développement humain, d’infrastructures et d’équipements. Et cette finalité n’est
que celle visé par exemple par le fonds de mise à niveau sociale.
-ils auront pour mission d’assurer une répartition équitable des ressources, en
vue de réduire les disparités entre les niveaux de gouvernance comme le fonds de
solidarité qui vise les régions.
La coopération ne s’exclue des composantes de l’action publique locale. En
effet elle est jugée incontournable pour faire face à l’élargissement des compétences
territoriales et la pénurie des moyens. On constate ainsi la constitution qui enrichit
les éléments constituants de l’action publique. D’ailleurs l’article 143 de la
constitution mentionnait la coopération comme élément de l’action locale : « lorsque
le concours de plusieurs collectivités territoriales est nécessaire à la réalisation d’un
projet, les collectivités concernées conviennent des modalités de leur coopération ».
L’article 144 quant à lui fait des groupements de collectivités territoriales l’outil
juridique de cette coopération en vue de la mutualisation des moyens et des
programmes.
Conclusion
La réforme de l’Etat ne fait pas "du renforcement de l'autonomie locale un but
en soi, mais un moyen de préserver les finalités de l’action publique locale. Le
1144
Dahir n° 1-11-91 du 27 chaabane 1432 (29 juillet 2011) Portant promulgation du texte de la
Constitution, In : Bulletin officiel n° 5964 bis du 28 chaabane 1432 (30/07/2011), article 142.

P 582 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

dispositif de gouvernance conserve son rôle de stratège, les collectivités restent un


espace d’interaction entre un ensemble d'orientations, de règles et de normes qui leur
sont reconnues par le besoin de développement territorial.
Afin de permettre au système de gouvernance territoriale de jouer pleinement
son rôle et sa vocation eu égard l’évolution de la territorialisation, quelque condition
préalables sont indispensables à la l’adaptation de ce système avec les mutations
contemporaines, il s’agit de se prononcer de manière claire et précise les questions
aussi déterminantes que :
- Le régime électoral, la représentation des femmes, les incompatibilités, les
interdictions du cumul de mandats, la composition conseils territoriaux et leur
fonctionnement démocratique ;
- Les règles qui permettent aux présidents des conseils élus d’assurer
l’exécution des délibérations et des décisions des conseils et d’être en réalité des
ordonnateurs des recettes et des dépenses ;
- L’organisation des mécanismes de dialogue et de concertation entre les
conseils élus et les citoyens et les modalités d’exercice par les citoyens et les
associations du droit de pétition ;
- Les attributions et les compétences des conseils élus tant en ce qui
concerne les compétences propres, qu’en ce qui concerne les compétences partagés
avec l’Etat et celles qui seront transférées par l’Etat aux collectivités territoriales ;
- Le régime financier des régions et des autres collectivités territoriales ainsi
que la mise en place, les ressources et les modalités de fonctionnement du fonds de
mise à niveau social et du fonds de solidarité interrégionale ;

P 583 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

- Les règles de gouvernance, de contrôle de la gestion, d’évaluation des


actions et de reddition des comptes ;
- Les règles régissant la coopération entre collectivités territoriales, la
création de groupements, de mutualisation des moyens et des programmes,
l’intercommunalité ;
- Les règles fixant l’accompagnent de découpage territorial.

P 584 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

à é é
é è

Intitulé de l’article : La gouvernance de la société


anonyme face à la loi 27-20
Abstract :

Faced with the spread of the COVID-19 pandemic, Morocco has taken a

series of emergency measures to combat the pandemic.

In general, the Moroccan government imposed the period of restriction of

movement after declaring a state of health emergency on the national territory by

decree n ° 2.20.293 of March 24, 2020.

The provisions relating to the state of health emergency and the procedures

for its declaration were enacted by decree-Law n° 292-20-2 of March 23, 2020.

Article 6 of this decree specifies that all the time limits provided by a legislative or

regulatory law must be suspended during the period of declared health

emergency, and his account will be resumed from the date following that of the

lifting of the aforementioned state of health emergency.

The decree does not provide for provisions applicable to the rights of the

company, in particular general meetings and the board of directors.

P 585 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

However, Bill No. 27-20 was published on April 16, 2020, its main

provisions aimed at introducing exceptions with regard to meetings of legislative

bodies and public meetings, with the aim of securing the work of companies. . It

is particularly welcome in the context of the extension of the confinement period.

The challenge is to rediscover the tools provided by the legislator to ensure

the continuity of commercial operations during the crisis, as well as the limits of

these tools and the temporary arrangements applied during health emergencies,

which will be provided for by law. 27-20 when it comes into effect.

Résumé :

Projet de loi n° 27-20 qui porte application des dispositions spéciales

relatives au déroulement des travaux des organes d’administration des société

anonymes et les modalités de tenue de leurs assemblés générales durant la

période de l’état d’urgence sanitaire.

En effet, et par dérogation aux dispositions de l’article 50 de la loi n° 17-95

relative aux sociétés anonymes qui dispose que le Conseil d’administration ne

peut délibérer valablement que si la moitié, au moins, de ses membres sont

effectivement présents, ce projet instaure des mesures d’assouplissement

nécessaires permettant la tenue à distance et par visioconférence.

P 586 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

Aux termes de l’article premier du projet, les sociétés qui n’ont pas tenu

leurs conseils d’administration à la date de la publication de cette loi au Bulletin

officiel, pourront les tenir en utilisant les moyens de télécommunication

visioconférence, durant l’état d’urgence sanitaire, pour arrêter les comptes et la

prise des décision prévues dans les deux articles 72 et 306 de la loi susvisée n° 17-

95.

Néanmoins, pour les sociétés qui n’ont pas les moyens d’utiliser ces outils

de télécommunication, le directeur général, le président directeur général ou le

président du conseil d’administration peut préparer des états de synthèse

provisoires au titre de l’année 2019 dans leurs relations avec les tiers durant l’état

d’urgence sanitaire.

A l’exception des dispositions de l’article 173 de la loi susvisée n° 17-95, ces

états de synthèses provisoires devront être remis au commissaire aux comptes

pour la préparation des rapports à renvoyer à l’assemblée générale,

conformément aux dispositions de l’article 175 de la même loi.

A compter des 15 jours au plus tard après la fin de l’état d’urgence sanitaire,

les états de synthèse devront être soumis à l’approbation du conseil

d’administration.

P 587 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

L’article 2 du projet dispose que pour les sociétés à directoire, qui n’ont pas

tenu leur conseil de surveillance avant la publication de cette loi au BO, peuvent

également utiliser les états de synthèse de l’année 2019 dans leurs relations avec

les tiers.

Les états de synthèse ainsi que tous les documents prévus dans

l’article 141 de la loi susvisée n° 17-95 doivent être remis au conseil de

surveillance dans les 15 jours suivant la fin de l’état d’urgence sanitaire.

Egalement, l’article 4 dispose que : « à l’exception des dispositions de

l’article 294 de la loi susvisée n° 17-95, les sociétés faisant appel public à l’épargne

peuvent émettre leur emprunt obligataire sans passer par la tenue d’une

assemblée générale des actionnaires ».

Rappelons enfin que le projet ouvre la possibilité du vote par

correspondance en ce qui concerne les assemblées générales.

. Introduction

Face à la propagation de la pandémie COVID-19, le Maroc a pris une série

de mesures d’urgence pour lutter contre l’épidémie.

P 588 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

D’une manière générale, une période de restriction de la circulation a été

imposée par le gouvernement marocain suite à la déclaration de l’état d’urgence

sanitaire sur le territoire national par le décret n° 2.20.293 du 24 mars 2020.1145

Les dispositions spécifiques à l’état d’urgence sanitaire et les procédures de

sa déclaration ont été édictées par le décret-loi n° 292-20-2 du 23 mars 2020.

L’article 6 de ce Décret dispose que, tous les délais prescrits par les textes

législatifs ou réglementaires en vigueur sont suspendus durant la période de

l’urgence sanitaire déclarée et leur computation reprendra à la date qui suit celle

de la levée de l’urgence sanitaire précitée.

Le Décret ne prévoit pas de dispositions applicables aux droits des sociétés

et notamment aux réunions des assemblées générales et du conseil

d’administration. Toutefois, un projet de loi n° 27-20 a été publié en date du 16

avril 2020 dont les principales dispositions visent à introduire des dérogations en

matière de réunions des organes délibérants et des assemblées générales, dans le

but de sécuriser le fonctionnement des entreprises. Celles-ci sont

particulièrement les bienvenues dans un contexte de prolongation de période de

confinement. Ainsi, il s’agit de satisfaire à des caractéristiques techniques

1145
https://www.dlapiper.com/fr/france/insights/publications/2020/06/morocco-corporate-law-
under-covid-19/

P 589 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

garantissant une participation effective à la réunion, dont les délibérations sont

retransmises de façon continue et permettre d’identifier préalablement les

personnes participant par ce moyen à la réunion1146.

L’enjeu est de redécouvrir les outils que le législateur a prévus pour assurer

la continuité des opérations des entreprises pendant la crise, ainsi que les limites

de ces outils et les aménagements temporaires qui s’appliquent lors des urgences

sanitaires, qui seront prévus par la loi 27-201147 quand celle-ci entrera en vigueur.

Alors quelles sont les problématiques liées à l’arrête et à l’approbation des

comptes des sociétés anonymes ?

Concernant la tenue des réunions du conseil d’administration et des

assemblées générales, aucune modification n’a apportée aux lois et règlements

Toutefois, à l’exception de certaines décisions spécifiques telles que celles

relatives à l’arrêté et à l’approbation des comptes, la loi prévoit des mécanismes

qui permettent la prise de décisions par voie de crise liée au COVID-19.

1146
https://lematin.ma/journal/2020/doivent-savoir-socis-anonymes-tenue-ag/338361.html
1147
chrome-
extension://efaidnbmnnnibpcajpcglclefindmkaj/viewer.html?pdfurl=https%3A%2F%2Fsaaidi-
consultants.com%2Fwp-content%2Fuploads%2F2020%2F05%2FBIF-N%25C2%25B0105-Projet-de-loi-
N%25C2%25B027-20-Mesures-dassouplissement-SA.pdf&clen=431824&chunk=true

P 590 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

Pour répondre à cette problématique, on va traiter d’une part les réunions

des conseils d’administrations et d’autre part les réunions des assemblées

générales à la lumière du droit marocain et en comparaison avec le droit français.

I. Les réunions des conseils d’administrations

A. Le cas du Maroc

En principe, conformément aux dispositions de l’article 50 de la loi

marocaine n° 17-95 relative aux sociétés anonymes telle que modifiée et

complétée, le conseil d’administration ne délibère valablement que si la moitié au

moins de ses membres est physiquement présente, autrement dit un quorum plus

élevé peut-être prévu dans les statuts de la société. La même règle s’applique aux

réunions du conseil d’administration.

Il est possible pour tout administrateur de donner mandat par écrit à un

autre administrateur, à l’effet de le représenter dans une séance du conseil, sauf

clause contraire des statuts. Cependant, chaque administrateur ne peut disposer

au cours d’une même séance, que d’une seule procuration1148.

Les statuts peuvent également prévoir que sont réputés présents, pour le

calcul du quorum et de la majorité, les administrateurs qui participent à la réunion

1148
https://www.dlapiper.com/fr/france/insights/publications/2020/06/morocco-corporate-law-
under-covid-19/

P 591 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

du conseil d’administration par des moyens de visioconférence ou moyens

équivalents permettant leur identification. Toutefois, cette disposition n’est pas

applicable pour l’adoption des décisions prévues aux articles 63,67 bis, 67ter et

72 de la loi, à savoir :

 La nomination de président du conseil d’administration,

 La nomination du directeur général délégué,

 La révocation du directeur général,

 L’arrêté des comptes.

En plus, malgré le fait que la visioconférence doit être prévue dans les

statuts, celle-ci ne dispense pas de l’obligation de convocation selon les formes et

délais requis par les statuts.

La visioconférence doit contenir des caractéristiques techniques

garantissant une participation effective aux réunions des organes de direction ou

des organes sociaux dont les délibérations sont retransmises de façon continue.

Elle doit identifier préalablement les personnes participantes par ce moyen à la

réunion et un enregistrement fiable des discussions et des délibérations pour les

moyens de preuve.

P 592 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

Les procès-verbaux des réunions doivent comprendre tous les mentions et

les points discutés relatif à la visioconférence, en cas du non-respect des règles, la

sanction est la nullité des délibérations.

B. Le cas de la France

En France1149, pour qu’un conseil d’administration d’une société se tienne

valablement, la moitié au moins de ses membres doivent être présents.

L’article L. 225-37 du code de commerce français invitait à distinguer deux

types de décisions du conseil d’administration, qui n’offraient pas la même

souplesse quand à leur modalité d’approbation :

 Si normalement le conseil d’administration devait se réunir

physiquement pour délibérer valablement, le recours à la visioconférence pouvait

être envisagé pour tenir les réunions dès lors que les statuts ne l’interdisaient pas

et que le règlement intérieur du conseil d’administration le permettait. Les

administrateurs ayant recours à des procédés étaient alors réputés présents pour

les besoins du quorum.

 Par exception, la présence physique des administrateurs était

requise pour approuver certaines décisions, considérées plus importantes que

1149
https://blog.leclubdesjuristes.com/la-gouvernance-des-societes-cotees-face-a-la-pandemie/pour

P 593 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

d’autres et pour lesquelles l’aspect délibératif de la réunion physique pouvait

apparaitre davantage nécessaire, à savoir l’établissement des comptes annuels et

du rapport de gestions.

Le quorum demeure à 50% des administrateurs toutefois, la règle

s’applique « sans qu’une clause des statuts ou du règlement intérieur soit

nécessaire à cet effet ni ne puisse s’y opposer1150 »

La loi n° 2019-741151 du 19 juillet 2019 de simplification, de clarification et

d’actualisation du droit des sociétés, les statuts des sociétés, les statuts sociétés

anonymes peuvent prévoir que les administrateurs seront consultés par écrit

pour certaines décisions déterminées : cooptation d’un membre du conseil,

autorisation des cautions, avals et garanties, mise en conformité des statuts avec

les dispositions législatives et réglementaires, convocation de l’assemblée

générale et le transfert du siège social dans le même département1152.

L’ordonnance élargit davantage le champ de cette règle en prévoyant que toutes

les décisions su conseil d’administration peuvent être prises par voie de

1150

https://www.legifrance.gouv.fr/loda/id/JORFTEXT000041755899/#:~:text=Sans%20qu'une%20clause%
20des%20statuts%20ou%20du%20r%C3%A8glement%20int%C3%A9rieur,assurant%20la%20coll%C3%
A9gialit%C3%A9%20de%20la
1151
https://www.actu-juridique.fr/affaires/societes/les-principales-dispositions-de-la-loi-n-2019-744-
du-19-juillet-2019-de-simplification-de-clarification-et-dactualisation-du-droit-des-
societes/#:~:text=docteur%20en%20droit-
,La%20loi%20n%C2%B0%202019%2D744%20du%2019%20juillet%202019,dispositions%20du%20Code
%20de%20commerce.
1152
C. com., art. L. 225-37, al. 3.

P 594 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

consultation écrite de leurs membres dans des conditions assurant la collégialité

de délibérations, et ce sans qu’une clause des statuts ou di règlement intérieur ne

soit nécessaire à cet effet ni ne puisse s’y opposer1153.

II. Les réunions des assemblées générales

A. Au Maroc

L’assemblée générale extraordinaire permet de prendre des décisions

entrainant des modifications statutaires1154 telles que :

 Changement de siège social

 Changement de gérance

 Modification du capitale social

 Redistribution des parts sociales

 Modification de l’objet social

Le principe est que l’assemblée générale ne délibère valablement sur

première convocation que si les actionnaires présents ou représentés possèdent

au moins le quart (1/4) des actions ayant le droit de vote.

1153
https://blog.leclubdesjuristes.com/la-gouvernance-des-societes-cotees-face-a-la-pandemie/pour
1154
https://www.gazelles-association-maroc.com/assemblees-
generales/#:~:text=La%20tenue%20d'une%20assembl%C3%A9e,aux%20associ%C3%A9s%20de%20fa%
C3%A7on%20certaine.

P 595 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

La réunion de l’assemblée générale peut avoir lieu par visioconférence les

règles et conditions en la matière sont les mêmes que celles applicables au conseil

d’administration, étant précisé qu’aucune disposition légale n’interdit le recours à

la visioconférence pour approuver les comptes.

Le projet de loi n° 27-20 permet aux sociétés anonymes donc les statuts ne

le prévoient pas, de tenir des assemblées générales ordinaires et extraordinaires

durant l’état d’urgence sanitaire par des moyens de visioconférence ou par des

moyens équivalents ainsi que le vote par correspondance à travers le formulaire

de vote par correspondance prévu à l’article 131 de la loi.

En ce qui concerne les délais, l’approbation des comptes doit avoir lieu dans

six mois à compter de la clôture de l’exercice, et le dépôt des comptes auprès du

greffe du tribunal de commerce doit être effectué dans un délai de deux mois à

compter de la date de leur approbation, ce dépôt pouvant être fait par voie

électronique.

La suspension de ces délais est prévue par le Décret. Ce qui veut dire que

cette suspension s’applique aux délais d’approbation et dépôt dans compte qui

P 596 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

tombent entre les 23 mars 2020 et la date de cessation de l’état d’urgence

sanitaire1155.

Une communication officielle du Ministère de la justice confirmant, entre

autres, la suspension des délais particulièrement en matière d’approbation et

dépôt des comptes serait toutefois souhaitable.

B. En France

Les mesures temporaires visant à lutter contre la propagation du virus

Covid-191156 ont poussé les sociétés cotées à mettre le point sur les difficultés

auxquelles elles risquaient d’être confrontées dans le cadre de l’organisation de

leur assemblée générale annuelle.

L’Autorité des marchés financiers (AMF) a publié un communiqué de presse

le 6 mars 2020 rappelant les règles qui permettent aux actionnaires de participer

à l’assemblée générale d’une société cotée sans y assister physiquement :

 Vote par correspondance via un formulaire de vote papier ou

électroniques (si les statuts le permettent)

1155
https://www.dlapiper.com/fr/france/insights/publications/2020/06/morocco-corporate-
law-under-covid-19/
1156
Mesures de confinement limitant strictement les déplacements et les rassemblements de
plus de 100 personnes dès lors qu’ils ne sont pas indispensables à l’intérêt de la vie de la
Nation ; arrêté du 14 mars 2020 portant diverses mesures relatives à la lutte contre la
propagation du virus Covid-19, et décret n° 2020-260 du 16 mars 2020 portant
réglementation des déplacements dans le cadre de la lutte contre la propagation du virus
Covid-19.

P 597 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

 Procuration à toute personne ou au président de la société ce qu’on

appel par « le pouvoir en blanc »

 Vote par internet via une plateforme sécurisée1157, si les statuts de

l’émetteur le permettent et si cette modalité est prévue pour l’assemblée en

question1158

Ce communiqué qui rappelait fidèlement le droit positif, n’était pas de

nature à empêcher la présence physique des actionnaires aux assemblées. Le

code de commerce prévoit en effet la possibilité pour les actionnaires de

participer aux assemblées par des moyens de télécommunications ou

visioconférence1159. Une telle option peut-être adaptée à l’assemblée générale

d’une société cotée disposant de nombreux actionnaires, du fait des difficultés

pratiques pour s’assurer de l’identification des personnes s’y connectant, de

l’effectivité de leurs votes pendant l’assemblée générale et de la difficulté

technique de maintenir une connexion continue tout au long de l’assemblée.

Si l’exercice des droits individuels des actionnaires et, plus généralement,

l’expression, de la démocratie actionnariale est souhaitable en période normale,

1157
Principalement la plateforme « VOTACCESS ».
1158
Les actionnaires peuvent se voir imposer ce mode de participation à l’assemblée
générale dans les sociétés dont les actions ne sont pas admises sur un marché réglementé,
si les statuts le permettent.
1159
C. com., L. 225-107, II.

P 598 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

sauf que les circonstances exceptionnelles ont amené à l’interdiction de

rassemblement et de réunion de plus de 100 personnes, et au confinement des

individus posent des problématiques pratiques insolubles pour les sociétés.

L’Ordonnance tente d’y répondre en mettant en œuvre de nouvelles possibilités

aux émetteurs.

En effet, dans le but d’évaluer les conséquences de la pandémie du COVID-

19 sur l’économie nationale et régionale, et afin de mieux appréhender ses

impacts actuels et futurs sur les entreprises des différents secteurs du tissu

économique, des études et des enquêtes ont été réalisées par différents

organismes, on va présenter des principales analyses dans ce sens :

Le rapport de suivi de la situation économique Du Maroc

Ce rapport1160 est préparé par le département économique de la Banque

mondiale, il présente les dernières tendances de la conjoncture et les effets des

politiques économiques. Ce numéro de décembre 2020 comprend un chapitre

sur l’impact de la pandémie sur le secteur privé formel.

Il présente les résultats d’une enquête menée auprès de plus mille

entreprises formelles avant et après le début de la pandémie, et aborde également

1160
https://www.banquemondiale.org/fr/country/morocco/publication/morocco-economic-monitor-
building-momentum-for-reform

P 599 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

une discussion sur des mesures qui pourraient accélérer la reprise de secteur

privé.

Malgré que l’économie marocaine montre quelques signes de reprise, la

situation reste fragile étant donné la dégradation récente de la situation

épidémiologique. Dans ce contexte incertain, une contraction du produit brutal

intérieur « PIB » réel de 6,3% est prévue en 2020 tandis qu’un retour au niveau

préalable à la pandémie ne devrait pas intervenir avant 2022. Comme dans

d’autres pays à travers le monde, la crise actuelle entrainera une augmentation

considérable de déficit budgétaire 7,8% du PIB en 2020, et la dette publique

devrait dépasser 76% du PIB. Le déficit du compte courant devrait également

augmenter pour atteindre 6% du PIB cette année.

L’enquête auprès des entreprises menées par la Banque mondiale au Maroc

fournit de nouveaux éléments sur l’impact important et persistant de la pandémie

Covid-19 sur le secteur privé formel. Parmi ses résultats les plus pertinents 6,1%

des entreprises du secteur formel auraient cessé leurs activités et 86,9% signalant

une baisse des ventes de 50,4% en moyenne par rapport à leur niveau pré-

pandémique.

P 600 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

L’enquête fournit également des informations sur les stratégies

d’adaptation des entreprises marocaines, qui incluent une utilisation croissante

des lignes de soutien du gouvernement, une réduction du nombre d’heures

travaillées mais d’un côté, une minimisation de licenciements en comparaison

avec d’autres pays.

Conclusion

L’état d’urgence sanitaire oblige, les sociétés anonymes sont désormais

autorisées à tenir leurs conseil et assemblées générales par visioconférence ou

moyens équivalents. La loi 27-20 régissant ces nouveaux modes de réunion est

entrée en vigueur le 1er juin avec sa publication en langue arabe au BO n°6887.

Le texte fixe les modalités techniques et détaille « les modus operandi » des AG et

des votes par correspondance.

État d’urgence sanitaire oblige, les sociétés anonymes sont désormais

autorisées à tenir leurs conseil et assemblées générales par visioconférence ou

moyens équivalents. La loi 27-20 régissant ces nouveaux modes de réunion est

entrée en vigueur le 1er juin avec sa publication en langue arabe au BO n°6887.

Le texte fixe les modalités techniques et détaille « les modus operandi » des AG et

des votes par correspondance.

P 601 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

Les Références

https://www.dlapiper.com/fr/france/insights/publications/2020/06/mor

occo-corporate-law-under-covid-19/

https://lematin.ma/journal/2020/doivent-savoir-socis-anonymes-tenue-

ag/338361.html

chrome-

extension://efaidnbmnnnibpcajpcglclefindmkaj/viewer.html?pdfurl=https%3A

%2F%2Fsaaidi-consultants.com%2Fwp-

content%2Fuploads%2F2020%2F05%2FBIF-N%25C2%25B0105-Projet-de-loi-

N%25C2%25B027-20-Mesures-dassouplissement-

SA.pdf&clen=431824&chunk=true

https://blog.leclubdesjuristes.com/la-gouvernance-des-societes-cotees-

face-a-la-pandemie/pour

https://www.legifrance.gouv.fr/loda/id/JORFTEXT000041755899/#:~:te

xt=Sans%20qu'une%20clause%20des%20statuts%20ou%20du%20r%C3%A8

glement%20int%C3%A9rieur,assurant%20la%20coll%C3%A9gialit%C3%A9%

20de%20la

P 602 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

https://www.actu-juridique.fr/affaires/societes/les-principales-

dispositions-de-la-loi-n-2019-744-du-19-juillet-2019-de-simplification-de-

clarification-et-dactualisation-du-droit-des-

societes/#:~:text=docteur%20en%20droit-

,La%20loi%20n%C2%B0%202019%2D744%20du%2019%20juillet%202019,

dispositions%20du%20Code%20de%20commerce.

C.com., art. L. 225-37, al. 3.

C. com., L. 225-107, II.

https://blog.leclubdesjuristes.com/la-gouvernance-des-societes-cotees-

face-a-la-pandemie/pour

https://www.gazelles-association-maroc.com/assemblees-

generales/#:~:text=La%20tenue%20d'une%20assembl%C3%A9e,aux%20asso

ci%C3%A9s%20de%20fa%C3%A7on%20certaine.

https://www.dlapiper.com/fr/france/insights/publications/2020/06/mor

occo-corporate-law-under-covid-19/

https://www.banquemondiale.org/fr/country/morocco/publication/mor

occo-economic-monitor-building-momentum-for-reform

P 603 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

Mesures de confinement limitant strictement les déplacements et les

rassemblements de plus de 100 personnes dès lors qu’ils ne sont pas

indispensables à l’intérêt de la vie de la Nation ; arrêté du 14 mars 2020 portant

diverses mesures relatives à la lutte contre la propagation du virus Covid-19, et

décret n° 2020-260 du 16 mars 2020 portant réglementation des déplacements

dans le cadre de la lutte contre la propagation du virus Covid-19.

Principalement la plateforme « VOTACCESS ».

Les actionnaires peuvent se voir imposer ce mode de participation à

l’assemblée générale dans les sociétés dont les actions ne sont pas admises sur un

marché réglementé, si les statuts le permettent.

P 604 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

é â
é

Les traités internationaux en droit comparés et en


droit marocain.
Résumé :

Les traités et conventions internationales sont considérées comme une

source du droit international et en même temps elles sont considérées comme

une source du droit interne. Ces deux fonctions du droit international contractuel

suscitent une question principale, à savoir, quelle est la place qu'occupent les

dispositions des traités et conventions internationales dans la hiérarchie des

normes internes, édifiant bien sûr le système juridico-légale des pays tiers ?

La réponse exacte à cette question principale doit prendre par

considération les trois déterminants incontournables qui influent la relation entre

le droit internes d'une part, et le droit international générale de l'autre part, même

si on constate que ces déterminants visent précisément le droit international

contractuel autant qu’ ils fassent avec les autres sources du droit international

générale. Ces déterminants sont de nature doctrinale, normative, et enfin

P 605 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

jurisprudentielle. Ces trois déterminants vont être autopsiés dans cet article avec

plus de détails.

Mot clés : constitution, traités internationaux, monisme, dualisme,

hiérarchie des normes.

- Abstract: the question dealt in this article is the rank of the international

treaties in the hierarchy of norms within domestic legal systems. Do international

treaties have an authority inferior or superior to law? And how the constitutions

of different countries resolve the conflict arises between an international treaty

and national law? Firstly we look to the main question from theoretical

perspective, we mean monistic and dualistic theories, and later from a

comparative perspective. We will focus on the Moroccan new constitution whish

bring something new about the Moroccan approach for setting up the

relationship between treaties and Moroccan’s legal system.

Key words: international treaties- constitution- monistic theory - dualistic

theory-hierarchy of norms.

Introduction.

Les dispositions des traités et conventions internationales sont considérées

comme une source de droit international, ainsi elles sont considérées en même

P 606 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

temps comme une source de droit interne. Cette double présence de dispositions

du droit international contractuel dans deux systèmes juridiques de nature

différente, à savoir, le droit interne et le droit international, suscitent des

questions de type, comment les systèmes juridico-légaux comparés, ainsi le

système juridico-légale marocain perçoivent la relation entre le droit interne d'un

côté, et le droit international de l’ autre côté? Quelle place les dispositions des

traités et conventions internationales occupent dans la hiérarchie des normes au

niveau interne ?

L’importance de l’étude de la place des traités et conventions

internationales dans la hiérarchie des normes internes, elle tienne son utilité pour

plusieurs raisons, à savoir :

Le rôle principal que les traités et conventions internationales jouent sur la

scène des relations internationales, car le droit international contractuel est

devenu après la fin de la 2 eme guerre mondiale un moyen incontournable pour le

maintien de la paix globale, ainsi pour promouvoir la coopération international

entre les Etats constituant la société internationale, et il suffit de revenir à la charte

des nations unies pour déceler cette importance. Donc il est très important de

savoir la place occupée par les dispositions des traités dans les systèmes

P 607 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

juridiques des pays potentiel parties, comme un jalon de la sécurité juridique sur

le plan international.

Les dispositions du droit international contractuel suscitent sur le plan

interne la question de séparation des pouvoir. Car si théoriquement c’est au

pouvoir législatif que revient la mission de voter la loi ( law making). Mais lorsqu’

‘il s’ agit de dispositions de traités et conventions internationales , ces dernières

sont qualifiées de nature exogène, vu que la majorité des systèmes juridico-

légaux comparés investissent le pouvoir exécutif par la compétence exclusive de

conclure les traités internationaux, ce qui mène l'exécutif en exerçant cette tâche,

d'être qualifié de législateur de substitution ou de législateur exceptionnel.

Sachant bien, que le droit à l'initiative de conclure les traités internationaux, il est

qualifié comme étant un acte de haute administration, ce qui signifie que cet acte

comme acte du pouvoir exécutif, est immunisé en principe contre toutes formes

de recours devant la justice administrative.

Les dispositions du droit international contractuel sur le plan interne

suscitent la question de leur justiciabilité. Cela dit, le droit du requérant de fonder

ces demandes devant les juridictions internes en se basant sur les stipulations de

traités et de conventions internationales. Comme ces dernières suscitent au

P 608 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

niveau du pouvoir judiciaire les questions de leur contrôle judiciaire, que ça soit

leur contrôle de conventionalité, ou celui de leur constitutionalité, ce qui suscite

de son tour la question de la compétence juridictionnelle matérielle, pour réaliser

le premier contrôle, et est ce qu’il est à la charge des cours constitutionnelles ou

ordinaires.

De ce qui précède, et vu l’importance du droit international contractuel

pour les pays parties, que ça soit sur le plan interne ou externes. On se demande

sur la place que les dispositions des traités et conventions internationales

occupent au sein de la pyramide normative des pays tiers, ainsi au sein de la

pyramide normative marocaine.

-Chapitre 1: Les traités en droit comparé.

Sur le plan théorique la doctrine internationale s'est divisée en deux

conceptions pour répondre à la problématique relative à la relation entre le droit

interne et le droit international, à savoir, la conception moniste et la conception

dualiste.1161Le décorticage de cette relation doit avoir comme point de départ la

1161
Selon les théories monistes les rapports du droit international et du droit interne sont aperçus
comme si les deux systèmes ne font qu'un seul. Ils appartiennent à un même ensemble juridique. En
conséquence le droit international écrit et non écrit profite d'une application immédiate dans le droit
interne des Etat. Cela dit en cas de conflit entre droit international et le droit interne, l'approche moniste
se scinde en deux : le monisme avec prépondérance de droit international prône la primauté de celui-ci.
Le monisme avec primauté de droit interne favorise ce dernier. Par contre selon la conception dualiste,
le droit international et le droit interne sont des systèmes juridiques distincts qui suivent des trajectoires
parallèles. En conséquence ils ne se rencontrent pas. Ainsi le droit international ne peut produire d'effets
dans l'ordre juridique interne des Etas que s'il y est introduit formellement par loi, un règlement
d'application ou, à la rigueur un procèdent d'un tribunal supérieur. Claude Emanuelli l'application des

P 609 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

constitution elle-même. Puisque cette dernière qui révèle la doctrine adoptée par

le constituant pour dessiner la relation entre le droit interne et le droit

international. De tel sorte, qu’ au Royaume uni, Canada, et en Australie, où les

systèmes juridiques de ces pays adoptent la doctrine dualiste, à l'instar des pays

de tradition anglo-saxons, donc la problématique de la places des dispositions des

traités et conventions internationales par rapport aux normes internes est

systématiquement n’est pas évoqué, vu que le dualisme exige l’adoption des

mesures internes, afin de donner effets aux engagements internationaux sur le

sol des pays parties. Par contre la problématique susmentionnée fait éruption au

sein des systèmes juridiques adoptants la doctrine moniste, ce qui est le cas aux

pays à tradition romano-germanique. Ce qui signifie qu’au niveau de ces systèmes

juridiques dites monistes, les engagements internationaux restent une source de

droit interne, et les juridictions nationales sont obligées par leurs dispositions, et

au cas de conflit entre le droit interne et le droit international contractuel, les

juridictions nationales sont menées à répondre à notre problématique principale

objet de cet article.

-Titre 1 : Les traités équivalents aux décrets et ceux équivalents à la loi.

traités internationaux et des règles dérivées dans les pays de droit civil et de common law revue générale
de droit volume 37 n°2,2007 édition Wilson&Lafleur, inc page 269-299.

P 610 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

Pour déterminer la place des traités et conventions internationales qui sont

équivalents aux décrets, et ceux équivalents à la loi interne, deux théories sont

indispensables pour faciliter cette tâche. Il s’agit de la théorie de la séparation des

pouvoirs, et celle de la hiérarchie des normes. La première théorie consiste à ce

que les trois pouvoirs d’un régime politique quelconque, opèrent d’une manière

autonome, et indépendante les uns par rapport aux autres.

En revanche la théorie de la hiérarchie des normes consiste à ce que la

norme en générale ce n'est que l'expression de la volonté, et cette dernière émane

d'un pouvoir qui l'extériorise. Donc la hiérarchie des normes instaure

automatiquement une hiérarchie des pouvoirs au sein d'un régime politique

quelconque, ça veut dire que le pouvoir origine de la norme législative est

supérieur au pouvoir origine de la norme règlementaire. Comme l'annulation ou

la substitution d'une norme législative ne peut pas être entreprise en principe par

l'exécutif, vu que le domaine de la loi est réservé au pouvoir législatif, et ce dernier

de son tour ne peut pas révoquer une norme constitutionnelle, vu que cette tâche

entre dans les prorogatifs du constituant, ou le parlement, et avec des conditions

P 611 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

contraignantes que ça soit en quorum, ou en pourcentage des votes exprimés

pour.1162

Donc, de ce qui précède, et en se basant sur les deux théories précitées, on

peut déduire la place des dispositions des traités et conventions internationales

au sein des systèmes juridiques comparés comme suite :

a) Les traités équivalents aux décrets.

Il s’agit de traités et conventions dites administratives, simples, ou

exécutives. Ce type de traités est présent dans la quasi-totalité des systèmes

juridiques comparés même si les constitutions nationales restent muettes à

propos d’eux, par contre soit la pratique ou la coutume internationale les

connaissent. Ce type de traités et conventions internationales ont un caractère

technique, et ils sont sollicités par les gouvernements pour développer un secteur

à caractère soit économique, social, ou culturel, et ceci en partenariat avec des

pays tiers. Comme ce type de traités et conventions internationales représentent

un moyen juridique à la disposition de l’exécutif pour concrétiser sa politique

interne.

1162
Kemal GÖZLER the question of the rank of international treaties in national hierarchy of norms a
theoretical and comparative study article based on the Titel III of the Chapter 38 of the book general
theory of international law (Bursa Ekin.2011.vol.2.P.668-693. http://www.anayasa.gen.tr/rank-of-
treaties.pdf.Traduction non-officielle.

P 612 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

Les traités et conventions internationales dites exécutives, simples, ou

administratives, sont caractérisés par leurs simples formalités de conclusion en

comparaison avec les traités dites solennelles, dont leur formalité de conclusion

est lente et compliquée, et ils font appel à plusieurs intervenants.

Les traités et conventions internationales dites exécutives, simples, ou

administratives, ne nécessitent pas la ratification par le chef d'Etat. Ainsi ce type

d'engagements internationaux nécessitent seulement la signature par le

représentant des parties, et qui est dans la plupart des cas ce n'est que le ministre

chargé par le secteur concerné par l'objet du traité ou conventions exécutive.

Sachant bien que ce type de traités et conventions internationales entrent en

vigueur juste après leurs signature, comme ils ne doivent pas contenir des

dispositions qui nécessitent la prise des mesures législatives, car dont ce cas,

l'intervention du parlement est imminente, ce qui déchoues par conséquence ces

engagements internationaux de leur caractère administratif ou exécutif. Comme

ce type de traités et conventions internationales ne doivent pas contredire la loi

interne en vigueur, et ils ne doivent pas être identiques aux traités et aux

conventions internationales que la constitution exige pour leur ratification

l'intervention du pouvoir législatif. A titre d'exemple de traités et conventions

P 613 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

internationales dites exécutives ou administratives on peut citer les conventions

de prêt extérieur, selon les prescriptions des systèmes juridiques comparés et

même marocain.

b) Les traités équivalents à la loi.

Les dispositions des traités et conventions internationales ratifiées par une

loi appelée loi de ratification, votée de son tour par une majorité semblable à celle

requise pour voter une loi ordinaire, permet aux dispositions de de ce type de

traités et conventions internationales, dont on est en train de traiter, d'occuper la

même place qu’occupe la loi ordinaire, au sein de la pyramide normative interne.

Donc, au cas où il y a un conflit entre les dispositions des traités et conventions

internationales de ce type-là, on a recourt à l'application de l'adage doctrinal" Lex

posterior priori derogat" "la norme nouvelle abroge la norme ancienne." et voici

un exemple de constitutions comparées qui traitent ce genre de traités et

conventions internationales.

 La constitution allemande.

L’article 59 de la constitution allemande stipule ʺ les traités réglant les

relations politiques de la fédération, ou relatifs à des matières qui relèvent de la

compétence législative fédérale, requièrent l’approbation où le concours des

P 614 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

organes respectivement en matière fédérale sous la forme d’une loi fédérale 1163.

Les dispositions régissant l’administration fédérale s’applique par analogie aux

accords administratifs.ʺ Donc le système juridique allemand affirme l’existence

de ce type de traités et conventions internationales, dont leurs dispositions

occupent une place équivalente à celle occupée par la loi dans la pyramide

normative allemande.

La jurisprudence constitutionnelle allemande de son tour à affirmer que la

place des traités et convention internationales au sein du système juridique

allemand est comparable à celle occupée par les lois fédérales, et que la loi

fédérale allemande a le droit de contredire les dispositions de traités

internationaux contraires aux dispositions de la première.1164

 La constitution turque.

1163
La loi fédérale dans ce cas aura deux interprétations différentes la première à un caractère formel ça
veut dire que cette loi de ratification est perçu d’abord comme un acte où un mécanisme de ratification.
La seconde interprétation qui a une dimension objective à savoir c’est que cette loi de ratification est
considérée comme un feu vert pour l’application des dispositions de traités ou convention international
sur le sol allemand, ce qui signifie que les juridictions allemandes sont obligées d’appliquer les
dispositions de ces traités et conventions dument ratifiés.
1164
Dans une décision de la cours constitutionnelle allemande rendue 12 Décembre 2016 la cour a jugé
que le législateur allemand via une loi fédérale peut contredire les dispositions d’un traité précèdent,
puisque le système juridique allemande offre aux dispositions des traités internationaux une place
équivalente à celle offerte aux lois fédérales, et que la démocratie exige que le législateur actuel peut
sans restrictions abroger les législations du législateur précèdent. Treaty overrides by national statutory
law are permissible under the constitution.le site de la cours constitutionnelle allemande
https://www.bundesverfassungsgericht.de/version anglaise Site visité le 02Avril2022 à 12 h33min
traduction non officielle.

P 615 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

L’article 90 de la constitution turque1165 stipulesʺ Les conventions

internationales dûment conclues, ont force de loi.ʺ Donc le système juridique

turque offre aux conventions internationales une place comparable à celle offerte

aux lois.

 La constitution américaine.

Le système juridique américain vis-à-vis le droit international contractuel

américain est qualifié de système hybride, ça veut dire, il est un système juridique

moniste et dualiste en même temps1166. Ce qui prouve ce constat c’est la

constitution américaine elle-même d’une part, et la jurisprudence américaine de

l’autre part.

La constitution américaine déclare le système juridique américain comme

étant moniste vis à vis le droit international contractuel américain1167. Puisque

l’article 6, qui représente la clause de la suprématie, stipuleʺ la présente

1165
La constitution turque de 1982 avec ses révisions jusqu' au 2017.www.constituteprojecte.com.
1166
Andrew M.winston ratification of international treaties a comparative law perspective a study have
been done on the request of the comparative law library unit directorate-general for parliamentary
research service generale secretariat of the European Parliament the study is available on the site web
of European Parliment.www.europarl.europa.eu/thinktank.traduction non oficielle.
1167
Dans le système juridique américain se cohabitaient plusieurs types de traités, de conventions
internationales, ou accord internationaux, et dont la jurisprudence américaine jouent un grand rôle dans
leur classification et leur catégorisation, à savoir, les traités et conventions internationales dites auto-
exécutoire, (Self- executing treaties and agreements). On a les traités et convention internationales qui
ne le sont pas (Not sel-executing treaties and agreements), et on a les traités dites administratifs ou
exécutifs et les conventions internationales exécutives ( executive treaties and agreements). Les
premiers et les deuxièmes sont classés en ceux qui ont un aspect auto -exécutoire et d'autre qui le sont
pas.

P 616 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

constitution, ainsi que les lois des Etats unies qui en découleront, et tous les traités

déjà conclus et qui le seront, sous l’autorité des Etats unies, seront la loi suprême

du pays, et les juges dans chaque Etat seront liés par les susdits, nonobstant toute

disposition contraire de la constitution ou des lois de l’un de quelconque Etats.ʺ

En ce qui concerne la place des traités et convention internationales dans

la hiérarchie des normes, au sein du système juridique américain. Appart la clause

de suprématie figurant dans la constitution américain, la jurisprudence

américaine elle-même de sa part, à jouer un grand rôle dans la détermination de

la place des dispositions des accords internationaux américains vis-à-vis de la loi

interne1168, et elles les placent côte à côte des lois fédérales, et en cas de conflit, la

justice américaine a recours à l'adage "last in time" qui correspond l'adage latin"

Lex posterior priori derogat."

1168
Les traités auto- exécutoire sont inferieur à la constitution, et équivalents aux lois fédérales, et ils
sont supérieurs aux lois des Etas. Les conventions internationales exécutives, auto-exécutoire, sont
inférieures à la constitution, et elles sont promues par la cours suprême américaine au rang des lois
fédérales. Même en certains cas, les dispositions de ce types d'accord international occupent une place
inférieure à celle occuper par les lois fédérales contraires, lorsque l'objet de ce type d’ accord
international tombe dans les domaines où le Congrès à la compétence législative exclusive, ceci toujours
selon la constitution américaine. Sachant bien que la volonté du Congrès doit être claire et expresse
d’avoir l’intention de dépasser les stipulations d’un traité antérieur via une loi fédérale ultérieur, afin
que la cours fédérale applique l’adage ʺthe last in time.ʺ la cours suprême américaine a appliqué l’adage
ʺthe last in timeʺ pour donner effet à un traité ultérieure par priorité à une loi fédérale antérieur. Enfin
lorsqu’ il n’y a pas de contradictions entre un traité exécutif d’une part, et les dispositions d’une loi
fédérale de l’autre part, les juridictions américaines ont tendance à donner effet aux deux en même
temps. Il reste à signaler que l’application de l’adage ʺlast in time lorsqu’ il aboutit à donner effets à une
loi fédérale ultérieur par priorité aux dispositions d’un traité ou à une convention exécutive, atteint
l’application de l’engagement international sur le sol américain, par contre il continue à produire ses
effets vis-à-vis des Etats unies sur le plan international. Andrew M.winston référence précitée traduction
non officielle.

P 617 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

-Titre 2 : Les traités privilégiés à la loi et ceux équivalents à la constitution.

La suprématie des dispositions des traités et conventions internationales

sur la législation nationale à travers les régimes juridiques comparés, est dû à deux

raisons. La première, est relative à l’objet lui-même de ces engagements

internationaux, et l’exemple éloquent reste les traités relatifs aux droits de

l’homme et ces libertés fondamentales. La deuxième raison est due à l’antinomie

entre le droit national d’une part, et le droit international de l’autre part, ce qui

pousse soit le constituant ou le législateur national de trancher ce conflit, en

instaurant une hiérarchie entre les dispositions contraires, et ceci pour

harmoniser la pyramide normative interne. Sachant bien que certains systèmes

juridiques comparés offrent aux dispositions des traités et conventions

internationales une place comparable à celle offerte aux dispositions

constitutionnelles, même si certaines interprétations laissent entendre que ces

systèmes juridiques veulent octroyer aux dispositions de traités et conventions

internationales une place supraconstitutionnelle.

a) Les traités privilégiés à la loi.

Comme nous avons souligné auparavant Le constituant national comparé

privilège les dispositions des traités et conventions internationales au détriment

P 618 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

de la législation national, soit vu l’objet de ces engagements internationaux eux

même, ou bien pour trancher l’antinomie entre les différentes normes qui

forment la pyramide normative interne.

1) La suprématie des traités vu leurs objet.

L’exemple éloquent de ces traités et conventions internationales, reste celui

des traités et conventions relatives aux droits de l’homme, et voici à titre

d’exemple quelque constitutions comparées qui plaident pour la suprématie des

traités et conventions susmentionnées sur la législation interne.

 La Constitution de la Bosnie Herzégovine.

L’article 2 de la constitution de la Bosnie Herzégovine dispose que ʺ les

droits et libertés définis dans la Convention européenne de sauvegarde des droits

de l'homme, et des libertés fondamentales et ses protocoles, s'appliquent

directement en Bosnie-Herzégovine. Ils priment toute autre loi.ʺ

 La Constitution de la Roumanie.

L’article 20 de la constitution de la Roumanie1169 stipule, ʺLes dispositions

constitutionnelles relatives aux droits et libertés des citoyens, seront interprétées

et appliquées en concordance avec la déclaration universelle des droits de

1169
La constitution de la Roumanie de 8998 avec ses révisions jusqu’au 8112.www.constitueproject.com

P 619 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

l'Homme, et avec les pactes, et les autres traités auxquels la Roumanie est partieʺ.

Cet même article ajoute que, ʺ En cas de non concordance entre les pactes et les

traités portant sur les droits fondamentaux de l'homme, auxquels la Roumanie

est partie, et les lois internes, les règles internationales ont la primauté, sauf le cas

des dispositions plus favorables prévues par la constitution ou les lois internes.

 La constitution de la Turquie.

Dans la dernière paragraphe de l’article 90 de la constitution turque de

1982 " En cas de conflit du fait que les accords internationaux et les lois relatifs

aux droits et libertés fondamentaux mis en vigueur conformément à la procédure,

comportent des dispositions différentes sur le même sujet, les clauses des accords

internationaux prévalent."

2) La suprématie des traités pour trancher l’antinomie.

Le constituant comparé est en vue de trancher l’antinomie entre le droit

interne d'une part, et le droit international contractuel de l'autre part ,il a opté

pour la déclaration explicite de la suprématie des dispositions du droit

international contractuel sur les dispositions de la législations interne, au cas où

les dispositions des premières sont contraires aux dispositions des dernières. Ceci

pour harmoniser la pyramide normative interne et l’assainir de toute anarchie.

P 620 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

 La Constitution de l’Arménie.

La constitution de l’Arménie1170 dans son l’article 05 stipule que ʺau cas où

il y a des contrariétés entre les dispositions d’un traités ratifiée par la république

de l’Arménie d’une part, et les dispositions de la loi interne d’autre part, les

premières sont privilégiés au détriment des deuxièmes."

 La Constitution de l’Albanie.

L’article 122 de la constitution de l’Albanie stipuleʺ un accord international

ratifié par une loi a la supériorité sur les lois du pays qui ne sont pas compatibles

avec lui." Signalant que le constituant albanais a offert aux dispositions des traités

et accords internationaux au sein de la pyramide normative albanaise une place

semblable à celle offerte aux lois. Puisque ni le vote des lois, ni la ratification des

accords internationaux n'exige une majorité de vote parlementaire qui excède à

la majorité absolue selon l'article 122.

 La Constitution de la Russie.

L’article 15 de la constitution de la fédération de la Russie1171 stipuleʺ Les

principes universels reconnus, ainsi les normes du droit internationales, et les

dispositions des traités internationaux de la fédération de la Russie, constituent

1170
La constitution de l'Arménie de 1995 avec ses révisions jusqu' au 2015.www.constitueproject.com.
1171
La constitution de la Russie de 1993 avec ses révisions jusqu' au 2014.www.constitueproject.com.

P 621 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

une partie de son système juridique, et si un traité international de la fédération

de la Russie instaure des règles contraires à celle prévues par la loi les premières

sont appliquées par priorité.

 La constitution Tchèque.

L'article 10 de la constitution de la république tchèque1172 stipule ʺLa

promulgation des traités internationaux ratifies après approbation du parlement,

et qui lient la république tchèque, constituent une partie du système juridique

interne, et toute disposition de traités international fournie mieux de ce que

fourni la loi nationale, l’exécution prioritaire est donnée à la première.

b) Les traités équivalents à la constitution.

Dans certaines expériences constitutionnelles, on trouve que le constituant

a choisis de fournir aux dispositions des traités et conventions internationales une

place équivalente à celle offertes aux dispositions constitutionnelles elles-

mêmes. Par contre certains constituants ils ont même fait allusion comme s’ils

veulent fournir aux dispositions du droit international contractuel une place

supra-constitutionnelle, c'est ce qui est apparait, et à titre d’exemple via les

constitutions suivantes :

1172
La constitution tchèque de 1993 avec ses révisions jusqu' au 2013.www.consituteprojrct.coim.

P 622 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

 La Constitution du Brésil.

L’article 5 de la constitution brésilienne1173 stipule ʺ Les dispositions de

traités et accords internationaux relatifs aux droits de l’homme, approuvés par les

deux chambres du congrès, dans deux séances indépendantes, avec une majorité

de 3/5 de vote au sein de chaque chambre, ces dispositions sont équivalentes aux

dispositions constitutionnellesʺ.

 La Constitution d’Argentine.

La constitution de l’Argentine1174 été très claire à propos des traités et

conventions internationales dont leurs dispositions occupent une place

équivalente à celle occupées par les dispositions constitutionnelles. Puisque

l’article 75 stipuleʺ les engagements internationaux suivants1175 et sous réserves

des conditions qu’elles les ont fait entrer en vigueur, leur dispositions reste

comme des dispositions constitutionnelle, à condition qu’elles n’abrogent aucun

article de la première partie de cette constitution, comme ces traités et

1173
La constitution du Brésil de 1988 avec ses révisions jusqu' au 2017.www.constituteproject.com
1174
La constitution de l’argentine de 8912 avec ses revissions jusqu’au
1994.www.constituteprojecte.com.
1175
La déclaration américaine du droit de l’homme. La déclaration universelle des droits de l’homme, La
convention américaine des droits de l’homme. Le pacte international sur les droits économiques sociaux
et culturels. Le pacte international sur les droits civils et politiques, son protocole facultatif additionnel.
La convention internationale pour la répression des crimes de génocide. La convention internationale
pour lutter contre toutes les formes de discrimination raciale. La convention internationale pour lutter
contre les formes de discrimination faites aux femmes. La convention internationale pour lutter contre
la torture et les traitements cruels inhumains et dégradants. La convention internationale pour les droits
de l’enfant.

P 623 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

conventions doivent être interpréter en harmonie avec les droits prescrits dans

cette constitution……

 La Constitution du Venezuela.

L’article 23 de la constitution vénézuélienne1176 stipule ʺ Les dispositions

de traités, conventions, pactes, relatifs aux droits de l’homme, dont le Venezuela

a signé et ratifiés, sont considérés comme des dispositions constitutionnelles.

Elles sont appliquées par priorité vis-à-vis de la législation nationale, et tant que

ces engagements internationaux instaurent les règles de jouissance de ces droits,

et qui sont plus favorables en comparaison avec celles prescrites par la présente

constitution, et les lois de la république. Comme ces dispositions bénéficient de

l’application directe et immédiate par les juridictions et les autres pouvoirs

publiquesʺ.

 La constitution des Pays- Bas.

L’article 94 de la constitution néerlandaise1177 stipule " Les lois en vigueur

au Royaume ne sont pas applicables si elles sont en contradiction avec les

dispositions des traités contraignants pour tous, ainsi si elles sont en contradiction

avec les résolutions des organisations internationales". Cet article instaure sans

1176
La constitution de Venezuela de 8911 avec ses révisions jusqu’ au 8187.www.constituteproject.com.
1177
La constitution néerlandaise de 1814 avec ses révisions jusqu' au 2008.www.constitueproject.com.

P 624 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

ambiguïté la suprématie du droit international contractuel du royaume des Pays-

Bas vis-à-vis des lois internes, ce qui suscite la question suivante : Est-ce que cette

suprématie concerne même les dispositions constitutionnelles ?

L'article 91 de la constitution néerlandaise stipule" les dispositions de

traités internationaux contradictoires aux dispositions de la constitution, ou bien

qui entrent en conflit avec les dernières, requièrent l'approbation par les deux

chambres du parlement, avec une majorité de 2/3 des votes exprimés.

Dans le même sens l'article 137 de la constitution néerlandaise stipule que

les révisions constitutionnelles doivent être votées par une majorité de 2/3 des

votes.

On constat qu'en système juridique néerlandais, il faut 2/3 des votes

exprimées au sein des deux chambres du parlement pour l'adoption des traités,

dont leur dispositions sont contraire à la constitution, ainsi pour adopter les

révisions constitutionnelle. Ce qui laisse entendre que ce système juridique

connait les traités dont leurs dispositions occupent une place similaire à celle

occupée par les dispositions constitutionnelle, et en cas de conflits entre les deux

dispositions, le recours à la règle " Lex posterior priori derogat" est inévitable.

P 625 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

De ce qui précède, on a présenté un aperçu générale sur les approches

adoptées pour répondre au problématique de la place qu' occupe les dispositions

des traités et conventions internationales au sein des systèmes juridiques

comparés, et on s'interroge sur l'approche adopté par le système juridique

marocain vis-à-vis de la même problématique.

-Chapitre 2: Les dispositions des traités en droit marocain.

Le Maroc a connu jusqu’ à présent six lois fondamentaux la 1 ere fut la

constitution de 1962,1178 et la dernière celle de 2011.1179 Ainsi on constate que la

présence des dispositions relatives au droit international publique, et au droit

international contractuel, ont connus une présence particulière différentes, ceci

entre les anciennes lois fondamentales du Royaume, et leur dernière version, de

tel sorte que ces dispositions jusque la constitution de 1996, elles sont restées les

mêmes, aussi sur le plan formel que matériel.1180

Sur le plan formel, dans toutes les lois fondamentales marocaines

anciennes à celle de 2011, on constate la présence dans leurs préambules

ʺconscient de la nécessité d’inscrire son action dans le cadre des organismes

1178
La constitution du royaume du Maroc de 1962 B.O. N°2916 BIS du 19 Décembre 1962.
1179
La constitution du royaume du Maroc de 2011 B.O N°5964 BIS du 30 juillet 2011.
1180
Hassan Ouazzani Chahdi Le Maroc et ʺLes traités internationaux tradition et modernitéʺ édition
L’Harmattan 8181.Page 56.

P 626 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

internationaux dont il est devenu un membre actif et dynamique, le Royaume du

Maroc suscrit aux principes, droits et obligations découlant des chartes desdites

organismesʺ. De même ʺ le Royaume du Maroc réaffirme sa détermination

d’œuvrer pour le maintien de la paix et de la sécurité dans le mondeʺ. Par contre

les préambules des lois fondamentales des années 19921181 et 1996,1182 et avec

la réouverture du Royaume sur le droit international de droits de l’homme, ce qui

a mené le constituant marocain de greffer les préambules desdites constitutions

par la disposition suivante : ʺson attachement aux droit de l’homme tel qu’ils sont

universellement reconnuesʺ.

Sur le plan formel, on constate que les lois fondamentales marocaines

anciennes à celle de 2011, stipulent à travers l’article 31 que ʺ Le Roi signe et

ratifie les traités. Toutefois les traités engageant les finances de l’Etat ne peuvent

être ratifiés sans avoir été préalablement approuvés par loiʺ le même article

énonçait ʺ Les traités susceptibles de remettre en cause les dispositions de la

constitution sont approuvés selon les procédures prévues pour la réforme de la

constitutionʺ.

1181
La constitution du royaume du Maroc de 1992 B.O.N°4172 du 14 Octobre 1992.
1182
La constitution du royaume du Maroc de 1996 B.O N°4420 du 10 Octobre 1996.

P 627 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

Avec la constitution de 2011, on constate que le constituant marocain a

changé son attitude envers la présence des dispositions relatives au droit

international au sein de la loi fondamentale marocain, ceci bien sûr en

comparaison avec les constitutions anciennes à la dernière de 2011, et ce qui

prouve ce constat et le suivant :

-Le nombre remarquable de dispositions relatives au droit international, et

le droit international contractuel.

-La consécration de la suprématie des dispositions des conventions

internationales dûment ratifiés sur le droit interne du pays.

-Le renforcement du rôle du parlement dans le processus de ratification des

traités internationaux

-L’instauration du contrôle de constitutionalité des engagements

internationaux du Royaume.

De ce qui précède, et vu l’importance du droit international pour le

Royaume, réitéré dans le préambule de la dernière constitution de 2011, et vu

que le droit interne surtout celui constitutionnel, et à l’instar des expériences

constitutionnelles comparées, doit prévoir les modalités de dialogue entre les

deux ordres juridiques, à savoir, l’ordre juridique interne et celui externe. On

P 628 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

s’interroge sur la place qu’occupe le droit international contractuel au sein de la

pyramide normative marocaine.

-Titre 1 : Les traités selon les anciennes constitutions du Royaume.

La place des dispositions des traités et conventions internationales dans

la hiérarchie des normes internes, interroge l’esprit des juristes plus qu’ils font les

dispositions des traités ou conventions internationales eux-mêmes. Puisque à

quoi sert un traité qui n’aura aucun effet en réalité. Sachant bien que la question

de la place des dispositions du droit international contractuel vis avis des normes

internes, devient une question cruciale lorsque les dispositions des traités par leur

nature, provoquent une perturbation dans l’ordonnancement des normes

internes. Cet ordonnancement établi par la constitution elle-même, ce qui exclut

toutes interprétations discordantes.

Une lecture rapide dans les constitutions marocaines antérieures à celle de

2011, permet de conclure que ces lois fondamentales souffrent d’une insuffisance

tant formelle que matérielles, relatives aux traités internationaux. Il s’ajoute à

cette insuffisance, le silence gardé par ces constitutions au sujet des rapports

entrepris entre les traités d’un côté, et la loi de l’autre côté, au sein de l’ordre

juridique interne. Ce choix des constitutions marocaines anciennes à celle de

P 629 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

2011, est contraire au choix de certaines constitutions étrangères,1183 et par

conséquences les lois fondamentales marocaines antérieures à celle de 2011, ne

comportaient aucune disposition expresse consacrée à la force obligatoire des

traités dans l’ordre interne.1184

La position silencieuse envers la relation entre le droit international

contractuel marocain d’une part, et le droit marocain interne de l’autre part, prise

par les constitutions marocaines anciennes à la constitution de 2011, ne doit pas

être regardé comme si la volonté du constituant marocain est d’exclure les traités

ratifiés de produire effets dans le droit interne marocain, et de ne pas être un de

ces source1185. Car par une lecture combinée de différentes dispositions de ces

constitutions, on peut déduire que le constituant marocain a eu l’intention

d’accorder aux traités une place quelconque au sein de la pyramide normative

marocaine, et avant de détailler cette place, jetons un coup d’œil sur les différents

1183
L’article 55 de la constitution française ʺ Les traités ou accords régulièrement ratifiés ou approuvés,
ont dès leur publication une autorité supérieure à celle des lois, sous réserve pour chaque accord ou
traité de son application par l’autre partie .L’article 28 de l’ancienne constitution tunisienne ʺ Les traités
ratifiés par le président de la république, dans les conditions prévues par la constitution, sont supérieures
à la loi. L’article 828 de l’ancienne constitution algérienne ʺLes traites ratifiés par le président de la
république dans les conditions prévues par la constitution, sont supérieurs à la loi. L’article 11 de
l’ancienne constitution mauritanienne ʺ Les traités ou accords régulièrement ratifiés ou approuvés ont
dès leur publication une autorité supérieure à celle des loisʺ
1184
Hassan Ouazzani Chahdi, Op Cit, page 57.
1185
Les traités en droit marocain Mohamed Amine Benabdellah revue marocaine d'administration locale
et de développement n°94 Septembre-Octobre 2010 Page 3.

P 630 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

types de traités internationaux figurant dans les constitutions anciennes à celle de

2011.

a) typologie des traités selon les anciennes constitutions marocaines.

Les constitutions marocaines anciennes à celle de 2011 ont mentionnés

expressément deux types de traités internationaux, à savoir les traités engageant

les finances de l’Etat, et ceux dont leurs dispositions sont susceptibles de remettre

en cause les dispositions de la constitution, alors qu’on peut déduire l’existence

d’un troisième type de traité qui n’appartient ni au premier ni au second type.1186

 Traités engageant les finances de l’Etat.

Il s’agit des traités qui nécessitent l’approbation parlementaire avant leur

ratification, selon les stipulations des constitutions marocaine anciennes à celle

de 2011. On remarque que le constituant marocain à travers les cinq

constitutions jusqu’au celle-ci de 1996, avait l’intention de limiter le rôle du

parlement marocain dans le processus de ratification des traités. De tel sorte que

des constitutions comparées, elles ont mis sous les yeux du parlement un

ensemble de traités, dont leur ratification par le chef d’Etat n’aura lieu qu’après

1186
Mohamed Amine Benabdellah, l’article précité page 11.

P 631 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

une approbation parlementaire, et c’est le cas de la constitution française1187, et

italienne1188, espagnole1189, et celle du royaume de Belgique.1190

Donc d'après les constitutions marocaines anciennes à celle de 2011, seuls

les traités engageant les finances de l'Etat, qui exigent la contribution de

parlement marocain pour achever leur processus de ratification. Ce qui suscite la

question quel sont les traités qui engagent les finance de l'Etat ? Sachant bien que

tous les traités en principe épuisent les finances de celui-ci, puisque au minimum

il y aura les frais de déplacement des délégations de diplomates chargés de

négociations, et de la signature de ces traités. Ce qui prouve le rôle incontournable

de l'exécutif en système juridique marocain, à l'instar des systèmes juridiques

comparés, dans le processus de la conclusion des traités internationaux. Puisque

1187
L’article 52 de la constitution française énonce les traités qui nécessitent l’approbation parlementaire
avant leur ratification à savoir le traité de paix, accords relatifs à l’organisation internationale, ceux qui
engagent les finances de l’Etat, ceux qui modifient des dispositions de nature législative, ceux qui sont
relatifs à l’état des personnes, ceux qui comportent cession, échange, ou adjonction de territoire.
1188
L’article 11 ʺLes chambres autorisent par les lois la ratification des traités internationaux de nature
politique, ou qui prévoient des arbitrages, ou des règlements judiciaires ou encore qui entrainent des
modifications de territoires, des charges pour les finances ou changement dans les loisʺ
1189
L’article 98 de la constitution espagnole 1- L’Etat ne pourra manifester son consentement à
s’engager par des traités ou par des accords sans l’autorisation préalable des Cortes générales dans les
cas suivants : a) traités à caractère politique. b) traités ou accords à caractère militaire. c)traités ou
accords qui impliquent des obligations de l’Etat, ou les droits et les devoirs fondamentaux établis au titre
I. d) traités ou accords qui impliquent des obligations financières pour les finances publiques. e) traités
ou accords qui entrainent la modification ou l’abrogation d’une loi, exigent l’adoption des mesures
législatives pour leur exécution.- 2 Le Congres et le Senat seront immédiatement informés de la
conclusion des autre traités.
1190
L'article 68 de la constitution belge "Le Roi commande les force de terre et de mer, déclare la guerre,
fait les traités de paix d'alliance et de commerce, il en donne connaissance aux chambres aussitôt que
l'intérêt et la sûreté de l'État le permettent en y joignant les communications convenables. Les traités de
commerce, et ceux qui pourraient grever l'Etat, ou lier individuellement des belges n'ont d'effet qu'après
avoir reçu l'assentiment des chambres. Nulle cession, nul échange, nulle adjonction de territoire ne peut
avoir lieu qu' en vertu d'une loi. Dans aucun cas les articles secrets d'un traité ne peuvent être destructifs
des articles patents"

P 632 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

c'est lui qui procède un pouvoir discrétionnaire absolue, qui lui permet de

qualifier un traité comme étant engageant les finances publiques, et ceux qui ne

le sont pas.

 Traités susceptibles de contredire la constitution.

Selon l'article 31, qui est d’abord commun entre les constitutions

marocaines anciennes à celle de 2011, et qui stipule " Les traités susceptibles de

remettre en cause les dispositions de la constitution, sont approuvés selon la

procédure prévus pour la réforme de la constitution." L'interprétation doctrinale

de cet article, ouvre la voie devant la présomption de la présence de traités

internationaux qui ont une valeur constitutionnelle, vu que le processus de

l'adoption de ce type de traités est comparable à celui prévu pour la réforme

constitutionnelle, c'est ce qu'on appelle le parallélisme de formalités. Donc les

dispositions de ce type de traité d'un côté, et les dispositions de la constitution de

l'autre côté, elles sont comparables, et elles occupent la même place dans la

pyramide normative marocaine interne, ce ci toujours selon une interprétation

doctrinales visant les prescriptions des constitutions marocaines anciennes à celle

2011.1191

1191
Mohamed Amine Benabdellah, l’article précité page 11.

P 633 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

 Traités de 3 eme type.

Les constitutions marocaines anciennes à celle de 2011, ont fait référence

à ce type de traités d'une manière implicite, de tel sorte que les dites constitutions

ont fait référence de manière explicite à deux types de traités, à savoir, ceux qui

engagent les finances de l'Etat, et ceux susceptibles de contredire la constitution.

Ce qui laisse entendre que ce troisième type de traités vise les traités qui n'exigent

pas l'approbation préalable du parlement avant leur ratification, tel que le cas des

traités de paix, de commerce, et ceux qui modifient la législation en vigueur, ainsi

les traités qui ne peuvent pas grever l'Etat, et ceci toujours à travers l'optique des

anciennes constitutions. Comme il entre dans cette catégorie dite de 3 eme type les

traités ceux appelés traités en forme simplifiée, ou les traités exécutifs. Il s'agit de

traités qui n'exigent pas l'approbation parlementaire, et ils engagent l'Etat dès leur

signature. Ce type de traités trouve ces racines dans la pratique marocaine des

traités que ça soit dans le passé ou à présent.

b) La place des traités selon les anciennes constitutions marocaines.

Une lecture dans les constitutions anciennes à celle de 2011, et même si

elles ont été toutes d'accord, de ne plus divulguer leurs position à propos de la

place qu'occupent les traités et conventions internationales au sein de la

P 634 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

pyramide normative marocaine. Ce qui classe les dites constitutions dans le rang

des constitutions silencieuses en ce qui concerne la valeur des dispositions des

traités internationaux vis-à-vis des normes internes. Ce silence des anciennes

constitutions marocaines précédentes à celle de 2011, ne doit pas être interpréter

comme si le constituant marocain a eu l'intention de ne plus donner effets aux

dispositions du droit international contractuel marocain. Mais au contraire, ce

droit jouit de la présomption, soit, de la suprématie sur la loi, pour atteindre l’ordre

constitutionnel, ou bien d'être au moins équivalent à cette dernière, sans parler

des cas où le droit international contractuel marocain bénéficie de la priorité

d'application par rapport à la loi nationale.

 La présomption d'égalité à la constitution.

Revenant à l'article 31, présent dans les anciennes constitutions

marocaines avant celle de 2011. Ce même article fait référence à une catégorie de

traités, à savoir ceux qui sont susceptibles de remettre en cause les dispositions

de la constitution, et qui exigent lors de leur approbation le déclenchement de la

procédure prévue pour la réforme de la constitution. Ce qui laisse entendre que

les dispositions de ce type de traités bienfissent au moins d'une place équivalente

P 635 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

à celle occupée par les dispositions de la constitution, surtout qu'il y aura lieu un

certain type de parallélisme des formes.1192

 Présomption d'égalité avec la loi.

Les cinq constitutions marocaines avant celle de 2011, ont mentionné au

moins une catégorie de traités dont les dispositions sont équivalentes à la loi

interne. Il s'agit de traités engageant les finances de l'Etat. puisque ce type de

traités sous la prescription des dites constitutions exigent l'accord préalable du

parlement avant leurs ratification. Ce qui laisse entendre que les dispositions de

ce type de traités bénéficient de la présomption d'être équivalent à loi

marocaine1193.

 La supériorité explicite sur la loi.

Le législateur marocain et pour des raisons diverses, à titre d'exemple figure

la volonté de ce législateur d'assainir le système juridique national de toutes

dispositions contradictoires, surtout lorsqu' il s'agit de lois ayant une grande

importance, à savoir, celles qui touchent le champ pénale, ou commercial. Ainsi

la loi 2.00 sur les droits d'auteurs et les droits voisins1194 son article 68 stipule "les

dispositions d'un traité international relatif aux droits d'auteur et les droits voisins

1192
Mohamed Amine Benabdellah, l’article précité page 11.
1193
Mohamed Amine Benabdellah, l’article précité page 11.
1194
La loi 8.11.relatif aux droits d’auteurs et droits voisins B.O. du 16/17/8111.Page 618.

P 636 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

auquel le Royaume du Maroc est partie sont applicables aux cas prévues dans la

présente loi. En cas de conflit entre les dispositions de la présente loi et celles d’un

traité international auquel le Maroc est partie, les dispositions du traité

international sont applicables. ʺ

Dans le même sens, la loi 22.01 portant code de la procédure pénale prévoit

aussi dans son article 713 ʺdans le cadre de la coopération judiciaire avec les pays

étrangers la primauté sera accordée aux conventions internationales sur les lois

interne.ʺ Cette suprématie explicite des traités sur la loi internes fut un

comportement habituel par le législateur marocain sous le règne des

constitutions anciennes à celle de 2011.1195

-Chapitre 2 : Les traités selon la constitution marocaine de 2011.

La pratique marocaine des traités est qualifiée de moniste. Certes, les

constitutions marocaines antérieures à celle de 2011 étaient silencieuses quant

aux rapports entre le droit interne et les traités. Cependant, y figurait, dans leurs

préambules depuis la constitution de 1962, une formulation identique ʺle Maroc

souscrit aux principes droits et obligations découlant des chartes des organismes

1195
Dahir de 16 Septembre de 8951 portant code de la nationalité marocaine tel qu’il a été modifié et
complété, l’article premier stipule ʺ Les dispositions relatives à la nationalité marocaine sont fixées par
la loi et éventuellement par les traités ou accords internationaux ratifies et publiés, les dispositions des
traités ou accord internationaux ratifiés et publiés prévalent sur celles de la loi interne.ʺ L’article
premier de dahir de 08 novembre 1958 relatif à l’extradition des étrangers. L’article 05 du dahir
de 10 septembre 1993 portant loi organisant l’exercice de la profession d’avocat.

P 637 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

internationaux ʺ formulation pouvant indiquer implicitement que le constituant

marocain a choisi d’être un système moniste.1196Ce choix par le constituant

marocain sera explicite avec la constitution de 2011, ceci avec la reconnaissance

aux dispositions des conventions internationales dûment ratifiées, dans le cadre

des dispositions de la constitution et des lois du Royaume, et dans le respect de

son identité national immeuble, la primauté sur le droit interne du pays. Ce qui

signifie d’un part que les dispositions du droit international contractuel du

Royaume, intègrent le système juridique marocain sans faire appel à aucunes

mesures internes, à l’exception les mesures liées à la ratification et la publication.

De l’autre part le choix moniste du constituant marocain signifie que les traités

occupe une place primordial vis-à-vis la loi national, et avant de développer la

nature de cette place, jetons un aperçu sur les types de traités en droit marocain

selon la constitution de 2001.

-Titre 1 : Typologie des traités selon la constitution de 2011.

La constitution marocaine de 2011 a fait référence à des nouveaux types

des traités en plus de ceux qui ont été déjà présents dans les anciennes

1196
Abdelkhaleq Berramdane La ratification des traités internationaux une perspective de droit comparé
Le Maroc étude menée pour le compte de la direction générale des services de recherche parlementaire
auprès du secrétariat générale du parlement européen unité bibliothèque du droit comparé Décembre
2018. P.41. document disponible sur l’adresse suivante : www.europarl.europa.eu/thinktank.Traduction
non officielle.

P 638 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

constitutions de royaume, à savoir, les traités engageant les finances de l'Etat, et

ceux susceptibles de mettre en cause la constitution. En plus de ces deux

catégories de traités, la nouvelle constitution s'est intéressée à de nouvelles

catégories de traités il s’agit :

- Traités et conventions internationales dont leurs ratification et de la

compétence exclusive du Roi.

- Traités et conventions internationales dont leurs ratification et de la

compétence exclusive de Roi, mais vu le pouvoir discrétionnaire dont

bénéficie le souverain, il les transferts au parlement pour approbation

avant leurs ratification.

- Les traités et conventions internationales dont leurs ratification fut une

compétence exclusive du Roi selon les stipulations des constitutions

marocaines anciennes à celle de 2011, mais avec la constitution de 2011

leurs ratification exige dorénavant l'approbation préalable du parlement,

à savoir les traités de paix, les traités d'union et ceux relatifs à la

délimitation des frontières, les traites de commerce, ceux que leur

application nécessite des mesures législatives, les traités relatifs aux droits

des citoyens .

P 639 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

- Les traités exécutifs ou en forme simplifiée, ces derniers ils sont présents

dans la pratique marocaine des traités, mais aucune disposition n'est

réservées à cette catégories de traités soit dans les constitutions

marocaines anciennes à celle de 2011, soit au sein de cette dernière.1197

-Titre 2 : La place des traités selon la constitution de 2011.

Le système juridique marocain est qualifié en principe comme étant un

système juridique moniste, vu que la constitution de 2001 renferme la clause de

la suprématie, qui déclare la supériorité du droit international contractuel

marocain vis-à-vis de la loi interne. Ceci dans le respect de son identité national

immuable, et dès la publication de ces conventions. Sans procéder au décorticage

de la clause du la suprématie des traités sur la loi marocain, et est ce qu'on est

devant un model marocain de monisme. Une lecture croisée de la dite

constitution permet de constater que les traités en droit marocain occupent les

places suivantes :

a) La place des traités vis-à-vis de la constitution.

La théorie moniste, dans son interprétation absolue exige que dans le cas

du conflit entre les dispositions du droit international contractuel d'une part, et

1197
Hassan Ouazzani Chahdi, Op Cit, page 57.

P 640 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

les dispositions du droit interne d'autre part, les premières prévalent les secondes,

même si ces dernières sont de valeur constitutionnelle. Cette interprétation est

loin d'être adopté par le droit marocain même si ce dernier est qualifié de moniste

vis-à-vis du droit international contractuel. Ce constat est confirmé en premier

lieu par la constitution elle-même, et par la jurisprudence constitutionnelle

marocaine en deuxième lieu :

Revenant à l'article six de la constitution de 2011 qui stipule que "sont

affirmés les principes de constitutionalité de hiérarchie et l'obligation de publicité

des normes juridique." Ce qui signifie que les normes constituant la pyramide

normative marocaine, que ça soient d'origine interne ou externe doivent obéir à

la constitution. Cette suprématie de la constitution marocaine peut être décelée

avec grande netteté à travers l'article 55 de la constitution, instaurant et pour la

première fois le contrôle de la constitutionalité des engagements internationaux

do royaume. Ce qui signifie que le droit international contractuel du royaume doit

se conformé à la constitution qui reste au sommet de la pyramide normative

marocaine. Ainsi le même article stipule qu'au cas où la cours constitutionnelle

déclare qu'un engagement international comporte une disposition contraire à la

constitution, sa ratification ne peut être intervenir qu'après la révision de la

P 641 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

constitution, ce qui prouve une autre fois la suprématie objective de la

constitution marocaine.

En ce qui concerne la jurisprudence constitutionnelle marocaine de son

tour elle a confirmé la suprématie inconditionnelle de la constitution vis-à-vis de

toutes sortes de normes. Puisque dans un arrêt de l'ex-conseil constitutionnel

marocain celui-ci stipule "la constitution (..) Prime tout ce qui lui contraire"1198et

dans un autre arrêt, cette institution mentionne "le respect du principe de

primauté de la constitution au vu de l'article 6 est un principe contraignant."1199

Ce positionnement de conseil constitutionnel marocain en faveur de la

suprématie de la constitution, fut consolidé par la cours constitutionnelle,

héritière du conseil en ce qui concerne le contrôle de constitutionnalité des

normes interne.1200

Sachant bien que le positionnement de la justice constitutionnelle

marocaine en faveur à la suprématie de la constitution vis à vis des normes

internes, est comparable avec celui pris par les cours suprêmes aux pays tiers,

comme la France par exemple. Là, où le conseil d'Etat, le conseil constitutionnel,

1198
Conseil constitutionnel marocain décision 819/11 rendue 16/11/2011 BO N°5997 du 22/11/2011
page 5562.
1199
Conseil constitutionnel marocain décision 937/14 rendue 29/05/2014 BO N°6262 du 05/05/2014
page 4810.
1200
Arrêt de la cour constitutionnelle marocaine 70/18 rendu 06/03/2018 BO N° 6655 du 12/03/2018
page 1491.

P 642 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

et même la cour de cassation, ont rendus tous des arrêts, et décisions en faveur à

la suprématie de la constitution française sur les dispositions des traités et

conventions internationaux qui lient la France.1201

b) La place des traités vis-à-vis de la loi.

En ce qui concerne la place des traités vis-à-vis de la loi on constate que

l'ordre juridique marocain souffre encore d'ambigüité vis-à-vis de cette situation,

et il n'apporte pas des solutions définitives pour résoudre un tel conflit, et ça ce

qui apparait à travers la jurisprudence marocaine. Puisque cette dernière n'est pas

anonyme sur l'interprétation de la clause de suprématie de droit international

contractuelle marocain comme le stipule le préambule de la constitution de 2011.

Ce constat et perceptible via les verdicts rendus par les tribunaux marocains et

même les arrêts de la cours de cassation marocaine1202.

1201
Conseil d'Etat avec arrêt Sarran 30/10/1998 /conseil constitutionnel décision N°2004-505 DC DE
19/11/2004 /cours de cassation arrêt P.Fraisse 02/06/2000
1202
Le tribunal de premières instances de Tanger a rendu un verdict le 30/01/2017, ce dernier fut le
premier de son genre où un juge marocain donne effet immédiat à la clause instaurant la suprématie
du droit international contractuel qui lie le Royaume en écartant l'application de la loi national. Puisque
ce juge marocain, et pour motiver son verdict, il a fait référence premièrement à la constitution
marocaine de 2011, reconnaissant aux conventions internationales dûment ratifiées, dans le cadre des
dispositions de la constitution, et des lois du royaume, dans le respect de son identité national immuable,
et dès la publication de ces conventions, la primauté sur le droit interne du pays. Comme il a fait
référence aux dispositions des conventions internationaux relatives aux droits de l'enfant, ratifiées par
le royaume, à savoir, la convention des nations unies pour les droits de l'enfant de 1989, ratifiée par le
royaume le 21/06/1993, ainsi la convention européen relative à l'exercice de droit de l'enfant de 1996
approuvé par le parlement marocain via la loi 146.12. Le juge marocain dans son verdict il a tenté de
faire une différence entre l’affiliation naturelle et l’affiliation juridique, et il a favorisé l’affiliation
naturelle comme le stipule les conventions internationales qui lient le Royaume pour reconnaitre le droit
de l’enfant issus d’une relation extraconjugale à avoir un père et un nom familiale, et d’avoir par
conséquence le droit d’être enregistré dans les registres de l’état civil. Ce verdict est annulé par la cours
d’appel de Tanger dossiers 246,273,422/1613/2017.pour plus de détaille Dr Ahmed Zougari,

P 643 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

A travers la constitution marocaine de 2011 nous pouvons parler d’un

model marocain relatif à la suprématie des traités sur la loi interne, de tel sorte

que le constituant marocain a exigé le respect de certaines conditions que ça

soient de forme et du fond pour que cette suprématie se concrétise sur le plan

réel. En ce qui concerne les conditions de forme en trouve la ratification et la

publication, par contre les conditions du fond concernent le respect des

dispositions de la constitution, et les lois du royaume, ainsi le respect de son

identité national immuable.

La clause de la suprématie des dispositions des conventions internationales

sur le droit interne figurant dans la constitution marocaine, suscite des questions,

à savoir, comment les dispositions des conventions internationales sont

supérieures aux lois internes et en même temps elles doivent respecter les

deuxièmes. Et dans la même logique comment les dispositions de conventions

internationales pour qu’elles bienfissent de la primauté en exécution vis-à-vis des

commentaires sur des verdicts et arrêts de la jurisprudence. Revue marocain de l’administration locale
et développement n°157 MARS AVRIL 2021 Page531.

-L'arrêt de la cour de cassation n° 1006 rendu 16/06/2021.

Dans cet arrêt la cours de cassation a fait référence aux engagements internationaux du Maroc, surtout
la convention du droit de l'enfant de 1989, cet arrêt a suscité des commentaires controversées vu que
le juge a appliqué la clause du suprématie à la lettre, même si cette application a mis en cause la loi
interne, il s'agit bien sûr du code de la famille. Le juge de cassation a innocenté l'épouse mineure du
crime de l'adultère vu son âge et donc qualifié le crime comme étant attentat à la pudeur, et que l'épouse
mineure bénéficie d'une protection criminelle en cohérence avec les engagements du royaume comme
le stipule la convention international de droit de l'enfant de 1989.

P 644 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

lois internes, doivent respecter l’identité nationale, alors que les termes identité

lui seul suscite des questions liées à sa définition et à sa contenue.

Pour la jurisprudence marocaine, elle est anonyme sur la suprématie des

dispositions des traités et convention internationale sur les lois nationales,

surtout, pour les traités et conventions internationales entrant dans les catégories

des engagements internationaux qui sont déclarés solennellement par le

législateur marocain comme ayant une force probante en droit marocain, au cas

de contrariété avec les dispositions de la loi interne.1203

Conclusion

La détermination de la place des traités internationaux au sein d'un système

juridique quelconque doit être rapprochée à travers trois niveaux, à savoir, le

niveau doctrinal, normatif, et en fin au niveau judiciaire. De telles sortes que au

niveau doctrinal et à travers le choix du constituant national entre le l'adoption

d'une doctrine moniste ou dualiste, ou même une doctrine mixité ou hybride, ce

qui permet en premier lieu d'avoir une idée initiale sur la place qu'occupent le

droit international contractuel au sein de la pyramide normatives internes.

1203
Arrêt du conseil supérieur 2007/1444 rendu le 20/06/2007-Arret du conseil supérieur 877/2012
rendus 26/09/2012.

P 645 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

Sur le plan normatif, la détermination de la place des traités en droit interne

à ce niveau consiste à procéder à un examen minutieux de tout l'rational normatif

interne, à la recherche de la clause de la suprématie du droit international en

général vis-à-vis les normes internes.

Sur le plan judicaire, le rôle de la justice interne s'avère crucial en ce qui

concerne la détermination de la place des traités internationaux dans la hiérarchie

des normes interne. Puisque à ce plan, se manifestera la doctrine adoptée par le

constituant national, en instaurant la relation entre le droit interne d'une part et

le droit international en générale d'autre part, sachant bien que au niveau de

certains systèmes juridiques, ils ont tendance à adopter une approche moniste

vis-à-vis de certaines sources de droit international, comme la coutume par

exemple, alors qu' ils sont dualiste en ce qui concerne le droit international

contractuel.

Au Maroc à travers ses six expériences constitutionnelles, et même si les

constitutions marocaines anciennes à celle de 2011, n'étaient pas si claires à

propos de leurs visions envers la place du droit international contractuel au sein

du système juridique marocain. Ce qui a poussé la doctrine à accorder à cette

source de droit international, une place qui varie entre une place équivalente à

P 646 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر‬49 ‫العدد‬

celle de la constitution, ou bien au moins une place équivalente à la loi, sans parler

des cas ou le législateur s'est intervenu pour accorder au droit international

contractuel marocain une place supérieure à celle occupée par les lois marocaine.

Avec la constitution de 2011 la situation s'est changée carrément, surtout

avec la déclaration explicite de la suprématie des dispositions des traités sur la loi

nationale, ceci avec l'adoption du mécanisme de l'harmonisation des lois

marocaines avec les dispositions des traités ratifiés par le Maroc. Ce qui signifie

que les lois promulguées après l'entrée en vigueur de la nouvelle constitution

bénéficient de la présomption d'être harmonieuses avec les obligations

internationales du royaume, et par conséquence le système juridique marocain a

tendances à être un système juridique hybride plus que moniste uniquement.

P 647 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫مت حبمد اهلل وتوفيقه‬

‫‪P 648‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 49‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر دجنبــــــــــر ‪ 2022‬م‬

‫صدر سابقا من جملة الباحث األعداد التالية‬

‫=‬

‫رابـط تحميـل جميـع الأعـداد أذنـاه‪:‬‬

‫‪https://www.allbahit.com/search/label‬‬
‫‪P 649‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬

You might also like