Professional Documents
Culture Documents
مجلة الوكالة القضائية االعدد الرابع
مجلة الوكالة القضائية االعدد الرابع
1
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
كما أكد جاللة الملك على نفس الحرص من خالل الخطاب السامي الذي وجهه جنابه الشريف
بتاريخ 02يوليوز 0202بمناس بة الذكرى التاسعة عشرة لتربع جاللته على عرش أسالفه المنعمين والذي
جاء من ضمنه ما يلي:
" وإاننا نتوخى أن تشكل هذه الإجراءات الحاسمة حافزا قواي وغير مس بوق لالستثمار ،وخلق فرص
الشغل ،وتحسين جودة الخدمات ،التي تقدمها للمواطن ،والحد من التماطل ،الذي ينتج عنه السقوط في
الرشوة ،كما يعرف ذلك جميع المغاربة.
كما ستشكل دافعا لإصالح الإدارة ،حيث س تمكن من تفعيل مبدأ المحاس بة ،والوقوف على أماكن
التعثر التي تعاكس هذا الإصالح" انتهىى النطق المولوي السامي.
كما جاء في الرسالة المولوية السامية التي وجهها جاللة الملك بتاريخ 02فبراير 0202اإلى المشاركين
في المنتدى الوطني للوظيفة العمومية العليا الذي نظم تحت رعايته السامية بمدينة الصخيرات ،ما يلي:
" فبمجرد اعتالئنا عرش أسالفنا المنعمين ،ابدران اإلى اإرساء المفهوم الجديد للسلطة ،الذي نعتبره
مدخال مهما لتطوير أداء الإدارة ،وتقوية التزامها بمبادئ الحكامة الجيدة ،بغية تلبية الحاجيات المتزايدة
للمواطنين ودعما للعدالة الجتماعية ،وضماان للكرامة الإنسانية.
كما حرصنا على التكريس الدس توري للحكامة الجيدة ،كمبدأ ل محيد عنه في تنظيم وتدبير المرافق
العمومية ،بما ينطوي عليه من مبادئ الس تحقاق والنزاهة والشفافية وتكافؤ الفرص ،بين جميع المغاربة .كما
نعمل على تفعيل المبدأ الدس توري لربط المسؤولية ابلمحاس بة.
...................................................................
وإاذا كانت المرافق العمومية اتبعة قانونيا ،لمسؤولية الوزراء الذين يشرفون عليها ،لكون الإدارة
موضوعة تحت تصرف الحكومة ،فاإن الدس تور كرس أيضا ضرورة التزام موظفيها بمعايير الجودة والشفافية
والمسؤولية والمحاس بة ،لضمان القرب من المواطنين ،والإصغاء لمطالبهم ،والعمل على تلبية حاجياتهم
المشروعة.
2
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
...................................................
اإنه برغم الجهود المبذولة ،ومحاولت الإصالح والتحديث التي نتوخاها ،فاإن الإدارة المغربية لن تبلغ
المس توى المنشود من النجاعة والفعالية ،ما لم يتم تغيير العقليات ،وإاجراء قطيعة مع بعض السلوكات
والممارسات المشينة ،التي تسيء ل إالدارة وللموظفين على حد سواء ،كالرشوة والفساد واس تغالل النفوذ
وعدم النضباط في أداء العمل وغيرها.
ول سبيل اإلى ذلك اإل بتحسين وتبس يط التشريعات المرتبطة ابلمنظومة الإدارية ،والعمل على
التطبيق الصارم للقواعد المنظمة للمناصب والمرافق العمومية ،مع ما يتطلبه ذلك من ربط ممارسة المسؤولية
ابلمحاس بة ".انتهىى النطق المولوي السامي.
وتنزيال للتوجيهات الملكية السامية أكدت أان خديم العتاب الشريفة بمناس بة تقديمي لمشروع قانون
المالية لس نة 0200أمام مجلسي البرلمان بتاريخ 02أكتوبر 0202على أن المشروع المذكور هو مشروع
للثقة والمل لنه يسعى لتعبيد طريق مغرب الغد ،مغرب الحماية الجتماعية لكل المغارية ،ومغرب الفرص
للجميع في اإطار الحق وربط المسؤولية ابلمحاس بة.
وبناء على ما س بق ،تجدر الإشارة اإلى اإن التحولت الراهنة التي يخضع لها دور الدولة ومجالت
تدخلها وتنوع الوسائل القانونية التي تعتمدها وسع من مجال مسؤوليتها .وقد تكرس ذلك من خالل دس تور
المملكة لس نة 0200الذي أرسى مجموعة من المبادئ من ضمنها:
-اإقرار مجموعة من الحرايت و الحقوق الساس ية التي يعتبر ضمانها التزاما على عاتق الدولة وعلى
رأسها ضمان سالمة السكان و سالمة التراب الوطني (الفصل ،)00وعدم المساس ابلسالمة
الجسدية أو المعنوية لي شخص في أي ظرف من قبل أي جهة كانت خاصة أو عامة (الفصل
،)00وتجريم العتقال أو المتابعة التعسفية و تمتيع الشخص المعتقل بحقوقه الساس ية و توفير
ظروف اعتقال اإنسانية (الفصل ،)02ولزوم تمكين المواطنات و المواطنين من حق الحصول
على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارة العمومية و المؤسسات المنتخبة و الهيئات المكلفة
بمهام المرفق العام (الفصل )02؛
3
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
-التشديد على اضطالع الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية بدورها لتعبئة كل
الوسائل المتاحة لتيسير اس تفادة المواطنات والمواطنين على قدم المساواة من الخدمات
الجتماعية كالعالج والعناية ابلصحة والحماية الجتماعية والتغطية الصحية والسكن الالئق
والحصول على تعليم ذي جودة والشغل؛
-اإقرار المسؤولية عن العمال القضائية والتأكيد على حق كل متضرر من خط إا قضائي في الحصول
على تعويض تتحمله الدولة؛
-اإخضاع المرافق العمومية لمعايير الجودة والشفافية والتشديد على تالزم المسؤولية ابلمحاس بة.
هذا ابلإضافة اإلى أن التوجهات القانونية والقضائية الحديثة ،على المس توى الوطني و الدولي تذهب
في اتجاه توس يع نطاق مسؤولية الدولة سواء في المجالت التقليدية كالصحة و المن...اإلخ ،أو في بعض
المجالت الحديثة كالمسؤولية عن العمال القضائية أو عن التشريع ،كما أن التوجهات المس تجدة في
القضاء الإداري جعلت العتماد على مفهوم الخطأ كأساس للمسؤولية يأخذ في التراجع لفائدة مفاهيم
ونظرايت أخرى تؤسس للمسؤولية الإدارية على أساس نظرية المخاطر اعتمادا على مبدأ افتراض واجب
الحيطة والحذر من جانب الإدارة obligation de prudence et de précautionأو خرق مبدأ
المساواة أمام العباء العامة ،لضمان تعويض الشخاص المتضررين نتيجة أنشطة أو قرارات السلطات
العمومية.
وفي المقابل فاإن تكريس المبدأ الدس توري القاضي بربط المسؤولية ابلمحاس بة عبر اإصدار العديد
من النصوص التشريعية التي تناولت أحكام المسؤولية الشخصية للموظف في العديد من المجالت يقابله
على المس توى العملي تراجع مفهوم الخطأ الشخصي بجانب اتساع مجال المسؤولية المرفقية ،ولعل اإعادة
تحديد مجال المسؤولية الشخصية للموظف من خالل اجتهاد قضائي متواتر وقار سيساهم في تعزيز قيم
النزاهة والمسؤولية وترس يخ الحكامة الجيدة للمرفق العمومي التي تعتبر أولوية لضمان نجاح مختلف
الوراش العمومية.
ومن خالل كل ذلك تتضح أهمية المواضيع التي خصصت للعدد الرابع من مجلة الوكالة القضائية
للمملكة والتي تتناول مجال من أغنى وأدق المجالت القانونية الذي يتميز ابلتجدد المس تمر و الراهنية
الدائمة وهو مجال مسؤولية الدولة وابقي أشخاص القانون العام عن تدبير المرافق العمومية ،ولقد لمست
هذه المواضيع مختلف صور المسؤولية الإدارية ،اإذ تم التطرق اإلى مسؤولية المرافق ذات الطابع الجتماعي
4
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
كمسؤولية مرفق الصحة العمومية ومسؤولية مرفق التعليم ،وتم اس تحضار الوضعية الراهنة التي تتميز
ابنتشار جائحة كوران من خالل اإبراز طبيعة المسؤولية الإدارية للدولة الناتجة عن الظروف الطارئة
والس تثنائية ولم يتم اإغفال الصور الحديثة في المسؤولية كمسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي ومسؤولية
المحكم والمسؤولية عن التشريع الضار والمسؤولية عن العمال والنشاطات الإرهابية ومسؤولية الدولة على
الصعيد الخارجي المنبثقة عن التفاقيات الدولية لالستثمار.
وفي اإطار اإبراز مظاهر تنزيل مبدأ ربط المسؤولية ابلمحاس بة تم رصد تجليات الخطأ الشخصي
والمرفقي للموظف العمومي كما تم التطرق لمختلف صور المسؤولية الشخصية سواء في الجانب التأديبىي
أو الجانب المالي والمحاس بىي والتدبيري ولم يتم اإغفال صور خاصة من المسؤولية كمسؤولية المحافظ على
المالك العقارية ومسؤولية بعض مساعدي القضاء.
ولعل هذه المواضيع في تنوعها وغناها ل تقتصر أهميتها على الجانب العلمي والمعرفي رغم أهميته
القصوى والحيوية ،بل تحظى أيضا بأهمية عملية كبيرة تمس جميع المناحي سواء القتصادية أو الجتماعية
أو المالية ،كما أن لها تأثيرا كبير على المالية العمومية ،ما دام أن المسؤولية تس تتبعها المساءلة ،التي قد
تؤول اإلى تعويض محكوم به ،سواء لفائدة الدولة أو لفائدة الخواص ،وفي كال الحالتين يكون المال العام
هو المعني اإما زايدة أو نقصاان.
وفي الخير اإذ ننوه ابنفتاح مجلة الوكالة القضائية للمملكة على محيطها عبر اإغنائها المتواصل
بمساهمات متميزة من قضاة أجالء وأساتذة متمرسين علميا وعمليا ،فاإننا نتمنى جادين أن يجد مختلف
المهتمين ابلحقل القانوني والإداري ضالتهم في هذا العدد الرابع الذي يعتبر تكريسا للحرص الذي توليه
الحكومة ومن خاللها وزارة القتصاد والمالية وإاصالح الإدارة على تنزيل مبادى الحكامة في تدبير كافة
المرافق العمومية .كما يأتي في اإطار سعي الوكالة القضائية للمملكة اإلى تعزيز الدور الوقائي من المنازعات من
خالل نشر المعلومة القانونية وإابراز الجتهادات القضائية القارة تنزيال لمخططها الستراتيجي.
والله ولي التوفيق
5
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
6
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
7
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
8
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
مجلة
الوكالة القضائية للمملكة
9
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
10
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
____________________ 02
من اإعداد الس تاذ محمد قصري ،الوكيل القضائي للمملكة ___________________________________ 02
_______________________________ 20
من اإعداد الس تاذ عبد المجيد الشفيق ،رئيس المحكمة الإدارية بفاس _____________________________ 20
_____________________________ 22
من اإعداد الس تاذ عالء الحميدي ،رئيس قسم الطعون ابلإلغاء ابلوكالة القضائية للمملكة ______________________ 22
__________________________________________062
من اإعداد الس تاذ عبد الرحيم ازغودي ،رئيس مصلحة القضااي المدنية للشمال ابلوكالة القضائية للمملكة _______________ 062
__________________________________________ 000
من اإعداد الس تاذ يونس الزرق الحسوني ،أس تاذ جامعي ،رئيس مصلحة الدراسات والهندسة القانونية ابلوكالة القضائية للمملكة سابقا __ 000
_________________________ 052
من اإعداد الس تاذ بوسلهام الشمعة ،رئيس مصلحة منازعات المسؤولية الإدارية ابلوسط والجنوب ابلوكالة القضائية للمملكة _______ 052
______________________________ 026
من اإعداد الس تاذ زكرايء الغزاوي ،رئيس مصلحة المنازعات التجارية ابلوكالة القضائية للمملكة ___________________ 026
______________ 206
من اإعداد الس تاذ ابراهيم بن به ،رئيس غرفة التأديب المتعلق ابلميزانية والشؤون المالية ابلمجلس العلى للحساابت _________ 206
______ 222
من اإعداد الس تاذ ،مصطفى لغليمي ،مستشار مشرف بغرفة التأديب المتعلق ابلميزانية والشؤون المالية ابلمجلس العلى للحساابت ___ 222
__________________________ 405
من اإعداد الس تاذ محمد العلمي ،رئيس مصلحة الطعون ابلإلغاء للشمال ابلوكالة القضائية للمملكة _________________ 405
_______________________________ 450
من اعداد الس تاذ الحسين كداح ،رئيس مصلحة منازعات الوضعية الفردية والمعاشات ابلوكالة القضائية للمملكة ___________ 450
____________________________________ 462
من اإعداد الس تاذ سعيد العقاوي ،رئيس مصلحة منازعات المسؤولية الإدارية ابلشمال ابلوكالة القضائية للمملكة ___________ 462
_______________________ 420
من اإعداد الس تاذ خالد عالمي ،أس تاذ ابحث بكلية الحقوق – جامعة القاضي عياض مراكش __________________ 420
_________________________
من اإعداد الس تاذ لحسن الزيتوني ،اإطار ابلوكالة القضائية للمملكة ______________________________ 502
__________________________ 545
من اإعداد الس تاذة ليلى قدوري ،اإطار ابلوكالة القضائية للمملكة _______________________________ 545
_______________________________________ 522
من اإعداد الس تاذ مصطفى بوهرو ،اإطار ابلوكالة القضائية للمملكة ______________________________ 522
______________________ 652
من اإعداد الس تاذ عبد الله اوبها ،اإطار ابلوكالة القضائية للمملكة _______________________________ 652
___________________________________ 622
من اإعداد الس تاذة وصال شرقي ،اإطار ابلوكالة القضائية للمملكة ،ابحثة في سلك الدكتوراه بجامعة محمد الخامس-السويسي _____ 622
_________ 699
Préparé par Riham Alami El Idrissi, Cadre à l’Agence Judiciaire du Royaume _______________699
11
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
______________________________________________________206
.0قرار محكمة النقض عدد 244والمؤرخ في 02ماي 0204والصادر في الملف الإداري رقم 206 _________ 0204/0/4/0220
.0قرار محكمة النقض عدد ،0052المؤرخ في 00يونيو 0205والصادر في الملف الإداري رقم 202 ________ 0020/4/0/0205
.2قرار محكمة النقض عدد ،1159المؤرخ في 00يونيو 0205والصادر في الملف اإداري رقم 222 _________ 2015/1/4/1396
.4قرار محكمة النقض عدد 1619والمؤرخ في 05دجنبر 0204والصادر في الملف الإداري عدد 225 _______ 2014/1/4/3268
.5قرار محكمة النقض عدد 1971والمؤرخ في 02ش تنبر 0205والصادر في الملف الإداري رقم 226 ________ 2015/1/4/3181
__________________________________________________222
.0قرار محكمة النقض عدد 2/242المؤرخ في 02مارس 0202والصادر في الملف الإداري رقم 222 _________ 0202/2/4/020
.0قرار محكمة النقض عدد 2442المؤرخ في 04غشت 0202والصادر في الملف المدني رقم 242 _________ 0222/2/0/2266
.2قرار محكمة النقض عدد 0/1230المؤرخ في 05دجنبر 0204والصادر في الملف اإداري رقم 242 ________ 0200/0/4/0222
.4قرار محكمة النقض عدد 0/283المؤرخ في 05فبراير 0206والصادر في الملف اإداري عدد 246 ________ 0202/2/4/2256
_________________________________________________242
.0قرار محكمة الس تئناف ا إلدارية ابلرابط عدد 0226والمؤرخ في 02أبريل 0202والصادر في الملف عدد 242 ____ 0202/2002/2
______________________________________________260
.0قرار محكمة النقض عدد 006المؤرخ في 22يناير 0204والصادر في الملف الإداري رقم 260 __________ 0200/0/4/066
___________________________________________________264
.0قرار محكمة النقض عدد 0/226المؤرخ في 02أبريل 0205والصادر في الملف الإداري رقم 264 ________ 0202/0/4/0205
.2قرار محكمة النقض عدد 1/193المؤرخ في 02فبراير 0206والصادر في الملف الجنحي رقم 262 __________ 0205/02205
.3قرار محكمة النقض عدد 022المؤرخ في 02يناير 0204والصادر في الملف الإداري رقم 220 ___________ 0202/0/4/52
.4قرار محكمة النقض عدد 6/452المؤرخ في 4يونير 0202والصادر في الملف المدني رقم 224 __________ 2012/6/1/3001
___________________________________________________222
.0قرار محكمة النقض عدد 0/026المؤرخ في 00أبريل 0202والصادر في الملف ا إلداري عدد222 _________ 0200/0/4/240
__________________________________________225
.0قرار محكمة النقض عدد 440المؤرخ في 2ماي 0202والصادر في الملف ا إلداري عدد 225 __________ 0200/0/4/0022
____________________________________________________222
.0قرار محكمة النقض عدد 0/20المؤرخ في 02يناير 0204والصادر في الملف الإداري عدد 222 __________ 0202/0/4/26
______________________________________________220
.0قرار محكمة النقض عدد 2/222المؤرخ في 24أكتوبر 0202والصادر في الملف الإداري عدد 220 ________0206/2/4/0202
.2حكم المحكمة الإدارية ابلرابط عدد 222والمؤرخ في 00نونبر 0206والصادر في الملف رقم 224 _________ 04/2000/022
.2حكم المحكمة الإدارية ابلرابط رقم 522المؤرخ في 00فبراير 0202والصادر في الملف رقم 222 _______ .0202/2000/0240
12
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
13
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
14
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
15
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
16
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
أ
مسؤولية الدولة عن االخطاء المرتكبة من طرف
التوليد نموذجا-
أ
مرافق الصحة العمومية -طب
من إعداد الستاذ محمد قصري،
الوكيل القضائي للمملكة
مقدمة
يلعب الطبيب دو ار كبي ار في حفظ الصحة البشرية ووقايتها وعالجها من االمراض ،وإذا
كانت ممارسة هذا األخير تتطلب مس اسا مشروعا بالسالمة الجسدية لإلنسان كما هو الشأن
مع حاالت الجراحة أو التشريح ،فإن عمل الطبيب يعتبر المحرك األول لمسؤوليته سواء كان
مناسبا لألصول المعروفة في الطب أو مخالفا لها ،خاصة في ظل التحوالت الجذرية والهامة
التي يعرفها هذا األخير ومدى مواكبة مرافق الصحة العمومية لها.
وقد أكد الفصل 13دستور المملكة المغربية لسنة 1133على أن الدولة والمؤسسات
العمومية والجماعات الترابية تعمل على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير أسباب استفادة
المواطنين والمواطنات على قدم المساواة من الحق في العالج والعناية الصحية.
والجدير ذكره أيضا ،أن دسترة الحق في الصحة بالمغرب ،فضال على أنه يشكل تقدما
كبيرا ،فإن ذلك ال يشكل غاية في حد ذاتها ،إذ أن تحقيق الغايات المنشودة تبقى رهينة
بتكريس هذا الحق على أرض الواقع ،مع ما تطلبه ذلك التزامات مفروضة على السلطات
العمومية لتوفير المتطلبات المادية واللوجستية الضرورية ،وفق ما تنص عليه مجموعة من
الدساتير في الدول الديمقراطية.
وباإلضافة إلى المقتضى الدستوري ،فإن المملكة المغربية تأخذ أيضا بالمقتضيات
الواردة في االتفاقيات الدولية ،باعتبار أن الدستور المغربي يؤكد في ديباجته على تشبت
المملكة المغربية بحقوق اإلنسان كما هي متعارف عليها عالميا .ويعطي لالتفاقيات الدولية
مكانة تسمو على التشريعات الوطنية ،إذ نص في ديباجته على ما يلي" :جعل االتفاقيات
الدولية ،كما صادق عليها المغرب وفي نطاق أحكام الدستور وقوانين المملكة وهويتها
17
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
الوطنية الراسخة ،تسمو ،فور نشرها ،على التشريعات ،مع ما تتطلبه تلك المصادقة".
ونخص بالذكر ،االتفاقيات الدولية المتعلقة بالصحية ،سيما العهد الدولي الخاص بالحقوق
االقتصادية واالجتماعية والثقافية ودستور المنظمة العالمية للصحية.
وتفعيال لكل هذه المبادئ عمدت المملكة المغربية إلى إصدار القانون اإلطار رقم
10.13والمتعلق بالمنظومة الصحية وبعرض العالجات والذي يهدف إلى تحديد المبادئ
واألهداف األساسية لعمل الدولة في مجال الصحة وإلى تنظيم المنظومة الصحية.
كل هذه األحكام والمقتضيات إرتقت بمفهوم الحق في الصحة إلى مصاف أصبحت
تثير بشكل كبير اإلشكاليات المرتبطة بمسؤولية المرفق الصحي العمومي .هذه األخيرة
أضحت تشغل بال العدد من الباحثين من فقهاء القانون واألطباء ،وذلك لتشعب واخالف
زوايا مقاربة اإلشكاليات المتعلقة بها ومنها ما هو إنساني ،أخالقي ،طبي وقانوني يطبع كل
منها العمل الطبي بخصائص متباينة.
وإن أول ما يطفو إلى السطح بمناسبة مناقشة موضوع المسؤولية الطبية نجد ضرورة
احترام الكيان البشري ومعاملته معاملة حسنة يغلب عليها الجانب اإلنساني ،إذ يهدف
األطباء من جهتهم إلى إبراز كل مراحل العمل الطبي والسعي لمواكبة التطورات الطبية
المعاصرة في نطاقه ،في حين يعنى البعد القانونية للمسؤولية الطبية ببحث على أسباب
احترام كرامة االنسان وحماية حقه في الصحة والعالج.
وفي ضوء ما سبق يطرح التساؤل حول تعريف العمل الطبي كنشاط في مرفق
الصحة ،والذي عرفه أحد الباحثين على أنه" :كل نشاط يرد على جسم االنسان أو نفسه،
ويتفق في طبيعته وكيفيته مع األصول العلمية والقواعد المتعارف عليها نظريا وعلميا في علم
الطب ،ويقوم به طبيب مصرح له قانونا ،بقصد الكشف عن المرض وتشخيصه وعالجه
لتحقيق الشفاء أو تخفيف آالم المرضى أو الحد منها أو منع المرض أو بهدف المحافظة
على صحة األفراد أو تحقيق مصلحة اجتماعية شريطة توافر رضا من يجري عليه هذا
1
العمل".
1أسامة عبد الله قايد ،المسؤولية الجنائية لألطباء ،دراسة مقارنة ،دار النهضة العربية ،3391 ،الصفحة.55
18
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وقد استحضر هذا التعريف كافة عناصر العمل الطبي من محله الذي هو جسم
االنسان وصفة القائم به وهو الطبيب ،رغم أنه قصره على هذا األخير فقط دون مساعديه
من ممرضين وتقنيين ،باإلضافة إلى طريقة القيام بالنشاط المذكور التي ينبغي أن توافق
أصول وقواعد علم الطب .وشمل التعريف المذكور أخي ار األهداف المتوخاة من العمل الطبي
المتمثلة في التشخيص والعالج والوقاية من االمراض.
ولم يتطرق المشرع المغربي لتعريف محدد ومستقل لألعمال الطبية ،وإن كانت
مفاهيمها مشتقة من النصوص القانونية ذات الصلة بالنطاق الصحي واالجتماعي .إذ
يستشف من القانون رقم 313.31المتعلق بمزاولة مهنة الطب وخاصة المادتين الثانية
والثالثة منه أن العالج الصحي الكامل يشمل الوقاية من األمراض على جميع األصعدة كما
يتضمن تشخيص المرض وعالجه.1
والبد من التأكيد على أن إقرار المسؤولية الطبية قد يأخذ شكل مسؤولية تأديبية،
ينحصر أثرها في إ يقاع عقوبة تأديبية على الطبيب من طرف هيئة طبية ،ويمكن للمعني
باألمر أن يطعن في قرار الهيئة باإللغاء أمام قضاء اإللغاء .كما يمكن أن تأخذ شكل
مسؤولية جنائية ،إذا ما اتصف الفعل الذي ارتكبه الطبيب بوصف جرمي حدده القانون وأفرد
له عقوبة معينة .وقد تأخذ المسؤولية الطبية شكل المسؤولية اإلدارية مؤسسة على الخطأ
المرفقي أو مسؤولية مدنية وهي إما مسؤولية عقدية أو مسؤولية تقصيرية وترتيب هاته
المسؤوليات بأنواعها التعويض عن األضرار الالحقة بالمتضرر.
وسنخصص هذا الموضوع لمقاربة ومناقشة كافة أوجه المسؤولية اإلدارية المترتبة عن
الخطأ الطبي ألطباء القطاع العام ،لكن قبل ذلك من المفيد إدراج لمحة تاريخية عن
المسؤولية الطبية.
فكما ال يخفى عن الجميع فالطب قديم قدم الزمان ،وقد كانت الحضارة البابلية من أقدم
الحضارات التي قننت نظام المسؤولية الطبية ،وذلك عبر قانون حمورابي ،والذي كان قاسيا
1الظهير الشريف رقم 3.35.11الصادر في 33فبراير 1135بتنفيذ القانون رقم 313.31المتعلق بمزاولة مهنة الطب ،الجريدة الرسمية عدد
1101المؤرخة في 31مارس ( 1135الصفحة .)3111
19
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
جدا بهذا الخصوص ،اذ نصت أعداد 139و133و 111من القانون المذكور على أن
الطبيب الذي يعالج مريضا ويتسبب في موته فإن كان المريض الهالك من السادة تقطع يد
الطبيب وإن كان من العبيد وجب على الطبيب أن يفدي سيده عبدا.1
وفي عهد اليونان ازدهر الطب عند قدماء اإلغريق الذين كانوا يقدسون المهنة ووضعوا
لها إالها هو استليبيوس وإليه يعزى وضع رمز الطب المتعارف عليه المتمثل في العصا
والثعبان .وكان أشهر األطباء اليونانيين ،هو أبقراط Hippocrateصاحب قسم الشرف
الذي جرى العرف الطبي على أداءه قبل ممارسة المهنة .2وكان الطبيب عند اليونان يسأل
عن عدم العناية الواجبة للمريض وقد قام اإلسكندر األكبر بإعدام الطبيب كلوكيس صلبا
باإلسكندرية ألنه ترك مريضا في حالة خطيرة فمات وذهب لمشاهدة فصلة تمثيلية.
وقد وضعت الشريعة اإلسالمية مبدأين أساسيين لمسؤولية الطبيب أولهما حرمة جسم
اإلنسان ،فقد جاء في الذكر الحكيم" :وَلَق ْد َك َّرمنا بِني آدم وحمْلن ِ
اه ْم في اْلَب ِر َواْلَب ْح ِر َوَرَزْقَن ُ
اهم َْ َ َ َ َ َ َ َ ُ َ
يال" ،صدق الله تعالى( ،اآلية 11من اهم َعَل ٰى َكِث ٍ
ير ِم َّمن خَلْقنا تَْف ِ
ضً الطِيب ِ
ات َوَف َّ ِمن َّ
ْ َ َ ضْلَن ُ ْ َ َ
سورة اإلسراء).
وثانيهما إباحة التداوي ،فق جاء في الحديث الشريف عن الرسول صلى الله عليه وسلم
أنه قال" :تداووا فإن الله لم يضع داء إال وضع له دواء غير داء واحد هو الهرم" ،3كما ورد
في حديث آخر عن الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) أنه قال" :من تطبب ولم يعرف
الطب فهو ضامن" .4وقد اشترط المالكية لقيام مسؤولية الطبيب ارتكاب أثناء مزاولة مهامه
خطأ فاحشا .ومن القواعد المقررة في الحجز أن ثالثة يحجز عليهم؛ أي الممنوعون من
العمل؛ المفتي الماجن والطبيب الجاهل والمكاري المفالس ،ولقد ذهب علماء الشريعة
1راغب السرجاني ،كتاب “قصة العلوم الطبية في الحضارة اإلسالمية” ،مؤسسة اق أر للنشر والتوزيع والترجمة ،1119 ،القاهرة ،الصفحة 30وما
يليها.
2راغب السرجاني ،المرجع السابق ،الصفحة 11وما يليها.
3سنن أبي داود برقم .1110
4عن عمرو بن شعيب ،عن أبيه ،عن جده ،أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ":من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن " ،رواه أبو داود
والنسائي.
20
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
اإلسالمية إلى القول بأن الخطأ الفاحش الذي ال تقربه أصول الطب هو الموجب
للمسؤولية.1
وعليه ،وبعد هذه التوطئة التي تحدثنا فيها بإيجاز عن اللمحة التاريخية للمسؤولية
الطبية ،ولإللمام بكافة اإلشكاليات القانونية المرتبطة بهذه المسؤولية بالنسبة لمرفق الصحة
العمومي ارتأينا تكريس الموضوع لنموذج طب التوليد ،على أن نناقش في البداية الحق في
الصحة بصفة عامة من خالل عمل القضاء اإلداري (المحور األول) ثم األساس الذي تنبي
عليه المسؤولية الطبية ومجموعة من صورها (المحور الثاني) وفي األخير سنعرض مجموعة
من الق اررات القضائية التي عالجت المسؤولية الطبية في طب التوليد (المحور الثالث).
الحق في الصحة ،كما سبقت اإلشارة إلى ذلك ،كرسه الفصل 13من دستور ،1133
إال أن دسترة الحق ال تشكل غاية في حد ذاتها ،إذ أن تحقيق الغايات المنشودة تبقى رهينة
بتكريس هذا الحق على أرض الواقع ،والتزام السلطات العمومية بتوفير المتطلبات المادية
واللوجستية الضرورية لتفعيله.
وبناء على كل ذلك ،فإن القضاء اإلداري المغربي يقوم بدور إيجابي جدا يسير في
اتجاه حماية الحق في الصحة باعتباره حقا دستوريا.
وعليه ،سنتناول الحق في الصحة من خالل الوقوف على الحماية التي أقرها القضاء
المغربي للحق في الصحة عبر توفير خدمة العالج (المطلب األول) ثم نتناول في نقطة
الحقة تعويض المتضررين من عدم توفير الحق في العالج (المطلب الثاني).
1محمد بن عبد الرحمن ،كتاب مواهب الجليل لشرح مختصر خليل ،ط3139( ،1ه) ،دار الفكر ،بيروت ،ج ،1ص.113
21
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وقد كان هذا النزاع موضوع ق اررين صادرين عن محكمة النقض ،األول قضى بنقض
القرار االستئنافي القاضي بتأييد الحكم الذي كان قد قضى على الدولة المغربية بتوفير
العالج وعلى نفقتها للمعنية باألمر ،1والثاني (أي الصادر بعد النقض واإلحالة) اعتبر بأن
قرار محكمة النقض السالف الذكر لم يحسم في مسؤولية الدولة عن توفير العالج
للمواطنين.2
1
يتعلق األمر بالقرار عدد 19المؤرخ في 1131/13/31الصادر في الملف رقم 1113/1/0/53التي أورد في حيثياته على أنه" :حيث تبين
صحة ما نعته الوسيلة على القرار ،ذلك أن االستناد إلى المعاهدات والمواثيق الدولية لتقرير مسؤولية اإلدارة رهين بالمصادقة على هذه المواثيق.
وحيث إنه إذا كانت اإلدارة ملزمة باستيفاء خدمة عامة وهي خدمة العالج ،فإنها لم تتأخر في ذلك إهماال وإنكا ار لحق المريضة في العالج ،بل
قامت بما يجب عليها في حدود إمكانياتها المتاحة.
وحيث إن االدعاء بأن الدولة ملزمة بعالج المواطنين إطالقا حتى في الحاالت النادرة وأنها أهملت أداء واجبها يكون بمثابة تحميلها عبئا ثقيال
والتزاما صارما ال يتيح لها ما بين أيديها من وسائل القيام بواجبها.
وحيث يجب تقدير جسامة الواجبات الملقاة على عاتق الدولة وما تتوفر عليه من وسائل وإمكانيات فعلية لمواجهتها ،وأنها تكون مسؤولة عن خطأ
يمكن تفاديه بالحرص العادي وغير مسؤولة إذا كان ال يمكن تفاديه إال باتخاذ إجراءات استثنائية تتجاوز قدرتها الفعلية.
وحيث إن المحكمة لما حملت الدولة مسؤولية عدم عالج المطلوبة في النقض دون مراعاة لما سبق ذكره بالعلل الواردة في القرار تكون قد عللت
قرارها تعليال فاسدا يوازي انعدامه ويعرضه بالتالي للنقض ".
2
ويتعلق األمر بالقرار عدد 1/131مؤرخ في 19نونبر 1131في الملف عدد .1131/1/0/3115
22
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وهكذا فقد عرفت مسألة حماية الحق في الصحة من خالل الحق في توفير العالج
على ضوء المقتضيات القانونية المعمول بها نقاشا فقهيا وقضائيا ،أدى إلى وجود تضارب
في المواقف ومن مظاهره قراري محكمة النقض السالفي الذكر ،فقد اعتبر قرار محكمة
النقض عدد 19المؤرخ في 1131/13/31أن صحة وسيلة الطعن المعتمد من طرف
الوكيل القضائي للمملكة والمستمدة من عدم تطبيق القرار االستئنافي المطعون فيه قواعد
المعاهدات الدولية وال سيما العهد الدولي للحقوق المدنية واالقتصادية واالجتماعية والثقافية
تطبيقا سليما باعتبار أن هذه القواعد ال تلزم الدول األعضاء بتوفير الحق في خدمة العالج
إال في حدود إمكانياتها المتاحة ،حيث اعتبرت محكمة النقض بأنه " :إذا كانت اإلدارة ملزمة
باستيفاء خدمة عامة وهي خدمة العالج ،فإنها لم تتأخر في ذلك إهماال وإنكا ار لحق
المريضة في العالج ،ل اامت بما يبب عليها في حدود إماانياتها المتاحة".
واعتبرت إلزام الدولة بتوفير الحق في العالج للمواطنين حتى في الحاالت النادرة:
" بمثابة تحميلها عبئا ثقيال والتزاما صارما ال يتيح لها ما لين أيديها من وسائ القيام
لواجبها".
وخلصت محكمة النقض من خالل قرارها السالف الذكر ،أن الدولة ال تكون مسؤولة
عن عدم توفير خدمة العالج للمواطنين والمواطنات إال في الحاالت العادية وأخذا بعين
االعتبار اإلمكانيات المتوفرة لديها بحيث اعتبرت بأنه" :يبب تقدير جسامة الواجبات
الملقاة على عاتق الدولة وما تتوفر عليه من وسائ وإماانيات فعلية لمواجهتها ،وأنها
تكون مسؤولة عن خطأ يمان تفاديه بالحرص العادي وغير مسؤولة إذا كان ال يمان
تفاديه إال باتخاذ إجراءات استثنائية تتباوز ادرتها الفعلية" ،وخلصت في األخير إلى أن
"المحامة لما حملت الدولة مسؤولية عدم عالج المطلوبة في النقض دون مراعاة لما
سبق ذكره بالعل الواردة في القرار تكون اد عللت ارارها تعليال فاسدا يوازي انعدامه
ويعرضه بالتالي للنقض".
وهكذا ،وبناء على ما انتهت إليه محكمة النقض من تأطير للحق في الصحة من
خالل توفير خدمة عامة وهي خدمة العالج على ضوء دستور 1133والمواثيق الدولية
ذات الصلة بالموضوع المصادق عليها من طرف المغرب ،وبعد النقض واإلحالة ،فإن
23
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش 1،المحال عليها الملف للبت فيه ،وهي مشكلة من هيئة
أخرى ،صرحت بإلغاء الحكم المستأنف 2،الذي كان قد قضى" :على الدولة المغربية في
شخص السيد الوزير األول ( رئيس الحكومة حاليا) بتوفير العالج وعلى نفقتها للمدعية ...
مع ما يترتب على ذلك قانونا" ،والحكم تصديا برفض الطلب.
وقد كان هذا القرار بدوره محل طعن بالنقض من قبل المعنية باألمر استنادا إلى أن
القرار االستئنافي المذكور " :لم يحترم ما اضىت به محامة النقض ولم يتطرق للنقط
القانونية التي نقض بموجبها القرار ،فضال عن أن مسؤولية الدولة تظ اائمة تباهها
التي لم تتلق ولو العناية المعنوية وباألحرى المادية ."...
وقد كان هذا الطعن فرصة ثانية لمحكمة النقض لتأكيد أو تغيير موقفها ،وهو ما
حصل بالفعل حيث اعتبرت محكمة النقض في قرارها عدد 1/131المؤرخ في
1131/33/19الصادر في الملف عدد 1131/1/0/3115بأن قرار النقض واإلحالة
1
قرار محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش عدد 911المؤرخ في 1133/31/31الصادر في الملف رقم 1131/1/31والذي أورد في حيثياته أنه:
" الثابت من قرار اإلحالة الصادر عن ال مجلس األعلى أنه حسم في مسؤولية الدولة :بعلة أن االستناد إلى المعاهدات و المواثيق الدولية لتقدير
مسؤولية الدولة رهين بالمصادقة عليها....وان اإلدارة إذا كانت ملزمة باستيفاء خدمة العالج فإنها لم تتأخر عن ذلك إهماال و إنكا ار لحق المريض
في العالج بل إنها قامت بما يجب عليها في حدود إمكانياتها ....و ان االدعاء بأن الدولة ملزمة بعالج المواطنين إطالقا حتى في الحاالت النادرة
هو بمثابة تحميلها عبئا ثقيال و التزاما صارما....وانه يجب تقدير جسامة الواجبات الملقاة على عاتق الدولة و ما تتوفر عليه من وسائل و إمكانيات
فعلية لمواجهتها و انها تكون مسؤولة عن الخطأ الذي يمكن تفاديه بالحرص العادي و غير مسؤولة إذا كان ال يمكن تفاديه إال باتخاذ إجراءات
استثنائية تتجاوز قدرتها الفعلية."...
2
حكم المحكمة اإلدارية بأكادير عدد 111/309المؤرخ في 1111/10/11الصادر في الملف رقم 1115-015ش ،والذي تم تأييده استئنافيا
بمقتضى القرار عدد 315الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش بتاريخ 1119/11/11في الملف عدد 3-11/11/111استنادا إألى
الحيثيات التالية" :وحيث إن طبيعة المرض المزمن الذي ألم بالمدعية ،وباعتباره يشكل حالة نادرة تستلزم تظافر وبذل الجهود من طرف و ازرة
الصحة العمومية المسؤولة األولى واألخيرة على سالمة المجتمع من األمراض ،وعلى محاربتها بما يضمن األمن واالستقرار فيه ،وذلك باالعتراف
بحق المواطن في هذا المجال إن على مستوى االستقبال أو على مستوى تشخيص المرض ،أو على مستوى توفير العالج ،وبما يعكسه هذا
االعتراف على أرض الواقع .
وحيث إن هذا الواجب يمتد ليشمل كل ما ال يستطيع المواطن أن يستقل بتوفيره لنفسه (المادة 39من اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان في اإلسالم
مؤتمر 13ذي القعدة ،)3013ويطوق الدولة بتوفير العالج بمفردها أو عن طريق التعاون الدولي لتهيئة الظروف المالئمة التي من شأنها تأمين
الخدمات الصحية التي باتت تشكل حقوقا كونية لصيقة بالحق األساسي العالمي لإلنسان في الحياة.
وحيث إن لئن كان الهدف من اإلدارة هو إشباع الحاجات ـ وتأمين الخدمات الطبية إحداها ـ فإن التقاعس عن إتيان هذا الواجب ،تحت ذريعة انعدام
اإلمكانيات ،يفقد مصداقية اإلدارة ويجردها من هيبتها ويشكل من جهة أخرى إخالال بواجباتها ،مما يستوجب تغطية الضرر الناجم لألفراد من جراء
هذا الموقف السلبي المتمثل في االمتناع عن توفير العالج باعتبارها ملزمة به طبقا للمواثيق والمعاهدات الدولية التي أصبحت تشكل في وقتنا
الحاضر أحد المراجع الدستورية للقوانين الوطنية.
وحيث إنه لما كان الحكم االبتدائي قد راعى هذه المبادئ وكرسها في تعليالته يكون قد صادف الصواب ،مما يتعين معه التصريح بتأييده في هذا
المقتضى.".
24
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
السالف الذكر لم يحسم في مسؤولية الدولة وإنما" :أورد مبادئ عامة كان على محكمة
اإلحالة أن تطبقها على أرض الواقع لتستخلص منها قيام مسؤولية الدولة في ضمان حق
المطلوبة في الصحة بالنظر إلى حالتها و نوع المرض الذي تعاني منه" وذلك بالنظر إلى
أن الدولة ملزمة بضمان الحق المذكور وفقا لدستور المملكة" وخاصة الفصل 13منه
الناص على أنه "تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية على تعبئة كل
الوسائل المتاحة لتيسير أسباب استفادة المواطنين والمواطنات ،على قدم المساواة من الحق
في العالج والعناية الصحية والحماية االجتماعية والتغطية الصحية ،والتضامن التعاضدي
أو المنظم من لدن الدولة "..وكذا في المواثيق والمعاهدات الدولية المصادق عليها من طرف
المغرب وخاصة ما ورد في المادة 31الفقرة األولى من العهد الدولي للحقوق االقتصادية
واالجتماعية من إقرار "الدول األطراف في هذا العهد بحق كل إنسان في التمتع بأعلى
مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه".
وختمت محكمة النقض بعد توضيحها وشرحها للمغزى من قرار محكمة النقض
السابق ،بأن حسم هذا النزاع يقتضي الوقوف على أمرين ،األول هو معرفة ما " :إذا كان
المرض الذي تعاني منه الطالبة و بالنظر إلى حالتها و إمكانيات الدولة يجب أن تتحمل
مسؤولية تطبيبها" ،والثاني هو عند تعذر تحديد أي مسؤولية للدولة الوقوف على " :نوع
الدعم المادي و المعنوي الالزم تقديمه للمريضة من طرف الدولة في إطار المستوى الممكن
بلوغه أخذا بعين االعتبار لتلك اإلمكانيات" ،وعلى هذا األساس قضت محكمة النقض
مجددا بنقض القرار المطعون فيه مع إحالة القضية على محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط
(غير المحكمة المصدرة له) للبت فيه طبقا للقانون.
1
هذا وبعد النقض واإلحالة للمرة الثانية ،أصدرت محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط
قرارها في الموضوع قضت فيه بتأييد الحكم المستأنف الذي كان قد قضى " :على الدولة
المغربية في شخص السيد الوزير األول (رئيس الحاومة حاليا) لتوفير العالج وعلى
نفقتها للمدعية ...مع ما يترتب على ذلك اانونا" ،وقد تم تأييد هذا القرار من طرف
محكمة النقض حيث قضت في قرار لها مؤرخ في 1133/31/31بما يلي" :حيث إن
1
قرار محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط عدد 0111الصادر بتاريخ 1131/13/19في الملف رقم .1130/1111/011
25
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
المحامة مصدرة القرار المطعون فيه حملت الدولة مسؤولية توفير العالج للمطلوبة
استنادا إلى الخبرة الطبية المأمور بإنبازها والتي أكدت أن المرض الذي تعاني منه في
الرأس يتم عالجه بالمستشفيات البامعية وبعض المستشفيات البهوية ،وبالتالي فإن
الدولة مببرة لتوفير العالج للمطلوبة تطبيقا للفص 13من الدستور.1" ...
والمالحظ من خالل هذا القرار أنه كرس للحماية القضائية للحق في الصحة منها عبر
مجموعة من المبادئ منها تلك المنصوص عليها في الدستور المغربي والسيما الفصل 13
منه ،وتلك الواردة في المواثيق والمعاهدات الدولية المصادق عليها من طرف المغرب وال
سيما العهد الدولي للحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية (الفقرة 31منه) لتخلص من
كل ذلك أن الدولة ملزمة بتطبيب مواطنيها أخذا بعين االعتبار ظروفها وإمكانياتها وإال فإنها
تكون مطالبة بتقديم الدعم المادي والمعنوي.
وهذه الوجهة من النظر هي ما جاء في البند الثالث من المادة الثانية من نفس العهد
الدولي الذي ينص على ما يلي" :للبلدان النامية أن تقرر ،مع إيالء المراعاة الواجبة
لحقوق اإلنسان والاتصادها القومي ،إلى أي مدى ستضمن الحقوق االاتصادية المعترف
لها في هذا العهد لغير المواطنين".
كما أن صياغة النصوص الواردة في هذا العهد جلها ترمي إلى تحقيق هدف بتسخير
الوسائل المتاحة لدى الدولة عضو فيه وحسب إمكانياتها الداخلية وبتعاون مع الدول
األعضاء ،فإن كان الحق في مستوى معيشي كاف للشخص وألسرته هو أساس الصحة فإن
المادة 33من العهد المذكور تقضي بأن تقرير الدول األطراف بحق كل شخص في مستوى
معيشي كاف له وألسرته يوفر ما يفي بحاجاتهم من الغذاء والكساء والمأوى وبحقه في
تحسين متواصل لظروفه المعيشية فإن تحقيق هذا الحق لم يأت بالوجوب واإللزام ودون ما
اعتبار لقدرات الدولة العضو بل جاء بتعهد بالقيام بالتدابير الالزمة إلنفاذه .
وبذلك ،فإن الحق في الصحة مثله مثل جميع الحقوق المضمنة في العهد الدولي
الخاص بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية والتي تعهدت الدول األعضاء بالسعي
1
قرار عدد 1/3551مؤرخ في 1133/31/31صادر في الملف رقم ( 1139/3/0/3591غير منشور).
26
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
لبلوغ مستوى عال من التمتع بها فقد جاء هو اآلخر ضمن هذه الصياغة ،وهذا ما يتضح
من خالل صياغة المادة 31منه إذ جاء فيها " :تقر الدول األطراف في هذا العهد بحق كل
إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمان للوغه".
كما أن ربط هذه المواثيق تعهد الدولة بحدود إمكانياتها المتوفرة أمر تفرضه ضرورة
التقيد بالمبدأ القانوني المجمع عليه تشريعا وفقها وقضاءا الناص على أنه " :ال يمكن التزام
أي شخص (معنويا كان أم ذاتيا ،عاما أو خاصا) إال في حدود ما يكون في مقدوره فال
يمكن إجباره على اإلتيان بالمستحيل وإال ستكون أمام التزامات غير قابلة التنفيذ".
باإلضافة إلى ما سبق ،فإن ما تجب اإلشارة إليه والتركيز عليه هنا ألهميته هو أن
الدولة وفي إطار تعهدها بمقتضى المواثيق والعهود الدولية وبمقتضى التزاماتها الدستورية
والمتمثل في السعي نحو ضمان تمتيع الشخص بالحقوق المعترف له بها وبالنظر إلى
محدودية إمكانياتها المتاحة ،فإنها تسهر على حسن استغالل تلك الموارد وتحديد األولويات.
وفي اإلطار المرتبط بالرعاية الصحية ،فإن محدودية اإلمكانيات أوجب على الدولة أن
تعمل أوال على تقريب مرافق الصحة من جميع المواطنين وأن تهتم بإيجاد األطر واألدوية
والوسائل والمعدات الطبية الكفيلة أوال بمواجهة األمراض األكثر انتشا ار وكذا األوبئة باعتبار
أن هذا هو الذي يؤمن ضمان التمتع لشريحة جد واسعة من المواطنين بحق الرعاية الصحية
وتوفير خدمة العالج ،أما األمراض النادرة أو المجهولة فال يمكن مساءلة الدولة عن عدم
توفير العالج لها إال إذا ثبت أن إمكانياتها المتوفرة تسمح بذلك إال أنها لم تفعل.
27
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
نقلها إلى خارج أرض الوطن أم ار ضروريا ،وتقدمت لهذا الغرض للمصالح القنصلية
الفرنسية بفاس بطلب الحصول على تأشيرة الدخول إلى األراضي الفرنسية قصد االستشفاء
غير أن طلبها لم يحظ بالقبول ،مما أدى إلى تزايد تفاقم وضعها الصحي بعد أن أخلفت
موعد الفحص الذي حجزته بإحدى المستشفيات بفرنسا ،وأضافت بأنها راسلت المشرفين
على الشأن الصحي بالمغرب دون جدوى ،معتبرة بأن من حقها كمواطنة أن تحظى بالرعاية
الصحية الالزمة ،وأن على الدولة بذل كافة الجهود من أجل توفير العالج لها ضمانا لحقها
في التمتع بصحة جيدة طبقا لما ينص عليه دستور المملكة ولما توصي به المواثيق الدولية
لحقوق اإلنسان التي صادق عليها المغرب ،وهو ما لم يتم توفيره لها طالما أن المستشفى
الذي كانت ترقد به ال يتوفر على الوسائل الكافية للعالج واعتبرت بأن ذلك يشكل تقصي ار
من الدولة في توفير حق العالج لها وعلى نفقتها والتمست تعويضها عن ذلك بما قدره
3.000.000,00درهم.
هذا وقد توفيت المدعية أثناء جريان المسطرة ،وبعد إصالح المقال وتبادل الردود
وانتهاء إجراءات تحقيق الدعوى أصدرت المحكمة اإلدارية بوجدة 1بتاريخ 1131/13/13
حكما في الموضوع قضى " بأداء الدولة المغربية في شخص السيد الوزير األول (رئيس
الحاومة حاليا) – وزارة الصحة في شخص وزيرها -تعويضا إجماليا لفائدة المدعين عن
الضرر المعنوي الالحق لهم وادره 450.000,00درهم".
وفي معرض تبريرها لقضائها نهجت المحكمة اإلدارية بوجدة منهجية حددت من
خاللها في البداية عناصر مسؤولية الدولة في هذه النازلة مسترشدة في ذلك بمقتضيات
الدستور المغربي والمواثيق الدولية المصادق عليها ،ثم بينت عناصر التعويض الواجب أداؤه
لجبر مختلف األضرار الالحقة بورثة المدعية.
وهكذا ،اعتمدت المحكمة اإلدارية بوجدة على عنصر عدم توفير اإلمكانيات الالزمة
الستشفاء المدعية باعتبار أن المركز الذي كانت تعالج به لم يكن يتوفر على اإلمكانيات
الالزمة لتحقيق خدمة العالج بالنظر للوضع الصحي المزري للمدعية التي أصيبت قيد
1
حكم المحكمة اإلدارية بوجدة عدد 015مؤرخ في 1131/13/13صادر في الملف رقم .1/13/11
28
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
حياتها " :لورم خبيت سرطاني بعظام الساق وهو ما تسبب لها في آالم حادة ،وأنها كانت
تخضع للعالج بمركز األنكلوجيا الحسن الثاني لوجدة وتتابع حصص العالج الكيمياوي
بانتظام إال أن العالج المذكور كانت له أعراض جانبية خطيرة تمثلت باألساس في
إصالتها بالقيء وبفقر دموي حاد".
وإلثبات عنصر عدم توفير إمكانيات العالج ،اعتمدت المحكمة على شهادة طبية
صادرة عن أطباء عاملين بالمركز المذكور من بينهم الطبيب المشرف على المدعية الذين
أكدوا بأن "المركز يعرف نقصا في اإلمكانيات" وكذا على رسالة المندوب الجهوي للصحة
بوجدة الذي أكد بأن عالج المدعية يتطلب" :وحدة استشفائية وليس استشفاء يومي"،
مستنتجة المحكمة بذلك أن المركز ال يتوفر على وحدة استشفائية.
وأخذا بعين االعتبار هذه المعطيات ،فإن المحكمة اإلدارية اعتبرت بأن" :الدولة لم
توفر اإلمكانيات لعالج المدعية ،وأنه كان يتوجب على الجهات المختصة أن تبادر إلى
توفير البديل من العالج للمدعية طالما أن و ازرة الصحة والمراكز االستشفائية التابعة لها
منوط بها توفير العالج للمرضى وتأمين الخدمات الطبية لكل المواطنين لكون هذا الحق من
الحقوق األساسية التي يجب أن يتمتع بها المريض وهو الحق المكفول بمقتضى الدستور
والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب والتزم بتطبيقها".
كما وقفت المحكمة اإلدارية أيضا على أن تدخل الدولة لعالج المدعية كان أم ار الزما
وضروريا نظ ار" :لعدم قدرة المدعية على توفير العالج لنفسها بسبب طبيعة المرض وكلفته
الباهضة".
ولم يفت المحكمة اإلدارية ،أن تؤكد بأن مسؤولية الدولة ثابتة أيضا من أنه أمام
ضعف إمكانيات العالج كان لزاما عليها" :منح المدعية التسهيالت والمساعدات الالزمة
للسفر خارج أرض الوطن قصد تلقي العالج الضروري" .وخلصت المحكمة إلى أن كل
ذلك" :يشكل خطأ جسيما يرتب مسؤولية الدولة الكاملة عن معاناة المدعية مع المرض الذي
أصيبت به وتسبب في وفاتها".
29
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وعلى هذا األساس اعتبرت المحكمة بأن طلب توفير العالج أصبح غير ذي موضوع
لوفاة المدعية ،وقضت بتعويض عن األضرار المعنوية الالحقة بورثتها اعتمادا على ما لها
من سلطة تقديرية بمبلغ قدره 50.000,00درهم لكل واحد من الورثة وعددهم ،3أي ما
مجموعه 450.000,00درهم.
غير أن الحكم بالتعويض ال يكون له محل إال في حالة ثبوت عدم توفير الحق في
العالج للمواطن المعني ،أما في حالة تحمل الدولة لتكاليف العالج واستدعاء المرفق
الصحي للمريض من أجل العالج فإن مسؤولية الدولة تبقى غير قائمة ،وهو ما حدث
بالفعل في إحدى القضايا السالف ذكرها ،حيث إن المعنية باألمر سبق وأن تقدمت بدعوى
تعويض في مواجهة الدولة على إثر صدور الحكم القاضي بأحقيتها في العالج وصيرورته
نهائيا ،غير أن المحكمة اإلدارية بأكادير 1قضت برفض طلبها بعدما تبين لها بأن المرفق
الصحي وجه لها استدعاء للخضوع لفحوصات طبية وأنها تخلفت عن الحضور لتواجدها
خارج أرض الوطن حيث اختارت العالج بفرنسا بمحض إرادتها ،مستنتجة من ذلك انتفاء
مسؤولية الدولة على اعتبار أن المتابعة الطبية التي تحتاجها المدعية متاحة في المغرب.
1
حكم عدد 1159مؤرخ في 1133/31/13صادر في الملف رقم .1139/1331/3390
30
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
الطبيب ال يلزم بشفاء المريض ألن ذلك يخرج عن إرادته ويرتبط بظروف أخرى كحالة
المريض ودرجة مناعة جسم وتفاعله مع العالج .كما أن االلتزام بمبدأ العناية المفروض على
الطبيب المتخصص ليس هو المفروض على الطبيب العام ،خصوصا وأن القضاء اإلداري
يتشدد في تقرير الخطأ المنسوب للطبيب المتخصص.
وتجدر اإلشارة إلى أنه يدخل في إطار تقدير الخطأ الظروف المادية التي يمارس فيها
الطبيب مهنته ،لذلك فالعناية المطلوبة من طرف طبيب مستشفى مزود بكافة التجهيزات
ليست نفس العناية المتطلبة بمستشفى يفتقر لتلك التجهيزات.
31
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وال يعفى الطبيب من المسؤولية عن طريق الدفع لكون العيب الموجود باآللة يرجع
لصنعها ويصعب كشفه ،وال يعفيه من المسؤولية إال في إطار القواعد العامة لدفع الخطأ
المفترض بالنسبة لحارس الشيء ،كونه قام بكل ما يلزم لمنع الضرر وإن الضرر يرجع
كحادث مفاجئ أو قوة قاهرة أو خطأ المضرور.
والحاصل من ما سبق أ نه كلما كانت األضرار الحاصلة للمريض ال صلة لها بالصبغة
الفنية لمهنة الطب وناشئة عن استعمال أجهزة وأدوات أو مواد ،فإن الطبيب يسأل عنها
مباشرة ،بكون التزامه في هاته الحالة هو التزام بتحقيق نتيجة وهي ضمان سالمة المريض
من استعمال اآلالت واألدوات الطبية ،أما إذا كانت األضرار نتيجة ألعمال الطب المهنية
فإنه ال يسأل عنها إال إذا تبت تقصيره وخروجه عن األصول العلمية ألن التزامه هنا هو
التزام ببدل العناية.1
وفي هذا اإلطار قضت المحكمة اإلدارية بالرباط بأن" :وحيث إذا كان القانون قد نص
على مجموعة من التدابير لتفادي التأثيرات غير المرغوب فيها عند الحقن بالدم ،فغنه في
نازلة الحال فإن عدم اتخاذ اليقظة من طرف المؤسسة المخول لها توزيع مشتقات الدم لم تؤد
فحسب إلى تأثيرات غير مرتقبة وإنما إلى عملية الحقن أدت إلى إصابة المدعية بمرض
يكتسي خطورة بالغة ويؤدي إلى تدمير حياة طفلة من المفروض أن توفر لها الدولة
والمؤسسات العمومية الحق في العالج والعناية الصحية كما ينص على ذلك الفصل 13من
الدستور المغربي وتنص على ذلك جميع المواثيق واالتفاقيات المتعلقة بحقوق االنسان.
1أورده محمد عبد النبوي" :المسؤولية المدنية ألطباء القطاع الخاص" ،الطبعة الثانية يناير ،1115مطبعة النجاح الجديدة ،بالبيضاء ،صفحة.05
32
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وحيث إنه واعتبا ار للضرر الجسيم الذي أصاب طفلة مقبلة على الحياة من جراء حقنها بدم
ملوث تسبب لها في مرض خطير يستحيل معه ممارسة المريضة لحياتها بشكل اعتيادي بل
ويحرمها من متابعة دراستها ،فإن التعويض الممنوح لها يجب أن يكون بحبم الخطأ البسيم
الذي تسبب لها في المس بحقها في التعليم واألمان االجتماعي" 1.كما قضت إحدى
المحاكم بأن حقن المريض بدم ليس من فصيلته يعتبر خطأ شخصيا في حق الطبيب يرتب
2
مسؤوليته الشخصية.
كما أن الصيدلي يتحمل التزاما بضمان سالمة المريض وعدم إعطائه أدوية فاسدة
ويسأل كذلك عن كل إخالل في تركيب الدواء وفي المقابل ال يتحمل أية مسؤولية إن كان
الدواء سليما ولكنه أصاب المريض لحالته الصحية.
1حكم المحكمة اإلدارية بالرباط عدد 5113صادر بتاريخ 19دجنبر 1139في الملف عدد .1139/1331/13
2قرار محكمة النقض الصادر بتاريخ 39/1/11في قضية أحمد بن يوسف ضد مركز تحاقن الدم.
3قرار محكمة االستئناف بتولوز بتاريخ 3353/31/30أورده ذ .عبد النبوي في كتابه السابق ،صفحة .09
33
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
محكمة النقض الفرنسية بأن العقد الذي يربط طبيب األسنان بزبونه ال يعدو سوى التزام
معالجته وفقا لما جرى به العمل وما يقتضيه طب األسنان ويتفق ومعطيات العلم.1
هذا االلتزام كرسه قضاء محكمة النقض من خالل قرارها الصادر في 11أكتوبر
،1133والذي يتعلق بنازلة تهم سيدة اكتشفت اصابتها بتشوه خلقي بسيط بالجهة اليسرى
من أنفها وبعد فحصها من قبل الطبيب ،المدعى عليه ،قامت بإجراء عملية جراحية لم تعط
النتائج المطلوبة ،فوصف لها الطبيب عدة أدوية ،ثم أجرى لها عملية ثانية اقتطع من
غضروف األذن قطعة ليضعها باألنف مما ألحق بها ضر ار فادحا ،وأصبحت أذنها وأنفها
مشوهتين ،فالتجأت لرفع دعوى أمام المحكمة االبتدائية بأكادير استأنفتها أمام محكمة
االستئناف بنفس المدينة والتي أصدرت قرارها بتحميل الطبيب المسؤولية على اعتبار أن
التزامه في اطار عمليات التجميل هو التزام بتحقيق نتيجة وليس بدل عناية .2وتم الطعن في
القرار أمام محكمة النقض والتي أسست لاللتزام بالتبصير عبر الحيثيات التالية" :ولكن حيث
أن المحكمة لها سلطة تقدير الحجج والوقائع الستخالص مبررات قضائها على أن يكون
االستخالص مبر ار قانونا وقضاء ،كما أن كل طبيب ملزم ببدل العناية والجهد وعدم اإلهمال
والتقصير واتخاذ كل التدابير الالزمة ،وأن مسؤولية الطبيب الجراح تبتدأ حتى قبل إجراء
العملية ،واحتمال نجاحها من عدمه ،ونسبة ذلك ،خصوصا إذا تعلق االمر بعمليات تقويم
الخلقة أو التجميل".3
وإذا كان الخطأ الطبي هو اإلخالل بااللتزام ببدل العناية الالزمة المركزة المتفقة
واألصول العلمية خالل ممارسة العمل الطبي فهل تقوم مسؤولية الطبيب كلما ساءت صحة
34
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
المريض؟ وهل كل خطأ ارتكبه الطبيب ولو كان يسي ار يؤدي إلى تحميله المسؤولية
كاألضرار الالحقة بالمريض أم أنه يجب أن يكون على درجة من الحماية؟ وما هو معيار
الخطأ الطبي؟
وهل يعتبر كل غلط ارتكبه الطبيب موجب لتحديد مسؤوليته؟ وفي هاته الحالة يجدر
بنا أن نميز بين الخطأ الطبي والغلط الطبي ،فإذا كان الخطأ الطبي ""Faute médicale
يترتب عنه مسؤولية الطبيب ،فإن عمل الطبيب ال يعتبر خطأ بمجرد حدوث ضرر
للمريض ،ذلك أنه قد يأتي الطبيب تصرفات خاطئة ورغم ذلك ال تقوم على إثرها مسؤولية
الطبيب ألنها ال تصل إلى درجة الخطأ الطبي وتعتبر مجرد غلط طبي "Erreur
."médicale
وإذا كان الخطأ الطبي هو إخالل يقع من الطبيب خالل ممارسة مهامه الطبية ترتب
عنه ضرر ويكون هذا اإلخالل من النوع الذي ال يمكن أن يصدر عن طبيب في نوع
اختصاصه بمعيار الطبيب العادي ،فإن الغلط يمكن أن يرتكبه أكبر أساتذة الطب وأكثرهم
إلماما بأصول المهنة.
وفي هذا الصدد ،قضت محكمة كرونوبل بوجود خطأ طبي في التشخيص ،ليس ألن
الطبيب ارتكب غلطا حينما قرر وجود تفكك في عظام الكتف بدال من وجود كسر في
العنق ،وإنما لكون الطبيب أجرى فقط صورة واحدة في إتجاه واحد والحال أنه كان ينبغي
عليه أن يجري صور أخرى في اتجاهات معاكسة ومختلفة ،وهو ما كان يجب أن يقوم به
35
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
أي طبيب عادي متوسط الذكاء والمعرفة .هذا وفي إطار تحديد الخطأ الطبي يجب أن نميز
1
كذلك بين األعمال المادية واألعمال الفنية للطبيب.
فاألعمال المادية هي تلك األعمال التي ينجزها الطبيب ولكنها ال تتصل باألصول
الفنية لمهنة الطب كترك إناء ساخن على مقربة مريض فاقد الوعي من جراء التخدير فينتج
له من جراء ذلك حروقا.
أما األعمال الفنية أو المهنية فهي تلك االعمال التي تتصل مباشرة بمهنة الطب
وتكتسي صبغة فنية كالفحص وتشخيص المرض وتقرير العالج وإجراء العملية الجراحية.
ويعتبر الخطأ فنيا إذا كان األمر يتعلق بإخالل الطبيب بالقواعد الفنية والتقنية لمهنته.
وتستعمل المحاكم حول الخطأ الطبي عبارات من قبيل :الخطأ الجسيم أو الخطأ الواضح أو
اإلهمال الخطير .والخطأ الطبي يجب أن يكون قائما وواضحا وثابتا ،والطبيب ال يكون
مخطئا إال إذا خالف المقتضيات العلمية المستقر عليها في مهنة الطب ويلزمه بدل عناية
يقضة وصادقة ،مما يقتضي منه أال يرتكب أي إهمال .ومن تم يكون الطبيب مخطئا إذا
اهتدى إلى طريقة وأسلوب في العالج نبده العلم وهجره األطباء وتواترت اآلراء حول عدم
نجاعته.
هذا وقد جاء في قرار لمحكمة االستئناف بالرباط أن األصل هو عدم اعتبار الطبيب
مخطئا إذا تقيد في عمله بالعادات الطبية المستقرة ألن هذا هو السلوك المألوف في رجل
المهنة العادي ،ومعيار الطبيب العادي كمعيار موضوعي هو الذي يقاس عليه ،ويقوم هذا
المعيار على قياس فعل الطبيب المنسوب إليه الخطأ بمسلك الطبيب العادي فنقول إن
الطبيب لم يرتكب خطأ ،ألن ما قام به يعتبر المسلك العادي الذي كان يسلكه أي طبيب
آخر حريص ويقض وجد في تلك الظروف أو نقول أيضا أن الطبيب قد أخطأ ألن العمل
الذي أقدم عليه ال يمكن أن يصدر من طبيب آخر يقض وحريص يوجد في نفس ظروفه.2
36
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وقد عرف االجتهاد القضائي الطبيب العادي بكونه رجل المهنة العادي أي الطبيب
الوسط الذي ال يهمل بدل العناية الالزمة وال يخرج عن أصول المهنة وقواعدها الثابتة.
ويستعين القاضي بإجراء خبرة لتوضيح السلوك العادي وما تقتضيه تقاليد المهنة وأعرافها
والمستوى العلمي وذلك دون إغفال الظروف الخارجية التي تدخل فيها خطورة المرض
وظروف الزمان والمكان واإلمكانيات المادية والبشرية كالبعد عن المستشفى وعدم توفر
وسائل المعالجة وعدم توفر أطباء اختصاصيين .لذلك يجب تقدير خطأ الطبيب الموجب
للمسؤولية في ضوء نظرية االلتزام ببدل عناية وهي عناية طبيب وسط في نفس طائفة
الطبيب المعني باألمر ومطابقة ذلك للعادات المهنية واألصول التقنية والعلمية للمهنة مع
اعتبار الظروف الخارجية المحيطة بالطبيب أثناء قيامه بمهمته.
إذا كان هذا هو معيار تمييز الخطأ الطبي ،فما هي صوره واآلثار المترتبة عنه؟
37
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
مجرد التأخر عن الحضور أو التأخر في انقاذ مريض ما لم يثبت وجود عذر قاهر يمنعه
من ذلك.
وتنبني صورة المسؤولية في هذه الحالة عن إتيان الطبيب لتصرف سلبي يتجلى من
خالل امتناعه عن تقديم العالج للمريض أو حتى تأخره في القيام وذلك بالنظر إلى ما لعامل
الزمن من أهمية في تحقيق العالج.
كما أن طبيب مهما كان تخصصه ومهامه يجب عليه أن يقدم المساعدة المستعجلة
لكل مريض يوجد في حالة خطر حال إذا لم يكن باإلمكان تقديم إسعافات طبية أخرى إليه،
وإخالل الطبيب بهذا االلتزام يعتبر تقصي ار وإهماال من جانبه.
وقد رصد القضاء اإلداري المغربي مثل هذه األخطاء في عدة قضايا ،من بينها حكم
المحكمة االبتدائية بالرباط ،والذي أدان أحد األطباء من أجل اإلمساك عمدا عن تقديم
المساعدة لشخص كان قد حضر إلى المستشفى لزيارة أحد أصدقائه الذي كان مريضا
بمصحة امراض القلب والشرايين ،حيث أصيب بالعياء نتيجة صعوده الطابق الخامس
وأصبح محتاجا لالنتعاش ،والذي رفضه الطبيب الحاضر إال بعد استيفاء اإلجراءات اإلدارية
التي استغرقت وقتا طويال وانتهى األمر إلى وفاة المريض بسبب التأخر في تقديم اإلسعاف.
وقد عللت المحكمة حكمها بما يلي" :حيث أن الطبيب كان عالما بصفة مباشرة بالخطر
الذي كان يحدق بالهالك الذي أدى إلى وفاته خصوصا وأنه طبيب متخصص في القلب
والشرايين والواجب كان يفرض عليه التدخل إلنقاذ الهالك دون الخوض في اإلجراءات
اإلدارية وأضاف ت المحكمة أن الخبرة الطبية أفادت أن عنصر الزمن في مثل هاته الحالة
عنصر جوهري وأن الوقت يحسب بالثواني وليس بالدقائق في حين ان الطبيب لم يقم بأي
إسعاف لمدة 05دقيقة ولم يقدم للمريض أي دواء مما يكون معه االمتناع عن تقديم
المساعدة لشخص في حالة خطر ثابت في حقه كما أن االمتناع عن تقديم العالج يعتبر من
الواجبات اإلنسانية للطبيب وتعسفا في استعمال الحق".1
38
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وجاء في قرار آخر لنفس المحكمة أن التأخر في تقديم العالج يعتبر خطأ طبيا ينم
عن سوء أداء المرفق الصحي للخدمة المنوطة به ،وذلك على الشكل التالي" :وحيث طالما
ثبت من ك لتا خبرتين المأمور بهما أن السبب الكامن وراء فقدان المستأنف عليها البصر
على مستوى اليسرى يتمثل في تعرضها للتعفن إثر إجراء العملية الجراحية التي أجريت لها
وعدم اجراء حقن مضادة الجراثيم داخل العين لتالفي مضاعفات ذلك التعفن فإن إحجام
الطاقم الطبي للمستشفى عن إخضاع المعنية باألمر لذلك العالج داخل أجل معقول وكفيل
بوضع حد لتداعيات التعفن ينم عن أداء المرفق العمومي للخدمة المنوطة به على وجه
1
سيء وينطوي على خطأ مرفقي".
كما يمكن إثارة المسؤولية الطبية في حالة ما انقطع الطبيب عن معالجة المريض في
وقت غير مناسب أو دون سبب مقبول ،ما لم يكن ذلك راجع إلى المريض نفسه الذي أهمل
اتباع تعليمات الطبيب أو تعمد عدم اتباعها (خطأ المضرور).
ويمكن في القانون المغربي االستناد إلى أحكام المادة 10من الفصل الثاني من مدونة
أخالقيات مهنة الطب 2والذي يجيز للطبيب التوقف عن العالج متى تأكد له احتمال إصابة
المريض بأضرار تفوق نسبة العالج ،فيكون ملزما باإلدالء بجميع المعلومات المهمة التي
تفيد نجاح وفشل االستمرار التداوي حتى يحصل على رضا متبصر ومستنير من المريض
يسمح له بالتدخل العالجي أو على األقل برضى من يعتد برضائه.
1قرار محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش عدد 311الصادر بتاريخ 11يونيو 1139في الملف عدد .1135/1111/931
2
Arrêt résidentiel relatif au code de déontologie des médecins, Bulletin officiel du 19 juin 1953, p828.
39
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
اجراء عملية استئصال الرحم تفاديا لخطر محتمل ،تعفيه من السعي للحصول على رضا
وموافقة المعني باألمر".1
كما قد سبق للقضاء أن اعتبر الطبيب مسؤوال عن قيامه بالعالج دون رضى الهالك أو
من يمثله قانونا ما لم يكن األمر يتعلق بحالة االستعجال القصوى ويقع عبء إثبات رضا
المريض على الطبيب ،وعلى هذا األساس قضت محكمة االستئناف بالبيضاء" :إن الطبيب
المعالج لم يحصل على ترخيص أو إذن من المريضة إلزالة الرحم خصوصا وإن األطباء
الذين فحصوها بعد استئصال رحمها أكدوا أنها لم تكن تشكو من سرطان يبرر التدخل
السريع من طرف الطبيب".2
وينشأ عن مخالفة مبدأ االلتزام باإلعالم خطأ من طبيعة خاصة هو االخالل بااللتزام
باإلعالم يتحقق عند تخلف االعالم كلية أو عدم كفايته أو القيام به بشكل خاطئ.
كما أن عدم إعالم المريض بنتيجة الفحص قد يترتب مسؤوليته ،وفي هذا اإلطار تنص
المادة 13من مدونة أخالقيات مهنة الطب أن الطبيب ملزم بإعالم المريض بنتيجة فحصه
ما لم يكن المرض خطي ار فإن مصلحة المريض وضرورة الحفاظ على معنوياته تقتضي غير
ذلك .غير أنه في حالة جراحة التجميل يتعين إشعار المريض بكل المخاطر المؤكدة
والمحتملة التي يمكن ان تلحق به .وفي هذا اإلطار قضت محكمة االستئناف اإلدارية
موضحة انه من التزامات الطبيب إعالم المريض وتبصيره بمخاطر العالج أو الجراحة
1قرار عدد 1303المؤرخ في 13ماي 1113في الملف عدد ،1111/5/3/3193نشور بمجلة اإلشعاع ،العدد الخامس والعشرون،
يونيو ،1111ص 313إلى .311
2قرار محكمة االستئناف بالدار البيضاء بتاريخ .1111/10/11
40
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
خصوصا إذا كانت النتيجة السلبية من األمور المتوقعة تحت طائلة تحميله المسؤولية عن
1
هذا التقصير.
ويتعين على الطبيب إعالم مريضه بالمخاطر العادية المتوقعة ،في حين ال يكون ملزما
بإعالمه بالمخاطر االستثنائية غير المتوقعة ألنه غير مجبر على ذلك لما قد يترتب عن
ذلك من مشاكل وصعوبات مادية ومعنوية تضر بسالمة عمل الطبيب .وهو ما أكده القضاء
المغربي ،حيث جاء في قرار لمحكمة االستئناف بالرباط أن" :من االلتزامات التي تقع على
الطبيب الجراح قبل اجراء العملية الجراحية للمريض أخذ موافقته على ذلك ،ويجب أن تصدر
هذه الموافقة بعد معرفته بحقيقة العملية والنتائج المحتملة عنها ،وأنه ال يجوز اجراء العملية
دون رضا المريض ،وتزداد أهمية هذا االجراء في األحوال التي يتعرض فيها المريض
للخطورة عند إجراء العملية ،حيث يجب موافقة ممثله القانوني وأقرب أقرابائه ،وإذا قام
الطبيب بإجراء العملية دون تبصير يعتبر مخطئا ،وحتى في حالة االستعجال القصوى ال
يعفى الطبيب من هذا االجراء إال إذا كانت حالة المريض ال تحتمل التأخير وأن يكون فاقد
الوعي وغير قادر على التعبير عن إرادته".2
وعلى مستوى القضاء المقارن فقد أكدت محكمة بوردو نفس المنحى موضحة أن الثقب
المحدث بالمصران الغليظ يعتبر من المخاطر المحتملة للفحص المجرى من قبل الطبيب
وأن نسبة وقوعه تصل إلى 1.115%هذا باإلضافة إلى كون الطيب كان قد بلغ للمريض
في إطار إشعاره بالمخاطر المحتملة لذلك.3
ويستفاد مما سبق أن االلتزام باإلعالم والتبصير الملقى على عاتق الطبيب ليس مجرد
واجب أخالقي عام ،بل أضحى في ظل التطورات التشريعية الحالية بمثابة التزام قانوني
أساسي مشمول بجزاءات مدنية وزجرية قررها المشرع.
41
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ويربط بعض الفقه إفشاء السر المهني بالضرر الناشئ عنه ويشترط أن يكون ضا ار
بمصلحة المريض ومن شأنه أن يمس بطمأنينته وشرفه وسمعته .وترد على قاعدة السر
المهني بعض االستثناءات ومنها التبليغ ببعض الجرائم كاإلجهاض وسوء المعاملة ضد
األطفال والتبليغ عن األمراض المعدية.
1قرار محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 3301/11/11أورده ذ.عبد النبوي ،المرجع السابق ،ص.311
42
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ويتجلى الهدف من الفحص التحقق من وجود دالالت أو ظواهر معينة تساعد الطبيب
في وضع التشخيص المناسب للمرض .ويستطيع الطبيب في حالة عدم القدرة للوصول
لتشخيص المرض عن طريق األدوات البسيطة أن يلجأ إلى إجراء فحوصات أكثر دقة
1
وعمقا ،كالتحاليل الطبية واألشعة والمناظير.
األولى :هي مرحلة الفحص الطبي التمهيدي ،وفيها يستعمل الطبيب يده أو أذنه أو
بعض المعدات البسيطة ،وهي ضرورية قبل اللجوء ألي عالج.
الثانية :وهي مرحلة الفحص الطبي التكميلي ،ويقوم من خاللها الطبيب بإجراء
فحصوات معمقة بواسطة أجهزة حديثة للتعرف على حالة المريض ،كالتحاليل وأجهزة
2
التصوير والتخطيط.
وتكون هذه المرح لة مترجمة للدالئل المتحصل عليها في الفحص األولي ،واستقراء
نتائجها لوضع التشخيص الدقيق للمرض.
ويعد عدم قيام الطبيب بإجراء الفحوصات األولية ،قبل البدء في العالج أو الجراحة
إهماال يمكن أن يثير مسؤوليته .وهو ما ذهب إليه القضاء الفرنسي حين اعتبر أن إجراء
الفحوص الطبية التمهيدية للمريض ،يعد أم ار ضروريا قبل اإلقدام على إجراء الجراحة أو
1أسعد عبيد الجميلي" :الخطأ في المسؤولية الطبية المدنية ،دراسة مقارنة" ،عمان دار الثقافة والنشر والتوزيع ،1113 ،ص 103؛ رمضان جمال
كامل" :مسؤولية األطباء والجراحين المدنية" ،القاهرة ،المركز القومي لإلصدارات القانونية 1115 ،ص .13
2هشام عبد الحميد فرج" ،األخطاء الطبية ،اإلسكندرية" ،دار الفجر للنشر والتوزيع ،1111 ،ص .335
43
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
تنفيذ العالج ،وأن اإلهمال الواقع من الطبيب في إجراء مثل هذه الفحوص ،يشكل خطأ في
جانبه ،تقوم به مسؤوليته.
كما ذهب القضاء المغربي في نفس التوجه من خالل مجموعة من األحكام من بينها
حكم صادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في 31نونبر 1130والذي جاء فيه" :وحيث إنه
بالنظر إلى أن البت في الطلب يستوجب بيان مسائل فنية ،فقد أمرت المحكمة بإجراء خبرة
طبية على ابنة المدعي ،فخلص الخبير المنتدب بعد فحصه لهذه االخيرة إلى أن المسؤولية
ثابتة وال جدال فيها منذ دخول السيدة ....إلى المستشفى إلى خروج ابنتها يسرى إلى
مستشفى األطفال ،إذ ال يعقل أن يكون تناقض بين اطباء الحراسة في يوم عيد الفطر،
طبيب أمر بإجراء عملية قيصرية وطبيبة أكدت بأن الوالدة يمكن أن تكون عادية ،ال وجود
ألشعة الحوض و ال إيكوغرافيا الجنين التي تعطي فكرة عن وزن الجنين و وضعيته و بذلك
ال وجود لالحتياطات الالزمة لتفادي مثل هذه الخطورة أثناء الوالدة و أن هناك تسرع في أخذ
1
المبادرة من طرف الطبيبة مما أدى إلى خطأ طبي".
وتكتسي عملية تشخيص الحالة الصحية للمريض أهمية بالغة ،إذ على أساسها يتم
تحديد طبيعة المرض ووضعه في اإلطار المناسب له ،فالتشخيص إذن هو عملية فكرية
3
معقدة ،يتم التعرف من خاللها على المرض انطالقا من األعراض التي يعانيها المريض.
44
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
والتشخيص متصل بفن الطب وصنعته ،فهو ثمرة تفسير شخصي جدا للوقائع ،لذلك
ذهب القضاء الفرنسي إلى أن مجرد الغلط ( )L’erreurفي التشخيص ال يشكل من حيث
المبدأ خطأ تقوم به مسؤولية الطبيب .2وبالتالي ال مسؤولية للطبيب على غلطه في
التشخيص الذي يقع فيه بالرغم من اتباعه لألصول الفنية ،واستعانته بجميع الوسائل الطبية
المتيسرة ،وهذا ما ذهبت إليه محكمة االستئناف بالدار البيضاء في أحد ق اررتها حين اعتبرت
3
أن الغلط في التشخيص ال يعتبر في حد ذاته خطأ من شأنه إقامة مسؤولية الطبيب.
كما يجب القول بأن العلوم الطبية ال زالت في تطور مستمر ،وأن طرق التشخيص
والعالج محل خالف بين العلماء ،وفي هذا الشأن قضت محكمة النقض الفرنسية بأنه طالما
كنا بصدد حالة ما زالت محط بحث علمي ،فإن الطبيب ال يسأل إذا كان الخطأ في
كما ال يسأل الطبيب إذا كان الخطأ 4
التشخيص راجعا إلى مفاضلة رأي علمي على آخر.
في التشخيص راجعا إلدالء المريض ببيانات كاذبة.
وفي القانون المقارن ،اهتم المشرع الفرنسي بالتشخيص كعمل طبي ،ورتب في حق من
يقوم به بشكل غير مشروع المسؤولية الجزائية بالممارسة غير المشروعة للطب ،ويكون القيام
بالتشخيص حسب المادة L.4161-1من مدونة الصحة العمومية الفرنسية من خالل أعمال
شخصية ،استشارات شفوية أو مكتوبة وأي طريقة أخرى كيف ما كانت .5ونظ ار ألهمية
1عبد السالم التونجي" ،المسؤولية المجنية –مسؤولية الطبيب في القانون المقارن" ،ليبيا ،الشركة العامة للنشر والتوزيع واالعالن ،الطبعة الثانية،
،3315ص 155
2
Cassation Civile, 04 janvier 1974, B.I n°04 du 12 novembre 1985.
3قرار عدد 3/530المؤرخ في 19فبراير 1111الصادر في الملف عدد 11/9011
4قرار محكمة النقض الفرنسية المؤرخ في 13ماي 3311نقال عن :وفاء حلمي أبو جميل ،الخطأ الطبي ،القاهرة ،دار النهضة العربية،3391 ،
ص 51؛ صالح عجاج ،المسؤولية المدنية للطبيب ،دراسة مقارنة ،طرابلس (لبنان) ،المؤسسة الحديثة للكتاب ،الطبعة األولى ،1110 ،ص113
5
L’article L.4161-1 du Code de la Santé Publique (CSP) dispose que : « Exerce illégalement la médecine :1°
Toute personne qui prend part habituellement..., à l’établissement d’un diagnostic… par actes personnels,
consultations verbales ou écrites ou par tous autres procédés quels qu’ils soient… ».
45
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
التشخيص في الكشف عن األمراض واالصابات الخطيرة ،فقد جعله المشرع الفرنسي اجباريا
1
قبل والدة الجنين ،وهذا للوقاية من أي خطر يهدد سالمة الحمل والطفل بعد الوالدة.
ويرافق هذا التشجيع على استعمال الوسائل والتجهيزات الطبية تحذير هام يخص أعضاء
السلك الطبي ،العمومين والخواص ،بعدم اللجوء ألساليب تشخيصية أو عالجية غير مؤكدة.
وهكذا يمكن أن تثار مسؤولية الطبيب انطالقا مما يتطلبه القيام بعملية التشخيص تتبع
البروتوكوالت العالجية الموضوعة ،ونذكر على سبيل المثال:
.3القيام بالفحص بطريقة سطحية وسريعة أو غير كاملة أو عدم استعمال الوسائ
العملية الحديثة التي اتفق على استخدامها كالسماعة واألشعة والفحص
المياروساوبي :ذهبت محكمة النقض إلى أن سوء التشخيص يعتبر خطأ طبيا موجبا
للتعويض ،إذ جاء في حيثيات أحد ق ارراتها أنه...." :مع الدكتور ...أخصائي أمراض
العيون في القطاع الخاص أكد أن الضحية أصبح مصابا بالعمى في عينه اليمنى
الشيء الذي أكده األطباء الذين أشرفوا على العملية التي أجريت على عينه بمستشفى
االختصاصات بالرباط بعد ذلك لكون العلمية جاءت متأخرة وأن سوء التشخيص أثناء
الفحص األولي الذي تاله إهمال في عالجه وعدم بذل العناية الالزمة التي تستوجبها
حالة المصاب من طرف المستشفى المذكور يشكل خطئا مرفقيا في أداء إدارة
المستشفى على وجه سيء كان هو السبب المباشر في فقدان الضحية لبصره".2
وصرحت نفس المحكمة في قرار آخر إلى أن الطبيب يسأل عن الخطأ في التشخيص
وفي العالج وفق األصول الطبية المرعية.3
1
Selon l’article L2131-1 du CSP : « I. Le diagnostic prénatal s’entend des pratiques médicales, y compris
l’échographie obstétricale et fœtale, ayant pour but de détection utero chez l’embryon ou le fœtus une
affection d’une particulière gravité ».
2القرار عدد 951الصادر في 33نونبر 1119في الملف عدد .1111/1/0/1113
3
القرار عدد 1/311المؤرخ في 33مارس 1131والصادر في الملف عدد .1131/1/3/1111
46
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
هذا األساس في مجموعة من النوازل سنتطرق لها بالتفصيل عند مناقشة المسؤولية
الطبية في طب التوليد.
ويعرف العالج بأنه الوسيلة التي يختارها الطبيب ،والمؤدية للشفاء من المرض أو الحد
من أخطاره أو التخفيف من اآلالم الناتجة عنه ،سواء بتخفيفها أو القضاء عليها .ويقتضي
الحديث عن العالج تناوله من خالل مرحلتين أساسيتين وهما وصف العالج ثم تنفيذه.
ويتمتع الطبيب في هذا اإلطار بالحرية في اختيار العالج األنسب للمريض ،وهي
مسألة أساسية ينبغي احترامها من جانب القضاء ،نظ ار لكون مهنة الطب كغيرها من المهن
الحرة تتميز بوجود المبادرة الشخصية كسمة بارزة لها ،فضال عن أن عامل التخمين يلعب
دو ار هاما في هذا المجال.2
وعادة ما يحرر الطبيب العالج المتوصل إليه بعد التشخيص في الوصفة الطبية ،التي
تعرف بأنها" :وثيقة مكتوبة ،يحررها الطبيب المعالج تتضمن تحديد حالة المريض انطالقا
من عملية ا لتشخيص ،أو تحديد تنظيم معين يقتضي على المريض اتباعه أو وصف أدوية
لعالج الداء الذي يعاني منه هذا األخير".3
1عبد الرشيد مأمون ،عقد العالج بين النظرية والتطبيق ،القاهرة ،دار النهضة العربية ،3391 ،ص.130
2قيس بن محمد آل الشيخ مبارك ،التداوي والمسؤولية الطبية في الشريعة اإلسالمية ،دمشق ،دار الفارابي ،الطبعة الثالثة ،1111 ،ص.305
3
Louis Melennec et Gérard Memeteau, Traité de droit médical, Tome 6, Paris, Edition Maloine, 1982, p83.
47
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ويجب أن تظهر الوصفة الطبية بوضوح كافة االلتزامات المفروضة على الطبيب في
مجال العمل الطبي :تشخيصا ،واختيا ار للعالج ،ومطابقة لمعطيات العلم المتوفرة ،فضال عن
ضرورة احتوائها على كافة المعطيات القانونية ،ألنها تعتبر وثيقة إثبات للعالقة القائمة بين
المرفق الصحي والمريض ،وهي بذلك تساهم في تخفيف عبء االثبات لمن هو مطالب به،
في حالة تضمينها للمعلومات الالزمة.
وتجدر اإلشارة إلى أنه ،ومع إمكانية استخدام الطبيب ألساليب جديدة في ظل ما تكفله
له الحرية العالجية ،فإنه ال يجوز له أن يقوم بتجربة طريقة جديدة وغير آمنة في العالج أو
غير معروفة النتائج شكل جازم.
وقد يكون تنفيذ العالج بسيطا ،يشترك فيه المريض مع الطبيب ،كأن يصف له دواء
ويوجهه لطريقة استعماله .كما قد يكون العالج أصعب من ذلك بـأن يشمل القيام بالعمليات
الجراحية ،وما تستلزمه من ضرورة قيام الطبيب بواجبه بكل دقة من الفحص إلى التشخيص،
وصوال إلى إجراء العملية.
وحيث إذا ما كان النشاط الطبي تدخال جراحيا ،فإن طبيب القطاع العام يكون ملزما
بضمان سالمة المريض ألن أي إخالل بهذا االلتزام قد يرتب قيام مسؤولية المرفق الصحي
حسبما جاء في قرار لمحكمة النقض" :لكن حيث إن محكمة االستئناف لما تبين لها من
خالل تقرير الخبرة أنه كان على الطبيب المعالج قبل أن يقوم بالبتر الجزئي للم اررة أن يقوم
بعلمية تشخيص راديولوجي وتفريغ محتواها ووضع قناة لتصريف اإلف ارزات خارج الجسم وأن
العملية التي قام بها الطبيب المذكور لم تكن ضرورة وأن حالة الضحية لم تكن تستدعي ذلك
واستن تجت بأن عدم قيام الطبيب بما يجب وتقصيره في بذل العناية الالزمة تسبب في تضرر
48
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
المطلوب في النقض باضطرارها إلى إجراء عملية ثانية ورتبت على ذلك قيام مسؤولية
1
المرفق العام لثبوت الخطأ والضرر والعالقة السببية بينهما."...
كما جاء في حكم للمحكمة اإلدارية بوجدة" :وحيث يتمثل الخطأ الواضح في نازلة
الحال من جانب الطبيب الجراح بالمستشفى ،...حيث أجريت العملية المدعية في عدم
ضمانه سالمة المريضة ونسيان اإلبرة في لسانها وهو ما أكده الخبير في تقرير الخبرة مما
يجعل المسؤولية الطبية قائمة في مواجهة المستشفى اإلقليمي ...التابع لو ازرة الصحة
2
العمومية طبقا لمقتضيات الفصل 13من ق.ل.ع".
كما قد يأخذ الخطأ في تنفيذ العالج شكل عدم اتخاذ االحتياطات القبلية الالزمة
السابقة على التدخل الجراحي ،مما يرتب مسؤولية المرفق الصحي ،وفي هذا الصدد نستشهد
بقرار محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط والذي جاء فيه" :وحيث إنه اعتبا ار لهذه المبادئ
والقواعد التي أقرها االجتهاد القضائي وانطالقا من العناصر والمعطيات التي أفرزها تقرير
الخبرة بأن الهالكة أجريت لها عملية جراحية على خراج الزائدة الدودية إال أنه كان يستوجب
إجراء عملية قبلية من أجل الصرف مع العالج بالمضادات الحيوية قبل القيام بعملية
استئصال الزائدة ،وبالتالي واستنادا على التقرير المذكور يكون الطاقم الطبي الذي أشرف
على العملية التي أجريت للهالكة قد ارتكب خطأ بعدم اتخاذ االحتياطات الالزمة السابقة
للعملية المذكورة مما أدى إلى وفاتها".3
ثالثا :مسؤولية المرفق الصحي خالل المرحلة الالحقة على وصف العالج
يتمثل عمل الطبيب في مرحلة ما بعد العالج في مراقبة المريض ومتابعته ،خصوصا
إذا كان العمل جراحيا .وتعتبر الرقابة الطبية من أهم مراحل التدخل الطبي ،لما يترتب عليها
من تحقيق سليم للوصول إلى شفاء المريض ،وخاصة بعد إجراء العمل الجراحي ،إذ يتوقف
حسن وسالمة رقابة المريض على نجاح أو فشل العمل الطبي السابق برمته.
1قرار محكمة النقض عدد 03المؤرخ في 31يناير 1131والصادر في الملف رقم .1113/1/0/113
2الحكم عدد 90المؤرخ في 11فبراير 1131في الملف عدد .1/31/15
3قرار محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط عدد 399بتاريخ 11مارس 1130في الملف عدد .1/31/153
49
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
كما قد يحدث أن يكون عالج المريض مستوجبا لمتابعة طبية ،ال سيما مع استعمال
أدوية مؤثرة أو خطيرة أحيانا ،إذ إن عدم قيام الطبيب بالمتابعة بعد هذا الوصف يعتبر خطأ
يرتب مسؤوليته.1
ومن التطبيقات ا لقضائية المعروفة على هذا الصعيد ما قررته محكمة Poitiersمن
إدانة الطبيب المتسبب بوفاة سيدة ،بعد أن وصف لها عالجا خطي ار دون إجراء فحص سابق
وبدون متابعة مباشرة لآلثار العالج الموصوف .2كما توسع القضاء الفرنسي في تحديد
مضمون التزام الطبيب بالمراقبة بأن أدانه لعدم التأكد بنفسه من متابعة العالج وتنفيذ
المريض للتعليمات التي أصدرها له.3
1منير رياض حنا ،المسؤولية المدنية لألطباء والجراحين ،دار الفكر الجامعي اإلسكندرية ،1119 ،ص.133
2محمد سامي الشوا ،الخطأ الطبي أمام القضاء الجنائي ،دراسة مقارنة في القضاءين المصري والفرنسي ،القاهرة ،دار النهضة العربية،3331 ،
ص .30
3المحكمة االبتدائية بتولوز ،بتاريخ 13يونيو ،3311ذكره محمد الشوا ،المرجع السابق ،ص .35
4قرار محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 33أبريل ،3390أورده :أحمد حسن الحياري ،المسؤولية المدنية للطبيب في ضوء النظام القانوني األردني
والنظام القانوني الجزائري ،عمان ،دار الثقافة ،الطبعة األولى ،1119 ،ص .315
50
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
األصول العلمية الثابتة ،وقد قضت محكمة االستئناف بباريس بأن طبيب اإلنعاش والتخدير
مكلف بمراقبة المريض بعد العم لية ليس إلى حين استشفائه ولكن إلى حين استرجاع وظائفه
الحيوية وعلى األخص وظيفة األمعاء.1
هذا ،وبعد أن تعرفنا على معيار الخطأ الطبي وصوره ،نتساءل عن موقف القضاء من
المسؤولية الطبية في القطاع العام.
ويجب التذكير بأن المشرع المغربي لم يدخل أي تغييرات على طبيعة ومضمون
النصوص القانونية التي نظمها قانون االلتزامات والعقود الصادر سنة 3331باعتبارها قواعد
عامة خاصة بالمسؤولية بناء على خطأ وبالخصوص الفصل 13منه ،في حين أصدر
بعض النصوص المتفرقة بعد االستقالل والتي تنظم شروط مزاولة مهنة الطب باإلضافة إلى
سلوكيات الطبيب مثل الظهير المنظم لمزاولة مهنة األطباء ،دون أن يهتم بما قد يلحقه
األطباء من أضرار بالمرضى أثناء السهر على مداواتهم وعن إمكانية تعويضهم عنها في
حالة ارتكابهم لخطأ ما من خالل نصوص قانونية صريحة.
1
حكم محكمة االستئناف بباريز بتاريخ .1111/11/31
51
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
المسؤولية عن تسيير مصالح اإلدارة ولو بدون خطأ وال يعفى من هذه المسؤولية إال إذا أثبت
أن الضرر رجع إلى خطأ المضرور أو القوة القاهرة " .1وفي قرار آخر لنفس المحكمة جاء
فيه " :أن الدولة مسؤولة عن األضرار الناتجة عن تسيير إدارتها مسؤولة مبنية على فكرة
المخاطر وليس على عنصر الخطأ ويكفي لقيام مسؤولية الدولة المبنية على نظرية المخاطر
في إطار الفصل 13من ق.ا.ع وإثبات العالقة المبنية دونما حاجة إلثبات الخطأ".2
غير أن هذه المحكمة عدلت عن هذا التوجه في قرار آخر وأوضحت أن مسؤولية
الدولة طبقا للفصل 13ال تفترض وإنما البد من إثبات الخطأ المصلحي المنسوب إلى أحد
موظفيها وأن الملف خال مما يفيد فيه الخطأ المصلحي إلى الهيئة الطبية .3لذلك ومن خالل
تتبع أحكام القضاء في فترة ما بعد االستقالل وقبل إنشاء المحاكم اإلدارية نجد أن محكمة
النقض كسائر محاكم الموضوع خالل هاته الفترة تتأرجح بين نظرية المخاطر والخطأ
المرفقي.
وهكذا سنتطرق لطبيعة المسؤولية الطبية اإلدارية من خالل مناقشة المسؤولية المرتكزة
على الخطأ والمسؤولية في إطار نظرية المخاطر.
في حين عرفته محكمة النقض بأنه" :كل نشاط سواء بالفعل أو الترك ،ال يتفق مع
القواعد المهنية وينتج عنه ضرر ،ويقصد به أي نشاط أو عمل طبي مقدم للمريض يخرج
52
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
عن المألوف والقواعد الطبية المتبعة والمألوفة في المهنة واالختصاص وينتج عنه ضرر
للمريض بسبب هذا العمل الطبي أي يرتبط بعالقة سببية ،وقد يكون الخطأ فنيا".1
وينطوي الخطأ الطبي وفقا للقواعد العامة على ركنين أولهما مادي قوامه التعدي الذي
يتحقق بإتيان تصرف عمل إيجابي أو سلبي يخل بالتزام معين ،أما ثانيهما فهو اإلدراك
المتربط بالتمييز.
ويشمل خطأ الطبيب بوجه عام خروجه عن القواعد واألصول العلمية الطبية التي
تفرضها عليه مهنته 2،والذي ينبغي تمييزه عن الغلط الذي يمكن أن يصدر من أي طبيب
ويتصور وقوعه في مرحلة التشخيص كما سلف الذكر طالما أن هناك بعض األمراض التي
تتشابه من حيث األعراض ومن ثم فإنه ال يشكل في حد ذاته خطأ طالما لم ينم عن جهل
جسيم بأصول وقواعد المهنة.3
وق د كان القضاء المغربي سباقا إلى تأصيل بعض األحكام المتعلقة بالمسؤولية الطبية،
كانت أولها تلك المتعلق بقضية السيدة Garnierضد الدكتور Comteالتي صدر بشأنها
قرار لمحكمة االستئناف بالرباط ،اعتبر التزام الطبيب التزاما فقط بالتعهد باستخدام الوسائل
53
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
المالئمة لتحقيق نتيجة معينة دون ضمان الشفاء ،1وقد ترسخ هذا الموقف من خالل قضية
الطبيب صنديد.2
وعلى الرغم من كل ما سبق لم تكن عملية تقدير الخطأ الطبي مستقرة على معايير
محددة ،بل عرفت في مرحلة أولى اعتماد التفرقة بين العمل الطبي والعمل العالجي من
خالل معيار الخطأ البسيط والخطأ الجسيم ،أما المرحلة الثانية فعرفت التخلي عن هذا
التقسيم.
وهكذا يكون العمل طبيا متى أنجز من أشخاص محددين هم الطبيب أو الجراح أو أي
تقني آخر تحت اشرافهما أما العمل العالجي فهو الذي ينسب إلى أشخاص غير الذين
ذكروا.
ويتبين من التقسيم أعاله أنه استند إلى معيار عضوي يتعلق بصفة القائم بالعمل،
ويترتب عنه أن الخطأ المترتب عن العمل الطبي ال يكون إلى جسيما لعدة اعتبارات منها أن
األخذ باألخطاء البسيطة يؤدي إلى عرقلة نشاط اإلدارة.
وقد سلك القضاء المغربي نفس التقسيم ورتب عليه ذات النتائج بناء على تأويل معين
على امتداد الفترة الممتدة من سنة 3301إلى سنة 3319متأث ار ببعض الفقه الفرنسي
المعني بالقانون اإلداري بالمغرب.3
ومن أمثلة األخطاء الجسيمة في هذا الصدد تشخيص األمراض بناء على مالحظات
غير كافية أو تشخيصها بشكل متأخر وقيام غير الطبيب بإجراء عملية جراحية.
ويعد العمل ا لعالجي بخالف العمل الطبي ،عمال تطبيقيا روتينيا ال يتطلب معلومات
نظرية كبيرة ،بل قد ينجزه تقني عادي وبسيط ينتمي إلى السلك شبه الطبي كالممرض مثال.
1قرار محكمة االستئناف بالرباط الصادر بتاريخ 13يناير 3301والمنشور في GMTلسنة ،3301ص .11
2قرار محكمة االستئناف بالرباط الصادر في الملف 99/1113والصادر بتاريخ 13مارس .3391
3أحمد ادريوش" ،مسؤولية مرافق الصحة العمومية" ،سلسلة المعرفة القانونية" ص .30
54
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وبما أن العمل العالجي يبدو تبعا لما سبق عمال بسيطا فإن الخطأ المتطلب لقيام
المسؤولية عنه ال يكون سوى الخطأ البسيط وذلك من قبيل:
استعمال دواء خاطئ أو دون تجريب مسبق؛
أخطاء الحقن؛
استعمال شخص غير مؤهل لضمادات ساخنة لفائدة مريض أدت إلى حروق؛
إفراغ الممرضة لسائل كيماوي على يد المريض.
غير أن القضاء ما لبت أن تراجع عن التقسيم السالف الذكر بما يفضي إليه من تطلب
جسامة الخطأ المعني على المرافق الصحي العمومي لألسباب التالية:
صعوبة تحديد مفهوم الخطأ الجسيم بناء على معايير دقيقة تتطلب من القاضي
الخوض في مجال علمي وتقني يفتقر إلى أسس فهمه رغم استعانته بالخبرة
الطبية؛
وجوب تحقيق المساواة بين المضرورين ألن ضحايا العمل الطبي يكونون أقل
حظا من نظرائهم من ضحايا العمل العالجي؛
إن إعتماد هذا التقسيم يؤدي على تشجيع األطباء على اإلهمال؛
صعوبة إثبات الخطأ الطبي من جانب المضرور في ظل التطور العلمي
والتقني الذي بلغه الطب.
وهكذا عرف إذن اثبات الخطأ الطبي الجسيم مجموعة من الصعوبات ،التي لم تكن في
صالح ضحايا األخطاء الطبية ،بقدر ما كانت تعفي المرفق الصحي من المسؤولية وذلك
بسبب غياب معيار لتحديد الجسامة ،فالخطأ الجسيم قد ينتج عنه أضرار جسيمة ،وقد ال
ينتج عنه أي ضرر.
وانطالقا مما سبق ،فضل القضاء التحول في اتجاه اعتماد معيار الخطأ البسيط للقول
بقيام مسؤولية المرفق الصحي العمومي الذي يتجلى بشكل أعم فيما أصبح القضاء يعتبره
سوء تنظيم عمل المرفق الصحي سواء تعلق األمر بعمل طبي أو عالجي ،وهذا ما استقر
عليه القضاء.
55
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وعليه فإن مسؤولية مرفق الصحة العام تقوم من الناحية المبدئية إذا كان الخطأ بسيطا
واضحا وليس احتماليا يتعلق بالتنظيم السيء للمرافق الصحة العمومية والذي يعتبر حسب
الفقه نوعا من األخطاء المرفقية .1ومع ذلك فإن هذه األخطاء تختلف تماما عن األخطاء
المرتبطة بالنشاط الطبي كونها من األعمال المادية والطبية الصادرة عن األطباء أنفسهم أو
عن الممرضين ،أما األخطا ء المتعلقة بسوء التنظيم فتنشأ في حالة قيام ضرر عن كل عمل
ال يمكن اعتباره عمال طبيا 2والذي يرجع باألساس إلى أسباب عديدة منها:
سوء تنظيم األماكن3؛
استعمال أدوات غير صالحة؛
نقص في الحراسة أو عدم كفايتها؛
اإلهمال مثل معالجة ضحية حادثة مرور في قاعة مخصصة لمصابين
بأمراض معدية؛
التأخير في تبليغ الجراح عن تدهور حالة المريض؛
غياب مساعدين مؤهلين؛
نقص المراقبة؛
اختطاف طفل حديث الوالدة من مصلحة التوليد؛
هروب مريض عقلي واض ارره بالغير؛
إصابة المرضى بالعدوى.
ويمكن القول على العموم أن الخطأ على هذا الصعيد يتسم بما يلي:
1سليمان الطماوي" :القضاء اإلداري" ،الكتاب الثاني ،دار الفكر العربي ،مصر ،3311ص .313
2
Moreau Devillier Jaquelin : « La responsabilité administrative », PUF, 1996, p178.
3فقد جاء في قرار محكمة النقض عدد 311المؤرخ في 11فبراير 1131الصادر في الملف عدد " : 1131/3/0/331لكن حيث إن المحكمة
لما تبين لها من وثائق الملف أن الخبرة المأمور بها أفادت بأن البئر الذي سقط فيه الضحية الهالك تقع خلف المستشفى المحلي لتافراوت وعلى
جزء من الملك التابع لهذا األخير والجاري في ملكية الدولة واألمالك المخزنية (أمالك الدولة) ،وإن الساحة التي توجد بها تلك البئر غير مسيجة
ومفتوحة في وجه العموم ،واعتبرت تبعا لذلك أن مسؤولية الدولة قائمة بالنازلة بمقتضى الفصل 13من قانون االلتزامات والعقود ،وتعطي للوالدين
(المطلوبين في النقض) الحق في طلب تعويضهما عن األضرار المعنوية الالحقة بهما من جراء وفاة ابنهما الهالك ،تكون قد بنت قضائها على
أساس سليم من القانون ،وعللت قرارها تعليال كافيا ،والسيما وأن مسؤولية الدولة بنازلة الحال هي مسؤولية مفترضة وأن تقدير التعويض يرجع إلى
السلطة التقديرية لقضاة الموضوع وما بدا بالوسيلة على غير أساس".
56
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
بأنه ليس خطأ جسيما ،بقدر ما يمكن اعتباره خطأ بسيطا ،ومع ذلك فإن
الخطأ الطبي ليس من شأنه أن يجعل التزام الطبيب التزاما بنتيجة ،بل يظل
دائما التزام بعناية.
الخطأ الطبي خطأ خاص ،Faute spécifiqueفهو وإن كان خطأ بسيطا ،إال
أنه يتم تقديره وفق "لقوانين الطب" ،وال يمكن قياسه على غيره من األخطاء،
ويظل ممي از-على سبيل المثال -عن الخطأ في تنظيم وتسيير المرفق.
وفي األخير البد من اإلشارة إلى أنه رغم إقرار القضاء اإلداري بالخطأ الجسيم للطبيب
فإنه يستبعد تطبيق الفصل 91ق.ل.ع .وال يحمل الطبيب المسؤولية الشخصية عن خطئه
الجسيم إال في حاالت نادرة جدا ،بل إنه يلجأ إلى إلباس المسؤولية الشخصية المسؤولية
اإلدارية على الرغم من توفر عناصر المسؤولية الشخصية ،والمثال على ذلك حكم المحكمة
اإلدارية بالرباط بتاريخ 1111/10/39في قضية استئصال أجزاء سليمة في المعدة والبلعوم
نتيجة تشخيص خاطئ من الطبيب .وفي حالة أخرى ،ذهبت المحكمة اإلدارية بالرباط في
حكمها عدد 3011إلى القول" :إن قيام الطبيب أثناء العملية الجراحية ببتر م اررة المدعية
بالرغم من كونها سليمة عوض العضو المصاب بالورم شكل خطا واضحا موجبا مساءلة
المرفق الصحي".1
وعلى الرغم من أن األمر يتع لق بخطأ شخصي فإن المحكمة ألبسته لباس المسؤولية
اإلدارية ،وهذا االتجاه من شأنه أن يؤدي إلى تمادي العاملين بالمرفق الصحي في اإلهمال
والتقصير إلحساسهم المسبق كونهم محميين بغطاء المسؤولية اإلدارية للدولة.
1
قضية المعروفي ضد المركز االستشفائي ابن سينا.
57
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وقد اهتدى القاضي اإلداري ،مواكبة لهذا التطور ،إلى إرساء دعائم جديدة لتحكم
المسؤولية عن االعمال الطبية سعى من ورائها إلى إعفاء المريض من عبء اثبات الخطأ
في حدود معقولة تستجيب لمتطلبات العدالة وما تقتضيه من توزيع متساو للمخاطر بين
الطرفين.
وفي هذا السياق تبدو نظرية الخطأ المفترض امتدادا للشروط الكالسيكية المتطلبة لقيام
المسؤولية أمام القضاء اإلداري من حيث االعتماد الدائم على عنصر الخطأ كمركز ثقل في
أية معالجة للمنازعة المتعلقة بمسؤولية مرافق الصحة العمومية.
وتتميز نظرية الخطأ المفترض عن الخطأ الواجب االثبات في كونها تقود إلى تقرير
مسؤولية المرفق الصحي عن طريق االستنتاج وبمجرد وقوع الضرر خالفا للقواعد العامة
التي تتطلب من المدعي اثبات خالف الوضع الظاهر.1
ويتم من خالل االستنتاج إعادة توزيع عبء االثبات بكيفية مفترضة من خالل قرائن
قضائية تحقق نقال لمحل االثبات يتم بجعل وجود الوقاعة المتنازع بشأنها رهينا بوجود واقعة
أخرى.2
وقد أخذ القضاء اإلداري بالقرائن في مجال اثبات الخطأ الطبي ،حيث جاء في قرار
لمحكمة النقض صادر بتاريخ 31يناير " :1115وأن األخير (الطبيب) لم يثبت أن العضو
الذي باشره بالعملية الجراحية المذكورة لم يكن قبل ذلك يؤدي وظيفته األساسية ،كما لم يثبت
أن تعطيل ذلك العضو عن وظيفته لم يكن بسبب العملية الجراحية وإنما بفعل أسباب أخرى
خاصة وأن عدم استبعاد حصول التعقيدات المؤدية إلى فقدان البصر خالل العملية الجراحية
بمقتضى الخبرات المنجزة في القضية يمثل قرينة تناضل لفائدة المدعي (المريض) وأن
المستأنف عليه الذي يحاول دفع المسؤولية عنه تحت ذريعة وجود أسباب أخرى أدت إلى
وقوع الضرر والتي لم يستطع إقامة الحجة عليها لم يثبت بأنه قام بما يلزم من الحيطة
والحذر لد أر المسؤولية عنه".
1
محمد حسن قاسم" ،اثبات الخطأ في المجال الطبي" ،دار الجامعة الجديدة للنشر ،اإلسكندرية ،1111 ،ص.35
2يوسف محمد المصاورة" ،االثبات بالقرائن في المواد المدنية والتجارية" ،دار الثقافة ،عمان ،األردن.3301 ،
58
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وال يطلب من المريض تقديم دليل قاطع بل يتم االكتفاء بما يجعل دعواه قريبة
التصديق ،وعلى ذلك إذ أثبت المريض واقعة تدل على اإلهمال داللة كافية لترجيح وقوعه
دون أن تكون قاطعة ،فتقوم قرينة قضائية على عدم تنفيذ االلتزام ،وبذلك ينتقل عبء
االثبات إلى الطبيب الذي يكون لزاما عليه أن يثبت كونه بدل العناية الالزمة ،وعليه اثبات
الظروف التي تمت فيها هذه الواقعة والتي من شأنها أن تنفي وصف اإلهمال عليها،
وبالتالي ف القرائن التي يستمدها القاضي من ظروف الحالة ويعتمد عليها في واقع األمر قرائن
بسيطة يمكن للطبيب اثبات عكسها ،حيث يتعين عليه أن يقدم من األدلة ما يكفي لهدم
الظاهر الذي أقامته القرائن ضده.
ولكي يتم اعمال نظرية الخطأ المفترض في مجال مسؤولية مرافق الصحة العمومية
البد من تحقق شرطين وهما:
استحالة إثبات المريض الخطأ الذي أدى إلى إلحاق الضرر به؛
عدم توقع االضرار الحاصلة بحيث ال يمكن تطبيق مفاهيم وقواعد مهنة الطب
عليها.
وفي حال اجتمعت هذه الشروط فإن القاضي اإلداري يقر بالمسؤولية بناء على خطأ
بسيط مفترض تظهر في حيثيات االحكام من خالل اإلشارة إلى الخطأ في تنظيم أو سير
المرفق الصحي.
وحيث أن إفتراض الخطأ بالشكل أعاله ،يستوجب رغم ذلك اثبات العالقة السببية بين
إقامة المريض المضرور في المؤسسة الصحية وبين الضرر الذي يطالب هذا األخير
بالتعويض عنه ،طالما أنه ال مجال الفتراض قيام هذه العالقة تلقائيا .وهذا ما اشترطه
القضاء المغربي إلى الحد الذي قضى من خالله برفض الطلب لهذه العلة ،فقد جاء في قرار
لمحكمة النقض" :حيث صح ما عابه الطالبون على خرق الخبير الدكتور ...لمقتضيات
الفصل 11من قانون المسطرة المدنية لعدم استدعائه للطالبين لحضور إجراءات الخبرة،
والمحكمة باستنادها إلى تقرير الخبرة المذكورة في تحميل الطاقم الطبي مسؤولية موت الجنين
59
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
واستئصال رحم المطلوبة وكذا تحديد التعويض المحكوم به ،كون عللت قضاءها تعليال
فاسدا بمثابة انعدامه وعرضت قرارها للنقض".1
وكان للقضاء المقارن دو ار كبي ار في إقرار نظرية الخطأ المفترض ،والذي تم بمناسبة
القضية المعروفة تحت مسمى ،Hedruelحيث اقرت محكمة النقض الفرنسية بأن عبء
اثبات اعالم المريض وتبصريه يبقى على عاتق الطبيب المعالج .2وتتلخص وقائع القضية
في أن شخصا كان يعاني من آالم على مستوى المعدة فأكد له الطبيب المعالج ضرورة
اجراء عملية جراحية تستدعي استخدام المنظار ،غير أن المريض ظل يعاني من آالم شديدة
بمعدته ،وبإعادة الكشف عليه تبين بأنه مصاب بثقب في األمعاء ،رفع المريض دعوى على
الطبيب مطالبا إياه بالتعويض عما لحقه من ضرر استنادا لكون األخير لم يقم بإعالمه
وتبصيره بالمخاطر المحتملة لهذه الجراحة .وقد رفضت محكمة االستئناف برين Rennes
الدعوى لكون عبء اثبات عدم االعالم يقع على عاتق المريض الذي لم يقدم دليال على ما
يدعيه ،غير أن محكمة النقض كان لها موقف آخر وألغت قرار محكمة االستئناف استنادا
إلى نص المادة 3135من القانون المدني الفرنسي وأقرت مبدأ هاما مفاده أن من يقع على
عاتقه قانونا أو اتفاقا التزام خاص باإلعالم يجب عليها أن يقيم الدليل على تنفيذه لهذا
االلتزام وأنه يقع على الطبيب التزام خاص تجاه مريضه وأنه يقع على عاتقه تنفيذ هذا
االلتزام.
وقد استند القضاء اإلداري المغربي إلى نظرية الخطأ المفترض في مجموعة من
المنازعات ،نذكر منها:
األضرار الناجمة عن التلقيح االجباري3؛
60
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
عدوى المستشفيات؛
الحروق الكيميائية التي تصيب نزالء المؤسسات الصحية العمومية1؛
حاالت مراقبة المرضى النفسانيين؛
حاالت العمل الطبي المرتبط بالوسائل المادية التي يوفرها المرفق الصحي2؛
حاالت التعفنات التي تعقب العمليات الجراحية3؛
عمليات الحقن.
وفي هذه المنازعات يكفي إلقامة مسؤولية الطبيب إثبات االلتزام الذي يقع على عاتقه
وتحقق الضرر ،فإذا أراد الطبيب د أر المسؤولية عنه فيجب أن يثبت السبب األجنبي الذي
حال بينه وب ين تحقق النتيجة ،ذلك أن مسؤوليته في هذا اإلطار مبنية على أساس" :الخطأ
المفترض" ،أي افتراض وقوع خطأ عند تحقق الضرر ،وال سبيل للتملص من المسؤولية إال
بإثبات الطبيب أن عدم التنفيذ راجع إلى سبب أجنبي كالقوة القاهرة أو الحادث الفجائي أو
لفعل صادر عن المريض أو شخص من األغيار.
1فقد جاء في قرار محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط عدد 3153بتاريخ 13يونيو " : 1133لكن حيث إنه بالرجوع إلى تقرير الخبرة المنجزة من
طرف الدكتور بلحسن محمد توفيق المؤشر عليه بتاريخ 39يونيو 1119يتبين منه أنه تم الكشف على االبن الضحية بحضور والدته المسماة
حالل فاطمة بطاقتها الوطنية عدد 351113كما أفاد الخبير ان االبن أصيب بحرق محددا نوع هذا الحرق بانه كيميائي على مستوى الساعد واليد
اليمنى استدعى ذلك مكوثه بالمستشفى لعالج هذه الحروق تحت رقم 1105من تاريخ 1111- 3- 11إلى 1111-1-13تم بعد ذلك أجريت له
عدة عمليات .وحيث يستنتج مما سبق كون الخبير فحص الضحية و اطلع على ملفه الطبي و حدد سبب ضرره و هو ناتج عن اصابته بحرق
كيميائي مما يؤكد كون مرفق الصحة هو الم سؤول عن هذا الخطأ باعتباره أدى خدمته على الوجه السيء مما يشكل خطا مرفقيا وانه ليس بالملف
سواء من شهادات الطبية المرفقة بالمقال او الخبرة المأمور بها ما يفيد كون الضرر ناتج عن تشوه خلقي ،كذلك لم يستطع المستأنف خاصة
مستشفى الفارابي إثبات عكس ما توصل إليه الخ بير مما يبقى معه السبب المعتمد في هذا الصدد غير جدير باالعتبار ،والحكم المستأنف لما نحا
ذلك المنحى صائبا و واجب التأييد".
2ذهبت محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في قرارها عدد 1353المؤرخ في 31يونيو 1135والصادر في الملف عدد : 1135/1111/3131
"ألنه ما دام هناك ضرر حدث عقد التدخل الطبي والعالجي من قبل هذا الطبيب ،فإن ذلك يعني أن هناك خطأ من جانب هذا األخير ،خاصة إذا
ثبت أن هذا التدخل الطبي شرع فيه ولم تتأكد له بالضبط الوضعية الصحية للمريض الذي دخل قاعة المستعجالت وكان وضعه الصحي يتطلب
اجراء فحص بالسكانير للرأس طالما أنه يشتكي من ألم في رأسه نتيجة تعرضه العتداء ،مما أدى إلى أضرار ومضاعفات صحية لم يكن يعاني
منها المعني باألمر قبل ذلك بحيث وصل إلى درجة غير عادية من الخطورة ولم يثبت ارتكاب المتضرر ألي خطأ من جانبه".
3قرار محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط عدد 399المؤرخ في 11مارس 1130والصادر في الملف عدد 1/31/153أنه " :وحيث يتبين أن
المضاعفات والعقابيل التي ظهرت على المستأنف عليها بعد عملية بتر الورم بمستشفى ...لها عالقة سببية مع الثقبين في األمعاء نتيجة رعونة
وخطأ األطباء وقت القيام بالجراحة والتعفن الحاصل لها بالبطن الذي دام ثالثة أيام دون تشخيصه مما استوجب معها اجراء عمليات جراحية الحقة
بمستشفى ابن رشد إلنقاذها من موت محقق نتيجة التعفنات المتسربة إلى جميع الجسد التي أدت إلى تشوهات جسدية مهمة وهي معطيات فنية
وطبية لم يدل المستأنف ما يفيد خالفها مما يعني أن مسؤولية المرفق الصحي تبقى ثابتة وقائمة لكونها أدى الخدمة المنوطة به بشكل سيء".
61
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وقد اعتمد المشرع الفرنسي هذا المبدأ فيما يخص تنفيذ االلتزام باإلعالم من خالل
الفقرة الثانية من المادة 3333من قانون الصحة العامة الصادر بتاريخ 10مارس ،1111
والتي أكد أنه يعود للمستخدم أو المؤسسة الصحية االتيان بالدليل على تنفيذ هذا االلتزام.
وتؤدي المسؤولية دون خطأ إلى تسهيل عبء اإلثبات على المريض المضرور من
أجل الحصول على التعويض من خالل محاولة تفادي إثبات الخطأ سواء كان مفترضا أم
واجب اإلثبات ،وقد استندت هذه المسؤولية على عنصر الضرر بدل عنصر الخطأ.
وال يتم اللجوء إلى نظام المسؤولية هذا إال في حاالت محدودة ال يقبل فيها ترك
الضحية دون تعويض رغم عدم إثبات الخطأ وذلك في ظل ظروف معينة تقف عائقا أمام
تسهيل شروط انعقادها.
1
وتشمل حاالت العدوى أثناء التواجد بالمستشفيات واألضرار الناجمة عن أعمال العالج وعمليات نقل الدم – التلقيحات اإلجبارية فقد جاء في قرار
المحكمة النقص تحت عدد 1/111بتاريخ 33ابريل 1131في الملف اإلداري عدد 1131/1/0/101ما يلي" :لكن حيث إنه لما كان الثابت
للمحكمة مصدرة القرار المطعون فيه أن الضرر الذي تعرض له الضحية كان بمناسبة خضوعه لعملية التلقيح اإلجباري (وهو فهم للواقع غير
مناقش من الطالبين) وكان التلقيح المذكور يدخل فعال ضمن األعمال الطبية إال أن خصوصيته المتمثلة في کون من يتم تلقيحه في اإلطار
المذكور ال يستشار في الخضوع لعملية التلقيح ما دام أن الهدف منه (التلقيح) هو حماية الصحة العامة من مخاطر األوبئة أساسا ،و انه بالنظر
لما ذكر فإن الملقح ال يطلب منه إبداء رأيه هو أو ولي أمره إذا كان قاص ار في القبول طواعية بالمخاطر المترتبة على تلك العملية فإن كل ذلك
يجعل اساس تعويض من تضرر هو التضامن بين أفراد المجتمع في تحمل األخطار االجتماعية بصرف النظر عن قيام الخطأ من عدمه،
والمحكمة مصدرة القرار المطعون فيه التي ثبت لها أن الضحية أصابه صمم بعد خضوعه لعملية تلقيح إجباري بلقاح من صنف( )R-Rورتبت
62
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ولقيام المسؤولية الموضوعية على أساس عنصر الخطر ال بد من توافر عدة شروط
هي كالتالي:
وجود عمل طبي ضروري ،فإذا كان العمل ال فائدة منه شكل ذلك خطأ
صريحا؛
أن يشكل العمل الطبي خط ار استثنائيا غير مألوف؛
عدم ارتكاب المضرور ألي خطأ؛
وجود عالقة سببية بين الضرر المدعى به وبين نشاط المرفق الصحي؛
أن يكون الضرر جسيما بصورة غير مألوفة.
على ذلك القول بأحقيته في التعويض في إطار فكرة المساواة والمشاركة في تحمل األعباء العامة تكون قد راعت مجمل ما ذكر ،وبخصوص ما أثير
من عدم قيام عالقة السببية بين الضرر ونشاط المرفق العمومي فإنه لما كان تحصيل فهم الواقع في الدعوى وتقدير األدلة فيها واستخالص توافر
عالقة السببية بين الفعل والضرر من سلطة محكمة الموضوع متى كان استخالصها سائغا يكفي لحمل قضائها وله أصله الثابت ضمن وثائق
الملف ،وكانت المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه قد عللت قيام العالقة السببية بي ن نشاط المرفق العمومي الذي قام بتلقيح الضحية والضرر
الالحق به بما جاءت به من انه (( باإلطالع على معطيات النازلة و الوثائق والمستندات المدلى بها يتبين أن الضحية خضع بتاريخ
1110/31/11لعملية تلقيح إجباري بلقاح من صنف ( )R-Rبواسطة أحد األطباء العاملين بمستوصف األمل بإقليم النواصر ،وانه عقب ذلك
التلقيح أصيب بمضاعفات صحية تجلت على الخصوص في ارتفاع درجة ح اررة جسمه مع ارتعاش حاد ،أعقبها بعد ذلك فقدان لحاسة السمع..
دون أن يقترن ذلك بما يفيد أنه كان يعاني من قبل من أعراض مرضية واضحة في حاسة السمع في كلتا أذنيه أو إحداهما ،وبالنظر إلى ما أوضحه
تقرير الخبير المنتدب من كون الصمم هو من اآلثار واألعراض االحتمالية النادرة المترتبة عن التلقيح الذي خضع له المتضرر حسب موسوعة
ميديكا الطبية صفحتها )) ..3313تكون قد أوردت تعليالت سائغة في تبرير استخالصها لقيام عالقة السببية بين التلقيح الذي خضع له الضحية
والصمم الالحق به تدعمها وثائق الملف الذي بالرجوع إليه خاصة الشواهد الطبية المدلى بها يتضح أن الضحية المذكور تعرض عقب تلقيحه بلقاح
( ) R-Rلمضاعفات صحية أعقبها اصابته بصمم لم يكن يعاني منه من قبل ،وان الصمم المذكور يعتبر حسب خبرة الخبير ...من األعراض
االحتمالية النادرة المترتبة عن التلقيح حسب موسوعة ميديكا الطبية مما يجعل القرار معلال تعليال سليما والفرع على غير أساس".
1إذ يقتضي مجال البحث البيوطبي أن يكون جسم اإلنسان سواء كان مريضا أو سليما أداة للتجارب الطبية من خالل تعريضه إلى مختلف أساليب
التطييب المستجدة التي لم يسبق اختبارها .وقد ظهرت ابتداء من سنة 3391أولى محاوالت االهتمام بالصعوبات التي ترافق وضعية األشخاص
الخاضعين لهذه التجارب وما يترتب عنها من آثار سواء من الناحية األخالقية أو القانونية ،فقد أصدر المشرع الفرنسي القانون رقم 3319/99
المسمى قانون Hurit-Séruclatالمؤرخ في 11دجنبر 3399الذي أخضع األشخاص السالفي الذكر لنظامي تعويض مختلفين بحسب ما إذا
كانت تلك األبحاث موجهة ألغراض عالجية أم ال ،فإذا كانت موجهة ألغراض عالجية كانت المسؤولية خطية قائمة على الخطأ المفترض ،أما إذا
كا نت موجهة لغير ذلك فإنها مسؤولية موضوعية على أساس المخاطر .أما في المغرب فإن اإلقرار التشريعي بفكرة الخطر كأساس للمسؤولية عن
نشاط المرافق الصحية العمومية في مجال األبحاث البيوطبية تجسد مع القانون 19/31الذي نص في المادة 10منه على أن المتعهد يتحمل كامل
المس ؤولية عن األضرار التي تلحق الفرد المشارك في األبحاث إذا ما ظهرت عالقة سببية تلك األبحاث واألضرار التي يدعيها المشارك (الجريدة
الرسمية عدد 1199الصادرة بتاريخ 11أغسطس .)1135
63
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ويندرج الطابع غير العادي والخاص للضرر ضمن نظام يرتكز على وجود إرادة
لتعويض األضرار التي تتجاوز الحدود المعقولة الالزمة لظروف الحياة في المجتمع .يقصد
بغير عادي الخطورة التي تتجاوز األضرار في الحياة داخل المجتمع.
64
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وحيث إن الخطأ هو ترك ما كان يجب فعله ،او فعل ما كان يجب االمساك عنه وذلك في
غير قصد إلحداث الضرر (الفصل 19من ق ل ع)
وحيث تنص مقتضيات الفصل 13من قانون االلتزامات والعقود على ان الدولة والبلديات
مسؤولة عن األضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إداراتها وعن األخطاء المصلحية
لمستخدميها.
وحيث إن عناصر المسؤولية الموجبة للتعويض في نازلة الحال تستوجب خطأ في جانب
اإلدارة وعالقة سببية وضرر.
وحيث ثبت للمحامة من خالل دراستها لوثائق الملف والخبرة الطبية المنبزة في على ذمة
القضية أن زوجة المدعي خضعت لعملية تخدير اصد إجراء عملية قيصرية ،وأن أسباب
الوفاة المباشرة هي التعفن الرئوي واشرة البروح ونقص في التغذية ونحول عام ،أما
األسباب غير المباشرة فتتمث في تلف خاليا الدماغ نتيبة نقص في التنفس بحيث تم
وضع أنبوب في حنبرة الهالكة ،وأنه لم تكن هناك استشارة طبية أو عيادة للمريضة اب
وبعد عملية التخدير.
وحيث إن عدم االستشارة الطبية أو عيادة المريضة اب أو بعد عملية التخدير وعدم
العناية لها يشا خطأ من جانب اإلدارة.
وحيث إن الثالت كذلك من وثائق الملف أن زوجة المدعي لم تكن تعاني من أي عبز أو
نقص في التغذية اب دخولها المستشفى وهو الشيء الذي لم تستطع اإلدارة ان تثبت
عاسه ،مما يبع األضرار الالحقة لزوجة المدعي ناتج عن العملية القيصرية التي
خضعت لها وعن سوء العناية الطبية اب وبعد العملية المذكورة ،مما تكون معه العالاة
السببية لين الخطأ والضرر ثالتة.
وحيث إن خطأ اإلدارة نتج عنه وفاة زوجة المدعي ،مما يجعل الدولة مسؤولة عن تعويض
المتضرر عن األضرار الالحقة به".1
1حكم عدد 3131صادر عن المحكمة اإلدارية بأكادير في الملف عدد 1131/051ش القاضي بأداء و ازرة الصحة تعويضا إجماليا قدره
511.111،11درهما مع الفوائد القانونية.
65
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
الفقرة الثانية :تأخير عملية الوضع مما أدى إلى وفاة الحام
أقرت محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش ،بأن وفاة الحامل نتيجة تأخير عملية الوضع
يثير مسؤولية المرفق الصحي ،وموجب للتعويض ،فقد جاء في قرارها" :وحيث إنه من جهة
ثالثة ،فقد اعتبرت محامة الدرجة االولى خطا المرفق الصحي العمومي ثالتا في النازلة من
خالل نقلها و هي في حالة مخاض لواسطة سيارة االسعاف من المركز الصحي إلى
مستشفى ، ...ثم بعده إلى مستشفى ....و ذلك بعد اضائها أزيد من اربع ساعات تحت
اشراف الممرضة و المسؤولة عن المركز الصحي ثم الطبيبة بمستشفى ...دون ان تعم
أي منهن على توليدها إما بالطريقة العادية في حالة توفر ظروفها ،أو بالطريقة القيصرية
في حالة تعذر ذلك ،كما اعتبرت الخطأ ثابتا من خالل الوقت الضائع في كل مرة من أجل
البحث إما عن سيارة االسعاف وإما عن السائق ،وهي كلها عوامل ساهمت في تأخير عملية
الوضع وأدت إلى وفاة الهالكة ،فكان تعليل المحكمة في هذا الخصوص مصادفا للصواب".1
الفقرة الثالثة :خطأ طبي نتيبة عدم لذل المبهودات الضرورية لوضع حد
لتدهور الوضع الصحي للحام
وفي نازلة أخرى ،اعتبر القضاء اإلداري من خالل قرار محكمة االستئناف اإلدارية
بمراكش ،أن عدم بذل المجهودات الضرورية لتفادي تدهور الوضع الصحي للحامل المؤدي
لوفاتها يشكل خطأ مرفقيا يتحمل المرفق الصحي مسؤولية التعويض عن األضرار الناتجة
عنه ،جاء في قرارها ما يلي" :وحيث باستبعاد تقرير الخبرة ثبت لهذه المحكمة بالرجوع إلى
مستندات الملف وال سيما تقرير التشريح الطبي المنجز من طرف ثالث أطباء متخصصين
في التشريح الطبي و توليد النساء وكذا االنعاش والتخدير بتاريخ 1131/31/13بناء على
تعليمات الوكيل العام للملك إن وفاة زوجة المستأنف عليه ناجمة عن تعفن رئوي بسبب
وضع انبوب في حنبرتها خالل تخديرها في إطار عملية قيصرية.
وحيث يستشف مما ذكر أن األضرار التي تعرضت لها زوجة المستأنف عليه ذات صلة
مباشرة بالعملية القيصرية التي خضعت لها بالمستشفى بينما عجز المستأنف عن اإلدالء
1قرار عدد 3531بمراكش بتاريخ 11نونبر 1130الذي قضى بتأييد الحكم االبتدائي القاضي بأداء تعويض قدره 91.111،11درهم للزوج
و 11.111،11درهم لكل واحد من األبناء األربعة.
66
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
بما يثبت بذل الطاقم الطبي المشرف على حالتها الصحي للمجهودات الضرورية لجعل حد
لتفاقم تعفن جهازها الرئوي على الرغم من أن دخولها في حالة غيبوبة لمدة أربعة أشهر يعد
بمثابة مؤشر سلبي يدل على تدهور حالتها الصحية.
و حيث إنه من المعلوم أن صور الخطأ المرفقي تتمث في حالة سوء تسيير المرفق العام
أو عدم سيره أ و سوء تنظيمه و أنه لما كان اشراف طاام المستشفى على حالة الهالكة
يتسم بالتباطؤ والتقصير فهو ينم عن سوء تنظيم لمرفق الصحة ويشا خط ار مرفقيا
1
موجبا للتعويض".
1قرار عدد 3101بتاريخ 31نونبر 1130الذي قضى بتأييد الحكم االبتدائي القاضي بتعويض قدره 511.111،11درهم (مبلغ الطلب
3.111.111،11درهم).
67
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
استعمال اآلالت الشفط من أج استخراج البنين بالرغم من الوضعية الحرجة التي كانت
عليها المولودة نتيبة التأخر في عملية الوالدة ،والتي تتم فضال عن كل ذلك المبادرة إلى
إحالتها على مستشفى االطفال من اجل إنعاشها إال بعد 31ساعة على عملية الوالدة ،بشكل
ترتب عنه إصابتها بشلل كلي و دائم".1
الفقرة الخامسة :خطأ طبي نتيبة ترك أشياء في رحم النفساء بعد العملية
البراحية
ترك ضمادة طبية في رحم النفساء بمناسبة عملية الوالدة يشكل خطأ مرفقيا يستوجب
التعويض عن جميع األضرار الناتجة من جراء ذلك ،فقد جاء في قرار لمحكمة االستئناف
اإلدارية بالرباط" :وحيث فيما يتصل بالسببين المستمدين من فساد التعليل و عدم ارتكاز
الحكم بالتعويض على أساس ،فيما يتعلق بالحادث تبقى مسؤولية الطاقم الطبي في نازلة
الحال قائمة بالنظر إلى إهمال الطبيب و طاقمه الطبي المشرفين على العملية الجراحية و
ذلك من خالل ما ثبت عن طريق الفحوصات و العملية الجراحية الثانية التي اجريت لها
بمصحة المنزه ليتأكد ان النزيف و األلم الذي كانت تعاني منه ناتج عن كون الطبيب الذي
أجرى لها العملية القيصرية أثناء الوالدة ارتكب خطا جسيما يتمث في ترك ضمادة كبيرة
في رحمها و هو ما أثر على اواها الصحية ،و بالتالي يكون ما أثير حول هذا السبب غير
جدي و يتعين استبعاده."2
1قرار عدد 5135بتاريخ 11دجنبر 1130الذي قضى بتأييد الحكم االبتدائي القاضي بتعويض قدره 1.511.111،11درهم.
2قرار عدد 1511بتاريخ 13ماي 1130الذي قضى بتأييد الحكم االبتدائي القاضي بتعويض قدره 11.111درهما.
68
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
الفقرة األولى :األضرار التي تلحق بالبنين جراء عدم اجراء الفحوصات
الضرورية
لقد جاء في قرار لمحكمة االستئناف اإلدارية بالرباط بأن سحب الجنين من يده ورجله
بطريقة أصابته بالشلل جاء نتيجة عدم إجراء الفحوصات الضرورية لمعرفة حجم ووضع
الجنين مما يرتب بتشطير المسؤولية بين الضحية والمرفق الصحي ،باعتبار أن الحامل
تتحمل جزءا من المسؤولية بعدم تتبع حملها بالتحاليل الالزمة ومرفق الصحة بعدم اتخاذه
الالزم لمواكبة الوالدة من مراقبة وإشراف على عملية التوليد ،وعللت المحكمة قرارها كما يلي:
"وحيث من جهة ثانية ،فإن المستأنفين األصليين ال ينكرون أنه نتج عن عملية الوالدة اصابة
المولودة بتمزق في عضالت اليد و الرجل اليسرتين و ان ذلك أدى إلى شلل تام بهما ،و أنه
لئن كانت الخبرات المنجزة ابتدائيا لم تتسم بشكل قاطع في نسبة الضرر إلى عملية الوالدة
بذاتها ،فإن المحامة يمانها أن تستخلص قيام الخطأ من مبموع عناصر النزاع ،ذلك أنه
لئ ن كانت األم تتحم جزء من المسؤولية بسبب عدم تتبع حملها بالتحالي الالزمة ،فإن
مرفق الصحة لدوره يتحم جانبا كبي ار من المسؤولية بعد اتخاذ االحتياطات العادية
المواكبة للوالدة من مراقبة و إشراف على عملية التوليد ثم تتبع حالة المولود و اكتشاف
ما اد يلحقه من اضرار او عاهات إثر الوالدة مباشرة.
وحيث إن العاهة الالحقة بالمولودة وجدت منذ والدتها دون أن تكتشف من طرف مرفق
الصحة أثناء الوالدة او بعيدها ،مما يؤكد قيام عنصر الخطأ لديه من خالل عدم اتخاذ
االحتياطات واإلجراءات العادية المواكبة للوالدة من تشخيص لحالة األم والمولود ،خاصة
أ مام تأكيد جميع الخبرات االبتدائية على عدم توفر طبيب للنساء بمستشفى تاوريرت إبان
الوالدة ،فضال عن ضعف التبهيزات ،مما يبع اإلدارة متحملة ثلثي المسؤولية مقارنة
بمسؤولية األم عن إهمال تتبع حملها ،فيبقى ما أثير حول انعدام مسؤولية اإلدارة مردودا".1
في قرار آخر لنفس المحكمة أكدت فيه أن سوء اختيار طريقة الوالدة بعدم اللبوء إلى
العملية القيصرية رغم حبم البنين وارتفاع وزنه يبع العالاة السببية لين الخطأ الطبي
1القرار عدد 0331بتاريخ 11اكتوبر 1131الذي أيد الحكم االبتدائي القاضي بأداء الدولة المغربية لفائدة ولي أمر الضحية تعويضا قدره
511.111،11درهم (مبلغ الطلب 1.111.111،11درهم مع الفوائد القانونية والنفاذ المعجل).
69
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
المنسوب للمرفق اإلداري والضرر الذي تعرض له الطف اائما وبالتالي يتعين جبر هذا
الضرر.1
وفي قرار آخر أكدت نفس المحكمة أن سوء اختيار طريقة التوليد وإجرائه بشا
عادي لدل القيام به عن طريق عملية قيصرية واالضرار الالحقة بالنفساء جاء نتيبة عدم
اتخاذ الطاام الطبي بالمستشفى لكافة التدالير من أج المحافظة على سالمة نزالئه
مراعاة لوضعهم الصحي الخاص واالستثنائي مما يرتب مسؤولية المرفق الصحي ،وجاء
في القرار المذكور ":وحيث إنه بالنسبة لسبب االستئناف المتصل بانعدام التعليل خاصة ما
تعلق بإثبات الخطأ المنسوب إلى المرفق الطبي ،فإنه باالطالع على عناصر المنازعة
ومعطياتها و كذا وثائق الملف و مستنداته وبصفة خاصة تقرير الخبرة الذي خلصت فيه
الخبيرة إلى أن والدة المدعية كانت معقدة وعسيرة حصل على إثرها تمزق بالعجان مع
عراقيل خطيرة خضعت بسببها لثالث عمليات وأن المشكل ال زال قائما لحد اآلن ،مما يعنيه
ذلك ان الطاام الطبي بالمستشفى لم يتخذ كافة التدالير من أج المحافظة على سالمة
ن زالئه مراعاة لوضعهم الصحي الخاص و االستثنائي ،و هي المهام التي ال تقتصر على
مهام العالج و التطبيب ل تمتد إلى ضمان سالمة المرضى و صحتهم داخ المستشفى،
و بالتالي يبقى ما أثير في هذا الصدد من قبل الطرف المستأنف غير قائم على أساس ،و
يتعين التصريح باستبعاده لهذه العلة".2
1جاء في قرار المحكمة عدد 1311بتاريخ 31يوليوز " :1131حيث إن من الثابت من أوراق الملف و مما ال ينازع فيه الطرف المستأنف ان
زوجة المدعي ( المستأنف فرعيا) دخلت بتاريخ 1113/31/13إلى مستشفى ...ألجل وضع مولودها ،و انه أثناء عملية الوضع حصل له تمزق
في عضالت يده اليمنى نتج عنه عدم قدرتها على الحركة مما يؤكد بقاطع ان هناك خطأ طبي ارتكب أثناء عملية استخراج الجنين من بطن امه
لعدم اجراء الكشوفات المسبقة لمعرفة وزن الجنين ،لتحديد ما إذا كان األمر يقتضي عملية قيصرية ام ال ،ذلك أن الثابت من أوراق الملف ان وزن
الجنين كان يبلغ 5.011كلغ و هو ما يستدعي حتما اجراء عملية قيصرية نظ ار لضخامة وزنه حفاظا على سالمته من أي مكروه قد يلحق به،
وتجنبا لوالدته من مخاطر الوضع التي قد تؤدي بأمه إلى الوفاة ،و هو ما يجعل العالقة السببية بين الخطأ الطبي المنسوب للمرفق اإلداري
والضرر الذي تعرض له الطفل المذكور قائمة طالما ان الحادث وقع داخل مستشفى الفارابي و هو مرفق تابع للدولة.
وحيث من جهة ثانية فإنه خالفا لما تمسك به المستأنف فإن تقرير الخبرة المدلى به في الملف والمنجز من طرف الطبيب ...قد اكد على أن
الخطأ الطبي يتجلى في استخراج الطفل من بطن امه عبر مسكه من ذراعه األيمن بدل اللجوء إلى العملية القيصرية ،وهو ما ادى إلى تمزق
عضالت يده اليمنى محددا نسبة العجز الدائم في 11بالمائة و اآلالم على جانب من األهمية 1/0والتشوه الجسماني على جانب من األهمية 1/5
وهين نفس النسبة ا لتي خلص إليها الدكتور ،...مما لم يعد معه مجال للشك من أن نسبة العجز الجزئي الدائم هي 11بالمائة طالما أنه لس
بالملف ما يفند ذلك".
2قرار عدد 3131بتاريخ 9أبريل 1130في الملف عدد 1/31/3103الذي قضى بتأييد الحكم االبتدائي القاضي بتعويض قدره 051.111،11
درهما.
70
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
الفقرة الثانية :الخطأ الطبي جراء القيام بعملية التوليد في غياب طبيب
مختص
في بعض الحاالت تتكفل القابالت أو الممرضات بعملية التوليد ،غير أن القضاء
اإلداري رتب المسؤولية المرفقية في حالة إجراء العملية في غياب طبيب مختص في
مجموعة من القضايا ،منها قرار لمحكمة النقض جاء فيه" :لكن إن المحكمة مصدرة القرار
المطعون فيه التي اعتبرت مرفق الصحة مسؤوال عن األضرار الالحقة بالمطلوبة بما جاءت
به من أن (( الثابت من معطيات القضية أن عملية التوليد لم تتم وفق الضوابط المعمول بها
في الميدان الطبي طالما أنها تمت في غياب إشراف طبي و بواسطة الممرضة التي من
المفروض ان ينحصر دورها في مساعدة األطباء المختصين فإن هذا األمر ينم عن تقصير
من جانب مرفق الصحة أدى إلى تعرض المطلوبة لألضرار ،و بذلك يكون عنصر الخطأ
الذي تنبني عليه دعوى المسؤولية التقصيرية للمرفق العام متحققا في نازلة الحال)) تكون و
خالفا لما ورد في الوسيلة لم تؤسس ما قضت به من تحميل مسؤولية الضرر الالحق
بالمطلوبة على نظرية المخاطر بل الخطأ المتمثل في التقصير الثابت لها من جانب مرفق
الصحة في القيام بعملية التوليد وفقا لضوابط المعمول بها في الميدان الطبي ،كما انها
اعت برت كذلك بان الخطأ المذكور هو من األخطاء المرفقية التي يسأل عنها المرفق العام و
ليس الموظف في إطار المسؤولية عن األخطاء الشخصية مما جاء معه قرارها معلال بما
فيه الكفاية و الوسيلة على غير أساس إال فيما هو خالف الواقع فهو غير مقبول.
لكن حيث إنه بخصوص الشق األول من الوسيلة المتعلق بمسؤولية الضحية عن الضرر
الالحق بها فإنه وفضال عن عدم بيان ما هو الخطأ الذي ارتكبته المطلوبة والذي يجعلها
مسؤولة كليا أ و جزئيا عن الضرر الالحق بها والذي لم تناقشه المحكمة فغنه لم يتم التمسك
به امام المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه وأثير ألول مرة أمام محكمة النقض.1"....
كما جاء في قرار لمحكمة االستئناف اإلدارية بالرباط بأن إجراء عملية التوليد في
غياب طبيب مختص مع سحب البنين بطريقة خاطئة يضفي على الفع صبغة الخطأ
المرفقي الموجب للتعويض ،وجاء في قرار المحكمة" :وحيث إنه لذلك واعتبا ار لهذه البادئ
1قرار محكمة النقض عدد 113بتاريخ 13غشت 1131في الملف اإلداري عدد .1133/1/0/911
71
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
والقواعد التي أقرها االجتهاد القضائي اإلداري وانطالقا من العناصر والمعطيات التي أفرزها
تقرير الخبير الدكتور ...المنجز في النازلة طبقا للقانون ووفق مقتضيات الفصل 11من
قانون المسطرة المدنية ،وفي إطار األثر الناشر والناقل لالستئناف والذي يعيد نشر ونقل
القضية من جديد أمام محكمة الدرجة الثانية بجميع ما يتضمنه من عناصر قانونية
وموضوعية ،وفي ضوء كذلك منازعة المستأنفين أصليا وكذا المستأنف فرعيا في الخالصات
المضمنة بتقرير الخبرة المنجزة خالل المرحلة االبتدائية من طرف الدكتور ...والتي اسست
عليها المحكمة اإل دارية حكمها المستأنف ،فقد تبين لهذه المحكمة من خالل االطالع على
التقرير الطبي حول والدة السيدة ...أنها دخلت بتاريخ 13يناير 1131على الساعة الثانية
والنصف زواال مصلحة النساء والتوليد بالمستشفى الجهوي لجهة الشاوية ورديغة وبتاريخ 11
فبراير 1131تدخل فريق طبي من أجل أن تضع مولودها بشكل طبيعي وفعال تم ذلك
بطريقة طبيعية ،حيث تم إخراج الجنين باستعمال الممص ،وبعد فحص الجنين من طرف
الطبيب المختص في جراحة األطفال تبين أ ن حالته الصحية سيئة ،وبعد العناية المركزة تم
انقاذ حياة الوليد ،وأوصى الطبيب المختص في جراحة األطفال بترويض يد المولود الجديد
والمتابعة معه في جناح الفحوصات الطبية ،وبذلك فإن المرفق الصحي المستأنف يبقى
متحمال للمسؤولية عن هذه األضرار والمضاعفات التي لحقت به نتيجة عملية إخراج الجنين
بطريقة خاطئة ،وهو ما أكده تقرير الخبرة المنجز من طرف محكمة الدرجة االولى الذي
أشار إلى أن عملية الوالدة كانت صعبة ،كما أن غياب الطبيب وقيام ممرضتين بالعملية
والتصرف من تلقاء نفسهما من أدل الوضع بواسطة آلة الجدب مما أدى إلى شلل الطفل من
جهة اليد اليمنى ،مما اخضعه لعملية جراحية بدون جدوى ،وخلص الخبير إلى أن عملية
الوضع لم تبدل فيها العناية الواجبة المذكورة ،وأنها تمت لواسطة ممرضتين في غياب
الطبيب المختص ،وحدد نسبة العجز في 11بالمائة بعدما فقد األمل في إعادة حركية اليد
اليمنى للوليد ،و يكون بذلك هذا السبب لالستئناف المرتبطة بانعدام المسؤولية غير جديرة
باالعتبار و يتعين رده".1
1قرار عدد 3115بتاريخ 11أبريل 1135في الملف عدد ،1130/1111/333الذي قضى بتأييد الحكم االبتدائي القاضي بتعويض قدره
511.111،11درهم للوالدين و 11.111،11درهم عن الضرر المعنوي.
72
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وجاء في قرار لمحكمة االستئناف اإلدارية بمراكش حول نازلة أخرى تتعلق بإجراء
عملية التوليد في غياب الطبيب المختص" :وحيث إن ما تمسك به المستأنف بخصوص أن
الوليد تعرض الختناق بسبب تجرعه كميات كبيرة من السائل السقوي والستعمال أمه أثناء
الفترة األخيرة من الحمل أعشابا و بخو ار أثرت على قواه الذهنية والحركية لم يثبته بل يفنده ما
جاء في تقرير الخبرة و الذي أكد أن الوالدة تمت في غياب طبيب مختص في الوالدة وأن
حضور هذا األخير سيساعد في إجراء عملية التوليد في ظروف حسنة و هي الظروف التي
نتج عنها إعاقة ذهنية مطلقة".1
وهو ما أكده قرار آخر لنفس المحكمة ،جاء فيه أن مسؤولية المرفق الصحي قائمة
لسوء تدبير عملية الوالدة بعد اإلقدام على جر العضو األعلى األيسر للجنين أثناء عملية
الوالدة من أجل إخراجه من الرحم ،حيث نتج عن ذلك شلل للذراع والساعد األيسر ،وذلك
بالتعليل التالي " :وحيث إن هذه المحكمة و بما لها من سلطة تقديرية في تقييم نتيجة الخبرة
1قرار عدد 3001صادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش بتاريخ 11نونبر 1130في الملف عدد ،1131/1111/3301الذي قضى
بتأييد الحكم االبتدائي القاضي بتعويض قدره 3.111.111،11درهما.
2قرار عدد 139في الملف عدد 1/31/3313و ،1/31/3311الذي قضى بتأييد الحكم االبتدائي القاضي بتعويض قدره 511.111،11درهما.
73
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
والتي جاءت مستوفية للشروط الشكلية المنصوص عليها في الفصل 11المشار إليه اعاله،
بما يعينه ذلك من كون المحكمة وبإجرائها لهذه الخبرة تكون قد تجاوزت السبب المثار من
طرف الوكيل القضائي للمملكة والمتصل بكون الخبرة المنجزة خالل المرحلة االبتدائية لم
يتقيد فيها الخبير المنتدب بالمسطرة المنصوص عليها في المقتضى القانوني اآلنف الذكر أو
كونه يبقى غير مختص في مجال جراحة العظام و المفاصل ،وانطالاا منها من المعطيات
التي أفرزها تقرير ،...فقد تبين لها من جهة أن مرفق الصحة الذي اجرى عملية الوالدة
لوالدة الطفلة ...اد ارتكب فعال خطا مرفقيا ،ما دام أن الثالت من هذه المعطيات
والعناصر أن المرفق المذكور لم يعم على احترام اواعد االحتياط التي تضمن والدة
سليمة أي أن هناك سوء تدلير عملية الوالدة ،حيث تم جر العضو األعلى األيسر أثناء
عملية الوالدة من أج إخراج المولودة من الرحم مما نتج عنه شل منعزل للعصب تحت
الكتف ،أدى إلى وقوع تمدد حاد مع تمزق لبعض جذور األعصاب العليا على مستوى اإلبط
األيسر ،ترتب عنه ان المولدة التي أصبحت حاليا طفلة ال يمكنها وفع الذراع والساعد األيسر
حتى نهاية الحركة (مس رقبتها) ،وأن حركية العضو أصبحت معيبة ثقيلة ومتمهلة ،وأن
الطفلة تستعين بكتفها وعنقها لرفع الذراع ،أما دقة الحركة وجودتها فهي ال زالت دون
المستوى ،وبالتالي قيام المسؤولية اإلدارية للمرفق الصحي المستأنف بعناصرها الثالث من
خطا و ضرر وعالاة سببية لينهما ،خطا يتمث في عدم مراعاة اواعد االحتياط في عملية
الوالدة التي خضعت لها والدة الطفلة وفقا لما سبق ليانه أعاله ،أما الضرر باعتباره
العنصر الثاني الواجب توفره لقيام هذه المسؤولية فإنه يبقى لدوره اائما في نازلة الحال،
ونفس األمر للعالاة السببية لين ذلك الخطأ والضرر ،ومن ثم يبقى ما أثير من قبل الوكيل
القضائي للمملكة غير قائم على اساس و يتعين التصريح برده لهذه العلة".1
المنحى الذي اتخذه القضاء في مجموعة من القضايا األخرى ،نذكر منها حكم
المحكمة اإلدارية بالرباط عدد 5111المؤرخ في 31نونبر 1130في الملف عدد
1131/1331/131وحكم نفس المحكمة عدد 1515الصادر بتاريخ 13دجنبر 1130
1قرار عدد 111في الملف عدد 1/33/111و 1/31/011الذي قضى بتأييد الحكم االبتدائي القاضي بتعويض قدره 311.111،11درهم (مبلغ
الطلب 511.111،11درهم).
74
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
فيما ذهبت المحكمة اإلدارية بمراكش إلى أن و ازرة الصحة العمومية مسؤولة عن سوء
تدلير عملية الوالدة بسحب البنين بطريقة سيئة أدت إلى إصالته باسر في عظمة الفخذ،
فقد جاء في حيثيات الحكم" :حيث ثبت للمحكمة من خالل إطالعها على محضر الضابطة
القضائية المنجز من طرف شرطة ...بتاريخ 1133/13/15أنه خالل العملية القيصرية
التي خضعت لها أم الضحية من طرف أحد األطباء ...بقسم الوالدة بمستشفى ...وخالل
محاولة إخراج الجنين تم سماع صدى عظمي تبين بعد ذلك أن المولود أصيب بكسر في
فخذه األيمن ،األمر الذي يجعل و ازرة الصحة العمومية مسؤولة عن الخطأ المرتكب من
طرف أحد موظفيها وتتحمل تبعات التعويض عنه".1
1حكم عدد 3113صادر عن المحكمة اإلدارية بمراكش بتاريخ 33نونبر 1130في الملف عدد 1130/1331/391القاضي بأداء و ازرة الصحة
تعويضا قدره 31.111،11درهما.
2قرار عدد 1313بتاريخ 19ماي 1130في الملف عدد 1/31/3113الذي أيد حكم المحكمة اإلدارية بالرباط عدد 1150في الملف عدد
1131/31/131بتاريخ 31يونيو 1131والذي قضى بأداء و ازرة الصحة مبلغ تعويض قدره 511.111،11درهما.
75
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
كما يمكن أن ندرج من بين األخطاء المرتبطة إلخالل الطبيب باألصول الفنية والتقنية،
التقدير السيء لسير العملية القيصرية واختيار حلول طبية غير مأمونة العوااب ،فقد جاء
في قرار لمحكمة االستئناف اإلدارية بمراكش " :لكن حيث إنه من جهة اولى فإن الثابت من
تنصيصات الحام المستأنف أنه أار مسؤولية مرفق الصحة عن االضرار الالحقة
بالمستأنفة حينما صرح في حيثياته أن خطأ المرفق المذكور يتمث في عدم إثبات القيام
بما يلزم لتفادي التعقيدات الناجمة عن التأخير في إجراءات العمليات البراحية الالزمة
إلصالح ما أفسدته العملية القيصرية وبالتالي ما يبقى ما عدا هذه العلة زائدا ال تتوقف
صحة الحكم عليه.
وحيث إن مساءلة مرفق الصحة عن األخطاء المصلحية لمستخدميه رهين بعدم التزامهم
لبذل العناية الالزمة و المركزة التي تتفق واصول المهنة ومقتضيات التطور العلمي ذلك
أنه بالنسبة للحالة موضوع النازلة وعلى فرض مسايرة الطبيب المعالج فيما ذهب إليه من
كونه كان مرغما على شق المسار المثاني واشتقاق لولي خارجي مؤات أثناء العملية
القيصرية فإن تقديره للنتائج المترتبة عن ذلك كان خاطئا على اعتبار أن األمر تحول من
حالة مؤاتة (حسب تشخيصه) إلى حالة عبز دائم ومزمن يتمث في حرمان المعنية
باألمر من اضاء حاجياتها الطبيعية بشا عادي على الرغم من العمليات البراحية التي
أجريت لها والتي لم تتوج لنباح حسب ما يشهد بذلك التقرير المنجز من طرف
البروفيسور ...رئيس قسم مبحث الجهاز البولي بمستشفى ...وهو ما أكده أيضا تقرير
الخبرة المنجز ابتدائيا الذي حسم في كون المستأنفة ستظل تعاني عج از مزمنا يحرمها من
قضاء حاجياتها الطبيعية بشكل عادي ،إضافة إلى ذلك فإنه لم يثبت من خالل وثائق الملف
قيام الطبيب باإلشراف على تتبع الحالة تفاديا لوقوع أي مضاعفات سلبية ،ويكون بذلك
عنصر الخطأ الذي تنبني عليه دعوى المسؤولية التقصيرية للمرفق المذكور متحقق في
النازلة مما تبقى معه الوسيلة المثارة في هذا الشأن غير جديرة باالعتبار ويجعل الدولة
بالتالي مسؤولة عن األضرار التي تعرضت لها المستأنفة".1
1قرار عدد 113مكرر صادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش في الملف عدد 1131/3330/111و 1131/3330/53القاضي بإلغاء
الحكم المستأنف فيما قضى به من فوائد قانونية والحكم تصديا برفض الطلب المتعلق بها وبتأييده في الباقي مع تعديله وذلك برفع المبلغ المحكوم به
إلى 111.111،11درهم.
76
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
1قرار عدد 5301بتاريخ 13يوليوز 1130في الملف عدد 1/31/133الذي أيد حكم المحكمة اإلدارية بالرباط عدد 3135في الملف عدد
3/31/193الذي قضى بأداء و ازرة الصحة تعويضا قدره 011.111،11درهم.
77
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
78
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
االضرار المادية التي قد تلحقها نتيجة ذلك ،خاصة وأنه ليس هناك بالملف ما يفيد حدوث
أي خطأ من جانب المستأنف عليها ،مما يبقى معه ما يتمسك به الطرف المستأنف غير
قائم على أساس ،األمر الذي قررت معه المحكمة التصريح باستبعاده لهذه العلة".1
الفقرة الثانية :علم اإلدارة لتصرفات الطبيب المنافية لألصول الفنية والتقنية
دون اتخاذ اإلجراءات الضرورية في حقه
كما يمكن أن ندرج في اإلطار سوء تدبير اإلدارة لمرفق الصحة علمها بسلوكات
الطبيب المولد ومردوديته السيئة دون إتخاذ اإلجراءات الكفيلة لتفادي ذلك مما يشكل خطأ
مرفقيا يتحمل المرفق الصحي المسؤولية بالتعويض عن األضرار الناتجة عنه ،فقد جاء في
حكم للمحكمة اإلدارية بمراكش المؤرخ في 33شتنبر " :1131وحيث إنه :اوال في مسؤولية
الطبيب المدعى عليه والمرفق الصحي :وحيث إن علم البهة الطبية المشغلة للطبيب
المدعى عليه ...لتصرفاته و بالطبيعة الغالبة على مآل أغلب العمليات البراحية للتوليد
التي يقوم لها داخ مستشفى الحسن األول لتزنيت دون القيام بما يلزم للحد من تصرفاته
المؤدية لحين الكتاب الذي وافى به المندوب اإلاليمي وزير الصحة العمومية إلى وفاة 31
حالة من أص 22حالة أشرف عليها الطبيب المدعى عليه بسبب النزيف او التعفن،
يبع هذه البهة المرفقية والدولة المغربية معها متحملة بموجب مقتضيات المادة 97من
اانون االلتزامات والعقود المذكور أعاله ،للمسؤولية عن االضرار الناجمة مباشرة على
تسيير إدارتها الصحية وعن االخطاء المصلحية الخطيرة كما ذكر أعاله للطبيب المدعى
عليه والطاام ا لطبي للمستشفى اب أثناء وبعد العملية القيصرية هي عن االضرار الناجمة
مباشرة على تسيير إدارتها الصحية وعن االخطاء المصلحية الخطيرة كما ذكر أعاله
للطبيب المدعى عليه.
وحيث إنه بالرجوع إلى ما ذكر أعاله فإن المضاعفات الطبية الناجمة عن تقصير الطبيب
المدعى عليه وا لطاقم الطبي للمستشفى قبل أثناء وبعد العملية القيصرية هي التي أدت
1قرار عدد 1310بتاريخ 15شتنبر 1130في الملف عدد 1/30/011الذي قضى بتأييد الحكم االبتدائي القاضي بتعويض قدره
511.111،11درهما.
79
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
مباشرة إلى القصور الكلوي وإلى توقف اإلف ارزات الكلوية التي لم ينفع معها عالج هي التي
أدت مباشرة إلى وفاة مورثة المدعين.
وحيث إن المحكمة بعد دراستها لوقائع وحيثيات الواقعة المعروضة عليها تبين لها أن فقدان
المدعين مورثتهم بالشكل والظروف المفصلة اعاله ،ألحق بهم أض ار ار مادية ومعنوية جسيمة
تمثلت في هدر مشروع عائلة بأكملها متكونة من زوج شاب وثالثة أطفال قاصرين ووالدي
المتوفاة الشيء الذي يحق لهم معه وفق مقتضيات المادة 11من قانون االلتزامات والعقود
والمادة 9من القانون 03-31المحدثة به المحاكم اإلدارية ،المطالبة بتعويض جابر عن
هذا الضرر".1
خاتمة
وهكذا ،يتبين من مراجعة أحكام وق اررات القضاء اإلداري في مجال مسؤولية مرفق
الصحة العمومي إلى أنه نجح في وضع المبادئ واالسس التي يمكن عبرها تفعيل الحق في
الصحة كما جاء به دستور 1133وأقرتها المعاهدات والمواثيق الدولة ذات الصلة ،وقد أقر
القضاء بهذا الخصوص بأن الحكم بالتعويض ال يكون له محل إال في حالة ثبوت عدم
توفير الحق في العالج للمواطن المعني ،أما في حالة تحمل الدولة لتكاليف العالج واستدعاء
المرفق الصحي للمريض من أجل العالج فإن مسؤولية الدولة تبقى غير قائمة.
كما اتضح أن العمل القضائي واجتهاد الغرفة اإلدارية بمحكمة النقض يتأرجح في
إقرار مسؤولية المرفق الصحي بين نظرية المخاطر ونظرية الخطأ كان مفترضا أو واجب
اإلثبات ،ويقضي في جميع األحوال بإجراء خبرة لتحديد الخطأ الطبي والتعويض المستحق
عن الضرر ،ويجنح في أغلب الحاالت إلى إلباس المسؤولية الشخصية لباس المسؤولية
اإلدارية ،وبذلك يتحول الخطأ الشخصي إلى خطا مرفقي ،وهو أمر منتقد من طرف الفقه
اإلداري الذي ينادي بضرورة تحميل المسؤولية الشخصية للطبيب في حالة الخطأ الجسيم
حتى ال يشعر بوجود مظلة تقيه تحمل نتائج األخطاء المهنية الجسيمة التي يرتكبها ويتحمل
1حكم عدد 911صادر عن المحكمة اإلدارية بأكادير بتاريخ 33شتنبر 1131في الملف عدد 1131/111ش القاضي بأداء الدولة لفائدة ذوي
حقوق الهالكة مبلغا إجماليا قدره 1.311.111،11درهما.
80
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
المرفق الصحي تبعاتها بدال منه بتعويض المتضرر ،وهو االتجاه الذي يروم الفقه اإلداري
من خالله الحد من األخطاء الطبية.
وعلى العموم ،وبغية تفادي الحكم على الدولة بمبالغ مالية مهمة كتعويض عن إقرار
مسؤوليتها عن األخطاء التي ترتكبها مرافق الصحة العمومية ،نوصي:
إدراج مادة المسؤولية الطبية ضمن المقررات التعليمية بكليات الطب؛
إيجاد صيغة للتنسيق ما بين القضاة واألطباء وذلك عبر تنظيم لقاءات علمية
ودورات تحسيسية حول المواضيع ذات الصلة بالمسؤولية الطبية (أيام دراسية،
حلقات دراسية ،ندوات علمية وغيرها)؛
تفعيل المسؤولية الشخصية للطبيب؛
تعميم التأمين عن المسؤولية على كافة المرافق الصحية؛
التحلي بالسلوك المهني وبأخالقيات المهنة.
81
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
فالمسؤولية اإلدارية في معناها الواسع هي تلك الحالة القانونية التي تلتزم فيها الدولة
والمؤسسات العامة والجماعات الترابية بدفع تعويض عن ضرر أو أضرار لحقت بالغير بفعل
وتسببت له في أضرار جراء األعمال والتصرفات اإلدارية الضارة التي قد تقوم بها سواء كانت
مشروعة أو غير مشروعة وذلك على أساس وجود خطأ مرفقي أو حتى بدون أي خطأ.
وهذا التعريف حاولت الغرفة اإلدارية بمحكمة النقض مالمسته من خالل عدد من الق اررات
الصادرة عنها من ضمنها القرار عدد 1/11الصادر بتاريخ 1131/13/31في الملف اإلداري
عدد 1131/1/0/1133والذي جاء فيه بأن":الثالت من المنازعة ومعطياتها وما تم اإلدالء
به من وثائق ومستندات أن السبب في الحادث يعود إلى أن إحدى البالوعات التابعة لها
والمخصصة لتصريف مياه الودي الحار تركت من ابلها لدون غطاء مما أدى إلى سقوط
المدعي(المستأنف عليه) فيها فتسبب له ذلك في األضرار البسدية التي تثبتها الشواهد
الطبية المدلى لها وتقرير الخبرة المنبزة في النازلة ،وهو ما يعني قيام مسؤوليتها عن ذلك
يتمث في أدائها للخدمة المناطة لها على وجه سيء بإهمالها بارتكالها خطأ مرفقيا
وتقصيرها في صيانة وإحاام إغالق بالوعات الصرف الصحي التابعة لها ،وذلك وفقا لما هو
منصوص عليه في الفص 97من اانون االلتزامات والعقود والمادة 8من القانون 03/74
المحدث والمنظم للمحاكم اإلدارية ،ولوجود عالاة سببية مباشرة لين هذا الخطأ واألضرار
82
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
البسدية والمادية التي تعرضت لها الضحية نتيبة لذلك ،وبذلك تكون ...العناصر الضرورية
لقيام المسؤولية عن الحادث موضوع هذه الدعوى في حق الشركة الطالبة وثبوتها واألساس
القانوني المستند عليه فيها".
على أنه يشترط لقيام هذه المسؤولية اإلدارية وكما هو متواتر عليه فقها وقضاء تـوفر عـدد
مــن الشــروط مــن ضــمنها أن يكــون هنــاك خطأأأ يتجلــى فــي كــل فعــل ضــار وغيــر مشــروع صــادر
عــن اإلدارة ولــيس لــه أي أســاس قــانوني يبــرره ،بجميــع صــوره سـواء كــان عبــارة عــن قـرار إداري
تصدره اإلدارة بكيفية غير مشروعة (أثبت حكم قضائي عدم شرعيته) ،أو عمل مادي قامـت بـه
أثنـاء إتيانهــا إلحــدى التصــرفات التـي تــدخل فــي نطــاق نشـاطها العــام ،فــي صــورة عمــل إيجــابي
كالقيام بعمل أو بإجراء أو نشاط ما ،أو عمل سـلبي مـن قبيـل عـدم اتخـاذ قـرار تتطلبـه الظـروف
أو االمتنــاع عــن القيــام بعمــل يــدخل فــي اختصاصــات اإلدارة ،وهــذا األمــر الــذي أكدتــه الغرفــة
اإلداريــة بمحكمــة الــنقض مــن خــالل عــدد مــن الق ـ اررات الصــادرة عنهــا مــن ضــمنها علــى ســبيل
المث ـ ـ ــال القـ ـ ـ ـرار ع ـ ـ ــدد 1/313الصـ ـ ـ ــادر بت ـ ـ ــاريخ 1139/31/15ف ـ ـ ــي المل ـ ـ ــف اإلداري عـ ـ ـ ــدد
1131/1/0/1335والـذي اعتبــرت فيـه اإلدارة مســؤولة عــن األضـرار التــي لحقـت بأحــد مــوظفي
إدارة السجون بعد االعتداء عليـه مـن قبـل أحـد السـجناء وذلـك لعـدم تـوفير الحمايـة الالزمـة داخـل
الســجون ،ولعــدم تشــديد الرقابــة داخلهــا إذ جــاء فــي هــذا القـرار بأنــه " :لكأأن ،حيأأث إنأأه -خأأالف
الوارد بالوسيلة -فإن الدولة هي المسؤولة عن االعتداء الذي تعرض له الضحية أثناء القيأام
بعمله بمرفق عمأومي والمحامأة عللأت اضأاءها بمأا يلأي ...(( :أن وااعأة االعتأداء لواسأطة
عصا و سالح أليض التي تعرض لها موروث المعنيين باألمر حينما كان يزاول مهام الحراسة
بالسبن المدني عين البرجة بالدار البيضاء وإن كانت تعزى الى فع جرمأي نتيبأة فعأ الغيأر
فأأإن وجأأه الخطأأأ المرفقأأي فأأي هأأذه الحالأأة يتبلأأى فأأي ضأأعف الراابأأة القبليأأة علأأى األدوات
المستعملة في االعتداء ،وكذا في عدم تشديد الراابأة علأى السأبناء الخطيأرين ،ومأن تأم فأإن
مسأأؤولية اإلدارة فأأي هأأذه الحالأأة هأأي مسأأؤولية اائمأأة تبأأد أساسأأها فأأي التأزام الدولأأة لتأأوفير
الحماية والسالمة الصحية لموظفيها من ك ما من شأنه المساس لهم خالل تأديتهم لأواجبهم
الوظيفي ،)).....وهو تعلي سائغ وبذلك جاء القرار المطعأون فيأه معلأال تعلأيال كأامال ومرتكأ از
على أساس وما بالوسيلة على غير أساس".
83
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
باإلضافة إلى ذلك فإنه يتعين أن يترتب عن ذلك الخطأ أضرار موجبة للحكم بالتعويض
المطالب به ،الذي يجب بدوره أن تتوفر فيه عدد من الشروط ،من ضمنها:
-أن يكون هذا الضرر ثابتا حاال وواقعا ،فالتعويض عن الضرر االحتمالي غير
قائم إال في بعض الحاالت ،كما في حالة الحرمان من فرصة اجتياز امتحان
الحصول على ترقية بسبب قرار إداري.
-أن يمس الخطأ بحق مشروع أو مصلحة مشروعة.
-أن يكون مما يمكن تقييمه بالمال.
وتحديد مبلغ التعويض عن الضرر هو مما يندرج ضمن السلطة التقديرية للمحكمة،
تستعين في تحديده بكافة إجراءات التحقيق المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية بما في
ذلك الخبرة المنجزة في النازلة ،وال رقابة عليها في ذلك من طرف محكمة النقض إال فيما
بخص التعليل ،وهذا ما أكدته الغرفة اإلدارية بمحكمة النقض من خالل قرارها 1/3151
الصادر بتاريخ 1139/31/31في الملف اإلداري رقم 1131/1/0/1101والذي جاء فيه
بأنه " :وكما ذهبت لذلك المحامة مصدرة القرار المطعون فيه فان التعويض المحاوم به جاء
نتيبة منااشة جميع األضرار المدعاة بما فيها عنصر عدم مشروعية ارار اإلعفاء ،وأن
تقدير التعويض عن الضرر هو من صميم السلطة التقديرية لمحامة الموضوع وال معقب
عليها في ذلك إال من حيث التعلي الذي ينبغي ان ياون كافيا ومقبوال ،والمحامة مصدرة
القرار المطعون فيه مراعاة لكافة األضرار الالحقة بالمطلوب في الطعن ارتأت إجمال مبلغ
التعويض في ثالثمائة ألف درهم ،وهو أمر ال يشا خراا للمقتضيات المحتج لها فالوسيلة
غير جديرة باالعتبار".
فضال عن ذلك ،فإنه إلقرار المسؤولية اإلدارية للمرفق المدعى عليه ،البد من وجود
عالقة سببية بين ذلك الخطأ والضرر المترتب عنه ،بمعنى أن تكون هناك عالقة مباشرة
بينهما ،وبالتبيعة فإن اإلدارة ال تكون مسؤولة مسؤولية مباشرة عن هذا الخطأ بشكل يرتب الحق
في التعويض ،بحيث إنه في هذه الحالة يمكن للقاضي أن يشطر المسؤولية بحسب نسبة خطأ
اإلدارة ،وهذا ما درجت عليه الغرفة اإلدارية بمحكمة النقض من خالل عدد من الق اررات
الصادرة عنها من ضمنها القرار عدد 1/3333الصادر بتاريخ 1139/33/11في الملف
84
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
اإلداري رقم 1131/1/0/1113والذي جاء فيه بأن " :الوارد بالوسيلة -يبرز العناصر التي
استندت إليها المحامة في تحديد التعويض ،والمحامة حملت الدولة المغربية مسؤولية
الحادث على أساس ثبوت خطأ اإلدارة المتمث في تقصيرها في التعهد بالتالميذ وحراستهم
داخ المؤسسة التعليمية ،وبالتالي ثبوت العالاة السببية لين الخطأ والضرر ،وليس على
أساس الخطأ المفترض ،وما هو خالف الوااع غير مقبول".
وإذا كانت هذه هي أهم القواعد والشروط التي تؤطر مسؤولية اإلدارة عن األخطاء المرفقية
التي تصدر عنها 1بمناسبة تدبير المرفق العمومي في الظروف العادية ،فإنه بالنسبة للظروف
االستثنائية أو الطارئة فإنه يثار سؤال حول طبيعة هذه المسؤولية ،وما إذا كانت تبقى خاضعة
بدورها لنفس هذه القواعد والشروط أم أنها تب قى ذات طابع استثنائي وخاص ،بشكل يخرجها عن
الخضوع والتقيد بهذه الشروط.
وطرحنا لهذا السؤال يأتي مع الظروف االستثنائية التي يعيشها العالم اليوم ،في ظل
انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد )33وما أصبح يشكله من خطر كبير على الصحة
العامة ،اعتبا ار لخطورته التي قد تؤدي إلى الوفاة ،والق اررات واإلجراءات التي تم اتخاذها من
طرف اإلدارة في هذه الظروف لمواجهة تفشي هذا الوباء أو التي كانت يتعين عليها اتخاذها،
وما قد تثيره من مسؤولية لإلدارة جراء ذلك في ظل حالة الطوارئ الصحية المفروضة من قبلها.
وفي هذا الصدد ،فقد أثير نقاش فقهي وقانوني بفرنسا حول هذا الموضوع وما إذا كانت
اإلدارة تبقى متحملة لمسؤولية محتملة عن األضرار التي قد تلحق بالغير جراء اإلجراءات
االحت ارزية التي تم اتخاذها من طرف السلطات العمومية بفرنسا لمواجهة تفشي وانتشار هذا
الفيروس القاتل ،وما تسببت فيه من آثار سلبية على الحياة اليومية للمواطنين جراء النقص
الحاد في الكمامات الطبية ( )FFP2ومواد التعقيم وكذا أجهزة التنفس االصطناعي ،خصوصا
1سبق لمجلس الدولة الفرنسي أن أصدر في األيام األخيرة عدة أوامر استعجالية رفض من خاللها الطلبات التي تقدمت بها هذه الهيئات من أجل
إلزام الحكومة بتوفير المعدات واألجهزة الطبية المتخصصة لمواجهة تفشي فيروس كورونا المستجد ،أنظر على الخصوص الق اررات التالية :
C.E.,Ord.du 20 avril 2020, (n°s 439983, 440008 .) ; protection des avocats.; Ordre des avocats de Paris et
de Marseille. in conseil-etat.fr.
C.E.Ord. du 18 avril 2020, (n° 440012), Fermeture des entreprise de ma métallurgie.; Fédération des
travailleurs de la métallurgie CGT (FTM-CGT), in conseil-etat.fr.
85
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
في األيام األولى للعدوى وتسبب ذلك في االنتشار الواسع للفيروس ،بل ومطالبة هيئات مهنية
وقطاعية معينة (من قبيل هيئات المحامين ،وهيئات صناعية واقتصادية) بتوفير هذه األجهزة
(.)3
لكن السؤال الذي يبقى دائما مطروحا ويحتاج إلى إجابة صريحة ،هو :أنه حتى إذا سلمنا
أن ما تم اتخاذه من إجراءات وما تم رفض القيام به منها قد تسبب في أضرار مادية ومعنوية
للغير ،فما هو أساس هذه المسؤولية؟ وما هو وجه الخطأ المرفقي الذي قد ينسب إلى اإلدارة؟.1
وقبل أن نعطي إجابات فقهية وقانونية لهذا السؤال ،نود أن نوضح أن احتمال إقامة
دعاوى في إطار المسؤولية اإلدارية للدولة عن األضرار المادية والمعنوية الناتجة عن جائحة
كورونا تبقى واردة ،وذلك انطالقا من الدعاوى القضائية المماثلة التي سبق وأن رفعت في هذا
اإلطار في القانون المقارن ،والتي نوردها على الشكل التالي:
-قضية الدم الملوث "( "Sang contaminéقرار مجلس الدولة الفرنسي الصادر
عدد 319151وتاريخ .) 3331/10/13
-قضية ( amianteقرار مجلس الدولة الفرنسي رقم 103351وتاريخ
.)1110/11/11
-قضية (Médiatorقرار مجلس الدولة الفرنسي رقم 131310و 131319و
131311وتاريخ .)1131/33/13
إن ما ينبغي التأكيد عليه ،هو أن هناك إجماع من قبل كافة الفقهاء والمهتمين بالقضاء
اإلداري بفرنسا أن هناك دعاوى إدارية قد ترفع من قبل بعض األفراد أو ذوي الحقوق بسبب
جائحة كورونا وما تالها من إجراءات احت ارزية في إطار فرض قانون الطوارئ الصحية ،لكن
هناك اختالف كبير بينهم حول أساس هذه المسؤولية ،خاصة وأن مجيئ هذه الجائحة جاء
بشكل مفاجئ وغير متوقع ،وبالتالي تعددت اآلراء حول التأطير القانوني الذي قد يعطى
1
Jean – Yves TRENNEC, les victimes du coronavirus peuvent – elles engager la responsabilités des autorités
publiques ?. scp-arents-trennec.com.
86
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
لمسؤولية الدولة ،وما إذا كانت قد تعفى أصال من أية مسؤولية اعتبا ار لعنصر الظرف الطارئ
وغير المتوقع.
إنه في جميع األحوال ،وحتى ما إذا رفعت دعاوى إدارية في هذا الخصوص ،فإن
المسؤولية اإلدارية للدولة هنا إذا كان ال يمكن تأطيرها في إطار المسؤولية بناء على خطأ،
اعتبا ار لما سبق وأشرنا إليه إلى أن قواعد هذه المسؤولية تطبق في الظروف العادية وليس
االستثنائية وغير العادية ،فإنه ال يمكن إدراجها في إطار المسؤولية بدون خطأ ،ألن االجتهاد
القضائي- ،سواء في فرنسا أو في المغرب ،-حصر هذا النوع من المسؤولية في حاالت
محددة ،نجملها فيما يلي:
هذه الحالة من المسؤولية بدون خطأ تواتر االجتهاد القضائي على أنها مقررة لفائدة
الغير باعتباره أجنبي عن األشغال العامة ،وليس لفائدة المتعاملين مع اإلدارة أو المستفيدين
من خدمتها ،والذين تطبق عليهم قواعد المسؤولية بناء على خطأ.
وهذا النوع من المسؤولية اقرته الغرفة اإلدارية بمحكمة النقض من خالل عدد من
الق اررات الصادرة عنها من ضمنها القرار عدد 919الصادر بتاريخ 1131/13/39في
الملف اإلداري عدد 1131/31/39والذي جاء فيه أن " :الدعوى تهدف إلى إارار
مسؤولية الدولة في إطار الفص 97من اانون االلتزامات والعقود بسبب األضرار الناتبة
عن اللغم وهي مسؤولية اائمة على نظرية المخاطر وتكون ناجمة عن استعمال أشياء
خطيرة كما هو األمر في نازلة الحال ،ويافي للمتضرر إثبات العالاة السببية لين الحادث
والضرر دون إثبات الخطأ مادام اللغم اد زرع بالتراب الوطني وأن المحامة لما حملت
الدولة المغربية مسؤولية الحادثة تكون اد طبقت الفص 97من اانون االلتزامات والعقود
وأن هذه العلة القانونية تح مح العلة المنتقدة مما تبقى معه الوسيلة لدون تأثير ".
87
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وهي عادة ما تطرح في المجال الطبي والذي تستخدم فيه أساليب طبية حديثة قد
يصعب معه على المتضرر العادي أن يثبت من خاللها مكمن الخطأ المرفقي المرتكب من
قبل المستشفى الذي حصل له فيه ضرر.
وتجد هذه المسؤولية أساسها الفقهي والقضائي في وجوب المساواة في تحمل األعباء
العامة خاصة إذا كان الضرر الذي لحق بالمتضرر يفوق درجة الضرر العادي مما ال يمكن
معه تحمله لوحده ،وقد ساير القضاء اإلداري بالمغرب هذا االتجاه وأصبح بدوره يأخذ
لنظرية الخطأ المفترض من خالل عدد من األحكام والق اررات الصادرة عنه من ضمنها
القرار عدد 1/111الصادر عن الغرفة اإلدارية بمحكمة النقض بتاريخ 1131/10/33في
الملف اإلداري عدد 1131/1/0/101والذي قضت فيه برفض طلب النقض الذي تقدم به
الوكيل القضائي للمملكة معتبرة بأنه لما كان الثابت للمحكمة مصدرة الق ارر المطعون فيه أن
الضرر الذي تعرض له الضحية كان بمناسبة خضوعه لعملية التلقيح اإلجباري وكان التلقيح
المذكور يدخل فعال ضمن األعمال الطبية إال أن خصوصيته المتمثلة في كون من يتم
تلقيحه في اإلطار المذكور ال يستشار في الخضوع لعملية التلقيح مادام أن الهدف منه هو
حماية الصحة العامة من مخاطر األوبئ ،وأنه بالنظر لما ذكر فإن الملقح ال يطلب منه
إبداء رأيه هو أو من ولي أمره إذا كان قاص ار في القبول طواعية بالمخاطر المترتبة على
تلك العملية فإن كل ذلك يجعل أساس تعويض من تضرر هو التضامن بين أفراد المجتمع
في تحمل األخطار اال جتماعية بصرف النظر عن قيام خطأ من عدمه ،والمحكمة لما ثبت
لها أن الضحية أصابه صمم بعد خضوعه لعملية تلقيح إجباري من صنف ( )R Rورتبت
على ذلك القول بأحقيته في التعويض في إطار فكرة المساواة والمشاركة في تحمل األعباء
العامة.
وهي الحاالت التي ال تندرج ضمنها حالة التعويض عن األضرار الناتجة عن
اإلجراءات والتدابير التي اتخذت أو لم يتم اتخاذها في إطار تدبير جائحة كورونا ،كما أنه
حتى إذا اعتبرنا تجاو از بأن مسؤولية اإلدارة في هذه الحالة تبقى مندرجة في إطار المسؤولية
88
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
بدون خطأ ،فإن االجتهاد القضائي اإلداري حدد لقيام مثل هذه المسؤولية وجوب توفر عدد
من الشروط والتي تتجلى على الخصوص في:
ألن الضرر الواجب التعويض عنه يشترط فيه أن يكون على قدر من الجسامة وذلك
بتجاوزه للحدود المألوفة التي يتحملها الفرد عادة ،ويبلغ حد الجسامة االستثنائية ،وفقا لما
أكدته الغرفة اإلدارية بمحكمة النقض من خالل قرارها عدد 1/3310الصادر بتاريخ
1131/31/33في الملف اإلداري عدد ،1135/1/0/0100حيث اعتبرت حقن طفلة
صغيرة بالدم بشكل خاطئ مما أدى إلى بتر أصابع يدها يعتبر خطأ جسيما مرتبا لمسؤولية
اإلدارة ولو بدون خطأ ،و جاء في هذا القرار ما يلي " :فإن المحامة ورعيا منها لما سبق
ليانه أعاله من كون مسؤولية المرفق الصحي المستأنف تبقى ثالتة انطالاا من عناصر
المنازعة ومعطياتها ،وبالنظر إلى الخطأ الطبي البسيم الذي ارتكبه أثناء عملية حقن
الدم الذي خضعت له النة المستأنف عليه وبالنظر كذلك لحبم هذه األضرار والتي ترتب
عنها لتر األجزاء السفلى لليد اليسرى لطفلة في مقتب عمرها مع ما ترتب عن ذلك من
حرمان من الحياة الطبيعية التي كان يمان أن تتمتع لها كسائر اريناتها ،باإلضافة الى
اآلثار النفسية لذلك ." ،
باإلضافة إلى ذلك ،فإنه يشترط في الضرر الموجب للتعويض أن يكون خاصا بمعنى
أنه يجب أن يكون خاصا بفرد معين أو بعدد محدود من األشخاص ،وهو أمر يقرره القضاء
بحسب وقائع النازلة المعروضة عليه ،إذ أنه ليس كل ضرر ولو تعدد األشخاص المصابون
به يعوض عليه إال إذا كان ذي طبيعة خاصة فمثال إغالق ميناء ال يعتبر مبر ار للمطالبة
بالتعويض لكل من يجري معامالت تجارية عن طريق البحر إال إذا كان هذا اإلغالق قد
أدى إلى خسائر كبيرة بالنسبة لمن كان من الالزم أن يحصل على بضاعته بتاريخ اإلغالق
،كما أنه ال يمكن لكل من يوجد بجوار محوالت كهربائية أن يطالب بتعويض عن أضرار قد
تكون ترتبت عن هذه المحوالت إال إذا كان مالكا للعقار الذي أقيمت فوقه.
89
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
فإنه يتحقق كلما وجدت عالقة بين الفعل الصادر عن اإلدارة والضرر الذي لحق
بالمعني باألمر ،بحيث أنه إذا انتفى هذا الشرط إال وانتفى أي مبرر للمطالبة بالتعويض.
وهي شروط من وجهة نظرنا قد ال تتوفر إلثارة مسؤولية الدولة عن األضرار واآلثار
التي قد تترتب عن جائحة كورونا ،التي اتخذت أبعادا دولية كبيرة إن على المستوى
االقتصادي أو االجتماعي أو السياسي ،وخرجت عن دائرة ما هو مألوف وعادي وذي طابع
خاص.
باإلض افة إلى ذلك فإن اإلدارة قد تعفى من تحمل مثل هذه المسؤولية ،إذا توفرت
شروط معينة من قبيل:
-خطأ المتضرر
إذا ثبت وقوع خطأ من جانب المتضرر ،وكان هذا الخطأ ساهم كليا أو جزئيا في
حدوث الضرر ،فإن هذا الخطأ يكون سببا إلعفاء اإلدارة من المسؤولية بنسبة مساهمته في
هذا الضرر ،ويقصد بالخطأ هنا ،الخطأ الصادر من المتضرر شخصيا أو من التابعين له
بشرط أن يحتج بهذا الخطأ في مواجهة المتبوع.
وفقا لما أكدته الغرفة اإلدارية بمحكمة النقض من خالل قرارها عدد 1/150الصادر
بتاريخ 1131/15/15في الملف اإلداري عدد 1135/1/0/0155والذي جاء فيه بأنه :
"القرار االستئنافي اد أيد الحام االلتدائي بعلة أخرى غير العلة التي جاء لها الحام
االلتدائي والمتمتلة في عدم إدالء الطاعنة بمستنتباتها بعد الخبرة رغم التوص في حين
ان علة القرار االستئنافي هي نفي مسؤولية الحادث عن الماتب الوطني للساك الحديدية.
إذ جاء بالقرار ... ((:بعد االطالع على محضر الضابطة القضائية عدد /3222م ح س
لتاريخ 48/48/47اتضح ان الحادث يعود للمستأنفة – الطاعنة -التي لم تتخذ ما يلزم
من االحتياطات أثناء نزولها من القطار خاصة ان الطقس كان عاديا والرؤية واضحة
وعدم وجود عرااي او حواجز من شأنها إعااة عملية النزول وبالتالي فالمسؤولية تقع
90
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
كاملة على عاتق المستأنفة)) .فلتحديد المسؤولية ال لد من استحضار ثالثة عناصر :فع
أو خطأ أو إهمال وضرر وعالاة سببية .وبذلك فالقرار طبق القانون حرفيا وال مؤاخذة
اانونية عليه مما تكون معه الوسيلة غير ذات أساس".
التي تنشأ عن سبب أجنبي بحيث ال يد للمتضرر فيه يمكن توقعه وبتعذر دفعه او
تفادي آثاره.
والقوة القاهرة ليس لها مفهوم ثابت ،بل لها مفهوم نسبي يتطور بتطور الحياة ،وكلما
توفرت قوة قاهرة إال وانعدم شرط العالقة السببية ،وتبعا لذلك تنتفي موجبات قيام المسؤولية
اإلدارية بدون خطأ ،فقد سبق للغرفة اإلدارية بمحكمة النقض من خالل قرارها عدد
1/3155الصادر بتاريخ 1139/31/31في الملف اإلداري عدد ،1131/1/0/0031أن
اعتبرت بأنه ..." :وحول مسؤولية الطالبة فقد ثبت لقضاة الموضوع أن هذه األخيرة اامت
لتفريغ حقينة السد بسبب تراكم كميات األمطار التي عرفتها منطقة مشرع للقصيري
المباورة لوادي سبو ،مما أدى الرتفاع منسوب مياه الوادي وحصول فيضانات أتلفت
العديد من العقارات والمزروعات من لينها عقار المطلوب في الطعن الذي تضرر بفع تلك
الفيضانات .وأن المحامة انتهت – عن صواب -الى انه ال يمان الحديث عن القوة
القاهرة ما دام أن إطالق مياه السد تم بفع المشرفين عليه وأن التواعات المناخية تسمح
بمعرفة حبم األمطار المتواعة بالمنطقة وبالتالي إفراغ مياه السد بشا تدريبي لتفادي
تضرر ساان المنطقة .والمحامة باعتمادها المعطيات الوااعية أعاله تكون اد عللت ارارها
بما فيه الكفاية والوسائ غير جديرة باالعتبار".
من الشروط الواجب توفرها من أجل المطالبة بتعويض عن األضرار التي تلحق
المتضرر أن يكون مركزه القانوني مشروعا حيال اإلدارة ،وبأن ال يكون مخالفا للقانون أو
للنظام العام واآلد اب ،بحيث أنه ال يستحق في مثل هذه الحالة الحصول على أي تعويض ،
91
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
غير أن هذا الشرط ال يطبق على إطالقه بحيث أنه يبقى دائما خاضعا لتقدير القاضي
اإلداري ،فمثال الشخص الذي أقام بناء على الملك العام ال يمكنه أن يطالب بالتعويض إذا
قامت السلطات المختصة بهدم البناء المخالف.
وبالتالي فهل يمكن ان نعتبر جائحة كورونا هي مما يندرج ضمن حالة القوة القاهرة
التي قد تعفي الدولة من تحمل أية مسؤولية عن أية أضرار مادية أو معنوية محتملة قد
تتربت عنها ،سؤال وغيره يبقى مطروحا وتبقى األيام القادمة والدعاوى المحتملة التي قد تقام
بعد رفع حالة الطوارئ وما سيصدر فيها من أحكام قضائية اعتبا ار للطابع االجتهادي للقضاء
اإلداري ،هي الكفيلة بتقديم أجوبة عنها ،وأننا أردنا من خالل هذا التحليل إثارة موضوع
أصبح موضوع مناقشة جدية في الوقت الحالي بين جميع المنابر القانونية والفقهية بالعديد
من الدولة من ضمنها فرنسا مثال.
92
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
أ
جدلية الخطا الشخصي والمرفقي للموظف العمومي
بين النظرية والتطبيق
من إعداد الستاذ عالء الحميدي،
رئيس قسم الطعون باإللغاء بالوكالة القضائية للمملكة
تقديم
يكاد يجمع مختلف فقهاء القانون اإلداري أن مهد المسؤولية اإلدارية بفرنسا كان في
نهاية القرن التاسع عشر من خالل قرار بالنكو) (Blancoالشهير ،الصادر عن محكمة
التنازع الفرنسية بتاريخ 19فبراير ،3911بل ذهب البعض إلى أن القرار المذكور هو نقطة
األساس والبداية للوجود الحقيقي والواقعي للقانون اإلداري.
و إذا كــان ق ـرار بالنكــو قــد أقــر مســؤولية الدولــة و وضــع حــداً للمفهــوم القــديم القاضــي
بانتفائهــا ،فإنــه أخضــع هــذه المســؤولية لنظــام خــاص يميزهــا عــن المبــادئ ال ـواردة فــي القــانون
المدني وذلك لضـروريات المرفـق العـام ،إذ نـص علـى أنهـا ليسـت مسـؤولية عامـة وال مطلقـة (
،(ni général ni absolueكمـا أكـد انتفـاء أي مبـرر لتطبيـق قواعـد القـانون الخـاص علـى
المسؤولية اإلدارية.1
غير أن الكثير من المياه جرت تحت الجسر بعد ذلك ،إذ تطورت أحكام المسؤولية
اإلدارية واتسع مجالها وما يزال ،إلى درجة إقرار المسؤولية الموضوعية دون خطأ.
وبعكس فرنسا التي كان منشأ المسؤولية اإلدارية فيها قضائيا ،فإن منشأها في المغرب
كان قانونيا عبر التنصيص عليها ألول مرة عام 3331من خالل قانون االلتزامات والعقود،
كما تكرس هذا المبدأ بصدور القانون رقم 03. 31المحدثة بموجبه محاكم إدارية والذي
خول لها اختصاص البت في المنازعات اإلدارية المقامة ضد الدولة كمبدأ عام سيما
1سبق لمجلس الدولة الفرنسي أن أصدر بتاريخ 1دجنبر وقبل قرار بالنكو ق اررين صادرين أكد فيهما بأن العالقة بين المصالح العمومية
وموظفيها من جهة والخواص من جهة أخرى ال يمكن أن تعالج حسب مبادئ وقواعد القانون المدني وحده (قرار روتشيلد و كلوكسين).
93
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
التعويض عن األضرار المترتبة عن نشاطات أشخاص القانون العام ،بعدما كان القضاء
العادي هو المختص للبت في جميع المنازعات كيفما كان نوعها.
وإذا كان الفصل 13من قانون االلتزامات والعقود يشكل المبدأ العام لمسؤولية الدولة
بصورتيها وهما المسؤولية على أساس خطأ مفترض حين يتعلق األمر باألضرار الناتجة عن
تسيير المرفق العمومي والمسؤولية المبنية على الخطأ الواجب اإلثبات حين يتعلق األمر
باألضرار الناتجة عن األخطاء المصلحية لموظفي ومستخدمي الدولة ،فإن هذا القانون أفرد
أحكاما خاصة تتضمن تطبيقات لهذه المسؤولية؛ كالفصل 93المتعلق بمسؤولية الدولة في
1
إطار مخاصمة القضاة والفصل 95مكرر المتعلق بمسؤولية الدولة عن الحوادث المدرسية.
وقد كرس القضاء المغربي بدوره منذ عقود وقبل انشاء المحاكم اإلدارية بسنوات مبدأ
تمايز المسؤولية اإلدارية عن المسؤولية المدنية الذي وضعه قرار بالنكو.2
وللمسؤولية اإلدارية مفهوم واسع ،فهي ال تقتصر على الخطأ المرفقي فحسب ،بل قد
تنجم عن الخطأ الشخصي الذي يرتكبه الموظف العمومي والذي يتسم بنوع من الجسامة أو
يكون مبعثه سوء نية هذا األخير ،وذلك وفقا لما ينص عليه الفصل 91من نفس القانون؛ إذ
ميز المشرع من خالل الفصل المذكور بين الخطأ المصلحي والخطأ الشخصي للموظف
وأتاح إمكانية مطالبة الدولة والبلديات بتعويض األضرار الناجمة عن الخطأ الشخصي
للموظف في حالة إثبات عسره.
1اختلف الفقه في تحديد نطاق المسؤولية اإلدارية المقررة في الفصل 13من ق ل ع ،فإذا كان هناك في البداية من اعتبر أن أساس المسؤولية
هو الخطأ وان العبارات الواردة في الفصل المذكور ال توحي سوى بصورتين من صور هذه المسؤولية وهي حينما يكون الخطأ منسوبا إلى موظف
بعينه أو موظفين معينين أو حينما ال يكون من المم كن نسبة هذا الخطأ إلى شخص أو أشخاص محددين ،لكن التوجه السائد هو الذي اعتبر أن
الفصل المذكور يؤسس للمسؤولية بدون خطأ والمسؤولية بخطأ معا لكن اختلف أصحاب هذا التوجه فإذا كان البعض اقتصر على اعتبار المسؤولية
بدون خطأ إنما قوامها خطأ مفترض حينما تقوم على أساس المخاطر لكن أمام تبني القضاء اإلداري لصور أخرى من المسؤولية الموضوعية التي
ال تقوم سوى على عنصري الضرر والعالقة السببية أخذ يبرز توجه فقهي وقضائي يعتبر أن الفصل 13من ق ل ع يستوعب كافة صور
المسؤولية أكانت بخطأ أو حتى بدون خطأ من األساس.
1قضت محكمة االستئن اف بالرباط في القرار الصادر بتاريخ 3351/5/33بما يلي" :أن المشرع المغربي عندما وضع أحكاما خاصة بمسؤولية
اإلدارات العمومية وكرس لها الفصل 13من قانون االلتزامات والعقود أبعد ضمنيا تطبيق القواعد العادية للمسؤولية المدنية عن تلك اإلدارات ،فال
يجوز إذن أن تطبق عليها مقتضيات القانون الخاص المثبتة في الفصل 99من قانون االلتزامات والعقود بشأن المسؤولية الناجمة عن األشياء
الجامدة ،وهكذا يجب بالتالي البحث في المادة اإلدارية واالستيحاء من اجتهاد مجلس الدول )الفرنسية( لتقدير مسؤولية البلدية المالكة للشاحنة التي
تسببت في الحادثة".
94
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وتتضح -على ضوء هذا التقديم -معالم اإلشكالية المحورية للموضوع ،والمتجسدة في
حدود التالقي ومكامن االختالف بين كل من الخطأ المرفقي والخطأ الشخصي للموظف
العمومي على ضوء كل من النصوص القانونية والعمل القضائي ،أو ما اصطلحنا على
تسميته ب "جدلية الخطأ الشخصي والمرفقي للموظف العمومي بين النظرية والتطبيق".
وجدير بالذكر أن للموضوع أهمية عملية ،حيث تتضح لنا أهمية التمييز بين الخطأ
المرفقي والخطأ الشخصي ،من حيث توزيع االختصاص بين القضاء العادي واإلداري ،فكلما
ثبت أن الخطأ مرفقيا انعقدت مسؤولية اإلدارة وعاد االختصاص للقضاء اإلداري ،والعكس
صحيح في حالة الخطأ الشخصي ،إذ يكون الموظف مسئول شخصيا ويختص القضاء
العادي بالفصل في الدعوى.
وتتجلى أهمية التمييز كذلك في تحديد المسؤول عن التعويض ،فاألعمال التي يؤديها
موظفو اإلدارة وتسبب ضر ار للغير ويتبين أنها أخطاء مرفقية ،توجب مسؤولية اإلدارة
وتحملها عبء التعويض ،أما األخطاء التي يرتكبها الموظفون وتنسب إليهم ،توجب
مسؤوليتهم وتحملهم عبء التعويض.
وتظهر كذلك األهمية في كيفية تقدير المسؤولية ،فإذا كان الخطأ الذي ارتكبه الموظف
خطأ شخصيا فإن المحاكم العادية تقدر المسؤولية وتبني حكمها وفق أحكام وقواعد القانون
المدني .أما إذا كان خطأ مرفقيا فإن المسؤولية تقدر وفق أحكام وقواعد خاصة مستقلة عن
أحكام القانون المدني ،وهذه األحكام تمكن القاضي من أن يأخذ بعين االعتبار مصالح
األفراد ومصالح المرفق العام والتوفيق بينهما.
95
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ومن أجل معالجة هذه اإلشكالية المحورية وما يتفرع عنها من أسئلة ،من قبيل تحديد
مفهوم الموظف العمومي وتحديد مفهوم الخطأ المرفقي والخطأ الشخصي ومعيار التمييز
بينهما وحدود التالقي والتضاد بينهما وطبيعة دعوى الحلول الناجمة عن إقرار المسؤولية
الشخصية للموظف العمومي وعجزه عن األداء ،سيكون التصميم المقترح كالتالي:
يفضي التدقيق في مقتضيات الفصل 13من قانون االلتزامات والعقود إلى القول بأنه
يتناول في طياته أحكام نظرتين مختلفتين للمسؤولية المرفقية؛ مسؤولية عن األضرار الناتجة
عن التسيير ،وهي مسؤولية موضوعية ال تتطلب الخطأ ،ومسؤولية ناتجة عن األخطاء
المصلحية لمستخدمي الدولة .1في حين يتناول الفصل 91من نفس القانون المسؤولية
الشخصية للمستخدم أو الموظف العمومي وأحكام إقرار المسؤولية اإلدارية عن تبعات تلك
األخطاء عند ثبوت إعساره.
وهكذا يتبين بأن لهذه المسؤولية أطرافا ،وهم الذين يحملون صفة موظفين ومستخدمين،
كما أن لهذه المسؤولية مجال متحرك ومتغير ،ومن أجل معالجة ذلك يتم تقسيم هذا الفصل
إلى مبحثين:
- 1تجدر اإلشارة إلى أن هناك اجتهادات قضائية تنص على أن المسؤولية المرفقية المستندة إلى مقتضيات الفصل 13قوامها خطأ واجب
اإلثبات مستبعدة بذلك القراءة المستقرة حاليا والتي تؤكد أن الفصل المذكور يؤسس لمسؤوليتين أوالهما في إطار المسؤولية الموضوعية ،وثانيهما في
إطار المسؤولية بخطأ .وكمثال على التوجه السابق الذكر نورد القرار الصادر عن المجلس األعلى تحت عدد 1133وتاريخ 3330/15/11في
الملف المدني عدد 31/1910المنشور بمجلة قضاء المجلس األعلى عدد 09ص 31والذي جاء فيه ما يلي :طبقا للفصل 13من قانون
ا اللتزامات والعقود فإن مسؤولية الدولة عن تسيير إداراتها وعن األخطاء المصلحية لمستخدميها ،ال تفترض بل ال بد من إثبات الخطأ المصلحي
المنسوب إلى موظفيها ألنها من المسؤولية التقصيرية".
96
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
من أجل إعطاء تصور ولو تقريبي للبناء المفاهيمي للفصل 13من قانون االلتزامات
ستخدم التابع للدولة والبلدية ،هل
الم َوالعقود في المقام األول ،فإنه يتعين علينا تحديد مفهوم ُ
يقصد به ذلك الموظف العمومي أم يتعدى ذلك ليشمل أشخاصا آخرين ارتبطوا بعالقة عمل
مع اإلدارة (المطلب األول)؟ وهل يشمل مفهوم الدولة والبلديات كافة أشخاص القانون العام
أم أنه مفهوم بني على الحصر (المطلب الثاني)؟
اعتمد المشرع في كل من الفصلين 13و 91من قانون االلتزامات والعقود على لفظ
المستخدم الوارد في
َ المستخدم وليس عبارة الموظف العمومي ،ومن ثم يعتبر حصر مفهوم
َ
الفصلين المذكورين مسألة ضرورية لتحديد نطاق أحكام المسؤولية في إطارهما.
ورب قائل يقول أن األمر ال يكتسي هذه الدرجة من األهمية ألن المقصود واضح من
خالل داللة السياق التي قد تعني العاملين باإلدارة العمومية متى كانت إدارة تسير مباشرة
من طرف مرفق تابع للدولة أو لجماعة ترابية ،غير أن بعض التدقيق قد يكشف أن األمر
ليس با لسهولة المتصورة ،إذ تنجم المسؤولية التقصيرية أو ما يصطلح عليه بالمسؤولية عن
العمل غير المشروع عن الجرم وشبه الجرم أي عن الفعل الذي يعد إخالال بالتزام قانوني
ويستتبع المسؤولية المدنية أو اإلدارية فقط أو الفعل الذي يرقى الى مستوى الجريمة
المستوجبة في نفس الوقت للعقوبة الجنائية وللتعويض المدني .وإذا كان األمر كذلك وجدنا
للمستخدم أو للموظف العمومي بحسب اختالف القانون الذي
َ أنفسنا أمام اختالف مفاهيمي
يشكل منطلقا للدراسة؛ إذ أن مفهوم الموظف العمومي في القانون اإلداري ليس هو نفسه في
المستخدم أو العامل في اإلدارة أوسع من مفهوم الموظف
َ القانون الجنائي ،كما يعتبر مفهوم
المستخدم الوارد
َ العمومي الوارد في القانون اإلداري ،ولهذا يتوجب علينا أن نعرف داللة لفظ
في قانون االلتزامات والعقود ،هل يقصد به جميع العاملين في اإلدارة أيا كانت الطبيعة
القانونية التي تربطهم باإلدارة؟ أي سواء كانت عالقة شغل أم عالقة نظامية تحكمها قواعد
97
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
الوظيفة العمومية؟ أم هل يتسع هذا المفهوم أكثر ليشمل مفهوم الموظف العمومي
المنصوص عليها في مجموعة القانون الجنائي ألن القياس على هذا المفهوم قد يكون في
هذا المقام من باب أولى ما دمنا في مجال المسؤولية عن الفعل غير المشروع؟
المستخدم أو
َ ويقتضي الجواب على هذه التساؤالت الوقوف على مختلف دالالت لفظ
الموظف العمومي ،واستخالص تعريف موضوعي لهذا المفهوم :
من المتفق عليه أن هناك اختالفا وتعددا ثابتا في فئات وتسميات العامليين باإلدارة؛ إذ
نجد على صعيد القانون اإلداري تميي از بين مفهوم المستخدم العمومي أو العامل في المرافق
العمومية ،وبين الموظف العمومي الذي عرفته المادة الثانية من قانون الوظيفة العمومية كما
يلي:
" يعد موظفا كل شخص يعين في وظيفة قارة ويرسم في إحدى رتب السلم الخاص
بأسالك اإلدارة التابعة للدولة ،وقريب من هذا التعريف ما جاء به الفصل األول من
المرسوم رقم 1-11-119بتاريخ 11شتنبر 3311بمثابة النظام األساسي لموظفي
الجماعات المحلية".
غير أن المشرع عمد في المادة الجنائية إلى توسيع هذا المفهوم ليشمل المفهوم اإلداري
للموظف العمومي ويمتد إلى ما أبعد و أعم من ذلك حيث ينص الفصل 110من مجموعة
القانون الجنائي المغربي على ما يأتي:
1ولقد أقر الفقه المصري والفرنسي بنظرية الموظف الفعلي أو الواقعي وتعد هذه النظرية من إحدى نظريات القانون اإلداري تناولها الدكتور
سليمان الطماوي في النظرية العامة للق اررات اإلدارية ،مطبعة جامعة عين شمس ـ الطبعة السادسة 3335ص 113وما بعدها ،ويعد الموظف
98
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ويمكن القول بناء على ما سبق أن المشرع المغربي يعتمد منطق التوسع الحتواء كافة
الوضعيات القانونية للعامل بالمرافق العمومية في إطار مباشرته لوظيفته أو مهمته ولو كان
مؤقتا سواء بأجر أو بدونه وسواء بمساهمة العامل بذلك في خدمة الدولة أو المصالح
العمومية أو مصلحة ذات نفع عام.
وهكذا اعتبر المشرع المغربي في الفصل 110من مجموعة القانون الجنائي أن طائفة
الموظفين تشمل عمال ومستخدمي وموظفي الدولة والجماعات الترابية وكذا المؤسسات
العمومية وبصفة أكثر توسعا كل من يرتبط بمصلحة تقوم بنشاط عمومي 1على الرغم من
خضوعها من حيث النشاط الذي تقوم به أو من حيث عالقتها بمستخدميها ألحكام القانون
الخاص.2
ونجد بالرجوع الى القضاء الجنائي -قصد استكناه موقفه واالسترشاد به -أنه أضفى
صفة الموظف العمومي حتى على العاملين في الشركات الخاصة حينما تكون هذه األخيرة
مكلفة بتحقيق مصلحة عامة ،فقد أضفت المحكمة الخاصة للعدل 3في أحد ق ارراتها على
رئيس قسم الحسابات ومن معه بالشركة التعاونية الفالحية المغربية بفاس صفة موظف
عمومي ،حيث قضت بإدانة جميع المتابعين من أجل اقترافهم جرائم التبديد واالختالس
ألموال عمومية ومعاقبتهم من أجل ذلك بالحبس وإرجاع المبالغ المختلسة لفائدة نفس الشركة
معللة حكمها بأن الشركة تخضع لوصاية و ازرة الفالحة وهي بذلك تقوم بخدمة عمومية
وتساهم في تحقيق المصلحة العامة.4
الفعلي أو " "Le Fonctionnaire de faitذلك الشخص الذي يعين في وظيفة يكون فيها تعينه معيبا أو لم يصدر لتعيينه قرار على اإلطالق ـ
سليمان الطماوي ـ المرجع السابق ص . 131لكن رغم ذلك فهو يعتبر موظفا عموميا من حيث تطبيق النصوص المتعلقة بجرائم المال العام ،فما
دام الموظف الفعلي يباشر نشاطا إداريا تترتب عنه آثا ار قانونية فال مفر من مساواته با لموظف العام في نظر التشريع الجنائي إذ ليس من المنطق
أن يفلت شخص من العقاب بسبب اقترافه جريمة اعتداء على المال العام بحجة أن قرار تعيينه صدر باطال طالما أنه قام فعال بمباشرة الوظيفة
العمومية.
1للمزيد من التفصيل انظر مليكة الصروخ ،نظرية المرافق العمومية الكبرى دراسة مقارنة ،الطبعة الثانية ،3331مطبعة النجاح الجديدة ،الدار
البيضاء.
2محمد الكشبور" المركز القانوني للموظف العمومي في القانون الجنائي الخاص" ،المجلة المغربية لقانون واقتصاد التنمية العدد ،3393-13ص
55.
0تم إلغاء هذه المحكمة بعدما سعى المشرع المغرب ي إلى إلغاء المحاكم االستثنائية وحل محلها األقسام المالية التي تم إنشاؤها ببعض المحاكم
االبتدائية
4حكم عدد 31بتاريخ 10مارس 3331ملف عدد 901/311غ م .
99
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
كما دأبت ذات المحكمة على اعتبار موظفي البنوك الشعبية الجهوية موظفين عموميين
ألن البنوك حسب اعتقادها قد أصبح فيها ما يكفي من الخصائص والصفات لكي تعتبر
مؤسسة عمومية تقدم مصلحة ذات نفع عام من حيث الطبيعة القانونية للمؤسسة العمومية.1
ويرى األستاذ محمد الكشبور في هذا الصدد وعلى صعيد نتيجة النقاش القانوني بشأن
تحديد صفة الموظف العمومي أن القانون الجنائي تجاوز مفهوم الموظف العمومي في
القانون اإلداري حيث يستطيع القاضي الجنائي أن يطلق صفة الموظف العمومي على
العاملين في مؤسسات خصوصية غير أنها تقوم بتحقيق المنفعة العامة.2
المستخدم العمومي
َ الفرع الثاني :ضرورة تحديد تعريف موضوعي لمفهوم
الوارد في الفصلين 97و 84من اانون االلتزامات والعقود
يفرض تعدد التعريفات الممنوحة للمستخدم أو الموظف العمومي بحسب الحقل القانوني
الذي تناولها ،اعتماد مفهوم موضوعي بالنسبة لقانون االلتزامات والعقود يزاوج بين المفهوم
اإلداري والجنائي وذلك باعتماد الغاية المراد تحقيقها ،وهي تحديد أحكام المسؤولية اإلدارية
للمستخدم العمومي.
َ للمرفق أو المسؤولية الشخصية
ومن ثم ال يمكن االقتصار لتحديد هذا المفهوم على النظر إلى العالقة القانونية التي
ت ربط العامل باإلدارة وتعيين ما إذا كانت ذات طبيعة نظامية أم أنها عالقة شغل أم عالقة
واقعية أضفى عليها المشرع بعض آثار العالقة القانونية ،بل البد على هذا الصعيد من
استحضار المصلحة العامة التي أُنشئت تلك العالقة ألجل تحقيقها ،ونقصد بذلك أن تحديد
المستخد م يجب أن يستند الى الغاية من إقرار المسؤولية عن أخطائه وهي ضمان
َ مفهوم
جبر األضرار الالحقة بالغير عن نشاط مرفقي ،وفي هذه الحالة فإن التعريف الوارد في
القانون الجنائي يكون هو األولى باالعتبار في مجال المسؤولية اإلدارية سيما أن المسؤولية
100
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
اإلدارية تترتب عن فعل غير مشروع تبلغ خطورته في بعض الحاالت إلى حد تكييفه بأنه
فعل جرمي.
إن الراصد للعمل القضائي في المسؤولية اإلدارية سيقف وال شك على أن العديد من
األحكام القضائية أقرت بثبوت المسؤولية اإلدارية على أساس مقتضيات الفصل 13من
قانون االلتزامات والعقود بالنسبة للعديد من أشخاص القانون العام غير الدولة والبلديات،
كالمؤسسات العمومية والعديد من الهيئات العامة ،بل والشركات الخاصة التي عهد إليها
بتدبير مرفق عام ،وهذا ما يعني أن تنزيل النص القانوني على أرض الواقع أدى الى اعتماد
فوضع جميع أشخاص القانون العام موضع الدولة والبلديات سيما أن المادة
منطق القياس ُ
الثامنة من القانون 03/31قد استعملت لفظ أشخاص القانون العام حينما تناولت اختصاص
المحاكم اإلدارية بالنسبة للمسؤولية اإلدارية المترتبة عن نشاط المرفق العام.
وهكذا اعتبرت محكمة النقض أن البنك الشعبي مؤسسة عمومية تقوم بخدمات ذات
نفع عام حسب الفصل الثالث من المرسوم الملكي المؤرخ في 13أبريل ،3311وبالتالي
يعتبر المستخدمون به موظفين عموميين بمفهوم الفصل 110من مجموعة القانون
الجنائي.1
ويثار التسا ؤل في هذا السياق حول ما إذا كان القيام بعمل بترخيص من اإلدارة سببا
يضفي على المرخص له صفة المؤسسة العمومية؟
يؤكد بعض الفقه في هذا الصدد أن األمر ليس كذلك ،بحيث إن القيام بعمل ما
بترخيص من اإلدارة ال يضفي على المرخص له صفة المؤسسة العمومية وال يجعل عمله
1القرار عدد 5110الصادر بتاريخ 3331/11/11ملف جنحي 31/30319منشور بمرجع خالد بنيس ـ محمد عباس السقاط مرجع سابق ص
.353
101
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
إداريا ،طالما أن الترخيص اإلداري هو مجرد إجراء تنظيمي محض ووسيلة لإلشراف العام
الذي تمارسه اإلدارة على أغلب مجاالت القطاع الخاص.1
غير أن محكمة النقض تبنت موقفا مغاي ار في أحد ق ارراتها ،حيث اعتبرت في قرار
صادر عنها أنه" :من المستقر عليه فقها أن القيام بعمل ما بترخيص من اإلدارة يضفي على
المرخص له صفة المؤسسة العمومية.2
كما اعتبر في نفس القرار أن معيار اعتبار مصلحة ذات نفع عام هو الهدف من
تأسيسها ،فمتى كان الهدف هو القيام بخدمات إلسداء نفع عام فهي مرفق عام أو مصلحة
ذات نفع عام وال عبرة حينئذ لما قد يحصل من ربح من وراء أعمالها على اعتبار أن الهدف
من إحداث مصلحة ذات نفع عام هو إشباع الحاجات العامة ،وبالتالي فإن مستخدمي
جمعية أرباب المطاحن يخضعون ألحكام الفصل 110من مجموعة القانون الجنائي لتوافر
جميع الشروط القانونية.3
أوالهما تتعلق باالختصاص ،إذ ذهبت بعض المحاكم إلقرار المسؤولية عن األضرار
التي تصيب المرتفق إلى بحث طبيعة العالقة التي تربطه مع المؤسسة العمومية المكلفة
بتدبير المرفق ،فان كانت العالقة تعاقدية كان المسؤولية عقدية وليست تقصيرية وكان العقد
من حيث طبيعته هو معيار تحديد االختصاص ،فإن كان عقدا ذا طبيعة تجارية مثال ،فإن
األضرار المذكورة تنظر فيها المحاكم التجارية وليس اإلدارية ،كما هو الشأن بالنسبة
لألضرار الالحقة بالمرتفق المستفيد من خدمات المكتب الوطني للسكك الحديدية أو خدمات
التزود بالماء والكهرباء بالنسبة للشركات توزيع الماء والكهرباء وفي بعض المناطق المكتب
الوطني للماء والكهرباء.
1الدكتور أحمد الخمليشي ،القانون الجنائي الخاص ،الجزء األول ،مطبعة المعارف الجديدة ،الرباط ،طبعة ،3333ص .301
2قرار عدد 1113-591بتاريخ 5يونيو 1111ملف جنائي عدد 1111/39901غ م .
3القرار عدد 591السابق الذكر.
102
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
واعتبرت هذه المحاكم في المقابل أن األضرار التي يتعرض لها مستعملو الطريق
السيار تنظرها المحاكم اإلدارية ،في حين اعتبر القضاء أن الجهة المختصة إذا كانت
األضرار قد لحقت بغير المرتفق هي القضاء اإلداري استنادا الى أحكام المادة الثامنة من
القانون 03/31المحدثة بموجبه محاكم إدارية.
وترتبط الزواية الثانية التي نظرت منها المحاكم ألسس مساءلة المؤسسات العمومية
ذات الطاب ع الصناعي واالقتصادي بتحديد األساس القانوني الذي يتم في اطاره تحديد
مسؤولية المرفق .ففي الوقت الذي استقر فيه القضاء اإلداري على اعتماد الفصل 13من ق
ل ع كأساس للمسؤولية.1
1ففي قرارها عدد 35الصادر بتاريخ 3391/11/31في الملف اإلداري رقم 5393أكدت الغرفة اإلدارية لدى المجلس األعلى بأن مسؤولية
الدولة ومؤسساتها العمومية عن األضرار الناتجة عن األشياء التي تستعملها كالقطار تخضع لمقتضيات الفصل 13من ق.ل.ع ،التي تجعل
مسؤولية الدولة قائمة ولو بدون ارتكاب اإلدارة أي خطأ من جانبه ،مستبعدة مقتضيات الفصل 99من نفس القانون التي تنظم المسؤولية عن حراسة
األشياء.
وهو التوجه الذي كرسه المجلس األعلى في ق ارره عدد 111الصادر بتاريخ 3391/11/13في الملف المدني عدد .90/1931
كما جاء في حيثيات هذا القرار ما يأتي " تخضع مسؤولية اإلدارة عن األضرار الناجمة مباشرة عن األشياء الخطيرة التي تستعملها في تسيير
مصالحها لمقتضيات الفصل 13من ق.ل.ع في جزئه الذي يرتب هذه المسؤولية ولو بدون خطأ ،بل يكفي وجود عالقة سببية بين الضرر واألشياء
المذكورة.
القطار الذي تسبب في الحادثة هو للمكتب الوطني للسكك الحديدية يعد مرفقا من مرافق الدولة فالمسؤولية عن الحادثة تخضع لمقتضيات الفصل
13المذكور ال للفصلين 99و" .35
وتكرس من هذا التوجه بواسطة القرار عدد 3191الصادر عن المجلس األعلى بتاريخ 3391/11/11في الملف عدد 33013الذي أكد أن
مسؤولية المكتب الوطني للسكك الحديدية باعتباره مؤسسة عمومية عن األضرار الناشئة عن األشياء التي يستعملها تخضع لمقتضيات الفصل 13
من ق.ل.ع ،ثم أضاف بأن محكمة االستئناف أخطأت عندما بحثت مسؤولية المكتب المذكور في نطاق الفصل 99من نفس القانون وعوض هذه
العلة الخاطئة حسب ما جاء في حيثياته بالعلة القانونية المستقاة من الفصل .13
أما فيما يتعلق بمسؤولي ة المرفق العام عن أضرار ناجمة عن حيوان ،فقد أكد القضاء أيضا أنها تظل محكومة بمقتضيات الفصل 13وليس
الفصلين الفصلين 91و .91في هذا اإلطار سارت المحكمة اإلدارية باكادير في حكمها عدد 1111/11الصادر بتاريخ 1111/13/11في
الملف اإلداري رقم 1111/11ش إلى الحكم بالتعويض عن األضرار التي سببها الخنزير البري لفائدة ورثة الضحية الذي تعرض إلصابة مباشرة
من الحيوان المذكور الذي صدرت توجيهات تحضر صيده في إطار المحافظة على التوازن البيئي ،معتمدة الحيثية التالية:
"وحيث بالرجوع إلى الفصل 13من ق.ل.ع والمادة 9من القانون 03/31المنظم للمحاكم اإلدارية يتبين بأن المشرع المغربي حدد الشروط
الموضوعية لدعوى التعويض عن األضرار التي تسببها نشاطات وإعمال أشخاص القانون العام.
وحيث إن مسؤولية الدولة تكون ثابتة سواء كان ذلك بخطأ منها أو بدون خطأ متى توافرت الشروط المحددة في المادة 9من القانون 03/31ألن
النص جاء مطلقا ويجب أخذه على إطالقه" .
ونفس التوجه نجده بالنسبة للمسؤولية عن حراسة الشيء ،ويجسد هذا التوجه القرار الصادر عن المجلس األعلى والذي قضى فيه بأن األضرار
الحاصلة للضحية والتي كانت نتيجة انفجار لغم ،تجعل مسؤولية المرفق العام قائمة على أساس الفصل 13من قانون االلتزامات والعقود في إطار
المسؤولية عن المخاطر) القرار رقم 055الصادر عن المجلس األعلى بتاريخ .(1111/1/5
وفي نفس االتجاه ،ذهب الحكم الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط تحت عدد 13بتاريخ 1131/13/13في الملف رقم 1113/31/3133
والذي ذهب إلى اعتماد مقتضيات الفصل 13من قانون االلتزامات والعقود كأساس إلثارة مسؤولية المكتب الوطني للكهرباء والحكم بالتعويض لفائدة
103
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ونجد في المقابل أن القضاء المدني اتخذ موقفا متباينا لما اعتبر في بعض الحاالت أن
مسؤولية أشخاص القانون العام يؤطرها الفصل 13فقط ،وفي حاالت أخرى أسس هذه
المسؤولية على الفصول التي تتناول الصور الخاصة للمسؤولية ،كمقتضيات الفصل 99من
قانون االلتزامات والعقود.1
وتشير خالصة األمر إلى أن تطور أساليب تدبير المرفق العمومي واألشخاص
المعهود لهم بإدا رته وظهور أساليب جديدة في اإلدارة ،حتى إن كان المرفق العام يدار بشكل
مباشر من طرف الدولة أو جماعة ترابية كاللجوء إلى خدمات بعض الشركات الخاصة في
بعض المجاالت كالحراسة أو النظافة أو تنظيم ولوج المرفق ،يطرح إشكالية المسؤولية عن
أخطاء هؤالء العمال؛ ذلك أنهم وإن كانوا تابعين لشركات خاصة ،مما يحتم القول بأن
مشغلهم يظل مسؤوال عن أخطائهم في إطار مسؤولية التابع عن أعمال المتبوع ،فإن
المالحظ هو كون سلطة الرقابة تكون مشتركة بين رب العمل واإلدارة التي تستفيد من
خدمات الشركة المذكورة.
كما يطرح إشكال آخر بخصوص المتدربين باإلدارات العمومية ،فإذا كانت األخطاء
ذات الطابع المصلحي أو المرفقي يتحملها المشرف على التدريب على اعتبار أن العمل
المنجز من طرف المتدرب يتم تحت عهدة ومسؤولية هذا األخير ومن ثم فكأنه هو من
ارتكب الخطأ المذكور إما باألصالة لما أخل بواجب االشراف أو بالتبعية لما كان العمل
ورثة الهالك الذي تعرض لصعقة كهربائية من عمود كهربائي ،إذ جاء في حيثياته ما يلي" :وحيث إن المادة 13من قانون االلتزامات والعقود ترتب
مسؤولية الدولة ولو بدون خطأ ،بل يكفي لقيامها وجود الضرر وعالقة السببية بينه وبين اآللة الخطيرة وال تعفى اإلدارة من المسؤولية إال بإثبات
خطأ الضحية.
وحيث إن وفاة الضحية كانت نتيجة صعقة كهربائية ثابتة من خالل محضر الضابطة القضائية المذكور أعاله ،وكذلك الشهادة الطبية المرفقة
بالملف وإن كان على المدعى عليه أن يتخذ االحتياطات الالزمة وال سيما في األماكن اآلهلة بالسكان وذلك على األقل استعمال السياج لألعمدة
ذات الضغط المرتفع أو حراستها ،مما يجعل مسؤولية المدعى عليه قائمة في نازلة الحال" .
1ذهب المجلس األعلى بمقتضى القرار عدد 010الصادر بتاريخ 1113/1/10والذي في قرار بأن المسؤولية عن األشياء تبحث في إطار
الفصل 99من قانون االلتزامات والعقود بغض النظر عن الجهة المسؤولة ،سواء كانت شخصا معنويا أو عاديا ،جاء فيه ما يلي :
"لكن ردا على ما أثير أعاله فإنه طبقا للفصل 99من قانون االلتزامات والعقود فإن كل شخص سواء كان معنويا أو عاديا يسأل عن الضرر
الحاصل من األشياء التي في حراسته إذا ثبت أن هذه األشياء هي السبب المباشر لحدوث الضرر وذلك ما لم يثبت أنه فعل ما كان ضروريا لمنع
الضرر أو أن الضرر يرجع إما لحادث فجائي أو لقوة قاهرة أو لخطأ المضرور والمحكمة مصدرة القرار لما ثبت لها أن الهالك قاصر وأنه لم يمنع
من دخول المسبح وأنه غرق به وأن هذا المسبح كان تحت حراسة الطالب وأنه لم يثبت أن خدامه وتابعيه والمسؤولين عنه فعلوا ما كان ضروريا
لمنع غرق الطفل بالتدخل في الوقت المناسب والعمل على إنقاذه وأن الضرر يرجع لحادث فجائي أو لقوة قاهرة أو لخطا المتضرر فقضت تبعا
لذلك بمسؤوليته عن الحادث وحكمت عليه بالتعويض لفائدة المطلوبين فجاء قرارها معلال تعليال كافيا وقضاؤها مرتك از على أساس".
104
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
المنجز من طرف المتدرب في الحقيقة عمال ينسحب على الموظف المشرف ،فان التساؤل
يطرح حينما يرتكب المتدرب أخطاء جسيمة أثناء فترة التدريب ،فهل يمكن اعتبار تلك
األخطاء خاضعة ألحكام الفصل 11من قانون االلتزامات والعقود أم تحكمها مقتضيات
الفصل 91من ذات القانون أم أن الخطأ ينسحب على الموظف المشرف على التدريب؟
وهل يمكن تطبيق نظرية الموظف الفعلي إليجاد حل لهذه اإلشكاالت أم أن القضاء
يجب أن يتصدى باجتهادات قارة إلعطاء حلول تبين بدقة حدود المسؤولية الشخصية
والمرفقية لألعوان اإلدارة أو المتعاونين معها غير مستخدميها؟ أم أن الحل يكمن في تدخل
تشريعي يستحضر تطور أساليب تدبير المرفق العام من جهة ويوحد المفاهيم المتداولة من
جهة أخرى سيما تلك المستعملة في القانون المحدث للمحاكم اإلدارية وتلك المحددة في
قانون االلتزامات والعقود.
لعل هذه األسئلة التي تطرح نفسها بحدة ستكشف على أن كل من الفصلين 13و91
من ق ل ع في حاجة إلى قراءة جديدة على ضوء ما أسفر عليه تطور الواقع من إشكاالت
ونجم عن تنزيل القضاء ألحكامه على أرض الواقع من توجهات.
المطلب األول :مجال المسؤولية اإلدارية في إطار الخطأ المصلحي على ضوء أحكام
الفصل 13من قانون االلتزامات
المطلب الثاني :مجال المسؤولية اإلدارية في إطار الخطأ المصلحي على ضوء أحكام
بعض النصوص الخاصة
105
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
لعل من بين المؤاخذات على الفصل 13من قانون االلتزامات والعقود هو أنه لم يحسم
في األساس القانوني الذي تقوم عليه المسؤولية عن األضرار الناتجة عن أعمال التسيير،
وهذا ما حدى بالقضاء والفقه إلى التوسع في هذا المجال حيث أوجدا عدة أسس لهذه
المسؤولية كنظرية المخاطر في الشق المتعلق باألشياء الخطيرة ،والخطأ المفترض أو
المضمر في بعض األحيان ،والمساواة في تحمل التكاليف العامة واألضرار االستثنائية وغير
العادية ....
ويقف الدارس والمهتم على اختالفات أساسية بين القضاء المدني واإلداري في تطبيق
هذا النص خصوصا فيما يتعلق باألساس المعتمد إلقرار المسؤولية؛ إذ يذهب القضاء
المدني على وجه الخصوص الى اعتماد أسس أخرى للمسؤولية اإلدارية مسترشدا بالنصوص
األخرى المؤطرة للمسؤولية التقصيرية ،وفي المقابل يتوسع القضاء اإلداري في صور
المسؤولية اإلدارية ليتجاوز نطاق المسؤولية التقصيرية إلى أنواع أخرى تجد سندها في المهام
الملقاة على الدولة ،سواء لتفعيل مبدأ التضامن والتكافل أو توزيع األعباء العامة وضمان
المساواة أمام تكاليفها.
ولعل محصلة األمر أن مجال المسؤولية اإلدارية لم يعد قائما على خطأ مصلحي أو
على خطأ مفترض فحسب ،بل إن النظريات الحديثة لم تعد تستند الى مفهوم المسؤولية
التقصيرية التي قوامها المسؤولية عن إخالل بالتزام قانوني ،بل أضحت المسؤولية اإلدارية
تمتد لتشمل حاالت يغيب فيها أي إخالل ،بل يغيب فيها أي نشاط إيجابي أو سلبي مباشر
يمكن أن تتولد عنه المسؤولية.
ومسؤولية اإلدارة في هذا المجال مسؤولية أصلية ومباشرة ،ال فرق في ذلك بين أن
يكون الخطأ منسوبا إلى موظف معين بالذات أو منسوبا إلى اإلدارة ذاتها ،ففي كلتا الحالتين
تنتفي مسؤولية الموظف الشخصية بحيث ال تظهر إال مسؤولية اإلدارة وحدها .فكما يقول
العميد دوجی تتالشي مسؤولية الموظف وتندمج في مسؤولية اإلدارة.
106
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
والخطأ المرفقي هو على درجات ،ذلك أن مجلس الدولة الفرنسي قد ميز منذ أمد
طويل بين األخطاء البسيطة واألخطاء الجسيمة واألخطاء ذات الخطورة االستثنائية.
ومادام أن موضوع هذا المقال ينصب على المسؤولية عن الخطأ المصلحي للموظف
العمومي ،فإننا سنركز على المسؤولية اإلدارية الخطئية لنعرف في الفقرة األولى الخطأ
المصلحي وصوره وفي الفقرة الثانية معايير تقدير هذا الخطأ المرفقي:
سنتطرق في بند أول إلى تعريف الخطأ المرفقي ثم سنعمل على تحديد بعض صوره
في بند ثان:
يمكن القول أن الخطأ المرفقي أو المصلحي هو كل خطأ ينسب للمرفق ولو كان من
صدر عنه موظف أو عدة موظفين ،كما أن المسؤولية عنه تعود مباشرة إلى الشخص
العمومي الذي يتبعه الموظف ،دون الموظف الذي صدر عنه ذلك الخطأ المرفقي والذي
تنمحي شخصيته ،وبالتالي تنعدم مسؤوليته.
ويعود أصل هذا الحل إلى القرار الشهير لمحكمة التنازع الفرنسية الصادر في قضية
Pelletierالذي ميز ألول مرة بين الخطأ الشخصي وبين الخطأ المرفقي بعد أن كان
القضاء اإلداري يرفض مبدأ مسألة الموظف العمومي مساءلة شخصية استنادا الى نظام
«كفالة الموظفين» La garantie des fonctionnairesالذي كرسه الفصل 15من
دستور الجمهورية الثالثة لفرنسا ،والذي كان يشترط إلقامة أية دعوى أمام القضاء موضوعها
مساءلة ا لمستخدمين العمومين عن األفعال المرتبطة بوظائفهم ،ضرورة صدور ترخيص من
مجلس الدولة.
وقد ظهر من خالل هذا القرار مفهوم «الخطأ المرفقي» الذي يراد به األخطاء غير
المنفصلة عن مزاولة المهنة.
107
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وال يعتمد القاضي عند تقديره لهذا الخطأ على معيار مجرد لكن يقرر في كل واقعة ما
إذا كان هناك خطأ أم ال ،ويقدر الخطأ بحسب مدى صعوبة مهمة المرفق والظروف الزمنية
(حالة السلم أو حالة األزمات) والظروف المكانية ،وأيضا الموارد المادية والبشرية التي يتوفر
عليها ذلك .وينتج عن هذا أن مفهوم الخطأ المرفقي ذو طبيعة نسبية ،فنفس الفعل يمكن
حسب الظروف أن يكيف على أنه خطأ أو ال.
ويمكن القول على ضوء هذه المعايير إن الخطأ المرفقي هو الخطأ الذي ينسب إلى
المرفق ذاته بصرف النظر عن العاملين فيه ،ويتمثل في عدم تأديته للخدمات التي يضطلع
بها على الوجه القانوني الصحيح.
كما يقصد بالخطأ المرفقي " الخطأ الذي ينسب إلى المرفق حتى لو كان الذي قام به
ماديا أحد الموظفين" ،ويقوم الخطأ هنا على أساس أن المرفق ذاته هو الذي سبب الضرر
ألنه لم يؤد الخدمة وفقا للقواعد التي يسير عليها ،سواء أكانت هذه القواعد خارجية ،أي
وضعها المشرع ليلتزم بها المرفق ،أو داخلية سنها المرفق لنفسه ،أو يقتضيها السير العادي
لألمور.
وينقسم الخطأ المرفقي الذي يرتكبه العاملون في المرفق العام إلى نوعين :خطأ موظف
أو موظفين معينين بالذات وخطأ ال يمكن نسبته إلى موظف أو موظفين معينين بالذات.
جرى الفقه والقضاء على تقسيم الصور التي يتمثل فيها الخطأ المرفقي إلى ثالثة صور
تندرج حسب جسامة الخطأ ذاته ،وهي:
يقصد بهذه الصورة جميع األعمال اإليجابية التي يقوم بها المرفق العام على نحو
خاطئ ،سواء تمثلت هذه األعمال في صورة أعمال مادية أو في صورة تصرفات قانونية.
كما يستوي في ذلك أن ينشأ الضرر من عمل قام به أحد الموظفين أثناء تأدية وظيفته ،أو
108
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وقع هذا الضرر من أشياء أو حيوانات تملكها اإلدارة .وقد يكون مرجع الضرر عائدا إلى
سوء تنظيم المرفق العام.
وهكذا تظهر هذه الصورة في الحالة التي يؤدي فيها المرفق العام الخدمة المطلوبة
منه ،أي قيامه بأعمال إيجابية ،ولكنها أعمال إيجابية خاطئة تلحق ضر ار بالغير ،نتيجة أداء
الجهة اإلدارية خدماتها على الوجه السيئ ،وفي هذه الحالة تسأل اإلدارة عن التعويض
بسبب أنها لم تؤد الخدمة المنوطة بها على أكمل وجه.
و حاالت هذه الصورة متع ددة؛ فقد ينشأ الضرر عن فعل صادر عن أحد الموظفين و
مثال ذلك قضية " TOMASO GRECCOتوماس جريكو". 1
ويمكن أن يكون مصدر الضرر أشياء أو حيوانات تملكها اإلدارة ،كإهمال اإلدارة خيل
أو ماشية مملوكة لها وألحقت أض ار ار باألفراد ،كما يمكن أن ينتج الضرر كذلك عن سوء
تنظي م المرفق العام كأن يصاب أحد الموظفين باختناق نتيجة سوء تهوية أماكن العمل.
وال يكون مصدر الخطأ المرفقي في هذه الصورة دائما عمال ماديا ،فقد يكون مصدره
أيضا في بعض األحيان عمال قانونيا معيبا ،كما لو ضمنت اإلدارة ق ارراتها معلومات غير
حقيقية ،أو تعجلت في تنفيذ حكم قضائي قبل أن يصير قابل للنفاذ ،أو استولت على بعض
األموال في غير الحاالت التي يخولها القانون فيها ذلك الحق أو تطبق القانون أو اللوائح
تطبيق خاطئ.
ويتضح من هذه الصورة أن القضاء جعل من التنظيم السيئ ،أو اإلهمال في تسيير
المرفق خطأ مرفقيا ،حفاظا على حقوق المضرور وحثا لإلدارة على ضرورة االنتباه والتبصر
وحسن التسيير من جانب أخر.
1تتلخص وقائع هذه القضية في أن ثو ار هائجا هرب ،فاندفع وراءه الناس محاولين اإلمساك ،وفي أثناء تلك اللحظات انطلق عيار ناري أصاب
السيد " توماس جريكو" بجراح وهو داخل منزله ،فرفع دعوى مطالبا اإلدارة تعويضه عما أصابه ،مدعيا أن العيار الذي أصابه أطلقه أحد رجال
الشرطة الذين كانوا يطاردون الثور الهائج ،فقضى مجلس ال دولة الفرنسي بمسؤولية المرفق لعدم اتخاذه االحتياطات الالزمة لمنع حدوث مثل هذه
الحوادث( ،حكم مجلس الدولة الفرنسي الصادر في 31فبراير ،)3315
109
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ال يكمن الخطأ وفقا لهذه الصورة في تصرف إيجابي قامت به اإلدارة ،بل يكمن في
تصرف سلبي يتمثل في امتناع اإلدارة عن القيام بعمل هي ملزمة قانونا بالقيام به.1
ويستخلص من خالل هذه الصورة أن مباشرة اإلدارة الختصاصاتها ليس امتيا از تزاوله
كيف ومتى وأين شاءت وأرادت ،وإنما هو واجب يفرضه عليها القانون يجب أن تؤديه بكل
أمانة وحرص من أجل تحقيق المصلحة العامة .وبذلك يكون امتناعها عن أداء هذا الواجب
خطأ مرفقيا يوجب مسؤوليتها عن التعويض ،وهذا حماية لألفراد الذين تضرروا من جراء هذا
االمتناع.
تعد هذه الصورة من الخطأ المرفقي من أحدث الصور التي قضى فيها مجلس الدولة
الفرنسي بمسؤولية اإلدارة ،وتتمثل في تباطؤ اإلدارة بالقيام بالخدمة المطلوبة منها بشكل
يخرج عن المعتاد والمألوف دون مبرر فيؤدي هذا البطء إلى إلحاق الضرر باألفراد
المطالبين بأداء هذه الخدمة ،سواء كان ذلك بسبب عمل مادي أو قانوني.
والمقصود هنا بتباطؤ اإلدارة عن أداء الخدمة هو "تأخر اإلدارة في الحاالت التي ال
يحدد فيها القانون ميعادا معينا ألداء الخدمة وإنما يترك تحديد الوقت لسلطة اإلدارة التقديرية.
أما إذا كانت سلطة اإلدارة مقيدة بأن حدد لها القانون ميعادا معينا ألداء الخدمة ورغم ذلك
تباطأت عن أدائها دون مبرر بتجاوزها للميعاد المقرر قانونا فإن ذلك يندرج ضمن صورة
عدم أداء المرفق للخدمة ،فبطء المرفق العام في أداء الخدمة وفقا لهذه الصورة ال يتصور
تحققه إال في حالة ممارسة اإلدارة لسلطتها التقديرية وال مجال إلعمال هذه الصورة عندما
تكون سلطة اإلدارة مقيدة.
19بدأ مجلس الدولة الفرنسي أولى تطبيقات هذه الحالة ،بمناسبة األضرار الناجمة عن األشغال العامة فلم يكتفي بمسؤولية اإلدارة في حالة األداء
السيئ لألشغال ،بل مدها إلى حالة امتناع اإلدارة عن القيام ببعض األشغال العامة ،كما لو لم تقم اإلدارة باألعمال الالزمة لحماية األهالي من
الفيضان ،أو عدم قيامها بصيانة منشآت عامة على الوجه الالزم ونجم عن ذلك إصابة األفراد بالضرر ،كما لو تسربت مياه الفيضان إلى عقارات
بعض األفراد المجاورة للطريق العام نتيجة إلهمال اإلدارة في اتخاذ الالزم لتصريف هذه المياه في القنوات المعدة لذلك..الخ من قضايا مجلس الدولة
الفرنسي المختلفة والمتنوعة.
110
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
مما سبق يتضح أن الخطأ المرفقي في حالة األفعال المادية الصادرة عن اإلدارة يتخذ
صو ار متعددة ،كاإلهمال أو التأخير أو عدم التبصر أو الترك أو التخلف عن القيام بفعل ما
وغيرها ،ومجلس الدولة الفرنسي في هذه الحالة لم يتقيد بمعيار معين لتحديد الخطأ الذي
ترتكبه اإلدارة في األفعال المادية التي تقدم عليها ،ولكنه يقدر الخطأ وفقا لكل حالة على
حدة ،وال يرتب مسؤولية اإلدارة في بعض الحاالت والصور إال إذا كان الخطأ على قدر من
الجسامة ،والتي تحدد وفقا لالعتبارات التالية:
لزمن وقوع الخطأ تأثير مؤكد على مسؤولية اإلدارة ،ذلك أن تقدير الخطأ الذي يقع في
الظروف العادية ليس هو ذات التقدير في ظل الظروف االستثنائية.
وللقول بقيام الخطأ في ظل الظروف االستثنائية يلزم أن يكون هذا الخطأ على قدر
كبير من الجسامة تتناسب وخطورة هذه الظروف.
يختلف الخطأ المرفقي الذي يقع في الحاالت العادية عن الخطأ الذي يقع في الحاالت
االستثنائية كالحروب والكوارث واألزمات ،فإذا وقع الخطأ أثناء ظرف استثنائي فإنه يجب
111
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
لكي تقوم مسؤولية اإلدارة أن يكون على درجة كبيرة من الجسامة ألن الظرف االستثنائي
يؤدي إلى تخفيف مسؤولية اإلدارة ،بل وقد يؤدي في بعض األحيان إلى إعفائها من
المسؤولية نهائيا .بل إن مجلس الدولة الفرنسي تعدى في هذه الحالة إلى ظروف أخرى أخف
من ذلك ،مثال الساعة التي وقع فيها الفعل الضار ،هل كان ذلك نها ار أم ليال؟ وإذا كان
بالليل فهل كان في ساعة مبكرة من الليل أم في ساعة متأخرة منه؟ ،ومثال ذلك قضية "
.1"champagne
وبالتالي فالخطأ الذي يعقد مسؤولية اإلدارة في الظروف االستثنائية ،هو ذلك الخطأ
الذي ينجر عن عدم قي ام اإلدارة باتخاذ االحتياطات واإلجراءات الالزمة التي كانت بإمكانها
مراعاتها لتفادي حدوث أضرار للغير.
لقد أخذ القضاء اإلداري الفرنسي كذلك بعين االعتبار عند تقديره لجسامة الخطأ
المرفقي في األعمال المادية لإلدارة ،المكان الذي يمارس فيه المرفق خدماته ،فكلما كان
المرفق يؤدي خدماته في منطقة نائية تشدد في درجة الخطأ الذي يؤدي إلى مسؤولية اإلدارة،
أكثر مما إذا كان يؤدي المرفق العام خدماته في منطقة مؤهلة.
يراعي القضاء اإلداري -في معرض تقديره للخطأ المرفقي -المهام المنوطة بالمرفق
العام ،إذ إن المهمات التي تناط بالمرافق العامة تختلف من مرفق إلى آخر ،إذ يناط بكل
مرفق تحقيق مهمة أو مهام معينة .وبناء على ذلك فإن الصعوبات التي تواجهها المرافق
العامة تختلف باختالف مهماتها.
( 1حكم مجلس الدولة الفرنسي الصادر في ، )3331فقد حد ث أن كانت اإلدارة تقوم اإلدارة ببعض اإلصالحات في طريق عام ،و تركت في
وسط الطريق كومة من الحصى ،و لم تكن اإلضاءة عندها جيدة مما أدى إلى اصطدام طبيب بكومة الحصى ،استدعي لحالة مستعجلة في
منتصف الساعة الثالثة صباحا .فرفض المجلس التعويض بالنظر إلى أن الحادث وقع في ساعة متأخرة من الليل.ففي هذا الصدد يالحظ ،أن مثل
هذا التشدد من مجلس الدولة مبالغ فيه ،ألن اإلضاءة الكافية و الجيدة سواء أكانت في أول الليل أو في أخره هي واجبة على اإلدارة و يتحتم عليها
القيام بها لسالمة المارة.
112
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وعليه يعد الخطأ البسيط كافيا لترتيب مسؤولية اإلدارة بالنسبة لنشاطات المرافق العامة
التي ال تعترضها صعوبات خاصة.1
يتبين من كل ما سبق أن تحديد حاالت الخطأ المرفقي يعود في األساس الى القضاء
الذي يتطور هذا الباب يوما بعد يوم.
وهكذا فإن المقصود هنا أنه كلما كانت موارد المرفق قليلة وأعباؤه كبيرة فإن القضاء
في هذه الحالة يتشدد في درجة جسامة الخطأ المرفقي ،أما في الحالة العكسية فإنه يتساهل
في درجة الخطأ المرفقي.
وقد طبق مجلس الدولة الفرنسي هذا المعيار فيما يتعلق بمسؤولية اإلدارة عن صيانة
المنشآت العامة ،حيث نجد حكم مجلس الدولة الفرنسي الصادر في 11يونيو 3331في
قضية " ،"Rostحكم بمسؤولية اإلدارة عن حادث غرق سفينة نتيجة إلقاء شخص مجهول
لجسم صلب في إحدى القنوات ،إذ رأى المجلس "أن حادث الغرق وقع عقب إلقاء هذا الجسم
بفترة وجيزة ،بحيث لم يكن لدى المشرفين على القناة الوقت الكافي الكتشاف الحادث ،كما
أنه لم يكن في ذلك ما يسترعي انتباههم ،و ليس من المعقول إلزامهم بالكشف على قاع
القناة باستمرار".
وبناء على ذلك فقد خرج المجلس بفكرة مفادها أن اإلدارة تكون مسؤولة عن كل خطأ
يمكن تجنبه بالحرص العادي ،وغير مسؤولة إذا كان ال يمكن تجنبه إال باتخاذ إجراءات غير
عادية ،وألجل هذا حكم بمسؤولية اإلدارة إذا قامت بإحداث حفر في الطريق ولم تتخذ أي
إجراءات لتنبيه المارة لكي تتجنبها مما أدى إلى سقوط بعض األفراد وإصابتهم بجراح.
1فقد اعتبرت اإلدارة مسؤولة عن األضرار ا لناتجة .عن خطأ بسيط اقترف في تطبيق القوانين االقتصادية أو االجتماعية أو القوانين المتعلقة بحماية
الصحة العامة ،وكتلك التي اقترفت في سياق تنظيم أو تسيير مرفق عام صحي فال جدال أن جسامة الواجبات الملقاة على عاتق المرفق العام وما
لديه من وسائل وامكانيات لمواجه تها له اعتبار في تقدير درجة الخطأ التي ترتكبها هذه المرافق .فكلما كانت أعباء المرفق جسيمة ووسائله قليلة
لمواجهة هذه األعباء فإن القضاء يتطلب درجة كبيرة من الخطأ متناسب وهذه األعباء.
113
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
يفرق القضاء اإلداري على هذا الصعيد بين ما إذا كان المضرور يستفيد من المرفق
أو ال يستفيد منه ،وكذلك يفرق بين ما إذا كان لجوؤه إلى المرفق اختياري أو اضطراري،
وسيتم تفصيل ذلك على النحو االتي:
نجد عموما أن القضاء اإلداري يتساهل في تقدير الخطأ إذا كان المضرور ال عالقة
له بالمرفق ولم يستفد أي شيء من نشاط المرفق مقابل الضرر الذي أصابه ،في حين نجده
يتشدد في تقدير الخطأ (أي يتطلب خطأ جسيم) فيما إذا كان المضرور يستفيد من خدمات
1
المرفق لما يناله من نفع جراء نشاط المرفق الذي سبب له ضرر.
تأسيسا على هذا المعيار فإن مجلس الدولة ال يسوي بين المنتفعين من المرفق ،لكنه
يفرق بين ما إذا كان المستفيد يلجأ مختار لالستفادة من خدمات المرفق ،أو كان مضط ار
لاللتجاء إلى المرفق ،وبالتالي انه إذا كان لجوء المتضرر إلى المرفق اختياريا ،فإن القضاء
اشترط أن يكون الخطأ جسيما حتى يقرر المسؤولية ،بخالف ما إذا كان لجوئه إلى المرفق
اضط ارريا إذ اكتفى بالخطأ اليسير.
ومن خالل ما سبق يتبين أن القضاء اإلداري ال يتقيد بقاعدة واحدة معينة في مجال
تقدير الخطأ في األعمال المادية ،بل يقدر كل حالة على حدة ،مراعيا في ذلك ظروف
الزمان والمكان ،والمصاعب التي يواجهها المرفق في سبيل القيام بخدماته أضف إلى ذلك
مدى ارتباط المضرور بالمرفق ،وال يقضي بمسؤولية المرفق في هاته الحاالت إال في إذا
كان الخطأ على درجة معينة من الجسامة.
1تجب اإلشارة إلى أن القضاء في بعض أحكامه يفرق في درجة الخطأ بين ما إذا كان المستفيد يحصل على خدمة المرفق مجانا أو بمقابل
114
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
يراعي مجلس الدولة الفرنسي عند تقديره للخطأ المرفقي في األعمال المادية لإلدارة -
زيادة على االعتبارات السابقة -كذلك طبيعة المرفق وأهميته االجتماعية ،ألن ذلك يعتبر
مظهر لقضاء مجلس الدولة.
إذ أن هناك بعض المرافق اإلدارية التي تكتسي صعوبة خاصة وأهمية اجتماعية
كبرى ،خصها مجلس الدولة بشيء من الرعاية ،إذ نجده يتشدد في درجة الخطأ المنسوب
إليها ،وال يقرر مسؤوليتها سوى عن األخطاء الجسيمة أو الخطرة ،أو التي تكون جسامتها
استثنائية دون البسيطة ومن تلك الم ارفق على سبيل المثال:
أ -مرفق الشرطة
وذلك نظ ار لصعوبة الدور الذي يقوم به هذا المرفق ،في سبيل حماية النظام العام
بمدلوالته الثالث (األمن العام ـ الصحة العامة ـ السكينة العامة) ،ويستتبع ذلك تقدير األخطاء
المنسوبة له بحذر وعناية فائقة ،فال يسأل إال عن خطأ على درجة كبيرة من الجسامة.
وقد كان المبدأ السائد إلى غاية القرن الماضي هو عدم مسؤولية الدولة عن نشاط
مرفق الشرطة ،وابتداء من قرار ( 1)Tomaso Greccoاعترف مجلس الدولة بمسؤولية
الدولة عن األضرار التي يسببها مرفق الشرطة ،وأسسها على أساس الخطأ الجسيم
.
بالنظر للصعوبات التي تعترض القائمين على هذا المرفق ،فإن القضاء االداري يشترط
الخطأ الجسيم لقيام مسؤولية اإلدارة ،ومن ذلك تلف األدوات المستخدمة في إطفاء الحريق،
قلة ضغط الماء المستخدم في إطفاء الحريق ،نقص وسائل اإلطفاء وغيرها من األخطاء
الجسيمة التي تؤدي إلى مسؤولية اإلدارة .إال أنه تحول إلى االكتفاء بالخطأ اليسير ابتداء
1مجلس الدولة 31شباط ،3315قضية Tomaso Greccoالق اررات الكبرى لالجتهاد االداري رقم 35
115
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
من عام 3330،مع األخذ بعين االعتبار الصعوبات التي واجهت المرفق أثناء قيامه
بنشاطه في مكافحة الحرائق.
إذا كان المبدأ العام يقضي بأن مسؤولية أشخاص القانون العام مقررة بمقتضى الفصل
13من قانون االلتزامات والعقود ،فإن هناك نصوصا أخرى خاصة حددت أصنافا من هذه
المسؤولية ،كالفصل 95مكرر الذي تناول أحكام المسؤولية عن الحوادث المدرسية ،دون أن
نغفل أن هناك نصوصا تطرقت ألحكام المسؤولية التقصيرية في صورها الخاصة ،وهو ما
يطرح التساؤل حول النص الذي يتعين تطبيقه في حالة قيام الوقائع المنشئة للمسؤولية عن
الشيء أو الحيوان أو البناء...إلخ ،علما أن التمييز بين هذه الحاالت له أهمية كبيرة سواء
فيما يتعلق باألساس الذي يرتكز عليه أو بأسباب الدفع باإلعفاء منها.
ويالحظ من خالل استقراء العمل القضائي ،أن كال من القضاء اإلداري والمدني متفق
على وجوب إعمال الفصل 95مكرر كإطار خاص للمسؤولية عن الحوادث المدرسية ،في
حين أنه مختلف فيما يتعلق بإعمال باقي الفصول الخاصة المنظمة للمسؤولية التقصيرية
على أشخاص القانون العام.
وينص الفصل 95مكرر على أن المعلمين وموظفي الشبيبة والرياضة يسألون عن
الضرر الحاصل من األطفال والشبان خالل الوقت الذي يوجدون فيه تحت رقابتهم ،ويلزم
المدعي بإثبات الخطأ الذي تسبب في الضرر وفقا للقواعد القانونية العامة ،وتحل مسؤولية
الدولة محل الموظفين المذكورين.
ويتبين باالطالع على هذه المقتضيات القانونية أنها تضمنت القواعد اآلتية:
-مسؤولية الدولة عن الحوادث المدرسية ليست مفترضة وإنما مبنية على أساس
الخطأ الواجب اإلثبات؛
-إحالل الدولة محل المعلمين وموظفي الشبيبة والرياضة في أداء التعويض المحكوم
به؛
116
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ومما تجدر اإلشارة إليه أن العمل القضائي لم يستقر بعد على الجهة القضائية المخول
لها اختصاص البت في دعاوى مسؤولية الدولة عن الحوادث المدرسية ،إذ توزع هذا
االختصاص بين القضاء اإلداري بناء على مقتضيات الفصل 9من القانون رقم 31.03
المحدثة بموجبه المحاكم اإلدارية ،وبين القضاء العادي بناء على مقتضيات الفصل 95
مكرر من قانون االلتزامات والعقود.
وقد نجم عن االختالف في توزيع االختصاص اختالف في إعمال أحكام الفصل 95
مكرر خصوصا فيما يتعلق بشروط إقرار المسؤولية في إطاره؛ فلقد كان التوجه في البداية
بالنسبة للقضاء اإلداري مستق ار على أن المسؤولية في إطار هذا الفصل قائمة على خطأ
واجب اإلثبات ،وهو ما تجسده ق اررات متواترة صادرة عن المجلس األعلى ،فقد جاء في قرار
المجلس األعلى عدد 111الصادر في الملف اإلداري عدد 311بتاريخ 3339/10/11
المنشور بالتقرير السنوي للمجلس األعلى ما يلي:
عدم قيام دليل على إخالل األستاذ بواجباته في المراقبة والحيطة ينفي أية مسؤولية في
هذا المجال.
كما أن المحاكم اإلدارية قد سارت على ذات التوجه في األحكام الصادرة عنها منذ
إحداثها فقد جاء في الحكم الصادر عن المحكمة اإلدارية بمراكش بتاريخ 1110/33/31
تحت عدد 191في الملف عدد 1110/110الذي جاء فيه ما يلي:
117
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
"دعاوى التعويض عن األضرار التي تتسبب فيها أعمال ونشاطات أشخاص القانون
العام ،والتي تختص المحاكم اإلدارية بالنظر فيها طبقا للمادة 9من القانون المحدث لها،
تندرج في إطارها الدعاوى المنصوص عليها في الفصل 95مكرر من ق ل ع .والمتعلقة
بدعاوى مسؤولية الدولة عن الضرر الحاصل لألطفال والشبان خالل الوقت الذي يوجدون
فيه تحت رقابة المعلمين وموظفي الشبيبة والرياضة بسبب الخطأ أو اإلهمال أو عدم الحيطة
الذي يحتج به على هؤالء الموظفين.
إال أن هذه األخيرة أضحت تقر هذه المسؤولية مؤخ ار على أساس خطأ مفترض ولمجرد
وقوع الحادثة داخل المؤسسة التعليمية دون بيان مكامن اإلهمال أو عدم الحيطة المنسوب
للمشرفين التربويين مخالفة بذلك صريح النص القانوني ،فقد جاء في الحكم الصادر عن
المحكمة اإلدارية بالرباط بتاريخ 1131/11/13تحت عدد 3911في الملف رقم
11/3113ش ت .والذي ما يلي .":حيث إنه طالما أن المدعي أصيب أثناء فترة التربية
البدنية التي من المفروض على المشرف عليها أن يأخذ االحتياطات الالزمة للحيلولة دون
وقوع أي اصطدام بين التالميذ وذلك بإسدائه توجيهات إليهم إلى غير ذلك ،ومن ثم يبقى
التقصير ثابت في حقهم ،مما يضحى معه تمسك الوكيل القضائي غير وجيه ويتعين
استبعاده ".
أما بالنسبة للقضاء المدني فتشترط أغلب األحكام الصادرة في هذا المجال إثبات الخطأ
من طرف المدعي لقيام مسؤولية الدولة عن الحوادث المدرسية ،ومن بين األحكام التي
صدرت في هذا اإلطار القرار الصادر عن المجلس األعلى بتاريخ ، 1111 /3/ 33والذي
قضى بأنه مادامت المسؤولية بمقتضى الفصل 95مكرر ،واجبة اإلثبات وليست مفترضة
في حق المعلمين والمسؤولين عن رقابة األطفال ،فإن محكمة االستئناف لم تبرز الخطأ أو
اإلهمال الصادرين عن مسؤولي المؤسسة التعليمية التي وقعت فيها الحادثة ،سيما وأن
المتضرر لم يدل بما يثبت قيام الخطأ أو عدم الحيطة أو اإلهمال في جانب الطرف
الطاعن.
وفي قرار آخر كانت محكمة االستئناف قد حملت الدولة مسؤولية األضرار التي نتجت
عن حادثة مدرسية ،بناء على مجرد تواجد التلميذ المصاب بالمؤسسة التعليمية فنقض
118
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
المجلس األعلى قرارها معلال قضاءه بكون المحكمة لم تلزم المدعي بإثبات الخطأ وفقا
لمقتضيات الفصل 95مكرر (القرار رقم 051الصادر بتاريخ . (1111/5/11
وتجد ر اإلشارة في األخير إلى أنه إذا كان ضمان الدولة ألداء التعويض الكامل عن
األضرار الحاصلة للتالميذ أو الطلبة في إطار الفصل 95مكرر من قانون االلتزامات
والعقود مشروطا بثبوت خطأ الموظف ،فإن الدولة مع ذلك تكون ضامنة في جميع الحاالت،
ولو بدون خطأ ،ألداء تعويض إجمالي يعود أمر تحديده الى لجنة خصوصية محدثة
بالظهير المؤرخ في 11/31/3301السالف الذكر ،والتي تصدر ق ارراتها في هذا الشأن
بصورة نافذة وغير قابلة ألي طعن.
ومما هو حري باإلشارة أيضا أن اللجوء إلى هذه اللجنة يبقى أم ار اختياريا ،بمعنى أن
بإمكان المتضرر ممارسة دعوى المسؤولية في إطار الفصل 95مكرر من قانون االلتزامات
والعقود ،ومن غير ضرورة إلى مراجعة اللجنة المذكورة ،وهذا ما يقول به المجلس األعلى
نفسه في ق ارره الصادر بتاريخ 3395/3/11والذي جاء في إحدى حيثياته ما يلي:
"حيث إن محكمة االستئناف عندما لم تقبل دعوى التعويض المقدمة في نطاق الفصل
95مکرر من ق.ل.ع .لم تكن على صواب لكون اللجوء الى مسطرة ظهير
3301/31/11في حق في جميع هو اختياري وال يوجد أي فصل منه يوجب عدم قبول
الدعوى المقدمة في نطاق القانون العام إال بعد سلوك مسطرة الظهير المشار إليه أعاله .وإنه
على العكس من ذلك ،فإن الفصل الثامن منه ينص صراحة على أن مقتضياته ال تمنع
ممارسة دعوى المسؤولية المدنية المنصوص عليها في الفصلين 95و 95مكرر من
ق.ل.ع .األمر الذي يستفاد منه أن القرار المطعون قد خرق الفصل المذكور أعاله".
كما ذهبت محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط من خالل قرارها عدد 951بتاريخ 11
مارس 1131في الملف عدد 1/31/099إلى اعتبار أن المطالبة بالتعويض في إطار
الحوادث المدرسية ممكنة من دون سلوك المسطرة اإلدارية الخاصة المنظمة بمقتضى
الق اررين الوزيريين المؤرخين في 3310/33/19و ،3301/11/11وهكذا جاء في حيثية
القرار ما يلي:
119
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
" وحيث إن المدعي لم يرفع دعواه على أساس الحوادث المدرسية المنظمة بمقتضى
الق اررين الوزيريين المؤرخين في 3310/33/19و 3301/11/11واللذين حددا
مسطرة إدارية خاصة بشأن الحوادث المدرسية التي يتم التعويض عن األضرار المترتبة
عنها وما تعلق بها من تطبيق التفاقية الضمان القائمة على هذين الق اررين ،بل أسس
الدعوى على قيام مسؤولية اإلدارة عن األضرار الناتجة عن تقصيرها و إهمالها ،وأن
تواجد المستأنف عليه داخل المؤسسة التعليمية وتعرضه ألضرار كاف لقيام مسؤوليتها
عن اإلهمال في الرقابة والتوجيه الذي يدخل ضمن صلب األعمال الملقاة على عاتقها،
وأن أساس الدعوى ال يقوم على تطبيق بنود االتفاق مما يجعل الوسيلة غير جدية."...
وتحمل محكمة النقض الدولة ،العتبارات اجتماعية أحيانا ،مسؤولية األضرار الناتجة
عن الحوادث المدرسية ربما ،ولو لم يثبت أي خطا مرتكب من طرف موظفيها ،حيث اعتبر
في أحد ق ارراته 1أن القرار االستئنافي كان سليما حين كيف مسؤولية الدولة على أساس
مقتضيات ظهير 11اكتوبر 3301والذي ينص في فصله األول على اعتبار الدولة ضامنة
لكل تعويض ناتج عن الحوادث التي يتعرض لها التالميذ المسجلين بانتظام بالمؤسسات
المدرسية.
إن التفرق ــة ب ــين الخط ــأ الشخص ــي والخط ــأ المرفق ــي ال تعن ــي بالدرج ــة األول ــى أن األول
يرجع إلى عمل الموظف وأن الثاني يرجع إلى فعل المصلحة أو المرفق ذاته ،فاألخطـاء التـي
تحــدث بمناســبة عمــل المرفــق تكــون كلهــا تقريبــا نتيجــة لفعــل أو نشــاط موظــف أو أكثــر وذلــك
ألن األشخاص اإلدارية هي أشخاص معنوية تعمل بواسطة موظفيها.
وبنــاء علــى مــا ســبق يكــون معنــى التفرقــة بــين نــوعي الخطــأ أن الشخصــي منــه يصــدر
عن الموظف وينسب إليه شخصـيا بحيـث يتحمـل هـو مسـؤوليته مـن مالـه الخـاص ،أمـا الخطـأ
المصلحي أو المرفقي ورغم حدوثـه عـادة بفعـل موظـف أو أكثـر فإنـه ينسـب إلـى المرفـق العـام
ويعتبر صاد ار منه ويسأل بالتالي عنه دون الموظف.
120
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وقد تعددت معايير التفرقة بين نوعي الخطأ ،ألن القضاء والفقه ال يلتزمـان بقواعـد ثابتـة
أو معــايير محــددة ،وإنمــا يهتمــان بوضــع الحــل المالئــم لكــل حالــة علــى حــدة تبعــا لظروفهــا،
ويمكن أن نقول بصفة عامة أن الخطأ الشخصي هو الخطأ الذي ينفصل عـن العمـل اإلداري
وأن الخطأ المرفقي هو الذي ال ينفصل عنه.
ولعل القراءة المتأنية للفصل 91مـن قـانون االلت ازمـات والعقـود تفضـي إلـى التأكيـد علـى
أن المشـ ــرع أراد مسـ ــاءلة مسـ ــتخدمي الدولـ ــة والبلـ ــديات شخصـ ــيا عـ ــن األض ـ ـرار الناتجـ ــة عـ ــن
تدليسهم أو عن األخطاء الجسيمة الواقعة منهم في أداء وظائفهم.
ويتمظهر الخطأ الشخصي حسب الفقه والعمل القضائي في كل تصرف أو عمل صـدر
ع ــن الموظ ــف ،لكن ــه منقط ــع الص ــلة بعمل ــه ال ــوظيفي ،أو ف ــي الحال ــة الت ــي يك ــون فيه ــا الفع ــل
الضار يندرج ضمن واجبات الموظف ،إال أنه على قدر من الجسـامة أو صـدر عنـه عمـدا أو
بنية اإلضرار بالغير.
ومن ثم يتضح أن الخطأ الشخصي هـو الخطـأ الجسيم وإن كان متصال بالوظيفة ،وهو
أيضا الخطأ القابـل لالنفصال عـن واجبـات الوظيفـة؛ واالنفصال إما أن يكون ماديا أو معنويا
فالخطأ يعد منفصـال مادي ا عن الوظيفة في حالة قيام الموظف بعمل ال عالقة له ماديا وال
يتفق وأخالق وواجبـات الوظيفـة ،ويتحقــق االنفصال المعنوي إذا ما دخل العمل ماديا في
واجبات الوظيفة ولكن قام به الموظف ألغراض غير التي حددها المشرع أصال لهذا العمل.
ولقد بذل الفقه القانوني محاوالت عديدة لتقديم أفكار بغية الوصول إلى معيار دقيق
وواضح ،يميز بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي ،ولذلك تعددت المحاوالت الفقهية في
هذا الشأن ومن أهم تلك األفكار أو المعايير ما يلي:
ينسب هذا المعيار للفقيه الفرنسي الفيريير ( )Laferrièreويطلق عليه معيار البواعث
الشخصية أو النزوات الشخصية .و وفقا لهذا المعيار يكون الخطأ شخصيا إذا كان الفعل
الذي قام به الموظف أثناء تأديته وظيفته مصطبغ بصبغة شخصية بأن وقع الخطأ نتيجة
121
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ضعفه ونزواته وعدم تبصره ،ويكون الخطأ مرفقيا إذا لم يكن مصطبغ بصبغة شخصية بأن
وقع فيه الموظف بصورة خاطئة أثناء تأديته لواجبات وظيفته ،بمعنى أن الخطأ هنا يكشف
عن موظف عرضة للخطأ والصواب.1
ويستند معيار البواعث الشخصية إلى نية الموظف مرتكب الخطأ وقصده ،فيكون
الخطأ شخصيا إذا كانت نية الموظف وقصده سيئان بان تعمد ارتكاب الخطأ واإلضرار
بالناس ،ويكون الخطأ مرفقيا إذا كان الموظف الذي ارتكب الخطأ حسن النية ولم يكن يقصد
اإلضرار بالناس.
وقد رأى جانب من الفقه الفرنسي أن هذا المعيار صالح للتمييز بين الخطأ الشخصي
والخطأ المرفقي ،كما تأثرت بعض األحكام القضائية بهذا المعيار .إال أنه وبالرغم من ذلك
تعرض هذا المعيار للنقد حيث أخذ عليه اهتمامه بالجانب الشخصي ،وبأنه معيار غير
جامع لعدم تناوله حاالت الخطأ الجسيم التي تقع من جانب الموظف حسن النية رغم أن
قضاء مجلس الدولة الفرنسي قد أدخلها في دائرة الخطأ الشخصي ،كما تمثل هذا االعتراض
في كونه معيا ار واسعا فضفاض ينقصه التحديد واالنضباط مما يجعله معيا ار نسبيا يخضع
لتقدير القضاء وبالتالي ال يمكن االعتماد عليه للتمييز ما بين الخطأ الشخصي والخطأ
المرفقي.
ينسب هذا المعيار للفقيه الفرنسي هوريو ( )Hauriouويطلق عليه معيار الخطأ القابل
لالنفصال .وفقا لهذا المعيار يعتبر الخطأ شخصيا إذا أمكن فصله عن أعمال الوظيفة ،ويعد
الخطأ مرفقيا إذا كان متصال بأعمال الوظيفة اتصاال ال يمكن معه فصله عنها .وانفصال
أعمال الوظيفة وواجباتها قد يكون ماديا وقد يكون معنويا ،أما االنفصال المعنوي عن
محيي الدين القيسي ،مبادئ القانون اإلداري العام ،منشورات الحلبي الحقوقية ،بيروت ،3333 ،ص 310 1
122
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
واجبات الوظيفة فيكون إذا كان العمل يدخل ماديا ضمن واجبات الوظيفة ولكن محدد
بغرض معين إال أن الموظف يأتي بهذا العمل لغرض آخر غير الغرض المحدد له أصال.1
ولم يسلم هذا المعيار بدوره من النقد ،ومن االنتقادات التي وجهت إليه أنه يرتب
استبعاد مسؤولية الموظف الشخصية في حالة ارتكابه أخطاء جسيمة وهو يباشر وظيفته
وذلك في حالة عدم انفصالها ماديا أو معنويا عن واجبات وظيفته .كما أن القاضي سوف
يكون مضط ار لفحص العمل اإلداري الذي سبب الضرر وتقديره وفيما إذا كان الخطأ
منفصال أو غير منفصل حسب الوظيفة بنفسه .كما يؤخذ على هذا المعيار أنه أوسع من
الالزم في بعض األحيان ،ألنه يجعل من كل خطأ مهما كان تافها شخصيا لمجرد أنه
منفصل عن واجبات الوظيفة ،كما أنه من ناحية أخرى ال يشمل األخطاء المتصلة بواجبات
الوظيفة إذا كانت على درجة كبيرة من الجسامة.
ينسب هذا المعيار للفقيه الفرنسي دوچي ( )Duguitويتخذ هذا المعيار من غاية
الخطأ الذي اقترفه الموظف وهدفه معيا ار لتمييزه ،فإذا كانت غاية الفعل " الخطأ " تحقيق
مصلحة شخصية للموظف أي أغراض ال عالقة لها بالوظيفة كان هذا دليال على سوء نيته
وأعتبر الخطأ شخصيا يسال عنه الموظف مسؤولية شخصية ،أما إذا ثبت أن الموظف كان
حسن النية فإن خطاه يعتبر خطأ مرفقيا تلتزم الدولة بتعويضه.
وبعبارة أخرى "يسأل الموظف حين يستغل أو يستفيد من سلطات وظيفته وال يسأل
حين يباشر سلطات هذه الوظيفة.
و قد أخذ مجلس الدولة الفرنسي بهذا المعيار في حكمه الصادر في 11فبراير 3311
في قضية " " zimmermannوالتي تتلخص وقائعها في :قيام عمال الطرق و الجسور
واألحجار الالزمة ألعمال الصيانة من أرض خاصة مملوكة لعائلة باستخراج الرمال
1
ومن األمثلة العملية عن هذا المعيار قضية " "la langeفي 10ديسمبر ،3331حيث بعد أن قام عمدة بشطب اسم تاجر حكم القضاء
بإفالسه من جدول الناخبين ،وهذا ما يندرج ضمن وظيفة العمدة قام بنشر إعالن لذلك وأطلق مناد في القرية إلبالغ المواطنين بهذه الواقعة ،حتى
يسيء بسمعة التاجر ،وهذا العمل األخير ال يندرج ضمن أعمال وظيفة العمدة
123
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
" ،zimmermannثم أصدر مدير اإلقليم ق ار ار بضم تلك األرض إلى الملك العام ورفع
األسوار عنها لضمان استمرار عملية استخراج الرمال و األحجار منها ،و حماية الموظفين
من وقوع أية مسؤولية عليهم ،ذلك أنه متى عدت هذه األرض من األموال العامة فإن
االستيالء على األحجار و الرمال الستكمال االشغال العامة يعد فعال مشروعا ،و قد اعتبر
مجلس الدولة الفرنسي أن خطأ المدير خطأ مرفقيا ،استنادا إلى أنه لم يهدف بقرار سوى
تحقيق مصلحة مالية للدولة و حماية الموظفين.
وقد القى هذا المعيار كغيره من المعايير السابقة عدة انتقادات ،وقد تمثلت هذه
االنتقادات في كون هذا المعيار يتسم ظاهريا بالبساطة إال أنه معيب من ناحيتين:
أ -اعتماد هذا المعيار على عوامل داخلية لدى الموظف الذي ارتكب الخطأ ،وهذا
يثير صعوبة لدى القاضي للتثبت فيما إذا كان الخطأ شخصيا أو مرفقيا ألنه ال بد من أن
يبحث عن نية الموظف -وهي داخلية -وفيما إذا كانت نيته تحقيق المصالح العام أم
تحقيق مآرب شخصية له.
ب -أن هذا المعيار ال يتفق مع ما استقر عليه اجتهاد مجلس الدولة الفرنسي الذي
رتب مسؤولية الموظف الشخصية في حالة الخطأ الجسيم ،ألنه وفقا لهذا المعيار إذا تم
األخذ به فإن الموظف غير مسؤول عن األخطاء الجسيمة التي تقع أثناء ممارسته الواجبات
وظيفته إذا لم يكن هدفه تحقيق مارب وأغراض شخصية.
ينسب هذا المعيار للفقيه جيز ( )Jezeويطلق عليه البعض معيار جسامة الخطأ أو
الخطأ الجسيم .وفقا لهذا المعيار يكون التمييز بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي تبعا
لجسامة الخط المرتكب من جانب الموظف ،فإذا كان الخطأ الذي ارتكبه الموظف ونسب
إليه جسيما اعتبر خطأ شخصيا ،كان يقع الموظف في خطأ جسيم عند تصديه لتفسير
وتقدير الوقائع التي تبرر قيامه بالتصرف ،أو فهمه لنصوص القانون التي تعطيه الحق في
التصرف لدرجة يصل فيها إلى حد التعسف في استعمال حقه ،أو إذا وصل الفعل إلى حد
اعتباره جريمة معاقب عليها قانونا .فوفقا لهذا المعيار يعد الخطأ شخصيا إذا كان جسيما
124
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
بحيث ال يمكن اعتباره من األخطاء العادية التي يتعرض لها الموظف في حياته الوظيفية،
أما إذا كان الخطأ غير جسيم فيعد من قبيل األخطاء المرفقية التي تسأل عنها اإلدارة .1كما
أن هذا المعيار ال يقصر الخطأ الشخصي على حاالت الخطأ العمدي على خالف معيار
الفيريير وهوريو بل تعدى ذلك إلى كل حالة يكون فيها الخطأ المنسوب للموظف جسيما ولو
كان الموظف في تصرفه حسن النية.
ولم يسلم هذا المعيار بدوره من النقد واعتبر من قبل البعض معيا ار غير جامع وغير
مانع ،وذلك ألن قضاء مجلس الدولة الفرنسي اعتبر أخطاء اقترفت من قبيل األخطاء
المرفقية والمرفق ملزم بالتعويض عنها رغم أنها بلغت حدا من الجسامة اعتبرت فيه جريمة
معاقب عليها قانونا .ومثال ذلك قيام سائق سيارة تابعة للقوات المسلحة تسير ضمن قافلة
للسيارات بارتكاب جريمة قتل خطأ ،فهنا رغم أن هذا الخطأ يشكل جريمة يعاقب عليها
القانون إال أن القضاء اعتبرها من األخطاء المرفقية يلتزم المرفق بالتعويض عنه وبصفة
نهائية .ولقد ذهب الدكتور خالد الظاهر إلى القول بأن رأي الفقيه جيز يتشابه أو هو امتداد
وتطوير ألفكار الفقيه الفيرپير.
ينسب هذا المعيار للفقيه دوك راسي ( )RASYحيث أقام التفرقة بين الخطأ الشخصي
والخطأ المرفقي تبعا لطبيعة االلتزام الذي تم اإلخالل به .فااللتزامات التي تقع على عاتق
الموظف يمكن ردها إلى طائفتين :الطائفة األولى وتشمل االلتزامات العامة ،أما الطائفة
الثانية فتشمل االلتزامات الخاصة ،فإذا كان االلتزام من االلتزامات العامة التي يقع عبئها
علی المواطنين موظفين كانوا أم أفراد عاديين فإن اإلخالل به يشكل خطأ شخصيا ،أما إذا
كان االلتزام من االلتزامات الوظيفية التي ترتبط أساسا بالعمل الوظيفي فإن اإلخالل به
يشكل خطأ مرفقيا.
وقد تعرض هذا المعيار کسابقيه للنقد ،حيث أخذ عليه أن القضاء الفرنسي لم يتبناه
بصفة دائمة ،فأحكام مجلس الدولة الفرنسي التي طبقت هذا المعيار قليلة ،إضافة إلى
1سليمان الطماوي ،القضاء اإلداري ( قضاء التعويض) ،الكتاب الثاني ،دار الفكر العربي ،القاهرة ، 3331 ،ص .331
125
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
صدور العديد من األحكام القضائية خالفا لهذا المعيار حيث قضت باعتبار الخطأ شخصيا
رغم أن االلتزام الذي تم اإلخالل به هو التزام خاص ومرتبط بالعمل الوظيفي.
وفضال عن ذلك فإن هذا المعيار يؤدي إلى اعتبار األخطاء الجسيمة أيا كانت درجة
جسامتها أخطاء مرفقية متى صدرت نتيجة اإلخالل بالتزام وظيفي وهو بذلك يخالف ما
جرى عليه القضاء من إدراج مثل هذا الخطأ ضمن حاالت الخطأ الشخصي وهو ما يصدق
أيضا علی الخطأ الذي يرتكبه الموظف يسوء نية.
وهكذا يتضح من خالل استقراء هذه اآلراء الفقهية على اختالف مشاربها أن فيصل
التفرقة بين الخطأ الشخصي والخطأ المصلحي للموظف يكمن في " القصد والنية " لدى
الموظف العام ،وأنه متى تبين أن الموظف كان مدفوعا بنزواته أو بعوامل شخصية أو أنه
كان يتغيا منفعته الشخصية أو الذاتية أو يقصد اإلضرار بالغير بعيدا كل البعد عن هدف
تحقيق الصالح العام فإننا نكون أمام خطأ شخصي ،وأنه متى كان الخطأ جسيما يتجاوز
الحدود العادية للخطأ فإننا نكون أمام خطأ شخصي أيضا يحاسب عنه الموظف شخصيا.
من المعلوم أن القاضي هـو الـذي يكيـف الوقـائع المعروضـة عليـه مـن طـرف المتقاضـي
في إطارها القانوني الصحيح ،ولذلك ال تلزم المحكمة بتتبع الخصوم في كافة منـاحي أقـوالهم،
وإنمــا يكتفــي ه ـؤالء بعــرض الوقــائع وإثــارة الملتمســات علــى أن تقــوم المحكمــة بتطبيــق الــنص
القانوني المالئم وفقـا لمقتضـيات الفصـل الثالـث مـن قـانون المسـطرة المدنيـة ،وإذا تعلـق األمـر
بمسؤولية الدولة تكون المحكمة ملزمة بالتمييز بين الخطأ المرفقـي أو المصـلحي الـذي تتحمـل
تبعاته الدولة نفسها وبين الخطأ الشخصي للموظف الـذي يسـأل عنـه هـذا األخيـر شخصـيا وال
تحل الدولة محله في األداء إال إذا ثبت عسره.1
1
ويعتبر غير مرتكز على أساس ومنعدم التعليل الحكم الذي لم يميز بين الخطأين وفق ما قضى به المجلس األعلى في القرار الصادر بتاريخ
3391/3/31حين قضى بأن المحكمة ملزمة بأن تكيف الدعوى حسب الوقائع الثابتة أمامها وتطبق عليها النص الواجب التطبيق ،مما كان عليها
أن تبحث وتميز بين ما إذا كان ما صدر عن الممرض بصفته أحد مستخدمي اإلدارة في أحد المستشفيات العمومية ،هل هو خطأ مصلحي
بالمعنى المنصوص عليه في الفصل 13فتقضي بمسؤولية الدولة أم أنه خطا شخصي ال عالقة له إطالقا بعمله اإلداري فتقضي بعدم مسؤولية
الدولة وتبت في الدعوى في مواجهة الممرض وحده .
126
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
غير أن اإلشكال الذي أثير بخصوص تطبيق الفصـلين 13و 91مـن قـانون االلت ازمـات
والعقود هو صعوبة التمييز بين األخطاء اإلدارية أي األخطاء الناجمة عن سير اإلدارة أو مـا
يصــطلح عليــه باألخطــاء المصــلحية التــي تتصــل بممارســة الوظيفــة ،وبــين أخطــاء المــوظفين
الشخصية أي األخطـاء التـي تنفصـل عـن ممارسـة الوظيفـة وتقـوم علـى تـدليس أو خطـأ جسـيم
يقع من الموظف أثناء أداء وظيفته.
ومن أجل دراسة هذه النقطة سيتم تقسيم هذا الفصل إلى ثالثة مباحث:
المبحث األول :الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي من خالل العمل القضائي؛
المبحث الثاني :العالقة بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي؛
المبحـ ــث الثالـ ــث :دعـ ــوى الحلـ ــول الناجمـ ــة عـ ــن إق ـ ـرار المسـ ــؤولية الشخصـ ــية للموظـ ــف
العمومي.
لم يحاول القضاء اإلداري وضع معيار محدد للتمييز بين الخطأ الشخصي والخطأ
المرفقي ،كما لم يتبع معيا ار محددا من المعايير الفقهية التي قيلت للتمييز ما بين نوعي
الخطأ ،ووقد جرى العمل في القضاء اإلداري باألخذ بهذه المعايير على سبيل االستئناس،
حيث يقوم القاضي اإلداري بفحص كل حالة على حدة ليحدد نوع الخطأ ،مستعينا بمجموعة
من العوامل ،منها درجة جسامة الخطأ المنسوب للموظف وعدم مشروعيته والظروف التي
تحيط به ونية الموظف وغير ذلك من العوامل .فالقضاء اإلداري عمل فقط على رسم خطوط
عريضة واتجاهات عامة في هذا المجال.
ومن أجل التفصيل في هذه النقطة سنعمل على استعراض موقف القضاء اإلداري في
كل من فرنسا ومصر لنختم بقضائنا المغربي سواء القضاء اإلداري أو المدني من معايير
التمييز ما بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي وذلك في مطلبين:
المطلب األول :العمل القضائي اإلداري المقارن بشأن التمييز ما بين الخطأ الشخصي
والخطأ المرفقي.
127
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
المطلب الثاني :العمل القضائي اإلداري المغربي بشأن التمييز ما بين الخطأين
الشخصي والمرفقي.
المطلب األول :العم القضائي اإلداري المقارن بشأن التمييز ما لين الخطأ
الشخصي والخطأ المرفقي
رغم تنوع وتعدد المعايير التي تبناها الفقه في تمييزه بين الخطأ المرفقي والخطأ
الشخصي فإن أيا من هذه المعايير لم يرقى لدرجة المعيار الجامع المانع ،ولهذا لم يجد
القضاء ا لفرنسي معيا ار معينا يتقيد به من بين هذه المعايير ،فسلك مسلكا أخر مؤداه أن
يفحص كل حالة على حدة ،آخذا بعين االعتبار الظروف التي أحاطت بالواقعة ،ومن ثم
يكيف طبيعة ونوع الخطأ.
وقد اتجه القضاء الفرنسي في هذه الحالة إلى أن الخطأ الشخصي يتجسد في الحاالت
التالية:
ذهب القضاء اإلداري الفرنسي إلى أن الخطأ يعد شخصيا إذا كان ال عالقة له
بالوظيفة إطالقا بأن يكون قد وقع من الموظف في حياته الخاصة وبعيدا عن الوظيفة وخارج
أوقات العمل الرسمية كقيام الموظف بصدم أحد األفراد بسيارته الخاصة في يوم عطلته
الرسمية ،فهنا تكون مسؤولية الموظف شخصية ويعوض األضرار الناجمة عن خطئه
الشخصي من ماله الخاص مهما بلغت جسامتها وبصرف النظر عن نية الموظف حيث
يستوي في هذه الحالة سوء النية وحسنها .وكقيام أحد أفراد البوليس باستعمال سالحه بقصد
االنتقام الشخصي وتصفية الحساب مع األفراد.
128
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
إال أن هناك أخطاء ذهب القضاء اإلداري الفرنسي إلى اعتبارها أخطاء شخصية تقع
على عاتق الموظف وحده وال مسؤولية على اإلدارة رغم أنها وقعت أثناء أوقات العمل
الرسمية وذلك لكونها ال عالقة لها بالوظيفة ،كقيام أحد أفراد األمن بترك المكان المطلوب
منه الوقوف فيه ودخوله أحد المقاهي ووقوع مشاجرة بينه وبين أحد رواد المقهى وجرحه أثناء
محاولته تجريده من السالح ،وكقيام رجل المطافئ برمي عقب سيجارته المشتعل أثناء إخماد
الحريق في مكان مجاور وحدوث حريق .وأيضا قيام رجل البوليس يضرب المتهم ضربا
عنيقا دون أن يكون هذا المتهم قد حاول الهرب أو قاوم أمر القبض عليه.
إال أن قضاء مجلس الدولة الفرنسي قد تطور وجعل من هذه األخطاء التي ترتكب
أثناء مباشرة الوظيفة مصدر الجتماع مسؤولية الموظف ومسؤولية اإلدارة معا.
ومن ثم فإن هذا الخطأ يتجلى في الحالة التي يرتكب فيها الموظف خطأ ال عالقة له
بوظيفته بتاتا ،كما في قضية " pothierبوتييه" ،حيث قضى مجلس الدولة الفرنسي
بمسؤولية دركي ،ارتكب جريمة قتل بقصد انتقام من سبب عاطفي ،1فهنا يعتبر الخطأ في
نظر مجلس الدولة الفرنسي خطأ شخصيا للموظف العام وال عالقة له بالوظيفة.
وتطبق هذه الحالة في حالة ما إذا ارتكب الموظف خطأ أثناء تأدية ووظيفته وقصد من
ورائه تحقيق أغراض شخصية غير أغراض المصلحة العامة ،كأن يصدر المدير ق ار ار بفصل
موظف انتقاما منه ،ففي هذه الحالة يعد الخطأ شخصيا.
وتظهر جسامة الخطأ في هذه الحالة في ثالث صور وهي :أن يرتكب الموظف خطأ
جسيما ،أو أن يخطئ خطأ قانونيا جسيما كأن يتجاوز الموظف اختصاصاته بشكل فادح
3
حكم مجلس الدولة الفرنسي في 31مارس .3313
129
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
جدا ،وتظهر الجسامة كذلك في صورة الفعل الصادر من الموظف الذي يشكل جريمة جنائية
كجريمة التزوير أو إفشاء األسرار.
قد يرتكب الموظف العام أثناء قيامه بمهام وظيفته أو بمناسبة أدائه لهذه المهام خطأ
ما ،وقد استقر القضاء اإلداري في فرنسا على اعتبار خطأ الموظف شخصيا في مثل هذه
الحالة في الحالتين التاليتين:
فرق القضاء اإلداري في هذه الحالة بين أخطاء الموظف المصحوبة بحسن النية وبين
األخطاء التي تصدر منه وتكون مصحوبة بسوء النية ،إذ قرر مسؤولية اإلدارة بالتعويض
عن األضرار في حال ثبوت حسن نية الموظف ،في حين رتب مسؤولية الموظف الشخصية
في حال توافر سوء النية عند قيامه بالفعل ويتحمل وحده عبء التعويض عن األضرار التي
لحقت به من جرائه ،ومن األمثلة على سوء نية الموظف أن يباشر تصرفه بنية إلحاق األذى
ببعض األفراد أو كأن يكون قد قصد تحقيق غاية ال تتعلق بالمصلحة العامة ،كإقدام حارس
بأحد السجون على تنظيم عملية سرقة بالتعاون مع بعض المساجين ،و كإقدام بعض الجنود
على القيام بعمليات سلب ونهب.
كما وأدخل في نطاق الخطأ الشخصي ما يرتكبه الموظف من جرائم جنائية متى كانت
مصحوبة بسوء نية ،فهذه كلها اعتبرها القضاء اإلداري الفرنسي أخطاء شخصية رغم أنها
اقترفت أثناء القيام بأعباء الوظيفة أو بمناسبتها.
ويذهب جانب من الفقه إلى أن سوء نية الموظف ال تؤدي بالضرورة إلى اعتبار الخطأ
الذي اقترفه ذلك الموظف خطأ شخصيا لعدم وجود تالزم حتمي بين االنحراف في استخدام
السلطة والخطأ الشخصي حيث يذهب إلى القول بأن القرار المشوب بعيب إساءة استعمال
السلطة قد يظل منسوبا إلى المرفق العام إذا كان الهدف الذي توخاه الموظف تحقيق
130
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
المصلحة العامة ،في حين يرى بأن القرار المشوب بعيب إساءة استعمال السلطة يشكل خطأ
شخصيا إذا كان الغرض منه ليس تحقيق الصالح العام بل مآرب شخصية.
عد القضاء اإلداري الفرنسي خطأ الموظف الذي يقع منه أثناء تأديته لمهام وظيفته أو
بمناسبتها خطأ شخصيا متى كان على قدر معين من الجسامة ،ولم يول األهمية في هذه
الحالة للبحث في مدى توافر حسن النية من حسنها ،كما لم يول أية أهمية للهدف المنشود
من قبل الموظف وفيما إذا كان يستهدف تحقيق الصالح العام أو كان يسعى إلشباع مصلحة
شخصية له ألن الخطأ هنا ال يمكن تبريره بأي حال من األحوال بسبب درجة جسامته بحيث
ال يمكن اعتباره من األخطاء العادية التي يمكن أن يقع فيها الموظف ،كالخطأ الجسيم في
تطبيق القانون حيث اعتبره خطأ شخصيا ،في حين اعتبر الخطأ غير الجسيم في تطبيقه
خطأ مرفقيا.
وكأمثلة على التوجهات السابقة الذكر نجد أن القضاء الفرنسي ميز منذ سنة 3911
بين الخطأ الشخصي والخطأ المصلحي ،وهو ما جسد القرار الصادر عن محكمة التنازع
بتاريخ ( 3911/1/11قضية )Pelletierالذي أكد على ما يلي:
وقد توالت القرارات الصادرة عن القضاء الفرنسي سواء عن محكمة التنازع أو مجلس
الدولة التي تقر بضرورة التمييز بين الخطأ الشخصي للموظف والخطأ المصلحي ،وأن
الخطأ الشخصي ال يستتبع إال مسؤولية مرتكبه وهو ما نجده على سبيل المثال مجسدا في
الق اررات التالية:
131
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
نظ ار للظروف التي صاحبت نشأة مجلس الدولة المصري كان االختصاص بقضايا
التعويض مقسما بين جهتي القضاء العادي واإلداري ،إال أنه وبصدور القانون رقم ()315
لسنة 3355والخاص بإعادة تنظيم مجلس الدولة أصبح االختصاص بنظر قضايا التعويض
عن الق اررات اإلدارية منعقدا لجهة القضاء اإلداري وحده ،في حين بقيت قضايا التعويض
عن أعمال اإلدارة المادية من اختصاص المحاكم القضائية العادية إلى أن صدر القانون رقم
( )01لسنة 3311الخاص بمجلس الدولة وبموجبه أصبح اختصاص مجلس الدولة شامال
لجميع قضايا التعويض اإلدارية.
وقد كان لتوزيع االختصاص هذا أثر في القواعد الموضوعية للمسؤولية اإلدارية ،إذ
طبقت المحاكم العادية مبادئ المسؤولية في القانون الخاص ولم تأخذ بالتفرقة ما بين الخطأ
الشخصي والخطأ المرفقي حتى عام ،3310فقد قضت محكمة النقض المصرية في حكم
شهير لها صدر بتاريخ 31ابريل لسنة 3311برفض التفرقة ما بين الخطأ الشخصي
والخطأ المرفقي .وتلخصت وقائع القضية في قيام جندي بجرح أحد األفراد مما أدى إلى
وفاته ،فتمت مطالبة الدولة بالتعويض ،فذهبت إدارة هيئة قضايا الدولة إلى األخذ بالتفرقة ما
بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي لتخليص الحكومة من عبء التعويض عن الضرر
الناشئ عن مسؤولية الموظف الشخصية وإلزامه بالتعويض وحده دون الحكومة ،فقررت
المحكمة عدم صحة األخذ بالنظرية الفرنسية القائمة على التفرقة ما بين نوعي الخطأ
133
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وقضت بتطبيق قواعد القانون المدني في دعاوى مسؤولية الحكومة عن األضرار التي تلحق
باألفراد نتيجة فعل الموظف.
غير أن القضاء اإلداري المصري ساير القضاء اإلداري الفرنسي -في معرض بحثه
لمسؤولية اإلدارة عن الق اررات اإلدارية غير المشروعة -وأقر بالتفرقة ما بين الخطأ
الشخصي ورتب عليه مسؤولية الموظف في ماله الخاص وبين الخطأ المرفقي ورتب عليه
مسؤولية اإلدارة .إذ طبقت محكمة القضاء اإلداري نظرية الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي
فيما يتعلق بتعويض األضرار المترتبة على عدم تنفيذ األحكام القضائية .ففي إحدى القضايا
ونتيجة لرفض اإلدارة تنفيذ حكم المحكمة الصادر بإلغاء قرار و ازرة الحربية والصادر بإحالة
أحد الضباط إلى المعاش قام هذا الضابط برفع دعوى تعويض على كل من اإلدارة والوزير
بصفته الشخصية .وقد قضت محكمة القضاء اإلداري بإلزام اإلدارة والوزير بدفع مبلغ
التعويض وفرقت ما بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي وأقامت التفرقة على أساس نية
الموظف أو جسامة الخطأ ،كما قررت إمكانية الجمع بين الخطأين.
ومن فتاوى مجلس الدولة المصري بشأن التفرقة ما بين الخطأ الشخصي والمرفقي ما
يلي:
بقدرة الموظف المتوسط الكفاءة الذي يوجد في ظروف مماثلة لتلك التي كان عليها الموظف
المخطئ ." ...
ويتضح مما سبق ،سنجد أن القضاء اإلداري المصري ورغم إق ارره بوجود خطأ شخصي
يسأل عنه الموظف وحده وخطأ مرفقي تكون اإلدارة مسؤولة عنه وحدها لم يعتنق معيا ار
محددا من المعايير الفقهية التي قيلت للتمييز ما بين نوعي الخطأ ،إذ نجده قد طبق المعايير
التي قيلت جميعها ،فقد طبقت المحكمة اإلدارية المعايير جميعها في حكمها الصادر في 1
يونيو لسنة 3353والذي جاء فيه:
" ...ويعتبر الخطأ شخصيا إذا كان العمل الصادر مصطبغا بطابع شخصي يكشف
عن اإلنسان بضعفه وشهواته ونزواته وعدم تبصره .أما إذا كان العمل الضار غير مصطبغ
بطابع شخصي ،وينم عن موظف معرض للخطأ والصواب ،فإن الخطأ في هذه الحالة يكون
مصلحيا (معيار الفيريير) .فالعبرة بالقصد الذي ينطوي عليه الموظف وهو يؤدي واجبات
وظيفته ،فكلما قصد النكاية أو اإلضرار أو ابتغى منفعته الذاتية ،كان خطؤه شخصيا يتحمل
هو نتائجه .وفيصل التفرقة بين الخطأ الشخصي والخطأ المصلحي يكون بالبحث وراء نية
الموظف (معيار دوجي) فإذا كان يهدف من القرار اإلداري الذي أصدره تحقيق الصالح العام
أو كان قد تصرف لتحقيق أحد األهداف المنوط باإلدارة تحقيقها والتي تدخل في وظيفتها
اإلدارية ،فإن هذا الخطأ يندمج في أعمال الوظيفة ،بحيث ال يمكن فصله عنها (معيار
هوريو) .ويعتبر من األخطاء المنسوبة إلى المرفق العام ،ويكون خطأ الموظف هنا مصلحيا.
أما إذا تبين أن الموظف لم يعمل للصالح العام أو كان يعمل مدفوعا بعوامل شخصية أو
كان خطأه جسيما (معيار جيز) بحيث يصل إلى حد ارتكاب جريمة تقع تحت طائلة قانون
العقوبات ،كالموظف الذي يستعمل سطوة وظيفته في وقف تنفيذ حكم أو أمر أو طلب من
المحكمة ...فإن الخطأ في هذه الحالة يعتبر خطا شخصيا ويسأل عن الموظف الذي وقع
منه هذا الخطأ في ماله الخاص".
وفــي نفــس الســياق أخــذت فتــاوى الجمعيــة العموميــة للقســم االستشــاري للفتــوى والتش ـريع
بمجلــس الدولــة المصــري بالتفرقــة بــين الخطــأ الشخصــي والخطــأ المرفقــي فــي مجــال المســؤولية
عن األعمال الضارة التي يرتكبها الموظفون أثناء قيامهم بأعمال الوظيفة ،وهو ما نجـده علـى
135
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
س ـ ــبيل المث ـ ــال ف ـ ــي الفت ـ ــوى الص ـ ــادرة ف ـ ــي ( 3311/5/13فت ـ ــوى الجمعي ـ ــة العمومي ـ ــة للقس ـ ــم
االستشاري جلسة 3311/5/13السنة 11رقم 311ص )011التي جاء فيها ما يلي:
" ....وفيصل التفرقة بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي يكون بالبحث وراء نية
العامل ،فإذا كان يستهدف المصلحة العامة ،أو كان قد تصرف لتحقيق أحد األهداف المنوط
باإلدارة تحقيقها والتي تدخل في وظيفتها اإلدارية فإن خطأه يندمج في أعمال الوظيفة بحيث
ال يمكن فصله عنها ،ويعتبر من األخطاء المنسوبة إلى المرفق العام ،أما إذا تبين أن
العامل لم يعمل للصالح العام ،أو كان يعمل مدفوعا بعوامل شخصية يقصد النكاية أو
اإلضرار بالغير أو تحقيق منفعة ذاتية فإنه يعتبر خطأ شخصيا يسأل عنه في ماله
الخاص".
لقد أدت صعوبة التمييز بين الخطأين الشخصي والمرفقي إلى تباين في العمل
القضائي المغربي سواء بالنسبة للقضاء المدني أو اإلداري:
يمكن القول إن القضاء المغربي المدني لم يضع معيا ار موضوعيا موحدا لتمييز الخطأ
المرفقي عن الخطأ الشخصي للموظف؛ إذ يقوم أحيانا باعتماد مقتضيات الفصل 13من
قانون االلتزامات والعقود ويحمل الدولة مسؤولية األضرار الناتجة عن األخطاء الشخصية
لموظفيها ولو كانت جسيمة ،في حين يعتمد في حاالت أخرى على الفصل 91من نفس
القانون مع أن الخطأ يكون أقل جسامة وخطورة من الحالة األولى.
وهكذا فقد قضى المجلس األعلى سابقا (محكمة النقض حاليا) بتحميل الدولة مسؤولية
خطا طبي تسبب في شلل ألحد األشخاص ومضاعفات خطيرة ظلت عالقة بالمتضرر طيلة
حياته ،فاعتبر المجلس األعلى أن ذلك الخطأ يعتبر خطا مصلحيا تسأل عنه الدولة .1في
1
القرار رقم 1111المشار إليه أعاله.
136
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
حين اعتبر أن الخطأ المرتكب من طرف الطبيب الذي تسبب في إلحاق ضرر لمريض
بسبب عدم احترامه لضوابط المهنة ،خطأ شخصيا رغم تماثل المريض للشفاء.1
ويتبين مما سبق أن محكمة النقض لم تستقر على توجه موحد فيما يتعلق بتكييف
دعوى مسؤولية الدولة عن األخطاء الطبية ،فأحيانا يكيفها في إطار الفصل 13وأحيانا
أخرى يتم تكييفها في إطار الفصل 91من قانون االلتزامات والعقود.
وإن ما يؤكد هذه المالحظة صدور ق اررات مختلفة في نوازل متشابهة؛ فإذا كانت
محكمة النقض قد حملت مسؤولية الخطأ الطبي للطبيب شخصيا طبقا لمقتضيات الفصل
91من قانون االلتزامات والعقود ،فإنه في نازلة أخرى كيفت هذه الدعوى في إطار الفصل
13رغم أن أخطاء الطبيب كانت أكثر جسامة وخطورة من سابقتها مما دفع المتضرر إلى
إقامة الدعوى ضد الطبيب شخصيا.
وخالصة القول هي أن القضاء المدني لم يستقر بعد على اتجاه واحد بخصوص
مسؤولية الدولة عن األخطاء المصلحية أو المرفقية مما يجعل أحكامه متباينة في هذا
المجال ،وهو ما يتجلى كذلك حتى أثناء تعامله مع نصوص خاصة بينت بشكل صريح
أساس هذه المسؤولية كما هو الشأن بالنسبة للمسؤولية عن الحوادث المدرسية.
1
قضى المجلس األعلى في القرار رقم 3191الصادر بتاريخ 1111/1/15بما يلي:
"حيث صح ما عابه الطالب على القرار ذلك أن الفصلين 13و 91من قانون االلتزامات والعقود يقضيان بأن الدولة مسؤولة عن األضرار الناتجة
مباشرة عن تسيير إداراتها وعن األخطاء المصلحية لمستخدميها وأن هؤالء األخيرين مسؤولون شخصيا عن األضرار الناتجة عن تدليسهم أو عن
األخطاء الجسيمة الواقعة منهم في أداء وظيفتهم وهو ما يعني أن مسؤولية الدولة تقوم في حالتين :أوالهما عدم إمكانية نسبة الضرر إلى شخص أو
أشخاص م عينين أي أن الضرر نشأ مباشرة من تسيير مرفق الدولة فالمسؤولية لذلك قائمة على المخاطر وال يشترط لقيامها وجود خطأ بل يكفي
حدوث الضرر وقيام العالقة السببية بينه وبين مرفق الدولة .وثانيتهما تسبب الضرر عن خطأ مصلحي ألحد موظفيها أو مستخدميها بشرط أن
يكون الخطأ غير مطبوع بطابع الموظف أو المستخدم الشخصي بأن ال تكون له عالقة إطالقا بعمله الوظيفي أو يكون مندرجا في مهامه الوظيفية،
ولكنه مع ذلك يكتسي قد ار من الجسامة أو ينطوي على عمد أو نية اإلضرار وفي هذه الحالة يقيم الفصل 91من ق ل ع مسؤولية الموظف عن
الضرر الذي تسبب فيه وال تسأل الدولة إال في حالة إعساره والمحكمة مصدرة القرار المطعون ...ثبت لديها أن الخطأ الذي تسبب عنه الضرر
للمطلوب ينسب إلى الطبيب المذكور أثناء قيامه بالعملية الجراحية للمريض ويوصف بأنه خطير وفادح وأنه ناتج عن عدم مباالته وهو لذلك يكتسي
قد ار من الجسامة ومرتكب من الطبيب المعني ومطبوع بإهماله وال مباالته مما يسأل عنه شخصيا ألنه ناتج عن خطأه الجسيم وال تسأل الدولة عنه
إال عند ثبوت إعساره".
137
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
فــي الوقــت الــذي كــان فيــه الفقــه واضــحا فــي موقفــه عنــد التمييــز بــين الخطــأ الشخصــي
والخط ــأ المرفق ــي ،يالح ــظ أن التوج ــه القض ــائي اإلداري أخ ــذ ينح ــو م ــؤخ ار نح ــو التوس ــع ف ــي
حاالت مسؤولية أشخاص القانون العام ،إلى درجة أنه أخذ يستبعد مقتضيات الفصل 91مـن
قانون االلتزامات والعقود الذي ينظم المسؤولية الشخصية للموظفين.
ولقد ذهب القضاء اإلداري إلى تقرير المسـؤولية المرفقيـة فـي حـاالت كـان قـد أديـن فيهـا
الموظف من لدن القضاء الزجري في إطار مسـؤوليته الجنائيـة عـن األفعـال التـي كانـت مرتبـة
للضرر ،ونستدل في هذا الصدد بالقرار الصادر عن الغرفة اإلدارية لدى المجلس األعلى في
قراره ــا عـ ــدد 031المـ ــؤرخ فـ ــي 1119/5/19فـ ــي الملـ ــف اإلداري رقـ ــم 1111/1/0/3013
المفت ــوح ل ــدعوى ته ــدف إل ــى المطالب ــة ب ــالتعويض ع ــن ض ــياع مب ــالغ محك ــوم به ــا لفائ ــدة أح ــد
المتقاض ــين انته ــى إل ــى اس ــتبعاد الخط ــأ الشخص ــي واإلقـ ـرار بمس ــؤولية الدول ــة اعتم ــادا عل ــى
حيثيات ورد فيها ما يلي:
"وحيث إن عدم صرف المبالغ التي تم الحكم بها لفائدة المستأنف عليها حسب ملفي
التنفيذ رقم 90/31و 3395/3من طرف كتابة الضبط التابع لمركز القاضي المقيم بسبب
ضياعه يعد سوءا في التسيير حسب الفصل 13من قانون االلت ازمات والعقود قد نتج عنه
أضرار للمستأنف عليها يرتب مسؤولية الدولة عن ذلك بغض النظر عن طبيعة الخطأ
المسبب للضياع ومدى جسامته".
وفي القـرار عـدد 113بتـاريخ 1113/11/15انتهـت نفـس الغرفـة -بمناسـبة بتهـا فـي
طعــن باالســتئناف هــم نقطــة االختصــاص النــوعي طالمــا أن الخطــأ الشخصـي ينعقــد البــت فيــه
للقض ــاء الع ــادي ول ــيس للقض ــاء اإلداري ،-إل ــى أن مج ــرد تأس ــيس الطل ــب عل ــى مقتض ــيات
الفص ــل 13م ــن ق.ل.ع الت ــي تتعل ــق بالمس ــؤولية ع ــن األخط ــاء المرتبط ــة بالوظيف ــة اإلداري ــة
للمرافق العمومية يجعل اختصاص النظر فيه منعقدا للمحاكم اإلدارية في نطاق المـادة 9مـن
القانون .03/31
138
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ويبرز هذا االتجاه بوضوح أفول الخطأ الشخصي وهجره لفائدة الخطأ المصـلحي مـع مـا
يحملـه مـن تعطيـل لمقتضـيات الفصـل 91مـن قـانون االلت ازمـات والعقـود بعـد أن كـان القضــاء
اإلداري المغربي والمقارن مستقر علـى وجـوب إقـرار المسـؤولية الشخصـية للموظـف كلمـا ثبـت
في حقه خطأ جسيم أو منفصل عن الوظيفة.1
وبع ــد رص ــد ه ــذا االخ ــتالف ب ــين القض ــاء اإلداري والقض ــاء الم ــدني ف ــي األخ ــذ بالخط ــأ
الشخصــي أو الخطــأ المرفقــي عنــدما يكتســي فعــل الموظــف توصــيفا يمكــن مــن خــالل المعــايير
السابق ذكرها تكييفه على أنه خطأ شخصي ،نشير إلى أنه فيما يتعلق بتحديد موقـف القضـاء
المغرب ــي م ــن التكيي ــف الق ــانوني للخط ــأ الشخص ــي وتمييـ ـزه ع ــن الخط ــأ المرفق ــي نج ــد العم ــل
القضائي المغربي قد اعتبر بدوره أن الخطأ يعد خطأ شخصيا متـى كـان خطـأ جسـيما أو متـى
كــان خطــأ منفصــال عــن الوظيفــة انفصــاال كليــا أو انفصــاال معنويــا ،وفــي هــذا الصــدد نجــد أن
محكمــة الــنقض قــد أصــدرت فــي هــذا االتجــاه ق ـ اررات متعــددة منهــا علــى ســبيل المثــال الق ـرار
الصادر عـن الغرفـة المدنيـة بتـاريخ 3391/3/31تحـت عـدد 1115فـي الملـف المـدني عـدد
( 35111منشور بمجلة المعيار عدد 3و 31ص 19وما يليها) الذي جاء فيه ما يلي:
1
قرار المحكمة العليا بمصر بتاريخ 1يونيو 3353ما يلي:
" يعتبر الخطأ شخصيا إذا كان العمل الضار مصطبغا بطابع شخصي يكسف عن اإلنسان بضعفه ونزواته وعدم تبصره ،أما إذا كان العمل الضار
غير مصطبغ بطابع شخصي وينم عن موظف عرضه للخطأ أو الصواب فإن الخطأ في هذه الحالة يكون مصلحيا ،فالعبرة بالقصد الذي ينطوي
عليه الموظف وهو يؤدي واجبات وظيفته فكلما قصـد النكابـة أو األضرار أو تغيا منفعته الذاتية كان خطأه شخصيا يتحمل هو نتائجه ،وفيصل
التفرقة بين الخطأ الشخصي والخطأ المصلحي يكون بالبحث وراء نية الموظف فإذا كان يهدف من القرار الذي أصدره إلى تحقيق الصالح العام أو
كان قـد تصرف ليحقق أحد األهداف المنوط باإلدارة تحقيقها والتي تدخل في وظيفتها اإلدارية ،فإن خطاه يندرج في أعمال الوظيفة بحيث ال يمكن
فصله عنها ويعتبر من األخطاء المنسوبة إلى المرفق العام ويكون خطأ الموظف هنا مصلحيا ،أما إذا تبين أن الموظف لم يعمل للصالح العام أو
كان يعمل مدفوعا بعوامل شخصية أو كان خطوة جسيما بحيث يصل إلى حد ارتكاب جريمة تقع تحت طائلة قانون العقوبات ...فإن الخطأ في
هذه الحالة يعتبر خطأ شخصيا ويسأل عنه الموظف الذي وقع منه الخطأ في ماله الخاص".
وحيث إن هذا ما أكد عليه القضاء المغربي بدوره في مجموعة من احكامه وق ارراته والتي منها على سبيل المثال :قرار المجلس االعلى الغرفة
اإلدارية الصادر تحت عدد 315وبتاريخ 1ماي ( 3311منشور مجموعة ق اررات المجلس األعلى 3313ـ 3315ص .)111
" ( )...حيث إنه بناءا على الفصول 13و 91من ظهير اإللتزامات والعقود ،الدولة مسؤولة عن األضرار الناتجة مباشرة عن سير اإلدارات العمومية
وعن األخطاء المرفقية لموظفيها ،وأن هؤالء يسألون شخصيا عن االضرار التي تحدث بسبب أداء وظيفتهم في حالة تدليسهم أو حدوث خطأ جسيم،
وأنه في هذه الحالة ال تتابع الدولة إال في حالة إعسار الموظف المسؤول مسؤولية شخصية".
139
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
" بمقتضى الفصل 13من ق.ل.ع فإن الدولة والبلديات تكون مسؤولة عن األضرار
الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها وعن األخطاء المصلحية لمستخدميها في حالتين اثنتين:
-3إذا كان الضرر ال يمكن نسبته إلى شخص معين أو أشخاص معينين وهي الحالة
التي كون فيها الضرر قد نشأ مباشرة عن تسيير مرفق من مرافق الدولة فالمسؤولية في هذه
الحالة تقوم على نظرية المخاطر ،وال يشترط لقيامها وجود خطأ ،بل يمكن حدوث الضرر
والعالقة السببية بينه وبين نشاط مرفق من مرافق اإلدارة.
-1إذا نتج الضرر عن الخطأ المصلحي ألحد موظفي الدولة أو مستخدميها بأن كان
الخطأ غير مطبوع بالطابع الشخصي للموظف.
أما إذا كان الخطأ شخصيا بأن كان ال عالقة له إطالقا بعمله الوظيفي ،أو كان الفعل
الضار يندرج ضمن واجبات الموظف إال أنه على قدر من الجسامة أو صدر عنه عمدا أو
بنية اإلضرار بالغير فإن الفصل 91من ق.ل.ع يقر مسؤولية الموظف عن الضرر الذي
تسبب فيه ،وال تطالب الدولة إال في حالة إعسار الموظف".
ومتى بلغ الخطأ من الجسامة حدا جعله يشكل فعال جرميا توبع مرتكبه أمام القضاء
الجنائي وأصدر حكما قضى بمؤاخذته بما نسب إليه ،فإن المنازعة تتعلق بالمسؤولية
التقصيرية الناجمة عن خطأ شخصي رسخ كل من الفقه والقضاء عدم مسؤولية الدولة عن
جبر الضرر المترتب عنها.
1
وهكذا فقد صدر عن المجلس األعلى قرار تحت عدد 315وبتاريخ 1ماي 3311
جاء فيه ما يلي )...( " :حيث إنه بناءا على الفصول 13و 91من ظهير االلتزامات
والعقود ،الدولة مسؤولة عن األضرار الناتجة مباشرة عن سير اإلدارات العمومية وعن
األخطاء المرفقية لموظفيها ،وأن هؤالء يسألون شخصيا عن األضرار التي تحدث بسبب أداء
وظيفتهم في حالة تدليسهم أو حدوث خطأ جسيم ،وأنه في هذه الحالة ال تتابع الدولة إال في
حالة إعسار الموظف المسؤول مسؤولية شخصية".
1
منشور بمجموعة ق اررات المجلس األعلى 3313ـ 3315ص .111
140
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
كما اعتبر المجلس األعلى من خالل قرار آخر صادر بتاريخ 3391/13/ 31تحت
عدد 1115في الملف عدد 135111أن من بين األسباب التي تدعو إلى اعتبار الخطأ
المرتكب من طرف الموظف خطأ شخصيا جسيما أن يكون الفعل الضار على قدر من
الجسامة أو صدر عنه عمدا أو بنية اإلضرار بالغير .وقد أورد بعض الفقه 2بيانا لذلك حين
ذهب إلى أن هذا الخطأ قد يتمثل في التدليس ونية اإلضرار بالغير اللذان يقعان تحت طائلة
القانون الجنائي.
كما ذهب البعض اآلخر إلى أن الخطأ يعد شخصيا وجسيما إذا خالف به الموظف
القانون أو خرج عن اختصاص رئيسه أو تجاوز به الموظف حدود األمر الصادر إليه أو قام
به دون أمر مسبق من رئيسه. 3
كما استقر بعض العمل القضائي بدوره على اعتبار الخطأ الجسيم خطأ شخصيا تترتب
عنه المسؤولية الشخصية للموظف والذي يورد العارض كنموذج عليه قرار المحكمة العليا
بمصر بتاريخ 1يونيو 3353الذي جاء فيه:
" يعتبر الخطأ شخصيا إذا كان العمل الضار مصطبغا بطابع شخصي يكسف عن
اإلن سان بضعفه ونزواته وعدم تبصره ،أما إذا كان العمل الضار غير مصطبغ بطابع
شخصي وينم عن موظف عرضه للخطأ أو الصواب فإن الخطأ في هذه الحالة يكون
مصلحيا ،فالعبرة بالقصد الذي ينطوي عليه الموظف وهو يؤدي واجبات وظيفته فكلما قصـد
النكابـة أو األضرار أو تغيب منفعته الذاتية كان خطأه شخصيا يتحمل هو نتائجه ،وفيصل
التفرقة بين الخطأ الشخصي والخطأ المصلحي يكون بالبحث وراء نية الموظف فإذا كان
يهدف من القرار الذي أصدره إلى تحقيق الصالح العام أو كان قـد تصرف ليحقق أحد
األهداف المنوط باإلدارة تحقيقها والتي تدخل في وظيفتها اإلدارية ،فإن خطاه يندرج في
أعمال الوظيفة بحيث ال يمكن فصله عنها ويعتبر من األخطاء المنسوبة إلى المرفق العام
ويكون خطأ الموظف هنا مصلحيا ،أما إذا تبين أن الموظف لم يعمل للصالح العام أو
1
منشور بمجلة قضاء المجلس األعلى عدد 319ص .301-301
2
أحمد أدريوش في كتابه " مسؤولية مرافق الصحة العمومية " ص 00
3
محمد محجوبي " الوجيز في القضاء اإلداري المغربي بعد إحداث المحاكم اإلدارية -عن دار القلم برسم سنة 1111وعبد الله حداد " تطبيقات
الدعوى اإلدارية في القانون المغربي " منشورات عكاظ لسنة - 3333
141
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
كان يعمل مدفوعا بعوامل شخصية أو كان خطوة جسيما بحيث يصل إلى حد ارتكاب جريمة
تقع تحت طائلة قانون العقوبات ...فإن الخطأ في هذه الحالة يعتبر خطأ شخصيا ويسأل
عنه الموظف الذي وقع منه الخطأ في ماله الخاص ".
تعد التفرقة بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي من الدعائم األساسية التي تقوم عليها
مسؤولية اإلدارة عن أعمال موظفيها ،وقد مر اجتهاد مجلس الدولة الفرنسي إزاء العالقة بين
الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي بمرحلتين تمثلت المرحلة األولى بالفصل التام بين الخطأين
في حين تمثلت المرحلة الثانية بإمكانية الجمع بين الخطأين الشخصي والمرفقي وذلك على
النحو اآلتي:
الفرع األول :قاعدة عدم الجمع بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي
الفرع األول :ااعدة عدم البمع لين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي
جرى القضاء اإلداري الفرنسي وحتى مطلع القرن العشرين على قاعدة الفصل التام بين
الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي ،فالضرر الذي يصيب األفراد إما أن يكون راجعا إلى خطأ
شخصي محض منسوبا للموظف العام وبالتالي يكون وحده المسؤول عن التعويض من ماله
الخاص ويكون االختصاص للقضاء العادي وفقا لقواعد القانون الخاص .وإما أن يكون خطأ
مرفقيا محضا تسأل عنه اإلدارة وتدفع التعويض من األموال العامة ويكون االختصاص
للقضاء اإلداري وفقا للقانون العام.
142
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ووفقا لهذا االجتهاد فان قيام أحد الخطأين ينفي وجود الخطأ األخر فالفعل الخاطئ ال
يمكن أن يكون له طبيعتان في وقت واحد ،فال يمكن أن يكون الخطأ جسيما وبسيطا في
نفس الوقت أو أن يكون بحسن نية وسوء نية في أن معا ،بل هو خطأ مرفقي إذا لم يتعد
حدودا معينة ،فإن تعداها أصبح خطأ جسيما.
وقد اعتبر بعض الفقه أنه ال يمكن للفعل الخاطئ أن يكون له طبيعتان في نفس
الوقت ،فالخطأ إما يكون شخصيا وإما مرفقيا .و قد ذهب البعض اآلخر إلى أن الخطأ الذي
يرتكبه الموظف و الذي يحدث ضر ار إما يكون خطأ بسيطا أو جسيما ،فإذا كان بسيطا و ال
يتجاوز المخاطر العادية للوظيفة و التي يمكن ألي إنسان عادي الوقوع فيه فيعتبر خطأ
مرفقيا ،أما إذا كان جسيما يتعدى المخاطر العادية للوظيفة فيعد خطأ شخصيا يسأل عنه
الموظف شخصيا.1
وقد تم التأكيد على هذه القاعدة القضاء اإلداري الفرنسي في حكمه الصادر في 3353
في قضية "بورسين" والتي تتلخص وقائعها في أن الضابط المدعو بورسين أطلق النار على
أحد المواطنين في بداية الحرب العالمية األولى ألنه أشتبه فيه وظنه يتعاون مع األعداء،
فلما دفعت و ازرة الدفاع التعويض لورثة القتيل وأرادت بعد ذلك أن ترجع على الضابط
بورسين ،قرر مجلس الدولة عدم مسؤولية الضابط عن الخطأ الالحق بالمضرور ،فإما أن
يسأل الموظف أو اإلدارة ألن هناك تعارض في أن يعتبر نفس العمل في نفس الوقت خطأ
مرفقيا وشخصيا.
كما ذهب رأي آخر في تبرير هذه القاعدة إلى أن الدولة تعد ضامنة ضد المخاطر
الناجمة عن نشاط المرافق العامة؛ فالدولة ال تسال استنادا إلى كونها شخصا معنويا ،وإنما
تسأل على أساس أنها تضمن المواطنين ضد المخاطر الناجمة عن سير المرافق العامة.
وهذا الضمان ال يكون إال في حالة الخطأ المرفقي دون الخطأ الشخصي الذي ينسب إلى
الموظف وحده وإال أن قاعدة الفصل التام بين الخطأين الشخصي والمرفقي لم تبق على
إطالقها وإنما تم التخلص منها ،فقد عدل مجلس الدولة الفرنسي علها نتيجة لالنتقادات التي
سامي حامد سليمان ،نظرية الخطأ الشخصي في مجال المسؤولية اإلدارية (دراسة مقارنة ) ،رسالة دكتوراه ،دار الشباب للطباعة ،القاهرة ،بدون 1
سنة ص .119/111
143
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وجهت إليها وعلى األخص من الفقيه جيز ( )Jeseوالذي وجه لها العديد من االنتقادات
بمناسبة تعليقه على حكم لمجلس الدولة الفرنسي صدر في 31فبراير سنة 3313في
قضية ( )Cie commercialeوتمثلت هذه االنتقادات بما يلي:
أوال :إن ع ملية التمييز بين الخطأ المرفقي والخطأ الشخصي غير قاطعة ويكتنفها
الغموض ولعل ذلك يعود إلى أن القضاء اإلداري لم يتبن معيا ار محددا للتمييز بين
الخطأين ،بل يفحص كل حالة على حدة ويأخذ بعين االعتبار الظروف التي رافقت ارتكاب
الخطأ ،إضافة إلى أن الخطأ سواء كان شخصيا أو مرفقيا فإن الذي يقترفه هو الموظف
العام كون المرفق العام شخصا معنويا ال يتصور ارتكابه للخطأ بنفسه .فالفارق ما بين
الخطأ الشخصي والخطأ المصلحي كما يقول جيز هو مسألة درجة :فالخطأ إلى غاية درجة
معينة يعتبر خطأ مرفقيا ،فإذا ما جاوزها اعتبر شخصيا .وهذا الفارق في الدرجة يخضع
لتقدير القضاء؛ فإذا ما قدر القضاء أن الخطأ شخصيا فإن القواعد التي تحكمه هي قواعد
القانون الخاص وينعقد االختصاص القضاء العادي ،في حين أنه إذا قدر أن الخطأ مرفقيا
فإن القواعد التي تحكمه هي قواعد القانون العام وينعقد االختصاص القضاء اإلداري ،
فالفارق في الدرجة بال شك ال يعد كافيا للتغيير الكامل في القواعد القانونية التي تحكم كال
النوعين من الخطأ.
ثانيا :إن األخذ بقاعدة الفصل التام بين الخطأين الشخصي والمرفقي تؤدي إلى حماية
كاملة للمضرور في حالة الخطأ المرفقي ألن ذمة الدولة مليئة في جميع األحوال .في حين
أنها تؤدي إلى عدم توفير الحماية الكاملة لمضرور في حالة الخطأ الشخصي الذي يقترفه
الموظف العام إذ قد يفاجأ المضرور أحيانا كثيرة بإعسار الموظف ،وهذا يتعارض مع أبسط
قواعد العدالة.
ثالثا :ان األخذ بقاعدة الفصل التام بين الخطأين على إطالقها تؤدي إلى نتيجة يأباها
العقل والمنطق ،ألنها تؤدي إلى منح الخطأ الهين واليسير (الخطأ المرفقي) حماية أكبر من
الخطأ الجسيم (الخطأ الشخصي) وهذا بدوره يؤدي إلى إجحاف بحق المتضرر من الخطأ
الشخصي إذا ما فوجئ بإعسار الموظف ،في حين أن المتضرر من البسيط سيكون متيقنا
من حصوله على التعويض وذلك لمالءة الدولة.
144
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
رابعا :إن إعمال قاعدة الفصل التام هذه على إطالقها غير مقبولة وال صحيحة من
الناحية العملية ،ألنه من الممكن أن يكون الضرر نتيجة خطا مشترك شخصي ومرفقي ،أو
قد يكون مرجعه عدة أخطاء بعضها شخصي واآلخر مرفقي.
خامسا :أن قاعدة عدم ا لجمع بين الخطأ المرفقي والخطأ الشخصي لم تالقي استحسانا
من بعض الفقهاء ،بسبب التبريرات والتفسيرات المتناقضة وغير المنطقية ألن انعدام مسؤولية
الموظف في الخطأ المرفقي يؤدي إلى القضاء على الشعور بعدم المسؤولية لدى الموظفين
الذين يحميهم هذا المبدأ من المسؤولية المدنية ،وأن الضحية في الخطأ الجسيم قد ال يجد
تعويضا كافيا عن ذلك ،بينما في الخطأ اليسير ينال التعويض الكافي.
على ضوء االنتقادات التي وجهت لقاعدة عدم الجمع بين الخطأ المرفقي والخطأ
الشخصي ،ظهرت نظرية أخرى وهي نظرية الجمع بين الخطأين وأتاحت ذلك في عدة
حاالت ،أهمها كاآلتي:
عدل القضاء الفرنسي عن اجتهاده السابق نظ ار لالنتقادات التي وجهت للقاعدة السابقة
القائلة بالفصل التام بين الخطأين وذهب إلى التسليم بأن الضرر الذي يلحق باألفراد قد
يشترك في إحداثه نوعين من الخطأ :خطأ شخصي يسأل عنه الموظف العام ،وخطأ مرفقي
تسأل عنه اإلدارة ،وقد أقر مجلس الدولة الفرنسي بقاعدة الجمع بين الخطأين ألول مرة في
حكمه الصادر بتاريخ 1فبراير سنة 3333والذي جاء تحت عنوان أنجيه ( ) Anguet
وتتل خص وقائع هذه القضية في أن أحد األفراد بقي في مكتب البريد بعد إغالق الباب المعد
لخروج الجمهور ولما أراد الخروج اضطر إلى استعمال الباب المخصص لخروج الموظفين،
فاعتقد الموظفون بأنه لص فاعتدوا عليه بالضرب و ألقوا به إلى الخارج ،فوقع على األرض
وكسرت ساقه ،فتقدم بدعواه مطالبا بالتعويض فقرر مجلس الدولة الفرنسي أن الضرر الذي
لحق بهذا الشخص يعود إلى خطأين؛ أولهما خطأ مرفقي وهو إغالق الباب المعد لخروج
145
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
الجمهور قبل موعده ،أما النوع الثاني فهو شخصي وهو فعل االعتداء الواقع من قبل
الموظفين على المضرور واستعمالهم العنف في إلقائه إلى الخارج.
وتقوم مسؤولية اإلدارة هنا بصرف النظر عما إذا كان الفعل المنسوب إلى الموظف
والذي أدى إلى مسؤوليته الشخصية قد ارتكبه أثناء تأديته الخدمة أو بمناسبتها أو خارج
نطاق الخدمة وذلك ألن مسؤولية اإلدارة ال تقوم على أساس فعل الموظف والخطأ الشخصي
الصادر عنه ،ولكن على أساس خطأ المرفق الذي قام بجوار الخطأ الشخصي ومستقال عنه.
ومن األمثلة على قضاء مجلس الدولة الفرنسي بقيام الخطأين معا أثناء الخدمة ،قيام
إحدى الممرضات في الحرب العالمية الثانية بحقن بعض العجائز ممن يتعذر نقلهن قبل
وصول القوات األلمانية مما أدى إلى وفاة بعضهن ،فقرر القضاء وجود خطأ شخصي يقع
على عاتق الممرضة وخطأ مصلحي يتمثل في اإلهمال والفوضى التامة التي عمت
المستشفى لترك كثير من األطباء والممرضين أمكنتهم رغم األوامر العسكرية الصادرة إليهم.
أما فيما يتعلق بقيام الخطأين معا خارج نطاق الخدمة فمن األمثلة التي يضربها قضاء
مجلس الدولة الفرنسي قيام أحد الجنود بمحاولة فك قنبلة في منزله مما أدى إلى انفجارها
وقتل بعض النساء حيث كان ينزل ،فقرر مجلس الدولة قيام خطأ شخصي من جانب
الموظف ويتمثل في القتل الخطأ ،وخطأ مصلحي في جانب اإلدارة يتمثل في عدم أخذها
لالحتياطات والتدابير الالزمة لمنع حيازة مثل هذه القنابل رغم إصدارها أم ار بعدم حيازتها.
وتبرز أهمية إعمال قاعدة الجمع بين الخطأين أنه يمكن مساءلة اإلدارة عن الضرر
جميعه ،أي الحكم بالتعويض کامال عن هذين الخطأين ،على أن يكون لها حق الرجوع على
الموظف بنسبة خطأه الشخصي .وإذا ثار نزاع بشأن نسبة كل من اإلدارة والموظف في
التعويض فان القضاء يتولى حسم النزاع.
مما سبق نرى أنه في حالة ازدواج الخطأ يكون للمضرور دعويين إحداهما ضد اإلدارة
وترفع أمام القضاء اإلداري واألخرى في مواجهة الموظف وترفع أمام القضاء العادي .إال أن
ازدواج المسؤولية ال يعني حصول المضرور على التعويض مرتين ،ألن المبدأ هو أال يزيد
146
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
التعويض عن الضرر الحاصل فعال ،وألن سبب تقرير مسؤولية اإلدارة إنما يعود إلى الرغبة
في حماية المضرور.
ثانيا :حالة البمع لين المسؤولية الشخصية والمرفقية نتيبة الرتكاب خطأ
واحد
رأينا أن مجلس الدولة الفرنسي تطور في قضائه وأجاز جمع المسؤولية بسبب تعدد
األخطاء شخصية ومرفقيه ورتب عليها مساءلة اإلدارة عن األضرار الناجمة عنها ولكن هل
يمكن مساءلة اإلدارة عن الخطأ الشخصي الذي يرتكبه الموظف حتى لو لم يكن مصحوبة
بخطأ مرفقي عن ذات الفعل؟
من خال ل استقراء الجتهاد مجلس الدولة الفرنسي نجد أنه وأصل تطوره فقرر في بادئ
األمر مسؤولية اإلدارة عن الخطأ الشخصي غير المصحوب بخطأ مرفقي شريطة أن يكون
هذا الخطأ قد وقع أثناء الخدمة أو بمناسبتها .ثم استمر في تطوره ليقرر مسؤولية اإلدارة عن
الخطأ الشخصي غير المصحوب بخطأ مرفقي حتى لو وقع خارج الخدمة ولكن بأدوات
المرفق.
أقر مجلس الدولة الفرنسي مسؤولية اإلدارة عن الخطأ الشخصي الذي يقع من
الموظف أثناء الخدمة دون أن يصاحبه خطأ مرفقي .ففي قضية ليمونيير ()Lemonnier
الصادرة في 11يوليوز 3339والتي تتلخص وقائعها بأنه في أحد األعياد القومية وضعت
بعض األهداف المتحركة حتى يتسنى ألصحاب الرماية أن يصيبوها عن طريق إطالق النار
عليها من األسلحة النارية ،ونتيجة لذلك انطلقت رصاصة أصابت أحد المارة فجرحته جرحا
خطيرا .فرفع دعواه مطالبا بالتعويض على اإلدارة المشرفة على تنظيم هذا االحتفال أمام
جهتين قضائيتين في نفس الوقت .فحكمت المحكمة القضائية (العادية) يتحقق مسؤولية
العمدة الشخصية باعتباره المسؤول األول عن المحافظة على أرواح الناس وأرجعت مسؤوليته
إلى ناحيتين ،الناحية األولى في عدم اتخاذه االحتياطات والتدابير الالزمة لحماية األفراد ،في
147
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
حين تمثلت الناحية الثانية بعدم أخذه للتنبيهات التي مررها له الكثيرون باحتمال إصابة
بعض األفراد بأعيرة نارية على محمل الجد ،وقرر في النهاية مسؤوليته عن الخطأ الجسيم
المرتكب من جانبه .في حين ذهب مجلس الدولة الفرنسي في البداية حين عرض عليه
األمر إلى تقرير اختصاصه بنظر موضوع الدعوى ،ألن رفع الدعوى المحاكم العادية بل
وحتى إصدار الحكم من جانبها ال يقيد مجلس الدولة في قضائه ألنه مستقل تمام االستقالل
عن المحاكم العادية وانتهى في حكمه إلى تقرير مسؤولية البلدية عن خطا العمدة الشخصي
الجسيم الذي ارتكبه ،وأرجع مسؤوليته إلى الناحيتين اللتين ذهب إليهما القضاء العادي.
وعليه يتعين لقيام الخطأ الوحيد المرتكب بمناسبة أداء مهمات الوظيفة أن يكون الخطأ
الذي ارتكبه الموظف مستقال وسابقا على أداء مهمات الوظيفة سواء تمثل هذا الخطأ
المرفقي في غياب اإلشراف والرقابة اإلدارية على مهمات الوظيفة ،أو تمثل في تزويد المرفق
بالوسائل واألدوات التي مكنته من ارتكاب الخطأ .هكذا تكون صلة الوظيفة بالخطأ المرتكب
زمنية كارتكاب الخطأ أثناء مهمات الوظيفة ذاتها ،أو مكانية كارتكاب الخطأ في مكان
العمل .ويمكن تعليل المسؤولية اإلدارية هنا بأن المرفق هو الذي ساهم في ارتكاب الخطأ
الشخصي بأن وضع بين يدي الموظف الوسائل التي ساعدت على ارتكاب هذا الخطأ.
ظل مجلس الدولة الفرنسي وحتى عام 3303يقصر مسؤولية اإلدارة عن األخطاء
الشخصية للموظفين على تلك التي تقع منهم أثناء الخدمة ،بمعنى أن تكون الوظيفة التي
وضعت بين يدي الموظف أسباب ارتكاب الخطأ.
إال أن مجلس الدولة الفرنسي عدل عن موقفه السابق وقرر أن مسؤولية اإلدارة تتحقق
عن الخطأ الشخصي الذي يرتكبه الموظف حتى ولو وقع منه خارج الخدمة شريطة أن يقع
بأدوات المرفق حيث صدرت له ثالثة أحكام متشابهة بتاريخ 39نوفمبر سنة ،3330
وتتعلق جميعها في قيام سائقي سيارات عامة حكومية بالخروج في مهمات مصلحية إال أنهم
بدال من استخدامها في هذه المهمات العامة فقط قاموا باستخدامها في مهمات خاصة
لتحقيق أغراض شخصية ،فصادف أن وقعت حوادث بتلك السيارات العامة سببت ضرر
148
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
للغير .وملخص إحدى هذه القضايا أن سيارة تابعة للجيش كان يقودها أحد الجنود من أجل
توصيل شحنة بنزين لمكان معين إال أنه وفي أثناء عودته ذهب لزيارة أحد أقاربه فوقعت
حادثة أثناء ذلك تسببت بأضرار للغير.
نستخلص مما سبق أن قاعدة الفصل التام بن الخطأين الشخصي والمرفقي والتي نادى
بها القضاء اإلداري الفرنسي في بادئ األمر لم تعد مطبقة إال في الحالة التي يصدر فيها
خطا شخصي عن الموظف وال عالقة له بالوظيفة إطالقا بأن يكون قد وقع بعيدا عنها في
حياة الموظ ف الخاصة ،وفيما عدا ذلك فإن القضاء الفرنسي يطبق قاعدة الجمع بين
المسؤوليتين الشخصية والمرفقية ويقرر مسؤولية الدولة في جميع حاالت الخطأ الشخصي
سواء في حالة الجمع بينه وبين الخطأ المرفقي أو في حالة الخطأ الشخصي غير
المصحوب بخطأ مرفقي والواقع أثناء الخدمة ،وكذلك في حالة الخطأ الشخصي الواقع خارج
الخدمة ولكن بأدوات المرفق.
وقد طرح تساؤل من جانب الفقه مؤداه مدى إمكانية تبي توجه القضاء الفرنسي الذي
يسمح بإمكانية الجمع بين الخطأ المرفقي والشخصي وفق الشروط التي سبق تناولها أعاله
استنادا إلى أن المشرع من خالل الفصل 91لم يتبنى موقفا يستثني مثل هذه االزدواجية،
وفوق ذلك فإن هذه االزدواجية ال تتعارض مع مضمون الفصل المذكور ،إذ ال شيء في
الواقع يمنع من حدوث الضرر نتيجة تزاوج خطأين أحدهما ذو طابع مرفقي وثانيهما متفرع
1
عن تصرف تدليسي للموظف.
المطلب الثاني :بعض صور التداخ لين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي
قد يحدث أحيانا أن يرتكب الموظف خطأ يضر بالغير بناء على أمر رئيسه ،لذا أثير
التساؤل حول أثر ذلك على طبيعة الخطأ ،وهل تتغير ليصبح مرفقيا أو يظل شخصيا رغم
أنه ارتكب تنفيذا ألمر رئيس تجب طاعته؟ ،وقد يكون الخطأ المنسوب إلى الموظف جريمة
جنائية يعاقب عليها قانون العقوبات ويترتب عليها ضرر ،فهل يعتبر خطأ شخصيا أم يمكن
اعتباره خطأ مرفقيا؟ ،وفضال عما سبق ،قد يتحقق التعدي عند قيام اإلدارة بعمل يتضمن
149
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
اعتداء على حق الملكية أو إحدى الحريات األساسية للفرد على أن يكون الخطأ واضحا
وجسيما ،بحيث يجرد العمل من قيمته القانونية وينزل به إلى مستوى التصرف المادي.
وتطرح التساؤالت أعاله مسألة عالقة الخطأ الشخصي بكل من بالجريمة الجزائية
واألوامر الرئاسية واالعتداء المادي ،والمسؤولية عن الق اررات المنعدمة .وهذا ما سنعرض له
من خالل الفقرات التالية:
قد تشكل األخطاء التي يقترفها الموظف في بعض األحيان جريمة معاقب عليها قانونا،
وبقيام هذه األخطاء تتحقق المسؤولية ،إال أن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل تعد هذه
األخطاء المنطوية على جريمة جزائية أخطاء شخصية ترتب مسؤولية الموظف الشخصية
ويتحمل التعويض من ماله الخاص؟ أم تعد أخطاء مرفقية يترتب عليها مسؤولية اإلدارة
التابع لها الموظف العام وتتحمل وحدها تعويض األضرار المادية واألدبية التي لحقت
بالمضرور؟ :
للجواب على هذا السؤال سنعرض أوال لموقف الفقه ثم لموقف العمل القضائي:
150
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
الحالة األولى :تباوز المرؤوس حدود األمر الرئاسي الصادر إليه من
رئيسه
قد يتجاوز المرؤوس في معرض تنفيذه ألمر رئيسه حدود األمر الرئاسي الصادر إليه،
ويكون تجاوزه بأن يقوم بتنفيذه على غير الوجه المقصود به وذلك بتحريفه أو تغييره أو
تعديله بحيث ال يلتزم تماما بما فيه من أحكام.
ففي مثل هذه الحاالت استقر القضاء على تحقق مسؤولية الموظف الشخصية ويتحمل
وحده التعويض کامال وكأن أمر الرئيس لم يصدر أصال.
وهنا يثور التساؤل بشأن أثر اإلجازة الالحقة الصادرة من الرئيس لما قام به مرؤوسه
من أعمال يتجاوز فيها أوامره؟ فهل لهذه اإلجازة أثر في تغيير طبيعة وصف الخطأ؟
وبالتالي فإن إقرار الرئيس وإجازته لما قام به مرؤوسه من أعمال يتجاوز فيها حدود األمر
الرئاسي وبالتالي لحدود القانون ال يعتد به.
الحالة الثانية :التزام المرؤوس بحدود األمر الرئاسي الصادر إليه من
رئيسه
اختلف الفقهاء حول طبيعة الخطأ المرتكب من جانب المرؤوس تنفيذا ألوامر رئيسه
الصادرة إليه والتي التزم فيها بحدود األمر الرئاسي إذ ظهرت عدة اتجاهات:
االتباه األول :جانب من الفقه ويمثله كل من الفقيه (هوريو وبار تلمي) ذهب إلى أن
خطا المرؤوس في هذه الحالة يقلب الخطأ الشخصي إلى خطأ مرفقي ،إذ إن تنفيذ أمر
الرئيس دون تجاوز يؤدي إلى تغيير الطبيعة القانونية للخطأ ،وحججهم في ذلك أن المرؤوس
(الموظف العام) ملزم دائما بتنفيذ أوامر رئيسه اإلداري قبل التزامه بتنفيذ القانون ،إضافة إلى
أن الموظف العام يتصل بالقوانين واألنظمة من خالل رئيسه األعلى الذي يتولى تفسير
أحكامها وإصدار األمر بتنفيذها.
151
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ويرى أصحاب هذا االتجاه أن الموظف العام ملزم بطاعة رئيسه طاعة عمياء حتى لو
كانت األوامر الصادرة إليه غير مشروعة شريطة أال تشكل جريمة يعاقب عليها القانون
الجنائي.
االتباه الثاني :نادي بهذا االتجاه الفقيه دوجي ( .)Daguitوهو يرى أن التزام
المرؤوس بحدود األمر الرئاسي الصادر إليه ال يعني الطاعة العمياء وبالتالي فإن األمر
الرئاسي ال يؤثر في طبيعة الخطأ الذي ارتكبه الموظف ،وعليه فال ينقلب الخطأ الشخصي
إلى خطأ مرفقي نتيجة التزام المرؤوس بأوامر رئيسه اإلداري إذا ما كانت هذه األوامر تشكل
مخالفة للقانون مشروعة فالرئيس اإلداري والمرؤوس شأنهم شأن باقي أفراد المجتمع
يخضعون للقانون.
وبالتالي إذا أصدر الرئيس أم ار للمرؤوس يخالف القانون فإن هذا األخير غير ملزم
بتنفيذه.
غير أن المرؤوس في الواقع العملي يصطدم بالمسؤولية التأديبية فيما لو اعترض عن
تنفيذ األمر الموجه إليه من رئيسه
االتباه الثالث :ذهب الفقيه الباند ووفقا لهذا االتجاه إلى محاولة التوفيق بين
االتجاهين السابقين ،فهو يرى أن واجب الموظف المرؤوس ينحصر عند صدور أمر رئاسي
اليه في التثبت من المشروعية الشكلية األمر من حيث صدوره من سلطة تملك حق إصداره،
إضافة إلى اختصاص الجهة مصدر األمر ،واستيفاء األمر للشروط الشكلية التي يجب أن
يصدر فيها كان يتطلب القانون صدور كتابية ال شفاهية .فاذا تثبت المرؤوس من توافر
المشروعية الشكلية فال مسؤولية عليه بعد ذلك إذا قام بتنفيذ األمر الرئاسي الصادر اليه
حتى لو كان مخالفا للقانون من الناحية الموضوعية.
ولم يتفق هذا االتجاه رغم وجاهته مع ما ذهب إليه القضاء والنصوص التشريعية التي
رتبت في بعض الحاالت مسؤولية الموظف إذا ما قام بتنفيذ االمر الصادر اليه من رئيسه
والمخالف للقانون من الناحية الموضوعية خاصة إذا كان يعلم بأنه غير مشروع.
152
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
أ -القضاء الفرنسي
رفض مجلس الدولة الفرنسي أن يجعل من مبدأ الطاعة العمياء سببا لينقلب الخطأ
الشخصي إلى خطأ مرفقي ،بل ذهب إلى تبني موقف وسط من االتجاهين األول والثاني؛ إذ
قرر مسؤولية الموظف الشخصية لتنفيذه أمر رئيسه رغم التزامه بحدود األمر الرئاسي
الصادر إليه و ذلك في حالة كون المخالفة جسيمة ووجه عدم المشروعية ظاهرة ،حيث حكم
القضاء الفرنسي بمسؤولية المحافظ الشخصية لقيامه بمصادرة جريدة مع النص في القرار
على أسباب تعد قدحا وذما بحق القائمين عليها ،مع أن األمر قد صدر إليه بذلك من وزير
الداخلية ،في حين ذهب إلى اعتبار الخطة المرتكبة من جانب المرؤوس نتيجة لتنفيذه أمر
الرئيس دون أن يتجاوزه خطأ مرفقيا ورتب مسؤولية اإلدارة عنه شريطة أن يكون هذا الخطأ
غير جسيم و غير عمدي أي يشكل مخالفة يسيرة ،إذ قضى بمسؤولية الدولة عن قرع
األجراس التي صدر أمر بقرعها من العمدة ولم يرتب مسؤولية المرؤوس قارع األجراس كون
أن القرع قد تم في غير الحاالت المنصوص عليها قانونا .وأما فيما يتعلق بالعسكريين فلم
يرتب القضاء الفرنسي أية مسؤولية على العسكري المرؤوس إذا ما التزم بأوامر الرئيس ألنهم
ملزمون بتطبيق مبدأ الطاعة المطلقة الذي تبنى عليه الجيوش.
وعليه يبدو أن مجلس الدولة الفرنسي يميل إلى عدم جعل طاعة المرؤوس لرئيسه
طاعة مطلقة للمرؤوس بل يحتم عليه أن يرفض اإلطاعة في بعض الحاالت.
ذهب القضاء المصري العادي فيما يتعلق بتجاوز المرؤوس حدود األمر الرئاسي
الصادر إليه من رئيسه إلى تحميل المرؤوس مسؤولية تصرفاته ،وقضت محكمة النقض بأن
قيام المرؤوس بإجراء مزاد قبل الرجوع إلى الديوان العام مخالف بذلك تأشيرة رئيسه الصادرة
في هذا الشأن ،وكذلك التعليمات الرئاسية التي تقضي بأن الطرود الخاصة بمصالح
الحكومة والهيئات المماثلة ال تعرض للبيع بطريق المزاد إال بموافقة تلك المصالح أو و ازرة
153
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
الخزانة واعتبرت المحكمة أن خطأ المرؤوس في هذه الحالة يعد خطأ شخصيا .وكذلك
حكمها بأن إهمال موظف الضرائب في القيام بواجبه بفحص دفاتر ومستندات بعض
الممولين على خالف أوامر رؤسائه يرتب خطأه الشخصي.
يقصد بفكرة االعتداء المادي بصفة عامة " ارتكاب جهة اإلدارة لخطأ جسيم أثناء
قيامها بعمل مادي يتضمن اعتداء على حرية فردية أو ملكية خاصة" .واالعتداء المادي إما
أن يكون نتيجة لقرار إداري مشوب بعيب جسيم من عدم المشروعية استندت إليه اإلدارة
لتنفيذ العملية المادية ،وإما أن يكون نتيجة مباشرة للعملية نفسها كون القرار الذي استندت
إليه اإلدارة سليما وذلك عندما تلجأ اإلدارة إلى التنفيذ المباشر في غير الحاالت المصرح بها
قانونا.
وللقول بوجود اعتداء مادي ال بد من توافر مجموعة من الشروط مجتمعة وهذه الشروط
هي:
كان الرأي السائد قديما وحتى عام 3315وكقاعدة مطلقة يذهب إلى اعتبار الخطأ
المكون الجريمة جزائية خطا شخصيا؛ إذ استقر القضاء على وجود تالزم حتمي بين الخطأ
الجزائي والخطأ الشخصي سواء كانت هذه الجريمة من جرائم الموظفين العموميين
كاالختالس والخيانة والرشوة وإفشاء أسرار الوظيفة أم كانت من جرائم القانون العام كالذم
والقذف والقتل وغيرها.
وقد قيل في تبرير التالزم الحتمي بين الجريمة الجزائية والخطأ الشخصي إن اإلدارة
العامة شخص معنوي ،وبالتالي ال يتصور ارتكابها للجرائم الجزائية ،فالذي يرتكبها هو
الموظف الذي يصرف أعمالها ،وبالتالي ال يجوز مساءلتها عن جرائم جزائية اقترفها
موظفوها ،كما أن ارتكاب الجريمة الجزائية ينطوي على جسامة بالغة تؤدي إلى اعتبارها
154
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
أخطاء شخصية ،إضافة إلى أن هدف المرفق العام هو تحقيق الصالح العام ومصلحة
األفراد على حد سواء وهذا يتعارض مع ارتكاب الجرائم الجزائية.
بدأت هذه المرحلة بصدور حكم محكمة التنازع الفرنسية عام 3315في قضية تيباز
( )Thepazوفيه عدل القضاء اإلداري عن الرأي السائد والقائل بوجود تالزم حتمي بين
الجريمة الجزائية والخطأ الشخصي ،وقد انتهى الحكم إلى اعتبار الخطأ المكون للجريمة
الجزائية في هذه القضية خطأ مرفقيا ،وأن الجريمة الجزائية ال تشكل وباستمرار كقاعدة
مطلقة خطا شخصيا يستوجب مسؤولية الموظف الشخصية ،ويجب لکي يسأل الموظف
شخصيا عن الخطأ المكون لجريمة جزائية أن يكون منبت الصلة بالوظيفة أو ارتكب عمدا
أو انطوى على درجة جسيمة من الخطأ.
" أن تصرف الموظف الذي خرج من مكان وظيفته إلى الشارع العام ووقف على
الرصيف في مكان يطل على شباك منزل المشتكي وأخذ يسترق النظر على النساء داخل
المنزل ،يكون قد خرج عن نطاق وظيفته الرسمية ويجب معاملته معاملة الشخص العادي
ومحاكمته أمام المحاكم النظامية ،وعليه فإن المدعي العام هو المرجع المختص بالتحقيق في
القضية وليس المحكمة العرفية العسكرية ".
وتبعا لكل ما سبق ،ال تشكل الجريمة الجزائية بالضرورة خطأ شخصيا ،إذ قد تشكل
في بعض األحيان خطأ مرفقا كجرائم اإلهمال البسيط ،كما أن الخطأ الشخصي بالضرورة قد
ال يشكل بالضرورة جريمة جزائية يعاقب عليها القانون الجنائي.
وبناء على ما تقدم تختص محاكم القضاء اإلداري بنظر منازعات التعويض عن
الجرائم فيما يعتبر القضاء أن فعل الموظف وإن ارتقى إلى فعل جرمي إال أنه على مستوى
المسؤولية اإلدارية يظل خطأ مرفقيا.
155
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وكمثال على هذا التوجه نورد ما جاء في حيثيات الحكم الصادر في قضية إلهام
بحوضي الذي حظي بتعليقات وافية من الفقه ،وهو الحكم الصادر عن المحكمة اإلدارية
بالرباط تحت عدد 3111بتاريخ 31أكتوبر 1110في الملف عدد 11/111ش ت الذي
جاء بما يلي:
" حيث إن أساس كل مطالبة بالتعويض المدني أمام القضاء الزجري هو ارتكاب جنحة
او جناية أضرت بالمدعية في حين أن طلب التعويض الحالي يجد أساسه في الخطأ اإلداري
المتمثل في سوء اختيار الموظفين المكلفين باالمتحانات وعدم مراقبة أعمالهم وتقصير الهيئة
المكلفة بالحراسة في أداء مهامها فضال عن تهاون اإلدارة في فتح تحقيق جدي للتأكد من
صحة ما جاء في شكاية والدة التلميذة المدعية الموجهة إلى مدير األكاديمية وما ترتب عن
ذلك من تأخير في البت في وضعيتها .مما فوت عليها فرصة الدراسة طوال الفترة التي
استغرقتها المسطرة القضائية ،فتكون بذلك هناك عالقة سببية بين الخطأ والضرر في الحدود
المذكورة.
وحيث إنه بالنظر إلى المعطيات المذكورة أعاله ،وبالنظر إلى ظروف القضية وحجم
األضرار المتصلة أساسا في حرمان المدعية من الحق في متابعة الدراسة الجامعية خالل
السنة التي تلت إعالن رسوبها الذي تبين عدم مشروعيته وكذلك خالل الفترة التي استغرقتها
مسطرة التقاضي الحالية رغم ثبوت التزوير إضافة إلى األضرار النفسية المترتبة عن ذلك،
فإن المحكمة ترى أن التعويض المناسب ينبغي أن يحدد في مبلغ 111.111،11درهم".
يقصد باألوامر الرئاسية األوامر التي يصدرها الرئيس اإلداري إلى مرؤوسيه لتنفيذها،
إال أنه قد ينشأ في معرض تنفيذ المرؤوس ألوامر رئيسه أن يرتكب خطأ ما ،فهل يعد الخطأ
الناشئ عن تنفيذ أوامر الرئيس خطأ شخصيا يتحمله الموظف وحده؟ أم يعد خطأ مرفقيا
تسأل عنه اإلدارة وتتحمل وحدها التعويض؟ ،بمعنى آخر هل لتنفيذ أوامر الرئيس أثر في
تغيير طبيعة الخطأ ووصفه وبالتالي طبيعة المسؤولية؟:
للجواب على هذا السؤال سنعرض أوال لموقف الفقه ثم لوقف العمل القضائي:
156
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
استقر القضاء على أن القرار اإلداري الذي يشكل مصد ار لالعتداء المادي هو القرار
المنعدم الذي ينطوي على مخالفة صارخة للقانون بصورة يتعذر معها القول بأنه جاء تطبيقا
لقانون أو النظام أو أنه مظهر لممارسة اختصاص تملكه جهة اإلدارة ،كما وتتطلب القضاء
حديثا أن يكون وجه عدم المشروعية الجسيم الذي لحق بالقرار اإلداري واضحا لدرجة ال
تسمح باعتباره مظه ار لممارسة اختصاص جهة اإلدارة التي أصدرته.
هذا الشرط يستلزم تنفيذ القرار المشوب بعيب بالغ الجسامة ،إذ ال مجال للقول بوقوع
اعتداء مادي إذا لم يتبع صدور القرار المنعدم تنفيذه (فعل مادي).
ثالثا :أن يترتب على تنفيذ القرار غير المشروع المساس بإحدى الحريات
األساسية أو الملكية الخاصة
مؤدي هذا الشرط أن يترتب على تنفيذ القرار اإلداري المشوب بعدم المشروعية بالغة
الجسامة مساس بإحدى الحريات األساسية أو الملكية الخاصة وفيما يتعلق بعالقة الخطأ
الشخصي باالعتداء المادي فقد كان االجتهاد القضائي الفرنسي قديما يرى أن هنالك تالزما
حتميا بين الخطأ الشخصي واالعتداء المادي نظ ار ألن االعتداء المادي يستلزم جسامة
الخطأ فاعتبر أن كل اعتداء مادي يشكل خطأ شخصيا يسأل عنه الموظف ويدفع التعويض
عن األضرار المادية واألدبية من ماله الخاص .ولقد ساعد على تقرير القول بهذا التالزم
أيضا انعقاد اختصاص القضاء العدلي (العادي) ،عالوة على تحقق المسؤولية على القائم
بالعمل في كلتا الحالتين.
ثم عدل القضاء الفرنسي عن اعتبار كل اعتداء مادي يشكل خطأ شخصية ،إذ قد
يشكل االعتداء المادي في بعض الحاالت خطأ مرفقيا تسأل عنه اإلدارة العامة .وهذا ما
قررته محكمة التنازع الفرنسية في حكمها الصادر بتاريخ 9ابريل لعام 3315تحت عنوان
( )L'action françaiseإذ أقرت فيه مبدأ انفصال الخطأ الشخصي عن االعتداء المادي
وقضت بأن التصرف اإلداري الذي تم بناء على أمر صادر من مدير األمن عمل بالغ
157
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
الجسامة ويشكل اعتداء مادي لتختص بنظر المنازعات الناجمة عن المحاكم النظامية.
وبالتالي ال يجوز بحث ما إذا كان الخطأ شخصيا عند التصدي لبحث االعتداء المادي
الختالف طبيعة كل منهما ،فالواقع أنه في حالة وقوع عمل التعدي ال نكون أمام عمل إداري
نظ ار لجسامة عدم المشروعية الدرجة تفقد العمل طبيعته اإلدارية ،وبالتالي ال يكون هناك
مجال للبحث عما إذا كان الخطأ منفصال عن عمل اإلدارة .في حين أن الخطأ الشخصي
وإن اتصف بالجسامة ،فإن هذه الجسامة ال تغير من طبيعة العمل الذي يظل محتفظا
بالصفة اإلدارية رغم عدم مشروعيته.
ويطرح تساؤل حول التوجه القضائي المغربي في تكييف االعتداء المادي بوصفه خطأ
شخصيا سيما بعد صدور المادة 9مكرر من قانون المالية لسنة 1111-1133التي تمنع
على اآلمر بالصرف أو من يقوم مقامه من ان يلتزم – في إلطار االعتمادات المفتوحة
بالميزانية العامة وميزانيات الجماعات الترابية او مجموعاتها –بأي نفقة أو إصدار االمر
بتنفيذها إلنجاز مشاريع استثمارية على العقارات أو الحقوق العينية باالعتداء المادي ودون
استيفاء المسطرة القانونية لنزع الملكية ألجل المنفعة العامة واالحتالل المؤقت.
وإذا كان الموقف الحالي للقضاء اإلداري هو اعتبار االعتداء المادي خطأ إداريا موجبا
لمسؤولية اإلدارة ،وإن كان يراه مستقال بنظريته عن نظرية الخطأ المرفقي لكونه ينجم عن
عمل متجرد من أي مظهر من مظاهر المشروعية فإنه قد يكون للتطور التشريعي أثره على
التوجهات القضائية مما يكون من المناسب معه انتظار ما سيسفر تطبيق النص على
المستوى العملي.
لم يضع المشرع تعريفا للقرار اإلداري ،إال أن القضاء اإلداري تصدى لتعريفه ،فقد
عرفه القضاء والفقه ويمكن من خالل تعدد التعاريف الخلوص الى تعريف جامع مؤداه أن
القرار اإلداري هو إفصاح اإلدارة عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين
وذلك بقصد احداث أو تعديل مركز قانوني معين متى كان ذلك ممكنا او جائز واألنظمة
قانونا.
158
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
" إن القرار اإلداري هو إفصاح اإلدارة عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى
القوانين واألنظمة و ذلك بقصد احداث أو تعديل مركز قانوني معين متى كان ذلك ممكنا او
جائز قانونا ...في حين عرفت القرار المنعدم بقولها يعتبر القرار منعدما إذا شابه عيب
جسيم يفقده خصائصه كقرار إداري ،مما ينحدر به إلى درجة االنعدام ،ويتحقق ذلك إذا
صدر القرار اإلداري ممن ال يتصف بصفة الموظف العام ،أو من موظف ال صلة له
بإصدار الق اررات ،أو دخول القرار في اختصاص السلطة التشريعية أو القضائية ،أو إذا
صدر من مرؤوس في أمر يدخل في اختصاص رئيسه أو في حالة التفويض الباطل ،أو
اعتداء هيئة تأديبية على اختصاص أخرى :أو عدم صالحية مصدر القرار" .
فالقرار اإلداري المنعدم هو القرار الذي ال وجود له ،وبذا يتميز االنعدام بغياب القرار
المشوب به ،ويفقد صفته اإلدارية كقرار إداري ،ويتمثل انعدام القرار اإلداري في االنعدام
المادي ،أو االنعدام القانوني .والقرار المنعدم كأصل عام يرتب المسؤولية الشخصية
للموظف الذي أصدره ،إال أنه في بعض األحيان يرتب مسؤولية اإلدارة إلى جانب المسؤولية
الشخصية للموظف وذلك في الحالة التي تثري فيها اإلدارة من القرار المعدوم ،وقد قضت
المحكمة اإلدارية العليا في مصر بقولها ليس من العدالة أن يتحمل الموظف كامل التعويض
عن القرار المعدوم متى كانت الجهة اإلدارية قد أثرت من هذا التصرف".
وعليه فإذا صدر القرار المعدوم من شخص ال يتمتع باالمتيازات التي يتمتع بها
الموظف العام لعدم ارتباطه بجهة اإلدارة كلية فإن المسؤولية عن تعويض األضرار الناجمة
عنه تقع على عاتق مصدرها ،وكذلك األمر إذا صدر من سلطة ال تمت بأي صلة الجهة
اإلدارة فإن المسؤولية الشخصية تقع على مصدر القرار المعدوم ،فهذه الصورة من صور
االنعدام ال تثير أية صعوبة في تحديد المسؤول عن تعويض األضرار الناجمة عنه.
وفيما يتعلق بالموقف الفرنسي بشأن المسؤولية عن الق اررات المنعدمة فقد رأی جانب
من الفقه أن القرار المعدوم ال يرتب إال مسؤولية مصدره ،معلال وجهة نظره بأن المخالفات
القانونية التي ارتكبها الموظف تعد مخالفات جسيمة تخرج القرار عن نطاق الوظيفة اإلدارية
159
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
حكما وإن كان متصال بها ماديا ،لقيام الموظف به أثناء مباشرته لمهام وظيفته ،ويجب أن
تتحمل الجهة االدارية جزء من التعويض إذا ثبت أنها أثرت من وراء قرار الموظف المعدوم
الذي رتب مسؤوليته الشخصية وهو ما تقتضيه أبسط قواعد العدالة ،في حين ذهب القضاء
الفرنسي إلى أن المسؤولية عن تعويض األضرار الناجمة عن الق اررات المعدومة يتحدد وفقا
لمعايير التفرقة ما بين الخطأ الشخصي و الخطأ المرفقي.
وقد تبنى القضاء المصري القول بأن القرار المعدوم يعد مصد ار لالعتداء المادي ،فقد
ذهبت محكمة القاهرة االبتدائية إلى القول بأنه إذا حاولت اإلدارة تنفيذ قرار معدوم فإنها
ترتكب ما يسمى باالعتداء المادي ،في حين ذهبت المحكمة اإلدارية إلى القول بأن العيب
ا لذي اعتور القرار ينهض إلى حد اغتصاب السلطة ،الذي ينزل بالقرار إلى جعله مجرد فعل
مادي عديم األثر قانونا.
وباستعراض ما سبق ،نجد أن هنالك تالزما حتميا بين القرار المعدوم وتعويض
األضرار الناجمة عنه ،في حين أن هذا التالزم ال وجود له بين المسؤولية عن الق اررات
المنعدمة والخطأ الشخصي ألنه في تحديد المسؤولية يتم الرجوع إلى المعايير الفقهية التي
قيلت للتمييز بين الخطأ الشخصي والخطة المرفقي.
وفي الختام تجدر اإلشارة إلى أنه قد تصادفنا حاالت يظهر من الوهلة األولى أنها
حاالت مشخصة في حد ذاتها للخطأ الشخصي ،وهذه الحاالت نجملها فيما يلي:
160
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
اعتبر القضاء أن حالة التعسف في استعمال السلطة غير كافية لوحدها إلنشاء الخطأ
(الشخصي) ومع ذلك يمكن لعيب المشروعية أن يشكل خطأ شخصيا متى انطوى على
العدوانية أو الرغبة في االنتقام.
طرح هذا المشكل من طرف الفقه وخاصة العميد Hauriouالذي يرى في الربط بين
هذه الحالة والخطأ الشخصي وسيلة إللزام أعوان اإلدارة على احترام قوة الشيء المقضي به
ومع ذلك لم يلق رايه هذا أية استجابة من طرف القضاء كما لم يلق أي تكريس من طرف
المشرع ن فيمكن إذن كقاعدة عامة مواصلة التأكيد على أن رفض تنفيذ االحكام ال يشكل
خطا شخصيا في حد ذاته.
من المعلوم أن المسؤولية القانونية كمبدأ عام هي مسؤولية شخصية ،بمعنى أنها ال
تتعدى شخص مرتكب الفعل الضار إال في بعض الحاالت االستثنائية ،أي في حاالت
المسؤولية عن فعل الغير ،وذلك ما حدده الفصل 19من قانون االلتزامات والعقود الذي
صرح بما يلي " :كل شخص مسؤول عن الضرر المعنوي أو المادي الذي أحدثه".
ومن ثم فان طلب اإلحالل في األداء ال يفهم منه اإلحالل في المسؤولية ،ولكنه إحالل
في تحمل تبعات هذه المسؤولية مع بقائها عالقة بشخص مرتكب الفعل الخاطئ وذلك لوجود
سبب من أسباب الحلول ،فتحميل المسؤولية لجهة معينة معناه مخاطبتها بالدعوى مخاطبة
شخصية يترتب عنها قيام الخصومة بين المسؤول عن الضرر وبين المتضرر.
ومن تم ال ي جوز القول بإمكانية إحالل الغير في تحمل هذه المسؤولية ،فإما أن تنفي
المسؤولية عن الطرف الذي خاصمه المدعي أو نقررها في حقه ،ثم بعد ذلك حينما نريد أن
161
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
نحمله تبعاتها وآثارها ونتائجها ،نبحث عما إذا كانت هناك أسباب تجيز إحالل الغير في
تحمل هذه النتائج.
ولعل هذا التمييز هو تمييز جوهري وأساسي ،ذلك أن تحميل المسؤولية لطرف معناه
أنه يظل المسؤول عن توابعها ونتائجها ،وأن الذي حل محله في األداء يظل له الحق في
استرداد ما دفعه.
ومن خالل ذلك يتضح أن دعوى الحلول ذات طابع خاص ال تتهيأ شروطها إال إن
ثبت إعسار المسؤول األصلي وتعذر استيفاء الحق منه.
ومن خالل رصد العمل القضائي في هذا الباب يمكن القول أنه استقر على التنصيص
على أن دعاوى الحلول تظل من اختصاص القضاء العادي وليس من اختصاص القضاء
اإلداري وإن كانت هذه األخيرة مقدمة ضد الدولة ألنها ال تدخل ضمن نطاق المادة 9من
القانون ،03-31وهذا ما تم التأكيد عليه على سبيل المثال في القرار عدد 3150المؤرخ
في 3339/33/33في الملف عدد ( 39/3/5/533غير منشور) والذي جاء فيه ما يلي:
" وحيث إن المشرع إذا كان قد فسح المجال أمام المتضرر في هذه الحالة بالرجوع
على الدولة في حالة إعسار الموظف المحكوم عليه شخصيا بأداء التعويض فإن ذلك ال
يدخل بتاتا في إطار التعويض عن األضرار الناتجة عن نشاطات أشخاص القانون العام
طبقا لما ورد في الفصل 9من القانون 03-31وذلك في إطار دعوى الحلول لضمان
حقوق المتضرر ( )...الشيء الذي يعني أن دعوى الحلول المقامة ضد الدولة تظل من
اختصاص المحاكم العادية ،الشيء الذي يستتبع إلغاء الحكم المستأنف".
وكيفما كانت األهمية القانونية لهذه الحلول فإنها -كما يقول – Rivero et Waline
فإنها ال تجد طريقها نحو التطبيق العملي إال نادرا ،فالدولة قلما تقيم ضد أعوانها دعوى
الرجوع التي وضعها المشرع المغربي رهن إشارتها في حين كرسها القضاء اإلداري الفرنسي
لغياب نص قانوني يؤسس للمسؤولية المرفقية والشخصية للموظف من أساسه وذلك ألجل
162
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
استرداد المبالغ التي تكون قد أدتها الدولة لضحية خطأ شخصي ،مما يظل معه انعدام
1
مسؤولية الموظفين العموميين الشخصية هو السائد تقريبا في واقع األمر.
وتجدر اإلشارة أنه إذا كانت هذه المالحظة قد تناولها الفقه الفرنسي ،فإنها تبرز أيضا
في توجهاتنا القضائية رغم أن الفصل 91من قانون االلتزامات والعقود إن كان يؤسس
للمسؤولية الشخصية للموظف ،فإن القضاء اإلداري والعتبارات متعددة يصرح في الغالب
األعم عند تحقق صور الخطأ الشخصي بثبوت المسؤولية المرفقية مع ذلك بعلة أن الموظف
الذي ارتكب ذلك الخطأ الشخصي تتحمل اإلدارة مسؤولية اختياره وبالتالي كان عليها أن
تتحمل تبعات أفعاله حتى ما ارتقى منها إلى الخطأ الجسيم .ومن أمثلة ذلك الحكم عدد
911الصادر عن المحكمة اإلدارية بأكادير بتاريخ 33شتنبر 1131في الملف عدد
1131/111ش والذي جاء في حيثياته ما يلي:
"و حيث إن علم الجهة الطبية المشغلة للطبيب المدعى عليه عبد الله أسوار بتصرفاته
و بالطبيعة الغالبة على مآل أغلب العمليات الجراحية للتوليد التي يقوم بها داخل مستشفى
الحسن األول بتزنيت دون القيام بما يلزم للحد من تصرفاته المؤدية لحين الكتاب الذي وافى
به المندوب اإلقليمي وزير الصحة العمومية إلى وفاة 31حالة من أصل 15حالة أشرف
عليها الطبيب المدعى عليه بسبب النزيف او التعفن ،يجعل هذه الجهة المرفقية والدولة
المغربية معها متحملة بموجب مقتضيات المادة 13من قانون االلتزامات والعقود المذكور
أعاله ،للمسؤولية عن االضرار الناجمة مباشرة على تسيير إدارتها الصحية وعن االخطاء
المصلحية الخطيرة كما ذكر أعاله للطبيب المدعى عليه و الطاقم الطبي للمستشفى قبل
أثناء و بعد العملية القيصرية ه ي عن االضرار الناجمة مباشرة على تسيير إدارتها الصحية
وعن االخطاء المصلحية الخطيرة كما ذكر أعاله للطبيب المدعى عليه والطاقم الطبي
للمستشفى قبل أثناء و بعد العملية القيصرية هي عن االضرار الناجمة مباشرة على تسيير
إدارتها الصحية و عن االخطاء المصلحية الخطيرة كما ذكر أعاله للطبيب المدعى عليه".
1عمم مجلس الدولة تطبيق مبادیء قرار Mimeurعلى حالة األخطاء الشخصية التي يرتكبها رجال الشرطة والعسكريون ورجال الجمارك خارج
المرفق معتب ار الوسائل الموضوعة رهن إشارة هؤالء من طرف المرفق ،خاصة منها األسلحة هي التي تسهل ارتكابهم لتلك األخطاء ،وهكذا قرر مثال
أن وفاة شرطي من جراء رصاصة انطلقت من مسدس كان يتالعب به زميل له برعونة وفي داخل غرفتهما المشتركة ال يمكن اعتبارها إال مرتبطة
بالمرفق.
163
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
كما أن من ضمن االعتبارات أيضا التي قد يستحضرها القضاء اإلداري المغربي لنفي
المسؤولية الشخصية لالعتبارات الشخصية للمضرور من أجل تمكينه من الحصول على
التعويض أمام صعوبة التنفيذ على مرتكب الفعل الضار من ماله الخاص واضط ارره لمباشرة
مجموعة من اإلجراءات حتى يتمكن من طلب إحالل الدولة محل الموظف المعسر في
األداء.
ويفترض تطبيق الفصل 91من قانون االلتزامات والعقود توافر شرط اإلعسار.
ويثبت اإلعسار باإلشهار من خالل حكم قضائي ما دام أن األمر يتعلق بتحديد مركز
قانوني له 1آثاره وأحكامه.
وإذا كان إشهار اإلعسار ال يكون إال بحكم قضائي ،فإن إثبات اإلعسار ال يكون
بمجرد اإلدالء بمحضر االمتناع عن التنفيذ بل ال بد من مباشرة البحث عن ممتلكات
المحكوم عليه المنقولة والعقارية وإثبات وجودها بشواهد صادرة عن الجهات اإلدارية
المختصة.
ويتأكد ذلك أيضا من خالل استعراض مقتضيات المادة 115من قانون المسطرة
الجنائية التي تناولت كيفية إثبات العسر والتي جاء فيها ما يلي:
"...على المحكوم عليه الذي يدلي إلثبات عسره بشهادة عوز يسلمها له الوالي أو
العامل أو من ينوب عنه وبشهادة عدم الخضوع للضريبة تسلمها مصلحة الضرائب بموطن
المحكوم عليه".
وحيث إن ما يؤكد كون إشهار اإلعسار وإثباته يكون بواسطة حكم قضائي ما ساقه الفقه عند قراءته في القانون المقارن ونقصد بذلك ما تضمنه 1
مؤلف األستاذ شكري السباعي "الوسيط في القانون التجاري المغربي والمقارن – الجزء الرابع "-وعند تمييزه بين نظام اإلعسار واإلفالس ص11 .
إذ جاء ما يلي" :وإذا كان نظام اإلعسار المدني ( )...ينقسم بدوره إلى إعسار قانوني وهو الذي ينظمه القانون ،وينتج عن حكم يصدر في دعوى
رائجة ( )....وإعسار فعلي أو واقعي" .وحيث إن المشرع المغربي وإن لم يكن قد أثار صراحة كنظيره المصري (المادة 151من التقنين المدني
المصري) إلى أن إشهار اإلعسار يكون بحكم قضائي فإن القراءة في نصوص قانون االلتزامات والعقود المنظمة آلثار اإلعسار تجعلنا نالحظ
اإلشارة الضمنية فيها إلى هذا المقتضى حينما تركت لل قاضي سلطة في تحديد مركز المدين من أجل تحديد مدى عجزه تام عن الوفاء بها مستقبال
وأجازت إمكانية منحه بناء على ذلك أجال للوفاء (الفصل 101من ق.ل.ع).
164
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وهذا ما أكده المجلس األعلى (محكمة النقض حاليا) في العديد من ق ارراته ومنها على
سبيل المثال ال الحصر القرار عدد 1591المؤرخ في 1111/33/13والصادر في الملف
المدني عدد 1111/5/3/3190والذي جاء فيه ما يلي:
" لكن لئن كانت مقتضيات الفقرة الخامسة من الفصل 13من ظهير 3315/15/10
ال تجيز رفع الدعاوى بشأن التعويضات ضد صندوق التأمينات إال إذا بحث المدعي عن
أمالك الموثق المسؤول بقصد بيعها وكان عجزه أو عجز نوابه ثابتا وذلك تحت طائلة عدم
قبولها ،فإن المطلوب في النقض لما أرفق مقاله بشهادة صادرة عن المحافظ العام تفيد أن
المدعى عليه الموثق ال يوجد ضمن الئحة مالكي العقارات المحفظة أو التي في طور
التحفيظ ومحضر عدم كفاية األشياء المحجوزة إثر صدور حكم ضده بأداء مبالغ مالية وذلك
إلثبات قيامه ببحث عن أمالكه ،يكون بذلك قد احترم المقتضيات المحتج بها".
الخاتمة
لعل الخال صة األساسية التي يمكن الخروج بها في خاتمة هذا المقال أن نظرية الخطأ
المرفقي كأساس للمسؤولية اإلدارية وان كان أساسها في تشريعنا نص قانوني فأنها تظل مع
ذلك ذات أصول قضائية ألن المشرع ترك المجال مفتوح للقضاء في أغلب نواحي هذه
المسؤولية ،الذي كان له وال يزال الدور البارز في إرساء وتأصيل مختلف قواعد المسؤولية
اإلدارية.
لكن القضاء وهو يستعين بالنظريات التي أسس لها الفقه والقضاء المقارن لم يتمكن
من إيجاد معيار دقيق يميز لنا الخطأ المرفقي عن الخطأ الشخصي ،ولذلك اختار ان يكيف
كل حالة على حدة وفق مختلف المعايير الفقهية.
غير أن المالحظ هو كون التوجهات القضائية التي تمكنا من رصدها تنحو نحو تغليب
المسؤولية اإلدارية على المسؤولية الشخصية للموظف رغم أن هناك نص قانوني ينظم
أساس هذه المسؤولية ورغم أن مصلحة المضرور في الحصول على تعويض تبقى مصونة
في اطار دعوى الحلول .
165
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وهي وضعية من الضروري التفكير في الحد منها شريطة مراعاة التوازن ألنه يخشی -
كما قال مفوض الحكومة الفرنسية السيد - Kahnمن أن پنجم عن إضافة الجزاء المالي
الى الجزاءات التأديبية االدارية « شل روح المبادرة داخل المرافق العمومية ،وإخضاع إثارة
المسؤولية لمزاج الرؤساء وقصر فرض هذه المسؤولية على األعوان العموميين المرتبين في
أدنى السالليم اإلدارية دون رؤسائهم » .وبالمقابل فإن التطبيق الصارم لقواعد المسؤولية
المرفقية قد يؤدي الى تعطيل المبدأ الدستوري القاضي بربط المسؤولية بالمحاسبة.
166
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
أ
مسؤوليات المحافظ على االمالك العقارية
أ
من إعداد الستاذ عبد الرحيم ازغودي،
رئيس مصلحة القضايا المدنية للشمال
بالوكالة القضائية للمملكة
تقديم
مما ال شك فيه أن المحافظ على األمالك العقارية يعتبر الفاعل األساس في تفعيل
نظام التحفيظ العقاري ،والمحرك الرئيس لضبط قواعد هذا النظام ،وذلك باعتباره مسؤوال
إداريا أوكل إليه المشرع عدة مهام ووظائف؛ يتمثل أهمها في السهر على اإلجراءات اإلدارية
الرامية إلى التحفيظ ،وتأسيس الرسوم العقارية ،ثم السهر على مسك السجالت العقارية
وضبطها ،وإجراء مختلف التقييدات والتشطيبات.
وتتعدد هذه الصالحيات وتتنوع بالنظر لتعدد وتشعب المهام المسندة إليه ،بداية من
إيداع مطلب التحفيظ ومرو ار بمسطرة التحديد وتلقي التعرضات ،ووصوال إلى تأسيس الرسم
العقاري أو رفض التحفيظ ،وأكثر من ذلك ،ال تتوقف مهام المحافظ عند حدود مسطرة
التحفيظ ،وإنما تتعداها إلى مرحلة ما بعد تأسيس الرسم العقاري ،ومباشرة مختلف التقييدات
والتشطيبات على الرسوم العقارية.1
ولذلك يعد المحافظ على األمالك العقارية حجز الزاوية في النظام العقاري المغربي
وركيزته األساسية حتى أضحى التحفيظ العقاري بالمغرب مقترنا باسمه وتحت مسؤوليته.2
وفي هذا اإلطار ينص الفصل 9من ظهير التحفيظ العقاري ،كما تم تغييره وتتميمه
بالقانون رقم 114.07على أن المحافظ على األمالك العقارية يمسك السجل العقاري الخاص
بالدائرة الترابية التابعة لنفوذه ،ويقوم باإلجراءات والمساطر المقررة في شأن التحفيظ العقاري.
1
أنظر حول نفس المعنى :عبد العالي الدقوقي ،نظام التحفيظ العقاري بالمغرب بين النظرية والتطبيق ،دراسة في االجتهاد القضائي واإلداري،
مطبعة النجاح الجديدة( )CTPالدار البيضاء طبعة ، 2020 - 3003الصفحة .240
2احمد أجعون ،المنازعات العقارية بين المحاكم العادية والمحاكم اإلدارية مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،الطبعة األولى 3011هجرية،
1135ميالدية ،الصفحة .39
167
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ولذلك فإن المحافظ على األمالك العقارية ليس مجرد موظف إداري يستقبل طلبات
التحفيظ ويعالجها وفق شكليات مسطرة التحفيظ ،ويصدر بناء عليها ق ار ار يقضي بتحفيظ
العقار أو رفض تحفيظه ،وإنما يعتبر سيد نفسه داخل مسطرة التحفيظ العقاري،2حيث تسعفه
سلطته التقديرية وصالحياته الواسعة في التقرير بدون ضغط أو توجيه في الطلبات الواردة
عليه ،ويتمتع بسلطة خاصة تمكنه من أن يتحقق من كل عملية على حدة ،قبل اتخاذ أي
قرار ،ولكنه في مقابل ذلك ،يتحمل مسؤوليات جسيمة ،باعتباره المختص وحده ،دون غيره
بالنظر في الحقوق التي يطلب تقييدها ،مستوفية لكل الشروط التي يتطلبها القانون ،سواء
من حيث الشكل أو من حيث الجوهر.3
الظهير الشريف الصادر في 9رمضان 31( 1331غشت )1913المتعلق بالتحفيظ العقاري كما وقع تغييره وتتميمه بمقتضى القانون رقم 14 1
07المنفذ بمقتضى الظهير الشريف رقم 3.33.311الصادر في 25من ذي الحجة 22 ( 1432نونبر ،)2011منشور في الجريدة الرسمية عدد
5998بتاريخ 27من ذي الحجة 24(1432نونبر .)2011
2
المحافظ على األمالك العقارية هو موظف عمومي ،يعتبر كباقي الموظفين مسؤوال عن القيام بالمهام التي عهد إليه بها باعتباره مكلف بتسيير
مصلحة المحافظة على األمالك العقارية ،ويعد مسؤوال أمام رؤسائه عن السلطة المخولة له لهذا الغرض وعن تنفيذ األوامر الرئاسية الصادرة إليه.
وفي هذا الصدد يخضع المحافظ للسلطة الرئاسية التي تعلوه مباشرة ،مما يفرض عليه االنضباط لجميع األوامر الرئاسية الصادرة عن رئيسه المباشر
عندما يتعلق األمر بالق اررات التي تهم التسيير اإلداري حيث يتقيد بمختلف التوجيهات والتعليمات التي يتعين عليه احترامها تحت طائلة التعرض
للتأديب .غير أن المحافظ على األمالك العقارية يتمتع باستقاللية في اتخاذ الق اررات المتعلقة بالملكية العقارية ،وهي ق اررات يجب أن تظل بعيدا عن
ضغوط الرؤساء وفي منأى عن األوامر والتدخالت الصادرة عن السلطات العليا حتى يبقى المحافظ بهالته ومكانته الناتجة عن استقالليته وتحرده
بما يضمن لنظام التحفيظ العقاري الثقة والمصداقية اللتان تعدان مناط استم اررية هذا النظام وفعاليته؛ أنظر لمزيد من التفصيل حول هذا الموضوع:
أحمد أجعون ،مرجع سابق ،الصفحات من 15حتى .13
3
فيصل العموم ،الملك الغابوي وصالحية المحافظ في إنهاء مطلب التحفيظ أو اإلحالة على محكمة التحفيظ ،المجلة المغربية للدراسات القانونية
والقضائية ،العدد 10ماي ،2014الصفحة .139
168
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
التحفيظ العقاري 1التي تنص على أن قرار قبول أو رفض مطلب التحفيظ يرجع إلى المحافظ
وحده دون غيره ،مع خضوع ق ارراته في هذا المجال للمراقبة القضائية .
وإذا كان المشرع المغربي قد أسند للمحافظ على األمالك العقارية مهاما متعددة،
وصالحيات واسعة في مجال التحفيظ العقاري ،ومسك السجالت العقارية وضبطها ،فإنه في
المقابل طوقه بمسؤوليات جسيمة ،متعددة ومتنوعة ،وذلك نظ ار ألهمية المهام المنوطة به،
والعواقب الوخيمة التي قد تترتب عن أي تقصير ،أو تهاون ،أو حتى إغفال قد يصدر عنه
أثناء مزاولة مهامه ،والتي قد تصل إلى الحرمان من حق الملكية ،أو إحدى الحقوق العينية
األخرى ،وهي حقوق مقدسة ومحمية من قبل كل الشرائع السماوية 2والقوانين الوضعية.3
وتأسيسا على ما سبق ،ال تقف مسؤولية المحافظ على األمالك العقارية عند حدود
المسؤولية المدنية ،4وإنما يمكن أن تكون مسؤولية جنائية تترتب عن ارتكاب فعل يجرمه
القانون الجنائي ،كاألفعال المكونة لجرائم النصب أو االختالس أو التزوير أو الرشوة .وقد
تكون هذه المسؤولية إدارية بناء على خطأ مصلحي أو مرفقي ،كما قد تكون مسؤولية مالية،
باعتبار المحافظ على األمالك العقارية محاسبا عموميا ،يتولى استخالص الرسوم المترتبة
عن عمليات التحفيظ والتقييد.5
1
تنص الفقرة الثانية من الفصل 37من ظهير التحفيظ العقاري على ما يلي ":تبت المحكمة في وجود الحق المدعى فيه من قبل المتعرضين
وطبيعته ومشتمالته ونطاقه ،وتحيل األطراف للعمل بقرارها ،بعد اكتساب الحكم لقوة الشيء المقضي به على المحافظ على األمالك العقارية الذي
له وحده النظر في قبول أو رفض مطلب التحفيظ كال أو بعضا ،مع االحتفاظ بحق الطعن المنصوص عليه في الفصل 37مكرر".
2
إن الملكية العقارية لها أهمية خاصة في حياة اإلنسان ،ذلك أن هذا األخير جبل على حب تملك األرض( العقار) ،والسعي إلى الحفاظ عليها
األرض ،التي خصه بها الله سبحانه وتعالى ،حيث يقول عز والدفاع عنها ،بسبب ارتباطه الوثيق بها وبثرواتها ،وهذا تأكيد لفكرة االستخالف في
يها فاستغفروه ثُ َّم توبوا ِإَل ْي ِه ۚ ِإ َّن ِ َنشأ ُ ِ
َكم م َن األرض واستعمركم ف َ أ َ ال يقوم أعبدوا ألله َما َل ُكم ِم ْن إله غيره ۖ ُه َو
اه ْم صلحا ۚ َق َ
َخ ُ
ود أ َ
من قائل " :وإلى ثَ ُم َ
يب" .صدق الله العظيم( ،سورة هود اآلية .)11 يب ُّم ِج ٌ
َربِى َق ِر ٌ
ينص الفصل 15من الدستور المغربي على ما يلي" :يضمن القانون حق الملكية"..... 3
4
"تقوم المسؤولية العقدية على اإلخالل بالتزام عقدي يختلف باختالف ما اشتمل عليه العقد من التزامات .والمسؤولية التقصيرية تقوم على اإلخالل
بالتزام قانوني ال يتغير ،هو التزام بعدم اإل ضرار بالغير .فالدائن والمدين في المسؤولية العقدية كانا مرتبطين بعقد قبل تحقق المسؤولية .أما
المسؤولية التقصيرية ،وقبل أن تتحقق ،فقد كان المدين أجنبيا عن الدائن".
عبد الرزاق أحمد السنهوري ،الوسيط في شرح القانون المدني ،الجزء األول ،دار النهضة العربية ،طبعة ،3310الصفحة .901
مشار إليه من قبل األستاذ محمد كشبور ،نظام التعاقد ونظريتا القوة القاهرة والظروف الطارئة (دراسة مقارنة من وحي حرب الخليج) مطبعة النجاح
الجديدة -الدار البيضاء ،الطبعة األولى ،3331-3031الصفحة .30
5
ينص الفصل 0من القرار الوزيري المؤرخ في 10يونيو 3335المتعلق بتنظيم مصلحة المحافظة العقارية ،على أن المحافظين على األمالك
العقارية مكلفين بتصفية واستخالص الواجبات المستحقة لصندوق المحافظة العقارية عن مختلف اإلجراءات التي يطلبها منه القيام بها وذلك وفق
التعريفة المحددة بنص تنظيمي( .منشور في الجريدة الرسمية عدد 137بتاريخ 11يونيو ).3335
169
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ونظ ار لتعدد أنواع المسؤوليات التي يخضع لها المحافظ على األمالك العقارية ،وتنوع
أحكام وقواعد كل مسؤولية على حدة ،واختالفها عن بعضها البعض ،ونظ ار لعدم إمكانية
الخوض في كل هذه األحكام والقواعد ومناقشتها في مقال واحد ،فإن الموضوع الذي سوف
نخوض في بعض جوانبه أكثر ارتباطا بمسؤولية المحافظ التقصيرية 1منه من باقي
المسؤوليات وبالتالي سنبحث عن اإلشكاالت التي تثيرها النصوص القانونية المتعلقة
بالمسؤولية التقصيرية للمحافظ على األمالك العقارية ،المؤطرة بالمقتضيات العامة الواردة في
قانون االلتزامات والعقود (المبحث األول )،قبل أن نتناول البحث في مسؤولية المحافظ على
األمالك العقارية وفقا لقانون التحفيظ العقاري (المبحث الثاني).
لعل أهم قرار يتخذه المحافظ على األمالك العقارية هو قرار التحفيظ ،الذي ينفرد بأثره
التطهيري 2للعقار من الحقوق والتحمالت التي لم تظهر ،ولم تضمن في السجالت العقارية
إبان تحفيظه .وتأسيسا على هذا األثر التطهيري ،لم يسمح المشرع المغربي بإقامة دعوى في
العقار بسبب حق وقع اإلضرار به من جراء التحفيظ .3ولقد نص الفصالن 3و 11من
ظهير التحفيظ العقاري ،كما تم تغييره وتتميمه بمقتضى القانون رقم ،430.11على هذه
وتجعل مهمة تصفية واستخالص الرسوم على األمالك العقارية من المحافظ آم ار باالستخالص ،وفي نفس الوقت محاسبا عموميا يقوم باستخالص
الموارد العمومية ومتابعتها شخصيا .ومعلوم أن القرار الوزيري يقابله حاليا مصطلح مرسوم الذي يصدر عن رئيس الحكومة ،وهو يختلف عن القرار
الوزاري الذي يصدره وزير في الحكومة .الملكي الحسين بن عبد السالم ،األنظمة القانونية لتدبير األمالك الغابوية وشبهها ،الجزء الثاني ،الطبعة
األولى ،1131الصفحة .11
يعتبر الفصل 77من قانون االلتزامات والعقود هو األساس ا لقانوني للمسؤولية التقصيرية التي تعتبر جزءا من المسؤولية المدنية حيث ينص على 1
ما يلي " :كل فعل ارتكبه اإلنسان عن بينة واختيار ،ومن غير أن يسمح بله القانون ،فأحدث ضر ار ماديا أو معنويا للغير ،ألزم مرتكبه بتعويض هذا
الضرر ،إذا ثبت أن ذلك الفعل هو السبب المباشر في حصول الضرر "....وتخضع مسؤولية المحافظ على األمالك العقارية لعدة مقتضيات
قانونية عامة تتمثل في مقتضيات الفصلين 79و 91من قانون االلتزامات والعقود ،كما تخضع لمقتضيات خاصة منصوص عليها في ظهير
التحفيظ العقاري ال سيما مقتضيات الفصل ين 11و 97منه.
2
للتوسع في مفهوم التطهير ،يراجع مؤلف :عبد الرحيم ازغودي ،الملك الغابوي في المغرب بين إكراهات التدبير اإلداري وواقع الحماية القضائية،
مطبعة المعارف الجديدة – الرباط ،الطبعة األولى ،1111الناشر :المجلة المغربية لألنظمة القانونية والسياسية ،العدد ،33الصفحة .333
3
هشام بصري :مكامن الخلل في مجال الحماية القانونية للمحافظ العقاري ،مقال منشور في :مجلة العلوم القانونية ،سلسلة فقه القضاء العقاري،
العدد األول 1130المخصص لمستجدات قانون التحفيظ العقاري بين النص القانوني والعمل القضائي الصفحة .113
4ينص الفصل األول من ظهير التحفيظ العقاري كما تم تغييره وتتميمه بالقانون 30.10على التحفيظ يرمي إلى جعل العقار المحفظ خاضعا
للنظام المقرر في هذا القانون ،ويقصد منه تحفيظ العقار بعد إجراء مسطرة للتطهير يترتب عنها تأسيس رسم عقاري وبطالن ما عداه من الرسوم،
170
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
القاعدة .1غير أن قاعدة التطهير ال تعني أن من حفظ الملك باسمه واكتسب نتيجة لذلك
حقوقا عينية في ملكية الغير ،تبرئ ذمته من الحقوق التي اكتسبها في مواجهة أصحابها،
وإنما تبقى لهم حقوق شخصية ،تتجلى في التعويض عن فقدان حقهم ،يتحمله المالك أو
المحافظ ،حسب األحوال ،2أو هما معا.
وبالرجوع إلى هذين الفصلين يتبين أنهما يميزان بين األخطاء المرفقية واألخطاء
الشخصية للموظف العمومي ،وهذا ما ينطبق أيضا على المحافظ على األمالك العقارية،
وتطهير الملك من جميع الحقوق الس الفة غير المضمنة فيه .كما ينص الفصل 11من نفس القانون على أن الرسم العقاري نهائي وال يقبل الطعن،
ويعتبر نقطة االنطالقة الوحيدة للحقوق العينية والتحمالت العقارية المترتبة على العقار وقت تحفيظه ،دون ما عداها من الحقوق غير المقيدة.
1لقد ظل القضاء المغربي يطب ق مبدأ التطهير بصفة مطلقة ،على جميع األشخاص الذين لم يتعرضوا على مطالب التحفيظ ،حتى وإن اكتسبوا
الحقوق موضوع طلب التحفيظ أثناء سريان مسطرة التحفيظ ،على الرغم من مطالبة الكثير من الباحثين والمهتمين بالمجال الحقوقي بضرورة
التلطيف من هذه القاعدة ،واستثناء تطب يقها على الخلف الخاص لحماية حقوقه .ولقد استجابت محكمة النقض أخي ار لهذه الدعوات حيث أصدرت
ق ار ار هاما بجميع غرفه ،يشكل مرجعا قضائيا هاما ويعتبر تحوال واضحا في موقفها من قاعدة التطهير ،حيث استثنت الخلف الخاص من قاعدة
التطهير ،ولو بشروط معينة .حيث يتبين من ق ارءة التعليل التي استندت عليه محكمة النقض أن إقرارها لهذت االستثناء لم يرد بصفة مطلقة وإنما
مقيد بشروط؛ ويتعلق األمر بالقرار عدد 3/393المؤرخ في 1111/11/11والصادر عن محكمة النقض في الملف عدد ،1139/1/3/111
والذي من بين ما جاء في تعليالته ما يلي...":إن عدم ت مكن المفوت له .....من تسجيل رسم المعاوضة ال يجيز للمطلوبة والحال أنها ال تنازع في
هذه المعاوضة التي استفادت نمنها أن تحول دون تمكين من تعاوض معها بالعقار موضوع النزاع بعدما قام بحيازته وبنائه والتصرف فيه وأن
تمتنع من تقييد المعاوضة بالرسم العقاري ،كما ال يحق لها التمسك بمبدأ التطهير بشأن تصرف أجرته في مرحلة التحفيظ التي أحاطها المشرع
بخصوصية غايتها حماية حقوق من تلقى الحق عنها ،وتبعا لذلك فإن المعاوضة تسري في حقها وتلزمها ،ويمكن تقييدها باسم المتعاوض بالرسم
العقاري ،وخلفه الطاعنين ،استنادا إلى مبدأ تسلسل التقييدات وتحيين الرسوم العقارية".
2محمد الكشبور ،التطهير الناتج عن تحفيظ العقار ،تطور القضاء المغربي ،قراءة في قرار المجلس األعلى الصادر بتاريخ 13دجنبر ،3333
سلسلة الدراسات القانونية المعاصرة 9الطبعة األولى 3011-1115؛ التطهير الناتج عن تحفيظ العقار ،تطور القضاء المغربي ،قراءة في قرار
المجلس األعلى الصادر بتاريخ 13دجنبر ،3333سلسلة الدراسات القانونية المعاصرة ،9الطبعة األولى ،3011 -1115الصفحة .01
171
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
غير أن ت طبيق مقتضياتهما على أرض الواقع ،أبان عن صعوبة في التمييز بين الخطأين،
ومع ذلك يمكن استخراج بعض العناصر التي تميز كل خطأ على حدة ،وهذا ما سنتناوله
في مطالب ثالثة كما يلي:
المطلب األول :التمييز لين الخطأ المرفقي والخطأ الشخصي للمحافظ على
األمالك العقارية
من المعلوم أن مقتضيات الفصلين 13و 91من قانون االلتزامات والعقود اللذين
ينظمان الخطأ المرفقي والخطأ الشخصي للموظف ،هما األساس القانوني لمسؤولية المحافظ
على األمالك العقارية في نطاق القواعد العامة؛
غير أن اإلشكال الذي أثير بخصوص الفصلين المذكورين ،هو صعوبة التمييز بين
األخطاء اإلدارية ،أي األخطاء الناجمة عن سير اإلدارة أو ما يصطلح عليه باألخطاء
المصلحية أو المرفقية ،وبين األخطاء الشخصية للموظفين أو المستخدمين ،وهي األخطاء
الجسيمة أو العمدية المرتكبة أثناء ممارسة الوظيفة.
و مما ال شك فيه أن القاضي يلعب دو ار هاما في التمييز بين الخطأين ،إذ هو الذي
يكيف الوقائع المعروضة عليه من قبل المتقاضين في إطارها القانوني السليم والمناسب،
ولذلك فإن المحكمة ال تلزم بتتبع الخصوم في مناحي أقوالهم ،1وإنما يكتفي هؤالء بعرض
الوقائع وتقديم الملتمسات ،على أن يقوم القاضي بتطبيق النص القانوني المالئم ،وفقا لما
تنص عليه مقتضيات الفصل 1من قانون المسطرة المدنية ،2وإذا تعلق األمر بخطأ مرتكب
من قبل موظف أو مستخدم3أثناء مزاولة مهامه أو وظيفته ،تكون المحكمة ملزمة بالتمييز
1
جاء في القرار عدد 5169الصادر عن محكمة النقض بتاريخ 20نونبر 2012في الملف المدني عدد 2011/8/1/3144مل يلي" :إن
المحكمة قد ردت على دفوع الطاعنة المشار إليها في السبب األول أعاله سواء بتبنيها لتعليالت الحكم االبتدائي الذي أيدته أو حين عللت قرارها بما
جاء في السبب المذكور ،وأن المحكمة غير ملزمة بتتبع األطراف في جميع مناحي أقوالهم التي ال تأثير لها على قضائها".
تنص المادة 3من قانون المسطرة المدنية على ما يلي" :يتعين على القاضي أن يبت في حدود طلبات األطراف وال يسوغ له أن يغير تلقائيا 2
موضوع أو سبب هذه الطلبات ويبت دائما طبقا للقوانين المطبقة على النازلة ،ولو لم يطلب األطراف ذلك بصفة صريحة".
يعرف القانون المغربي الموظف العمومي في الفصل الثاني من قانون الوظيفة العمومية بأنه" :يعد موظفا كل شخص يعين في وظيفة قارة ويرسم 3
في إحدى رتب السلم الخاص بأسالك اإلدارة التابعة للدولة"(.الظهير الشريف رقم 3.59.119بتاريخ 0شعبان 10( 3111فبراير )3359بشأن
النظام األساسي العام للوظيفة العمومية ،منشور في الجريدة الرسمية عدد 1111وتاريخ 13رمضان 33(3111أبريل )3359؛ أما الفصل الثاني
172
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
بين الخطأ المرفقي أو المصلحي 1الذي تتحمل تبعاته الدولة أو المؤسسة العمومية التي
ينتمي إليها الموظف أو المستخدم المرتكب للخطأ ،وبين أخطاء هؤالء الشخصية التي
يتحملون تبعاتها شخصيا ،وال تحل الدولة أو المؤسسة العمومية محلهم في األداء ،إال إذا
ثبت عسرهم.
وإذا كان التمييز بين الخطأ المرفقي والخطأ الشخصي للموظف يعتبر من األمور
الصعبة ،فإنه في مجال التحفيظ يكون أكثر صعوبة وتعقيدا ،نظ ار لتداخل العناصر المحددة
للخطأين ،ولخطورة النتائج المترتبة عن األخطاء المرتكبة من قبل المحافظ على األمالك
العقارية ،وجسامة األضرار التي تلحق المتضررين بسبب هذه األخطاء ،التي قد تبدو عادية
في مظهرها لكنها تصبح جسيمة في نتائجها وعواقبها ،بحيث تؤدي غالبا إلى حرمان
المتضررين من ممتلكاتهم العقارية أو حقوقهم العينية .ومع ذلك حاول الفقه والعمل القضائي
أن يضعا معايير للتمييز بين الخطأين ،وهذا ما سنناقشه فيما يلي:
لقد لعب القضاء اإلداري الفرنسي دو ار هاما في تأسيس المسؤولية اإلدارية ،ويعتبر
قرار "بالنكو" الصادر عن محكمة التنازع الفرنسية أهم منطلق لالجتهاد القضائي في تطور
من النظام األساسي لمستخدمي الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية فينص على ما يلي " :يتكون مستخدمو الوكالة
الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية من:
-األعوان النظامين؛ متمرنين ومرسمين؛
-موظفي اإلدارات العمومية أو الجماعات الترابية ومستخدمي المؤسسات والمنشآت العمومية الملحقين لدى الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية
والمسح العقاري والخرائطية؛
-األعوان المتعاقدين".
وينص الفصل 1من نفس النظام األساسي على أنه تسري مقتضيات ظهير 10فبراير 3359بمثابة النظام األساسي العام للوظيفة العمومية على
موظفي إدارة المحافظة على األمالك العقارية والمسح العقاري والخرائطية غير الراغبين في الخضوع لمقتضيات هذا النظام األساسي.
1
قضى المجلس األعلى ( محكمة النقض حاليا) في القرار الصادرة في 31شتنبر 3393بأنه يعتبر غير مرتكز على أساس ومنعدم التعليل
الحكم الذي لم يميز بين الخطأين ،واعتبر أن المحكمة ملزمة بتكييف الدعوى حسب الوقائع الثابتة أمامها ،وتطبق عليها النص الواجب التطبيق،
مما كان عليها أن تبحث وتميز بين ما إذا كان ما صدر عن الموظف بصفته أحد مستخدمي اإلدارة ،هل هو خطأ مصلحي بالمعنى المنصوص
عليه في الفصل 79من قانون االلتزامات والعقود فتقضي بمسؤولية الدولة أم أنه خطأ شخصي ال عالقة له إطالقا بعمله اإلداري ،فتقضي بعدم
مسؤولية الدولة وتبت في الدعوى في مواجهة الموظف أو المستخدم .
173
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
فكرة مساءلة الدولة ،بحيث إن من أهم الضوابط التي سطرها هذا القرار ،هو اإلقرار بأن
قواعد القانون الخاص ال مجال لتطبيقها على المسؤولية اإلدارية.1
وإذا كانت المسؤولية اإلدارية في فرنسا منشؤها القضاء ،فإن المشرع المغربي ،وعلى
العكس من ذلك ،قنن هذا النوع من المسؤولية في الفصل 13من قانون االلتزامات والعقود.
ومما ال شك فيه أن أحكام المادة 13من قانون االلتزامات والعقود يخضع لها المحافظ
على األمالك العقارية ،باعتباره "موظفا عموميا" يقوم بأعمال ويمارس مهاما تدخل في إطار
تسيير مرفق عمومي ،وبالتالي تكون "الدولة" أو باألحرى الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية
والمسح العقاري والخرائطية مسؤولة ،حسب مقتضيات هذا الفصل ،عن أخطاء التسيير التي
قد يرتكبها المحافظ على األمالك العقارية.
لكن ،ما هي األخطاء التي يمكن أن يرتكبها المحافظ على األمالك العقارية والتي
يمكن أن تكتسب صبغة األخطاء المصلحية والتي تبقى مسؤولية التعويض عن الضرر
الناتج عنها على عاتق الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية؟
سبقت اإلشارة إلى صعوبة التمييز بين الخطأ المرفقي والخطأ الشخصي للمحافظ على
األمالك العقارية ،وفي هذا الصدد حاول العمل القضائي أن يضع معايير للتمييز بين
الخطأين ،وإن كانت المحاكم المغربية لم تستطع أن تجد تعريفا موحدا للخطأ الجسيم؛
فالبعض منها اعتبر سلوك الموظف الذي ال يقوم على الدرجة الوسطى من الفطنة والتبصر،
ويتجاوز عمله الحدود القانونية ،وينساق وراء أهوائه الشخصية إلى درجة تجعل الموظف
منفصال عن واجبات وظيفته ،من قبيل األخطاء الجسيمة يستوجب مساءلة الموظف
شخصيا . 2أما الخطأ المرفقي فهو الذي ينسب لإلدارة سواء تمثل الفعل الضار في تصرف
قانوني أو عمل إداري.3
1
التقرير السنوي للوكالة القضائية للمملكة لسنة ،1131الصفحة .13
2
محمد األعرج ،مسؤولية الدولة والجماعات الترابية عن تطبيقات القضاء اإلداري المغربي ،المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية ،سلسلة مؤلفات
وأعمال جامعية ،العدد ،33السنة ،1131الصفحة .13
3
محمد األعرج ،نفس المرجع الصفحة . 49وهناك عدة نظريات فقهية حاولت التمييز بين الخطأ الشخصي والخطأ المصلحي منها مثال نظرية
الفيرفي ر الذي يعتبر أن الخطأ يعتبر شخصيا ،إذا كان العمل الضار مطبوعا بطابع شخصي يكشف عن اإلنسان بضعفه وشهواته وعدم تبصره ،أما
إذا كان العمل الضار غير مطبوع بطابع شخصي ،ويظهر عن موقف عرضه للخطأ والصواب ،فالخطأ يكون مصلحيا .وكذلك نظرية هوريو الذي
يذهب إلى أن الخطأ يعتبر شخصيا إذا أمكن فصله عن الوظيفة .....الخ .عبد الكريم شهبون ،الشافي في شرح قانون االلتزامات والعقود المغربي،
مرجع سابق ،الصفحة .011
174
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وبناء عليه ،يمكن اعتبار عدم التزام المحافظ بمراعاة إجراءات مسطرة التحفيظ من
األخطاء المصلحية؛ كإضاعة إحدى الوثائق المرافقة لمطلب التحفيظ ،أو ضياع الوثائق
المودعة بالمحافظة العقارية ،مما تسبب في عدم التشطيب على عقد البيع الذي طال عقار
المتضرر ،والحصول مرة أخرى على نسخ تنفيذية من األحكام ،الشيء الذي ترتب عنه
قيام تضرر صاحب الحقوق المضمنة في الوثيقة الضائعة ،1كما يعتبر خطأ مرفقيا
المحافظ على األمالك العقارية بنشر ملخص طلب التحفيظ وإعالن عملية التحديد بالجريدة
الرسمية ،ويهمل إرسال هذه الوثائق إلى الجهات اإلدارية األخرى المكلفة باإلشهار واإلعالم،
أو عدم إعارة االهتمام لمضمون الوثائق المعادة للمحافظة العقارية من لدن الجهات اإلدارية
المعنية .2كما يعتبر خطأ مرفقيا أيضا التباطؤ في تسليم الرسم العقاري لصاحبه.3
ومن األخطاء المرفقية أيضا ،تحفيظ ملك موضوع مطلب تحفيظ على الرغم من وجود
مطلب سابق له تعذر تحديده وتعذر على المحافظ اكتشافه؛ إذ يفترض أن تكون هناك
إجراءات تنظيمية دقيقة لتحديد مواقع جميع مطالب التحفيظ منذ اليوم األول إليداعها ،وكل
شك في وجود تراكب لها مع أي مطلب آخر يجب التنبيه إليه.4
ومعلوم أن المسؤولية المرفقية تقوم على فكرة المخاطر ،حيث تسأل الدولة حتى في
حالة عدم ارتكاب أي خطأ من طرف الموظف ،وإنما يكفي أن يثبت الضرر والعالقة السببية
بينه وبين عمل الموظف العمومي .وهذا ما كرسه العمل القضائي المغربي منذ أمد بعيد،
حيث جاء في قرار صادر عن المجلس األعلى (محكمة النقض) سنة 3331ما يلي" :إن
مسؤولية الدولة عن األضرار الناتجة عن تسيير إداراتها تكون قائمة ولو عند عدم ثبوت خطأ
1
قرار محكمة النقض عدد 011صادر بتاريخ 15أكتوبر 1111في الملف عدد ،1111 -0-3-131أشار إلى حيثياته :عمر أزوكار،
التقييدات والتشطيبات في الرسم العقاري ،في ضوء نوازل قضاء محكمة النقض ومحاكم الموضوع ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،الطبعة
األولى ،1130-3011الصفحة .151
2بوشعيب اإلدريسي ،التطهير في نظام التحفيظ العقاري وفق القانون رقم ،30.11منشورات مجلة المنارة للدراسات القانونية واإلدارية ،سلسلة
البحوث الجامعية ،العدد ،1السنة ،1130الصفحة .33
3قرار محكمة النقض عدد 3159صادر بتاريخ 15شتنبر 1131في الملف عدد ،1131- 3-3-0511أشار إلى حيثياته :عمر أزوكار،
التقييدات والتشطيبات في الرسم العقاري ،في ضوء نوازل قضاء محكمة النق ض ومحاكم الموضوع ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،الطبعة
األولى ،1130-3011الصفحة .159
4محمد خيري ،ق اررات المحافظ بين االزدواجية في المسؤولية واالزدواجية في االختصاص ،مداخلة في إطار ندوة وطنية تحت عنوان :األنظمة
العقارية في المغرب ،منظمة من طرف كلية الحقوق بجامعة القاضي عياض بمراكش يومي 5و 1أبريل ،2002المطبعة والوراقة الوطنية ،مراكش،
السنة ،2003الصفحة. 348
175
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
من جانبها استنادا إلى فكرة المخاطر" .1وفي قرار آخر 2جاء فيه بأن مسؤولية الدولة تقوم
في حالتين؛ أوالهما :عدم إمكانية نسبة الضرر إلى شخص أو أشخاص معينين ،أي أن
الضرر نشأ مباشرة من تسيير مرفق الدولة ،فالمسؤولية لذلك قائمة على المخاطر وال يشترط
لقيامها وجود خطأ ،بل يكفي حدوث الضرر وقيام العالقة السببية بينه وبين مرفق الدولة.3
وأبعد من هذا ،قيل إنه يمكن متابعة الدولة على أساس فكرة المخاطر ومطالبتها
بالتعويض عن أخطاء الموظفين ،بحجة سوء اختيارها للمسؤولين عن المرفق اإلداري التابع
لها.
غير أن التغييرات التي طالت الجهاز اإلداري المكلف بالتحفيظ العقاري والمسح
العقاري والخرائطية ،يستدعي تقديم بعض التوضيحات؛
معلوم أن الفترة التي صدر فيها قانون االلتزامات والعقود كان مرفق التحفيظ العقاري
والمسح العقاري والخرائطية تابعا لقطاع الفالحة ،وبعد فترة الحقة أصبحت مصلحة
المحافظة العقارية إدارة عمومية تابعة لو ازرة الفالحة ،وبالتالي كان المحافظ على األمالك
العقارية يعتبر موظفا عموميا تابعا للدولة ،ومن ثم كانت الدولة هي المسؤولة عن أخطائه
المرفقية ،ولقد ظل األمر على هذا الحال إلى غاية صدور ظهير 31يونيو 1111بتنفيذ
القانون رقم 59.11القاضي بإحداث الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري
والخرائطية ،4والتي تعتبر مؤسسة عمومية تتمتع بالشخصية المعنوية واالستقالل المالي،
حسب المادة األولى من هذا القانون ،وتمارس ،حسب المادة 1من نفس القانون ،لحساب
الدولة ،االختصاصات المخولة للسلطة العمومية بموجب النصوص التشريعية والتنظيمية
الجاري بها العمل في ميدان تحفيظ األمالك العقارية والمسح العقاري والخرائطية.
1قرار المجلس األعلى عدد 31صادر في تاريخ 30يناير 3331في الملف اإلداري عدد ،33/31391منشور بق اررات المجلس األعلى ،من
أهم الق اررات الصادرة في المادة المدنية ،3331/3359مطبعة النجاح الجديدة – الرباط ،الصفحة .113
2القرار عدد 3191الصادر بتاريخ ،1111/1/15أشار إليه التقرير السنوي للوكالة القضائية للمملكة لسنة ،1131دون ذكر لرقم الملف،
الصفحة ،13الهامش رقم .1
3يالحظ على هذا القرار أنه حدد األخطاء ا لمرفقية في تلك التي ال يمكن نسبتها إلى شخص معين بذاته ،وبالتالي وسع من دائرة األخطاء
المرفقية ،حيث تشمل كل األخطاء المرتكبة بسبب تسيير المرفق العمومي دون إمكانية نسبتها إلى أحد الموظفين أو المستخدمين.
ظهير شريف رقم 3.11.315صادر في فاتح ربيع اآلخر 31(3011يونيو )1111بتنفيذ القانون رقم 59.11القاضي بإحداث الوكالة الوطنية 4
للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية ،منشور في الجريدة الرسمية عدد 5111بتاريخ 31جمادى اآلخرة 11(3011أغسطس ،)1111
الصفحة .1015
176
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
غير أن هذه المستجدات لم تغير شيئا من أحكام مقتضيات الفصل 13من قانون
االلتزامات والعقود ،التي ظلت تطبق على األخطاء المصلحية للمحافظ على األمالك
العقارية ،باستثناء حلول الوكالة الوطنية محل الدولة في تحمل المسؤولية عن األخطاء
المرفقية أو أداء التعويض المحكوم به على المحافظ بسبب قيام مسؤوليته الشخصية في
حالة عسره.
وبناء عليه ،لم تعد الدولة هي المسؤولة عن األخطاء المصلحية المرتكبة من قبل
المحافظ على األمالك العقارية ،وإنما انتقلت هذه المسؤولية بالتبعية ،إلى المؤسسة العمومية
المذكورة ،على الرغم من خضوعها لوصاية الدولة ،وذلك بحكم استقالل الذمم المالية عن
بعضهما البعض .ويترتب عن ذلك أنه في حالة ارتكاب المحافظ على األمالك العقارية
لخطأ مصلحي ،فإن الوكالة الوطنية هي التي تحل محله ،طبقا لمقتضيات الفصل 13من
قانون االلتزامات والعقود ،في أداء التعويض المستحق للمتضرر ،لكن في الواقع ،وفي ظل
وجود صندوق التأمين المحدث بمقتضى الفصل 311من ظهير التحفيظ العقاري ،1فإن هذا
األخير هو الذي يحل في غالب األحيان ،2إن لم نقل دائما ،محل المحافظ في األداء ،على
الرغم من وضوح مقتضيات الفصل 13المشار إليه ،وتوفر الصندوق على ذمة مالية
مستقلة عن الوكالة الوطنية .أما الدولة وو ازرة الفالحة ،التي يتم إدخالهما في الدعاوى المقامة
ضد المحافظ على األمالك العقارية ،وكذا الوكالة الوطنية المذكورة ،فيتم رفض الطلب في
مواجهتهما ،ولو أن حضورهما في الدعاوى يبقى قائما ،بحكم الوصاية التي تمارسانها على
هذه المؤسسة العمومية.
ولما كانت الوكالة الوطنية هي التي تسأل عن األضرار الناتجة مباشرة عن تسيير
مرفقها وعن األخطاء المصلحية التي قد يرتكبها المحافظ ،فإن دعوى التعويض ترفع ضد
المؤسسة العمومية والمحافظ أيضا ،أمام القضاء اإلداري ،وفقا لمقتضيات المادة 9من
1سنناقش مقتضيات الفصل 311من قانون التحفيظ العقاري في المطلب الثالث من المبحث الثاني من هذا المقال .ويالحظ أن القانون رقم
59.11القاضي بإحداث الوكالة للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية ،نص في الفقرة 0من المادة 33على أن من بين النفقات التي
تؤديها هذه المؤسسة " المبالغ المدفوعة لفائدة صندوق التأمين المقرر في الفصل 311من الظهير الشريف الصادر في 3رمضان 31(3113
غشت )3331بشأن التحفيظ العقاري.
2قضت المحكمة اإلدارية بالرباط بأنه" :يتعين إحالل صندوق التأمين للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية في شخص ممثله القانوني
محل مؤمنه في األداء ".على ال رغم من أن هذا الحكم اعتبر أن الخطأ الذي ارتكبه المحافظ على األمالك العقارية يكتسي صبغة الخطأ المرفقي.
177
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
القانون رقم 03.31المحدثة بموجبه محاكم إدارية ،1وفضال عن ذلك يتعين إدخال الوكيل
القضائي للمملكة في هذه الدعوى ،طبقا لمقتضيات ظهير 11مارس 3351المتعلق بإعادة
تنظيم مؤسسة الوكالة القضائية للمملكة ،2وكذا مقتضيات الفصل 530من قانون المسطرة
المدنية 3اللذين يلزمان مقيم الدعوى ضد الدولة أو مؤسساتها العمومية ،بإدخال هذه
المؤسسة في الدعاوى التي تستهدف التصريح بمديونيتها ،وإال كانت باطلة.
المطلب الثالث :الخطأ الشخصي للمحافظ على األمالك العقارية
لقد كرس ا لمشرع المغربي نظرية الخطأ الشخصي للمحافظ على األمالك العقارية بناء
على الفصل 80من قانون االلتزامات والعقود ،على أساس أن مسؤوليته يمكن أن تتحقق
خارج نطاق وظيفته ،ونظ ار لخصوصية المهام المسندة له وخطورة النتائج التي قد تترتب عن
أخطائه ،فقد أضفى المشرع على بعض األخطاء التي قد يرتكبها المحافظ طابع األخطاء
الشخصية.
وفي هذا اإلطار ينص الفصل 5من القرار الوزيري المؤرخ في 10يونيو 3335
المتعلق بتنظيم مصلحة المحافظة العقارية ،على خضوع مسؤولية المحافظين العقاريين
للفصلين 13و 91من قانون االلتزامات والعقود ،باستثناء الحاالت المحددة في الفصل 31
1تنص المادة 9من القانون المحدث للمحاكم اإلدارية على المحاكم اإلدارية تختص بالبت ابتدائيا في دعاوى التعويض عن األضرار التي تسببها
أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام .ظهير شريف رقم 3.33.111صادر في 11من ربيع األول 31( 3030سبتمبر )3331بتنفيذ القانون
رقم 03.31المحدث بموجبه محاكم إدارية ،منشور في الجريدة الرسمية عدد 0111المؤرخة في 39جمادى األولى 11(3030نونبر ،)3331
الصفحة .13وبما أن الوكالة الوطنية هي مؤسسة عمومية وبالتالي شخص من أشخاص القانون العام ،فإنها تخضع لهذا المقتضى القانوني.
2الظهير الشريف بشأن إعادة تنظيم وظيفة العون القضائي للدولة الشريفة المؤرخ في 11مارس ( ،3351الجريدة الرسمية عدد 1313وتاريخ 11
مارس ،3351الصفحة )3301؛ العون القضائي هو الوكيل القضائي للمملكة حاليا ،والوكالة القضائية للمملكة هي مديرية تابعة لو ازرة االقتصاد
والمالية ،وبالتالي فإن العاملين بها هم موظفون عموميون يخضعون للنظام األساسي العام للوظيفية العمومية ،وتقوم بمهمة الدفاع عن الدولة
المغربية وإداراتها العمومية أمام القضاء .أنظر في هذا الصدد المرسوم عدد 1.11.335صادر في 11من شوال 11( 3013أكتوبر )1119
بشأن اختصاصات وتنظيم و ازرة االقتصاد والمالية( .منشور في الجريدة الرسمية عدد 5191وتاريخ 11نونبر ،1119الصفحة .)0191وجدير
اإلشارة إلى أنه بالموازاة مع هذه المؤسسة استحدث المشرع المغربي مؤسسة مشابهة تتولى تقديم المساعدة القانونية ،وتدبير المنازعات القضائية
للجماعات الترابية تحت تسمية " الوكيل القضائي للجماعات الترابية " ،وذلك بمقتضى القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية (المادة 119
من القانون التنظيمي المتعلق بالجهات ،والمادة 131من القانون التنظيمي المتعلق بالعماالت واألقاليم والمادة 119من القانون التنظيمي المتعلق
بالجماعات).
لمزيد من التفصيل حول مؤسسة الوكيل القضائي للجماعات الترابية ،يراجع مقال :عبد الرحيم ازغودي " :دور الوكيل القضائي للدفاع عن
الجماعات الترابية" ،المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية ،عدد مزدوج 311-311يناير –أبريل ،1131الصفحة 150وما بعدها.
3ينص الفصل 530من قانون المسطرة المدنية المغربي على ما يلي" :كلما كانت الطلبات تستهدف التصريح بمديونية الدولة أو إدارة عمومية أو
مكتب أو مؤسسة عمومية للدولة في قضية ال عالقة لها بالضرائب واألمالك المخزنية ،وجب إدخال العون القضائي في الدعوى وإال كانت غير
مقبولة".
178
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
من قانون التحفيظ العقاري؛ وهي ذات المقتضيات التي احتفظ بها القانون الجديد المحدث
للوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية ،والذي نص في المادة 0منه
على أنه تظل اختصاصات ومسؤولية المحافظ العام والمحافظين على الملكية العقارية
والرهون ،خاضعة لألحكام التشريعية والتنظيمية المطبقة عليها ،وأشار إلى القرار المذكور،
ضمن النصوص المحال عليها.
وبالرجوع إلى الفصل 91من قانون االلتزامات والعقود المغربي نجده ينص على ما
يلي:
"مستخدمو الدولة والبلديات مسؤولون شخصيا عن األض ارر الناتجة عن
تدليسهم ،وعن األخطاء الجسيمة الواقعة منهم في أداء وظائفهم؛
وال يجوز مطالبة الدولة والبلديات بسبب هذه األضرار إال عند إعسار
الموظفين المسؤولين عنها".
ويتضح من قراءة متأنية لهذا النص القانوني أن مسؤولية المحافظ على األمالك
العقارية عن الخطأ الشخ صي يمكن أن ينتج عن تدليس أو غش باستعماله لوسائل احتيالية
للتضليل (أوال) ،كما يمكن أن تنتج عن خطأ جسيم يرتكبه المحافظ على األمالك العقارية
أثناء مزاولة مهامه(ثانيا).
يعتبر التدليس الوجه األول للمسؤولية الشخصية للمحافظ على األمالك العقارية ،طبقا
لمقتضيات الفصل 91من قانون االلتزامات والعقود.
ولئن كان التدليس يعتبر خطأ بمفهومه الواسع ،حيث يرتكب المدلس أفعاال ال يجيزها
القانون ،1فإن الخطأ بمفهومه القانوني ،يختلف عن التدليس من حيث النية الكامنة و ارء
1
يستعمل الفقه اإلسالمي مصطلح التغرير للتعبير عن التدليس ،وتحدث عنه الفقه في أماكن متقاربة ،ويدعى في بعض المواطن بالتدليس ،وفي
نظرية التغرير يمكن التوفيق بين احترام اإلرادة الحقيقية واستقرار التعامل ،لذلك وصل الفقه اإلسالمي في هذه النظرية إلى مدى بعيد ،ال يقل عن
المدى الذي وصل إليه الفقه الغربي ،فهو يعرف التغرير باستعمال طرق احتيالية ،ويعرفه عن طريق مجرد الكذب ،بل يعرفه عن طريق محض
الكتمان ،ثم هو ،كالفقه الغربي ،يعتد بالتدليس الصادر من الغير .أنظر :عبد الرزاق أحمد السنهوري ،مصادر الحق في الفقه اإلسالمي ،دراسة
179
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
الفعل؛ ذلك أن التدليس يقترن بنية اإلضرار ،في حين ينم الخطأ عن فعل دون قصد غير
مشروع.1
وال يختلف كثي ار معنى التدليس المعتبر كعيب من عيوب الرضا في إبرام العقد وفق
قانون االلتزامات والعقود 2عن التدليس المشار إليه في الفصل 91المحال عليه من قبل
قانون التحفيظ العقاري ،إذ يختلفان فقط من حيث الهدف الكامن وراء هذا الفعل؛ ففي التعاقد
يستعمل التدليس لدفع المتعاقد على إبرام العقد ،بيد أنه في عملية التحفيظ يستخدم التدليس
ألجل اتخاذ قرار التحفيظ وتأسيس الرسم العقاري.
غير أنه إذا كان التدليس بمفهوم قانون االلتزامات والعقود ،يتحقق باستعمال وسائل
احتيالية للدفع إلى التعاقد ،وذلك عن طريق استعمال مجموعة من الوسائل االحتيالية التي
يراد بها تمويه الحقيقة والتضليل ،3حيث يمزج المدلس فعال ماديا غير مشروع بعنصر
معنوي هو قصد إرادي خفي ،4فإن التدليس كسبب إلثارة مسؤولية المحافظ العقاري يجب أن
يؤخذ بمفهومه الواسع ،وبشكل مستقل عن التدليس كعيب من عيوب الرضا المنصوص عليه
في قانون االلتزامات والعقود .5إذ قد ال يتخذ فعل التدليس عمال ماديا ،وإنما يكفي توفر سوء
نية طالب التحفيظ وكذا المستفيد من التحفيظ.
وتأسيسا على ذلك ،ال يشترط لتحقيق التدليس قيام المستفيد من التحفيظ بوسائل
احتيالية ،بل يكتفي أن يكون سيء النية ،فقد اعتبر القضاء مثال أن مالك العقار الذي يطلب
تحفيظ الملك كله على اسمه ،مع أنه سبق أن باع قسما منه للغير ،يعتبر مرتكبا للتدليس
مقارنة بالفقه الغربي ،المجلد األول ،الجزء الثاني ،توافق اإلرادتين في مجلس العقد ،صحة التراضي (الغلط ،التدليس ،اإلكراه) ،دار إحياء التراث
العربي ،بيروت ،لبنان( ،دون ذكر لتاريخ الطبعة) ،الصفحة .313
يوسف مختاري ،حماية الحقوق الواردة على العقار في طور التحفيظ ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص ،كلية العلوم القانونية 1
واالقتصادية واالجتماعية اكدال ،جامعة محمد الخامس بالرباط ،السنة الجامعية ،2015-1130الصفحة .253
ينص الفصل 51من قانون االلتزامات والعقود على ما يلي" :التدليس يخول اإلبطال ،إذا كان ما لجأ إليه ،من الحيل والكتمان ،أحد المتعاقدين أو 2
نائبه أو شخص آخر يعمل بالتواطؤ معه ،قد بلغت في طبيعتها حدا بحيث لوالها لما تعاقد الطرف اآلخر .ويكون للتدليس الذي يباشره الغير نفس
الحكم إذا كان الطرف الذي يستفيد منه عالما به".
عبد القادر العرعاري ،النظرية العامة لاللتزامات في القانون المدني المغربي ،مطبعة النجاح الجديدة -الدار البيضاء ،الطبعة األولى 1998 3
الصفحة .109
مأمون الكزبري ،التحفيظ العقاري والحقوق العينية األصلية والتبعية في ضوء التشريع المغربي ،الجزء األول ،شركة الهالل للطباعة والنشر ،الرباط 4
180
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
في حق المشتري الذي يطالبه بالتعويض ،استنادا إلى مقتضيات الفصل 64من قانون
التحفيظ العقاري.1
كما يعتبر من صميم أفعال التدليس بيع عقار تم إدراج مطلب لتحفيظه بعد ذلك ،في
اسم البائع ،نفس األمر في حالة صدور أحكام لفائدة الغير ويخفيها طالب التحفيظ منذ إيداع
الطلب إلى غاية اتخاذ قرار التحفيظ،
يتضح من خالل ذلك أن المقصود بالتدليس في هذا المجال هو مجرد سوء النية
يضمرها المستفيد من التحفيظ ولو لم يستعمل وسائل احتيالية ،األمر الذي أكده أغلب الفقه،
حيث اكتفى بمجرد إخفاء حق المتضرر مع العلم بوجوده ،2إذ أن سوء النية هذا يدخل في
مفهوم التدليس. 3
وفي هذا الصدد ،جاء في قرار للمجلس األعلى (4محكمة النقض حاليا) ما يلي:
"الفصل 64من ظهير التحفيظ العقاري كرس حق الغير المتضرر من التحفيظ في
إقامة دعوى شخصية للمطالبة بالتعويض في حالة التدليس ،واستقر العمل القضائي
على إعطاء مدلول واسع لهذا األخير ،في إطار هذه الدعوى لم يشترط معه قيام
المستفيد من التحفيظ بوسائل احتيالية ملموسة بل يكفي أن يكون سيء النية بطلب
تحفيظ أرض ليست في ملكيته".
وينطبق هذا المفهوم للتدليس على المحافظ أيضا ،ويعني كل التصرفات التي يقوم بها
أثناء ممارسة مهامه ،وتنم عن سوء نيته ،ويدخل في هذا المجال كل األخطاء العمدية التي
عبد الكريم شهبون ،الشافي في شرح قانون التحفيظ العقاري الجديد رقم ،14-07مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،الطبعة األولى ،2014الصفحة .173 1
المختار بن احمد العطار ،التحفيظ العقاري على ضوء القانون المغربي ،مطبعة النجاح الجديدة -الدار البيضاء ،الطبعة األولى 1429هجرية، 2
181
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
يرتكبها المحافظ عن بينة واختيار فيسبب ضر ار للغير ،1سواء اقترنت هذه التصرفات
باستعمال وسائل احتيالية أم ال ،وهذا ما أكدت عليه محكمة االستئناف بالرباط في إحدى
ق ارراتها التي قضت فيها بأن شرط تحقق تدليس المحافظ غير مرتبط باستعماله لوسائل
احتيالية ،وإنما يت حقق بمجرد ثبوت سوء نيته ،كأن يقوم بتحفيظ أرض غير مملوكة لطالب
التحفيظ ، 2كما أن المجلس األعلى( محكمة النقض حاليا) قضى بأن مسؤولية المحافظ تقوم
على أساس التدليس ،بسبب عدم تحفيظ عقار ،ودون البحث في مدى تحقق سوء نية
المحافظ من عدمه.3
ومن أمثلة األخطاء التي قد تعتبر تدليسا مرتكبا من قبل المحافظ على األمالك
العقارية؛ إخفاء مطلب تحفيظ إلى حين انتهاء أجل التعرضات ،لئال يدرج فيه أي تعرض،
أو عدم إعالم المجاورين للملك ،عمدا ،بتاريخ إجراء التحديد المؤقت بغرض التكتم على
مسطرة التحفيظ ،أو اتخاذ قرار التحفيظ بناء على وثائق غير كافية ،إلثبات التملك بهدف
الحصول على مبلغ مالي معين ،من قبل المستفيد من قرار التحفيظ.4
ومهما يكن من أمر ،فإنه في حالة ما إذا ثبت ارتكاب المحافظ على األمالك العقارية
تدليسا ،فإنه ليس هناك ما يمنع من متابعته في إطار الفصل 91من قانون االلتزامات
والعقود ،وليس في إطار الفصل 10من ظهير التحفيظ العقاري ،وفي هذا الصدد قضى
المجلس األعلى بأن المحافظ الذي يحول مطالب تحفيظ إلى رسوم عقارية ،على الرغم من
علمه بوجود طعن ضد ق ارره ،وهو طعن قدم قبل أن تصبح هذه الرسوم نهائية ،يعتبر مرتكبا
للتدليس.5
1
سعاد عاشور ،حجية التسجيل وفق نظام التحفيظ العقاري المغربي ،المطبعة والوراقة الوطنية -مراكش ،الطبعة الثالثة ،السنة ،1115الصفحة
.110
2القرار رقم 13الصادر عن محكمة االستئناف بالرباط بتاريخ 10مارس 1111في الملف العقاري عدد ،31/1111/13غير منشور.
3القرار عدد 131الصادر عن المجلس األعلى (محكمة النقض حاليا) بتاريخ 31فبراير 1119في الملف عدد ،1111/33/1119غير
منشور.
4عبد القادر بوبكري ،ازدواجية المسؤولية الشخصية للمحافظ على األمالك العقارية بين النصوص القانونية والعملين القضائي واإلداري ،منشورات
المجلة المغربية لألنظمة القانونية والسياسية ،العد رقم 31الخاص بالنظام العقاري المغربي :الجوانب القانونية والمنازعات القضائية ،إعداد وتنسيق
الدكتور احمد أجعون ،مطبعة األمنية بالرباط ،الطبعة األولى ،1133الصفحة .51
5قرار المجلس األعلى عدد 01الصادر بتاريخ 5يناير ،1115في الملف عدد ،1111/3/3/1111منشور بمجلة القضاء والقانون ،العدد
،353الصفحة .191
182
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
هذا ،ويشترط لقبول طلب التعويض بناء على التدليس ،أن يثبت الطالب العناصر
اآلتية:
-3إثبات الملكية أو أي حق عيني آخر كان محمال على العقار ،ولم يندثر إال بسبب
التحفيظ ،ولقد قضت محكمة النقض بأن استحقاق التعويض في إطار الفصل 10من ظهير
التحفيظ العقاري ،يقتضي ثبوت ملكية الطالب للمساحة المدعى فيها.1
-2إثبات التدليس الواقع من قبل المستفيد من التحفيظ ،2وهذا ما أكدت عليه محكمة
النقض في القرار المشار إليه ،حيث قضت بأنه يتعين على طالب التعويض ،في إطار
الفصل 10أن يثبت التدليس ،مضيفة أن التدليس مسألة واقع ،تختص محكمة الموضوع في
تقديره ،وب ما لها من سلطة تقديرية ،وال رقابة عليها من طرف محكمة النقض بخصوص
ذلك.
-1إثبات العالقة السببية بين العنصرين السابقين.
وجدير باإلشارة إلى صعوبة إثبات عنصر التدليس الذي قد يرتكبه المحافظ على
األمالك العقارية ،بل إن هذه الحالة نادرة جدا ،3وإذا ما وقعت ،فإنها تختلط في كثير من
األحيان بجريمة النصب التي يشترط لقيامها استعمال االحتيال إليقاع شخص في الغلط،
بتأكيدات خادعة ،أو إخفاء وقائع صحيحة ،أو استغالل ماكر لخطأ وقع فيه الغير ،ويدفعه
1
القرار رقم 5511الصادر عن محكمة النقض بتاريخ 1131-31-33في الملف مدني عدد ،1133-3-3-1113غير منشور.
2
PAUL DECROUX, Ouvrage précité, Page 130.
ويتبين من الرجوع إلى قانون االلتزامات والعقود أن المشرع المغربي عالج موضوع التدليس ضمن عيوب الرضا وبالتالي ،فقد تم تناوله في إطار
المسؤولية العقدية وليس في نطاق المسؤولية التقصيرية الذي يندرج فيه موضوعنا ،ومع ذلك يمكن االستئناس بالتعاريف والمفاهيم التي أعطيت
للتدليس ،مادام ذلك ممكنا حتى بالنسبة للمسؤولية التقصيرية.
وقد عرف المرحوم عبد الرزاق السنهوري التدليس باعتباره عيبا من عيوب الرضا بأنه " :كل عمل مقصود يؤدي إلى إيقاع المتعاقد اآلخر في غلط
يدفعه إلى التعاقد" .عبد الرزاق احمد السنهوري ،الوسيط في شرح القانون المدني ،الجزء األول ،مصادر االلتزام ،دار إحياء التراث العربي ،بيروت
لبنان ،بدون ذكر سنة الطبع ،الصفحة .101
كما عرفه األستاذ شكري أحمد السباعي بأنه" :استعمال الحل والخداع إليقاع المتعاقد في غلط يحمله على التعاقد ،بحيث لوال هذه الوسيلة االحتيالية
أو الخداع لما قام هذا المتعاقد بإبرام العقد".
شكري احمد السباعي ،نظرية الغلط والتدليس في قانون االلتزامات والعقود المغربي ،منشورات عكاظ ،السنة ،3331الصفحة .313
3
ناد ار ما يصنف العمل القضائي األخطاء التي قد يرتكبها المحافظ على األمالك العقارية في خانة التدليس ،وإنما يعتبرها أخطاء جسيمة؛ أنظر
مثال القرار رقم 5511الصادر عن محكمة النقض بتاريخ 1131-31-33في الملف مدني عدد 1133-3-3-1113المشار إليه أعاله.
183
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
إلى أعمال تمس مصالحه أو مصالح الغير المالية ،بقصد الحصول على منفعة مالية له أو
لشخص آخر.1
غير أن التدليس المدني يختلف عن التدليس الجنائي( النصب) ،من كون الطرق
االحتيالية في النصب عنصر مستقل بذاته ،وتكون عادة أشد جسامة من الطرق االحتيالية
المستعملة في التدليس المدني ،ومع ذلك يرى األستاذ محمد الكشبور بأن التدليس المشار
إليه في الفصل 91من قانون االلتزامات والعقود ،يجب أن يؤخذ في مدلوله العام ،حيث
يتضمن التدليس المدني والتدليس الجنائي والغش ،على حد سواء ،وتبعا لذلك ،يرى أن
اللجوء إلى تحفيظ عقار من طرف شخص مع علمه أنه ال حق له فيه ،هو فعل جنائي
يستوجب عقوبة جنائية طبقا للفصل 154من القانون الجنائي المغربي 2الذي ينص على أنه
يعاقب بعقوبة النصب المقررة في الفقرة األولى من الفصل 501من القانون الجنائي والذي
يعتبر من يتصرف في مال برهنه عقاريا أو حيازيا ،أو إعطاء حق االنتفاع ،أو كراء أو أي
تصرف آخر ،إض ار ار بمن سبق التعاقد معه بشأنه ،مرتكبا لجريمة النصب .3غير أن هذا
المقتضى ،لئن كان تطبيقه على طالب التحفيظ مقبوال ،فإنه يصعب تطبيقه على المحافظ
على األمالك العقارية ،الذي ال يتصور فيه أن يقوم باألفعال المنصوص عليها في الفصل
501من القانون الجنائي ،كالتصرف في العقار بالرهن أو تحميله بحق انتفاع أو كرائه.
و ومهما يكن من أمر ،إن المشرع المغربي أخضع المحافظ على األمالك العقارية
للمسؤولية المدنية ابتداء ال تتجاوزها إلى المسؤولية الجنائية إال بثبوت القصد الجنائي القاطع
ينص الفصل 501من القانون الجنائي المغربي على ما يلي ":يعد مرتكبا لجريمة النصب ،ويعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة 1
من خمسمائة إلى خمسمائة آالف درهم من استعمل االحتيال ليوقع شخصا في الغلط ،بتأكيدات خادعة أو إخفاء وقائع صحيحة أو استغالل ماكر
لخطأ وقع فيه غيره ويدفعه بذلك إلى أعمال تمس مصالحه أو مصالح الغير المالية بقصد الحصول على منفعة مالية له أو لشخص آخر".
ينص الفصل 501من القانون الجنائي المغربي على ما يلي: 2
"يعاقب بعقوبة النصب المقررة في الفقرة األولى من الفصل ،501من يرتكب بسوء نية أحد األفعال اآلتية:
-3أن يتصرف في أموال غير قابلة للتفويت؛
-1أن يتصرف في مال برهنه عقاريا أو حيازيا أو إعطاء حق االنتفاع أو كراء أو أي تصرف آخر ،إض ار ار بمن سبق له التعاقد معه بشأنه"
وتنص الفقرة األولى من الفصل 501من نفس القانون على ما يلي:
"يعد مرتكبا لجريمة النصب ،ويعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من خمسمائة إلى خمسمائة آالف درهم ،من استعمل االحتيال
ليوقع شخصا في الغلط".....
3محمد الكشبور ،التظهير الناتج عن تحفيظ العقار ،مرجع سابق ،الصفحة ،51هامش .09
184
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ألي شك .1وأكثر من ذلك اعتبرت المحكمة االبتدائية بطنجة إن التحايل أو التدليس في ظل
أحكام ظهير 31غشت 3331في حالة إثباته ،يرتب فقط المسؤولية المدنية للمحافظ ،سواء
في إطار الفصل 31من نفس الظهير أو في إطار الفصل 91من قانون االلتزامات
والعقود.2
ويرى بعض الباحثين 3أن الفصل 10من قانون التحفيظ العقاري يطبق أيضا على
المحافظ على األمالك العقارية في حالة ما إذا صدر عنه تدليس ألحق ضر ار بصاحب
الحق ،ما دام هذا الفصل لم يرد به أي تقييد في الموضوع ،مستشهدا على ذلك بقرار صادر
عن محكمة النقض بتاريخ 15يناير ،1115خصوصا أن الفصل 10بعد تعديله بالقانون
،30.11لم يعد يترك المجال لمقاضاة الدولة من أجل الحصول على التعويض بعد حذف
الفقرة األخيرة التي كانت تحيل على الفصلين 13و 91من قانون االلتزامات والعقود ،ما
يعني حسب هذا الموقف ،أن مفهوم التدليس الوارد به في الفصل 10يشمل جميع األفعال
التدليسية الصادرة عن المحافظ أيضا.
غير أننا ال نتفق مع هذا الرأي ،لكون التمعن في مقتضيات الفصل 10يفيد أنها لم
تعد تؤطر مسؤولية المحافظ على األمالك العقارية عن األضرار الناتجة عن التدليس ،وإنما
تهم فقط طالب التحفيظ المدلس ،وأن المقتضى القانوني الذي أصبح يخضع له المحافظ،
بعد صدور قانون 03.11المتمم لظهير التحفيظ العقاري ،هو الفصل 31من هذا الظهير
الذي نقلت إليه الفقرة األخيرة من الفصل .10
غير أن التساؤل الذي يطرح بعد هذا التعديل ،ونقل الفقرة األخيرة من الفصل 10إلى
الفصل ،31هو ما إذا كان الفصل 91من قانون االلتزامات والعقود يتعلق بجميع الحاالت
1
هشام بصري ،مكامن الخلل في مجال الحماية القانونية للمحافظ العقاري منشورات مجلة العلوم القانونية ،سلسلة فقه القضاء العقاري الصفحة
.131
يرى البحث أن المقتضيات القانونية الحالية المنظمة للتحفيظ العقاري ال تمنح ضمانات كافية للمحافظين العقارين حيث يسهل اصطيادهم داخل
شراك جرائم النصب والسطو على األمالك والتزوير واستعماله والمشاركة فيه...الخ؛ نفس المرجع ،الصفحة .115
2
الحكم الصادر عن المحكمة االبتدائية بطنجة بتاريخ 11نونبر 1119في الملف عدد ،31/11/0115منشور في مؤلف :إدريس الفاخوري،
قضايا المنازعات العقارية ،قضاء محكمة النقض ومحاكم الموضوع ،منشورات مجلة الحقوق ،سلسلة" المعارف القانونية والقضائية" ،مطبعة المعرف
الجديدة) - )CTPالرباط ،طبعة ،1131الصفحات من 351إلى .315
3
أنظر مثال :عبد العالي دقوقي ،الصفحة 101؛ محمد خيري العقار وقضايا التحفيظ العقاري ،الصفحة 133؛ عبد القادر بوبكري ،مرجع سابق،
الصفحة .50
185
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
التي يمكن أن يصدر فيها عن المحافظ تدليس أم فقط تلك الواقعة أثناء مرحلة التسجيل
والتقييد دون مرحلة التحفيظ؟
وال شك أن سبب طرح هذا التساؤل يكمن في كون مقتضيات الفصل 10تتعلق
باألضرار الناتجة عن التحفيظ ،في حين تهم مقتضيات الفصل 31األخطاء الناتجة عن
عمليات التسجيل والتقييد والتشطيب؛ أي األعمال الالحقة على تأسيس الرسم العقاري ،وبما
أن اإلحالة على مقتضيات الفصل 91تمت بمقتضى الفصل ،31فإن ذلك قد يفهم منه أن
المحافظ ال يسأل عن أخطائه الشخصية وتدليسه ،إال إذا كانت األضرار ناتجة عن العمليات
المذكورة في هذا الفصل األخير.
ومعلوم ،أن المشرع المغربي لم يسقط اإلحالة على القواعد العامة للمسؤولية
المنصوص عليها في ظهير االلتزامات والعقود نهائيا من ظهير التحفيظ العقاري ،إذ تم نقلها
من الفصل 10إلى الفصل ، 31وهذا االمر لن يغير في الواقع شيئا ،ألن تطبيق اإلحالة
في أي نص كان وفي أي باب وجد يفتح المجال أمام تطبيق النصوص المحال عليها ،وال
يجوز تجزئتها أو اختصار تطبيقها بالنظر إلى مجال تطبيق النص المحيل ،بمعنى أن
الفصل ، 31وإن حدد بعض حاالت المسؤولية الشخصية للمحافظ ،ورغم أن هذا الفصل
يقع ضمن الباب الثالث المتعلق بالتشطيب في السجالت العقارية ،إال أن تذييله ببند يحيل
على أحكام مسؤولية الموظفين بشكل عام ،ال يعني أن األحكام المحال عليها يجب حصر
تطبيقها في حاالت الفصل 31فقط ،ألن المتعارف عليه هو أن تفسير الفصل بالنظر
للسياق الذي جاء فيه متى كان نصا خاصا.1
ومهما يكن من أمر ،إن الفصل 31من قانون التحفيظ العقاري يحيل على الفصل 91
من قانون االلتزامات والعقود بدون تقييد لمقتضيات هذا األخير ،وال وضع استثناء عليها
يجعل مسؤولية المحافظ على األمالك العقارية عن األضرار الناتجة عن التدليس ،قائمة
سواء ارتكبت هذا األخطاء في مرحلة التحفيظ وتأسيس الرسم العقاري ،أو بمناسبة إجراءات
الت قييد ،أو التشطيب المنصبة على السجالت العقارية ،وهذا ما ينطبق أيضا على الخطأ
الجسيم.
يوسف مختاري ،حماية الحقوق الواردة على العقار في طور التحفيظ ،مرجع سابق ،الصفحة .155 1
186
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
الفقرة الثانية :الخطأ البسيم الذي على أساسه يسأل المحافظ على األمالك
العقارية
يعتبر الخطأ الجسيم الصورة الثانية لقيام مسؤولية المحافظ على األمالك العقارية إذا
نتج عنه ضرر للغير ،وهو ما يستشف أيضا من مقتضيات الفصل 91من قانون االلتزامات
والعقود.
والخطأ هو إخالل بالتزام قانوني ،1ويشمل التقصير واإلهمال وحتى اإلغفال ،وقد يتخذ
الخطأ فعال إيجابيا ،كما يمكن أن يكون امتناعا سلبيا للقيام بفعل واجب ،وتختلف حدة
الخطأ ودرجته ،فهناك الخطأ البسيط ،وهناك الخطأ الجسيم؛
ومما ال شك فيه ،أنه من الصعوبة بمكان وضع معيار دقيق وحاسم يميز بين الخطأ
الجسيم الصادر عن المحافظ على األمالك العقارية ،والخطأ العادي ،وفي هذا الصدد
يعرف أحد الباحثين الخطأ الجسيم بأنه ذلك الخطأ الذي ال يقوم على أساس التدليس ،ولكنه
يتجاوز من حيث خطورته الخطأ العادي الذي يمكن توقع حدوثه من أي موظف ،كأن يغفل
المحافظ ذكر اسم أحد طالبي التحفيظ ،حين اتخاذه لقرار تأسيس الرسم العقاري ،على الرغم
من أن الطلب يتعلق بحقوق مشاعة بين عدة أشخاص وردت أسماؤهم بمطلب التحفيظ
وبالوثائق المؤيدة لمطلبهم ،أو تأسيس رسم عقاري مخالف للعقار المطلوب تحفيظه.2
غير أنه يبدوا أن إثبات هذا النوع من األخطاء أمر سهل ،على اعتبار أن أغلب
تدخالت المحافظ في مسطرة التحفيظ هي عبارة عن إجراءات يتعين القيام بها كما هي
مؤطرة قانونا ،وأن أي إغفال عن هذه اإلجراءات يدخل في نطاق األخطاء الشخصية
الجسيمة ،كما إذا تم اتخاذ قرار التحفيظ دون نشر إعالن عن انتهاء التحديد في الجريدة
الرسمية ،أو اتخاذ قرار التحفيظ على الرغم من وجود تعرض لم تستكمل بشأنه اإلجراءات
الضرورية ،أو التحفيظ دون استدعاء المتدخلين في مسطرة التحفيظ لحضور عملية التحديد،
كما يعتبر من األخطاء الجسيمة تحفيظ العقار للمرة الثانية وإنشاء رسمين عقارين لمالكين
عبد الكريم شهبون ،الشافي في شرح قانون االلتزامات والعقود المغربي ،الكتاب األول ن االلتزامات بوجه عام ،الجزء األول :مصادر االلتزامات 1
187
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
مختلفين حول نفس العقار ،1وقد أكد المجلس األعلى( محكمة النقض حاليا) أن مسؤولية
المحافظ في هذه الحالة األخيرة ،تكون قائمة على أساس الفصل 91من قانون االلتزامات
والعقود ،2ومن ثم قيام خطأه الشخصي الجسيم .وفي قرار آخر اعتبرت محكمة النقض أن
رفض المحافظ تأسيس رسم عقاري لعقار بعد استنفاذ جميع اإلجراءات وانصرام أجل
التعرض ،يعتبر خطأ جسيما يسأل عنه المحافظ على األمالك العقارية شخصيا .3كما
يعتبر ،حسب محكمة النقض ،خطأ جسيما إنشاء رسم عقاري لألرض دون تحديد مساحتها
من قبل مصلحة الهندسة الطوبوغرافية؛ إذ كان على المحافظ على األمالك العقارية أن
يتحقق من مساحة األرض أوال ،قبل إقدامه على تحفيظها.4
وإذا كانت مسؤولية الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية عن
أخطاء المحافظ على األمالك العقارية في إطار الفصل 13من قانون االلتزامات والعقود
تبنى على الخطأ المفترض ،فإن الظاهر أن مسؤولية المحافظ ،في إطار الفصل 91من
نفس القانون ،هي مسؤولية مبنية على الخطأ الشخصي الواجب اإلثبات ،ويبقى للقضاء
استخالص هذا الخطأ وتكييف درجته ،وهو تكييف يخضع لرقابة محكمة النقض،5ال سيما
أن المشرع المغربي اعتمد في الفصل 91من قانون االلتزامات والعقود معيار جسامة الخطأ
1
محمد منتصر الداودي ،مدى قابلية الق اررات الصادرة عن المحافظ على الملكية العقارية للطعن باإللغاء ،مجلة دفاتر المجلس األعلى ،العدد ،5
الصفحة .315
2
القرار عدد 309صادر بتاريخ 13فبراير 3331في الملف اإلداري عدد ،3335/5/3منشور بالعمل القضائي في نزاعات التحفيظ العقاري،
الصفحة 111وما يليها.
3
القرار رقم 3/133المؤرخ في 11فبراير ،1131والصادر في الملف المدني عدد ،1131-3-3-3511منشور في مؤلف :أحمد أجعون،
المنازعات العقارية بين المحاكم العادية والمحاكم اإلدارية ،مطبعة النجاح الجديدة – الدار البيضاء ،الطبعة األولى 1135-3011الصفحة 105
وما يليها.
4
القرار عدد 935الصادر بتاريخ 30دجنبر 1115في الملف اإلداري عدد ،1110/1/0/315غير منشور .وفي قرار صادر عن محكمة
االستئناف بالناظور ،جاء فيه ما يلي" :إن إقدام المحافظ العقاري على تحفيظ الملك بكامله في اسم شخص واحد دون باقي المالكين ،يكون قد
تصرف وبسوء نية ،وارتكب خطأ جسيما يوجب مساءلته عنه ... ،وحيث يستخلص مما ذكر أعاله أن المسؤولية ثابتة في حق المحافظ العقاري
بالناظور ،وأن هذه المسؤولية نتج عنها ضرر فادح"...؛ القرار عدد 010صادر عن محكمة االستئناف بالناظور بتاريخ 11يونيو 1111في
الملف عدد .11/5/031
5
محمد الكشبور ،مرجع سابق ،الصفحة .51
188
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
لتأسيس مسؤولية المحافظ الشخصية ،دون بيان حدوده ،تاركا ذلك على كاهل القضاء الذي
يبقى هو المختص في تحديد طبيعة الخطأ حسب ظروف كل نازلة.1
والمالحظ أن بعض االجتهادات القضائية دأبت على اعتبار بعض األخطاء المرتكبة
من قبل المحافظ على أنها أخطاء شخصية ،على الرغم من أنها قد تعتبر عكس ذلك طبقا
للقواعد العامة؛ من قبيل عدم احترام بعض اإلجراءات المسطرية التي قد يتعذر إصالح
األضرار الناتجة عنه ا ،ما يجعلها أخطاء شخصية ،بل إن طبيعة المهام التي يقوم بها
المحافظ على األمالك العقارية والمرتبطة بالسهر على حسن سير مسطرة التحفيظ ،وكذلك
نظام التقييدات ،تجعل من األخطاء المرتكبة منه عامة ،أخطاء شخصية وليست مرفقية.2
وفي هذا اإلطار اعتبر المجلس األعلى أن المحافظ الذي لم يتحقق من مطابقة الوثائق
على العقار المراد تحفيظه ،مع أنه ملزم بالقيام بكافة الوسائل للتحقق من ثبوت حق طالب
التحفيظ ،بما فيه موقع القطعة المراد تحفيظها وحدودها ،قد ارتكب تقصي ار واضحا بمثابة
الخطأ الجسيم ،حيث لم يقم بما يوجبه عليه القانون من إجراءات المطابقة.3
ومعلوم أن الفصل 91من قانون االلتزامات والعقود ينص على أن الدولة تحل محل
الموظف في أداء التعويض المحكوم به ،لجبر الضرر الناتج عن الخطأ الجسيم أو التدليس،
إذا ثبت عسره ،غير أنه لئن كان المحافظ على األمالك العقارية يخضع لهذه المقتضيات،
فإن الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية ال تحل محل المحافظ
حتى في حالة ثبوت عسره ،بسبب وجود صندوق التأمين المنصوص على تأسيسه في
الفصل 311من ظهير التحفيظ العقاري ،والذي يهدف إلى ضمان أداء التعويض الذي قد
يحكم به ضد المحافظ في حالة عسره.4
1عبد الكريم حيضرة ،المسؤولية الشخصية للمحافظ على األمالك العقارية ،المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية ،عدد ،10شتنبر – أكتوبر
،1115الصفحة .93
2
عبد العالي الدقوقي ،مرجع سابق ،الصفحة .105
3
قرار عدد 1111صادر بتاريخ 15مارس 3333في الملف عدد ،3/3391منشور بمجلة القضاء والقانون ،عدد ،300مطبعة األمنية –
الرباط ،الصفحة .111
4
جاء في قرار صادر عن الغرفة اإلدارية بالمجلس األعلى (محكمة النقض حاليا) بأن ارتكاب المحافظ العقاري لخطأ جسيم ،يؤدي إلى تحفيظ
معيب ،يتسبب في حرمان أشخاص من حقوقهم ،يقتضي حلول صندوق التأمينات المنصوص عليه في ظهير التحفيظ العقاري محل المحافظ في
حالة عسره.
189
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ومما تجدر اإلشارة إليه أخيرا ،أن الدعوى المقامة ضد المحافظ في إطار الفصل 91
من قانون االلتزامات والعقود ،ترفع أمام القضاء العادي ،ما دامت توجه ضد المحافظ بصفته
الشخصية وليس ضد الوكالة الوطنية.
إلى جانب القواعد العامة التي تؤطر مسؤولية المحافظ على األمالك العقارية ،نص
المشرع المغربي على عدة مقتضيات خاصة تتعلق بهذه المسؤولية ،وتضمنها ظهير التحفيظ
العقاري ،كما تم تغييره وتتميمه بمقتضى القانون ،30.11باإلضافة إلى مجموعة من
المراسيم والق اررات الملحقة بهذا الظهير.
ويالحظ باالطالع على فصول ظهير التحفيظ العقاري ،أن أغلب النصوص التي
تتضمن صراحة ما يفيد المسؤولية الشخصية للمحافظ على األمالك العقارية ،قد وردت في
القسم الثاني المتعلق بإشهار الحقوق وتقييدها في السجل العقاري ،وهذا يؤكد جسامة المهمة
المسندة لهذه المؤسسة ،حتى بعد إنشاء الرسم العقاري ،ويبرز أيضا أهمية العمليات المنصبة
على الرسوم العقارية من تقييدات أو تشطيبات.
ويعتبر التحقق من هوية المفوت وأهليته ومن صحة الوثائق المدلى بها تأييدا للطلب،
شكال وجوهرا ،من أهم الصالحيات المخولة للمحافظ على األمالك العقارية ،ويسأل شخصيا
في حالة عدم قيامه بذلك وفقا للفصل 11من ظهير التحفيظ العقاري( .المطلب األول)،
إضافة إلى الصالحيات األخرى المنصوص عليها في الفصل 31من نفس الظهير ،والتي
أثارت نقاشا هاما بين الباحثين ،خاصة بعد صدور قانون 30.11المغير والمتمم لظهير
التحفيظ العقاري (المطلب الثاني) .وإذا ثبتت المسؤولية الشخصية للمحافظ على األمالك
العقارية ،وحكم عليه بالتعويض لفائدة المتضرر ،فإنه يكون ملزما باألداء إال في حالة عسره،
فإن صندوق التأمين هو الذي يحل محله في األداء (المطلب الثالث).
(القرار عدد 133الصادر بتاريخ 31فبراير ،1111منشور في الدليل العملي لالجتهاد القضائي في المادة اإلدارية ،منشورات المجلة المغربية
لإلدارة المحلية والتنمية ،الجزء الثالث ،رقم ،31مطبعة المعارف الجديدة بالرباط ،الطبعة األولى ،1110الصفحة .103
190
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
معلوم أن الفصل 11من ظهير التحفيظ العقاري يلزم المحافظ على األمالك العقارية
بالتحقق من هوية المفوت وأهليته ،وكذا من صحة الوثائق المدلى بها تأييدا للطلب شكال
وجوهرا.
وإذا كان ا لتحقق من صحة الوثائق من الناحية الشكلية ال يثير إشكاال كبيرا ،فإن إلزام
المحافظ بالتحقق من هذه الواقعة من الناحية الجوهرية أثار نقاشا بين الباحثين ،ال سيما
عندما يتعلق األمر بحكم قضائي ،حيث طرح التساؤل حول ما إذا كان المحافظ يحق له
مراقبة األحكام القضائية ،والتحقق من سالمتها وصحتها (الفقرة الثانية) .أما صالحية
التحقق من هوية المفوت ،فيختلف مداها ونطاقها ،حسب طبيعة المستندات المعتمدة إلجراء
التقييد أو التشطيب (الفقرة األولى).
يلزم الفصل 11من ظهير التحفيظ العقاري المحافظ على األمالك العقارية بالتحقق
من هوية المفوت فقط دون اإلشارة إلى المفوت له ،ألن المفوت هو الذي سيفقد حقه
المسجل في السجل العقاري ،ولذلك يجب أن يكون ذلك برضاه ،1غير أنه في الواقع يقوم
المحافظ بالتحقق من هوية كافة األطراف المذكورة في سند التقييد ،وحالتهم المدنية ،ال فرق
في ذلك بين المفوت والمفوت له ،وهذا ما يؤكده الفصل 11الذي لم يقتصر على ذكر هوية
المفوت وحده ،2وإنما استعمل صيغة عامة تفيد أن كل األطراف معنية بمقتضاها؛
1
محمد مهدي الجم ،التحفيظ العقاري بالمغرب ،مطبعة النجاح الجديدة -الدر البيضاء ،السنة ،3313الصفحة .111
ينص الفصل 11من ظهير التحفيظ العقاري ،كما تم تغييره وتتميمه بمقتضى القانون رقم ،30.11على ما يلي" :تعتبر هوية كل طرف وصفته 2
وأهليته محققة إذا استند الطلب على محررات رسمية ."...وهذا خالف ما يراه بعض الباحثين من أن المحافظ غير ملزم بالتحقق من هوية المفوت
إليه؛ أي المستفيد من التفويت ،تقيدا بحرفية مقتضيات الفصل 11من ظهير التحفيظ العقاري ،أنظر في هذا الصدد :عبد العالي دقوقي ،مرجع
سابق ،الصفحة 111؛ محمد خيري ،العقار وقضايا التحفيظ العقاري ،في التشريع المغربي ،مطبعة المعارف الجديدة ( )CTPالرباط ،سنة ،1139
الصفحة .103
191
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ومعلوم أن هوية األطراف تتضمنها الوثائق والمحررات التي يتم االستناد عليها في
طلب التقييد ،وهي إما محررات رسمية ،أو محررات عرفية1؛
فإذا كان األمر يتعلق بمحررات رسمية ،فإن دور المحافظ على األمالك العقارية
يقتصر على المقارنة بين الهوية المضمنة في المستندات مع ما هو مضمن في وثائق
التعريف بهوية الشخص المعني؛ كبطاقة التعريف الوطنية ،أو جواز السفر ،كما يقارن بين
هذه البيانات بما هو مدون في السجل العقاري ،وذلك للتحقق من احترام مبدأ تسلسل
التقييدات .2أي أن كل حق يطلب تقييده يجب تلقيه ممن يكون العقار أو الحق مقيدا باسمه.
وفي هذا اإلطار يعتبر الفصل 11من ظهير التحفيظ العقاري أن هوية األطراف
وأهليتهم تكون محققة ،إذا كانت التوقيعات الموضوعة على السندات أو العقود المدلى بها
مصادقا عليها من طرف السلطات المختصة.
أما المحررات العرفية ،فمنذ صدور القانون رقم 13.19المتعلق بمدونة الحقوق العينية
كما وقع تتميمه ،3لم تعد معتمدة في التصرفات المتعلقة بنقل الملكية أو بإنشاء الحقوق
العينية األخرى ،أو نقلها ،أو تعديلها ،أو إسقاطها ،إال بصفة استثنائية ،وفي حالة واحدة
فقط ،ووفق شكليات محددة قانونا ،حيث أوجبت المادة 0من هذا القانون ،تحت طائلة
البطالن ،أن تحرر جميع التصرفات المشار إليها ،بموجب محرر رسمي ،وبصفة استثنائية
بمحرر ثابت التاريخ 4يتم تحريره من طرف محام مقبول للترافع أمام محكمة النقض ،مع
يعرف الفصل 039من قانون االلتزامات والعقود الورقة الرسمية بأنها تلك التي يتلقاها الموظفون العموميون الذين لهم صالحية التوثيق في مكان 1
تحرير العقد ،في الشكل الذي يحدده القانون"...؛ أما الورقة العرفية فقد نص عليها الفصل 010من نفس القانون الذي جاء فيه ما يلي" :الورقة
العرفية المعترف بها ممن يقع التمسك بها ضده أو المعتبرة قانونا في حكم المعترف بها منه ،يكون لها نفس قوة الدليل التي للورقة الرسمية في
مواجهة كافة األشخاص على التعهدات والبيانات التي تتضمنها ،وذلك في الحدود المقررة في الفصلين 033و 011عدا ما يتعلق بالتاريخ كما
سيذكر فيما بعد".
2
جاء في قرار للمجلس األعلى..." :فالقرار رد استئناف الطاعن بعلة أن " :البائع المذكور .....غير مسجل في الرسم العقاري المذكور ،وإنما
أشخاص آخرون ،وال يمكن للمحافظ على األمالك العقارية معه أن يسجل عقد البيع المدلى به من طرف المدعي ،قبل التشطيب على من هم
مسجلون بالرسم المذكور ،ألن ما تم تسجيله بالرسم العقاري ال يمكن التشطيب عليه من طرف المحافظ ،إال في الحاالت وبالوسائل المنصوص
عليها في الفصل 33من ظهير التحفيظ العقاري لسنة " ،3331فإنه نتيجة لما ذكر كله وبهذه التعليالت غير المنتقدة ،يكون القرار مرتك از على
أساس قانوني ،ومعلال تعليال كافيا" .مشار إليه من طرف :عمر أزوكار ،مرجع سابق ،الصفحة .15
ظهير شريف رقم 3.33.319صادر في 15من ذي الحجة 11( 3011نوفمبر )1133بتنفيذ القانون رقم 13.19المتعلق بمدونة الحقوق 3
192
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
التقيد ببعض اإلجراءات المحددة في هذه المادة؛ كأن يتم توقيع جميع صفحات العقد من
طرف المحامي والتأشير عليها من األطراف ،وتصحيح اإلمضاءات والتعريف بإمضاء
المحامي....
وفي إطار التصدي لظاهرة االستيالء على أمالك الغير ،جاء القانون رقم 13.31
القاضي بتتميم المادة 0من مدونة الحقوق العينية ،حيث أضاف إلى مقتضيات هذه المادة،
المعامالت التي يتم إبرامها عن طريق الوكاالت ،فأوجب أن تحرر هذه األخيرة بنفس الشكل
الذي تحرر به التصرفات المشار إليها في هذه المادة ،حيث أصبحت الفقرة األولى من
المادة 0تنص على ما يلي:
ويتضح من ذلك ،أن المحافظ على األمالك العقارية لم يعد يتشدد في مراقبة المحررات
والوثائق ،مادامت هوية األطراف يتم التحقق فيها من قبل محرريها المحصورين في الموثقين
والعدول ،والمحامين الذين يتوفرون على الشروط المنصوص عليها في المادة 0من مدونة
الحقوق العينية.
كما يتحقق المحافظ من أهلية األطراف ،ولعل أهم ما يراقبه في هذا الصدد ،هو
عوارض األهلية المتعلقة بالسن القانوني ،حيث يقوم بالتحقق من مطابقة البيانات المتعلقة
بالحالة المدنية المضمنة في سند التقييد مع بيانات الرسم العقاري ،أما بالنسبة للمفوت إليه،
فإن المحافظ يعتمد على العقد والوثائق األخرى المدلى بها إلثبات أهليته ،وعند خلوها من
اإلشارة إلى أي عارض من عوارض األهلية ،فهذا يعتبر قرينة بسيطة على كمال األهلية.2
ظهير شريف رقم 3.31.51صادر في 9ذي الحجة 11( 3019غشت )1131بتنفيذ القانون رقم 13.31القاضي بتتميم المادة 0من 1
القانون 13.19المتعلق بمدونة الحقوق العينية( .الجريدة الرسمية عدد 1110وتاريخ 30شتنبر .)1131
آيت احمد ياسين رقابة المحافظ على الوثائق المدعمة للتقييدات والتشطيبات على ضوء مستجدات قانون ،30.11منشورات مجلة العلوم القانونية 2
العدد األول .1130المخصص لموضوع :مستجدات قانون التحفيظ العقاري بين النص القانوني والعمل القضائي ،الصفحة .303
193
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
غير أن رقابة المحافظ على األمالك العقارية تصطدم أحيانا بإكراهات واقعية تصعب
عليه القيام بمهمة التقييد ،منها مثال؛ عدم تطابق منطوق الحكم مع البيانات المضمنة في
الرسم العقاري ،كما قد يحدث هذا اإلشكال أيضا بين ما هو مسجل في الرسم العقاري وبين
ما هو مدون في السجل التجاري ،فقد يحدث أن تكون شركة ما في وضعية تسوية أو
تصفية قضائية ،ويتم تقييد هذه الوضعية في السجل التجاري ،دون تحيين الرسم العقاري.
وفي هذا الصدد قضت محكمة االستئناف بوجدة بأنه من آثار التصفية غل يد التاجر من
التصرف في أمواله ،بحيث تنعدم لديه األهلية في مسائله التجارية ،وبالتالي فإن أي تفويت
ألمواله التابعة للشركة خارج التصفية القضائية ،تعد كأنها لم تكن وال أثر لها في مواجهة
الغير ،وأن العقد المبرم بين الطرفين يكون باطال ،ويكون تبعا لذلك التسجيل المؤسس على
الرسم المذكور غير مؤسس قانونا بحيث إن التصريح ببطالن العقد المستند عليه التسجيل
يستتبع التشطيب عليه من الرسم المذكور.1
ومهما يكن من أمر ،إن المحافظ على األمالك العقارية ال يمكنه أن يتحقق من أهلية
المفوت ،إال من خالل ما هو مسجل في السجل العقاري ،ألن مسؤوليته وحدود اختصاصه
ينحصر فيما هو مسجل في السجل المذكور ،وعلى كل شخص يدعي عدم أهلية المفوت،
أن يتقدم بطلب تقييد ذلك بالرسم العقاري حتى يكون له أثر ترتيب مسؤولية المحافظ في
حالة عدم التحقق منها.2
وخالصة القول إن الفصل 11من ظهير التحفيظ العقاري نبه فيه المشرع إلى
مسؤولية المحافظ على األمالك العقارية في التحقق من هوية المفوت ،وعمليا من هوية
المفوت إليه أيضا ،وأهليتهم ،وأعفاه في الفصل 11من مسؤولية التحقق من هوية األطراف
وصفاتهم في العقد ومن أهليتهم للتصرف ،عندما يتعلق األمر بطلب تقييد محرر رسمي.
وبذلك أصبحت مسؤولية المحافظ على األمالك العقارية منحصرة في مراقبة توفر المحرر
الرسمي على الشكليات المطلوبة لصحته ،وعلى عدم تعارض مضمونه مع مضمون الرسم
1
القرار عدد 3011الصادر عن محكمة االستئناف بوجدة بتاريخ 31نونبر 1119في الملف المدني عدد ،10/3151مشار إليه من طرف
األستاذ إدريس الفاخوري في مقاله مسؤولية المحافظ على األمالك العقارية ،مرجع سابق ،الصفحة .5
2
الحكم الصادر عن المحكمة االبتدائية بطنجة بتاريخ 11نونبر 1119في الملف عدد ،31/11/0115منشور في مؤلف :إدريس الفاخوري،
قضايا المنازعات العقارية ،مرجع سابق ،الصفحات من 351إلى .315
194
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
العقاري أو مع القانون ،بمعنى أنه ما زال يراقب صحة السندات المدلى بها إليه شكال
وجوهرا ،ومسؤوال بالتالي عن الخطأ والمخالفات التي قد تظهر في الوثائق المعتمدة في
التقييد ،وإن كانت مسؤوليته عن مخالفة الهوية أو الصفة أو األهلية للواقع قد انتهت.1
ومما تجدر اإلشارة إليه ،أنه إذا كانت األخطاء المرتكبة من طرف المحافظ على
األمالك العقارية ،في إطار قانون االلتزامات والعقود يتم تكييفها من طرف القضاء ،انطالقا
من الوقائع والعناصر المكونة لهذه األخطاء ،حيث يميز بين األخطاء المرفقية واألخطاء
الشخصية للمحافظ ،مع ما يترتب عن ذلك من تطبيق النص القانوني المناسب وترتيب
النتائج المترتبة عن ذلك ،فإن األخطاء الناتجة عن عدم تطبيق مقتضيات الفصل 11وما
يليه ،تعتبر أخطاء شخصية للمحافظ على األمالك العقارية بغض النظر عن طبيعتها ،حيث
تولى المشرع تصنيفها في هذا اإلطار ،وبالتالي يتحمل تبعاتها المحافظ ،شخصيا ولو كانت
غير جسيمة .وهذا ما ينطبق أيضا على صالحية التحقق من صحة الوثائق والمستندات
شكال وجوهرا.
يلزم المحافظ على األمالك العقارية بالتحقق أثناء اتخاذ ق ارراته ،من صحة الوثائق
والمستندات التي يستند عليها في التقييد والتشطيب ،شكال وجوهرا ،ومن ثم يتعين عليه أن
يتحلى باليقظة والحذر ،ويجب عليه أن يتوخى الدقة في فحصه للوثائق المدلى بها أمامه،
تحت مسؤوليته الشخصية ،2وذلك وفق ما ينص عليه الفصل 11من ظهير التحفيظ
العقاري ،كما تم تغيره وتتميمه بمقتضى القانون .03.11
وإذا كان التحقق من هوية المفوت وحتى من هوية المفوت إليه ،من األمور التي ال
تثير إشكاالت هامة ،فإن التحقق من صحة الوثائق شكال ومضمونا أثار نقاشا بين الباحثين
والمهتمين بمجال نظام التحفيظ العقاري؛
1
محمد الفلجي :المحافظ على األمالك العقارية ،مهامه ومسؤولياته " ،محاضرة ألقيت في دورة تكوينية لفائدة موظفي وأطر و ازرة االقتصاد والمالية
حول موضوع :اإلشكاليات في ميدان التحفيظ العقاري" ،الصفحة .35السنة ( ،1131غير منشورة).
إدريس الفاخوري ،نظام التحفيظ العقاري وفق مستجدات القانون ،30.11منشورات مجلة الحقوق ،مطبعة المعارف الجديدة -الرباط ،طبعة 2
،1135الصفحة .311
195
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
لذلك فإن الصيغة المطلقة والعامة التي جاءت بها مقتضيات الفصل 11من ظهير
التحفيظ العقاري ،دفعت الباحثين إلى التساؤل حول ما إذا كانت األحكام القضائية تخضع
هي أيضا لرقابة المحافظ من حيث صحتها وسالمتها ،ما دامت تدخل ضمن الوثائق
والمستندات التي يمكن أن يستند إليها طالبو التقييد.
وإذا كانت المراقبة الشكلية لهذه األحكام تبدو مقبولة ومستساغة ،فإن أراء ومواقف
الباحثين اختلفت حول الرقابة الجوهرية؛ بمعنى هل يجوز للمحافظ أن يبسط رقابته على
األحكام القضائية من حيث الجوهر؟
فمن الناحية الشكلية يبسط المحافظ على األمالك العقارية رقابة صارمة على شكليات
األحكام القضائية ،كالتحقق من نهائية الحكم وحيازته لقوة الشيء المقضي به ،وإشفاعه
بالصيغة التنفيذية ،والتحقق من شهادة عدم الطعن ،ومطابقة هوية أطراف الحكم مع البيانات
المتعلقة بالرسم العقاري.
أما الرقابة على األحكام القضائية من حيث الجوهر ،فقد اختلفت أراء الباحثين حول
جوازها من عدمها ،ولكل موقف مبرراته وأسانيده؛ فيرى جانب من الباحثين أنه نظ ار
لخصوصيات المادة العقارية ،سيما في شقها المتعلق بالسجالت العقارية ،فإن المحافظ
مطالب ببسط رقابته على األحكام القضائية ،كالتحقق من عدم وجود حجوز عقارية مقيدة
على الرسم العقاري ،ومن وجود غير حسن النية استفاد من التفويت ،دون وجود تقييد
احتياطي يحفظ الحق لحامل الحكم القضائي.....1
غير أن هناك من الباحثين والممارسين من يعارض هذا الموقف ،وعلى راسهم المحافظ
العام الذي افتى بأنه ليس من صالحية المحافظ على األمالك العقارية التحقق من صحة
األحكام القضائية من حيث الجوهر ،وذلك بواسطة المذكرة عدد 191وتاريخ 11فبراير
.3391
1
أنظر مثال عبد العالي دقوقي ،مرجع سابق ،الصفحة 111؛ كمال عونة ،تنفيذ المحافظ على األمالك العقارية للمقررات القضائية ،بين تطبيق
العامة والخاصة على ضوء مستجدات القانون رقم ،30.11أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص ،وحدة التكوين والبحث في قانون العقود
والعقار ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،جامعة محمد األول بوجدة ،السنة الجامعية ،1131-1131الصفحة 111؛ رضوان دزاري،
المحافظ بين المسؤولية المدنية والمسؤولية اإلدارية ،بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص ،وحدة التكوين والبحث في القانون
المدني ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء ،السنة الجامعية ،1111-1113الصفحة .39
196
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
أما على مستوى العمل القضائي ،فقد صدر قرار شهير عن المجلس األعلى بتاريخ 1
يوليوز ،1111ميز فيه بين التنفيذ والتقييد؛ فالتقييد على الرسم العقاري ،حسب هذا القرار،
يخضع للشروط والمقتضيات التي قررها ظهير التحفيظ العقاري الذي يلزم المحافظ بالتحقق،
تحت مسؤوليته الشخصية من صحة الوثائق المدلى بها شكال وجوهرا ،ومن كون مضمونها
ال يتعارض مع مضمون الرسم العقاري المعني ،ومن كونها غير متوقفة على وثائق أخرى،
ومن كونها تجيز تقييد الحقوق التي تتضمنها .أما في حالة إثارة صعوبات في التنفيذ فإنه
يتعين اللجوء إلى القاضي الذي أصدر الحكم المذكور لرفع الصعوبات والعراقيل التي تحول
دون تقييده .1
ولقد حاول االتجاه المؤيد لرقابة المحافظ لألحكام القضائية من حيث الجوهر ،أن
يستند على هذا القرار لتأسيس موقفه وتعزيز رأيه ،لكن الواقع خالف ذلك ،ألن المجلس
األعلى لم يجز للمحافظ صالحية مناقشة األحكام القضائية وبسط رقابته عليها ،وإنما قضى
بأن رفض المحافظ تنفيذ حكم قضائي يرجع إلى وجود صعوبة جدية حالت دون ذلك ،و:
"أنه كان على من المفروض أمام الصعوبات التي أثارها المحافظ وتمسك بها تجاه
طلبات ال مستأنف عليهما أن يلجأ المعنيان باألمر إلى القاضي الذي أصدر الحكم
المذكور لرفع الصعوبات والعراقيل المشار إليها حول طبيعة الحق المراد تقييده ،وما
إذا كان مفرزا ،أو شائعا ،والتأكد من توفر باقي الشروط األخرى المجيزة لتقييده في
الرسم العقاري ،ذلك أن قاضي اإللغاء يقتصر دوره على مراقبة مشروعية المقرر
المطعون فيه ،وال يمكنه أن يعوض القرار الملغى بقرار أخر بدال عنه ،مما يعني أن
هناك دعوى موازية أمام القضاء العادي للبت في النزاع المذكور ،وأن المحكمة
اإلدارية قد أخطأت عندما صرحت ضمنيا باختصاصها للبت في الطلب رغم وجود
هذه الدعوى".
وعلى الرغم من كون هذا القرار يناقش مسألة الدعوى الموازية التي تمنع اللجوء إلى
قضاء اإللغاء ،فإنه يتضمن إشارات واضحة وصريحة تفيد بأن المحافظ على األمالك
1
القرار عدد 3111الصادر عن المجلس األعلى بتاريخ 11يوليوز ،1111في الملف اإلداري عدد ،33/3/0/101منشور في مؤلف :إدريس
الفاخوري ،قضايا المنازعات العقارية ،مرجع سابق ،الصفحات من 310إلى .311
197
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
العقارية يحق له اللجوء إلى إثارة صعوبات تحول دون تنفيذ حكم قضائي .ولم يتضمن،
حسب اعتقادنا ،ما يفيد منح المحافظ صالحية مراقبة األحكام القضائية من حيث الجوهر.
وبناء عليه ،يكون من حق المحافظ إثارة صعوبات تحيل دون تنفيذ حكم قضائي ،وهذا
العمل ال يمكن اعتباره مراقبة لهذا الحكم من حيث الجوهر.
والمحافظ على األمالك العقارية يستند دوما ،عند رفضه تنفيذ حكم قضائي إلى مبررات
وأسباب يتعذر عليه في ظل وجودها تنفيذ منطوقه ،وهو بالتالي يثير في واقع األمر،
صعوبات واقعية أو قانونية تعوق التنفيذ ،1ولذلك قضت المحكمة اإلدارية بمراكش بأن أمر
البت في هذه الصعوبات يرجع فيها إلى قاضي التنفيذ بالمحكمة التي تباشر أمامها إج ارءات
تنفيذ الحكم المستشكل .ويترتب عن ذلك أن إثارة المحافظ للصعوبة في التنفيذ ال تعتبر ق ار ار
إداريا لعدم توفر مقومات هذا القرار ،باعتبار أنه لن ينشئ أية حالة قانونية ولم يؤثر بذاته
في المركز القانوني للشخص المخاطب به ،وإنما هو في واقع األمر موقف محدد من عملية
تنفيذ حكم قضائي نهائي استند فيه المحافظ إلى أن الطعن بالنقض يوقف عملية التنفيذ
معتمدا في ذلك على مقتضيات الفصل 113من قانون المسطرة المدنية .ولذلك يكون
المحافظ من خالل موقفه هذا إنما يثير صعوبة قانونية تحول دون تنفيذ الحكم القضائي
المعني باألمر.2
ومعلوم أن إثارة الصعوبة في تنفيذ حكم قضائي ال تعتبر رقابة عليه وال مناقشة
لحيثياته وتعليالته ،وإنما هي مسطرة أجازها المشرع لكل من اعترضته صعوبات جدية؛
قانونية أو واقعية ،حالت دون التنفيذ .وهي مكنة يلتجئ إليها المحافظ ،حتى ولو لم يكن
طرفا في الدعوى التي صدر فيها الحكم المستشكل ،ما دام هو المعني بالتنفيذ.3
1
حلمي نفطاطة ،ق اررات المحافظ العقاري برفض تنفيذ حكم قضائي نهائي ،بين الطعن فيها باإللغاء للتجاوز في استعمال السلطة وطريق العن
الموازي ،مقال منشور في مجلة المحامي( ،دورية تصدر عن هيئة المحامين بمراكش) ،العدد 11شتنبر ،1131الصفحة .39
2
الحكم الصادر عن المحكمة اإلدارية بمراكش بتاريخ 13أبريل 1113في الملف عدد 1113/1/11غ ،أشار إليه :حلمي نفطاطة ،المرجع
السابق الصفحة ،313الهامش .3
3
أثار موضوع إثارة المحافظ على األمالك العقارية للصعوبة في تنفيذ حكم قضائي لم يكن طرفا فيه ،نقاشا واسعا بين الباحثين والممارسين،
وذلك بسبب عدم التنصيص على ذلك صراحة في النصوص القانونية المتعلقة بالتنفيذ ،واعتبا ار أيضا لمبدأ نسبية األحكام القضائية ،وفي هذا
الصدد قضى المجلس األعلى بأنه " :بناء على مبدأ نسبية األحكام ،فالمطلوبة لم تكن لها الصفة في إثارة الصعوبة التي أناطها الفصل 011من
قانون المسطرة المدنية باألطراف دون غيرها"( القرار عدد 135الصادر عن المجلس األعلى بتاريخ 11مارس 3333في الملف المدني رقم
، 91/3113مجلة قضاء المجلس األعلى ،العدد ،05الصفحة .11
198
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
غير أنه يتعين على المحافظ الذي تعترضه صعوبات قانونية أو واقعية تعوق التنفيذ،
أال يكتفي بالتصريح بوجود هذه الصعوبات في محاضر التنفيذ ،وإنما يتعين عليهم مباشرة
المسطرة المنصوص عليها في الفصل 011من قانون المسطرة المدنية باعتبارهم أصحاب
المصلحة في إثارتها ،وذلك بإحالتها على قاضي التنفيذ الذي يقدر ما إذا كانت االدعاءات
المتعلقة بها مجرد وسيلة للمماطلة والتسويف ترمي المساس بالشيء المقضي به ،إذ يأمر
في هذه الحالة بصرف النظر عن ذلك ،وإذا ظهر له أن الصعوبة جدية أمكن له أن يأمر
بإيقاف التنفيذ إلى أن يبت في األمر.1
والواضح مما سبق ،أن المحافظ على األمالك العقارية ال يراقب هذه األحكام من حيث
الجوهر ،وإنما يحيل الوضعية كما هي على قاضي التنفيذ الذي يتخذ القرار في ضوء
مالبسات القضية وظروفها.
وفي هذا الصدد قضت محكمة النقض بأن المحافظ على األمالك العقارية الذي
يرفض تقييد حكم قضى بإتمام إجراءات بيع عقار ،بعلة وجود صعوبة في التقييد ،وبعدم
غير أن هذا الموقف فيه نظر لكون الفصل 011من قانون المسطرة المدنية يتحدث عن األطراف التي يجوز لها إثارة صعوبات قانونية وواقعية
تحول دون تنفيذ الحكم ،ولعل المقصود باألطراف ،هي المعنية بالتنفيذ وليست أطراف الدعوى التي صدر فيه الحكم موضوع التنفيذ ،والدليل على
ذلك أن العون المكلف بالتبليغ ،وهو غير طرف في الدعوى ،يحق له إثارة الصعوبة.
والواقع أن أغلب العمل القضائي لم يعد يأخذ بهذا الموقف .وقد سبق أن أشرنا إلى القرار عدد 3111الصادر عن المجلس األعلى بتاريخ 11
يوليوز 1111في الملف اإلداري عدد ، 33/3/0/101والذي تبنى موقف المحافظ على األمالك العقارية الذي أثار صعوبة في تنفيذ حكم ،ولو أن
المجلس األعلى قضى بأنه كان من المفروض أمام الصعوبات التي أثارها المحافظ ،أن يلجأ طالب التنفيذ إلى القاضي الذي أصدر الحكم المذكور
لرفع الصعوبات والعراقيل المشار إليها حول طبيعة الحق المراد تقييده ،وبالتالي فإن الذي يلجأ إلى القاضي المكلف بالتنفيذ هو طالب التنفيذ وليس
المحافظ.
وفي هذا الصدد يرى األستاذ عبد العتاق فكير ،أن أطراف الدعوى ليسوا بالضرورة هم أنفسهم أطراف الصعوبة ،وأن التوجه الحديث للعمل القضائي
استقر على أن صعوبة التنفيذ لها طبيعة مرنة ،يتسع مدلولها ليشمل إضافة إلى أطراف الحكم أطرافا أخرى ،قد تؤدي عملية التنفيذ إلى المساس
بمصالحها ،كما يتسع هذا المدلول ليشمل كل نقص أو إغفال لبيانات قانونية وكل نقص في السند التنفيذي ....ولذلك فهذا التوجه يعطي مفهوما
واسعا ألطراف الصعوبة( .مقتطفات من مداخلة عبر تقنية الفيديو (مناظرة مرئية) ،ألقاها األستاذ :عبد العتاق فكير ،رئيس المحكمة اإلدارية
بالرباط بتاريخ 9ماي 1111على الساعة العاشرة والنصف ليال ،الدقيقة ،11بعنوان خصوصيات القضاء االستعجالي
اإلداري.https//m.facebook.com>vidios.
1
فكير عبد العتاق ،الرقابة القضائية على ق اررات المحافظ العقاري من خالل قرارات محكمة النقض ،مجلة مغرب قانون ،Maroclaw.com ،تاريخ
الزيارة 15مايو ،1111الساعة الخامسة بعد الزوال.
199
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
نهائية األحكام المدلى بها ،ولوجود غموض في منطوق الحكم االبتدائي ،يكون غير مرتكب
ألي خطأ من جانبه بالشكل الذي من شأنه أن يبرر الحكم عليه بالتعويض.1
وفضال عما سبق ،إن رقابة المحافظ على األمالك العقارية لألحكام من حيث الجوهر،
يتعارض مع المبادئ القانونية ،وحتى الدستورية؛ ذلك أن من شأن بسط المحافظ على
األمالك العقارية رقابته على األحكام القضائية من حيث الجوهر ،اصطدامه بمبدأ فصل
السلط الذي يقوم على أساسه النظام الدستوري المغربي ،2ولذلك ال يجوز له مناقشة
حيثيات الحكم ،ألن ذلك من صميم اختصاص السلطة القضائية ،كما أن ذلك يتعارض مع
مبادئ قانون المسطرة المدنية؛ إذ أن الجهة التي تبسط رقابتها على األحكام القضائية هي
المحكمة األعلى درجة ،وعند االقتضاء ،هي محكمة النقض .وفي المقابل يحق للمحافظ
على األمالك العقارية أن يثير صعوبات في التنفيذ إذا تبينت له أسباب جدية لذلك ،وعند
االقتضاء ،مطالبة األطراف المعنية بإثارة هذه الصعوبات أمام الجهة القضائية المختصة،
للعمل على رفعها.
لقد كان الفصل 31من ظهير التحفيظ العقاري ،قبل تتميمه بالقانون 03.11ينص
على ما يلي:
" إن المحافظ على األمالك العقارية مسؤول شخصيا عن الضرر الناتج عن:
-3إغفال التضمين بسجالته لكل تقييد ،أو بيان ،أو تقييد احتياطي ،أو
تشطيب طلب منه بصفة قانونية؛
1
القرار عدد 3/191الصادر عن محكمة النقض بتاريخه 15أبريل 1139في الملف اإلداري عدد ،11139/3/0/110منشور في منشورات
للمجلة المغربية لألنظمة القانونية والسياسية ،العدد 31الخاص ب :النظام العقاري المغربي :الجوانب القانونية والمنازعات القضائية ،مطبعة األمنية
– الرباط ،الطبعة األولى ،1133الصفحة 111وما يليها.
2
ينص الفصل 3من الدستور المغربي على ما يلي" :يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط"...
200
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ولقد طرح إشكال حول تفسير الفصل ،13حتى قبل تعديله ،فتم التساؤل عما إذا كانت
تتعلق مقتضياته فقط باألخطاء المرتكبة من قبل المحافظ في مرحلة ما بعد تأسيس الرسم
العقاري؟ أم أن هذا المقتضى القانوني ينسحب أيضا على اإلغفال الذي يقع أيضا في مرحلة
التحفيظ وتأسيس الرسم العقاري ،كاإلغفال الذي يطال تقييدا على مطلب التحفيظ مثال؟
ولعل ما دفع إلى طرح هذا السؤال هو أن المشرع أورد هذا المقتضى القانوني في ظهير
التحفيظ العقاري في القسم المتعلق بإشهار الحقوق ،وتقييدها والتشطيب عليها ،بعد ما نقله
من الفصل 10الذي يتعلق بالتحفيظ وتأسيس الرسم العقاري.
1
يوسف مختاري مرجع سابق ،الصفحة .151
201
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
لقد اختلفت آراء الباحثين حول الجواب عن هذا السؤال ولكل أسانيده ومبرراته؛ فهناك
من يرى1أنه يجب التمييز بين مسؤولية المحافظ على األمالك العقارية على جميع العمليات
التي يقوم بها ،والتي تخضع للقواعد العامة المنصوص عليها في الفصل 91من قانون
االلتزامات والعقود ،ومسؤوليته الشخصية المنصوص عليها بصفة استثنائية في الفصل 31
من قانون التحفيظ العقاري ،والتي تتعلق بالعمليات الالحقة للتحفيظ ،بدليل أن هذا الفصل
وارد في القسم الثاني من ظهير التحفيظ العقاري الخاص بإشهار الحقوق العينية ،هذا إضافة
إلى أن عبارات الفصل 31صريحة في هذا المجال ،وبالتالي ال يجوز ،حسب هذا الرأي،
إدراج األخطاء المرتبطة بقرار التحفيظ في حاالت الفصل ،31ألنها ال تستوعب نزاعات
تأسيس الرسم العقاري نتيجة التحفيظ ،كما ال يجوز التوسع في عبارات هذا الفصل ،لكونه
استثناء من األصل.
في حين يذهب رأي آخر 2عكس ذلك ،حيث يرى أن حاالت األخطاء المنصوص
عليها في الفصل 31من قانون التحفيظ العقاري ،ليست سوى تطبيقا وتفسي ار لمقتضيات
الفصل 91من قانون االلتزامات والعقود؛ أي أنها تبقى ،في نهاية المطاف ،خاضعة
للمبادئ العامة ،وال تعتبر خروجا عنها واستثناء عليها ،وتبعا لذلك ،فإن أي فساد في
التضمين أو إغفال بيان ما ،يشمل كذلك اإليداعات المنصبة على مطالب التحفيظ ،كما هو
الشأن في الحالة المنصوص عليها في الفصل 90من ظهير التحفيظ العقاري 3التي يكون
العقار في طور التحفيظ موضوعا لها.
ونرى أنه من خالل التمعن في مقتضيات الفصل ، 31ال سيما بعد تتميمه بالقانون
، 30.11يتبين أن المشرع المغربي حاول أن يحسم هذا النقاش ،من خالل تبنيه لموقف
المجلس األعلى الذي قضى بأن حاالت األخطاء المنصوص عليها في هذا الفصل ،ما هي
إال تطبيقا للفصل 91من قانون االلتزام والعقود ،ذلك أن األخطاء الشخصية التي عددها
الفصل 31من ظهير التحفيظ العقاري تتأسس على جسامة الخطأ الذي جاء به الفصل 91
فاطمة الحروف حجية القيد في السجل التجاري ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية 1
202
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ولما كان األمر كذلك ،فإن المحافظ على األمالك العقارية 1
من قانون االلتزامات والعقود.
يكون مسؤوال شخصيا عن األخطاء المترتبة عن األفعال المحددة في الفصل ،31بغض
النظر عن طبيعتها ودرجة جسامتها ،وعن كل األفعال األخرى التي تشكل تدليسا أو أخطاء
جسيمة ،وفقا لمقتضيات الفصل ،91وبغض النظر أيضا ،عن المرحلة التي ارتكبت فيها،
وتبعا لذلك تدخل في خانة هذه األخطاء ،تلك المرتكبة بمناسبة إشراف المحافظ العقاري على
عملية التحفيظ وتأسيس الرسم العقاري ،أو بمناسبة قيامه بالتقييدات ،والتسجيالت المنصبة
على الرسوم العقارية ،وفق التحديد الوارد في الفصل األول من ظهير التحفيظ العقاري
الحالي ،2وبالتالي لم يعد المحافظ خاضعا لمقتضيات الفصل 10من ظهير التحفيظ
العقاري.3
وفي هذا الصدد قد يطرح التساؤل حول مسألة حلول صندوق التأمينات المحدث
بمقتضى الفصل 311من ظهير التحفيظ العقاري ،كما تم تغييره بالقانون ،03.11والتي لم
يتم التنصيص عليها في الفصل ،31وإنما نص عليها المشرع في الفصل ،10وبما أن هذا
الفصل األخير أصبح يؤطر مسؤولية األضرار الناتجة عن تحفيظ الملك بسبب التدليس
1
القرار عدد القرار عدد 919الصادر عن المجلس األعلى بتاريخ 1فبراير 1115في الملف اإلداري عدد 1111-1-0-1959وعدد -1953
.1111-1-0
ينص الفصل األول من ظهير 31غشت 3331المتعلق بالتحفيظ العقاري ،كما تم تغييره وتتميمه بمقتضى القانون رقم 30.11على ما يلي": 2
يرمي التحفيظ إلى جعل العقار المحفظ خاضعا للنظام المقرر في هذا القانون ،من غير أن يكون في اإلمكان إخراجه منه فيما بعد ،ويقصد منه:
-تحفيظ العقار بعد إجراء مسطرة للتطهير ،يترتب عنها تأسيس رسم عقاري ،وبطالن ما عداه من الرسوم ،وتطهير الملك من جميع الحقوق غير
المضمنة فيه؛
-تقييد كل التصرفات ،والوقائع الرامية إلى تأسيس ،أو نقل ،أو تغيير ،أو إقرار ،أو إسقاط الحقوق العينية ،أو التحمالت المتعلقة بالملك ،في الرسم
العقاري المؤسس له".
ولقد أثار هذا التعديل الذي أدخل على مقتضيات الفصل األول وتتميمه بمقتضيات أخرى ،عدة نقاشات ،ال سيما عندما أدخل المشرع عمليات
التقييد في الرسم العقاري ضمن نفس األحكام المطبقة على مسطرة التحفيظ ،على اعتبار وجود بعض المقتضيات التي يصعب تطبيقها على
عمليات التقييد والتسجيل ،خاصة فيما يتعلق بالمنازعات القضائية المثار حول تطبيق هذا القانون ،ومن بين هذه المقتضيات مثال ما ورد في
الفصل 113من قانون المسطرة المدنية من كون الطعن بالنقض ال يوقف التنفيذ ،إال في حاالت استثنائية محددة حصرا؛ ومنها األحكام الصادرة
في قضايا التحفيظ العقاري ،وكذلك ما ينص عليه الفصل 313من قانون التحفيظ العقاري الحالي من أن األحكام الصادرة في مادة التحفيظ
العقاري ال تقبل الطعن إال باالستئناف والنقض ،فهل تطبق هذه المقتضيات حتى على القضايا المتعلقة بالتقييد أم أنها مخصصة لقضايا مسطرة
التحفيظ فقط؟
لمزيد من التفصيل حول هذه النقطة القانونية يراجع مقال :عبد القادر البنحياتي :مستجدات قانون التحفيظ العقاري (القانون ،)30.11منشورات
مجلة العلوم القانونية ،سلسلة فقه القضاء العقاري العدد األول ،1130حول مستجدات قانون التحفيظ العقار بين النص القانوني والعمل القضائي،
الصفحة .335
3
قد يطرح التساؤل حول أساس مسؤولية المحافظ بناء على التدليس ،والجواب على ذلك يجد سنده في مقتضيات الفصل 91التي تبقى مطبقة على
المحافظ على األمالك العقارية ،غير أن الوكالة الوطنية ال تحل محل المحافظ في األداء إذا ثبت عسره ،وإنما يتولى ذلك صندوق التأمين.
203
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
المرتكب من غير المحافظ ،حسب التفسير الذي نتبناه ،فإنه يطرح التساؤل حول األساس
القانوني لحلول صندوق التأمين محل المحافظ في األداء عن االقتضاء؟
نعتقد أن اإلجابة عن هذا السؤال تجد أساسها في مقتضيات الفصل 311نفسها التي
تنص صراحة على أن الهدف من إحداث هذا الصندوق هو الحلول محل المحافظ العام أو
المحافظين على األمالك العقارية في حالة عسرهم ،في أداء ما قد يحكم به عليهم من مبالغ
لفائدة المتضررين ،من جراء خطأ في التحفيظ أو في تقييد الحقا .كما تجد أساسها أيضا في
مقتضيات القرار الوزيري المؤرخ في 10يونيو 3335المتعلق بتنظيم مصلحة المحافظة
على األمالك العقارية.
وبالرجوع إلى الفصل 311من ظهير التحفيظ العقاري ،بعد تتميمه بالقانون ،30.11
يتبين أن المشرع حرص على توضيح مقتضياته من حيث توسيع نطاق الحاالت التي
سيشملها الضمان ،فنص صراحة على أن صندوق التأمين يحل محل المحافظ في األداء من
جراء خطأ في التحفيظ أو في تقييد الحقا ،1وهذا ما يعزز تفسيرنا لمقتضيات الفصل 10
على أنها تؤطر فقط مسؤولية المدلس غير المحافظ ،ما دامت تتعلق فقط بعمليات التحفيظ،
كما تنسجم مع مقتضيات الفصل 31التي تؤطر مسؤولية المحافظ على األمالك العقارية
عن كل أنواع األخطاء الشخصية التي قد تصدر عنه أثناء ممارسة مهامه.
ويستنتج من هذا التفسير ،أن المشرع المغربي حاول أن يقلص من مجال األخطاء
المرفقية ،ويوسع في المقابل ،من قاعدة األخطاء التي يسأل عنها المحافظ شخصيا ،وبالتالي
يظل نطاق المسؤولية الشخصية للمحافظ واسعا جدا مقارنة مع باقي الموظفين والمسؤولين
لم يكن الفصل 311من ظهير التحفيظ قبل تتميمه وتغييره بالقانون ، 03.11يحدد نطاق تطبيقه من حيث األخطاء التي على أساسها يتم إحالله 1
محل المحافظ على األمالك العقارية ،فكانت صياغته على الشكل التالي" :يحدث صندوق لتأمين مسؤولية المحافظ على األمالك العقارية والرهون
يخصص ،في حالة إعسار هذا األخير ،ألداء المبالغ المحكوم بها عليه لفائدة الطرف المتضرر ،وعند االقتضاء ،لتعويض كل طرف حرم من حق
الملكية أو من حق عيني نتيجة قبول عقار وفقا ألحكام هذا الظهير"......
أما بعد التعديل ،أصبحت صياغة هذا الفصل على الشكل التالي:
"يؤسس صندوق للتأمين الغاية منه أن يضمن ،في حالة عسر المحافظ العام أو المحافظين على األمالك العقارية ،أداء المبالغ المالية التي قد يحكم
بها عليهم لصالح الطرف المتضرر من جراء خطأ في التحفيظ أو في تقييد الحق"...
204
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
اإلداريين ،ما دفع أحد الباحثين إلى التعبير عن خشيته من أن يكون لهذا األمر تأثير سلبي
على مردودية عمل المحافظ على األمالك العقارية.1
وبناء على ما سبق ،إن المسؤولية الشخصية للمحافظ على األمالك العقارية ال تتحدد
في نطاق التدليس والخطأ الجسيم في إطار مقتضيات الفصل 91من قانون االلتزامات
والعقود فقط ،وإنما تقوم أيضا في حالة ثبوت األفعال المنصوص عليها في الفصل 31من
ظهير التحفيظ العقاري،
نظ ار لجسامة األضرار التي قد تترتب عن األخطاء المرتكبة من قبل المحافظين على
األمالك العقارية أو من طرف طالبي التحفيظ ،ونظ ار لضخامة المبالغ التي قد يحكم بها في
قضايا التحفيظ العقاري بسبب بهذه األخطاء ،وضمانا لجبر هذه األضرار ولو نسبيا ،عن
طريق أداء التعويض النقدي ،فقد ارتأ المشرع المغربي أن يؤسس صندوقا يتولى تأمين
المحافظين على األمالك العقارية عن مسؤوليتهم الشخصية تجاه المتضررين ،فنص على
إحالله محلهم في حالة إثبات عسرهم،
1
انظر في نفس المعنى ،محمد الحياني ،المحافظ بين االختصاص والمسؤولية ،مداخلة في إطار الندوة المشتركة حول نظام التحفيظ العقاري
المغربي ،منظمة من طرف جمعية المحافظين والمراقبين ،بتعاون مع كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية أكدال ،جامعة محمد الخامس
بالرباط بتاريخ 0و 5ماي ،3331طبع ونشر مديرية المحافظة ،غشت .3331الصفحة .13
205
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
غير أن ما يالحظ من خالل االطالع على الفصل 311المشار إليه أن مقتضياته ال
تنسجم مع مقتضيات الفصل 10من نفس الظهير ،ذلك أن هذا الفصل األخير ينص على
أن الصندوق يحل محل مرتكب التدليس في أداء التعويض المحكوم به ضده في حالة
إعساره ،وأنه يفهم من هذا الفصل أن األمر يتعلق بمرتكب التدليس غير المحافظ على
األمالك العقارية ،في حين ينص الفصل 311على أن الغاية من تأسيس الصندوق هي أن
يضمن ،في حالة عسر المحافظ العام أو المحافظين على األمالك العقارية ،أداء المبالغ
المالية التي قد يحكم بها عليهم لصالح الطرف المتضرر من جراء خطأ في التحفيظ أو في
تقييد الحق .فهذا الفصل حصر نطاق الحلول في المحافظ العام والمحافظين دون غيرهم؛
يتبين مما سبق بأن هناك مقتضيات قانونية وتنظيمية تنظم صندوق التأمين مما يتعين
التطرق للنظام القانوني المؤطر لهذا الصندوق (الفقرة األولى) ،ولشروط إحالله محل
المحافظ على األمالك العقارية في األداء (الفقرة الثانية).
على الرغم من أن صندوق التأمين يلتقي مع صناديق أخرى أحدثت لنفس الغايات؛
وهي ضمان حصول المتضررين من أعمال المؤمنين على التعويض المستحق لهم ،فإنه
ينفرد بخصوصيات معينة ترتبط بطبيعته(أوال) ،وباعتباره كطرف في الدعوى القضائية التي
تقام ضد المحافظ ،وباألسئلة المطروحة حول تمثيله أمام القضاء(ثانيا).
لقد انتبه المشرع المغربي ،منذ سنه لقانون التحفيظ العقاري سنة ،3331إلى أهمية
إحداث آلية تضمن أداء التعويض المحكوم به لفائدة المتضررين من عملية التحفيظ أو
206
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
التقييد ،فنص في الفصل 311من ظهير التحفيظ العقاري على تأسيس صندوق يتولى أداء
المبالغ المالية التي قد يحكم بها على المحافظين على األمالك العقارية ،لصالح المتضرر
من خطأ في التحفيظ أو في تقييد الحق.
واستنادا إلى هذا المقتضى القانوني ،صدر قرار وزيري يتضمن عدة مقتضيات تنظيمية
لهذا الصندوق ،وهو قرار 10يونيو 3335المتعلق بتنظيم مصلحة المحافظة على األمالك
العقارية ،حيث خصص المواد من 59إلى 11لتنظيم هذا الصندوق ،وحدد مداخله ،والجهة
التي تسيره ،وطريقة مقاضاته ،وآجال سقوط طلب التعويض في مواجهته ،والجهة التي تتولى
أداء التعويض وطريقة األداء أيضا.
غير أنه لئن كان الفصل 311المشار إليه يخص المحافظ العام والمحافظين فقط،
بعد تتميمه بالقانون ،03.11دون بقية األطراف المتسببة في الضرر ،فإن القرار الوزيري
جاء بصيغة عامة تفيد االستفادة من ضمان الصندوق ،حتى ولو كان مرتكب الخطأ أو
التدليس شخص آخر غير المحافظ على األمالك العقارية ،وهذا المقتضى ينسجم مع
مقتضيات الفصل 10من ظهير التحفيظ العقاري التي جاءت هي األخرى بصيغة عامة،
ولذلك تنسحب على غير المحافظين أيضا.
وفضال عما سبق ،وعلى الرغم من أن صندوق التأمين يرتبط بالوكالة الوطنية
للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية ارتباطا وثيقا ،فإنه ال يحل محلها في حالة
مساءلتها عن األخطاء المرفقية التي تلحق أض ار ار بالغير ،بسبب التحفيظ أو التقييد ،وذلك
نظ ار لصراحة النصوص التشريعية والتنظيمية المنظمة لهذا الصندوق ،والستقالل الذمم
المالية بين المؤسستين ،ولعل السبب في ذلك يرجع إلى كون الصندوق يحل محل الشخص
المعسر ،سواء كان هو المحافظ أو طالب التحفيظ أو التقييد ،في حين ال يتصور حدوث
هذه الواقعة بالنسبة للوكالة الوطنية التي تعتبر مؤسسة عمومية ،وبالتالي تفترض مالءة
ذمتها المالية ،وأكثر من ذلك ،إن هذه الوكالة تعوض النقص الذي قد يحصل في ميزانية
هذا الصندوق ،طبقا للفقرة األخيرة من الفصل 311والمضافة بالقانون .03.11
207
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ومما ال شك فيه ،أن المشرع المغربي حاول من خالل التعديل الذي أدخله على المادة
311من ظهير التحفيظ العقاري بالقانون ،30.11تجاوز بعض الثغرات التي أفرزها
التطبيق العملي لمقتضيات هذا الفصل ،حيث أضاف إلى المحافظين الذين تسري عليهم هذه
المقتضيات ،المحافظ العام ،على الرغم من أن هذا األخير يعتبر هو أيضا محافظا على
األمالك العقارية من الناحية القانونية ،كما عمل التعديل الجديد على وضع حد للنقاش الذي
كان يدور بين الباحثين والمتدخلين في شأن نظام التحفيظ العقاري ،حول نطاق ومجال
تدخل الصندوق ،وما إذا كانت مقتضياته تطبق على كل العمليات التي يقوم بها المحافظ
على األمالك العقارية في كل المراحل ،من عمليات التحفيظ والتقييد ،أم تتعلق بمرحلة دون
أخرى ،فجاء التعديل موضحا بأن الصندوق يؤمن المحافظين عن األخطاء في التحفيظ أو
في تقييد الحق.
وعلى الرغم من أن مقتضيات الفصل 311جاءت بصيغة عامة ،فيما يتعلق بنوع
الخطأ المؤمن عليه ،بحيث لم يبين ما إذا كان األمر يتعلق فقط بالخطأ الشخصي أم أنه
يؤمن المحافظين عن كل األخطاء المرتكبة من طرفهم ولو لم تكن شخصية ،فإن التفسير
األقرب إلى الصواب ،حسب اعتقادنا ،هو أن المقصود هو الخطأ الشخصي دون الخطأ
المرفقي ،مادام المشرع أبقى على مقتضيات الفصل 13من قانون االلتزامات والعقود التي
أحال عليها صراحة بمقتضى المادة 31من التحفيظ العقاري ،كما تم تتميمه وتغييره بالقانون
،03.11وفق ما سبق شرحه أعاله .وتبعا لذلك ،إذا ثبت أن الخطأ المرتكب من طرف
المحافظ يكتسي طابع خطأ مرفقي ،فإن الوكالة الوطنية هي التي تحل محله في األداء ،إذا
ثبت عسره.
أما طبيعة هذا الصندوق ،فهو عبارة عن حساب مالي مفتوح لدى صندوق اإليداع
والتدبير ،يتم تمويله من االقتطاعات التي تتم من الرسوم المتحصلة لفائدة المحافظات على
األمالك العقارية ،وفي حالة حصول عجز أو نقص في ميزانيته نتيجة تنفيذ األحكام الصادرة
في مواجهة المحافظين ،يتم تعويضه من ميزانية الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح
العقاري والخرائطية ،حسب التعديل المدخل على الفصل 311بمقتضى القانون .03.11
208
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ولما كان األمر كذلك ،فإن هذا الصندوق ال يتمتع بالشخصية المعنوية ،خالفا لبعض
الصناديق المشابهة كصندوق ضمان حوادث السير 1وصندوق ضمان الموثقين ،2ولذلك
طالب األستاذ محمد خيري بتعيين جهاز ،في شكل مجلس يتكون من ممثلي عدة إدارات
ومؤسسات عمومية تسند إليه مهمة تسييره وتدبيره ،وتمثيله أيضا أمام القضاء.3
يقصد بالتمثيل القانوني لألشخاص المعنوية ،حلول الممثل (بكسر حرف الثاء) في
اكتساب الحقوق ،وتحمل االلتزامات باسم الشخص المعنوي الممثل (بفتح الثاء) ،ويتم تحديد
األشخاص الذاتيين المسند إليهم القيام بهذه المهمة ،بنصوص تشريعية أو تنظيمية ،أو
باألنظمة التأسيسية لهذه األشخاص ،ولذلك فإن هذه الصالحية تمارس في إطار عالقة
نظامية ،تخضع للمقتضيات القانونية المنظمة لها .ويتم تحديد الممثل القانوني وفقا لصفته
المهنية ،والوظيفية ،وليس العتباره الشخصي؛ كرئيس الحكومة الممثل للدولة المغربية،
والمدير العام للشركة ،أو رئيس مجلس إدارتها.4
وبما أن صندوق التأمين عن أخطاء التحفيظ تتم مقاضاته أمام المحكمة من أجل
الحكم عليه بأداء التعويض المحكوم به على المحافظ في حالة عسره ،فإنه من المفروض أن
يكون متوف ار على أهلية التقاضي ،وذلك طبقا لمقتضيات الفصل األول من قانون المسطرة
المدنية الذي يشترط لقبول أية دعوى قضائية أن يتوفر مقيمها على الصفة والمصلحة
واألهلية .واألهلية هي التي تخول لصاحبها إمكانية اإللزام وااللتزام؛ أي هي الوسيلة التي
تمكن من اكتساب الحقوق والتحمل بااللتزامات ،غير أن صندوق التأمين ،وما دام ال يتوفر
على الشخصية المعنوية ،فإنه ال يتوفر بالتبعية على أهلية التقاضي ،مما كان يتعين على
تنص المادة 311من القانون رقم 31.33المتعلق بمدونة التأمينات على ما يلي" :يقصد بصندوق ضمان حوادث السير المؤسسة التي أحدثت 1
بمقتضى الظهير الشريف المؤرخ في 19من جمادى اآلخرة 11 ( 3110فبراير )3355والتي تنظم بمقتضى األحكام الواردة في هذا
القانون ."......ظهير شريف رقم 3.11.119صادر في 15من رجب 1( 3011أكتوبر )1111بتنفيذ القانون رقم 31.33المتعلق بمدونة
التأمينات( .منشور في الجريدة الرسمية عدد 5150بتاريخ 1رمضان 1(3011نونبر )1111الصفحة .)1315
ظهير شريف رقم 3.33.313صادر في 15من ذي الحجة 11( 3011نونبر )1133بتنفيذ القانون رقم 11.13المتعلق بمهنة التوثيق. 2
كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية السويسي ،جامعة محمد الخامس بالرباط ،السنة الجامعية ،1133-1139الصفحة .151
209
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
المشرع أن ينتبه إلى هذا األمر ،بمناسبة إصداره للقانون ،03.11ويضيف مقتضيات أخرى
معززة للفصل ،311والنص صراحة على منح الشخصية المعنوية لهذا الصندوق ،أسوة
بالصناديق المشابهة ،كصندوق ضمان حوادث السير ،1وصندوق تأمين الموثقين ،2حتى
تنسجم مقتضيات هذا الفصل مع مقتضيات القوانين األخرى ،ال سيما قانون المسطرة
المدنية.
وعلى الرغم من عدم توفر الصندوق على الشخصية المعنوية ،فإنه تتم مقاضاته أمام
القضاء في شخص ممثله القانوني؟
وفي هذا الصدد يطرح التساؤل حول من يمثل هذا الصندوق أمام المحاكم 3في ظل
غياب نص صريح يحدد هذا الممثل.4
إن النصوص التشريعية والتنظيمية ال تسعف في تقديم جواب صريح وشاف على هذا
التساؤل ،وقد سبق لألستاذ محمد خيري أن طرح عدة احتماالت ،فتساءل عما إذا كانت
الجهة المؤهلة لتمثيل الصندوق ،هو الخازن العام للمملكة أم صندوق اإليداع والتدبير.5
تنص المادة من 311القانون رقم 31.33المتعلق بمدونة التأمينات على ما يلي" :يتمتع هذا الصندوق (أي صندوق ضمان حوادث السير) 1
بالشخصية المعنوية ،وتمسك محاسبته طبقا ألحكام القسم الرابع من الكتاب الثالث من هذا القانون"...
تنص المادة 30من القانون 11.13المتعلق بتنظيم مهنة التوثيق على ما يلي" :يطلق على صندوق الضمان المحدث بموجب الفصل 13من 2
الظهير الشريف الصادر في 31شوال 10(3001مايو )3315المتعلق بتنظيم مهنة التوثيق ،اسم " صندوق ضمان الموثقين" وهو يخضع من
اآلن فصاعدا لألحكام الواردة بعده.
يتمتع الصندوق بالشخصية المعنوية ويديره مجلس ويسيره صندوق اإليداع والتدبير".
لمزيد من التوسع حول صندوق ضمان الموثقين ،يراجع مقال :عبد الرحيم أزغودي :الطبيعة القانونية لصندوق ضمان الموثقين وآثارها على
المنازعات القضائية ،مجلة الوكالة القضائية للمملكة العدد األول ،ماي ،1139الصفحة .330
3
لمزيد من التوسع في موضوعي التمثيل والدفاع أمام القضاء والتمييز بينهما يراجع :عبد الرحيم ازغودي ،الملك الغابوي ،أطروحة ،مرجع سابق،
الصفحة 151وما يليها.
4نتحدث هنا عن مهمة التمثيل وليس الدفاع والنيابة والتي يقوم بها ،كقاعدة المحامون ،على الرغم من أن بعض النصوص القانونية تستعمل مفردة
التمثيل عندما تتحدث عن الدفاع ،كما هو األمر بالنسبة للمادة 13من القانون المنظم لمهنة المحاماة والتي تنص على ما يلي" :ال يسوغ أن يمثل
األشخاص الذاتيون ،والمعنويون والمؤسسات العمومية ،وشبه العمومية ،والشركات ،أو يؤازروا أمام القضاء ،إال بواسطة محام ،ما عدا إذا تعلق
األمر بالدولة ،واإلدارات العمومية ،تكون نيابة المحامي أم ار اختياريا "( .الظهير الشريف رقم 3.19.313صادر في 11من شوال 11(3013
أكتوبر )1119بتنفيذ القانون رقم 19.19المتعلق بتعديل القانون المنظم لمهنة المحاماة ،منشور في الجريدة الرسمية عدد 5191بتاريخ 11ذو
القعدة 11(3013نونبر ،1119الصفحة .)0100
5يؤاخذ األستاذ محمد خيري إدارة المحافظة العقارية على تدبيرها للشكايات الموجهة ضد الصندوق من مواطنين يعتقدون حسب رأيه ،أن هذه
اإلدارة هي الوصية على الصندوق ،عوض إحالتها على صندوق اإليداع والتدبير ،الذي يتعين عليه الرد على هذه الشكايات ،دون تفسير من إدارة
المحافظة أو اتخاذ أي موقف .محمد خيري ،مرجع سابق ،الصفحة .133
210
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
1
يبدو أن هذا التوجه هو الذي يتبناه العمل القضائي المغربي ،وهذا ما يفهم مثال من القرار عدد 313الصادر عن المحكمة اإلدارية بوجدة بتاريخ
15أبريل 1131في الملف عدد 1131/111والذي من بين ما جاء فيه ما يلي" :حيث دفع صندوق التأمين الممثل من طرف السيد المحافظ
العام ،مدير المحافظة العقارية بعدم اختصاص المحكمة اإلدارية نوعيا للبت في الطلب على اعتبار أن الدعوى قد قدمت في إطار المسؤولية
الشخصية للسيد المحافظ على األمالك العقارية بالناظور "...حكم أشار إليه عمر أزوكار ،مرجع سابق ،الصفحة .53 1-159يالحظ على هذا
الحكم الخلط البين بين مؤسسة المحافظ العام والمدير العام للوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية ،في حين أن هاتين
المؤسستين مستقلتين عن بعضهما البعض ،.وأن المؤسسة التي تمثل الصندوق هو المدير العام وليس المحافظ العام.
2سنركز في مناقشتنا لهذا الموضوع على الجانب المتعلق بتأمين الصندوق للمحافظ على األمالك العقارية ،دون بقية المسؤولين عن األضرار،
تقيدا بموضوع هذا المقال.
211
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
مما ال شك فيه ،أن صندوق التأمين المؤسس بمقتضى الفصل 311من ظهير
التحفيظ العقاري ليس مسؤوال عن األضرار التي يقوم بتعويضها عن طريق أداء المبالغ
المالية المحكوم بها الفائدة المتضررين ،وبالتالي فإن الدعوى المقامة ضده ،هي دعوى
احتياطية ،في مقابل الدعوى األصلية المقامة ضد المتسبب في الضرر ،وبالتالي ال يجوز
مقاضاة الصندوق بصفة أصلية ،دون مقاضاة المرتكب للخطأ .لكن السؤال المطروح في هذا
الصدد هو ما إذا كانت طلبات التعويض توجه في نفس الوقت ضد المحافظ والصندوق ،أم
أنه يتعين توجيه الدعوى ضد المحافظ فقط ،وعندما تثبت مسؤوليته ،وبعد ثبوت عسره أثناء
مباشرة مسطرة التنفيذ ،آنذاك يقيم المحكوم لفائدته دعوى ثانية مستقلة ضد الصندوق؟
ولعل ما يدفعنا إلى طرح هذا التساؤل هو ما ورد في الفصل 11من القرار الوزيري
الصادر بتاريخ 10يونيو 3335حول تنظيم المحافظة العقارية 1الذي ينص على أن طالب
التحفيظ ملزم بتقديم طلبات التعويض ضد الفاعلين المباشرين الذين تثبت مسؤوليتهم عن
الضرر ،ويثبت عسرهم عن األداء ،علما بأن العسر ال يثبت إال بعد محاولة تنفيذ الحكم
القاضي باألداء في مواجهة المحافظ ،وتحرير محضر بعجز المنفذ عليه عن األداء.
معلوم أن الحديث عن الدعوى االحتياطية يعني أن األمر ال يتعلق بدعوى واحدة توجه
في آن واحد ضد المحافظ المسؤول ،وضد صندوق التأمين في الوقت نفسه ،وإنما يتعين
إقامة دعويين مستقلتين؛ األولى توجه ضد المحافظ للبحث في مسؤوليته والحكم عليه
بالتعويضات المطلوبة ،والثانية ال تقبل إال بعد أن يكون المدعي قد مارس إجراءات تنفيذ
الحكم الصادر في الدعوى األولى ،وبحث عن أمالك المحافظ المحكوم عليه بقصد التنفيذ
عليها وثبت عجزه عن األداء؛
فالدعوى االحتياطية إذن ،كما يدل عليها اسمها ال تثار إال بعد استنفاذ الدعوى
األصلية في جميع أطوارها ،بما في ذلك مسطرة التنفيذ القضائي ضد المحافظ على األمالك
1
لقد تم تغيير ونسخ هذا القرار بواسطة المرسوم رقم 1.31.39الصادر بتاريخ 31من رمضان 30(3015يوليو )1130في شأن إجراءات
التحفيظ العقاري (منشور في الجريدة الرسمية عدد 1111وتاريخ 11رمضان 19(3015يوليو ،1130الصفحة ،)1333باستثناء عدد من
الفصول التي لم يطلها النسخ ومن بينها الفصول المنظمة لصندوق التأمين التي يدخل ضمنها الفصل .11
212
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
العقارية ،وتحرير محضر تنفيذ رسمي يثبت إعساره ،ولذلك يسعى المتضرر ،في هذه الحالة،
إلى الحصول عن التعويض من خالل ثالث مراحل:
-2مباشرة إجراءات تنفيذ الحكم الصادر في مواجهة المحافظ شخصيا ،وذلك بعد
أن يصبح هذا الحكم نهائيا؛ أي حائ از على قوة الشيء المقضي به؛
-1إثبات عدم مالءة الذمة المالية للمحافظ ،وعجزه عن الوفاء بالمبالغ المحكوم بها
عليه قضائيا؛
عندئذ يمكن إقامة الدعوى بشأن التعويضات ضد صندوق التأمين ،وهي دعوى مستقلة
عن الدعوى األولى.1
غير أن التمسك بهذا المفهوم ،واعتماد التفسير الضيق للدعوى االحتياطية وتطبيقه
على المتضرر ،لمن شأنه أن يحمل هذا األخير أعباء إضافية وزائدة عن المتاعب التي
نتجت عن فقدانه لحقه ،وهذا أمر يتنافى مع األهداف والغايات التي من أجلها أحدث المشرع
هذا الصندوق؛ وهي ضمان الحصول على التعويض المستحق للمتضرر .ولذلك نرى أنه
يكفي إقامة دعوى واحدة تتضمن طلبين ،األول يوجه بصفة أساسية ضد المحافظ المتسبب
في الضرر ويرمي إلى التعويض ،وبصفة احتياطية يلتمس المتضرر (المدعي) التصريح
بإحالل الصندوق محله في األداء ،إذا ثبت عسره ،على أن يتضمن الحكم القاضي بتحميل
المحافظ مسؤولية األضرار والتعويض ،ما يفيد صراحة إحالل الصندوق محله ،في األداء،
إذا ثبت عسره.
1صدر قرار عن محكم االستئناف بالدار البيضاء في قضية مشابهة ،وتتعلق بصندوق تأمين الموثقين ،الذي يتحد مع صندوق تـأمين المحافظين
في عدة ـأحكام ومقتضيات ،قضى بأنه يتعين على طالب التعويض اإلدالء بداية بما يفيد عسر الموثق المحكوم عليه ليحل محله صندوق ضمان
الموثقين ،وأن ما قضى به الحكم المستأنف بحلوله في حالة إعساره يبقى أم ار وواقعا مستقبليا .وكان الحكم االبتدائي قد قضى بإحالل الصندوق بناء
على عسر الموثق المستخلص من كون ممتلكاته العقارية مثقلة برهون وحجوز لفائدة الغير.
(القرار الصادر بتاريخ 11أكتوبر 1139عن محكمة االستئناف بالدار البيضاء في الملف عدد ،1139/3111/5111غير منشور) .وقد يفهم
من ذلك أن المحكمة تتبنى الموقف القائل بإقامة دعويين مستقلتين؛ األولى ضد الموثق ،وبعد صدور الحكم وثبوت عسره ،إقامة دعوى ثانية ضد
الصندوق .غير أن هذا الموقف أصبح متجاو از ولم يعد يأخذ به أغلب العمل القضائي الذي يقبل دعوى واحدة توجه ضد الموثق الذي يتم الحكم
عليه باألداء وفي حالة ثبوت عسره ،إلزام الصندوق بالحلول محله في األداء.
213
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
لكن ،ما هي اآلجال التي يتعين فيها على المتضرر مطالبة الصندوق باألداء؟ وهل
هي آجال تقادم أم آجال سقوط؟
يتبين من الرجوع إلى الفصل 10من القرار الوزيري المؤرخ في 10يونيو 3335أنه
ينص على سقوط الحق في طلب التعويض ضد الصندوق ،إذا لم يقدم داخل أجل سنة
يبتدئ من تاريخ التحفيظ ،أو التقييد ،وهو أجل سقوط وليس أجل تقادم ،وهذا ما طبقه
المجلس األعلى(محكمة النقض حاليا) في قرار قضى فيه بأن إقامة الدعوى بعد مرور سنة
على تقييد العقار يستدعي التصريح برفض الطلب ،1غير أن المجلس األعلى كان قد اعتبر
في قرار آخر بأن الدعوى المبنية على أساس التدليس المرتكب من قبل المحافظ ،تخضع
للتقادم الخماسي المنصوص عليها في الفصل 2 311من قانون االلتزامات والعقود.3
وإذا كان هذا الموقف األخير ينسجم مع طبيعة الخطأ الشخصي للمحافظ على األمالك
العقارية ،سواء كان خطأ جسيما أو يكتسي طابع التدليس ،باعتباره يدخل ضمن مسؤوليته
التقصيرية ،ويروم ضمان حماية أكثر للمتضررين ،بمنحهم أجال معقوال للمطالبة بالتعويض
عن الضرر ،فإنه مع ذلك يصطدم مع المقتضيات القانونية الصريحة التي تلزم المطالب
بالتعويض في مواجهة صندوق التأمين بأن يوجه طلبه ،داخل أجل سنة واحدة من تاريخ
التحفيظ أو التقييد ،تحت طائلة سقوط هذه المطالبة .وهذا معناه أن الدعوى المقامة ضد
المحافظ تتقادم بخمس سنوات أو عشرين سنة حسب الحاالت ،مع األخذ بعين االعتبار
حاالت قطع التقادم ،في حين أن الطلبات الموجهة ضد الصندوق ،وهو مجرد ضامن
1
جاء في القرار عدد 313الصادر عن محكمة النقض بتاريخ 31مارس 1131في الملف عدد 1131-3-3-3110ما يلي:
"حيث إنه بالرجوع إلى الفصل 10من القرار الوزيري المنظم الختصاصات المحافظ فإنه ينص على أنه " :تسقط المطالبة بالتعويض إذا لم يقع في
ظرف سنة واحدة من يوم تقييد العقار ،أو تضمين حق من الحقوق الناشئ عنه الضرر المشار إليه" .وحيث يستفاد من خالل وثائق الملف وتصفح
عدد .....واللذين شمال أرض الطالب وألحقه ضرر من جراء ذلك ،قد تم تقييدها سنة ،3311وحيث إنه عريضة الدعوى أن الرسمين العقاريين
وتماشيا مع مقتضيات الفصل 10المذكور أعاله ،فإن األجل المحدد من طرف المشرع هو أجل سقوط ،األمر الذي يستدعي التصريح برفض
الطلب" .مشار إليه من طرف :عمر أزوكار ،مرجع سابق ،الصفحة .113
ينص الفصل 311من قانون االلتزامات والعقود على ما يلي " :إن دعوى التعويض من جراء جريمة أو شبه جريمة تتقادم بمضي خمس سنوات 2
تبتدئ من الوقت ال ذي بلغ فيه إلى علم الفريق المتضرر الضرر ومن هو المسؤول عنه ،وتتقادم في جميع األحوال بمضي عشرين سنة تبتدئ من
وقت حدوث الضرر".
3
جاء في القرار عدد 3313الصادر عن المجلس األعلى بتاريخ 11يونيو ،1111ما يلي ":إن دعوى النازلة وجهت ضد المحافظ على أساس
أنه المسؤول عن الضرر الحاصل للطاعنين في إطار الفصل 10من ظهير التحفيظ العقاري ،وبالتالي فإن الدعوى تتقادم حسب مقتضيات الفصل
311من ظهير االلتزامات والعقود".
214
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
للمحافظ ،تسقط بمضي سنة واحدة فقط ،من تاريخ التحفيظ أو التقييد .وهذا أمر يطرح
إشكاال حقيقيا على المستوى العملي؛ ال سيما إذا علمنا أن أغلب الحاالت التي يتم فيها
الحكم على المحافظين العقاريين باألداء ،تثار فيها مسألة حلول الصندوق محلهم في األداء،
بسبب ضخامة المبالغ المحكوم بها وعجز المحافظين عن أدائها ،كما أن الطلبات الموجهة
ضد الصندوق تقدم في إطار نفس الدعوى المقامة ضد المحافظ؛
وفضال عما سبق إن أجل تقادم الدعوى المقامة ضد الصندوق ال ينسجم مع األجل
الرباعي المنصوص عليه في المادة الثانية من مدونة الحقوق العينية والتي تقضي بضرورة
إقامة دعوى المطالبة بحق وقع تقييده بسوء نية بالرسم العقاري داخل أجل أربع سنوات من
تاريخ التقييد المطلوب إبطاله.1
فهل يعقل أن تختلف آجال التقادم ،بل وتختلف طبيعة هذه اآلجال ،بين الطرفين؟ ال
سيما إذا علمنا أن أجل السنة المشار إليه يبتدئ من تاريخ التحفيظ أو التقييد وليس من
تاريخ الحكم على المحافظ؟
لقد حاولت محكمة النقض أن تخفف من حدة هذا اإلشكال ،لما قضت بأن األجل
المنصوص عليه في الفصل 10من القرار الوزيري المؤرخ في 10يونيو 3335ال يؤخذ به
إال إذا تعلق األمر بالدعوى الشخصية الموجهة ضد طالب التحفيظ أو المحافظ على
األمالك العقارية شخصيا ،وذلك بهدف خلق نوع من االنسجام بين هذه اآلجال واآلجال
األخرى المنصوص عليها في القوانين ذات الصلة ،حيث جاء في قرار صادر عنها ما يلي:
1
ادريس الفاخوري ،الوسيط في نظام التحفيظ العقاري بالمغرب دراسة لنظام التحفيظ العقاري والفقه اإلداري والعمل القضائي ،مطبعة النجاح
الجديدة -الدار البيضاء ،الطبعة الثالثة ،1139ال صفحة.113
215
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
فإنها تكون قد بنت قضاءها على أساس قانوني سليم بهذه العلة التي تعوض العلة
1
المنتقدة والوسيلة لذلك غير مرتكزة على أساس"
غير أن التمعن في هذا القرار يبين أن محكمة النقض تميز بين األخطاء الشخصية
للمحافظ على األمالك العقارية وأخطائه المرفقية ،وبالتالي فإنها لم تعط جوابا واضحا عن
التساؤل المطروح ،ليبقى اإلشكال قائما.
لذا ،وأمام عدم وجود جواب واضح وصريح من الباحثين والعمل القضائي الذي تناول
هذا الموضوع ،حسب ما تأتى لنا من االطالع عليه من بحوث ودراسات وأحكام قضائية،
ونظ ار ألهمية الموقف الثاني الذي يسعى إلى حماية المتضرر وتمكينه من فرصة أكبر
للمطالبة بالتعويض داخل أجل معقول ،فإننا نأمل أن يعمل المشرع المغربي على تعديل
النصوص القانونية التي تحدد أجل سقوط الطلبات الموجهة ضد صندوق التأمين ،وجعلها
منسجمة مع آجال تقادم الدعوى الموجهة ضد المحافظ على األمالك العقارية ،والمحددة في
الفصل 311من قانون االلتزامات والعقود المغربي.
من المعلوم أن مهمة صندوق التأمين هي ضمان أداء المبالغ المحكوم بها ضد
المحافظ العام أو المحافظين على األمالك العقارية ،إذا ثبت عسرهم ،سواء كان الضرر
المعوض عنه ناتجا عن خطأ أو تدليس .ولعل ما يميز التدليس عن الخطأ الجسيم هو
عنصر العمد ونية اإلضرار بالغير ،كما سبق بيانه.
غير أنه من المبادئ العامة للقانون ،تلك التي تفيد عدم جواز التأمين عن األفعال
العمدية وكذا عن التدليس ،وإال فإن عكس ذلك سيؤدي إلى التشجيع على ارتكاب هذه
األفعال ،مادام أن مرتكبها يعلم مسبقا أن هناك جهة معينة ستؤدي التعويض المستحق
للمتضرر بدال عنه ،ولذلك تعتبر عقود التأمين عن المسؤولية المدنية الناشئة عن ارتكاب
1
القرار عدد 30الصادر عن محكمة النقض بتاريخ 1131/13/15في الملف اإلداري عدد ،1131/3/0/139غير منشور.
216
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
الحوادث العمدية بفعل المؤمن له باطلة1؛ وقد وجد هذا المبدأ تطبيقاته في عدة تشريعات
مقارنة .و بالنسبة للمغرب فإن المادة 31من القانون رقم 31.33المتعلق بمدونة
التأمينات2تنص على ما يلي :
واضح إذن من هذا المقتضى القانوني عدم جواز التأمين عن األخطاء العمدية ،أو عن
التدليس ،وهي مقتضيات من النظام العام .فهل معنى ذلك عدم جواز تأمين المحافظ من
قبل الصندوق عن األخطاء العمدية والتدليس؟
يبدو أن الجواب عن هذا السؤال باإليجاب سيفرغ النصوص القانونية المنظمة لصندوق
التأمين من محتواها ،ويتعارض مع الغاية من تأسيس هذا الصندوق والمتجلية في تأمين
المحافظين عن أخطائهم الشخصية ،بغض النظر عن طبيعتها ،وحتى لو اكتسبت طابعا
تدليسيا .ولذلك لم يستثنها المشرع من ضمان الصندوق ،بل إن الفصل 10من ظهير
التحفيظ العقاري ينص صراحة على أن الضمان يشمل أيضا األخطاء الناتجة عن التدليس.
كما أن الفصل 311جاء بصيغة عامة غير محددة لنوع الخطأ المؤمن عليه.
وتأسيسا على ما سبق ،يمكن القول إن المبدأ المشار إليه في المادة 31من القانون
رقم 31.33المتعلق بمدونة التأمينات ،يتعلق فقط بالتأمين االتفاقي أي التأمين المبرم في
إطار تعاقدي بين األطراف ،وهذا ما يتجلى من مقتضيات هذه المادة التي تتحدث صراحة
عن عقد التأمين ،وال يمكن بالتالي تمديده إلى التأمين أو الضمان القانوني.3كما أن رغبة
األمراني زنطار محمد ،شرح قانون التأمين رقم 33-31دراسة نظرية وتطبيقية ،المطبعة والوراقة الوطنية -مراكش ،الطبعة األولى ،1115 1
الصفحة .333
ظهير شريف رقم 3.11.119صادر في 15من رجب 1( 3011أكتوبر )1111بتنفيذ القانون رقم 31.33المتعلق بمدونة التأمينات. 2
صندوق تأمين المحافظين ،هو تعويض ضحايا األخطاء المرتكبة ،بغض النظر عن طبيعة هذه األخطاء ،بل أكثر من ذلك قضت بأن األخطاء
العمدية تعطى لها األولوية في إحالل هذه الصناديق محل الموثقين الذين يتسببون في إلحاق أضرار لزبائنهم ولو كانت بسب أخطاء تكتسي طابعا
جرميا( .القرار عدد 1 /3113الصادر بتاريخ 19يونيو 1111في الملف جنحي عدد ،33/39100غير منشور).
217
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
المشرع هي التي جعلت صندوق التأمين يحل محل المحافظ في أداء التعويض المحكوم به
عليه ،بغض النظر عن طبيعة الخطأ المرتكب من طرفه؛ أي سواء كان خطأ عمديا أم
مجرد خطأ عادي .ولعل الغاية من سن هذا المقتضى القانوني هو حماية المتضررين من
هذه األخطاء التي تترتب عنها أضرار جسيمة ،ما دفع المشرع إلى تأسيس صندوق التأمين
يضمن أداء التعويض المستحق للمتضررين ،في حالة ثبوت عسر المحافظ المحكوم عليه
وعجزه عن األداء .فمتى تقوم واقعة العسر التي على أساسها يحل الصندوق محله في
األداء؟
لم يتضمن ظهير التحفيظ العقاري أي تعريف للعسر ،ولذلك يتعين الرجوع إلى القواعد
العامة للبحث فيها عن هذا المفهوم.
وإذا كان ال فقه يعرف العسر بعدم وجود أو عدم كفاية أموال المدين للوفاء بديونه
المستحقة األداء ،1فإن المشرع المغربي ولئن لم يضع تعريفا للعسر ،فإنه وضع بعض
التطبيقات التي يتم من خاللها إثبات هذه الواقعة.
وهكذا تنص المادة 115من قانون المسطرة الجنائية على أنه ال يمكن تنفيذ اإلكراه
البدني على المحكوم عليه ،الذي يدلي إلثبات عسره بشهادة عوز ،يسلمها له الوالي أو
العامل ،أو من ينوب عنه ،وبشهادة عدم الخضوع للضريبة تسلمها مصلحة الضرائب،
بموطن المحكوم عليه.
يميز الفقيه السنهوري بين اإلعسار الفعلي واإلعسار القانوني؛ فاإلعسار هي حالة واقعية تنشأ عن زيادة ديون المدين ،سواء كانت مستحقة األداء 1
أو غير مستحقة ما دامت محققة الوجود ،على حقوقه .أما اإلعسار القانوني فهي حالة قانونية تنشأ من زيادة ديون المدين المستحقة األداء على
حقوقه ،وال بد من شهرها بموجب حكم قضائي يجعل المدين في حالة إعسار .عبد الرزاق احمد السنهوري ،الوسيط في شرح القانون المدني الجديد،
نظرية االلتزام بوجه عام ،اإلثبات – آثار االلتزام ،الصفحة ( ،3113دون ذكر السم المطبعة وال لتاريخ الطبع) .عبد الرزاق أحمد السنهوري،
مصادر الحق في الفقه اإلسالمي ،دراسة مقارنة بالفق ه الغربي ،المجلد الثالث ،الجزء الخامس ،أثر العقد بالنسبة إلى األشخاص دار إحياء التراث
العربي ،بيروت -لبنان( ،دون ذكر لسنة الطبع) ،الصفحة .19
218
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وبالنسبة لحوادث السير تنص المادة 351من مدونة التأمينات على أنه:
"يعتبر المسؤول عن الحادثة معس ار بعد إجابته بالرفض على اإلنذار باألداء
الموجه إليه من طرف صندوق مال الضمان ،أو إذا بقي ذلك اإلنذار دون مفعول
خالل أجل ستين يوما ابتداء من تاريخ تبليغه".
يتبين مما سبق أن المشرع المغربي حدد بعض الوسائل التي تثبت واقعة العسر،
كالحصول على شهادة إدارية من السلطات المختصة ،أو تحرير محضر بعدم وجود ما
يحجز ،أو إقامة قرينة على ثبوت هذه الواقعة ،من خالل عدم اإلجابة على اإلنذار باألداء
المتوصل به من طرف المدين.
وإذا كان الفقه والقضاء متفقين على أن العسر هو عدم كفاية أموال المدين لألداء ،فإن
محكمة النقض اعتبرت في أكثر من مناسبة أن عدم العثور على المحكوم عليه في مسكنه
أو مقر عمله ،أو ف ارره خارج أرض الوطن ،يعتبر قرينة على ثبوت عسره ،مع أن هذه
القرائن ال تفيد أحيانا ،عدم قدرة المحكوم عليه على األداء.2ويبدو أن هذه المحكمة تسعى
ظهير شريف رقم 3.11.315صادر بتاريخ 19من محرم 11(3013مايو )1111بتنفيذ القانون رقم 35.31بمثابة مدونة تحصيل الديون 1
العمومية( ،منشور في الجريدة الرسمية عدد 0911بتاريخ 19صفر ( 3013فاتح يونيو ،)1111الصفحة .)3151
2
وهكذا فقد قضت محكمة النقض بأن محكمة الموضوع لم يثبت لها مالءة ذمة المحكوم عليه من خالل ما عرض عليها ،وهو ما أوردته في علتها
من أن الثابت من المراسلة الصاد رة عن النيابة العامة ،من أن المعني باألمر لم تتمكن المصالح المختصة من القبض عليه ،ولم يثبت الطاعن أن
المحكوم عليه يتوفر على ممتلكات يمكن ممارسة الحقوق عليها( .القرار الصادر بتاريخ 39أكتوبر 1133في الملف عدد ،1131/1/3/1530
(غير منشور) .وفي قرار آخر قضت محكمة النقض بأن المحكمة استندت في قضاءها على محضر إخباري أفاد فيه عون التنفيذ بأن المحل مغلق
منذ مدة طويلة وأن المعني باألمر لم يعثر عليه الختفائه بسبب كثرة ديونه.
وأضافت محكمة النقض" :لكن حيث ثبت لمحكمة االستئناف عجز الطاعن عن األداء من خالل ما عرض عليها من وثائق والطاعن لم يثبت
خالف ذلك ".القرار رقم 93الصادر بتاريخ 1يناير 1131في الملف المدني عدد ( 1119/1/3/1115غير منشور).
219
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
من وراء هذا التوسع في مفهوم العسر إلى حماية المتضررين من خالل ضمان الحصول
على التعويض المحكوم به لجبر الضرر ولو نسبيا ،على أن يقوم الصندوق بالرجوع على
1
المحكوم عليه باسترجاع ما دفعه للمتضرر في حالة مالءة ذمته مجددا.
وأمام عدم التنصيص في ظهير التحفيظ العقاري ،وال النصوص التنظيمية التطبيقية
له ،على ما يفيد مفهوم العسر ،يبقى للقضاء دور كبير في تحديد هذا المفهوم في إطار ما
يتمتع به من سلطة تقديرية.
غير أن محكمة االستئناف بالدار البيضاء قضت بإلغاء حكم ابتدائي استنتج واقعة العسر من كون األمالك العقارية للمحكوم عليه مثقلة برهون
وحجوزات لفائدة الغير ،معللة قضاءها بكون ما سطره الحكم المستأنف بحلول الصندوق محل الموثق في حالة إعساره يبقى أم ار وواقعا مستقبليا.
(القرار الصادر عن محكمة االستئناف بالدار البيضاء بتاريخ 11أكتوبر 1139في الملف عدد ،1139/3111/5111غير منشور).
يالحظ أن المشرع المغربي عدل بواسطة القانون رقم ،30.11الفقرة الثالثة من الفصل 10من ظهير التحفيظ العقاري التي كانت تنص على 1
احتفاظ صندوق التأمين بحق الرجوع على المعسر ،حيث لم يعد يتضمن ظهير التحفيظ العقاري هذا المقتضى القانوني ،سواء في الفصل 10أو
في الفصل .311ولقد تبنى المشرع المغربي نفس النهج في القانون المتعلق بتنظيم مهنة التوثيق ،حيث حذف المقتضى الذي كان ينص على
أحقية صندوق ضمان الموثقين في الرجوع على الموثق الذي يحل محله في أداء التعويض بعد إثبات عسره ،مما يطرح التساؤل حول ما إذا كان
هذان الصندوقان ما يزاالن يحق لهما ممارسة دعوى الرجوع في مواجهة األشخاص الذين حلوا محلهم في األداء؟
220
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
أ
للمحكم
أ
تامالت في المسؤولية أالمدنية
من إعداد الستاذ يونس الزرق الحسوني،
أ
استاذ جامعي ،رئيس مصلحة الدراسات والهندسة
القانونية بالوكالة القضائية للمملكة سابقا
مقدمة
ال جدال وال نقاش حول الدور الريادي الذي يلعبه التحكيم كآلية بديلة عن القضاء
لفض المنازعات ،خصوصا الدولية منها .هذه الريادة كانت نتيجة لما يمتاز به التحكيم من
مرونة وعلى الخصوص إمكانية اختيار األطراف لقاضيهم الخاص ،أو للشخص المسؤول
عن فض خالفهم مما يسمح لهم في الغالب باختيار خبراء متمكنين من النقط الخالفية التي
تجمع األطراف ،وبالتالي اإلطمئنان على نتيجة التحكيم وسيرورته المسطرية.
واللجوء إلى الوسائل البديلة عموما ،والتحكيم على وجه خاص ،كان والزال مسألة
مرتبطة بمنسوب الثقة في الشخص المسؤول عن تدبير المنازعة وفضها ،وهو الدافع
األساس لالعتماد على تلك الوسيلة أو األخرى.
ويقوم التحكيم على مجموعة من المبادئ والمفاهيم ،لعل أهمها هي إرادة األطراف
وإقرار المشرع إلمكانية اللجوء للتحكيم ،واالعتراف بسلطة المحكم في البت في النزاع .ولعل
أهم أثر لالتفاق على التحكيم هو سلب النزاع من سلطة ووالية قضاء الدولة وعرضه على
التحكيم ،وهو ما يبين بجالء جالل وعظمة المهمة الملقاة على عاتق المحكمين ،لذلك البد
من ربط هذه المسؤولية بالمحاسبة .1فالقضاء من أهم صور السيادة ،واالعتراف ألشخاص
من القطاع الخاص بسلطة البت في النزاعات البد من ربطه بمراقبة دقيقة لممارسة هذه
المهمة والضرب بيد من حديد في مواجهة كل من سولت له نفسه االستخفاف بجسامتها.
1
المسؤولية في اللغة تعني المحاسبة والمجازاة ،وهي حال أو صفة من يسأل عن أمر تقع عليه تبعته وقد ورد هذا المعنى في قوله تعالى" :فوربك
لنسألنهم أجمعين" ،صدق الله عز وجل ،سورة الحجر اآلية .31وت عني المسؤولية عموما إلتزام شخص بضمان النتائج الضارة التي تصيب الغير
والمترتبة عن فعل من أفعاله.
221
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
فالمحكم 1من المحتمل أن يخطأ أو يتهاون ،كأن ينسحب من العملية التحكيمية دون
عذر مقبول ،أو يغش أو يدلس أو ال يراعي المبادئ األساسية في التقاضي أو غيرها من
األخطاء التي من شأنها اإل ضرار بمصالح األطراف .وهو ما يدفعنا للتساؤل حول إلى أي
مدى يمكن مساءلة المحكم عن هذه االخطاء؟ ونظ ار لكون المحكم هو الشخص الذي يفوض
إليه الحكم ،2بمعنى أنه يؤدي مهمة القاضي ،فإلى أي حد يمكن االعتراف للمحكم بنفس
الحصانة المقررة للقاضي؟
اإلجابة على هذه األسئلة تستدعي مناقشة اإلقرار القانوني بمسؤولية المحكم واإلحاطة
بصورها (المطلب األول) ثم تحليل إجراءات مساءلة المحكم في إطار مسؤوليته المدنية
(المطلب الثاني).
ولإلشارة فإن المحكم قد يسأل في إطار المسؤولية الجنائية والمدنية والتأديبية وسنقتصر
في هذا البحث على الجوانب المرتبطة بالمسؤولية المدنية للمحكم ،وذلك لما يثيره إقرار هذه
المسؤولية من نقاش قانوني وإشكاليات على المستوى العملي.
سنحاول تحديد الطبيعة القانونية لمهمة المحكم والعالقة التي تربطه باألطراف (الفقرة
األولى) مما سيسمح لنا بعرض بعض صور مسؤولية المحكم (الفقرة الثانية).
يعتبر التحكيم الوسيلة البديلة الوحيدة عن القضاء الرسمي للبت في النزاعات ،3لكونه
يمتاز بالحسم في النزاع أو البت في المخاصمة ،كما هو الشأن بالنسبة للقضاء الرسمي ،فما
تأثير هذا الوضع على إقرار مسؤولية المحكم ،وما هو وضع المحكم اتجاه األطراف اللذين
اختاروه لتسوية نزاعهم؟
1
المحكم لغة بفتح الكاف مع التشديد هو من يفوض إليه الحكم؛ االمام أبي الفضل جمال الدين محمد ابن منظور ،لسان العرب ،دار إحياء التراث
العربي ،باب الحاء ،مادة حكم بيروت ،الطبعة الثانية ،3311الصفحة .391
2
نفس المرجع السابق.
أما باقي الوسائل فيصطلح عليها بالوسائل الحبية أو الودية (الوساطة ،الصلح ،المصالحة ،التوفيق وغيرها) ،لكون تدخل الطرف الثالث يقتصر 3
على الدفع إلى حصول اتفاق بين األطراف وال يملك صالحية إصدار حكم بات في الخصومة على غرار المحكم.
222
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
مما ال شك فيه أن أساس سلطة المحكم اتفاقي ومخرجات هذا االتفاق “شبه قضائية”،
بمعنى أن األطراف يختارون قاضيهم الخاص بناء على اتفاق التحكيم ،هذا االتفاق يمنح
المحكم سلطة البت في نزاعهم باثار شبة قضائية .وال نتفق مع االتجاه القائل بأن التحكيم
هو تعاقدي النشأة ،قضائي الوظيفة ،لكون هناك اختالف بين وظيفة القاضي ومهمة
المحكم ،كما سنبين ذلك الحقا.
ويترتب عن ذلك أن مقاربة إقرار ونطاق مسؤولية المحكم مرتبط بالتكييف القانوني
لمهمة المحكم ،والذي يرتبط بدوره بنظام التحكيم ،والذي تتقاسمه نظريتان فقهيتان :النظرية
التعاقدية 1والنظرية القضائية .2إضافة إلى نظرية ثالثة ،وسطية ،تجمع بينهما وهي الطبيعة
المختلطة للعملية التحكيمية بين التعاقدي والقضائي ،ونحن نذهب إلى أن للتحكيم طبيعة
خاصة تبتدئ فعال باالتفاق (التعاقد) وتنتهي بالحكم التحكيمي الذي له طبيعة شبه قضائية
وليست قضائية.
1
L’origine conventionnelle pourrait entraver la reconnaissance de la qualité du juge à l’arbitre, comme le
souligne PANOU : « Admettre que les effets du consentement se ramènent à la création d’une « juridiction
arbitrale » est un pur artifice », Chrysoula PANOU, Le consentement à l’arbitrage, étude méthodologique du
; droit international privé de l’arbitrage, éditions (éd) IRJIS, Tome 32, 2011, page 305
إسماعيل الزيادي" :التحكيم والقضاء ...تكامل أم تمايز؟" ،مجلة التحكيم العالمية ،العدد ،1131 ،31الصفحة .315
2
Emmanuel GAILLARD, Aspects philosophiques du droit de l’arbitrage international, Collection livres de poche
de l’académie de droit international de la Haye, Martinus Nihhoff Publishers, 2008, spécialement la page 91.
3بعض األنظمة القانونية تتطرق إلى نوع خاص من "التحكيم" والذي يطلق عليه التحكيم اإلجباري أو اإللزامي ،حيث يفرض المشرع قس ار على
األطراف بالنسبة لمنازعات معينة اللجوء إلى مسطرة التحكيم وهو استثناء من القاعدة العامة التي تفيد بأن التحكيم يجب أن ينبع من اإلرادة الحرة
لألطراف.
223
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وإتفاق التحكيم هو مصدر الحكم التحكيمي الذي ال يمكن تنفيذه جب ار إال بناء على أمر
قضائي ،بما أن المحكم يفتقد سلطة اإلجبار ،رغم توفره على سلطة الحكم التي يستمدها من
إرادة األطراف وإتفاقهم ،فإنه يفتقد سلطة االجبار التي خولها القانون للقاضي الرسمي وحده،
كما أن إرادة األطراف تتحكم في العملية التحكيمية على خالف المسطرة أمام المحاكم والتي
تحكمها النصوص القانونية فقط ،كل هذا يفقد مهمة المحكم الصفة القضائية ويمكن أن
يطلق عليها مهمة شبه قضائية ،1بما أن المحكم يبت في النزاع بحكم حائز لحجية الشيء
المقضي به.2
وبما أن أي شخص طبيعي عادي يمكن أن يختاره األطراف لفض نزاعهم ،3فإن
المخاطر المرتبطة بأداء هذه المهمة مرتفعة جدا ،بالنظر إلى السلط الموكولة للمحكم والتي
تحتم تحديد أوجه قيام مسؤوليته ،وذلك لتأثير ق اررته في حقوق أطراف النزاع ومراكزهم
القانونية ،كانوا أشخاص خاضعين للقانون الخاص أو للقانون العام .كما أن المبالغ المالية
المهمة موضوع النزاع التحيكمي ال تبرر االكتفاء بالجزاءات التأديبية المعنوية في حق
المحكم المتهاون أو المرتكب لخطأ أدى إلى ضرر بليغ بمصلحة األطراف.4
1
En réalité : « C’est parce que l’arbitre n’est pas un juge, que sa sentence est non pas une « décision de
justice » mais un acte purement privé et que sa mission est de nature non pas juridictionnelle, mais strictement
conventionnelle », Vincent HEUZE, « Arbitrage international : quelle raison à la déraison ? », Dalloz, 2011, 1 er
décembre, pages 2800 et suivants.
2
وعلى الرغم من أن معظم األنظمة القانونية تعترف للمحكم بإمكانية إصدار حكم حائز لحجية األمر المقضي به ،فإنها تستثني من ذلك المنازعات
التي يكون فيها طرف شخص من أشخاص القانون العام بالنسبة للتحكيم الداخلي .فقد نص الفصل 111-11من قانون المسطرة المدنية على:
"يكتسب الحكم التحكيمي بمجرد صدوره حجية الشيء المقضي به بخصوص النزاع الذي تم الفصل فيه.
غير أن الحكم التحكيمي ال يكتسب حجية الشيء المقضي به ،عندما يتعلق األمر بنزاع يكون أحد األشخاص المعنويين الخاضعين للقانون العام
طرفا فيه ،إال بناء على أمر بتخويل صيغة التنفيذ .وفي هذه الحالة ،يطلب تخويل صيغة التنفيذ من قبل الطرف األكثر استعجاال أمام القاضي
المختص تطبيقا للفصل 131أعاله حسب المسطرة المنصوص عليها في الفصل 111-13بعده وباآلثار المشار إليها في الفصل 111-11وما
يليه.
تطبق القواعد المتعلقة بالتنفيذ المعجل لألحكام على األحكام التحكيمية التي ال يطالب في شأنها بصيغة التنفيذ".
ينص الفصل 111من قانون المسطرة المدنية على أنه " :ال يمكن إسناد مهم ة المحكم إال إلى شخص ذاتي كامل األهلية لم يسبق أن صدر 3
عليه حكم نهائي باإلدانة من أجل ارتكاب أفعال تخل بالشرف أو صفات االستقامة أو اآلداب العامة أو بالحرمان من أهلية ممارسة التجارة أو حق
من حقوقه المدنية .
إذا عين في االتفاق شخص معنوي ،فإن هذا الشخص ال يتمتع سوى بصالحية تنظيم التحكيم وضمان حسن سيره".
4
رشيدة ميداقين" :مسؤولية المحكم –دراسة مقارنة "-مذكرة لنيل دبلوم الماستر ،جامعة محمد بوضياف-المسلية ،الجزائر ،السنة الجامعية -1131
،1131الصفحة .9
224
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ويجد تقرير مسؤولية المحكم سنده في افتقار األنظمة القانونية لضوابط واضحة تحكم
ممارسة هذه المهمة وذلك رغم أهميتها .لذلك البد من وضع قواعد واضحة للمحكم تنير
طريقه في سبيل ممارسة مهامه التي تؤدي دو ار هاما في تحقيق العدالة ،ذلك أن غياب
المساءلة يعني االختالل التام في ميزان العدالة ،كما تحقق هذه المساءلة حماية للمحكم بما
أن وضع معاييرها يسمح بتنقيح المجال من المتطاولين على المهمة التحكيمية دون موجب
حق ،وتساهم في تخليق الممارسة التحكيمية وتفعيل دور المحكم في تحقيق العدالة.
وبما أن ربط المسؤولية بالمحاسبة مبدأ دستوري ،وأن أعظم مسؤولية وأخطرها يتحملها
من يتكلف بإحقاق الحق وتحقيق العدل ،ورغم إختالف مركز المحكم عن القاضي ،1إال أن
هذا األخير يمكن أن يسأل مدنيا ،2كما أن الدولة تساءل عن األخطاء القضائية ،3إذن كيف
يمكن أن يبقى المحكمون في منأى عن المساءلة دون غيرهم4؟
1
أحمد أبو الوفا :التحكيم االختياري واالجباري ،مطبعة المعارف ،اإلسكندرية الطبعة الخامسة ،3399 ،الصفحة 131؛ مصطفى الجمال وعكاشة
محمد عبد العال :التحكيم في العالقات الخاصة الدولية والداخلية ،الجزء األول ،دار الجامعة الجديدة ،اإلسكندرية ،الطبعة األولى ،3339الصفحة
.533
ينص الفصل 93من قانون االلتزامات والعقود على أن " :القاضي الذي يخل بمقتضيات منصبه يسأل مدنيا عن هذا اإلخالل تجاه الشخص 2
المتضرر في الحاالت التي تجوز فيها مخاصمته" ،حاالت مخاصمة القضاة نص عليها الفصل 133من قانون المسطرة المدنية.
3
ينص الفصل 311من الدستور المغربي لسنة 1133على ما يلي" :حق كل متضرر من خطأ قضائي الحصوص على تعويض تمنحه الدولة".
قليلة هي األنظمة القانونية التي نصت صراحة على إمكانية مساءلة المحكم ،ونذكر على سبيل المثال :القانون االسباني للتحكيم رقم 11الصادر 4
سنة 1111الذي أكد مسؤولية المحكم كجزاء مستقل عن مخالفته االتفاق مع األطراف حيث أخد بالتكييف العقدي لعالقة المحكم باألطراف ،وذلك
في المادة 13منه ،والتي تنص على" :ان المحكم الذي لم يقم بتنفيذ التزاماته العقدية بحسن نية يكون مسؤوال عن االضرار التي لحقت بالمحتكمين
نتيجة لسلوكه الخاطئ".
محمد عبد الخالق الزعبي :قانون التحكيم ،مطبعة المعارف ،اإلسكندرية ،الطبعة األولى ،دون ذكر تاريخ الطبع ،الصفحة31؛ على حسن عوض: 5
ردود مخاصمة أعضاء الهيئة القضائية ،دار الثقافة للطباعة والنشر ،الطبعة االولي ،دون ذكر المطبعة ،سنة ،1111الصفحة 110؛ محمد حميد
علي اللهبي :المحكم في التحكيم التجاري الدولي ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،سنة ،1131الصفحة 111؛ ماهر محمد حامد :النظام القانون
للمحكم في التحكيم التجاري الدولي ،دار الكتب القانونية ،مصر ،دون ذكر تاريخ الطبع ،الصفحة 351؛ أبو العالء النمر :المركز القانوني للمحكم
في خصومة التحكيم ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،الطبعة األولى ،1111 ،الصفحة .31
6
خليل عمر غصن :سلطة المحكم األمرية في التحكيم الداخلي ،منشورات الحلبي الحقوقية ،الطبعة األولى ،1115الصفحة .0
225
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
مباشرة في الحكم وطلب مراجعته أمام القضاء ،مما يؤدي إلى عرقلة الفعالية في تسوية
المنازعات واالحترام والتوقير الواجب للمركز "القضائي" للمحكم.1
إال أن االعتراف بحصانة للمحكمين على غرار تلك الممنوحة للقضاة فيه نقاش ،كما
أن طبيعة الحصانة الممنوحة للقضاة ال تعني تغييب مساءلتهم .2بل الهدف األساس من
ذلك هو فرض االحترام والتقدير المتصل بمهامهم وذلك لضمان إستقالليتهم وحريتهم في أداء
وظائفهم .وبالنظر لطبيعة المهمة التحكيمية ،فإن المحكم يجب تحصينه بهذا المفهوم بمعنى
العمل على ضمان استقالليته وحياده عند أداء مهمته "القضائية" ،حتى يتأتى له البت في
المهمة المسندة إليه بعيدا عن الخوف من انتقام أطراف النزاع أو تدخلهم في مهامه.
فالحصانة تسمح للقاضي بأداء وظيفته دون خوف أو قلق ،إال أنه تطبق عليه القواعد
الخاصة بمسؤولية مرفق القضاء .3فإذا كان جوهر الوظيفة القضائية يكمن في حسم النزاع،
فإن هذا الجوهر نفسه هو الذي يغذي وجه التشابه الرئيس بين القضاء والتحكيم.4
1حازم المرابط :مهمة المحكم ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات المعمقة في القانون الخاص ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،جامعة محمد
الخامس السويسي-سال ،السنة الجامعية ،1113-1119الصفحة .31
2
Sur ce point voir Pierre LALIVE : « Sur l’irresponsabilité arbitrale », in : Etudes de procédure et d’arbitrage
en l’honneur de Jean François POUDRET, Faculté de droit de l’Université de Lausanne, 1999, pages 419-
435.
3
أحمد أبو الوفا :المرجع السابق ،الصفحة .311
4
رشيدة بحيليس" :مسؤولية المحكم" ،رسالة لنيل ماستر المقاولة والقانون ،جامعة الحسن األول ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية
سطات ،السنة الجامعية ،1131-1135الصفحة .33
226
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
قاضيا .هذا فضال على أن المحكم يمكن عزله من قبل األطراف ،عكس القاضي الذي ال
يمكن إال تجريحه في حالة توفر األسباب المنصوص عليها في قوانين اإلجراءات
المسطرية.1
ورغم ضرورة تمتيع المحكم بحصانة مرتبطة بأدائه لمهمته "الشبه قضائية" فإن هذه
الحصانة ال يمكن أن ترقى إلى تلك المخصصة للقضاة الرسميين ،وذلك ألن الدولة تبقى
مسؤولة عن األضرار التي قد يسببها القضاة للغير ،بما أنهم موظفون عموميون وهو األمر
الذي ينتفي عند المحكم الذي ال ينتمي لسلك الوظيفة العمومية ،مما يعرضه للمساءلة
وتعويض األطراف عن األضرار التي تصيبهم ولو في حالة إعساره.2
وعلى هذا األساس فالحصانة ال تعني عدم المساءلة ،حتى بالنسبة للقاضي ونفس
األمر بالنسبة للمحكم ،ذلك أن المسؤولية والحصانة يسيران على خطين متوازيين جنبا إلى
جنب ،مما يسمح بمساءلة القاضي والمحكم في حاالت معينة ووفق شروط محددة.
وهذه الخالصة لم يتم التوصل إليها إال مؤخ ار ،فقد مرت عملية إقرار مسؤولية المحكم
من الحصانة المطلقة في النظام األنجلو-أمريكي ،3وذلك لكون المحاكم كانت ترفض مؤاخذة
ينص الفصل 135من قانون المسطرة المدنية المغربي على ما يلي " :يمكن تجريح كل قاض لألحكام: 1
المعمقة في القانون الخاص ،وحدة التكوين والبحث ،جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،سال ،السنة الجامعية
،1119-1111الصفحة .13
3
لقد استقر القضاء األمريكي على تمتيع المحكم بحصانة قضائية أو شبه قضائ ية ،وذلك لحماية المحكم من أن يصبح طرفا في النزاع وتعفيه من
المسؤولية المدنية .ويستثنى من هذه الحصانة عدم تنفيذ االلتزام بإصدار الحكم داخل أجل معقول أو عدم إصدار الحكم التحكيمي نهائيا .كما أن
الحصانة المعترف بها في النظام اإلنجليزي أيضا مصدرها االجتهاد القضائي قبل أن تدرج كمبدأ قانوني في المادة 13من قانون التحكيم اإلنجليزي
لسنة ، 3331والتي استثنت من الحصانة األخطاء والهفوات التي يقدم عليها المحكم بسوء نية .لمزيد من المعلومات حول مسؤولية المحكم في
النظامين اإلنجليزي واألمريكي أنظر :رشيدة بحيليس :المرجع السابق ،الصفحة 13؛ أحمد الملحم :عقد التحكيم التجاري المبرم بين المحكمين
والخصوم ،مجلة الحقوق الكويتية ،العدد الثاني ،يونيو ،1111الصفحة 151؛ مصلح أحمد الطراونه وجورج حزبون حزبون وعامر مدالله محمود
227
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
المحكم عن أي خطأ ارتكبه سواء كان يسي ار أو جسيما ،وقد تراجعت هذه المحاكم عن ذلك
لتتيح الفرصة لألطراف لمساءلة المحكم عن أخطائه التحكيمية إذا كان لها سبب جدي.1
ولقد تبنى المشرع المغربي هذه الحصانة النسبية لما نص على عدم إمكانية تجريح أو
عزل أو مالحقة المحكم قضائيا ،إال إذا ثبت ارتكابه عمال يستوجب ذلك .فاألصل أن
المحكم يستفيد من الحصانة بما أنه يؤدي مهمة ''شبه قضائية'' ،غير أن ذلك ال يمنع من
مساءلته في إطار قواعد قانونية أخرى ،وذلك بالنظر إلى طبيعة العالقة التعاقدية التي تربطه
باألطراف من جهة ،واألخطاء التي قد يرتكبها ونظ ار أيضا لاللتزامات التي ألقاها القانون
على عاتقه من جهة أخرى .2وبذلك يسأل المحكم عن التدليس والغش والخطأ الجسيم وانكار
العدالة وإفشاء السر المهني .ومن الطبيعي أن يعاقب المحكم على الجرائم التي يمكن أن
يرتكبها في إطار مزاولته لمهامه ،وتأتي على رأسها جنحة النصب والرشوة والتزوير في
محرر خاص واستعماله.3
ولمقاربة كيف الءمت األنظمة القانونية بين حتمية مساءلة المحكم عن أخطائه
وضرورة تمتيعه بالحصانة التي تسمح له بأداء مهمته بتجرد ،حياد واستقاللية وفعالية ،البد
من تحليل كافة أوجه ومظاهر المسؤولية المدنية للمحكم وطبيعة العالقة التي تربطه
باألطراف.
النوايسة" :مسئولية المحكم المدنية عن أخطائه التحكيمية –دراسة مقارنة ،"-مجلة الحقوق ،المجلد األول-العدد الثاني ،1110 ،الصفحة 353وما
يليها؛
Voir aussi le Rapport du Club des juristes sur : « La responsabilité de l’arbitre », commission Adhoc, 2017,
commission composée de : Jean-Yves GARAUD, Jean-Pierre ANCEL, Grégorie BERTROU, Sébastien
BESSON, Thomas CLAY, Alexis FOUCARD, Jacob GRIERSON, Emmanuel JOLIVET, Georges JOURDE, Elie
KLEIMAN, Fernando MANTILLA-SERRANO, Didier REBUT, Basile ZAJDELA, pp101-115.
1
Thomas CLAY, L’arbitre, Dalloz, 2001, p708.
2
وهذا ما كرسه القضاء الفرنسي كما سنبين ذلك عند مقاربة صور إقرار المسؤولية المدنية للمحكم.
3
مصطفى الجمال وعكاشة محمد عبد العال ،المرجع السابق ،الصفحة .933
228
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
والعالقة التي تربط بين األطراف والمحكم هي عالقة تعاقدية ،بما أن مختلف األنظمة
القانونية ،تعرف العقد على أنه اتفاق يلتزم بمقتضاه شخص أو أكثر نحو شخص أو أكثر
بإعطاء شيء أو أداء عمل أو االمتناع عنه .بمعنى توافق ارادتين على تحقيق أثر قانوني،
ويتحقق هذا التوافق بصدور اإليجاب من طرف والقبول من طرف أخر.
وفي التحكيم يصدر اإليجاب من األطراف المعبر عنه في اتفاق التحكيم ويصدر
القبول من طرف المحكم والمعبر عنه بالتوقيع على اتفاق التحكيم3؛ فالمهمة التحكيمية ال
تبتدئ إال بعد قبول المحكم للمهمة المسندة إليه من قبل األطراف ،4وهذا وجه آخر
لالختالف بين التحكيم والقضاء.
غير أن التساؤل المطروح في هذا الصدد هو ما إذا كان األمر يتعلق بعقد عمل ،أو
عقد مقاولة ،أو خبرة أو وكالة أو غيرها؟
العربي العتوت :حدود سلطات المحكم في التحكيم التجاري الدولي ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص ،كلية العلوم القانونية 1
3
كما قد يصدر القبول عبر محضر معد لهذا الغرض أو تبادل رسائل أو غيرها من الوسائل.
الفقرة األولى والثالثة من الفصل 1-111من قانون المسطرة المدنية. 4
229
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
الحقيقة هي أن العقد الذي يبرمه المحكم مع األطراف ،هو "عقد محكم" وذلك بالنظر
3
إلى عدم توافقه مع كافة العقود المسماة المعروفة ،كعقد العمل 1وعقد المقاولة 2والوكالة
وغيرها ،4وبناء عليه ،إن "عقد المحكم" هو عقد يقبل بموجبه المحكم أو الهيئة التحكيمية في
حالة تعدد المحكمين القيام بعمل أو تقديم خدمة تتمثل في المهمة المسندة إليه من طرف
األطراف والمتجلية في فض النزاع ،طبقا لمسطرة معينة تم االتفاق عليها بينهم وبين هيئة
التحكيم.
وقد يبرم هذا العقد بمجرد قبول المحكم للمهمة عبر التوقيع على اتفاق التحكيم مع
األطراف ،أو قد يبرم بمجرد تبادل الرسائل أو تبليغ محاضر تعيين المحكم ،ورسائل أو
محاضر قبول هذا األخير للمهمة ،كما قد يتم جراء إبرام عقد مستقل يأخذ شكل "وثيقة
التحكيم" " ،"Acte de missionوفي الغالب ما تحدد هذه الوثيقة كافة أوجه العالقة
التعاقدية ،وعلى الخصوص االلتزامات المتبادلة بين طرفي العقد (أطراف النزاع وهيئة
التحكيم) .وفي هذا الصدد يمكن اإلشارة إلى بعض االلتزامات التي تقع على عاتق المحكم
وهي:
1
يفترض عقد العمل وجود عالقة التبعية بين العامل ورب العمل ،بينما يمارس المحكم مهامه بكل استقاللية عن األطراف.
2عقد المحكم يختلف عن عقد المقاولة لكون هذا األخير يفترض وجود جانب يطلب الوصول إلى هدف معين وجانب أخر يقوم بتنفيذ العمل بقصد
الوصول إ لى هذا الهدف ،اما عقد المحكم فيه مصالح متنازعة ومهمة المحكم تقتضي البت في هذه المصالح وفق قواعد قانونية.
3
يستمد المحكم سلطته من اتفاق أطراف الخصومة على خالف الوكالة التي يستمد سلطته من الموكل ،كما أن عزل الموكل لوكيله ممكن ومن
حقه بينما ال يمكن عزل المحكم إال بإجماع األطراف .كما أنه رغم أن الطرف يختار محكمه في التحكيم المتعدد األطراف إال أن هذا ال يعني أنه
يمثله أو يدافع عنه في الهيئة التحكيمية بل هو مطالب بأن يمارس مهامه بكل تجرد واستقاللية عن كافة أطراف المنازعة بمن فيهم من اختاره.
4
كعقد الخبرة مثال ،فا لخبير مطالب بإبداء رأيه والذي ال يعد ق ار ار أو حكم على خالف المحكم الذي يبت في النزاع بحكم ،وفي المجمل ال يوجد
حسب اعتقادنا في المنظومة القانونية عقد له نفس مقومات وخصائص عقد المحكم.
230
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
أما بالنسبة لألطراف فيمكن اإلشارة إلى بعض االلتزامات التي تقع عليهم وهي:
-التزام حضور الجلسات المتفق عليها مع المحكمين؛
-الستجابة لكل ما تطلبه هيئة التحكيم في إطار إجراءات نظر الدعوى؛
-تزويد المحكم بالوثائق والمعلومات التي تمكنه من النظر في النزاع؛
-أداء األتعاب.
كما يمكن أن يحدد هذا العقد القانون الواجب التطبيق ،ولغة التحكيم ،ومقر التحكيم،
والجدولة الزمنية لإلجراءات وغيرها من المسائل .ويعتبر عقد المحكم المكنة التي تعتمدها
هيئة التحكيم (خصوصا في التحكيم الخاص/الحر) كأساس التخاذ كافة التدابير اإلجرائية
الكفيلة بفض النزاع في الفترة الزمنية التي حددها االتفاق مع األطراف.
وإخالل المحكم بالتزاماته المدرجة في عقد المحكم يجره إلى المساءلة في إطار القواعد
العامة للمسؤولية العقدية ،وتختلف هذه المسؤولية حسب طبيعة االلتزام ومدى ارتباطه
بالمهمة "القضائية" التي يمارسها أو باالتفاق المبرم مع االطراف.
مما ال شك فيه أن المهمة التحكيمية تلقي على عاتق المحكم بالتزامات مختلفة منها ما
يتعلق بالعقد الذي يربطه باألطراف (أوال) ومنها التي ترتبط بطبيعة المهمة القضائية للمحكم،
وإن لم يتضمنها العقد (ثانيا).1
1
إقرار المسؤولية مرتبط بإثبات الخطأ والذي يتوقف على طبيعة التزام المدين ،وتقسم االلتزامات عموما إلى نوعين :التزام بتحقيق غاية أو التزام
ببذل عناية .ويترتب على ذلك أن إثبات عدم التنفيذ في االلتزام بتحقيق غاية يتم بمجرد إثبات عدم تحقق الغاية ،ومثال ذلك إذا أصيب المسافر
أثناء السفر بضرر يعد الناقل مسؤوالً؛ وذلك ألن الغاية من الت ازمه لم تتحقق؛ وهي وصول المسافر بالسالمة .وهي بالنسبة للمحكم االلتزامات
المتعلقة بتدبير المسطرة التحكيمية (البت في النزاع داخل األجل االتفاقي أو القانوني ،عدم التخلي عن المهمة قبل إصدار الحكم ،وصياغة الحكم
التحكيمي والتوقيع عليه مثال) ،وأما في االلتزام ببذل عناية ،فعلى الدائن أن يثبت أن المدين لم يبذل القدر الواجب من العناية ،وهي في مجمل
االلتزامات المرتبطة بالمهمة القضائية للمحكم (كاحترام الضمانات األساسية للتقاضي وتحري وجه الصواب في الحكم التحكيمي مثال) ،لمزيد من
التوضيح راجع :الشهابي إبراهيم الشرقاوي ومصطف ى أبو العينين" :الطبيعة القانونية لعالقات التحكيم والمسؤولية المدنية الناشئة عنها" ،مجلة العلوم
القانونية ،تصدر عن كلية القانون جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ،دولة االمارات العربية المتحدة ،العدد األول ،السنة األولى ،يناير ،1131
الصفحة .319
231
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
يمكن أن يدرج في هذا اإلطار مجموعة من االلتزامات منها :البت في النزاع داخل
األجل االتفاقي أو القانوني ،وعدم التخلي عن المهمة التحكيمية واالفصاح واالخبار بكل ما
من شأنه أن يمس بالحياد واالستقاللية.
كما أن هذا االلتزام يمتد أيضا إلى كافة الظروف التي تط أر بعد التعيين إلى حدود
إصدار الحكم التحكيمي .1هذا التصريح يسمح لألطراف بالموافقة أو رفض تعيين المحكم
بحسب طبيعة الظروف والوقائع المصرح بها ،مما يساعد على اختيار المحكم المحايد
والمستقل.
وفي حالة اإلحجام عن التصريح فإن اكتشاف األطراف لهذه الظروف أو الوقائع التي
من شأنها إثارة الشك حول حياد واستقالل المحكم قد يعرضه لمسطرة التجريح أو العزل إذا
تم اكتشاف األمر قبل صدور الحكم التحكيمي ،2أما إذا تم اكتشاف الواقعة بعد ذلك فإن
الحكم يكون معرضا للبطالن وبالتالي يسأل المحكم عن ذلك ألنه ناتج عن خطئه المباشر.
1
وائل طبارة :حياد المحكم ،المجلة اللبنانية للتحكيم العربي والدولي ،العدد الثالث ،3331 ،الصفحة .11
نص الفصل 111من قانون المسطرة المدنية على أنه" :ال يجوز ألي من طرفي التحكيم تجريح محكم إال لسبب ط أر أو اكتشف بعد تعيينه". 2
وحدد الفصل 111من نفس القانون الحاالت التي يمكن تجريح المحكم نتيجة لها.
232
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
تحديد معالم التزام المحكم باإلفصاح يستدعي مقاربة المقصود باستقالله وحياده ،ورغم
أنه يصعب إعطاء تعريف محدد لهذين المفهومان إال أن ذلك ال يمنع من تحديد خصائص
وسمات هذين المبدأين.
فاالستقالل بمفهومه الواسع مرتبط بالحرية ،بمعنى أن المحكم عند أداء مهمته
التحكيمية يجب أال يكون تابعا ألي أحد 1خصوصا لألطراف أو محاميهم .2واالستقاللية
مسألة موضوعية لكونها مرتبطة بعالقات عملية وواقعية يمكن إثبات وجودها ماديا ،3على
خالف الحياد ،فهو أمر مرتبط بشخص المحكم أو ذاتيته ،ويتعلق األمر بغياب التجرد أو
الحكم المسبق على أمر معين .4وبالتالي فإن الحياد هو مفهوم مجرد ويصعب قياسه وتحديد
أبعاده .كما أن االستقاللية يمكن تحديد توفرها من عدمه إبان بدأ المسطرة التحكيمية ،أما
الحياد ففي الغالب ما يتم إدراكه أثناء سريان المسطرة وذلك بالنظر إلى تصرفات المحكم
ومواقفه من األطراف والنزاع.5
وعلى العموم فإن استقاللية المحكم هي منشأ مهمته ،ما دامت هذه االستقاللية هي
التي تمنحه صفة قاضي األطراف في استقالل عنهم ،وأن الطعن في هذه االستقاللية ،رهين
بتوفر روابط مادية ومعنوية قد تشكل خط ار أو تلحق أض ار ار بأحد أطراف النزاع.
ونخص بالذكر ،الروابط االقتصادية ،التي من شأنها اثارة الشكوك حول حياد
واستقاللية المحكم .6كأن يقدم بالموازاة مع مسطرة التحكيم إستشارة تقنية مؤدى عنها ألحد
1
Thomas CLAY, L’arbitre, op cit, pages 245 et suivants.
2
Maria SCHURMANS : « L’indépendance et l’impartialité de l’arbitre : entre apparence et réalité », Mémoire
pour l’obtention d’un Master en droit de la faculté de droit et de criminologie de l’Université Catholique de
Louvain, année académique 2016-2017, page 7.
3
Didier MATRAY et Albert Jan VAN DEN BERG : « L’indépendance et l’impartialité de l’arbitre », in
L’arbitre : Pouvoirs et statuts, actes du colloque du CEPANI du 28 mars 2003, Bruxelles, Bruylant, 2003,
pages 93 et 94.
4
Dominique HASCHER, « Independence and impartiality of arbitrators: 3 issues » American University
International Law Review n°4, Vol 27, 2012, page 792.
5
Idem.
6
Philippe FOUCHARD, Emmanuel GAILLARD et Berthold GOLDMAN, Traité de l’arbitrage commercial
international, Paris, Litec, 1996, n°1029.
233
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
الخصوم ،أو المحكم الذي كان يشتغل كمستشار لفائدة شركة تنتمي لنفس المجموعة
اإلقتصادية ألحد الخصوم ،ففي هذه الحاالت وغيرها يكون لألطراف إمكانية تجريح المحكم.
وفي هذا الصدد سبق لمحكمة االستئناف بباريس أن أوضحت في قضية Raoul
Duvalأن المحكم الذي وظفه أحد األطراف في اليوم الموالي للنطق بالحكم التحكيمي ،قد
أخل بواجب االستقالل والحياد المفروضين في شخص المحكم ،مما يبرر إثارة مسؤوليته
التعاقدية والحكم عليه بالتعويض .1وقد أكدت هذه القضية التوجه السابق لنفس المحكمة في
قضية Bompardعندما اعتبرت أن مسؤولية المحكم تثار طبقا لألحكام العامة للمسؤولية
التعاقدية.2
ويتضح من هاتي ن القضيتين أن مسؤولية المحكم تثار في حالة الخطأ الفادح المماثل
للتدليس أو الغش وفي حالة إخفاء عالقة المحكم بأطراف الخصومة .كأن يتم تعيين نفس
المحكم من قبل نفس األطراف في عدد كبير من النزاعات وفي مدة زمنية قصيرة ،فتقوم
عالقة اقتصادية بينهم تمس باستقالليته.3
ففي قضية Bompardاعتبر القضاء الفرنسي أن مسؤولية المحكم يمكن إثارتها في
حالة ارتكابه خطأ فادحا يعادل ارتكابه خطأ متعمدا ،فقد أشارت المحكمة االبتدائية وبعدها
محكمة االستئناف بباريس إلى أن اثارة المسؤولية التعاقدية للمحكم تجد سندها في العقد الذي
يربطه باألطراف .وتم بالتالي استبعاد مسؤولية المحكم لعدم اثبات أن خطأه يصل إلى مرتبة
الخطأ الفادح أو غش أو تدليس.4
أما في قضية Raoul Duvalفقد حمل القضاء المحكم مسؤولية عدم التزامه بواجب
اإلفصاح ،وتتعلق وقائع هذه القضية في أن شركة Raoul Duvalاكتشفت بعد صدور
1
Cour d’appel de Paris (CA paris) 12 octobre 1995, Merkoria Sucden c/société Raoul Duval , Revue
d’arbitrage 1999, page 324.
2
)Tribunal de Grande Instance de Paris (TGI Paris), 13 juin 1990, Bompard c/ C. Gazette du Palais (G.P
1990, page 417.
3
CA Paris, 16 mai 2002, STPIF c/SB Ballestrero, Revue d’arbitrage, 2003, 123 ; CA Paris 29 janvier 2004,
SA Serf c. société DV Construction, Revue d’arbitrage 2005, page 720.
4
TGI Paris, 1er chambre civil, 1er section, 13 juin 1990, Bompard c/ consorts C. et autres, Revue d’arbitrage,
; 1996, p476, note Philippe FOUCHARD, page 325
234
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
الحكم التحكيمي أن المحكم قد إشتغل لدى خصمها مباشرة بعد النطق بالحكم التحكيمي ،ولم
يف صح عن أي عالقة تربطه مع الخصم أثناء سريان المسطرة .وبعد بطالن الحكم
التحكيمي ،1تقدمت شركة Raoul Duvalبطلب تعويض في مواجهة المحكم لجبر الضرر
الذي أصابها نتيجة لهذا البطالن .واستجابت المحكمة االبتدائية بباريس لطلب الشركة
وصرحت بأن المحكم بعدم تصريحه بعالقته مع الشركة الخصم يوجد في حالة تضارب
مصالح ،وهو ما يشكل عائقا التفاق التحكيم ،وأن تصرف المحكم يشكل خطأ يتحمل
مسؤوليته ،بما أنه أخفى هذا األمر عن شركة .2Raoul Duvalهذا الموقف أكدته محكمة
االستئناف بباريس واعتبرت أن اإلحجام عن اإلفصاح شكل خطأ شخصيا للمحكم لكونه
إلتزام تعاقدي.3
ويثار النقاش حول ما إذا كانت مساءلة المحكم تقوم لمجرد عدم اإلفصاح أو لمدى
تأثير األمور التي لم يفصح عنها في إثارة الشك حول حياده وإستقالليته .فقاضي بطالن
الحكم التحكيمي ال يكتفي بمراقبة مدى إحترام المحكم لاللتزام بالتصريح بل ينظر في مدى
تأثير ذلك على حياده واستقالليته.4
ولقد تبنت محكمة النقض الفرنسية هذا الموقف في قضية Neoelectra Group
،c/Tecsoإذ بعدما قررت محكمة االستئناف بباريس إبطال الحكم التحكيمي لعدم تصريح
المحكم باشتغاله مع محامي الخصم الذي اختاره واستم ارره في تقديم االستشارات القانونية،5
نقض هذا القرار بعلة أن اعتماد محكمة االستئناف على هذا المعطى دون أن تبين كيف
1
CA Paris 1er chambre civile, 2 juillet 1992, Société Raoul Duval c/Société Merkuria Sucden, Revue
d’arbitrage, 1996, 411, note Philippe FOUCHARD, page 325.
2
« Que l’arbitre se trouvant ainsi en opposition d’intérêts avec l’une des parties, il en résultait un obstacle à la
convention d’arbitrage et que l’arbitre, a incontestablement commis une faute de nature à engager sa
responsabilité en dissimulant cette situation à la société Raoul Duval ». TGI Paris, 1er chambre Civile, 1er
section, 12 mai 1993, société Raoul Duval c/ V, Revue d’arbitrage ; 1996, p411, 2ème espèce, note Ph.
FOUCHARD, page 325.
3
CA Paris 1er chambre Civile 12 octobre 1995, Revue d’arbitrage 1999, page 324.
4
Alexandre MALAN, « l’appréciation par les tribunaux français de l’indépendance des arbitres » in « Le juge
et l’arbitrage », actes du colloque organisé à Tunis les 25 et 26 avril 2013, éd A. Pédone, 2014, page 181.
5
CA Paris, 10 mars 2011, Revue d’arbitrage 2011, page 737, note D. COHEN.
235
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
لهذه األمور أن تخلق الشك لدى أطراف الخصومة حول استقاللية وحياد المحكم ،لم تمكن
محكمة االستئناف محكمة النقض من مراقبة قرارها.1
ويثير هذا األمر النقاش حول محتوى وحجم اإلفصاح الذي يجب أن يقدم عليه
المحكم ،بمعني ماهي األمور التي يتعين على المحكم أن يفصح عنها وتلك التي يستطيع
اإلحجام عن اإلدالء بها؟
وعلى العموم يجب أن يفصح المحكم عن كافة األمور واألشياء والعالقات التي تربطه
باألطراف ومحاميهم أو األشخاص الذين لهم مصلحة اقتصادية في النزاع ،ويستثنى من
علمية اإلفصاح األشياء المشهورة لدى العموم والتي يستطيع األطراف معرفتها بسهولة،2
والروابط العلمية أو الفكرية ،3والتخصص النادر أو الحلقة المقيدة التي تربط المحكمين
باألطراف أو محاميهم.4
ويتضح من هذه الق اررات القضائية السالفة الذكر أن مقاربة األشياء التي يجب أن
يفصح عنها المحكم تحت طائلة مساءلته تختلف بحسب كل حالة على حدة ،وبالتالي فإن
القضاء يتفحص تنفيذ المحكم لواجب اإلفصاح بحسب أحول النزاع ويصعب وضع محددات
موضوعية لذلك ،غير أنه يمكن االستعانة بإرشادات أو توجيهات رابطة المحامين الدولية
( )IBAبشأن تضارب المصالح.
ب -البت في النزاع داخ األج االتفااي أو القانوني وعدم االنسحاب من
العملية التحايمية
يعد إصدار الحكم التحكيمي في المدة الزمنية المتفق عليها أو المنصوص عليها في
نظام التحكيم أو القانون ،في حالة غياب اتفاق بين األطراف ،من بين أهم التزامات المحكم.
وفي حالة عدم إصدار الحكم التحكيمي في الوقت المحدد قد يسأل المحكم إلخالله بالتزامه.
1
Cassation Civile 1er chambre, 10 octobre 2012, Revue d’arbitrage 2013, p127, note Ch. JARROSSON.
2
Cour d’Appel de Colmar (Suisse), 8 février 2011, Revue d’arbitrage 2011, issue 3, page 724.
3
CA Paris, Arrêt Sobrior, 1er juillet 2011, n°10/10402.
4
Tribunal fédéral suisse, 20 mars 2008, ATF, 4A_506/2007.
236
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
والتزام المحكم بإصدار الحكم التحكيمي في األجل المحدد معبر عنه في مجمل قوانين
التحكيم ،لكون معرفة الوقت الذي ستأخذه عملية فض النزاع بين األطراف تعتبر من بين أهم
مزايا التحكيم كآلية لفض المنازعات ،األمر الغائب في المسطرة القضائية ،وقد راعى قانون
المسطرة المدنية ذلك في الفصل 111-11منه.
ونستحضر في هذا اإلطار قرار محكمة االستئناف التجارية بفاس الصادر في ظل
قانون المسطرة المدنية القديم ،والذي جاء فيه:
"...وتثبت مسؤولية المحكم بانتهاء المدة دون إصدار الحكم يفترض تحقق
الضرر ،وتترتب المسؤولية دون حاجة إلثبات خطأه إذ يكفي إثبات عدم الحسم في
النزاع في المدة المتفق عليها إال إذا اتفق األطراف مسبقا بمد أجل التحكيم صراحة أو
ضمنا".1
انتهاء مدة التحكيم دون صدور الحكم التحكيمي له انعكاسات وخيمة على األطراف
وعلى التحكيم كمنظومة .فوثيقة التحكيم تصبح ال جدوى منها بتجاوز الميعاد المحدد للبت
في النزاع دون إ صدار الحكم .كما أن من بين أسباب الطعن في البطالن في الحكم
التحكيمي صدوره بعد مدة التحكيم .فانتهاء المدة دون حكم تحكيمي يفض النزاع يفترض معه
تحقق ضرر لألطراف ،وتترتب مسؤولية المحكم دون حاجة إلثبات خطأ المحكم ،بما أنه يقع
على عاتقه التأكد من إصدار حكمه قبل انتهاء المدة الزمنية المتفق عليها مع األطراف.2
ويفهم مما سبق أن اإللتزام بإصدار الحكم التحكيمي داخل األجل اإلتفاقي أو القانوني
إلتزام بغاية أو تحقيق بنتيجة وهو ما تبناه القضاء الفرنسي ،عندما أشارت محكمة النقض
الفرنسية في إحدى ق ارراتها إلى أن إصدار الحكم التحيكمي داخل األجل التزام بتحقيق نتيجة
وبالتالي أقرت بمسؤولية المحكم في هذا الباب ،ولم تأخذ بعين االعتبار أن هذا التأخير قد
يكون ب سبب تماطل األطراف ،بل أكدت على أن المحكم ملزم باتخاذ كافة اإلجراءات لتجنب
1
قرار محكمة االستئناف التجارية بفاس عدد 113المؤرخ في 11فبراير 1111والصادر في الملف رقم ،1115/101منشور في مجلة المحاكم
المغربية ،منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية ،العدد 1دجنبر 1111الصفحة ،311أوردت هذا القرار رشيدة بحيليس :المرجع
السابق ،الصفحة 31و.39
يقر القانون التحكيم التونسي ،على سبيل المثال ،بمسؤولية المحكم عن الضرر الذي يلحقه باألطراف عن طريق التخلي عن المهمة بعد قبوله لها 2
وال يجوز له ذلك إال لسبب مشروع وإال أمكن الحكم عليه بالتعويض للمحتكمين (الفصل 33من مجلة التحكيم التونسية).
237
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
نفاذ األجل دون إ صدار الحكم بما فيها طلب تمديد مدة التحكيم من القضاء في حالة غياب
اتفاق حول ذلك من األطراف.1
ويعتبر موقف محكمة النقض ،من وجهة نظرنا ،سليما لكون األجل المعروف والمحدد
إلصدار الحكم التحكيمي يعتبر من أهم مزايا هذه اآللية لفض المنازعات ،وبالتالي فإنه من
أهم التزامات المحكم الذي يتعين عليه الحرص على إصدار حكمه داخل األجل المحدد ،بما
أن إ صدار هذا الحكم خارجه يعرض الحكم إلى البطالن في جل األنظمة التحكيمية.2
وبالنظر إلى الجهد والمصاريف التي تكبدتها األطراف خالل المسطرة التحيكيمة فهذا فيه
ضرر مؤكد لهم ولهذا تثار فيه مسؤولية المحكم ،خصوصا وأن له من الوسائل المسطرية ما
ت سمح له بتجنب هذا الخطأ ،على اعتبار سلطته في تدبير اإلجراءات ،وإمكانية تمديد أجل
التحكيم إما باالتفاق أو باللجوء إلى القضاء ويمكن أيضا أن يضمن هذه اإلمكانية في العقد
الذي يربطه باألطراف قبل قبول المهمة المسندة إليه.
وتفاديا لمضي أجل التحكيم دون صدور الحكم التحكيمي ،أدرجت بعض مراكز
التحكيم في قواعدها إمكانية تدخل المركز تلقائيا لتمديد أجل التحكيم ،ونذكر منها على سبيل
المثال ،ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 13من قواعد التحكيم لغرفة التجارة الدولية
(صيغة )1131على أنه-1" :يجوز "للمحكمة" تمديد المدة بناء على طلب مسبب من هيئة
التحكيم أو من تلقاء نفسها إذا قررت أن ذلك ضروري".
كما أن من بين االلتزامات األساسية للمحكم ،إتمام المهمة التحكيمية حتى إصدار حكم
فاصل في موضوع النزاع ،وال يمكن للمحكم أن ينسحب أو يستقيل بعدما بدأ إجراءات
1
Cour de cassation 1er chambre civile n°03-13.116 rendu le 06 décembre 2015 ; voir pour commentaire :
Pierre Yves GAUTIER, Recueil Dalloz 2006, p274 et Philippe THERY, Revue Trimestrielle du droit civil 2006,
page 144.
2حسب الفصل 111-11من قانون المسطرة المدنية....":ال يكون الطعن بالبطالن ممكنا إال في الحاالت اآلتية:
1-إذا صدر الحك م التحكيمي في غياب اتفاق التحكيم أو إذا كان اتفاق التحكيم باطال ،أو إذا صدر الحكم بعد انتهاء أجل التحكيم؛"...؛ وبالنسبة
للتحكيم الدولي تطرق إلى هذه اإلمكانية الفصل " : 111-03ال يمكن الطعن باالستئناف في األمر القاضي بتخويل االعتراف أو الصيغة التنفيذية
إال في الحاالت اآلتية -3 :إذا بتت الهيئة التحكيمية دون اتفاق تحكيم أو استنادا إلى اتفاق باطل أو بعد انتهاء أجل التحكيم؛ ."....والتي يحيل
عليها الفصل 111-53المتعلق بالطعن بالبطالن في الحكم التحكيمي الصادر بالمملكة في مادة التحكيم الدولي قابال للطعن بالبطالن في الحاالت
المنصوص عليها في الفصل 111-03أعاله.
238
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
التحكيم ،ما عدا في حالة وجود أسباب جدية ومشروعة تمنعه من مباشرة مهمته ،1وإال يمكن
مساءلته في إطار مقتضيات الفصل 111-1من قانون المسطرة المدنية.
ومعلوم أن قواعد استبدال المحكمين في حالة عزلهم ،أو انسحابهم ،أو تجريحهم تسمح
بمعالجة إشكالية انسحاب المحكم خصوصا في بداية العملية التحكيمية ،إال أن انسحاب
المحكم بعد قطع المسطرة لفترة زمنية معينة واستحضار الجهد والعناء المادي والمعنوي
لألطراف وباقي أعضاء الهيئة التحكيمية (في حالة تعدد المحكمين) فإن هذا االنسحاب قد
يلحق ضر ار بمصلحة األطراف ويمكن أن يثير مسؤولية المحكم إذا ثبت غياب ما يبرره.
ت -عدم تطبيق القانون المتفق عليه لين األطراف واحترام السرية
إن إرادة األطراف هي المحرك األساس والرئيس للتحكيم .والمحكم ملزم باتباع ما يقرره
أطراف المنازعة باالتفاق فيما بينهم ،وفي حالة إتفاقهم على تطبيق قانون معين لفض النزاع
الذي يجمعهم فإن المحكم ملزم بتطبيق النصوص القانونية التي اختارها األطراف .وفي حالة
غياب اإلتفاق يطبق المحكم القانون األكثر اتصاال بالنزاع .2وفي حالة استبعاد القوانين التي
اتفق األطراف عليها للحسم في النزاع فإن هذا األمر يعرض الحكم للبطالن وبالتالي إهدار
وقت وجهد األطراف فيما ال طائل من ورائه.3
كما يقع على عاتق المحكم التزام عام باحترام السرية ،وذلك لكونها من بين أهم مميزات
العملية التحكيمية بالمقارنة مع القضاء الرسمي والذي يتسم بالعالنية .فالمبدأ العام في
التحكيم هو السرية واالستثناء هي العالنية والتي يجب أن يوافق عليها األطراف صراحة.
1
ويأتي على رأس األسباب الجدية؛ المرض وعدم القدرة على أداء المهمة التحكيمية ،أو أن يفقد المحكم أهلية البت في النزاع وأن ينتفي فيه أحد
الشروط الضرورية لممارسة المهمة ،كأن يصدر في حقه حكم نهائي باإلدانة من أجل ارتكاب أفعال تخل بالشرف أو صفات االستقامة أو اآلداب
العامة أو بالحرمان من أهلية ممارسة التجارة أو حق من حقوقه المدنية (الفقرة األولى من الفصل 111من قانون المسطرة المدنية).
فقد نص الفصل 111-39من قانون المسطرة المدنية على أنه" :تطبق هيئة التحكيم على موضوع النزاع القواعد القانونية التي يتفق عليها 2
الطرفان إذا لم يتفق الطرفان على القواعد القانونية الواجبة التطبيق على موضوع النزاع طبقت هيئة التحكيم القواعد الموضوعية في القانون الذي ترى
أنه األكثر اتصاال بالنزاع.".... ،
3
فمن بين أسباب الطعن ببطالن الحكم التحكيمي حسب الفصل 111-11نجد حالة عدم التقيد المحكم باإلجراءات المسطرية التي اتفق األطراف
على تطبيقها أو استبعاد تطبيق القانون الذي اتفق األطراف على تطبيقه على موضوع النزاع.
239
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
والسرية في التحكيم تعني عدم السماح لغير الخصوم ووكالئهم بحضور جلسات
التحكيم ،وعدم إفشاء محتوى اإلجراءات والق اررات والذي يجب أن يقتصر العلم به على
المحكمين ،واألطراف ومن يمثلهم (خبراء ،محامين وغيرهم) .وهذه السرية تمنع نشر الق اررات
التحكيمية أو أجزاء منها دون موافقة أطراف النزاع.
وااللتزام بالسرية ،وإن لم يتطرق إليه العقد المبرم بين المحكم وأطراف النزاع ،فإنه التزام
ضمني بما أن األطراف عند اللجوء الى المحكم يفترض فيه اإللمام بالقواعد القانونية والتقنية
المطبقة على النزاع والحرص على احترام السرية لما قد تحدثه العالنية من أضرار بأسرارهم
المهنية والتجارية.
وتجدر اإلشارة إلى أن المساءلة المدنية للمحكم في أطار عدم الحفاظ على السرية ال
يحول دون متابعته جنائيا في إطار االلتزام بكتمان السر المهني والمنصوص عليه في
الفصل 111من قانون المسطرة المدنية.
إن ما يميز التحكيم هو أن المحكم يلبس عباءة القاضي ولو لمدة محددة ،وبالتالي فهو
ملزم باحترام مجموعة من المبادئ المتصلة بطبيعة هذه المهمة "القضائية" ،والمتمثلة في
ضرورة البت في النزاع ،مع احترام الضمانات األساسية في التقاضي وشكليات الحكم
التحكيمي.
1
رشيدة بحيليس :المرجع السابق ،الصفحة .313
240
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
الدفاع يعد من بين األسباب الرئيسية للطعن في الحكم التحكيمي ،1وفي حالة إبطال هذا
الحكم لهذه األسباب قد تحقق مسؤولية المحكم إذا ما ارتكب خطأ جسميا ،كما سنرى ذلك
الحقا.
وعمليا يجب أن تتقيد كل إجراءات التحكيم ،تحت طائلة البطالن ،بهذه الضمانات،
وذلك عبر تمكين أطراف النزاع من إبداء دفاعهم وطلباتهم على قدر المساواة بدون تحيز أو
تمييز؛ فالهيئة مسؤولة عن إتاحة الفرصة كاملة لكل طرف بعرض دعواه وتحقيق دفاعه.
كما يجب احترام مبدأ التواجهية .هذه التواجهية ال تقتصر فقط على جمع أطراف النزاع في
جلسة ،بل تمتد إلى تمكين كل طرف من االطالع على ما يقدمه الطرف اآلخر من
مستندات أو مذكرات أو وثائق لها عالقة بموضوع النزاع وإمكانية الرد عليها .مع إعطاء
االمكانية لكل األطراف لإلدالء بكل ما بحوزتهم من أدلة وإثباتات وأقوال وشهود وغيرها من
األمور التي من شأنها أن تكفل لكل طرف منهم الدفاع عن ادعائه أمام الهيئة التحكيمية،
ويجب أن يطلع كل واحد منهم على إدعاء اآلخر بقدر تام من المساواة.2
كما يجب على المحكم أال يتجاوز حدود المهمة التي اتفق بشأنها مع أطراف
الخصومة ،ولعل تجاوز المحكم لمهمته قد يكون على شكل اتخاذ إجراء لم يتفق عليه
األطراف أو ا متنع عن تصرف كان يجب عليه القيام به وهو ما قد يؤدي إلى بطالن الحكم
التحكيمي ،وتثور معه بالتبعية مسؤولية المحكم عن تجاوز حدود مهمته.
وفضال عما سبق فقد يتعارض أيضا مع المبادئ األساسية في التقاضي ومع مهمة
المحكم ،ارتكاب هذا األخير غشا بحق أحد الخصوم ،مما يخالف النزاهة والعدالة التي يجب
أن تتوفر في شخص المحكم .والغش مرتبط وجودا وعدما بسوء النية ،3وذلك جراء انحراف
المحكم في تدبير العملية التحكيمية من أجل اإلضرار بأحد أط ارف الخصومة .والغش يبطل
التصرفات ،وصوره عديدة ومتعددة ،فقد يشكل غشا استغالل المحكم لقلة خبرة أحد أطراف
النزاع أو المحامي الذي يمثله ،وذلك لحرمانه من االطالع على المستند المقدم من الخصم،
1
عزمي عبد الفتاح :واجب القاضي في تحقيق مبدأ المواجهة باعتباره أهم تطبيق لحق الدفاع ،دار النهضة العربية ،طبعة ،3331الصفحة .31
2
رشيدة بحيليس :المرجع السابق ،الصفحة 311وما يليها.
أحمد هندي :أصول قانون المرافعات المدنية والتجارية ،دار الجامعة الجديدة للنشر ،اإلسكندرية ،1113 ،الصفحة .15 3
241
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
أو البحث في أمر معين ،رغم غياب الطرف الثاني .1كما تحريف الوقائع واالقوال أو تلقي
الرشوة من شأنه أن يضع المحكم تحت طائلة المساءلة الجنائية.2
وإذا كان الخطأ ثابتا وواضحا بالنسبة للغش وأو التحريف أو تلقي الرشوة ،فإن حدود
مسؤولية المحكم فيما يتعلق بالضمانات األساسية في التقاضي وال سيما مبدأ المساواة
والتواجهية يطرح نقاشا حول ما إذا كان يتعلق بالتزام بتحقيق نتيجة/غاية أو يلتزم المحكم
فقط ببذل عناية؟
إن ندرة األحكام القضائية التي تناقش هذه المساءلة تحول دون الوقوف على طبيعة
المسؤولية الملقاة على عاتق المحكم ،هل هي نفسها التي يتحملها القاضي وهو ما يجرنا إلى
النقاش حول طبيعة الحصانة التي يجب أن يعترف بها للمحكم على غرار القاضي الرسمي.
ولإلجابة على هذا التساؤل يمكن االعتماد على القانون المقارن ،وأخص بالذكر القانون
الفرنسي ،فرغم غياب نصوص قانونية تبين طبيعة مسؤولية المحكم إال أن القضاء الفرنسي
كان سباقا إلى وضع مجموعة من المبادئ التي يمكن الركون إليها في عملية تحديد نطاق
مسؤولية المحكم.
فقد سبق للقضاء الفرنسي أن أكد على أن إلتزام المحكم بالبت داخل اآلجال االتفاقية
أو القانونية هو إلتزام بتحقيق نتيجة ،كما سبق توضيحه ،ويمكن أيضا االستعانة بقرار آخر
لمحكمة النقض الفرنسية حول نطاق مسؤولية المحكم في احترام مبدأ التواجهية ( le
.)principe du contradictoireوهو القرار الصادر في قضية ،Blow Packوهي
شركة تونسية كانت تربطها عقدة مع شركة ألمانية " "Windmoller and Holscherحول
بيع آليات لصناعة أفالم بالستيكية ،وتضمنت هذه العقدة شرطا تحكيميا وفق قواعد التحكيم
لغرفة التجارة الدولية ( )CCIكما تم االتفاق على أن لغة التحكيم هي الفرنسية.
وأصدرت هيئة التحكيم حكمها بتاريخ 30شتنبر 1133ضد الشركة التونسية Blow
Packوالتي طعنت ببطالن الحكم التحكيمي لعدم احترام هيئة التحكيم لمبدأ التواجهية بما
أن بعض الوثائق التي أدلت بها الشركة األلمانية لم تتم ترجمتها إلى اللغة الفرنسية.
مصلح أحمد الطراونه وجورج حزبون حزبون وعامر مدالله محمود النوايسة :المرجع السابق ،الصفحة .313 1
مصلح أحمد الطراونه وجورج حزبون حزبون وعامر مدالله محمود النوايسة :المرجع السابق ،الصفحة .301 2
242
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
فاستجابت محكمة االستئناف بباريس للطلب وقضت ببطالن الحكم التحكيمي جزئيا فيما
يخص إحدى اآلالت ،1وعلى الرغم من الطعن بالنقض في هذا القرار إال أن محكمة النقض
رفضت الطعن فأصبح بذلك قرار محكمة االستئناف نهائيا.2
وبناء عليه ،تقدمت الشركة التونسية بدعوى في مواجهة أعضاء هيئة التحكيم تطالب
المحكمة االبتدائية بباريس بإقرار مسؤولية الهيئة التحكيمية نظ ار لبطالن الحكم التحكيمي
جراء عدم إحترام مبدأ التواجهية .وفي حكمها المؤرخ في 11ماي 1131رفضت المحكمة
المذكورة ال طلب بعلة أن األخطاء التي ارتكبتها هيئة التحكيم ال تعتبر أخطاء جسيمة ،وال
تنسجم وطبيعة مهامهم القضائية ومن شأنها أن تثير المسؤولية الشخصية للمحكمين .وهذا
ما أكدته محكمة االستئناف لما اعتبرت أن خرق مبدأ التواجهية تم في إطار المهام القضائية
لهيئة التحكيم وال يمكنه إثارة مسؤولية المحكمين بهذا الشأن إال إذا كان جراء خطأ فادح (أو
فاحش) ،بمعنى "خطأ شخصي تدليس أو غش أو خطأ فادح أو في حالة وجود إنكار
للعدالة".3
ويأتي موقف محكمة االستئناف تكريسا لمبدأ أقرته محكمة النقض الفرنسية في قضية
Azranوالذي وإن أقر بأن مسؤولية المحكم يتم اثباتها في إطار القواعد العامة للمسؤولية،
فإنه ميز بين االلتزامات التعاقدية للمحكم والتزاماته المرتبطة بمهامه القضائية.4
وعلى العموم يعتبر التقيد بالضمانات األساسية في التقاضي تحديا مهما لهيئة التحكيم
خصوصا إذا ما حدث طارئ يؤثر على السير العادي للتحكيم ،كالظروف التي يمر منها
العالم حاليا ،في ظل تفشي جائحة كورونا والتي أدت إلى واقعة الحجر الصحي والصعوبات
المادية المرتبطة بعدم إمكانية عقد جلسات التحكيم بطريقة حضورية ،مما دفع المؤسسات
1
L’arrêt n°11/18244 rendu le 2 avril 2013, Revue d’arbitrage 2014. 106 note I. JAEGER.
2
L’arrêt de la première chambre civile n°13-22.391 rendu le 18 mars 2015. Dalloz 2015, 2588 observations
Thomas CLAY.
3
« Une faute personnelle équipollente au dol ou constitutive d’une fraude, d’une faute lourde ou d’un déni de
justice ».
4
Arrêt de la Cour de Cassation française 1 er chambre civile n°11-17.196, Azran ; Revue Trimestrielle Du droit
Commercial, 2014, 315, observations Eric LOQUIN.
243
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
التحكيمية والمحكمين إلى االعتماد على الوسائل التكنولوجية لتدبير المسطرة التحكيمية مما
يشكل خط ار حقيقيا على إحترام المبادئ األساسية في التقاضي.
ولقد ألزم القانون المحكمين باحترام شكلية معينة عند صياغة أحكامهم ،وبالتالي ففي
حالة عدم احترام هذه الشكلية يعرضون هذه األحكام للبطالن وضياع مصالح أطراف النزاع
جراء تهاونهم.
وفي هذا الصدد ينص الفصل 111-11من قانون المسطرة المدنية على ضرورة
صدور الحكم التحكيمي كتابة وأن يشير إلى اتفاق التحكيم ،وأن يتضمن عرضا موج از
للوقائع وادعاءات األطراف ودفوعاتهم والمستندات المقدمة من قبلهم .كما يجب أن يبين
الحكم التحكيمي النقط التي تم الفصل فيها وكذا ما قضى به.
كما يتعين على المحكم أن يكون حريصا ،خالل صياغته للحكم البات في الخصومة
بين األطراف ،على تعليليه تعليال مستفيضا ،وذلك للحرص على تحصينه من كل ما من
شأنه أن يعرضه للبطالن أو عدم التنفيذ .فالتعليل هو الذي يناقش األقوال والمستندات ويبين
244
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ركائز الحكم .1إال إذا اتفق األطراف على خالف ذلك ،أو كان القانون الواجب التطبيق على
مسطرة التحكيم ال يشترط تعليل الحكم.2
ويعتبر عدم احترام هذه االلتزامات من أسباب بطالن الحكم التحكيمي حسب الفصل
111-11من قانون المسطرة المدنية ،وبالتالي يسأل المحكم عن هذا االختالل الذي يعتبر
من األمور الفنية يتعين الحرص على عدم إغفالها .فبطالن الحكم التحكيمي لألسباب السالفة
الذكر فيه إضرار واضح بمصالح األطراف المتخاصمة.
وإذا كانت هذه هي أغلب المظاهر والحاالت والصور التي يمكن فيها إثارة مسؤولية
المحكم المدنية ،فكيف يمكن تفعيل هذه المسؤولية من الناحية اإلجرائية ،هذا ما سنناقشه في
المطلب الثاني من هذا البحث.
إن المطالبة القضائية بإقرار مسؤولية المحكم يجب أن تحترم شكليات وإجراءات معينة،
ومخرجاتها متصلة بإمكانية دفع هذه المسؤولية من عدمه ،3وتثار عندئذ إشكالية طبيعة
التعويض الذي سيحكم به لفائدة المتضرر.
مصلح أحمد الطراونه وجورج حزبون حزبون وعامر مدالله محمود النوايسة :المرجع السابق ،الصفحة .303 1
3
يمكن للمحكم االستعانة بمجموعة من اآلليات القانونية لدفع المسؤولية عنه وذلك بإثبات تحقق الخطأ جراء عنصر أجنبي ،كالقوة القاهرة أو
الظرف الطارئ أو الحادث الفجائي ،كما هو الشأن في الحالة الوبائية التي يعيشها العالم حاليا جراء تفشي جائحة كورونا (كوفيد )33والوضع الذي
خلفته إجراءات الحجر الصحي جراء الصعوبة المادية في إجراءات جلسات االستماع الحضورية ،وتعذر ذلك ،مما قد يؤدي إلى إنهاء مدة التحكيم
دون صدور حكم تحكيمي أو غيرها من اإلشكاليات التي قد تعترض المحكم أ ثناء البت في الخصومة .كما يمكن أن ينسب المحكم الخطأ ألطراف
الخصومة أو خطأ الغير (كالخطأ في الترجمة مثال).
245
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ويتعين لقبول الدعوى احترام الشروط واتباع اإلجراءات المسطرية المحددة في قانون
المسطرة المدنية ،كشرط الصفة ،واألهلية والمصلحة .كما أن المقال االفتتاحي يجب أن
يتضمن البيانات اإللزامية المنصوص عليها في الفصل 13و 11من القانون السالف الذكر.
ويرفع المقال إلى المحكمة االبتدائية ،لكون العقد الذي يربط األطراف بالمحكم عقد مدني.2
وإذا كانت إجراءات ومساطر دعوى مسؤولية المحكم ال تثير الكثير من اإلشكاالت في
الحالة التي يكون للمحكم واألطراف نفس الجنسية ،فإن األمر مختلف في الحالة التي تختلف
فيها جنسية األطراف والمحكم أو التي يتعدد فيها المحكمين ،مما قد تثير إشكالية
االختصاص القضائي .ولحل هذه اإلشكالية يمكن الركون إلى أربع آليات لتحديد
االختصاص:
1
رشيدة بحيليس :المرجع السابق ،الصفحة .330
2
محمد الحبيب" :مسؤولية المحكم ،دراسة على ضوء التشريع المغربي" ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة بكلية العلوم القانونية واالقتصادية
واالجتماعية ،جامعة محمد الخامس بسال ،السنة الجامعية ،1119-1111الصفحة .31
246
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
-جنسية المدعى عليه :بمعنى المحكمة المختصة هي تلك التي يحمل المحكم
جنسيتها؛
-موطن أو محل إقامة المدعى عليه :وفي حالة تعددهم ،1بمعنى المحكمين ،فإن
االختصاص يسند إلى المحكمة الوطنية ألحد أعضاء الهيئة التحكيمية وذلك لما
يقتضيه حسن سير العدالة ومنع تضارب األحكام في الموضوع الواحد ،حتى ولو
تعدد المدعى عليهم فإنها تعتبر منازعة قانونية واحدة تتم في مواجهة جميع
األطراف لدى محكمة موطن أو محل إقامة أحدهم ويصدر الحكم في مواجهتهم
جميعا2؛
-محل مصدر االلتزام أو محل تنفيذه :يسند االختصاص إلى المحكمة التي نشأ
التزام المحكم األجنبي في دائرتها ،أو تلك التي ينفذ هذا االلتزام في دائرتها
الترابية؛
-الخضوع اإلرادي :يمكن أن يتفق المحكم واألطراف على منح اختصاص البت في
أي نزاع قد ينشأ بينهم إلى محكمة معينة.
ورغم أن المشرع المغربي لم يقنن دعوى المسؤولية في مواجهة المحكم ،إال أنه يمكن
الركون إلى مضامين الفصل 11من قانون المسطرة المدنية وذلك لتحديد االختصاص
المحلي للمحكمة حيث جاء فيه بأنه:
"يكون االختصاص المحلي لمحكمة الموطن الحقيقي أو المختار للمدعى عليه.
إذا لم يكن لهذا األخير موطن في المغرب ولكن يتوفر على محل إقامة كان
االختصاص لمحكمة هذا المحل.
إذا لم يكن للمدعى عليه ال موطن وال محل إقامة بالمغرب فيمكن تقديم الدعوى ضده
أمام محكمة موطن أو إقامة المدعي أو واحد منهم عند تعددهم.
إذا تعدد المدعى عليهم جاز للمدعي أن يختار محكمة موطن أو محل إقامة أي واحد
منهم".
أحمد سالمة :التنازع الدولي للقوانين ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،دون ذكر الطبعة والسنة ،الصفحة .13 1
عز الدين عبد الله :القانون الدولي الخاص ،الجزء الثاني ،تنازع القوانين ،دار النهضة العربية ،الطبعة السادسة ،دون ذكر السنة ،الصفحة .115 2
247
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
فإذا كان من المسلم به إرجاع األتعاب التي تقاضاها المحكم أو جزء منها ،كما جاء
في قرار لمحكمة االستئناف بالدار البيضاء والصادر في ظل القانون القديم ،حيث قضت بما
يلي:
"ولما كان ما تقدم يكون المستأنف عليه قد أخل بالتزامه وتماطل في تنفيذه كما
انصرف أجل إصدار رأيه المعلل المحدد أجل أقصاه 1131/1/11الذي كان يتحتم
عليه وضع مقرره التحكيمي فيه وتبليغه للمستأنفة ،مما يبقى معه ملزما بإرجاع ما
تقاضاه من مبالغ من أجل انجاز مقرر تحكيمي.
وحيث إ ن المبلغ المطالب باسترجاعه لم يكن محل نزاع وال أدنى تحفظ وقد جاء ثابتا
بصورتي الشيكين المدرجين بالملف وغير منازع في التوصل به من لدن المستأنف
عليه.
ولما كان ما تقدم يبقى القول باعتبار االستئناف وإلغاء حكم البداية المستأنف والحكم
تصديا على المستأنف عليه بمبلغ 011.111،31درهما مع الفوائد القانونية من تاريخ
هذا القرار وتحمل المستأنف عليه الصائر".1
ويثار النقاش أيضا حول المبالغ اإلضافية التي يتعين على المحكم أداؤها كتعويض،
لكون حصر آثار المسؤولية على إرجاع األتعاب ال يستقيم مع البعد الردعي لدعوى
المسؤولية ،فال يعقل أن يطالب المحكم بإرجاع األتعاب مهما كان الخطأ الذي ارتكبه ومهما
كانت األضرار الناجمة عنه.
1
قرار عدد 5911في الصادر بتاريخ 30يوليوز 1130منشور في مجلة التحكيم العالمية العدد ،35سنة ،1135الصفحة .113
248
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وعلى العموم ال يمكن أن يمتد التعويض إلى مبلغ النزاع ،كما أن القضاء الفرنسي مثال
قد ناقش مطالبة أحد األطراف بتعويضه عن ضياع فرصة ربح القضية ورغم أن المحكمة
رفضت الطلب إال أنها لم تغلق هذا الباب ،بعدما قضت بأن بطالن الحكم التحكيمي
الصادر لفائدة المدعي ال يكفي وحده للتعويض عن ضياع الفرصة .1وهو المنطق الذي
اتبعه القضاء الفرنسي في قضية Delubacأيضا.2
ولقد تمت مناقشة مسألة رفض التعويض عن ضياع فرصة ربح القضية في ضوء
معطيات كل قضية على حدة ولم يستبعد القضاء الفرنسي صراحة التعويض عن هذا
الضرر بل اكتفى في كلتا الحالتين باإلشارة إلى أنه لم يتم إثباته .وعلى كل حال يتعين على
المحكم أن يؤمن عن مسؤوليت ه المدنية لكونه معرض دائما للخطأ وبالتالي قد يحكم ضده
بمبالغ مالية باهظة كتعويض لفائدة المتضررين.
قد يلجأ بعض المحكمين إلى تضمين العقد الذي يربطهم باألطراف بعض الشروط التي
تنص على إعفائهم من المسؤولية كما أن جل أنظمة التحكيم تتضمن بنودا تنص على إعفاء
مركز التحكيم والمحكمين من المسؤولية وهو ما يطرح التساؤل حول مدى شرعية هذا
ا
الشرط؟
إن االتفاق على اإلعفاء من المسؤولية أو على تحديد نطاقها أجازه قانون االلتزامات
والعقود المغربي في الفصل 111منه الذي ينص على أنه" :ال يجوز أن يشترط مقدما عدم
مسؤولية الشخص عن خطإه الجسيم وتدليسه" .وبمفهوم المخالفة يتضح أن المشرع المغربي
1
TGI Paris, décision dans l’affaire Raoul Duval rendue le 12 mai 1993, Revue d’arbitrage, 1996, page 411.
2
CA Paris 31 mars 2015, Delubac, Répertoire général n°14/05436. Voir dans ce sens, le Rapport du Club
des juristes sur la responsabilité de l’arbitre, page 38.
249
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
يسمح باالتفاق على اإلعفاء من المسؤولية ويستثني من ذلك الخطأ الناجم عن التدليس أو
الخطأ الجسيم.1
وبناء على مقتضيا ت الفصل السالف الذكر يتضح أنه يمكن للمحكم أن يتفق مع
األطراف على إعفائه من المسؤولية الناشئة عن االخالل بالتزام تعاقدي في غير حالتي
التدليس أو الخطأ الجسيم .وما يؤكد ذلك هو أن المشرع المغربي تطرق صراحة إلى بطالن
الشروط المعفية من المسؤولية في بعض الحاالت كتلك المرتبطة بالمنتجات المعيبة ،2أو
بمسؤولية رب العمل .3كما نص صراحة على عدم إمكانية االعفاء من المسؤولية التقصيرية
سواء كانت بسبب الخطأ 4أو بفعله العمدي.5
ونظ ار لغياب المنع الصريح من إمكانية اعفاء المحكم من المسؤولية التعاقدية فإن هذه
المكنة تظل قائمة .إال أن الواقع العملي يبين أن هذا االتفاق نادر في العقد الذي يربط
المحكم مع أطراف الخصومة ،خصوصا بالنسبة للتحكيم الخاص أو الحر ،لكون هذا
التحكيم مرتبط بمنسوب الثقة في شخص المحكم نفسه ،فال يستساغ أن يعينه األطراف بناء
على الثقة وأن يطلب هو في المقابل إعفاؤه من المسؤولية ،وفي حالة ما إذا طلب المحكم
إدراج بند في عقده مع األطراف يشير إلى إعفائه من المسؤولية ،فقد يعيد األطراف النظر
في ثقتهم فيه مما قد يعرقل تعاونهم في عملية فض النزاع.
وهو المبدأ الذي أقرته مجموعة من األنظمة القانونية ،كالقانون المدني المصري (المادة ،)131وقانون المعامالت المدنية اإلماراتي (المادة 1
،)191لمزيد من المعلومات راجع :الشهابي إبراهيم الشرقاوي ومصطفى أبو العينين :المرجع السابق ،الصفحة .303
نص الفصل 31-311من قانون االلتزامات والعقود على أنه " :تطبيقا ألحكام هذا الباب ،تعتبر باطلة كل الشروط المحددة أو الملغية أو 2
المقلصة للمسؤولية للمنتج أو للمستورد تجاه الضحية وكذلك كل شروط اإلعفاء منها".
ينص الفصل 153من قانون االلتزامات والعقود على أنه" :كل االشتراطات أو االتفاقات التي تستهدف تخفيف أو إبعاد المسؤولية المقررة 3
بمقتضى الفصلين 103و 151على عاتق المخدومين أو أرباب األعمال تقع عديمة األثر".
فقد نص الفصل 19من قانون االلتزامات والعقود على أن: 4
" كل شخص مسؤول عن الضرر المعنوي أو المادي الذي أحدثه ،ال بفعله فقط ولكن بخطإه أيضا ،وذلك عندما يثبت أن هذا الخطأ هو السبب
المباشر في ذلك الضرر.
وك شرط مخالف لذلك ياون عديم األثر.
والخطأ هو ترك ما كان يجب فعله ،أو فعل ما كان يجب اإلمساك عنه ،وذلك من غير قصد إلحداث الضرر".
ينص الفصل 11من قانون االلتزامات والعقود على أن" :كل فعل ارتكبه اإلنسان عن بينة واختيار ،ومن غير أن يسمح له به القانون ،فأحدث 5
ضر ار ماديا أو معنويا للغير ،ألزم مرتكبه بتعويض هذا الضرر ،إذا ثبت أن ذلك الفعل هو السبب المباشر في حصول الضرر.
وك شرط مخالف لذلك ياون عديم األثر".
250
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
كما تجدر اإلشارة أيضا إلى أن غياب شرط اإلعفاء من المسؤولية في العقد الذي يربط
األطراف مع المحكم في التحكيم الحر ،نابع من غياب ثقافة حقيقية للتحكيم أو اإللمام بكافة
جوانبه القانونية من قبل المحكمين في بعض األحيان وخصوصا حول االستعمال األمثل
لمكنة عقد المحكم أو وثيقة المهمة التي تربط بين المحكم وأطراف الخصومة.
وعلى خالف ذلك ،فإن جل أنظمة التحكيم المؤسساتي تتضمن موادا تتطرق إلى
إمكانية إعفاء المركز والمحكم من المسؤولية ،مع اإلشارة إلى أن بعض األنظمة التحكيمية
كانت تقرر االعفاء التام للمحكم والمركز من المسؤولية على غرار ما نصت عليه المادة 10
من نظام التحكيم لغرفة التجارة الدولية (صيغة )3339والتي جاء فيها ما يلي" :ال يكون
المحكمون ،والهيئة وأعضاؤها ،وغرفة التجارة الدولية أو موظفوها ،أو اللجان الوطنية لغرفة
التجارة الدولية مسؤولين تجاه أي كان وعن أي واقعة عمل أو امتناع يتعلق بأي تحكيم".
وعلى نفس النهج سارت المادة 01من قواعد التحكيم لمركز القاهرة اإلقليمي للتحكيم
الدولي (صيغة )1111والتي نصت على ما يلي" :ال يعد أي من المحكمين أو المركز أو
أي من أعضاء مجلس إدارته أو موظفيه مسؤوال تجاه أي شخص عن أي فعل أو عدم فعل
فيما يتعلق بأية وسيلة من وسائل حسم المنازعات أو إجراءاتها".
غير أننا نرى أن هذا اإلعفاء التام من المسؤولية ال مبرر له وال سند له من الناحية
القانونية ،على اعتبار أن اإلعفاء في كل األحوال ال يمكن أن يكون تاما سيما في حالة
الغش أو التدليس أو الخطأ الجسيم من قبل المركز أو المحكم .1وهو ما دفع مراكز التحكيم
إلى مراجعة أنظمتها إلدراج هذا البعد في قواعد التحكيم ،فقد تمت إعادة النظر في البند
المرتبط باإلعفاء من المسؤولية ،كما هو الشأن بالنسبة لنظام التحكيم لغرفة التجارة الدولية
(صيغة ،)1131فقد نصت المادة 03منه على أنه" :ال يسأل المحكمون ،أو أي شخص
معين من قبل هيئة التحكيم ،أو المحكم الطارئ أو "المحكمة" وأعضاؤها ،أو غرفة التجارة
الدولية وموظفوها ،أو اللجان الوطنية والمجموعات وموظفوهما وممثلوهما ،تجاه أي شخص
1
Sur ce point voir Pierre LALIVE : « Sur l’irresponsabilité arbitrale », in : Etudes de procédure et d’arbitrage
en l’honneur de Jean François POUDRET, Faculté de droit de l’Université de Lausanne, 1999, pages 419-
435.
251
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
عن أي فعل أو امتناع عن فعل متعلق بالتحكيم ،إال في الحدود التي ياون فيها تحديد
المسؤولية محظو ار بموجب القانون واجب التطبيق".
كما جاء أيضا في المادة 31من نظام التحكيم لمركز القاهرة اإلقليمي للتحكيم التجاري
الدولي (صيغة ،)1133أنه" :ال يكون المحكمون أو المركز أو موظفوه أو أعضاء المجلس
أو اللجنة االستشارية أو أي شخص تعينه هيئة التحكيم مسئولين تجاه أي شخص عن أي
فعل أو امتناع يتعلق بالتحكيم ،وذلك فيما عدا حالة الخطأ العمدي".
وهذا ما يتوافق مع المنطق القانوني الذي ال يقبل االعفاء من المسؤولية رغم األخطاء
المتعمدة أو المقصودة ،كما أن منح المركز والمحكم حصانة تامة عن المساءلة ال ينسجم
مع الهدف من رفع مستوى الممارسة التحكيمية واحترام المحكمين لدورهم في تحقيق العدالة
وتجنب اإلهمال والالمباالة التي يعرف بها بعض المتطفلين على التحكيم.
وعلى العموم ،فإن تنفيذ العقود بحسن نية هي قاعدة من النظام العام ،وبالتالي ال
يمكن االتفاق على خالفها ويبطل التحصين التام من المسؤولية ويظل العقد قائما دون شرط
االعفاء.1
كما أ نه في حالة مساءلة المحكم عن األخطاء الصادرة عنه أثناء ممارسة مهمته
القضائية فإن شرط االعفاء من المسؤولية ال دور له 2،على اعتبار أنه لمساءلة المحكم
يجب أن يرتكب خطأ فادحا أو تدليسا وبالتالي ال يسأل عن الخطأ البسيط ،وبما أن شرط
االعفاء من المسؤولية ال يمكن أن ينصب على األخطاء الجسيمة أو الغش أو التدليس ،فإنه
ال طائل من وراء إدراجه في العقد.3
أما فيما يتعلق بالتزامات المحكم التعاقدية ،فإن القضاء الفرنسي قد اعترف بقابلية
التدبير االتفاقي لمسؤولية المحكم أو مركز التحكيم في مجموعة من ق ارراته ،غير أن نطاق
هذا االتفاق ال يمكن أن يناقض االلتزامات األساسية لمركز التحكيم ،فقد اعتبرت محكمة
مصلح أحمد الطراونه وجورج حزبون حزبون وعامر مدالله محمود النوايسة :المرجع السابق ،الصفحة .355 1
2
Marc HENRY, « la responsabilité de l’arbitre pour reddition de la sentence tardive » Paris, Journal
International de l’Arbitrage, 2015, n°15.
3
Le Rapport du club des juristes sur la responsabilité de l’arbitre, op cit, page35.
252
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
االستئناف بباريس أن" :شرط االعفاء من المسؤولية والذي يسمح لمحكمة التحكيم التابعة
لغرفة التجارة الدولية بعدم تنفيذ التزامات أساسية بصفته مقدم خدمات غير قضائية يجب
اعتباره كأن لم يكن بما أنه يناقض نطاق عقد التحكيم".1
كما أن مركز التحكيم ملزم بالسرعة في تدبير العملية التحكيمية ،وهو االلتزام الذي
أكدته محكمة االستئناف بباريس بقولها إن" :مركز التحكيم يجب أن يوفر البنية التي تسمح
بالتدبير الفعال للتحكيم ،بمعنى التدخل وفق السرعة المنتظرة" ،2والقضاء يمكنه مراقبة مدى
تنفيذ هذا االلتزام من قبل المركز .باإلضافة إلى ذلك يلزم المركز بضمان حصول األطراف
على العدالة التحكيمية ،أي الحق في الحصول على قاضي يحسم النزاع ،3فال يمكن لمركز
التحكيم أن يحول دون هذا األمر بعلة تدبير المسطرة التحكيمية ،حيث يتعين على المركز
السهر على تعيين هيئة التحكيم وتمكينها من البت في النزاع بالسرعة المرجوة من قبل
األطراف.
وفي هذا الصدد قضت محكمة االستئناف بباريس أن مسؤولية المحكمين ثابتة لكونهم
لم يتخذوا المبادرات اإلجرائية المكلفين بها ،وال يمكنهم االعتماد على المادة 3.5من عقد
المحكم التي تنص على إعفائهم من المسؤولية أو المادة 10من نظام التحكيم لمحكمة
التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية والتي تتطرق إلى اعفاء المركز والمحكمين من
المسؤولية المرتبطة بالعملية التحكيمية ،وقد أشارت محكمة االستئناف إلى أن هذا االعفاء
هو فقط تنزيل لحصانة المحكمين المرتبطة بمهامهم القضائية .4بمعنى أن باقي االلتزامات
1
ترجمة حرة لما يلي:
« Que la clause élusive de responsabilité qui autorise la CCI à ne pas exécuter ses obligations essentielles en
tant que prestataire de services non juridictionnels doit être réputée non écrite (…) dès lors qu’elle contredit la
portée du contrat d’arbitrage ». CA Paris 22 janvier 2009 (SNF) Clunet 2009, 617, note Thomas Clay ; voir
dans ce sens : Le Rapport du club des juristes sur la responsabilité de l’arbitre, op cit, page35.
2
ترجمة حرة لما يلي:
« L’institution d’arbitrage doit fournir une structure propre à lui permettre un arbitrage efficace, c’est-à-dire
intervenant avec la célérité escompté », CA Paris, arrêt du 22 janvier 2010, in Journal du Droit International,
2009, page 617, note Thomas CLAY.
3
CA paris, 17 novembre 2011, in Revue d’arbitrage 2012, page 387.
4قرار محكمة االستئناف بباريس في قضية Scs Banque Delubac & Cieرقم 14/05436المؤرخ في 13مارس 1135
253
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
التعاقدية المرتبطة على سبيل المثال بمدة التحكيم يمكن تدبير المسؤولية المتعلقة بها بشكل
اتفاقي بين األطراف والمحكم ومركز التحكيم ،إال إذا ارتكب هؤالء خطأ جسيما.1
وعليه يجوز للشخص التأمين على مسؤوليته المترتبة عن الخطأ لتغطية األضرار
والخسائر التي قد يتسبب فيها للغير ،غير أنه حسب المادة 31من مدونة التأمينات ال
يتحمل المؤمن ،رغم أي اتفاق مخالف ،الخسائر واألضرار الناتجة عن خطأ متعمد أو
تدليسي للمؤمن له.
ويتفق اإلعفاء من المسؤولية مع التأمين عليها في عملية رفع عبء التعويض عن
األخطاء التي يرتكبها المحكمون ،إال أن التأمين يضمن حق األطراف المتضررة بالحصول
على التعويض الذي يحرم منه في حالة االتفاق على اإلعفاء من المسؤولية.
وعلى مستوى الواقع ،يجب تشجيع المحكمين على اللجوء إلى التأمين على مسؤوليتهم
المدني ة المرتبطة بمهمة التحكيم ،وذلك نظ ار للضمانات اإلضافية التي تحدثها هذه المكنة
لفائدة األطراف ،حول معرفتهم إمكانية االستفادة من التعويض في حالة ارتكاب المحكمين
ألخطاء مؤمن عليها .كما أن هذا اإلجراء يؤدي إلى ضبط وتنظيم ممارسة التحكيم والتحفيز
على اللجوء إلى هذه اآللية لفض المنازعات بعدما عرفت نوعا من "االعتباطية" خصوصا
بالنسبة للتحكيم الحر أو الخاص.
1
Le Rapport du club des juristes sur la responsabilité de l’arbitre, op cit, page36.
القانون رقم 31.33المتعلق بمدونة التأمينات ،منشور في الجريدة الرسمية عدد 5150الصادرة بتاريخ 1نونبر ،1111الصفحة .1315 2
254
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
كما يجب االنتباه إلى أن بعض المحكمين قد يدمجون مبلغ بوليصة التأمين على
المسؤولية ضمن األتعاب التي يطالبون األطراف بأدائها وبالتالي فإن األطراف هم من
سيدفعون جزءا م ن التعويض وهو ما سيرفع من تكلفة التحكيم ويضرب في الصميم أحد أهم
مبادئ التحكيم وهو االقتصاد في الوسائل (الكلفة والزمان).
خاتمة
رغم غياب نص قانوني صريح يقنن مسؤولية المحكم المرتبطة بالمهمة التحكيمية فإن
القواعد العامة للمسؤولية المدنية تفيد أن كل خطأ يسبب ضر ار للغير يبرر قيام المسؤولية
على مرتكبه ،وبالتالي وجوب تعويض المتضرر عما لحقه من ضرر.
وبما أن اللجوء إلى التحكيم منبعه الثقة في المحكم وفي عدالة حكمه ،فإن التحصين
التام للمحكم عن المساءلة ال يخدم الممارسة التحكيمية وقد يكون السبب في تغييب العدالة
وقد يؤدي إلى تحيز المحكم واستبداده.
كما أن غياب هيئة منظمة تسهر على تقنين الممارسة التحكيمية وتكوين المحكمين
وتوحيد وتنظيم قواعد الممارسة بما فيها القواعد السلوكية واألخالقية يدفع إلى التشدد في
إقرار مسؤولية المحكم بغية الرفع بالممارسة إلى األفضل واألحسن والرقي بها إلى المراتب
العليا ،فالمهمة التحكيمية تشترك مع القضاء في البت في النزاع ،وهي المهمة مرتبطة مباشرة
بسيادة القانون وقواعد العدالة ،وبالتالي ال يمكن السماح للمحكم بالفصل في النزاع دون
إمكانية مراقبة عمله أو إقرار مسؤوليته .فاالكتفاء بنظام الرد واالقالة كج ازء للمحكم ال يحول
دون محاسبته عن أخطائه وخصوصا الجسيمة منها وال يكفي لردعه.
وفي المقابل ال يقبل أن تثار مسؤولية المحكم عن كافة األخطاء التي قد يرتكبها ،وإنما
يجب أن يعترف له بنوع من الحصانة ،خصوصا بالنسبة اللتزاماته شبه القضائية بغية
تمكينه من البت في الن ازع دون الخوف من انتقام أطراف النزاع أو قلق من تدخلهم في
مهامه .فإذا كان تقرير مسؤولية المحكم فيه حماية لألطراف من أخطاء المحكمين ،فإنه
بالمقابل يتعين تهيئ مناخ مالئم يسمح له باالشتغال في طمأنينة وأمن وسالم ودون خوف
من دعاوى التعويض التي قد يفقد جرائها المحكم الجرأة المطلوبة للبت في النزاعات.
255
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ورغم إدراك بعض األنظمة القانونية بأن فتح باب مساءلة المحكم قد يشكل وسيلة
جديدة للطعن في الحكم التحكيمي ويهدر بالتالي حجيته ،فإن ذلك ال يبرر االعفاء الكلي
للمحكم من المساءلة بل يجب تحقيق التوازن بين إقرار مسؤولية المحكم عن األخطاء التي
يرتكبها حماية لمصالح األطراف وتحقيقا للعدالة وإبعاد مجال التحكيم عن المتطفلين عليه.
وبين خلق الجو المثالي للمحكم يسمح له بالفصل في النزاع دون خوف من تداعيات ذلك
على مسؤوليته والتعويض الذي قد يؤديه.
كما أنه ال يستساغ أن تمتد الحصانة التي يمكن أن يعترف بها للمحكم إلى المؤسسة
المسؤولة عن تدبير العملية التحكيمية ،لما لهذه المؤسسات من طبيعة إدارية وتنظيمية
والقول بخالف ذلك قد يدفعها إلى التهاون واإلهمال.
وخالصة القول يتعين على المشرع المغربي ،بما أن القانون المتعلق بالتحكيم هو قيد
المراجعة التشريعية ،أن يكون سباقا إلى وضع قواعد خاصة بالمسؤولية المهنية للمحكم
والمرتبطة بمهمة البت في الخصومة ،مما سيسمح بتحديد نطاق هذه المسؤولية وكذلك كيفية
مساءلة المحكم دون الحاجة إلى الرجوع إلى القواعد العامة للمسؤولية المدنية (التعاقدية
والتقصيرية) ،لكون هذه القواعد تسمح بمساءلة المحكم عن كافة أخطائه بيد أن الغاية هو
معاقبة المحكم عن األخطاء الجسيمة وتلك المرتبطة بالتدليس والغش أو غيرها من األخطاء
الفادحة.
وكما سبقت اإلشارة إلى ذلك يتعين أيضا أن ينص القانون صراحة على بطالن شروط
اعفاء المحكمين ومراكز التحكيم من المسؤولية لكونها تمس بقواعد العدل واالنصاف .كما
يتعين على المشرع أن يلزم المحكمين باكتتاب عقود تؤمن مسؤوليتهم المدنية حفاظا على
حقوق األطراف خصوصا في حالة إعسار المحكم.
256
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
أ
مسؤولية الدولة عن الخطا القضائي
أ
1
بين نظرية المخاطر والخطا أواجب ا إالثبات
من إعداد الستاذ بوسلهام الشمعة،
رئيس مصلحة منازعات المسؤولية اإلدارية
بالوسط والجنوب بالوكالة القضائية للمملكة
تمهيد
في بداية هذه المداخلة أتقدم بخالص شكري وتقديري للجهة المنظمة على دعوتها
الكريمة للوكالة القضائية للمملكة قصد المشاركة والمساهمة في هذا اللقاء العلمي الذي يبرز
المجهودات التي تبذلها رئاسة النيابة العامة والمجلس األعلى للسلطة القضائية بخصوص
المنازعات المتعلقة بالتعويض عن الخطأ القضائي في مجال االعتقال االحتياطي ،ونحن في
الوكالة القضائية للمملكة نقدر هذه المجهودات التي يكون لها أثر إيجابي على جميع
المستويات سيما على صعيد مساعدة القضاء في الوصول إلى الحقيقة الكاملة ،مما يكون له
أثر إيجابي جدا على جودة األحكام الصادرة في هذا النوع من المنازعات ،فالمحاكم هي في
أمس الحاجة إلى جودة في الدفاع بالنظر لغياب قانون خاص يؤطر الموضوع ،وألن األمر
تطلب وال يزال من السادة القضاة االجتهاد لضبط التوازن بين المصلحة العامة والمصلحة
الخاصة.
الشكر موصول أيضا للسيد الرئيس األول لمحكمة االستئناف اإلدارية بالرباط األستاذ
محمد صقلي حسني ،رئيس هذه الجلسة العلمية ولألساتذة القضاة المتدخلين ولألساتذة
األفاضل الحاضرين كل بصفته وباسمه.
و ألنن ي حظيت بشرف تكليفي من طرف السيد الوكيل القضائي للمملكة األستاذ محمد
قصري بقصد المشاركة في هذا اللقاء العلمي بمداخلة تحت عنوان "مسؤولية الدولة عن
1يعد هذا الموضوع مداخلة قدمت بمناسبة اللقاء العلمي المنظم من طرف رئاسة النيابة العامة بشراكة مع المجلس األعلى للسلطة القضائية يوم
31دجنبر 1133بمراكش حول موضوع" :الخطأ القضائي في مجال االعتقال االحتياطي".
257
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
الخطأ القضائي لين نظرية المخاطر والخطأ واجب اإلثبات" ،مع التركيز على حالة
التعويض في مجال االعتقال االحتياطي ،فإنني ،إذ أعتز بهذا التشريف ،آمل المساهمة ،إلى
جانب الحضور الكريم ،في معالجة إشكالية من األهمية بمكان تتعلق بأساس هذا النوع من
المسؤولية على ضوء المبدأ الدستوري الذي كرس أحقية المتضرر من خطأ قضائي في
الحصول على تعويض تتحمله الدولة ،1مستحضرين ما جرى به العمل في القوانين المقارنة
(المطلب األول) وكذلك على ضوء عمل القضاء اإلداري المغربي (المطلب الثاني) ،مع
إبراز المحاسن والمخاطر التي يمكن أن تترتب عن أي تناغم أو تباين في مواقف القضاء
اإلداري بشأن األساس الذي تم اعتماده (المطلب الثالث) ،قبل أن نختتم المداخلة بتقديم
بعض االقتراحات.
قبل أن نعرج على موقف القانوني المغربي من إشكالية التعويض عن تدبير االعتقال
االحتياطي ،نورد قراءة في بعض القوانين المقارنة.
حظيت مسألة التعويض عن االعتقال االحتياطي على إثر صدور قرار بعدم المتابعة
الجنائية أو حكم ببراءة المتهم من المنسوب إليه باهتمام المنتظم الدولي واإلقليمي
والتشريعات المعاصرة ،وهكذا ،فقد نصت االتفاقية األوربية لحقوق اإلنسان في المادة
الخامسة منها بأنه " لك شخص ضحية القبض عليه أو حبسه في شروط مخالفة ألحاام
1يعتبر دسترة الحق في التعويض عن الخطأ القضائي طفرة كبرى في مجال ترسيخ حقوق اإلنسان ببالدنا وتتويجا لنهج المشرع الذي سبق وأن
جعل مثل هذا التعويض مقرر فقط في حالتين هما المراجعة لتدارك خطأ في الواقع تضرر منه شخص حكم عليه من أجل جناية أو جنحة استنادا
إلى مقتضيات المادتين 513و 511من قانون المسطرة الجنائية ،وحالة األخطاء الشخصية المنسوبة للقضاة في إطار سببين اثنين من أسباب
المخاصمة نص عليهما الفصل 133من قانون المسطرة المدنية وهما التدليس أو الغش أو الغدر ثم إنكار العدالة .ولذلك فقد شكل التجسيد
الدستوري لمبدأ الحق في التعويض عن الخطأ القضائي " تراجعا عن هيمنة مبدأ عدم المسؤولية عن النشاط القضائي الذي كان سائدا ،والذي كانت
إمكانية مخاصمة القضاة عن أخطائهم الشخصية المحصورة بصريح النص ،تشكل أحد استثناءاته" ،كما أكدت ذلك محكمة النقض في قرارها عدد
3/935المؤرخ في 1131/11/13صادر في الملف رقم .1131/3/0/3101
258
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
هذه المادة الحق في التعويض ،"...كما أن المادة 5/3من العهد الدولي الخاص بالحقوق
المدنية والسياسية نصت على أنه " لك شخص كان ضحية توقيف أو اعتقال غير اانوني
الحق في الحصول على تعويض".
ومن جهة أخرى ،فعلى مستوى القوانين المقارنة سنت بعض التشريعات قوانين خاصة
حددت شروط وكيفيات تعويض الخاضعين لتدبير االعتقال االحتياطي والذين تقرر عدم
متابعتهم أو صدرت أحكام نهائية ببراءتهم ،وفي هذ اإلطار نجد القانون الفرنسي أقر هذا
التعويض بموجب قانون 31يوليوز 3311والذي عرف عدة تعديالت ومنح االختصاص
بذلك للرئيس األول لمحكمة االستئناف مع إمكانية الطعن في ق ارره أمام اللجنة الوطنية
للتعويض عن االعتقاالت التي تتكون من الرئيس األول لمحكمة النقض أو من ينيبه
وقاضيان ينتميان لنفس المحكمة برتبة رئيس غرفة يعينان من قبل مكتب محكمة النقض،
ويمارس مهام النيابة العامة الوكيل العام لدى محكمة النقض ،ويمثل الدولة الوكيل القضائي
للخزينة العمومية ،ويتولى مهام الكتابة أمين ضبط بمحكمة النقض يعين من طرف مكتب
هذه المحكمة ،وتتخذ هذه اللجنة طابع القضاء المدني ،وال تقبل ق ارراتها أي طعن مهما كان
نوعه وفقا لمنصوص المادة 303مكرر 1من القانون المذكور.
كما أقر قانون اإلجراءات الجنائية البلجيكي مسؤولية الدولة عن االعتقال االحتياطي
بمقتضى قانون 11أبريل 3310الذي عدل قانون 31مارس 3311ونص على أن
التعويض يستحق في حالتين ،حالة االعتقال االحتياطي الذي يتعارض مع أحكام المادة
الخامسة من االتفاقية األوربية لحقوق اإلنسان الصادرة سنة ،3351وحالة االعتقال الذي
اتضح أنه كان غير الزم أو غير مفيد حسب المادة 19من قانون اإلجراءات.
أما القانون اإلجرائي األلماني فقد أقر بأحقية الشخص الذي خضع لتدبير االعتقال
االحتياطي الحصول على تعويض من الدولة ،ليس فقط في الحالة التي يصدر فيها حكم
ببراءته أو يتقرر عدم متابعته ،بل حتى في الحالة التي يصدر فيها حكم بإدانته ومعاقبته
بعقوبة أقل من مدة االعتقال االحتياطي التي قضاها ،غير أنه استبعد الحق في طلب
التعويض في حالة ما إذا كان الظنين قد تسبب عمدا أو بإهماله الجسيم في اإلجراء الذي
اتخذ ضده.
259
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وعلى صعيد قوانين الدول العربية فقط خلت جلها من النص على هذا النوع من
التعويض ،وأبقت على تطبيق القواعد العامة للمسؤولية عن الخطأ القضائي كما هو الشأن
للقانون المصري ،1غير أن بعض الدول عملت على إيجاد نص قانوني خاص للتعويض في
مجال االعتقال االحتياطي كما هو الشأن بالنسبة للقانون التونسي وكذلك القانون الجزائري
الذي أصدر القانون رقم 19/13مؤرخ في 11يونيو 1113وأحدث لجن للتعويض وربط
الحصول على هذا التعويض بضرورة وجود اعتقال احتياطي غير مبرر ،مما يعني بأنه أقر
التعويض فقط في حالة وجود تقصير أو إهمال في اتخاذ قرار االعتقال االحتياطي ،وجعل
بالتالي مسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي في مجال االعتقال االحتياطي قائمة على أساس
الخطأ واجب اإلثبات.
والظاهر من خالل استقراء هذه التشريعات المقارنة أنها ال تقرر التعويض في جميع
حاالت االعتقال االحتياطي ،كما أن التعويض الممنوح ال يشمل إال األضرار غير العادية،
مما يعني أن هذ التنظيم القانوني يراعي خصوصيات هذا النوع من المسؤولية مع األخذ
بعين االعتبار المبادئ العامة المعمول بها في مجال المسؤولية اإلدارية والمسؤولية عن
أعمال الجهاز القضائي القائمة على أساس خطأ واجب اإلثبات.
ال يتضمن التشريع المغربي مقتضيات مشابهة لتلك التي تضمنتها بعض القوانين
المقارنة تؤطر التعويض عن االعتقال االحتياطي ،مما يجعل المطالبة بالتعويض به قضائيا
في مواجهة الدولة خاضع للمبادئ العامة للمسؤولية اإلدارية انطالقا من المبدأ المنصوص
عليه في الفصل 311من دستور المملكة الذي نص على أنه "يحق لك من يتضرر من
خطأ اضائي الحصول على تعويض تتحمله الدولة".2
والمالحظ من خالل مقتضيات الفصل 311أعاله ،أن المشرع الدستوري ربط بشكل
صريح التعويض بن سبة الضرر إلى خطأ قضائي ،ومن تم لزوم إثبات هذا الخطأ القضائي
1راجع ،أحمد فتحي سرور ،الشرعية الدستورية وحقوق األفراد في اإلجراءات الجنائية ،جامعة القاهرة ،دار النهضة العربية ،ط .3335
2في ظل التنصيص بالدستور على مسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي ،فإنه ال مجال للحديث عن إمكانية إعمال مقتضيات الفصل 13من قانون
االلتزامات والعقود التي أسست لمسؤولية الدولة والبلديات عن األخطاء الناتجة عن تسيير مرافقها وعن األخطاء المصلحية لموظفيها.
260
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
المسبب للضرر ،وأنه لو كانت نية المشرع تتجه خالف هذا األمر لعمد إلى استبدال عبارة
الخطأ القضائي بالعمل القضائي أو التنصيص على الحق في التعويض لكل من تضرر من
مقرر قضائي.1
وهذا ما أقرته أيضا بعض القوانين المقارنة ،بحيث إنه بالنظر لخروج العديد من
التشريعات على التوجه التقليدي القائل بعدم مسؤولية الدولة عن األعمال القضائية وإقرارها
صراحة بهذه المسؤولية كما هو الشأن بالنسبة للمشرع الفرنسي الذي أسس لمسؤولية الدولة
في مثل هذه الحاالت على نظرية الخطأ المصلحي ،وحصرها في حالتي الخطأ الجسيم
وإنكار العدالة 2وفق ما هو منصوص عليه في المادة 33من قانون 5يوليوز 3311
المعدل لقانون المرافعات المدنية الفرنسي والمادة 515من قانون المرافعات المدنية الصادر
في 5دجنبر ،3315وقد أخد المشرع الفرنسي نظرية الخطأ الجسيم عن قضاء مجلس
الدولة الفرنسي الذي استقرت ق ارراته على قاعدة مفادها ضرورة مراعاة الصعوبات التي تحيط
بعمل ا لمرفق لتقدير الخطأ المرفقي ،فإذا كانت الخدمة التي يقدمها المرفق ميسورة وبسيطة
فإن المجلس يكتفي بالخطأ اليسير لتقرير مسؤولية اإلدارة ،أما إذا كان المرفق يقوم بمهمة
صعبة وشائكة فإن المجلس يتشدد في تقدير الخطأ ،وتطبيقا للقانونين المشار إليهما أعاله
الصادر بتاريخ 3
اعتبر مجلس الدولة الفرنسي في ق ارره المبدئي Arrêt Darmont
1يعد مصطلح "مقرر قضائي" شامال لكافة أنواع األوامر واألحكام والق اررات الصادرة عن مختلف الهيئات القضائية ،وهذا ما سار فيه المشرع
المغربي في قانون المسطرة الجنائية حيث نص في الفقرة الثالثة من المادة 110على أنه " :يقصد بمصطلح مقرر في مفهوم هذا القانون كل حكم
أو قرار أو أمر صادر عن هيئة قضائية".
2أنظر زكرياء لعروضي " :الخطأ القضائي في التشريع المغربي – دراسة مقارنة "-الجزء الثاني ،دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع ،الطبعة األولى
.1131
3جاء في حيثيات القرار المذكور:
261
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
1978/31/13أن المسؤولية اإلدارية المتصلة بالوظيفة القضائية ال تقرر إال بثبوت الخطأ
الجسيم ،مما يؤكد بأن مجلس الدولة الفرنسي يراعي خصوصية مرفق القضاء كون المهمة
الموكولة إليه صعبة .
وبالهذي على ما ذكر ،يمكن القول أن موقف المشرع المغربي من خالل دستور سنة
1133اتجه إلى إقرار مسؤولية الدولة عن أعمال الجهاز القضائي بناء على خطأ قضائي،
وأن هذا الخطأ يجب أن يكون جسيما.
هذا ،ولم يتناول المشرع المغربي مفهـوم الخطـأ القضـائي ،غيـر أنـه أعطـى بعـض صـوره
الجســيمة فــي الفصــل 31مــن النظــام األساســي للقضــاة المتجليــة فــي الخــرق الخطيــر لقاعــدة
مســطرية تعــد ضــمانة أساســية لحقــوق وحريــات األط ـراف ،الخــرق الخطيــر لقــانون الموضــوع،
اإلهمــال أو التــأخير غيــر المبــرر والمتكــرر فــي بــدء او إنجــاز مســطرة الحكــم أو فــي القضــايا
أثن ــاء ممارس ــته لمهام ــه القض ــائية ،خ ــرق الس ــر المهن ــي وإفش ــائه لسـ ـرية الم ــداوالت ،االمتن ــاع
العمدي عن التجريح التلقائي في الحاالت المنصوص عليها في القـانون ،االمتنـاع عـن العمـل
المدبر بصفة جماعية ،وقف أو عرقلة عقد الجلسات أو السير العادي للمحاكم ،اتخـاذ موقـف
سياسي ،ممارسة نشاط سياسي أو نقابي أو االنتماء إلى حزب سياسي أو نقابة مهنية
وقـ ــد تـ ــولى المجلـ ــس الدسـ ــتوري ( المحكمـ ــة الدسـ ــتورية) بموجـ ــب ق ـ ـ ارره الصـ ــادر بتـ ــاريخ
1131/11/35بمناســبة بتــه فــي دســتورية القــانون التنظيمــي رقــم 11.311المتعلــق بالنظــام
الساسي للقضاة تعريفه حيث صرح بـأن " الخطأ القضائي البسيم يتمث فأي كأ عمأ إرادي
أو كأأأ إهمأأأال أو اسأأأتهانة يأأأدالن علأأأى إخأأأالل القاضأأأي بايفيأأأة فادحأأأة وغيأأأر مستسأأأاغة
لواجباتأأه المهنيأأة لأأدى ممارسأأته لمهامأأه القضأأائية ،وأن القاضأأي ال يسأأأل عأأن األخطأأاء
« Considérant que si , en vertu des principes généraux régissant la responsabilité de la puissance publique,
une faute lourde commise dans l’exercice de la fonction juridictionnelle par une juridiction administrative est
susceptible d’ouvrir droit à indemnité, L’autorité qui s’attache à la chose jugée s’oppose à la mise en jeu de
cette responsabilité, dans le cas où la faute lourde alléguée résulterait du contenu même de la décision
juridictionnelle et ou cette décision serait devenue définitive …. ».
CE 29/12/1978 , Darmont, Rec. Leb, p. 542, RDP 1979 ? P. 1742 , note J.M. Auby.
262
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
العاديأأة التأأي يرتكبهأأا عنأأد قيامأأه بأأاإلجراءات المسأأطرية أو عنأأد إصأأداره لألحاأأام التأأي مأأن
اج تصحيحها وجدت درجات التقاضي وطرق الطعن".1
وانطالقا من ذلك ،يمكن القول بأن الخطأ القضائي الجسيم الموجب للتعويض في
مجال االعتقال االحتياطي ،هو ذلك الناتج عن الخرق الخطير لقاعدة مسطرية تعد ضمانة
أساسية لحقوق وحريات األطراف.
هذا ما يستنتج من خالل قراءة المقتضيات القانونية ذات الصلة بالموضوع ،فما هو
إذن موقف العمل القضائي؟
المالحظ من خالل العمل القضائي بالمغرب أن مواقف القضاء اإلداري مستقرة على
أن مسؤولية الدولة عن أعمال الجهاز القضائي مبنية على خطأ واجب اإلثبات انطالقا من
منصوص الفصل 311من الدستور ،وفي هذا الصدد فقد اعتبرت محكمة االستئناف
اإلدارية بمراكش ما يلي... " :وحيث إنه من القواعد االساسية لقيام المسؤولية االدارية و
استحقاق التعويض هو وجود خطأ من جانب االدارة كشرط ضروري إلارار هذه المسؤولية
وان يؤدي هذ ا الخطأ الى الحاق ضرر بالطرف الذي يطالب بالتعويض ملزم بإثبات الخطأ
المنسوب الى المرفق القضائي على اعتبار أن استحقاق التعويض رهين بضرورة وجود
خطأ اضائي وهو ما كرسه دستور المملكة لسنة 2433في الفص 322المشار البه
أعاله .2"..
بل إن بعض المحاكم اعتبرت بأن هذ ه المسؤولية ال تتحقق إال بثبوت الخطأ القضائي
الجسيم كما هو الشأن بالنسبة للمحكمة اإلدارية بالرباط التي اعتبرت في حكم لها بأن "
الخطأ القضائي المرتب للتعويض هو الخطأ البسيم غير المغتفر الذي ال يقع فيه القاضي
الذي يهتم اهتماما عاديا بعمله" وأعطت بعض صور الخطأ القضائي الجسيم بأنه " اد
1قرار المجلس الدستوري (المحكمة الدستورية) الصادر تاريخ 1131/11/35تحت عدد 1131/331في الملف رقم .31/3010
2محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش ،قرارها عدد 111الصادر بتاريخ 1131/11/11في الملف رقم .1131/1111/3103
263
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ياون جهال فاضحا بالمبادئ األساسية للعم القضائي أو البه الذي ال يغتفر بالواائع
الثالتة في ملف الدعوى أو اإلهمال البين أثناء أداء القاضي لعمله ،مع عدم إماانية
تدارك ذلك الخطأ عن طريق سلوك طرق الطعن".1
كما اعتبرت نفس المحكمة في حكم آخر 2خطأ قضائيا جسيما إيداع النيابة العامة
بالمحكمة االبتدائية بالعرائش المدعي بالسجن إثر صدور أمر بتطبيق اإلكراه البدني في حقه
عن قاضي تطبيق العقوبة بنفس المحكمة ،وذلك بعدما ثبت لها أن المدعي غير معني
بالتنفيذ وغير محكوم عليه باألداء ولم يحرر في حقه أي محضر امتناع عن التنفيذ لكون
األمر يتعلق بتنفيذ حكم صادر في مواجهة شخص معنوي (شركة تجارية) وأن المدعي لم
يكن ممثال قانونيا لها بتاريخ تطبيق اإلكراه في حقه.
غير أن عمل القضاء اإلداري اختلف في شأن أساس مسؤولية الدولة عن الخطأ
القضائي في مجال االعتقال االحتياطي ،وانقسمت مواقفه بين من يعتبر الدولة مسؤولة بناء
على خطأ واجب اإلثبات ،واشترطت بعض المحاكم اإلدارية أن يكون ذلك الخطأ جسيما،
بينما اعتبرت محاكم أخرى أن مسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي تكون بناء على نظرية
المخاطر ،وفيما يلي تجليات هذه المواقف:
هـ ــذا االتجـ ــاه يعتبـ ــر بـ ــأن مسـ ــؤولية الدولـ ــة عـ ــن الخطـ ــأ القضـ ــائي فـ ــي مجـ ــال االعتقـ ــال
االحتيــاطي قائمــة علــى أســاس خطــأ مــن جانــب الجهــة القضــائية المتخــذة لهــذا التــدبير وضــرر
باإلضــافة لعالقــة ســببية بينهمــا ،معتمــدا فــي ذلــك اإلطــار العــام لمســؤولية الدولــة عــن الخطــأ
264
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
القضائي وانطالقا مـن كـون اتخـاذ تـدبير االعتقـال االحتيـاطي إنمـا يـتم فـي إطـار الصـالحيات
المخولة للسلطة القضائية بمقتضى القانون.
وهذا االتجاه ،يعد هو الغالب في القضاء اإلداري حيث سارت فيه بعض المحاكم
اإلدارية ومحكمتي االستئناف اإلداريتين والغرفة اإلدارية بمحكمة النقض ،وعلى سبيل المثال
نذكر موقف محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط من خالل قرار لها 1جاء فيه ما يلي..." :
إن متابعة النيابة العامة لدى محامة االستئناف بالدار البيضاء _للمستأنف عليه
والمستأنف عليه _ من أج جريمة تكوين عصابة إجرامية لهدف ارتكاب سراات ضد
األموال واألشخاص عن طريق استعمال ناالة ذات محرك وجناية إخفاء مسروق ،والحام
عليه من اب نفس المحامة بالبراءة ،إنما تم في إطار اإلجراءات والمساطر المنصوص
عليها اانونا ،وأن الحام فيما بعد لبراءته من التهم المنسوبة إليه ال يمان أن تعتبر معه
السلطة القضائية التي لتت في ملف المتابعة المتعلقة به اد تصرفت خراا للقانون ،أو
القول باونها ارتكب خطأ اضائيا موجب للتعويض المطالب به ،أو مرتبا للمسؤولية
اإلدارية بالمعني المتواتر عليه فقا واضاء ،ولكون تصرفه وفي جميع األحوال تم طبقا لما
هو منصوص عليه اانونا ،مما اد يبرر مبلغ التعويض الذي يطالب به المستأنف،
والمحامة اإلدارية بالدار البيضاء عندما اضت باالستبابة للطلب فإنها تكون اد نحت
منحا غير سليم وحامها المستأنف يبقى لذلك غير مؤسس اانونا ويتعين إلغاؤه وتصديا
الحام لرفض الطلب"
ونفس االتجاه سارت فيه محاكم أول درجة ،من ذلك نذكر موقف المحكمة اإلدارية
بأكادير ،حيث جاء في حكم لها بأن" ...حيث إنه لناء على المقتضيات القانونية المشار
إليها ( الفصول 22و 324و 322من الدستور والفصول 327و 399و 238من
اانون المسطرة البنائية) ،أن المشرع خول لقاضي التحقيق لدى محامة االستئناف بشا
استثنائي صالحية مباشرة مسطرة التحقيق اإلعدادي والمتابعة في حالة اعتقال مادامت
البريمة موضوع التحقيق معااب عليها بعقوبة سالبة للحرية وتصنف ضمن البنايات وكذا
1محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط عدد تحت عدد 1113الصادر بتاريخ 1131/31/19في الملفان المضمومان عدد 1131/1111/005
و .1131/1111/139نفس الشيء أكدته ذات الجهة القضائية في ق اررات أخرى ،من ذلك نذكر :القرار عدد 1913الصادر بتاريخ 19غشت
1139في الملف رقم .1139/1111/391
265
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
البنح المرتبطة لها ،كما أنه خول لقاضي التحقيق في البنايات الوضع تحت االعتقال
االحتياطي لمدة شهرين االلة للتمديد خمس مرات ،وأن القول لوجود خطأ اضائي يتطلب
اتصافه بالبسامة والفداحة ومخالفة النصوص القانونية الملزمة في هذا الشأن بشا
صريح وواضح.
وحيث إنه تبعا لما تم بسطه أعاله ،وطالما أنه ال دلي بالملف على أن االعتقال
المتخذ في حق الطرف المدعي اد جاء مخالف للقواعد القانونية المنظمة لالعتقال
االحتياطي أو متباو از للسلطات المقررة اانونا أثناء مسطرة التحقيق اإلعدادي في الفع
البرمي المتابع من أجله ،ومادام ال دلي بالملف أن فترة االعتقال اد تباوزت المدة
المحددة اانونا ...لتحقق شرط الخطأ أو التعسف المنسوب إلى مرفق القضاء فإن
مسؤولية هذا األخير في نازلة الحال تبقى غير ثالتة ( ارار محامة االستئناف اإلدارية
بمراكش الصادر لتاريخ 2439/42/22في الملف عدد 2431/9241/3207غير
منشور) وبالتالي ما تمسك به الطرف المدعي في هذه الدعوى غير مؤسس من الناحية
الوااعية والقانونية ....رفض الطلب مع تحمي المدعي الصائر ".1
وفي نفس السياق ،اعتبرت المحكمة اإلدارية بالرباط في حكم لها بأن القاعدة العامة
تبقى هي خضوع مسؤولية الدولة عن أضرار االعتقال االحتياطي على أساس الخطأ
القضائي الجسيم حيث يتقرر مبدأ التعويض بغض النظر عن طبيعة الضرر ،ومما جاء في
إحدى حيثيات حكمها أنه" لما كان االعتقال االحتياطي من اإلجراءات التي يوك اختصاص
األمر لها للبهات القضائية بشا حصري فإنه يبقى مندرجا هو األخر في دائرة األعمال
القضائية التي يمان التعويض عنها في حال اتسامه بخطأ جسيم متب في الخرق
الواضح للضوابط المقيدة له باعتباره إجراء استثنائيا سواء من حيث اإلجراءات المتصلة به
أو نطاق األمر به أو المدد التي يقيد لها أو غيرها ،وياون التعويض في هذه الحالة
مستحقا للمتضرر منه بغض النظر عن جسامة الضرر ،وذلك في نطاق الحاالت التي
1المحكمة اإلدارية بأكادير ،حكم عدد 3313صادر بتاريخ 1139/11/31في الملف رقم .1139/1331/1110
266
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
تثبت فيها لراءة الشخص المعتق احتياطيا بمقتضى حام نهائي أو بصدور أمر بعدم
المتابعة.1"...،
وهذا التوجه األخير للمحكمة اإلدارية بالرباط ،لئن أقر القاعدة العامة حيث تكون
مسؤولية الدولة عن أضرار االعتقال االحتياطي قائمة على أساس الخطأ الجسيم ،فإنه لم
يبين األسس القانونية المعتمد عليها إلقرار هذا المبدأ فقط في حاالت الخرق الواضح
للضوابط القانونية المنظمة إلجراء االعتقال االحتياطي ،ثم إن تجزيئ المسؤولية المتعلقة
بنفس النزاعات أي أضرار االعتقال االحتياطي وجعل شق منها خاضع للقواعد العامة وشق
آخر غير خاضع لها يؤدي إلى خلق تمييز غير مبرر.
أما على مستوى محكمة النقض ،فقد عرضت عليهـا بعـض القضـايا المتعلقـة بـالتعويض
عن الخطأ القضائي في مجال االعتقال االحتياطي ،وقد كانت الفرصـة سـانحة لهـذه المحكمـة
لتوحي ــد توجه ــات محـ ــاكم الموض ــوع بخص ــوص أسـ ــاس مس ــؤولية الدول ــة فـ ــي ه ــذا الن ــوع مـ ــن
المنازعــات خاصــة فــي ظــل تبــاين المواقــف بــين هيئــات الحكــم بمختلــف المحــاكم وأحيانــا بــين
هيئات الحكم بنفس المحكمة.
ولذلك ،فقد أيدت محكمة النقض موقف قرار محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط
واعتبرت في قرارها المؤرخ في 10أكتوبر 1139بأنه "حيث إنه ،كما ذهبت إلى ذلك
محامة االستئناف اإلدارية عن صواب ،فإن إارار مسؤولية الدولة المغربية عن الخطأ
القضائي يقتضي البحث عن أركان المسؤولية وهي ثبوت خطأ من جانب ااضي التحقيق
وضرر لحق بالطالب وعالاة سببية لين هذا الخطأ والضرر ،والمحامة من خالل إسقاط
هذه الواائع على المقتضيات المنظمة ألعمال ااضي التحقيق وفقا لمقتضيات الظهير
الشريف رام 3.92.329لتاريخ 1أكتوبر 3792المنظم لمحامة العدل الخاصة ثبت
لها أن ااضي التحقيق بالمحامة باشر عمله لناء على أمر كتالي من وزير العدل ،وأن
كافة اإلجراءات التي باشرها ااضي التحقيق في النازلة مستمدة من مقتضيات الفصول 7
و 33و 32من الظهير المذكور أعاله مشي ار عن صواب إلى أن تدلير االعتقال
1الحكم عدد 1319الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط بتاريخ 1139/13/31في الملف عدد .1139/1331/3111
267
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
االحتياطي هو سلطة خولها المشرع لقاضي التحقيق تبعا للمعطيات الواردة في وثائق
الملف لتنتهي بحق إلى أن صدور حام لبراءة الطالب ال يمان اعتباره كشفا عن عدم
مشروعية اإلجراءات التي باشرها ااضي التحقيق وثبوت خطأ من جانبه ،وهي (المحامة)
باعتمادها المعطيات القانونية والوااعية أعاله تكون اد عللت اضاءها بما فيه الكفاية
والوسائ على غير أساس ".1
ويتضح من خالل هذا القرار بأن قضاء محكمة النقض يسير في اتجاه إعمال القواعد
العامة للمسؤولية عن أعمال الجهاز القضائي في مجال المسؤولية عن أض ارر االعتقال
االحتياطي بأن جعلها تنبني على أساس خطأ واجب اإلثبات ،ونعتقد بأن هذا القرار يعد
حاسما للنقاش الدائر حول أساس المسؤولية المتحدث عنها لوضوح توجهاته ،وانبناء مبرراته
على أسس قانونية مستمدة من القواعد العامة وتفسير لمقتضيات الفصل 311من الدستور،
بل أيضا لكون محكمة النقض أكدته في قرار آخر لها ،وأصبح بذلك اجتهادا متوات ار وواجب
اإلعمال ،ولذلك فإن هذا التوجه حري بالتأييد.
وعموما ،فإن هذا االتجاه القضائي أقر بوضوح بأن مسؤولية الدولة عن الخطأ
القضائي في مجال االعتقال االحتياطي مبنية على أساس خطأ واجب اإلثبات معتمدا في
ذلك على تحليل مقتضيات الفصل 311من الدستور ،بل إن بعض توجهات القضاء
المغربي سايرت القوانين المقارنة واعتبرت بأن الخطأ القضائي الموجب للتعويض يجب أن
يكون على قدر من الجسامة العتباره موجب للتعويض.
يعتبر هذا االتجاه ،بأن مسؤولية الدولة عن أضرار االعتقال االحتياطي قائمة على
أساس نظرية المخاطر معتمدا في ذلك إلى كون اتخاذ السلطة القضائية لتدبير االعتقال
االحتياطي كان تطبيقا لنص القانون ولمصلحة المجتمع ،وأنه بذلك يتعين أن يتحمل كافة
-1محكمة النقض ( الغرفة اإلدارية -القسم الثالث) ،عدد 1/931المؤرخ في 10أكتوبر 1139صادر في الملف عدد .1131/1/0/1111
268
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
المجتمع لألضرار االستثنائية الالحقة بالمعتقل احتياطيا إذا ثبتت برائته أو اتخذ قرار بعدم
متابعته.
وفي هذا اإلطار اعتبرت المحكمة اإلدارية بالرباط في إحدى أحكامها أنه "" ...أن خصوصية
االعتقال االحتياطي باعتباره إجراء يمس حرية المتهم اب لت اضاء الموضوع في التهمة المنسوبة
إليه وفي وات ياون متمتعا بقرينة البراءة التي كرسها الفص 21من الدستور ،تفضي إلى اعتبار
المعتق االحتياطي الذي صدر حام نهائي لتبرئته مستحقا للتعويض حتى في الحالة التي ال يثبت أي
خرق صادر بشأن الضوابط القانونية لإلعتقال االحتياطي وذلك في حالة الذي يلحق به ضرر محقق
وثالت ،ذلك أنه إذا كان هذا اإلجراء وغيره من اإلجراءات البنائية تهدف إلى حماية المبتمع من
أخطار البريمة ومواجهتها عبر تفعي النصوص التبريمية ،فإن إعمال مبدأ المساواة أمام األعباء
العامة يفرض تحم كافة المبتمع لألضرار االستثنائية الالحقة بالمعتق احتياطيا ما دام أنه كان لريئا
أثناء األمر لهذا اإلجراء وظ لريئا ولم يرتكب أي خطأ يبعله يتحم لوحده تبعة تطبيق القانون
لمصلحة ك المبتمع ،طالما أن الضرر المادي أو المعنوي اتسم لدرجة البسامة التي تبعله مما ال
يمان تحمله من طرف الشخص العادي ،وتباوز الحدود المألوفة للضرر المعتادة المترتب عن فقدان
الحرية.1".
وقد تبنت هذا االتجاه محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش في عدة ق اررات صادرة عنها
من ذلك على سبيل المثال قرار 2اعتبرت فيها بأنه " خالفا للمبادئ العامة لقيام مسؤولية
الدولة التي تشترط توفر عنصر الخطأ من جانب المرفق العام الواجب اإلثبات ،فإن
مسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي اائمة بمبرد حصول الضرر دونما الحاجة إلثبات
الخطأ ،"...وخلصت من خالل ذلك إلى القول بأنه " ودون الحاجة إلى الخوض فيما إذا
كان هناك تعسف في استعمال حق المالءمة التي تتمتع لها النيابة العامة أم ال أو فيما
إذا كان هناك خطأ في اإلجراءات الواجبة االتباع على اعتبار أن المحامة اإلدارية ليست
لدرجة أعلى لمراقبة ا اررات النيابة العامة أو األعمال القضائية إال أنه يبقى من حق ك
متضرر ثبتت لرائته بشا اطعي استحقاق تعويض طبقا لمقتضيات المادة 322من
1الحكم عدد 1319الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط بتاريخ 1139/13/31في الملف عدد .1139/1331/3111
2محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش ،قرار عدد 133مؤرخ في 1133/13/11صادر في الملف رقم .1139/1111/3011
269
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
الدستور الذي تقدره المحامة في إطار ما تستشفه من الظروف والمالبسات التي أحاطت
بسير المحاكمة".
ونفس الشيء سارت فيه في نفس الجهة القضائية في الذي جاء في حيثياته ما يلي"" :
وحيث لئن كان األص في مسؤولية مرفق القضاء أنها تقوم على اشتراط ثبوت خطأ
جسيم ،فإن العم القضائي أحدث نظاما خاصا لمسؤولية الدولة عن األخطاء القضائية
في إطار الدعاوى الرامية إلى التعويض عن األحاام القضائية السالبة للحرية واعتبرها
مسؤولية لدون خطأ استنادا إلى نظرية المخاطر القائمة على مبرد حصول الضرر ولو
لدون خطأ من جانبها الشيء الذي تعتبر معه مسؤوليتها عن الضرر الالحق بالضحية
المتضرر الذي تم اعتقاله واضى فترة سبنية رغم لراءته لدون ما حاجة إلى وجوب
وضرورة إثباته الخطأ من جانب الدولة ،وهو التوجه الذي يندرج في سياق تطور
المسؤولية بصفة عامة والذي يتبه نحو توسيع مبال المسؤولية إلى نظرية المخاطر
.1"...
ويتضح من خالل هذه التوجهات القضائية أنها حاولت إيجاد أساس لمسؤولية الدولة
عن أضرار االعتقال االحتياطي في حالة تبرئة المتهم أو صدور أمر بعدم متابعته وذلك
بجعلها قائمة بدون خطأ وعلى أساس نظرية المخاطر معتمدة في ذلك على مبررات أن
اتخاذ تدبير االعتقال االحتياطي أملته اعتبارات المصلحة العامة ،وأن الضرر االستثنائي
الالحق بالمعتقل احتياطيا يجب أن يجبر بغض النظر عن وجود خطأ من عدمه ،وأن تطور
نظام المسؤولية يتجه تحو إقرارها بدون خطأ.
ويبدو بأن ما نحى إليه هذا االتجاه ،غير معزز بأي سند قانوني ويخالف القواعد
العامة المنظمة لمسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي المؤسسة بمقتضى الفصل 311من
الدستور ولما ذهبت إليه بعض القوانين المقارنة.
1القرار عدد 3119المؤرخ في 1139/31/13صادر في الملف رقم ،1139/1111/910ونفس الشيء سار في قرار صادر عن نفس الجهة
القضائية تحت عدد 3051المؤرخ في 1133/11/10صادر في الملف رقم .1139/1111/3391
270
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
هذا ،لم نعثر بمناسبة إعداد هذا البحث على أي قرار صادر عن محكمة النقض يتعلق
باعتماد نظرية المخاطر في مسؤولية الدولة عن أضرار االعتقال االحتياطي ،1بل إن قرارها
المؤرخ في 0أكتوبر 1139المومإ أعاله نحى منحا مخالف تماما لهذه التوجهات القضائية،
كما أن بعض الق اررات الصادرة عن محكمة النقض التي يروج لها من طرف البعض بأنها
طبقت نظرية المخاطر في مجال التعويض عن االعتقال االحتياطي ،فإنه بعد اطالعنا
عليها تبين أنها مؤسسة على النصوص الخاصة بالتعويض في إطار مسطرة المراجعة التي
تمت في إطار مقتضيات المادتين 513و 511من قانون المسطرة الجنائية المنصوص
عليها وذلك لتدارك خطأ في الواقع تضرر منه شخص حكم عليه من أجل جناية أو جنحة،2
وهي حاالت يعتبر الخطأ فيها ثابت من خالل الخطأ في الواقع ،وهي غير حاالت التعويض
عن أضرار االعتقال االحتياطي حيث ال يوجد نص خاص يقر هذا التعويض وال يمكن
افتراض وجود الخطأ فيها.
ولذلك ،يبقى التوجه القضائي المطبق لنظرية المخاطر في مجال التعويض عن
االعتقال االحتياطي فريد من نوعه ،ولم يتبناه قضاء محكمة النقض ،ويعد والحالة هذه محل
نقاش جدي حول انعدام أسسه القانونية والواقعية.
بدون أي مجازفة ،يمكن القول بأن تأسيس مسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي بناء
على نظرية المخاطر (بدون خطأ) تنجم عنه مجموعة من المخاطر يمكن إبرازها فيما يلي:
1تجدر اإلشارة إلى أن الوكالة القضائية للمملكة في إطار دفاعها عن الدولة تقدمت بطعن بالنقض ضد ق اررات استئنافية سارت في إطار التأسيس
للمسؤولية اإلدارية عن الوظيفة القضائية في إطار نظرية المخاطر ،كما تقدمت أيضا بطلب إيقاف تنفيذها ،فصدر قرار باالستجابة للطلب بينما ال
تزال عرائض الطعن بالنقض رائجة.
2وقد كانت أولى القضايا قدمت في هذا اإلطار أمام المحكمة اإلدارية بالدار البيضاء التي أقرت أحقية المتضرر في الحصول على تعويض
استنادا إلى كون هذا التعويض مقرر بمقتضى القانون ،أنظر الملف رقم 1110/3131ش ت.
271
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
_2أن التوجه القضائي في شأن تأسيس مسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي أحدث
تمييز غير مبرر وغير موضوعي بين هذه المسؤولية والمسؤولية اإلدارية التي تقوم كمبدأ
عام على أساس الخطأ ،ذلك أنه لئن كانت مسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي تتميز عن
المسؤولية اإلدارية بوجه عام ،فإن هذا التمييز يجب أن يكون أساسه خصوصية عمل مرفق
القضاء وحجم األعباء الملقاة على عاتقه والتي تقتضي عدم مسائلته إال إذا كان الخطأ على
قدر من الجسامة وفق ما سارت فيه أيضا القوانين المقارنة.
-1إعمال نظرية المخاطر في مجال مسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي سيجعل هذه
المسؤولية تتسع لت شمل جميع أنشطة مرفق القضاء ،مما يتنافى مع اآلليات التي وضعها
المشرع من أجل تدارك بعض األخطاء التي يمكن أن يقع فيها مرفق القضاء من قبيل طرق
الطعن وإمكانية المطالبة بتصحيح األخطاء المادية ،فضال عن تعارضه مع الضمانات التي
وضعها دستور المملكة لسنة 1133التي تضمن نزاهة القاضي وحسن أدائه وظيفته بما
يكفل عدم التسرع ومنع الوقوع في الخطأ.
-0توسيع مجال مسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي من شأنه أن يشل نشاط ومبادرة
العاملين في مرفق القضاء نتيجة خوفهم من النتائج التي قد تترتب عن أي خطأ يرتكبونه
كيفما كانت طبيعته.
1وهو ما أكدت عليه محكمة ال نقض في عدة ق اررات متواترة ،من ذلك نذكر القرار الصادر عن الغرفة اإلدارية عدد 919الصادر بتاريخ
1131/13/39الذي جاء فيه " حيث إن الدعوى تهدف إلى إقرار مسؤولية الدولة في إطار الفصل 13من قانون االلتزامات والعقود بسبب
األضرار الناتجة عن اللغم وهي مسؤولية قائمة على نظرية المخاطر وتكون ناجمة عن استعمال أشياء خطيرة كما هو األمر في نازلة الحال ،ويكفي
للمتضرر إثبات العالقة السببية بين الحادث والضرر دون إثبات الخطأ ما دام اللغم قد زرع بالتراب الوطني وأن المحكمة لما حملت الدولة المغربية
مسؤولية الحادثة تكون قد طبقت الفصل 13من ق.ل.ع وأن هذه العلة القانونية تحل محل العلة المنتقدة مما تبقى معه الوسيلة بدون تأثير." ...
272
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
-2تأسيس المسؤولية اإلدارية المرتبطة بالوظيفة القضائية على نظرية المخاطر قد
ينعكس سلبا على جودة العمل القضائي ،طالما أن التعويض يبقى مضمونا بغض النظر عن
وجود خطأ من عدمه ،على عكس تأسيسها على نظرية الخطأ الجسيم التي ستجعل القاضي
يتخذ كافة االحتياطات الالزمة لضمان عدم الوقوع في خطأ قد يرتب مسؤوليته الشخصية
إلى جانب المسؤولية المرفقية.
-9أن التوجه القائل بأن التعويض عن االعتقال االحتياطي يقرر في جميع الحاالت
بناء على نظرية المخاطر لم يأخذ بعين االعتبار أن بعض حاالت االعتقال االحتياطي تبقى
بمنأى عن أي تعويض عمال بما جرى به العمل في بعض القوانين المقارنة ،ويتعلق األمر
بحالة الحكم بالبراءة لعدم كفاية األدلة أو البراءة لفائدة الشك وهو ما يسمى بالبراءة البسيطة،
1على سبيل المثال ،أشار السيد الوكيل القضائي للمملكة في كلمة افتتاحية خالل أشغال هذا اللقاء العلمي (الخطأ القضائي في مجال االعتقال
االحتياطي المنظم من طرف رئاسة النيابة العامة بشراكة مع المجلس األعلى للسلطة القضائية بتاريخ 31دجنبر ،)1133أن القضايا المتعلقة
بالتعويض عن االعتقال االحتياطي تشكل نسبة كبيرة بالمقارنة مع عدد قضايا التعويض عن باقي األخطاء القضائية ،وأوضح بأنه برسم النصف
الثاني من سنة 1139بلغ عدد الملفات المعالجة على صعيد الوكالة القضائية للمملكة في هذه القضايا التي عرضت أمام القضاء اإلداري وصدرت
في أحكام قضائية ما يقارب %51من مجموع قضايا التعويض المتعلقة بالخطأ القضائي بشكل عام ،وصدرت فيها أحكام لصالح الدولة بنسبة
65%من عدد القضايا المرفوعة ،أم ا األحكام التي صدرت ضد الدولة جزئيا فقد تم خفض التعويضات المطالب بها بنسبة %31.01من مجموع
المبالغ المطالب بها .
273
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
على اعتبار أن ذلك ال يعني عدم ارتكاب المتهم لألفعال المنسوبة إليه أو كون تدبير
االعتقال االحتياطي لم يكن مبررا ،بل فقط ألن المتهم استفادة من مقتضيات قانونية وضعت
لمصلحته.
خاتمة
لذلك ،ف إننا ندعوا إلى استبعاد نظرية المخاطر كأساس لمسؤولية الدولة عن الخطأ
القضائي بوجه عام ،والتعويض عن االعتقال االحتياطي بشكل خاص ،واعتماد الخطأ
القضائي الواجب اإلثبات مع اشتراط أن يكون هذا الخطأ على درجة من الجسامة ،سيما إذا
استحضرنا أن محكمة النقض سارت في هذ ا االتجاه من خالل ق اررين صادرين عنها ومنه
القرار المؤرخ في 0أكتوبر 1139المشار إليه أعاله.
وقبل ختام هذه المداخلة ،ال تفوتني الفرصة دون أن أجدد شكري لرئاسة النيابة العامة
والمجلس األعلى للسلطة القضائية على المجهودات المبذولة من طرفهما لضمان عقلنة
274
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
اللجوء إلى االعتقال االحتياطي كإجراء استثنائي أخذا بعين االعتبار الموازنة بين متطلبات
األمن العمومي والنظام العام والمال العام من جهة وحماية حقوق األفراد من جهة ثانية.
وأتمنى تعزيز واستمرار قنوات التواصل بين المؤسستين المذكورتين والوكالة القضائية
للمملكة كشريك لهما لضمان تأمين الدفاع عن مصالح الدولة في القضايا المتعلقة بالتعويض
عن االعتقال االحتياطي.
275
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
و تهدف االتفاقية المتعلقة باالستثمار إلى تحديد إطار قانوني يروم إلى معالجة تدفق
االستثمار بين الدولتين أو الدول األطراف فيها و ذلك من خالل حصر حقوق المستثمرين
في كل من هذه البلدان على حدى ،وبالتالي فهذه االتفاقيات تنشأ مجموعة من الحقوق لفائدة
المستثمرين "الحقوق االتفاقية" وفي المقابل تنشأ مجموعة من االلتزامات على عاتق الدولة
المستقبلة لالستثمار ،التي يتعين عليها احترام و عدم المساس بهذه الحقوق و إال كانت
مسؤولة عن جميع األضرار الالحقة بالمستثمر و بالتالي تحمل التبعات المالية المترتبة عن
1المصدر :الموقع الرسمي ل )Conférence des Nations Unies sur le commerce et le développement ( UNCTADتاريخ
زيارة الموقع 13أبريل :1111
https://investmentpolicy.unctad.org/international-investment-agreements
276
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ذلك ،ليظهر جليا أن الموقف التقليدي للقانون الدولي تم تعديله في مجال االستثمار األجنبي
ليتم الرفع من مكانة األفراد على المستوى الدولي إلى مصاف الدول.1
وتقوم مسؤولية الدولة في القانون الدولي في حالة قيامها بفعل أو امتناعها عنه مما
يتعارض مع التزاماتها الدولية بموجب القانون الدولي ،وتقوم بناء على ذلك بتعويض الطرف
المتضرر.2
والمسؤولية الدولية للدولة بناء على اتفاقيات االستثمار ال تقتصر فقط على عالقة
الدولة المستقبلة لالستثمار بالمستثمر األجنبي بل أن هذه المسؤولية الدولية تشمل كذلك
عالقة الدولتين الطرفين في هذه االتفاقية ،3و ذلك في حالة قيام نزاع نتيجة عدم احترام أي
من هاذين الطرفين اللتزاماته اتجاه المستثمرين ،كمثال على ذلك رفض أحد الطرفين اللجوء
إلى التحكيم أو رفضه تنفيذ الحكم التحكيمي ،و في هذه الحالة فإن اتفاقية االستثمار تتضمن
شرطا يقضي بتسوية النزاع عن طريق التحكيم و ذلك بطلب من الطرف اآلخر.4
والبحث عن مسؤولية الدولة في حالة مخالفتها لبنود اتفاقيات االستثمار يتم من خالل
تفعيل الشرط المضمن في هذه االتفاقيات والمتعلق بتسوية المنازعات الناتجة عن االستثمار،
و يعتبر التحكيم إحدى هذه الشروط و أبرزها و األكثر استعماال.
1
- Aishwarya Padmanabhan : « Relationship Between FDI Inflows and Bilateral Investment
Treaties/International Investment Treaties in Developing Economies: An Empirical », 19 fevrier 2011, article
publié sur le lien suivant : http://papers.ssrn.com/sol3/papers.cfm?abstract_id=1764342.
2
B. Stern : « Répertoire de droit international, Responsabilité internationale », Dalloz 1998, §4.
3
جاء في الفقرة 1من المادة 33من اتفاقية االستثمار المبرمة بين فرنسا والشيلي ما يلي:
« Si dans un délai de six mois à partir du moment où il été soulevé par l'une ou l'autre des Parties
contractantes, le différend n'est pas réglé, il est soumis à la demande de l'une ou l'autre Partie contractante, à
un tribunal d'arbitrage ».
جاء في الفقرة 1من المادة 11من اتفاقية ميثاق الطاقة ( )Traité sur la Charte de l’Energieما يلي:
« Lorsqu'un différend n'a pas été réglé conformément au paragraphe 1 dans un délai raisonnable, chaque
partie au différend peut [...] soumettre le différend à un tribunal d'arbitrage ad hoc en vertu du présent article " .
4
Ch. Leben : «La responsabilité internationale de l'État sur le fondement des traités de promotion et de
protection des investissements », Annuaire Français de Droit International, volume 50, 2004. p., 683.
277
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وعالقة المستثمر األجنبي بالدولة المستقبلة لالستثمار ال تقتصر فقط على اتفاقيات
االستثمار بل تشمل كذلك العقد الرابط فيما بينهما الذي بدوره ينشأ مجموعة من الحقوق
لفائدة المستثمر األجنبي "الحقوق العقدية" ،والتمييز بين الحقوق االتفاقية و الحقوق العقدية
يعتبر أم ار جوهريا لفهم التطور الحالي للمنازعة التحكيمية القائمة بين المستثمر والدولة
المستقبلة لالستثمار و نظام حماية االستثمار .ويثير التمييز بين هذه الحقوق عدة إشكاالت
و ال سيما فيما يتعلق بالبحث عن أساس و مصدر مسؤولية الدولة ،إذ يعود للمستثمر
األجنبي ،وحده ،الحق في اختيار أي من الحقوق يمكنه المطالبة بالتعويض عنها ،هل
الحقوق االتفاقية أو الحقوق العقدية ،و اختيار أي من هذه الحقوق تعتبر مسألة أساسية إذ
يترتب عنها مجموعة من اآلثار القانونية في مواجهة الدولة المستقبلة لالستثمار.
و إذا كانت غالبية اتفاقيات االستثمار في الوقت الراهن تتضمن شرط التحكيم ،فإن
أول اتفاقية ثنائية لالستثمار المبرمة سنة 3353بين ألمانيا الفيدرالية والباكستان لم تتضمن
هذا الشرط ،بحيث لم تظهر هذه الشروط إال بعد صدور اتفاقية واشنطن و تبنيها من قبل
الدول انطالقا من سنة ،3315و تحكيم االستثمار لم يعرف االزدهار و التطور إال في
أواسط التسعينيات من القرن الماضي ،على خالف األمر بالنسبة للتحكيم التجاري ،1و ذلك
مع نهاية الحرب الباردة و ظهور الليبرالية االقتصادية ،2إذ أن الفترة الممتدة ما بين 3315
و 3331لم تعرف تسجيل إال 31طلب تحكيم أمام.3CIRDI
و قد أدى التطور الذي عرفه تحكيم االستثمار في العقدين األخيرين ،الناتج عناالرتفاع
في عدد الدول المنضوية إلى اتفاقية واشنطن ،إذ وصل العدد ،إلى حد اآلن ،إلى 350
دولة ،4و هو ما يسمح لمستثمري هذه الدول إلى إمكانية المتابعة المباشرة للدولة المتقبلة
لالستثمار ،إلى ارتفاع في عدد القضايا التحكيمية المعروضة أمام ،CIRDIإذ تم تسجيل
1
P. Lalive : «Commercial and Investment Arbitration: How Different are they Today? » Arbitration International,
Volume 28 n° 24, LCIA 2012, p. 577.
2
R. A. Nasser, S. H. Nasser et N. S. Tiba Sato : « Arbitragem no novo modelo brasileiro de acordos de
investimento », Revista Brasileira de Arbitragem, 2015, Volume XII Issue 47, p. 38.
3
Julien Cazala : « La défiance étatique à l’égard de l’arbitrage investisseur-Etat exprimée dans quelques
projets et instruments conventionnels récents », JDI n°1, janvier 2017, doctr. 3.
4
التقرير السنوي لسنة 1133الصادر عن ،CIRDIالمنشور في الموقع الرسمي لهذا المركز.
278
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
و على الرغم من النجاح الكبير الذي عرفته اتفاقيات االستثمار خالل سنوات
التسعينيات "فترة االنتشار" فإنه ابتداء من سنة 1111بدأت مجموعة من الفعاليات الدولية
بالمطا لبة بإعادة النظر في هذه االتفاقيات "فترة إعادة التوجيه"وهي الفترة المستمرة لحد اآلن،
نظ ار 4
و الموسومة بظهور حركة على المستوى الدولي تبتغي تعديل هذه االتفاقيات
لالنتقادات التي تتعرض لها باعتبارها غير متوازنة إذ تميل الكفة فيها لفائدة المستثمر على
و أن وضعية الدولة في هذه االتفاقيات أقل مرتبة من المستثمر ،6إذ أن 5
حساب الدولة
مجرد التوقيع على هذه االتفاقيات و المصادقة عليها يترتب عنها التنازل العام للدولة عن
إثارة حصانتها في التقاضي ،ليس فقط أمام المحاكم الدولية و إنما كذلك أمام محاكمها
1
التقرير الصادر عن CIRDIحول القضايا التحكيمية تحت رقم 2020-1المنشور في الموقع الرسمي لهذا المركز.
2
« Profiting from injustice, how law firms, arbitrators and financiers are fuelling an investment arbitration
boom », CEO, Brussels , Amsterdam, novembre 2012.
3
https://www.oecd.org/fr/daf/inv/politiques-investissement/FR%20WP-2005_1.pdf (dernière consultation
13/01/2020).
4
Rapport CNUCED sur « l’investissement dans le monde 2015: Réformer la gouvernance de l’investissement
)international », (https://unctad.org/fr/PublicationsLibrary/wir2015overview_fr.pdf
5
Charles Leben : « Le contentieux arbitral transnational relatif à l’investissement : Nouveaux développements,
Louvain-la-Neuve, Anthémis », revue québécoise de droit international, volume 19-2, 2006, p. 359.
6
Ph. Fouchard : « L'arbitrage et la mondialisation de l'économie in Philosophie du droit et droit économique.
Quel dialogue ? : Mélanges en l'honneur de Gérard Farjat”, Paris, 1999, p. 391
279
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
الوطنية ،كما أن هذه االتفاقيات تتضمن بنودا تعتبر أن ق اررات هيئات التحكيم نهائية وإلزامية
و يتعين تنفيذها طبقا للقانون الوطني للدولة.1
ولم يقتصر موقف الدول من نظام تسوية المنازعات بين المستثمر والدولة ()RDIE
على الدعوة إلى إعادة النظر في االتفاقيات الدولية بل أن هناك من الدول من وضعت
شروطا في اتفاقيات االستثمار أمام المستثمر عند لجوئه إلى التحكيم في حين أن هناك
مجموعة من الدول استبعدت هذه اآللية و لم تنص عليها في اتفاقيات االستثمار ،كاتفاقية
التبادل الحر المبرمة بين أستراليا و أمريكا المؤرخة في 39ماي 1110و كذلك بروتوكول
االستثمار المبرم بين أستراليا و نيوزيالندا بتاريخ 39ماي .1110
في حين قامت بعض دول أمريكا الالتينية باالنسحاب من اتفاقية واشنطن المنشئة ل
،2CIRDIمن بينها بوليفيا التي تعتبر أول دولة تنسحب من هذه االتفاقية وذلك سنة 1111
وإكوادور سنة ،1113بعد ٍاالي الذي تقدمت به المحكمة الدستورية بتاريخ 15نونبر 1131
3
لما اعتبرت أن شروط التحكيم في المنازعات بين الدول والمستثمرين غير مطابقة للدستور
كما انسحبت فنزويال كذلك من هذه االتفاقية سنة .41131
ونتيجة انفتاح المغرب على محيطه االستثماري والمكانة التي أصبح يحتلها كبلد
مستقبل للرأسمال األجنبي ،نظ ار الستق ارره السياسي واالقتصاديو مسايرة منه للتطور الذي
عرفه التحكيم كآلية لتسوية المنازعات الناشئة عن االستثمار قامت الدولة المغربية بإدخال
مجموعة من التعديالت على قوانينها الوطنية ،خاصة قانون المسطرة المدنية (تعديل سنة
،)1111كما تفاعلت مع التطورات الدولية المرتبطة بالتحكيم عبر انضمامها إلى االتفاقيات
الدولية ذات الصلة ،خاصة اتفاقية نيويورك لسنة 3359المتعلقة باالعتراف بق اررات التحكيم
األجنبية و تنفيذها واتفاقية واشنطن لسنة 3315المنشئة للمركز الدولي لفض منازعات
1
A. Ulaganathan Ravindran : « International Investment Law and Developing Economies: The Good, Bad and
Comme Ci, Comme Ça », Indian Journal of Arbitration Law ; 2013, Volume II, Issue 1, p. 55.
2
J. Cazala : «La dénonciation de la convention de Washington établissant le CIRDI », Annuaire Français de
Droit International, volume 58, 2012. p. 551.
3
الرأي المؤرخ في 15نونبر 1131تحت عدد 043-10-DTC-CCفي القضية عدد .0013-10-71
4
قائمة الدول المتعاقدة والموقعة على االتفاقية المتوفرة على مستوى موقع المركز والتي نشرت يوم 31أبريل 1133
280
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
و مما سبق فإن التساؤل المطروح يتعلق بحدود مسؤولية الدولة في اتفاقيات االستثمار
و إلى أي حد استطاعت االتفاقيات تحقيق التوازن األمثل بين خلق مناخ مالئم للمستثمرين
األجانب و بين المحافظة على المصلحة العامة للدولة المستقبلة لالستثمار و حقها في
اعتماد سياساتها العمومية ،واإلجابة على هذا التساؤل يفترض تناول الموضوع من خالل
مبحثين ،المبحث األول يتعلق بالنظام القانوني لمسؤولية الدولة في اتفاقية االستثمار
(المبحث األول) ثم تحديد نطاق و حدود مسؤولية الدولة في المطالبات االتفاقية والجهة
المختصة للنظر في المنازعات الناتجة عن االستثمار (المبحث الثاني).
و سوف نعتمد في هذه الدراسة على االتفاقيات الدولية لالستثمار ،سواء التي كان
المغرب طرفا فيها (النموذج القديم والنموذج الجديد( 4نيجريا و اليابان و الب ارزيل)) أو التي
لم يكن طرفا فيها مع الرجوع إلى موقف هيئات التحكيم الدولية في المسؤولية الدولية للدولة
مع التركيز على بعض التجارب الدولية ال سيما التجربة األرجنتينية ،و ذلك من خالل
مبحثين ،األول سيخصص لتحديد أساس مسؤولية الدولة عند خرقها التفاقية االستثمار في
حين أن المبحث الثاني سنتطرق فيه إلى نطاق وموضوع مسؤولية الدولة عند خرقها التفاقية
االستثمار.
1
حسب الموقع الرسمي ل )Conférence des Nations Unies sur le commerce et le développement( UNCTADتاريخ زيارة
الموقع 13أبريل :1111
https://investmentpolicy.unctad.org/international-investment-agreements/countries/142/morocco
2
هذه االتفاقيات تتضمن تلك التي وقع عليها المغرب ولم تتم المصادقة عليها أمام البرلمان المغربي
3
A. Kairouani : « Aspects recents du droit marocain des investissements », Revue trimestrielle de droit
africain, Ed. Juris Africa, n° 909, octobre – décembre 2019, p. 554.
4
يتعلق األمر باالتفاقيات التي وقع عليها المغرب مؤخ ار خاصة مع كل من نيجريا واليابان و الب ارزيل.
281
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
عالقة الدولة بالمستثمر األجنبي ال تقتصر فقط على اتفاقية االستثمار المبرمة بين
هذه الدولة و البلد الذي ينتمي إليه المستثمر بل تشمل كذلك العقد الرابط بين الدولة
المستقبلة لالستثمار و المستثمر ،و لهذا األخير الحق في متابعة الدولة عند المساس
بحقوقه ،سواء تلك المحددة في اتفاقية االستثمار(الحقوق االتفاقية) أو في العقد (الحقوق
العقدية) ،مما يجعل أساس مسؤولية الدولة و مسار الدعوى يختلف حسب طبيعة المطالبة
المقدمة من قبل المستثمر ،وهو ما يدفعنا إلى التساؤل حول ما إذا كان أساس المسؤولية
يقتصر فقط على المطالبات المبينة على خرق الدولة التفاقية االستثمار أم يشمل كذلك
المساس بالحقوق العقدية؟
الجواب على هذا التساؤل يتطلب ،بداية ،حصر المطالبات المبنية على خرق اتفاقيات
االستثمار وتمييزها عن المطالبات المبنية على المساس بالحقوق العقدية (المطلب األول)
وتحديد الجهة الموكول لها النظر في المطالبات االتفاقية تفاديا للمخاطر التي يمكن أن
تترتب عن تعدد المساطر القضائية (المطلب الثاني).
المطلب األول :نطاق المطالبة المبنية على خرق الدولة التفاقية االستثمار
282
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
غالبا ما يقع الخلط بين المطالبات االتفاقية والمطالبات العقدية ،األمر الذي يستوجب
التمييز بينهما (أوال) مع ما يترتب عن ذلك من آثار قانونية أمام هيئات التحكيم(ثانيا).
283
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وي مكن أن يتداخل موضوع المطالبات االتفاقية مع المطالبات العقدية ،فمثال المستثمر
الذي يستفيد من الحق في التعويض نتيجة مصادرة استثماره بناء على اتفاقية االستثمار
يمكن أن يستفيد كذلك من ذات الحق في العقد المبرم مع الدولة المستضيفة لالستثمار،
فعندما مصادرة االستثمار يمكن للمستثمر المطالبة بالتعويض بناء على خرق االتفاقية وفي
ذات الوقت يمكنه تقديم نفس المطالبة لخرق حقوقه المنصوص عليها في العقد.
ويمكن للدولتين الطرفين في االتفاقية الثنائية لالستثمار االتفاق على احترام االلتزامات
المنصوص عليها في العقد المبرم مع المستثمر المنتمي للبلد اآلخر ،وهو يطلق عليه بشرط
المظلة ( ،)Umbrelle clauseومن ثمة يمكن اعتبار الحقوق المنصوص عليها في العقد
المبرم بين المستثمر والبلد المستضيف لالستثمار بمثابة حقوق اتفاقية.
-1أطراف المطالبة
إن طرفي المطالبة المبنية على خرق الحقوق االتفاقية هما البلد المستضيف لالستثمار
والمستثمر الذي ينتمي إلى البلد الطرف اآلخر في االتفاقية الدولية لالستثمار.
والدولة الطرف هي الدولة نفسها وليست الوالية الفدرالية أو الجهوية أو أية جهة أو
شركة الدولة ،ويتعين في هذا الخصوص التمييز بين االختصاص الشخصي ratione
personaeالوارد في االتفاقية الثنائية لالستثمار واالختصاص العام الوارد في الفقرتين
األولى والثالثة من المادة 15من اتفاقية واشنطن المنشئة ل CIRDIالتي نصت على
التحكيم في منازعات االستثمار بين المستثمر وكل مؤسسة أو جهة مكونة للدولة الطرف في
االتفاقية .1كما ينط بق األمر حتى في حالة عدم وجود أي ارتباط مباشر بين المستثمر و
1
L’article 25 du Convention de Washington dispose que :
«1- La compétence du Centre s’étend aux différends d’ordre juridique entre un Etat contractant (ou telle
collectivité publique ou tel organisme dépendant de lui qu’il désigne au Centre) et le ressortissant d’un autre
Etat contractant qui sont en relation directe avec un investissement et que les parties ont consenti par écrit à
soumettre au Centre. Lorsque les parties ont donné leur consentement, aucune d’elles ne peut le retirer
…unilatéralement
3- Le consentement d’une collectivité publique ou d’un organisme dépendant d’un Etat contractant ne peut
être donné qu’après approbation par ledit Etat, sauf si celui-ci indique au Centre que cette approbation n’est
pas nécessaire… ».
284
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
الدولة ،إذ يمكنه متابعة هذه األخيرة ،مثال ،بسبب سوء المعاملة التي تعرض لها استثماره من
قبل مؤسسة تابعة للدولة ،و في جميع األحوال ،عندما يتقدم المستثمر األجنبي بدعوى مبنية
على خرق اتفاقية االستثمار ،من قبل سلطة حكومية غير الدولة (كالجماعات المحلية أو
مؤسسات عمومية أو شركات الدولة) فإنه يتعين عليه تبرير أن الدولة مسؤولة عن هذا
التصرف طبقا للقانون الدولي ،وب التالي فإن مبدأ مسؤولية الدولة ،أو اإلجراءات المتخذة
من قبل أجهزتها الداخلية ،التي يمكن نسبتها إلى الدولة وفقا للقانون الدولي العام ،غالباً ما
تكون عنص ار أساسيا في تحديد المطالبة المبنية على خرق االتفاقية.
وقد كانت مبادئ مسؤولية الدولة محل جدل و نقاش أمام لجنة القانون الدولي)،(CDI
و في هذا الشأن فإن قضية Maffeziniتعتبر مثاال للسؤال المطرح حول ما إذا كانت
الدعاوى المقدمة في مواجهة وكالة جهوية تابعة للدولة يمكن أن تنسب إلى الدولة.1
وفي المقابل فإن أطراف المطالبة المبنية على خرق بنود العقد هم أطراف العقد نفسه،
وبالتالي فإذا أبرم مستثمر أجنبي عقد مع الدولة المستضيفة فإن األطراف في المطالبة
المبنية على خرق االتفاقية هم نفسهم عندما يتعلق األمر بالمطالبة المبنية على خرق العقد.
ومجمل القول ،أن الدولة المستضيفة لالستثمار تكون ،دائما ،طرفا في المطالبة المبنية
على خرق االتفاقية ،في حين ال تكون في المنازعة المبنية على خرق العقد إال في حالة ما
إذا كانت هي الطرف الموقع على العقد مع المستثمر.
يعد القانون الواجب التطبيق من بين المعايير التي تميز المطالبات االتفاقية عن
المطالبات العقدية ،فالقانون الواجب التطبيق في المطالبات األولى هي المقتضيات
المنصوص عليها في اتفاقية االستثمار ذاتها ،كالقانون الوطني للبلد المستقبل لالستثمار أو
1
قضية السيد Emilio Agustín Maffeziniضد الدولة االسبانية قضية CIRDIتحت عدد ،ARB/97/7حكم تحكيمي في االختصاص بتاريخ
15يناير 1111وحكم تحكيمي في الموضوع بتاريخ 31نونبر .1111
285
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
المبادئ العامة للقانون الدولي ،1في حين أن القانون الواجب التطبيق في المطالبات الثانية
هو القانون الوطني للبلد المستضيف لالستثمار أو القانون الذي تحدده األطراف المتعاقدة.
وبالتالي فإن هذا التمييز يهم على الخصوص دور القانون الدولي ،فالمطالبات االتفاقية
سيتم مناقشتها من قبل محاكم التحكيم أخذا بعين االعتبار االجتهادين الفقهي والقضائي
خاصة في ميدان القانون الدولي العام ،في حين أن المطالبات العقدية يمكن مناقشتها وفقا
لتشريع البلد المستضيف لالستثمار والسيما القوانين المنظمة للعقود اإلدارية.
يترتب عن تقديم دعوى بناء على خرق الدولة لبنود اتفاقية االستثمار قيام مسؤوليتها
في القانون الدولي ،في حين أن تقديم دعوى في مواجهة الدولة بناء على خرق العقد يثير
مسؤوليتها العقدية وفقا للقانون الوطني.
ويمكن أن تتداخل طبيعة مسؤولية الدولة سواء عند خرق بنود اتفاقية االستثمار أو عند
خرق شروط العقد ،فمسؤولية الدولة عند خرق بنود العقد وفقا للقانون الوطني يمكن أن تثير
في نفس الوقت المسؤولية الدولية للدولة عندما تكون مقرونة باستنفاد جميع طرق الطعن
الداخلية وبإنكار العدالة.
و يعتبر بعض الفقه المقارن أن خرق الدولة لبنود "عقد الدولة" يمكن أن يرتب ،في
بعض الحاالت ،المسؤولية الدولية المباشرة للدولة(.)2
و فيما يتعلق بما إذا كان للمستثمر الحق في االختيار بين المطالبات االتفاقية أو
المطالبات العقدية أو إمكانية اللجوء إليهما في ذات الوقت ،فإننا نرى أنه يمكن اللجوء إلى
هاتين المطالبتين في نفس الوقت ،بناء على الشروط المحددة في المقتضيات المنظمة
لتسوية المنازعات فيها ،فكل من اتفاقية االستثمار و العقد يعتبران مصدرين مستقلين و
1
انظر في هذا الخصوص المادة 5من االتفاقية الثنائية لالستثمار المبرمة بين اسبانيا واألرجنتين والمادة 9من االتفاقية الثنائية لالستثمار بين
فرنسا واألرجنتين.
2
R. J. Jennings : « State Contracts in International Law », 37 British Yearbook, 1961, p. 156.
286
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
منفصلين للحقوق و المستثمر يمكنه استعمال كليهما ،و هو ما أكده الحكم التحكيمي
الصادر عن الهيئة التحكيمية في قضية Vivendiضد دولة األرجنتين.1
يترتب عن الخلط بين المطالبات المبينة على خرق بنود اتفاقية االستثمار والمطالبات
المبنية على خرق العقد إلى اعتبار الحكم التحكيم باطال ،و هو ما جسده الحكم التحكيم
الصادر في قضية الشركة الفرنسية Vivendiضد األرجنتين ،2وبالرجوع إلى هذه القضية
يتبين أن الشركة المذكورة تقدمت بطلب تحكيم أمام CIRDIبناء على كون األرجنتين خرقت
بنود اتفاقية االستثمار الموقعة بين هذه الدولة و فرنسا (المادتين 1و ،)5كما يربط الشركة
المستثمرة عقد امتياز ( )Contrat de concessionمع والية ،Tucumanو تمنح اتفاقية
االستثمار الحق للمستثمر في اختيار اللجوء إلى CIRDIمن أجل تسوية المنازعات الناشئة
عن االستثمار في حين أن العقد المذكور يشترط اللجوء إلى المحاكم اإلدارية لوالية
Tucumanللنظر في المنازعات التعاقدية.
هذا ،و لم ترتكز الجهة المدعية ،بصفة أساسية ،في طلبها التحكيمي على التصرفات
الصادرة عن األرجنتين من أجل تبرير خرق مقتضيات المادتين 1و 5من اتفاقية االستثمار
بين األرجنتين و فرنسا و إنما ارتكزت على التصرفات الصادرة عن والية ،Tucumanو
هذا ال يثير أي إشكال فيما يتعلق بمسؤولية الدولة ،من منطلق أن في الدولة الفيدرالية
تتحمل جميع التصرفات الصادرة عن الوالية التابعة لها ،في القانون الدولي العام ،تتحملها
1
قضية شركة Vivendiضد دولة األرجنتين ،CIRDI ARB/97/3 ،الحكم التحكيمي الصادر عن الهيئة الحرة المكلفة بدعوى البطالن بتاريخ 1
يوليوز ،1111إذ جاء في الفقرتين 35و 31ما يلي:
«95.En ce qui concerne la relation entre la rupture de contrat et la violation du traité en l'espèce, il convient
de souligner que les articles 3 et 5 du TBI ne se rapportent pas directement à la rupture d'un contrat
municipal. Ils établissent plutôt une norme indépendante. Un État peut violer un traité sans rompre un contrat,
et vice versa….
96… la question de savoir s'il y a eu violation du TBI et s'il y a eu violation du contrat sont des questions
différentes. Chacune de ces réclamations sera déterminée par référence à sa propre loi propre ou applicable -
dans le cas du TBI par le droit international; dans le cas du contrat de concession, par le droit propre du
» …contrat
2
الحكم التحكيمي الصادر عن CIRDIبتاريخ 13نونبر 1111في القضية عدد .ARB/97/3
287
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
التي تزعم أنها، هذا باإلضافة إلى أن جميع التصرفات الصادرة عن الوالية المذكورة،1الدولة
لدى فإن تحديد خروقات االتفاقية يستلزم تقييم، ترتبط بعقد االمتياز،خرقت اتفاقية االستثمار
.لسلوكيات أطراف عقد االمتياز
اعتبرت الهيئة التحكيمية أنه1111 نونبر13 وفي حكمها التحكيمي الصادر بتاريخ
فإنه من الصعوبةTucuman بالنظر إلى طبيعة النزاع القائم بين الشركة المدعية و والية
تحديد ماهية التصرفات الصادرة عن الوالية بصفتها السيادية وتلك الصادرة باعتبارها طرفا
و أن المحكمة، و اعتبرت أن جميع مزاعم الشركة الفرنسية ترتبط بالعقد،في عقد االمتياز
و هو ما يخالف ما اتفق حوله األطراف،التحكيمية للنظ ر في النزاع يتعين عليها تفسير العقد
في، لتخلص الهيئة التحكيمية،بمنح هذا االختصاص للمحاكم اإلدارية للوالية المذكورة
طبقا، إلى أن الجهة المخول لها النظر في النزاع الناتج عن العقد المذكور،األخير
، بصفة استثنائية، هي،للمقتضيات المنظمة لتسوية المنازعات الواردة في العقد المذكور
.2Tucuman المحاكم االدارية لوالية
ومن خالل استقراء الحكم التحكيمي السابق يتضح أن هيئة التحكيم كانت غير صائبة
لوقوعها في خلط بين المطالبات المرتكزة على اتفاقية االستثمار والمطالبات المبنية على
إذ أن الشركة لم تتقدم بأية مطالب عقدية وإنما فقط مطالب ترتبط بخرق بنود االتفاقية،العقد
1
James Crawford : « The International Law Commission's Articles on State Responsibility: Introduction, Text
and Commentaries », Cambridge University Press, 2002, p.97.
2
: من الحكم التحكيمي ما يلي13 و11 جاء في الفقرتين
« … .11“[The] actions of the Province of Tucumán on which the Claimants rely for their position attributing
liability to the Argentine Republic are closely linked to the performance or non-performance of the parties
under the concession contract. The Tribunal concludes, accordingly, that all of the issues relevant to the legal
basis for these claims against [the Republic of Argentina] arose from disputes between Claimants and
Tucumán concerning their performance and nonperformance under the concession contract…
79. Here it is clear that, given the nature of the dispute between Claimants and the Province of Tucumán, it is
not possible for this Tribunal to determine which actions of the Province were taken in exercise of its sovereign
authority and which in the exercise of its rights as a party to the concession contract considering, in particular,
that much of the evidence presented in this case has involved detailed issues of performance and rates under
the concession contract. To make such determinations, the Tribunal would have to undertake a detailed
interpretation and application of the concession contract, a task left by the parties to that contract to the
exclusive jurisdiction of the administrative courts of Tucumán”.
288
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
والبحث عن هذه الخروقات يستوجب القيام بتفسير لبنود العقد ،و هو ما خلصت إليه هيئة
التحكيم الحرة المكلفة بالنظر في دعوى البطالن المقدمة من قبل المستثمر في حكمها
الصادر بتاريخ 1يوليوز 1111التي قضت ببطالن الحكم التحكيمي الصادر بتاريخ 13
نونبر .11111
ويتبين مما سبق أن قضية شركة Vivendiتعتبر مثاال حيا للخلط الذي يمكن أن تقع
فيه هيئة التحكيم بين المطالبات االتفاقية و تلك المبنية على خرق العقد ،فاألولى تحدد بناء
على مصدرها و موضوعها و القانون الواجب التطبيق عليها وطبيعة مسؤولية البلد المضيف
لالستثمار و التي تختلف تماما عن المطالبات الثانية.
ال يعتبر التمييز بين المطالبات االتفاقيات و المطالبات العقدية دائما ممكنا ،خاصة
عند تنصيص اتفاقية االستثمار على شرط المظلة ( ،)Clause de parapluieو هو
الشرط الذي يستعمل في الغالب من أجل منح حماية إضافية للمستثمر ،و بناء على هذا
الشرط تلتزم الدولة المستقبلة لالستثمار في اتفاقية االستثمار باحترام جميع االلتزامات الناشئة
عن العقود المبرمة مع المستثمر ،2و من ثمة فإن مخالفة الدولة لبنود العقد يرفعها إلى
مصاف مخالفتها لبنود اتفاقية االستثمار ،ويطلق عليها شرط المظلة ألنها تضع االلتزامات
1
جاء في الفقرتين 311و 315من الحكم التحكيمي الصادر بتاريخ 1يوليوز 1111ما يلي:
.311“In the Committee's view, it is not open to an ICSID tribunal having jurisdiction under a BIT in respect of a
claim based upon a substantive provision of that BIT, to dismiss the claim on the ground that it could or should
…have been dealt with by a national court
105. …[I]t is one thing to exercise contractual jurisdiction (arguably exclusively vested in the administrative
tribunals of Tucumán by virtue of the concession contract) and another to take into account the terms of a
contract in determining whether there has been a breach of a distinct standard of international law, such as
that reflected in Art.3 of the BIT”.
2
Anthony C. Sinclair : “The Origins of the Umbrella Clause in the International Law of Investment Protection”,
20 Arb. Int., (2004), p. 411-434
289
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
التعاقدية تحت "مظلة" الحماية التي تمنحها اتفاقية االستثمار للمستثمر و بمقتضى هذه
الشروط فإن مخالفة العقد تصبح مخالفة التفاقية االستثمار.1
ومن جملة هذه الشروط ما تضمنته الفقرة 3من المادة 31من معاهدة ميثاق الطاقة
( )Traité sur la Charte de l’Énergieالتي نصت على أنه يتعين على كل دولة
احترام جميع التزاماتها التعاقدية التي أبرمتها مع المستثمر.2
و يثير شرط المظلة مجموعة من النقاشات الناتجة عن موقف هيئات التحكيم من
تفسيره ،فمن جهة ،هناك بعض الهيئات التحكيمية التي تعتمد التفسير الضيق ( in dubio
)mitiusلهذا الشرط ،و ذلك بغية تفضيل الدولة عن المستثمر األجنبي ،من منطلق أن
الدولة تتمتع بالسيادة ،3و في هذا االطار فقد فسرت هيئة التحكيم في قضية شركة SGS
ضد الباكستان شرط المظلة تفسي ار ضيقا معتبرة أنه يتعين على الجهة المدعية االدالء
بالتبريرات الواضحة و المقنعة بأن إرادة أطراف اتفاقية االستثمار اتجهت نحو رفع المنازعات
المتعلقة بالعقد موضوع النزاع إلى مصاف مخالفة االتفاقية ،وأن شرط احترام االلتزامات
الوارد في االتفاقية ال يشير إلى العقود التي أبرمتها الباكستان و بما أن الجهة المدعية لم
تدل بمبررات واضحة و مقنعة بذلك فإن هيئة التحكيم قضت برفض طلب الشركة المستثمرة
الرامي إلى النظر في المنازعات المتعلقة بالعقد4؛
1
See Katia Yannaca-Small : « Improving the System of Investor-State Dispute Settlement », OECD Working
Papers on International Investment, 2006/01 (OECD Publishing 2006).
2
جاء في الفقرة 3من المادة 31من معاهدة ميثاق الطاقة ما يلي:
« … Chaque partie contractante respecte les obligations qu’elle a contractées vis-à-vis d’un investisseur ou à
l’égard des investissements d’un investisseur d’une autre partie contractante ».
3
M. Petsche : «Restrictive Interpretation of Investment Treaties: A Critical Analysis of Arbitral Case Law »,
Journal of International Arbitration, 2020, Volume 37 Issue 1, p. 1 .
4
جاء في الفقرتين 311و 311من الحكم التحكيمي في االختصاص عن CIRDIفي قضية شركة SGSضد الباكستان بتاريخ 1غشت 1111
ما يلي:
« 166- Firstly, textually, Article 11 falls considerably short of saying what the Claimant asserts it means. The
“commitments” the observance of which a Contracting Party is to “constantly guarantee” are not limited to
contractual commitments. )(175
The commitments referred to may be embedded in, e.g., the municipal
]legislative or administrative or other unilateral measures of a Contracting Party. The phrase “constantly [to
guarantee the observance” of some statutory, administrative or contractual commitment simply does not to our
290
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ومن جهة أخرى فإن بعض هيئات التحكيم اعتمدت التفسير الموسع لشرط المظلة إذ
اعتبرت هذا األخير يرفع المخالفات العقدية إلى مصاف المخالفات االتفاقية وحسب هذه
الهيئة فإنه يتعين التمييز بين احترام الدولة اللتزاماتها وتنفيذها كالعقود المبرمة مع المستثمر
وبين موضوع ومحتوى هذه االلتزامات فالمسائل المتعلقة بمحتوى هذه االلتزامات تبقى ذات
.1طبيعة عقدية والتي يجب تسويتها وفقا للقانون الوطني الواجب التطبيق
mind, necessarily signal the creation and acceptance of a new international law obligation on the part of the
Contracting Party, where clearly there was none before. Further, the “commitments” subject matter of Article 11
may, without imposing excessive violence on the text itself, be commitments of the State itself as a legal
person, or of any office, entity or subdivision (local government units) or legal representative thereof whose
acts are, under the law on state responsibility, attributable to the State itself. As a matter of textuality therefore,
the scope of Article 11 of the BIT, while consisting in its entirety of only one sentence, appears susceptible of
almost indefinite expansion. The text itself of Article 11 does not purport to state that breaches of contract
alleged by an investor in relation to a contract it has concluded with a State (widely considered to be a matter
of municipal rather than international law) are automatically “elevated” to the level of breaches of international
treaty law. Thus, it appears to us that while the Claimant has sought to spell out the consequences or
inferences it would draw from Article 11, the Article itself does not set forth those consequences.
167.Considering the widely accepted principle with which we started, namely, that under general international
law, a violation of a contract entered into by a State with an investor of another State, is not, by itself, a
violation of international law, and considering further that the legal consequences that the Claimant would have
us attribute to Article 11 of the BIT are so far-reaching in scope, and so automatic and unqualified and
sweeping in their operation, so burdensome in their potential impact upon a Contracting Party, we believe that
clear and convincing evidence must be adduced by the Claimant. Clear and convincing evidence of what?
Clear and convincing evidence that such was indeed the shared intent of the Contracting Parties to the Swiss-
Pakistan Investment Protection Treaty in incorporating Article 11 in the BIT. We do not find such evidence in
the text itself of Article 11. We have not been pointed to any other evidence of the putative common intent of
the Contracting Parties by the Claimant.
1
ARB/02/6 ضد الفليبين في القضية عددSGS في قضية شركةCIRDI من الحكم التحكيمي في االختصاص عن319 جاء في الفقرة
: ما يلي،1110 يناير13 بتاريخ
« 128. To summarize the Tribunal's conclusions on this point, Article X(2) makes it a breach of the BIT for the
host State to fail to observe binding commitments, including contractual commitments, which it has assumed
with regard to specific investments. But it does not convert the issue of the extent or content of such
obligations into an issue of international law. That issue (in the present case, the issue of how much is payable
for services provided under the CISS Agreement) is still governed by the investment agreement. In the
absence of other factors it could be decided by a tribunal constituted pursuant to Article VIII(2). The proper law
of the CISS Agreement is the law of the Philippines, which in any event this Tribunal is directed to apply by
Article 42(1) of the ICSID Convention. On the other hand, if some other court or tribunal has exclusive
jurisdiction over the Agreement, the position may be different. »
291
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
يتولد عن تعدد الجهات المختصة للنظر في المنازعات الناتجة عن مخالفة الدولة لبنود
اتفاقية االستثمار وضعيات متناقضة ومتضاربة بين هذه الجهات القضائية ،1مما ينعكس
سلبا على الدولة مستقبلة االستثمار ،وبالتالي تشكل مخاطر عليها ،األمر يتطلب البحث عن
اآلليات الكفيلة بتجاوز هذه الصعوبات.
ولتجنب هذه المخاطر حاولت مجموعة من االتفاقيات الدولية لالستثمار معالجة هذه
المسألة وذلك من خالل التنصيص على أن للجهة المدعية االختيار بين اللجوء إلى المحاكم
القضائية أو التحكيم الدولي ،أو التنازل عن جميع الطلبات أمام أيه جهة كيفما كانت ،كشرط
أولي ،قبل اللجوء إلى التحكيم الدولي ،غير أن هذه المقتضيات لم تستطع تفادي وتجاوز
هذه المخاطر المتمثلة في تعدد المساطر القضائية لكونها لم تميز بين ما إذا كان األمر
يتعلق بالمطالبات المبنية على االتفاقية أو تلك المبنية على العقد.
292
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
يعرف كذلك بمبدأ ( ،)Electa una viaو ينص هذا البند على أنه بمجرد قيام المستثمر
بعرض النزاع أمام المحاكم الوطنية فإنه ال يمكن له اللجوء إلى التحكيم الدولي ،و العكس
كذلك صحيح ،و من ثمة فإن اختيار الجهة القضائية للنظر في النزاع يجب أن يكون نهائيا
و ال يمكن للمستثمر بعد استنفاد االختيار األول اللجوء إلى االختيار الثاني.
والهدف من هذا الشرط هو تفادي وتجنب حاالت عدم القدرة على التنبؤ التي يمكن أن
تترتب عن نظام حل النزاعات ،باإلضافة إلى هذا الشرط جاء تفعيال لمبدأ عدم جواز
المحاكمة على ذات الجرم مرتين ( ،)Ne bis in idemوما يترتب عن ذلك من صدور
أحكام متناقضة بخصوص نفس المسألة وبين نفس األطراف.
وتفعيال لهذا الشرط فإن هيئات التحكيم تعتمد على بعض المؤشرات التي تمكنها من
معرفة ما إذا كان المستثمر قد قام باختيار نهائي وملزم للمحكمة ،من جملتها أن تكون
اإلجراءات قد اتخذت أمام المحاكم الوطنية و ليس مجرد تدابير إدارية( ،)1و أن تكون هذه
التدابير قد اتخذت قبل تقديم طلب التحكيم ،و أن تتعلق هذه اإلجراءات بنفس سبب الدعوى
والموضوع و بين نفس األطراف ،و بالتالي فإذا كان المستثمر يريد تقديم مطالبة تحكيمية
بناء على خرق اتفاقية االستثمار ،فلن يتم استبعاد هذه المطالبة بموجب الشرط إال إذا كانت
المساطر الداخلية تتعلق أيضا بانتهاك مزعوم لحق ُمنح للمستثمر في ذات اتفاقية
االستثمار ،كما يجب أن تكون الدولة أيضا هي الجهة المدعى عليه أمام المحاكم الوطنية.
ومما سبق ،وعلى الرغم من أن االتفاقيات الدولية من خالل الشرط المتحدث عنه
تحاول تفادي لجوء المستثمر إلى أكثر من جهة قضائية غير أن هذه المقتضيات تعد غير
a) l'investisseur consent à l'arbitrage conformément aux modalités établies dans le présent accord; et si
b) l'investisseur et une entreprise d'une autre Partie qui est une personne morale que l'investisseur détient ou
contrôle directement ou indirectement renoncent à leur droit d'engager ou de poursuivre, devant une juridiction
judiciaire ou administrative aux termes du droit d'une Partie, des procédures se rapportant à la mesure de la
Partie contestante que l'on allègue constituer une violation mentionnée à l'article 1116, à l'exception d'une
procédure d'injonction, d'une procédure déclaratoire ou d'un autre recours extraordinaire, ne supposant pas le
paiement de dommages-intérêts, entrepris devant une juridiction administrative ou judiciaire aux termes du
» droit de la Partie contestante.
1
الحكم التحكيمي الصادر عن CIRDIفي القضية عدد ARB/16/6بتاريخ 11غشت 1133في قضية شركة Glencoreضد كولومبيا
( )Chronique des sentences arbitrales, B. Remy, JDI n°1, janvier 2020, chron, 1
293
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
كافية و مبهمة إذ لم تحدد ما إذا كان األمر يتعلق بالمطالبات االتفاقية أو جميع الدعاوى
المتعلقة بالنزاع أي كان مصدره ،و بعبارة أخرى هل المقتضيات المتعلقة باختيار المحكمة
تطبق فقط على المطالبات المبنية على خرق االتفاقية أم يجب االختيار النهائي و بدون
رجعة بين المطالبات المبنية على خرق االتفاقية وتلك المبنية على خرق العقد؟
وبالرجوع إلى المادة 9من اتفاقية االستثمار المبرمة بين فرنسا واالرجنتين يتضح أن
المستثمر ملزم باالختيار بين المحاكم الوطنية أو التحكيم الدولي بالنسبة ل "جميع النزاعات
المرتبطة باالستثمار" ،مما يفيد أن المستثمر ال يمكنه اللجوء إلى محاكم مختلفة من أجل
النظر سواء في الدعاوى المرتبطة باالتفاقية أو تلك المرتبطة بالعقد والناتجة عن نفس النزاع
المرتبط باالستثمار.
أما فيما يتعلق بالمادة 3313من اتفاقية ALENAالتي اشترطت قبل اللجوء إلى
التحكيم الدولي تنازل المدعي عن اللجوء إلى المحاكم الوطنية ،تفاديا الزدواجية الدعاوى
المق دمة أمام محاكم مختلفة للنظر في ذات النزاع ،فإن بعض محاكم التحكيم ،في تفسيرها
لهذه المادة ،اعتبرت أنه ال يمكن للجهة المدعية تقديم ،في ذات الوقت ،دعاوى لها نفس
المصدر مما قد يترتب عنه بعض المخاطر المتمثلة في استفادة المدعي من امتياز مزدوج
و هو نفس التبرير الذي اعتمدته الهيئة التحكيمية ،الموكول 1
بخصوص التعويض و الفوائد
لها النظر في النزاع الذي كان قائما بين شركة Wast Managementوالمكسيك ،2لما
استبعدت مطالب الجهة المدعية المرتكزة على كون مقتضيات المادة المشار إليها أعاله ال
تطبق على الدعاوى المقدمة أمام المحاكم المكسيكية بالنسبة للمطالب المرتكزة على خرق
المكسيك للحقوق المرتبطة بالقانون الوطني.
1
- 15 ICSID Review-Foreign Investment Law Journal 214 (2000) at pp.235–236.
-2الحكم التحكيمي الصادر عن CIRDIبتاريخ 1يونيو 1111في القضية عدد .ARB/98/2
294
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
االستثمار (المطلب األول) مما يمكن المستثمر من اللجوء إلى الهيئات المختصة للمطالبة
بالتعويض وفق المراحل المحددة في اتفاقية االستثمار (المطلب الثاني).
المطلب األول :الحقوق المطالب لها عند قيام المسؤولية الدولية للدولة
قبل تحديد المستثمر للحقوق المطالب بها عند خرق الدولة لبنود اتفاقية االستثمار
(الفقرة الثانية) يتعين عليه اثبات أن العملية االقتصادية موضوع النزاع تعتبر استثما ار وفقا
لمضامين هذه االتفاقية ،األمر الذي يستوجب البحث عن مفهوم االستثمار (الفقرة األولى).
وإذا كانت اتفاقيات االستثمار وضعت تعريفا شامال و عاما لالستثمار و ذلك من
خالل وضع الئحة غير حصرية لالستثمارات فإنها اختلفت في تحديد عناصره ،1و مرد هذا
االختالف سكوت اتفاقية واشنطن في هذا الخصوص و عدم وضعها لتعريف لالستثمار 2إذ
حصرت الفقرة األولى 3من المادة 15من االتفاقية المذكورة مجال اختصاص CIRDIفي
كل "المنازعات ذات الطابع القانوني الناشئة مباشرة عن االستثمار" ،3ليتضح و بالرجوع إلى
1
D. Carreau : « Répertoire de droit international, Investissements », Dalloz 2020, § 87.
2
C. LEBEN : « Répertoire de droit international, Compétence CIRDI » Dallaz 2020, § 59.
3جاء في الفقرة 3من المادة 15من اتفاقية واشنطن ما يلي:
(1) La compétence du Centre s’étend aux différends d’ordre juridique entre un Etat contractant (ou telle
collectivité publique ou tel organisme dépendant de lui qu’il désigne au Centre) et le ressortissant d’un autre
Etat contractant qui sont en relation directe avec un investissement et que les parties ont consenti par écrit à
soumettre au Centre.
Lorsque les parties ont donné leur consentement, aucune d’elles ne peut le retirer unilatéralement
295
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
تاريخ صياغة االتفاقية المذكورة فإنه و باستثناء المعامالت التجارية العادية ،فإن المادة 15
تشمل تقريبا جميع المجالت ذات النشاط االقتصادي.1
و في ظل غياب تعريف اتفاقي لالستثمار فإن محاكم التحكيم بما فيها المؤسسة وفقا
لنظام CIRDIاختلفت بل تضاربت حول مفهوم االستثمار ،معتمدة في ذلك على اتجاهين،
االتجاه األول تبنى المعيار الموضوعي أو المستقل) )3( (critère objectifبينما االتجاه
الثاني تبنى المعيار الشخصي أو االتفاقي (.)1()Critère subjectif
-3المعيار الموضوعي
تبنت مجموعة من هيئات التحكيم المعيار الموضوعي في تحديد مفهوم االستثمار،
وهو المعيار الذي يقوم على أساس البحث في مضمون وموضوع العملية االقتصادية
موضوع النزاع و ذلك من خالل توفر مجموعة من العناصر الموضوعية التي تفيد
"االستثمار" ،و هو ذات المعيار الذي تبناه متصرفي البنك الدولي ( Les
.2) administrateurs de la Banque Mondiale
ومن بين الق اررات التحكيمية التي تبنت المعيار الموضوعي ،القرار الصادر بتاريخ 31
فبراير 3333في قضية شركة Antoine Goetzضد جمهورية بروندي ،والقرار الصادر
بتاريخ 31أبريل 1111في قضية شركة Middle East Shipping and Handling
ضد الدولة المصرية.
غير أن معالم مفهوم االستثمار بدأت تتجلى ،ابتداء من سنة 1113بمناسبة صدور
حكم تحكيمي في االختصاص ( )Décision sur la compétenceفي قضية شركة
1
Christoph Schreuer : « Commentary on the ICSID Convention », 11 ICSID Review–Foreign Investment Law
Journal 318 (1996) p. 358.
2جاء في الفقرة 11من التقرير الصادر عن متصرفي البنك الدولي ما يلي:
« Il n’a pas été jugé nécessaire de définir le terme « investissement », compte tenu du fait que le
consentement des parties constitue une condition essentielle et compte tenu du mécanisme par lequel les
Etats contractants peuvent, s’ils désirent, indiquer à l’avance les catégories de différends qu’ils seraient ou ne
» ))seraient pas prêts à soumettre au Centre (article 25(4
296
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
"ساليني" ضد الدولة المغربية بتاريخ 31يوليو 11113إذ حددت هيئة التحكيم العملية
االستثمار عند توفر أربعة عناصر موضوعية ،و هي كالتالي:
و قد تباينت محاكم التحكيم في األخذ بهذه المعايير ،فمنها من اعتمدها في مجملها ،و
نذكر من بينها الحكم الصادر في قضية شركة Bayindirضد باكستان بتاريخ 35نونبر
1115و الحكم الصادر في قضية شركة Jan de Nulضد مصر بتاريخ 31يونيو
1111و الحكم في االختصاص الصادر بتاريخ 3نونبر 1111في قضية Patrick
Mitchellوالكونغو الديمقراطية والمقرر التحكيمي الصادر بتاريخ 31ماي 1111في
قضية MHSضد ماليزيا و القرار الصادر بتاريخ 13يونيو 1111في قضية Power
Group L Cضد االكوادور ،2و الحكم الصادر في قضية شركة Noble energyضد
االكوادور بتاريخ 5مارس ،1119في حين أخذ البعض اآلخر بالعناصر الثالثة األولى،
من بينها الحكم التحكيمي الصادر سنة 1111في قضية LESIضد دولة الجزائر إذ
استبعدت هيئة التحكيم العنصر المرتبط بالمساهمة في التنمية االقتصادية في البلد المضيف
1
Emmanuel Gaillard : « La jurisprudence du CIRDI », Volume I, Editions A. Pedone Paris, Edition Alpha
Beyrouth, 2011, p. 621.
2
Walid Ben Hamida : « La notion d’investissement : la notion maudite du système CIRDI ? », Gazette du
Palais, 15 novembre 2007, n° 349, p.33 (.
297
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
1
Affaire LESI SPA et Astaldi SPA c. Algérie, dossier CIRDI n° ARB/05/3, ordonnance de compétence datée
de 12 juillet 2006, par. 72.
2
Affaire Saba Fakes c. Turkie, CIRDI dossier n° ARB/07/20, sentence datée de 14 juillet 2010, par. 110-
114.
3
Emmanuel Gaillard : « La jurisprudence du CIRDI », Volume I, Editions A. Pedone Paris, Edition Alpha
Beyrouth, 2011, p. 621
4
جاء في القفرة 333من الحكم التحكيمي ما يلي:
"it would run counter to the object and purpose of investment protection treaties to deny substantive protection
to those investments that would violate domestic laws that are unrelated to the very nature of investment
regulation".
5
(النقطة 311من القرار التحكيمي)( :طبقا للترجمة إلى اللغة الفرنسية الواردة في المرجع السابق)
« Le but du mécanisme international de protection des investissements par l’arbitrage CIRDI ne peut être de
protéger les investissements effectués en violation des lois de l’Etat d’accueil ou les investissements qui ne
sont pas réalisés de bonne foi, obtenus par exemple à la suite de fausses représentations, dissimulations ou
298
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
للبلد المضيف العملية االقتصادية موضوع النزاع إلى مقتضيات القانون الداخلي
emo " و هذا الشرط يتماشى و المقولـة القديـمة،)Condition de la légalité interne(
التي تفيد أنه ال يمكن ألي شخص،1"auditur propriam turpitudinem alleagans
كما أن هذا الشرط يحيلنا على نظرية في،أن يستفيد من دناءته من أجل اللجوء إلى القضاء
.2القانون الدولي و هي "نظرية األيادي النظيفة" كشرط لقبول المطالبات الدولية
،أما بخصوص الشرط الثاني المتمثل في ضرورة القيام بالعملية االقتصادية بحسن نية
من القرار) أنه ال311 النقطةPhoenix) فقد اعتبرت ذات محكمة التحكيم في قضية
بالنسبةCIRDI يمكن اعتبار الدول خاضعة لنظام تسوية المنازعات المعتمد من قبل
.3لالستثمارات التي لم تنجز بحسن نية
وأضافت هيئة التحكيم أن االستثمارات المنجزة طبقا للمبدأ الوارد في القانون الدولي
المتمثل في حسن نية هي التي يمكن أن تستفيد من نظام حماية االستثمارات الدولية المعتمد
.4CIRDI من قبل
par corruption ou s’analysant en un abus de système d’arbitrage international CIRDI. En d’autres termes, le
but de la protection internationale est de protéger les investissements légaux et réalisés de bonne foi ».
1
Adages du droit français, l’Hermes, 1986, p.579.
2
Des « mains propres » comme condition de recevabilité des réclamations internationales, Jean Salmon,
AFDI, vol. 10 1964, 225
3
: من حكم التحكيم ما يلي311 جاء في النقطة
« Les Etats ne peuvent pas être considérés comme offrant l’accès au système des différends du CIRDI aux
investissements qui ne sont pas réalisés de bonne foi, la protection de l’arbitrage international des
investissements ne peut être accordée si une telle protection est contraire aux principes généraux du droit
international, au rang desquels le principe de bonne foi est de première importance ».
: من الحكم التحكيمي ما يلي331 جاء في الفقرة4
« Le tribunal doit éviter l’utilisation abusive du système de protection des investissements internationaux en
application de la convention CIRDI en s’assurant que seuls les investissements réalisés en conformité avec le
principe international de bonne foi et qui ne tentent pas de faire un mauvais usage du système, sont
protégés ».
5
S. Manciaux : « Chroniques des sentences arbitrales », JDI, n°2, avril 2011, chron.5.
299
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
لعلة أن المستثمر خالف القوانين الخاصة بدولة غانا ،المتعلقة بالقانون الجنائي و قانون
الشركات ،و اعتبرت أن االستثمار غير شرعي ،و بالتالي ال يمكنه االستفادة من الحماية
المنصوص عليها في اتفاقية االستثمار.1
هذا ومما تجدر اإلشارة إليه أن اتفاقية االستثمار المبرمة بين المغرب والسويد،
اشترطت لصحة االستثمار أن يكون مطابقا للقانون الوطني للبلد المستضيف له ،إذ جاء في
الفقرة الثالثة من المادة األولى ما يلي:
" ويجب أن تتم هذه االستثمارات وفقا لقوانين وأنظمة البلد المضيف"
-2المعيار الشخصي
يتوقف تحديد مفهوم االستثمار ،حسب المعيار الشخصي ،على ما اتفق عليه األطراف
في االتفاقية الدولية لالستثمار ،TBIومن ثمة فإن اختصاص المركز ينعقد بمجرد ما يتفق
األطراف على اللجوء إلى التحكيم ،صراحة أو ضمنيا ،سواء في العقد أو في اتفاقية
االستثمار أو في القانون الوطني المتعلق باالستثمار ،وبمقتضى هذا االتفاق يعتبر أطراف
أن العملية موضوع النزاع تشكل استثمارا.
وفي هذا اإلطار نستحضر القرار الصادر عن محكمة التحكيم في قضية شركة
Biwaterضد دولة تانزانيا التي اعتبرت أنه ليس هناك ما يلزم التقيد بالمعايير الخمسة
المعتمدة في قضية ،Saliniوأن هذه المعايير غير قارة وغير ملزمة وال وجود لها في اتفاقية
واشنطن.2
كما اعتبرت الهيئة التحكيمية في قضية شركة Biwaterأن المعايير المعتمدة في
قضية Saliniتثير مجموعة من اإلشكاالت إذ يجب العتبار عملية ما بمثابة استثمار و
بالتالي تدخل في نطاق اختصاص CIRDIأن تتضمن هذه المعايير ،ما من شأنه أن يبعد
بطريقة "تعسفية" بعض المنازعات من اختصاص المركز المذكور ،كما من شأن ذلك وضع
1
الفقرات 311و 313و 311من حكم التحكيم.
2
Affaire société Biwater Gauff c. Tanzanie, dossier CIRDI n° ARB/05/22, sentence de 24 juillet 2008, par.
312-314.
300
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
تعاريف لالستثمار في مخالفة لما تم االتفاق بين األطراف ،فمن غير المفهوم أن مجموعة
من االتفاقيات الدولية الثنائية وضعت تعريفا لالستثمار أكثر شمولية من التعريف الممنوح
في قضية Saliniو أن يتم قراءة تعريف االستثمار في اتفاقية واشنطن بشكل ضيق
ومحصور.
ويتبين مما سبق أن بعض هيئات التحكيم استبعدت المعايير المعتمدة في قضية
Saliniمن أجل تحديد مفهوم االستثمار وبالتالي استبعاد المعيار الموضوعي وفضلت
االعتماد على التعريف الوارد في االتفاقية الدولية لالستثمار المطبقة في النزاع.
وفي األخير ،وأمام عدم وجود تعريف اتفاقي لالستثمار و تضارب هيئات التحكيم في
تحديده فإنه يقع على عاتق الجهة المدعية عبء اثبات عملية ما بمثابة استثمار ،وبالتالي
انعقاد اختصاص هيئة التحكيم.3
يختلف تحكيم االستثمار عن التحكيم التجاري الدولي التقليدي بشكل كبير ،لكون األول
يرتكز على اتفاقيات االستثمار المبرمة بين الدول ،ثنائية كانت أو جماعية ،أكثر من ارتكازه
1
Affaire société Malaysian Historical c. Malaysie, dossier CIRDI n° ARB/05/10, décision datée de 16 avril
2009, par. 79.
2
Affaire société Abaclat and others c.Argentine, dossier CIRDI n° ARB/07/5, décision datée de 4 aout 2011,
par. 364.
3
الحكم التحكيمي الصادر عن CIRDIبتاريخ 30يوليوز 1111في قضية شركة Azurixضد األرجنتين
301
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
على العقود الخاصة كما هو الحال في التحكيم التجاري الدولي ،وهذا االرتكاز االتفاقي
(اتفاقية االستثمار) ومشاركة الدولة كطرف أساسي فيه يجعل من القانون الدولي العام اللبنة
األساسية في تحكيم االستثمار.
وانطالقا من كون اتفاقيات االستثمار تهدف إلى حماية وتشجيع االستثمار فإنها تضمن
للمستثمر مجموعة من الحقوق التي تلتزم الدولة المستضيفة الستثماره باحترامها ،وتضمن
هذه الحقوق للمستثمر المعاملة الفضلى والمثلى الستثماره ورفع جميع الصعوبات القانونية
والسياسية التي من شأنها عرقلة تدفق االستثمارات أو تعريضها للخطر ،غير أن تحديد هذه
الحقوق وحصرها يرتبط بالمصطلحات المستعملة في اتفاقيات االستثمار ،التي يختلف شكلها
من اتفاقية إلى أخرى.
و من خالل االطالع على اتفاقيات االستثمار الدولية ،فإن هذه الحقوق محددة و
محصورة ،و التي تشكل من الناحية العملية أساس المطالبات المقدمة من قبل المستثمر في
مواجهة الدولة ،كما أن االجتهادات التحكيمية في تطور مستمر فيما يتعلق بالتوسع في
مضمون الحقوق المستمدة من اتفاقية االستثمار.
نصت االتفاقيات الدولية لالستثمار على الحق في المعاملة األكثر أفضلية و الحق في
المعاملة الوطنية ،غير أن هناك بعض االتفاقيات التي ضمنتهما في شرط واحد ،كما هو
الحال في بعض االتفاقيات المبرمة من قبل المغرب كاالتفاقية المبرمة مع إيطاليا1و االتفاقية
1جاء في المادة 1المعنونة ب شرط الدولة األكثر رعاية والمعاملة الوطنية من االتفاقية المبرمة بين المغرب و إيطاليا المؤرخة في 11سبتمبر
( 3331ج.ر عدد 0939بتاريخ 1غشت 1111ص ،)1319ما يلي:
" -3على كل طرف متعاقد أن يمنح فوق اقليمه استثمارات وعائدات المستثمرين من الطرف المتعاقد اآلخر معاملة ال تقل عن تلك التي يمنحها
الستثمارات و عائدات المستثمرين التابعبن له و الستثمارات و عائدات المستثمرين التابعين ألي دولة ثالثة.
302
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
المبرمة مع السويد 1في حين هناك اتفاقيات أخرى نصت على كل حق من هاذين في بند
مستقل.
ونظ ار لالختالف بين هاذين الحقين سنقوم بعرض كل حق على حدى ،و ذلك وفق
الشكل التالي:
يقوم هذا الحق على أساس عدم تمييز الدولة المستقبلة لالستثمار بين المستثمرين بناء
على الجنسية ،ويقوم هذا الحق على أساس التزام الدولة المستضيفة الستثماره بمنح المستثمر
األجنبي نفس المعاملة التي يستفيد منها مستثمري هذه الدولة ،وهذا االلتزام يمنح المستثمر
األجنبي حماية ضد بعض التصرفات التي من شأنها وضع المستثمر األجنبي في وضعية
تنافسية أقل بالمقارنة من المستثمر الوطني.
-1على كل طرف متعاقد أن يمنح فوق إقليمه لمستثمري الطرف المتعاقد اآلخر فيما يخص اإلدارة ،والصيانة واالنتفاع ،والتمتع أو التصرف في
استثماراتهم ،معاملة ال تقل رقاية عن تلك التي يمنحها للمستثمرين التابعين له أو للمستثمرين التابعين لدولة ثالثة.
-1ال يجوز لمستثمري الطرفين المتعاقدين االستفادة من المعاملة الوطنية فيما يخص االنتفاع من اإلعانات والقروض والتأمينات والضمانات التي
تقدمها حكومة أحد الطرفين المتعاقدين حص ار إلى رعاياها أو لشركاتها في إطار أنشطة برامج التنمية الوطنية.
-0ال يجوز لمستثمري الطرفين المتعاقدين االستفادة من المعاملة الممنوحة لمستثمري دولة ثالثة من قبل الطرفين المتعاقدين في نطاق اتحاد
جمركي أو سوق مشتركة أو منطقة للتبادل الحر أو اتفاقية جهوية أو شبه جهوية أو اتفاق اقتصادي دول ي متعدد األطراف أو اتفاق مبرم بين أحد
الطرفين .المتعاقدين وبين دولة ثالثة من أجل تجنب االزدواج الضريبي أو من أجل تسهيل التجارة على الحدود".
1
جاء في المادة الثالثة من اتفاقية االستثمار المبرمة بين المغرب والسويد بتاريخ 11سبتمبر ( 3331ج.ر عدد 5101المؤرخة في 35يونيو
1113ص ،)1110 :ما يلي:
" -3ال يجب أن تخضع االستثمارات المنجزة من طرف رعايا أو شركات أحد الطرفين المتعاقدين فوق تراب الطرف المتعاقد اآلخر لمعاملة أقل
أفضلية من تلك التي تمنح لالستثمارات التي تنجز فوق تراب هذا الطرف من قبل رعايا أن شركات دول أخرى.
-1بالرغم من مقتضيات الفقرة ، 3إذا أبرم طرف متعاقد معاهدة مع دولة أو عدة دول تتعلق بإنشاء اتحاد جمركي أو منطقة للتبادل الحر أو
معاهدة إلرساء اتفاق للتعاون االقتصادي الموسع قائم على اعتبارات خاصة سيكون ح ار في منح معاملة أكثر أفضلية لالستثمارات المنجزة من
طرف رعايا أو شركات الدولة أو الدول المنظمة لهذا االتفاق كذلك أو من طرف رعايا أو شركات بعض هذه الدول .كما يكون كل طرف متعاقد ح ار
في منح معاملة أكثر أفضلية لالستثمارات المنجزة من طرف رعايا أو شركات دول أخرى ،إذا كانت هذه المعاملة منصوصا عليها في اتفاقيات
ثنا ئية أبرمت مع هذه الدول قبل تاريخ التوقيع على هذا االتفاق.
-1ال ينبغي أن تؤول مقتضيات الفقرة 3من هذه المادة بشكل يجبر أحد الطرفين المتعاقدين على تمتيع مستثمري الطرف المتعاقد اآلخر بأية
معاملة أو تفضيل أو امتياز مترتب عن اتفاقية ما أو تسوية دولية تتعلق كلي ا أو في معظمها بالضريبة أو عن تشريع وطني معين يتعلق كليا أو في
معظمه بالضريبة".
303
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ومراقبة ما إذا كان الحق في المعاملة الوطنية الممنوحة للمستثمر قد تمت مخالفته ام
ال ،يمر من مرحلتين:
بداية يتعين التأكد ما إذا كان المستثمر األجنبي والمستثمر المحلي موضوع المقارنة
يمكن أن يكونا فعال موضوع المقارنة ذاتها ،ومن أجل ذلك يتعين البحث ما إذا كان
المستثمرين يمارسان نفس النشاط أو أن مجال معامالتهما متقارب بما يكفي إلجراء هذه
المقارنة.
وبعد ذلك يتعين أن يكون التصرف الصادر عن البلد المستضيف لالستثمار قد وضع
المستثمر األجنبي في وضعية أقل أفضلية من وضعية المستثمر الوطني.
و قد اختلفت هيئات التحكم في تحديد ما إذا المستثمر ملزم باإلدالء بما يفيد نية الدولة
في اتخاذ االجراء التمييزي ،بين مؤيد لذلك 1و بين رافض له ،2و في جميع األحوال يمكن
للدولة أن تبرر أن اتخاذ هذا االجراء كان ألسباب شرعية والرتباطها بالمصلحة العامة ،وهو
ما قضت به هيئة التحكيم في قضية شركة Gamiضد المكسيك.3
يعتبر شرط المعاملة األكثر أفضلية أو شرط الدولة األكثر رعاية من الشروط التقليدية
و الكالسيكية في قانون االتفاقيات ،و يضمن هذا الحق للمستثمر األجنبي معاملة ال تقل
أفضلية عن تلك الممنوحة من قبل البلد المستضيف لالستثمار لباقي المستثمرين األجانب
اآلخرين و إن كانوا ينتمون إلى بلد آخر ما دام أن البلد تربطه اتفاقية استثمار مع البلد
المستضيف لالستثمار ،و بعبارة أخرى ،في حالة ما إذا كانت اتفاقية االستثمار المبرمة بين
الدولة "أ" و الدولة "ب" (االتفاقية )3تتضمن شرط المعاملة األكثر أفضلية و أن الدولة "أ"
1
الحكم التحكيم الصادر عن CIRDIفي القضية عدد ARB/02/8بتاريخ 1فبراير 1111في قضية شركة Siemensضد األرجنتين.
2
الحكم التحكيمي الصادر عن CIRDIفي القضية عدد ARB/99/2بتاريخ 15يونيو 1113في قضية شركة Geninضد استونيا.
3
الحكم التحكيمي الصادر عن الهيئة التحكيمية الحرة وفقا لقواعد اليونسترال و NAFTAبتاريخ 35نونبر 1110في قضية شركة Gamiضد
المكسيك ،و في نفس النهج الحكم التحكيمي الصادر عن الهيئة التحكيمية الحرة وفقا لقواعد اليونسترال و NAFTAبتاريخ 31نونبر 1111في
قضية شركة Myersضد كندا.
304
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
أبرمت اتفاقية استثمار مع الدولة "ج" (االتفاقية )1التي تتضمن مجموعة من االمتيازات
أكثر من تلك الواردة في االتفاقية ،3فإن المستثمرين المنتمين للدولة "ب" يمكنهم االستفادة
االمتيازات الواردة في االتفاقية 1في مواجهة الدولة "أ" ،و االستفادة من االمتيازات يشمل
جميع االتفاقيات التي أبرمتها الدولة "أ" بما في ذلك االتفاقية الجماعية.
وعلى خالف األمر بالنسبة للحق المتمثل في المعاملة الوطنية فإن هذا الحق يمنح
حماية للمستثمر األجنبي ضد بعض التصرفات التي من شأنها وضعه في وضعية تنافسية
أقل من باقي المستثمرين اآلخرين.
و مما سبق فإنه بناء على شرط المعاملة األكثر أفضلية يمكن للمستثمر أن يستفيد من
المعاملة العادلة و المنصفة المنصوص عليها في اتفاقية أخرى الموقعة بين البلد
المستضيف الستثماره و بلد آخر ،1كما يمكن بناء على هذا الشرط أن يستفيد المستثمر من
طريقة احتساب التعويض عن مصادرة استثماره األكثر أفضلية الوارد في اتفاقية استثمار
أخرى طرفها الدولة المستضيفة لالستثمار.2
1
الحكم التحكيمي في االختصاص الصادر عن CIRDIبتاريخ 30نونبر 1115في القضية عدد ARB/03/29بين شركة Bayindirضد
الباكستان.
2
الحكم الحكيمي الصادر عن الهيئة التحكيمية الحرة وفقا لقواعد اليونسترال بتاريخ 30مارس 1111بين شركة CMEضد التشيك.
3
الحكم التحكيمي الصادر عن CIRDIفي القضية ع§دد ARB/99/2بتاريخ 15يونيو 1113في قضية شركة Geninضد استونيا.
305
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
يجعل مفهوم المعاملة العادلة و المنصفة مفهوما مرنا 1مما يسمح بإدخال مجموعة من
التصرفات الصادرة عن الدولة في سلة خرق هذا الحق ،لذلك فال عجب أن نجده من بين
الوسائل األكثر استعماال من قبل المستثمر في دعاواه التحكيمية.
و قد تضمنت اتفاقيات االستثمار التي أبرمها المغرب هذا الشرط ،كمثال على ذلك
المادة 1من اتفاقية االستثمار المبرمة مع ايطاليا بتاريخ 11سبتمبر ،)2( 3331التي جاء
فيها ما يلي:
" -3يقوم كل طرف متعاقد بتشجيع المستثمرين التابعين للطرف المتعاقد اآلخر للقيام
باالستثمارات فوق اقليمه ،و يرخص بهذه االستثمارات وفق قوانينه وأنظمته الجاري بها
العمل.
ويتضح من خالل االطالع على األحكام التحكيمية الصادرة في هذا الشأن أن
التصرفات الصادرة عن الدولة و التي يمكن اعتبارها مخالفة للمعاملة العادلة و المنصفة
يمكن إجمالها في صنفين :التصرفات الصادرة عن الدولة التي تمس مباشرة بأموال أو
مصالح المستثمر األجنبي (أ) و التصرفات التي تمس باالنتظارات المشروعة للمستثمر(ب).
يتبين من خالل االطالع على مجموعة من األحكام التحكيمية ،أن هيئات التحكيم
كيفت التصرفات الصادرة عن الدولة و الماسة مباشرة بأموال أو مصالح المستثمر تعتبر
مخالفة لشرط المعاملة العادلة والمنصفة لمساسها ،و من لين هذه التصرفات إنكار المحاكم
1
الحكم التحكيمي الصادر عن CIRDIفي القضية عدد ARB/00/3بتاريخ 11أبريل 1110في قضية شركة Wasteضد المكسيك.
2
هذه االتفاقية منشورة في الجريدة الرسمية عدد 0939بتاريخ 1غشت 1111ص :1319
306
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
الوطنية للعدالة أو عدم احترامها لقواعد المحاكمة العادلة 1و متابعة المستثمر في إطار
دعوى قضائية غير شفافة لعدم تبليغه بها 2و قيام السلطات العمومية ببعض التصرفات التي
يمكن تصنيفها كأنها تحرش إداري 3السحب غير المبرر للترخيص 4مخالفة الدولة اللتزاماتها
التعاقدية اتجاه المستثمر.5
بناء على شرط المعاملة العادلة والمنصفة يمكن للمستثمر األجنبي أن يطالب الدولة
بالتعويض لمساسها بانتظاراته المشروعة ،6وقد تعددت حاالت االنتظارات المشروعة
للمستثمر بين عدم تحقق انتظاراته المبنية على دراسات توقعية اعتمد فيها على إطار قانوني
و مؤسساتي الذي كان ساريا في البلد المستضيف لالستثمار قبل االستثمار فيه 7وبين عدم
احترام الدولة المستضيفة لالستثمار اللتزاماتها أو تصريحاتها التي قدمتها الدولة من أجل
جلب االستثمار األجنبي.8
1
الحكم التحكيمي الصادر عن CIRDIفي القضية عدد ARB/98/3بتاريخ 11يونيو 1111في قضية شركة Loewenضد أمريكا.
لالطالع أكثر على مسؤولية الدولة إلنكارها العدالة المرجو االطالع على:
L. C. Delanoy et T. Prtwood : « La responsabilité de l’Etat pour déni de justice dans l’arbitrage
d’investissement », Rev., Arb., 2005-3, p.603.
2
الحكم التحكيمي الصادر عن CIRDIفي القضية عدد ARB/99/6بتاريخ 31أبريل 1111في قضية شركة Cementضد مصر.
الحكم التحكيمي الصادر عن CIRDIوفقا لقواعد NAFTAفي القضية عدد ARB(AF)/97/1بتاريخ 11غشت 1111في قضية شركة
Talbotضد كندا.
3
الحكم الحكيمي الصادر عن الهيئة التحكيمية الحرة وفقا لقواعد NAFTAبتاريخ 13ماي 1111بين شركة Techmadضد المكسيك.
4
الحكم التحكيمي الصادر عن CIRDIفي القضية عدد ARB/00/2بتاريخ 31أبريل 1111في قضية شركة Cementضد مصر.
5
الحكم التحكيمي الصادر عن CIRDIوفقا لقواعد NAFTAفي القضية عدد ARB(AF)/99/2بتاريخ 33أكتوبر 1111في قضية شركة
Mondevضد أمريكا.
الحكم التحكيمي الصادر عن CIRDIفي القضية عدد ARB/00/6بتاريخ 11ديسمبر 1111في قضية شركة RFCCضد المغرب.
6
أول حكم تحكيمي قضى بالتعويض بناء على المساس باالنتظارات المشروعة للمستثمر الحكم الصادر عن CIRDIفي القضية عدد
ARB/00/2بتاريخ 13ماي 1111في قضية شركة Tecmedضد المكسيك.
7
الحكم التحكيمي الصادر عن CIRDIفي القضية عدد ARB/01/8بتاريخ 31ماي 1115في قضية شركة CMSضد األرجنتين؛
الحكم التحكيمي الصادر عن CIRDIفي القضية عدد ARB/02/1بتاريخ 1أكتوبر 1111في قضية شركة LG&Eضد األرجنتين.
8
W.M Reisman et M.H Arsanjani : « The question of unilateral Governmental statements as applicable law in
investmnt disputes », rev. CIRDI, 2004, p.328.
307
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
تتضمن اتفاقيات االستثمار بندا بمقتضاه تلتزم الدولة المستضيفة لالستثمار بحماية
المستثمر األجنبي ضد مصادرة أو نزع ملكية االستثمار ،ومثال على هذا الشرط ذلك الوارد
في المادة 5من اتفاقية االستثمار المبرمة بين المغرب وإيطاليا ،التي جاء فيها ما يلي:
" -3ال يخضع مستثمرو الطرفين المتعاقدين ألي إجراء دائم أو مؤقت يحد من حق
الملكية أو الحيازة أو الرقابة أو االنتفاع باستثماراتهم إال إذا كانت تسمح به القوانين و
األنظمة الجاري بها العمل أو كان ذلك ناتجا عن قرار قضائي.
-1ال يمكن الستثمارات الطرفين المتعاقدين أو استثمارات مستثمريها أن تؤمم أو تنزع
ملكيتها أو تخضع لتدابير ذات أثر مماثل للتأميم أو نزع الملكية فوق إقليم الطرفين
المتعاقدين إال إذا كام ذلك:
-من أجل المنفعة العامة؛
-و على أساس غير تمييزي ووفق إجراء قانوني؛
-و مقابل تعويض سريع ،عادل و مناسب".
و المادة الرابعة من اتفاقية االستثمار المبرمة بين المغرب و السويد التي جاء فيها ما
يلي:
" -3ال ينبغي ألي أحد من الطرفين المتعاقدين اتخاذ إجراءات التأميم أو نزع الملكية
أو أي إجراء له نفس المفعول يجرد بشكل مباشر أو غير مباشر ،رعايا أو شركات
الطرف المتعاقد اآلخر من االستثمار أو مداخيل مرتبطة به أو ايراد ناتج عن تصفيته
راجع للمستثمر إال في حالة توفر الشروط التالية:
-أن تتخذ هذه االجراءات في إطار المصلحة العامة و وفق الشكليات التي يتطلبها
القانون؛
-أن تكون هذه اإلجراءات غير تمييزية؛
308
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
-أن تكون هذه اإلجراءات مصحوبة باألداء المعجل و المناسب و الفعلي لتعويض
يكون قابال للتحويل طبقا لمقتضيات المادة 5الواردة أسفله.
-1إذا تعرض مستثمر و أحد الطرفين المتعاقدين لخسارة استثمار فوق تراب الطرف
المتعاقد اآلخر من جراء حرب أو نزاع مسلح أو حالة طوارئ وطنية أو ثورة أو تمرد أو
شغب فإنهم يمنحون فيما يخص أي إرجاع أو تعويض أو مقاصة أو تسوية أخرى،
معاملة ال تقل أفضلية عن التي تمنح لمستثمري دولة ثالثة .و ستكون األداءات المترتبة
عن ذلك قابل للتحويل طبقا لمقتضيات المادة 5المشار إليها أسفله".
و يتضح مما سبق أن البنود المنظمة لعدم المصادرة أو عدم نزع الملكية ال تمنع
الدولة عن اتخاذ هذه اإلجراءات بل يتعين عليها ،فقط ،احترام الشروط المحددة في اتفاقية
االستثمار ،و من ثمة ففي حالة مصادرة استثمار أجنبي (مباشرة كانت أو بطريقة غير
مباشرة) أو نزع ملكيته لسبب يتعلق بالمصلحة العامة وغير تمييزي فإنه يتعين على الدولة و
الحالة هاته تعويض المستثمر تعويضا عادال و مناسبا.
تبين من الرجوع إلى غالبية البنود التي تحدد نظام تسوية المنازعات الناشئة عن
االستثمارات و الواردة في اتفاقية االستثمار أنها هذه التسوية تمر عبر مرحلتين أساسيتين،2
1
الحكم التحكيمي الصادر عن CIRDIفي القضية عدد ARB/95/3بتاريخ 31فبراير 3333في قضية شركة Goetzضد البوراندي.
2
من بين هذه الشروط نجد المادة 9من االتفاقية المبرمة بين المغرب و إيطاليا ،بتاريخ 39يونيو ،3331حول تشجيع و حماية االستثمارات على
وجه التبادل (ج.ر عدد 0939بتاريخ 1غشت ،)1111التي جاء فيها ما يلي:
" -3كل أنواع المنازعات أو الخالفات ،بما في ذلك المنازعات المتعلقة بمبلغ التعويض الواجب أداؤه عن نزع الملكية أو التأميم أو اإلجراءات
المماثلة ،التي تنشأ بين أحد الطرفين المتعاقدين ومستثمر عن الطرف اآلخر فيما يتعلق باستثمار خاص بالمستثمر المذكور فوق إقليم الطرف
المتعاقد األول ،تتم تسويتها قدر اإلمكان ،بالتراض؛
-1إذا لم تتم تسوية مثل هذه المنازعات بالتراضي في غضون ستة شهور من تاريخ طلب التسوية ،يمكن للمستثمر المعني أن يعرض النزاع على:
أ) المحكمة المختصة للطرف المتعاقد المعني باألمر؛
ب) محكمة حكيم لهذا الغرض وفقا لنظام التحكيم للجنة األمم المتحدة للقانون التجاري الدولي؛
309
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
المرحلة األولى تتمثل في التسوية الودية للنزاع عن طريق التشاور والتفاوض (الفقرة األولى)
في حين المرحلة الثانية تتمثل في اختيار الجهة التي سيعرض أمامها النزاع (الفقرة الثانية).
تشترط بعض اتفاقيات االستثمار عند قيام نزاع بين المستثمر األجنبي و الدولة
المستقبلة لالستثمار أن يتم تسوية هذا النزاع عن طريق التفاوض و االستشارة ،و ذلك في
إطار الوقاية من المنازعة ،و تعتبر هذه المرحلة مهمة و ضرورية إذ تحاول خاللها
األطراف ،بحسن نية ،التفاوض فيما بينها من أجل إيجاد حل ودي للنزاع أو البحث عن
وسيلة ودية أخرى للتسوية كالتوفيق أو الصلح و تعتبر هذه المرحلة كإجراء أخير من أجل
ايجاد حل و دي للنزاع و المحافظة على العالقة فيما بين األطراف 1قبل اللجوء إلى التحكيم
الدولي ،وعلى الرغم من أنه في غالب األحوال ال تؤدي هذه المرحلة إلى التسوية الودية
للنزاع.
و الجدير بالتذكير أن أغلب اتفاقيات االستثمار المبرمة من قبل المغرب تنص على
ضرورة تسوية النزاع مع الدولة المستقبلة لالستثمار مباشرة بالتراضي كمرحلة تسبق اللجوء
إلى سواء إلى المحاكم الوطنية أو هيئات التحكيم ،2في حين أن الجيل الجديد من هذه
االتفاقيات اشترطت قبل اللجوء إلى التحكيم ضرورة المرور عبر مرحلة التفاوض و التشاور
و ذلك عن طريق لجنة مشتركة ،و نذكر على سبيل المثال االتفاقية الموقعة مع نيجريا
بتاريخ 1ديسمبر ،1131إذ نصت في المادة 11منها على أنه في حالة قيام نزاع بين
ت) المركز الدولي لتسوية منازعات االستثمار من أجل تطبيق إجراءات التحكيم المنصوص عليها في اتفاقية تسوية منازعات االستثمار بين الدول
ومواطني الدول األخرى ومواطني الدول األخرى الموقع عليها في واشنطن بتاريخ 39مارس .3315
-1يمتنع الطرفان المتعاقدان عن معالجة كل مشكل يتعلق بالتحكيم أو بمسطرة قضائية جارية بالطرق الدبلوماسية ،ما داكت هذه اإلجراءات لم تنته
بعد ،و ما دام أحد الطرفين المعنيين لم يذعن لحكم محكمة التحكيم أو لمحكمة عادية تم اختيارها ،ضمن آجال التنفيذ المحددة في الحكم أو ضمن
اآلجال التي يتم تحديدها على أساس نظام القانون الدولي أو الوطني المطبق في مثل هذه الحالة.
2
جاء في الفقرة 3من المادة 9من اتفاقية االستثمار المبرمة بين المغرب و إيطاليا ما يلي:
" -3كل أنواع المنازعات أو الخالفات ،بما في ذلك المنازعات المتعلقة بمبلغ التعويض الواجب أداؤه عن نزاع الملكية أو التأميم أو اإلج ارءات
المماثلة ،التي تنشأ بين أحد الطرفين المتعاقدين ومستثمر عن الطرف المتعاقد اآلخر فيما يتعلق باستثمار خاص بالمستثمر المذكور فوق إقليم
الطرف المتعاقد األول ،تتم تسويتها قدر اإلمكان ،بالتراضي؛"
310
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وفق مجموعة،الطرفين يتعين حله عن طريق االستشارة و التفاوض بواسطة هيئة مشتركة
من الشكليات المحددة في هذه المادة وأن اللجوء إلى التحكيم الدولي ال يكون إال بعد مرور
أشهر من تاريخ تقديم الطلب أمام هذه الهيئة دون حصول صلح و بعد استنفاذ جميع1
و نفس المقتضيات نصت،1المساطر أمام المحاكم الوطنية للبلد المستضيف لالستثمار
9 من اتفاقية االستثمار الموقعة بين المغرب و اليابان بتاريخ0 و1 و1 عليها الفقرات
.21111 يناير
1
(لإلشارة هذه االتفاقية لم يتم المصادقة عليها أمام البرلمان1131 من اتفاقية االستثمار المبرمة بين المغرب ونيجريا لسنة11 جاء في المادة
: ما يلي،)المغربي
«1) Before initiating an eventual arbitration procedure, any dispute between the Parties shall be assessed
through consultations and negotiations by the Joint Committee.
2) A Party may submit a specific question of interest of an investor to the Joint Committee:
a) To initiate the procedure, the Party of the interested investor shall submit, in writing, its request to the Joint
Committee, specifYing the name of the interestedinvestor and the encountered challenges and difficulties;
b) The joint Committee shall have 90 days, extendable by mutual agreement by 60 additional days, upon
justification, to submit relevant information about the presented case;
c) In order to facilitate the search for a solution between the Parties, whenever possible, the following shall
participate in the bilateral meeting:
- Representatives of the Investor;
- Representatives of the Parties or non-party entities involved in the measure or situation under consultation.
d) The procedure for dialogue and bilateral consultation ends by the initiative of any Party upon presentation of
summarized report in the subsequent Joint Committee meeting, that shall include:
- Identification of the Party;
- Identification of the Investors;
Description of the measure under consultation; and
- Position of the Parties concerning the measure.
3) The Joint Committee shall, whenever possible, call for special meetings to review the submitted matters.
4) The meeting of the Joint Committee and all documentation, as well as steps taken in the context of the
mechanism established in this Article, shall remain confidential, except for the submitted reports.
5) If the dispute cannot be resolvedwithin six (6) months from the date of the written request for consultations
and negotiations, the investor may, after the exhaustion of local remedies or the domestic courts of host State,
resort to international arbitration mechanisms. »
(لإلشارة هذه االتفاقية لم يتم المصادقة1111 يناير9 من اتفاقية االستثمار المبرمة بين المغرب و اليابان بتاريخ0 و1 و1 جاء الفقرات-2
: ما يلي،)عليها أمام البرلمان المغربي
« 1. Subject to subparagraph 6(b), nothing in this Article shall be construed so as to prevent an investor who is
a party to an investment dispute (hereinafter referred to in this Article as “disputing investor”) from seeking
311
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
و تتميز هذه المرحلة بمجموعة من الشكليات التي يتعين على الجهة الطالبة احترامها
كتوجيه كتاب إلى البلد المستضيف تعبر فيه عن رغبتها في تسوية المنازعة عن طريق
وهو األجل الذي،التراضي طبقا لمقتضيات اتفاقية االستثمار و ذلك داخل أجل محدد
و التبليغ يجب أن يكون بالطرق الرسمية غير أن بعض،تختلف مدته من اتفاقية إلى أخرى
.1هيئات التحكيم اعتبرت أن مجرد توجيه خطاب يكفي العتباره تبليغا
يتعين على المستثمر انتظار مرور هذه المدة،وبتبليغ الكتاب إلى البلد المستضيف
وخالل هذه المرحلة يمكن أن تجرى مفاوضات و مشاورات،قبل اللجوء إلى المرحلة الموالية
ففي حالة نجاح هذه المرحلة و ذلك من خالل إيجاد حل ودي،بين الطرفين المتنازعين
للنزاع فإن هذا النزاع يوضع له حد نهائي و ال يمكن للمستثمر مباشرة أية متابعة سواء أمام
طالما أن عقد الصلح يتضمن شرطا ينص على تنازل،المحاكم القضائية أو هيئات التحكيم
.المستثمر عن جميع المتابعات المرتبطة باالستثمار موضوع الصلح
أما في حالة عدم نجاح أو عدم التوصل إلى صلح طيلة المدة المحددة في اتفاقية
.االستثمار فإن المستثمر يمكنه اللجوء إلى المرحلة الموالية
administrative or judicial settlement within the Territory of the Contracting Party that is a party to the investment
dispute (hereinafter referred to in this Article as “disputing Party”).
.1Any investment dispute shall, as far as possible, be settled amicably through consultations and negotiations
conducted in good faith between the disputing investor and the disputing Party (hereinafter referred to in this
Article as “the disputing parties”). To this end, the disputing investor shall deliver to the disputing Party a
written request for consultations setting out a brief description of facts regarding the measure or measures at
issue. The consultation shall be commenced no later than thirty days after the date of its receipt by the
disputing Party. Nothing in this paragraph precludes the use of nonbinding, third party procedures, such as
good offices, conciliation or mediation.
4. If the investment dispute cannot be settled through such consultations within six months from the date of the
receipt by the disputing Party of a written request for consultations pursuant to paragraph 3, the disputing
investor may, subject to subparagraph 6(b), submit the investment dispute to one of the following international
arbitrations:.. »
1
يونيو1 بتاريخARB/08/5 ضد االكوادور في القضية عددBurlington في قضية شركةCIRDI الحكم في االختصاص الصادر عن
.)111 (الفقرة1131
312
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ومما سبق فإن ل لمستثمر الحق في االختيار الجهة التي سيعرض أمامها النزاع والذي
غالبا ما يكون االختيار في التحكيم الدولي ،سواء كان تحكيما خاصا Ad Hocأو تحكيما
مؤسساتيا ،وفي الحالة األخيرة يتعين تحديد مركز التحكيم.
ومن الناحية العملية ،فإن غالبية اتفاقيات االستثمار تشترط التحكيم المؤسساتي أمام
،CIRDIو هو ما ال يثير االستغراب ما دام أن هذا المركز انشأ خصيصا لتنظيم المنازعات
الناشئة عن االستثمار بين الدول و مواطني الدول األخرى ،كما يمكن هذه االتفاقيات أن
تتضمن إمكانية اللجوء إلى التحكيم الحر وفقا لنظام التحكيم المعتمد لدى لجنة األمم المتحدة
للقانون التجاري الدولي المعروفة اختصا ار ب CNUDCIأو وفقا لقواعد التحكيم المعتمدة
من قبل غرفة التجارة الدولية بباريس .CCI
في حين أن بعض اتفاقيات االستثمار تمنح للمستثمر االختيار بين مؤسسة التحكيم أو
قواعد التحكيم بينما البعض اآلخر فإن االختيار يكون بالتوافق بين األطراف المتنازعة.
313
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
فيتعلق بموافقة الدولة على اللجوء إلى التحكيم ،وهو ما يعتمد على مضامين اتفاقية
االستثمار (ب).
و قد اختلفت اتفاقيات االستثمار في تحديد الحاالت التي يمكن فيها للجهة المدعية
عرض النزاع على المحاكم الوطنية قبل اللجوء إلى التحكيم الدولي ،و التي يمكن تحديدها
في ثالثة حاالت ،و هي كما يلي:
-3بعض االتفاقيات تسمح للمستثمر اللجوء إلى التحكيم الدولي في حالة عدم صدور
حكم عن المحاكم الوطنية داخل أجل محدد ،و من بين هذه االتفاقيات نذكر على سبيل
المثال اتفاقية االستثمار المبرمة بين األرجنتين وهوالندا المؤرخة في 11أكتوبر ،3331إذ
جاء في الفقرة 1من المادة 31على أنه بعد مرور 39شهر من تاريخ عرض النزاع على
1
Joachim Pohl, Kekeletso Mashigo & Alexis Nohen : « Dispute Settlement Provisions in International
Investment Agreements: A Large Sample Survey », OECD Working Papers on International Investment,
2012/02.
2
جاء في المادة 11من اتفاقية واشنطن ما يلي:
« Le consentement des parties à l’arbitrage dans le cadre de la présente Convention est, sauf stipulation
contraire, considéré comme impliquant renonciation à l’exercice de tout autre recours. Comme condition à son
consentement à l’arbitrage dans le cadre de la présente Convention, un Etat contractant peut exiger que les
» recours administratifs ou judiciaires internes soient épuisés.
3
C. Schreuer, Calvo's Grandchildren : “The Return of Local Remedies in Investment Arbitration : The law and
Practice of International Courts and Tribunals”, 2005, spéc. p. 16.
314
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
و لم يصدر حكم قضائي نهائي أو أن األطراف ال زالت في1 المحاكم الوطنية طبقا للفقرة
.1 يمكن للمستثمر اللجوء إلى التحكيم الدولي،النزاع
بعض االتفاقيات ال تسمح للمستثمر باللجوء إلى التحكيم الدولي إال في حالة ما-1
إذا كان الحكم القضائي الصادر عن المحاكم الوطنية لم يتمكن من الفصل النهائي في
إذ جاء،1111 االتفاقية المبرمة بين استراليا و الفلبين لسنة، من بين هذه االتفاقيات،النزاع
على أنه في حالة استمرار النزاع بين األطراف بعد مرور ستة3 من المادة1 في الفقرة
.2أشهر يمكن للمستثمر أن عرضه نزاعه على التحكيم الدولي
في حين هناك بعض اتفاقيات االستثمار التي تشترط قبل اللجوء إلى التحكيم أن-1
يكون الحكم القضائي الصادر عن المحاكم الوطنية مخالف لمبادئ القانون الدولي أو غير
االتفاقية المبرمة، و من جملة هذه االتفاقيات،عادل بشكل صارخ أو يشكل انكا ار للعدالة
3 في المادة1 إذ جاء في الفقرة،3331 فبراير13 بين إيطاليا و األوروغواي المؤرخة في
حكما مخالفا،1 المشار إليها في الفقرة،على أنه في ما إذا أصدرت المحكمة الوطنية
1
: من اتفاقية االستثمار المبرمة بين األرجنتين و هوالندا ما يلي1 و1 جاء في الفقرتين
« 2) If such disputes cannot be settled according to the provisions of paragraph (1) of this article within a
period of three months from the date on which either party to the dispute requested amicable settlement, either
party may submit the dispute to the administrative or judicial organs of the Contracting Party in the territory of
which the investment has been made.
3) If within a period of eighteen months from submissions of the dispute to the competent organs mentioned in
paragraph (2) above, these organs have not given a final decision or if the decision of the aforementioned
organs has been given but the parties are still in dispute, then the investor concerned may resort to
international arbitration or conciliation. Each Contracting Party hereby consents to the submission of a dispute
as referred to in paragraph (1) of this Article to international arbitration. »
: من اتفاقية االستثمار المبرمة بين استراليا و الفليبين ما يلي3 من المادة1 جاء في الفقرة-2
« ‘If such a dispute between an investor of one Contracting Party and the other Contracting Party continues to
exist after a period of six months, the investor shall be entitled to submit the case either to:
(a) international arbitration of the International Centre for Settlement of Investment Disputes established
pursuant to the Convention on the Settlement of Investment Disputes Between States and Nationals of other
States opened for signature at Washington D.C. on 18 March 1965 (ICSID Convention), or
(b) an arbitrator or international ad hoc arbitral tribunal established under the Arbitration Rules of the United
Nations Commission on International Trade Law (UNCITRAL)’. »
315
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ففي هذه الحاالت تكون هيئة التحكيم،للقانون الدولي أو غير عادل أو يشكل إنكا ار للعدالة
.1هي المختصة للنظر في النزاع
وبالتالي فإنه يتعين على المستثمر قبل اللجوء إلى هيئات التحكيم البحث عن تسوية
.المنازعات أمام المحاكم الوطنية وذلك داخل أجل معين
من اتفاقية االستثمار المبرمة بين اسبانيا و األرجنتين5 و في هذا االطار نجد المادة
التي اشترطت تسوية النزاعات التي تنشأ ضمن شروط هذه االتفاقية أمام المحكمة المختصة
.2للطرف المتعاقد الذي تم االستثمار في إقليمه و ذلك قبل اللجوء إلى التحكيم الدولي
: من اتفاقية االستثمار المبرمة بين إيطاليا و األورغواي ما يلي1 و1 جاء في الفقرتين-1
"2. Se una controversia non potra' essere risolta, ai sensi del comma 1 del presente Articolo, entro il termine
di sei mesi a partire dalla data in cui una delle parti interessate l'abbia promossa, essa sara' sottoposta a
richiesta di una delle parti medesime, ai competenti Tribunali della Parte Contraente nel cui territorio
l'investimento sia stato effettuato. Qualora entro il termine di 18 mesi a partire dalla data nella quale la
controversia stessa sia stata sottoposta ai predetti Tribunali, non sia stata emessa una sentenza, l'investitore
interessato potra' ricorrere ad un tribunale arbitrale, che avra' competenza a risolvere tale controversia.
3. L'investitore interessato potra' ricorrere ad un Tribunale arbitrale nel caso che il competente Tribunale di cui
al comma 2 del presente Articolo, abbia emesso una sentenza che si consideri essere in contrasto con norme
di diritto internazionale, con i contenuti del presente Accordo, ovvero manifestamente ingiusta o configurare
ipotesi di un diniego di giustizia. In tali casi il Tribunale arbitrale sara' competente a conoscere, nella sua
globalita', della controversia insorta."
: من اتفاقية االستثمار الموقعة بين اسبانيا و األرجنتين ما يلي5 جاء في المادة-2
« 1- Disputes which arise within the terms of this Agreement concerning an investment between an investor of
one Contracting Party and the other Contracting Party shall, if possible, be settled amicably by the parties to
the dispute.
2. If the dispute cannot thus be settled within six months following the date on which the dispute has been
raised by either party, it shall be submitted to the competent tribunal of the Contracting Party in whoseterritory
the investment was made.
3. The dispute may be submitted to international arbitration in any of the following circumstances:
(a) at the request of one of the parties to the dispute, if no decision has been rendered on the merits of the
claim after the expiration of a period of eighteen months from the date on which the proceedings referred to in
Para.2 of this Article have been initiated, or if such decision has been rendered, but the dispute between the
parties continues;
(b) if both parties to the dispute agree thereto.
4. In the cases foreseen in Para.3, the disputes between the parties shall be submitted, unless the parties
otherwise agree, either to international arbitration under the March 18, 1965 Convention on the Settlement of
316
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
و مما تجدر اإلشارة أن المغرب اتخذ نفس اإلجراءات المتعلقة باشتراط اللجوء إلى
، و ذلك في بعض االتفاقيات الثنائية لالستثمار،المحاكم الوطنية قبل اختيار التحكيم الدولي
.21131 ديسمبر1 خاصة االتفاقية المبرمة مع نيجريا بتاريخ
و يثير الشرط المتعلق بضرورة استنفاذ جميع المساطر أمام المحاكم الوطنية قبل
، خاصة و أن هذه المساطر قد تدوم لسنتين أو أكثر،اللجوء إلى التحكيم بعض النقاشات
وألجل ذلك فإن هيئات التحكيم حصرت آثار هذا الشرط في حالة ما إذا كان هذا الشرط ال
و في هذا االطار نستحضر،طائل منه و أنه لن يؤدي سوى إلى تعطيل اللجوء إلى التحكيم
إذ1133 غشت0 ضد األرجنتين بتاريخAbaclat الحكم التحكيمي الصادر في شركة
يجب أن تكون هناك إرادة حقيقية من قبل، من الناحية العملية،اعتبرت الهيئة التحكيمية أنه
.3المحاكم الوطنيةعلى أنها ستقوم بمعالجة المسألة بشكل تؤدي إلى التسوية الفعالة للنزاع
Investment Disputes Between States and Nationals of Other States or to an ad hoc arbitral tribunal established
under the Arbitration Rules of the United Nations Commission on International Trade Law (UNCITRAL).
If after a period of three months following the submission of the dispute to arbitration by either party, there is
no agreement to one of the above alternative procedures, the dispute shall be submitted to arbitration under
the March 18, 1965 Convention on the Settlement of Investment Disputes Between States and Nationals of
Other States, provided that both Contracting Parties have become parties to the said Convention. Otherwise,
the dispute shall be submitted to the above mentioned ad hoc tribunal.‘
1
.ARB/97/7 في القضية عددCIRDI الحكم التحكيمي الصادر عن
2
.هذه االتفاقية لم يتم المصادقة عليها من قبل البرلمان المغربي
3
: ما يلي1133 غشت0 ضد األرجنتين بتاريخAbaclat في قضية شركةCIRDI من الحكم الصادر عن591 جاء في الفقرة
" This question in turn requires a weighting of the interests of the Parties, i.e., ofArgentina in being given the
opportunity to address the dispute through the frameworkof its domestic legal system, and of Claimants in
being provided with an efficient disputeresolution mechanism. Thus, the Tribunal is of the view that the
disregard of the 18 monthslitigation requirement can only be considered incompatible with the system of Article
8where it unduly deprived the Host State of a fair opportunity to address the issue throughits domestic legal
317
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
إن اإلجابة على هذا التساؤل تختلف من اتفاقية إلى أخرى بحسب الصياغة المعتمدة
في كل واحدة منها ،فمن وجهة نظر المستثمر فإن اتفاقيات االستثمار تنقسم إلى قسمين،
األولى االتفاقيات التي توافق فيها الدول مبدئيا و صراحة على اللجوء إلى التحكيم ( ،)Iفي
حين القسم الثاني تتعلق باالتفاقيات التي تتحفظ فيها الدول صراحة أو ضمنا على اللجوء
إلى التحكيم ،و بما أن التحكيم يتوقف على الموافقة الصريحة للطرفين على اللجوء إلى هذه
اآللية بعد قيام النزاع ( ،)IIفللمستثمر الحق في اللجوء إلى التحكيم مباشرة بالنسبة لالتفاقيات
األولى في حين في الحالة الثانية ال يمكنه ذلك ما دام أن الدولة تحفظت على اللجوء إلى
هذه الوسيلة ضمنا أو صراحة.
وتكون موافقة الدول األطراف في هذه االتفاقيات صريحة و مقدمة مسبقا ،و الموافقة
المبدئية للدول ال تهم مستثمر واحد و من ثمة فإن اتفاق التحكيم يتضمن دائما موافقة
system. In this respect, the Tribunal considers that this opportunity mustnot only be a theoretical opportunity,
but there must be a real chance in practice that theHost State, through its courts, would address the issue in a
"way that could lead to aneffective resolution of the dispute.
-1نذكر على سبيل المثال االتفاقيات الثنائية التي أبرمها المغرب مع كل من نيجريا ( )1131و اليابان ( )1111و الب ارزيل (.)1133
318
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
المستثمر الذي يعبر عنها من خالل تقديمه طلب التحكيم ،و قد اعتبرت الهيئة التحكيمية في
قضية الشركة األمريكية AMTضد الزائير (سابقا) في حكمها التحكيمي الصادر بتاريخ 13
فبراير 13331أنه بعد االطالع على المادة 1من اتفاقية االستثمار المبرمة بين أمريكا و
الزائير فإن موافقة األطراف على اللجوء إلى تحكيم CIRDIتستنتج ببساطة من اتفاقية
أيضا اتفاق بين الطرفين المتنازعين ،وبما أن
االستثمار .لذلك فإنه يتعين تبيان أن هناك ً
شركة AMTعرضت النزاع أمام CIRDIفإنها عبرت عن اختيارها دون أي لبس أو
غموض ،و بالتالي يترتب عن موافقة الزائير المعبر عنها في المادة 1المشار إليها أعاله،
ينتج الموافقة المطلوبة و الضرورية لقيام اختصاص .CIRDI
وقد دفعت األرجنتين بعدم االختصاص لعدم موافقتها كتابيا على اللجوء إلى التحكيم
طبقا لمقتضيات المادة 15من اتفاقية واشنطن ما دام أن األطراف اتفقت على تسوية
المنازعات الناشئة عن العقد أمام المحاكم األرجنتينية.
وقد اعتبرت هيئة التحكيم أن موافقة األرجنتين على اللجوء إلى التحكيم المعبر عنه في
اتفاقية االستثمار بين األرجنتين وأمريكا بمثابة عرضا مفتوحا لفائدة مستثمري البلد اآلخر،
وأن هذا العرض قبلته الشركة األمريكية من خالل تقديمها طلب التحكيم أمام .CIRDI
يثير الطابع الملزم لهذا النوع من العروض جدال ،على اعتبار أن إبرام االتفاقية يكون
بين دولتين أو أكثر .في حين أنه موافقة الدولة الواردة في تشريعها الوطني يمكن تفسيره
1
الحكم التحكيمي الصادر عن CIRDIفي القضية عدد ARB/93/1بتاريخ 13فبراير .3331
2
الحكم التحكيمي في االختصاص الصادر عن CIRDIفي القضية عدد .ARB/97/6
319
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
في حين أن بموجب العرض، والذي قد ينطوي على مسؤوليتها،على أنه فعل انفرادي للدولة
الوارد في االتفاقية فإن الدول تتعهد بالتزامات متبادلة فيما بينها والتي ربما ينبغي تطبيقها
ومن ثمة فإن المستثمر في هذا الحالة يعتبر طرفا1فقط في مواجهة الدول المتعاقدة نفسها
بما في ذلك الحق في اللجوء إلى التحكيم في منازعات،ثالثا مستفيدا من حماية االتفاقية
.االستثمار مع الدولة المضيفة
1
Jan Paulsson : « Arbitration Without Privity », 10(2) ICSID Rev. (1995).
2
:ما يلي،3313 مارس1 من اتفاقية االستثمار المبرمة بين السويد و ماليزيا و المؤرخة في3 جاء في الفقرة األولى من المادة
“In the event of a dispute arising between a national or a company of one Contracting Party and the other
Contracting Party in connection with an investment in the territory of that other Contracting Party, it shall upon
the agreement by both parties to the dispute be submitted for arbitration to the International Centre for
Settlement of Investment Disputes established under the Washington Convention ”…
3
: من اتفاقية الشراكة االقتصادية المبرمة بين اليابان و الفليبين ما يلي311 جاء في المادة
« 1. The Parties shall enter into negotiations after the date of entry into force of this Agreement to establish a
mechanism for the settlement of an investment dispute between a Party and an investor of the other Party.
2. In the absence of the mechanism for the settlement of an investment dispute between a Party and an
investor of the other Party, the resort to international conciliation or arbitration tribunal is subject to mutual
consent of the parties to the dispute. This means that the disputing Party may, at its option or discretion, grant
or deny its consent in respect of each particular investment dispute and that, in the absence of the express
written consent of the disputing Party, an international conciliation or arbitration tribunal shall have no
jurisdiction over the investment dispute involved.”
4
: ما يلي1110 ماي39 من اتفاقية التبادل الحر بين أمريكا و أستراليا المؤرخة في33.31 جاء في المادة
320
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
من خالل استقراء هذه الشروط يتبين أن الدولة تحتفظ لنفسها بالحرية في اتخاذ القرار،
و مسطرة التحكيم ال يمكن تفعليها إال بعد موافقة الدولة ،و من ثمة فإن هذا الشرط ال يعتبر
موافقة تلتزم بمقتضاه الدولة على اللجوء إلى التحكيم بل إن األمر يتطلب من أجل قيام
اختصاص CIRDIأن يتم إبرام اتفاق تحكيم بين كل المستثمر و البلد المستقبل الستثماره.1
ويتضح ،مما سبق ،أن هذه الشروط و إن كانت تدعم التحكيم باعتباره الطريقة
المناسبة و المثلى لحل منازعات االستثمار ،فإنها تحتفظ للدولة باستقاللها السيادي عند
التعامل مع منازعات االستثمار على أساس كل حالة على حدى .ومن ثمة ،فإن هذه
الشروط تتشابه و آلية اللجوء المسبق إلى المحاكم الوطنية المذكورة أعاله ،باستثناء أن اآللية
ملزما في التحكيم ،على الرغم من تأجيله و ارتباط تحققه
ً األخيرة تمنح للمستثمر حًقا
بمجموعة من الشروط ،في حين أن شرط رفض الموافقة ال ينشأ أي حق في التحكيم ،فكفة
التوازن أضحت تميل لفائدة الدولة ،التي تتمتع بامتياز قبول أو رفض التحكيم كآلية لتسوية
نزاع االستثمار في حالة ما إذا اختار المستثمر هذا الخيار ،ولكنها غير مجبرة على قبوله.
و في األخ ير فإن التساؤل يطرح حول مصير مسطرة التحكيم الدولي في حول لجوء
المستثمر إلى التحكيم الدولي مباشرة دون احترام الشروط المتعلقة باستنفاذ المساطر
القضائية؟ و هل هذه الشروط تعتبر تقييدا إلرادة المستثمر أم تتعلق فقط بشروط مسطرية أو
عدم القبول؟
يتبين من خالل االطالع على بعض األحكام التحكيمية أن الرأي الغالب يتجه نحو
إمكانية تجاوز مرحلة التسوية الودية ،2و أن هذه المرحلة تعتبر بمثابة إجراء مسطري بد ً
ال
« If a Party considers that there has been a change in circumstances affecting the settlement of disputes on
matters within the scope of this Chapter and that, in light of such change, the Parties should consider allowing
an investor of a Party to submit to arbitration with the other Party a claim regarding a matter within the scope
of this Chapter, the Party may request consultations with the other Party on the subject, including the
development of procedures that may be appropriate ».
1
Dolzer et Stevens : « Bilateral Investment Treaties », The Hague, 1995, p.132.
2
من بين هذه األحكام التحكيمية نذكر على سبيل المثال ما يلي:
-الحكمفي االختصاص الصادر عن CIRDIفي قضية شركة Wenaضد مصرفي القضية عدد ARB/98/4بتاريخ 9ديسمبر 1111؛
-الحكم الصادر عن هيئة تحكيم حرة وفقا لقواعد اليونسترال في قضية شركة Lauderضد التشيك بتاريخ 1سبتمبر 1113؛
321
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
طا
من كونها إلزامية وقضائية في طبيعتها ،و من ثمة ،ال يعتبر االمتثال لمثل هذا البند شر ً
أساسيا لقيام اختصاص الهيئة التحكيمية.1
ً
و على خالف ما سبق فقد اعتبرت هيئة التحكيم في قضية Maffeziniضد اسبانيا
أن التقادم المتعلق باستنفاذ المساطر الداخلية بمثابة تقادم قضائي واعتبرت كأنه شرط الزامي
قبل الموافقة ،ففي حالة عدم احترام المستثمر لهذه اإلجراءات فإنه يتعين على محكمة
التحكيم رفض النظر في النزاع لعدم اختصاصها ولعدم وجود أساس آخر يسمح بقيام هذا
االختصاص.3
خاتمة
بعد مرور 55سنة على دخول اتفاقية واشنطن إلى حيز التنفيذ و وجود أكثر من
1111اتفاقية دولية لالستثمار في العالم و بعد االطالع على تجارب بعض الدول في
اتفاقيات االستثمار ،من بينها التجربة األرجنتينية التي تعتبر التجربة األكثر تضر ار من هذه
-الحكم في االختصاص الصادر عن هيئة تحكيم حرة وفقا لقواعد اليونسترال وقواعد NAFTAفي قضية شركة Ethylضد كندا بتاريخ 10
يونيو 3339؛
-الحكم الصادر عن CIRDIفي قضية شركة Biwaterضد تانزانيا بتاريخ 10يوليوز .1119
1
الحكم التحكيمي الصادر عن CIRDIفي قضية شركة SGCضد الباكستان تحت عدد ARB/01/13بتاريخ 1غشت .1111
2
جاء في الفقرة 031من الحكم الصادر عن CIRDIفي قضية شركة Abaclatضد األرجنتين بتاريخ 0غشت 1133ما يلي:
« The Tribunal is of the opinion that the negotiation and 18 months litigationrequirements relate to the
conditions for implementation of Argentina's consent to ICSIDjurisdiction and arbitration, and not the
fundamental question of whether Argentinaconsented to ICSID jurisdiction and arbitration. Thus, any non-
compliance with suchrequirements may not lead to a lack of ICSID jurisdiction, and only – if at all – to a lack
ofadmissibility of the claim, and will thus be addressed when dealing with issues ofadmissibility (see §§ 567 et
seq. below) ».
3
الحكم التحكيمي في االختصاص الصادر عن CIRDIبتاريخ 15يناير 1111في القضية عدد .ARB/97/7
322
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
1
حسب التعبير الذي منحته الحكومة األلمانية ،على لسان مستشارها ( ،)Theobald von Bethmann-Hollwegللمعاهدة الدولية التي ضمنت
حياد بعض الدول األوروبية خالل الحرب العالمية األولى) ، (1914-1918وذلك يوم 9غشت ،3330و الذي اعتذر الحًقا لقوله هذه الكلمات.
(حسب ما جاء في المقال التالي:
(Arnoldo Wald : «A New Approach to International Investment Agreements (IIAS) in Brazil », in Miguel Angel
Fernandez-Ballester and David Arias Lozano (eds), Liber Amicorum Bernardo Cremades, Wolters Kluwer
)España, La Ley 2010, p. 1183.
323
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
المصلحة العامة للدولة وتشجيع إقامة الدعاوى في مواجهة البلدان التي تمر من أزمات
اقتصادية كما حدث في األرجنتين (سنتي 1113و )1111و أندونسيا و فينزويال.
و من ثمة ،فإن من الضروري أن تكون الدول أكثر وعيا بالتزاماتها الدولية المنصوص
عليها في اتفاقيات االستثمار وذلك بغية التقليص من احتماالت المطالبات االتفاقية و
التدبير األمثل للدعاوى التحكيمية ،إذ أبانت الممارسة التحكيمية حجم اآلثار القانونية و
المالية التي يمكن أن تترتب عن اتفاقيات االستثمار و العواقب السياسية المترتبة عن التدفق
المستمر للدعاوى التحكيمية ،فمصلحة المستثمرين والدول على حد سواء تدعو إلى البحث
عن تحقيق توازن في العمليات االستثمارية ،فنجاح و فعالية هذه األخيرة يتوقف على خلق
نظام مالئم وفعال ومحايد لتسوية المنازعات الناشئة عن هذه العمليات االستثمارية.
و مما سبق ،فإننا نرى أن نظام تسوية المنازعات الناتجة عن االستثمارات وصل إلى
مرحلة األزمة ،الناتجة عن تعدد وكثرة االتفاقيات الدولية لالستثمار(أكثر من 1111اتفاقية)
و ما نتج عن ذلك من صدور أحكام تحكيمية متضاربة و غير متجانسة ،األمر الذي
يستوجب البحث عن حلول واقعية و مرنة و قابلة لالستعمال الدائم ،و ذلك من خالل
البحث عن "آلية واحدة متعددة األطراف" ( ،)Instrument Multilatéralغير أن البحث
عن اآللية األخيرة الزالت "فكرة" مطروحة من قبل المهتمين في مجال تحكيم االستثمار و
تتطلب سنوات من الدراسة و التمعن قصد بلورتها على أرض الواقع ،و في انتظار ذلك نرى
َّ
مسطرة أنه يتعين إعادة النظر في االتفاقيات الدولية لالستثمار و ذلك من خالل رسم حدود
ومحددة تبعا لموضوع االستثمار شريطة احترام هذه االتفاقيات للسياسات الداخلية للدولة و
احترام حقها السيادي في التشريع ،خاصة في مجاالت البيئة والصحة والشغل و كذا احترام
حقوق االنسان و السياسة النقدية ،غير أن ذلك ال يتحقق دون مشاركة المجتمع الدولي
المعني بتحكيم االستثمار كالمؤسسات الدوليةCNUDCIو OECDو مراكز التحكيم الدولية
خاصة CIRDIوفقه تحكيم االستثمار ،وفي هذا الخصوص فقد فتحت مجموعة من األوراش
على المستوى الدولي تهدف إلى إصالح نظام تسوية المنازعات بين المستثمرين و الدولة
( )RDIEو ت عديل أنظمة التحكيم بالنسبة لبعض مراكز التحكيم كما هو الشأن بالنسبة ل
،CIRDIوال يسعنا في األخير إال أن نشيد بقيام مجموعة من الدول بتعديل اتفاقيات
324
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
االستثمار التي تكون طرفا فيها بشكل يسمح بخلق توازن بين مصالحها العامة و المصلحة
الخاصة للمستثمرين ،ومن بين هذه الدول نجد المغرب 1والواليات المتحدة األمريكية و كندا،
و يبقى السؤال المطروح دائما هل هذه التعديالت كفيلة من أجل إعادة النظر في المسؤولية
الدولية للدولة في اتفاقيات االستثمار في ظل فقدان الثقة في تحكيم االستثمار و ارتفاع
األصوات المتسائلة حول شرعية) (légitimitéو فاعلية نظام تسوية المنازعات المعتمد لدى
.CIRDI
1
نذكر على سبيل المثال االتفاقيات الثنائية التي أبرمها المغرب مع كل من نيجريا ( )1131واليابان ( )1111و الب ارزيل (.)1133
325
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
أ
نظام مسؤولية المدبرين العموميين امام القاضي
أ
المالي في مجال التاديب المتعلق بالميزانية
المالية
أ
نووالشؤ
من إعداد الستاذ ابراهيم بن به،
أ
رئيس غرفة التاديب المتعلق بالميزانية والشؤون
أ
المالية بالمجلس العلى للحسابات
تقديم
على غرار األجهزة العليا للرقابة على المالية العامة في الدول التي تعتمد النموذج
القضائي ،أسندت إلى المحاكم المالية ،بموجب الدستور ،نوعين من االختصاصات ،ينظمها
القانون رقم 11-33المتعلق بمدونة المحاكم المالية ،وهما :اختصاصات قضائية تتجلى في
التدقيق والبت في حسابات األجهزة العمومية المدلى بها من طرف المحاسبين العموميين أو
المحاسبين بحكم الواقع ،وفي التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ،واختصاصات غير
قضائية تتمثل في مراقبة تدبير مرافق الدولة والمؤسسات واألجهزة العمومية األخرى ألجل
تقديره من حيث الكيف واقتراح الوسائل الكفيلة بتحسين طرقه والزيادة في فعاليته ومردوديته
ومستوى أدائه ،وكذا في مراقبة استخدام األموال العمومية التي تتلقاها المقاوالت أو
الجمعيات...الخ.
ومن أجل تحقيق التكامل بين هذه الثنائية في طبيعة االختصاصات ،أرست مدونة
المحاكم المالية منهجية المراقبة المندمجة 1التي تتيح التوفيق بين طبيعة هذه المحاكم،
كمؤسسات قضائية تعاقب على المخالفات المالية التي يرتكبها المسؤولون في مجال تنفيذ
ميزانية األجهزة العمومية وتدبير ماليتها ،ووظيفتها في مجال التدقيق ومراقبة التدبير التي
تسعى إل ى المساهمة ،من خالل المالحظات والتوصيات التي تسفر عنها المهمات الرقابية،
إلى تحسين تدبير وأداء األجهزة الخاضعة للمراقبة .وتنسجم هذه المقاربة مع األهداف التي
1
تنطلق هذه المراقبة من الحساب المدلى به من طرف المحاسب العمومي .ويشمل التحقيق جميع المتدخلين في تنفيذ العمليات المالية سواء من
خالل الوثائق المثبتة أو االنتقال إلى عين المكان .وتنصب على جميع أوجه التدبير .كما تقيم جسو ار بين مختلف االختصاصات القضائية وغير
القضائية الموكولة للمحاكم المالية.
326
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
أحدثت من أجلها األجهزة العليا للرقابة ،والتي تنصب على "تسجيل الفوارق مقارنة بالقواعد
واالختالالت وا لخروقات بالنظر إلى القوانين واألنظمة ،وتقييم الفعالية والكفاءة واالقتصاد في
التدبير المالي بشكل يمكن ،بصدد كل حالة ،من اتخاذ اإلجراءات التصحيحية وتحديد
المسؤوليات أو اتخاذ إجراءات لتفادي أو لجعل تكرار مثل هذه الممارسات غاية في
الصعوبة".1
في هذا اإلطار ،تع كس ثنائية االختصاصات القضائية الموكولة إلى المحاكم المالية
أهمية مبدأ الفصل بين مهام اآلمر بالصرف والمحاسب العمومي في تحديد مالمح
وخصائص نظام مسؤولية المدبرين العموميين أمام القاضي المالي .فهي من اآلثار القانونية
المترتبة عن توزيع العمل المنبثق عن هذا المبدأ الذي تترتب عنه مسؤوليات تختلف
باختالف طبيعة المهام المسندة إلى مختلف المدبرين العموميين والمخاطر المتصلة
بممارستها .فإذا كان البت في الحسابات يعتبر اختصاصا رقابيا ذي طبيعة قضائية ،يهدف
إلى ضمان مبدأ حصرية مهام المحاسب العمومي في مجال قبض وحيازة األموال العمومية،
من خالل البت في المسؤولية المالية والشخصية للمحاسبين العموميين ،والمحاسبين بحكم
الواقع ،عند االقتضاء ،فإن الوظيفة العقابية للمحاكم المالية ،التي يجسدها بشكل أساسي
اختصاص التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ،تسعى إلى حماية القانون العام المالي
والتسيير الجيد في تدبير الشأن العام ،وكذا مصالح الجهاز موضوع المراقبة ،وبالتبعية،
مصالح السلطات العمومية والمواطن من خالل إثارة المسؤولية الشخصية لمرتكبي المخالفات
والجبر الكلي أو الجزئي للضرر الذي قد يلحق جها از عموميا.2
ونظ ار لالهتمام التي يستأثر به اختصاص التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية،
السيما أمام تنامي المطالبة ،خالل السنوات األخيرة ،بتعزيز المساءلة في مجال التدبير
المالي العمومي ،باعتباره نظاما لمسؤولية قضائية مالية يغطي " المجال ما بين المسؤولية
1
التوجيهات الخاصة بالمبادئ الرقابية التي اعتمدها المؤتمر التاسع للمنظمة الدولية لألجهزة العليا للرقابة والمحاسبة (األنتوساي) المنعقد في أكتوبر
3311بالبيرو (إعالن ليما).
2
النقطة 1.3.3من المعيار – INTOSAI P 50مبادئ ممارسة المهام القضائية من طرف األجهزة العليا للرقابة المعتمد خالل مؤتمر
اإلنكوساي (الثالث والعشرون) للمنظمة الدولية لألجهزة العليا للرقابة المالية العامة والمحاسبة (اإلنتوساي) في العاصمة الروسية موسكو ،شتنبر
.1133
327
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
التدبيرية 1الصاعدة والمسؤولية الجنائية التي يجب حصرها في األفعال الخطيرة " ،2تهدف
هذه المساهمة إلى التعريف بنظام مسؤولية المدبرين العموميين أمام القاضي المالي في
إطار هذا االختصاص العقابي ،من خالل بسط عناصره والتعريف بها من أجل تحديد نطاق
ومجال المسؤولية المترتبة عنه (المبحث األول) ،وذلك قبل التطرق إلى آليات تفعيل هذا
النظام ،سواء فيما يتعلق بالمسطرة المتبعة في ممارسته أو قواعد إسناد المسؤولية والعقوبات
التي يصدرها القاضي المالي في إطار هذا النظام ( المبحث الثاني).
من المسلم به في إطار االجتهاد القضائي والفقه المالي أن قضاء التأديب المتعلق
بالميزانية والشؤون المالية يعتبر قضاء إداريا متخصصا .3وال يرتكز هذا التصنيف على كون
ق اررات وأحكام المحاكم المالية التي تصدرها في هذا المجال تخضع للنقض أمام الغرفة
اإلدارية بمحكمة النقض فحسب ،4ولكن أيضا بالنظر إلى المعيار الذي استند عليه المشرع
في تحديد نطاق اختصاص التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ( الفرع األول) ،وكذا
إلى مجال المساءلة في إطار هذا االختصاص الذي يستهدف فئات من المدبرين العموميين
الذين يمارسون وظ ائف ومهام ذات عالقة مباشرة بالتدبير المالي لألجهزة العمومية أو
صالحيات ال يمكن فصلها عن هذه العمليات ،وبصفة عامة السلطات اإلدارية والتدبيرية
باألجهزة الخاضعة ،سواء اتخذت أعمالها شكل أفعال ايجابية أو جاءت في صور أخطاء
اإلهمال والتقصير في القيام بالواجبات الوظيفية الموكولة إليهم بهذه األجهزة (الفرع الثاني).
1
في إطار هذه المسؤولية ،يتراجع دور اآلمر بالصرف كصفة التي تحيل على تطبيق القواعد القانونية التي تخضع لها األجهزة العمومية ،وتعتبر
الرابط ما بين السلطة السياسية وتنفيذ الميزانية ،مقابل تنامي دور المدبر العمومي الذي تنصب صفته على القدرة والكفاءة في التدبير وتحقيق النتائج
المرسومة.
2 Stéphane Thébault, L’ordonnateur en droit public financier, L.G.D.J, Montechrestien, 2007.p : 295
3
« Juridiction administrative spéciale », (concl A.Bernard, CE, ass, 30 juin 1961, Procureur général près la
Cour des comptes c/Mazer, Lebon, p :451
4
المادتان 03و 11من مدونة المحاكم المالية.
328
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وألن مفهوم الجهاز العام في إطار هذا القانون لم يكن يثير أي لبس ،4فقد أفضت
الممارسة القضائية في إطار القانون رقم 31-13إلى أن األجهزة التي تمت متابعة
1عكس ما هو عليه األمر في مادة التسيير بحكم الواقع حيث اعتبر المجلس الدستوري الفرنسي في ق ارره تحت رقم DC 82-143بتاريخ 11
يوليوز 3391في قضية " "Nucciإمكانية الحكم بغرامة على شخص معنوي ،انظر للمزيد من التفاصيل:
N.Groper, Responsabilité des gestionnaires publics devant le juge financier, Dalloz, (Référence), 2010-
2011, p : 461, point : 231-08.
2محمد أشركي ،المحاكم المالية وديوان المظالم :الضمير المالي والضمير اإلنساني ،مجلة ديوان المظالم ،العدد ،1115 /1ص.11 :
3
المتعلق بالمجلس األعلى للحسابات ،الصادر بشأن تنفيذه الظهير الشريف رقم 3-13-315الصادر بتاريخ 11شوال 30(3133شتنبر
.)3313
يتعلق األمر ،بمقتضى هذا القانون ،باألجهزة العامة التي حددتها الفقرة األخيرة من الفصل 15من القانون المذكور أعاله في :الدولة والجماعات 4
المحلية والمؤسسات العمومية التي تتوفر على محاسب عمومي ،أي األجهزة التي تخضع لقواعد المحاسبة العمومية.
329
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
مسؤولين بها في إطار التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية تتعلق بمرافق الدولة
والجماعات المحلية وبعض المؤسسات العمومية .1في حين ،لم تتعرض المنازعة القضائية
في إطار هذا القانون للمقصود بجهاز آخر " تجري عليه مراقبة المجلس" ،2األمر الذي لم
يكرس اجتهادات قضائية في الموضوع من شأنها التوسيع من نطاق المساءلة في إطار هذا
القانون ،كما هو الشأن بالنسبة لالجتهاد القضائي الفرنسي ،الذي اعتبر ،بشأن نفس العبارة
العامة أعاله ،أن انعقاد اختصاص محكمة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ال
يشترط " الممارسة الفعلية للمراقبة من طرف محكمة الحسابات (أو غرفة جهوية للحسابات)،
ولكن فقط بناء على أهلية هذه المحكمة للقيام بهذه المراقبة .3"...
أما في إطار القانون رقم 11-33المتعلق بمدونة المحاكم المالية ،وإن تشبت المشرع
بربط خضوع األشخاص النتسابهم إلى أجهزة يشملها االختصاص ،فقد اتبع أسلوب الالئحة
في تحديد األجهزة الخاضعة ،4إذ حددت المادة 53من هذه المدونة األجهزة المعنية في
مرافق الدولة والمؤسسات العمومية والشركات أو المقاوالت التي تملك فيها الدولة أو
المؤسسات العمومية على انفراد أو بصفة مشتركة بشكل مباشر أو غير مباشر ،أغلبية
األسهم في الرأسمال أو سلطة مرجحة في اتخاذ القرار 5والشركات أو المقاوالت التي تملك
فيها الدولة أو المؤسسات العمومية بصفة مشتركة مع الجماعات الترابية أغلبية األسهم في
الرأسمال أو سلطة مرجحة في اتخاذ القرار.
1
التقرير السنوي للمجلس األعلى للحسابات برسم سنة ،1130فبراير ،1131ص.31 :
2
مبدئيا تشمل هذه المراقبة ،باإلضافة إلى االختصاصات القضائية ،اختصاصات رقابية أخرى غير قضائية تخضع لها العديد من األجهزة المختلفة
والمتنوعة سواء من حيث شكلها القانوني أو طبيعة نشاطها ،كما هو الشأن بالنسبة لمراقبة التسيير (الفصل 13من القانون رقم 31-13المذكور
أعاله) واستعمال األموال العمومية (الفصل 11من نفس القانون).
3CDBF, 22 et 29 novembre 1985, Guitonneau .
4
المادة 53من مدونة المحاكم المالية.
5
تتخذ السلطة المرجحة في اتخاذ القرار أشكاال متعددة ،نورد منها األساسية :تخويل الهيئة العامة التقرير في مجاالت معينة؛ ترجيح الجانب الذي
ينتمي إليه ممثل الهيئة العامة في حالة تع ادل األصوات أو عدم الحصول على األغلبية المطلوبة؛ اشتراط موافقة ممثل الهيئة العامة في ق اررات أو
إجراءات معينة؛ أهمية مندوبيها داخل الجمعية العمومية من حيث العدد أو من حيث صفتهم ومكانتهم خصوصا وأنه ال يفترض في مندوبي الدولة
أن يكونوا مساهمين أو مالكين حقيقيين لألسهم؛ تعيين رئيس المجلس اإلداري من بين ممثلي الدولة خاصة أن السلطة اإلدارية الوصية تلعب دو ار
هاما في هذا التعيين باقتراحها أو ضرورة المصادقة على التعيين إذا ما تم من طرف المجلس اإلداري أو التعيين المباشر دون تدخل المجلس
اإلداري؛ وتعيين المدير العام من طرف الدولة مباشرة .
330
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وبالتالي ،ال يشمل هذا االختصاص األجهزة األخرى الخاضعة لمراقبة التسيير ،السيما
1
المقاوالت المخولة االمتياز في مرفق عام أو المعهود إليها بتسييره وأجهزة الضمان االجتماعي
كيفما كان شكلها واألجهزة الخاضعة لمراقبة استعمال األموال العمومية ،2التي تتلقى من أحد
األجهزة العمومية مساعدات مالية في شكل مساهمات من أرباب العمل أو في شكل إعانات ،وكذا
الجمعيات وكل األجهزة األخرى التي تستفيد من مساهمة في الرأسمال أو من مساعدة كيفما كان
شكلها من طرف الدولة أو مؤسسة عمومية أو من أحد األجهزة األخرى الخاضعة لمراقبة
التسيير.3
وتبعا لهذا التطور التشريعي ،يتبين أن المشرع المغربي اعتمد ،في تحديد نطاق
التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ،المفهوم التقليدي للمرفق العام ،من خالل تحديد
األجهزة الخاضعة في إطار مدونة المحاكم المالية على أساس معيار " األموال العمومية من
حيث المصدر" بدل معيار " تتبع المساهمات العمومية" الذي كان يحدد هذه األجهزة في
إطار القانون رقم 31-13سالف الذكر ،األمر الذي يستثني مجموعة من المتدخلين في
1مقارنة بالتجربة الفرنسية ،يبرر إخضاع أجهزة الضمان االجتماعي الختصاص محكمة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية بكون " هذه
األجهزة تضمن تدبير مرفق عام حتى عندما تتخذ شكل أجهزة القانون الخاص .ويكون االنخراط والمساهمة فيها إلزاميا .ومن حق هؤالء المساهمين
أن يتوفروا على الحماية وعلى هذا األساس من المناسب ومن الطبيعي أن يخضع مسيروها الختصاص المحكمة ".
G. Sabatier, Rapport fait au nom de la commission des Finances, de l’Economie générale et du Plan sur le
projet de loi modifiant et complétant la loi n°48-1484 du 25 septembre 1948, JORF Débats, sénat, 27 mai
1971, p : 5.
2
حددت المادة 11من مدونة المحاكم المالية األجهزة التي تخضع الختصاص المجلس في إطار مراقبة التسيير والمتمثلة في مرافق الدولة
والمؤسسات العمومية والمقاوالت المخولة االمت ياز في مرفق عام أو المعهود إليها بتسييره ،باستثناء تلك التي تخضع لرقابة المجالس الجهوية
والشركات و المقاوالت التي تملك فيها الدولة أو مؤسسات عمومية على انفراد أو بصفة مشتركة بشكل مباشر أو غير مباشر أغلبية األسهم في
الرأسمال أو سلطة مرجحة في اتخاذ القرار وا لشركات و المقاوالت التي تملك فيها الدولة و مؤسسات عمومية بصفة مشتركة مع الجماعات المحلية
أغلبية األسهم في رأسمال أو سلطة مرجحة في اتخاذ القرار وأجهزة الضمان االجتماعي كيفما كان شكلها ،التي تتلقى من أحد األجهزة المنصوص
عليها في الفقرات أعاله مساعدات مالية ف ي شكل مساهمات من أرباب العمل أو في شكل إعانات .أما مراقبة استعمال األموال العمومية ،فتخضع
له طبقا للمادة 91من القانون رقم 11-33المتعلق بمدونة المحاكم المالية المقاوالت أو الجمعيات أو كل األجهزة األخرى التي تستفيد من مساهمة
في الرأسمال أو من مساعدة كيفما كان شكلها من طرف الدولة أو مؤسسة عمومية أو من أحد األجهزة األخرى الخاضعة لرقابة المجلس (في إطار
مراقبة التسيير والواردة في المادة 11من المدونة).
كما هو الشأن بالنسبة لمؤسسات األعمال االجتماعية التي تعتبر من أشخاص القانون الخاص وال تخضع ،تبعا لذلك ،الختصاص المجلس في 3
ميدان التأديب المالي ،طبقا للمادة 53من مدونة المحاكم المالية ،انظر القرار عدد /1135/30ت.م.ش.م الصادر بتاريخ 11يوليوز 1135في
القضية عدد / 1131/311ت.م.ش.م المتعلقة بالتسيير المالي لمكتب الصرف ،ق اررات صادرة عن غرفة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون
المالية ،فبراير ،1139ص . 11 :بيد أن التأكد من أن مبالغ اإلعانات المالية التي تستفيد منها هذه المؤسسات والممنوحة من طرف جهاز عمومي
قد تم صرفها في المجاالت واألهداف التي أنشئت من أجلها يندرج ضمن اختصاص المجلس في إطار مراقبة استعمال األموال العمومية ،طبقا
للمادة 91من مدونة المحاكم المالية .وقد تكون ،عند االقتضاء ،موضوع اختصاص التسيير بحكم الواقع (.)Associations transparentes
331
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
التدبير المالي العمومي ،ويجعل هذا المجال أوسع من نطاق التأديب المتعلق بالميزانية
والشؤون المالية ،السيما أمام التحوالت الراهنة التي يخضع لها المرفق العام ،التي جعلت
الطريقة التقلي دية في تدبيره ،كطريقة فريدة من طرف السلطة العامة لتحقيق الصالح العام
متجاوزة ،حيث أضحى هذا المفهوم ال يستلزم بالضرورة ،في الوقت الراهن ،اإلدارة المباشرة
من طرف الدولة ،إذ " لم يعد (يشكل) امتدادا المتيازات اإلدارة ،ولكن كمقابل للمسؤوليات
الموكولة إليها في الحياة االجتماعية حيث يرتكز مضمونه على التزاماتها تجاه المرتفقين".1
وبالرغم من هذا التفاوت في رسم نطاق األجهزة الخاضعة ،إذ تشكل مدونة المحاكم
المالية تراجعا مقارنة مع المجال الواسع الذي تبناه القانون رقم 31-13المنسوخ ،على األقل
نظريا ،فإن النطاق الفعلي لألجهزة المعنية بقضايا التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية
ظل ثابتا نسبيا من حيث طبيعة األجهزة ،إذ كانت قضايا التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون
المالية المرفوعة أمام المجلس في إطار القانون رقم 31-13المتعلق بالمجلس األعلى
للحسابات (الفصل 51منه) ،ابتداء من سنة 3330إلى حدود سنة ،1111تهم التسيير
المالي لمرافق الدولة والمؤسسات العمومية وبشكل خاص الجماعات المحلية .2ولئن ظلت
هذه القاعدة قائمة بعد صدور مدونة المحاكم المالية ،فقد لوحظ ،بالمقابل ،تصاعدا خالل
السنوات األخيرة في عدد القضايا الرائجة أمام المجلس والمتعلقة بالمؤسسات العمومية
والشركات والمقاوالت العمومية.3
1
J. Jacques Chevallier, Le service public, PUF, collection : « Que sais-je ? », 6ème édition, 2005, P : 21.
2
تسري على المجالس الجهوية للحسابات نفس المقتضيات المنظمة لهذا االختصاص من طرف المجلس األعلى للحسابات ،مع مراعاة بعض
االستثناءات ذات صلة بطبيعة األجهزة الخاضعة لهذه المجالس ،إذ تحيل مقتضيات الكتاب الثاني من مدونة المحاكم المالية المتعلق بالمجالس
الجهوية للحسابات على الكتاب األول من نفس القانون المتعلق بالمجلس األعلى للحسابات سواء فيما يتعلق بالمخالفات أو المسطرة أو العقوبات.
تجدر اإلشارة إلى أن البعض من القضايا المتعلقة بالجماعات المحلية المرفوعة أمام المجلس في إطار القانون رقم 31-13ظل رائجا بعد دخول
الكتاب األول من مدونة المحاكم المالية حيز التنفيذ في فاتح يناير . 1111للمزيد من التفاصيل ،انظر :ق اررات صادرة عن المجلس في مادة
التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ،أكتوبر ،1135ص.5 :
3
ق اررات صادرة عن المجلس في مادة التأديب المالي ،نفس المرجع السابق ،ص.0 :
332
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
لحسابهم .1كما يخضع لهذا االختصاص كل مراقب أو محاسب عمومي ،وكذا كل موظف
أو عون يعمل تحت إمرته أو يعمل لحسابه في إطار مراقبة الوثائق المتعلقة بااللتزام
بالنفقات ،وكذا كل موظف أو عون يعمل تحت إمرته أو يعمل لحسابه ،2فضال عن كل
محاسب عمومي ،وكذا كل موظف أو عون يوجد تحت إمرته أو يعمل لحسابه.3
ويستثنى من مجال المساءلة في إطار هذا االختصاص ،طبقا للمادة 51من مدونة
المحاكم المالية ،أعضاء الحكومة وأعضاء مجلس النواب ومجلس المستشارين عندما
يمارسون مهامهم بهذه الصفة .ويبرز هذا االستثناء أهمية التمييز بين السلطة السياسية
والسلطة اإلدارية والمالية في هذا المجال ،4اعتبا ار لكون القاضي المالي في إطار اختصاص
التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ليس قاضيا الختيارات التدبير بل محكمة انضباط
تضمن التقيد بالقواعد السارية في مجال التدبير المالي العمومي.5
وقد اعتمد المشرع المغربي في تحديد األشخاص الخاضعين على معيار طبيعة المهام
الموكولة إليهم في إطار مساطر تنفيذ المداخيل والنفقات العمومية وفقا لتوزيع العمل ،المنبثق
عن مبدأ فصل المهام بين اآلمر بالصرف والمحاسب العمومي ،الذي يتعين بموجبه على
اآلمر بالصرف ،وهو كل شخص مؤهل باسم منظمة عمومية لرصد أو إثبات أو تصفية أو
األمر باستخالص دين أو أدائه ،6تدبير شؤون الجهاز الذي يشرف عليه ،طبقا للنصوص
القانونية الجاري بها العمل .وبالتالي ،فإن المهام الموكولة إلى اآلمر بالصرف كمركز قانوني
1
المادة 50من مدونة المحاكم المالية.
2
المادة 55من هذه المدونة.
3المادة 51من نفس المدونة.
4
تجدر اإلشارة إلى أن التشريع المغربي يتميز عن نظيره الفرنسي بإخضاع رؤساء الجماعات الترابية وعمداء المدن الختصاص المجالس الجهوية
للحسابات في مادة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية .ففي الوقت الذي أسندت فيه الوالية الشاملة للقاضي المالي المغربي على مستوى
المجالس الجهوية للحسابات ،في هذا المجال ،على المدبرين المحليين بدون استثناء ،ال يمكن مساءلة المنتخبين المحليين أمام محكمة التأديب
المتعلق بالميزانية والشؤون المالية في فرن سا إال في حاالت محدودة ،وهي :عدم تنفيذ المقررات القضائية أو إصدار أوامر بالتسخير ترتب عنها منح
منفعة غير مبررة للغير ألحقت ضر ار بالخزينة أو بمالية الجهاز المعني أو عندما يمارسون نشاطا غير ضروري لوظيفتهم التمثيلية.
5
Philipe Saunier, La faute de gestion dans la jurisprudence de la CDBF, RFDA, vol 8, n° 6, Novembre 1992,
p : 3, La CDBF « ...est une juridiction d’obéissance et non d’opportunité ... ».
للمزيد من التفاصيل حول مبررات استثناء الوزراء من قضاء التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ،انظر كتابنا :نظام مسؤولية المدبرين
العموميين أمام القاضي المالي -دراسة قانونية وقضائية مقارنة -منشورات المجلة المغربية للسياسات العمومية -مطبعة طوب بريس ،الطبعة األولى
.311-331 – ماي -1131صص:
6
الفقرة الثانية من الفصل 1من المرسوم الملكي رقم 111-11بتاريخ 31محرم 3191بسن نظام عام للمحاسبة العمومية ،كما تم تغييره
وتتميمه.
333
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
لم تكن دائما سوى مهمة ملحقة بمهمة المتصرف أو المدبر العمومي التي تشكل وظيفته
الرئيسية .1فاألصل أن االختصاصات المالية لآلمر بالصرف ال تعتبر سوى اختصاصات
تكميلية الختصاصاته ومهامه في تسيير وتدبير شؤون الجهاز العام الذي يشرف عليه،
وبالتالي ،ليس كل مدبر عمومي آم ار بالصرف ،ولكن كل آمر بالصرف هو يقينا مدبر
عمومي.
في حين يعهد إلى المراقب مراقبة مقترحات االلتزام الصادرة عن اآلمر بالصرف
والتأشير عليها .2بينما يتولى المحاسب العمومي حصريا التكفل بأوامر المداخيل الصادرة
عن اآلمرين بالصرف والديون المثبتة والقيام باستيفائها ،وكذا استخالص الحقوق نقدا ،وأداء
النفقات إما بأمر صادر عن اآلمرين بالصرف المعتمدين وإما بعد االطالع على السندات
التي يقدمها الدائنون وإما من تلقاء أنفسهم.3
كما يمتد اختصاص التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية إلى الموظفين واألعوان
الذين يوجدون تحت إمرة اآلمر بالصرف أو المراقب أو المحاسب العمومي أو يعمل
لحسابهم .في هذا الصدد ،وإن لم تعرض على قضاء التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون
المالية قضايا لتحديد المقصود " بالعمل لحساب اآلمر بالصرف أو المراقب أو المحاسب
1
M.Bouvier, M-C.Esclassan et J-P Lassale, Finances publiques , LGDJ (Manuel), Paris, 10éme édition, 2010,
p : 322.
2
المرسوم رقم 1-11-3115الصادر في 5ذي القعدة 0( 3013نونبر )1119المتعلق بمراقبة نفقات الدولة.
3الفصل 3من المرسوم الملكي رقم 111-11المذكور أعاله.
4
L’exposé des motifs du décret de 1953 sur la responsabilité des comptables publics, cité par Stéphanie
DAMAREY, Exécution et contrôle des finances publiques, Gualino éditeur, 2007, p : 72.
334
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
العمومي أو تحت سلطتهم" إلى حدود هذا التاريخ ،فإن من شأن تكريس اجتهاد قضائي في
هذا المجال التوسيع في نطاق هذه الفئة بما يشمل باٌإلضافة إلى " كل شخص يعين في
وظيفة قارة" ،1كل موظف أو عون أو مسؤول بجهاز آخر خاضع يعهد إليه اآلمر بالصرف
أو المراقب أو المحاسب العمومي بالجهاز المعني بمباشرة وظيفة أو مهمة ذات صلة
بالعمليات المالية المنجزة من طرف الجهاز المعني.
على صعيد آخر ،ونظ ار ألن األجهزة الخاضعة ال تنحصر فقط في تلك التي تطبق
نظام المحاسبة العمومية ،بل تمتد إلى األجهزة العمومية األخرى التي تلجأ في ممارسة
مهامها إلى قواعد القانون الخاص وال تخضع في تنظيمها اإلداري والمالي ،تبعا لذلك ،لمبدأ
فصل المهام بين اآلمر بالصرف والمحاسب العمومي ،لم يحصر المشرع نطاق األشخاص
الخاضعين في الصفات الوظيفية المترتبة عن هذا المبدأ ،إذ أوردت المادة 50من مدونة
المحاكم المالية ،كذلك ،شخص المسؤول.
وتكمن أهمية هذا المفهوم في كونه يتالءم مع تنظيم وتوزيع المهام باألجهزة التي تتخذ
شكل مؤسسات أو شركات أو مقاوالت عمومية لكنها ال تطبق في إطار أنظمتها المالية
والمحاسبية قواعد المحاسبة العمومية وقانون الوظيفة العمومية ،ويتسق مع المهام
والمسؤوليات الجديدة الموكولة إلى المدبرين العموميين ،تبعا للتحوالت التي يخضع لها مجال
التدبير العمومي في الوقت الراهن ،والتي يمكن إجمالها في التوجه نحو اعتماد التدبير
المرتكز على النتائج بدل الوسائل ،وذلك في سياق التقارب بين القطاع العام والقطاع
الخاص من حيث القواعد القانونية المطبقة ،وتراجع نطاق السلطة العامة والقانون العام في
تدبير الشؤون المالية لألجهزة العمومية .كما يتيح مفهوم المسؤول تجاوز عنصري التعيين
والعالقة النظامية في رسم نطاق والية القاضي المالي في مجال التأديب المتعلق بالميزانية
والشؤون المالية وامتدادها إلى األشخاص الذين يتولون مهاما تمثيلية بأجهزة خاضعة لهذا
االختصاص أو مسؤوليات عن طريق االنتخاب.2
1
الفصل الثاني من الظهير الشريف رقم 3.59.119الصادر بتاريخ 0شعبان 10( 3111فبراير )3359بمثابة النظام األساسي للوظيفة
العمومية (الجريدة الرسمية عدد 1111بتاريخ 13رمضان 33 -3111أبريل ،)3359كما تم تغييره وتتميمه.
2
كما هو الشأن بالنسبة لم دراء الغرف المهنية بالنسبة للمجلس األعلى للحسابات ورؤساء الجماعات الترابية بالنسبة للمجالس الجهوية للحسابات.
335
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
أما من حيث الممارسة القضائية ،1ومنذ شروع المجلس في ممارسة اختصاص التأديب
المتعلق بالميزانية والشؤون المالية سنة ،3330تأرجحت فئات األشخاص المعنيين بالقضايا
الرائجة وتلك التي تم البت فيها من طرف المجلس بين نسبة % 15بالنسبة لآلمرين
بالصرف ،كالمدراء المركزيين بالو ازرات والمدراء العامين للمؤسسات العمومية ،ونسبة %39
تهم المدراء العامين لشركات ومقاوالت عمومية .في حين تتراوح المستويات الوظيفية التنفيذية
مابين نسبة % 10بالنسبة لرؤساء األقسام والمصالح ونسبة %13فيما يخص الموظفين
واألعوان باألجهزة المعنية.
كما أسفرت هذه الممارسة عن محدودية الحاالت التي بت فيها المجلس في مسؤولية
المراقبين والمحاسبين العموميين ،2التي ال تتجاوز نسبة ،%1ولم تحتل مسؤولية هؤالء حي از
هاما في المنازعة القضائية أمام قضاء التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ،إذ لم
تتعرض الق اررات الصادرة عن المجلس لمهام ومسؤوليات هؤالء المراقبين إال بمناسبة البت
في مسؤولية اآلمر بالصرف ،حيث كرس القاضي المالي المغربي المبدأ الذي يفيد بأن
تأشيرة المراقب والمحاسب العمومي ال تشكل سببا لعدم مساءلة اآلمر بالصرف عن
المخالفات التي يرتكبها في إطار تنفيذ النفقات العمومية.3
وتجد هذه الحصيلة مبررها في الظروف التاريخية المرتبطة بإحداث اختصاص التأديب
المتعلق بالميزانية والشؤون المالية في فرنسا ،بلد النشأة ،خالل فترة مابعد الحرب العالمية
الثانية ،4وفي التغييرات التي طرأت على مبدأ فصل السلط كما اعتمدتها الثورة الفرنسية،1
1
Présentation de la compétence de la Cour des comptes du Royaume du Maroc en matière de discipline
budgétaire et financière, Actes de séminaire de l’AISCUF sur la répression des fautes de gestion, Centre de
formation de la Cour des comptes, Rabat, 1 er au 3 juin 2016.
2
Ibidem
3
ق ـرار عدد /1133/31ت.م.ش.م بتاريخ 39يناير 1133الصادر في القضية عدد /1113/331ت.م.ش.م المتعلقة بالتسيير المالي لجماعة
محلية ،ق اررات صادرة عن المجلس في مادة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ،أكتوبر 1135ص31:؛ق ـرار عدد /1131/13ت.م.ش.م
في فاتح مارس 1131الصادر في القضية عدد /1111/311ت.م.ش.م المتعلقة بالتسيير المالي لمؤسسة عمومية ،ص10 :؛ق ـرار عدد
/1131/11ت.م.ش.م بتاريخ 11دجنبر 1131الصادر في القضية عدد /1119/311ت.م.ش.م المتعلقة بمؤسسة عمومية ،ص315 :؛قرار
عدد /1131/11ت.م.ش.م بتاريخ 19ماي 1131الصادر في القضية عدد /1131/313ت.م.ش.م المتعلقة بالتسيير المالي لمؤسسة
عمومية ،ص301:؛ قرار عدد /1135/33ت.م.ش.م الصادر بتاريخ 39ماي 1135في القضية عدد / 1131/313ت.م.ش.م المتعلقة بالتسيير
المالي للمدرسة المحمدية للمهندسين ،ق اررات صادرة عن غرفة مادة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ،فبراير ،1139ص.13:
4
للمزيد من التفاصيل حول الحالة العامة للتدبير المالي العمومي في ف رنسا والتجاوزات الملحوظة في أعمال اآلمرين بالصرف في إعقاب الحرب
العالمية الثانية ،انظر:
336
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وبالنتيجة ،بسبب هاجس تحقيق التوازن في المسؤولية أمام القضاء المالي بين اآلمر
بالصرف والمحاسب العمومي حتى ال تترك أخطاء التسيير التي يرتكبها اآلمرون بالصرف
بدون عقاب بينما تعاقب أخطاء المحاسبين العموميين بشدة في إطار المسؤولية المالية
والشخصية في مادة البت في الحسابات.2
على صعيد آخر ،يعزى تركيز المساءلة على السلطات التدبيرية والتنفيذية باألجهزة
الخاضعة إلى الطابع الرئيسي لدور اآلمر بالصرف ومساعديه في تدبير شؤون األجهزة
الخاضعة ،إذ بحكم "موقعه في قمة المرفق العمومي ،فإن (له) هاجس أساسي يتمثل في
ضمان التسيير في أحسن الظروف( )...ونظ ار لكون الحاجيات تتجاوز عموما اإلمكانيات
المرخص بها في الميزانية وتبدو فيها القواعد القانونية غالبا كعراقيل غير متحكم فيها ،فإن
التوجه الطبيعي هو محاولة تجاوزها على أساس أن رؤسائهم سيتولون تقييمهم على أساس
نتائج مبادراتهم وليس بناء على مدى احترامهم للقانون" .3في حين تنحصر مجال مسؤولية
المراقبين والمحاسبين العموميين في أعمال سلبية يمكن إجمالها في عدم القيام بالمراقبات
التي هم ملزمون بها ،طبقا للقوانين واألنظمة الجاري بها العمل.
وبذلك ،يحتل نطاق اختصاص التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية موقعا وسطا
مقارنة بمختلف االختصاصات الرقابية للمجلس األعلى للحسابات القضائية منها أو غير
القضائية .فإذا كان مجاله يمتد إلى أجهزة عمومية أخرى غير تلك الخاضعة الختصاص
البت في الحسابات ،أي األجهزة التي ال تتوفر على محاسب عمومي ،فإن المدبرين الذين
يتولون التصرف في أموال عمومية ولكن ينتمون ألجهزة خاضعة للقانون الخاص ،ال
يخضعون لهذا االختصاص .ومن هذه الزاوية ،يكتسي اختصاص التسيير بحكم الواقع ،الذي
يعتبر في نفس اآلن مخالفة لمبدأ فصل المهام بين اآلمر بالصرف والمحاسب العمومي
Christophe PIERUCCI, Une responsabilité à raison de la gestion publique : La responsabilité devant la Cour
de discipline budgétaire et financière, Thèse de doctorat en Droit, Mention « Droit Public », Université Robert
Schuman-Strasbourg III, Faculté de Droit, des Sciences Politiques et de Gestion, 19 décembre 2003, p :3 et
suivantes.
1
يروم هذا المبدأ في صيغته األصلية تفادي عرقلة المتصرفين واآلمرين بالصرف في ممارسة مهامهم تحت طائلة حلول حكومة القضاة محل
اإلدارة.
2 J. Vieilleville, M. Breyton, Guide de l’élu local, Prévention des risques de gestion, Dalloz, 1997, p : 83.
3
G. Montagnier, Principes de comptabilité publique, 2éme édition, Dalloz, 1981, p : 72.
337
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ومسطرة قضائية فرعية في مادة البت في الحسابات ،وبالتبعية ،نظام تكميلي للمسؤولية في
إطار البت في الحسابات ،أهمية قصوى في ضمان الوالية الشاملة للقاضي المالي 1مقارنة
بالبت في حسابات المحاسبين العموميين النظاميين والتأديب المتعلق بالميزانية والشؤون
المالية ،إذ العبرة في انعقاد هذا االختصاص بقبض وحيازة أموال عمومية والتصرف فيها
دون أهلية ،وليس بالصفة الوظيفية للشخص المعني والجهاز الذي ينتسب إليه.
وال تستمد هذا النعت من كون القواعد القانونية التي تخالفها ذات طبيعة مالية ،ولكن
من كونها تهدف إلى حماية المال العام ،أي الموارد المالية لألجهزة العمومية ،وبصفة عامة
ممتلكات هذه األجهزة وضمان حسن استعمالها ،4اعتبا ار لكون الهدف من المساءلة عن هذه
1
إال أن ممارسة هذا االختصاص ظل محدودا بسبب طول آجال البت ،إذ تتضمن المسطرة المطبقة في هذا اإلطار مراحل متعددة ومختلفة وتشكل
فيها كل مرحلة شرطا لالنتقال إلى المرحلة الموالية ويشوبها غموض في مسطرة التصريح بحالة التسيير بحكم الواقع وعيب الخلط بين سلطة
التحقيق وسلطة المتا بعة .للمزيد من التفاصيل ،انظر كتابنا حول نظام مسؤولية المدبرين العموميين أمام القاضي المالي -دراسة قانونية وقضائية
مقارنة -مرجع سابق ،ص 91 :وما بعدها.
2
بينما يرتبط مفهوم المالحظة والتوصية باالختصاصات الرقابية غير القضائية للمجلس ،كما هو الشأن بالنسبة لم ارقبة التسيير ومراقبة استخدام
األموال العمومية.
3
يميز الفقه في إطار هذه المخالفة مابين المخالفة اإلدارية والمخالفة المالية .فإذا كانت هذه األخيرة تنصرف إلى األفعال التي تشكل خرقا لألحكام
المتعلقة بتنفيذ العمليات المالية والمحاسبية ويترتب عنها أث ار ماليا ،فإن المخالفة اإلدارية تعتبر أكثر شموال ،إذ تنصرف إلى كل إخالل بواجبات
الوظيفة سواء تعلق األمر بتنفيذ العمليات المالية والمحاسبية أو غيرها من المهام الوظيفية األخرى ،وال يترتب عنها بالضرورة أثر مالي .ويمكن أن
تشكل بعض المخالفات اإلدارية مخالفات مالية نص عليها في القانون المحدث للجهاز الرقابي .كما توجد سمات مشتركة بين المخالفة المالية
والمخالفة اإلدارية حيث تشكالن مخالفات تأديبية وتخالفان القانون وكلتيهما ارتكبهما مسؤول بمناسبة ممارسته للمهام المسندة إليه بحكم وظيفته.
4
Christophe PIERUCCI, Une responsabilité à raison de la gestion publique op, cit, p : 54.
338
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
المخالفات أمام المحاكم المالية ليس بالدرجة األولى تأديب األشخاص المرتكبين لهذه
المخالفات ،بل تحقيق االنضباط في مجال التدبير العمومي وحماية القانون العام المالي.1
وقبل تناول تطبيقات مبدأ شرعية المخالفة في المنازعة القضائية الخاصة بالتأديب
المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ونطاقها (الفقرة الثانية) ،سنتعرض في نقطة أولى إلى
المخالفات المستوجبة للمسؤولية في هذا المجال ،كما هي محددة في مدونة المحاكم المالية
(الفقرة األولى).
ويعتبر هذا التمييزمن اآلثار القانونية المترتبة عن مبدأ الفصل بين مهام اآلمر
بالصرف والمحاسب العمومي ،الذي ارتبط تاريخيا" بعدم ثقة السلطة التشريعية في مدبري
األموال العمومية" ،2ويشكل تطبيقا للمبدأ السياسي والدستوري التقليدي لفصل السلط في
المجال المالي .3ومن هذه الزاوية ،تفيد المقارنة بين مختلف المخالفات المستوجبة للمسؤولية
1 A. Froment – Meurice (et autres), Observations sur la décision du Conseil constitutionnel (France), 3 mars
2005, n° 23005-198L, Nature des dispositions du CJF concernant la CDBF, Les grands Arrêts de la
jurisprudence financière (GAJF), Dalloz, 2014, p : 28.
2
Christian Bigaut, Finances publiques- Droit budgétaire, Economica, Paris, 1995, p :156.
3
Paul-Marie Gaudemet et Joël Molinier, Finances publiques, Tome 1 er : Budget-Trésor, Montchrestien, 6éme
édition, 1992, p : 348.
339
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
في مادة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ،كما حددتها المواد 50و 55و51
المذكورة أعاله ،الطابع الرئيسي لمسؤولية اآلمر بالصرف الذي يتدخل في مستهل مسطرة
تنفيذ العمليات المالية والمحاسبية .في حين تكتسي مسؤولية المراقبين والمحاسبين العموميين
طابعا تبعيا ،وذلك نظ ار لكون مسؤوليتهم تثار بشأن أعمال سلبية تتعلق بعدم القيام
بالمراقبات التي هم ملزمون بها ،طبقا للقوانين واألنظمة الجاري بها العمل.
في هذا الصدد ،وبالرجوع إلى المخالفات الواردة في المادة 50من مدونة المحاكم
المالية ،يمكن التمييز في إطارها بين ثالثة أصناف ،1وهي:
وباإلضافة إلى هذه المخالفات ،التي تتوزع بين المخالفات الشكلية ذات الطابع العام
ومخالفات النتيجة ،تضمنت المادة 50أعاله ،كذلك ،مخالفتين يقتضي قيامهما توفر عنصر
القصد عند ارتكابهما ،ويتعلق األمر بالتقييد غير القانوني لنفقة بهدف التمكن من تجاوز
االعتمادات وعدم الوفاء تجاهال أو خرقا لمقتضيات النصوص الضريبية الجاري بها العمل
بالواجبات المترتبة عليها قصد تقديم امتياز بصفة غير قانونية لبعض الملزمين بالضريبة.
أما من حيث الموضوع ،فإن هذه المخالفات تستوعب ،فضال عن حاالت خرق القواعد
القانونية 2التي تروم ضمان شرعية التدبير العمومي ،تلك المرتبطة بمنح امتيازات غير
مبررة ،األمر الذي يمنح لألخالق والقيم التي يجب أن تسود في الحياة العامة أهمية كبيرة،
وهو ما يضفي على المساءلة عنها طابعا وقائيا إزاء حاالت االرتشاء والشطط في استعمال
1
وهو نفس التصنيف الذي اعتمدته محكمة النقض في قرارها رقم 3/351المؤرخ في 13يونيو 1131في الملف اإلداري رقم
1130/3/0/1399الذي نقض بموجبه القرار عدد / 1130/13ت.م.ش.م الصادر عن هيئة الغرف المشتركة بالمجلس األعلى للحسابات بتاريخ
11يوليوز .1130
المتعلقة بااللتزام بالنفقات العمومية وتصفيتها واألمر بصرفها وبإثبات الديون العمومية وتصفيتها واألمر بصرفها وبتحصيل الديون العمومية 2
وبتدبير ممتلكات األجهزة الخاضعة الختصاص المجلس ،وكذا تلك المضمنة في النصوص التنظيمية المتعلقة بالصفقات العمومية والنصوص
التشريعية والتنظيمية الخاصة بتدبير شؤون الموظفين واألعوان.
340
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
السلطة واستغالل النفوذ ،مما يجعلها آلية أساسية من شأن المساءلة عنها المساهمة في
تخليق التدبير العمومي.
كما يمتد مجال المساءلة في مادة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية إلى
االختالالت في نظام الرقابة الداخلية التي يترتب عنها ضرر .وتضفي هذه المخالفة سمة
خاصة على القضاء المالي النسجامها مع المهام الرقابية لألجهزة العليا للرقابة واألهداف
التي أحدثت من أجلها هذه األجهزة ،والتي تتجلى في مساعدة مسؤولي المنظمات العمومية
على تفادي ارتكاب المخالفات المستوجبة للمسؤولية أو جعل إمكانية تكرار ارتكابها غاية في
الصعوبة ، 1وذلك من خالل تعزيز نظام الرقابة الداخلية .وتجد هذه المخالفة مبررها في
األهمية ال بالغة التي تكتسيها أخطاء التدبير ،خاصة من حيث اآلثار السلبية المترتبة عنها
على مستوى ترشيد الوسائل وتكلفة األداء ،إذ أن « الضرر الذي يمكن أن تتعرض له المالية
العامة ( )...نتيجة أخطاء التدبير التي قد يرتكبها اآلمرون بالصرف هو أكثر خطورة من
الضرر الناجم عن األخطاء أو الجنح المرتكبة بمناسبة مسك األموال".2
وكما يالحظ ،وألن القواعد المطبقة على األجهزة الخاضعة الختصاص المجلس في
مادة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية تتسم بالتعدد والتنوع حسب الشكل القانوني
للجهاز المعني وطبيعته ،وكذا مجاالت التدبير ذات الصلة ،األمر الذي يتعذر معه تحديد
جميع األفعال التي قد يرتكبها المدبر العمومي في هذا المجال ،والتي قد تشكل مخالفات
تستوجب المساءلة ،فإن المشرع لم يعتمد في رسم نطاق مبدأ الشرعية في إطار هذا
االختصاص الصيغة العامة المتبعة في مجال التأديب اإلداري ،أي اإلخالل بالواجبات
الوظيفية من طرف المدبرين العموميين ،بل أورد المخالفات المستوجبة للمسؤولية حسب
مجاالت التدبير ،ومن خالل اعتماد أسلوب اإلحالة على قواعد تنظم مجاالت تشمل مختلف
مناحي التدبير العمومي ،دون تحديد األفعال المادية التي يمكن في حال ارتكابها أن تشكل
مخالفات ،كما هو الشأن بالنسبة لوصف الجرائم في القانون الجنائي.
1
إعالن ليما ،مرجع سابق.
2
Georges VEDEL, La responsabilité des administrateurs devant la Cour de Discipline Budgétaire, R.S.L.F,
1949, p :117, cité par Jilali CHABIH, Les Finances de l’Etat au Maroc, Approche en finances publiques
comparées, l’Harmattan, 2007, p :316-317.
341
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وعليه ،يتعلق األمر بتحديد مجاالت المساءلة أكثر من حصر مخالفات بذاتها بالمعنى
التقليدي للمصطلح ،وهو ما يجعل المادة 50سالفة الذكر كفيلة باستيعاب المستجدات التي
تط أر على النظام القانوني للتدبير العمومي عند تكييف األفعال موضوع المتابعات ،1وفي
المحصلة ،تمنح للقاضي المالي سلطة تقديرية واسعة عند تكييف األفعال موضوع قضايا
التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية عند البت فيها ،كما سيتم بسطه في النقطة
الموالية.
على خالف اختصاص التدقيق والبت في الحسابات ،كما سبقت اإلشارة إلى ذلك
أعاله ،ال تنحصر والية القاضي المالي في مجال التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية
في األجهزة العمومية التي تتوفر على محاسب عمومي وتطبق نظام المحاسبة العمومية ،بل
تمتد إلى أجهزة عمومية أخرى تتخذ أشكاال قانونية مختلفة ومتنوعة تتجاوز الشكل اإلداري
التقليدي للمرفق العام ،وتنشط في المجاالت التجارية والصناعية ،وتطبق في جزء كبير ومهم
من معامالتها قواعد القانون الخاص.
وتبعا لتنوع القواعد القانونية المنظمة لنشاط مختلف هذه األجهزة العمومية ،وامتداد
نطاق المخالفات إلى صناعة القرار المالي وتنفيذه ومراقبته ،كما تم تبيانه أعاله ،فإن مجال
المساءلة في مادة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ال ينحصر في عدم احترام
قواعد تنفيذ النفقات والموارد العمومية وتدبير ممتلكات األجهزة العمومية ،وبصفة عامة قواعد
المحاسبة العمومية ،بل ينصرف أيضا إلى األفعال المرتكبة من طرف األشخاص الخاضعين
لهذا االختصاص في إطار ممارسة مهامهم الوظيفية داخل األجهزة الخاضعة كيفما كان
كما هو الشأن بالنسبة للقواعد القانونية المضمنة في المادة 31من قانون المالية رقم 09.11للسنة المالية 1110الصادر بشأن تنفيذه الظهير 1
الشريف 3.11.119بتاريخ 13ديسمبر( 1111أداء فوائد التأخير) ،الجريدة الرسمية رقم 5310في فاتح يناير ،1110والمادة 3من قانون
المالية رقم 11.33للسنة المالية 1111الصادر بشأن تنفيذه الظهير الشريف 3.33.315بتاريخ 31ديسمبر( 1133تنفيذ األحكام القضائية)،
الجريدة الرسمية عدد 1919مكرر بتاريخ 30ديسمبر ،1133ص.33311 :
2
Principe de Rattachabilité.
342
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
شكلها ،وبغض النظر عن الطبيعة التجارية أو التنافسية ألنشطتها مادام أن هذه األفعال
تخالف القواعد السارية على التسيير المالي لهذه األجهزة.1
ووفقا لهذا المعنى ،فإن قواعد تنفيذ النفقات العمومية ال تنحصر في معناها الضيق
الذي يحيل على قواعد المحاسبة العمومية (االلتزام والتصفية واألمر باألداء واألداء) ،بل
تمتد ،كذلك ،إلى األعمال التي ال يمكن فصلها عن هذه القواعد ،والتي تعتبر جزءا ال يتج أز
من مسطرة تنفيذ هذه النفقات.2
وإذا كان مصدر هذا المبدأ هو االجتهاد القضائي ،فقد اعتمده المشرع المغربي في
مدونة المحاكم المالية من خالل مقتضيات تشريعية مباشرة ،خالفا لما كان عليه األمر في
إطار القانون رقم 31-13وفي التشريع الفرنسي ،إذ أوردت المادة 50من مدونة المحاكم
المالية مخالفات أخرى تتجاوز بشكل مباشر عدم احترام قواعد المحاسبة العمومية .ويتعلق
األمر بعدم احترام النصوص التنظيمية المتعلقة بالصفقات العمومية ومخالفة النصوص
التشريعية والتنظيمية الخاصة بتدبير شؤون الموظفين واألعوان وقواعد تدبير ممتلكات
األجهزة الخاضعة لرقابة المجلس.
وقد اتجه المجلس األعلى (محكمة النقض حاليا) نحو التوسيع في تحديد مفهوم القواعد
القانونية التي قد يترتب عن عدم احترامها إثارة المسؤولية أمام القاضي المالي في مادة
التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ،حيث قضى بأن " قاعدة ال جريمة وال عقوبة إال
بنص إنما تخص تطبيق القانون الجنائي وموضوع المتابعة المعروضة هو المجال التأديبي
الذي يخضع للقوانين واألنظمة والمناشير والدوريات إلى جانب خضوعه لما يعتبر من
المسلمات البديهية التي ال تحتاج إلى تنظيم أو تقعيد .3"...وهو نفس االتجاه الذي اعتمده
مجلس الدولة الفرنسي ،4إذ أكد على أنه "عندما يتعلق األمر بتطبيق عقوبات غير جنائية،
1
CDBF, 24 février 2006, Sté Altus finance, 2 ème arrêt ; CDBF, 16 novembre 2012, ANPE,Ajda, 2013, p :
1621.
2
CE, 7 juillet 1978, Massip.
3
قرار المجلس األعلى عدد 530المؤرخ في 33أكتوبر 1113الصادر في الملف اإلداري عدد 1111/3/0/3111المتعلق بالطعن بالنقض في
القرار الصادر عن المجلس األعلى في الملف عدد / 30/313ت .م.ش.م بتاريخ 11أكتوبر ،3333دليل الق اررات الصادرة عن المجلس األعلى
في مجال نقض ق اررات المجلس األعلى للحسابات ،النيابة العامة لدى المجلس األعلى للحسابات ،أكتوبر ،1111ص.303 :
4
CE, 16 janvier 2008, M.Haberer, rejet de Pourvoi en cassation dirigé contre l’arrêt de la CDBF en date du
24 Février 2006, Société « ALTUS Finance » ; CDBF, 19 avril 2000, Banque du Crédit Chimique .
343
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
فإن مبدأ شرعية المخالفات والعقوبات ال يمنع من تحديد المخالفات على أساس الواجبات
التي يخضع لها شخص بالنظر إلى النشاط الذي يمارسه والمهنة التي ينتمي إليها أو
المؤسسة التي ينتسب إليها".1
في ذات السياق ،اعتبرت غرفة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية بالمجلس
األعلى للحسابات ،تطبيقا لمبدأ االرتباط ،النصوص التنظيمية المطبقة على صفقات الدولة
من قواعد تنفيذ نفقات مؤسسة عمومية عندما تحيل صفقة مبرمة من طرف هذه المؤسسة
عليها .2كما أن إحالة بند بصفقة مبرمة من طرف مؤسسة عمومية على كناش الشروط
اإلدارية العامة المطبق على صفقات األشغال المبرمة لحساب الدولة يجعل القواعد المضمنة
بهذا الدفتر من قواعد تنفيذ نفقات هذه المؤسسة العمومية ،وليس نصا تنظيميا مطبقا على
الصفقات التي تبرمها .3وفي قضية أخرى ،ارتكزت الهيئة على المبدأ العام المتعلق
بالمساواة في االستفادة من عروض البيع الموجهة للعموم من طرف شركة عامة العتبار "
عدم تعميم منح تسهيالت في األداء على جميع المستفيدين من برنامج سكني (للشركة)
امتيا از ممنوحا لفئة من المستفيدين دون سواهم من العموم ،وإخالال بمبدأ المساواة في
االستفادة من نفس شروط البيع من طرف العموم ،4"...وبالتالي ،شكل عدم التقيد بهذا المبدأ
العام مخالفة لقواعد تدبير ممتلكات الشركة المعنية.
في نفس االتجاه ،وبشأن أخطاء اإلهمال ،اعتمدت الهيئة في إسناد المسؤولية بشأن
مخالفة في مجال تدبير الممتلكات على مبدأ عام يقضي بأن الرئيس التسلسلي مسؤول عن"
1
CE, 16 janvier 2008, Haberer, op, cit.
2
الق ـرار عدد /1131/01ت.م.ش.م بتاريخ 1ماي 1131الصادر في القضية عدد رقم /1111/315ت.م.ش.م المتعلقة بمكتب جهوي
لالستثمار الفالحي ،منشورات المجلس األعلى للحسابات ،ق اررات صادرة عن غرفة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ،أكتوبر ،1135ص:
.10
3
الق ـرار عدد /1130/13ت.م.ش.م بتاريخ 31يونيو 1130الصادر في القضية عدد /1131/311ت.م.ش.م المتعلقة بالتسيير المالي لمؤسسة
عمومية ،نفس المرجع السابق ،ص .310 :انظر كذلك الق اررات عدد 10و 15و/1131/ 11ت.م.ش.م الصادرة بتاريخ 31أكتوبر ،1131
منشورات المجلس األعلى للحسابات ،ق اررات صادرة عن غرفة التأديب ،...شتنبر ،1139ص 111 :وما بعدها؛ الق اررات عدد 19و 13و31
و 33و / 1139 /31ت.م.ش.م الصادرة بتاريخ 13يونيو 1139في القضية رقم /1131 /311ت.م.ش.م المتعلقة بنيابة إقليمية للتربية
والتكوين ،الق اررات الصادرة عن غرفة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية برسم سنة ،1139أبريل ،1133ص 309 :ومابعدها.
4
قـرار عدد /1131/13ت.م.ش.م الصادر بتاريخ 11أكتوبر 1131في القضية عدد /1131/313ت.م.ش.م المتعلقة بشركة عامة ،منشورات
المجلس األعلى للحسابات ،الق اررات الصادرة عن غرفة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية برسم سنة ،1131شتنبر ،1139ص333 :
ومابعدها.
344
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
تنظيم المديرية واإلشراف على مصالحها بشكل يضمن تتبع مآل المعدات المعارة لألغيار
(لذلك ،فإن) عدم اتخاذ(المتابع) لإلجراءات الالزمة السترجاع الجهازين المعارين ()...
يشكل إهماال وتقصي ار في المحافظة على ممتلكات الجهاز (ويكون بذلك) قد خالف قواعد
تدبير الممتلكات" .1كذلك ،يعتبر تقصير الرئيس التسلسلي في القيام بالمهام اإلشرافية
الموكولة إليه وبالواجبات الوظيفية التي تستوجبها صفته كصاحب المشروع مخالفة لقواعد
تصفية النفقات العمومية ،اعتبا ار لكون عدم اتخاذ المعني باألمر اإلجراءات الالزمة قصد
إرساء نظام للرقابة الداخلية ،يضمن حسن تنظيم المصالح اإلدارية والتوظيف الجيد للموارد
البشرية الموضوعة رهن إشارته وتحديد مهام مختلف المتدخلين ،ساهم في االختالالت التي
شابت اإلشهاد على إنجاز العمل برسم الصفقات المعنية بالمتابعة.2
وفي مناسبة أخرى ،اعتبرت غرفة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية أن
"...إبرام صفقة يتعلق موضوعها بإنجاز أشغال على أرض لم تتم تسوية وضعيتها القانونية
بعد ،أي قبل انتقال ملكية هذه األرض إلى صاحب المشروع ،وتوفر جميع الشروط القانونية
والموضوعية لجعل موضوع عقد االلتزام قابال للتنفيذ مخالفة لقواعد االلتزام بالنفقات
العمومية .3"...وبالتالي ،فإن مخالفات قواعد االلتزام بالنفقات العمومية تمتد إلى الواجبات
ال وظيفية التي يتعين على المسؤول اتخاذها ولو لم تكن موضوع قاعدة قانونية صريحة ،وهو
االجتهاد الذي كرسه الحقا قانون المالية لسنة 1111في مادته 9المكررة.4
1
قـرار عدد/1131/03ت.م.ش.م بتاريخ 11يونيو 1131الصادر في القضية عدد /1131/333ت.م.ش.م المتعلقة بالتسيير المالي لمرفق
للدولة ،منشورات المجلس ،...أكتوبر ،1135ص.33:
القرار عدد / 1139 /19ت.م.ش.م الصادر بتاريخ 13يونيو ،1139الق اررات الصادرة عن غرفة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية 2
345
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وتأسيسا على هذه االجتهادات القضائية ،يمنح مبدأ االرتباط مفهوما خاصا لمبدأ
الشرعية في مجال التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية 1ومستوى مقبوال في ضمان
األمن القانوني أكثر من مجال التأديب اإلداري وبدرجة أقل إزاء المجال الجنائي .وهكذا،
وبالرغم من أن مبدأ الشرعية يطبق في المجال التأديبي عموما ،فإن ذلك ال يعني وجود
تطابق بين نطاق هذا المبدأ في المجال التأديبي مقارنة بالمادة الجنائية " 2نظ ار لطبيعة
النظام اإلداري التي تنعكس حتما على نظام التأديب اإلداري ،وتتطلب عدم تحديد المخالفات
التأديبية على النحو المستقر والمتميز الذي حدد بمقتضاه المشرع الجرائم الجنائية ،وذلك
حتى يواجه النظام التأديبي تعدد وتنوع واجبات الوظائف العامة وتعدد أساليب العاملين
ومخالفة هذه الواجبات وإثبات أفعال تتعارض مع مقتضياتها ولتتحقق المرونة للسلطة
التأديبية لوزن وتقدير صورة ومساحة المخالفة والجريمة التأديبية التي يتعين أن تدخل أصال
حسب تكييفها في الوصف العام الذي يحدده المشرع في القانون ،والذي يحقق الشرعية
بالنسبة لكل األفعال والموازين التي ينطبق عليها ،ويحقق بالتالي شرعية الجريمة
التأديبية.3"...
إال أنه ،وبالرغم من هذا التنوع في طبيعة المخالفات المستوجبة للمسؤولية في مادة
التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ،الذي يضفي عليها طابع الشمولية الرتباطها
1
اعتبر المجلس الدستوري الفرنسي أن مبدأ شرعية المخالفة خارج المادة الجنائية يتحقق فقط بإحالة النص المحدث للمخالفة لمقتضيات أخرى تحدد
مضمون االلتزام الذي يترتب عن عدم التقيد به مخالفة:
Con. Cons (France), Décision n°2014-423 QPC du 24 octobre 2014, alinéa 31, , Rapport annuel de La Cour
de discipline budgétaire et financière, La documentation française, 2016, p : 49. Voir aussi, Stéphane Gaillard
et Julien Goubault, Chronique de jurisprudence de la Cour des comptes et la CDBF, Ajda n° 04/2016, 8 février
2016, p: 194.
2
أوضحت الم حكمة اإلدارية العليا المصرية أوجه االختالف بين الجريمة التأديبية والجريمة الجنائية من ناحية اإلثبات والتكييف القانوني واألركان
والعقوبة ،وقضت بأنه " من المسلمات في مجال المسؤولية العقابية جنائية كانت أو تأديبية ضرورة ثبوت الفعل المكون للجريمة ثبوتا يقينا بدليل
مستخلص استخالصا سائغا قبله المتهم مع سالمة تكييفه قانونا باعتباره جريمة تأديبية أو جنائية -وجه الخالف بين الجريمتين أن المشرع حدد
األركان المادية والمعنوية والعقوبة في الجريمة الجنائية ولم يترك للقاضي حرية التقدير إال في العقوبات المحددة بحدين أدنى وأقصى -وفي مجال
التأديب استخدم المشرع أوصافا واسعة في واجبات العامل واألفعال المحظورة عليه ولم يحدد العقوبات التأديبية لكل فعل على حدة باستثناء لوائح
الجزاءات -يمكن تفسير االختالف بين النظامين تبعا لما تقتضيه طبيعة المرافق العامة سواء في عالقتها بموظفيها أو بجمهور المتعاملين معها وما
تحتمه أيضا من تحقيق كفالة حمايتها من اإلضراب وعدم االنتظام في أداء خدماتها من تمكين السلطة التأديبية من الحفاظ دوما على الضبط
والربط اإلداري في تلك المرافق ،".المحكمة اإلدارية العليا (جمهورية مصر العربية) ،الطعنان رقما 1951و 1953بتاريخ 39مارس ،3393
سمير عبد الله سعد ،الجرائم التأديبية والجنائية للموظف العام ،منشأة المعارف ،االسكندرية.1130 ،ص.13 :
3
نفس المرجع السابق ،ص.11 :
346
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
فإنه ليس كافيا لتحقيق فعالية هذا النظام بمختلف مظاهر ومناحي التدبير العمومي،
العقابي نظ ار للتفاوت بين اإلطار النظري لهذه المسؤولية وإطارها العملي والتطبيقي ،إذ لئن
كانت مدونة المحاكم المالية قد أوردت أكثر من 31مخالفة 1يمكنها أن تثير المسؤولية أمام
القاضي المالي في هذا المجال ،فإن المخالفات المتعلقة بضمان شرعية التدبير العمومي
تشكل المصدر الفعلي والرئيسي لهذه المسؤولية 2في حين ظل حيز المخالفات األخرى
هامشيا وثانويا ويعاقب عليها ،في واقع األمر ،بسبب تبعيتها لهذه المخالفات الرئيسية عند
التكييف القانوني لألفعال .وفي المحصلة ،انحصر موضوع المساءلة في احترام الشرعية
الموضوعية ،وقد يتولى قاضي التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ،من أجل ذلك،
نفس دور القاضي اإلداري في دعوى الشطط في استعمال السلطة ،أي مراقبة مشروعية
الق اررات اإلدارية.
1
المادة 50من مدونة المحاكم المالية.
2تشكل مخالفة قواعد تنفيذ النفقات العمومية نسبة % 51من المخالفات التي عاقب عليها القاضي المالي المغربي في إطار التأديب المالي منذ
الشروع في ممارسة هذا االختصاص سنة .3330بينما تمثل مخالفة منح منافع غير مبررة نسبة % 39ومخالفة قواعد تدبير الممتلكات نسبة
.%30أما نسبة % 1المتبقية فتتوزع على المخالفات األخرى .انظر:
Présentation de la compétence de la Cour des comptes du Royaume du Maroc en matière de discipline budgétaire
et financière, Actes de cycle de Formation de l’AISCUF, op,cit.
347
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
كما تتميز العقوبات التي يصدرها القاضي المالي في هذا المجال بالثنائية من حيث
الطبيعة والغاية ،إذ باإلضافة إلى الغرامة المالية التي تحدد حسب خطورة وتكرار المخالفات
وتهدف إلى الردع الخاص لمرتكبي المخالفات ،يؤهل القاضي المالي إلصدار عقوبة أخرى،
تتشابه مع العقوبة في مجال المسؤولية المدنية ،وتتجلى في الحكم بإرجاع األموال إذا تسببت
مخالفة مرتكبة بخسارة للجهاز المعني (الفقرة الثانية).
348
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وبصفة عامة ،تعتبر دعوى التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية دعوى عمومية
تقام أمام القضاء من طرف النيابة العامة لدى المجلس األعلى للحسابات من أجل المطالبة
بتوقيع الجزاء على األشخاص المتابعين ،الذين يكونوا قد ارتكبوا إحدى المخالفات المستوجبة
1
تفيد المقارنة بين مختلف النصوص القانونية المتعلقة بالمساطر القضائية تفاوتا كبي ار بين قانوني المسطرة المدنية والمسطرة الجنائية ومدونة
المحاكم المالية :عدد مواد قانون المسطرة المدنية ( 519مادة) وعدد مواد قانون المسطرة الجنائية ( 519مادة) في حين ال يتعدى عدد مواد القواعد
اإلجرائية المقررة في مدونة المحاكم المالية 19 ،مادة تتعلق باالختصاصين القضائيين للمجلس ،وهما البت في الحسابات والتأديب المتعلق بالميزانية
والشؤون المالية موزعة كاآلتي 11 :مادة تتعلق بمسطرة التدقيق والبت في الحسابات ومادتان ( )1تتعلقان بالتسيير بحكم الواقع و 30مادة تهم
اختصاص التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية.
2أكدت محكمة التأديب المالي الفرنسية في العديد من ق ارراتها أن حقوق الدفاع ال تجد مصدرها في القوانين فقط ،بل أيضا في المبادئ العامة
للقانون التي تلزم كل محكمة ،انظر:
CDBF, 22 et 29 novembre 1985, Sté des autoroutes Rhône- Alpes ; CDBF, 28 septembre 1994, CH d’Albi,
Revue de Trésor, 1995, p : 683.
3
الحكم الصادر عن المحكمة اإلدارية بالدار البيضاء تحت عدد 111بتاريخ 11يونيو.1113
4ترجمة لعبارة ( )allure pénaleالتي استعملها الفقيه G.Vedelفي مقاله الشهير:
La responsabilité des administrateurs devant la Cour de discipline budgétaire et financière, RSLF, 1949, p :
132, expression empruntée par Christophe Pierucci : Une responsabilité à raison de la gestion publique…, op,
cit, p : 377.
349
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
للمسؤولية في هذا المجال .1ويعكس الدور الرئيسي للنيابة العامة ،كسلطة مالءمة في إقامة
الدعوى ،الطابع الزجري لهذا االختصاص ،2وهو ما يقتضي التمييز في إطار ممارسة هذه
الدعوى بين مختلف السلطات المتدخلة في المسطرة القضائية ،سواء في مرحلة المتابعة أو
التحقيق أو البت في القضية ،إذ يشكل هذا التمييز من شروط المحاكمة العادلة .كما تمنح
للمتابعين ضمانات لممارسة حقوق الدفاع خالل جميع مراحل المسطرة تراعي خاصيات
التدبير العمومي ،وتتشابه إلى حد بعيد مع الحقوق المكفولة للمتهمين في إطار المسطرة
الجنائية.3
كذلك ،يؤهل لرفع القضايا إلى المجلس ،بواسطة الوكيل العام للملك ،رئيس الحكومة
ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين ،وكذا الوزراء بناء على تقارير الرقابة أو
1
القـرار عدد /1131/51ت.م.ش.م بتاريخ 13يونيو 1131الصادر في القضية عدد /1111/311ت.م.ش.م ،ق اررات صادرة عن المجلس في
مادة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ،أكتوبر ،1135ص.11:
2
A. Froment –Meurice (et autres), commentaire sur CE, ass, 30 juin 1961, Procureur Général près la Cour des
comptes, Ministère public prés la CDBF c/ Mazer, GAJF, 2014, op, cit, p : 186.
تضمن مسطرة التأديب المالي جل حقوق الدفاع المطبقة في الدعوى الجنائية ،كما هو الشأن بالنسبة لحق المتابع في تبليغه مقرر المتابعة حتى 3
يكون على علم بالمؤاخذات المنسوبة إليه وحقه في االستعانة بمحام والمطالبة باالستماع إلى الشهود واالطالع على الملف الذي يهمه إلعداد دفاعه
وحق حضور الجلسات مؤاز ار بدفاعه ،وتقديم توضيحاته وتبريراته أثناءها وطلب االستماع إلى الشهود وحق أخذ الكلمة األخيرة في الجلسة قبل
إدراج الملف في المداولة للبت فيه من طرف هيئة بواسطة ق اررات قضائية .وبصفة عامة ،حق المتابع في مسطرة عادلة تضمن توازن حقوق
األطراف المعنية بالقضية .غير أن توفر المستشار المقرر على صوت تقريري ،وإن كان ال يساهم في سلطة المتابعة ،يظل من بين االنتقادات التي
توجه إلى هذه المسطرة من حيث مدى مالءمتها مع شروط المحاكمة العادلة.
4بناء على الشكايات التي يتوصل بها أو المعلومات أو التقارير التي توفرت لديه بمناسبة ممارسة االختصاصات الموكولة إليه في إطار مدونة
المحاكم المالية ،السيما بواسطة البحث التمهيدي (المادة 31من المدونة).
الفصل 13من القانون رقم 31-13المذكور أعاله. 5
350
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
التفتيش مشفوعة بالوثائق المثبتة فيما يخص األفعال المنسوبة إلى الموظفين أو األعوان
العاملين تحت سلطتهم ،وفيما يخص األفعال المنسوبة إلى المسؤولين واألعوان باألجهزة
المعهود إليهم بالوصاية عليها.
وبشأن المقصود بالسلطة المؤهلة لرفع قضية في مجال التأديب المتعلق بالميزانية
والشؤون المالية ،كرس االجتهاد القضائي الفرنسي مبدأ أساسيا يتجلى في عدم قابلية هذه
السلطة للتفويض ،نظ ار للطابع العقابي لالختصاص .1كما ال تندرج طلبات رفع القضايا
ضمن األعمال ذات الطبيعة القضائية في المسطرة ،2وبالتالي ،ال يعتبر القاضي المالي
مختصا للنظر في مدى احترام حقوق الدفاع خالل مرحلة طلب رفع القضية ،3إذ العبرة
بمدى تقيد المحكمة بالمسطرة القانونية منذ تاريخ توصل الشخص المتابع بمقرر المتابعة إلى
حين صدور حكم في القضية.4
5
ومن الناحية التاريخية ،شكلت الطلبات الصادرة عن السلطات الداخلية بالمجلس
المصدر الرئيسي لقضايا التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية منذ دخول مدونة
المحاكم المالية حيز التنفيذ .ويعزى هذا التحول ،مقارنة بالقانون رقم 31-13المنسوخ ،إلى
المقاربة الجديدة التي جاءت بها المدونة التي تروم إقامة جسور بين االختصاصات القضائية
للمجلس واختصاصاته غير القضائية ،وأصبح اختصاص التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون
المالية ،تبعا لذلك ،من نتائج المهمات الرقابية للمجلس في إطار مراقبة التسيير .في هذا
اإلطار ،لوحظ أن جميع طلبات رفع القضايا ،في الفترة مابين سنة 1111وسنة ،1135
1
CDB, 21 avril 1959, Direction technique et industrielle de l’aéronautique du secrétariat aux forces armées
confirmé par CE, 30 juin 1961, Mazer.
2
القرار عدد /1139/13ت.م.ش.م الصادر بتاريخ 19ماي 1139في القضية عدد / 1135/310ت.م.ش.م المتعلقة بالتسيير المالي لجامعة
موالي اسماعيل بمكناس ،ق اررات صادرة عن غرفة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ،ابريل ،1133ص.35 :
3
CDBF, 5 novembre 1997, Ministère des Affaires étrangères (frais de réception), Revue de Trésor, 1999, p :
194 ; CDBF, 25 juillet 2008, France Télécom, Ajda, 2008, p : 2435, note Groper et Michaut.
4
القرار عدد /1139/13ت.م.ش.م الصادر بتاريخ 19ماي 1139المذكور أعاله.
5
ال تخرج التجربة الفرنسية عن هذه الحصيلة ،إذ يتبين من خالل إحصائيات القضايا المرفوعة أمام محكمة التأديب المالي أن محكمة الحسابات
تحيل بشكل منتظم بعض القضايا ،وأحيانا الغرف الجهوية للحسابات ،وناد ار الوزراء ،وأبدا رئيسي غرفتي البرلمان .للمزيد من التفاصيل حول هذه
النقطة ،انظر:
N.Groper, Les sanctions de droit public financier et la réforme de la gestion publique ou la CDBF et la LOLF,
Revue de Trésor, 2008, p: 97.
351
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
كان مصدرها هيئات الغرف في إطار تداولها في مشاريع التقارير الخاصة التي تسفر عنها
المهمات الرقابية المنجزة من طرف المجلس في إطار مراقبة التسيير .1وابتداء من سنة
،1135وعلى إثر توصل المجلس بمجموعة من تقارير التفتيش التي أنجزتها بعض
المفتشيات العامة بالو ازرات ،في إطار المادة 313من مدونة المحاكم المالية ،شكل البحث
التمهيدي مصد ار آخر لهذه القضايا .كما اتسمت هذه الفترة بتصاعد عدد القضايا المرفوعة
أمام المجلس بطلب من هيئات بغرفة التدقيق والبت في الحسابات ،المحدثة سنة ،1130
وذلك في إطار المادة 11من المدونة.2
في حين ،وباستثناء فترة تطبيق القانون رقم 31-13المنسوخ ،والذي كانت فيه
القضايا األولى التي بت فيها المجلس تمت بناء على طلبات صادرة عن وزراء ،لم تتوصل
النيابة العامة لدى المجلس ،منذ دخول القانون رقم 11-33حيز التنفيذ ،بأي طلب من
طرف السلطات الخارجية األخرى الواردة في المادة 51من المدونة.3
ق اررات صادرة عن المجلس األعلى للحسابات في مجال التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ،أكتوبر ،1135ص.0 : 1
2
التقرير السنوي للمجلس األعلى للحسابات برسم سنة ،1139شتنبر ،1133ص.35 :
3
نفس المرجع.
تجدر اإلشارة إلى أن مسطرة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية التي كانت متبعة في إطار القانون رقم 31-13تختلف جوهريا ،السيما 4
في مرحلة المتابعة ،عن تلك المنصوص عليها في مدونة المحاكم المالية .وهكذا ،وبعد رفع القضية أمام المجلس بواسطة ملتمس الوكيل العام
للملك ،يعين الرئيس مستشا ار مقر ار يكلف بإجراء التح قيق الذي يتتبعه الوكيل العام للملك (الفصل 11من القانون المذكور) .وعلى ضوء هذا
التقرير ،يتخذ الوكيل العام للملك مقر ار بالحفظ أو بالمتابعة (الفصل 11من نفس القانون).
352
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ففي حالة الحفظ ،سواء ألسباب قانونية 1أو واقعية ،2يتخذ الوكيل العام للملك مقر ار
يبلغ إلى الجهة التي أحالت عليه القضية ،وذلك تجسيدا للمبدأ الذي يفيد بأن سلطة المتابعة
تعتبر ،بالدرجة األولى ،سلطة مالءمة .غير أن هذا المقرر ال يعتبر نهائيا ،إذ يمكن للوكيل
العام للملك أن يتراجع عنه إذا ظهر له من خالل الوثائق والمعلومات اإلضافية التي يتوصل
بها ،أن هناك قرائن على ارتكاب إحدى المخالفات المستوجبة للمسؤولية .3كما ال يعتبر هذا
المقرر ق ار ار إداريا وال يجوز ،بالتالي ،الطعن فيه باإللغاء ،حيث يعتبر من قبيل األعمال
القضائية التي تتخذها النيابة العامة دون أن يعني ذلك اكتسابه صبغة الحكم القضائي ،بل
يندرج في إطار التدبير اإلداري للملفات.4
أما في الحالة التي يقرر فيها الوكيل العام للملك المتابعة ،فإنه يوجه ملتمسا إلى
ا لرئيس األول قصد تعيين مستشار مقرر يكلف بالتحقيق في القضية ،ويشعر المعنيين
باألمر بأنهم متابعون أمام المجلس .كما يخبر الوزير أو السلطة التي ينتمي إليها هؤالء
والوزير المكلف بالمالية ،وعند االقتضاء ،الوزير المعهود إليه بالوصاية .5وال يعد ملتمس
تعيين مستشار مقرر بديال عن مقررات المتابعة الفردية التي توجه إلى المعنيين باألمر ،إذ
كرس القضاء المالي القاعدة التي تفيد بأن عدم ذكر اسم المسؤول في الملتمس ال يحول
دون إمكانية معاقبته في إطار هذا االختصاص شريطة أن يكون قد وجه له قرار المتابعة
وتم احترام مبدأ التواجهية في مختلف مراحل سريان المسطرة.6
وباإلضافة إلى كونه يشكل اإلجراء الذي يتم بموجبه تحريك دعوى التأديب المتعلق
بالميزانية والشؤون المالية ،فإن أهمية مقرر المتابعة تتجلى ،كذلك ،في كونه يعتبر اإلطار
كما هو الشأن بالنسبة لعدم ورود الجهاز المعني ضمن األجهزة الخاضعة الختصاص المجلس أو كون المعني باألمر غير خاضع لهذا 1
االختصاص أو ألن الفعل موضوع الطلب ال يندرج ضمن المخالفات المستوجبة للمسؤولية .كما قد تصدر النيابة العامة مقرر الحفظ في حالة الوفاة
أو التقادم ،أو ارتكاب الشخص المعني لمخالفة بناء على أمر كتابي صادر عن رئيسه التسلسلي.
2
تراعي النيا بة العامة في هذا الصدد أهمية القواعد والمبادئ التي تمت مخالفتها ،ومدى التناسب بين كلفة المتابعة وحجم المخالفة المرتكبة ،ودرجة
خطورة األفعال المعنية ،ومدى تعدد ظروف التخفيف.
3
الفقرة الرابعة من المادة 59من مدونة المحاكم المالية.
4
قرار المجلس األعلى عدد 103بتاريخ 15ماي ،3313النيابة العامة لدى المجلس األعلى للحسابات ،دليل الق اررات الصادرة عن المجلس
األعلى في نطاق الطعن بالنقض في ق اررات المجلس األعلى للحسابات ،مرجع سابق .انظر كذلك:
CE, 9 Décembre 1977, De Grailly ;CE, 17 octobre 1984, Contensou.
5
المادة 59من مدونة المحاكم المالية.
6
CE, 22 juin 1987, Dehaye.
353
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
المحدد لمجال ونطاق التحقيق والبت في القضية المعروضة ،إذ ال يجوز معاقبة متابع من
أجل أفعال لم تتابعه بشأنها النيابة العامة.1
ويخضع اللجوء إلى هذه اإلجراءات للسلطة التقديرية للمستشار المقرر حسب طبيعة
المؤاخذات المنسوبة إلى المتابع وعناصر إثباتها ،إذ استعمل المشرع فعل " يؤهل" .في هذا
تقدم به دفاع متابع يتعلق بعدم احترام المستشار السياق ،وجوابا على دفع
المقرر"...للضوابط القانونية للتحقيق ،إذ لم يكلف نفسه عناء االنتقال إلى عين المكان للقيام
بالتحريات التي يراها ضرورية )...(،كما تم التحقيق دون االستماع إلى جميع األشخاص
المساهمين في تسيير(الجهاز المعني) ،"...اعتبرت غرفة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون
المالية أن " هذه اإلجراءات (تندرج) ضمن سلطات التحقيق الموكولة إلى المستشار المقرر،
والتي يلجأ إليها حسب طبيعة المؤاخذات قيد التحقيق ،وال تشكل حتما حقا من حقوق الدفاع
التي يتوجب العمل بها في جميع الحاالت".2
1
انظر على سبيل المثال :القرار عدد /1131/13ت.م.ش.م في فاتح مارس 1131الصادر في القضية عدد /1111/311ت.م.ش.م المتعلقة
بالتسيير المالي لمؤسسة عمومية ،قرار صادرة عن المجلس األعلى للحسابات في مادة التأديب المالي ،أكتوبر ،1135ص10 :؛ والقرار رقم
/ 1133/11ت.م.ش.م الصادر عن نفس الغرفة في القضية عدد / 1111/311ت.م.ش.م المتعلقة بالتسيير المالي لمؤسسة عمومية ،نفس
المرجع ،ص 01 :والقرار عدد /1135/10ت.م.ش.م الصادر بتاريخ 1يوليوز 1135في القضية عدد /1131/311ت.م.ش.م المتعلقة بمكتب
الصرف ،ق اررات صادرة عن غرفة التأديب ،...فبراير ،1139ص ،11 :والقرار عدد /1131/11ت.م.ش.م الصادر بتاريخ 31مارس 1131
في القضية عدد /1131/311ت.م.ش.م المتعلقة بالمدرسة العليا للتكنولوجيا بسال ،المرجع السابق ،ص .333 :والق اررات عدد 13و 11و10
و 11و /1131/19ت.م.ش.م الصادرة بتاريخ 11أكتوبر 1131في القضية عدد /1135/311ت.م.ش.م المتعلقة بالتسيير المالي لو ازرة
الصحة (قطاع تدبير المعدات البيوطبية) ،ق اررات صادرة عن غرفة التأديب ،...شتنبر ،1139صص 30 :و11و 01و 11و.13
2
الق ـرار عدد /1131/11ت.م.ش.م بتاريخ 19يناير 1131الصادر في القضية عدد /1111/311ت.م.ش.م المتعلقة بالتسيير المالي لجماعة
قروية ،ق اررات صادرة عن المجلس في مادة التأديب المالي ،مرجع سابق ،ص.11 :
354
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ومن أجل إجراء التحقيق داخل آجال معقولة وفي ظروف مناسبة ،يمكن للمستشار
المقرر ،وفي حالة عدم استجابة المتابعين أو الشهود لالستدعاءات الموجهة إليهم ،أو
يرفضون أداء اليمين ،أو اإلدالء بشهادتهم ،رفع تقرير إلى الرئيس األول للمجلس الذي
يمكنه اتخاذ أمر بفرض غرامة مالية في حق المعنيين باألمر.1
تجدر اإلشارة إلى أن طبيعة مهمة المستشار المقرر تختلف عن تلك الموكولة إلى
قاضي التحقيق في المادة الجنائية ،فمهمته تتجلى في إعداد تقرير بنتائج التحقيق سواء
بإثبات المؤاخذات أو بنفيها ،دون أن يكون مؤهال التخاذ أي قرار قابل للطعن ،كما هو
الشأن بالنسبة لإلحالة أو عدم االختصاص أو األمر بعدم المتابعة .2وال يتمتع بسلطة االتهام
المباشر وال يعتبر ضابطا للشرطة القضائية .3كما ال يضع يده على القضية إال بعد صدور
ملتمس النيابة العامة وتعيينه من طرف الرئيس األول .كذلك ،ال تنتهي مهمته بانتهاء
التحقيق ،4إذ يستمر في ممارسة مهامه كمستشار مقرر ويحضر جلسات الحكم باعتباره
عضوا يتولى تالوة ملخص تقريره خاللها ،كما يشارك في المداوالت بصوت تقريري ،طبقا
للمادة 10من مدونة المحاكم المالية.
ويخضع سير التحقيق لتتبع النيابة العامة 5الذي يطلعها عليه المستشار المقرر .وبعد
االنتهاء من إجراء التحقيق في القضية ،ينجز هذا األخير تقري ار 6يتضمن النتائج التي أسفر
عنها التحقيق يوجهه إلى النيابة العامة قصد وضع مستنتجاتها.1
1
تتراوح مابين خمس مائة ( )511وألفي ( )1111درهم ،طبقا للمادة 13من مدونة المحاكم المالية.
المادة 111من قانون المسطرة الجنائية. 2
في حين ،وطبقا للمادة 51من قانون المسطرة الجنائية " ال يمكن لقضاة التحقيق ،تحت طائلة البطالن ،أن يشاركوا في إصدار حكم في القضايا 4
355
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وتشكل هذه المذكرة عنص ار مهما في المسطرة ،إذ تمكن المعني باألمر من تقديم
توضيحاته وتبريراته ودفوعاته أمام المحكمة ويكون لزاما على المحكمة في حالة عدم األخذ
بوسائلها ،الرد عليها في حيثيات القرار ،تحت طائلة قابلية اإللغاء بسبب نقصان التعليل.4
كما تضفي على مسطرة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية طابعا مختلطا ،من خالل
المزج بين العناصر المرتبطة بالدعوى التأديبية ،التي يشكل الطابع الكتابي للمسطرة
خاصيتها األساسية ،وخصائص المسطرة الجنائية التي تحظى فيها الشفوية باألولوية.5
وإذا كانت طبيعة مسطرة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية تفترض أن تتم
عملية االطالع بعد أن يصبح الملف كامال ،أي بعد إيداع النيابة العامة لمستنتجاتها ،فإن
طلب االطالع على الملف منذ تحريك المسطرة وخالل مرحلة التحقيق يندرج ضمن حق
الدفاع ،الذي " ينطوي على حقوق أخرى تتفرع عنه ،من ضمنها حق االطالع والحصول
على الوثائق المدرجة في ملف االتهام المتوفرة لدى النيابة العامة مراعاة لمبدأ التكافؤ بين
سلطتي االتهام والدفاع".6
1
كما يمكن للوكيل العام للملك ،على ضوء هذا التقرير والوثائق المرفقة به ،إصدار مقررات متابعة تكميلية تتضمن مؤاخذات جديدة بالنسبة
لألشخاص المتابعين أو مقررات متابعة أشخاص جدد.
2
المادة 13من مدونة المحاكم المالية.
3
المادة 11من هذه المدونة.
4
CE, 29 décembre 1993, Guisset.
5
James Charrier, Cour de discipline budgétaire et financière, Répertoire de contentieux administratif, Dalloz, 2005,
p : 30.
6
قرار المجلس الدستوري رقم 313بتاريخ 31غشت ،1131الجامع لمبادئ وقواعد القضاء الدستوري المغربي من خالل ق اررات الغرفة الدستورية
( )3330-3311والمجلس الدستوري ( ،)1135-3330مرجع سابق ،ص.11 :
356
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وتعتبر جلسات التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية علنية 2وتجرى المناقشة
شفويا حسب التسلسل الوارد في المادة 10من مدونة المحاكم المالية .ويتولى رئيس الهيئة
اإلشراف على المناقشات حيث تتم التدخالت بإذن منه ويحافظ على نظام الجلسة باتخاذ أي
قرار أو األمر بأي إجراء يراه مفيدا من أجل تحقيق ذلك.3
وبعد انتهاء الجلسة ،تنسحب الهيئة للتداول حيث يتخذ القرار بأغلبية األصوات ،وفي
حالة تعادلها ،يرجح الجانب الذي ينتمي إليه الرئيس .4ويصدر القرار في جلسة يستدعى لها
المعني باألمر أو من ينوب عنه في أجل أقصاه شهران من تاريخ إدراج القضية في
المداولة ،5أي من تاريخ آخر جلسة تم فيها حجز الملف للمداولة ،ويتم تبليغه إلى السلطات
المؤهلة قانونا .6وتعتبر جلسة النطق بالحكم نتيجة قانونية لعلنية الجلسات.7
المالية بذلة نظامية يحدد شكلها بمقرر للرئيس األول .وقد صدر هذا المقرر في 11من جمادى اآلخرة (3013فاتح يوليو )1119تحت رقم -19
،3110الجريدة الرسمية عدد 5153بتاريخ 10رجب 19(3013يونيو .)1119
3
يحق له ،عند االقتضاء ،تطبيق مقتضيات المادة 311من المدونة التي تنص على أنه يمكن الحكم بناء على مقرر يتخذه رئيس الجلسة في حق
كل من يستخف في سلوكه أو أقواله باالحترام الواجب للمجلس خالل إحدى جلساته ،بغرامة من 111011درهم إلى 1111011درهم ويكون هذا
المقرر غير قابل للطعن ويحرر محضر في هذا الشأن .وإذا تعلق األمر بمحام ،وجهت نسخة من هذا المحضر إلى نقيب الهيئة التي ينتمي إليها.
4المادة 10من مدونة المحاكم المالية.
أصدر المجلس األعلى للحسابات منذ شروعه في ممارسة اختصاص التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية سنة 3330إلى حدود نهاية سنة 5
1139ما مجموعه 051ق اررا .التقرير السنوي للمجلس برسم سنة ،1139مرجع سابق ،ص.35 :
6المادة 15من مدونة المحاكم المالية .وقد حد دت هذه المادة السلطات المذكورة في الوزير المكلف بالمالية والوكيل العام للملك والجهة التي رفعت
القضية إلى المجلس والممثلون القانونيون لألجهزة المعنية ،فضال عن المعني باألمر.
7
James Charrier, Cour de discipline budgétaire et financière, op, cit, p : 31.
357
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وكما هو الشأن بالنسبة للق ار ارت النهائية الصادرة عن المجلس ابتدائيا في إطار البت
في الحسابات ،تخضع ق اررات التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية للطعن باالستئناف
أمام هيئة الغرف المشتركة .1كما يحق لنفس السلطات التي لها حق االستئناف تقديم طلبات
بالنقض أمام محكمة النقض ضد الق اررات النهائية الصادرة استئنافيا عن المجلس وفقا لنفس
المسطرة المتعلقة بطلب النقض ضد الق اررات النهائية الصادرة عن المجلس في مادة البت
في الحسابات .2وفي حالة اكتشاف عنصر جديد ،يمكن للمعني باألمر بعد انصرام األجل
المحدد لطلب النقض ،أن يطلب من المجلس مراجعة القرار المتعلق به الذي سبق أن أصدره
المجلس .3
فباإلضافة إلى ردع مرتكب المخالفات من خالل إصدار غرامات مالية في حقه (أوال)،
يهدف هذا االختصاص ،كذلك ،إلى جبر الضرر الذي قد تتسبب فيه المخالفة المرتكبة من
خالل عقوبة إرجاع األموال (ثانيا) ،التي تشكل إحدى الخاصيات التي ينفرد بها القضاء
1
المواد 13و 11و 11من مدونة المحاكم المالية.
2
المادة 11من مدونة المحاكم المالية.
3
المادة 10من مدونة المحاكم المالية .ويتم إجراء باقي المسطرة طبقا لمقتضيات المواد من 53إلى 15من المدونة ،أي نفس المسطرة المتبعة
في إطار التحقيق والبت في قضايا التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ابتدائيا.
يتسم مجال الغرامات بالتعدد في الطبيعة والغاية .فالغرامة الجنائية قررها القانون لمعاقبة الجريمة بينما قررت الغرامة المدنية من أجل أفعال ال تعد 4
جرائم وإنما فرضت في قوانين المسطرة كجزاء خاص .وهناك غرامات مالية تعتبر ف ي نفس الوقت عقوبة وتعويض عما لحق الخزينة من ضرر ،كما
هو الشأن في ميدان الجمارك والقانون المنظم للتبغ...وهناك أيضا الغرامة التهديدية التي شرعت كوسيلة من وسائل التنفيذ العيني فرضت من أجل
إلزام المدين الممتنع عن تنفيذ التزاماته .للمزيد من التفاصيل حول صفات وم ميزات هذه األنواع من الغرامات ،انظر إدريس بلمحجوب ،قواعد تنفيذ
العقوبات ،الجزء األول :العقوبات السالبة للحرية والعقوبات المالية ،منشورات بابل ،3399 ،ص 311 :وما بعدها.
5
Robert Hertzog, La nécessaire réforme de la procédure de la gestion de fait, , RFFP, n°66, Juin 1999, p:
97.
358
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
المالي المغربي مقارنة بنظيره الفرنسي ،وتطرح في تطبيقاتها نقاشا واسعا يتمحور حول مدى
مالءمة المسؤولية المدنية لخاصيات المسؤولية في مجال التدبير المالي العمومي.
ونظ ار ألن هذه الغرامة تعتبر عقوبة شخصية تهدف إلى الردع الخاص ،2فقد ميز
المشرع المغربي من أجل تحديد مبلغها ،بين الحالة التي يستفيد فيها مرتكب المخالفات من
أجرة غير عمومية إذ تحسب عل ى أساس أجرته السنوية الصافية ،والحالة التي ال يتقاضى
فيها أجرة ،حيث أجاز أن يصل مقدار الغرامة إلى ما يعادل األجرة السنوية الصافية لموظف
بدرجة متصرف باإلدارة المركزية يستفيد من أعلى رتبة في سلم األجور رقم .333
بيد أن هذه العقوبة تثير نقاشا بشأن طبيعتها ،إذ ال يمكن إدراجها في نطاق العقوبات
التأديبية أو الجنائية ،4ذلك أنه ،إذا كانت العقوبات التأديبية تطبق على الشخص بصفته
لئن تعتبر قيمة الغرامات التي أصدرها القاضي المالي في مجال التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ،سواء في إطار القانون رقم 31-13 1
أو برسم مدونة المحاكم المالية ،ضعيفة مقارنة بالحدود القصوى التي حددها المشرع ،فقد عرف تطور قيمتها منحى تصاعديا .فإذا كان الحد
األقصى المحكوم به بلغ 311ألف درهم برسم قضية واحدة (انظر التقرير السنوي للمجلس برسم سنة ،1139ص ،)35 :فإن المبالغ األخرى
تترواح بصفة عامة ما بين خمسة آالف درهم و 01ألف درهم بنسبة %00ومابين مبلغ 51ألف درهم ومبلغ 111ألف درهم بنسبة .%11في
حين لم تتعد الغرامات التي تراوحت مبالغها ما بين مبلغ 3.111درهم ومبلغ 0.111درهم نسبة .%13للمزيد من التفاصيل ،انظر:
Présentation de La compétence de la Cour des comptes du Royaume du Maroc en matière de discipline
budgétaire et financière, Actes du séminaire de l’AISCUF sur la répression des fautes de gestion, 2016, op,
cit.
2
Christophe Pierucci, note de jurisprudence, sous CE, 20 Octobre 1999, Lorenzi, RFFP n°1999, n°66, p : 195.
3
المادة 11من مدونة المحاكم المالية.
4
A. Bernard, Conclusions sur CE, ass, 30 juin 1961, Mazer, GAJF, 2014, op, cit, p : 29.
359
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
عضوا داخل نظام ،1فهي تتخذ أشكاال مختلفة كالعقوبات األدبية والمعنوية التي هي عبارة
عن تحذير وقائي تمارسه اإلدارة في مواجهة موظفيها إذا ارتكب أحدهم خطأ بسيطا أو
ظهرت عليه بوادره حتى ال يتمادى في اإلخالل بالتزاماته المهنية ،كاإلنذار والتوبيخ .2أما
العقوبات المالية ،وإن كانت تتسم بالندرة ،فقد كانت دائما حاضرة في النظام التأديبي كآثار
مترتبة عن العقوبات التأديبية المتخذة .3كما يمكن أن يتعلق األمر بإبعاد الموظف عن
وظيفته وإنهاء رابطة التوظيف التي تعتبر أقصى هذه العقوبات.4
ولئن كانت العقوبتان تتشابهان من حيث خضوعهما لمبدأ الشرعية ،5فإن الغرامة في
مادة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية تختلف في خصائصها عن العقوبة التأديبية
التي تعتبر وسيلة من وسائل اإلدارة الرادعة تطبقها الجهة اإلدارية المختصة بناء على نص
في القانون من أجل ردع مرتكبي المخالفات التأديبية داخل جماعة وظيفية للمحافظة على
النظام العام فيها .وإذن ،فالعقوبة التأديبية " تخص التنظيم الداخلي لفئة تتكون من عدد
محدود من األعضاء (أجراء أو أعوان عموميون أو أعضاء هيئة مهنية ...الخ) وتعاقب على
مخالفات القواعد السارية على هذه المجموعة ،أي الواجبات التي تفرضها المنظمة على
أعضائها".6
1
حدد الفصل 11من النظام األساسي للوظيفة العمومية هذه العقوبات مرتبة حسب تزايد الخطورة ،وهي :اإلنذار والتوبيخ والحذف من الئحة الترقي
واالنحدار من الطبقة والقهقرة من الرتبة والعزل من غير توثيق حق التقاعد أو المصحوب باإلقصاء المؤقت لمدة ال تتجاوز ستة أشهر مع الحرمان
من كل أجرة باستثناء التعويضات العائلية واإلحالة الحتمية على التقاعد.
2جميلة عباوي ،المسؤولية التأديبية للموظف ،مجلة المنبر القانوني ،العدد ،3أكتوبر ،1135ص.310 :
3
والتي يترتب عنها حرمان الموظف بصفة غير مباشرة من االمتيازات المالية والمعنوية للوظيفة ،كما هو الشأن بالنسبة للحذف من الئحة الترقي
أو االنحدار من الطبقة أو القهقرة من الرتبة ،وفي هذه الحالة ،تعتبر عقوبات مالية غير مباشرة.
4التي تتجلى في عقوبة العزل سواء في نسبتها المخففة نسبيا من غير توقيف حق التقاعد ،أو في صورتها المشددة مصحوبة بتوقيف حق التقاعد.
للمزيد من التفاصيل ،انظر :محمد كرامي ،القانون اإلداري ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،طبعة ،1135صص.035-031 :
5
في هذا اإلطار ،جاء في قرار للمحكمة اإلدارية العليا (جمهورية مصر العربية) ،طعن رقم 1113بتاريخ 39مارس ،1133المكتب الفني: ،
" ...وأما الشق اآلخر من مبدأ الشرعية (أنه ال عقوبة إال بنص) فإنه يطبق في مجال العقوبات التأديبية ،وال يجوز توقيع عقوبة تأديبية لم يرد بها
نص صريح في القانون أو الالئحة ،سيما وأن العقوبات التأد يبية محددة على سبيل الحصر وال يجوز الخروج عليها بعكس الجرائم التأديبية التي
يتعذر تحديدها على سبيل الحصر" ،سمير عبد الله سعد ،الجرائم التأديبية والجنائية للموظف العام ،مرجع سابق ،ص .11 :للمزيد من التفاصيل
حول مبدأ الشرعية في مجال المسؤولية التأديبية ،انظر ،سليمان محمد الطماوي ،الوجيز في القانون اإلداري ،دار الفكر العربي ،3331 ،ص:
.011
6
J. Prallus- Dupuy, Le pouvoir de sanction disciplinaire reconnu à certaines autorités administratives
indépendantes, RFDA, 2003, p : 559.
360
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
بالمقابل ،ليست جميع المخالفات المستوجبة للتأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية
أخطاء مهنية تبرر تطبيق عقوبات ت أديبية ،إذ يتجاوز نطاق التأديب المالي حدود مهنة أو
مؤسسة اعتبا ار لكون هذا االختصاص يمتد إلى الموظفين واألعوان الخاضعين للنظام
األساسي للوظيفة العمومية ،وكذا المسؤولين واألعوان الذي يخضعون ألنظمة أخرى مختلفة
ويعملون بأجهزة عمومية وشبه عمومية ال تعتمد نظام الوظيفة العمومية .فاألمر ال يتعلق
بضمان االنضباط داخل أجهزة أو منظمات أو مهنة ،بل باحترام مجموعة من القواعد التي
يلزم بها كل متدخل يساهم في تنفيذ العمليات المالية العمومية بمفهومها الواسع ،1أي حماية
النظام العام المالي بشكل عام .2وتبعا لذلك ،ال تعتبر الغرامات في مجال التأديب المتعلق
بالميزانية والشؤون المالية ذات طبيعة تأديبية.3
على صعيد آخر ،وإذا كانت الغرامة في مجال التأديب المالي تميل نحو خصائص
العقوبة الجنائية 4ليس فقط بسبب التحديد التشريعي للمخالفات المستوجبة للمسؤولية ،وكذا
األشخاص الخاضعين ،بل أيضا بالنظر إلى طبيعة المسطرة القضائية المتبعة التي تعتبر
ادعائية ،وأهمية العقوبات التي يمكن أن تسفر عنها ووظيفتي الردع العام والخاص اللتين
تتسم بهما ،فإن هذه العقوبة تظل عقوبة صادرة عن محاكم ذات طبيعة إدارية وليست
جنائية.5
كما تختلف هذه الغرامة عن تلك التي يصدرها القاضي المالي في إطار اختصاص
التسيير بحكم الواقع ،التي " تقدر باعتبار أهمية ومدة حيازة أو استعمال األموال والقيم دون
أن يتجاوز مبلغ(ها) مجموع المبالغ التي تمت حيازتها أو استعمالها بصفة غير قانونية"،6
وال يشكل إصدارها دائما عقوبة عن إخالل بواجبات مهنية ،في حين أن الغرامة في مادة
التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية لها طابع زجري تعاقب على ارتكاب أفعال قد ال
يترتب عنها بالضرورة ضرر بمالية الجهاز المعني ،وفي حالة وقوع هذا الضرر ،ال يتم
1
A. Bernard, conclusions sous CE, 30 juin 1961, Mazer, op, cit, p : 855
2
A. Froment-Meurice (et autres), GAJF, 2014, op, cit, p : 28.
3
CE, 7 juillet 1978, Massip, op, cit.
4الفصل 15من القانون الجنائي ":الغرامة المالية هي إلزام المحكوم عليه بأن يؤدي لفائدة الخزينة العامة مبلغا معينا من النقود".
5
CE, 30 juin 1961, Procureur général près la Cour des comptes c. Mazer, op, cit ; CDBF, 4 décembre 2002,
Gallet et Avoine.
6المادة 00من مدونة المحاكم المالية.
361
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
تحديد مبلغ الغرامة على أساس الضرر المحقق بل يشكل ظرفا للتشديد تراعيه الهيئة .ويعتبر
هذا العنصر نقطة اختالف أيضا مع الغرامات الضريبية التي تهدف ليس فقط إلى الزجر بل
أيضا إلى التعويض.1
وتبعا لذلك ،من الواضح أن الغرامة في مجال التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون
المالية ليست لها " طبيعة العقوبة الجنائية أو العقوبة التأديبية أو المهنية" .2إال أنه ،وتحت
تأثير المحكمة األوروبية لحقوق اإلنسان ،3اعتبر مجلس الدولة الفرنسي أخي ار أن محكمة
التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية تبت في اتهامات ذات طبيعة جنائية على اعتبار
أن المخالفات المستوجبة للمسؤولية ال تتعلق بمجموعة معينة ولكن تطبق على فئات مختلفة
تتدخل في تنفيذ العمليات المالية العمومية ،وهي محددة قانونا وتتسم فيها العقوبات بدرجة
خاصة من الشدة والقساوة.4
وإذا كان هذا الموقف له ما يبرره من حيث طبيعة الضمانات الواجب منحها
للمتقاضين ،5فقد كرست مدونة المحاكم المالية مبدأ قابلية الغرامة في مادة التأديب المتعلق
بالميزانية والشؤون المالية للتراكم مع العقوبات الجنائية والتأديبية بشأن نفس المؤاخذات
لكونها ليست من نفس الطبيعة ،6وال تخل ،تبعا لذلك ،بمبدأ عدم جواز معاقبة الشخص
بشأن نفس األفعال مرتين .ويجد هذا المبدأ أساسه في كون عناصر المسؤولية في مادة
التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية تختلف عن تلك المتعلقة بالمسؤولية الجنائية ،إذ
تتجاوز هذه األخيرة وظيفة تدبير المال العام لكونها تهدف إلى معاقبة اإلخالل بواجب
االستقامة وحفظ األمانة ،في حين تتسم المسؤولية في مادة التأديب المتعلق بالميزانية
1
James Charrier, Cour de discipline budgétaire et financière, op, cit, p : 20.
2
; CE, 30 juin 1961, Procureur général près la Cour des comptes c/Mazer ; CE,15 novembre 2006, M. Gallet
CDBF, 23 avril 2003, Tribunal de grande instance (TGI) de Marseille ; CDBF, 24 février 2006, centre
hospitalier spécialisé (CHS) Paul-Guiraud de Villejuif, GAJF, 2014, op, cit, p : 28.
3
CEDH, 26 septembre 2000, Guisset/c. France.
4
CE, 30 octobre 1998, Lorenzi, RFFP n°1999, n°66, p : 189.
5المادة 1من االتفاقية األوروبية لحقوق اإلنسان ( 0نوفمبر .)3351
اعتمد المشرع المغربي هذا المبدأ في المادة 333من مدونة المحاكم المالية التي تنص على أنه " ال تحول المتابعات أمام المجلس دون ممارسة 6
362
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
والشؤون المالية بطبيعة إدارية وعقابية ال يشترط لقيامها توفر الركن المعنوي ،وتهدف من
خالل عقوبات مالية إلى حماية النظام المالي العمومي الذي تحكمه قواعد قانونية خاصة.1
وينفرد المشرع المغربي بهذه العقوبة التكميلية مقارنة بنظام مسؤولية المدبرين
العموميين أمام محكمة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية الفرنسية حيث لم يتضمن
القانون المحدث لهذه األخيرة في سنة 3309وتعديالته الالحقة هذه العقوبة ،إذ ظل
اختصاص التأديب المالي في فرنسا اختصاصا عقابيا ال يهدف إلى التعويض عن الضرر
الذي قد يلحق بمالية األجهزة الخاضعة لهذا االختصاص .في حين تطورت أنظمة المسؤولية
في دول أخرى ،كالبرتغال واسبانيا وايطاليا ،نحو إضفاء الطابع المدني على المسؤولية
المالية للمدبرين العموميين.3
ولئن كان موضوعها مدنيا ،فإن إصدار عقوبة إرجاع األموال يتم مباشرة من طرف
القاضي المالي دون الحاجة إلى إعمال مسطرة خاصة أو اشتراط مطالبة الطرف المتضرر
(الجهاز العمومي) بالتعويض ،كما هو الشأن في إطار المسؤولية المدنية .كما ال يخضع
تطبيق هذه العق وبة للسلطة التقديرية للقاضي المالي إال في ما يتعلق بعناصر الحكم بها من
1ق اررات صادرة عن المجلس األعلى للحسابات في مادة التأديب المالي ،مرجع سابق ،ص.5 :
2الفقرة الثانية من المادة 11المذكورة أعاله.
3للمزيد من التفاصيل حول هذه األنظمة ،انظر:
S. Flizot, La responsabilité financière des gestionnaires publics en Europe, Ajda, n° 13/2005, p : 709.
363
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
قبيل ثبوت الخسارة وقيمتها ومسؤولية الشخص المعني عن إلحاقها ،إذ يتعين عليه ،متى
ثبتت هذه العناصر ،الحكم بإرجاع األموال المطابقة للخسارة.
وبغض النظر عن االختالف بين هذه العقوبة وعقوبة المصادرة ،1فإن الغاية منها ال
تختلف كثي ار عن الهدف المتوخى من الدعاوي الجنائية في الجرائم المالية" الذي ال يتحقق
فقط بعدد األشخاص المتابعة والمحالة على المحكمة ،وال بإصدار عقوبات سالبة للحرية
بشأنها ،ولكن بإمكانية استرجاع المبالغ المبددة والمختلسة ومالحقتها بين يدي أي شخص
كان وأيا كان المستفيد منها عن طريق مصادرتها لفائدة الدولة".2
بيد أن هذه العقوبة ،وإن كانت تشكل مظه ار أساسيا من مظاهر حماية األموال
العمومية ،فإنها تثير نقاشا حول مدى مالءمتها لتنظيم العمل داخل األجهزة الخاضعة،
السيما وأن مدونة المحاكم المالية لم تعتمد في هذا المجال نظام المسؤولية التضامنية ،على
غرار اختصاص التسيير بحكم الواقع .3فالخسارة تتحقق في غالب األحيان داخل منظمة
بمساهمة أكثر من مسؤول ومتدخل ،إذ تتخذ هذه األجهزة ق ارراتها التدبيرية في إطار مساطر
وأنظمة هرمية تقوم على توزيع المهام والوظائف بين بنيات مختلفة ومتنوعة تخضع لسلطات
رقابية وإشرافية متباينة وفي مراحل مختلفة.
في ذات االتجاه ،يقتضي تطبيق هذه العقوبة مراعاة المبادئ التي كرسها القضاء
اإلداري في مجال المسؤولية اإلدارية لموظفي وأعوان الدولة من حيث التمييز بين الخطأ
الشخصي والخطأ المرف قي .كما ال يمكن أن يتجاهل هذا التطبيق عدم التناسب بين األموال
الخاصة للمدبرين العموميين ومبالغ اإلرجاع المحكوم بها ،خاصة عندما ال يستفيد مرتكب
المخالفة من منافع بسبب الخسارة المحققة ،وهو ما قد يطرح إشكالية قابلية هذه العقوبة
للتطبيق ،أو بشكل أدق ،قدرة المسؤول المعني على أداء المبالغ المحكوم بها .ومن شأن ذلك
1
حول التمييز بين عقوبة إرجاع األموال وعقوبة المصادرة ،انظر كتابنا :نظام مسؤولية المدبرين العموميين أمام القاضي المالي ،مرجع سابق ،ص:
031ومابعدها.
2
قرار صادر عن محكمة النقض تحت عدد 3/191المؤرخ في 31يونيو 1135في الملف الجنائي عدد ،1130/31113مرجع سابق.
3
الذي ال ينحصر في التصريح بالشخص الذي باشر من غير أن يؤهل لذلك من لدن السلطة المختصة عمليات قبض الموارد ودفع النفقات وحيازة
واستعمال أموال أو قيم في ملك أحد األجهزة العمومية الخاضعة لرقابة المجلس(الفقرة الثانية من المادة 03من مدونة المحاكم المالية) ،بل أيضا
المشارك المسؤول الذي يكون بموافقته أو تشجيعه إما على المبالغة في بيانات األثمان أو الفاتورات أو على تحريف البيانات الواردة بهذه الوثائق ،قد
عمد عن علم إلى تحرير أوامر باألداء أو حواالت أو تبريرات أو أصول صورية (الفقرة الثالثة من نفس المادة .)03
364
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
جعل المدبرين العموميين يطالبون بتأسيس التأمين عن المخاطر التي قد تنشئ هذه
المسؤولية قبل شروعهم في ممارسة مهامهم في مجال التدبير ،كما هو الشأن بالنسبة
للمحاسبين العموميين في مجال البت في الحسابات ،1وذلك بالتحديد ،سيفرغ هذا النظام في
المسؤولية من النجاعة والفعالية كوسيلة للردع العام والخاص.
ولهذه األسباب القانونية والعملية ،اتجه قاضي التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون
المالية نحو حصر نطاق تطبيق هذه العقوبة في الحاالت التي يكون فيها المدبر العمومي قد
حصل عل ى أموال غير مستحقة أو قام بأداء نفقات من ميزانية الجهاز لحسابه الخاص
كامتيازات نقدية غير مبررة ،كما تعكس ذلك الحالتين التاليتين:
-تحمل ميزانية شركة عامة لنفقات خاصة بمدير عام خالل فترات تنقله في مهمات
زيادة على التعويضات التي استفاد منها أثناء هذه التنقالت ،والتي كانت تغطي جميع
المصاريف التي يتحملها المستفيد ،من أكل ومبيت وتنقل ،خالل الفترة التي يغطيها األمر
بالقيام بمهمة .وبذلك ،فإن استفادة المعني باألمر من نفقات ،خارج أرض الوطن ،رغم عدم
توفره على األوامر بالقيام بمهمة تغطي الفترة التي أنجزت فيها هذه المصاريف ترتب عنها
المادة 3من القانون رقم 13-33المتعلق بتحديد مسؤولية اآلمرين بالصرف والمراقبين والمحاسبين العموميين الصادر بشأن تنفيذه الظهير 1
الشريف رقم 3-11-15الصادر في 33من محرم 3011كما تم نسخها وتعويضها ابتداء من فاتح يناير 1133بالمادة 9من قانون المالية
رقم 31-01للسنة المالية 1133الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 3-11-111بتاريخ 11محرم 13( 3011دجنبر ،)1131الجريدة
الرسمية عدد 5310بتاريخ 10محرم 11(3011دجنبر ،)1131ص.3319 :
2
القرار عدد /1131/01ت.م.ش.م الصادر بتاريخ 33دجنبر 1131في إطار القضية عدد / 1113/313ت.م.ش.م المتعلقة بالتسيير المالي
للشركة المغربية لأللعاب والرياضة ،ق اررات صادرة عن غرفة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ،فبراير ،1139ص.19 :
365
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
تحميل المعني باألمر الجهاز العام ،الذي كان يشرف عليه ،لنفقات تهم تغطية مصاريف
شخصية ،بشكل متكرر ،رغم استفادته من التعويضات عن التنقل المستحقة ،طبقا لألنظمة
الجاري بها العمل .وهو ما يشكل مخالفة لقواعد االلتزام بالنفقات العمومية وتصفيتها وحصول
لنفسه على منفعة نقدية غير مبررة ألحقت خسارة بميزانية الشركة.1
وكما يالحظ من خالل هاتين الحالتين ،فإن القاسم المشترك بين األفعال موضوعها هو
استفادة األشخاص المتابعين من أموال من ميزانية أجهزة عمومية يشرفون عليها ،اتخذت
شكل امتيازات نقدية ال ترتكز على أسس قانونية أو تعاقدية سواء في شكل نفقات شخصية
أو تحمل واجبات االنخراط .وفي كل هذه الحاالت ،فإن الحكم بإرجاع األموال يتعلق بمبالغ
سبق للمعنيين باألمر أن حصلوا عليها سواء بشكل مباشر (حالة النفقات الخاصة) أو بشكل
غير مباشر (واجبات انخراط التي سيستفيد شخصيا من عائداتها ومن الحقوق التي يتيحها
هذا االنخراط ،والتي كان يفترض أن يتحملها المعني باألمر من ماله الخاص).
تجدر اإلشارة إلى أنه ،وباإلضافة إلى هذه العقوبات ،ألزم دستور المملكة ،من أجل
منح مبدأ الشفافية معناه الكامل ،المجلس األعلى للحسابات ،باإلضافة إلى التقرير السنوي
الذي يرفعه إلى جاللة الملك والذي يتضمن بيانا عن جميع أعماله ،بضرورة نشر جميع
أعماله بما فيها التقارير الخاصة والمقررات القضائية .2وتفعيال لهذه المقتضيات ،شرع
المجلس ابتداء من سنة 1135في نشر المقررات القضائية الصادرة عنه ،إذ تم إلى حدود
اآلن نشر أربع مجموعات 3تتضمن جميع الق اررات الصادرة عن غرفة التأديب المتعلق
بالميزانية والشؤون المالية خالل الفترة مابين 1131و.1139
ولئن كان النشر ال يندرج ضمن اختصاص الهيئة الحاكمة ،وال يتخذ ،تبعا لذلك ،طابع
العقوبة التكميلية ،كما هو الشأن في المادة الجنائية 4ومدونة المحاكم المالية الفرنسية ،5فإن
قيمة األحكام والق اررات (المقررات القضائية) التي تصدر عن الجهاز األعلى للرقابة تتجلى"
1
القرار عدد /1131/15ت.م.ش.م الصادر بتاريخ 1دجنبر 1131في إطار القضية عدد/1133 /313ت.م.ش.م المتعلقة بالتسيير المالي
للشركة الوطنية للنقل واللوجستيك ( المكتب الوطني للنقل سابقا) ،نفس المرجع أعاله ،ص.11:
2الفقرة الرابعة من الفصل 309من دستور المملكة.
3
في أكتوبر 1135وفبراير وشتنبر 1139وأبريل .1133
الفصل 11من مجموعة القانون الجنائي. 4
5
Article L.314-20 du Code des Juridictions Financières (France).
366
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
أساسا في طابعها الوقائي( .إذ) تتوفر األجهزة العليا للرقابة ذات المهام القضائية على
سلطات خاصة كفيلة بضمان حماية لألموال العمومية ولألموال التي في حكمها ،وإرساء
الشفافية والنزاهة في مجال التدبير العمومي".1
في هذا اإلطار ،تشكل عملية النشر آلية تهدف إلى تحسين التدبير العمومي بشكل
يعزز الدور البيداغوجي للمحاكم المالية ووظيفة الردع العام ،من خالل المساهمة في إرساء
قواعد حسن التدبير العمومي وتوضيح المقتضيات القانونية التي تسري على هذا التدبير
وإبراز اإلكراهات التي يواجهها بما من شأنه إشاعة ثقافة حسن التدبير وتدعيم مبادئ وقيم
الحكامة الجيدة سواء تعلق األمر بالمسؤولين المعنيين أو بمدبري أجهزة عمومية أخرى قد
تتشابه من حيث خصائص التدبير والقواعد التي تحكمه واكراهات التسيير .كما تمنح
للباحثين والمهتمين والرأي العام المجال إلغناء النقاش حول إشكاليات التدبير العمومي
وطرق تجاوزها ،وتكريس االجتهاد القضائي في مجال مسؤولية المدبرين العموميين وتدعيم
مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.2
وبالرغم من الثنائية المتكاملة الذي تتميز بها العقوبات التي يؤهل القاضي المالي
إلصدارها في إطار اختصاص التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ،فإنها تظل
محدودة ،إذ ال يؤهل إلصدار عقوبات أخرى غير العقوبات المالية ،3على غرار بعض
األجهزة العليا للرقابة ،4التي تؤهل لتوقيع عقوبات تندرج عادة في مجال الجزاءات التأديبية،5
السيما تلك المتعلقة بالحوافز وسريان المسار المهني للمعني باألمر ،والتي قد تتناسب بشكل
أكبر مع خاصيات التدبير العمومي.
1
النقطة 1.3.3من المعيار – INTOSAI P50مبادئ ممارسة المهام القضائية من طرف األجهزة العليا للرقابة ،مرجع سابق.
2ق اررات صادرة عن المجلس ،أكتوبر ،1135مرجع سابق ،ص.5 :
3بيد أن الفقرة األخيرة من المادة 11من مدونة المحاكم المالية ،تمنح للهيئة الحاكمة في إطار التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ،إذا
اكتشفت أفعال تستوجب اجراء تأديبيا ،إحالة الملف على النيابة العامة لدى المجلس في إطار المادة 333من مدونة المحاكم المالية.
المادة 33من القانون االتحادي رقم 9لسنة 1133بإعادة تنظيم ديوان المحاسبة بدولة اإلمارات العربية المتحدة الذي نسخ القانون االتحادي رقم 4
1لسنة 3311ميالدية بشأن إنش اء ديوان المحاسبة ،كما تم تغييره وتتميمه .انظر ،وثائق االجتماع 51للمجلس التنفيذي للمنظمة العربية لألجهزة
العليا للرقابة المالية والمحاسبة ،المملكة المغربية ،الصخيرات 13 ،إلى 11مارس .1131
5على مستوى تجربة ديوان المحاسبة بدولة اإلمارات العربية المتحدة ،تتس م هذه العقوبات بطابع الجزاء التأديبي وإن تعلق األمر بمخالفات مالية يبت
فيها الديوان .وفي إطار هذا النموذج ،تتم محاكمة الموظفين أيا كانت درجاتهم أو رواتبهم من طرف مجلس تأديب يشكل بقرار من رئيس الديوان
برئاسة أحد القضاة يختاره وزير العدل وعضو من الموظفين الف نيين بالديوان يحدده رئيس الديوان وعضو من الجهة التي وقعت فيها المخالفة يرشحه
الوزير المختص أو رئيس تلك الجهة (المادة 13من القانون االتحادي سالف الذكر).
367
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
لذلك ،فإن تنويع العقوبات في مجال القضاء المالي ال يعني بالضرورة النص على
عقوبات قاسية وشديدة ،بل مالءمتها مع المخالفات المرتكبة وإعمال مبادئ العدل واإلنصاف
في توقيعها.
ويروم هذا المبدأ تحقيق العدل واإلنصاف من خالل تحقيق التناسب ما بين المخالفة
المرتكبة والعقوبة المستحقة ،إذ " ...لئن كانت (بعض الجرائم) تبدو على درجة عالية من
الخطورة ،فإن من شأن ظروف ومالبسات ارتكابها أن يحد بشكل كبير من نسبة هذه
الخطورة .وفي مقابل ذلك ،هناك جرائم أخرى ،وإن كانت تبدو أقل خطورة من حيث
طبيعتها ،فإن من شأن الظروف التي واكبت أو سبقت أو تلت ارتكابها أن تجعلها أشد
خطورة.1"...
وعالوة على اآلثار المترتبة عن تطبيق مبدأ شخصية العقوبة الفقرة الثانية) ،هناك
حاالت أخرى تصبح فيها مسؤولية المدبرين العموميين منتفية أمام القاضي المالي ،وذلك
1
Pierre –François Muyaut de Vouglans, dans ses lois criminelles de France (1783) résumait avec l’élégance
du siècle des lumières la nécessité d’individualiser les peines : «...En effet, qui ne sait qu’il y a par ailleurs
certains crimes qui, quoique graves de leur nature, peuvent devenir légers par leurs circonstances ; comme il y
en a d’autres qui, quoique réputés légers de leur nature, peuvent devenir graves par les circonstances qui les
ont accompagnés, précédés ou suivis...», cité par Olivier Villemagne et Philipe Grimaud, Responsabilités des
comptables et des ordonnateurs : quel impact des pressions subies, Ajda n° 37/2015, 9 novembre 2015, p :
2069.
368
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
متى توفرت األسباب القانونية المحدثة لهذا األثر (الفقرة األولى) ،كما هو الشأن بالنسبة
لحالة األمر الكتابي أو تقادم األفعال موضوع المخالفات المرتكبة ،وبصفة عامة األسباب
التي تؤدي إلى سقوط الدعوى العمومية .1وحتى في حالة صدور حكم قضائي مكتسب لقوة
الشيء المقضي به ،يمكن وفق مسطرة محددة قانونا إعفاء أو إبراء ذمة المحكوم عليه من
عقوبة إرجاع األموال موضوع الخسارة التي تسببت فيها المخالفات المرتكبة.
كما يمكن لرئيس الحكومة إعفاء اآلمر بالصرف أو األعوان أو الموظفين الذين يعملون
لحسابهم أو تحت سلطتهم ،و(أو) إبراء ذمتهم على وجه اإلحسان حتى بعد أن يكتسب
الحكم القضائي الصادر عن القاضي المالي ،الذي قضى بإرجاع األموال ،قوة الشيء
المقضي به ،وهو ما يجعل هذا العنصر سببا معفيا من العقوبة وليس من المسؤولية (ثالثا).
1
جاء في قرار للمجلس األعلى للحسابات تحت رقم /1131/51ت.م.ش.م الصادر بتاريخ 13يونيو ..." :1131وحيث إن دعوى التأديب
المتعلق بالميزانية والشؤون المالية تقام من طرف النيابة العامة من أجل توقيع الجزاء على كل آمر بالصرف أو مراقب مالي أو محاسب عمومي،
أو مسؤول أو كل موظف أو عون يعمل تحت سلطتهم أو لحسابهم ،الذين يكونوا قد ارتكبوا إحدى المخالفات المستوجبة للعقاب في مادة التأديب
المتعلق بالميزانية والشؤون المالية؛ وحيث إن الدعوى التي تقام أمام القضاء من أجل المطالبة بتوقيع الجزاء تعتبر دعوى عمومية ،"...ق اررات
صادرة عن المجلس في مادة التأديب المالي ،مرجع سابق ،ص.11 :
طبقا للمادة 0من قانون المسطرة الجنائية " ،تسقط الدعوى العمومية بموت الشخص المتابع وبالتقادم وبالعفو الشامل وبنسخ المقتضيات الجنائية 2
التي تجرم الفعل وبصدور مقرر اكتسب قوة الشيء المقضي به .وتسقط بالصلح عندما ينص القانون صراحة على ذلك .تسقط أيضا بتنازل
المشتكي عن شكايته إذا كانت الشكاية شرطا ضروريا للمتابعة مالم ينص القانون على خالف ذلك".
369
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
في هذا اإلطار ،وطبقا للمادة 51من مدونة المحاكم المالية ،إذا أدلى مرتكبو
المخالفات المستوجبة للتأديب المتعلق بالمي ازنية والشؤون المالية بأمر كتابي صادر قبل
ارتكاب المخالفة عن رئيسهم التسلسلي أو عن أي شخص آخر مؤهل إلصدار هذا األمر،
انتقلت المسؤولية أمام المجلس في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية إلى من
أصدر هذا األمر الكتابي.
وحتى ينتج األمر الكتابي آثاره القانونية كسبب لإلعفاء من المسؤولية ،طبقا للمادة 51
أعاله ،يجب أن يستوفي مجموعة من الشروط الشكلية والجوهرية .وهكذا ،يجب أن يتخذ هذا
األمر شكل وثيقة مكتوبة مما يستثني من هذا المجال األوامر الشفوية التي يكون قد تلقاها
المتابع من مسؤولي اإلدارة المركزية ،2وأن يكون صاد ار عن رئيس أو سلطة مؤهلة إلى
مرؤوس ،األمر الذي يفترض وجود عالقة رئاسية ،3وبالتالي ،ال ينتج هذا األمر آثاره في
غياب هذه العالقة ،كما هو الشأن بالنسبة لمصادقة سلطة الوصاية على العمل المخالف.4
كما يجب أن يتطابق موضوع هذا األمر مع موضوع المخالفة وأن يكون تاريخ إصداره سابقا
1
سمير عبد الله سعد ،الجرائم التأديبية والجنائية للموظف العام ،مرجع سابق ،ص.115 :
2
الق ـرار عدد /1131/11ت.م.ش.م بتاريخ 11يونيو 1131الصادر في القضية رقم /1131/339ت.م.ش.م المتعلقة بنيابة إقليمية لمرفق
للدولة ،ق اررات صادرة عن المجلس في مادة التأديب المالي ،أكتوبر ،1135ص19 :؛ ق ـرار عدد /1131/13ت.م.ش.م بتاريخ 11يونيو 1131
الصادر في القضية عدد / 1131/331ت.م.ش.م المتعلقة بالتسيير المالي لمرفق للدولة ،المرجع سابق الذكر ،ص.19 :
تقوم بمجرد وجود رئيس ومرؤوس دون الحاجة إلى نص قانوني .وبمقتضى هذه السلطة ،يمارس الرئيس اختصاصات وسلطات واسعة ومتعددة 3
على مرؤوسيه ،سواء تعلقت بش خص المرؤوس ومركزه القانوني (التعيين والنقل والترقية والحوافز والعقوبات) أو بأعماله (التعديل واإللغاء والحلول).
4
CDBF, 20 Mars 1979, Direction départementale de l'équipement (DDE) de la Savoie, Stations de sports
d’hiver.
370
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
عن تاريخ ارتكابها ،وذلك حتى ال يتعلق األمر بتسوية المخالفة مما يستبعد اعتبار مجرد
العلم بالمخالفة من طرف السلطة المؤهلة إلصدار األمر سببا لإلعفاء من المسؤولية.1
وبالرغم من أن المشرع اشترط أن يكون األمر موضوع وثيقة مكتوبة ،فقد عالج قضاء
التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية هذا الشرط بمرونة كبيرة ترتكز على اإلنصاف،
كما هو الشأن بالنسبة للحاالت التي يصرح فيها المتابعون بأنهم تلقوا أوامر شفوية من
رؤسائهم التسلسليين ،الذين أكدوا بدورهم ،خالل جلسات الحكم ،بأنهم أصدروا فعال تلك
األوام ر الشفوية لمرؤوسيهم أو في حالة ثبوت وجود إرادة الرئيس التسلسلي في ارتكاب
المخالفة بالرغم من عدم إصدار هذا األخير ألي أمر كتابي في الموضوع .2كما يندرج في
هذا اإلطار الطلب الذي تقدم به مرؤوس بواسطة مذكرة مرفوعة إلى رئيسه مادام أن " صيغة
المذكرة دقيقة بشكل يمكن اعتبارها أم ار بإبرام صفقة دون اللجوء إلى المنافسة ".3
على صعيد آخر ،اعتبر المجلس الرسالة الموجهة من مسؤول باإلدارة المركزية ،بناء
على تفويض من الوزير ،إلى نائب إقليمي لمصلحة خارجية لو ازرة مستوفية لشروط األمر
الكتابي اعتبا ار لكونها صادرة عن السلطة الرئاسية للمعني باألمر تأمره بتسديد ديون سابقة
وجاء تاريخها سابقا لتاريخ إصدار المعني باألمر لسند الطلب موضوع المخالفة .4كما أنزلت
قرار الو ازرة بتغيير بعض المواصفات التقنية المتعاقد بشأنها ،دون اللجوء إلى عقد ملحق،
منزلة األمر الكتابي ويترتب عنه أثر قانوني يتمثل في إعفاء (المتابع) من مخالفة اإلشهاد
على استالم مواد ال تطابق الخصائص التقنية موضوع الصفقة.5
بالمقابل ،رفض المجلس دفع متابع بكون توقيع مفتشي الو ازرة بمحضر تسليم المهام
الذي وردت فيه تسوية "مخلفات" بمثابة أمر كتابي صادر عن الجهة المختصة باإلدارة
1
N. Groper, commentaire sous CDBF, 28 Avril 1987, Association pour la formation professionnelle des adultes
(Afpa), Benoit et Souquiére, Responsabilité des gestionnaires publics…, op, cit, p : 290.
2
CDBF, 11 mai 1990, Fonds d'aide et de coopération (FAC), Trillaud et Frasseto ; CDBF, 5 juillet 1977,
Moissonier et Salva.
3
CDBF, 22 juin 1992, Loing et autres.
4
القرار رقم /1131/ 11ت.م.ش.م الصادر بتاريخ 11يونيو 1131المذكور أعاله.
5
القرار عدد /1131/ 19ت.م.ش.م بتاريخ 11يونيو 1131الصادر في القضية رقم /1131/333ت.م.ش.م المتعلقة بالتسيير المالي لو ازرة،
ق اررات صادرة عن المجلس في مادة التأديب المالي ،أكتوبر ،1135ص91 :؛ القـرار عدد /1131/19ت.م.ش.م بتاريخ 11دجنبر 1131
الصادر في القضية عدد / 1131/331ت.م.ش.م المتعلقة بالتسيير المالي لو ازرة ،نفس المرجع المذكور ،ص.310 :
371
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
المركزية .1كما رفض المجلس دفع تقدم به متابع اعتبر ملحوظة مكتوبة بخط اليد وردت في
الهامش األسفل لمراسلة إدارية صادرة عن اإلدارة المركزية أم ار كتابيا موجها إليه ،وذلك
لكون موضوعها ومتنها ال يتعلق بتنفيذ أمر بإصدار األوامر بأداء مبالغ مخلفات(ديون) نيابة
إقليمية أخرى .وعليه ،وباإلضافة إلى أن شكل الرسالة ال يمكن من إدراجها في إطار األوامر
الكتابية ،فإن مرتكب المخالفة غير مؤهل لتلقي األوامر الكتابية التي تتعلق بنيابة إقليم ال
تخضع أصال لنفوذه الترابي.2
وقد اعتمد القضاء المالي الفرنسي عنص ار آخر يتجلى في طبيعة العالقة الرئاسية التي
تربط مرتكبي المخالفات ،وذلك لتقييم درجة مسؤولية المرؤوسين والرؤساء اإلداريين ،إذ
يكتسي تحديد درجة االستقاللية التي يتمتع بها المرؤوسون إزاء رؤسائهم أهمية قصوى سواء
على المستوى القانوني أو الواقعي .في هذا اإلطار ،لم تتم مؤاخذة مرؤوسين اقتصر دورهم
على التنفيذ فقط . 3نفس األمر يتعلق بحالة مرؤوس الذي ،وإن شكل فعله " مخالفة واضحة
لقواعد تنفيذ نفقات عمومية ،فقد ارتكبها في ظروف يتعذر معها التمييز بشكل دقيق بين
مسؤوليته الشخصية المباشرة ومسؤولية مصالح اإلدارة المركزية الذين اعترفوا بدورهم
بالنقائص التي كانت تشوب تسييرهم خالل الفترة المعنية" .4في المقابل ،ال يندرج في إطار
األمر الكتابي الضغوط التي مارسها ديوان وزير اضطر معها المتابع (مدير مركزي)
الرتكاب مخالفات مستوجبة للمسؤولية ،إذ كان يتعين على هذا األخير ،بالنظر إلى وضعيته
في التسلسل اإلداري ،عدم االستجابة لهذه الضغوط.5
وبصفة عامة ،يمكن القول بأن التوسيع في مفهوم األمر الكتابي يحقق نسبيا العدالة
في مساءلة مختلف المدبرين العموميين ،السيما المرؤوسين منهم ،نظ ار لما يتسم به التدبير
1
القرار رقم / 1131/ 13ت.م.ش.م الصادر بتاريخ 11يونيو 1131في القضية رقم / 1131 /331ت.م.ش.م المتعلقة بالتسيير المالي لمرفق
للدولة ،ق اررات صادرة عن المجلس في مادة التأديب المالي ،أكتوبر ،1135ص .13:ويقصد بالمخلفات في هذه الحالة ديون في ذمة جهاز
عمومي ناتجة عن استالم مواد وسلع في غياب عالقة تعاقدية.
2القرار رقم / 1131/11ت.م.ش.م سالف الذكر.
3
CDBF, 5 juillet 1977, Moissonier et Salva ; CDBF, 5 novembre 1977, ministère des Affaires étrangères (frais
de réception), Demorand et autres ; CDBF, 26 mai 1987, Darmon et a ; CDBF, 19 juin 2002, Del Fabbro et
a ; CDBF, 16 décembre 2003, Bloch.
4
CDBF, 21 juin 1977, Ponton.
5
CDBF, 20 décembre 2007, Fonds Social Européen (FSE).
372
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
العمومي من خصوصيات ذات عالقة بالسوسيولوجيا اإلدارية التي تجعل من الصعب على
هؤالء اشتراط إصدار رؤسائهم لألوامر التي يوجهونها إليهم في شكل وثيقة مكتوبة ،خاصة
عندما تتسم الحاالت التي تستدعي التصرف باالستعجال.
وفي حالة توا فر هذه الشروط ،ينتج األمر الكتابي آثاره القانونية التي تتجلى في انتقال
المسؤولية أمام المجلس عن المخالفة المرتكبة من منفذ األمر إلى من أصدره ،وهو ما
يضفي على هذا العنصر في اإلعفاء طابعا ذاتيا وذو آثار محدودة ،1إذ أن قيام مسؤولية
من أصدر األمر عن المخالفة المرتكبة من طرف المرؤوس بشكل مباشر يعني أن األفعال
المرتكبة لم تفقد صفة المخالفة لكون هذا المرؤوس أطاع األمر فقط ،ولم يستفد من هذا
اإلعفاء المساهمون والمشاركون ألنه لصيق بالفاعل المرؤوس.
وتكمن أهمية تاريخ االكتشاف في تحديد نقطة شكلية وجوهرية في نفس اآلن تتعلق
باالختصاص الزمني التي تتم إثارتها تلقائيا في جميع ق اررات المجلس نظ ار لكونها تندرج في
إطار النظام العام ،وهذا ما يفسر كون سبب التقادم يعتبر من العناصر التي يجب التأكد
وهو ما يجعله يختلف عن أمر السلطة الشرعية في المجال الجنائي حيث ينص الفصل 310من القانون الجنائي المغربي على أنه " ال جناية وال 1
جنحة وال مخالفة في األحوال التالية -3 :إذا كان الفعل قد أوجبه القانون وأمرت به السلطة الشرعية ."...ويتسم هذا السبب بطبيعة موضوعية حيث
ينصب على الفعل المخالف للقانون دون أن يهتم بشخص الفاعل ،وبالتالي ،فإن أثره يمتد إلى الفاعل والمساهم والشريك على حد سواء.
ينص الفصل 11من القانون رقم 31 -13المتعلق بالمجلس األعلى للحسابات (المنسوخ) على أنه " ال يمكن رفع القضية إلى المجلس بعد 2
انصرام اجل خمس سنوات كاملة يبتدىء من اليوم الذي ارتكب فيه أحد األفعال المنصوص عليها في الفصل ( 51من القانون المذكور) .غير أن
هذا األجل يمدد فيما يخص العمليات المرتبطة بتنفيذ قانون المالية إلى تاريخ صدور قانون التصفية المتعلق بالسنة المرتكبة المخالفات برسمها إذا
صدر هذا القانون بعد انصرام أجل الخمس سنوات السابق الذكر".
373
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
منها سواء من طرف السلطات المؤهلة لطلب رفع القضايا أو النيابة العامة خالل مرحلة
المتابعة .لذلك ،تتناول ق اررات القضاء المالي هذا العنصر في مستهل هذه الق اررات ،بعد
التذكير باإلجراءات المسطرية واالختصاص الموضوعي للمجلس للبت في القضية (الجهاز
واألشخاص الخاضعون) ،وذلك قبل مناقشة األفعال موضوع المتابعة ومسؤولية مرتكبيها.
تجدر اإلشارة إلى أن األفعال التي تكون موضوع متابعات في مادة التأديب المتعلق
بالميزانية والشؤون المالية يتم اكتشافها بطرق متعددة ووفق مساطر متنوعة ،وتخضع لتقييم
هيئات وسلطات مختلفة في مراحل معينة ومتفاوتة .ومن الناحية العملية ،وبالنسبة لحالة رفع
القضية من طرف الوكيل العام للملك من تلقاء نفسه ،يعتبر تاريخ رفع الملتمس إلى الرئيس
األول من أجل إجراء التحقيق كتاريخ اكتشاف ،علما بأن هذه العملية تنطوي على مرحلتين
غير قابلتين للتجزيء ،وهما مرحلتي االكتشاف والمتابعة.1
أما بالنسبة لطلب الرئيس األول ،فإن تاريخ االكتشاف ال يمكن اعتباره هو تاريخ وضع
النيابة العامة لملتمسها بإجراء التحقيق ،وذلك ألن النيابة العامة عند إصدارها لمقررات
المتابعة تتصرف كسلطة متابعة وليس كسلطة اكتشاف .وفي الحاالت التي كان فيها طلب
الرئيس األول مصدر القضية ،تم اعتماد تاريخ إصدار هذا الطلب وليس تاريخ توصل النيابة
العامة به ،ألن اعتماد هذا األخير سيجعل مقتضيات الفصل 11من القانون رقم 31.13
تحل ضمنيا محل تلك الواردة في المادة 311من مدونة المحاكم المالية ،وهو ما ال ينطبق
سوى على الحالة التي تكون فيها النيابة العامة قد رفعت القضية أمام المجلس من تلقاء
نفسها .نفس األمر ينطبق على السلطات الخارجية المؤهلة لرفع قضايا أمام المجلس في هذا
اإلطار.
ومن حيث الممارسة القضائية للمجلس ،ونظ ار لكون أغلب طلبات رفع القضايا كان
مصدرها هيئات الغرف بمناسبة تداولها في مشاريع التقارير الخاصة في إطار مراقبة
التسيير ،فقد دأب المجلس في تطبيق هذه المقتضيات على اعتماد تاريخ تداول الهيئة التي
1
N. Groper, Responsabilité des gestionnaires publics…, op, cit, p : 138.
374
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
طلبت رفع القضية من الوكيل العام للملك أمام المجلس في مادة التأديب المتعلق بالميزانية
والشؤون المالية وفق ما تقتضيه المادة 90من مدونة المحاكم المالية.1
وإذا كان تحديد تاريخ انطالق احتساب التقادم ال يطرح أي إشكال بالنسبة لألفعال
المنفصلة واآلنية حيث يعتد بالتاريخ الذي اتخذ فيه العمل المخالف شكال قانونيا ،فإن مجال
التدبير العمومي يتميز بكونه قد يسفر عن وضعيات تتعلق بمجموعة من األفعال المترابطة
والمتصلة ،جزء منها تم القيام به خالل المرحلة التي طالها التقادم والجزء اآلخر في الفترة
التي ال يشملها التقادم .نفس األمر يتعلق باألفعال المتقادمة ،ولكن ترتبت عنها آثار خالل
الفترة غير المتقادمة ،أو تم إصدار ق اررات تطبيقية للق اررات المتقادمة خالل نفس المرحلة.
وقد أفضى تعدد هذه الحاالت إلى ظهور إشكالية المخالفات المستمرة 2والمخالفات المركبة.3
وفي سياق متصل ،تجدر اإلشارة إلى أن المشرع المغربي لم يخصص مقتضيات
خاصة في مدونة المحاكم المالية لموضوع انقطاع أو توقف أمد التقادم في مجال التأديب
المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ،كما هو الشأن في المادتين المدنية 4والجنائية ،5بالرغم
من األ همية التي يكتسيها هذا العنصر في ضمان البت في القضايا داخل آجال معقولة.
ونظ ار ألهمية هذا المقتضى في تحقيق المحاكمة العادلة ،6فإن عدم التنصيص عليه من
1
التي تنص على أن الغرفة تتداول بشأن مشروع التقرير الخاص .وإذا اكتشفت مخالفة تندرج ضمن المخالفات المنصوص عليها في المواد 50
و 55و 51من مدونة المحاكم المالية ،أشعرت بذلك الوكيل العام للملك ،طبقا لمقتضيات المادة 51من القانون المذكور.
2
آثار
يقصد بالمخالفة المستمرة ،عكس المخالفة اآلنية ،األعمال أو االغفاالت التي استمرت لفترة ألن مرحلة التنفيذ تتطلب وقتا طويال وتنتج ا
مستمرة من حيث الزمن ،كما هو الشأن بالنسبة ل قرار منح امتياز عيني استمر في ترتيب آثاره خالل الفترة غير المشمولة بالتقادم أو إغفال تحصيل
شيكات الذي استمر في الزمن أو تقادم القرار المحدث لتعويضات غير قانونية لكن تحويل مبالغها استمر خالل الفترة غير المشمولة بالتقادم أو
قرار منح إعانة تم اتخاذه في تاريخ متقادم بينما تم إصدار أوامر األداء بمثابة تنفيذ لقرار المنح خالل الفترة التي لم يطلها التقادم .للمزيد من
التفاصيل بشأن هذه الحاالت ،انظر:
CDBF, 8 juillet 1976, Lozère ; CDBF, 16 mars 1988, Caisse de retraite et de prévoyance de la Boucherie-
charcuterie et boucherie hippophagique française (CARBOF) ; CDBF, 4 avril 2001, OPIHLM de la région de
Creil ; CDBF, 16 décembre 2003, INPG et UJF.
تتكون هذه المخالفات من عدة أعمال أو أفعال متالزمة بعضها البعض ومستمرة خالل فترة من الزمن .انظر: 3
CDBF, 4 octobre 1984 ; CDBF, 28 octobre 2005, min de la Défense, Direction des constructions navales,
contrat de vente de sous-marins Agosta 90 au Pakistan.
4
الفصول 193إلى 195من ظهير االلتزامات والعقود.
5المادة 1من قانون المسطرة الجنائية ،كما تم تعديلها وتتميمها بمقتضى المادة الثانية من القانون رقم 15-33الصادر بتاريخ 31أكتوبر .1133
6النقطة الخامسة " المب ادئ العامة الخاصة بممارسة المهام القضائية :المساطر القضائية" من المعيار – INTOSAI P50مبادئ ممارسة المهام
القضائية من طرف األجهزة العليا للرقابة ،مرجع سابق.
375
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
طرف المشرع في مدونة المحاكم المالية ال يجوز أن يقف حائال دون امتداد تطبيقه في
الممارسة القضائية ،الذي تطبق فيها مجموعة من القواعد الجوهرية واإلجرائية التي تجد
مصدرها في قانون المسطرة الجنائية كتجسيد لتقاطع المسؤولية الجنائية والمسؤولية في إطار
التأديب المالي ،كما هو الشأن بالنسبة لتطبيق القانون من حيث الزمن 1ومبدأ حرية اإلثبات
وقرينة البراءة...الخ ،2وذلك بالرغم من خلو مدونة المحاكم المالية من مقتضيات صريحة في
الموضوع .وهو نفس المبدأ الذي اعتمده المجلس بشأن حالة وفاة المتابع حيث استند في
تعليله لهذا السبب على طبيعة الدعوى في مادة التأديب المالي ،التي تعتبر دعوى عمومية.3
ويجب أن يحظى طلب اإلعفاء من المسؤولية بالموافقة المسبقة للهيئة التقريرية بالنسبة
للجماعات الترابية ومجموعاتها وللمؤسسات والمقاوالت العمومية الخاضعة للمراقبة المالية
للدولة .7ويترتب عن اإلعفاء من المسؤولية الممنوح من لدن رئيس الحكومة 1إعفاء صاحب
1
الق ـرار عدد / 1133/31ت.م.ش.م بتاريخ 39يناير 1133الصادر في القضية عدد /1113/331ت.م.ش.م المتعلقة بالتسيير المالي
لجماعة محلية ،ق اررات صادرة عن المجلس في مادة التأديب المالي ،أكتوبر ،1135ص.31 :
2
التقرير السنوي للمجلس األعلى للحسابات برسم سنة ،1131صص.115-111 :
3
القرار رقم /1131/51ت.م.ش.م بتاريخ 13يونيو ،1131ق اررات صادرة عن المجلس في مادة التأديب المالي ،نفس المرجع أعاله ،ص.11 :
طبقا للمادة 1من القانون رقم 13-33المتعلق بتحديد مسؤولية اآلمرين بالصرف والمراقبين والمحاسبين العموميين " ،كل موظف أو عون يوجد 4
تحت إمرة آمر بالصرف أو مراقب أو محاسب عمومي أو يعمل لحساب أحدهم ،يمكن أن يعتبر مسؤوال بصفة شخصية محل اآلمر بالصرف أو
المراقب أو المحاسب العمومي إذا ثبت أن الخطأ المرتكب منسوب إلى الموظف أو العون المذكور".
المادة 31من القانون رقم 13-33المذكور أعاله. 5
6
الفقرة األولى من المادة 33من نفس القانون.
7
الفقرة الثانية من المادة 33سالفة الذكر.
376
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
الطلب كليا أو جزئيا من دفع المبلغ المستحق عليه ويخوله ،عند االقتضاء ،حق استرجاع
المبالغ التي سبق له أن دفعها استيفاء للمبلغ المذكور .2وتبلغ نسخة من المقرر المذكور إلى
المحكمة المالية المختصة داخل أجل ثالثين ( )11يوما.3
كذلك ،يجوز لآلمر بالصرف أو كل موظف أو عون يعمل تحت إمرته الذي حكم عليه
بإرجاع األموال ،أو ذوي حقوقهم ،أن يقدموا طلبا إلبراء ذمتهم على وجه اإلحسان من
المبالغ المستحقة عليهم أو التي الزالت في ذمتهم ،طبقا للشروط المقررة في النظام العام
للمحاسبة العمومية.4
ويخضع هذا الطلب لنفس المقتضيات والمسطرة السارية على المحاسبين العموميين
حيث يجب على مقدم الطلب تبرير ملتمسه بالظروف المرتبطة بوضعيته المالية ،وأال يفتعل
عسره ،5باإلضافة إلى الموافقة المسبقة للجهاز التقريري بالنسبة للجماعات الترابية
ومجموعاتها والمؤسسات والمقاوالت العمومية الخاضعة للمراقبة المالية للدولة 6اعتبا ار لكون
ميزانية الهيئة المعنية هي التي تتحمل المبالغ المخصصة إلبراء الذمة على وجه اإلحسان.7
وكما يتبين ،من خالل هذه المقتضيات ،فإن اإلعفاء من المسؤولية وإبراء الذمة على
وجه اإلحسان ال يعتبران من العناصر المعفية من المسؤولية لكونهما ال يشمالن الغرامة
المحكوم بها ،حيث تظل المخالفة ومسؤولية مرتكبيها قائمة ،بل ينصب أثرهما فقط على عدم
تطبيق عقوبة إرجاع األموال التي يمكن للقاضي المالي أن يحكم بها في مجال التأديب
المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ،كعقوبة تكميلية وليست أصلية.
وك ما هو الشأن بالنسبة للمسؤولية المالية والشخصية للمحاسب العمومي في مادة البت
في الحسابات ،يكرس هذا الحق ،الممنوح للمتابع المحكوم عليه بإرجاع األموال ،نظرية
1
تعت بر السلطة المخول لها البت في الطلب االختالف الوحيد ما بين اإلعفاء من المسؤولية في مادة البت في الحسابات والتأديب المالي على
اعتبار أن وزير المالية هو المؤهل لممارسة هذه السلطة في مادة البت في الحسابات.
2
الفقرة الثالثة من المادة 33المذكورة أعاله.
3
الفقرة الرابعة من المادة 33سالفة الذكر.
المادة 30من القانون رقم 13-33سالف الذكر. 4
5حسب مدلول المادة 90من القانون رقم 35-31بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية.
المادة 35من القانون رقم 13-33المذكور أعاله. 6
7
المادة 31من نفس القانون.
377
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
الوزير القاضي في مجال التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ،التي تثير انتقادات
كثيرة من حيث كونها متجاوزة تاريخيا وتشكل مساسا بمبدأ حجية الشيء المقضي به ،بغض
النظر عن المبررات التي ترتكز عليها ،والتي تعكس في جوهرها محدودية المسؤولية المدنية
في مجال التدبير العمومي.1
ويعتبر مبدأ شخصية العقوبة وتفريدها عنصران متالزمان عند البت في الدعاوي
الزجرية 2حيث يتمتع القاضي بكامل السلطة التقديرية في تحديد العقوبة التي يراها مناسبة
لتحقيق الردع العام والردع الخاص للعقوبة .لذلك ،اعتمد المشرع المغربي مبدأ التفريد
القضائي للعقوبة في مادة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ،عكس نظام المسؤولية
الموضوعية في مادة البت في الحسابات ،إذ حدد حدا أدنى وحدا أقصى للغرامات التي
يمكن أن يحكم بها المجلس ،3تاركا بذلك للقاضي المالي تفريد الغرامة المناسبة حسب
مالبسات كل حالة يعتمد عليها في تقييم عاملي الخطورة والتكرار اللذين أحال إليهما المشرع
كأساس لتحديد مبالغ الغرامات التي يحكم بها.
1
للمزيد من التفاصيل ،انظر كتابنا :نظام مسؤولية المدبرين العموميين ،....مرجع سابق ،ص005 :ومابعدها.
2
على خالف مبدأ تفريد العقوبة ،يقصد بمبدأ شخصية العقوبة عدم جواز توقيع العقوبة إال على مرتكب المخالفة أو الجريمة .وبالتالي ،ال يجب أن
تمتد هذه العقوبة إلى األشخاص اآلخرين .وقد كرس القانون الجنائي المغربي هذا المبدأ بنصه في فصله 303على أنه " للقاضي سلطة تقديرية في
تحديد العقوبة وتفريدها في نطاق الحدين األدنى واألعلى المقررين في القانون المعاقب على الجريمة ،مراعيا في ذلك خطورة الجريمة المرتكبة من
ناحية وشخصية المجرم من ناحية أخرى".
3المادة 11من مدونة المحاكم المالية.
378
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
أوال -أثر إكراهات التدلير على مسؤولية المدلرين العموميين أمام القاضي
المالي
ال تهدف المنازعة القضائية في مادة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ،في
جوهرها إلى معاقبة األشخاص سيئي النية الذين ارتكبوا مخالفات مستوجبة للمسؤولية ،والتي
تجد مجالها الطبيعي في إطار المسؤولية الجنائية ،ولكن تروم باألساس حماية النظام المالي
العمومي في إطار بنيات وهياكل إدارية وتنظيمية ال يتصرف فيها مرتكب المخالفة بمفرده
حيث تمارس جميع االختصاصات والوظائف العمومية وفقا لمساطر وقواعد متعددة وأحيانا
مركبة وتخضع ألشكال رقابية متنوعة سواء من حيث موضوعها أو من حيث توقيتها.
في هذا اإلطار ،أسفرت الممارسة القضائية عن مراعاة القاضي المالي لمجموعة من
ظروف التخفيف عند تقديره لمبالغ الغرامات .وهكذا ،قد يتعلق األمر بارتباط المخالفة
بممارسة متواترة منذ زمن بعيد1أو عدم تلقي المتابع ألي تكوين في مجال المحاسبة
العمومية ،وعموما في مجال تدبير الصفقات العمومية 2وعدم توفر المصالح التي يشرف
عليها على الموارد البشرية الكافية .3وقد ترجع المخالفة إلى غموض أو عدم مالءمة
النصوص القانونية المطبقة على العملية المالية المعنية ،أو نتيجة ظروف استثنائية
استجدت ،واضطر المدبر المعني ،نتيجة عامل االستعجال ،4إلى ارتكاب المخالفة من أجل
ضمان مبدأ استم اررية المرفق العام بانتظام واضطراد في تقديم الخدمات التي أحدث من
أجلها.5
1
القرار االستئنافي عدد /1131/15ت.م.ش.م الصادر بتاريخ 15شتنبر 1131في الملف االستئنافي عدد /1133/111ت.م.ش.م ،ق اررات
صادرة عن المجلس في مجال استئناف أحكام المجالس الجهوية للحسابات ،يونيو ،1131ص.315 :
2
القرار عدد /1139/11ت.م.ش.م الصادر بتاريخ 33أبريل 1139في القضية عدد /1131/313ت.م.ش.م المتعلقة بمندوبية و ازرة الشبيبة
والرياضة آنفا بالدار البيضاء ،ق اررات صادرة عن غرفة التأديب ،...أبريل ،1133ص311 :؛ القرار االستئنافي عدد / 1131/11ت.م.ش.م
الصادر بتاريخ 30يونيو 1131في الملف االستئنافي عدد /1133/115ت.م.ش.م ،ق اررات صادرة عن المجلس في مجال استئناف أحكام
المجالس الجهوية للحسابات ،مرجع سابق ،ص.333 :
3القرار رقم /1131 /11ت.م.ش.م بتاريخ 11يونيو 1131في القضية رقم / 1131/339ت.م.ش.م ،مرجع سابق.
4
القرار عدد /1135/31ت.م.ش.م الصادر بتاريخ 39ماي 1135في القضية عدد /1131/313ت.م.ش.م المتعلقة بالتسيير المالي للمدرسة
المحمدية للمهندسين ،ق اررات صادرة عن غرفة التأديب ،...فبراير ،1139مرجع سابق ،ص50 :؛ قرار عدد /1135/31ت.م.ش.م الصادر
بتاريخ 19يوليوز 1135في القضية عدد /1131/331ت.م.ش.م المتعلقة بالمدرسة الوطنية للصناعة المعدنية ،المرجع السابق ،ص.311 :
5
القرار عدد /1131/01ت.م.ش.م بتاريخ 11يونيو 1131الصادر في القضية عدد /1131/333ت.م.ش.م المتعلق بالتسيير المالي لو ازرة،
ق اررات صادرة عن المجلس في مادة التأديب المالي ،أكتوبر ،1135ص310 :؛ الق ـرار عدد /1131/51ت.م.ش.م بتاريخ 31نونبر 1131
379
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
كما يعتبر تدارك المخالفة وتسويتها ظرفا للتخفيف ،1إذ أن " المعني باألمر وإن لم
يطبق البنود التعاقدية المتعلقة بصفقتين بشأن خصم غرامات التأخير من مبالغ كشوفات
الحساب المؤقتة الموالية مباشرة لمعاينة التأخير في اإلدالء ببعض الوثائق ،فإنه ،بالمقابل،
استدرك األمر بخصم مبالغ الغرامات المذكورة من مبالغ كشوفات الحساب المؤقتة الالحقة".2
وقد يجد تخفيف العقوبة أساسه في الغرض من ارتكاب المخالفة ،إذ أنه ،لئن كانت طريقة
منح تسبيقات عن األجر لبعض المستخدمين " ...تخالف ( )...المساطر الداخلية المعمول
بها بالشركة ،فقد همت باألساس حاالت اجتماعية أو مرضية ،كما أن جميع مبالغها قد تم
إرجاعها إلى خزينة الشركة .3"...كما يندرج ،في هذا اإلطار ،عدم حصول المتابع على أية
منفعة شخصية بسبب ارتكاب المخالفة وعدم إلحاقها ضرر بمالية الجهاز المعني 4وثبوت
حسن نية المتابع.5
في نفس السياق ،تشكل القضايا التي بت فيها المجلس األعلى للحسابات في مادة
التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ،والمتعلقة بالنيابات اإلقليمية لو ازرة الشبيبة
والرياضة ،والتي كانت موضوع مذكرة استعجالية ،6مثاال واضحا عن اإلكراهات القانونية
الصادر في القضية عدد / 1131/331ت.م.ش.م المتعلقة بالتسيير المالي لمصلحة للدولة مسيرة بطريقة مستقلة ،نفس المرجع السابق ،ص331:؛
الق اررات عدد 11و 11و 10و 15و /1139/ 11ت.م.ش.م الصادرة بتاريخ 33أبريل 1139في إطار القضية عدد /1131/310ت.م.ش.م
المتعلقة بنيابة و ازرة الشباب والرياضة بعمالة الصخيرات تمارة ،ق اررات صادرة عن غرفة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ،أبريل ،1133
صص.311-93 :
1
الق اررات أعداد 13و 31و 31و /1139/ 31ت.م.ش.م الصادرة بتاريخ 13يونيو 1139في القضية عدد 1131/311المتعلقة بالنيابة
اإلقليمية للتربية والتكوين بسال ،ق اررات صادرة عن غرفة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ،أبريل ،1133صص 331 :و111و 111
و.110
2
القرار رقم /1131/ 11ت.م.ش.م الصادر بتاريخ 19ماي 1131في إطار القضية عدد /1131/313ت.م.ش.م المتعلقة بالتسيير المالي
لمؤسسة عمومية ،ق اررات صادرة عن المجلس في مادة التأديب المالي ،أكتوبر ،1135ص.301:
3
القرار عدد /1131/01ت.م .ش.م المذكور أعاله.
الق ـرار عدد /1133/39ت.م.ش.م بتاريخ 1مارس 1133الصادر في القضية عدد /1111/310ت.م.ش.م المتعلقة بالتسيير المالي للصندوق 4
"أ" (مؤسسة عمومية) .وقد ردت في هذا القرار القاعدة التالية :ال تشترط المادة 50من القانون رقم ( 11.33المحددة للمخالفات المستوجبة للتشديد
في هذا المجال) سوء النية في الخطأ وإلحاق الضرر ،ق اررات صادرة عن المجلس في مادة التأديب المالي ،أكتوبر ،1135ص .00 :كما اعتبر
المجلس في القرار رقم /1131/11ت.م.ش.م بتاريخ 19ماي 1131الصادر في القضية عدد /1131/313ت.م.ش.م المتعلقة بالتسيير المالي
لمؤسسة عمومية أن " من ظروف التخفيف اتسام المخالفات المرتكبة بطابع شكلي ومسطري وعدم إلحاقها لضرر بمالية المؤسسة العمومية " ،نفس
المرجع السابق ،ص.301 :
5
القرار عدد /1131/15ت.م.ش.م الصادر بتاريخ 31أكتوبر 1131في القضية عدد في القضية عدد/1131/313ت.م.ش.م المتعلقة بشركة
العمران تامسنا ،ق اررات صادرة عن غرفة التأديب ،...شتنبر ،1139ص.111 :
6
التقرير السنوي للمجلس األعلى للحسابات برسم سنة ،1131صص.131- 191 :
380
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
والتنظيمية التي تشكل عرقلة للتدبير العمومي وللتقيد بالقواعد القانونية المنظمة للعمليات
المالية العمومية ،وتتخذ ظروف التخفيف ،في هذه الحالة ،شكل أخطاء مرفقية تبرز أسباب
ارتكاب المخالفات أكثر من عناصرها المادية ،وهو ما يطرح مسألة دقيقة تتعلق بإصدار
العقوبة المناسبة عن الخطأ الشخصي للمتابع.
وفي حالة تعدد ظروف التخفيف ،يطرح التساؤل حول مدى إمكانية تحول هذه
الظروف إلى أعذار معفية من المسؤولية ،السيما عندما يكون ارتكاب المخالفة الوسيلة
الوحيدة لضمان مبدأ االستم اررية في أداء الخدمات العمومية ،وذلك في غياب مقتضى
صريح في مدونة المحاكم المالية ،عكس ما هو عليه األمر في المادة الجنائية ،1وفي
تطبيقات القضاء المالي الفرنسي الذي كرس مجموعة من الشروط لتطبيق األعذار المعفية.2
بيد أن تحديد مدونة المحاكم المالية للحد األدنى لمبلغ الغرامة التي يمكن للقاضي
المالي الحكم بها ،ونظ ار ألن اختصاص التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ،ال
يهدف بالدرجة األولى إلى تأديب األشخاص الذين ارتكبوا مخالفات مستوجبة للمسؤولية ،بل
إلى تحقيق االنضباط في مجال التدبير العمومي وحماية القواعد السارية على المالية
العمومية ،3تظهر فائدة وجدوى الحكم بالمبالغ المقررة للمخالفات المرتكبة في حدها األدنى،
مادام أن عناصرها ثابتة ،في حالة تعدد ظروف التخفيف ،بما يحقق غاية ومنتهى هذا
االختصاص.
في المادة الجنائية ،وردت هذه األعذار في الفصل 301من القانون الجنائي .ومن الفصول المقررة ألعذار معفية من العقاب :الفصول 503 1
المعفية إذا كان األمر يتعلق بالمخالفات المرتبطة بضمان استم اررية المرفق العام تتجلى في أن ال تكون المخالفة متواترة ومستمرة من حيث الزمن،
وأن يتم إخبار السلطات المعنية بها ،كالمجلس اإلداري والهيئات التداولية وسلطة الوصاية ،باإلضافة إلى عدم إمكانية ضمان استم اررية المرفق دون
ارتكاب هذه المخالفة نظ ار لغياب حلول قانونية .انظر الق اررات التالية:
CDBF, 16 juin 2015, Le Grand Port maritime de Nantes-Saint-Nazaire ; CDBF, 5 novembre 1997, Ministère
des Affaires étrangères ; CDBF,15décembre 2006, Centre hospitalier d'Ambert. Pour plus de détail,
voir Christophe Pierucci, Une responsabilité à raison de la gestion publique…, op, cit, p : 394.
3
A. Froment – Meurice (et autres), Observations sur la décision du Conseil constitutionnel (France), 3 mars
2005, n° 23005-198L, Nature des dispositions du CJF concernant la CDBF, GAJF, 2014, op, cit, p :28.
381
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
في هذا اإلطار ،تشكل المنفعة الشخصية التي حصل عليها المتابع نتيجة ارتكاب
المخالفة من ظروف التشديد ،2إذ غالبا ما يالزمها سوء النية ،وهو األمر الذي يجعل من
تشديد العقوبة في هذا المجال أداة ردعية تساهم في تخليق الحياة العامة اإلدارية وتتفادى و
(أو) تمنع استمرار حاالت تضارب المصالح في مجال التدبير العمومي ،كما هو الشأن
بالنسبة لمتابع حمل ميزانية الشركة التي يشرف على شؤونها نفقات انخراطه في صندوق
للضمان دون التنصيص عليه في سند تعاقدي أو بناء على قرار المجلس اإلداري ،3أو
عندما يتعلق األمر ب تحميل مدير عام لشركة لنفقات تهم تغطية مصاريفه الشخصية أثناء
تواجده في مهمات بالخارج ،بشكل متكرر ،رغم استفادته من التعويضات عن التنقل
المستحقة ،أو في حالة توقيعه على أوامر القيام بمهمة قصد تبرير نفقات صورية عن
تنقالت لم يقم بها المعني باألمر فعليا.4
كما قد تجد خطورة األفعال المرتكبة مصدرها في طبيعة القواعد التي تم اإلخالل بها
من خالل تكريس القاضي المالي لتراتبية في القواعد تميز بين القواعد البسيطة الشكلية وتلك
التي تعكس روح النصوص القانونية والمبادئ األساسية الكبرى التي تؤطر التدبير المالي
العمومي ،كاحترام مبدأي المنافسة والمساواة في ولوج الطلبيات العمومية .في هذا اإلطار،
يميز القاضي المالي المغربي بشأن المخالفات المتعلقة بااللتزام بالنفقات العمومية بين الحالة
عبد الواحد العلمي ،المبادئ العامة للقانون الجنائي المغربي ،الجزء الثاني ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،3333 ،ص 11 :وما بعدها. 1
2
قـرار عدد /1131/15ت.م.ش.م الصادر بتاريخ 1دجنبر ،1131مرجع مذكور أعاله.
3
القرار عدد /1131/01ت.م.ش.م،مرجع مذكور أعاله.
4
القرار عدد /1131/15ت.م.ش.م المشار إليه أعاله
382
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
التي يتم فيها الشروع في تنفيذ صفقة قبل خضوعها لتأشيرة مراقب االلتزام بالنفقات ومصادقة
سلطة الوصاية ولكن بعد تحديد المتعاقد معه وفق مسطرة طلب عروض مفتوح ،1والحالة
التي يلجأ فيها المدبر العمومي إلى ممون بشكل مباشر قصد توريد مواد أو إنجاز أشغال
واإلعالن الحقا عن طلب العروض قصد التعاقد مع الممون المعني لتسوية ديونه.2
وقد ينصب تشديد العقوبة على خطورة الفعل في حد ذاته ،كما هو الشأن في حالة
إصدار صاحب المشروع ألوامر بايقاف تنفيذ صفقة عمومية تحمل تاريخ لم يكن قد تولى
فيه المعني باألمر بعد مسؤولية اإلشراف على الجهاز المعني ،وذلك قصد تمديد أجل التنفيذ
لتفادي تطبيق غرامات التأخير ،األمر الذي يعتبر مخالفة لقواعد تصفية النفقات العمومية
واألمر بصرفها ومنفعة نقدية غير مبررة وامتيا از للمتعاقد معه ،3نظ ار لكون "( )...آجال تنفيذ
الصفقات العمومية تشكل عنص ار أساسيا من العناصر المحددة لعروض المتنافسين في ولوج
الطلبيات العمومية أثناء إعداد تعهداتهم في إطار طلبات العروض ،ومن شأن عدم تطبيق
غرامات التأخير ،وإن كانت تهم مرحلة التنفيذ ،أن يمس باألسس التي قامت عليها المنافسة،
وبالتالي ،بفعلية المساواة أمام الطلبيات العمومية أثناء مرحلة إبرام الصفقات العمومية" .4وقد
يتعلق األمر بتكرار توقيع متابع على محاضر التسلم المؤقت والنهائي بالرغم من عدم
استكمال المتعاقد معه تنفيذ جميع التزاماته التعاقدية وتواتر هذه الممارسة على مدى سنتين
برسم صفقات عديدة ،ودون رجوعه إلى دفاتر الشروط الخاصة المتعلقة بهذه الصفقات.5
1
انظر على سبيل المثال ،الق ـرار عدد /1131/10ت.م.ش.م بتاريخ 11يونيو 1131الصادر في القضية عدد /1131/311ت.م.ش.م
المتعلقة بنيابة إقليمية لو ازرة ،ق اررات صادرة عن المجلس في مادة التأديب المالي ،أكتوبر ،1135ص.11 :
2
القـرار عدد /1131/31ت.م.ش.م بتاريخ 11يونيو 1131الصادر في القضية عدد /1131/331ت.م.ش.م المتعلقة بالتسيير المالي
لمصلحة للدولة مسيرة بطريقة مستقلة ،نفس المرجع السابق ،ص11:؛ القـرار عدد /1131/11ت.م.ش.م بتاريخ 11يونيو 1131الصادر في
القضية عدد /1131/330ت.م.ش.م المتعلقة بالتسيير المالي لمصلحة خارجية "أ" لمرفق للدولة ،نفس المرجع السابق ،ص15 :؛ القرار عدد
/1131/31ت.م.ش.م بتاريخ 11يونيو 1131الصادر في القضية عدد /1131/331ت.م.ش.م المتعلقة بمصلحة للدولة مسيرة بطريقة
مستقلة ،نفس المرجع السابق ،ص.11 :
3
القرار عدد /1131/33ت.م.ش.م الصادر عن المجلس بتاريخ 1ماي 1131في القضية رقم /1131/315ت.م .ش .م المتعلقة بمؤسسة
عمومية ،مرجع مذكور اعاله.
4القرار عدد /1131/33ت.م.ش.م سالف الذكر.
5
القرار عدد /1135/39ت.م.ش.م الصادر بتاريخ 39شتنبر 1135في القضية عدد 1130/313ت.م.ش.م المتعلقة بالتسيير المالي لمؤسسة
دار الصانع ،قرارات صادرة عن غرفة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ،فبراير ،1139ص331 :؛ الق ارران عدد /1131/11ت.م.ش.م
و/1131/10ت.م.ش.م الصادران بتاريخ 3نونبر 1131في إطار القضية عدد /1135/310ت.م.ش.م المتعلقة بجامعة موالي اسماعيل
بمكناس ،ق اررات صادرة عن غرفة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ،شتنبر ،1139صص.111-111 :
383
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
على صعيد آخر ،قد يعتبر سوء التسيير واإلهمال والتقصير في القيام بالواجبات
الوظيفية ظرفا للتشديد ،كما هو الشأن بالنسبة لإلشهاد على تسلم أشغال ذات مواصفات
غير تلك المتعاقد بشأنها نتيجة التغييرات التي طرأت على المشروع بسبب غياب الدراسات
القبلية الالزمة ،1أو اإلخالل بواجب إرساء نظام للرقابة الداخلية 2أو عدم تمكين صاحب
المشروع أعضاء لجان التسلم من دفاتر الشروط الخاصة المتعلقة بالصفقات المعنية قصد
اإللمام بالمراقبات المنوطة بهم قبل اإلشهاد على محاضر التسلم المؤقت للمعدات .3كما
يندرج ،في هذا اإلطار ،تقصير المهندس ،ممثل صاحب المشروع ،في القيام بمهمة تتبع
تنفيذ أشغال صفقة وتوقيعه على كشوفات الحساب ومحاضر التسلم دون التأكد من اإلنجاز
الفعلي لجميع األشغال المتعاقد بشأنها ،4وكذا اعتماد تقني مكلف بتتبع األشغال بصفة
مطلقة في عملية اإلشهاد على األشغال المنجزة على مصادقة المهندس المعماري على
عينات مختلف المواد ،وعدم الرجوع إلى دفاتر الشروط الخاصة بالصفقات من أجل التأكد
من مطابقة األشغال المنجزة للمواصفات المتعاقد بشأنها ،وعدم إشرافه ،باعتباره ممثال عن
صاحب المشروع ،على عملية أخذ تمتيرات وتحديد كميات األشغال المنجزة فعليا قبل التوقيع
على جداول المنجزات.5
في نفس السياق ،يعتبر ظرفا للتشديد اتسام تسيير مدبر عمومي بمركزة سلطات
متنافية ترتب عن ممارستها مخالفات مستوجبة للمسؤولية من خالل انفراده بالتسيير المالي
للجهاز الذي يشرف عليه ،كما هو األمر عندما يتولى إبرام الصفقات العمومية والمصادقة
عليها واإلشهاد على إنجاز العمل وتوقيع كشوفات الحساب وإصدار األوامر بأداء مبالغها
دون إشراك المصالح التقنية المختصة وعدم تعيين ممثلين عن صاحب المشروع من أجل
تتبع أعمال التنفيذ ،ودون اتخاذ اإلجراءات االحت ارزية الكفيلة بضمان صحة اإلشهاد على
1
القـرار عدد / 31/1135ت.م.ش.م بتاريخ 19يوليوز 1135الصادر في القضية عدد /1131/331ت.م.ش.م المتعلقة بالتسيير المالي
للمدرسة الوطنية للصناعة المعدنية ،ق اررات صادرة عن غرفة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ،فبراير ،1139ص.311:
2
القرار عدد /1139/19ت.م.ش.م الصادر بتاريخ 13يونيو 1139في القضية عدد / 1131/311ت.م.ش.م المتعلقة بالنيابة اإلقليمية للتربية
والتكوين بسال ،ق اررات صادرة عن غرفة التأديب ،...أبريل ،1133ص.351 :
3
القرار عدد 1139/13الصادر بتاريخ 19ماي ،1139مرجع سابق.
4
القرار عدد / 1131/33ت.م .ش.م الصادر بتاريخ 31ماي 1131في القضية عدد /1135/311ت.م.ش.م المتعلقة بالتسيير المالي لو ازرة
الصحة (مشاريع بناء وتوسعة وتهيئة المؤسسات الصحية) ،ق اررات صادرة عن غرفة التأديب ،....شتنبر ،1131ص.311:
5
الق اررات أعداد 13و 31و 31و /1139/ 31ت.م.ش.م المذكورة أعاله.
384
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
إنجاز األشغال موضوع هذه الكشوفات ومطابقتها للمواصفات المتعاقد بشأنها ،خاصة في
حالة ثبوت علمه بكون المعطيات المضمنة في وثائق التصفية ال تعكس حقيقة العمل
المنجز.1
كذلك ،يعتبر عدم تحقيق الفائدة من النفقة العمومية ظرفا للتشديد ،إذ بالرغم من إبرام
صفقات عمومية بمبالغ مالية مهمة ،لم يستفد الجهاز المعني من معظم المعدات والتجهيزات
المقتناة ،التي ظلت متراكمة دون تركيب واستغالل معظمها ألغراض المصلحة العامة الذي
اقتنيت من أجلها ،والتي قام المعني باألمر بتفعيل مسطرتي التسلم المؤقت والنهائي بشأنها
وتسوية هذه الصفقات ،بالرغم من علمه بعدم تنفيذ المتعاقد معهم اللتزاماتهم التعاقدية
المتعلقة بالتركيب والتجريب والتكوين.2
ويتضح من مختلف هذه الحاالت ،أن التشديد في العقوبة يهدف ،باإلضافة إلى معاقبة
عدم كفاءة المدبرين العموميين ،خاصة عندما يلحقون بفعل أخطائهم أو إهمالهم أض ار ار
باألجهزة التي يشرفون عليها ،إلى حماية المبادئ والقواعد العامة التي يجب أن تسود التدبير
العمومي وإلى تخليق الحياة العامة بما يحقق عدم استغالل المدبرين العموميين للسلطات
الموكولة إليهم من أجل تحقيق منافع شخصية تضر بمالية هذه األجهزة.
و بالنظر إلى طبيعتها ،تثير هذه الظروف مسألة تقاطع المسؤولية في مجال التأديب
المتعلق بالميزانية والشؤون المالية والمسؤولية الجنائية ،إذ لئن كانت المخالفات المستوجبة
للتأديب المالي تتشابه في ركنها المادي مع الجرائم المتصلة باالعتداء على األموال
العمومية ،3فإن ظروف التشديد التي قد تواكب ارتكاب هذه المخالفات تتقارب في واقع األمر
مع عناصر الركن المعنوي للجرائم المتصلة باالعتداء على األموال العمومية ،لكن بمرونة
أكبر من حيث اإلثبات ،حيث ال يشكل ثبوت هذا الركن شرطا أساسيا لقيام هذه المخالفات،
بل من مالبسات ارتكابها وظرفا لتشديد العقوبة .وبالتالي ،وباإلضافة إلى مرونة في قيام
أركان أغلب المخالفات المستوجبة للمسؤولية في مادة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون
1
القرار 1139/13المذكور أعاله.
2
القرار 1139/13سالف الذكر.
3
األمر الذي يتطلب تنسيقا بين المحاكم المالية والقضاء الجنائي ،خاصة مع أقسام الجرائم المالية ،في إطار تفعيل مقتضيات الفقرة الثانية من
الفصل 309من الدستور التي تنص على أن المجلس األعلى للحسابات يبذل مساعدته للهيئات القضائية.
385
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
المالية ،فإنها ال تختلف ،جوهريا ،عندما تتسم بخطورة كبيرة ،عن الجرائم ذات الصلة
باألموال العمومية.
وتبعا للمحاور أعاله ،تظهر فائدة قيام نظام لمسؤولية المدبرين العموميين أمام القاضي
المالي في كونه نظاما يروم باألساس حماية األموال العمومية ليس فقط بهدف ضمان
شرعية تدبيرها بالنظر إلى القوانين واألنظمة ،بل ،أيضا ،من أجل االستعمال األمثل للموارد
العموم ية وتكريس الممارسات الجيدة في التدبير .كما يجد أهميته في كونه قضاء متخصصا
ومهنيا يناسب في مساطره وقواعد إسناد المسؤولية في إطاره خصوصيات التدبير العمومي
بشكل يجعله نظاما ال يهدف في واقع األمر إلى معاقبة كل االختالالت التي يتسم بها
التدبير العمومي ،1بل إلى الردع العام للمدبرين العموميين بالنظر إلى النطاق الواسع للقواعد
التي يخضع لها التدبير العمومي وطبيعة مسطرة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية،
التي تعتبر ادعائية تتوقف ممارستها على توافر شروط محددة.
ولئن كرست الممارسة القضائية للمجلس في مادة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون
المالية هيمنة المخالفات ذات الصلة بشرعية التدبير العمومي ،فقد مكنت تطبيقات القاضي
المالي لمبدأ االرتباط من امتداد المساءلة إلى أخطاء وحاالت سوء التسيير ،وهو ما يجعل
نطاق الشرعية في هذا المجال مؤهل الستيعاب المقاربة االقتصادية في التدبير الجيد بإيالء
األهمية ألخطاء التسيير التي يمكن أن يرتكبها المدبرون العموميون ،السيما الخطيرة منها.
بيد أن المخالفات المستوجبة للمسؤولية ،كما هي منصوص عليها حاليا في مدونة المحاكم
المالية ،قد تحتاج إلى مالءمة مخالفات قائمة وإضافة أخرى جديدة تفرضها طبيعة المهام
الموكولة لمختلف المدبرين العموميين في الوقت الراهن ،وظهور فئات جديدة من المدبرين
العموميين نتيجة لذلك ،تبعا للتحوالت التي يخضع لها التدبير العمومي ،السيما بعد صدور
القانون التنظيمي الجديد لقانون المالية 2ووضعه أسس التدبير المرتكز على النتائج ،3وهو ما
1
إذ ال ينفي هذا النظام وجود مخالفات خفية وهي العبارة التي تستعمل غالبا للتعبير في المجال الجنائي عن الجرائم الخفية بمعنى تلك التي لم
تصل إلى العدالة ،وبالتالي ،لم تكن موضوع مسطرة قضائية.
القانون التنظيمي رقم 311-31لقانون المالية الصادر بشأن تنفيذه الظهير الشريف رقم 3-35-11الصادر في 30من شعبان 3011الموافق 2
ل 1يونيو ( 1135الجريدة الرسمية عدد 1111في فاتح رمضان 39( 3011يونيو ،)1135ص.5911 :
3
الذي يتمحور حول أربعة مظاهر متكاملة تتجلى في احترام القاعدة القانونية والتقيد بمبادئ التدبير المالي الجيد وتحقيق األهداف والنتائج
المسطرة وتقديم حسابات صحيحة وصادقة عن مؤشرات القياس المطبقة في تقييم تحقيق األهداف المبرمجة.
386
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
قد يجعل المساءلة برسم اختصاص التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية تمتد،
مستقبال ،إلى أخطاء التسيير وصدقية الحسابات بشكل ينسجم مع مستلزمات وغايات التدبير
العمومي الحديث.
وفضال عن أهمية إضفاء الطابع المهني ،كذلك ،على العقوبات التي يصدرها القاضي
المالي في إطار اختصاص التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ،تحتاج عقوبة إرجاع
كفيلة األموال إلى إعادة توضيح نطاق ومجال تطبيقها ،من خالل اجتهادات قضائية
بتجاوز الغموض الذي يكتنف شروط تطبيقها في إطار النظام الحالي ،وكذا وضع األسس
التي تحقق عدالة وفعالية هذه العقوبة ،من خالل نظام للمسؤولية التضامنية ،الذي لم ينص
عليه المشرع المغربي في مدونة المحاكم المالية ،إال على سبيل االستثناء ،وذلك في مادة
التسيير بحكم الواقع ،إذ أثبتت الممارسة العملية ،أنه ،وفي أغلب الحاالت ،قد يساهم في
ارتكاب المخالفة ،التي تسببت في خسارة مالية للجهاز العمومي ،عدد من المتدخلين بنسب
وأدوار متفاوتة في إطار هرمية إدارية معينة.
وألن " تقييم فعالية محكمة زجرية ال يتوقف فقط على حجم العقوبات التي تصدرها،
(ونظ ار لكون) التوجه نحو الحكم بغرامات ضعيفة من شأنه التأثير سلبا على مصداقية
المحكمة" ،1تبرز أهمية وفائدة بلورة سياسة عقابية تروم تحقيق التوازن في تطبيق المخالفات
المستوجبة للمسؤولية في إطار القضايا المعروضة ،وتستهدف تفادي النظر في عدد كبير
من القضايا التي قد تكون فائدتها من حيث وظيفتي الردع الخاص والعام محدودة ،والمساءلة
عن مؤاخذات غير خطيرة أو المخالفات المتعلقة بقواعد قانونية مسطرية وشكلية ال تمس
بالمبادئ األساسية للتدبير المالي العمومي ،أو بصفة عامة المخالفات التي تتخذ شكل
أخطاء مرفقية أكثر منها أخطاء شخصية ،والتي يمكن تجاوزها من خالل التوصيات وتتبع
تنفيذها من طرف مسؤولي األجهزة المعنية في إطار االختصاصات الرقابية غير القضائية
للمحاكم المالية 2أو بواسطة المذكرات االستعجالية ،3وذلك بما يضمن فعالية نظام المسؤولية
1
M. Lascombe, Xavier Vandendriessche, Note sous CDBF, 4 avril 2001, Anciant et autres, Revue de Trésor,
2001, p : 803.
2المادة 1من مدونة المحاكم المالية ،كما تم تغييرها وتتميمها بموجب القانون رقم 55-31الصادر بشأن تنفيذه الظهير الشريف رقم 3-31-351
الصادر في 13من ذي القعدة 15(3011أغسطس ،)1131الجريدة الرسمية عدد 1513بتاريخ 33شتنبر ،1131ص.1115-1111 :
3
المادة 33من مدونة المحاكم المالية.
387
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
أمام المحاكم المالية في مجال التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ويكفل تجاوز
السلبيات التي قد تترتب عن محدودية تفعيل نظام المسؤولية التأديبية ومخاطر تجريم الحياة
العامة واإلدارية.
388
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
أ
من إعداد الستاذ ،مصطفى لغليمي،
أ
مستشار مشرف بغرفة التاديب المتعلق بالميزانية
أ
والشؤون المالية بالمجلس العلى للحسابات
مقدمأة
عمد المغرب ،وعيا منه بضرورة االنخراط في عملية تحديث تدبير الشأن العام التي
انطلقت مع مسلسل اإلصالحات التي عمت مجموعة من الدول ،ورغبة منه في اقتسام هذه
التجارب وكذا الممارسات الجيدة للتدبير ،إلى اعتماد مجموعة من اإلصالحات قصد الرفع
من فعالية التدبير العمومي من خالل وضع نظام قانوني متكامل يرتكز على مفهوم جديد
للتدبير يستمد روحه من التدبير اإلداري للمقاوالت المبني على األداء والكفاءة.
ومن أجل إرساء هذا النموذج الجديد في التدبير ،سلك المغرب ،على غرار النموذج
الفرنسي ،سياسة التغيير عبر المنظومة الميزانياتية والمحاسبية ،1حيث تم اعتماد سلسلة من
اإلصالحات اتخذت أبعادا مختلفة يمكن تقسيمها إلى ثالثة محاور أساسية:
وبالنظر إلى موضوعها ،ستترتب عن هذه التعديالت آثار على مستوى نطاق
ومضمون القواعد والمبادئ األساسية التي كانت تحكم المالية العامة في إطار التدبير
1
Cours des comptes , la mise en œuvre de la LOLF : un bilan pour de nouvelle perspectives, rapport nov
2011, p 9.
389
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
المرتكز على الوسائل ،وكذا على منظومة الرقابة المالية ،وبالتالي على األسس التي تقوم
عليها حاليا مسئولية المدبرين العموميين أمام المحاكم المالية في إطار االختصاصات
القضائية الموكولة إليها ،إذ ترتكز هذه األخيرة على توزيع المهام ،طبقا لمبدأ الفصل بين
مهام اآلمر بالصرف والمحاسب العمومي ،وتروم المساءلة على احترام المساطر والقواعد
الشكلية في حين تقتضي المقاربة الجديدة المرتكزة على النتائج تقارب وتداخل مهام اآلمر
بالصرف مع تلك الموكولة إلى المحاسب العمومي ،كما تحيل على معايير جديدة للمساءلة
يحظى فيها تقييم النجاعة والكفاءة باألولوية مقارنة بهاجس احترام المساطر والقواعد.
لذلك ،قبل التعرض إلى اآلثار المترتبة عن هذه التطورات على النظام العام لمسؤولية
في مجال التدبير المالي العمومي ،السيما صعود نظام المسؤولية التدبيرية كنظام تكميلي
وليس بديل لنظام المسؤولية القضائية أمام المحاكم المالية ،سنتطرق في محور أول
للمستجدات التي جاء بها القانون التنظيمي لقانون المالية لسنة ،1135والتي تهدف إلى
وضع أسس االنتقال من التدبير المرتكز على الوسائل إلى التدبير المرتكز على النتائج.
على غرار العديد من دول العالم ،يشهد المغرب تحوالت هامة في مجال التدبير
العمومي فرضتها تطورات قانونه المالي العام والمتمثلة أساسا في اعتماد قانون تنظيمي جديد
لقانون المالية .1وستكون لهذه التطورات ،ومن دون أدنى شك ،تداعيات على أنظمة المراقبة
والمسؤولية المالية؛ السيما في ظل التغييرات الجوهرية التي أحدثها هذا القانون التنظيمي
الجديد سواء على مستوى تحديث تدبير ميزانية الدولة من خالل االنتقال من مقاربة مالية
ترتكز على اإلمكانات إلى مقاربة مالية تتجه صوب االهتمام باألداء وتحقيق النتائج (أ) أو
على مستوى اعتماد نظام محاسباتي الذي يتجه في جزء منه إلى اعتماد النظام المحاسباتي
المعمول به في المجال المقاوالتي (ب).
1القانون التنظيمي رقم 311.31لقانون المالية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 3.35.11بتاريخ 1يونيو 1135
390
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
بداية ال بد من اإلشارة إلى أنه من غير الممكن فهم مضامين هذه اإلصالحات التي
تخضع لها المنظومة القانونية للمالية العمومية بمعزل عن اإلطار العام الذي تندرج فيه .إن
اعتماد القانون التنظيمي الجديد لقانون المالية ال يمكن النظر إليه فقط من الزاوية المالية
واالقتصادية البحتة ،بعبارة أوضح لم يأت هذا القانون استجابة لضرورات اقتصادية ومالية،
بل إنه يندرج ضمن موجة اإلصالحات الكبرى التي تشهدها المالية العمومية في جل دول
العالم والتي أملتها مبادئ الحوكمة ومتطلبات التدبير العمومي الحديث التي ينادي بها
أنصار الليبرالية الجديدة .فمن وجهة نظر هؤالء ،فإن االنتقال من تدبير عمومي كالسيكي
يعتمد على التشبث بالقوانين واستهالك االعتمادات إلى تدبير عمومي موجه نحو الفعالية
la rationalité وتحقيق النتائج لن يكون ممكنا في ظل هيمنة العقالنية القانونية
juridiqueعلى حساب العقالنية التدبيرية .1 la rationalité managériale
فهيمنة المنطق القانوني على تدبير اإلدارات العمومية ،وكما يدعي ذلك دعاة الليبرالية
الجديدة ،يعتبر العائق األساس الذي يحول دون تدبير عمومي حديث لتلك اإلدارات؛ تدبير
يعتمد مبادئ الفعالية والشفافية والمحاسبة على النتائج .وبالتالي ،فإن جعل المنظومة
القانونية أكثر مرونة ،ومن ضمنها القانون العام المالي ،يعتبر من المداخل األساسية لتوجيه
بوصلة التدبير العمومي نحو الكفاءة والفعالية .وبهذا التمييز ،ال يلبي القانون المالي العام،
1
Jacques CHEVALIER et D. LOSCHAK, rationalité juridique et rationalité managériale dans l’administration
française, revue française d’administration publique n°24, 1982, cité par Evina Obam , l’intégration du pilotage
des performances en finances publiques camerounaise, mémoire pour l’obtention du Master en administration
publique, ENA, 2005. Cité par Siméon Arris (SCHOUEL), la nécessaire réforme du droit budgétaire
Camerounais, mémoire pour Master en Administration publique, 2006-2008, P 18.
391
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
بالنظر إلى المبادئ والمساطر التي ينطوي عليها ،متطلبات التدبير العمومي الحديث ألنه
مستلهم من الفكرة الكينزية 1والتي تقوم على أساس تدخل الدولة في المجاالت االقتصادية
واالجتماعية ،وهو ما يتصادم كليا مع ما توصي به الليبرالية الجديدة :تدخل جد محدود
للدولة .Etat minimum
إن الغاية من وراء هذا اإلصالح الجوهري هي إرساء أسس مقاربة موازنية جديدة
ترتكز على النتائج عوض المقاربة الكالسيكية القائمة على الوسائل .الحديث عن هذه
المقاربة الموازنية الجديدة يتطلب منا أوال التطرق إلى نوعين من األسس التي تستند إليها،
هناك من جهة األسس الفكرية ( ،)3ومن جهة أخرى األسس القانونية والتنظيمية (.)1
فالتدبير العمومي الجديد هو نتاج لتيارين فكريين بارزين :التيار الفكري األول ظهر
في علم االقتصاد تحت مسمى "نظرية الخيارات العامة "théorie des choix publics
والتي ارتبطت بظهور ثالثة مؤلفات لمفكرين كبار 3خالل خمسينيات وستينيات القرن
1
L’histoire et les fondements des finances publiques, www.editions-ellipses.fr. (23/06/2020).
2
M.Laghlimi, l’audit de la performance dans le contrôle de la cour des comptes, mémoire de fin d’études,
ISCAE, Rabat, juin 2016, p 44
3
Arrow .K social choice and individual values, second edition, Cowl foundation, p56.
392
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وحسب نظرية "الخيارات العامة" ،فإن التدبير العمومي يتميز بتضارب المصالح الذاتية
لثالث فئات من الفاعلين (المجتمع والمسيرون اإلداريون والفاعلون السياسيون) على حساب
المصلحة العامة .وطبقا لنفس النظرية ،فإن خير وسيلة لتحسين التدبير العمومي تتمثل في :
وضع نظام تقييم شامل للنشاط اإلداري ،يرتكز على ربط التكاليف بالعائدات؛
تبني هيكلة إدارية مرنة تعتمد على الالتمركز؛
العمل على تعديل أو إلغاء اإلجراءات الديموقراطية غير الفعالة.
أما التيار الفكري الثاني فقد ارتبط خصيصا بعالم األعمال وتدبير المقاوالت الخاصة
والذي كان من بين مهندسيه كل من P. Druckerصاحب نظرية اإلدارة باألهداف والتي
تم وضع مبادئها سنة 3311و O. Gilinierالذي طور هذه النظرية وقام بتطبيقها سنة
1
3311في فرنسا تحت تسمية اإلدارة التشاركية باألهداف.
ويمكن النظر إلى اإلدارة باألهداف على أنها نهج وفلسفة تدبيرية تعتمد الالمركزية
والحرية في اتخاذ القرار وفق تحديد أهداف محددة سلفا من طرف اإلدارة المركزية لفترة زمنية
محددة يتم على أساسها تقييم النتائج المحققة من طرف الوحدات اإلدارية الخارجية.
ويرجع الفضل في بروز التدبير العمومي الحديث إلى الباحثين اإلنجليزيين C. Hood
و ) ،M. Jacson / politilogues (1969فيما يرجع الفضل في إشاعته وتطبيقه على
Gaebler نطاق واسع إلى باحثين أمريكيين متخصصين في التدبير Osborneو
).2 (1992
1
Niskanen William (1971), “Bureaucracy and Representative Government”, Chicago, AldineAtherton.
1
J Bob McTeer President Federal Reserve Bank of Dallasames « M. Buchanan The Creation of Public
Choice Theory » federal reserve Bank of Dallas, volume 8, number 2 , p 1, Ces auteurs constituent les piliers
de l’école néo-classique des organisations.
2
Hood C. (1991). A public management for all seasons? Public Administration 69 (spring): p 3-19 ; Nils C.
Soguel Chaire, Finances publiques Working paper de l’IDHEAP 2008 P 25; URIO, Paolo, « La gestion
393
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
فتحت تأثير هذه التيارات الفكرية وكذا األساليب والتقنيات المستعملة في القطاع
الخاص ،ظهر التدبير العمومي الحديث الذي صار نهجا واسع االنتشار داخل القطاع العام
في مختلف الدول المتقدمة والنامية من بينها المغرب الذي تبنى مجموعة من اإلصالحات
التي ترمي إلى وضع اللبنات األولى لهذا األسلوب الجديد من التدبير ،منها إدخال بعض
التقنيات المستمدة من نهج التدبير بالقطاع الخاص :التدبير على أساس النتائج وعقود
األهداف والوسائل وعقود البرامج والالتمركز في التدبير...الخ
لكن يبقى أهم وسيلة للتأسيس لهذا األسلوب الجديد هو تبني نظام مالي ومحاسبي يقود
إلى تحقيق ثورة فكرية وتقنية لتحديث التدبير العمومي ونقله من صورته الكالسيكية المرتكزة
على احترام المساطر والقواعد القانونية والوسائل إلى تدبير عمومي حديث يقوم على
األهداف والنتائج والشفافية والكفاءة.
3.2دستور 2433
لقد تم تكريس هذه المقاربة الجديدة في تدبير ميزانية الدولة على مستوى أسمى وثيقة
قانونية للبالد :دستور .1133فقد تضمن الفصل 305من هذا األخير العديد من
المقتضيات الدستورية التي يمكن اعتبارها بمثابة األساس القانوني لتعزيز قواعد التدبير
الموازني الحديث المرتكز على مبادئ الحكامة الجيدة والمساواة والشفافية وربط المسؤولية
بالمحاسبة والمراقبة في تنفيذ العمليات المالية العمومية.
كما نص الفصل 355من نفس الدستور على التطبيق المرن لمبدأ سنوية الميزانية،
من خالل اعتماد برامج وترخيصات على المدى الطويل متعدد السنوات .كما كرس الدستور
مبدأ الصدقية الذي يستمد روحه من القاعدة الدستورية المنصوص عليها في الفصل 11من
الدستور المتعلقة بحق المواطن في الحصول على المعلومة.
publique au service du marché », in M. Hufty, « La pensée comptable : État, néolibéralisme, nouvelle gestion
publique », Les nouveaux Cahiers de l’IUED, PUF, Paris et Genève, 1998, 91-124, 1998
394
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
إضافة إلى ذلك ،أسند المشرع الدستوري ،بموجب الفصل 15من الدستور ،إلى
القانون التنظيمي لقانون المالية ،مهمة تنزيل المقتضيات الدستورية الجديدة المتعلقة بتقوية
نجاعة التدبير الحكومي وإرساء مبادئ وقواعد ترمي إلى ضمان شفافية المالية العمومية،
وتعزيز دور البرلمان في مناقشة مشاريع الميزانية ومراقبة المالية العمومية.
لمواكبة التطورات والمستجدات المالية المرتبطة بمجال التدبير العمومي الحديث ،كان
ال بد من وضع قانون تنظيمي جديد كفيل بتنزيل المقتضيات الدستورية الجديدة خاصة فيما
يتعلق بضمان نجاعة وكفاءة التدبير العمومي ،وتعزيز مبادئ الشفافية والحكامة والمراقبة.
وكما هو معلوم ،فإن هذا القانون التنظيمي الجديد يندرج ضمن الدينامية التي طبعت
مسلسل اإلصالحات الدستورية السابقة؛ إصالحات ترمي باألساس إلى تحقيق هدفين
رئيسين:
تحسين مقروئية الميزانية وربطها لنباعة األداء :وذلك من خالل اعتماد ثالث
آليات:
وضع إطار ميزانياتي متعدد السنوات بحيث يتم االستناد إلى برمجة
ميزانياتية لمدة ثالث سنوات مع مراعاة مبدأ المرونة (تحيين سنوي) ،وذلك
من أجل التوفر على رؤية استراتيجية واستشرافية على المدى الطويل،
اعتماد آلية ميزانياتية تنبني على البرامج وتحديد أدق للمسئوليات ،واستخدام
أوسع للمقاربة التدبيرية الحديثة بمنح هامش واسع التخاذ القرار من طرف
المدبرين العموميين،
ميزانية مرتكزة على فعالية األداء استنادا إلى ربط األهداف بتحقيق النتائج،
يتم قياسها بمؤشرات كمية واضحة.
تعزيز مبادئ الشفافية والصدقية (المواد 34و 13من القانون التنظيمي
للمالية)
395
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
لقد تضمن القانون التنظيمي لقانون المالية في هذا اإلطار العديد من المستجدات نذكر
منها:
وكما يالحظ ،فقد ارتكزت مراجعة القانون التنظيمي لقانون المالية على شقين
متالزمين :الشق الميزانياتي والشق المحاسباتي .وسيكون لهذا التحول الهيكلي في المنظومة
المالية والميزانياتية ،ومن دون أدنى شك ،تأثيرات عميقة على مجالي المراقبة ومسئولية
المدبرين العموميين ،ال سيما وأنه سيؤدي إلى حلول ثقافة تدبيرية جديدة تعتمد منطق األداء
والكفاءة بدال من المنطق الذي يقوم على الوسائل واحترام المساطر والشرعية المالية.
كما ستكون للقانون التنظيمي الجديد لقانون المالية آثار أخرى ،ال سيما على مستوى
إحداث تقارب بين المحاسب العمومي واآلمر بالصرف وإحداث تداخل في مهامهما،
وبالنتيجة تجاوز المبدأ الكالسيكي المتمثل في الفصل بين المهام الذي طالما اعتبر بمثابة
حجر الزاوية في حماية المال العام والذي يظهر أنه يصعب تطبيقه في إطار الفلسفة الجديدة
396
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
للتدبير المبني على النتائج ،وسيتوجب إضفاء المرونة عليه بشكل يجعله مؤهال لمواكبة
التطورات الجديدة.
إن اعتماد قانون تنظيمي جديد لقانون المالية سيؤسس لثقافة رقابية جديدة تنسجم مع
حرية المبادرة والتصرف للمدبرين العموميين مقابل مزيد من المسئولية ومع فلسفة التدبير
القائم على النجاعة واألداء .فتنزيل مضامين القانون التنظيمي للمالية ستكون من نتائجه
تغيير طرق اشتغال المدبرين العموميين وبالتالي تحديث المهام الموكولة لهم في ظل تخفيف
المراقبة القبلية باعتبارها مراقبة تعوق حسن أداء األجهزة العمومية وحرية المبادرة لدى هؤالء
المدبرين العموميين مقابل تعزيز مراقبة بعدية ترتكز أكثر على النتائج وبذل الجهد بدل
التصرف في الوسائل واحترام المساطر.
بموازاة مع هذه المتغيرات الجديدة ذات البعد الميزانياتي ،شهد نظام المالية العمومية
خالل السنوات األخيرة مجموعة من اإلصالحات ارتبطت بالخصوص بمجال المحاسبة
العمومية والمراقبة.
397
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
صحيح أن اإلصالح الحالي لنظام المحاسبة احتفظ بنظام المحاسبة العمومية المعمول
به وخاصة مبدأ الفصل بين مهام المحاسب العمومي واآلمر بالصرف الذي يرتبط ارتباطا
عضويا من جهة ،بتنفيذ العمليات المالية التي تتوزع بين مرحلة إدارية توكل إلى اآلمر
بالصرف ومرحلة محاسبية تعهد إلى المحاسبي العمومي .ومن جهة أخرى ،بنظام المسئولية
المترتب عن تنفيذ العمليات المالية.1
لكن ،وتحت تأثير التغييرات التي طرأت في مجال المالية العمومية التي فرضت إدخال
بعض التعديالت التقنية الطفيفة ،2وإن كانت ال ترقى إلى المتطلبات المحلية والدولية
المتعلقة بشفافية وصدقية الحسابات العمومية ،فإنها على األقل ستشكل مدخال لتحديث
هيكلي لنظام المحاسبة العمومية عبر إدخال مبادئ وآليات وأنواع جديدة من المحاسبة من
شأنها أن تحدث تغيي ار على مستوى المراقبة وكذلك على مستوى نظام المسئولية للمتدخلين
في تنفيذ العمليات المالية ،وذلك بالعمل على إضفاء المرونة على مبدأ الفصل بين مهام
اآلمر بالصرف والمحاسب العمومي والزيادة في تداخل العمليات المالية بين اآلمر بالصرف
والمحاسب العمومي.
وعموما ،يمكن القول بأن النظام المحاسبي الجديد بالمغرب شهد مجموعة من
المستجدات من خالل إدخال أصناف جديدة من المحاسبة مستمدة أساسا من القطاع
الخاص ،مع احتفاظه بطابعه الكالسيكي المتمثل في المحاسبة الميزانياتية.
1
Damien Catteau, le principe de séparation structure – t – il toujours le système de comptabilité publique
français ?, in Droit et comptabilité, S. Kott, Economica, 2017, P 86.
2
لقد شملت هذه التعديالت التي أدخلت على المرسوم رقم 111.11بتاريخ 31محرم 13( 3191أبريل )3311بسن نظام عام للمحاسبة
العمومية يالخصوص :الفصل 33المتعلق بتقليص أعمال المراقبة المتعلقة بصحة النفقة والفصول 55إلى 59و 313إلى 311المتعلقة
بإصدار بالمحاسبة ،السيما المقتضيات المتعلقة بإدخال المحاسبة القائمة على االستحقاق (إثبات الحقوق والواجبات)؛ و الفصل 311المتعلق
بيانات ختامية تعطي صورة صادقة عن الذمة المالية للدولة ؛ والفصل 311مكرر نزع الصفة المادية عن الوثائق المثبتة للعمليات المالية.
398
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
والحفاظ على مبدأ التوازن واحترام ترخيصات الميزانية وتمكين سلطات المراقبة من تتبع
استهالك االعتمادات المالية والتأكد من صحة النفقات وحصر النتيجة الميزانياتية.
فمن خصوصيات هذا النظام المحاسبي أنه يعتمد على وحدة قيد العمليات المالية وفق
قاعدة وحدة الصندوق .لكن وبالرغم من أهميته على مستوى مراقبة تنفيذ العمليات المالية،
إال أنه يعتريه قصور حاد ال سيما على مستوى إنتاج معلومة كاملة 1مما يحول دون تتبع
دقيق لحركية العمليات غير المرتبطة بعمليات القبض واألداء ،بمعنى العمليات التي لها
عالقة بإثبات الحقوق والواجبات والذمة المالية.2
من جانب آخر ،فإن المحاسبة الميزانياتية ،باقتصارها على عمليات الصندوق ،ال
تمكن من تتبع وضبط حركة العديد من العمليات (حركات المخزونات وعمليات الجرد
والحقوق الديون ومؤونات الخسائر واالهتالكات .)...كما أن هذا النوع من المحاسبة ينظر
إليها ،في إطار النظام المالي الجديد المرتكز على النتائج ،باعتبارها وجها من األوجه
الخاصة للمحاسبة العامة 3حيث تمثل الجانب المتعلق بعمليات الخزينة التي تختص أساسا
بتتبع حركية السيولة المالية.
كما يكرس اعتماد نظام المحاسبة الميزانياتية استقاللية الميزانية عن حسابات الدولة،
فيما تناط مهمة مسكها إلى محاسب عمومي تحت مسئوليته الشخصية والمالية إعماال للمبدأ
الكالسيكي المرتكز على الفصل بين مهام اآلمر بالصرف والمحاسب العمومي.
1
Farhana AKHOUNE, le statut du comptable public en droit public financier, LGDJ, lextenso édition Paris 2008,
P 220.
2
Jean-Paul MILOT, les nouvelles normes comptables de l’Etat, RDT, n° 8-9 aout-septembre 2004, P 511.
3
Farhana AKHOUNE, O pcité, P 229.
399
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ومن المعلوم أن هذه المحاسبة ،التي تجد أساسها القانوني في المواد 13إلى 11من
القانون التنظيمي لقانون المالية ،وكذا الفصل 313من المرسوم رقم 111.11بتاريخ 13
أبريل 3311بسن نظام عام للمحاسبة العمومية ،تستمد قواعدها من المبادئ المطبقة على
المقاوالت الخاصة الخاضعة للقانون الخاص ،مع األخذ بعين االعتبار خصوصيات تدخل
الدولة.
إن ما يميز هذا الصنف من المحاسبة الخاصة أنها تعتمد على تقديم حسابات صادقة
تعكس صورة حقيقية لثروة الدولة ولوضعيتها المالية من خالل تتبع وتسجيل شامل لألصول
والخصوم والتكاليف واإليرادات واحتساب نتيجة االستغالل السنوية .فهذه المحاسبة ،وعلى
عكس المحاسبة الميزانياتية التي يعتمد فيها على مبدأ وحدة الصندوق ،تقوم على مبدأ
االستحقاق ،بحيث تدرج العمليات المالية في حسابات السنة المالية التي ترتبط بها بغض
النظر عن تاريخ قبضها أو أدائها.
إن اعتماد هذا الصنف الجديد من المحاسبة المرتكز على منطق الذمة المالية سترافقه
تغييرات عميقة سيكون لها تأثير واضح في مجال المراقبة المالية ،ال سيما على مستوى
إدخال مبادئ جديدة كانت إلى وقت قريب مرتبطة بعالم المقاوالت ،كما هو الشأن بالنسبة
إلى المبادئ التالية:
إن مراقبة جودة الحسابات ال يعتبر هدفا في حد ذاته ،بل هو مطلب ذو بعد
ديموقراطي ،ال سيما وأنه يمثل أداة تجعل من المحاسبة مصد ار لمعلومات متاحة لعدد كبير
من الجمهور والفاعلين مما يجعلهم على اطالع دقيق على ثروة الدولة ووضعيتها المالية،
1
Groupe animé par Paul HERNU (conseiller maitre honoraire à la cour des comptes, la place et le rôle du
comptable public dans le contrôle interne comptable des administrations publiques, cahiers n°23, l’académie
sciences des techniques comptables et financières, www.lacadémie.info. Consulté le 08/06/2020.
400
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وبالتالي حمايتها وحسن تدبيرها .1ويتفرع عن مبدأ جودة الحسابات مبادئ أخرى كمبدأ
المطابقة والصورة الحقيقية ومبدأ الصدقية...
وال ينحصر مفهوم مبدأ الصدقية فقط في صدقية "الحسابات" ،وإنما يشمل صدقية
"المحاسبة" ككل ،3أي جميع المعلومات والوثائق المحاسبية ذات األهمية البالغة في التدبير
1
A. CAUREIL, qualité comptable et contrôle interne comptable dans le cadre de la LOLF, revue de trésor, n°
2 fév 2006, P 99
2
مرسوم رقم 1.13.119الصادر في 11يناير 1131بتتميم وتغيير المرسوم الملكي بتاريخ 13ابريل 3311بسن نظام المحاسبة العمومية،
3
L. SAIDJ, Enjeux autour d’un principe controversé, RFFP n° 111, sept 2010, p7.
401
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
من قبيل الوثائق المرتبطة بالبيانات الختامية أو تلك خارج البيان الختامي أو تلك المرتبطة
بحسابات األغيار.1
ومن زاوية أخرى ،فإنه ينظر إلى صدقية الحسابات على أنها صدقية موضوعية بمعنى
ذات طبيعة بعدية وناتجة عن إشهاد الحق للتأكد من صحة وحقيقة الحسابات .وهنا ال بد
من التمييز بين صدقية الحسابات أو المحاسبة sincérité des comptes ou
comptablesوصدقية الميزانية sincéritéو ما يسمى بالتصديق على الحسابات la
.certification des comptes
أما على مستوى التشريع المالي المغربي ،فقد كرست المادة 31من القانون التنظيمي
لقانون المالية هذا المبدأ ،إذ أوجبت أن تقدم مشاريع قوانين المالية وبشكل صادق مجموع
موارد وتكاليف الدولة ،وأن يتم تقييم صدقية تلك الموارد والتكاليف بناء على المعطيات
المتوفرة أثناء إعدادها والتوقعات التي يمكن أن تنتج عنها.
في هذا اإلطار ،وفي معرض التوضيح الذي قدمه القضاء الدستوري الفرنسي
بخصوص القانون التنظيمي لقانون المالية لفاتح غشت ،1113عرف المجلس الدستوري
الفرنسي مبدأ الصدقية بأنه " :غياب ألي نية في تقديم صورة مزيفة وخاطئة عن الخطوط
ويمتد هذا المبدأ ،كذلك ،ليشمل قوانين التصفية وكذا صحة الهامة للتوازن المالي.
الحسابات ".4
1
Ibid, p7.
2
DC n°94-351 du 29 décembre 1994.
3
La Loi organique n° 2001-692 du 1er août 2001 relative aux lois des finances.
4
DC n°2005-519 DC, LOLFSS, Rec, P 129.
402
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ويقصد بمبدأ صدقية الميزانية ،وفقا لذلك ،من جهة ،وضع تقديرات حقيقية للموارد
والتكاليف لضمان توازن حقيقي وفعلي للميزانية ،بحيث يجب على الجهات المختصة أال
تسيء إراديا تقديرات الميزانية وذلك إما بالمبالغة في التقليل من النفقات تحت ذريعة الرغبة
في ترشيدها أو المبالغة في تقدير الموارد قصد التضليل على وجود موارد كافية لتغطية
النفقات.
ومن جهة أخرى ،يقصد بهذا المبدأ تقديم حسابات صادقة وصحيحة ،وهذه الحسابات
تكون في جزء منها مصدرها المحاسبة العامة .وهذا ما أكده القضاء الدستوري الفرنسي في
ق ارره الصادر بتاريخ 15يوليوز 1 1113بشأن القانون التنظيمي لقانون المالية ،حينما اعتبر
الفصلين 11و 13المتعلقين بحسابات الدولة تشكل كتلة لنظام غير قابل للتجزيء الغرض
منها تأمين صدقية وشفافية حسابات الدولة .هذا النظام القانوني له ارتباط عضوي بمبدأ
صدقية قانون التصفية ويصنف ضمن القواعد التي يمكن أن يستوعبها القانون التنظيمي
لقانون المالية حسب مدلول الفصل 10من الدستور.
لذلك ،فإن صدقية الميزانية أعم وأشمل من صدقية المحاسبة التي ال تمثل سوى أحد
أوجه صدقية الميزانية.
ومما ال شك فيه ،سيكون العتماد مبدأ جودة الحسابات آثار على المراكز القانونية
للمتدخلين في تنفيذ العمليات المالية للدولة ،خاصة اآلمر بالصرف والمحاسب العمومي ،بل
سيطال جميع المتدخلين الذين لهم صلة بمجال المحاسبة .من جهة أخرى ،فإن مجال تطبيق
هذا المبدأ سيشمل جميع العمليات المالية المرتبطة بثروة الدولة ووضعيتها المالية ،األمر
الذي يفيد بأن تداعيات هذا التحول في نظام المحاسبة ستمتد إلى نظامي المراقبة والمسئولية
الرتباطهما الوثيق بمنظومة المالية العمومية.
فالقانون التنظيمي للمالية أوكل إلى المحاسب العمومي بموجب المادة 11مهمة مسك
وإعداد حسابات الدولة والسهر على احترام المبادئ والقواعد المحاسبية وبخاصة التأكد من
صدقية التسجيالت المحاسبية واحترام المساطر وجودة الحسابات العمومية.
1
DC 448-2001 du 25/7/2001.
403
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وفي إطار المحاسبة العامة والتي تقوم على أساس ثروة الدولة ووضعيتها المالية،
يعتبر إثبات الحقوق والواجبات والتي يكون مصدرها المدبر العمومي (اآلمر بالصرف) الفعل
المنشئ للعمليات المالية ،على عكس نظام المحاسبة العمومية القائمة على الصندوق حيث
الفعل المنشئ للعمليات يتمثل في أعمال القبض والصرف الموكولة إلى المحاسب .صحيح
أن عمليات القبض تجد مصدرها في المحاسبة اإلدارية لآلمر بالصرف الذي يصدر األمر
باالستخالص والصرف ويحدد اإلدراج المالي ،لكن هذه األعمال لها ارتباط أكثر بصالحيات
ميزانياتية وليست محاسبية.1
وفي إطار المحاسبة الجديدة ،ستشهد المهام المرتبطة بالعمليات المحاسبية تحوال
جذريا ،بحيث سيكون للمدبر العمومي دور أكبر في المنظومة المحاسبية ،وبالتالي ستتحول
المهام المحاسبية إلى وظيفة مشتركة بين المحاسب العمومي واألمر بالصرف ،بحيث ستكون
مهمة المحاسب العمومي مسك الحسابات وتأمين جودتها انطالقا من المعلومة المحاسبية
التي يكون مصدرها المدبر العمومي (اآلمر بالصرف) باعتباره المسئول عن موثوقيتها
والضامن لها.2
ومن مظاهر األهمية التي أوالها المشرع المالي لمبدأ جودة الحسابات تكريسه لقاعدة
التصديق على حسابات الدولة ،كما سيتم توضيحه الحقا.
1
A. CAUREIL, , opcit , p 99
2
C. DELON – DESMOULIN, la sincérité en droit budgétaire de l’union européenne : à la recherche de la
vérité budgétaire, RFFP n° 111 – septembre 2010, P82.
404
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
المحاسبة التحليلية غير إجبارية ولو أنها تبقى وسيلة من الوسائل الناجعة للتدبير الداخلي
لألجهزة والمنظمات المعنية.
وتكمن أهمية المحاسبة التحليلية في توافقها مع الفلسفة الجديدة للتدبير القائم على
ستلعب دو ار مكمال للمحاسبة العامة وآلية من آليات مراقبة التسيير داخل النتائج ،إذ
المؤسسات من خالل إسهامها في المساعدة في اتخاذ القرار حيث ستمكن من قياس كلفة
المشاريع وتقييم النتائج المحققة قياسا باألهداف المحددة وربطها بتكاليف وشروط اقتناء
واستخدام الوسائل المستعملة.
وبإدخال هذا النوع من المحاسبة ،سيتم تعزيز آليات الرقابة الداخلية التي هي من
مسئولية المدبر العمومي ،وبالتالي سيتأثر بشكل كبير وغير مباشر نظام المسئولية باالرتكاز
على أسس جديدة إلثارتها أمام األجهزة الرقابية.
ولطالما تعرض هذا األسلوب في تقديم الحسابات إلى انتقادات من قبيل التكرار في
تقديم المعلومة وتسجيل العمليات ،وأحيانا يتم تقديم معلومات متناقضة وغير كاملة .كما
يؤخذ عليه أنه نظام محاسبي مكلف وغير فعال ،هذا باإلضافة إلى أن هذا النظام ليس
بمقدوره مواكبة عملية تحديث المحاسبة ،خاصة استجابته لمتطلبات المحاسبة العامة المرتكزة
على تتبع ثروة الدولة ووضعيتها المالية والتي تستوجب مبدأ الشمولية في توثيق تقديم
المعلومة والتي ستنضاف عملياتها إلى عمليات تنفيذ النفقات والموارد المرتبطة بالمحاسبة
الميزانياتية.
405
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ولمواجهة التحديات المحاسبية الجديدة ،سعت النظم المالية الحديثة إلى تجريب مبدأ
توحيد الحسابات 1وجعله ركيزة من ركائز المحاسبة الحديثة ،وذلك بهدف تعزيز التقارب بين
المحاسب العمومي واآلمر بالصرف وإرساء مبادئ الشفافية من خالل تسهيل مقروئية
المعلومة المحاسبية وتسريع إيصالها إلى األجهزة التداولية وإلى المواطن .كما يروم هذا
التوحيد المحاسبي تبسيط مسطرة اإلدالء بالحسابات إلى الجهات المعنية وتأمين جودة
الحسابات وتسهيل معالجتها عبر التطبيقات المعلوماتية.
لذلك ،فإن اعتماد الحساب المالي الواحد يقودنا إلى التساؤل مع الفقيه Michel
Bouvierحول عملية مسك الحسابات ،وبالتالي حول أثرها على مبدأ الفصل بين مهام
المحاسب العمومي واآلمر بالصرف ،2وبالتالي انعكاساتها على نظام المسؤولية أمام القاضي
المالي.
2أ تحديث نظام المراقبة :من مراقبة شاملة إلى مراقبة مخففة
من بين اإلصالحات التي حملها اإلصالح المالي الجديد ،في ظل إرساء قواعد منطق
التدبير المرتكز على النجاعة ،مراجعة وتحديث منظومة المراقبة من خالل السعي إلى
توحيدها ودمجها على نحو يضمن تخفيف المراقبة القبلية وتعزيز الرقابة الداخلية وتقوية
الرقابة البعدية.
وتتماشى هذه الفلسفة في المراقبة مع منطق التدبير العمومي الحديث المرتكز على
النتائج الذي يرمي إلى منح المدبر العمومي مزيدا من هامش المبادرة في اتخاذ القرار على
أن تتم مساءلته ومحاسبته على النتائج المحققة استنادا إلى األهداف المسطرة والوسائل
المستعملة.
ومن أجل وضع األسس الجديدة لهذه المراقبة سعى المشرع إلى اتخاذ سلسلة من
الخطوات أهمها:
1
Gérard TERRIEN, compte financier unique : des apports positifs à atteindre, RFFP n° 144 – nov 2018, P 90.
2
Michel BOUVIER, Propos introductif : le compte financier unique, reflet d’une conception de la gouvernance
financière, RFFP n° 144 – nov 2018, P 90.
406
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
إصدار مرسوم 1يقضي بإدماج مصالح مراقبة االلتزام بالنفقات في الخزينة العامة
للمملكة في أفق توحيد المساطر وتخفيف إجراءات المراقبة .وقد اعتبر هذا االندماج
بين اإلدارتين من أهم االختيارات االستراتيجية التي اتخذت في مجال تدبير المالية
العمومية.
إصدار المرسوم 2المتعلق بمراقبة نفقات الدولة الذي أدخل مفهوم المراقبة التراتبية
والتي وسعت من صالحيات اآلمر بالصرف بنقل بعض االختصاصات إليه ،والتي
كانت موكولة في السابق إلى مراقب االلتزام بالنفقات.
وابتداء من سنة ،1131في ظل تطبيق التدبير الميزانياتي المرتكز على النتائج الذي
يتطلب تخفيف المراقبة القبلية ،شرعت المصالح المالية في التطبيق التدريجي للمراقبة
التراتبية عبر مرحلتين :مرحلة "المراقبة المخففة" ومرحلة " المراقبة المخففة اإلضافية" وفق
الضوابط التي حددها المرسوم السالف الذكر.
ومن بين األهداف تطوير نظام المراقبة المالية القبلية ،باإلضافة إلى تخفيف المراقبة
القبلية وتعزيز المراقبة البعدية ،نذكر مايلي:
1
المرسوم رقم 1.11.51الصادر في 30من محرم 31( 3011فبراير )1111يقضي بإلحاق المراقبة العامة لاللتزام بنفقات الدولة إلى الخزينة
العامة للمملكة وبتحويل اختصاصات المراقب العام لاللتزام بنفقات الدولة إلى الخازن العام للمملكة
2
المرسوم رقم 1.1.3115بتاريخ 0نونبر 1119المتعلق بمراقبة نفقات الدولة
407
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
إناطة المحاسب العمومي بدور جديد يتمثل في تقديم مهام االستشارة والدعم
والمواكبة لفائدة المدبرين العموميين.
وما تجدر مالحظته بخصوص هذه المستجدات ،أن االتجاه الحالي صار يصب أكثر
نحو تطوير آليات المراقبة من خالل االعتماد أكثر على الرقابة بواسطة المخاطر والرقابة
االنتقائية عبر تعزيز الرقابة الداخلية .كما أحدثت هذه المستجدات تغيي ار في األدوار الموكولة
ألجهزة المراقبة واألجهزة التدبيرية وأرست ثقافة جديدة ترتكز على مبدأي الشراكة والتعاون
بين هذه األجهزة ،مما سيؤدي إلى مزيد من التقارب والتداخل في المهام وبالتالي سيحتم
تطوير ومالءمة نظام مسئولية هذه األجهزة أمام القضاء المالي.
ويعنى هذا البرنامج المعلوماتي بوضع نظام تشبيك معلوماتي يربط بين مختلف
المتدخلين في تنفيذ الميزانية خاصة المصالح اآلمرة بالصرف والمصالح المالية مما يعزز
إطار التشارك ويقوي مستوى المراقبة والتقويم الميزانياتي ،وذلك من خالل:
408
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
في نفس اإلطار ،ومن أجل استكمال ورش إصالح النظام المعلوماتي لتدبير تنفيذ
العمليات المالية ،أتبعت مصالح الخزينة العامة في 1135منظومة ( )GIDبنظام آخر
خاص بالتدبير المندمج للموارد تحت مسمى ( ،)GIRوهو نظام مشترك بين جميع الشركاء
المتدخلين في عمليات الموارد .وكما هو الشأن بالنسبة للنظام المندمج لتدبير النفقات ،يسمح
هذا النظام بتبسيط مساطر تنفيذ الموارد من خالل إحداث تشبيك بين جميع الجهات المعنية،
كما أنه سيمكن من دمج الحسابات الميزانياتية الصادرة عن هذه الجهات.
وإلى جانب هذه التطبيقات المعلوماتية ،سيطرح إدخال المحاسبة القائمة على إثبات
الحقوق والواجبات موضوع حتمية تعزيزها بنظام معلوماتي متطور على غرار ما هو معمول
به في المقاوالت الخاصة .كما أن اعتماد هذا النظام المعلوماتي سيفرض التفكير في ربطه
وتشبيكه مع األنظمة المعلوماتية المعمول بها في أفق إدماجها في منظومة مندمجة وموحدة
تجتمع في إطارها جميع الحسابات ،وبالتالي تشكل إطا ار ميزانياتيا ومحاسباتيا واحدا لمسك
حسابات الدولة يستجيب بشكل فعال لمتطلبات النظام المالي الجديد المرتكز على النجاعة
والكفاءة.
وخالصة لما سبق ،يمكن القول أن التغييرات التي طرأت على القانون العام المالي في
شقيه الميزانياتي والمحاسباتي ستكون لها تداعيات واضحة سواء على مستوى أنظمة المراقبة
أو على الصيغة التقليدية للمبدأ الكالسيكي المتمثل في الفصل بين مهام اآلمر بالصرف
والمحاسب ،بحيث سيؤدي إلى تداخل وإعادة توزيع المهام الموكلة إليهم ،وهو ما سيفضي
بالنتيجة إلى التأثير على أركان وشروط ونطاق المسؤولية أمام القضاء المالي .مما يستوجب
409
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
التفكير في تحديث وتطوير نظام جديد المسؤولية المالية على نحو يجعله متماشيا مع هذه
التطورات.
ثانيا – نحو وضع أسس نظام مواز لنظام المسؤولية القضائية :نظام
المسؤولية التدليرية
يعتبر نظام المسؤولية أمام المحاكم المالية بالمغرب في شكله الحالي نتيجة وانعكاسا
منطقيا لمفهوم التدبير المالي العمومي الكالسيكي القائم على احترام القواعد والمساطر
القانونية .فمقابل خضوع التدبير العمومي لمجموعة من القواعد والمساطر تترتب عنها
واجبات تدبيرية على عاتق المدبرين العموميين ،كان البد من وضع نظام للمساءلة عن خرق
هذه القواعد والمساطر ،وقد أوكلت مهمة المساءلة والمحاسبة هذه إلى جهة مستقلة تتمثل في
القاضي المالي .من هنا يتبين أن الغاية من نظام المسؤولية المالية هو ضمان التقيد بالقواعد
والمساطر التي تحمي المال العام.
ومعلوم أن نظام المسؤولية الحالي يرتكز على مبدأ الفصل بين المحاسب العمومي
واآلمر بالصرف أي بين جهة يعهد إليها باتخاذ القرار فيما يتعلق بتنفيذ العمليات المالية
وجهة يعهد إليها بصرف أو قبض المبالغ المتأتية من هذه العمليات ،والذين صنفهم الفقيه
" Florent Gaullier-Camusالمنفذون الماليون الشكليون "exécutants financiers
(الجهات الموكول إليها التنفيذ الشكلي للعمليات المالية).1
هذا التمييز بين الجهات المتدخلة في تنفيذ العمليات المالية يجعل نظام المسؤولية
المالية الحالي ذا طبيعة خاصة مقارنة مع األنظمة األخرى الشائعة في القانون العادي ،إذ
يعهد البت فيها إلى محكمة ذات طبيعة خاصة ووفق مساطر خاصة تفضي إلى عقوبات
خاصة .من جهة أخرى ،فإن هذا النظام (نظام المسؤولية المالية) يشمل مختلف المتدخلين
في سلسلة تنفيذ العمليات المالية والذي وضع له المشرع إطا ار خاصا به بموجب القانون
1
Florent GAULLIER-CAMUS, la responsabilité financière des gestionnaires publics, LGDJ Lextension, Paris,
2019, P 25.
410
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
113.33بشأن مسؤولية اآلمرين بالصرف والمراقبين والمحاسبين العموميين الذي حدد هذه
المسؤولية حسب مجال تدخلهم في تنفيذ العمليات المالية.
في إطار تدخالت القاضي المالي في مجال المسؤولية المالية للمدبرين العموميين،
يمكن التمييز بين نوعين من االختصاصات :هناك من جهة االختصاصات المتعلقة بالتدقيق
والبت في الحسابات ( )3ومن جهة أخرى تلك المتعلقة بالتأديب المتعلق بالميزانية والشؤون
المالية (.)1
ينعقد هذا االختصاص بالنسبة إلى األجهزة العمومية التي تتوفر على محاسب
عمومي .ويتفرع عن هذا االختصاص شق فرعي تمتد فيه والية القاضي المالي إلى كل
شخص مارس مهمة محاسب بحكم الواقع .ويعتبر اإلدالء بالحساب إلى القاضي المالي من
طرف المحاسب العمومي بحكم القانون أو المحاسب العمومي بحكم الواقع أم ار إلزاميا ،ألن
ذلك يشكل أساس اختصاص القاضي المالي ومنطلق المراقبة الشاملة.2
ويقصد بالحساب موضوع اإلدالء من طرف المحاسب العمومي ،حسب أحكام المادة
كما 3
15من مدونة المحاكم المالية ،حساب الجهاز العام وليس حساب المحاسب العمومي
كان منصوصا عليه في القانون رقم 31.13الذي نسخ بموجب القانون رقم .11.33
ويجمع اختصاص التدقيق والبت في الحسابات بين الوظيفتين الرقابية والقضائية ،إذ
تنصب مراقبة القاضي المالي على أعمال المراقبة التي على المحاسب العمومي القيام بها
القانون 13.33المتعلق بتحديد مسؤولية اآلمرين بالصرف والمراقبين والمحاسبين العموميين الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 3.11.15 1
411
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وفقا للقوانين واألنظمة المعمول بها ،والتي تتعلق باألساس بأداء النفقات وتحصيل الديون
العمومية.
في هذا اإلطار ،يجدر التذكير بأن عمل القاضي المالي ،في مجال التدقيق والبت في
الحسابات ،ينصب على العناصر المادية للحساب وليس على شخص المحاسب ،وذلك
عمال بالمبدأ العام " :يبت القاضي في الحساب وال يقاضي المحاسب" ،2ألن الغاية من
ممارسة هذا االختصاص تسوية الحساب ومراقبة مشروعيته المالية وليس معاقبة المحاسب.3
فحماية المال العام من خالل احترام القواعد المحاسبية التي تنظم التصرف في هذا
المال ترتبت عنها مسؤولية شخصية ومالية تجاه المحاسب العمومي ،حيث يتولى هذا
1
Les grands arrêts de la jurisprudence financière, Dalloz, 20 ème édition, P 20.
2
Traduction de la célèbre formule du commissaire du gouvernement J. Romieu, « la cour des comptes, elle
ne juge pas les comptables », (inspirée de Laferrière) utilisée dans ses conclusions l’arrêt Nicolle, TGP de la
Corse, CE, 12 juillet 1907, Rec, P 656.
3
Bureau Aide et conseil aux EPLE, Académie d’Aix-Marseille, constatation de la responsabilité personnelle et
pécuniaire des comptables publics, décembre 2015, P 38.
412
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
األخير في إطار النظام المالي الكالسيكي ضمان احترام تنفيذ القواعد الميزانياتية والمحاسبية
وحسن التصرف ف ي األموال العمومية ،من خالل التأكد من شرعية العمليات المرتبطة
بالنفقات والموارد الصادرة عن اآلمر بالصرف ،وذلك قبل التكفل بها في حساباته وأداؤها
وتحصيلها ،فضال عن مهمة الحفاظ على األموال والقيم الموجودة تحت يده.1
وباعتبار مسؤولية المحاسب العمومي مظه ار أساسيا لحماية المال العام وضمانا
لمشروعية التدبير العمومي ،2فهي تكتسي طابعا شخصيا وماليا :هي ،أوال ،مسؤولية
شخصية لكونها مرتبطة بالتزام فردي وشخصي لكل محاسب ،وليس باعتبار المحاسب
كوظيفة ( ،3)es-qualitéكما أنها ،ثانيا ،مسؤولية مالية ألن المحاسب ملزم بسد العجز
الحاصل نتيجة إخالله بواجباته الرقابية من ماله الخاص.
من جهة أخرى ،فإن المسؤولية المالية والشخصية التي يخضع لها المحاسب العمومي
في هذا اإلطار هي مسؤولية موضوعية تثار دونما حاجة إلى إثبات الخطأ .صفة
الموضوعية هاته تتفرع عن القاعدة المذكورة أعاله والتي تفيد بأن موضوع البت والتدقيق
الذي يمارسه القاضي المالي ليس المحاسب وإنما الحساب .فهذه المسؤولية ال تقوم على
إثبات خطأ المحاسب وإنما على مبدأ الخطأ المفترض ،ذلك أن القاضي المالي غير مؤهل
لتقييم سلوك المحاسب العمومي والظروف المحيطة بالمخالفات المرتكبة من قبل هذا
األخير ،أوحدوث الضرر أو اإلثراء غير المشروع ،4بل يكتفي بالبت في العناصر المادية
للحساب ومراقبة مدى قيام المحاسب باألعمال الرقابية الموكولة إليه واتخاذ اإلجراءات
الالزمة من أجل تنفيذ العمليات المالية المسندة إليه.
1
Membre de groupe de recherche sur la comptabilité publique de FONDAFIP, quel comptabilité pour les
comptables publics au XXIème siècles ?.Paris, juillet 2010, www.fondafip.org, P 6 (10/07/2020).
2
ابرهيم بن به ،نظام مسؤولية المدبرين العموميين أمام القاضي المالي ـ دراسة قانونية وقضائية مقارنة ،ص .011
3
Farhan Akhoun, op.cit., p 333
4
M. LACOMB et X. VANDERDIRESSCHE, sur le caractère objectif du contrôle exercé par le juge des
comptes, la Revue du Trésor, n° 10 janvier 2003, P 95.
413
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
الصندوق ،)...ومن جهة أخرى على التقدير القانوني لهذه الوقائع (صحة الدين.1)...
بمعنى آخر ،في إطار مسؤولية المحاسب العمومي ،يتم االكتفاء فقط برصد وإثبات وجود
إخالل من قبل المحاسب العمومي في القيام بأعمال المراقبة الموكولة إليه أو مالحظة
تقصيره في اتخاذ اإلجراءات التي يتعين عليه اتخاذها إلثارة مسئوليته المالية والشخصية.
وال بد من اإلشارة في هذا الصدد إلى أن القاضي المالي يمارس اختصاص البت
والتدقيق في الحسابات من خالل مسطرة خاصة وفريدة تتميز بعدة خصائص منها أنها
مسطرة كتابية وسرية وكذلك تواجهية وتثار تلقائيا بموجب القانون ،وتستمد روحها من طبيعة
الوظيفة المنوطة بالمحاسب العمومي ومن طبيعة المسؤولية الملقاة على عاتقه .كما أنها
مستمدة من طبيعة القواعد واألموال المراد حمايتها ،وكذلك من الطابع القضائي للمراقبة التي
تخضع لها الحسابات العمومية.2
وقد استلهم المشرع المغربي هذا االختصاص من القضاء الفرنسي الذي شهد إحداث
أول محكمة مالية مستقلة ومختصة في هذا الميدان بموجب القانون رقم 09.3090بتاريخ
،3309وذلك بهدف تمكين القاضي المالي من بسط واليته على المدبرين العموميين
ومساءلتهم عن حاالت خرق القواعد والمساطر المؤطرة للمالية العامة ،وذلك لسد الفراغ الذي
1
A. Maucour ISABELLA, la modernisation de la responsabilité des ordonnateurs et des comptables publics à
l’entrée de la nouvelle ère budgétaire et comptable, RFDA, mars-avril 2006, P 394.
2
ابراهيم بن به ،م.س.ذ ،ص .191
3
ابراهيم بن به ،م.س.ذ ،ص .01
باستثناء األشخاص الموكولة إليهم بالصفة مهام و ازرة أو برلمانية بموجب المادتين 0من القانون رقم 13.33و 51من القانون .11.33 4
414
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
كانت تشكو منه المنظومة القانونية والقضائية في هذا المجال ،والتي كانت أنظمة المسؤولية
الكالسيكية اإلدارية والجنائية والسياسية غير كافية لسده.1
وعلى عكس مادة البت والتدقيق في الحسابات الذي يعتبر اختصاصا مختلطا يجمع
بين الشقين الرقابي والقضائي ،وتكون المنازعة في إطاره تلقائية بحكم القانون أو القضاء،
يعتبر التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية اختصاصا قضائيا صرفا يباشر على إثر
1
M.BAZEX, quel régime de responsabilité pour les gestionnaires publics ? l’évolution des juridictions
financiers, colloque de 1er et 2 décembre 2011, P 79.
2
Ibidem, p. 79
3
Nicolas GROPER, la responsabilité des gestionnaires publics devant le juge financier, Dalloz, Paris 2009, P
169.
4
J. CHARRIER, Rep cont adm, Dalloz 2005, P 13.
5
Nicolas GROPER, la responsabilité des gestionnaires publics devant le juge financier, Dalloz, Paris 2009, P
145.
415
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
تحريك الدعوى من طرف النيابة العامة لدى المجلس سواء من تلقاء نفسها أو بناء على
طلب السلطات المؤهلة.
كما تشكل مادة التأديب المالي منظومة قضائية فريدة ذات طبيعة خاصة تستند إلى
قضاء مالي ذي طبيعة خاصة ويشتغل وفق مسطرة خاصة تفضي إلى عقوبة خاصة من
خالل فرض غرامات وعند االقتضاء الحكم بإرجاع األموال كعقوبة تكميلية في حالة ثبوت
خسارة بسبب المخالفات المرتكبة ،1األمر الذي يضفي على هذا النظام طابعا
مختلطا(الزجري والتعويضي) جعل بعض الفقهاء يصنفه ضمن األنظمة شبه الجنائية
أوأنظمة بصباغة جنائية.2
ولئن كان نظام المسؤولية أمام القاضي المالي في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية
والشؤون ا لمالية يروم المساءلة عن المخالفات المالية ،فهذا ليس معناه أن القواعد موضوع
هذه المخالفات كلها ذات طبيعة مالية ،3وإنما لكون تلك القواعد تؤمن وتضمن حماية المال
العام وبشكل عام حماية ثروة األجهزة العمومية .4بعبارة أخرى ،تتجلى غاية نظام المسؤولية
في ميدان الت أديب المالي في حماية القواعد التي تؤطر التدبير العمومي وتؤمن حماية المال
العام .5وعلى هذا األساس ،يمكن القول بأن التأديب المالي ينصب على المنظومة المالية
والميزانياتية وليس على األشخاص.
وتبعا لذلك ،يتضح أن التأديب المالي ال يختلف كثي ار عن مادة البت والتدقيق في
الحسابات سواء من حيث األهداف ،والتي تتمثل في تسوية الحسابات وتحقيق االنضباط في
إطار المنظومة المالية والميزانياتية من خالل المساءلة عن اإلخالل بالقواعد والمساطر
المؤطرة للمال العام ،أو من حيث ارتباطهما بفلسفة التدبير المالي القائمة على احترام
المساطر واستعمال الوسائل والذي يلزم المدبر العمومي بالتقيد الصارم بالقواعد والمساطر
التي تنظم المالية العمومية والتأكد من سالمة العمليات المالية المنجزة.
1
ابراهيم بن به ،م.س.ذ ،ص .111
2
Christophe PIERUCCI, une responsabilité à raison de la gestion publique : la responsabilité devant la cour
de discipline budgétaire et financière, thèse ,Strasbourg, 2003, p 303.
3
Mme Delmas MARTY et G. DLLAGE, droit pénal des affaires, PUF (themis), Paris, 4 ème éd 2000, p10.
4
Christophe PIERUCCI, op.cit., p 33.
5
Nicolas GROPER, la responsabilité des gestionnaires publics devant le juge financier, Dalloz, Paris 2009, p4.
416
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
قبل الحديث عن دور المجلس األعلى للحسابات ونطاق تدخله في إعمال المسؤولية
التدبيرية ،سنتطرق أوال إلى تحديد مفهوم هذه المسؤولية.
إن ما يميز المسؤولية التدبيرية هو بساطتها من حيث التحديد ،فهي تقوم على تجميع
األهداف والوسائل (اعتمادات مالية) في يد مسؤول واحد مع منحه حرية التصرف في األداء
مقابل تحمل عواقب ونتائج تصرفه سواء في حالة النجاح أو الفشل .3وبشكل مبسط ،فإن
1
André BARILRI, vers la réforme de la responsabilité des gestionnaires publics, AJDA, 4 avril 2005, P 698.
2
Rapport/cour de la compte , la mise en œuvre de la loi organique relative aux lois de finances « Bilan pour
de nouvelles perspectives », nov 2011.
3
A. BARILARI, Opcit, P 698.
417
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
المسؤولية التدبيرية تعني الحصول على هامش من الحرية في التدبير في مقابل تحمل
عواقب النتائج المحصلة.1
من جهة أخرى ،فإن المسؤولية التدبيرية تتميز بكونها نظاما يقوم على مبدأ "العصا
والجزرة" الذي يستعمل فيه في آن واحد الحوافز والجزاءات وذلك حسب النتائج المحققة.2
وفي الواقع ،فإن المسؤولية التدبيرية ،كنظام يتحمل فيه الشخص عواقب ق ارراته ،ليس
بمفهوم جديد ،فرئيس مصلحة أو مدير إداري ،في إطار منطق التدبير اإلداري القائم على
الوسائل كان يحاسب على نتائج ق ارراته .لكن العنصر المهم في نظام المسؤولية التدبيرية في
شكله الجديد الذي يتجلى في الربط المباشر بين النتائج المحققة من طرف المدبر وعناصر
دخله.3
في هذا اإلطار ،يتعين التمييز بين المسؤولية التدبيرية وعدد من المفاهيم المرتبطة
بوضعية المدبر العمومي كالدرجة والرتبة والموقع في السلم اإلداري أو االنتماء الوظيفي
(مصالح مركزية أو خارجية) أو الوضعية الهرمية .فالمسؤولية التدبيرية تتحقق انطالقا من
تحديد مستويات ووضعيات إدارية تنطوي على وجود توازن بين عنصرين أساسين :الحرية
والمساءلة" بعبارة أوضح قيام المسؤولية التدبيرية رهين بتوافر شرطين رئيسين :من جهة
االلتزام بتحقيق أهداف محددة وفق مؤشرات قابلة للقياس اعتمادا على الوسائل المادية
والبشرية المتاحة ومن جهة ثانية توسيع هامش حرية المدبر العمومي.4
من هذا المنطلق ،يتمحور منطق المسؤولية التدبيرية وفقا للقانون التنظيمي لقانون
المالية الجديد حول ثالثة مستويات ،وذلك حسب تسلسل تنفيذ السياسات والبرامج العمومية
التي تتفرع إلى مشاريع وعمليات (المسؤول عن البرنامج والمسؤول عن المشروع والمسؤول
عن العملية) .كما أن هيكلة المسؤولية وفقا لهذا التقسيم يمكن أن تكون بشكل تراتبي:
1
Damien CATTEAU, la LOLF et la modernisation de la gestion publique, P 245.
2
N. GROPER, responsabilité des gestionnaires publiques, P 13.
3
Damien CATTAEU, Opcit, P 245.
4
A. BARILARI, Opcit, P 698.
418
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
مسؤول العمليات يقدم الحساب لمسؤول المشروع ،وهذا األخير يقدم الحساب لمسؤول
البرنامج الذي يقدم بدوره الحساب للسلطة السياسية التي يتبعها.
وإذا ك ان تقييم المسؤولية التدبيرية في القطاع الخاص يعتبر شأنا داخليا وسهل التحقيق
بحيث ال يتجاوز الهياكل التدبيرية للمقاولة ،فإن تقدير المسؤولية التدبيرية وتقييمها في
القطاع العام من داخل اإلدارة يبقى محدودا لكون تصرف المدبرين العموميين ينعقد
بخصوص سياسات عمومية يترتب عنها إنفاق أموال عمومية تعود ملكيتها إلى الملزمين
بالضريبة والمواطنين وليس إلى األجهزة الحكومية المعنية ،وبالتالي ،فإن تقييم هذه لمسؤولية
يعتبر شأنا عاما يهم األجهزة اإلدارية واألجهزة التداولية ،وكذا المواطنين .وعليه ،فإلى جانب
التقييم الداخلي للمسؤولية التدبيرية ،يستلزم وضع تقييم خارجي يوكل إلى جهة مستقلة تتوفر
على خبرة في تقييم التدبير العمومي والكيفية التي تشتغل بها الدوائر الحكومية والعمومية.
سعى المشرع المغربي من خالل القانون التنظيمي لقانون المالية إلى وضع ضمانة
إضافية لتعزيز جودة حسابات الدولة من خالل تكريس آلية رقابية جديدة توكل إلى جهة
خارجية تتمثل في المجلس األعلى للحسابات .يتعلق األمر بمبدأ التصديق على الحسابات
الذي ورد النص عليه في المادة 13من القانون التنظيمي الجديد للمالية " :يقوم المجلس
األعلى للحسابات بالتصديق على مطابقة حسابات الدولة للقانون وصدقيتها".
ويعتبر مبدأ التصديق على الحسابات من أهم مستجدات القانون التنظيمي لقانون
المالية .وستكون لهذا المبدأ انعكاس على اختصاصات المجلس األعلى للحسابات بشكل
عام وعلى نظام المراقبة ومسئولية المدبرين العموميين على وجه الخصوص ،إذ سيترتب عن
هذا المبدأ الجديد ،ليس فقط توسيع نطاق االختصاصات غير القضائية للمجلس األعلى
للحسابات ،وإنما سيسهم أيضا في تحديث النظام المحاسبي العمومي وإرساء قواعد
الممارسات الجيدة (الف ضلى) للتدبير إضافة إلى تحقيق حكامة جيدة للمالية العمومية من
خالل ضمان موثوقية وصحة المعلومات المرتبطة بالعمليات المالية.
419
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
في هذا اإلطار ،تجدر اإلشارة إلى أن عملية التصديق على الحسابات تستمد مفهومها
وقواعدها وإجراءاتها مما هو معمول به في القطاع الخاص ،وبخاصة من عمليات المراجعة
والمصادقة التي يقوم بها الخبير المحاسباتي للمقاوالت الخاصة .وعلى مستوى الدولة ،فإن
هذه العملية سيضطلع بها المجلس األعلى للحسابات في إطار مهامه غير القضائية من
خالل إبداء رأيه في مدى احترام حسابات الدولة لمبادئ الصدقية والمطابقة والجودة ،وفيما
إذا كانت تلك الحسابات تعكس صورة صادقة لثروة الدولة ووضعيتها المالية.
وعلى هذا األساس ،يمكن القول بأن اختصاص التصديق على الحسابات ينضاف إلى
االختصاصات الموكولة إلى المجلس األعلى للحسابات خاصة تلك المتعلقة بالتقرير حول
تنفيذ قانون المالية والتصريح العام بالمطابقة بين الحسابات الفردية للمحاسبين العموميين
والحساب العام للمملكة المنصوص عليه في المادة 11من القانون التنظيمي للمالية.
وال بد هنا من التمييز بين مسطرة التصديق على حسابات الدولة التي تنصب على
المحاسبة القائمة على الحقوق والواجبات وبين التصريح العام بالمطابقة الذي يخص
المحاسبة العمومية القائمة على الصندوق والتي تعنى خصيصا بتنفيذ الميزانية وتستوجب
اإلدالء بحساب التسيير من طرف المحاسبين العموميين والحساب اإلداري من طرف
اآلمرين بالصرف في إطار هذه المحاسبة .األكيد أن أهمية مسطرة التصريح بالمطابقة
تكمن في فحص مدى التطابق الشكلي بين الحسابات الصادرة عن نفس الشبكة اإلدارية،
لكنها ،في مقابل ذلك ،تظل قاصرة عن إثبات صدقية الحسابات.2
420
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وبالرغم من أهميتها في كونها أداة إخبار للبرلمان بحساب النتيجة السنوية ،السيما على
مستوى تعزيز دوره الرقابي ،فإن اعتماد المبادئ الجديدة للتدبير المحاسبي قد تقود مع مرور
الوقت إلى تجاوز مسطرة التصريح العام بالمطابقة المنصوص عليها في المادة 11من
القانون التنظيمي لقانون المالية التي لطالما كانت عرضة النتقادات شديدة من قبل طرف
الفقه الفرنسي لكونها عديمة الجدوى .1وقد يتم االكتفاء فقط بمسطرة التصديق على
الحسابات على غرار ما تم العمل به في النظام المالي الفرنسي منذ ،1115بحيث حلت
مسطرة التصديق على الحسابات محل مسطرة التصريح العام بالمطابقة .2
وتبعا لما سبق ،فإن اعتماد مبدأ التصديق على الحسابات ستكون له حتما انعكاسات
على نظام المراقبة والمسئولية ،السيما وأنه سيترتب عنه إرساء قواعد وحدود جديدة لهذا
النظام ،وذلك عبر وضع إطار جديد للتقارب والشراكة بين المحاسب العمومي واآلمر
بالصرف .وبالتالي ،من شأن ممارسة هذا االختصاص توسيع دور ه في تقييم المسؤولية
التدبيرية .فعلى غرار بعض التجارب الرائدة في مجال تقييم المسؤولية التدبيرية كما هو
الحال في ألمانيا والواليات المتحدة األمريكية والمحكمة المالية األوربية ،3يمكن أن يلعب
المجلس األعلى للحسابات نفس الدور الذي يقوم به مراقب الحسابات لدى الشركات
والمقاوالت الخاصة ،إذ إلى جانب التصديق على الحسابات ،يمكن للمجلس أن يقوم بتقييم
نظام الرقابة الداخلية ،بل أكثر من ذلك يمكنه اإلسهام في دراسة وضع معايير التدقيق،
وبالتالي القيام بدور استشاري وإخباري لألجهزة الحكومية المعنية ،وكذا األجهزة البرلمانية
والتداولية.
-1أي دور للمبلس األعلى للحسابات في مبال تقييم المسؤولية
التدليرية؟
باإلضافة إلى اختصاص التصديق على الحسابات ،وفي إطار المساعدة التي يقدمها
للبرلمان والحكومة ،يلعب المجلس األعلى للحسابات دو ار محوريا في تقييم المسؤولية
1
MUZELLEC Raymond, le rapport de la cour des comptes sur l’exécution des lors de finances, une
anticipation pour assurer la certification relative aux comptes : l’application de la lettre à la lettre, RFDA, 2004,
P2.
2
D. Catteau, op.cit, P 456.
3
S. FLIZOT, le contrôle des gestionnaires publics par la cour des comptes, vol 25, n° 4, 2007, P 151.
421
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
التدبيرية عبر االختصاصات غير القضائية ،خاصة مراقبة التسيير في شقها المتعلق
بالتدقيق الموجه نحو تقييم الكفاءة ومستوى األداء ،وكذا المساهمة في تقييم السياسات
والمشاريع العمومية.
فالمجلس ،من خالل تقييم كيفية تدبير البرامج والمشاريع والعمليات ،يمكنه إخبار
البرلمان والمواطن حول نجاعة وكفاءة تدبير هذه البرامج والمشاريع ،1ومن ثم المساهمة في
تقييم المسؤولية التدبيرية للمدبرين العموميين .كما يمكن للمجلس ،ومن دون أن يتدخل في
تحديد األهداف أو مالءمة البرامج والمشاريع ،أن يقوم بتقييم النتائج المحققة وفق مؤشرات
قابلة للقياس .ومن خالل هذا التقييم ،يتأكد من أن المؤشرات واألهداف قد تمت على أساس
علمي وتنطوي على أرقام صادقة ،كما أن النتائج المحصلة هي نتائج حقيقية وال تعتريها أية
شائبة.
كما يمتد التقييم في هذا اإلطار إلى تحليل الفارق بين النتائج المحققة واألهداف
المسطرة والتحقق من األسباب والمسببات التي كانت وراء هذا الفارق ،وبالتالي القيام بتحليل
موضوعي لهذا الفارق مما يمكن السلطات المختصة من القيام بتقييم موضوعي لمسؤولية
المدبرين العموميين عن اإلخفاق والنجاح وتحديد العالقة السببية بين هذا الفارق وتصرف
المدبر العمومي .كما يمتد التقييم إلى تحليل ودراسة الترابط بين مختلف مستويات المسؤولية
للوقوف على مكامن الخلل الحقيقية التي تشوب سلم المسؤوليات التدبيرية وتحديد بدقة
المسؤول المباشر عن اإلخفاق.
إن إسهام المجلس األعلى للحسابات في تقييم المسؤولية التدبيرية يتم كذلك من خالل
مفهوم "حسن أو سوء التدبير" من طرف المسؤول المعني :عدم دقة وصدقية التوقعات
وضعف الرقابة الداخلية وسوء تقدير المخاطر واتخاذ ق اررات طموحة ال تتناسب واألهداف
المسطرة والوسائل المادية والبشرية المتاحة ،بحيث يمكن أن تشكل هذه األخطاء التدبيرية
مجاال للمساءلة في إطار المسؤولية التدبيرية.
1
إعماال لمبدأ عدم الحياد وعدم التدخل في اختيارات التسيير.
422
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
كذلك ،من بين األدوار التي يمكن للمجلس األعلى االضطالع بها في مجال المسؤولية
التدبيرية ،البحث عن سبل تطوير مراقبة األداء أو الكفاءة ،بحيث يمكن توجيه هذه المراقبة
نحو التأكد من أن المدبرين العموميين يتوفرون على نظام لقياس النتائج المحققة وأن
الوسائل المستعملة لذلك تمكن من وضع مؤشرات صادقة؛ ألن مؤشرات قياس النتائج ينبغي
أال توضع لذاتها ،وإنما قيمتها تقاس بقدرتها على أن تتحول إلى وسائل حقيقية للرفع من
أداء وكفاءة التدبير العمومي.1
وهناك ،كذلك ،مجال آخر يمكن فيه للمجلس اإلسهام في تقييم المسؤولية التدبيرية
يتمثل في تقييم شمولي ألداء وكفاءة البرامج والمشاريع بدل التقييم الجزئي حسب كل برنامج
أو مشروع على حدة .فتقييم المجلس في هذه الحالة ينبغي أن يتجه صوب قياس وتحليل
التكلفة اإلجمالية للعمل العمومي ،وذلك عبر افتحاص التوجه االستراتيجي العام ومدى
اتساقه مع هيكلة البرامج والمشاريع .2ومن خالل هذه المراقبة ،يمكن كذلك تقييم المسؤولية
التدبيرية للمدبرين العموميين.
وبما أن المدبر العمومي يتعين عليه في إطار المسؤولية التدبيرية تقديم الحساب إلى
الوزير التابع له وإلى البرلمان ،فإن األمر يتطلب أن يكون هناك اتساق بين المعايير
المعتمدة من طرف البرلمان لقياس تحقيق األهداف المرتبطة بالسياسات العمومية وبين
المعايير المستعملة من طرف الوزير المعني لقياس األهداف المرتبطة باالعتمادات المفوضة
في إطار البرامج .3وهذا يشكل كذلك مدخال إلسهام المجلس في تقييم المسؤولية التدبيرية
عبر مراقبة مدى توافق المعايير المعتمدة من طرف السلطة التنفيذية والمعايير المحددة من
طرف السلطة التشريعية في تقييم التدبير العمومي.
وعليه ،يمكن القول بأن مالءمة دور المحاكم المالية مع منطق التدبير المرتكز على
النتائج يمر عبر جعلها أداة خارجية لتقييم المسؤولية التدبيرية ،وذلك بتقوية وتعزيز
1
Ibidem, P 148.
2
Ibidem, P 149.
3
Fatima YATIM, l’exercice de la responsabilité managériale dans la sphère publique, le cas des responsables
des programmes dans la LOLF, revue politique et management public 31/3 juillet-septembre 2014, P 329.
423
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
اختصاصاتها غير القضائية على حساب صالحياتها القضائية ،خاصة مساطر مراقبة
التسيير وتقييم السياسات والبرامج العمومية والتصديق على الحسابات.
وكما يتبين ،من خالل ما سبق ،عرف النظام المالي الحالي مجموعة من التطورات،
خاصة مع دخول القانون التنظيمي الجديد لقانون المالية حيز التنفيذ ،تروم االنتقال من
التدبير العمومي القائم على الوسائل والمساطر إلى تدبير يرتكز على النتائج والنجاعة ،وهو
ما يقتضي مواكبة هذا التطور النوعي من خالل فتح مجموعة من األوراش اإلصالحية
المكملة والمتعلقة بتنفيذ العمليات المالية والمحاسبية ،خاصة نظام المسؤولية والمراقبة الذي
يقوم على مبادئ وقواعد أصبحت تقتضي التحيين حتى تتسق مع فلسفة التدبير الحديث.
فإذا كان تعزيز وتقوية نظام المسؤولية المالية للمدبرين العموميين يعتبر نتيجة طبيعية
لتحديث القواعد والمساطر الميزانياتية والمحاسبية ،من خالل التخفيف التدريجي للمراقبة
القبلية األمر الذي يقتضي تعزيز المساءلة البعدية ،1فإن إقامة هذا النظام الجديد للمسؤولية
يجب أن ال يشكل مبر ار إلعفاء المدبرين العموميين من االلتزام بالقواعد القانونية ،خاصة تلك
المتعلقة بصدقية المعلومة المالية وبمشروعية العمليات المتعلقة بها ،2بل يتعين مالءمة
مختلف هذه األصناف من المسؤولية بما يضمن تحقيق التوازن بين احترام المساطر والقواعد
المالية وتحقيق الكفاءة والنجاعة في التدبير العمومي وينسجم مع األهداف التي أحدثت من
أجلها األجهزة العليا للرقابة التي تتجلى في تسجيل الفوارق مقارنة بالقواعد واالختالالت
والخروقات بالنظر إلى القوانين واألنظمة ،وتقييم الفعالية والكفاءة واالقتصاد في التدبير
المالي بشكل يمكن ،بصدد كل حالة ،من اتخاذ اإلجراءات التصحيحية وتحديد المسؤوليات
أو اتخاذ إج ارءات لتفادي أو لجعل تكرار مثل هذه الممارسات غاية في الصعوبة".3
1
N. GROPER, Op.cit, P 51.
2
S. FLIZOT, op. cit,, P 153.
3
إعالن ليما ،المؤتمر التاسع للمنظمة الدولية لألجهزة العليا للرقابة والمحاسبة (األنتوساي) المنعقد في أكتوبر 3311بالبيرو
424
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
أ
المسؤولية التاديبية للموظف العمومي في ضوء عمل
القضاء ا إالداري المغربي
من إعداد الستاذ محمد العلمي،
رئيس مصلحة الطعون باإللغاء للشمال
بالوكالة القضائية للمملكة
تمهيد
ان الموظف العمومي خالل مساره المهني يمكن ان يتعرض لثالث مسؤوليات هي
المسؤولية الجنائية والمسؤولية المدنية والمسؤولية التأديبية.
وهذه المسؤولية األخيرة تقوم على أساس فكرة الخطأ أو المخالفة التأديبية ،وهي شانها
شان المسؤولية الجنائية شخصية ،اذ ان المسؤولية التأديبية عن فعل الغير هي استثناء من
األصل العام ،وال تتصور اال في نطاق مسؤولية الرئيس عن اعمال مرؤوسيه ،اذ في بعض
الحاالت يكشف خطا المرؤوس عن اخالل الرئيس بواجبات المهمة المسندة اليه في االشراف
والمراقبة والذي تسبب في ارتكاب المرؤوس للمخالفة التأديبية.
وهذه المسؤولية ال يتصور قيامها بدون تمتع الموظف المتابع تأديبيا باإلدراك والتمييز
وحرية االختيار ،والهدف منها هو محاولة اصالح وتقويم سلوك الموظف العمومي
والمحافظة على كيان الوظيفة العمومية وضمان حسن سير المرفق العام.
وتكتسي هذه المسؤولية اهمية بالغة سواء بالنسبة لسلطة التسمية او بالنسبة للموظف
العمومي.
فسلطة التسمية ال تتقبل بسهولة الغاء عقوباتها التاديبية ألن ذلك يعبر عن عدم
كفاءتها في تدبير المسطرة التاديبية ،ويسيء الى سمعتها وسمعة المرفق العام ،كما ان
الموظف العمومي ال يتقبلها بدوره لما لها من تأثير سلبي على مساره المهني سواء من ناحية
النقطة السنوية ،أو الترقية في الرتبة أو الدرجة ،أو مقدار المكافأة ،أو تحمل المسؤولية،
إضافة الى تسجيل عقوبة العزل في السجل التأديبي المركزي بالوظيفة العمومية ،وطول
425
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
المدة المطلوبة لرد االعتبار وهي مرور خمس سنوات بالنسبة لعقوبتي االنذار والتوبيخ،
و 31سنوات بالنسبة للعقوبات األخرى عمال بمقتضيات الفصل 15من النظام األساسي
للوظيفة العمومية ،لذا فهو يلجا في االغلب الى القضاء للمنازعة في مشروعيتها.
والعقوبات التأديبية التي يمكن اتخاذها في حق الموظف العمومي طبقا للنظام األساسي
للوظيفة العمومية هي المحددة في الفصلين 11و 15مكرر.
وسأكتفي في هذه الدراسة بالتعرض للقواعد التي كرسها القضاء اإلداري المغربي في
األحكام التي اصدرها عند نظره في النزاعات المتعلقة بالعقوبات التاديبية المتخذة في حق
الموظف العمومي في إطار الفصل 11وذلك في مبحثين ،األول منها سأخصصه لتحديد
مفهوم المخالفة التأديبية ووسائل اثباتها ،اما المبحث الثاني منها فسأخصصه ألسباب
الغائها.
ولذلك الغى القضاء اإلداري المغربي العقوبات المتخذة في حق الموظف العمومي غير
المنصوص عليها في الفصل 111كالمنع من تحمل المسؤولية ،اومن المشاركة في الحركة
االنتقالية ،او من االستفادة من جواز سفر.2
426
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وجدير بالذكر ان القضاء اإلداري المغربي اختلف بشأن اسباغ صفة العقوبة التأديبية
على بعض االجراءات التي يمكن اتخاذها في حق الموظف العمومي كالتنبيه ،ولفت
االنتباه ،والمالحظة.
فالبعض منه اعتبرها مجرد اجراءات داخلة في التدبير الداخلي للمرفق العام بقصد
كفالة سيره بانتظام واضطراد وعلى وجه سليم والتي يقوم الرؤساء بتوجيهها لمرؤوسيهم بقصد
تبصيرهم الى المزالق التي قد يتعرضون لها اثناء ادائهم لمهامهم دون ان يكون الغرض منها
توقيع جزاء.1
والبعض االخر منه اعتبر بأنه وإ ن كانت هذه اإلجراءات غير منصوص عليها في
الفصل 11فإنها تعتبر مؤثرة في الوضعية اإلدارية والمهنية للموظف مستقبال ما دام انها
موضوعة في ملفه اإلداري ،وانه في حالة تكرار الفعل تكون بمثابة ظرف تشديد.2
وهو تعريف قاصر لكون الموظف العمومي يمكن متابعته تأديبيا حتى عن األخطاء
التي اقترفها ولو كانت ال عالقة لها بتأدية وظيفته او مباشرتها.3
427
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وأن كان قد تفادى ذلك ضمنا بموجب الفقرة األولى من الفصل 11من نفس القانون
عندما استعمل عبارة ك هفوة خطيرة يرتكبها سواء تعلق االمر بإخالل بالتزامات مهنية او
ببنحة ماسة بالحق العام.
مع اإلشارة الى ان المشرع قد نص في الفصول 31و 30و 35و 31و 31و 39من
النظام االساسي للوظيفة العمومية على بعض المخالفات التأديبية وهي:
وقد تولى القضاء االداري المغربي في االحكام العديدة التي اصدرها (والتي مع االسف
فان االغلب منها غير منشور) سد هذا النقص معتب ار بأنه يكفي لمؤاخذة الموظف العمومي
تأديبيا أن تثبت اإلدارة قيامه بأفعال مخالفة لواجباته كموظف أو خارجة على مقتضياتها ،أو
على المهام المناطة به ،أو للشرف والمروءة ،أو ارتكابه خارج الوظيفة ما ينعكس سلبا
عليها ، 1ذلك ان غاية المشرع من تحديد العقوبات التاديبية ليس معاقبة الموظف بل ضمان
سير العمل وأداء المرفق العام لمهامه باطراد وانتظام ووفقا لمبادئ الحكامة الجيدة التي
تستهدف عموم المرتفقين ،اما العقاب فانه يأتي كانعكاس لمخالفة الموظف لقواعد سير
428
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
المرفق العام جراء ارتكابه لهفوة مهنية او اقترافه لفعل يشكل جريمة معاقب عليها بمقتضى
القانون .1
وبالرجوع إلى بعض أحكام القضاء اإلداري المغربي التي تسنى لنا االطالع عليها
يتبين بانه اعتبر أفعاال وتصرفات عدة تشكل اخطاء تبرر اتخاذ عقوبات تأديبية في حق
الموظف العمومي المقترف لها وهي على نوعين:
كمغادرة مقر العمل بدون ترخيص ،2او كالتغيب بصورة غير قانونية ،3او ككثرة
التغيبات ،4او كمغادرة مقر العمل لقضاء األغراض الشخصية بدون ترخيص.5
ولذلك اعتبر القضاء اإلداري المغربي بعض التصرفات تشكل اخالال بهذا المبدأ ،كعدم
االمتثال لتعليمات الرؤساء ،6او تجاوز حدود اللباقة في التعامل معهم ،7او عدم احترامهم،1
429
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
او كرفض القيام بالمهام المسندة لهم من طرفهم ،2او كالتهجم عليهم وتوجيه السب والقذف
لهم.3
كالتقصير في أداء المهام المسندة ،4او كإعطاء معلومات خاطئة لإلدارة ،5او كمغادرة
التراب الوطني بدون ترخيص ،6او كرفض االلتحاق بمقر العمل الجديد ،7او كالقيام
بالتفتيش واإلجراءات بالزي المدني وبدون حمل الشارة ،8او كالقيام بإخالالت محاسبية ،9او
كاإلخالل بالضوابط اإلدارية بتفويض مهام للغير في غياب السند القانوني ،10او كاإلخالل
بالواجب الوظيفي بعدم القيام باإلجراءات القانونية كتحرير محضر قانوني إلثبات واقعة
ما ، 11او كاستعمال الوثائق الموكول امر تدبيرها في االستفادة من قروض باسم العديد من
الموظفين ،12او كعدم تقديم المساعدة لشخص يوجد في وضعية خطرة.13
وكذلك مثل الجمع بين وظيفتين اداريتين ،14او كترك مكان العمل المسند واالنتقال الى
مكان اخر ،15او مغادرة المدار الحضري بدون ترخيص والتغيب عن العمل والسب والشتم
1
الحكم عدد 111وتاريخ 3339/11/15الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم 3331/150غ ،الحكم عدد 3330وتاريخ 1135-15-15
الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم ،1135/1331/131الحكم عدد 0515وتاريخ 1135-31-11الصادر عن إدارية الرباط في الملف
رقم ،1135/1331/011الحكم عدد 0331وتاريخ 1139-33-11الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم ،1139/1331/113الحكم عدد
1131/1331/113وتاريخ 1131-31-10الصادر عن إدارية مكناس في الملف رقم .1131/1331/355
2
الحكم عدد 031وتاريخ 1131-11-19الصادر عن إدارية فاس في الملف االداري رقم 1131/5/59غ.
3
القرار عدد 1153وتاريخ 1135/13/13الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم .1135/1115/011
4
الحكم عدد 3110وتاريخ 1113/11/19الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم 1119/153غ.
5
الحكم عدد 931وتاريخ 1113/15/15الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم 1119/301غ.
6
الحكم عدد 111وتاريخ 1131/11/35الصادر عن إدارية وجدة في الملف رقم .5/13/19
7
القرار عدد 3331وتاريخ 1119/31/13الصادر عن محكمة النقض في الملف االداري رقم .1111/3/0/1111
8
القرار عدد 3115وتاريخ 3333/13/31الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري رقم .3339/3/5/533
9
الحكم عدد 131وتاريخ 1111/31/33الصادر عن إدارية الدار البيضاء في الملف رقم 1113/111غ.
10
الحكم عدد 135وتاريخ 1131/31/33الصادر عن ادارية وجدة في الملف رقم .5/33/11
11
القرار عدد 111وتاريخ 3335/13/13الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري رقم .3330/31151
12
الحكم عدد 331وتاريخ 1113-31-11الصادر عن ادارية مراكش في الملف رقم 1113/11غ.
13
الحكم عدد 31وتاريخ 1111-11-31الصادر عن إدارية البيضاء في الملف 1113/330ع ،الحكم عدد 1113وتاريخ 1131-13-11
الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم .1131/1331/131
14
القرار عدد 33وتاريخ 1135-13-19الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري رقم ،1131/3/0/1131القرار عدد 3055وتاريخ
1131-31-11الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري رقم .1131/3/0/311
15
القرار عدد 911وتاريخ 1135-15-30الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري .1131/3/0/3111
430
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
في حق الزمالء والرؤساء والغير ، 1او إعطاء دروس خصوصية ،2او مزاولة الطب في
عيادة خاصة ،3او التدريس بمؤسسة تعليمية خاصة ،4او مزاولة الطب بمصحة خاصة ،5أو
رفض القيام بالمهام المسندة ،6او توجيه كالم نابي الحد الزمالء ،7او االعتداء على احد
الزمالء والسماح بتحويل احدى البنايات داخل المؤسسة التعليمية الى حظيرة لتربية
المواشي ،8او ربط عالقة غير مشروعة مع اجنبية اثمرت عن ازدياد مولودة وذلك دون اتباع
المسطرة القانونية المتعلقة بتوثيق عقد الزواج بعد الحصول على رخصة ،9او كعدم االدالء
بالشواهد الطبية داخل االجل المحدد قانونا مقابل وصل ،10او تبادل الضرب مع زميل في
العمل ،11او مغادرة مقر العمل وربط االتصال بموقوف قصد تغيير اقواله ،12او إفشاء اسرار
مهنية ،13او التمرد والعصيان في مجال عمل شبه عسكري.14
ومن األمثلة على ذلك ،اختالس أموال عمومية ،15او اإلدالء بتصريحات لجهات دولية
ووطنية ثبت عدم صحتها والتي اساءت للدولة المغربية والتي على الموظف تقديم الوالء لها
1
القرار عدد 3001وتاريخ 1131-31-31الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري .1135/3/0/1301
2
القرار عدد 1015وتاريخ 1130-11-31الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم .5/31/155
3
الحكم عدد 1100وتاريخ 1130-10-10الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم .1131/1331/111
4
الحكم عدد 0191وتاريخ 1130-11-31الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم .1130/1331/10
5
الحكم عدد 1131/1331/511وتاريخ 1131-13-33الصادر عن إدارية مكناس في الملف رقم .1131/1331/55
6
الحكم عدد 1135/1331/31وتاريخ 1135-11-31الصادر عن إدارية مكناس في الملف رقم ،1130/1331/339الحكم عدد 3115
وتاريخ 1131-31-31الصادر عن إدارية فاس في الملف1131/5/59غ ،الحكم عدد 013وتاريخ 1131-11-19الصادر عن إدارية فاس
في الملف رقم ،1131/5/03الحكم عدد 0111وتاريخ 1131-31-11الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم ،1131/1331/030الحكم
عدد 1131وتاريخ 1131-11-31الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم ،1131/1331/311الحكم عدد 101وتاريخ 1131-13-11
الصادر عن إدارية وجدة في الملف رقم .1131/1331/311
7
الحكم عدد 311وتاريخ 1131-33-31الصادر عن إدارية وجدة في الملف رقم .1131/1331/90
8
الحكم عدد 1131/1331/911وتاريخ 1131-31-19الصادر عن إدارية مكناس في الملف رقم .1131/1331/393
9
الحكم عدد 331وتاريخ 1139-31-10الصادر عن إدارية فاس في الملف رقم 1139/1331/311
10
الحكم عدد 0319وتاريخ 1139-33-11الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم .1139/1331/111
11
الحكم عدد 313وتاريخ 1133-11-31الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم .1139/1331/911
12
الحكم عدد 3933وتاريخ 1133-15-35الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم .1133/1331/339
13
الحكم عدد 3911وتاريخ 1133-13-35الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم .1133/1331/311
14
القرار عدد 3533وتاريخ 1131-33-31الصادر عن محكمة النقض في الملف رقم .1135/3/0/1513
15
القرار عدد 110وتاريخ 1133/15/15الصادر محكمة النقض في الملف اإلداري رقم ،1131/3/0/3511القرار عدد 1151وتاريخ
1113/33/30الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم .5/19/111
431
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
سواء داخل أو خارج الوظيفة ،1او كالمشاركة في استهالك مادة مخدرة وإيصالها إلى
السجن ،2او إصدار شيك بدون رصيد.3
ومن أمثلة ذلك أيضا القيام بعمل من أعمال وظيفة نظمها القانون ،وتوزيع منشورات
هادفة إلى العنف ،وإهانة الهيأة القضائية ،وإهانة الضابطة القضائية ،وتحقير مقررات
قضائية ،وتعييب منشآت مخصصة للمنفعة العامة ،والتجمهر بدون رخصة ،4او كتكوين
عصابة إجرامية والقيام بعمل من أعمال وظيفة نظمها القانون والضرب والجرح بالسالح
وتوزيع منشورات هادفة إلى العنف وإهانة الهيأة القضائية وتحقير مقررات قضائية وتعييب
منشآت مخصصة للمنفعة العامة والتجمهر بدون رخصة ،5او كالرشوة والنصب.6
او كاالرتشاء ،7او كالنصب واالحتيال ،8او كتلقي الرشوة ،9او كالضرب والجرح
وااليذاء العمدي في مواجهة احدى خادمات البيوت ،10او كالضرب والجرح العمدي بسالح
والحاق خسائر مادية بملك الغير ،11او كاالرتشاء والوساطة في الرشوة ،12او كاالحتيال
وتزييف وثائق معلوماتية واستعمالها والنصب ،13او كتكوين عصابة إلعداد وارتكاب أفعال
اجرامية ،14او كالنصب والتزوير ،15او كتبديد أموال عمومية ومنح بدون اذن والرشوة وحذف
1
الحكم عدد 131وتاريخ 1131/1/3الصادر عن إدارية وجدة في الملف رقم .1113/5/533
2
القرار عدد 511وتاريخ 1111/15/11الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري رقم .1113/3/0/3911
3
الحكم عدد 1113وتاريخ 1113/31/11الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم 19/133غ.
4القرار عدد 313وتاريخ 1113/3/19الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم .5/19/333
5الحكم عدد 1111/3119وتاريخ 1111/31/15الصادر عن المحكمة اإلدارية بفاس في الملف رقم 01غ.1111/
6القرار عدد 3/015وتاريخ 1133-11-19الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري رقم . 1131/3/0/1350
7القرار عدد 1159وتاريخ 1135-31-19الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري رقم ، 1135/3/0/3310القرار عدد 131وتاريخ
1131-10-19الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري ، 1135/3/0/3313القرار عدد 3115وتاريخ 1131-31-13الصادر عن
محكمة النقض في الملف اإلداري رقم . 1131/3/0/1051
8الحكم عدد 1130/1331/03وتاريخ 1130-11-33الصادر عن إدارية مكناس في الملف رقم . 1131/3331/90
9الحكم عدد 1001وتاريخ 1135-11-19الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم . 1135/1331/313
10الحكم عدد 33وتاريخ 1131-13-33الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم .1135/1331/590
11الحكم عدد 1131-1331-11وتاريخ 1131-13-13الصادر عن إدارية مكناس في الملف رقم .1131/1331/310
12الحكم عدد 513وتاريخ 1131-11-31الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم 1131/1331/1
13الحكم عدد 513وتاريخ 1131-11-30الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم .1131/1331/13
14الحكم عدد 0553وتاريخ 1131-33-11الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم .1131/1331/911
15الحكم عدد 5115وتاريخ 1131-33-13الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم .1131/1331/911
432
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وتغيير معطيات المعالجة االلية ،1او كربط عالقات مشبوهة مع احد تجار المخدرات
واستهالك مخدر الكوكايين.2
وقد اعتبر القضاء االداري المغربي ان مجرد قيام الشبهة كاف لقيام السبب المبرر
للعقوبة التأديبية.
ذلك انه في المتابعة التأديبية يكفي وجود شبهات تحوم حول سلوك الموظف وتكون
كافية لدى اإلدارة لتكوين اقتناعها بارتكابه أخطاء تبرر التأديب ال سيما إذا كانت طبيعة
الوظيفة التي يشغلها الموظف تستوجب أن يناى بنفسه عن موضع كل الشبهات.3
ان الخطأ المهني باعتباره يشكل ركن السبب في العقوبة التأديبية يتوجب اثبات ماديته
من طرف اإلدارة التي يبقى على عاتقها اثبات صحة أسباب عقوباتها التأديبية 4مادام أن
األصل هو قرينة البراءة طبقا للفصل 333من الدستور. 5
وبالرجوع الى االحكام التي أصدرها القضاء اإلداري المغربي في هذا الصدد يتبين بانه
قد اعتبر وسائل عدة مثبتة للمخالفات التأديبية ،ومن ذلك:
اإلارار بارتكاب االخطاء موضوع المتابعة التأديبية6؛
433
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
1القرار عدد 103وتاريخ 3311/33/31الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري رقم ،10111القرار عدد 11وتاريخ 3331/3/11
الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري رقم ، 3331/31113القرار عدد 311وتاريخ 1110/13/19الصادر عن محكمة النقض في
الملف اإلداري رقم ، 1111/3/0/3113الحكم عدد 331وتاريخ 1113/31/11الصادر عن إدارية مراكش في الملف رقم 1113/11غ.
2الحكم عدد 1111وتاريخ 3333/11/30الصادر عن إدارية فاس في الملف رقم 151غ ،3339/الحكم عدد 10وتاريخ 1111/3/11
الصادر عن إدارية وجدة في الملف رقم .1113//115
3القرار عدد 031وتاريخ 3393/31/15الصادر عن محكمة النقض في الملف االداري رقم ، 51113الحكم عدد 1/1113/913غ وتاريخ
1113/31/10الصادر عن المحكمة اإلدارية بمكناس في الملف رقم 1/1113/313غ
4القرار عدد 115وتاريخ 3393/31/31الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري رقم ،3393/1115الحكم عدد 110وتاريخ
1110/33/13الصادر عن إدارية الدار البيضاء في الملف رقم 11/31غ ،الحكم عدد 533وتاريخ 1115/31/33الصادر عن المحكمة
اإلدارية بفاس في الملف رقم 311غ ،1115/الحكم عدد 113وتاريخ 1131/10/10الصادر عن إدارية وجدة في الملف رقم . 5/33/09
5القرار عدد 3159وتاريخ 1119/31/31الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري رقم ،1115/3/0/1193القرار عدد 531وتاريخ
1111/11/13الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري رقم ، 1110/3/0/1911الحكم عدد 3110وتاريخ 1113/11/19الصادر عن
إدارية الرباط في الملف رقم 19/153غ ،الحكم عدد 13/351وتاريخ 1113/11/10الصادر عن المحكمة اإلدارية بفاس في الملف رقم
1113/5/01
6الحكم عدد 1/15/51غ وتاريخ 1115/11/13الصادر عن إدارية مكناس في الملف رقم 1/11/31غ ،الحكم عدد 111وتاريخ
1115/15/33الصادر عن إدارية الدار البيضاء في الملف رقم 1115/131غ
7الحكم عدد 10/351وتاريخ 1110/31/10الصادر عن المحكمة اإلدارية بأكادير في الملف رقم 1111/330غ.
8القرار عدد 11وتاريخ 1115/13/11الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري رقم ، 1111/3/0/191الحكم عدد 331وتاريخ
1110/31/11الصادر عن المحكمة اإلدارية بأكادير في الملف رقم 1111/310غ .
9القرار عدد 3553وتاريخ 3333/31/13الصادر عن محكمة النقض في الملف رقم .3339/3/5/3003
434
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
إن األسباب المبررة إللغاء العقوبات التاديبية هي المنصوص عليها في الفصل 11
من القانون 03-31المحدث للمحاكم اإلدارية والذي جاء فيه ما يلي:
" ك ارار اداري صدر عن جهة غير مختصة ،او لعيب في شاله ،او النحراف في
السلطة ،او النعدام التعلي ،او لمخالفة القانون يشا تباو از في استعمال السلطة يحق
للمتضرر الطعن فيه امام البهة القضائية اإلدارية المختصة "
والتي أضاف اليها االجتهاد القضائي عيب عدم التناسب او الغلو في التقدير.
1القرار عدد 331وتاريخ 1131/11/33الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش في الملف رقم ، 1113/5/113الحكم عدد 19/111
وتاريخ 1119-31-13الصادر عن إدارية اكادير في الملف رقم 1119/11غ.
2القرار عدد 331وتاريخ 1131/11/33الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش في الملف رقم .1113/5/113
3القرار عدد 3/2401وتاريخ 1135-31-11الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري رقم ،1131/3/0/3111الحكم عدد 3311
وتاريخ 1131-11-13الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم ،1131/1331/301الحكم عدد 0111وتاريخ 1131-31-11
الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم .1131/1331/103
4القرار عدد 110وتاريخ 1131/31/13الصادر عن محكمة النقض في الملف االداري رقم ، 1113/3/0/3111القرار عدد 3911وتاريخ
1113/13/13الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم .5/13/313
435
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
العقوبات التأديبية الموقعة من طرف مسؤول باألصالة والحال انه ال يتوفر اال
على تفويض في االمضاء ودون االشارة الى ذلك.2
العقوبات التأديبية التي ال تراعي قاعدة كون المفوض له ال يملك حق تفويض
تفويضه للغير وذلك اعماال لقاعدة عدم جواز تفويض التفويض.3
العقوبات التأديبية التي يتجاوز فيها المفوض له مضمون او محتوى التفويض.4
العقوبات التأديبية الصادرة بتاريخ سابق على صدور قرار التفويض في االمضاء.5
6
العقوبات التأديبية الصادرة عن اإلدارة الملحق لديها الموظف
العقوبات التأديبية الصادرة دون االدالء بما يثبت التوفر على تفويض في
7
االمضاء
8
العقوبات التأديبية الصادرة عن سلطة غير مختصة بإصدارها
وتجدر اإلشارة في هذا الصدد الى ان إلغاء القرار التأديبي لصدوره عن جهة غير مختصة
ال يغل يد اإلدارة وال يسلبها حقها في اتخاذ قرار تأديبي آخر خال من هذا العيب.9
1القرار عدد 011وتاريخ 1111-10-15الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري رقم ، 1111/3/0/3115القرار عدد 515وتاريخ
1113-13-11الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري رقم ، 1111/1/0/193الحكم عدد 1110وتاريخ 1133/13/11الصادر عن
ادارية الرباط في الملف رقم .1133/5/391
2القرار عدد 113وتاريخ 1113/11/33الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ،5/19/113الحكم عدد 551وتاريخ
1139-11-11الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم .1131/1331/311
3الحكم عدد 1133/11وتاريخ 1133/11/33الصادر عن إدارية أكادير في الملف رقم 1131/101غ
4القرار عدد 153وتاريخ 1113/31/11الصادر عن محكمة النقض في الملف االداري رقم ، 1111/1/0/3313القرار عدد 1111وتاريخ
1131-31-11الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملفين المضمومين رقم 1131/1115/119و ، 1131/1115/111الحكم
عدد 1191وتاريخ 1131-15-11الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم ، 1131/1331/115الحكم عدد 011وتاريخ -13
1131-11الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم ، 1131/1331/350الحكم عدد 93وتاريخ 1131-11-11الصادر عن
المحكمة اإلدارية بوجدة في الملف رقم . 1135/1331/331
5القرار عدد 331وتاريخ 1131/11/33الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش في الملف رقم .13/5/113
6القرار عدد 119وتاريخ 1131-31-13الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش في الملف رقم .1131-3331-153
7الحكم عدد 1111وتاريخ 1131-11-31الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم ،1131/1331/3153الحكم عدد 031
وتاريخ 1130-11-31الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم ،1131/5/151 31الحكم عدد 531وتاريخ 1131-11-11
الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم .1131/1331/3313
8الحكم عدد 1111وتاريخ 1133-11-19الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم ،1133/5/11الحكم عدد 1/1115/310غ
وتاريخ 1115-31-11الصادر عن المحكمة اإلدارية بمكناس في الملف رقم 1/1110/330غ
9القرار عدد 1511وتاريخ 1131-11-31الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم . 1135/1115/301
436
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
يقصد بعيب الشكل عدم مراعاة اإلدارة لقواعد الشكل الواجب افراغ العقوبة التأديبية
فيها ،او عدم اتباع اإلجراءات المقررة إلصدارها.
وقد ألغى القضاء اإلداري المغربي عقوبات تأديبية عديدة اتخذت في حق الموظفين
التسامها بعيب الشكل ومن ذلك:
العقوبات التاديبية الصادرة حيادا على مقتضيات القانون 11-13بشان الزام
اإلدارات ا لعمومية والجماعات المحلية والمؤسسات العامة بتعليل ق ارراتها السلبية في صلبها،
وذلك الن التعليل كشرط شكلي في القرار اإلداري يمكن من التعرف على االعتبارات الواقعية
والقانونية التي كانت وراء إصداره ويشكل بالتالي ضمانة لألمن القانوني وحماية لحقوق
االفراد وحرياتهم ، 1مع اإلشارة الى ان الزامية التعليل تنطبق على الوثيقة المجسدة للعقوبة
وليس على رسالة االخبار التي وان كانت تجسد الوجود المادي للعقوبة غير انه ال يمكن
2
مواجهة هذه الوثيقة بعيب انعدام التعليل
العقوبات التأديبية الصادرة عن لجنة إدارية متساوية األعضاء مشكلة خالفا
3
للقانون.
العقوبات التأديبية الصادرة بناء على اقتراح مجلس تأديبي تراسه المدير المباشر
للتفتيش وإلجراءات المتابعة ،الن ذلك يجعل من هذا االخير خصما وحكما ويبعده عن
الحياد والتجرد ،ويخل بمبادئ المحاكمة العادلة التي على رأسها حياد الهيئة اإلدارية وكفالة
حقوق الدفاع التي أرسى مبادئها الدستور الجديد في الفصل 331وما يليه ،والتي وإن كانت
وردت في باب السلطة القضائية فإنها من القواعد العامة التي تطبق على سائر الهيئات
4
اإلدارية النظامية التي خولها المشرع صالحية التأديب االداري تحت رقابة القضاء.
1القرار عدد 1113وتاريخ 1139-31-15الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ،1139/1115/151القرار عدد
1135وتاريخ 1139-11-10الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم . 1139/1115/111
2القرار عدد 1113وتاريخ 1139-31-15الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم 1139/1115/151
الحكم عدد 1113وتاريخ 1133-31-11الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم 19/133غ ،الحكم عدد 1555وتاريخ 1131-31-31
الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم 1131/1331/331
3القرار عدد 153وتاريخ 1113/31/11الصادر عن محكمة النقض في الملف االداري رقم ،1111/1/0/3313الحكم عدد 1191وتاريخ
1131-11-13الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم .1131/1331/109
4الحكم عدد 1311وتاريخ 1131/13/11الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم . 1133/5/095
437
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
العقوبات التأديبية الصادرة عن لجنة إدارية متساوية األعضاء تقل درجات بعض
1
اعضائها الوظيفية عن درجة الموظف الماثل امامها.
العقوبة التاديبية الصادرة بناء على اقتراح مجلس تأديبي حضر اشغاله محرر
2
التقرير التأديبي وابدى رايه في المخالفة التأديبية المنسوبة للموظف المتابع تأديبيا.
العقوبة التأديبية الصادرة بناء على اقتراح مجلس تأديبي حضر اشغاله محام مع
3
اإلدارة.
العقوبات التأديبية الصادرة بناء على اقتراح مجلس تأديبي غير معلل كما يقضي
4
بذلك الفصل 13من قانون الوظيفة العمومية.
العقوبات التأديبية المخلة بمبدأ تزامن القرار اإلداري مع تعليله والذي يفرض
5
تضمين القرار األسباب التي أملت إتخاذه في صلبه في نفس تاريخ صدوره.
االستدالل بالحبج (شهادة الشهود) ألول مرة امام القضاء وليس امام المجلس
التأديبي لضمان مناقشتها من طرف الموظف المتابع تأديبيا في اطار احترام حقوق الدفاع
6
الذي يعتبر المجلس التأديبي بتركبته المتساوية األعضاء اهم ضمانة لتلك الحقوق.
العقوبات التأديبية المخلة بالضمانات التأديبية ذلك ان حق الدفاع هو مبدا عام
7
يتوجب تطبيقه ولو حتى في حالة عدم وجود نص تشريعي او تنظيمي يقرره.
وقد ألغى القضاء اإلداري المغربي العديد من العقوبات التأديبية لعدم مراعاتها
للضمانات التأديبية كعدم التمكين من حق الدفاع ،8أو كعدم اإلحالة على المجلس التأديبي
قبل اتخاذ العقوبة ،9أو كعدم توجيه استدعاء للحضور امام المجلس التأديبي ،1او توجيه
1القرار عدد 1113وتاريخ 1139-31-15الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم . 1139/1115/151
2الحكم عدد 3311وتاريخ 1139-11-33الصادر عن المحكمة اإلدارية بوجدة في الملف رقم . 1139/1331/05
3القرار عدد 3113وتاريخ 1113/1/9الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم . 5/19/15
4الحكم عدد 313وتاريخ 3331-31-13الصادر عن إدارية الدار البيضاء في الملف رقم 3331/313غ
5القرار عدد 111وتاريخ 1131-11-11الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش في الملف رقم .1130/1115/3319
6القرار عدد 199وتاريخ 1131-13-11الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم . 5/31/331
7القرار عدد 11وتاريخ 3331-11-31الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري رقم 10533
8الحكم عدد 0111وتاريخ 1131/31/33الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم ، ، 1133/5/513الحكم عدد 111وتاريخ 1131/1/1
الصادر عن ادارية الرباط في الملف رقم 1131/5/013
9الحكم عدد 1331وتاريخ 1139-15-35الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم ، 1131/1331/139الحكم عدد 115
وتاريخ 1131-19-19الصادر عن المحكمة اإلدارية بوجده في الملف رقم . 1131/1331/93
438
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ال يغني عن ضرورة احترام المسطرة االستدعاء بالهاتف للحضور على عجل ،والذي
المتبعة في االستدعاء بشكل قانوني حرصا على مبدا حق الدفاع الواجب االحترام في
أي مسطرة تأديبية ،2او كعدم تسليم االستدعاء للمعني باألمر شخصيا او في موطنه ،3او
ككون المدة الفاصلة بين تاريخ االطالع على الملف التأديبي وتاريخ العرض عليه لم تتجاوز
اليوم الواحد ،وهي مدة جد قصيرة غير كافية إلعداد الدفاع ،وتحضير الوثائق التي ستعتمد
في ذلك 4او كرفض االستجابة لطلب مهلة ألعداد الدفاع المقرونة بظرف انساني كتواجد
والد المتابع تأديبيا على فراش الموت ،5او كعدم إدالء اإلدارة بما يفيد التمتيع بضمانات حق
الدفاع ،6او كاستغناء المجلس التأديبي عن حضور المتابع تأديبيا بدعوى تعذر حضوره
لتواجده بالسجن ، 7او كتوجيه االستدعاء للحضور امام المجلس التأديبي لمحل إقامة المتابع
وليس الى المؤسسة السجنية التي يقضي فيها عقوبة سالبة للحرية ،8او كعدم االستدعاء
بدعوى وجود المتابع تأديبيا بالسجن الن التواجد رهن االعتقال ال يبرر الحرمان من
الضمانات التأديبية ،9او كعدم علم المتابع تأديبيا بالمخالفات المهنية المنسوبة اليه إال حين
مثوله أمام المجلس التأديبي ،10او كعدم استدعاء محامي المتابع تأديبيا ،11او كعدم مناقشة
المخالفة المنسوبة امام المجلس التأديبي ،12او كعدم التمكين من اجل كاف إلعداد الدفاع،13
1الحكم عدد 311وتاريخ 1131-11-11الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم ، 1131-1331-3311الحكم عدد 113وتاريخ -31
1131-10الصادر عن إدارية وجدة في الملف رقم .1131-1331-35
2الحكم عدد 3113وتاريخ 1131-10-33الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم . 1131-1331-3311
3القرار عدد 1131وتاريخ 1133/33/13الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم . 5/31/111
4القرار عدد 1033وتاريخ 1131-11-19الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ، 1131/1115/33الحكم عدد
وتاريخ 1131-13-31الصادر عن إدارية .1131/1331/311
5القرار عدد 1533وتاريخ 1135-11-19الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم . 1130/1115/3311
6القرار عدد 119وتاريخ 1139-11- 11الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم 1131/1115/3133
7القرار عدد 531وتاريخ 1119/10/11الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم 5/11/111
8القرار عدد 311وتاريخ 1113/31/13الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري رقم 1119/3/0/3101
9القرار عدد 0310وتاريخ 1131-33-11الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم . 1131/1115/135
10القرار عدد 1131وتاريخ 1133-33-13الصادر عن محكمة االسشتئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم . 5/31/111
11القرار عدد 1533وتاريخ 1135-11-19الصادر عن محكمة االسشتئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم . 1130/1115/3311
12القرار عدد 119وتاريخ 1139-11-11الصادر عن محكمة االسشتئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ، 1131/1115/3133الحكم عدد
1111/1331/15وتاريخ 1111-11-39الصادر عن إدارية مكناس في الملف رقم .1133/1331/130
13الحكم عدد 1139/1331/0وتاريخ 1139-13-31الصادر عن المحكمة اإلدارية بمكناس في الملف رقم 1131/1331/311
439
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
أو كعدم اإلشارة في االستدعاء من اجل المثول امام المجلس التأديبي الى نوع المخالفة
المنسوبة.1
وتبدر اإلشارة في هذا الصدد الى ان إلغاء القرار التاديبي لعيب شالي – كما هو
الشأن بالنسبة اللغائه لصدوره عن جهة غير مختصة -ال يغ يد اإلدارة وال يسلبها حقها
في اتخاذ ارار آخر خال من هذا العيب.2
يقصد بعيب االنحراف في استعمال السلطة ان تصدر اإلدارة عقوبة تاديبية تدخل
في اطار االختصاصات المخول لها سلطة اتخاذها لتحقيق غرض غير مشروع أو منفعة
غير إدارية بمن صدرت في حقه وهو مايشكل مخالفة لقاعدة تخصيص األهداف باستعمال
المصلحة العامة مطية لتحقيق أغراض أخرى غير هذه المصلحة .
وعبء إثبات اتسام العقوبة التاديبية بعيب االنحراف في استعمال السلطة ملقى على
عات ق طالب اإللغاء الذي يبقى ملزما في عريضة الطعن بإثبات أن العقوبة محل الطعن ال
تستهدف تحقيق المصلحة العامة وانما غاية أخرى تماشيا مع ما استقر عليه عليه القضاء
اإلداري المغربي من أن هذا العيب يجب إقامة الدليل عليه ألنه ال يفترض.3
وعيب االنحراف في استعمال السلطة هو مجرد " وسيلة احتياطية " ال يبحث في
وجودها اذا ثبت وجود عيب اخر شاب العقوبة التاديبية وفق ما استقر على ذلك الفقه
والقضاء اإلداريين ،4وهو ما يفسر قلة االحكام الصادرة عن القضاء اإلداري المغربي التي
قضت بإلغاء العقوبات التاديبية التسامها بهذا العيب ،ومن ذلك على سبيل المثال :
العقوبات التاديبية التي تهدف الى مصادرة الحق في العمل النقابي.5
1القرار عدد 1139وتاريخ 1139-11-11الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم . 1139/1115/011
2القرار عدد 531وتاريخ 3335/33/11الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري رقم . 35/3/5/31
3الحكم عدد 1911وتاريخ 1131/31/11الصادر عن إدارية الدار البيضاء في الملف عدد 1131/1331/31
4الحكم عدد 3913وتاريخ 1131-15-11الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم 1131/1331/111
5الحكم عدد 331وتاريخ 1131-11-13الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم .1131/1331/391
440
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
العقوبات التاديبية التي تقضي بتأديب أحد الموظفين المتورطين في نسج عالقات
مع مروجي المخدرات وبيع الكحول بدون رخصة دون باقي الموظفين المتورطين.2
العقوبات التاديبية التي تعاقب عن مخالفة لم يتم عرضها على المجلس التأديبي
والذي لم يصدر أي اقتراح بشأنها.3
العقوبات التاديبية الصادرة على اثر العرض على المجلس التاديبي الكثر من مرة
واحدة سعيا لتشديد العقوبة.4
العقوبات التاديبية التي ال تتخذها اإلدارة في وقت وزمان معقول وتستحضرها وقت
ما شاءت ووفق رغباتها ومشيئتها وهو الشيء الذي ال يتماشى والغاية التشريعية والتنظيمية
من المنظومة التدبيرية المرتبطة بالعقوبات التاديبية.5
العقوبات التاديبية المبنية على أفعال غير ثابته ،وتحريك المسطرة التاديبية بشأنها
ينم على ان الغاية من ذلك ليس المصلحة العامة وانما االنتقام.6
إ ن المسؤولية التأديبية شأنها شأن المسؤولية الجنائية شخصية لذلك يتعين إلدانة
الموظف ومعاقبته تاديبيا اثبات قيامه بفعل يستوجب التاديب ، 7فالموظف ال يسال اال عن
اخطائه في اطار مبدا شخصية الخطأ وشخصية العقوبة.8
والسبب وفق ما استقر عليه الفقه والقضاء اإلداريين المغربين هو تلك الحالة الواقعية
والقانونية السابقة التي تبرر تدخل اإلدارة في مكان وزمان معين من اجل اتخاذ القرار المالئم
1الحكم عدد 1113وتاريخ 1131-15-10الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم . 1131/1331/015
2الحكم عدد 1130/111وتاريخ 1130-31-15الصادر عن ادارية اكادير في الملف رقم . 1130/1331/111
3الحكم عدد 3111وتاريخ 1133/11/35الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم . 31/5/011
4القرار عدد 1993وتاريخ 1139-19-35الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ، 1139/1115/333الحكم عدد
1051وتاريخ 1131-11-11الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم . 1131-1331-339
5الحكم عدد 130وتاريخ 1131-11-11الصادر عن ادارسة فاس في الملف رقم .1131/1331/33
6الحكم عدد 0111وتاريخ 1133-31-13الصادر عن ادارسة الرباط في الملف رقم .1133/1331/530
7الحكم عدد 01وتاريخ 3335/11/31الصادر عن إدارية مراكش في الملف رقم 3330/11غ .
8القرار عدد 391وتاريخ 1131-13-39الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم . 1135/1115/131
441
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
الذي يمكن من خالله مواجهة تلك الحالة ،وتبعا لذلك فان كل قرار اداري يجب ان يبنى
على سبب مادي وقانوني صحيح ،واال كان فاقدا لركن أساسي يبرر إصداره .
والخطأ المهني باعتباره يشكل ركن السبب في العقوبة يتوجب اثبات ماديته من طرف
اإلدارة كما يتوجب ان تكون االفعال المادية المكونة له قابلة الن يتم تكييفها على انها
أخطاء مهنية.1
وتجدر اإلشارة في هذا الصدد الى ان الوقائع تستقل بتقديرها محكمة الموضوع وال
2
معقب عليها في ذلك من طرف محكمة النقض اال من حيث التعليل
وقد الغى القضاء اإلداري المغربي العديد من العقوبات التاديبية لكونها مشوبة بعيب
السبب ومن ذلك :
3
العقوبات التاديبية المبنية على سبب غير موجود او غير صحيح
4
العقوبات التاديبية المبنية على مجرد القرائن واالحتمال واالفتراض
5
العقوبات التاديبية المبنية على وقائع مادية غير ثابتة
العقوبات التاديبية المبنية على أخطاء لم تدل اإلدارة المعنية بما يثبتها ليتمكن
6
القضاء االداري من مراقبتها وبالتالي التحقق من صحتها
1القرار عدد 3013وتاريخ 1131-11-11الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم . 1131/1115/310
2القرار عدد 3/311وتاريخ 1131-11-10الصادر عن محكمة النقض في الملف رقم . 1135/3/0/1111
3الحكم عدد 1339وتاريخ 1131-13-30الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم ، 1131-1331-113الحكم عدد 1913
وتاريخ 1133-11-31الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم . 1133/1331/01
4الحكم عدد 91وتاريخ 1111/11/31الصادر عن المحكمة اإلدارية بوجدة في الملف رقم 1111/31غ ،الحكم عدد 1311وتاريخ
1133/31/11الصادر عن المحكمة اإلدارية الرباط في الملف رقم . 1131/5/115
5القرار عدد 951وتاريخ 1111/31/31الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري رقم ، 1111/3/0/3359القرار عدد 3011وتاريخ
1119/31/31الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ، 5/11/013القرار عدد 031وتاريخ 1131/11/13الصادر
عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم . 5/19/11
6القرار عدد 5335وتاريخ 1131-31-11الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ،1131/1115/331الحكم عدد
1131/1331/501وتاريخ 1131-13-11الصادر عن المحكمة اإلدارية بمكناس في الملف رقم ، 1131-1331-311الحكم عدد 153
وتاريخ 1139-13-11الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم .1131-1331-3331
442
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
العقوبات التاديبية المبنية على العموم والتجريد واحتمال الصدق و الكذب وليس
1
على الجزم واليقين
2
العقوبات التاديبية المبنية على ارتكاب اخالالت عامة دون تدقيق
العقوبات التاديبية المتخذة بحق المسؤولين المخلين بمهام المسؤولية اما بسبب
عدم قدرتهم على تتبع اعمال المرؤوسين وضبطها او بسبب عدم الرضى عن تدبيرهم للمرفق
المسند اليهم ،وذلك لكون هذه االخالالت تتصل أساسا بما اسند لهم من مهام اإلدارة ،وانه
وان كانت تعطي الحق من حيث المبدأ في االعفاء من هذه المسؤولية ،فال يمكن اعتمادها
سببا للمؤاخذة التاديبية.3
العقوبات التاديبية المبنية على مجرد القرائن غير المنضبطة والتي ال تسمح بالقول
بثبوت المخالفة التاديبية.4
العقوبات التاديبية المبنية على اسباب ال تقوم على أساس من الواقع او تم تكييف
بعضها تكييفا غير صحيح.6
العقوبات التأديبية المبنية على افعال تمت تبرئة المتابع منها من طرف القضاء
7
الزجري بحكم حائز لقوة الشيء المقضي به.
1القرار عدد 131وتاريخ 1111/11/19الصادر عن محكمة النقض في الملف االداري رقم ، 33/3/0/3015القرار عدد 1191وتاريخ -11
1131-31الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ،1131/1115/131القرار عدد 3131وتاريخ 1133-31-31
الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش في الملف رقم .1133/1115/3151
2الحكم عدد 311وتاريخ 1131-13-31الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم .1131-1331-303
3القرار عدد 1131وتاريخ 1130-15-33الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ، 5/31/101الحكم عدد 3910
وتاريخ 1131-15-11الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم ، 1131-1331-331الحكم عدد 1339وتاريخ -11-11
1131الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم . 1131-1331-111
4الحكم عدد 5113وتاريخ 1131-33-19الصادر عن المحكمة اإلدارية الرباط في الملف رقم . 1131-1331-111
5الحكم عدد 1501وتاريخ 1133-11-10الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم . 1133/1331/301
6الحكم عدد 1139/1331/0وتاريخ 1139-13-31الصادر عن المحكمة اإلدارية بمكناس في الملف رقم .1131-1331-311
رقم ، 1119/1/0/151الحكم عدد 7القرار عدد 131وتاريخ 1113/31/11الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري
1139/1331/113وتاريخ 31-31-1139الصادر عن المحكمة اإلدارية بمكناس في الملف رقم . 1139/1331/131
443
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ومرد ذلك عائد الى انه وان كان األصل العام هو استقالل المسؤولية الجنائية عن
المسؤولية التأديبية فان ثمة استثناءات من بينها صدور حكم نهائي بالبراءة النتفاء الواقعة
المنسوبة للموظف ،إذ في هذه الحالة ال يمكن لإلدارة أن تؤسس المتابعة التأديبية على ذات
الواقعة التي ثبت للقضاء الزجري عدم قيامها لما في ذلك من هدر لقوة الشيء المقضي به.1
فاألحكام التي حازت قوة الشيء المقضي به تكون حجة فيما فصلت فيه من الحقوق
أو المراكز القانونية وعنوانا للحقيقة فيما قضت به ،ومن تم ال يجوز مساءلة الموظف تأديبيا
عن أفعال تناولها القضاء الزجري بالبت والمناقشة وانتهى إلى عدم ثبوتها.2
ولذلك فان سلطة اإلدارة في تحريك المتابعة التأديبية تكون مقيدة بحدود الوقائع الثابتة
التي انتهى إليها القضاء الزجري ،واذا كان مبدأ استقالل المتابعة التأديبية عن المتابعة
الزجرية يسمح لها بتحريك آليات التأديب متى أمكن تكييف الوقائع في اتجاه استخراج
مخالفات إدارية وإخضاعها للعقاب ،فإن ذلك مشروط بعدم تجاوز الحقائق والوقائع الثابتة
بموجب األحكام القضائية الزجرية النهائية.3
وال يمكن التذرع بكون وسائل اإلثبات واالدلة في الميدان الجنائي تختلف عنها في
الميدان التأديبي ،إلنه حينما تكون األفعال التي توبع من اجلها الموظف جنائيا هي نفسها
التي توبع من اجلها تأديبيا ،فإن الحكم النهائي الحائز لقوة الشيء المقضي به القاضي
ببراءته ،يقتضي من اإلدارة وضع حد ألي متابعة تأديبية فباألحرى إصدار عقوبة تاديبية في
حقه.4
وقد ثار خالف في القضاء اإلداري المغربي بشأن إمكانية تحريك المتابعة التاديبية في
حق موظف عن قيامه بفعل جرمي رغم عدم تحريك المتابعة الزجرية في حقه.
1القرار عدد 51وتاريخ 1133/31/31الصادر عن محكمة النقض في الملف االداري رقم .1119/1/0/111
2القرار عدد 3313وتاريخ 1111/11/11الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري رقم .1111/3/0/301
3الحكم عدد 3151وتاريخ 1111/11/31الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم 11/191غ.
4القرار عدد 511وتاريخ 1119/10/11الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ، 5/11/359القرار عدد 111وتاريخ
1113/11/10الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري رقم ،1119/3/0/119القرار عدد 199و تاريخ 3333/13/11الصادر عن
محكمة النقض في الملف اإلداري رقم ، 3331/31351القرار عدد 3111وتاريخ 3339/33/11الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري
رقم ، 3331/3/5/1111القرار عدد 131وتاريخ 1113/31/11الصادر عن محكمة النقض في الملف رقم . 1119/1/0/151
444
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وهكذا فقد ذهبت الغرفة اإلدارية بالمجلس األعلى (محكمة النقض حاليا) في أحد
ق ارراتها الى ان اإلدارة وان لم تتابع الموظف جنائيا فإن من حقها رغم ذلك تحريك المسطرة
اإلدارية في حقه.1
وفي نفس السياق ذهبت إدارية الرباط في احد احكامها الى ان التكييف القانوني
للوقائع الذي انتهت إليه اإلدارة غير سليم ذلك أنه إذا كان من المقرر قانونا في قيام جريمة
الرشوة ضرورة توافر أركانها ،ومن بينها الركن المادي الذي هو عبارة عن قيام الموظف
بطلب ،أو قبول عرض أو وعد أو تسلم هبة أو أية فائدة كيفما كان جنسها ونوعها من
صاحب الحاجة ليؤدي له عمال أو امتناعا ضمن اختصاصاته الشخصية فان هذا الركن
يبقى غير قائم في نازلة الحال وبالتالي تنعدم المخالفة المنسوبة للمتابع تاديبيا.2
وهذا الموقف يصطدم مع كون المخالفة التاديبية هي تابعة للمخالفة الجنائية وتدور
معها وجودا وعدما ،وتبعا لذلك ال يمكن متابعة موظف عمومي تاديبيا من اجل ارتكابه فعال
ذو طابع جرمي الن امر التثبت من وقوعه يعود للقضاء الزجري .
وفي هذا الصدد فقد ذهبت إدارية الرباط في أحد احكامها الى ان إقدام سلطة التسمية
على اتخاذ العقوبة التأديبية بشأن فعل جرمي والجزم بثبوته اعتقادا منها باستقالل المخالفة
االدارية عن المخالفة الزجرية فيه استباق لسلطة القضاء الزجري واغتصابا لها.3
وذهبت في حكم اخر الى أن مباشرة القاضي اإلداري لرقابته على الوجود المادي للفعل
الجرمي تحتم عليه التطرق إلى العناصر المكونة للجريمة ،والحال أن ذلك يخرج عن
اختصاصه وفيه مساس باختصاص المحاكم الزجرية 4وفي حكم اخر الى انه اذا كان
موضوع المتابعة التأديبية متصل بفعل جرمي فان امر البت في مدى ثبوتيته ال يمكن
1القرار عدد 11وتاريخ 33مايو 3311الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري رقم .11131
2الحكم عدد 01وتاريخ 3330/13/33الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم 3330/1غ .
3الحكم عدد 3301وتاريخ 1111/13/30الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم . 1115/111
4الحكم عدد 019وتاريخ 1131/11/31الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم 19/191غ
445
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
تحققه اال في حالة متابعة الموظف امام القضاء الزجري وادانته بمقتضى حكم قضائي
حائز لقوة الشيء المقضي به.1
كما ذهبت محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في احد ق ارراتها الى ان التسجيل
الصوتي وكذا الشكاية الالحقة عليه هي وثائق ال يمكن اعتمادها في اثبات واقعة تلقي
الرشوة في غياب وجود اية وثيقة رسمية صادرة من السلطات الضبطية والقضائية المختصة
تفيد ارتكاب هذا الفعل الجرمي الن القرص المدمج تم تسجيله بدون الحصول على اذن من
السلطات المختصة او إحالة الشكاية والقرص عليها من اجل التأكد من صحة الوقائع
المضمنة بها.2
كما ثار خالف في القضاء اإلداري المغربي أيضا بشأن إمكانية متابعة الموظف
العمومي المحال على المعاش تاديبيا من عدمه.
وهكذا فقد ذهبت إدارية الرباط في أحد احكامها الى انه يمكن متابعة الموظف العمومي
تاديبيا ولو بعد احالته على المعاش عن أخطاء ارتكبها ،وهو في وضعية القيام بالوظيفة
وقبل ان يبلغ سن اإلحالة على المعاش.3
في حين ذهبت محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في أحد ق ارراتها الى ان صيرورة
العقوبة الجنائية نهائية في وقت بلغ فيه الموظف سن اإلحالة على التقاعد يفيد أن الرابطة
القانونية بينه وبين إدارته قد انتفت بقوة القانون بعد بلوغه هذه السن وبالتالي ال يمكن لإلدارة
أن تصدر عقوبة تأديبية في حقه.4
ويقصد بعيب مخالفة القانون مخالفة كل قاعدة قانونية يجب على اإلدارة احترامها ،وقد
قضى القضاء اإلداري المغربي بالغاء بعض العقوبات التاديبية الصادرة خالفا ألحكام
القانون ومن ذلك على سبيل المثال:
1الحكم عدد 1101وتاريخ 1135-11-11الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم .1135/1331/391
2القرار عدد 1193وتاريخ 1131-31-11الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم 1131/1115/115
3الحكم عدد 1113وتاريخ 1113/31/11الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم 1119/133غ .
4القرار عدد 3115وتاريخ 1113-15-31الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم . 5/19/39
446
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
1القرار عدد 111وتاريخ 1119/11/11الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ، 5/11/301القرار عدد 113وتاريخ
1113/10/11الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ، 5/13/31الحكم عدد 5/1133/335وتاريخ 1133/1/10
الصادر عن المحكمة اإلدارية بمكناس في الملف رقم ، 5/1131/19الحكم عدد 301وتاريخ 1133/11/11الصادر عن ادارية فاس في
الملف رقم . 1131/5/93
2القرار عدد 051وتاريخ 1113/11/13الصادر عن محكمة النقض في الملف االداري رقم . 1111/3/0/311
3القرار عدد 0311وتاريخ 1131-33-19الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ، 1131/1115/511القرار عدد
1391وتاريخ 1139-31-13الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية في الملف رقم .1139/1115/091
4القرار عدد 1131وتاريخ 1133-11-13الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم 1133/1115/391الذي ضم له
الملف رقم ، 1133/1115/391الحكم عدد 1131/1331/110وتاريخ 1131-11-11الصادر عن إدارية مكناس في الملف رقم -10
1131-1331
5الحكم عدد 0010وتاريخ 1135-31-11الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم .1135/1331/101
6الحكم عدد 3105وتاريخ 1131-10-19الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم . 1131-1331-011
7القرار عدد 5131وتاريخ 33-31-1139الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ، 1139/1115/3101الحكم عدد
1131/130وتاريخ 1131-11-11الصادر عن المحكمة اإلدارية بفاس في الملف رقم ، 1131/1331/33القرار عدد 0351وتاريخ -31
1139-33الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ، 1139/1115/150الحكم عدد 111وتاريخ 1139-13-31
الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم .1131/1331/3311
447
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وجدير بالذكر في هذا الصدد ان القضاء اإلداري المغربي قد اعتبر بان محضر
االستماع ال يقوم مقام االستفسار اذ ان االستفسار المقصود من طرف المشرع يجب ان
يكون كتابة ويتم توجيهه للموظف المعني باالمر ويتوصل به ،ويمنح له اجل لتقديم
اإليضاحات الالزمة والمؤيدات الداعمة لموقفه وذلك احتراما لحق الموظف في الدفاع عن
نفسه بخصوص المتابعة التأديبية المفتوحة في حقه.1
إذا كانت المادة 11من القانون رقم 3.59.119الصادر بتاريخ 10فبراير 3359
بشأن النظام األساسي للوظيفة العمومية قد حددت العقوبات التأديبية المطبقة على الموظفين
حسب تزايد الخطورة بدءا باإلنذار وانتهاء بالعزل مع توقيف الحق في التقاعد.
واذا كان لسلطة التسمية سلطة تقدير المخالفة التأديبية وما يناسبها من جزاء ،وان لها
ان تتخذ في حق الموظف المخالف عقوبة تأديبية ولو حتى في حالة وجود اقتراح من
المجلس التأديبي باألوجه للمتابعة.3
إال أن مناط مشروعية هذه السلطة شأنها في ذلك شأن أية سلطة تقديرية أخرى ،أال
يشوب استعمالها غلو في التقدير.
ولذلك فقد درج العمل القضائي االداري المغربي على الحكم بعدم مشروعية العقوبة
التأديبية متى بدا له عدم تناسبها مع درجة وخطورة الفعل المرتكب متجاو از بذلك رقابة
1الحكم عدد 991وتاريخ 1133-10-31الصادر عن المحكمة اإلدارية بوجدة في الملف رقم . 1133-1331-11
2الحكم عدد 3111وتاريخ 1131-31-11الصادر عن المحكمة اإلدارية فاس في الملف رقم . 1131-1331-391
3القرار عدد 151وتاريخ 1111-10-15الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري رقم ، 1115/3/0/3311القرار عدد 313وتاريخ
1133-11-33الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم .1139/1115/3131
448
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
المشروعية الداخلية والخارجية للعقوبة التأديبية الى تطوير أسلوب رقابة جديد يفحص
الى جانب الشرعية الداخلية والخارجية المالءمة بين المخالفة التأديبية والعقوبة التأديبية ،واذا
ظهر له وجود قدر من عدم التناسب البين بان كانت العقوبة المطبقة ال تتناسب بشكل جلي
وواضح مع خطورة الفعل المرتكب وانها تتسم بالغلو في التقدير ،وذلك لكون المشرع وان قام
بالتنصيص على عدد من العقوبات فإنما قصد أن تختار السلطة التأديبية من بينها ما
يناسب ويالئم المخالفة المرتكبة ،ودون غلو في ذلك.1
وهكذا فقد اعتبر القضاء اإلداري المغربي بان عقوبة العزل التي هي اشد عقوبة
تأديبية يمكن ان يتعرض لها الموظف العمومي لما تؤدي اليه من الحذف من اسالك اإلدارة
وفقدان مورد العيش ال تتناسب مع بعض المخالفات التأديبية ،كسوء التفاهم والمشادة
الكالمية بين المرؤوس والرئيس ،2أو كعدم تبليغ الموظف اإلدارة التي ينتمي إليها بوقائع
وصلت إلى علمه تضر بمصلحة المرفق العمومي الذي ينتمي إليه ،3او كتقطيع لجام
حصان ،4أو كالنزول من سيارة المصلحة مع ترك مفتاح التشغيل بها إضافة إلى الجهاز
الالسلكي ،5أو كإهانة زميلة في العمل ،6أو كاالهمال مع ثبوت سرقة لوازم العمل ،7أو
كمغادرة مقر العمل لفترة محددة وبدون إذن مسبق ،8أو كعدم ابراز اإلدارة وجه انعدام
االستقامة والقدوة الحسنة والمروءة والثقة واالبتعاد عن الممارسات المشبوهة واالستهتار
بالواجب المهني ،9او كارتكاب أفعال مخالفة لصفات الوقار واالستقامة وحسن السلوك التي
ينبغي أن يتحلى بها كل موظف عمومي خارج إطار العمل و ليس أثناء القيام به ،10او
كالتقصير غير المتعمد في مراقبة المرؤوسين ،11او كالتقاعس في إنجاز األشغال والتغيب
1القرار عدد 1135وتاريخ 1139-11-10الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ، 1139/1115/111الحكم عدد
913وتاريخ 1133-11-15الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم . 1139/1331/339
2القرار عدد 111وتاريخ 1111/31/11الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش في الملف رقم . 3-11/5/115
3الحكم عدد 1113وتاريخ 1113/31/11الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم 1119/133غ
4الحكم عدد 311وتاريخ 1111/31/11الصادر عن المحكمة اإلدارية بمراكش في الملف رقم 1111/1/339غ .
5القرار عدد 1153وتاريخ 1133/15/11الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم . 15/31/019
6الحكم عدد 01وتاريخ 1111/15/31الصادر عن المحكمة اإلدارية بمراكش في الملف رقم . 1111/1/300
7الحكم عدد 3وتاريخ 1111/3/31الصادر عن المحكمة اإلدارية بمراكش في الملف رقم . 1111/1/01
8القرار عدد 3111وتاريخ 3339/33/11الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري رقم . 3331/3/5/1111
9القرار عدد 131وتاريخ 1113/11/39الصادر عن محكمة النقض في الملف االداري رقم . 1111/3/0/1131
10الحكم عدد 990و تاريخ 3339/31/13الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم 3331/3139غ
11الحكم عدد 999وتاريخ 1111/1/11الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم 1113/3303غ .
449
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
بدون عذر أو إذن وعدم مالزمة المكتب ،واستقبال العموم واستعمال الهاتف المحمول
والجواب عن استفسار بالبريد المضمون ،1او كشبهة التعامل مع احد السجناء ،2او كالشجار
العادي لرجل امن مع احد سائقي الطاكسيات.3
كما اعتبر القضاء اإلداري المغربي بان اإلحالة الحتمية على التقاعد ال تتناسب مع
عدم اثبات االدارة األفعال التي تنسبها للموظف باستثناء بعض التغيبات برسم احد الشهور.4
واعتبر أيضا بان عقوبة الحذف من الئحة التراي ال تتناسب مع التغيب عن العمل
بدون اذن سابق في احد األيام.5
خاتمة
لقد ابانت االحكام المرتكز عليها في هذه الدراسة وعددها ( ،)159بان القضاء اإلداري
المغربي لعب دو ار مهما في المسؤولية التأديبية للموظف العمومي سواء فيما يتعلق بتحديد
مفهوم المخالفة التأديبية ،او وسائل اثباتها ،او مراقبة شرعيتها الداخلية والخارجية ،إضافة
الى مالءمتها للمخالفة التأديبية.
كما ابانت هذه االحكام بان السلطة التأديبية ترتكب هفوات في تدبير المسطرة التأديبية
مما يؤدي الى خسارة العديد من الطعون باإللغاء المرفوعة امام المحاكم االدارية من طرف
الموظفين ضد هذه العقوبات مما ينعكس سلبا على سمعة السلطة التأديبية واإلدارة بصورة
عامة ،إضافة الى كلفتها المالية التي ال يستهان بها.
وللحد من ذلك فمن الالزم سن سياسة للتكوين المستمر لألجهزة اإلدارية المشرفة على
المسطرة التأديبية تأخذ بعين االعتبار ما انتهى اليه القضاء اإلداري المغربي في احكامه،
وتفعيل المحاسبة عن األخطاء المرتكبة من طرفها عمال بأحكام الفصل 350من الدستور
المغربي.
1الحكم عدد 91وتاريخ 1111/11/15الصادر عن إدارية الدار البيضاء في الملف رقم 1111/119غ.
2الحكم عدد 111وتاريخ 1130/13/13الصادر عن ادارية الرباط في الملف رقم . 1131/5/113
3الحكم عدد 3131وتاريخ 1131-10-15الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم .1135/1331/111
4القرار عدد 1131وتاريخ 1131/1/0الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم 5/31/35
5الحكم عدد 1113/111وتاريخ 1113/15/11الصادر عن إدارية اكادير في الملف رقم 1119/391غ.
450
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
تقوم مالية الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية والشركات العامة التي
تجري عليها المراقبة المالية على نظام المحاسبة العمومية 1التي تنبني على أساسين األول
يتعلق بجانب النفقات والثاني بجانب التحصيل.2
وإذا كان نظام المحاسبة العمومية أداة لتتبع العمليات المالية المنجزة على مستوى كل
مؤسسة في إطار تدبير ميزانيتها ومصد ار للمعلومات التي تساعد في تقييم مواردها
والتزاماتها ورصد التغيرات التي تط أر على هذه الموارد وااللتزامات ،فإن المحاسب العمومي
هو المحرك الرئيسي لهذه المنظومة باعتباره الجهة المسؤولة عن تطبيق األنظمة القانونية
الجاري بها العمل في هذا المجال.
ولضبط مجاالت تدخالت المحاسب العمومي في تدبير مالية الهيئات العمومية ،فقد
لجأ المشرع إلى وضع إطار قانوني لمراقبتها 3من جهة ،ولتنظيم مسؤولية المحاسب
العمومي الشخصية والمالية بصفته تلك 4من جهة ثانية ،فضال عن المسؤولية التي يمكن
أن يتعرض لها أي موظف في مساره المهني.
1المرسوم رقم 66-330-الصادر بتاريخ 10محرم 13(3191أبريل ) 1967بسن نظام المحاسبة العمومية كما تم تغييره وتعديله والمرسوم رقم
451-17-2صادر بتاريخ 4ربيع األول 11( 3013نونبر )1131بسن نظام للمحاسبة العمومية للجماعات ومؤسسات التعاون بين الجماعات.
2القانون رقم 35-31المتعلق بمدونة تحصيل الديون العمومية.
3المرسوم رقم 1-11-3115المتعلق بمراقبة نفقات الدولة.
4القانون رقم 13-33المتعلق بتحديد مسؤولية اآلمرين بالصرف والمراقبين والمحاسبين العموميين الذي تم تنفيذه بالظهير الشريق رقم 3-11-15
الصادر في 1أبريل 1111كما تم تعديله وتغييره.
451
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وإذا كانت االختصاصات المسندة إلى المحاسب العمومي تعتبر من بين المهام
اإلدارية التي تخضع للمراقبة اإلدارية من طرف الجهاز الذي ينتمي إليه ،فإن المشرع
وضمانا للتطبيق السليم لألنظمة المالية التي تعتبر من بين أهم الشرايين التي يقوم عليها
اقتصاد الدول ة وتحقيق التوازنات المالية ،فقد كان البد من إيجاد جهاز قضائي يتولى مراقبة
التطبيق السليم لألنظمة المالية التي يتولى المحاسبون العموميون تدبيرها وهو ما تجسد في
المجلس األعلى للحسابات.1
ونظ ار لما لهذا المجال من أهمية وسعيا من المشرع لتحقيق الشفافية في مجال تدبير
المالية العمومية ،فقد لجأ إلى االرتقاء بالمبادئ التي تحكمها إلى مبادئ دستورية في إطار
مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة مع جعل المجلس األعلى للحسابات كرقابة عليا في هذا
المجال يتولى التحقق من سالمة العمليات المتعلقة بمداخيل ونفقات األجهزة الخاضعة
لرقابته بمقتضى القانون ،ويقيم كيفية قيامها بتدبير شؤونها ،ويعاقب عند االقتضاء على
كل إخالل بالقواعد السارية على العمليات المذكورة.
وتأسيسا على ما سبق ،فإن الطبيعة القانونية لمسؤولية المحاسب العمومي إما أن
تكون مسؤولية مدنية أو تأديبية أو جنائية حسبما تنص عليه المادة األولى من القانون رقم
99-61أو شخصية ومالية وفق الفصول 5و 1من نفس القانون.
وبما أن تدخل المحاسب العمومي يشمل جميع المجاالت التي يتم بموجبها تنفيذ
ميزانية الدولة أو الجماعات الترابية أو المؤسسات العمومية التي نص قانونها على تطبيق
مقتضيات القانون رقم 31-35بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية ،فإن موضوعنا هذا
ٍ
عرض للنظام القانوني لمسؤولية المحاسب العمومي الشخصية والمالية سيقتصر فقط على
وذلك من خالل تحديد اإلطار القانوني المنظم لهذه المسؤولية في نقطة أولى ،على أن
نتطرق لنطاقها في نقطة ثانية ثم نختم هذه الدراسة بتحديد اإلجراءات التي نص عليها
المشرع للتخفيف من هذه المسؤولية في نقطة ثالثة.
1ظهير شريف رقم 3-11-310صادر في فاتح ربيع اآلخر 31( 3011يونيو )1111بتنفيذ القانون رقم 11-33المتعلق بمدونة المحاكم
ج ر عدد 5111بتاريخ .1111/11/33 المالية.
452
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وهذا التعريف ضمنه في عدة نصوص قانونية مرتبطة بمهام المحاسب العمومية من
حيث الصياغة ومن حيث المضمون .1
وقد حدد المشرع أصناف المحاسبين العمومين من خالل المادة 3من القانون رقم
15-97بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية إذ نصت على ما يلي:
1الفصل 1من المرسوم رقم 11-111بسن نظام المحاسبة العمومية لسنة 3311كما تم تغييره وتعديله؛
ويعتبر المحاسب العمومي كل موظف أو عون مؤهل للقيام باسم منظمة عمومية بعمليات المداخل أو النفقات او تناول السندات إما بواسطة أموال
وقيم معهود إليه بها وإما بتحويل داخلي لحسابات وإما بواسطة محاسبين عموميين آخرين أو حسابات خارجية للموفرات التي يأمر بترويجه أو
مراقبتها".
الفصل 33من المرسوم رقم 1-31-053بسن نظام المحاسبة العمومية للجماعات ومؤسسات التعاون بين الجماعات الصادر بتاريخ 11نونبر
.1131يراد في مدلول هذا المرسوم بالمحاسب العمومي للجماعات أو لمؤسسة من مؤسسات التعاون بين الجماعات ،كل موظف أو عون مؤهل
لتنفيذ عمليات المداخيل أو النفقات لحساب هذه الهيئات أو التصرف في السندات إما بواسطة أموال وقيم يتولى حراستها وإما بتحويل داخلي
لحسابها وإما بواسطة محاسب عمومي آخر أو حسابات خارجية لألموال المتوفرة والتي يأمر أو يراقب حركاتها" .
453
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وبما أن مجال صالحيات المحاسب العمومي مرتبطة بتدبير المال العام الذي يعتبر
ملكا للمجتمع ،فإن المشرع ومن أجل الحفاظ عليه وصرفه على الوجه المشروع ،فقد أحاطه
بمجموعة من الضوابط تحكم جميع التفاصيل المتعلقة بصرفه وتحصيله .وإثارة المسؤولية
كلما ثبت عدم احترام هذه الضوابط .1
1هذا ،وتجدر اإلشارة إلى أنه ال يجوز معاقبة شخص في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية على أفعال لم تتابعه بسببها النيابة
العامة لدى المجلس األعلى للحسابات وفق ما أكده هذا األخير في ق ارره عدد 1131/11بتاريخ 1131/11/31في القضية 1131/311والقرار
عدد 1131/11بتاريخ 1131/11/31في القضية 1131/333منشورين في مجموعة ق اررات المجلس األعلى للحسابات سنة .1139
2وتجدر اإلشارة إلى أنه فيما يخص التمييز بين المحاسب العمومي ومراقب نفقات الدولة لم تعد لها أية أهمية بعد صدور المرسوم رقم 52 -06-2
الصادر في 14محرم 1427 ( 13فبراير 2006يقضي بإلحاق المراقبة العامة لاللتزام بنفقات الدولة إلى الخزينة العامة للمملكة وبتحويل
اختصاصات المراقب العام لاللتزام بنفقات الدولة إلى الخازن العام للمملكة من جهة ،ولكون المرسوم رقم 1235المتعلق بمراقبة نفقات االلتزام
يتحدث عن المحاسب العمومي سيما منذ سنة 2012تاريخ دخول مقتضيات الفرع الثاني من هذا المرسوم المتعلق بالمراقبة التراتبية حيز التطبيق.
454
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وإذا كانت مقتضيات المادة األولى أعاله قد حددت الجهات المسؤولة والطبيعة
القانونية للمسؤولية التي يتعرضون إليها ،فقد حددت في المادة 6من نفس القانون العمليات
التي يمكن أن تثير مسؤولية المحاسب العمومي في حدود االختصاصات المسندة إليه
بمقتضى النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل وذلك من خالل:
كما أنه بمقتضى المادة 5من نفس القانون يعتبر األعوان المحاسبون للمؤسسات
والمقاوالت العمومية الخاضعة للمراقبة المالية للدولة مسؤولين شخصيا وماليا عن أعمال
المراقبة المقررة صراحة في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل أو في
التعليمات الخاصة الصادرة عن وزير المالية والتي يمارسونها على الق اررات التي أشروا
عليها ،وذلك قصد التأكد مما يلي:
455
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
يتعين عليهم فضال عن ذلك وعند االقتضاء التأكد من اإلدالء بأمر تسخير صادر
بكيفية مشروعة عن إدارة الهيئة المعنية.
وقد حددت المادة 18من المرسوم رقم 1235 -07-2المتعلق بمراقبة نفقات الدولة
مجال مسؤولية المحاسب العمومي في مراقبة صحة ومطابقة نفقات الدولة للقوانين الجاري
بها العمل في إطار تنزيل مقتضيات القوانين المالية وميزانية مصالح الدولة المسيرة بطريقة
مستقلة وعند االقتضاء برامج استعمال الحسابات الخصوصية للخزينة فيما يلي:
1تجدر اإلشارة إلى أن السيد وزير االقتصاد والمالية واصالح اإلدارة أصدر ق اررات تحدد قائمة هذه الوثائق يتم تعديلها أو تغييرها كلما دعت
الضرورة إلى ذلك وهي ،القرار عدد 738-18بتاريخ 23من جمادى اآلخرة 31( ،3013مارس )2018والقرار عدد 39-1519صادر بتاريخ
1133-1-1بتحديد قائمة الوثائق والمستندات المثبتة لمقترحات االلتزام وأداء نفقات الدولة الخاصة بالمعدات والخدمات .والقرار عدد 39-1130
صادر في 3نونبر 1139بتحديد قائمة الوثائق والمستندات المثبتة بمداخيل الدولة.
456
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وال يجوز ،في أية حالة من الحاالت ،للمحاسب العمومي أن يقوم أو يعيد
القيام بمراقبة مشروعية النفقة في مرحلة األداء".
ويتعرض المحاسب العمومي وكذا كل موظف أو عون يوجد تحت إمرته أو يعمل
لحسابه للعقوبات المنصوص عليها في مدونة المحاكم المالية عمال بمقتضيات المادة 51
من نفس القانون.
وإذا كان المشرع في مختلف النصوص السالف الذكر لم يتعرض فيها لتعريف
المسؤولية الشخصية والمالية للمحاسب العمومي ،فإنه حدد مجالها من خالل مقتضيات
المادة 1من القانون رقم 33-13والمادة 9من المرسوم رقم المرسوم رقم1235 -07-2
السالفي الذكر ،والذي يستنتج منهما أن هذه المسؤولية تتعلق بكل حالة تبوث نقص في
األموال كلف بتدبيرها لفائدة هيئة من الهيئات المنصوص عليها في المادة األولى من
القانون رقم 33-31السالف الذكر.
"يجوز لوزير المالية بناء على المعاينات التي تمت خالل أعمال المراقبة المسندة إليه
بمقتضى النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل ،أن يقرر في حالة ثبوت
مسؤولية المحاسب العمومي بأن هذا األخير مدين بمبلغ العجز الحاصل في الصندوق ،أو
الخصاص في القيم ،أو بمبلغ الدين العمومي الذي أغفل تحصيله ،أو بمبلغ النفقة العمومية
المسدد بصفة غير قانونية وذلك بصرف النظر عن اختصاصات المجلس األعلى
والمجالس الجهوية للحسابات في ميدان التحقق والبت في الحسابات المقدمة من طرف
المحاسبين العموميين.
457
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
تبلغ نسخة من المقرر المذكور إلى مجلس الحسابات المختص داخل أجل ثالثين
) (30يوما.
غير أنه يجوز لوزير المالية ،بناء على طلب المحاسب المذكور ،أن يأمر بتأجيل
استيفاء المبالغ المستحقة عليه في حالة طلب اإلعفاء من المسؤولية أو طلب إبراء الذمة
على وجه اإلحسان.
وقد نتجت المسؤولية الشخصية والمالية للمحاسب العمومي من مبدأ الفصل بين
اآلمر بالصرف والمحاسب ،حيث أسندت األنظمة المحاسبتية والمالية لهذا األخير مهمة
تنفيذ الميزانية ،من تحصيل في باب االيرادات والدفع أو األداء في باب النفقات وهو
موكول إليه التحقق من مشروعية العمليات المرتبطة بهذه العمليتين تحت مسؤوليته
الشخصية وتحت مسؤولية تابعيه وحتى مسؤولية المحاسب الفعلي متى ثبت أنه على علم
بذلك وتستر عليه.
وبما أن المراقبة التي يخضع لها المحاسب العمومي في هذا المجال تتجلى في
مالحظة ما إذا كانت هناك مخالفة لضابط من الضوابط المنصوص عليه في المحاسبة
العمومية أو وجود عجز في األموال الموضوعة تحت تصرفه .فالمالحظ أن الضوابط
المالية والمحاسبتية تعتمد في تحديد المسؤولية الشخصية والمالية للمحاسب العمومي على
المعيار الموضوعي ،فترك عملية التحصيل تسقط بالتقادم أو الترخيص بأداء نفقة على
وجه غير صحيح ...دليل على ارتكابه هو أو أحد األشخاص التابعين له لمخالفة لألنظمة
القانونية التي يعمل بموجبها ،وال يمكن له أن يدفع هذه المسؤولية بأي مبرر أو ظرف
كيفما كان نوعه.
فالمحاسب العمومي مسؤول مسؤولية شخصية ومالية عن العمليات التي يقوم بها
شخصيا وتلك التي يقوم بها األشخاص التابعين له أو الذين يعملون تحت امرأته ،في إطار
458
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
مقتضيات المادة 4و 5و 6من القانون رقم 99-61بشأن تحديد مجال المسؤولية
الشخصية للمحاسب العمومي في اآلتي:1
تحصيل اإلرادات المعهود إليه بقبضها وفق االجراءات القانونية الجاري بها العمل؛
دفع النفقات بعد التثبت من مشروعيتها وذلك بالتأكد من العمل المنجز أو وجود
التأشيرة المسبقة أو التقيد بقواعد التقادم والسقوط والطابع اإلبرائي للتسديد؛
األداء بالوثائق والمستندات المثبتة للنفقة والمنصوص عليها في القوائم المعدة من
طرف الوزير المكلف بالمالية ،بما في ذلك تلك التي تحمل اإلشهاد بتنفيذ الخدمة
من طرف اآلمر بالصرف أو اآلمر بالصرف المساعد المؤهل.
بالنسبة لهذا المقتضى ،فإن الوثائق والمستندات الواجب التأكد من صحتها تختلف
باختالف موضوع النفقة ،من مجال تدبير الموارد البشرية أو إبرام وتنفيذ الصفقات أو
2
تدبير الممتلكات ...إلخ .
عدم التأخير باألمر بالصرف في مجال تنفيذ الصفقات العمومية للحيلولة
دون تحمل الهيئة التي يتولى تنفيذ ميزانيتها فوائد التأخير؛3
الحفاظ على الودائع الموجودة تحت تصرفه كاألموال والقيم وغيرها من
األشياء؛
التأكد من أن األوامر بالتسخير صدرت بكيفية مشروعة عن الجهات
المعنية؛
مسك الحسابات عن العمليات التي يقوم بها؛
المحافظة على سندات االثبات ووثائق المحاسبة.
31تجدر اإلشارة إلى أن المادتين 5و 1تم تعديلهما بموجب قانون المالية لسنة 1119الصادر بالجريدة الرسمية عدد 5533بتاريخ
1111/31/13كما تمت إضافة المادة 1مكرر بمقتضى قانون المالية لسنة 1115التي أضافت مسؤولية المحاسب الشخصية عن فوائد التأخير
التي تتحملها الهيئة في حالة ثبت تأخره في اآلمر بالصرف.
2انظر قرار السيد وزير االقتصاد والمالية وإصالح اإلدارة عدد 39/1519صادر بتاريخ 11نونبر 1139ج ر ع 1151بتاريخ
1133./11/11
31
لقد حدد المرسوم المتعلق بفوائد التأخير عدد 1-31-100المدة في 11يوما .منها 05يوم لآلمر بالصرف و 35يوما للمحاسب العمومي
3
ألجل إصدار األمر بصرف النفقة وإال عرض الهيئة المعنية لغرامات التأخير .مع األخذ بعين االعتبار حاالت توقف هذا األجل .
459
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
فعدم تأكد المحاسب العمومي من صحة اإلجراءات القانونية لكل أمر بالنفقة يعد
مخالفة لقواعد االلتزام بالنفقة ،وفي هذا االتجاه صدر عن المجلس األعلى للحسابات القرار
1
عدد 1135/31بتاريخ 39ماي 1135في القضية عدد 1131/313ورد فيه ما يلي:
« وحيث يعتبر ،تبعا لذلك ،التعويض عن التنقل الذي استفاد منه السيد ....برسم
شهر أكتوبر ،1111بمبلغ قدره 1.111011درهم في غياب اإلنجاز الفعلي للخدمة،
غير مستحق بالنسبة للمعني باألمر؛
وحيث إن السيد ....بموافقته على منح التعويض الكيلومتري عن التنقل لفائدة السيد
... ...واصداره األمر بأداء مبلغ هذا التعويض بواسطة الشيك رقم 111190بمبلغ
قدره 1.111011درهم بالرغم من كون المعني باألمر في حالة توقف عن العمل
بسبب االستشفاء يكون قد خالف قواعد التصفية واألمر بأداء نفقات الشركة ومنح
للغير منفعة نقدية غير مبررة« .
يتضح من خالل قرار المجلس األعلى للحسابات أعاله ،أن مسؤولية المحاسب ناتجة
عن عدم تحققه كما تفرضه عليه الضوابط المتعلقة بصرف النفقات العمومية ،من األمر
بااللتزام بالنفقة المتعلق بأمر بالتنقل الذي تضمن معلومات خاطئة بشكل ال يعكس حقيقة
فترة التنقل ،والتي كان فيها المستفيد في حالة االستشفاء ،بمعنى أن هذا االلتزام بهذا الشكل
صادر عن اآلمر بالصرف الذي أسست األنظمة المالية على مسؤوليته لكنها معطلة في
جانب منها إما لعدم وجود نص قانوني إلثارة هذه المسؤولية وذلك لعدم تفعيل مقتضيات
المادة 11من القانون رقم 31-15المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع
القانوني ألعضائها ،أو وجود نص صريح بعدم جواز المتابعة كما هو الشأن بالفصل
51من مدونة المحاكم وهو ما يشكل تحد لتجسيد مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة التي
جاء به دستور 1133والتدبير الجيد للمالية العمومية في إطار اإلصالحات الواردة في
القانون التنظيمي للمالية لسنة . 1135
قررات صادرة عن غرفة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية " ،منشورات المجلس األعلى للحسابات 1139ص .03-09
" ا 1
460
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
هذا ،وقد سبق للمجلس األعلى للحسابات أن قضى بمسؤولية المحاسب العمومي
جراء التأشير على ترقية مستخدم بشركة الدولة بشكل يخالف النظام األساسي ألطر
بمقتضى القرار عدد 1131/15الصادر بتاريخ 1دجنبر ومستخدمي هذه الشركة
.1131
كما قضى بمسؤولية المحاسب جراء أدائه لنفقة خارج األجل المنصوص عليه في
الفصل 31من المرسوم المتعلق بالنظام العام للمحاسبة العمومية ،وقد تم الطعن بالنقض
في هذا القرار أمام محكمة النقض تمسك المحاسب بكون الفصل 31المذكور يتعلق
لتسهيل مهمة المحاسب لحصر حسابات آخر السنة في ظروف باآلمر بالصرف
مالئمة فضال عن ان أداء النفقة لم يرتب أي ضرر ما دام ان الدفع قد تم للدائن بعد
اإلنجاز الفعلي للخدمة ،وقد صدر بشأن هذا الطعن القرار عدد 313بتاريخ
1111/31/31في الملف رقم 1111/3/0/33جاء فيه " لكن حيث إنه عمال بالفصل
31المذكور الذي ينص على أن التاريخ األقصى إلصدار األوامر بالصرف الممكن
التأشير عليه برسم سنة ما ،يحدد في 11دجنبر بخصوص النفقات المتعلقة باألدوات
وفي 15دجنبر بخصوص نفقات الموظفين ،يكون المحاسب الذي اشر على األوامر
بالصرف الصادر بعد هذا التاريخ قد خرق هذا المقتضى وبالتالي يكون قرار المجلس
1
األعلى للحسابات على صواب مما يستوجب معه األمر برفض الطلب".
هذا ،وتجدر اإلشارة إلى أن المحاسب العمومي يمكن أن يدفع المسؤولية في هذا
المجال في حالة إدالئه بأمر كتابي صادر عن رئيسه التسلسلي أو عن أي شخص آخر
مؤهل لهذا الغرض ،حيث تنتقل المسؤولية إلى الجهة التي أصدرت األمر عمال بمقتضيات
المادة 53من القانون رقم 99-62السالف الذكر.
1منشور بالمجلة الدولية لألبحاث الجنائية والحكامة األمنية عدد خاص «حماية المال العام مقاربات متعددة السنة 1133العددان 3و 1الجزء
األول ص .110هذا وتجدر اإلشارة إلى أن المادة 31هذه تم نسخها بالمرسوم رقم 3-11-3111صادر بتاريخ 11ماي 1113تاريخ دخول
المرسوم رقم 3-11-3115المتعلق بمراقبة نفقات الدولة.
461
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
سنوات كاملة تحتسب من تاريخ ارتكاب المخالفة .أو عدم بت المجلس في الحساب داخل
أجل خمس سنوات تسري من التاريخ الذي قدم إليه فيه الحساب.
إال أن المادة المذكورة استثنت األشخاص المذكورين في المدة 52من ذات القانون
وهم أعضاء الحكومة وأعضاء مجلس النواب ومجلس المستشارين عند ما يمارسون مهامهم
بهذه الصفة ،علما أن المجلس غير مختص قضائيا في متابعتهم في مجال التأديب
المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ،وهو ما يؤدي إلى إفراغ مجمل النصوص القانونية
المرتبطة بمجالي النفقات والمداخيل المتعلقة بمسؤولية اآلمر بالصرف من مضمونها وقد
تصبح هذه المنظومة بكاملها غير ذات جدوى وذلك في حالة ما إذا مارس اآلمر
بالصرف حقه في التسخير أو تجاوز التأشيرة دون أن يتعلق رفض المحاسب بعدم وجود
منصب مالي أو عدم كفاية االعتماد.
ففي مثل هذه الحاالت يكون المحاسب كذلك في منأى من المسؤولية بموجب المادة
51من القانون رقم 33-11وكذا في إطار مقتضيات المادة 9من القانون المالي لسنة
1133التي تم بموجبها تعديل المادة 3من القانون رقم 31-11المذكور مما يجعل المبدأ
الدستوري القاضي بربط المسؤولية بالمحاسبة معطل بمقتضى نصوص قانونية يجب أن
تتالءم مع جاء به دستور .1133
ذلك أنه بالرجوع إلى المادة 3من القانون رقم 33-13السالف الذكر لسنة 1111
نجد أنه ينص على ما يلي " :يتعين على المحاسبين العموميين بمجرد استالم مهامهم،
إبرام عقد تأمين بصفة فردية أو جماعية لدى مقاولة تأمين معتمدة ،يضمن خالل مدة
مزاولة مهامهم مسؤوليتهم الشخصية والمالية المشار إليها في المادة 1أعاله؛
462
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
يتم بموجب هذا العقد التأمين عن المخاطر التي قد ينتج عنها ضياع أو اتالف او
سرقة األموال والقيم المعهود إليهم بحراستها أو ثبوت عجز في حساباتهم أو التصريح
بمديونيتهم.
يتحمل المحاسبون العموميين أقساط التأمين السنوية ،وتسلم لهم شهادة تأمين يتم
االدالء بها للمحكمة المالية المختصة.
تحدد بنص تنظيمي التدابير المتعلقة بتطبيق هذه المادة خصوصا الحدود الدنيا
للمبالغ الواجب التأمين عنها حسب طبيعة المخاطر وفئات المحاسبين العموميين".
وأمام استحالة تطبيق مقتضيات المادة 3المذكورة أعاله ،لكونها تحمل المحاسب
العمومي األقساط السنوية للتأمين عن مسؤوليته الشخصية والمالية التي قد تثار في
مواجهته أثناء م مارسته لمهامه ،فقد لجأ المشرع إلى نسخ هذه المادة 1وتعويضها
باألحكام المادة 9من قانون المالية لسنة 1133التي جاء فيه ما يلي:
" المادة :3يتعين على اإلدارات والهيئات العمومية وبمجرد استالم المحاسبين
العموميين لمهامهم إبرام عقد تأمين على نفقتها لفائدة المحاسبين العموميين الذين ينتمون
إليها لدى مقاولة تأمين معتمدة يضمن خالل مدة مزاولة مهامه مسؤوليتهم الشخصية
والمالية المشار إليها في المادة 1أعاله (الباقي بدون تغيير).
هذا ،وتجدر اإلشارة إلى اإلدارة ،وإلبرام عقود التأمين لفائدة المحاسبين العموميين فقد
لجأت إلى استصدار قرار عن وزير االقتصاد والمالية رقم 0-0031بتتميم الئحة األعمال
الممكن أن تكون موضوع عقود أو اتفاقات خاضعة للقانون العادي الواردة في الملحق رقم
3بالمرسوم رقم 1-31-103المتعلق بالصفقات العمومية 2يتعلق بإدراج هذا العقد ضمن
الئحة العقود التي يمكن إبرامها في إطار القانون العادي.
نصت المادة 9من قانون المالية لسنة 1133على نسخ المادة 3من القانون رقم 13-33ابتداء من فاتح يناير . 1133 1
2
قرار لوزير االقتصاد والمالية رقم 0-0031صادر بتاريخ 35من صفر 39( 3011ديسمبر )1130منشور ج ر ع 1133بتاريخ 11
ديسمبر .1130
463
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وإذا كان هذا التعديل قد أعفى المحاسب العمومي من تحمل األقساط السنوية لتأمين
مسؤوليته الشخصية والمالية وتتحملها الهيئة التي يعمل لديها ،فإن التساؤل الذي يطرح
هو ،هل الجماعات الترابية ومجموعاتها تدخل ضمن الهيئات العمومية المنصوص عليها
في هذه المادة 9من قانون المالية لسنة 1133من جهة؟ وهل الهيئة التي يعمل المحاسب
لفائدتها هي المعنية أم الهيئة التي ينتمي إليها كموظف من جهة ثانية؟
وقبل هذا وذاك ما الفائدة من إقرار المسؤولية الشخصية والمالية للمحاسب العمومي
بقصد حمله على المحافظة والتدبير األمثل للمالية العمومية وفق الضوابط المقرر في هذا
المجال تؤمنها اإلدارة لفائدته بتحمل أقساطها السنوية في جانب منها ،وإمكانية االستفادة
من االعفاء من جانب آخر أي كلما تعلق األمر بقوة قاهرة ما عدا في حالة االستفادة
الشخصية وفق مقتضيات المادة 1 31من القانون رقم 13-33وما يليها من طرف وزير
المالية عمال بالمادة 31من نفس القانون التي تمكن وزير المالية من أعفاء المحاسب أو
األعوان التابعين له من المسؤولية وتبرئة ذممهم من دفع المبلغ المستحق عليهم ،وعند
االقتضاء استرجاع المبلغ الذي سبق دفعه استيفاء للمبلغ المذكور.
عموما ،فإن اغلب الحاالت المحددة في المادة 1من القانون رقم 13-33التي من
شأنها إثارة مسؤولية المحاسب العمومي قد تم تغطيتها بتأمين من طرف اإلدارة وفق
مقتضيات المرسوم رقم 1-11-111الصادر صادر في 1جمادى األولى 10 ( 3015
يونيو )1110المتعلق بتطبيق المادة 3من القانون رقم 13-33المتعلق بتحديد مسؤولية
اآلمر بالصرف والمراقبين والمحاسبين العموميين.2
1تنص المادة 31من القانون رقم 13-33على ما يلي :يمكن أن يعفى اآلمر بالصرف الذي حكم عليه بإرجاع األموال أو المحاسب العمومي
الذي ثبت وجود عجز في حسابه أو المصرح بمديونيته وكذا الموظف أو العون المشار إليهما في المادة 1أعاله من مسؤوليتهم بناء على طلبهم
في حالة القوة القاهرة بشرط أال يكون العمل الذي أدى إلى اتخاذ مقررات إرجاع األموال أو ثبوت العجز أو التصريح بمديونية أحد منهم قد عاد
عليهم بمنفعة شخصية".
2
تنص المادة الثانية من المرسوم رقم 1-11-111على ما يلي " :تؤمن بموجب العقد موضوع هذا المرسوم ،المخاطر التي قد ينتج عنها:
-ضياع أو اتالف أو سرقة أو إحراق األموال والقيم الموجودة داخل الصندوق الحديدي أو خارجه؛
-االختالس أو خيانة األمانة أو األخطاء المادية أو التزوير في الحسابات أو النصب وكذا األفعال االجرامية األخرى التي قد يكون المحاسب
ضحية لها؛
-مديونية المحاسب ومسؤوليته المدنية؛
-نقل األموال والقيم في حالة عدم لجوء اإلدارة إلى المقاول متخصصة.
464
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وإذا ما أضفنا لما سبق إمكانية المحاسب العمومي االستفادة من االعفاء من
المسؤولية في إطار االحسان العمومي ،فإن متابعة المحاسب العمومي في إطار المسؤولية
الشخصية والمالية جد محدودة.1
ذلك أن المادة 31من القانون رقم 13-33المذكور تقضي بأنه ال يحول رفض
الوزير األول – رئيس الحكومة حاليا -أو وزير المالية بحسب الحالة لطلب االعفاء من
المسؤولية دون تقديم طلب إبراء الذمة على وجه االحسان على شرط أن تكون الواقعة التي
ترتبت عنها المسؤولية قد عادت عليه بمنفعة شخصية وفق مقتضيات المادة 35من نفس
القانون .2
هذا ،وبالرجوع إلى المرسوم رقم 1-31-053صادر في 0ربيع األول 11( 3013
نونبر ) 1131بسن نظام المحاسبة العمومية للجماعات ومؤسسات التعاون بين الجماعات
نالحظ أن المادة 30منه تحدد المحاسبون العموميون لدى الجماعات المذكورة في الخزنة
الجهويون وخزنة العماالت واألقاليم والقباط يتم تعينهم من طرف وزير المالية في اطار
اتفاقية شراكة تبرم بين الخازن العام للمملكة و و ازرة الداخلية عمال بمقتضيات المادة 35
من المرسوم المذكور3.
وإذا كان هؤالء المحاسبون يخضعون في إطار عملهم لنظام المسؤولية المحاسبين
العمومين سواء في إطار القانون رقم 13-33و 11-33السالفي الذكر فهل يحق لنا ان
نتساءل عن جدوى إدراج المادة 31في نظام المحاسبة للجماعات ومؤسسات التعاون بين
الجماعات حول تأمين مسؤوليتهم.
1
مع أخذ بعين االعتبار سقف المبالغ المؤمنة كما هي محدد بالمرسوم رقم 1-11-111السالف الذكر.
2
تجدر اإلشارة أيضا إلى أن الفصل 31من مرسوم ملكي رقم 111-11بتاريخ 31محرم 13( 3191أبريل )3311بسن نظام عام للمحاسبة
العمومية يعطي إمكانية للخازن العام النائب عن وزير المالية بأن يأذن للمحاسبين في تعويض الوثائق المسلمة إليهم في حالة ضياعها أو سرقتها
أو إتالفها.
نالحظ هنا أن مرسوم المحاسبة العمومية للجماعات الصادر سنة 1131نص على ان تعيين المحاسبين العموميون لدى الجماعات الترابية 3
يكون بموجب اتفاق بين الخزينة العامة للمملكة وو ازرة الداخلية ،مما يطرح التساؤل حول مطابقة هذا المقتضى مع المبادئ التي جاء بها دستور
1133بشأن رفع الوصاية على الجماعات الترابية.
465
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
فبالرجوع إلى المادة 31نجدها تقضي بالضرورة وبمجرد تعيين المحاسب لدى
الجماعة بإبرام عقود تأمين فردية أو جماعية من أجل تأمين مسؤوليتهم الشخصية والمالية
طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل .وبالتالي يطرح التساؤل حول
المقصود بعبارة " النصوص التشريعية الجاري بها العمل"؟ إذا ما علمنا أن هذه المادة
نسخة طبق األصل للمادة 3من القانون رقم 13-33قبل تعديلها بموجب قانون المالية
لسنة 1133بمقتضى المادة 9منه ،والتي تحمل اإلدارة والهيئات العمومية بموجبها
النفقات المترتبة عن أقساط التأمين عن مسؤولية المحاسبين بعد ما كان هؤالء يتحملونها
شخصيا ،وهو ما يؤدي بنا لطرح تساؤل آخر وهو ،هل عبارة "اإلدارات والهيئات العمومية"
الواردة في المادة 9من قانون المالية لسنة 1133يدخل ضمنها الجماعات ومؤسسات
التعاون بين الجماعات؟
وهنا تجدر اإلشارة إلى أن المرسوم المتعلق بالمحاسبة العمومية لسنة 3311كما وقع
تغييره وتتميمه يطلق حسب فصله األولى تسمية " المنظمات العمومية " على الدولة
والجماعات المحلية (الجماعات الترابية حاليا) ومؤسساتها وهيئاتها.
وحتى إن كان األقرب للصواب هو اعتبار الجماعات الترابية ضمن الهيئات العمومية
الواردة في المادة 9من قانون المالية لسنة ،1133فإن هناك اشكال آخر يطرح حول
جدوى إلزامية المحاسبين بإبرام عقد تأمين عن مسؤوليتهم المنصوص عليها في المادة 31
من مرسوم المحاسبة للجماعات ومؤسساتها ،لكون المحاسب الذي سيكلف بتدبير ميزانية
الجماعات تم التامين عليه في إطار القانون رقم 13-33وفق المادة 9من قانون المالية
لسنة 1133من طرف اإلدارة التي ينتمي إليها "الخزينة العامة للمملكة".
ذلك أن التسليم بكون الجماعات الترابية ومؤسساتها تدخل في حكم الهيئات العمومية
المنصوص عليها في المادة 9من قانون المالية السالف الذكر ،فإن ذلك سيؤدي أيضا إلى
ترتيب آثار قانوني مهم وهو ان الجماعات الترابية ومؤسساتها هي التي يجب أن تتـحمل
أقساط التأمين لفائدة المحاسب العمومي لديها لكون التأمين يهدف إلى الحفاظ على أموال
هذه الهيئات.
466
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
خاتمة
كما أن أهداف المشرع من خالل إقرار لمبادئ دستورية مرتبطة بالحكامة الجيدة
لتدبير المالية العمومية من خالل ربط المسؤولية بالمحاسبة وإلقرار قواعد تنظيمية من
خالل القانون التنظيمي للمالية لسنة 1135بقصد تكريس التدبير المرتكز على النتائج،
فإن بلوغ هذه الغاية يستوجب مالءمة النصوص القانونية المنظمة لهذا المجال وبنسخ
المتعارض منها واستصدار النصوص التنظيمية التي تتوقف عليها تفعيل بعض المقتضيات
القانونية .سيما المادة 51من مدونة المحاكم المالية لتتطابق مع مقتضيات الفصل 30من
الدستور وتفعيل المادة 11من القانون التنظيمي بشأن تسيير اشغال الحكومة باستصدار
النص التنظيمي الذي يحدد مساطر المتابعة بالنسبة للوزراء كآمرين بالصرف ،فإقرار
مسؤولية طرف دون آخر في إطار عملية تدبير المالية العمومية تنجز من كليهما يؤدي
في حقيقة األمر إلى افراغ المنظومة القانونية المرتبطة بهذا المجال من مضمونها.
467
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
أ
مسؤولية الدولة عن تعويض ضحايا االعمال ا إالرهابية
من إعداد الستاذ سعيد العقاوي،
رئيس مصلحة منازعات المسؤولية اإلدارية
للشمال بالوكالة القضائية للمملكة
تقديم
عرف المشرع المغربي الجريمة من خالل الفصل 331من مجموعة القانون الجنائي
بأنها كل "فعل أو امتناع عن فعل مخالف للقانون ومعاقب عليها بمقتضاه" .وتتعدد الجرائم
الجنائية بحسب معيار التصنيف إلى عدة أنواع منها الجريمة اإلرهابية التي عرفها الفصل
139-3من القانون رقم 11.11المتعلق بمكافحة اإلرهاب على أنه "تعتبر الجرائم إرهابية
إذا كانت لها عالقة عمدا بمشروع فردي أو جماعي يهدف إلى المس الخطير بالنظام العام
بواسطة التخويف أو الترهيب أو العنف" ،وقد عدد المشرع المغربي من خالل ذات الفصل
139-3-3بعض انواعها وقرر لها من خالل باقي الفصول عقوبات بسبب ما تخلفه من
اضطراب اجتماعي يقتضي معاقبة مرتكبها لكونها ال تشكل اعتداء على المجتمع وزعزعة
أمنه فحسب بل إنها تشكل انتهاكا لروح أو سالمة جسد الشخص المتضرر أي الضحية.
وقد عرف المشرع المغربي الضرر من خالل أحكام المادة 39من قانون االلتزامات
والعقود بأنه " في الجرائم وأشباه الجرائم هو الخسارة التي لحقت المدعى فعال ،"...لكنه لم
يقدم تعريفا دقيقا للضحية بالرغم من ورود عدة مصطلحات مرادفة له كالمجني عليه كما هو
الشأن بالنسبة للمادة 311و 515من القانون الجنائي والمتضرر حسب مدلول المادة الثالثة
من قانون المسطرة الجنائية أو المطالب بالحق المدني حسب مدلول المادة السابعة من نفس
القانون.
وقد انبرى الفقه -على خالف المشرع المغربي -لتحديد مفهوم المجني عليه واعتبر
أنه كل شخص وقعت عليه أحداث الجريمة آو لحقه ضرر منها آو عرضت حقوقه المحمية
468
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
جنائيا للخطر ،1كما عرف قضاء المجلس األعلى سابقا (محكمة النقض حاليا) أن المجني
عليه هو كل من وقعت عليه أحداث الجريمة سواء على شخصه أو حقوقه المادية أو
المعنوية أو ماله.
وقد عرفت األساليب اإلجرامية تطو ار ساهم في تجاوز المفهوم التقليدي للجريمة ليشمل
الفعل المنظم والمنسق ،ومن أخطرها الجريمة اإلرهابية التي تصيب ضحايا ينبغي البحث
عن نظام لجبر األضرار الالحقة بهم.2
وبالنظر إلى خصوصية هذا الموضوع وراهنيته فإننا سنحاول التطرق لمختلف المناحي
المتعلقة به من خالل المباحث التالية:
المبحث األول :تطور فكرة التزام الدولة بتعويض ضحايا الجرائم اإلرهابية؛
1صالح السعد" ،علم المجني عليه (ضحايا الجريمة)" ،ط ،3دار صفاء للنشر والتوزيع ،عمان ،األردن 3333 ،وعمرو العروسي «المركز
القانوني للضحية في الفقه الجنائي اإلسالمي –دراسة في علم المجني عليه" ،دار المطبوعات الجامعية،اإلسكندرية، 1131،ص35
2
ال تشذ الجريمة اإلرهابية عن األنواع األخرى من الجرائم من حيث أركانها ،إذ ينبغي لقيام الجريمة اإلرهابية توافر العناصر الثالثة الواجب توافرها
لقيام كافة الجرائم ،وهي كالتالي:
-الركن القانوني للجريمة اإلرهابية :للركن القانوني في الجريمة اإلرهابية يكتسي صبغة استثنائية مقارنة مع باقي األفعال الجرمية األخرى بالنظر
إلى مجموعة من االعتبارات التي تبررها خصوصية هذا الن وع من الجرائم ،ويتمحور حول عنصرين أساسيين أولهما إلزامية تجريم الفعل اإلرهابي
بمقتضى نص جزائي خاص وثانيهما عدم إمكانية تصور خضوع الجرم اإلرهابي ألسباب اإلباحة والتبرير.
-الركن المادي للجريمة اإلرهابية ،إذ يعتبر الركن المادي في الجريمة اإلرهابية العنصر األ كثر عملية في قيام هذا النوع من الجرائم .فإذا كانت
القاعدة العامة تبرر زجر الجريمة اإلرهابية لما تخلفه هذه األخيرة من اضطرابات سواء في شكل عمل كما هو الشأن بالنسبة للتعداد الوارد في
الفصل األول 139من قانون ( )11-11المتعلق بمكافحة اإلرهاب ،أو في شكل امتناع كما هو الشأن بالنسبة للفصل 139– 9من ذات القانون
المعاقب لعدم التبليغ عن الجريمة اإلرهابية المجمع تنفيذها.
ويظل القاسم المشترك للنشاط المادي الصادر عن المجرم في الجريمة اإلرهابية متمحو ار حول عنصرين رئيسيين:
أ-تعلق الفعل اإلرهابي بمشروع فردي أو جماعي باجتم اعي صورته ترويع عامة الناس وإفزاعهم وإشاعة جو من الالطمأنينة وإلى استقرار فان هذا
االضطراب ومن باب الموازنة يتعذر قيامه أو تحققه على أرض الواقع العمل مالم يصدر نشاط مادي عن الفاعل اإلرهاب سواء بشكل خطير
بالنظام العام وزعزعة األمن العمومي
ب-ارتباط الغاية من هذا النشاط المادي بإشاعة الخوف والترهيب عن طريق اعتماد العنف أو التهديد به ،وما دام أن القانون السابق قد عدد صور
الجرائم التي تعتبر إرهابية متى اقترنت بالعنصرين المشار إليهما أعاله فإننا سنرجئ الحديث عن تجليات الركن المادي في الجريمة اإلرهابية إلى
غاية التطرق في فقرة الحقة لهذه الصور وتناولها بالرصد والبيان والمناقشة القانونية.
-الركن المعنوي للجريمة اإلرهابية :ال يشترط لقيام الجريمة اإلرهابية مجرد قيام مشروع فردي أو جماعي يستهدف المس الخطير بالنظام العام
بواسطة التخويف أو التهريب أو العنف ولو تحققت الص ور اإلجرامية المنصوص عليها في هذا الشق بل يتعين وجوبا توافر عنصر العمد لدى
الفاعل اإلجرامي وهو ما يصطلح على تسميته بالركن المعنوي في الجريمة اإلرهابية ،فما هو مضمون هذا الركن وما هي تجلياته في نطاق
الجريمة اإلرهابية يمكن القول إن القصد الجنائي عامة ،يتجلى مفهومه في واقع األمر كترجمة ميدانية لإلرادة التي تخالج مخيلة الفاعل اإلجرامي
وتتسخ بعقليته فتتحكم في توجيه نشاطه اإلجرامي الذي يستهدف به بصفة إدارية وتلقائية ،قيامه ما لم يعمد الفاعل اإلجرامي إلى توجيه إرادته نحو
تحقيق الفعل المادي للجرم المزمع اقترافه.
469
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
المبحث الثاني :التجارب المقارنة على صعيد جبر األضرار الناجمة عن األعمال اإلرهابية؛
المبحث األول :تطور فكرة التزام الدولة لتعويض ضحايا البرائم اإلرهالية
وأساسها
لم تكن فكرة تعويض األفراد المتضررين من الجريمة بصفة عامة والجرائم اإلرهابية
بصفة خاصة فكرة حديثة برزت في العهود القليلة الماضية ،بل كانت فكرة قديمة متجذرة في
اول قانون مكتوب عرفته البشرية ،ومنذ ذلك تطور أساسها وعرفت وقبول متزايدا من لدن
الدول والحكومات.
لم تكن فكرة تعويض الدولة للضحايا عن األضرار التي لحقتهم من الجرائم اإلرهابية
بالفكرة الحديثة أو الجديدة ،إذ عرفت منذ الحضارات القديمة في َبلد النهرين ،ففي العصور
القديمة ألزم قانون حمورابي الحاكم بدفع تعويض للمجني عليهم الذين تعرضوا للسرقة وذلك
في حالة عدم معرفة الجاني أو عدم التمكن من القبض عليه ،وكذلك الحال بالنسبة لورثة
المجني عليه في القتل عندما ال يعرف القاتل
كما عرف الفقه اإلسالمي هذه الفكرة وأقرها ،وذلك حين نظم حقوق ضحايا جرائم الدم،
سواء كان االعتداء عليهم عمدي أو نتيجة خطأ ،وقرر لهم الحق في الدية التي تؤخذ من
الجاني أو من عائلته ،أو يتحملها بيت مال المسلمين في الحالة التي يكون فيها الجاني
مجهوال أو معسرا ،أو إذا عجزت عائلته عن دفع الدية ،وهكذا أقرت الشريعة اإلسالمية مبدأ
التكافل االجتماعي والذي يمثل أحد صوره التزام الدولة بتعويض الدية للمضرور من الجريمة
إذا استحال عليه الحصول على التعويض من طريق آخر.
470
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
كما بدأت الفكرة منذ ذلك الحين في االنتشار ،إذ تركزت العديد من الجهود الدولية على
بحث هذه الفكرة وسبل توسيع نطاقها إلى أبعد الحدود ،وهكذا فقد تناولت المؤتمرات اإلقليمية
والدولية إشكالية تعويض ضحايا اإلرهاب وأكدت على التزام الدولة بتعويض ضحايا الجرائم.
ولقد كانت أولى هذه الجهود بالمؤتمر الدولي للسجون في باريس ،إذ أكد تقرير الفقيه
«دولف برانز" المقدم لهذا المؤتمر على ما يلي:
" ا نه حان الوات ألن تلتفت الدولة إلى المبني عليه وان تراعي ظروفه وأحواله
أسوة بالباني الذي يلقى ك الرعاية والعناية من جانب الدولة التي تقوم بإطعامه وتوفير
المسان والملبس له ،وتحرص على توفير الدفء واإلنارة والصحة له ،وتشرف على
تأهيله وتدريبه على نفقتها ،وعند خروجه من السبن تعطيه مبلغا من المال يمث أجره
عن عمله أثناء وجوده في السبن ،لينما يترك المبني عليه وحده يقاسي من جراء
البريمة في الوات الذي يساهم هو نفسه وعن طريق غير مباشر في رد اعتبار المبرم
الذي أضر به من َخالل الضرائب التي يقوم لدفعها إلى الدولة والتي تنفقها لدورها على
البناة أثناء تواجدهم في أماكن تنفيذ العقوبات"
كما أوصى المؤتمر الدولي للسجون الذي عقد ببلجيكا قبيل الحرب العالمية األولى
بوجوب التزام الدولة بتعويض المجني عليهم ،إال أن ظروف الحرب العالمية األولى والثانية
آنذاك حالت دون إيجاد صدى لهذه الفكرة.
ولقد توالت المؤتمرات الدولية التي بحثت هذا الموضوع ،إذ عقد المؤتمر الدولي الثاني
لتعويض المجني عليهم في مدينة باليتمور بالواليات المتحدة األمريكية ،ثم المؤتمر الثالث
لتعويض المجني عليهم بمقاطعة اونتريو بكندا ،اما مؤتمر" لوس أنجلس" بكاليفورنيا فقد
اختت م أعماله بالتوصية على وجوب تعويض الدولة للمجني عليهم والذي ينبغي أن ينظر إليه
على أنه حق للمجني عليهم وليس منحة.1
في الفترة الممتدة ما بين 13إلى 35سبتمبر سنة 3310انعقد المؤتمر الحادي عشر
لقانون العقوبات في بودابست من أجل مناقشة موضوع تعويض ضحايا الجرائم ولقد أثير
1
عقد مؤتمر لوس أنجلس بشأن تعويض الدولة لضحايا الجريمة في لوس أنجلس بوالية كاليفورنيا في 1ديسمبر سنة 3319
471
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
نقاش مهم خالل المؤتمر حول توسيع االهتمام باألشخاص الذين تقع عليهم الجريمة لتمتد
من األشخاص الذين تقع عليهم الجريمة مباشرة أي المجني عليهم إلى الذين يتضررون من
هذه الجريمة بصفة عامة ،وهم أولئك الذين كان يعولهم ضحية الجريمة.
وقد حثت االستراتيجية األممية لمكافحة اإلرهاب في الفقرة الثانية على ” النظر في
القيام على أساس طوعي لوضع أنظمة وطنية لتقديم المساعدة تلبي احتياجات ضحايا
اإلرهاب وأُسرهم ،وتيسر إعادة حياتهم إلى مبراها الطبيعي ،وفي هذا الصدد نشبع الدول
على أن تطلب إلى الكيانات المختصة التابعة لألمم المتحدة مساعدتها في إاامة نظم
وطنية من هذا القبي ،وسنسعى أيض ًا إلى النهوض بالتضامن الدولي لدعم الضحايا،
وتشبيع مشاركة المبتمع المدني في حملة عالمية لماافحة اإلرهاب وإدانته ويمان أن
يشم هذا القيام في البمعية العامة باستكشاف إماانية إنشاء آليات عملية لتقديم
المساعدة إلى الضحايا“.
" … وإذ نؤكد ضرورة تعزيز وحماية حقوق ضحايا اإلرهاب وحمايتها".
كما شدد المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق اإلنسان والحريات األساسية في
تقريره المقدم إلى مجلس حقوق اإلنسان بخصوص المجاالت العشرة للممارسات الفضلى في
مكافحة اإلرهاب خصوصا السادسة منها التي تقتضي ” دفع تعويضات من ميزانية الدولة
عن أي ضرر يلحق باألشأخاص الطبيعيين أو االعتباريين وبممتلكاتهم نتيبة عم إرهالي
أو نتيبة أعمأال ترتكأب باسأم ماافحة اإلرهاب ،وذلك وفقا للقانون الدولي لحقوق
اإلنسان” كما أكد أيضا على ضرورة أن ” تقدم لألشخاص الطبيعيين الذين عانوا من
أضرار مادية أو غيرها ،أو الذين عانوا من انتهاكات حقواهم اإلنسانية نتيبة عم من
472
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
أعمال اإلرهاب أو نتيبأة أعمأال ترتكب باسم ماافحة اإلرهاب ،المساعدة القانونية والطبية
والنفسية وغيرها من المساعدات الالزمة إلعادة تأهيلهم اجتماعيا وذلك من ميزانية
الدولة".
وتفاعال من جامعة الدول العربية مع الخطر اإلرهابي اعتبرت يوم 11ابريل من كل
سنة يوما للتوعية والتضامن مع الضحايا – على غرار االتحاد األوروبي الذي اعتبر يوم 31
مارس من كل سنة يوما أوروبيا لتذكر ضحايا اإلرهاب – كما دعت إلى إعداد قانون عربي
استرشادي لمساعدة ضحايا األعمال اإلرهابية.
وقد عمل المغرب كدولة منخرطة في االستراتيجية األممية على تطوير ضمان حقوق
الضحايا على غرار مجموعة من التجارب الدولية كما سنرى من خالل المبحث الثالث.
أثار مبدأ تعويض ضحايا الجريمة اإلرهابية خصوصا ،جدال واسعا في األوساط الفقهية
حول األساس الذي يستند إليه.
فقد ذهب جانب من الفقه إلى إنكار الت ازم الدولة بتعويض ضحايا الجريمة بوجه عام
وبرروا ذلك بعدة حجج منها:
-إن نظام المسؤولية الشخصية للجاني يكفي لحماية المتضرر ،باإلضافة إلى ما
تقدمه نظم التأمينات من تعويض نقدي.
-أن تقرير مسؤولية الدولة حسب هذا الرأي من شأنه التمييز بين الضحايا ،فهناك
ضحايا الكوارث الطبيعية وضحايا األمراض الفتاكة ،فال مبرر لتمييز ضحايا
الجريمة اإلرهابية بأحكام خاصة ،فشبكة الحماية االجتماعية كفيلة بمساعدة هؤالء
المتضررين كغيرهم.
473
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
-أن التزام الدولة التعويض من شأنه أن يؤدي إلى إهدار المسؤولية الفردية وشخصية
العقوبة ،كما يمكن أن يقلل من حرص الضحايا لمنع الجريمة أو التعاون مع أجهزة
الدولة في التبليغ عن المجرم.
-إثقال ميزانية الدولة بأعباء أخرى تضاف إلى تلك التي خصصتها للوقاية من
الجريمة ذاتها مما قد يجعل الدولة عاجزة عن التعامل مع الجريمة بشكل فعال.
غير أن الرد على هذه الحجج بسيط ،فأصحاب هذا االتجاه ال يقصرون المبدأ على
الجريمة اإلرهابية ،بل إن المسألة تتعلق بالمتضرر الذي عجز عن إصالح الضرر سواء
كان ذلك لعدم معرفة الجاني أو عدم مسؤوليته أو كان السبب كوارث طبيعية .ثم أن الدولة
تقبض من المواطن ضريبة ،فتدفع له على أساس مبدأ الغنم بالغرم.
أما الرأي المؤيد اللتزام الدولة بالتعويض فقد ساق الحجج التالية:
-ال يمكن قياس أض ار ار لجريمة اإلرهابية على أضرار الجرائم األخرى نظ ار
للفارق الكبير في جسامة الضرر ،فال مانع من وجود نظام تكميلي يتكفل
بهذا النوع من الضحايا.
-أما القول بإضعاف اإلحساس بالمسؤولية الفردية ،فال وجه له حيث أن بواعث
الجريمة اإلرهابية ال عالقة لها بالتعويض أو المقابل المادي ،وفي كل
األحوال فإن تحمل الدولة للتعويض ذو طبيعية احتياطية حتى في الجريمة
اإلرهابية ،إذا أمكن استيفاء التعويض من الجاني ،وهذا نادر الحصول ،علما
أنه يحقق للدولة الرجوع على الجاني بمبلغ التعويض في حالة ما إذا تم
التعرف عليه الحقا .علما أن اإلحصائية في بعض الدول المتطورة أثبتت أن
ثالثة من بين 311ضحية تم تعويضهم من قبل الجناة أي بنسبة %3.9
فقط.
-أما القول بزيادة أعباء الميزانية العامة ،فها أيضا مردود عليه ،ألن الدولة
يمكنها تنويع مصادر تمويل الميزانية بما في ذلك فرض ضرائب جديدة.
474
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
-من المسلم به أنه يقع على الدولة توفير األمن وفي حالة اإلخالل به عليها
أن تتحمل نتائج هذا التقصير بتحمل التعويض عن الضرر الذي تخلفه جرائم
اإلرهاب.
وإذا أردنا تقييم االتجاهين ،المؤيد والمعارض ،نجد أنه ال تعارض بين االتجاهين،
وكالهما يقر بحق الضحية في التعويض ،فاالتجاه االول يكتفي بمبدأ المسؤولية الشخصية
على االعتبار أن الحالت التي ال يعرف فيها الجاني حاالت استثنائية وحتى الجريمة
االرهابية فهي جريمة عابرة أو غير عادية منطلقها قناعات سياسية أو دينية خاطئة .بينما
يرى االتجاه الثاني ،ضرورة ايجاد نظام مكمل لنظام المسؤولية الشخصية وهو نظام
احتياطي ال يمكن تحريكه إال بعد أن يعجز النظام األول على إصالح الضرر.
ويضيف أحد أنصار هذه النظرية القول بأنه ال يمكن القول بفكرة الخطأ أو المخاطر
أو ا لخطأ المرفقي ،واألساس الوحيد التي يبرر مسؤولية الدولة هي فكرة التأمين االجتماعي
الذي يتحمله الصندوق الجماعي لمصلحة الناس الذين تضرروا من جراء النشاط العام الذي
يتم لفائدة الجميع .فالدولة تتصرف كمؤمن لمشروعها الخاص وأيضا كمؤمن للمخاطر التي
475
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ال يوجد في النظام االجتماعي أي ضمان أخر لها سوى السلطة العامة نفسها وخاصة
المخاطر غير القابلة للتأمين كما هو الحال في الكوارث الطبيعية.
وتقوم هذه النظرية على محض افتراض مؤداه أن الدولة تقيض األقساط لحسابها كما
هو الحال في مفهوم التأمين ،والحقيقة أن أقساط الضرائب تنفق على النفع العام أي تعود
إلى الممول نفسه بطريق أخرى ،في شكل خدامات أو مساعدات في صيغ مختلفة .فالنظرية
ال تفسر كيف يستفيد الفرد من الخدمات وفي نفس الوقت يحصل على تعويض عند الضرر
مقابل نفس القسط.
تجد هذه النظرية سندها في نظرية العقد االجتماعي ،فاألفراد قبل وجود الدولة كانوا
يعتمدون على أنفسهم في الدفاع عن حقوقهم ومصالحهم والقصاص من المعتدي عليهم،
وبعد ظهور الدولة تنازل األفراد لممثليهم عن جانب من حقوقهم في مقابل أن توفر الدولة
األمن واالستقرار وتعمل على منع وقوع الجريمة .وترتب على ذلك أن حظرت عليهم
الثأر وأن يقيموا العدالة ألنفسهم .وينبني على ما تقدم أن وقوع الجريمة وحدوث أضرار يعد
إخالال من جانب الدولة بالتزامها القانوني في توفير األمن .ومن أشهر الذين روجوا لهذا
األساس هو بنتام في مطوله عن التشريع الجنائي.
هذه النظرية تبالغ كثي ار وتجعل من الدولة الشخص القانوني الوحيد الذي يجب أن
يتحمل التعويض ،بصرف النظر عن مصدرها .وهو الشيء الذي ال يمكن التسليم به فوجود
الدولة ال يلغي مسؤولية األشخاص القانونية األخرى التي يمكن أن تسبب في إحداث
الضرر .كما أن الدولة ال تستطيع عمليا أن تأمن المواطن من كل أشكال المخاطر وال بد
من وضع ضوابط ،ومراعاة إمكانيات الدولة المالية.
476
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
لقد جاءت فكرة التضامن االجتماعي كمحاولة للتأسيس لمبدأ تعويض ضحية الجريمة
اإلرهابية و تستند هذه النظرية إلى مبدأ الشعور اإلنساني الذي يرتكز عليه كل إجراء يهدف
إلى مساعدة األشخاص الذين يوجدون في وضعية صعبة ،و هذا الشعور مبدؤه تضامن
أفراد المجتم ع فيما بينهم ،حتى في غياب المؤسسة الرسمية فهو نابع من الشعور باالنتماء
إلى الجماعة أو األمة و اإلنسانية قبل الدولة (المؤسسة ) .وفي هذا السياق يجب أن تكون
الدولة أول من يبادر بهذا التضامن باعتبارها ممثلة الجماعة ،وهذا ال يمنع أفراد المجتمع من
المشاركة في هذا الواجب حتى في غياب الدولة أو مؤسساتها.
ومبدأ التضامن االجتماعي ،ال يقتصر هذا نوع معين من الضرر وإنما يغطي كل ما
يمكن أن يواجها األفراد من مصاعب ال قبل لهم بدفعها كاألوبئة والكوارث الطبيعية .وعندما
تتحمل الدولة التعويض فهي تفعل ذلك بموجب التزام اجتماعي وليس بموجب مسؤولية
قانونية.
لقد شكل مبدأ جماعية التعويض منطقا مبدئيا لفكرة تحمل الدولة عبء التعويض في
هذا النوع من الجرائم ،والحقيقة أن مبدأ جماعية التعويض ليس حديثا بل يجد تطبيقاته في
مجاالت عديدة أولها كان في تقرير مسؤولية االشخاص االعتبارية عن أعمال موظفيها ،كما
نعكس في نظام التأمين ذلك أن الفكرة الجوهرية
التي يقوم عليها التأمين بوجه عام هي توزيع المخاطر على أكبر عدد من االفراد ،فهو
يقو على فكرة التضامن ،فتحمل الكيان االجتماعي التعويض عن طريق الذمم الجماعية بدال
477
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
من المسؤول هو مظهر هام لجماعية التأمين .وعلى هذا االساس فالتزام الذمة الجماعية أو
النظام الجماعي عبء التعويض ليس هو الخطأ أو اللوم االخالقي ،وإنما هو لحماية
المضرور استنادا الى فكرة التضامن االجتماعي.
-إن إصالح الضرر ليس حقا وإنما هو مساعدة من الدولة لمن هو في حاجة إليها،
وبمفهوم المخالفة ال تمنح لمن تكون ظروفه المادية جيدة وال تحدث له الجريمة
اضطرابا في ظروف المعيشة.
-ال تتقرر المساعدة بمجرد وقع الجريمة أو الضرر كما هو الحال في قواعد
المسؤولية التقليدية ،وإنما يقرر منحها بناء على ظروف المتضرر
-كون التعويض هنا مجرد مساعدة اجتماعية ال ينعقد االختصاص بنظر تقريره إلى
القضاء ،وإنما إلى اللجان اإلدارية الناظرة في طلبات المساعدات االجتماعية.
-أن هذا النوع من التعويض ذو طبيعة احتياطية.
إن مبدأ التضامن االجتماعي يبقى واجبا أخالقيا أكثر منه قانونيا فهو ال يصلح أن
يكون أساس إللزام الدولة بالتعويض عن الجريمة اإلرهابية إال إذا تحول إلى التزام قانوني.
وهذا ما حدث بالفعل في كثير من الدول.
وفي األخير يمكنا القول أن النظر إلى الضرر على أنه مشكلة اجتماعية ،قبل أن
يكون حق خاص للمتضرر ،غير اتجاه البحث إلى إصالح الضرر بدل من إنصاف
المتضرر من المتسبب في الضرر ،والسبب في ذلك أن المتسبب في الضرر كثي ار ما يكون
مجهوال أو معس ار و أحيانا أخرى ليس بفعل شخص قانوني و في كل هذه الحاالت ينبغي أن
تتدخل الجماعة لمساعدة المتضرر ،وأقصر الطرق هو إصدار تشريعات يتقرر بموجبها
مساعدة المتضررين في مجاالت محددة بشروط خاصة من ذاك المتضررين من جرائم
األشخاص في حالة عدم إمكانية حصول المتضرر على تعويض من المجرم .ولذلك وصف
هذا التعويض الذي تدفعه الدولة بأنه احتياطي كما انه يتوقف على سلوك المتضرر.
478
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
و بدون مبالغة يمكن القول أن الجريمة االرهابية من أخطر الجرائم التي تستوجب
مسا عدة المتضررين منها لما تخلفه من أضرار جسدية في غالب األحيان كالقتل و كذا
جرائم األموال ونظ ار لجسامة األضرار ومحدودية إمكانية الدولة لجأت الدول إلى إنشاء
مؤسسات بتمويل خاص تتكفل بتعويض ضحايا الجريمة اإلرهابية و هو ما عرف في
النظام الفرنسي بصناديق الضمان ( )Fonds de garantieيتم تمويله من بواسطة
االشتراكات الخاصة بعقود التأمين على األموال و يتمتع هذا الصندوق بالشخصية
االعتبارية و ينص القانون على تشكيلة إدارة الصندوق (الرئيس و األعضاء).
وفي رأينا أن مسؤولية الدولة عن تعويض ضرر الجريمة اإلرهابية يدخل في صميم
وظيفة الدولة االجتماعية ،بل وظيفة المجتمع ،وهي التكفل بمن هم في حاجة إلى مساعدة
أين كان مصدر الضرر على أن يكون ذلك بالقدر الممكن ووفق شروط أو ضوابط تحددها
القوانين.
المبحث الثاني :التبارب المقارنة على صعيد جبر األضرار الناجمة عن
األعمال اإلرهالية
أقدم المشرع في العديد من بقاع المعمور على إصدار قوانين خاصة تلزم الدولة
بتعويض ضحايا اإلرهاب أمام عجز أحكام النصوص العامة ،وقد عمل في هذا اإلطار على
ابتداع أسلوب الصناديق الخاصة ،خصوصا أن مجموعة من المؤتمرات التي أعقبت مؤتمر”
لوس أنجلس “بكاليفورنيا عام ،3319أكدت على أن هذا تعويض للمجني عليهم وليس
منحة.
وإلبراز األهمية التي أولتها التشريعات المقارنة لتعويض ضحايا اإلرهاب نعرض لبعض
التجارب الغربية والعربية.
479
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
الناجمة عن الجروح الشخصية التي يصاب بها ضحايا األعمال اإلرهابية ،ويمنح هذا
التعويض بغض النظر عن وجود إجراءات جنائية أو التعرف على هوية الجناة.
ويتولى إدارة مجلس الصندوق عضو من الجهاز القضائي الفرنسي ويضم ممثلين عن
رابطة لضحايا والو ازرات الحكومية ذات الصلة وقطاع التأمين ،ويتم تمويل الصندوق من
االقتطاعات أو الرسوم على عقود التأمين على الممتلكات واإليرادات المتأتية من العقوبات
المالية المحكوم بها على األشخاص المدانين بارتكاب أعمال إرهابية ،ويمكن أن يحل
الصندوق محل الضحايا في المطالبة بحقوقهم لدى الشخص المسؤول عن الضرر.
كما شهدت ايطاليا ما بين سنوات 3313و 3315موجة من األحداث اإلرهابية ذهب
ضحيتها مئات األرواح مما اضطر المشرع االيطالي إلى إصدار قانون رقم 011بتاريخ 31
غشت ، 3391ونص فيه على تبرعات خاصة لصالح طائفة من الموظفين العموميين
والمواطنين المتضررين من األعمال اإلرهابية مع تحديده لنسب التعويض وعدم تمييزه بين
جنسية المتضررين .وهكذا فقد صدر قانون رقم 111في 0دجنبر 3393الذي وسع من
دائرة الجرم ليشمل المتضررين من األعمال العادية.
وقد طور المشرع اإليطالي المقتضيات التشريعية مع تغير نوع الخطر و الجريمة
اإلرهابية في زمن التسعينيات و أصدر عدة تشريعات تحدد أشكال خاصة لحماية و دعم
الضحايا من الجرائم اإلرهابية والجريمة المنظمة ،كقانون رقم 111الصادر في 11
اكتوبر 3331وقانون رقم 011الذي تضمن أشكاال جديدة لفائدة ضحايا اإلرهاب و
الجريمة المنظمة الصادر في 11نونبر 3339و قانون فاتح غشت 1111رقم 1010
لمساعدة ودعم و حماية ضحايا المخالفات ،والذي اقر في مادته األولى تعويض ضحايا
األفعال اإلجرامية المرتكبة داخل المجال الترابي االيطالي سواء أكان الضحايا مواطنين
ايطاليين أم أجانب.
وقد نصت المادة الثالثة من هذا القانون على أن الدولة والجهات والوحدات المحلية
المستقلة تشجع وتنظم وتتحمل المساعدة السريعة والمجانية لضحايا كل الجرائم حسب طبيعة
الجرم من خالل توفير الدعم النفسي والطبي والقضائي والمالي الالزم.
480
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ولتكريس آلية قانونية للتعويض فقد أحدث القانون في مادته السادسة صندوقا لدعم
ضحايا األفعال اإلجرامية تحت إشراف و ازرة العدل ويمول من مساهمة ثابتة للدولة و
التحويالت المستلمة من خالل تطبيق رسوم على األعمال القضائية ،والموارد المحصلة
نتيجة فرض غرامات من اجل تطبيق امثل لمقتضيات القانون ،كما نص على إحداث لجنة
لمساعدة ودعم ضحايا اإلرهاب تحت رئاسة وزير العدل وعضوية ممثل عن و ازرة العدل و
الداخلية و الصحة والمالية و محامي وطبيب نفساني ومختص في علم الضحية ،باإلضافة
إلى أستاذين احدهما مختص في القانون الجنائي واألخر في القانون اإلجرائي ،وحدد هذا
القانون يوم 31دجنبر كيوم للذكرى من أجل ضمان حماية ذاكرة الضحايا .
وفي اسبانيا انطلق التشريع في هذا المجال بإصدار القانون رقم 3في 11دجنبر
3390الخاص بمكافحة اإلرهاب ،والذي تضمن باإلضافة إلى المقتضيات الزجرية قواعد
تكفل تعويض ضحايا الجرم اإلرهابي ،عبر إرساء مسؤولية الدولة عن األعمال اإلرهابية
سواء المباشرة منها أم نتيجة قيام أجهزة إنفاذ القانون بمكافحتها وتم تحيين هذا القانون
وصوال إلى القانون رقم 1133/ 13المتعلق باالعتراف والحماية الشاملة لضحايا اإلرهاب.
وقد كانت الغاية من هذا القانون هو االعتراف بضحايا اإلرهاب و وضع إطار
لتعويض والشراكة واالمتيازات والضمانات والتوشيح حسب المادة األولى منه لتشمل هذه
التدابير ضحايا الجرم اإلرهاب و عائالتهم أو األشخاص الذين تعرضوا ألضرار ناجمة عن
أفعال إرهابية ،كما أن هدا القانون أسس على مبادئ الذاكرة والكرامة والعدالة والحقيقة،
نطاق تطبيق المساعدة وفق القانون يطبق حيثما تقع األحداث داخل التراب االسباني ،كما
ميز المشرع بين التعويضات المستحقة لألشخاص في المادة 11والتعويضات المادية في
المادة .11ولم يغيب هذا النص األجانب ضحايا األفعال اإلرهابية ( المادة . )03
وقد ذهبت التجربة االسبانية من خالل المادة 51من ذات القانون إلى االعتراف
بضحايا اإلرهاب في أخد حد التوشيح المدني بدرجات بين جسامة الضرر وطبيعة المستفيد.
ولم يقتصر النموذج االسباني فقط على الحل التشريعي ،بل تم إحداث مديرية عامة
لدعم ضحايا اإلرهاب بو ازرة الداخلية مهمتها تقديم المساعدة الفورية للمتضررين بعد ارتكاب
481
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
اعتداء إرهابي عن طريق إعالم الضحايا وأسرهم ودعمهم ،وعلى التعاون مع الجمعيات
والمؤسسات وغيرها من المؤسسات العامة والخاصة التي تسعى إلى التعامل مع ضحايا
اإلرهاب والحفاظ على ذاكرتهم وتوقيع شراكات مع الجمعيات والمؤسسات التي تهدف إلى
تمثيل المصالح والدفاع عنها .ضحايا اإلرهاب ،باإلضافة إلى التعاون مع الهيئات ذات
الصلة في اإلدارة العامة للدولة وغيرها من السلطات العامة في تقديم المساعدة والدعم
لضحايا اإلرهاب ،وذلك من أجل توفير الحماية الشاملة للضحايا و العمل على صياغة
الدراسات والتقارير ،وعند االقتضاء ،مقترحات إلجراء إصالحات تنظيمية وتنظيمية من
شأنها تحسين نظام المساعدة والفوائد المنشأة أو التي يمكن وضعها لتحسين حقوق
المتضررين من اإلرهاب والتعاون مع األجهزة المختصة التابعة لإلدارة العامة للدولة ،وتمنح
هذه المديرية مجموعة من الشواهد كاإلعفاء من الرسوم الدراسية ورسوم المحكمة و من رسوم
الفحص ،والمساعدة على التنقل الجغرافي وتوفير المنح الدراسية مع المساعدة على الوصول
إلى السكن.
وتعد التجربة الهندية من بين التجارب المعتبرة على هذا الصعيد ،إذ يشمل قانون
اإلجراءات الجنائية في الهند بصيغته المعدلة في عام 1113مخططا لتعويض الضحايا
وينص على قيام كل حكومة من حكومات الواليات ،بالتعاون مع الحكومة المركزية ،بإعداد
مخطط من أجل توفير األموال بغرض تعويض الضحايا أو معيليهم الذين تكبدوا خسارة أو
لحق بهم ضرر نتيجة للجريمة والذين يحتاجون إلى إعادة تأهيل .ومتى قدمت المحكمة
توصية بالتعويض ،تقرر سلطة الخدمات القانونية في المقاطعة أو الوالية مقدار التعويض
الذي سيمنح في إطار المخطط.
ويستحق الضحايا المصابون بعجز دائم وأفراد أسرهم باإلضافة إلى المساعدة المالية
بطاقة صحية تقدمها المعية الصحية في المقاطعة في إطار بعثة الصحة الريفية الوطنية،
ويحق لحاملي البطاقات تلقي العالج الطبي المجاني فيما يتعلق باإلصابات وجميع األمراض
الرئيسية األخرى الناجمة عن العنف.
أما في تركيا فينص قانون التعويض عن االضرار الناجمة عن اإلرهاب ومكافحته في
تركيا على تعويض الخسائر واالضرار الناشئة نتيجة االعمال اإلرهابية .وتخصص
482
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
المؤسسات العامة حدا أدنى بنسبة 1في المائة من الوظائف ضمن قواها العاملة لضحيا
اإلرهاب والمصابين من عناصر األمن وأقاربهم من الدرجة األولى وكذلك أقارب الدرجة
األولى ألفراد األمن الذين قتلوا جراء أعمال إرهابية .ويتعين على جميع المؤسسات العامة
تقديم كشف بوظائفها الشاغرة المخصصة لضحايا اإلرهاب وعناصر األمن وأقاربهم من
الدرجة األولى مرتين في السنة إلى اإلدارة العامة لشؤون الموظفين المسؤولة عن تعيين
الضحايا في الوظائف التي تتفق مع تفضيالتهم من حيث محافظات معينة.
” إذا واع ضرر على النفس مما يستوجب الدية وفقا ألحاام الشريعة اإلسالمية وما
يتضمنه جدول الديات المنصوص عليه في المادة 223من القانون رام 91في 39
أكتوبر 3798وتعذرت معرفة المسؤول عن تعويضه وفقا ألحاام المسؤولية عن العم
غير المشروع أو الملتزم بضمانه وجب الضمان على الدولة”.
وفي السعودية تستمد التجربة قواعدها العامة من الشريعة اإلسالمية ،حيث عالجت
إ شكالية ضحايا اإلرهاب من خالل مقتضيات عامة أبرزها النظام األساسي للبالد الذي نص
في كل من المادة ”33يقوم المبتمع السعودي على أساس من اعتصام أفراده بحب الله
وتعاونهم على البر والتقوى والتكاف فيما لينهم وعدم تفراتهم” باإلضافة إلى المادة 11
التي قضت ب” تكف الدولة حق المواطن وأسرته في حالة الطوارئ …”.
483
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وعقب التغيرات السياسية التي عرفتها الجمهورية المصرية في زمن الحراك اإلقليمي
ونتيجة تعدد الوقائع اإلرهابية بمصر ،أحدث صندوق تكريم ضحايا ومفقودي ومصابي
العمليات الحربية واإلرهابية واألمنية ،من ضباط أو أفراد القوات المسلحة والشرطة والمدنيين،
وأسرهم المتمتعين بالجنسية المصرية ،بدأ آثار سريانه ابتداء من 39يناير 1130تاريخ
العمل بالدستور المصري الذي أكد في الفصل 111الفقرة الثانية” وينظم القانون أحاام
وإجراءات ماافحة اإلرهاب والتعويض العادل عن األضرار الناجمة عنه وبسببه“.
وقد نص قانون إحداث الصندوق على أن يصدر مجلس إدارة الصندوق ،بعد موافقة
مجلس الوزراء ،ق ار اًر بتحديد مبلغ التعويض الواجب صرفه لمرة واحدة “للمصاب بعجز كلي
أو جزئي ،أو ألسرة القتيل ،أو المفقود” ،وإذا نتج عن اإلصابة عجز جزئي أو كلي ،أو وفاة،
وجب على الصندوق أن يؤدي إلى المصاب أو أسرة القتيل مبلغ التعويض المستحق ،أو
يكمل مبلغ التعويض الذي تم صرفه.
كما أن أوجه الرعاية شملت إتاحة استخدام وسائل المواصالت المملوكة للدولة بكافة
أنواعها مجاناً ،وتوفير االشتراك في مراكز الشباب الرياضية لغير المشتركين بأي منها،
وكذل ك الدخول المجاني لكافة المتاحف والمتنزهات والحدائق والمسارح وقصور الثقافة التابعة
للدولة ،فضالً عن توفير فرص الحج للمصاب ،ولوالدي وأرامل أو زوجات القتلى أو
المفقودين واإلعفاء من الضرائب لمدة عشر سنوات ،أيضا القانون انشأ وسام من طبقتين
يسمى “تحيا مصر” يمنح لضباط وأفراد القوات المسلحة والشرطة والمدنيين ،الذين قاموا
بأعمال تدل على التضحية في مواجهة العمليات اإلرهابية أو األمنية.
ويتم تمويل هذا الصندوق عبر فرض ضريبة عن طريق لصق طابع قيمته خمسة
جنيهات على األوراق ،والمستندات الخاصة برخصة السالح ،والقيادة ،وتسيير المركبات،
واستخراج شهادة صحيفة الحالة الجنائية ،وتذاكر المباريات الرياضية ،والحفالت الغنائية،
وطلبات االلتحاق بالكليات والمعاهد العسكرية والشرطية إلى جانب تأشيرات اإلقامة
لألجانب ،وتصاريح العمل للمصريين العاملين لدى جهات أجنبية سواء داخل مصر أو
خارجها.
484
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وقد فرض القانون عقوبة الحبس لمدة ال تقل عن شهر وال تجاوز سنة ،وبغرامة ال تقل
عن خمسة آالف جنيه وال تجاوز عشرين ألف جنيه ،أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من
امتنع عمدًا من دون مسوغ قانوني عن منح مصابي أو أسر ضحايا العمليات اإلرهابية
واألمنية الحقوق الواردة بالقانون.
فقد جاءت أحكام القانون 11.11المتعلق بمكافحة اإلرهاب خالية من النص على
إمكانية تعويض ضحايا الجرائم اإلرهابية مكتفية بتحديد األعمال اإلرهابية وتشديد العقوبات
بخصوصها ،وسن إجراءات مسطرية استثنائية في البحث التمهيدي والتحقيق اإلعدادي،
تاركة مسألة التعويض للقواعد العامة على عكس قانون مكافحة االرهاب الموريتاني الذي
نص في المادة 31منه على أنه “يخصص ناتج الغرامات المالية أو العينية المحاوم لها
485
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
على ِ
األشخاص المسؤولين عن األعمال اإلرهالية لصندوق تعويض لصالح ضحايا أعمال
اإلرهاب وغيرها من المخالفات ،ويحدد نظام هذا الصندوق وطرق تسيره بموجب مرسوم”،
فكان البد من التدخل الرضائي وانتظار موقف االجتهاد القضائي من الموضوع.
وقد شكلت المبادرة الملكية السامية للملك محمد السادس صورة من صور التعويض
الرضائي ،بإصداره ظهي ار شريفا بتخصيص منح مالية لفائدة المستحقين عن ضحايا
االعتداءات اإلرهابية التي تعرضت لها مدينة الدار البيضاء ،بتخصيصه لمنحة مالية مقدرة
في 511.111درهم عن كل ضحية ،وتوزع وفق أحكام المواد 33و 31و 31من
الظهير الشريف رقم 3.90.311الصادر في 1أكتوبر 3390المعتبر بمثابة قانون يتعلق
بتعويض المصابين في حوادث تسببت فيها عربات برية ذات محرك ،هذه المنحة ال تعتبر
تعويض ا كامال لجبر الضرر وإنما مساعدة تقدمها الدولة على غرار مجموعة من األحداث
التي عرفت تدخال ملكيا في إطار العطف الملكي بصفته أمي ار للمؤمنين ،غير أن تمكين
األسر من هذه المنح ال يمنع إمكانية اللجوء إلى القضاء.
وتنعقد هذه اللجنة التي تنعقد تحت رئاسة السيد وزير االقتصاد المالية وإصالح اإلدارة
والذي ينوب عنه السيد رئيس هيئة التأمينات واالحتياط االجتماعي بحضور األعضاء
الدائمين ممثلين في مديرية الميزانية والخزينة العامة للمملكة واألمانة العامة للحكومة وممثل
القطاع المعني (و ازرة الداخلية في حالة االحداث اإلرهابية).
وتتولى هذه اللجنة دراسة الطلبات المقدمة إليها من طرف المتضررين من األعمال
اإلرهابية على غرار ما يتم العمل به في حالة حوادث انفجار األلغام واألضرار الناتجة عن
القالقل االجتماعية ،إذ بلغ مجموع الملفات التي أبدت هذه اللجنة رأيها فيها والمتعلقة
486
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
باألحداث اإلرهابية التي شهدتها المملكة (أحداث مراكش لسنتي 3330و ،1133أحداث
الدار البيضاء لسنتي 1131و )1131حوالي 131ملفا.
وقد تراوح مبلغ التعويض الممنوح للضحايا بين 31.111درهم و 3.1مليون درهم تم
تقديرها حسب نتيجة الخبرة التي أنجزتها المصالح المختصة التابعة لو ازرة الصحة بتنسيق مع
و ازرة الداخلية ،ف ي حين رفضت منح التعويض في بعض الملفات التي سبق ألصحابها أن
حصلوا على تعويض خاص أو تعويض في إطار حوادث الشغل ،أو التي ال تستجيب
لمعايير التعويض التي تبنتها اللجنة في هذا اإلطار ويتعلق األمر باألساس في غياب
الوثائق الضرورية خاصة محاضر المعاينة ومحاضر االستماع التي تنجزها الضابطة
القضائية.
وقد بلغت القيمة اإلجمالية للتعويضات الممنوحة مثال لضحايا التفجير اإلرهابي لمقهى
أركانة بمراكش 13.111.111،11استفاد منها أزيد من 13مصابا.
هذا وفي إطار تسهيل الوصول إلى خدمات هذه اللجنة وكذا تسهيل اإلجراءات
المسطرية ،وضعت الوكالة القضائية للمملكة منصة إلكترونية تهدف إلى تسهيل التواصل
معها وتقديم الطلبات وتتبع مسار معالجتها.
وقد أصدرت المحكمة اإلدارية بالرباط حكما في الموضوع بتاريخ 33نونبر 1113
تحت عدد 333ملف رقم ،3151/33ومن أوراق الملف الجنائي عدد 511/30بتاريخ
11يناير 3335يستشف أن األعمال اإلرهابية كانت ناتجة عن تقصير الدولة ومصالحها
487
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
المختصة في مراقبة الحدود مما أدى إلى تسريب األسلحة إلى داخل ارض الوطن ،مما
يشكل خطأ مرفقيا تجلى في نازلة الحال في كون المرفق لم يؤد الخدمة المطلوبة منه
خصوصا حماية النظام العام بمدلوالته والتي منها األمن ،إذ أن تقصيره مكن الجناة من
إدخال األسلحة عن طريق سيارتين إلى التراب المغربي ومحاولة زعزعة استق ارره معتب ار
التقصير خطأ جسيما وحدد تعويضا للمتضررين.
وقد تم استئناف هذا الحكم من طرف الوكالة القضائية للمملكة أمام المجلس األعلى
(محكمة النقض حاليا) الذي أصدر ق ارره رقم 315بتاريخ 30دجنبر 1115الملف اإلداري
رقم ،1111/11/10/013واضى فيه باون الدولة ال تسأل بصورة مطلقة عن ضمان و
سالمة أي متضرر فوق أراضيها ما لم يثبت في حقها خطأ جسيم معتب ار أن االعتداء على
األجنبي ليس ظرفا استثنائيا يستدعي االستنفار ،وأن تسريب السالح الناري عبر الحدود
ال يافي وحده إلضفاء صبغة الخطأ البسيم لكن اواعد العدالة و اإلنصاف و موجبات
اإلنسانية المبنية على التضامن الوطني تقتضي صرف تعويضات لك متضرر كلما واع
مس خطير بالنظام األمني العام.
وهو نفس التوجه الذي كرسته المحكمة اإلدارية بالدار البيضاء ،إثر أحداث الدار
البيضاء بتاريخ 31ابريل 1111إذ أصدرت حكما بتاريخ 0دجنبر 1119في الملف
3111/1111ق.ش،
حيث طالب الطاعن بالتعويض جراء األضرار التي لحقت به كمتطوع أراد مساعدة
رجال األمن في مطاردة اإلرهابي الفار هذا األخير فجر نفسه مما أفضى إلى موت شرطي
وإصابة الطاعن بإصابات بليغة وعللت المحكمة حكمها ب” كون مسؤولية الدولة تقوم
على أساس المخاطر التي تقتضي أن يتحم مبموع المواطنين مخاطر نشاط الدولة أي
على أساس المساواة أمام تحم األعباء و التكاليف العامة و تتمث في الحالة التي ال
يمان أن تتصف بالضرورة بارتكاب الخطأ من المرفق أو القيام بأعمال غير مشروعة
لالستناد إلى ذلك”.
488
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ووجد هذا االتجاه صداه في الحكم الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط بتاريخ
1131/31/13في الملف عدد ( 1131/1331/111أحداث مقهى أركانة) الذي جاء فيه:
"لكن ،حيث لئن كانت المسؤولية اإلدارية تقوم بحسب األص على أساس الخطأ ،
فإنه يمان لهذه المسؤولية أن تقوم لدون توفر ركن الخطأ إذ يافي قيام عالاة سببية لين
نشاط اإلدارة والضرر ،وهي المسؤولية التي تقوم على أساس المخاطر التي تبد سندها
في مبدأ التضامن االجتماعي وضرورة مساواة المواطنين أمام األعباء العامة بما مؤداه
تحم الدولة للتعويض عن األضرار الحاصلة لألفراد في حاالت معينة من ابي األضرار
الناتبة عن األشغال العامة ومخاطر البوار غير العادية واستعمال األشياء الخطيرة،
واألعمال اإلرهالية وحيث إن الثالت من وثائق الملف وخاصة محضر الشرطة القضائية
المرفق بمقال االدعاء أنه لتاريخ 28ألري 2433ارتكب عم إجرامي تمث في إحداث
انفبار اوي بمركب مقهى ومطعم أركانة المستغ من طرف المدعين ترتب عنه واوع
خسائر مادية بالمركب المذكور ،بما يبع األضرار الحاصلة للمدعين نتيبة ذلك مؤطرة
ضمن المسؤولية اإلدارية القائمة على أساس المخاطر باعتبار أن األمر يتعلق بعم
إجرامي يندرج في إطار األعمال اإلرهالية ،مما ال مبال معه للتمسك بانعدام عنصر الخطأ
في جانب اإلدارة ،فضال على أن خطأ الغير ال يشا سببا من أسباب اإلعفاء في هذا
النوع من المسؤولية باعتبار أنه ال يمان إعفاء اإلدارة من المسؤولية في هذه الحالة إال
في حالة ثبوت خطأ المتضرر (ا لضحية) أو حالة القوة القاهرة ،وهو األمر غير الثالت في
النازلة ،سيما أن القوة القاهرة هي ك أمر ال يستطيع اإلنسان أن يتواعه ،وال يعتبر من
ابي القوة القاهرة األمر الذي كان من الممان دفعه -الفص 217من اانون االلتزامات
والعقود والحال أنه كان بإماان اإلدارة دفع الحادث الوااع لتاريخ 28ألري 2433من
خالل تشديد الراابة األمنية ضمانا لسالمة األشخاص والممتلكات ،بما يبع ما تمسك به
الوكي القضائي للمملكة غير مؤسس ،وتكون بالتالي مسؤولية الدولة اائمة عن األضرار
الحاصلة للمدعين نتيبة الحادث المذكور".
489
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
الخاتمة
لقد شكل علم الضحية أو المتضرر منطلقا جديد للبحث عن أسس تكفل مساعدة
الضحايا خارج األسس التقليدية للمسؤولية اإلدارية ،وكانت أضرار الجريمة اإلرهابية من
الموضوعات التي شغلت الباحثين لعالميتها.
ولقد عجزت األسس التقليدية عن إسناد مبدأ إصالح الضرر الناتج عن الجريمة
اإلرهابية بسبب أن المسؤولية التقليدية سواء كانت على أساس الخطأ أو المخاطر تشترط
صلة الضرر بالنشاط العامة االيجابي أو السلبي ،إذ ال يمكن إعمال قواعد هذه المسؤولية إال
إذا كان الضرر ذا صلة بالمرفق العام.
وأمام هذا الواقع ،سعت الدول إلى إيجاد حلول ارتكزت في معظمها على نصوص
تشريعية تحدد قواعد التكفل بضحايا الجريمة اإلرهابية والتي لم يفلح الفقه في إيجاد معيار
يسند مساعدة الضحية ويحاول توظيف مبدأ التضامن االجتماعي وبعض مبادئ حقوق
اإلنسان (الحق في األمن) ،لكنه لم يستطيع بناء نظرية متكاملة تصلح أساسا فلسفيا لدعم
مبدأ إصالح الضرر الناجم عن الجريمة اإلرهابية .وال زال القاضي عاج از عن منح تعويض
كامل أو تقرير أية مساعدة في غياب النص التشريعي.
وهكذا فإن مبدأ التكافل االجتماعي يتسع إلقرار مبدأ التكفل بضحايا الجريمة اإلرهابية،
ولكن ينبغي التأكيد على أن التكافل االجتماعي في مفهوم الشريعة ينهض به كل المجتمع
أفرادا ومؤسسات .وينبغي على الجميع المساهمة في ذلك بالطرق التي يختارها المجتمع،
فيمكن أن تقوم بذلك مؤسسات أو جمعيات او صناديق تحدد طريق تمويلها مع ووضع
آليات أو قواعد تنظيمية تحدد شروط الحصول على المساعدة وكيفية تقدير التعويض وأنواعه
والجهة المختصة بالنظر في مثل هذه القضايا.
490
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
أ
مسؤولية المرفق العام الطبي بناء على الخطا بين
القانون وتوجهات محكمة النقض
من إعداد الستاذ خالد عالمي،
أ
استاذ باحث بكلية الحقوق ،جامعة القاضي
عياض مراكش
مقدمة
إن الخطأ شرط من الشروط التقليدية للمسؤولية اإلدارية الطبية وهو معطى مشترك
بينها وبين المسؤولية المدنية الطبية ،إال أن هذا الخطأ يختلف من مجال القانون الخاص
إلى مجال القانون اإلداري ،وبالتالي تأثيره على مسار تحميل المسؤولية (مدنية أو إدارية)،
وعلى الرغم من أن المشرع المغربي في الفصل 19من ق.إ.ع ،قد حدد وعرف الخطأ بأنه
ترك ما كان يجب فعله ،أو فعل ما كان يجب اإلمساك عنه ،وذلك من غير قصد إلحداث
الضرر .فإن هذا التعريف ينطبق على المسؤولية التقصيرية وليس على المسؤولية اإلدارية،
إذ يهتم باألشخاص الخاصة وليس باألشخاص العامة التي تحدث عنها الفصل 13من
ق.إ.ع ،وبين مسؤوليتها بطريقة عامة ومختلفة مع ما جاء في الفصل 19من ق.إ.ع،
وعليه فالخطأ اإلداري من منظور القانون العام يختلف عن الخطأ في مفهومه العام من
حيث التقدير الموضوعي الذي يؤسس على التسيير العادي للمرفق دون حمله أية سمة
معنوية أو شخصية.1
وعموما ،فمسؤولية المرفق العام الطبي المبنية على الخطأ يجب أن تتوفر على ثالثة
أركان أساسية :الخطأ ،والضرر والعالقة السببية بينهما .وقد قام المشرع المغربي والقضاء
اإلداري بالتمييز بين نوعين من األخطاء هما الخطأ المرفقي والخطأ الشخصي ،فإذا كان
األول ينسب إلى المرفق العام الطبي الذي يسأل عنه ويتحمل تعويضه ،والذي ينقسم إلى
خطأ محدد ومعروف (خطأ مرفقي أو مصلحي) ويشترط فيه أن يرتكبه الموظف داخل
المرفق وأن ال تكون له ميزة شخصية ،و إلى خطأ مجهول وغير محدد (خطأ المرفق أو
1
تقرير الوكالة القضائية للمملكة المغربية لسنة ،1131ص .99
491
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
المصلحة) ،1فإن الثاني ينسب إلى الموظف عندما تتحقق مسؤوليته الشخصية عن هذا
الخطأ ،ويصبح مسؤوال عن األضرار التي تنجم عنه ويكون ملزما بالتعويض .2إال أنه في
حالة إعساره فإن الدولة مطالبة بالتعويض بسبب هذه األضرار وذلك حسب مضمون الفصل
91من ق.إ.ع.
وبالرغم من كون التمييز بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي يبدو منذ الوهلة األولى
بأنه يسير وبسيط ،فإن الصعوبة تتحقق في معرفة حدود الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي
وذلك ناتج باألساس إلى اختالف المعايير والمحددات المفرقة بينهما.
ولدراسة ذلك سنتطرق إلى الخطأ المرفقي في المحور األول ،أما الخطأ الشخصي
فسنخصص له المحور الثاني.
إن أصل مصطلح الخطأ المرفقي يرجع في تسميته إلى مفوضي الحكومة لدى مجلس
الدولة الفرنسي ،وذلك بمناسبة تقديم مذكراتهم في قضايا المسؤولية اإلدارية .3وهذا النوع من
الخطأ يتضمنه الفصل 13من ق.ل.ع وذلك في جزئه الثاني " الدولة و البلديات مسؤولة
عن األضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها وعن األخطاء المصلحية لمستخدميها "،
وهناك من الفقه المغربي 4من يعتبر أن هذا الفصل يتضمن ثنائية شكلية للخطأ المرفقي:
خطأ مصلحي ( )faute de serviceأي خطا الموظف العمومي ،وخطأ المرفق
أوالمصلحة ( )faute du serviceأي خطأ المرفق العمومي .إال أن هذا التأويل الفقهي
للفصل 13من ق.إ.ع قد يلغي نظرية المسؤولية بدون خطأ أو المسؤولية الموضوعية التي
1
El houssaine SERHANE, la faute du service public en droit administratif Marocain, Revue Marocaine de Droit
et d’Economie du Développement, N° 35, 1995, P 91.
2حماد حميدي ،المسؤولية اإلدارية ،أطروحة لنيل دكتوراه في القانون العام ،جامعة محمد الخامس ،الرباط 3393-3399 ،ص.31
3عبد القادر باينة " ،تطبيقات القضاء اإلداري بالمغرب" ،دار توبقال للنشر ،الدار البيضاء ،الطبعة األولى ،سنة ،3399ص .393
4
El houssaine SERHANE, le contentieux administratif de pleine juridiction en droit public Marocain, thèse de
doctorat d’Etat en droit, bordeaux, 1989, page 311 et 170 ; Abdellah Harsi, la responsabilité administrative,
Indépendance nationale et système juridique au Maroc, actes du colloque des 26 et 27 mars 1998, presses
universitaires de Geronoble France, 2000 p 202 et 203
492
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
تحدث عنها هذا الفصل في جزئه األول " الدولة و البلديات مسؤولة عن األضرار الناتجة
مباشرة عن تسيير إدارتها" ،إذ رغم بروز هذا اإلشكال ،فوجود خطأ الموظف العمومي أو
خطأ المرفق العمومي أو غيابهما ليس هو أساس المسؤولية بدون خطأ وليس محددا لها ،بل
الضرر الذي أصاب الضحية ،وذلك إنطالقا من أن الفصل 13في جزئه األول يتطلب فقط
األضرار الناتجة عن تسيير إدارتها لتحميل مسؤولية الدولة عكس األخطاء المصلحية
للمستخدمين ،فالدولة هنا ال تكون مسؤولة عن هذه األخطاء المرتكبة من قبل موظفيها إال
إذا أثبتها المتضررون ،حيث تكون هذه األخطاء واجبة اإلثبات وليست مفترضة أي وجب
1
فيها تحديد العالقة السببية بين الخطأ والضرر.
ويبقى خطأ المرفق العام الطبي جزء ال يتج أز من مفهوم الخطأ المرفقي بصفة عامة،
إال ما وجد من استثناءات راجعة باألساس إلى خصوصية هذا المرفق ،ومادام أن هذا الخطأ
يجد مصدره في النشاط اإلداري وينسب إلى مرفق عام طبي ،فإنه تطبق عليه قواعد القانون
اإلداري ويخضع في تعويضه إما للميزانية العامة للدولة أو ميزانية مستقلة تحت وصاية
الدولة وتثار مسؤوليته أمام القضاء اإلداري المختص.
وأمام غياب محدد للخطأ المفضي إلى المسؤولية اإلدارية كما هو متواجد في
المسؤولية المدنية بنص الفصل 19من ق.إ.ع ،اعتبر بعض فقهاء القانون اإلداري
المغربي 2أن الخطأ اإلداري يتمظهر غالبا في شكل خطأ مرتكب بمناسة القيام بأعمال
الوظيفة من قبل موظف محدد ،فهو خطأ مرفقي لموظف أو لعدة موظفين ،إال أن الدولة
تظل أساسا هي الوحيدة التي تتحمل المسؤولية عن هذا الخطأ.
3
وبالرجوع إلى التطبيقات القضائية ،يالحظ أن بعض أحكام المحاكم اإلدارية بالمغرب
التزال وفية لتعريف الخطأ اإلداري انطالقا من مقتضيات الفصل 19من ق.إ.ع ،رغم أن
1
الحسن سيمو ،المسؤولية اإلدارية من خالل ق اررات المجلس األعلى ،منشورات المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية،سلسلة مواضيع الساعة
عدد 30سنة 3331ص . 13
2
El houssaine SERHANE, la faute du service public en droit administratif Marocain, op cit, P33 .
3حيث جاء في حكم للمحكمة اإلدارية بالرباط " أن الخطأ الموجب للمسؤولية حسب مضمون المادة 19من ق.إ.ع هو ترك ماكان يجب فعله أو
فعل ماكان يجب اإلمساك عنه ،ومؤدى ذلك أن مساءلة الجهة اإلدارية بالتعويض تتحقق كلما ثبت تقصيرها في أداء الوظيفة المنوطة بهاعلى
الوجه المطلوب ،أوكلما تسببت بفعلها اإليجابي بإلحاق ضرر بالغير" حكم رقم 331بتاريخ 1111-11-39في الملف رقم 059-13أشار إليه
493
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
قضاء الغرفة اإلدارية بالمجلس األعلى سابقا ،1كان في مجمله دقيقا في تحديد الخطأ
المفضي إلى المسؤولية اإلدارية ،إذ ال يجوز تطبيق قواعد المسؤولية المدنية على المسؤولية
اإلدارية وتجاهل مقتضيات الفصلين 13و 91من ق.إ.ع اللذين يشكالن أساس المسؤولية
اإلدارية .ولعل اعتماد بعض اجتهادات القضاء اإلداري المغربي على تفسير الخطأ اإلداري
تفسي ار مدنيا يرجع إلى كون أغلب قضاة المحاكم اإلدارية هم في األصل قضاة من المحاكم
المدنية ،لكن بعض أحكام المحاكم اإلدارية المغربية 2تراجعت عن هذا التفسير وانتقلت إلى
تعريف الخطأ اإلداري (3المرفقي) وفقا للفصل 13من ق .إ.ع.
و من محدادات الخطأ المرفقي أن ينسب إلى المرفق العام مباشرة وتقع المسؤولية عليه
من المال العمومي ،وفي حالة تعويض اإلدارة للمتضرر بسبب خطأ مرفقي فإن هذه األخيرة
ال يمكنها الرجوع على الموظف 4الذي ارتكب الخطأ لتستعيد المبلغ الذي دفعته كتعويض
محمد لطرش ،مسؤولية مرافق الصحة العمومية عن األضرار التي تتسبب فيها بين الواقع بين الواقع التشريعي و العمل القضائي ،رسالة لنيل دبلوم
السلك العالي في التدبير اإلداري ،المدرسة الوطنية لإلدارة الرباط ،السنة الجامعية .1111 -1111ص . 39
1
Consort Filex, 4 décembre 1958, Chambre administrative, R .A.C.S, 1957- 1960, p 164 ; Cie d’assurances
générales, 24 mars 1960, C.A, R .A.C.S, 1957- 1960
2حيث جاء في الحكم الصادر عن المحكمة اإلدارية بفاس تحت عدد 11صادر بتاريخ 1131-13-11في الملف رقم 153ت 11-غير
منشور ،بأن الخطأ اإلداري أو المرفقي هو " فعل غير مشروع تقوم به اإلدارة وقد ينتج عن عمل قانوني كإصدار ق اررات إدارية غير مشروعة أو
عمل مادي ينتج عن تصرف ملموس لإلدارة أثناء قياميها بنشاطاتها المتنوعة " أورده عبد الكبير العلوي الصوصي ،العمل القضائي في قضايا
المسؤولية الطبية ،دار القلم الرباط ،الطبعة األولى 1130ص 11إلى .11
3
و قد ذهب األستاذ محمد اليعكوبي إلى القول» إن مفهوم الخطأ في القانونين اإلداري والمدني لهما نفس الفلسفة و نفس الموضوع ،إال أن نظرية
الخطأ المدني غير مستساغة التطبيق على الخطأ اإلداري ،فتكوين الخطأ في مجال القانون اإلداري مختلف عن مجال القانون الخاص ،كما أن هذا
المفهوم المشترك للخطأ ال يستعمل بنفس الطريقة من القاضي اإلداري و القاضي المدني .ويفسر ذلك بأن الخطأ المدني غالبا مايتعلق بخطأ
اإلنسان ،رغم أن هناك شخصا معن ويا وراء ذلك ،ويضرب مثال ذلك بشركة تجارية ،فاإلنسان هو الذي سيتحمل خطأ هذه الشركة انطالقا من مقولة
األب الجيد للعائلة).(Bon pére de familleأما الخطأ في القانون اإلداري فهو ال يعترف بفكرة المرفق العمومي أو العام "الجيد" (bon service
) ،publicحيث إن القاضي اإلداري -وهو يبت إداريا -يكون أكثر واقعية في استدالله ومنطقه وذلك بمقارنته بين السلوك الحقيقي لإلدارة ليس مع
اإلدارة االفتراضية لكن مع ما ُينتظر من هذه اإلدارة « .للمزيد الرجوع إلى مقالته:
Mohammed EL YAAGOUBI, remarques critiques sur les prétendus fondements de la responsabilité au Maroc
remald n° 17 octobre- décembre 1996 page 34
4هذه القاعدة ليست عامة في القانون المغربي ،حيث عكس الفصل 91من ق.إ.ع قد يضع المشرع مبدأ الرجوع على الموظف في عدة حاالت:
المسؤولية الشخصية للمحافظ العقاري،المسؤوية الشخصية للقضاة ،المسؤولية الشخصية للمعلمين وموظفي الشبيبة والرياضة و المسؤولية الشخصية
للمحاسبين العموميين التي هي من اختصاص المحاكم المالية ،علما كذلك أن قانون الوظيفة العمومية لسنة 3359كما تم تعديله و تتميمه في مادته
31يضع إمكانية الرجوع على الموظف المخطئ ،كما أنه في مشروع قانون المسطرة المدنية الجديد يضع مبدأ الرجوع ( تأديبيا) على الموظف
المخطئ في حالة عدم تنفيذ األحكام القضائية.
494
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
عن الضرر ،1ألن تحديد من ارتكب الخطأ المصلحي :الموظف أو المرفق ليس له أي أثر
على مسؤولية المرفق العام أي أنه في األخير سينسب إليه ،لكن مايهم هنا هو تحديد مفهوم
الخطأ المرفقي ( أوال) و معاييره (ثانيا)
إن أبرز تعريفات الخطأ المرفقي ،ما جاء به الفقه الكالسيكي الفرنسي واعتبره بأنه
" خلل في السير العادي للمرفق يرجع إلى أحد أو عدة موظفين ،ولكن ال ينسب إليهم
شخصيا" ،2حيث إن الخطأ ال يتخذ شكال واحدا ،فقد ينسب إلى موظف محدد ،أو إلى خطأ
مرفقي مجهول ينسب لإلدارة ويصعب فيه معرفة فاعله ،لهذا فالمسؤولية فيه تعود مباشرة
إلى الشخص العمومي الذي ينتمي إليه الموظف ،3دونما تحميله أية مسؤولية.
ونظ ار لصعوبة وضع تعريف دقيق وواضح للخطأ المرفقي ،فهناك من يعرفه بطريق
المخالفة أي أن كل خطأ غير شخصي هو خطأ مرفقي ،4لكن حتى هذا التعريف يثير
إشكاالت متعددة ناتجة أساسا عن معرفة حدود الخطأ بين ما هو شخصي وما هو مرفقي،
حيث إن الخطأ الشخصي قد يعتبر كذلك خطأ مرفقيا ،ألنه يحدث أثناء القيام بالوظيفة .إال
أنه يمكن القول إن الخطأ المرفقي هو الخطأ الواقع من لدن عون المرفق أثناء القيام
بالوظيفة.
أما محكمة النقض فقد تأثرت بالتقسيمات التي أعطاها الفقه الفرنسي للخطأ المرفقي،
وعرفته إما بعدم أداء اإلدارة للخدمة أو بطئها في أدائها أو إن كان عملها سيئا في تسيير
1جميلة بونيت ،مسؤولية الدولة عن الخطأ الطبي في ضوء االجتهاد القضائي ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المتخصصة في المهن القضائية
والقانونية ،كلية الحقوق الرباط السويسي ،السنة الدراسة ،1119-1111ص .10
2
Jean Rivero, droit administratif, Dalloz, 7 éditions, 1975 p 174.
3إبراهيم زعيم " المسؤولية اإلدارية بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي" ،منشورات المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية ،سلسلة مواضيع
الساعة ،عدد 1سنة ،3331ص .35
4
Amine Ben ABDALLAH, « la responsabilité médicale », Rapport de thème principale de 7 ème congrès médical
national, société marocaine des sciences médicales, 1989, p 100.
495
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
المرفق 1من جهة ،ومن جهة أخرى ،فإن تمييزه عن الخطأ الشخصي يرتبط بمدى تحقق
النية العمدية لمرتكب الخطأ ،حيث تعتبر أن األخطاء المرتكبة من قبل الموظفين والتي
ليست ذات طابع عمدي هي أخطاء مرفقية تتحمل اإلدارة مسؤوليتها. 2
وقد ذهب بعض الفقهاء إلى تعريف خطأ المرفق العام الطبي ،بأنه " ذلك الخطأ الذي
يرتكبه الموظف التابع للمرفق الصحي وهو إما أن يكون طبيبا أو ممرضا أو غيرهما من
المستخدمين أثناء قيامه بوظيفته ،لكنه ال ينسب إليه وإنما ينسب إلى المرفق العام الطبي".3
ويمكن كذلك تعريفه اقتباسا من المفهوم الذي أعطاه الفقيه دولو بادير لعبارة الخطأ اإلداري،
فالخطأ المرفقي الطبي إما أن يكون خطأ منفرد أي من فعل موظف معروف أو مجموعة من
الموظفين التابعين للمرفق الطبي ،أو بشكل مجهول وجماعي وهو خطأ المرفق العام
الطبي.4
1
أنظر في هذا الصدد ق اررات منشورة عند خالد ع المي و عبد الغني بامو ،التوجهات الحديثة لمحكمة النقض في مسؤولية المرفق العام الطبي،
الجزء األول ،دار اآلفاق المغربية للنشر و التوزيع ،الدار البيضاء ،الطبعة األولى ، 1131تطرقت إلى تقسيمات الخطأ الطبي المرفقي وتبنت
نفس الحيثياث:
-قرار عدد 1 -13بتاريخ 1130 -13 -31في الملف اإلداري عدد ( 1131 -1-0 -3353الوكيل القضائي للمملكة ضد عبد العزيز
جبرون) " لكن حيث إن المستقر عليه في قضاء هذه المحكمة أن الخطأ الطبي المرفقي يكون قائما متى لم يتم تقديم الخدمة الطبية أو تم اإلبطاء
أكثر من الالزم في أدائها أو تمت تأديتها على وجه سيء ،ويكون أداء الخدمة بشكل سيء إذا تم اإلخالل بواب تقديم العناية الالزمة للمريض وفق
ما تقتضيه ظروفه الصحية ،وفي إطار مراعاة األصول واالخالقيات الثابتة لمهنة الطب ومقتضيات التطور العلمي ،".....ص . 313
-قرار عدد 1 -131بتاريخ 1131 -33 -19في الملف اإلداري عدد ( 1131 -1 -0 -951الوكيل القضائي للمملكة ضد عماد رمزي
ومن معه)" لكن حيث إن المستقر عليه في قضاء هذه المحكمة أن الخطأ الطبي المرفقي يكون قائما متى لم يتم تقديم الخدمة الطبية أو تم اإلبطاء
أكثر من الالزم في أدائها أو تمت تأديتها على وجه سيء ،ويكون أداء الخدمة بشكل سيء إذا تم اإلخالل بواجب تقديم العناية الالزمة للمريض
وفق ما تقتضيه ظروفه الصحية ،وفي إطار مراعاة األصول و االخالقيات الثابتة لمهنة الطب ومقتضيات التطور العلمي ، ".....ص .59
-قرار عدد 111بتاريخ 1131 -10 -31في الملف اإلداري عدد ( 1133 -1 -0 -911الوكيل القضائي للمملكة ضد رشيد بوولجة) "
لكن حيث إن الخطأ المرفقي يتجلى في عدم أداء اإلدارة للخدمة أو بطئها في أدائها أو أدائها من طرفها على وجه سيء .و أن فتح ابواب
المستشفى أمام المطلوب بإعتباره زائ ار ألحد المرضى قبل موعد الزيارة وفي وقت تنظيف أرضية المستشفى يشكل أداء للخدمة على وجه سيء مما
نتج عنه انزالق المطلوب في النقض وبالتالي إصابته باألضرار التي لحقت به من جراء ذلك االنزالق .ومن ثم يكون الخطأ المرفقي قائما في حق
إدارة المستشفى ، "....ص .11
2قرار عدد 1 -330بتاريخ 1131 -11 -13في الملف اإلداري عدد ( 1131-1-0 -151المركز اإلستشفائي ابن رشد ضد العوني الحسين
ومن معه) " لكن حيث إن األصل أن األخطاء المرتكبة من طرف الموظفين والتي ليست ذات طابع عمدي هي أخطاء مرفقية تتحمل اإلدارة
مسؤوليتها ".....منشور في المرجع أعاله ص .13
3أحمد أدريوش ،مسؤولية مرافق الصحة العمومية ،سلسلة المعرفة القانونية ،البوكبلي للطباعة والنشر ،الطبعة ،3333ص .11
4
André de LAUBADERE, Traité de droit administratif, », T .L, LGDJ, Paris 1984,9e édition. p 747 ; voir aussi
El houssaine SERHANE, la faute du service public en droit administratif Marocain, op cit, P 91 et suiv.
496
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وقد اعتمد القضاء اإلداري المغربي 3على قاعدة عامة للفصل في بعض قضايا
المسؤولية المبنية على شرط الخطأ المصلحي ،وذلك بالنظر إلى تنفيذ الطبيب اللتزامه ببذل
العناية ومدى مطابقته لقواعد المهنة وبناء على هذا قضت بالمسؤولية أو بعدمها ،4إال أن
هذه الفكرة تراجعت في اآلونة األخيرة ،نظ ار لتطور الطب بصفة خاصة والمرفق الصحي
بصفة عامة ،إذ إ ن األخطاء المصلحية الطبية ،بدأت تعتمد على قاعدة التزام الطبيب أو
المرفق العام الطبي ببذل نتيجة وليس عناية كما هو الشأن في بعض العمليات الطبية التي
فيها التزام الطبيب أو المرفق العام الطبي هو شفاء المريض وليس بذل الجهد الالزم.5
إذن ،فخطأ المرفق العام الطبي إما مرتبط بسوء عمله أو تنظيمه ( )3أم بالتميز فيه
بين الخطأ المرفقي المنفرد و بين الخطأ المرفقي المغفول (.)1
1حسن صحيب ،القضاء اإلداري المغربي ،سلسلة دراسات وأبحاث في اإلدارة و القانون ،العدد ، 1المطبعة والوراقة الوطنية مراكش ،الطبعة الثانية
مايو ،1133ص .01
2عبد القادر باينة ،دعاوي المسؤولية اإلدارية :حاالت المسؤولية اإلدارية ،المحاكم اإلدارية دعامة من دعائم دولة القانون ،الندوة األولى للقضاء
اإلداري 33 – 39مايو 3335ص .11
3حكم المحكمة اإلدارية ألكادير عدد 1111-391بتاريخ 1111 -15 -10في الملف رقم 1111-191ش غير منشور(امح المعلومة ضد
الدول ة المغربية ومن معها) القاعدة " إن االلتزام ببذل العناية المفروض على عاتق الطبيب يقتضي بذل العناية الضرورية و التي تتفق مع قواعد و
أصول مهنة الطب ".
-حكم المحكمة اإلدارية لمكناس عدد 31 -39-5ش بتاريخ 3339-10 -11في الملف رقم 31/30/15ت منشور بالمجلة المغربية
والتنمية عدد ،15أكتوبر -دجنبر 3339ص 333إلى .335
-حكم المحكمة اإلدارية لوجدة عدد 1111 -35بتاريخ 1111-11-33الصادر في الملف رقم 11 -315ت منشور بالمجلة المغربية
لإلدارة المحلية و التنمية ،عدد مزدوج 51 -53يوليوز – أكتوبر 1111ص 331إلى .331
4
أحمد ادريوش ،مسؤولية مرافق الصحة العمومية ،مرجع سابق ،ص .15
5تقرير النشاط السنوي للوكالة القضائية للمملكة لسنة 1130ص 31و .30
497
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
فهنا سوء عمل المرفق العام الطبي مرتبط بنظرية االلتزام بالعمل أو الجهد ،فإذا اختل
هذا العمل سواء بالتوقف أم التباطؤ أم تكرار هذا االختالل يتحقق الخطأ المرفقي الطبي،
وهذا هو توجه محكمة النقض إذ وضحت في قرار حديث لها 3أن الخطأ الطبي المرفقي
يكون متوف ار إذا لم يتم تقديم الخدمة المطلوبة أو تم اإلبطاء أكثر من الالزم في أدائها اوتم
تأديتها على وجه سيء ،ويكون أداء الخدمة بشكل سيء متواجدا في مرفق الصحة كلما تم
اإلخالل بواجب تقديم العناية للمريض.
وتجدر اإلشارة إلى أن الفقه الفرنسي 4هو الذي وضع تقسيما لمختلف األعمال التي
يمكن أن تشكل الخطأ المرفقي الطبي وذلك انطالقا من تجميع اجتهادات القضاء وتقسيمها
أوال في سوء أداء المرفق للخدمة ،وثانيا في عدم قيام المرفق بأداء هذه الخدمة ،أما ثالثا ففي
بطء المرفق أو تأخره في الخدمة.
1
Jaque MOREAU, la responsabilité administrative, que sais-je ? C.E 27/1/1998, A.J.D.A, p 352.
2جاء في حيثية للمحكمة اإلدارية بوجدة أن " كل األعمال السلبية من جانب المستشفى تشكل خطأ مرفقيا يتنافى مع مبدأ بذل العناية الالزمة
وتوفير األطر الطبية و العالجية الضرورية لكل مريض أو مصاب تمت إحالته على المستشفى " حكم رقم 300بتاريخ 1111 -15 – 13في
الملف عدد 1110/31ش.ت منشور بمجلة فقه المنازعات اإلدارية العدد 1سنة ، 1131داراألفاق المغربية للنشر و التوزيع بالدارالبيضاء ،ص
.015
3قرار عدد 1 -131بتاريخ 1131-33-19في الملف اإلداري عدد ( 1131-1-0-951الوكيل القضائي للمملكة ضد عماد رمزي ومن معه)
منشور عند خالد عالمي و عبد الغني بامو ،مرجع سابق ص .59
4
Georges VEDEL et Delvolve, « droit administratif » 9 édition.Thémis, p.u.f.1984 page 492- 493
498
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
قيام المرفق بأداء هذه الخدمة ،وثالثا في بطء المرفق أو تأخره في الخدمة ينطبق كذلك حتى
على المرافق الطبية ،إذ ليس هو الوحيد بل هناك تقسيم آخر يتطرق إلى خطأ المرفق العام
الطبي انطالقا من تحديد مجال التدخل والتمييز بين العمل المادي والعمل القانوني وكذلك
بالنظر إلى جسامة خطأ المرفق العام الطبي والتمييز منه بين البسيط و الجسيم . 1لهذا
ذهب جانب من الفقه 2إلى تطبيق المفاهيم األساسية للمسؤولية اإلدارية انطالقا من مفهوم
الخطأ اإلداري عند األستاذ دولو بادير ،وتفسير سوء عمل المرفق العام الطبي ،بأنه يتخذ
شكلين عمليين إما فردي أي ناتج عن فعل موظف معين ومحدد بذاته وهو خطأ مرفقي
للموظف(أ) أو مغفول وهو خطأ المصلحة أو المرفق العام الطبي(ب).
1
El houssaine SERHANE, L’illégalité fautive dans le contentieux administratif, REMALD, serie « thèmes
actuels », N° 6, 1996 Page 213.
2
El houssaine SERHANE, thèse précitée. Page 170.
3استقر المجلس األعلى مند أمد على أن االتجاه الصائب و المؤسس للمسؤولية اإلدارية هو خطا أحد الموظفين و عندما تستحيل معرفة الموظف
أو الموظفين ،فنظرية المخاطر هي الواجبة التطبيق تأث ار بالفقه الفرنسي الذي كان يؤكد أن =الشخص المعنوي العام اليمكن له ان يرتكب الخطأ
وإنما الذي يرتكبه هو الموظف ،انظر قرار الغرفة المدنية للمجلس األعلى تحت عدد 1115بتاريخ 3391/13/31شكير محمد ،منشور بمجلة
القضاء و القانون عدد 319سنة 3399ص .301
تعتبر قضية محمد شكير من القضايا األصلية للحديث عن المسؤولية اإلدارية وذلك لتعلقها أوال بإشكالية التطبيق السليم للفصل 13من ق ل ع
من طرف القضاء وثانيا الرتباطها بالتفسيرات الفقهية لنفس هذا الفصل ،حيث بالرجوع إلى قضية محمد شكير فهي تتعلق بقيام أحد مستخدمي
اإلدارة في احد المستشفيات بفاس بعملية إعذار إبن السيد محمد شكير حيث جاء في حيثياث قرار المجلس بخصوص هذه القضية " .....وحيث
إن المحكمة ملزمة بأ ن تكيف الدعوى ،حسب الوقائع الثابتة أمامها ،وتطبق عليها النص الواجب التطبيق كان عليها أن تبحث و تميز بين ما إذ
كان صدر من " الضحاك" بصفته أحد مستخدمي اإلدارة في أحد المستشفيات بفاس الذي قام بعملية إعذار إبن الطاعن بالمعنى المنصوص عليه
في الفصل ، 13فتقضي بمسؤولية الدولة ،أم أنه خطأ شخصي ال عالقة له إطالقا بعمله فتقضي بعدم مسؤولية الدولة ،وتبت في الدعوى في
مواجهة الضحاك وحده ......في حين أن هذا التعليل غير كاف لتبرير ما انتهت إليه المحكمة في قضائها ".
وبمقارنة قضية محمد شكير بقضيتي ارملة اعبدو و الزونيد حمو يتضح أنها صدرت بشأنها ق اررات من رؤساء أوليين مختلفين للمجلس األعلى،
لكن الجامع المشترك بينها هو إبرازها لتطبيقات الفصل 13من ق ل ع التي هي في األصل تأويالت فقهية متعاقبة ومختلفة للفصل 13من ق ل
ع وال شيء يميز تطبيقاتها على المجال الطبي.
499
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
من ق.إ.ع 1إذ يتحدث عن مسؤولية الدولة والبلديات عن األضرار الناتجة مباشرة عن تسيير
مرافقها وعن األخطاء المصلحية لموظفيها.2
وإذا كان االجتهاد القضائي 3أخذ بالمفهوم الواسع للموظف أو العون اإلداري ،حيث
يشمل هذا المفهوم باإلضافة إلى الموظفين العموميين بالمعنى الدقيق ،كل شخص يوجد في
حالة تبعية للمرفق أثناء ارتكاب الخطأ ،4والنظر إلى مفهوم الموظف العمومي من جانب
المسؤولية اإلدارية وليس التطبيق الضيق للفصل 1من قانون الوظيفة العمومية لسنة
.53359فإن هذه الفكرة تم التراجع عنها في قرار للمجلس األعلى) محكمة النقض حاليا)
بقوله" لكن حيث إن المعني باألمر مجرد عون مياوم وليست له صفة موظف عمومي حتى
يخضع للقانون الخاص بالوظيفة العمومية الصادر في 10يبراير ،3359والذي عبر فصله
الثاني عند تعريف ا لموظف يصرح بأنه "يعد موظفا كل شخص يعين في وظيفة قارة ويرسم
في إحدى رتب السلم الخاص بأسالك اإلدارة التابعة للدولة".6
كما أن الخطأ المشخص يجب أن يرتكبه الموظف داخل المرفق العام الطبي ،فمن
غير المنطقي اعتبار أعماله التي يقوم بها في حياته الخاصة أخطاء مرفقية .إذ أكد المجلس
األعلى (محكمة النقض حاليا) على القضاة عند تحديدهم لمسؤولية المرفق العام الطبي،
ب البحث عما إذا كانت األفعال المنسوبة إليه تشكل خطأ شخصيا غير متصل بالوظيفة أو
خطأ المرفق العام الطبي ،والحكم حسب الحاالت إما بتحمل المرفق العام الطبي المسؤولية
1يجب دائما أن نستحضر عند تحليل الفصل 13من ق.إ.ع أنه قد دون من طرف جورج تسيي الذي كان آنداك قاضيا بمجلس الدولة الفرنسي
وهو الوحيد من بين األعضاء القانونيين واضعي قوانين (3331الفصل 91من ق.إ.ع ،الفصل 9من التنظيم القضائي ،الفصول -31 – 31
311 -39من التحفيظ العقاري قبل تعديله بالقانون رقم )30.11ينتمي للقانون العام أم باقي األعضاء دون أي استثناء ينتمون للقانون الخاص.
2عبد الله حارسي ،حول المسؤولية اإلدارية ،تطبيق الفصل 13من ق.ل.ع من طرف المجلس األعلى 01 ،سنة من القضاء اإلداري بالمغرب "
مواضيع الساعة " منشورارت المجلة المغربية لإلدارة المحلية و التنمية ،العدد 30سنة 3339ص .19
3قرار المجلس األعلى عدد 130بتاريخ 31يوليوز ( 3311الدولة المغربية ضد علي بن عمر) غير منشور أورده األستاذ الحسين سرحان في
مقاله:
; La faute du service public en droit administratif Marocain, op. Cit page 96
4
El houssaine SERHANE, thèse précitée, page 159.
5الصادر بظهير شريف رقم 3.59.119بتاريخ 0شعبان 10 ( 3111فبراير )3359في الجريدة الرسمية عدد 1111بتاريخ 33أبريل 3359
ص .330
6
قرار الغرفة اإلدارية للمجلس األعلى عدد 333بتاريخ 3313/11/35في الملف اإلداري عدد 11315منشور بمجلة قضاء المجلس األعلى
عدد 11دجنبر 1111ص 311.
500
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
م تى كان الضرر ناتجا عن خطأ مصلحي ألحد موظفيها أو مستخدميها ،أو عدم تحميل
ال مسؤولية إن كان الخطأ المرتكب خطأ شخصيا وال عالقة له بعمله في المرفق العام
الطبي ،1إذ أكد كذلك في قرار له بأنه "يجب على المحكمة أن تكيف الدعوى حسب الوقائع
الثابتة أمامها ،فتلتزم بالمعنى المنصوص عليه في الفصل 13من ق.ل.ع ،حيث تقضي
بمسؤولية الدولة متى كان الضرر ناجما عن خطأ مصلحي ألحد موظفيها أو مستخدميها أو
تقضي بعدم مسؤوليتها متى ثبت لها أن الخطأ خطأ شخصي للمستخدم وال عالقة له إطالقا
بعمله اإلداري".2
ولقد أكد المجلس األعلى (محكمة النقض حاليا) على أهمية الخطأ المرفقي المشخص،
إذ كان متشددا في تحديد الموظف المرتكب للخطأ والمسؤول عنه عبر ق اررين:
-القرار األول 3ارتكز في تعليله على أن مسؤولية الدولة عن األضرار الناتجة مباشرة
عن تسيير إدارتها أو عن األخطاء المصلحية لمستخدميها ال يمكن افتراضها ،أي
البد من إثبات الخطأ المصلحي المنسوب إلى أحد موظفيها ،والملف الحالي خال
من نسبة الخطأ المصلحي إلى الهيئة الطبية لمستشفى ابن زهير بمراكش التابع
للدولة.
39قرار عدد 395بتاريخ 1ماي ( 3311قضية علي وعمر أوعشا ضد الدولة المغربية) منشور بمجموعة ق اررات المجلس األعلى -3313
3315ص .11
قرار رقم 1115بتاريخ ،3391/13/31شكير محمد ضد الدولة المغربية ،منشور بمجلة القضاء و القانون عدد 319سنة 3399ص 301 2
3
قرار عدد 1133بتاريخ 3330/15/11في الملف المدني( 311910الوكيل القضائي للمملكة ضد أحمد بن عمر) منشور بمجلة قضاء
المجلس األعلى عدد 09دجنبر 1111ص ، 53يتعلق األمر بقضية السيد أحمد بن عمر الذي ذهب إلى مستشفى ابن زهير بمراكش ألجل عالج
أصبعه الذي تكسر نتيجة سقوطه من فوق جدار منزل وبعد مدة شهر من العالج على يد الدكتور المنصوري عبد اإلله الذي هو طبيب متمرن
بالمستشفى ،شفي أصبعه إال أن الطبيب المذكور أجرى له عملية بتر يديه اليمنى بأكملها دون موافقته ،وبعدها اشتكى إلى مدير المستشفى الذي
نصح بتقديم دعوى أمام القضاء .وجاء في إحدى حيثياث هذا القرار " ....فإن اعتماد المحكمة المصدرة للقرار المطعون فيه في تحميل الدولة
مسؤولية ماحدث = للمطلوب من ضرر على مجرد ان إدارة المستشفى المذكور امتنعت من تمكين الخبير المعين من طرف المحكمة من االطالع
على الملف الطبي للمتضرر المطلوب و أن ذلك يشكل قرينة على ثبوث الخطأ المصلحي ألطباء المستشفى المذكور غير كاف وكان على
المحكمة في هذه الحالة أن تجبر إدارة المستشفى بشتى الوسائل حتى ولو اقتضى األمر انتقالها شخصيا رفقة الخبير المعين من طرفها إلى
المستشفى المذكور قصد اإلطالع على الملف الطبي المذكور لتقف على الحق يقة وبالتالي التأكد من ثبوث الخطأ المصلحي للدولة أو عدم ثبوته
ودون ذلك يبقى قرارها ناقص التعليل يوازي عدمه ويعرضه بالتالي للنقض".
501
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
-القرار الثاني 1ربط فيه بين وجود عالقة سببية بين الضرر وعمل أحد أطر و ازرة
الصحة العمومية التي هي شخص من أشخاص القانون العام وبالتالي أسس مسؤولة
الدولة عن تعويض الضرر المذكور وفق مقتضيات الفصل 13من قانون
اإللتزامات و العقود والفصل 9من القانون المحدث للمحاكم اإلدارية.
إذن يتضح من خالل االجتهاد القضائي اإلداري المغربي أنه يحدد المسؤول عن
الضرر في الخطأ المرفقي الطبي بشكل منفرد سواء كان موظفا أم طبيبا أم مجموعة من
الموظفين أو فريقا طبيا ،2رغم أن المرفق هو الذي سيتحمل في األخير التعويض عن
الضرر ،األمر الذي يفسر كذلك األهمية التي يوليها القضاء في تحديد مرتكب الخطأ
المرفقي المشخص وتمييزه عن الخطأ المرفقي المغفول أو المجهول في نظام المسؤولية
اإلدارية الطبية.
إن الخطأ المرفقي المجهول أو المغفول يتمثل في السير السيء للمرفق وإخالله
بالتزاماته ،دون إلزامية البحث عن الموظف أو الموظفين التابعين للمرفق ،حيث تختزل
دعوى التعويض في طرفين أساسيين هما الضحية والمرفق .3ويتبين من خالل هذا التوضيح
أن خاصية السير السيء للمرفق تشترك مع التقسيم الثالثي والتقيلدي الذي أعطاه الفقه
1
قرار الغرفة اإلدارية عدد 191بتاريخ 1111/15/19في الملف اإلداري عدد 1113/3/0/0غير منشور أوردته جميلة بونيت ،مسؤولية الدولة
عن الخطأ الطبي في ضوء االجتهاد القضائي المغربي ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المتخصصة في المهن القضائية والقانونية ،كلية الحقوق
الرباط السويسي ،السنة الدراسة ، .1119-1111الملحق ص 311ومابعدها.
جاء في إحدى حيثياث هذا القرار" وحيث تبين مما ذكر أن المدعي أثبت حصول الضرر البنه القاصر و العالقة السببية بين هذا الضرر وعمل
أطر و ازرة الصحة العمومية التي هي شخص من أشخاص القانون العام ،الشيء الذي تكون معه الدولة المغربية مسؤولة عن تعويض الضرر
المذكور وفق مقتضيات المادة 9من القانون ."31 -03
2جاء في حكم المحكمة اإلدارية بالرباط عدد 3113الصادر بتاريخ 1111/31/19في الملف عدد 11/313س ت ،غير منشور " وحيث يتبين
بجالء مدى ثبوت الخطأ المرفقي الناتج عن إهمال الفريق الطبي لعملية إجراء كشوفات أولية على الضحية القاصر ،قبل إخضاعه للعملية الجراحية
الذي ال يعدو أن يكون إال خطأ مصلحيا" أورده عمر بومزوغ ،قضايا و ازرة الصحة أمام المحاكم المغربية قضايا و ازرة الصحة أمام المحاكم المغربية،
رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا للجامعة في المهن القضائية و القانونية ،جامعة محمد الخامس السويسي الرباط السنة الجامعية -1131
1133ص .393
3
EL houssaine SERHANE, la faute du service public en droit administratif Marocain, op. Cit. Page 96.
502
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
الفرنسي للخطأ المرفقي في حصره إما في عدم تقديم الخدمة بالشكل المطلوب أو تقديمها
بشكل سيء أوبطيء.
ولقد تذبذب االجتهاد القضائي في األخذ بفكرة الخطأ المرفقي المغفول ،وهذا راجع
باألساس إلى عدم استحضار القضاة لمبدأ الخطأ اإلداري واالقتصار فقط على التقسيم
الثالثي للخطأ المرفقي ،وهذا التأويل نفسه سايره قديما كل من الفقيهين بوسكت
BUSQUET1وريفيير RIVIERE2بتأكيدهما على أن المسؤولية اإلدارية التي وضعها
المشرع المغربي تعتمد على الخطأ المرفقي للموظفين ،أما خارج هذا النطاق فتوجد نظرية
المخاطر ،حيث يتضح من خالل الفصل 13من ق.إ.ع أن مسؤولية المرفق العام تقرر في
حالتين:
لكن سابقا ،تراجع المجلس األعلى (محكمة النقض حاليا) ومعه المحاكم المغربية في
بعض االجتهادات عن هذا الموقف الفقهي وتم تكريس الخطأ المرفقي المغفول 3وذلك
بمناسبة بتهم في المسؤولية اإلدارية ،إذ في نازلة أكد فيها صحة اإلتجاه الذي سلكته محكمة
االستئناف بالرباط في قرار لها قضى بالحكم على الدولة من أجل سوء سير المرفق العام
الصحي ،وذلك في ملف كان باإلمكان فيه التعرف بسهولة على الموظف المسؤول كما
زعمت بذلك اإلدارة.4
أما حاليا ،فاالجتهاد القضائي سواء للمحاكم اإلدارية 5أومحاكم االستئناف اإلدارية،1
وكذلك لمحكمة النقض ( الغرفة اإلدارية ) 2يعتمد بالدرجة األولى في تحديده للخطأ المرفقي
1
Busquet (R), la responsabilité de l’Etat et des municipalités, G.T.M, 1925 n° 179.
2
Riviére (P .L), Précis de législation Marocaine, paris 1927 page 229.
47
C.A .R, 17 déc 1929 ; R.A.C.A.R, p 376- C.A .R, 29 juin 1962 ; R .M.D, 1962 ; p 13C.S.A, N° 345, du 4
Aout 1978 ; R .M.D, 1962, P 514.
4قرار المجلس األعلى بتاريخ 13فبراير ، 3315لمريني محمد ،مجلة كلية الحقوق بالرباط عدد 3313ص .311
5
حكم رقم 11الصادر بتاريخ 1131-13-11عن المحكمة اإلدارية بفاس في الملف رقم 153ت 11-حكم رقم 0001الصادر بتاريخ -0
1131-31عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم 13-31-3035منشور عند عبد الكبير العلوي الصوصي ،العمل القضائي في قضايا
503
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
المغفول أو المجهول على مدى تحقق سوء أداء الخدمة من عدمه ،رغم أنه ال يعطيه اسم
الخطأ المرفقي المغفول ،لكن يمكن استنتاج ذلك من خالل تغييبه للمسؤول عن الخطأ
(موظف بالمرفق) في صلب الحكم أو القرار القضائي وربطه بالمرفق العام الطبي مباشرة،
إذ في قرار لمحكمة النقض 3أيدت فيه ما استندت إليه محكمة االستئناف بالرباط في تعليلها
للخطأ المرفقي الطبي على أساس سوء التسيير دون ربطه بالشخص المسؤول عن الضرر،
واصفة تعليلها بالتعليل السليم وغير المنتقد الذي ارتكز إلى أن " مسؤولية المرفق الصحي
الذي خضعت فيه ابنة المستأنف عليه للعالج قائمة وثابثة بأدائه الخدمة المنوطة به بشكل
سيء ،وتسبب في إصابتها بعاهة لها آثار نفسية ومعنوية جسيمة ."....
إال أن نظرة الغرفة المدنية لمحكمة النقض التزال تكرس في بعض ق ارراتها اإلتجاه
الفقهي القديم الذي يستبعد الخطأ المرفقي المجهول ويقتصر فقط على نظرية المخاطر في
حالة عدم نسبة الضرر إلى فرد أو أفراد معينين ،إذ ارتكزت في قرار 4لها على أن "
مسؤولية الدولة تقوم في حالتين :أوالهما عدم إمكان نسبة الضرر إلى شخص أو أشخاص
م عينين أي أن الضرر نشأ مباشرة من تسيير مرفق الدولة ،فالمسؤولية لذلك قائمة على
المخاطر ،واليشترط لقيامها وجود خطأ بل يكفي حدوث الضرر وقيام العالقة السببية بينه
وبين مرفق الدولة ،وثانيهما تسبب الضرر عن خطأ مصلحي ألحد موظفيها أو مستخدميها
."...
المسؤولية الطبية ،مرجع سابق ص 53إلى 11؛ حكم رقم 1111الصادر بتاريخ 13ماي 1131عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم
13-31-3131منشور عند عبد الكبير العلوي الصوصي ،مرجع سابق ص 10إلى .15
1
قرار رقم 3011الصادر بتاريخ 1131 -13 -11عن محكمة االستئناف اإلدارية في الملف رقم 1 -19 -031؛ قرار رقم 1111الصادر
بتاريخ 1131-13 -31عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم 1- 1-011؛
2
قرار عدد 1-931بتاريخ 1131 -31-33في الملف اإلداري عدد ( 1131 -1-0-1010الوكيل القضائي للمملكة ضد وردة بنقدور) غير
منشور؛ أنظر كذلك الق اررين المنشورين عند خالد عالمي و عبد الغني بامو ،مرجع سابق :قرار عدد 111بتاريخ 1131 -10 -31في الملف
اإلداري عدد ( 1133 -1 -0 -911الوكيل القضائي للمملكة ضد رشيد بوولجة) ص 11؛ قرار عدد 331بتاريخ 1131 -11 -11في
الملف اإلداري عدد (1131-3-0-001الوكيل القضائي ضد ميمون التيجاني) ص . 13
3قرار عدد 1 – 513بتاريخ 1131 – 31-11في الملف اإلداري عدد ( 1131 -1 -0 -3311الوكيل القضائي للمملكة ضد أحمد بن
العياشي الوردي) غير منشور.
4قرار عدد 1351الصادر بتاريخ 1113-33-10في الملف المدني عدد ( 1119-1-3-135الوكيل القضائي للمملكة ومن معه ضد بوعزة)
منشور عند عبد الكبير العلوي الصوصي ،مرجع مشار إليه أعاله ص 11إلى 11؛
504
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
والتجوز مطالبة الدولة والبلديات بسبب األضرار ،إال عند إعسار الموظفين المسؤولين
عنها".
ويبدو من خالل هذا الفصل أن المشرع المغربي لم يعط تعريفا محددا للخطأ الشخصي
بل نظم فقط أسباب قيام المسؤولية الشخصية للموظف العمومي وأكد أيضا على أنه ال
يمكن له (أي الموظف) أن يختبأ وراء المرفق العام في جميع الحاالت لتأمين مسؤوليته في
مواجهة الغير ،ألن هذا المرفق وإن كان شخصا معنويا عاما فإن نشاطه يسير من قبل
أشخاص ذاتيين يحتم القانون عليهم التقيد بسلوك معين وقواعد محددة بمناسبة ممارسة
مهامهم ،وكل تجاوز لها أو عدم احترامها يكون سببا في إثارة مسؤوليتهم الشخصية وفق ما
نص عليه الفصل 91من ق .إ.ع .
1أنظر على سبيل المثال ال الحصر :حكم المحكمة اإلدارية بالدار البيضاء عدد 3511الصادر بتاريخ 1133 -1 -13في الملف رقم -019
1119 -31منشور عند عبد الكبير العلوي الصوصي ،العمل القضائي في قضايا المسؤولية الطبية ،مرجع سابق ص 51إلى 59
2
صالح لمزوغي ،المسؤولية المدنية الشخصية للموظف ،أطروحة لنيل الدكتوراه ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية و االجتماعية ،أكدال الرباط،
السنة الجامعية ، 1131-1133ص .311
505
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
اختلف الفقه في األخذ بمعيار واحد وشامل لتحديد الخطأ الشخصي ،نظ ار لتعدد وتنوع
الحلول القضائية التي اختارها االجتهاد القضائي في هذا المجال .لكن سيتم حصرها في
محددين اتفق عليهما غالبية الفقه والقضاء :الخطأ المنفصل عن المصلحة اإلدارية (ثانيا)
الجسيم أو الخطأ التدليسي(ثالثا) لكن قبل التطرق إلى هذين المحددين يجب التطرق إلى
مفهوم الخطأ الشخصي سواء من الجانب الفقهي أم القضائي (أوال).
إذا كان المشرع قد أغفل تعريف الخطأ الشخصي ،فإن بعض الفقه عرفه ( أي الخطأ
الشخصي) بكونه "خطأ مجرد م ن أي عالقة مع المرفق العمومي و مثال ذلك الطبيب الذي
يعطي عالجاته لجيرانه أو لشخص تعرض لحادثة سير فهو خطأ متعمد أو خطأ ذا جسامة
استثنائية" ،1كما أنه خطأ ينسب إلى الموظف العمومي شخصيا 2ومن اختصاص القضاء
العادي تبعا لقواعد القانون الخاص المنصوص عليها في الفصل 11من ق.إ.ع ،لكن
اإلشكال ليس في تعريف الخطأ الشخصي الواقع من طرف الموظف العمومي ،بل في
تحديده وتميزه عن الخطأ المرفقي ،حيث أصبح وجود أو غياب الخطأ الشخصي محددا
لمعرفة وجود الخطأ المرفقي.
ويتضح هذا من خالل االجتهاد القضائي لمحكمة النقض الذي تطرق لمسألة توضيح
مفهوم الخطأ الشخصي عبر عدة ق اررات حديثة 3صادرة عنها ،تناقش المسؤولية اإلدارية
الطبية وتدور حول قاعدة عامة تحدد الخطأ الشخصي بأنه تصرف جد خطير يرتبط
باإلهمال وعدم االحتياط في أداء المهمة بشكل ينبئ عن تهور على درجة من الخطورة ما
كان للموظف متوسط الكفاءة الوقوع فيه".
1
Jean PANNEAU « la responsabilité du médecin »,2éme édition dalloz,3331 , page 51.
2
El houssaine SERHANE, le contentieux administratif de pleine juridiction en droit public Marocain, thèse
précitée. Page 230.
3
أنظر في هذا الصدد ق اررات منشورة عند خالد عالمي و عبد الغني بامو مرجع سابق :قرار عدد 1 -330بتاريخ 1131 -11 -13في الملف
اإلداري عدد ( 1131-1-0 -151المركز اإلستشفائي ابن رشد ضد العوني الحسين ومن معه) ص 13؛ قرار عدد 310بتاريخ -31 -11
1131في الملف اإلداري عدد ( 1131 -1 -0-315الدولة ومن معها ضد مبارك الكامل ومن معه) ص 10؛ قرار عدد 011بتاريخ – 11
1131 -13في الملف اإلداري عدد ( 1133 -1-0 -951الوكيل القضائي للمملكة ضد لحسن بوقسيم ومن معه) ص . 19
506
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
كما أن العمل القضائي سواء للمحاكم اإلدارية 1أو لمحاكم االستئناف اإلدارية 2ال
يحيد عن هذه القاعدة ،رغم أنها في بعض اجتهاداتها 3ال تزال متشبثة بالتعريف الذي تواتر
عليه المجلس األعلى للخطأ الشخصي ،أي أنه خطأ ينفصل بقدر كاف عن المرفق العمومي
الذي يشتغل به الموظف.4
وتجدر اإلشارة إلى أن الخطأ المرتكب من قبل موظفي وأعوان المرفق العام الطبي إذا كان
شخصيا منفصال عن أداء الخدمة الصحية للمكلفين بأدائها وغريبا عن عملهم داخل المرفق
العام الطبي ،فإنهم يسألون من مالهم الخاص طبقا لمقتضيات الفصل 91من ق .إ.ع
وي ختص القضاء العادي في تعويض الضرر المترتب عن خطئهم طبقا لقواعد المسؤولية
التقصيرية ،وال يكون المرفق العام الطبي مسؤوال هنا إال في حالة تحقق إعسار الموظف
المرتكب للخطأ الشخصي وذلك بعد تحقق الشروط المنصوص عليها في الفصل 91من
ق.إ.ع.5
ولقد اشترط المشرع المغربي من خالل الفصل 91من ق.إ.ع في الخطأ الشخصي
للعون أو موظف المرفق العام الطبي أن يكون خطأ جسيما أو تدليسيا وقع بمناسبة القيام
بأعمال الوظيفة ،وأضاف له القضاء شرطا آخر وهو أن يكون منفصال عن الوظيفة ،حيث
جاء في قرار للمجلس األعلى( محكمة النقض حاليا) 6يصف فيه الخطأ الشخصي بأنه"
خطأ غير مطبوع بطابع الموظف أو المستخدم الشخصي وبأن ال تكون له عالقة إطالقا
بعمله الوظيفي أو يكون مندرجا في مهامه الوظيفية ،ولكنه مع ذلك يكتسي قد ار من
1
حكم المحكمة اإلدارية بفاس عدد 35 -110الصادر بتاريخ 3335 -31 -1في الملف رقم 35 -51ت منشور عند صالح لمزوغي،
المسؤولية المدنية الشخصية للموظف ،مرجع سابق ص 319و.313
2
قرار رقم 111صادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش بتاريخ 1111 -33-11في الملف عدد - 3-1111 – 1-11انظر كذلك
الق اررين التالين :قرار رقم 3311الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش بتاريخ 1133 -31 -35في الملفين عدد 1133 -1 -111
و1133-1 -111؛ قرار رقم 3335الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط بتاريخ 1131-1 -13في الملف رقم .1 -19 -531
3
حكم المحكمة اإلدارية بالرباط عدد 011بتاريخ 3333 -11 -11منشور بالمجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية عدد 11ص .391
قرار 1115بتاريخ 3391-3-31ملف مدني ،الغرفة المدنية بالمجلس األعلى ،منشور بمجلة القضاء و القانون عدد 319ص.301 4
5
أحمد أدريوش ،مسؤولية الطبيب المدنية ،عرض مقدم لندوة المسؤولية الطبية في الفقه و القضاء و القانون ،الندوات الشهرية لمحكمة االستئناف
بالرباط ،يوم الجمعة ،1113-3-13ص .30
6قرار عدد 1351بتاريخ 1113/33/10في الملف المدني عدد ( 1119/1/3/135الوكيل القضائي للمملكة ومن معه ضد بوعزة) منشور عند
عبد الكبير العلوي الصوصي ،مرجع سابق ،ص 11إلى .11
507
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
الجسامة ،أو ينطوي على عمد أو نية اإلضرار ،وفي هذه الحالة يقيم الفصل 91من ق.
إ.ع مسؤولية الموظف عن الضرر الذي تسبب فيه وال تسأل الدولة إال في حالة إعساره ".
إن القضاء هو الذي وضع هذا المعيار ،1ويطلق عليه كثي ار من الفقه اسم الخطأ
المنفصل عن الوظيفة ،ويشمل الخطأ الشخصي المنفصل عن المصلحة اإلدارية جميع
األعمال التي يقوم بها الموظف دون أن تدخل في اختصاصه ،فيعتبر خطأ شخصيا إذا
أمكن فصله عن الوظيفة بينما يعتبر خطأ مرفقيا إذا كان عمل الموظف العامل بالمرفق
العام الطبي ال ينفصل عن الوظيفة .2فالحالة هنا كما عبر عنها األستاذ سرحان بأن المرفق
العام يتخلى عن جداره الذي يختبأ وراءه الموظف أو العون العمومي ،فالخطأ المرتكب من
طرفه يبقى مسؤوال عنه بالدرجة األولى اتجاه الضحية ،3كما يكون الخطأ الشخصي للموظف
منفصال عن وظيفته بالمرفق العام الطبي إذا كان مستقال عن عمله الفني المرتبط به.4
وال يثير الخطأ الشخصي المنفصل الذي يرتكبه الموظف التابع للمرفق العام الطبي أي
إشكال ،على اعتبار وجود نصوص قانونية تحدد مجال الموظف أو العون التابع للمرفق
العام الطبي ،بل المشرع نفسه حدد األعمال التي ال يمكن أن يقوم بها مثال إال الطبيب أو
الجراح ،واألعمال التي يقوم بها غيرهم من المساعدين إما تحت إشراف ومراقبة الطبيب أو
الجراح أو بأمر من أحدهما و دون حضوره.5
1وردت تسمية الخطأ المنفصل عن المصلحة اإلدارية قديما في قرار الغرفة المؤقتة لمحكمة النقض بتاريخ3300/1/1في قضية أحمد بن
مبارك/هيمير وردت عند األستاذ إبراهيم زعيم الماسي ،المرجع العملي في االجتهاد القضائي االداري ،مطبعة النجاح الجديدة الدارالبيضاء سنة
3331ص 013وكذلك قرار للمجلس األعلى عدد 339بتاريخ 3311-15-11ق.م.ع عدد 15ماي 3391ص . 331
2حكم المحكمة اإلدارية بفاس عدد 35 -110الصادر بتاريخ 3335 -31 -1في الملف رقم 35 -51ت ورد عند صالح لمزوغي ،المسؤولية
المدنية الشخصية للموظف ،مرجع سابق ص 319و .313
3
El houssaine SERHANE" la problématique de la faute personnelle aux agents publics en droit administratif
Marocain" op cit page 146.
4
Cyril CLEMENT, L’évolution de la responsabilité médicale de l’hôpital public, les Grans arrêts de la
jurisprudence, Edition les études Hospitalières ,1995 page 41-42.
5أحمد أدريوش ،مسؤولية مرافق الصحة العمومية ،مرجع سابق ،ص 03و.01
508
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ومن التطبيقات القضائية للخطأ الشخصي المنفصل عن المصلحة اإلدارية ما جاء في
قرار المجلس األعلى" 1حيث إن المحكمة االبتدائية التي تبنت عللها محكمة االستئناف
أثبتت من خالل تقرير الخبير ومحضر الشرطة القضائية أن الوفاة ناتجة عن مفعول دواء
غرز في جسم الضحية من طرف الممرض وقد صرحت المحكمة في هذا الشأن بأنه جاء
في تقرير الطبيب أن الموت كانت نتيجة صدمة ناتجة عن مفعول دواء مغروز في الجسم
وهذا هو الفعل المرتكب والمؤدي إلى وفاة الضحية.
وحيث والحالة هذه تكون مسؤولية الممرض كاملة فتكون المحكمة بذلك قد أبرزت من
جهة خطأ الممرض في عدم أخده االحتياطات والعناية الالزمة بغرز اإلبرة للضحية بعد
التأكد أن بحوزتها وصفة الطبيب أو بعد استشارة هذا األخير ،ومن جهة أخرى العالقة
السببية بين الخطأ والضرر وهو الوفاة مما يكون معه القرار المطعون فيه معلل بما فيه
الكفاية وتكون الوسيلة غير مرتكزة على أساس".
كما تجدر اإلشارة إلى أن األخطاء الشخصية التي يرتكبها الطبيب أو موظفي المرفق
العام الطبي خارج مزاولتهم لوظيفتهم ،ال يشترط فيها نفس المعايير والضوابط المذكورة في
الخطأ الشخصي المنفصل عن الوظيفة في الحاالت العادية ،على اعتبار أن الطبيب في
هذه الحالة يكون قد أخل بالتزام رتب عليه العقد الطبي طبقا للفص 113من ق.إ.ع ،ويكون
القضاء العادي هو صاحب االختصاص و ليس القضاء اإلداري.2
1قرار الغرفة اإلدارية رقم 111بتاريخ 91-33-0ملف إداري غير منشور أورده األستاذ أحمد أدريوش ،مسؤولية المرافق الصحية العمومية،
مرجع سابق ص .03
2جميلة بونيت ،مسؤولية الدولة عن الخطأ الطبي في ضوء االجتهاد القضائي ،مرجع سابق ص .39
509
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ذلك أن الخطأ في هذه الحالة ينفصل ذهنيا عن نطاق الوظيفة ومن تم يظل شخصيا،
كما يشترط في هذا الخطأ حتى يمكن اعتباره شخصيا أن يكون العون بالمرفق أو الموظف
بالمرفق العام الطبي قد ارتكبه بسوء نية ،أي أن يكون من الجسامة لدرجة ال يمكن اعتباره
من المخاطر العادية التي يتعرض لها العون أو الموظف في أداء عمله اليومي.2
ومن التطبيقات التي اجتمع عليها الفقه و القضاء في مجال الخطأ الجسيم:3
-نسيان جسم غريب في جسد المريض ،وإهمال تنظيف البطن بعد إخراج الجسم الغريب
من جسد المريض إذ جاء في قرار للمجلس األعلى ( محكمة النقض حاليا) "إن الدكتور....
بنسيانه للجسم الغريب في جسد المدعية أثناء القيام بالعملية الجراحية يكون قد ارتكب خطأ
جسيما أخل بالمقتضيات العامة التي تفرضها عليه مهنة الطب ،والتي تستوجب بذل عناية
وجهد جاد يقظ تتفق والمسلك الطبي الذي يفترض في كل طبيب يقظ في مستواه المهني وجد
في نفس الظروف الخارجية التي أحاطت به ،فهو يسأل عن خطئه العادي أيا كانت
جسامته".4
11قرار عدد 1/310بتاريخ 1131 /31/11في الملف اإلداري عدد (1131/1/0/315الدولة ومن معها ضد مبارك الكامل ومن معه) منشور
عند خالد عالمي و عبد الغني بامو ،مرجع سابق ص .10
مليكة الصروخ ،القانون اإلداري ،دراسة مقارنة ،مطبعة النجاح الجديدة سنة 3335ص .551 2
3
أحمد أدريوش ،مسؤولية المرافق الصحية العمومية ،مرجع سابق ص .00-01-01
4
قرار صادر عن المجلس األعلى (محكمة النقض حاليا) تحت عدد 191بتاريخ 3333/11/30غير منشور أورده محمد أوغريس ،مسؤولية
الطبيب في التشريع الجنائي ،دراسة مقارنة ط ،3330 ،3دار قرطبة الدار البيضاء ،ص . 15
510
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
-الجهل بأصول الطب وبمعطياته الثابتة ومن أمثلة ذلك ماجاء في اجتهاد للغرفة المدنية
بالمجلس األعلى ( 1محكمة النقض حاليا) بأن " مسؤولية الطبيب ال تنعقد إال بثبوت إهمال
من طرفه يستخلص من وقائع قاطعة وواضحة تتنافى مع األصول العلمية الثابتة في علم
الطب".
ويخضع تقدير جسامة الخطأ الذي يقترفه الموظف لتقدير قضاة الموضوع بناء على
معطيات محددة ،ترتكز خصوصا على نوعية نشاط المرفق اإلداري والمخاطر التي تواجه
الموظف في مزاولة مهامه ،كما أن تطبيق معيار الجسامة خاصة من طرف القضاء اإلداري
المغربي يختلف حسب الدرجة القضائية ونوعية القضايا المعروضة ،2وال أدل على ذلك
وصف بعض المحاكم اإلدارية 3واالستئناف اإلدارية 4الخطأ المرتكب من قبل الطبيب بأنه
خطأ جسيم ،لكنها ال ترتب عليه النتيجة التي رتبها الفصل 91من ق .إ.ع أي أن هذا
الخطأ يرتب المسؤولية الشخصية ،بل تحمل المرفق المسؤولية اإلدارية طبقا للفصل ،13
5
كما أن هذا اإلشكال ال يقف عند هذه النقطة ،بل حتى بعض ق اررات محكمة النقض
تشاطر هذا االتجاه الذي سلكته هذه المحاكم ،موضحة أن الخطأ الجسيم الذي يتحمل معه
مرتكب المسؤولية بصفة شخصية هو ذلك الذي يصل إلى درجة العمد أو شبه العمد في
ارتكاب الفعل الضار ،أما إذا كان ذلك الخطأ ناتجا عن المزاولة العادية للعمل المنوط
1
قرار عدد 1303صادر عن المجلس األعلى (محكمة النقض حاليا) بتاريخ 1113/15/13في الملف المدني عدد 11/3193منشور في مجلة
التواصل القضائي ،عدد مزدوج 1/1دجنبر -1131فبراير 1130ص .51
2صالح لمزوغي ،المسؤولية الشخصية للموظف العمومي ،مرجع سابق ص 331
3
أنظر في هذا الصدد :حكم المحكمة اإلدارية بالدار البيضاء عدد 3511الصادر بتاريخ 1133 -1 -13في الملف رقم 1119 -31 -019
منشور عند عبد الكبير العلوي الصوصي ،مرجع سابق ص 51إلى 59؛ حكم المحكمة اإلدارية بوجدة عدد 1الصادر بتاريخ 1115/13/10في
الملف رقم 1111/111ش.ت منشور في مجلة فقه المنازعات مرجع سابق ص 051إلى 013؛ حكم المحكمة اإلدارية بمراكش عدد 31بتاريخ
1115/11/31في الملف 1115/31/10منشور بالمجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية عدد مزدوج 11 -11ماي غشت 1115ص .111
4أنظر في هذا الصدد ق اررات عن محكمة االستئناف اإلدارية ذكرت وأيدت من طرف ق اررات محكمة النقض المشار إليه أسفال :قرار محكمة
االستئناف اإلدارية بمراكش رقم 3311الصادر بتاريخ 1133 -31 -35في الملفين عدد 1133 -1 -111و1133 -1-111؛ قرار محكمة
االستئناف اإلدارية بالرباط رقم 913الصادر بتاريخ 1133 -11 -10في الملف عدد 1 -19 -515؛ قرار محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط
رقم 1111الصادر بتاريخ 1133 -11 -11في الملف عدد .1 -19 -119
5أنظر في هذا الصدد ق اررات منشورة عند خال د عالمي و عبد الغني بامو ،مرجع سابق :قرار عدد 310بتاريخ 1131 -31 -11في الملف
اإلداري عدد ( 1131 -1 -0-315الدولة ومن معها ضد مبارك الكامل ومن معه) ص 10؛ قرار عدد 1 -330بتاريخ 1131 -11 -13في
الملف اإلداري عدد ( 1131-1-0 -151المركز اإلستشفائي ابن رشد ضد العوني الحسين ومن معه) ص 13؛ قرار عدد 1 -13بتاريخ -31
1130 -13في الملف اإلداري عدد ( 1131 -1-0 -3353الوكيل القضائي ضد عبد العزيزجبرون) ص .313
511
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
بالموظف فإنه ال يصل إلى درجة الخطأ الجسيم ،كما أن وصف المحاكم للخطأ بأنه جسيم
فإن ذلك ال يخرجه عن دائرة الخطأ المصلحي مادام أن جسامته لم تصل إلى درجة الخطورة
المبررة لتحميله للموظف.
ويبدو أن بعض أحكام القضاء العادي 1وق اررات الغرفة المدنية لمحكمة النقض 2عند
بتها في المسؤولية اإلدارية الطبية تطبق الفصلين 13و 91من ق .إ.ع تطبيقا سليما ،على
عكس اتجاه القضاء اإلداري الذي تمت اإلشارة إليه سابقا.
ومن بين التطبيقات القضائية التي سايرت هذا المنحى ما جاء في حكم المحكمة
االبتدائية لوجدة الذي وضح بشكل صريح أن الخطأ الجسيم يندرج ضمن األخطاء الشخصية
بقولها" وحيث إن المحكمة بعد دراستها لملف النازلة وخاصة نتيجة الخبرة المأمور بها ..وقد
تبين لها أن ما أصاب المدعي من أضرار تمثلت في شلل وجهه يرجع باألساس إلى العملية
الجراحية التي أجراها الدكتور.
وحيث يظهر أن العالقة السببية بين فعل الدكتور وبين الضرر ثابتة ،وأن المحكمة
وبما تتوفر عليه من سلطة تقديرية قد قررت اعتبار فعل الدكتور من قبيل األخطاء الجسيمة
عمال بمقتضيات الفصل 91من ق.إ.ع".3
وتقوم كذلك فكرة الخطأ التدليسي على القيام بأعمال تدليسية يستعمل فيها العون أو
الموظف بالمرفق العام الطبي نزاوت شخصية موسومة بأعمال غير مشروعة هدفها اإلضرار
بالغير ويتحمل وحده نتائج فعله الضار ،4ومن التطبيقات القضائية لهذه الحالة ما جاء في
قرار للمجلس األعلى ( 5محكمة النقض حاليا) في تحديده للخطأ الشخصي بأنه خطأ غير
1
حكم المحكمة اإلبتدائية للقنيطرة بتاريخ 1131/31/39في الملف الجنحي رقم 1313/1111غير منشور؛
2
أنظر في هذا الصدد القرار عدد 1351الصادر بتاريخ 1113-33-10في الملف المدني عدد ( 1119-1-3-135الوكيل القضائي للمملكة
ومن معه ضد بوعزة) منشور عند عبد الكبير العلوي الصوصي ،مرجع سابق ص 11إلى 11؛
3
حكم المحكمة اإلبتدائية بوجدة رقم 95 -1531بتاريخ 3393 -31-3في الملف رقم 93 -1311ورد عند جميلة بونيت ،مسؤولية الدولة عن
الخطأ الطبي في ضوء االجتهاد القضائي ،مرجع سابق ص 33؛
4محمد الحضري ،أساس مسؤولية المتبوع في التشريع المدني المغربي ،بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص ،جامعة محمد
الخامس ،كلية العلوم القانونية واالجتماعية واالقتصادية ،الرباط السنة الجامعية 3333-3331ص113؛
5
قرار عدد 1351بتاريخ 1113/33/10في الملف المدني عدد ( 1119/1/3/135الوكيل القضائي للمملكة ومن معه ضد بوعزة) منشور عند
عبد الكبير العلوي اللصوصي ،العمل القضائي في قضايا المسؤولية الطبية ،مرجع سابق ،ص 11إلى 11؛
512
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
مطبوع بطابع الموظف أو المستخدم الشخصي وبأن ال تكون له عالقة إطالقا بعمله
الوظيفي أو يكون مندرجا في مهامه الوظيفية ،ولكنه مع ذلك يكتسي قد ار من الجسامة ،أو
ينطوي على عمد أو نية اإلضرار".
وقد يندرج الخطأ المبني على التدليس تحت طائلة القانون الجنائي ،حيث كان العمل
القضائي المغربي في بداية األمر يربط وجود المتابعة الجرمية بتحقق المسؤولية
الشخصية 3وبالتالي وجود الخطأ الشخصي التلقائي .والعكس صحيح ،أي أنه كان يربط
تواجد الخطأ الشخصي بقيام مسطرة جرمية ،4ولعل هذه القاعدة تم اقتباسها من اجتهادات
1أنظر في هذا الصدد ق اررات منشورة لمحكمة النقض سبق التطرق إليها تعتمد على هذا االتجاه :قرار عدد 310بتاريخ 1131 -31 -11في
الملف اإلداري عدد ( 1131 -1 -0-315الدولة ومن معها ضد مبارك الكامل ومن معه)؛ قرار عدد 1 -330بتاريخ 1131 -11 -13في
الملف اإلداري عدد ( 1131-1-0 -151المركز اإلستشفائي ابن رشد ضد العوني الحسين ومن معه)؛ قرار عدد 1 -13بتاريخ -13 -31
1130في الملف اإلداري عدد ( 1131 -1-0 -3353الوكيل القضائي ضد عبد العزيزجبرون ).
2
صالح لمزوغي ،المسؤولية المدنية الشخصية للموظف العمومي ،مرجع سابق ص .331
3
« La condamnation prononcée par le juge pénal n’implique pas à elle seule que l’agent incriminé ait commis
une faute détachable de l’exercice de ses fonctions et susceptible d’engager sa responsabilité
personnelle »C.S.A 2 mai 1962, Mallogra ; RMD, 1962 p 858.
4
حيث جاء في إحدى حيثيات قرار الغرفة اإلدارية للمجلس األعلى عدد 350بتاريخ 1111-11-30منشور في بالمجلة المغربية لإلدارة المحلية
11-11شتنبر -دجنبر ،1111ص " 311وحيث إن القرار اإلستئنافي الجنحي الصادر بتاريخ 1111-11 -33عن والتنمية ،عدد مزدوج
محكمة اإلستئناف بمراكش في الملف رقم 0511أيد الحكم اإلبتدائي القاضي بإدانة كل من الممرض والطبيب من أجل القتل الخطأ الناتج عن
حقن الضحية بدم ليس من فصيلة دمها بسبب عدم تبصرهما وعدم احتياطهما وهو خطأ مادي جسيم وصل إلى حد ارتكابهما لجريمة تقع تحت
طائلة القانون الجنائي وال يندرج ضمن المخاطر العادية التي يتعرض لها الموظف في أداء عمله اليومي " .هنا المجلس األعلى ألغى حكم
المحكمة اإلدارية بمراكش عدد 31بتاريخ 1115/11/31سبق اإلشارة إليه والذي ورد في تعليلها " وحيث إن وفاة الهالكة ناجمة عن نفس الخطأ و
ذل ك في ظروف انعدمت فيها المراقبة وتدنت فيها الخدمات واختل فيها تسيير المرفق الصحي ،وهي ظروف أتاحت بسهولة وسير ارتكاب مثل هذا
الخطأ ،وحيث إنه والحالة هذه ،فإن الفعل الضار وإن كان يكتسي طابعا شخصيا كما جاء في الحكم الجنحي الذي حاز قوة الشيء المقضي به،
فإنه في نفس الوقت يشكل خطأ طبيا،ينسب أيضا إلى المستشفى ،وتلزم اإلدارة بالتعويض عنه وحيث إنه نظ ار لطبيعة الفعل الضار ،ومدى مساهمة
المرفق في إحداثه ،ومراعاة ظروف الطرف المدعي ،ومدى تأثير ذلك سلبيا على نفسيته وإعماال لسلتطها التقديرية ارتأت المحكمة أن تحكم على
513
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
القاضي الفرنسي الذي وضع معيا ار أساسيا للقول بأن الخطأ الجرمي هو خطأ شخصي
وذلك في حالتين:
ولعل هذا المعيار حسب رأي األستاذ عبد الله حارسي ،1قد تم تطبيقه بدون إشكاالت
في القانون المغربي ،ألنه يتوافق مع المصطلحات التي استعملها المشرع المغربي في الفصل
91من ق.إ.ع للحديث عن الخطأ الشخصي ( التدليس ،الخطأ الجسيم) وبالتالي ال يطبق
هذا الخطأ على كل حاالت األخطاء الجرمية.
إال أن القضاء المغربي تراجع عن اتجاهه القديم ،حيث اعتبر أن تواجد أو غياب
الخطأ الجرمي ليس دائما دليال على تحقق المسؤولية الشخصية وبالتالي إعفاء مسؤولية
المرفق العام الطبي ،حيث جاء في قرار حديث 2صادر عن محكمة النقض " حيث استندت
المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه فيما انتهت إليه من إلغاء الحكم المستأنف القاضي
بالتعويض و الحكم تصديا برفض الطلب إلى علة مفادها أن ( )...ال يمكن القول بوجود
الدولة المغربية في شخص و ازرة الصحة بأن تؤدي للمدعي ..أصالة عن نفسه تعويضا معنويا قدره خمسون ألف درهم ،ونيابة عن ابنه القاصر،
تعويض معنويا مماثال".
1
Abdellah HARSI, la responsabilité administrative en droit Marocain, thèse de doctorat d’Etat en droit public,
faculté des sciences juridiques économiques et sociales à Fes, 1993 p 64.
2قرار عدد 311بتاريخ 1131 -31 -11في الملف اإلداري عدد ( 1131 -1 -0-3113ورثة محمد العبوبي ضد مستشفى محمد الخامس
ومن معه) منشور عند خالد عالمي و عبد الغني بامو ،مرجع سابق ،ص 53؛ نفس هذا التوجه سايره القرار رقم 93/155الصادر عن محكمة
االستئناف االدارية بالرباط بتاريخ 11أكتوبر 1113في الملف رقم ، 59/33/1119حيث جاء فيه " وحيث كان الثابت من معطيات النازلة أن
مؤدى دعوى المستأنف عليهم وأساسا الخطأ المبني على الجريمة ،على اعتبار أن الم مرضين المنسوب إليهم ما حدث للضحية وتسبب في ارتكاب
خطأ شخصي مبني على جريمة تتمثل في عدم تقديم مساعدة لشخص في حالة خطر ،في قتل غير عمدي نتيجة إهمال ،وأن ذلك تم بمستشفى
عمومي فإنه ال يعتبر خطأ شخصي منفصل عن الوظيفة ،لذلك فهو يختلط بالخطأ المرفقي ،مما تكون معه المسؤولية إدارية وليست مسؤولية
مدنية ،ويبقى االختصاص نوعيا للبت في الدعوى منعقدا لجهة المحكمة اإلدارية "....قرار غير منشور أورده يونس الشامخي ،تطور أسس
المسؤولية اإلدارية في ضوء االجتهاد القضائي اإلداري -دراسة مقارنة ، -أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية
واالجتماعية سال ،السنة الجامعية 1135/1130ص15
514
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
خطأ جسيم من طرف المرفق الصحي في غياب ما يفيد أو يثبت أن إخراج المريض تم من
قبل الممرض ( )...السيما أنه لم يكن موضوع متابعة جنائية.
في حين أنه بالرجوع إلى وثائق الملف وخاصة محضر الضابطة القضائية يتبين بأنه
عند اإلستماع إلى الممرض ( )...فإنه صرح بأنه هو من سلم المريض الهالك إلى أخته
وأخيه لنقله والحال أنه كان في غيبوبة حسب تصريح سائق سيارة اإلسعاف ودون أخد رأي
الطبيب المعالج حسب شهادة الطبيبة ( )...وهي عناصر لم تتم مناقشتها للقول بوجود خطأ
من طرف الممرض المذكور أم ال ،مدام أن مجرد عدم متابعته جنائيا فال ينفي حدوث خطأ
وظيفي أو شخصي في جانبه األمر الذي يجعل القرار ناقص التعليل وعرضة للنقض".
وعموما ،فإن القضاء اإلداري المغربي وضع ثالث قواعد أساسية لتحديد الخطأ الجسيم
أو الخطأ التدليسي وهي كاآلتي:
-أن تقدير جسامة الخطأ ينبني على معرفة نشاط المرفق اإلداري والمخاطر التي
تواجه الموظف في مزاولة مهامه؛
-الخطأ التدليسي هو الخطأ الذي يستعمل فيه العون نزوات شخصية غير
مشروعة الهدف منها اإلضرار بالغير؛
-أن تواجد أو غياب الخطأ الجرمي ليس دائما دليال على تحقق المسؤولية
الشخصية وبالتالي إعفاء مسؤولية المرفق العام الطبي.
خاتمة
يشكل الخطأ الركيزة األولى للحديث عن مسؤولية المرفق العام الطبي ،إال أن التمييز
الذي وضعه المشرع المغربي للتفرقة بين الخطأ المرفقي و الخطأ الشخصي ،باعتبار األول
يرتبط بالمرفق والثاني ينسب للموظف ،يبقى غير كاف من الناحية العملية والتطبيقية،
خاصة عند اجتماع الخطأ الشخصي و الخطا المرفقي ،وهذا يرجع باألساس إلى عدم تحديد
معايير محددة وواضحة تفرق بين الخطأين من جهة ،ومن جهة أخرى غياب تفعيل
مقتضيات المسؤولية الشخصية تطبيقا للفصل 91من ق إ ع ،الشيء الذي يؤدي إلى
515
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
اللجوء إلى المسؤولية المرفقية المنصوص عليها في الفصل 13من ق إ ع أكثر من
المسؤولية الشخصية ،وهذا المعطى االخير يتضح في اجتهادات القضاء اإلداري المغربي،
وينم كذلك عن تكريس حماية الموظف العمومي من إثارة مسؤوليته الشخصية.
لكن هذا التوجه األخير فيه إضرار بمالية الدولة على اعتبار أن جل التعويضات
المطالب بها والتي هي في األصل عبارة عن أضرار مرتكبة من قبل الموظفين بصفتهم
الشخصية سيتحملها المرفق ،وعليه فالعبرة التي وضع من أجلها التمييز بين الخطأ المرفقي
والخطأ الشخصي من طرف المشرع المغربي في الفصلين 13و 91من ق إ ع ستبقى بدون
جدوى أو فائدة تذكر.
516
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ويخضع مصطلح المسؤولية لعدة تقسيمات تختلف باختالف ميادين توظيفه فيها،
وبذلك ،فهي تتخذ أكثر من داللة لغوية تتباين بحسب األوصاف التي تم إلحاقها بها ،إال انه
يمكن اختزال هذه اإلطالقات في ثالثة أنواع ،يتعلق أولها بالمسؤولية األخالقية التي ترتبط
بالقيم المجتمعية ،ويكون جزاء مخالفتها استنكار الناس وعدم رضاهم على هذا التصرف بما
يؤثر ال محالة على نفسية المخالف ويجعله يحس بالخجل والندم على ما اقترف .أما النوع
الثاني فيتعلق بالمسؤولية الجنائية التي تحدد جزاءات زجرية نتيجة تصرفات الشخص التي
يجرمها القانون كالقتل والسرقة ،وبالتالي فهذه المسؤولية ترتبط بالعقاب وال تنفصل عنه،
وذلك لخطورة األفعال الجنائية ومساسها بالنظام العام .أما النوع الثالث فهو ما تعلق
بالمسؤولية المدنية ،هذه األخيرة وعكس الجنائية تهدف إلي حماية مصلحة خاصة يملك
المتضرر إمكانيات واسعة للتنازل عن حقه في التعويض عنها كال أو جزءا ،وهي المسؤولية
التي نظمها المشرع المغربي بموجب الفصل 11من قانون االلتزامات والعقود وما يليه.1
1ينص الفصل 11من ق ل ع على ما يلي( :كل فعل ارتكبه اإلنسان عن بينة واختيار ومن غير أن يسمح به القانون فأحدث ضر ار ماديا أو
معنويا للغير التزم مرتكبه بتعويض هذا الضرر).
517
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ومن خالل هذا الموضوع سأتطرق لموضوع المسؤولية المدنية ،وخاصة ما تعلق منها
بمسؤولية موظفي هيئة كتابة الضبط الموضوعية (اإلدارية) بمناسبة القيام بمهامهم ووظائفهم
واستجالء موقف القضاء اإلداري منها.
ومن خالل االطالع على المهام والوظائف المتنوعة والمتشعبة التي يتولى موظفو هيئة
كتابة الضبط القيام بها ،يمكن الوقوف على حجم المسؤوليات التي يتحملها هؤالء الموظفون
بمناسبة القيام بوظائفهم أو بسببها .وتنقسم هذه المسؤولية إلى قسمين رئيسيين فهي إما
مسؤولية شخصية يكون الموظف المخل بالتزاماته المهنية عرضة للمتابعة التأديبية ،المدنية
في أحد شقيها إما المالي أو التقصيري ،بل إن مسؤولية الموظف التابع لهيئة كتابة الضبط
قد تصل إلى حد المسؤولية الجنائية في بعض األحوال ،أو مسؤولية موضوعية (إدارية)
تتحمل الدولة المسؤولية المدنية عنها طبقا لمقتضيات الفصل 13من ق ل ع بحكم تبعية
هذه الهيئة للقطاع الوزاري المكلف بالعدل .وسنقتصر في هذا الموضوع على الشق المتعلق
بالمسؤولية اإلدارية لموظفي هذه الهيئة على أن نتطرق للمسؤولية الشخصية لهؤالء
الموظفين في موضوع الحق.
518
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ال تشكل جميع األخطاء أو التصرفات المنافية للقانون التي قد يأتيها الموظف
العمومي بشكل عام ،وموظفو هيئة كتابة الضبط بشكل خاص ،أخطاء شخصية يتحملون
وحدهم تبعاتها وأثارها الضارة ،بل إن من بين هذه األخطاء ما يكون لها طابع موضوعي،
يتحمل المرفق العام المسؤولية عنها ،فما هو مفهوم هذه المسؤولية؟ وما هي أسسها؟ وهل
يمكن تمييز المسؤولية اإلدارية لموظفي هيئة كتابة الضبط عن مسؤولية موظفي باقي
المرافق التابعة للدولة؟
اتفق بعض الفقه على أن أساس المسؤولية اإلدارية هو حكم بالنكو الشهير الذي
أصدرته محكمة النزاعات بفرنسا بتاريخ 9فبراير ،3911وأسسوا لموقفهم بهذا الخصوص
على أساس أن المسؤولية التي يمكن أن تلقى على الدولة بخصوص أضرار الحقة بالخواص
من جراء عمل أشخاص تستخدمهم في المرفق العمومي ال يمكن أن تطبق عليها المبادئ
المنصوص عليها في القانون المدني بالنسبة لعالقات الخواص فيما بينهم ،وهي الفكرة التي
تم تكريسها بشكل أكثر وضوحا بفضل االجتهاد القضائي الليبرالي لمجلس الدولة خالل سنة
3315في قرار توماس كريكو Tomas Breccoحيث أصبحت مسؤولية الدولة أم ار
مقبوال بسبب أخطائها الجسيمة التي يمكن أن تنتج عن األنشطة اإلدارية التي تطورت مع
الوقت ،كما أن إقرار هذه المسؤولية مر بمرحلتين أساسيتين ،مرحلة أولى استندت على شرط
الخطأ واجب اإلثبات ،لتعقبها بعد ذلك مرحلة االعتراف بهذه المسؤولية اإلدارية وإقرارها حتى
بدون خطأ في صور وحاالت معينة ،وبناء على نظريات قانونية مختلفة.
وبالنسبة للمغرب شكل قانون االلتزامات والعقود الصادر في عهد الحماية وبالضبط
سنة 3331أساس هذه المسؤولية اإلدارية استنادا إلى مقتضيات الفصل 13منه الذي
ينص على أن "الدولة والبلديات مسؤولة عن األضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها،
وعن األخطاء المصلحية لمستخدميها".
519
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
واعتبا ار لكون هيئة كتابة الضبط تعتبر جها از إداريا تابعا للسلطة الحكومية المكلفة
بالعدل ،فإن األخطاء المصلحية لموظفيها تخضع بدورها لنفس الشروط واألركان التي تشكل
أساس المسؤولية اإلدارية التقصيرية ،غير أن موضوع مسؤولية موظفي كتابة الضبط
اإلدارية قد يعرف تحوال مهما في المستقبل وخاصة فيما يتعلق بالمهام غير اإلدارية التي
ترتبط ارتباطا وثيقا بالعمل ذو الطابع القضائي ،وذلك على إثر تصريح المحكمة الدستورية
بموجب قرارها عدد 93/33بعدم دستورية بعض المقتضيات القانونية الواردة بمشروع قانون
التنظيم القضائي الجديد بموجب قرار صادر عنها.
وقد شكل هذا القرار مناسبة للمحكمة الدستورية من أجل تسليط الضوء على الموقع
المتميز الذي يحتله جهاز كتابة الضبط داخل منظومة العدالة ،باعتباره جها از مساعدا
للقضاء ،إذ خلصت في إحدى حيثيات هذا القرار أنه إلى جانب األعمال اإلدارية والمالية
لإلدارة القضائية ،فإن هذه األخيرة (هيئة كتابة الضبط) تتميز عن باقي اإلدارات العمومية
في أدائها لعم موسوم بالطبيعة القضائية ،وأن هذا الوضع يضفي خصوصية على نشاط
مرفق العدالة قياسا بباقي المرافق اإلدارية األخرى ،مؤكدة أن قيامها بمجموعة من المهام من
قبيل تلقي الشكايات والمحاضر والمقاالت ،تحرير االستدعاءات ،حضور االستنطاق،
تحصيل الرسوم القضائية ،أداء مهام التبليغ ،المشاركة في هيئة الحكم ،تحرير محاضر
الجلسات وعمل التنفيذ ،أنها أعمال تندرج في خانة الولوج إلى العدالة وإجراءات التقاضي،
مما يسبغ صفة مساعدي القضاء على هيئة كتابة الضبط المشكلة للمورد البشري لإلدارة
القضائية.
وزيادة في بيان الدور المنوط بهيئة كتابة الضبط في الولوج للعدالة وعالقتها باإلدارة
القضائية ،صرحت المحكمة الدستورية في حيثية أخرى من هذا القرار على أن العم
القضائ ي للنيابة العامة ،يتوقف على عم كتابة الضبط لتدلير الشاايات الواردة عليها
ولتحرير محاضرها ،ولتنفيذ األوامر الصادرة عنها ،وهو عم يقتضي ،من جهة ،مراعاة
طبيعة عم كتابة الضبط لدى النيابة العامة المستمدة من خصوصية عم هذه األخيرة،
ومن جهة أخرى ،تبعية موظفي النيابة العامة للمسؤولين القضائيين ،بحكم أن تنفيذ
السياسة الجنائية وسير النيابة العامة موكول طبقا للمادة 331من القانون التنظيمي المتعلق
520
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
بالمجلس األعلى للسلطة القضائية ،لجهة قضائية تتمثل في الوكيل العام لدى محكمة النقض
رئيس النيابة العامة.
وأكثر من ذلك ،وبشأ ن النقطة المتعلقة بتبعية جهاز كتابة الضبط لو ازرة العدل
باعتبارها جهة إدارية وسلطة مستقلة عن السلطة القضائية (المادة ،11الفقرتين الثالثة
واألخيرة من مشروع قانون التنظيم القضائي الذي أحيل على المحكمة الدستورية) ،اعتبرت
المحكمة الدستورية أن المقتضيات المذكورة ستجعل من أحد أعضاء كتابة الضبط( ،الكاتب
العام) في أدائه لعمل ذي طبيعة قضائية ،موضوع تحت سلطة ومراقبة السلطة التنفيذية،
وليس السلطة القضائية ،وهو ما يشكل مسا باستقالل السلطة القضائية ،وانتهاكا لمبدأ فصل
السلط ،معتبرة وضعه تحت سلطة ومراقبة الوزير المكلف بالعدل ،دون إخضاعه لسلطة
ومراقبة المسؤول القضائي خالل أداء مهام كتابة الضبط المندرجة في الشأن القضائي،
ومزاولته تلك المهام ،مخالف للدستور.1
واعتمادا على ما تضمنه قرار المجلس الدستوري بشأن طبيعة المهام المسندة لهيئة
كتابة الضبط والعالقة العضوية لهذا الجهاز بمرفق القضاء وحق الولوج للعدالة ،فإن
مسؤولية هذه الهيئة عن األخطاء المصلحية لموظفيها في هذا الشق قد تعرف تحوال مهما
في المستقبل من خالل إخضاعها لمقتضيات الفصل 311من الدستور الذي يستلزم قيامها
توفر كافة شروط المسؤولية التقصيرية ،بدال عن الفصل 13من قانون االلتزامات والعقود
الذي يعتبر األساس العام المؤطر لمسؤولية الدولة عن تصرفاتها الضارة الذي والذي يجمع
بين المسؤولية بناء على الخطأ واجب اإلثبات والمسؤولية الموضوعية أو المفترضة التي
يمكن إقرارها ولو في غياب الخطأ من جانب المرفق العام.
1
قرار المحكمة الدستورية عدد 93/33م.د الصادر بتاريخ 1133/11/19في الملف .103/33
521
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
الفصل 13من قانون االلتزامات والعقود أو المادة 311من الدستور في حالة اعتبار
تصرفات هؤالء الموظفين متصلة باختصاص مرتبط بحق الولوج للعدالة أي التصرفات التي
يمكن أن تدخل في خانة األخطاء القضائية ،والمتجلية في الخطأ واجب اإلثبات ،والضرر
المحقق والقابل للتعويض إلى جانب قيام عالقة سببية مباشرة بين الشرطين األوليين،
وسنتناول هذه الشروط في النقط التالية:
أ -شرط الخطأ
يشكل الخطأ أول شروط قيام المسؤولية التقصيرية اإلدارية ،وقد عرفه المشرع المغربي
بموجب الفصل 19من قانون االلتزامات والعقود .1وهو بذلك يتشكل من عنصرين األول
مادي يتمثل في حصول الفعل الموجب لتحمل المسؤولية ،والثاني معنوي وهو إمكانية نسبة
فعل التعدي إلى جهة مسؤولة في نظر القانون ،وهذا يعني أن المخطئ ال يحاسب عن فعله
إال إذا كان مدركا تمام اإلدراك لعواقب الفعل الذي أقبل على ارتكابه.2
هذا العنصر المادي للخطأ يمكن أن يكون إيجابيا أو سلبيا ،وال يكون الشخص متعديا
حسب القانون ،إال إذا أخل بااللتزامات التي يفرضها عليه القانون أو العرف ،وتسبب ذلك
في ضرر ،وقد أشار المشرع المغربي إلى الركن المادي للفعل الضار في الفصلين 11و
19من قانون االلتزامات والعقود.3
من خالل الربط بين الفصلين السابقين يتبين لنا أن شرط اإلخالل بااللتزامات القانونية
هو الذي يشكل العنصر المادي للخطأ ،سواء كان هذا األخير مقصودا في ذاته (التعدي) أو
حصل عن طريق اإلهمال أو التقصير ،فمهما تسببت هذه األفعال في حصول ضرر للغير،
إال ويلزم مرتكبها بأداء التعويض للطرف المضرور ،كما يلزم في الشخص المخطئ أن
يكون مدركا لنتائج أفعاله ،وال فرق في ذلك بين أن يكون الفعل مقصودا في ذاته بأن يصدر
عن بينة واختيار من صاحبه ،أو أن يكون قد حصل عن طريق اإلهمال والتقصير
1الخطأ حسب الفصل 19من ق ل ع هو :ترك ما كان يجب فعله أو فعل ما كان يجب اإلمساك عنه وذلك من غير قصد إلحداث الضرر.
2
عبد القادر العرعاري ،مرجع سابق ص .10
3ينص الفصل 11من ق ل ع علىأن "كل فعل ارتكبه اإلنسان عن بينة واختيار ومن غير أن يسمح له به القانون فأحدث ضر ار ماديا أو معنويا
للغير التزم مرتكبه بتعويض هذا الضرر .أما الفصل 19فقد جاء فيه ما يلي" :كل شخص مسئول عن الضرر المعنوي أو المادي الذي أحدثه ال
بفعله فقط ولكن بخطئه وذلك عندما يثبت أن هذا الخطأ هو السبب المباشر في ذلك الضرر.
522
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
المتسببين في وقوع النتيجة الضارة ،وذلك لصعوبة تحديد أي من هذين الوصفين بمناسبة
تكييف هذا الخطأ ،ولكون النتيجة المترتبة عن ذلك واحدة.
أما بخصوص نسبة الخطأ للشخص المعنوي ،فقد تم التسليم بأن األشخاص المعنوية
العامة تسأل مدنيا عن األضرار التي يتسبب فيها األشخاص الطبيعيون الذين يشتغلون
لحسابها ،ذلك أن اإلدارة ال تخطئ إال بواسطة العاملين بها ،والخطأ الذي يقع ال يمكن
توصيفه بهذا الوصف إال بتحقق جملة من الشروط ،وبتوفرها ينسب الخطأ إلى المرفق
مباشرة ،ألنه يفترض أنه هو الذي قام بنشاط يخالف القانون ،لكون مسؤولية المرفق العام
هنا تعتبر مسؤولية أصلية غير تبعية ،وبالتالي تقع الدعوى مباشرة على المرفق أمام القضاء
اإلداري دون حاجة إلى توجيهها ضد الموظف مرتكب الخطأ ،ويكون التعويض من األموال
العامة ،أي أن المرفق ذاته هو الذي يعتبر متسببا في الضرر حتى لو قام به أحد الموظفين،
ألنه لم يؤد الخدمة العامة على الوجه المطلوب وتتمثل أهم الشروط التي ينبغي أن تتوفر
فيها العتباره خطأ مرفقيا في:
-أن يكون الخطأ ثابتا بناء على الوسائل والكيفيات التي يحددها القانون؛
-أن يصدر الخطأ عن موظف تابع لمرفق عمومي معين أثناء مباشرة مهامه أو
بسببها ولو كان موظفا فعليا؛
-أن ينسب الخطأ إلى المرفق العمومي ،وليس إلى جهة أجنبية عنه ،أو إلى
الموظف الذي ارتكبه (إذا كان خطؤه في هذا الباب جسيما يسأل عنه بناء على
مقتضيات الفصل 91من ق ل ع)؛
-أن يكون التصرف المعتبر خطأ مرتبطا بنشاط يدخل ضمن اختصاص تدبير
المرفق العمومي؛
-أن تكون قواعد المسؤولية الناجمة عنه مستقلة عن قواعد المسؤولية المدنية
المعروفة في القانون الخاص.
وبذلك فإن األخطاء التي تصدر عن الموظفين والعاملين بالمرافق التابعة للدولة والتي
يختل فيها أحد هذه الشروط تعتبر الدولة غير مسؤولة عنها.
523
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ويقسم الفقه والقضاء صور الخطأ المرفقي في ثالث وهي ،أداء المرفق للخدمة على
وجه سيء ،عدم أدائه لها بالمرة ،وإما التباطؤ والتراخي في أداء الخدمة.
إذا كان الخطأ شرطا أساسيا لقيام المسؤولية التقصيرية ،فإن شرط الضرر المترتب
عنه ال يقل أهمية عنه ،وأساس هذا الطرح أنه حتى مع قيام شرط الخطأ من جانب اإلدارة،
فإذا لم يترتب عنه أي ضرر ،فإنه ال مجال للحديث عن مسؤولية الدولة عن أخطائها بشأنه.
وفي سبيل تحديد معالم هذا الشرط واألمور التي يتعين أخذها بعين االعتبار بمناسبة
تقدير التعويض الناتج عنه ،فقد أفرده المشرع بمقتضيين قانونيين غاية في األهمية ،تولى في
أحدهما تعريف الضرر ،وفي الفصل اآلخر بيان األمور التي يتعين أخذها بعين االعتبار
بمناسبة تقديره ،وهما الفصلين 11و 39من ق ل ع.1
وبقراءة متأنية لهذين الفصلين ،نجد المشرع قد حدد تعريفا للضرر الذي يتسبب فيه
الشخص الطبيعي دون المعنوي سواء كان خاصا أو عاما،2
ويق سم الضرر إلى نوعين ،فهو إما ضرر مادي يصيب الشخص في بدنه أو ملكه أو
مركز قانوني يحميه القانون ،وعموما كل أمر ذو طابع مادي يمكن أن يكون محال
للتعويض ،وإما ضرر معنوي يصيب المضرور في أمور ليست لها طابع مادي كاألحاسيس
والسسمعة.
1
عرف الفصل 39الضرر بما يلي :الضرر في الجرائم وأشباه الجرائم هو الخسارة التي لحقت المدعى فعال والمصروفات الضرورية التي اضطر
وسيضطر إلى إنفاقها إلصالح نتائج الفعل الذي ارتكب أض ار ار به ،وكذلك ما حرم منه من نفع في دائرة الحدود العادية لنتائج هذا الفعل ويجب
على المحكمة أن تقدر األضرار بكيفية مختلفة حسبما تكون ناتجة عن خطأ المدين أو تدليسه.
2لعل هذا األمر راجع باألساس إلى كون المشرع لم يهتم أصال بموضوع الضرر في حد ذاته ،أو للجهة المتسبب فيه ،بل أعطى األولوية فقط لقيام
ركن العالقة السببية بين هذا الضرر والخطأ المتسبب فيه ،من أجل تحديد قيمة التعويض المناسب لجبره.
524
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
شروطه
كيفما كان الضرر ماديا أو معنويا ،فإنه ال يكون قابال للتعويض إال إذا توفرت فيه
شروط معينة ،وهي الشروط التي تحتل مكانة أساسية في تكييف الضرر وفي دفع المسؤولية
عن اإلدارة أو إقرارها ،وأهمها:
يعني أن يكون مؤكدا وأن يؤسس على أساس الضرر الواقع فعال ،أما الضرر المحتمل
أو المفترض فال يعوض عنه .1غير أن هذا الشرط يدفعنا للتساؤل عن مصير الضرر
المستقبلي ،وما إذا كان من الممكن التعويض عنه إذا ثبت للمحكمة ما يؤكد أن هذا الضرر
كان له اتصال مباشر بفعل التعدي ،وأهم ما يتمثل في الضرر المستقبلي هو حالة تفاقم
الضرر ،بحيث يتولد للمضرور عجز الحق بعد صدور الحكم الفاصل في جوهر
التعويضات األصلية ،وهو لهذا السبب يختلف عن الضرر االحتمالي الذي يكون وقوعه
محال للشك ،ال يكون موجبا للتعويض ،وال يعطي الحق في اقتضاء التعويض وال يمكن أن
يؤسس على الخشية أو الشك والخطر والتهديد.2
إن الضرر الذي يؤخذ بعين االعتبار عند تقدير التعويض هو الذي يتولد بصورة
مباشرة عن الفعل الضار ،أي أن يكون النتيجة الطبيعية للفعل ،ويترتب على مخالفة ذلك
عدم استحقاق التعويض ،وقد نص المشرع المغربي على ذلك صراحة في الفصل 11ق ل
ع.
سواء كان الضرر ماديا أو معنويا ،فإنه يشترط فيه أن يكون شخصيا ،وهذا يعني أن
المطالبة بالتعويض حق للمضرور عن الضرر المباشر وحده الرتباط ذلك بمصلحته ،إذ كما
1ماجد راغب الحلو :الدعاوي االدارية :دعوي االلغاء والتعويض والتاديب ،طرق الطعن في االحكام االدارية ( ،)1110ص .193
2شريف احمد الطباخ :مرجع سابق ،ص.110
525
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
هو معلوم فإن المصلحة هي مناط الدعوى ،وال يشترط في المضرور أن يكون شخصا
طبيعيا فهو قد يكون شخصا اعتباريا أيضا كالشركات والجمعيات والمؤسسات العمومية.
وإذا كانت القاعدة العامة تنص على اقتصار التعويض على الشخص المضرور بكيفية
مباشرة ،إال أنه ليس هناك ما يمنع من تمديد نطاق التعويض ليشمل أشخاصا آخرين
يرتبطون بالمصاب بمقتضى عالقات قانونية كالزواج أو االلتزام بالنفقة على شخص معين
خاصة عندما يتوفى هذا المنفق.
ويعد موضوع العالقة السببية بين الخطأ والضرر من المواضيع المعقدة ،وذلك ألن
الضرر الواحد قد ينشأ عن عدة أسباب ساهمت من قريب أو من بعيد في حصوله ،إذ منها
ما يستغرق فيها مفعول أحد هذه األسباب لبعضها اآلخر ،ومنها ما يتعادل فيها تأثير هذه
األسباب على نشوء الضرر الواحد ،وبالمقابل نجد أن السبب الواحد قد يؤدي إلى تسلسل
األضرار المترتبة عنه وهي معطيات لها تأثير على قيمة التعويض وعلى تحمله من مختلف
المتسببين في الضرر كل على قدر مساهمته فيه.
526
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
أن تستند عليها اإلدارة إما لنفي المسؤولية عنها وهي األسباب التي تتعلق إما بالقوة القاهرة
والحادث الفجائي أو دفعها إما بثبوت خطأ المضرور أو خطأ الغير ،وإما المطالبة بتشطيرها
بين مختلف المتسببين في الضرر والمطالبة بتحميل كل مساهم فيه التعويض عنه على قدر
مساهمته فيه.
وبذلك يشكل موضوع دفع المسؤولية اإلدارية التقصيرية عن اإلدارة محو ار مهما ومنفذا
إلعفائها من أداء التعويض الالزم لجبره ،أو على األقل التخفيف من حجم التعويضات التي
يمكن الحكم عليها بها.
بعد مناقشة مختلف صور المسؤولية لموظفي هيئة كتابة الضبط اإلدارية ،وبيان
شروطها قيامها ،وحاالت اإلعفاء منها ودفعها ،في الشق األول من هذا الموضوع ،سنتناول
في الشطر الثاني منه موقف القضاء من المسؤولية اإلدارية لموظفي كتابة الضبط ،متخذين
من موضوع المسؤولية عن أعمال التنفيذ نموذجا لذلك وذلك بالنظر لما لهذه المرحلة من
مراحل التقاضي من أثر على حقوق المتقاضين.
تعد مرحلة تنفيذ األحكام القضائية من أهم المراحل التي يعرفها سير الدعاوى ،إن لم
نقل الغاية من اللجوء للقضاء واستصدار األحكام ،وتلعب هيئة كتابة الضبط دو ار مهما في
527
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
تنفيذ األحكام القضائية ،وخاصة غير الزجرية منها أي الصادرة في القضايا المدنية ،التجارية
واإلدارية.
وأثناء قيامها بهذه المهمة (هيئة كتابة الضبط) ،قد يرتكب الموظفون التابعون لها
أخطاء مهنية تدفع المتضررين منها إلى مقاضاة اإلدارة من أجل جبر مختلف األضرار التي
قد يتعرضون لها بسبب هذه األخطاء ،وسنتولى في هذا الشق استجالء موقف القضاء من
األخطاء الصادرة عن موظفي هيئة كتابة الضبط بمناسبة مباشرتهم المهام المتعلقة بالتنفيذ
باعتماد صور الخطأ المرفقي كما حددناها سابقا.
528
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
بإجراءات التنفيذ بطلب من المحكوم له ،أو من ينوب عنه في كل قرار أصبح نهائيا ،وأعطاه
المشرع حق التنفيذ.1
واستنادا إلى المقتضيات المتعلقة بمسطرة تنفيذ األحكام ،يتم إشعار المنفذ عليه من
طرف العون المكلف بالتنفيذ بالحكم موضوع التنفيذ ،ويتعين عليه بناء على هذا اإلخطار إما
القيام بالتنفيذ مباشرة بشكل طوعي ،وإال فإنه يتم إمهاله للقيام بالتنفيذ أو التعبير عن نواياه
داخل أجل يحدده ال مكلف بالتنفيذ ،وفي حالة امتناعه يمكنه اللجوء إلى مساطر التنفيذ
الجبري ،ومن ضمنها مسطرة بيع عقارات المدين عن طريق المزاد العلني ،وهي المكنة
القانونية التي يشترط من أجل اللجوء إليها سلوك مجموعة من اإلجراءات والمساطر
القضائية ،وفي مقدمتها تحرير محضر باالمتناع عن التنفيذ ،وبعدم وجود ما يمكن حجزه من
منقوالت أو عدم كفايتها لتغطية الدين موضوع التنفيذ ،ما عدا إذا كان المدين مستفيدا من
ضمان عيني ،يليه إجراء حجز تحفظي على العقار ،وتحويله بعد ذلك إلى حجز تنفيذي بناء
على أوامر قضائية،وتتم جميع هذه اإلجراءات وفق الفصل 013وما يليه من ق م م.
بعد إيقاع الحجز العقاري أو انصرام أجل الشهر المنصوص عليه في الفقرة األخيرة من
الفصل 013من ق م م ،يقوم عون التنفيذ بتهييء دفتر التحمالت بإجراء اإلشهار على نفقة
الدائن وبناء على إعالن عن المزاد يحدد بموجبه تاريخ افتتاحه وإيداع محضر الحجز ووثائق
الملكية وشروط البيع بكتابة الضبط.
بعد استنفاذ جميع هذه اإلجراءات القانونية والقضائية ،يتم بيع العقار عن طريق
السمسرة العمومية بعد سلوك المراحل التالية:
خالل هذه المرحلة ،يتولى عون التنفيذ تهييء العقار للبيع بتحرير دفتر التحمالت
الذي يحدد من خالله ،أسماء األطراف ،السند التنفيذي والتبليغات السابقة ،تاريخ الشروع في
تلقي العروض ،تاريخ إجراء السمسرة العلنية ،ما يوضح من خالله العقار موضوع مسطرة
1
مس طرة البيع بالمزاد العلني ومسطرة التوزيع بالمحاصة ،ذان عبد العاطي الدربالي وعبد المنعم الشاكي ،مجلة الملحق القضائي ،العدد ،19مارس
،1115ص .0
529
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
البيع ومشتمالته وما له من حقوق وما عليه من أعباء وفق ما هو مدون برسمه العقاري إذا
كان محفظا أو وفق ما هو مدون في رسم الملكية إذا كان غير محفظ.
ومن بين اإلجراءات المهمة التي يتعين على عون التنفيذ الحرص على القيام بها،
وهي الخبرة التقييمية التي يتم بواسطتها تحديد الثمن االفتتاحي للعقار ،ويشترط فيها أن
تنصب على العقار موضوع البيع بالسمسرة العمومية ،وأن يتم اعتماد الخصائص التي يتمتع
بها العقار من موقع ومساحة ومواصفاته الخاصة به (قطعة أرضية عارية ،عقار مستقل،
فيال ،شقة ،بمنطقة تجارية أو سكنية )...في التقييم وذلك بالنظر لتأثيرها البين على الثمن
االفتتاحي وعلى إقبال المتنافسين عليه من عدمه.
بعد أن يتم تبليغ المحضر التنفيذي العقاري إلى المنفذ عليه المالك للعقار وشركائه إن
وجدوا والمؤجرين والمزارعين والحائزين وكل من له حق امتياز أو رهن على العقار يهيئ
عون التنفيذ اإلعالن عن المزاد ويبلغ للعموم بالتعليق 1باألماكن والشكل الذي حدده المشرع
بموجب الفصل 010من ق م م.
طبقا للفقرة األخيرة من الفصل 010من ق م م يتولى عون التنفيذ تلقي العروض
بالشراء إلى حين إقفال محضر المزاد ،ويتولى تثبيتها حسب ترتيبها التاريخي في أسفل
محضر الحجز .غير أن قيام عون التنفيذ بجميع هذه اإلجراءات ال يمكن في جميع األحوال
أن يحول دون قيام المنفذ عليه بأداء ما بذمته من دين قبل بداية عملية السمسرة ،وألجل
ذلك ،ومن باب حماية حقوقه بهذا الشأن فقد أوجب المشرع بمقتضى الفقرة الثانية من الفصل
011من ق م م على ضرورة إشعار عون التنفيذ المنفذ عليه ومن يقوم مقامه بالموعد
المحدد إلجراء السمسرة العمومية واستدعاءه لحضورها داخل أجل محدد.
1
مسطرة البيع بالمزاد العلني ومسطرة التوزيع بالمحاصة مرجع سابق ص .330-331
530
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
نظم المشرع هذه المرحلة بموجب الفصلين 011و 019من ق م م ،وقبل الشروع فيها
يتأكد عون التنفيذ مما إذا كان المنفذ عليه قد بادر إلى أداء ما بذمته ،وفي حالة عدم تحقق
هذا األمر يفتتح المزاد بناء على الثمن األساسي المحدد للسمسرة بدفتر التحمالت وتقفل بعد
تقديم أعلى عرض من طرف المتنافسين يعلن خاللها الراسي عليه المزاد .ويحرر محضر
هذا اإلرساء ،وبعد أداء هذا األخير لقيمة العقار إضافة إلى مصاريف البيع يعتبر محضر
رسو المزاد بمثابة سند الملكية يقوم على ضوئه بكافة اإلجراءات القانونية الناقلة للملكية.
وقد عرضت على القضاء مجموعة من النوازل تتعلق بالطعن في مسطرة البيع بالمزاد
العلني ،واستصدر أصحابها أحكاما ببطالن هذه المسطرة وإلغاء البيوع التي تمت ،مما أثر
سلبا على حقوق الراسية عليهم هذه المزايدات وذلك لتضرر بعضهم من هذه المساطر بسبب
خروج العقارات من أيديهم ،أو لعدم توصلهم بمقابل االقتناء أو المصاريف التي تم إنفاقها
من أجل نقل الملكية أو إصالح هذه العقارات ،وإما لعدم وضع يدهم على مجموع العقار
موضوع االقتناء ،وما إلى ذلك من األضرار التي قد تتصل بهذا الموضوع .وبسبب هذه
األضرار عمدوا إلى مقاضاة اإلدارة في إطار المطالبة بالتعويض عنها ،على اعتبار أن هذه
األضرار مردها باألساس ارتكاب عون التنفيذ لخطأ مصلحي.
وسنقف على صور الخطأ التي تمسك بها المتضررون منها ،واستندوا إليها في
المطالبة بالتعويض ومن بينها ما يتعلق بعدم القيام بخبرة تقويمية أو اعتماد خبرة تقويمية ال
تتحقق فيها المواصفات المطلوبة ،ومن صور هذا الخطأ ما تعلق بعدم إشعار المنفذ عليه
531
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
بتاريخ إجراء السمسرة العمومية وعدم استدعائه من أجل حضورها ،ومنها ما ارتكز على
اعتماد حكم غير قابل للتنفيذ في القيام بعملية البيع عن طريق السمسرة العمومية ،ومن
صور هذا الخطأ كذلك التقصير في حماية حقوق طلبي التنفيذ واإلقدام على عملية البيع عن
طريق السمسرة العمومية دون التحقق من الوضعية القانونية للعقار.
فبخصوص موقف القضاء اإلداري من المطالبة بالتعويض بسبب اعتماد خبرة تقويمية
مغلوطة أو غير مطابقة لمواصفات العقار موضوع البيع بالمزاد العلني ،فإن القضاء اإلداري
ال يعتبر هذ ه الخبرة التقويمية ذات أهمية خاصة أو مؤثرة بشكل كبير على نتيجة المزايدة
أثناء عملية السمسرة –أي أن هذا التصرف الينطوي في حقيقته على ارتكاب خطأ من
جانب اإلدارة يمكن اعتماده في المطالبة بالتعويض ،بل يعتبره القضاء اإلداري مجر إجراء
أولي الفتتاح مسطرة البيع بالمزاد العلني ،وإجراء ذو طابع خاص تحكمه جبرية البيع ،ورغبة
المتزايدين وتنافسهم ،وأن هذه المنافسة هي التي تنعكس إما سلبا أو إيجابا على قيمة العقار
المتزايد عليه ،وأنه تبعا لذلك فإن نتيجة البيع قد ال تعكس القيمة الحقيقية للعقار1.
أما فيما يخص الصورة الثانية المتمثلة في عدم إشعار مالك العقار بالموعد المحدد
إلجراء السمسرة العمومية وعدم استدعائه لها ،فقد ذهب العمل القضائي في عدة مناسبات
إلى اعتبار هذا التصرف منطويا على ارتكاب عون التنفيذ لخطئ مرفقي تتحمل الدولة
األضرار المترتبة عن إبطال محضر البيع بسببه ،وقضى بشأنها لفائدة الجهة المتضررة من
1
حكم عدد 390صادر بتاريخ 1131/31/11في الملف عدد ( 1135/1331/10غير منشور) ،وللمزيد من الفائدة فإن هذا الحكم تم الطعن فيه
باالستئناف من طرف المدعي وصدر على أثره القرار عدد 019بتاريخ 1111/11/11عن محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش في الملف
1133/1111/3151قضى بتأييده مؤكدا وجاهة وصواب الحكم المستأنف فيما استند عليه من علل وأسس قانونية ،وقد استندت محكمة أول درجة
في التأسيس لمنطوق حكمها على العلل التالية " :لكن حيث إنه على الرغم من ثبوت خطأ كتابة الضبط في اعتماده خبرة مغلوطة في تحديد الثمن
االفتتاحي للعقار موضوع الدعوى ،فإنها تبقى -أي الخبرة -مجرد إجراء أولي الفتتاح مسطرة البيع بالمزاد العلني الخاضعة للمزايدة ،والتي تعتبر
مسطرة خاصة تحكمها جبرية البيع ورغبة المتزايدين وتنافسهم ،مما قد ينعكس سلبا أو إيجابا على القيمة الحقيقية للعقار المتزايد عليه ،وبالتالي
فنتيجة البيع ،في جميع األحوال ،قد ال تعكس القيمة الحقيقية للعقار .وهي المعطيات التي يعتبر المدعي على علم بها من قبل ،ما دام منح عقاره
موضوع الدعوى كضمانة عن طريق الرهن الرسمي رضائيا ".وزيادة في التعليل فقد توصلت المحكمة بمناسبة تحقيق الدعوى إلى انتفاء ركن الضرر
كذلك الذي يعد ركنا أساسيا من أركان المسؤولي ة التقصيرية والذي بدونه تنتفي المصلحة في المطالبة بالتعويض وذلك بناء على الحيثية التالية" :
وحيث إنه بالرجوع إلى خالصات تقرير الخبرة المنجزة بالملف بأمر من هذه المحكمة ،يتضح بأن عنصر الضرر المدعى به في النازلة غير ثابت
بالملف ،ذلك أن القيمة الحقيقية للعقار موضوع الدعوى بتاريخ بيعه بالمزاد العلني سنة 1111كما حددها الخبير هي 111.111درهم ،في حين
تم بيعه بمبلغ أكبر منه وصل إلى 151.111درهم حسب الثابت من محضر البيع .كما أن األضرار المدعى بها والمتعلقة بتعرض المدعي للتشرد
وعدم االستقرار هو وأسرته منذ تفويت العق ار موضوع النزاع والمس بسمعته وإبعاده عن المحيط الذي عاش فيه وأسرته ،كلها تفتقر إلى اإلثبات ،مما
يجعلها غير مؤسسة قانونا"
532
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
هذا الخطأ بالتعويض الذي من شأنه جبر هذا الضرر ،ومن ذلك الحكم رقم 031الصادر
عن المحكمة اإلدارية بفاس بتاريخ 1131/15/13في الملف رقم 1131/1/311القاضي
بإرجاع الدولة المغربية في شخص رئيس الحكومة (و ازرة العدل والحريات) لفائدة المدعي
(مقتني العقار عن طريق السمسرة العمومية) مبلغا إجماليا قدره 3.111513.13درهما
شامال لقيمة اقتناء العقار ذي الرسم عدد /31193ف ومصاريف تسجيله وتحفيظه ،مع
أدائها لفائدته مبلغ 11.111.11درهم كتعويض عن الضرر الالحق به وبتحميلها الصائر،
ورفض باقي الطلب.1
والمالحظة التي يمكن إثارتها بشأن دعوى المطالبة ببطالن محضر البيع بالمزاد
العلني المنصب على هذا العقار ،أن جلسة السمسرة العمومية تم عقدها عدة مرات وكانت
تؤجل بسبب عدم حضور المتنافسين ،وأن مالك العقار تم استدعاؤه من طرف عون التنفيذ
في أكثر من مناسبة لحضور هذه الجلسة غير أنه لم يحضر ،وأن عدم استدعائه انحصر
في آخر مرة عقدت بها جلسة السمسرة العمومية ،مما يشكل معه تصرف مالك العقار على
هذا النحو (رفض الحضور) تنازال من جانبه عن حقه في اإلشعار بالحضور للجلسات
الالحقة ،وفي نظري يعتبر إلغاء هذه السمسرة في غير محله لكون إشعار مالك العقار
بالتاريخ المحدد لعملية البيع عن طريق المزاد العلني واستدعاؤه لها ألول مرة يكون من باب
إتاحة الفرصة له من أجل أداء ما بذمته من ديون قبل بدأ جلسة البيع عن طريق المزاد ليس
إال .وأنه في جميع األحوال وحتى إذا اعتبرنا أن هذا الحق يمتد بامتداد التواريخ الخاصة
بإجراء هذه السمسرة العمومية ،فإن التمسك بعدم االستدعاء لها ال يكفي وحده للتصريح
ببطالن محضر البيع لعدم إرفاق طلب التصريح بالبطالن بما يفيد إيداع المدعي مجموع
الديون التي كانت بذمته بصندوق المحكمة والتي كانت أساس المطالبة بالتنفيذ الجبري على
1
حكم غير منشور ،.وتتلخص وقائع هذه القضية في تقديم السيد (ع ل أ ح) لمقال افتتاحي للدعوى عرض فيه أنه اقتنى عن طريق المزاد العلني
بواسطة سمرة عمومية تمت عن طريق مصلحة كتابة الضبط بالمحكمة التجارية بفاس العقار المدعى فيه وأنه بعد أدائه كافة التكاليف المترتبة عن
هذا البيع بما فيها مصاريف نقل الملكية من تسجيل وتحفيظ ،وصرف مبالغ مهمة من أجل إصالحه وجعله معدا للسكن فوجئ بصدور حكم نهائي
قضى ببطال ن محضر البيع بسبب عدم احترام مصلحة كتابة الضبط ممثلة في مأمور إجراءات التنفيذ الشكلية المتعلقة باستدعاء مالك العقار لجلسة
المزايدة ،مما أدى إلى خروج هذا العقار من يده وإفراغه منه دون إرجاعه قيمة االقتناء إلى جانب مجموع المصاريف التي أنفقها على هذا العقار.
533
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
عقاره ،وأنه بعدم احترام طالب التصريح بالبطالن لهذا اإلجراء الجوهري تكون مطالبه بإبطال
محضر البيع مفتقدة ألساسها القانوني.
ومن صور الخطأ المرفقي التي وقف عليها القضاء اإلداري في موضوع بيع العقارات
عن طريق المزاد العلني ،المنازعة موضوع الملف عدد 1131/1331/113المتعلقة بمبادرة
عون التنفيذ إلى بيع عقار عن طريق المزايدة اعتمادا على حكم غير حائز لقوة الشيء
المقضي به مما أدى إلى التصريح ببطالن محضر البيع بالمزاد العلني ،بل واعتبره القضاء
خطأ جسيما من جانب عون التنفيذ ،ورتب عليه مسؤولية الدولة التقصيرية عنه مصرحا
لفائدة المتضرر منه بالتعويض الذي من شأنه جبر هذا الضرر.1
ومن بين الحاالت ذات الصلة بالبيوع عن طريق السمسرة العمومية التي تقدم بسببها
أحد المتقاضين بدعوى المطالبة بالتعويض استنادا إلى مقتضيات الفصل 13من ق ل ع
بعض القضايا المتعلقة بتقصير عون التنفيذ في اتخاذ اإلجراءات التي من شأنها حماية
حقوق طالب التنفيذ الجبري على عقار من خالل التحقق من الوضعية القانونية للعقار قبل
اإلعالن على البيع عن طريق السمسرة العمومية ،ويتعلق األمر بالدعوى التي تقدم بها السيد
(ح ف) ضد الدولة المغربية ومن معها على أنظار المحكمة اإلدارية بالرباط مطالبا
بالتعويض عن األضرار المادية التي لحقت به بسبب إبطال محضر بيعه عقا ار اقتناه عن
1
حكم عدد 1391صادر عن المحكمة اإلدارية بالدار البيضاء بتاريخ ( 1131/13/39غير منشور) ،وهو الحكم الذي تم تأييده من طرف محكمة
االستئناف اإلدارية بالرباط من حيث ثبوت أركان المسؤولية الموجبة للحكم بالتعويض مع تعديله بخفض التعويض المحكوم به بما يتناسب وحجم
الضرر الالحق بالمعني باألمر بمقتضى القرار عدد 0135الصادر بتاريخ 1139/31/31في الملف عدد ،1139/1111/301واستند الحكم
االبتدائي في إقار مسؤولية الدولة عن هذا الخطأ استنادا إلى الحيثية التالية " :وحيث إنه بعد دراسة المحكمة لكافة معطيات القضية ووثائقها تبين
لها أن جهاز كتابة الضبط بالمحكمة االبتدائية المدنية بالدار البيضاء باشر إجراءات تنفيذ الحكم االبتدائي الصادر عن المحكمة االبتدائية الفداء
درب السلطان تحت عدد 1111بتاريخ 3330/31/11في الملف عدد 31/1155عن طريق البيع بالمزاد العلني للعقار موضوع الرسم العقاري
عدد /13903س بتاريخ 1130/11/11حيث رسا المزاد على المدعي وبادر إلى أداء ثمن البيع والمصاريف المترتبة عن المزاد من واجب الخزينة
العامة الذي يمثل 1بالمائة ( 31.311.11درهم) وواجب التنفيذ في مبلغ 1111درهم إال أن المدعى عليهم ....بادروا إلى الطعن في إجراءات
التنفيذ لكون التنفيذ انصب على حكم ابتدائي تم استئنافه وصدر فيه قرار استئنافي بتاريخ 1111/11/31تحت عدد 3/1151في الملف
31/9511قضى بتعديله بضرورة بيع العقارات األربعة موضوع الرسوم العقارية ...بثمن افتتاحي واحد محدد في مبلغ 399.111.11درهم بدل
بيع كل عقار على حدة وثمن مستقل .....وحيث إن األضرار الالحقة بالمدعي كانت نتيجة خطأ كتابة الضبط التي باشرت إجراءات البيع دون أن
تتحرى بدقة وثائق الملف والسجالت الممسوكة لديها إلثبات عملية التبليغ وانصرام أجل الطعن ومباشرة عملية التنفيذ".
534
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
طريق المزاد العلني بسبب خطأ منسوب لمأمور إجراءات التنفيذ أثناء قيامه بالمهمة
المذكور.1
وفي نازلة مشابهة قضت محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط بالتعويض لفائدة مت ازيد
أسس عرضه المالي من أجل اقتناء عقار كان موضوع بيع عن طريق سمسرة عمومية على
أساس أن هذا البيع يتعلق بالطابق األول منه استنادا إلى اإلعالن الصادر عن المحكمة
بهذا الشأن ،ليتفاجأ فيما بعد بتعلقه بحصة مشاعة للمحجوز عليه في هذا العقار وليست
حصة مفرزة معتبرة تص رف اإلدارة على النحو المذكور أعاله يشكل خطأ من جانبها وأضر
بحقوق المتزايد نتيجة تقصيرها في تحديد وضعية العقار بشكل دقيق قبل إصدار اإلعالن
عن البيع معتبرة تصرفها على هذا النحو يجعل المتضرر منه محقا في التعويض عنه بما
2
يجبر كافة األضرار الالحقة به بسببه.
وال جدير بالذكر أن هذا القرار قضى بإلغاء الحكم االبتدائي الصادر عن المحكمة
اإلدارية بالدار البيضاء عدد 3533بتاريخ 1139/11/15في الملف 1131/1331/533
1
حكم عدد 1131الصادر بتاريخ 1130/31/11في الملف عدد ( 1130/1331/103غير منشور) ،وهو الحكم الذي تم تأييده من حيث المبدأ
بخصوص تحقق شروط المسؤولية التقصيرية اإلدارية ،والتعويض عن مجموع المصاريف المتعلقة بالبيع عن طريق السمسرة العمومية مع خفض
مبلغ التعويض عن الضرر إلى حدود مبلغ 31.111.11درهم بمقتضى القرار عدد 111الصادر بتاريخ 1131/11/19في الملف
.1131/1111/311وتتلخص وقائع هذه القضية في اقتناء المدعي لعقار عن طريق السمسرة العمومية بتاريخ 1113/11/11المعلن عنها من
طرف المحكمة المركزية بعرباوة التابعة للمحكمة االبتدائية لسوق أربعاء الغرب ،ليتفاجأ فيما بعد أنه تم تطهيره وتسجيله من طرف الغير وأنه لم
يتمكن من التشطيب عليه من الرسم العقاري بعد سلوكه المسطرة القانونية الواجبة لكون عون التنفيذ لم يقم بتسجيل محضري الحجز التحفظي
والتنفيذي بمطلب التحفيظ لصيانة حقوق مشتري العقار ،ولكون العون المذكور بادر إلى القيام بعملية البيع بالمزاد العلني دون التحري عن الوضعية
القانونية للعقار مؤكدا أن المزايدة تمت بتاريخ الحق على تملك الغير للعقار وتطهيره .وبعد تحقيق المحكمة المعروض عليها النزاع الدعوى تأكد لها
صحة الوقائع المدعى بها واعتبرتها منطوية على ارتكاب عون التنفيذ لخطأ مصلحي يتجلى في التقصير في حماية حقوق طالبي التنفيذ والمتزايد
الذي رسا عليه المزاد ،باإلضافة إلى التقصير المتجلي في عدم التحقق من وضعية العقار قبل القيام بعملية البيع ،وأصدرت على إثره حكما قضى
بإرجاع المعني باألمر مبلغ االقتناء عن طريق السمسرة ال عمومية باإلضافة إلى المصاريف القانونية المتصلة بهذه العملية بما مجموعه
10.311.11درهم وبتعويض عن األضرار الالحقة بهذا المتزايد بسبب ذلك قدره 11.111.11درهم".
2
قرار عدد 1511صادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط بتاريخ 1133/11/11في الملف ( 1133/1111/3115قرار غير منشور).
ومن خالل الرجوع إلى حيثيات القرار الصادر عن هذه المحكمة نجدها قد عللت ما قضت به بما يلي " :لكن حيث إنه فإن الثابت من وثائق الملف
ومستنداته إقدام كتابة الضبط بالمحكمة االبتدائية على بيع بالمزاد العلني بشكل معيب دون التحقق من نسبة تملك المحجوز عليه المملوك على
الشياع يجعل ذلك المرفق قد أدى الخدمة على وجه سيئ ،وتبقى الدولة بالتالي مسؤولة عن الخطأ في تسيير مرافقها ،إذ أن البين من صيغة
اإلعالن عن بيع العقار المحجوز (وهو المعتمد في عملية البيع بالمزاد العلني) أن البيع سينصب على الطابق األول من المنزل موضوع الحجز
عوض اإلشارة إلى أن البيع سينصب على الحصة المشاعة للمحجوز عليه ،وهو ما ترتب عنه وضع المستأنف مبلغ البيع بصندوق المحكمة إضافة
إلى واجب الخزينة العامة ،مما يظل معه المستأنف محقا في المطالبة بإرجاعها لفائدته المبلغ موضوع البيع بالمزاد العلني وواجب الخزينة وواجب
التسجيل وتعويض عن الضرر الذي تحدده المحكمة في مبلغ إجمالي قدره 199.019،50درهم".
535
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
القاضي برفض الطلب استنادا إلى الحيثية التالية (وحيث إنه لما كانت إجراءات التنفيذ
الجبري لألحكام القضائية على الحقوق العينية العقارية محل التنفيذ ضمانا لدين ثابت طبقا
لمقتضيات الفصل 019من قانون المسطرة المدنية ،وأن بيع العقا بالمزاد العلني يستلزم
إجراءات أولية ضامنة لحقوق الدفاع المكفولة للمنفذ عليه والراسي عليه المزاد العلني على
حد سواء ،ولهذه الغاية فإن تحرير كناش التحمالت ومحاضر الحجز التحفظي والحجز
التنفيذي والمحضر الوصفي للعقار المبيع يعتبر من الضمانات األساسية بمسطرة التنفيذ
على العقار ،وأن عدم إجراء استشكال كصعوبة قانونية وواقعية حول ما أنجز من اإلجراءات
القبلية عن اإلعالن رسو المزاد ،يكون بذلك ما أنجز من مساطر إجرائية خاضعة لرقابة
قاضي التنفيذ لدى محكمة التنفيذ).
وفي وجهة نظري المتواضعة فإنه بحكم مشاركة الراسي عليه المزاد في عملية
السمسرة ،يكون على اطالع بكافة الوثائق المكونة لملف المزايدة وخاصة عقد ملكية العقار
وتقرير الخبرة التقييمية التي يتم اعتمادها في تحديد الثمن االفتتاحي باإلضافة إلى تصريحه
بمعاينة العقار موضوع البيع وقبوله على الحالة التي عليها ،وهي وثائق كان لها تأثير بين
على معطيات النزاع ،وأن استبعاد محكمة االستئناف اإلدارية جميع هذه الوثائق من المناقشة
واعتبرها اإلعالن بالبيع السند المعتمد في عملية البيع لم يكن في محله ،مما يجعل ما انتهت
إليه هذه المحكمة بموجب هذا القرار غير مرتكز على أساس.
وإلى جانب موضوع المسؤولية اإلدارية لهيئة كتابة الضبط المتصلة بموضوع البيوع
عن طريق المزاد العلني ،هناك عرضت على المحاكم اإلدارية بعض القضايا ذات طابع
خاص تتصل بتصرف هذه الهيئة خاصة على مستوى قسم اإللغاء لدى المحاكم اإلدارية
كمرحلة أولى من أجل إثبات عدم مشروعيته في أفق المطالبة بالتعويض عنه في حالة
اقتناع القضاء بعدم مشروعية هذا التصرف.
ويتعلق األمر بهذا الشأن بمبادرة كتابة الضبط لدى بعض المحاكم إلى إحالة ملفات
ص در بشأنها حكم بعدم االختصاص النوعي للمحكمة االبتدائية المصدرة له على المحكمة
المختصة من أجل البت فيه طبقا للقانون ولو في ظل عدم تنصيص منطوق الحكم على
القيام بهذه اإلحالة.
536
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وفي هذا الصدد قدمت مجموعة من الطعون باإللغاء أمام بعض المحاكم اإلدارية في
مواجهة رؤسا ء كتابة الضبط باعتبار أن تصرفاتهم على هذا النحو تشكل ق اررات إدارية
يمكن الطعن فيها باإللغاء ،والمطالبة بالتعويض عنها بشكل الحق على إثر صيرورة األحكام
القاضية بإلغائها نهائية.
غير أن هذه المحاكم وبمناسبة التحقق من طبيعة هذا التصرف اهتدت إلى أنه ال
تتوافر فيه مقومات وشروط القرار اإلداري القابل الطعن باإللغاء وإلى أنه يعد بحكم طبيعته
مجرد قرار تنفيذي لمقتضى نص عليه القانون.
وحيث من خالل منطوق وحيثيات هذا الحكم يمكن القول أن تصرفات موظفي هيئة
كتابة الضبط التي تتم تنفيذا لمقتضيات قانونية واضحة ال يمكن أن تثير مسؤوليتهم سواء
المهنية أو الشخصية ما دامت ال تخرج عن التطبيق السليم لها.
1
حكم منشور بمجلة الوكالة القضائية للمملكة (العدد األول) ص .103 – 113
وبمناسبة تعليل المحكمة اإلدارية بالرباط لمنطوق حكمها القاضي بعدم قبول الطعن المذكور صرحت في إحدى حيثياته بما يلي" :وحيث إنه فضال
عن ذلك .... ،ولما كان الثابت من الفصل 31من قانون المسطرة المدنية أن الحكم بعدم االختصاص الصادر عن المحاكم اإلدارية يترتب عنه
إحالة الملف بقوة القانون إلى المحكمة المختصة ،فإن تنفيذ اإلجراءات التي تتم بها اإلحال ة من قبل كتابة الضبط في هذه الحالة ،ال تتوقف على
وجوب التنصيص عليها سلفا في منطوق الحكم القاضي بعدم االختصاص ،طالما أن هذا األخير مقرر بحكم القانون ،وال يستلزم القيام به لزوم
التصريح به من قبل المحكمة .األمر الذي يجعل اإلحالة المنفذة من طرف رئيس كتابة الضب ط في النازلة مجرد عمل مادي صدر تنفيذا لحكم
القانون وال يترتب عنه تغيير في المراكز القانونية لألطراف ،وهو بذلك غير مستجمع ألركان القرار اإلداري مما يجعله غير قابل للطعن باإللغاء".
537
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
فبمراجعة المقتضيات القانونية التي نص عليها المشرع بشأن بيان المسطرة واإلجراءات
التي يتعين اتباعها من أجل تنفيذ األحكام القضائية والسيما الفصل 013من ق م م وما
يليه ،نجدها تشير إلى أن تنفيذ هذه األحكام يتم بواسطة كتابة ضبط المحكمة التي أصدرت
الحكم ،وأن هذا االختصاص يتم تحت مراقبة قاض يتم تعيينه من طرف رئيس المحكمة
االبتدائية باقتراح من الجمعية العامة الذي يكلف بمتابعة إجراءات التنفيذ.
كما أن التنفيذ ال يتم بصفة تلقائية وإنما يكون بمسعى من الطرف المستفيد من الحكم
بعد تقديمه لطلب يرفق وجوبا بجملة من الوثائق المحددة بدقة من طرف المشرع .يعقبه فتح
ملف التنفيذ ،يتولى في إطاره العون المكلف بهذه المهمة تبليغ الطرف المحكوم عليه الحكم
المكلف بتنفيذه ،ويعذره بأن يفي بما قضى به الحكم حاال أو بتعريفه بنواياه داخل أجل ال
يتعدى عشرة أيام من تاريخ تقديم طلب التنفيذ.
538
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وفي حالة قيام أية صعوبة في التنفيذ ،أو دفع الطرف المنفذ عليه بقيام هذه الصعوبة،
وجب على العون المكلف بالتنفيذ رفع األمر إلى السيد رئيس المحكمة من أجل التقرير
بشأنها ،أما إذا رفض المدين (المنفذ عليه) الوفاء أو صرح بعسره عن ذلك ،اتخذ عون
التنفيذ اإلجراءات المقررة في الباب المتعلق بطرق التنفيذ.
انطالقا من المقتضيات القانونية التي تؤطر عملية تنفيذ األحكام المدنية ،يتضح أن
مصلحة كتابة الضبط تتولى القيام بجميع اإلجراءات التي من شأنها أن تؤدي إلى تنفيذ
األحكام واقتضاء المستفيدين منها حقوقهم.
فما هو موقف القضاء اإلداري من تراخي شركات التأمين في تنفيذ األحكام الصادرة
ضدها (باعتبارها تحل محل المتسبب في الحادثة في أداء التعويض المحكوم به عليه)
وتباطؤها في ذلك من طلبات التعويض المقدمة في مواجهة الدولة المغربية ومصلحة كتابة
الضبط ما دامت هذه األخيرة هي التي أسند لها المشرع القيام بكافة اإلجراءات من أجل
تنفيذ األحكام الصادرة في مواجهة شركات التأمين في جنح السير؟
في هذا الصدد عرضت مجموعة من القضايا على مختلف المحاكم اإلدارية بالمملكة،
وبهذه المناسبة خلصت مجموعة من المحاكم بمناسبة تعليلها األحكام الصادرة عنها بهذا
الخصوص إلى أن المشرع لم يحدد أجال لتنفيذ األحكام ما عدى ما نصت عليه الفصل
019من ق م م ،وكون التنفيذ يتم بمسعى من طالبه ،وأن التراخي في التنفيذ إنما تسأل عنه
الجهة المنفذ عليها ،باإلضافة إلى كون التمسك فقط بطول المدة بين تاريخ تقديم طلب
التنفيذ وتاريخ مباشرته ال يكفي وحده في إثبات أي تقصير من جانب مصلحة كتابة الضبط
في القيام بالمهمة المسندة إليها بهذا الخصوص .بل ذهبت أكثر من ذلك إلى تحميل
المدعي المسؤولية عن الضرر المدعى به من خالل عدم إدالئه بما يفيد تتبعه إجراءات
تنفيذ ملفه ،وكمثال على ذلك ما عللت به المحكمة اإلدارية بالدار البيضاء حكمها عدد
.1111
1
حكم صادر بتاريخ 1139/11/31في الملف عدد ( 1139/1331/19غير منشور) ،وقد أضحى هذا الحكم نهائيا على إثر الطعن فيه
باالستئناف من طرف المتضرر منه أمام محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط ،هذه األخيرة التي أصدرت ق ار ار تحت عدد 1119بتاريخ
1139/31/13في الملف عدد 1139/1111/3501قضت بتأييده .وقد أكدت محكمة أول درجة بمناسبة تعليلها لهذا الحكم على ما يلي" :وحيث
539
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
هذا التوجه سبق لمحكمة االستئناف اإلدارية بالرباط إق ارره بموجب قرارها عدد
.10095
ومن بين اإلشكاالت القانونية والواقعية التي يثيرها هذا الموضوع ،ما تعلق منه بمسألة
تحويل األموال بالحساب الخاص لكتابات الضبط بمناسبة تنفيذ بعض األحكام ،إذ في بعض
األحيان تط أر بعض الصعوبات في التعرف على الجهة المستفيدة منها ،مما يبقى مصير
هذه األموال مجهوال ويدفع بمصلحة كتابة الضبط إلى بذل مجهود استثنائي من أجل تحديد
صاحب الحق فيه واتخاذ اإلجراء الواجب على ضوئه ،وهو ما يستغرق وقتا مهما.
وفي هذا الصدد تقدم السيد (ع أ) بدعوى أمام المحكمة اإلدارية بالدار البيضاء تقدم
السيد (ع أ) بدعوى أمام المحكمة اإلدارية بالدار البيضاء ملتمسا الحكم لفائدته بالتعويض
عن الضرر الذي أصابه نتيجة عدم تحويل مبالغ منفذة لفائدته لمدة تزيد عن عشرة أشهر
ابتداء من تاريخ توصلها بها فتح لها الملف عدد .1139/1331/111وقد كانت هذه
القضية منسبة لمراقبة المحكمة عمل مصلحة كتابة الضبط في هذا الشأن.
وعلى إثر تحقيق الدعوى ،صرحت هذه المحكمة برفض طلب التعويض عن الضرر
المذكور مستندة في ذلك على الحيثية التالية:
" وحيث تمسك كل من رئيس كتابة هذه المحكمة والوكيل القضائي للمملكة في معرض
جوابهما بقيام مصلحة كتابة الضبط باحترام جميع اإلجراءات اإلدارية سواء على مستوى
إنه خالفا لما أورده المدعي فإن التنفيذ يتم بمسعى من طالب التنفيذ وأن التراخي في التنفيذ إنما تسأل عنه الجهة المنفذ عليها في غياب إثبات أي
تقصير من طرف الجهة المباشرة للتنفيذ وفي انتظار طالب التنفيذ مبادرة المنفذ عليها في التنفيذ وعدم سلوكه المساطر التي أوجبها القانون لحمل
المنفذ عليها وإجبارها على التنفيذ ..وفي غياب أي مبادرة من طرف طالب التنفيذ لتتبع إجراءات تنفيذ ملفه ،وعدم إثبات أي خطأ من جانب المرفق
المدعى عليه في مباشرة مسطرة التنفيذ يكون الخطأ المزعوم غير ثابت والضرر يعزى إلى المدعي ناهيك عن االدعاء بعدم تحرير محضر االمتناع
يبقى بدوره عديم األساس ما دام قانون المسطرة المدنية قد نص على أن التنفيذ يتم بمسعى طالب التنفيذ مما تكون معه أركان وشروط مسؤولية
الدولة والمرفق العمومي غير قائمة وبالتالي تنتفي موجبات التعويض في مواجهته.
1قرار عدد 0095صادربتاريخ 1131/31/11في الملف عدد ( 1/31/11غير منشور) .وقد جاء في إحدى حيثيات هذا القرار ..... " :وأنه إذا
كانت شركة التأمين قد تأخرت في التنفيذ ،فإن ذلك ال يمكن أن يتحمل المسؤولية عنه رئيس مصلحة كتابة الضبط أو يعتبر كونه ارتكب خطأ
مرفقيا مرتب لهذه المسؤولية ،سيما وأن قانون المسطرة المدنية الذي يتمسك به دفاع المستأنفين لم يحدد آجاال معينة للتنفيذ عدا ما تم النص عليه
في الفصل 019منه كون األحكام تكون قابلة للتنفيذ خالل ثالثين سنة من تاريخ صدورها ،وبالتالي فإن المحكمة اإلدارية عندما قضت برفض
طلب التعويض فإنها تكون قد نحت منحا صحيحا ،وحكمها المستأنف يبقى لذلك مؤسس قانونا وحري بالتأييد لهذه العلل.:
540
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
الخزينة الجهوية للدار البيضاء أو صندوق اإليداع والتدبير بالرباط دون انتظار أي تشك من
أصحابها أو وضع شكايات بشأنها....
وحيث بخصوص عنصر الخطأ ،فإنه من الثابت من معطيات النزاع ...أن توصيل
الدفع لم يتم اإل شارة فيه إلى أي مرجع او رقم ملف تنفيذي أو هوية لألطراف الشيء الذي
يتعذر معه معرفة الجهة المستفيدة من هذا المبلغ في حينه ،وما يؤكد ذلك هو الكتاب
الموجه من طرف رئيس كتابة ضبط هذه المحكمة بتاريخ 1139/11/11إلى الخازن
الجهوي للدار البيضاء بشأن منتوج التنفيذ والتي يخبره من خاللها أن تحويل التعويضات
المحكوم بها يتعين أال يتم إال بعد التأكد من وجود ملف تنفيذي متكامل وأن المبالغ المحولة
لصندوق المحكمة يجب أن تحمل جميع المعلومات المسهلة للتعريف بها ،وبخاصة رقم
الملف التنفيذي ،إذ بدون ذلك يبقى مصير هذه المبالغ مجهوال ،ناهيك عن التردد وبشكل
يومي إلى صندوق اإليداع والتدبير من أجل ضبطها ومعرفة أصحابها ،وقد قام مأمور
إجراءات هذه المحكمة باالنتقال إلى الجماعة الحضرية للمحمدية بناء على إعذار الجماعة
وتبليغها أصل النسخة التنفيذية وشهادة بعدم االستئناف وتبليغ وصوالت مصاريف قضائية
للجماعة وتبليغ بيان المبالغ للجماعة ليصرح له القسم القانوني للجماعة الحضرية للمحمدية
أن األمر باألداء تم بتاريخ 1131/19/11وأن تاريخ الدفع والتحويل لحساب هذه المحكمة
تم بتاريخ 1131/13/19مع عدم مده بأي وثيقة تثبت ذلك بدعوى أن المراسالت تبقى
داخلية لينتقل بعد ذلك بتاريخ 1139/11/11إلى الخزينة اإلقليمية بالمحمدية التي مكنته
من صورة لسند األمر بالصرف حيث تم تحويل مبلغ قدره 50.311،11درهم لصندوق هذه
المحكمة خصم منه واجب الخزينة العامة وقدره 191.11درهم ،وبتاريخ 1139/11/19
تمت عملية اقتطاعه ولم يحل إلى صندوق األداءات إال بعد تحرير محضر تنفيذ بشأنه
وتصفيته وتضمينه بالسجل العام والسجالت المحاسباتية.
وحيث تبعا للمعطيات أعاله فإنه يتضح أن مصلحة كتابة ضبط هذه المحكمة لم
ترتكب أي خطأ موجب للتعويض أثناء القيام بمهامها خاصة وأنه ثبت قيامها بمجموعة من
اإلجراءات من أجل البحث عن المبالغ المحكوم بها لفائدة المدعي إلى جانب مبالغ أخرى
541
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
لدى جميع اإلدارات المعنية مما يجعل شروط قيام المسؤولية غير قائمة ويتعين الحكم
برفض الطلب".1
وفي حقيقة األمر فقد أعطى هذا الحكم وصفا دقيقا لجانب من المعاناة اليومية التي
يالقيها موظفو هيئة كت ابة الضبط بمناسبة القيام بمهامهم ،وأثبت بشكل واضح على أن
التراخي والتباطؤ الذي يمكن اعتماده سببا وأساسا للمطالبة بالتعويض ال يقوم في جميع
الحاالت التي يمكن أن يقف خاللها المستفيدون من مبالغ محكومة ومنفذة لصالهم على عدم
تحويلها لصندوق الودائع واألداءات داخل أجل معقول كما تقضي بذلك المادة 51من قانون
المحاماة .وبذلك ال يمكن اعتماد هذا األساس في جميع الحاالت في المطالبة بالتعويض.
الفقرة الثالثة :موقف القضاء من ادعاء تنفيذ األحاام بشا معيب من
جانب كتابة الضبط
من صور األخطاء المنسوبة لكتابة الضبط التنفيذ المعيب لألحكام .ومن األمثلة على
النوازل التي عرضت على القضاء اإلداري التي تمسك بعض المدعين بالتنفيذ المعيب لهذه
األحكام بشكل أضر بمصالحكم ومراكزهم القانونية ،الدعوى التي تقدم بها السيد (ج ر) أمام
المحكمة اإلدارية بمراكش ادعى من خاللها أنه صدر في مواجهته حكم نهائي قضى بإزالة
مطحنة من محل كان يتولى استغاللها به ،مدعيا أن تنفيذ هذا الحكم تم بشكل معيب بحيث
تم تكسير هذه المطحنة بالكامل مما أصبحت معه غير قابلة لالستعمال أو البيع ملتمسا
الحكم لفائدته بالتعويض عن هذا الضرر.
وأثناء تحقيق الدعوى ،انتبهت المحكمة المعروض عليها النزاع من خالل اطالعها
على محضر تنفيذ الحكم القاضي بإزالة المطحنه أن هذا المحضر يوضح تفاصيل إزالة هذه
المطحنة بما لم يثبت معه تعرضها للضرر المدعى به ،وأنه ورد بالمحضر المذكور أن
المعني باألمر عبر عن استعداده نقل المطحنة بعد تفكيكها إلى محل آخر دون أن يبدي أي
تحفظ بخصوص سير إجراءات التنفيذ ،لتقرر -على ضوء الصبغة الرسمية لمحضر التنفيذ
الذي ال يمكن استبعاد مضمونه إال بالطعن فيه بالزور واستصدار حكم نهائي بذلك-
1
حكم عدد 951صادر عن المحكمة اإلدارية بالدار البيضاء بتاريخ 1133/10/11في الملف عدد ( 1139/1331/111غير منشور).
542
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
خاتمة
من خالل الرجوع إلى المقتضيات القانونية المحددة الختصاصات موظفي هيئة كتابة
الضبط ومجموع األحكام والق اررات التي أوردناها في هذا الموضوع يتضح بجالء مدى تنوع
وتشعب المهام الموكلة لموظفي كتابة الضبط لدى مختلف محاكم المملكة ،وخاصة بمناسبة
تنفيذ األحكام المدنية التي تصدرها هذه المحاكم ،مما قد يؤدي إلى ارتكابهم أخطاء مهنية
منها ما يكتسي الطابع الشخصي مما يجعلهم يتحملون المسؤولية الشخصية عنها والتي قد
تصل إلى حد المسؤولية الجنائية ،ومنها ما يتحمل المرفق العام تبعاته وآثاره الضارة.
ومراعاة من القضاء اإلداري لهذا التشعب والتعقيد في المهام المنوطة بموظفي هذه
الهيئة ،فإن المالحظ أنه يشترط لقيام المسؤولية اإلدارية لجهاز كتابة الضبط بمناسبة قيام
الموظفين التابعين له بمهامهم أو بمناسبتها تحقق كافة شروطها من خطأ واجب اإلثبات،
وضرر محقق ومباشر ،باإلضافة إلى شرط العالقة السببية بين الشرطين األوليين ،وبحسب
ما اطلعت عليه من أحكام ،فإن العمل القضائي ببالدنا لم يسبق له اعتبار مسؤولية هذا
المرفق قائمة على أساس نظرية المسؤولية بدون خطأ.
وعليه ،فإنه ولئن كان توجه القضاء اإلداري بهذا الشأن محمود ،غير أنه ينبغي التشدد
في التعامل مع شرط الخطأ بمراعاة حجم األعباء الملقاة على عاتق مرفق القضاء ،وذلك
1
قرار 3311صادر بتاريخ 1131/31/11في الملف عدد ،1131/1111/3135غير منشور ،ومن خالل االطالع على حيثيات القرار
الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش بمناسبة البت في الطعن باالستئناف الذي تقدم به المتضرر من هذا الحكم ،نجدها تؤكد على عدم
إمكانية استبعاد محضر التنفيذ من المناقشة بالنظر لطابعه الرسمي واالستماع لشهادة الشهود المنافية لما تضمنه المحضر المذكور ،وقد عللت
المحكمة المذكورة موقفها بهذا الشأن بموجب العلة التالية " :لكن حيث إنه بالرجوع إلى محضر التنفيذ المنجز من طرف المفوض القضائي عز
الدين ماجد بتاريخ 1131/13/13في إطار تنفيذ القرار رقم 1331الصادر عن محكمة االستئناف بمراكش بتاريخ 1131/31/30يتبين أنه
تضمن ما يفيد إزالة مطحنة المستأنف بعد تفكيكها ،وما دام المحضر المذكور خال من أي إشارة إلى تعرض المطحنة للتكسير ،فإن ما أثاره
المستأنف بخصوص إثبات مادية تلك الواقعة باالستماع إلى شهادة الشهود يبقى غير جدير باالعتبار طالما أن المحضر المذكور وكما الحظ الحكم
المستأنف عن صواب ،وثيقة رسمية ال تقبل الطعن إال بالزور ،وأنه يستفاد منه أن المستأنف أعرب عن استعداده لنقل المطحنة بعد تفكيكها إلى
محل آخر دون أن يبدي أي تحفظ بخصوص سير إجراءات التنفيذ مما يكون معه الحكم المستأنف قد صادف الصواب فيما انتهى إليه وحريا
بالتأييد".
543
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
بعدم االعتداد بمجرد الخطأ اليسير في تحميل الدولة المسؤولية عنه ،واالقتصار في هذا
المقام على األخطاء غير اليسيرة والتي تكون لها آثار سلبية على حقوق المرتفقين ومراكزهم
القانونية.
544
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
الخبير هو مفرد لكلمة خبراء ،والخبير لغة هو "العالم بالشيء" ،1وقد ورد ذكر الخبير
في القرآن الكريم في قوله سبحانه وتعالى " :فاسأل به خبيرا" 2وكذلك في قوله تعالى" :وال
وبيان ِه ،وتجرَبِت ِه وامتحانه،
ِ بمعالجت ِه
ِ وقام ِ َّ ِ
الخبير بالشيء َم ْن َعل َمه َ
ينبئك مثل خبير" .و ُ
3
ِ
الحقيقة.4 وصف ِه على
ِ ألم بكيفي ِ
َّة ِ
الدقيقة ،و َّ ط بتفاصيلِ ِه
فأحا َ
كما يمكن تعريف الخبيربأنه شخص ذو دراية عالية ،له إلمام بموضوع فني أو علمي
أو عملي ،يستعين به القضاء في أمور تدخل في اختصاصه ،وال يجوز للخبير أن يتجاوز
المهمة المعهود له بها ،ويشترط فيه أن يكون إنسانيا واجتماعيا.5
وقد عرف المشرع المغربي الخبير القضائي بموجب القانون رقم 05.11المتعلق
بالخبراء القضائيين ،6بحيث جاء في مادته األولى ما يلي" :يعتبر الخبراء القضائيون من
مساعدي القضاء ويمارسون مهامهم وفق الشروط المنصوص عليها في هذا القانون وفي
النصوص الصادرة تطبيقا له" كما جاء في مادته الثانية" :الخبير القضائي هو المختص
الذي يتولى لتكليف من المحامة التحقيق في نقط تقنية وفنية ،ويمنع عليه أن يبدي أي
رأي في البوانب القانونية".
1
الفيروز آبادي ،القاموس المحيط ،الصفحة . 093مأخوذ عنإبراهيم سليمان زامل القطاونة" ،المسؤولية الجزائية للخبير القضائي في نطاق خبرته
دراسة مقارنة (األردن -اإلمارات العربية المتحدة)" ،الصفحة .313دراسات ،علوم الشريعة والقانون ،المجلد ،03ملحق .1130 ،1
2
سورة الفرقان ،اآلية .53
3
سورة فاطر ،اآلية .30
انظر بتصرف :الفروق اللغوية ألبي الهالل العسكري (ص ،)10 :مأخوذ من شبكة األنترنيت ،رابط الموضوع : 4
https://www.alukah.net/sharia/0/123004/#ixzz6b2Kjh6KE
عبد العزيز توفيق ،شرح قانون المسطرة المدنية و التنظيم القضائي ،الدار البيضاء ،مطبعة النجاح الجديدة 3335 ،ص .391 5
6
الجريدة الرسمية عدد 0339بتاريخ 11ربيع اآلخر 33( 3011يوليو ،)1113ص .3919
545
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ومن ناحية أخرى ،وفقد عرف الفصل 55من قانون المسطرة المدنية الخبرة القضائية
بأنها إجراء من إجراءات التحقيق في الدعوى التي يمان أنتأمر بها المحكمة بناء على طلب
األطراف أو أحدهم أو تلقائيا.
وتجدر اإلش ارة إلى أن النظام التشريعيلمهنة الخبير القضائي عرف تطو ار مهما ،إذ في
بداية األمر نظم المشرع المغربي مهنة الخبير القضائي بموجب ظهير 31غشت 3331
المتعلق بقانون المسطرة المدنية و تحديدا في الفصول 05و 01و 01و 191و ،1191
ثم بعد ذلكبموجب ظهير 11مارس 3311المتعلق بوضع جدول الخبراء و التراجمة
العدليينالذي جاء بعدما بينت الممارسة العملية بعد مرور 01سنة عن تطبيق القانون السابق
عن ضرورة إعادة تنظيم مهنة الخبير القضائي باعتبارها مهنة حرةتساعد في تحقيق العدالة،
و انتهاء بالظهير الشريف رقم 3.13.311الصادر بتاريخ 13ربيع األول 11(3011
يونيو )1113بتنفيذ القانون 05.11المتعلق بالخبراء القضائيين.2
وكسائة األنشطة التي يقوم بها المهنيين ،فإن النشاط المبذول من جانب الخبراء هو
أيضا عمل منسوبإلنسان بالدرجة األولى ،وبالتالي فقد يرد عليه الخطأ والنسيان ،و ربما
نظم ظهير 31غشت 3331المتعلق بقانون المسطرة المدنيةشروط اكتساب صفة خبير قضائي و كيفية وضع جداول الخبراء المقبولين لدى 1
546
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
التحيز في بعض األحيان ،و النتيجة الحتمية المترتبة على ذلك أن الخبير قد يكون محال
للمسائلة سواء منها التأديبية ،أو المدنية ،أو الجنائية ،حسب الظروف و األحوال.1
وهنا تظهر أهمية هذا الموضوع الذي سنتطرق له ،في كونه يتطرق لمناقشة مسؤولية
الخبير القضائي باعتباره شخصامن أهم مساعدي القضاء،بل األكثر من ذلك فإن العديد من
األحكام و الق اررات القضائية تبنى على نتائج تقريره و على الخالصات التي ينتهي إليها هذا
من جهة أولى ،و من جهة ثانية نظ ار لكون لجوء القضاء في اآلونة األخيرة إلى الخبراء في
العديد من القضايا ذات الطابع التقني أو الفنيأو العلمي أضحى ملحوظابشكل كبير.
و حتى نتمكن من اإلحاطة بأهم جوانب هذا الموضوع ،سنقسمهإلى المحاور التالية :
كل خبير يخل بالتزاماته المرتبطة بصفته كخبير و بااللتزامات الناتجة عن أدائه لمهته
يكون محل متابعة تأديبية.
وتعرف المسؤولية التأديبية للخبير القضائي بأنها اإلجراءات المترتبة على إخالل
الخبير بواجب مهني مرتبط بمزاولة الخبرة القضائية والتي تنتهي بثبوت خطئه وتوقيع جزاء
تأديبي عليه من قبل السلطة التأديبية المختصة.2
محمد الكشبور ،الخبرة القضائية في قانون المسطرة المدنية-دراسة مقارنة -مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،الطبعة األولى ،سنة ،1111 1
ص .301
2
عبد السالم بوهوش دكتور ،قاض ملحق بو ازرة العدل ،المسؤولية التأديبية للخبير القضائي –دراسة مقارنة -الصفحة .311مأخوذ من شبكة
األنترنيت ،رابط الموضوع .https://www.cnej.ma/uploads/documentActualite/59615e8bebc99702533465.pdf :
547
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
كما تتمثل المسؤولية األدبية للخبير في اإلخالل بواجب أخالقي تفرضه عليه العادات
المهنية ،مثل التحلي ببعض الصفات الخاصة كالصدق والجدية في العمل واحترام المواعيد
المضروبة للخصوم واالبتعاد عن كل ما يضع الشخص عادة موضع شبهة أمام الناس .1...
وفي هذا اإلطار فقد ألزم المشرع المغربي الخبير بأخالقيات المهنةو هو ما نستخلصه
من خالل ما جاء مضمنا لليمينالذي يؤديه عند تسجيله في الجدول ألول مرةالمتمثل في ما
يلي:
"أاسم بالله العظيم أن أؤدي مهام الخبرة التي يعهد لها إلي بأمانة و إخالص و
نزاهة ،و أن ألدي رأيي با تبرد و استقالل و أن أحافظ على السر المهني ".2
وتعد اللجنة المشار إليها في المادة 3 9من القانون رقم 05.11المتعلق بالخبراء
القضائيين صاحبة االختصاص في إجراء المتابعات في حق الخبراء االقضائيين ،و تتخذ
العقوبات التأديبية ضد كل خبير ارتكب مخالفة للنصوص القانونية أو التنظيمية المتعلقة
بالخبرة أو أخل بواجباته المهنية أو بخصال المروءة و الشرف و النزاهة.4
ذاك أنه بالرجوع إلى مقتضيات المادة 9من القانون المذكور ،نجدها تنص على أنه
تحدث بو ازرة العدل لجنة يعهد إليها بمهمة ممارسة السلطة التأديبية تجاه الخبراء القضائيين،
و بحسب المادة 3من نفس القانون فإن هذه اللجنة تتألف من ممثل لوزير العدل بصفته
رئيسا و ثالثة رؤساء أولين لمحاكم استئناف ،ثالثة وكالء عامين للملك لدى محاكم
االستئناف و كذا خبيران قضائيان من بينهما رئيس الهيئة أو من ينتدب لهذه الغاية ،و تتخذ
ق اررات اللجنة باألغلبية المطلقة ألعضائها .5
محمد الكشبور ،الخبرة القضائية في قانون المسطرة المدنية-دراسة مقارنة -مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،الطبعة األولى ،سنة ،1111 1
ص .303
المادة 39من من القانون رقم 05.11المتعلق بالخبراء القضائيين. 2
تنص المادة 9من القانون رقم 05.11المتعلق بالخبراء القضائيينعلى ما يلي " :تحدث بو ازرة العدل لجنة يعهد إليها بما يلي : 3
‐ دراسة طلبات التسجيل في جدول الخبراء القضائيين و اتخاذ الق اررات المتعلقة بالتسجيل المذكور؛
‐ إعداد جداول الخبراء القضائيية و مراجعتها؛
‐ ممارسة السلطة التأديبية تجاه الخبراء القضائيين".
المادة 13من القانون رقم 05.11المتعلق بالخبراء القضائيين. 4
548
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
و لقد حددت المادة 10من القانون المذكور العقوبات التأديبية فيما يلي :
-اإلنذار؛
-التوبيخ؛
-التشطيب من الجدول.
وتجدر اإلشارة في هذا المقام إلى أنه فيما يخص مقتضياتالمادة المذكورة المتعلقة
بالعقوبات التأديبية الصادرة في حق الخبراء ،أنه بالنسبة للمنع من ممارسة الخبرة القضائية
لمدة ال تزيد عن سنة ،فالخبير يمكنه ممارسة الخبرة االتفاقية أو الحرة خالل مدة المنع ،أما
التشطيب من الجدول فال يمكن أن يتم دون متابعة تأديبية من أجل األفعال المذكورة سابقا.1
و حرصا من المشرع المغربي على حماية الخبير من تعسف اإلدارة Kو على عكس
ما سارت عليه بعض التشريعات المقارنة ،فقد جعل ق اررات السلطة المكلفة بالتأديب خاضعة
للرقابة القضائية ،إذ بالرجوع إلى مقتضيات المادة 03من القانون المذكورنجدها تنص على
أنه تكون المقررات التأديبية قابلة للطعن فيها أمام المحاكم اإلدارية بسبب التجاوز في
استعمال السلطة ،طبقا للقواعد و اإلجراءات المنصوص عليها في القانون رقم 31.03
المحدثة بموجبه المحاكم اإلدارية ،و يروم هذا الطعن إلى إلغاء القرار اإلداري التأديبي لكونه
متسما بعيب من عيوب عدم المشروعية.
و في هذا اإلطار نذكر على سبيل المثال ما جاء في إحدى حيثيات حكم صادر عن
المحكمة اإلدارية بالدار البيضاء ":إن قاضي اإللغاء ينحصر دوره في مراقبة مدى شرعية
الق اررات اإلدارية المطعون فيها أمامه باإللغاء دون أن يتعدى ذلك إلى توجيه أوامر لإلدارة
اعتبا ار لكونه يقضي و ال يدير ،لذا يكون الطلب الرامي إلى توجيه أمر لإلدارة غير مقبول".2
رضا الجداوي" ،الخبرة القضائية في ضوء القانون المغربي" ،بحث لنيل اإلجازة في القانون الخاص تحت إشراف األستاذ محمد سليم الورياكلي، 1
جامعة الحسن الثاني المحمدية كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية ،السنة الجامعية ،1110/1111 :الصفحة .13
2
حكم غير منشور صادر بتاريخ 33أكتوبر 1111عن المحكمة اإلدارية بالدار البيضاء في الملف عدد .1111/15
549
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
و في هذا الصدد فقد جاء في إحدى حيثيات حكم صادر عن المحكمة اإلدارية بالدار
البيضاء ما يلي " :إن المحاكمات التأديبية يجب أن تجرى على أصول و ضوابط تكفل
سالمة الق اررات التي تصدرها الهيئات المنوط بها إجراء المحاكمة ،و من مقومات
المحاكمات التأديبية إشعار المتابع تأديبيا باألفعال المنسوبة إليه قبل انعقاد المجلس التأديبي
و تمكينه من الدفاع عن نفسه.....إخالل المجلس التأديبي بهذه اإلجراءات األساسية يؤدي
إلى بطالن القرار التأديبي للشطط في استعمال السلطة"1.
و نذكر كذلك حكم حديث صادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط قضى برفض الطلبفي
دعوى تقدم بها خبير قضائي التمس بموجبها إلغاء القرار التأديبي الصادر عن السيد وزير
العدل و القاضي بالتشطيب عليه من جدول الخبراء القضائيين ،2مؤاخذا على هذا القرار
كونه جاء مشوبا بعيبي خرق القانون و انعدام التعليل و السبب ،معلال مؤاخذاته تلك بكون
اللجنة التأديبية خرقت مقتضيات المادتين 11و 11من القانون 05.11نتيجة عدم
اطالعه على وثائق الملف التأديبي مما شكل مسا بحقه في الدفاع ،إضافة إلى عدم سالمة
ما نحاه القرار باعتماده على تقرير المفتشية العامة و ازرة العدل لكونه يعمل بصفة حرة و ال
يخضع لو ازرة العدل و ال ألي جهة إدارية ،ونظ ار ألهمية هذا الحكم نورد حيثياته التي جاء
فيها:
"حيث استند الطاعن في تأسيس وسيلته على مخالفة القرار المطعون فيه لقاعدة إلزامية
التعليل نظ ار لعدم وضوح و تفصيل التعليل التي ارتكز عليها القرار.
1
حكم غير منشور صادر بتاريخ 13شتنبر 1110عن المحكمة اإلدارية بالدار البيضاء في الملف عدد .1111/3151
2
حكم عدد 1113صادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط بتاريخ 1131/11/30في الملف عدد .1131/1331/153
550
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
و حيث إن القانون رقم 11.13جعل التعليل تاما باإلفصاح كتابة في صلب الق اررات
اإلدارية السلبية عن األسباب الداعية إلصدارها.
و حيث إنه بالرجوع للقرار المطعون فيه المدلى به في الملف يتبين أنه جاء متضمنا
للعناصر الواقعية و القانونية التي ارتكز عليها ،عن طريق التنصيص في صلبه على كون
سبب إصداره يرجع إلخالل الطاعن بالتزاماته المهنية كخبير قضائي عن طريق إفشائه للسر
المهني ألحد أطراف الخبرة المسمى ،......و موضحا ألوجه إثبات هذه المخالفة من خالل
تقرير المفتشية العامة لو ازرة العدل و التقرير المشترك المنجز من طرف الرئيس األول
لمحكمة االستئناف بمراكش و الوكيل العام بها ،و مفصال للنصوص القانونية و التنظيمية
المطبقة ،مما يتبين معه أن الجهة المطلوبة في الطعن قد عملت على اإلفصاح كتابة في
صلب القرار ذاته عن األسباب الداعية إلصداره ،و هو ما يجعله معلال تعليال كافيا و محققا
للغاية منه بإعالم المعني باألمر باألسباب التي تم االرتكاز عليها في القرار ،و لذلك تكون
وسيلة الطعن غير ذات أساس".
"حيث أسس الطاعن وسيلة طعنه على خرق اللجنة التأديبية للفصلين 11و 1من
القانون رقم 05.11نتيجة عدم اطالعه على وثائق الملف التأديبي مما يشكل مسا بحق
الدفاع و كذا على عدم سالمة ما نحاه القرار باعتماده على تقرير المفتشية العامة و ازرة
العدل لكونه يعمل بصفة حرة و ال يخضع لو ازرة العدل و ال ألي جهة إدارية أخرى.
لكن حيث إنه من جهة أولى ،و بخصوص ما أثير من عدم إخبار الطاعن بحقه في
االطالع على وثائق الملف التأديبي طبقا للمادة 11من القانون ،05.11فإن البين من
نص المادة المستدل بها أنها قررت حقوق الدفاع التي يتمتع بها الخبير أثناء المسطرة
التأديبية دون أن تنص على ما يلزم اللجنة التأديبية بإخبار الموظف بها ،ألنها حقوق
منصوص عليها في القانون و العلم بها مفترض و ممارستها غير متوقفة على اإلخبار بها
من اللجنة المذكورة ،و لذلك ال تكون هذه األخيرة في وضعية خرق للقانون إال إذا تمسك
المعني باألمر بهذه الضمانات و رفضت تمكينه منها ،و هو األمر الذي لم يثبت في
551
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
النازلة ،لعدم قيام الدليل على توجيه طلب الطاعن للجنة قصد االطالع على وثائق الملف
التأديبي ،و تحقق رفضها بعد ذلك ،و فضال عن ذلك فإن البين في الملف عدم ثبوت خرق
القرار ألي من حقوق الدفاع المنصوص عليها قانونا ،طالما أن المسطرة التأديبية تمت وفقا
لقاعدة التواجهية ،و تم تمكين الطاعن من إبداء أوجه دفاعه عن طريق االستماع إليه سواء
أمام المفتشية العامة لو ازرة العدل أو أمام اللجنة التأديبية ،مما يجعل الوسيلة المثارة غير
ذات أساس.
و حيث إنه من جهة ثانية ،و بخصوص ما تمسك الطاعن من عدم صحة االعتماد
في القرار التأديبي على تقرير المفتشية العامة لو ازرة العدل لكونه يعمل بصفة حرة و ال
يخضع لو ازرة العدل و ال ألي جهة إدراية أخرى ،فإنه يبقى غير مؤسس ،ذلك أنه قطاع
الخبراء القضائيين يظل خاضعا لمراقبة و ازرة العدل ،إذ أن التسجيل بداية في الجدول يكون
بقرار لوزير العدل وفقا للمادة السادسة من القانون 05.11المتعلق بالخبراء القضائيين ،كما
أن اللجنة التي تختص بتنظيم كل ما يتصل بالخبراء القضائيين نص القانون على إحداثها
بو ازرة العدل و يترأسها وزير العدل حسب المادة الثامنة من نفس القانون ،و هي الجهة نفسها
تختص بتنظيم الحلقات الدراسية لفائدة الخبراء القضائيين إعماال للمادة 11من القانون
المستدل به آنفا ،و فضال عن ذلك فإن المادة 11منه ألزمت كل خبير قضائي بتوجيه
تقرير لوزير العدل عند نهاية كل سنة تحت طائلة عدم تجديد تسجيله في الجدول يتضمن
عدد الخبرات المنجزة و المحكمة التي أصدرت مقرر الخبرة و تاريخ التبليغ بالخبرة و األجل
المحدد لإلنجاز و تاريخ إيداع التقرير بكتابة الضبط ،األمر الذي يثبت معه أن القانون أسند
بوضوح لو ازرة العدل مهمة اإلشراف على تنظيم قطاع الخبراء القضائيين ،مما يكون ما
تمسك به الطاعن من عدم خضوعه لو ازرة العدل غير مؤسس ،و فضال عن ذلك ،فإن تقرير
المفتشية العامة لو ازرة العدل الذي استند عليه القرار يعد وثيقة رسمية ال يطعن فيها إال
بالزور و بذلك فهي وسيلة إثبات مقبولة بخصوص الوقائع المنسوبة للطاعن بصرف النظر
عن خضوعه للمفتشية المذكورة.................و حيث إنه استنادا إلى ذلك تكون وسيلة
الطعن غير مؤسسة".
552
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
"حيث أسس الطاعن وسيلة طعنه على عدم ثبوت المخالفة التي تمت مؤاخذته من
أجلها و عدم صحة تكييف الوقائع المنسوبة إليه ضمن مجال المخالفات التأديبية ،متمسكا
بكون إفشاء السر المهني هي مخالفة لم تكن محل شكاية من المتضرر بعلة أن المشتكي
وجه شكايته على أساس قيام الخبير باالتفاق على نتيجة الخبرة مع الهيئة القضائية و ليس
إفشاء السر المهني.
لكن حيث إن البين من تقرير المفتشية العامة لو ازرة العدل الذي اعتمد على شريط
صوتي محمل على قرص مدمج ،أن الطاعن بصفته خبي ار قضائيا جالس أحد أطراف النزاع
بأحد مطاعم مراكش و تحدث له عن بعض جوانب المهمة التي كلف بها من طرف محكمة
االستئناف التجارية بمراكش في إطار نفس النزاع ،بالقول أن رئيس الهيئة القضائية المكلفة
بالبت في النزاع استدعى الخبراء المعنيين في الملف و أعطاهم تعليمات حول الخبرة و
متهما إياه "بجمع المال قبل إحالته على التقاعد السنة المقبلة" و تلقيه تعليمات من الرئيس
األول ،و هو ما يثبت معه أن الوقائع المنسوبة إليه ثابتة في حقه ،و هي وقائع تشكل
مخالفة إفشاء السر المهني خالفا لاللتزامات الملقاة على عاتقه بموجب اليمين التي يؤديها
كل خبير عند تسجيله بجدول الخبراء القضائيي ن و التي يقسم من خاللها على كتمان السر
المهني ،لكون المعلومات التي أفشاها الطاعن للمشتكي إنما تتصل بصالحيات المراقبة أثناء
إنجاز الخبير للخبرة التي أقرتها المادة 11من القانون 05.11للمستشار المقرر ،إذ أن
البين من تصريحات الطاعن كما نقلها تقريرالمفتشية العامة أن رئيس الهيئة استدعى الخبراء
المعينين في الملف ،و طلب منهم "يحاولو يوازيو" وفقا للصيغة التي صرح بها المعني
باألمر ،و هو قول يشكل توجيها للخبراء في إطار القانون قصد مراعاة التوازن بين الحقوق
المشروعة لألطراف وفقا لما تقتضيه النصوص الجاري بها العمل من حياد و تجرد للخبير
أثناء إنجاز مهامه ،و توظيفها ينبغي أن يظل محصو ار في مجال هذه المهام ،و من ثم فإن
المخالفة المهنية موضوع الملف تكون ثابتة في مواجهة الطاعن ،و وسيلة الطعن في هذا
الشق غير ذات أساس.
553
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
و فضال عن ذلك ،فإن ما أثاره الطاعن من كون إفشاء السر المهني هي مخالفة لم
تكن محل شكاية من المتضرر بعلة أن المشتكي وجه شكايته على أساس قيام الخبير
باالتفاق على نتيجة الخبرة مع الهيئة القضائية و ليس إفشاء السر المهني ،فإنه يبقى غير
ذي أساس ،ذلك أنه من جهة أولى ،فإن التزام الخبير بكتمان السر المهني هو التزام من
النظام العام مقرر بنص القانون ،و من ثم فإثارة خرق هذا االلتزام المهني يظل غير متوقف
على وجوب تقديم شكاية من األغيار ،و من ثم يمكن إثارته تلقائيا من الجهات التي لها
صالحية المراقبة على الخبراء ،و من جهة ثانية ،فإن وزير العدل عند إصدار قرار
التشطيب من جدول الخب ارء القضائيين في حق الطاعن على أساس ثبوت مخالفة إفشار
السر المهني ،إنما اعتمد على نفس الوقائع التي كانت موضوع شكاية من طرف المتضرر و
نفس وسائل اإلثبات التي أدلى بها ،و لم يثر أي وقائع جديدة لم تعرض على الطاعن أثناء
المسطرة التأديبية ،و هي وقائع يبقى للجنة التأديبية إدراجها ضمن التكييف القانوني السليم،
بغض النظر عن العبارات التي استعملها المشتكي في شكايته ،األمر الذي يجعل القرار
المطعون فيه لما كيف الوقائع المذكورة في إطار مخالفة إفشاء السر المهني األمر غير
خارق ألي نص قانوني ،مما يكون معه هذا الشق من وسيلة الطعن غير مؤسس".
و حيث فضال عما ذكر و استنادا إلى مقتضيات الفصل 13من قانون المسطرة
المدنية ،نجد المشرع المغربي قد مكن القاضي من الحكم على الخبير بغض النظر عن
العقوبة التأديبية بالمصاريف و التعويضات المترتبة عن تأخره غير المبرر في إنجاز المهمة
الموكولة إليه داخل األجل المحدد لها لفائدة الطرف المتضرر ،إضافة إلى إمكانية الحكم
عليه بغرامة يؤديها لفائدة الخزينة .1غير أنه تجدر اإلشارة إلى أن هاته العقوبة تبقى
اختيارية و ليست إلزامية.
باإلضافة إلى المخالفات التأديبية السالفة الذكر نجد أيضا امتناع الخبير عن القيام
بالمهمة الموكولة إليه من لدن المحكمة بدون عذر أو مبرر .و لقد تم التنصيص على هذا
1
ينص الفصل 13من ق.م.م على ما يلي " :إذا لم يقم الخبير بالمهمة المسندة إليه داخل األجل المحدد له أو لم يقبل القيام بها ،عين القاضي
بدون استدعاء األطراف خبي ار آخر بدال منه وأشعر األطراف فو ار بهذا التغيير .بصرف النظر عن الجزاءات التأديبية ،يمكن الحكم على الخبير
الذي لم يقم بالمهمة المسندة إليه أو رفضها بدون عذر مقبول بالمصاريف والتعويضات المترتبة عن تأخير إنجازالخبرة للطرف المتضرر كما يمكن
الحكم عليه بغرامة لفائدة الخزينة" .و قد تم تعديل الفصل 13المذكور بموجب القانون رقم 95.11الصادر األمر بتنفيذه بمقتضى الظهير الشريف
رقم 3.11.105بتاريخ 13رمضان 11 (3013ديسمبر .)1111
554
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
االلتزام من طرف المشرع بمقتضى الفصل 13من قانون المسطرة المدنية إضافة إلى
المادتين 15و 15من القانون رقم 05.11المتعلق بالخبراء القضائيين .إذ باستقراء المادة
15المذكورة نجدها تنص على أنه ال يجوز للخبير أن يمتنع عن إنجاز الخبرة عند تعيينه
في إطار المساعدة القضائية أو في الحالة التي يعتبر فيها أن األتعاب المحددة له غير
كافية ،و يمكن له بعد اإلنجاز طلب أتعاب إضافية وفق النصوص القانونية المتعلقة
بالمصاريف القضائية.
و فضال عما سبق و كما هو معلوم ،فإن الخبرة القضائية يجب أن تتسم بالتواجهية و
الحضورية ،و هو أمر يجب على الخبير االلتزام به و يقع على عاتق المحكمة مهمة التأكد
من مدى مراعاته احتراما لحقوق الدفاع،و في حالة عدم تقيد الخبير بمبدأ الحضورية،فإنه
يترتب عن ذلك قيام مسؤوليته التأديبية إلخالله بالتزام قانوني و مهني ،و هو ما يتأكد من
خالل مقتضيات الفصل 11من قانون المسطرة المدنية الذي ينص على ما يلي :
"يجب على الخبير تحت طائلة البطالن ،أن يستدعي األطراف و وكالئهم لحضور
إنجاز الخبرة ،مع إمكانية استعانة األطراف بأي شخص يرون فائدة في حضوره.
يجب عليه أن ال يقوم بمهمته إال بحضور أطراف النزاع و وكالئهم أو بعد التأكد من
توصلهم باالستدعاء بصفة قانونية ما لم تأمر المحكمة بخالف ذلك إذا تبين لها أن
هناك حالة استعجال".
و في هذا اإلطار ،فإن محكمة النقض استقرت على نقض أي حكم أو قرار قضائيين
تبين خرقهما لمقتضيات الفصل 11من ق.م.م ،مشددة في ذات اآلن على أن األمر يتعلق
بخرق جوهري ،وهو ما يتضح في عدة ق اررات نذكر منها على سبيل المثال ال الحصر :
" ...و الحال أن القرار المطعون فيه قضى بتأييد الحكم المستأنف القاضي بأداء
الدولة المغربية في شخص رئيس الحكومة لفائدة المطلوب في النقض التعويض المحكوم به
بما يعنيه ذلك من أنها هي المعنية مباشرة بالنزاع و أن عدم استدعائها أو الوكيل القضائي
-1القرار عدد 1/511الصادر عن محكمة النقض بتاريخ 1135/11/11في الملف عدد .1311/0/1/1130
555
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
الذي ينوب عنها لحضور الخبرة ،يعتبر خرقا لمقتضيات الفصل 11من ق.م.م مما يجعل
قرارها معلال تعليال فاسدا ينزل منزلة انعدامه وعرضة للنقض".
وعموما ،يمكن القول أن إخضاع ق اررات السلطة التأديبية للخبراء القضائيين يشكل
ضمانة قوية لحماية حقوقهم ضد أي تجاوز منسوب لإلدرة ،وإذا كان القضاء اإلداري يسلط
رقابته على هذه الق اررات ،فإن ذلك يشكل أيضا مساهمة منه في تخليق عمل الخبراء
القضائيين وجعلها في مستوى التطالعات المنشودة.
المسؤولية المدنية هي المسؤولية التي تهدف إلى جبر الضرر (التعويض) الذي يصيب
المضرور ،و المسؤولية المدنية نوعان ،إما مسؤولية عقدية و التي هي جزاء إخالل المدين
بإلتزام عقدي و إما مسؤولية تقصيرية و هي جزاء إخالل الشخص بإلتزام قانوني مفروض
عليه.1
بالنسبة لتكييف المسؤولية المدنية للخبير ،فالرأي الذي ساد قديما هو أن الخبير الذي
عينته المحكمة لمساعدتها يعتبر في الحقيقة وكيل عن جميع الخصوم في الدعوى لذلك
كانت مسؤوليته تعتبر مسؤولية مدنية تعاقدية ،لكن سرعان ما اتضح فساد هذا التكييف و
خاصة بعدما قررت محكمة النقض الفرنسية أن الخبراء القضائيين المعينين من طرف
المحكمة ال يعتبرون وكالء عن الخصوم.2
و انطالقا من هذا التكييف األخير استقر الفقه و القضاء سواء الفرنسي أو المغربي
على أن الخبير القضائي متى ارتكب خطأ مهنيا أضر بأحد الخصوم ،فإنه تترتب عليه
مسؤولية تقصيرية.3
و في نفس السياق ،نشيرإلى التوجه الذي كان يقر بخضوع الخبير ألحكام مسؤولية
القضاة ،إذ ذهبت بعض األحكام الصادرة عن القضاء الفرنسي إلى أن الخبير يتمتع
1
: الرابط االنترنيت من مأخوذ المدنية"،1135/31/13 "المسؤولية القانونية، الثقافة مدونة
.http://lawbuseness.blogspot.com/2015/12/blog-post_25.html
2
علي الحديدي" ،الخبرة في المسائل المدنية و التجارية" دار النهضة بالمنصورة 3331الصفحة ،013مأخوذ عن رضا الجداوي ،مرجع سابق .
3
رضا الجداوي ،مرجع سابق ،الصفحة .01
556
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
بحصانة القاضي وذلك إذا ما اعتمد تقرير الخبرة المعد من قبله في صلب الحكم القضائي،
حيث يصبح هذا التقرير جزء من الحكم و يستعير منه خصائصه و يصبح بالتالي بمنأى
عن الطعن ،1و قد ذهب الفقيه Demogueفي نفس االتجاه ،حيث رأى أن الخبير يتمتع
بحصانة القاضي في صورة اعتماد تقريره بحكم نهائي و بالتالي فال يسأل إال في حدود
مسؤولية القاضي .إال أن هذا الرأي غير مستساغ و ذلك لسببين اثنين على األقل:
بل األكثر من ذلك ،و بتاريخ 1133/13/11فقد أصدرت محكمة االستئناف الفرنسية
بنانسي Nancyق ار ار اعتبرت بموجبه أن الضرر ال يتعلق بتقرير الخبرة و لكنه يتعلق بقرار
المحكمة الصادر ضد الطرف المعني معللة ما انتهت إليه بمصادقة القاضي على خالصات
الخبير.3غير أنهبتاريخ 31شتنبر 1131أصدرت محكمة النقض الفرنسيةق ار ار قضى بنقض
قرار محكمة االستئناف المذكور معللة ما خلصت إليه بكون محكمة الدرجة الثانية حين
اعتبرت أن تقرير الخبرة معيب و ال يمكن االعتماد عليه ،فإن ذلك يعني أن مراجعة الطالب
لهذه المحكمة و أمر هذه األخيرة بإجراء وسيلة من وسائل التحقيق لها عالقة السببية
باألخطاء المرتكبة من طرف الخبير.4
1
Denis Garreau : L’expertو COUR d’appel de Lyon : 14-1-1931 – D.1931. P.158- note M.Mincielle
judiciaire et le service public de la justice.D. S 1988 Chron XV. p .108).
2
الموضوع رابط األنترنيت، شبكة من مأخوذ ،1131 أكتوبر 11 التونسي المثقف الخبير"- خطأ
https://www.facebook.com/permalink.php?id=219456091550177&story_fbid=225683547594098 :
3
Arrêt n°03/01074 rendu le 27 Janvier 2011 par la Cour d’Appel de Nancy.
4
Arrêt n° 11-16216 rendu le 13 Septembre 2012 par la Cour de Cassation Française, chambre civile.La Cour
de cassation a cassé l’arrêt au motif que « dès lors que la cour d’appel avait retenu que le rapport d’expertise
était critiquable et inexploitable, il en résultait que la saisie de la cour d’appel par le demandeur et les
557
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
كما ذهبت بعض األحكام في القضاء الفرنسي إلى اعتبار مسؤولية الخبير أنها
مسؤولية تعاقدية ،على أساس أن الخبير الذي ينتدبه القـاضي من تلقـاء نفسه يعد وكيال
مشتركا للخصوم ،و من ثم يسأل مسؤولية الوكيل أي مسؤولية عقدية .غير أن هذا التكييف
لم يعمر كثي ار ذلك ألنه ال توجـد أي عالقـة تعاقديـة بيـن الخبير و الخصوم ،و ال يمارس
األطراف أية رقابة أو سلطة كتلك التي يمارسها الموكل تجاه وكيله ،و إنما يباشر الخبير
مهمته تحت إشراف و رقابة القاضي ،عالوة على ذلك فالخبير ال يعتبر وكيال لألطراف و
إنما مساعدا للقضاء.1
وحيث إن محكمة النقض المصرية ذهبت إلى اعتبار مسؤولية الخبير القضائي ذات
طبيعة تقصيرية وذلك في صلب قرارها الصادر بتاريخ 3330/33/11الذي ورد به ما يلي:
{ ...و حسبه (أي رأي الخبير) أن يقوم بما ندب له على النحو الذي يراه محققا للغاية من
ندبه دون خروج عن حدود المأمورية الموكولة إليه أو انحراف بها في أدائها عن الغاية منها
و إال كان مسؤوال عن خطئه متى سبب ضر ار للغير }.2
و هذه الطبيعة يبدو أن المشرع التونسي تبناها بصفة جلية وهو ما يبرز من خالل
أحكام الفصل 31من القانون عدد 13لسنة 3331المؤرخ في 11جوان 3331و
المتعلق بالخبراء العدليين.3
وعموما ،فإن المتقر عليه فقها وقضاء ،هو قيام مسؤولية الخبير القضائي إذا ما
توفرت شروطها ،سواء منها التقصيرية ( ،)3أو العقدية (.)1
nouvelles mesures d’instruction ordonnées par cette juridiction étaient en relation de causalité avec les fautes
» de l’expert
1
"خطأ الخبير" المثقف التونسي 11أكتوبر 1131مصدر سابق.
2
"خطأ الخبير" المثقف التونسي 11أكتوبر 1131مصدر سابق.
3
خطأ الخبير" المثقف التونسي 11أكتوبر 1131مصدر سابق.
558
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
عرف الدكتور أحمد عبد الدائم في كتابه شرح القانون المدني أن الخطأ عبارة عن
"انحراف الشخص عن السلوك المعتاد مع إدراكه لهذا االنحراف" ،ويعرفه الدكتور سليمان
مرقص في كتابه موجز أصول االلتزام بأنه " إخالل بواجب قانوني مقترن بإدراك المخل إياه"
وهذا يعني أن الفقيه مرقصاعتمدعلى الركن المعنوي في تعريفه للخطـأ.
وترجع األخطاء التقصيرية التي تترتب عنها مسؤولية الخبير القضائي إلى إخالله
بااللتزامات التي تقع على عاتقه و انحرافه عن المبادئ األخالقية التي تفرضها عليه المهنة
من حياد و نزاهة و موضوعية ،أو خروج الخبير القضائي عن األصول الفنية و التقنية
لنطاق تخصصه ،ثم كذلك إغفاله للقواعد و المبادئ القانونية المنظمة للخبرة القضائية و
نذكر على سبيل المثال تأخره في إيداع تقريره المنجز على ضوء الخبرة ،عدم احترامه لمبدأ
التواجهية أو تلقيه لألتعاب مباشرة من األطراف....
و في هذا اإلطار نستدل بمجموعة من الق اررات الصادرة عن القضاء الفرنسي بشأن
إخالل الخبير القضائي بالتزاماته التي يترتب عنها قيام مسؤوليته :
-القرار الصادرعن الغرفة المدنية الثانية بمحكمة النقض الفرنسية ،إذ في هذه القضية
أودع الخبير القضائي تقريره دون مراجعته و كان قد تسرب لخالصته خطأ مطبعيا أدى إلى
رفع نسبة العجز الدائم الجزئي للضحية إلى 30 %عوض 3 %مما ترتب عنه ارتفاع مهم
في مبلغ التعويض المؤدى من طرف شركة التأمين التي بدورها رفعت دعوى في إطار
المسؤولية في مواجهة الخبير.1
559
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
1
Arrêt n° 01116/09 rendu le 11 Février 2010 par la Cour d’Appel de Bourges.
2
Arrêt n° 1200428 rendu le 10 Avril 2012 par la Cour d’Appel d’Amiens.
3
Arrêt n° 13.28.351 et 14.14.275 rendu le 21Mai2015 par la Cour de Cassation Française, 3 ème chambre
civile.
560
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
1- ……………..
3- ………….. »1.
هذا و تجدر اإلشارة إلى أن صدور هذا القرار جاء بعدما أعادت محكمة النقض
Le الفرنسية تأكيد اجتهادها بشأن قيام مسؤولية الخبير القضائيبسبب الخلل المتطور
هذا فضال عن كون أهمية هذا القرار تكمن في تسليط الضوء على.désordre évolutif
.المسؤولية المدنية للخبير القضائي التي ناد ار ماتتم إثارتها
ثم القرار الصادر عن الغرفة المدنية الثالثة لمحكمة النقض الفرنسية الذي أقر-
مسؤولية الخبير التقني المكلف من طرف شركة التأمين بسبب عيب في التشخيص و عيب
.2في الوصف
1
« Responsabilité de l’expert judiciaire et devoir de conseil de l’entreprise », article vu et lu le 20/07/2020 sur
le site internet : https://www.lettredesreseaux.com/P-1150-453-A1-responsabilite-de-l-expert-judiciaire-et-
devoir-de-conseil-de-l-entreprise.html.
2
Arrêt n°16385-18 rendu le 17 Octobre 2019 par la Cour de Cassation Française, 3 ème chambre civile.
561
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وبالنسبة لتقدير خطأ الخبير في المسؤولية المدنية ،فـإنه في الوقت الراهن يجمع الفقه
سواء في فرنسا أو في باقي البلدان كمصر على تبني وجهة نظر تقضي بمسائلة الخبير عن
كل خطأ يرتكبه أثناء ممارسته لعمله سواء كان جسيما أو يسي ار ناتجا عن إهمال أو عدم
تبصر سواء قبل المصادقة على تقرير الخبرة أو بعده ،فإن مسؤولية الخبير تقوم في جميع
األحوال.1
أما فيما يخص المعيار المعتمد في تقدير خطأ الخبير القضائي ،فقد ثار جدال فقهي
بهذا الشأن ،إذ تتم مقارنة ما يقع من الشخص بتصرفاته العادية من حيث إمكان تجنبه
للفعل الضار فإن لم يفعل عد أو اعتبر مقصرا ،في حين نجد اتجاها آخر يقول بالتقدير
الموضوعي حيث يقارن ما وقع من الشخص بتصرف مجرد بتصور على أنه مثال الرجل
العاقل المتبصر الذي يفترض أنه ال عيب في أعماله وتصرفاته.
و نرى أنه من األنسب األخذ بمعيار الخطأ الموضوعي الذي يقتضي اعتماد نموذج
عملي مماثل لقياس خطأ الخبير المدعى عليه عن اعتماد نموذج خبير آخر من أوسط
الخبراء كفاءة و تبص ار ودقة و هذا الرأي هو السائد حاليا في الفقه الفرنسي المعاصر.2
و تجدر اإلشارة في األخير ،أنارتفاع عدد الطعون المقدمة ضد الخبرات و الخبراء في
فرنساأدى إلى تزايد ملحوظ في اللجوء إلى اكتتاب عقود تأمين تغطي و تشمل المسؤولية
المدنية المهنية من أجل ضمان المالءة المالية تجاه الغير.3
ب-عنصر الضرر
يعتبر الضرر ثاني عنصر في المسؤولية التقصيرية و هو نوعان :ضرر مادي أو
معنوي ،يكون ماديا إذا ألحق ضر ار بمال المضرور ،و يكون معنويا إذا تسبب بضرر نفسي
محمد الكشبور ،الخبرة القضائية في قانون المسطرة المدنية-دراسة مقارنة -مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،الطبعة األولى ،سنة ،1111 1
ص .310
2
محمد الكشبور ،مرجع سابق ص .310
3
UCEJAM « La responsabilité civile de l’expert judiciaire ». Exposé du Mardi 17 Juin 2014 de Anne
TRESCASES, Maître de conférences, Université Nice Sophia-Antipolis, GREDEG-CREDECO, UMR 7321,
page : 23-vu et lu le 15/08/2020 surle site internet :
https://www.petitesaffiches.fr/actualites,069/droit,044/ucejam-la-responsabilite-civile-de,4762.html.
562
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
أو عاطفي للمتضرر،و قد عرف المشرع المغربي الضرر بمقتضى الفصل 39من قانون
االلتزامات و العقود.
و باالستنادإلى مقتضيات الفصل المذكور ،فإن الخبير يكون ملزما بتعويض الضرر
الذي تسبب فيه للمتقاضي و المتمثل في المصاريف التي أنفقت في إنجاز خبرة ثانية و
الجهد المبذول بسببتأخر البت في الدعوى ،وغيرها من األضرار شريطة أن تكون ثابتة
ومقدرة حجما ونوعا ،وتقدير قيمة التعويض مما يدخل في إطار السلطة التقديرية لقضاء
الموضوع المعروض عليه النزاع ،وال رقابة عليه من طرف محكمة النقض إال من حيث
التعليل الذي يجب أن يكون سائغا ومطابقا للواقع والقانون ومبينا لعناصر التقويم المعتمد
عليها ....
تعني أن تكون هناك رابطة وعالقة بين الخطأ المرتكب من طرف الخبير القضائي
وبين الضرر الذي ألحق بالمتقاضي .وبالرجوع إلى الفصل 11من قانون االلتزامات والعقود
نجده ينص على ما يلي:
"كل فعل ارتكبهاإلنسان عن بينة واختيار ،ومن غير أن يسمح له به القانون ،فأحدث
ضر ار ماديا أو معنويا للغير ،ألزم مرتكبه بتعويض هذا الضرر ،إذا ثبت أن ذلك الفعل
هو السبب المباشر في حصول الضرر.
بالنسبة للخبرة القضائية تتحقق العالقة السببية بين الخطأ الصادر عن الخبير القضائي
و بين الضرر الذي ألحق بالمتقاضي،لكنه يصعب على المتقاضي أحيانا إثبات هذه العالقة
السببية بين الخطأ و الضرر ،ذلك ألن تقرير الخبير القضائي ال يقيد و ال يلزم القاضي فله
أن يأخذ به كال أو بعضا أو ال يأخذ به مطلقا ،و كذلك حتى إن أخذ القاضي بتقرير الخبير
فإنه ال يبني حكمه عليه وحده بل هناك عناصر أخرى تتضافر مع التقرير هي التي تقود
غالبا إلى الحكم النهائي للقاضي ،و في كافة األحوال متى أثبت المتقاضي خطأ الخبير
563
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
والضرر الذي أصابه من جراء هذا الخطأ ،قامت قرينة بسيطة قابلة إلثبات العكس على
عالقة السببية.1
إن جزاء المسؤولية المدنية التقصيرية يتمثل في جبر األضرار التي أصابت المتقاضي
في دعوى المسؤولية .إن الدعوى القضائية الرامية إلى مساءلة الخبير تخضع ألحكام
المسطرة المدنية ،هذه الدعوى التي يجب رفعها قبل تقادمها طبقا لمقتضيات الفصل 311
من قانون االلتزامات والعقود المغربي .2إذا ثبتت مسؤولية الخبير فالتعويض المحكوم به
يجب أن يغطي جميع األضرار المادية والمعنوية والربح الضائع الذي ُفوت على المدعي،
وللمحكمة كامل النظر في أن تقدر األضرار حسبما إذا كانت األضرار قد نتجت عن سهو
أو إغفال بسيط أم جاءت نتيجة غش أو تدليس.3
في النقطة األولى تم التطرق للمسؤولية التقصيرية للخبير القضائي الذي يتم تعيينه من
لدن المحكمة ليساعدها برأيه الفني و العلمي و التقني في العديد من القضايا المختلفة التي
تعرض عليها.
غير أنه و في حاالت عديدة قد تكون هذه المسؤولية عقدية ال تقصيرية و ذلك في
إطار ما يسمى بالخبرة االتفاقية أو الرضائية ،و هذه الخبرة االتفاقية يمكنها أن تأخذ شكلين
اثنين :الحالة األولى إما أن تكون عبارة عن اتفاق بين شخصين من أجل اللجوء إلى خبير
متخصص في مجال ما للفصل في نزاع بينهما ،و الحالة الثانية هي التي بموجبها يتم
االتفا ق بين شخص معين و بين خبير من أجل إنجاز خبرة ليستعين بها عند تقديمهلدعواه
ألول مرة و قد تكون عبارة عن اتفاق بين أحد أطراف دعوى رائجة أمام إحدى المحاكم و
خبير ما من أجل القيام بخبرة يستعين بنتائجها و خالصاتها لتدعيم موقفه ،و في هذه الحالة
يسمى بالخبير االستشاري.
1
رضا الجداوي ،مرجع سابق ،الصفحة .03
2
تنص المادة 311من ق.ل.ع على ما يلي " :إن دعوى التعويض من جراء جريمة أو شبه جريمة تتقادم بمضي خمس سنوات تبتدئ من الوقت
الذي بلغ فيه إلى علم الفريق المتضرر الضرر ومن هو المسؤول عنه .وتتقادم في جميع األحوال بمضي عشرين سنة تبتدئ من وقت حدوث
الضرر".
3
رضا الجداوي ،مرجع سابق ،الصفحة .03
564
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
و في إطار الخبرة االتفاقية أو الرضائية ،فقد أكدت محكمة النقض الفرنسية بموجب
قرارها الصادر عن الغرفة المدنية الثانية على أن الخبير ملزم بتقديم النصيحة لموكله.1
إضافة إلى ذلك ،تجدر اإلشارة إلى أن المسؤولية العقدية للخبير القضائي تخضع
للمبادئ العامة للمسؤولية المنصوص عليها بموجب مقتضيات الفصلين 111و 110من
قانون االلتزامات و العقود.
هذا و تنشأ المسؤولية العقدية للخبير القضائي في الحالتين المذكورتين كلما ارتكب هذا
الخبير خطأ نتج عنه ضرر أضر بمصالح الشخص الذي أنجزت الخبرة لصالحه و أثبت
هذا األخيرعالقة السببية بين الخطأ الصادر عن الخبير و الضرر الذي لحق به.
وهكذا ،يتبين أن المسؤوليـة المدنية للخبير القضائي تتفرع إلـى مسؤوليـة تقصيريـة ،و
أخرى تعـاقديـة أساس األولى الخطأ التقصيري ،أما الثانية فتستند إلى الخطأ التعاقدي.
الخبير القضائي كما سبق اإلشارة إليه هو إنسان يمكن أن يصيب كما يمكن أن
يخطئ ،يمكن أن ينجز تقري ار موضوعيا بكل أمانة و مصداقية كما يمكن أن ينجز تقري ار
يتضمن رأيا كاذبا أو وقائع مغلوطةو معطيات مخالفة للحقيقة و الواقع و هو ما يعتبر
شهادة زور ،إضافة إلى ذلك يمكن للخبير أن يقبل رشوة أو يرفضها كما يمكنه أن يفشي س ار
أو أس ارراعلم بها خالل إنجازه لمهام الخبرة الموكولة إليه.
و بناء عليه ،فإن الخبير القضائي قد يرتكب أثناء ممارسته لمهمته المحددة من طرف
المحكمة أفعاال خطيرة قد تصل أحيانا إلى درجة الجريمة التي تستوجب تطبيق أحكام القانون
الجنائي.
1
-Arrêt n° 08-20059 rendu le 17 Décembre 2009 par la Cour de Cassation Française, 2ème chambre civile.
565
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
يترتب على قيام المسؤولية الجنائية للخبير أن تمارس في حقه دعوى عمومية تحركها
ضده النيابة العامة ،كما أنه يمكن للطرف المتضرر من تلك األفعال تقديم دعوى مدنية
للمطالبة بتعويض عن الضرر الذي لحق به و هو ما يصطلح عليه بالدعوى المدنية
التابعة ،و قد نظم المشرع أحكام الدعوى المدنية بالرجوع إلىالفصول من 1إلى 30من
قانون المسطرة الجنائية.
إذ باالستناد إلى أحكام القانون الجنائي و كذا طبيعة المهامو األعمال التي تسند إلى
الخبير القضائي ،فإن المسؤولية الجنائية للخبير تتخذ ثالث صور رئيسية هي :جريمة
الرشوة ،جريمة التزوير و جريمة إفشاء أسرار المهنة ،كما ينضاف إليها جريمة انتحال صفة
نظمها القانون.
-3جريمة الرشوة
كما هو معلوم ،فإن الخبير القضائي و إن لم يكن موظفا عموميا بمفهوم القانون
اإلداري المغربي ما دام يمارس مهنة حرة ،فإن المهام التي توكل إليه من طرف المحكمة
رغم أنها عرضية و مؤقتة فإنها تجعله موظفا عموميا حسب الفصل 110من القانون
الجنائي 1ألنه يساهم في مد يد المساعدة للسلطة القضائية ،و بذلك يمكن متابعته من أجل
جريمة الرشوة.2
نظ ار ألهمية عمل الخبير القضائي و دوره في مساعدة القضاء ،و من أجل ضمان
أدائه لمهمة الخبرةبكل مصداقية و أمانة و نزاهة ،نجد المشرع المغربي ينص صراحة على
معاقبة الخبير القضائي الذي يقبل على نفسه قبول رشوة من أحد أطراف الخصومة بهدف
تغيير أقواله سواء كانت شفوية أو كتابية مضمنة في تقريره لفائدة الجهة أو الطرف الراشي.
ينص الفصل 110من القانون الجنائي على ما يلي " :يعد موظفا عموميا في تطبيق أحكام التشريع الجنائي كل شخص كيفما كانت صفته يعهد 1
إليه في حدود معينة بمباشرة وظيفة أو مهمة و لو مؤقتة بأجر أو بدون أجر و يساهم بذلك في خدمة الدولة أو المصالح العمومية أو الهيئات
البلدية أو المؤسسات العمومية أو مصلحة ذات نفع عام".
2
رضا الجداوي ،مرجع سابق الصفحة .01
566
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
في مجموعة القانون الجنائي كل خبير تسلم باإلضافة إلى األتعاب و المصاريف المستحقة
مبالغ مالية أو منافع كيفما كان نوعها ،بمناسبة قيامه بالمهمة المنوطة به".
كما نص القانون الجنائي على العقوبة المقررة لمرتكب جريمة الرشوة في الفقرة الثانية
من المادة 109حيث جاء فيها ما يلي " :يعد مرتكبا لجريمة الرشوة و يعاقب بالحبس من
سنتين إلى خمس و بغرامة من ألفي درهم إلى خمسين ألف درهم من طلب أو قبل عرضا أو
وعدا أو طلب أو تسلم هبة أو هدية أوأية فائدة أخرى من أجل."......................... :
أمااالجتهاد القضائي المغربي فقد دأب على أنه لقيام جريمة الرشوة في حق الخبير
القضائي ال بد من أن يكون الطلب أو قبول العرض أو الوعد أو تسلم الهبة أو الهدية أو
غيرها من الفوائد قبل القيام بالعمل أو االمتناع عنه ،و هذا هو التوجه الذي أكده القرار
الصادر عن المجلس األعلى سابقا محكمة النقض حاليا تحت عدد 053بتاريخ 35مارس
3313في الملف الجنائي عدد .103130و نفس التوجه سار عليه القرار الصادر عن
محكمة النقض تحت عدد 3/331بتاريخ 31فبراير 1131في الملف الجنحي رقم
،1135/31115إذ قضت برفض طلب النقض المرفوع من طرف السيد نائب الوكيل العام
للملك لدى محكمة االستئناف بوجدة في مواجهة القرار الصادر حضوريا عن غرفة الجنح
بها بتاريخ 1يوليوز 1135في الملف عدد ،35/155و القاضي بتأييد الحكم المستأنف
القاضي ببراءة المطلوب"خبير قضائي" من جنحة تسلم مبالغ مالية كرشوة إلنجاز خبرة
قضائية ،و ذلك على أساس أن اإلثبات غير قائم طبقا لمقتضيات الفصلين 3و 191من
قانون المسطرة الجنائية.2
-2جريمة التزوير
لقد اعتبر المشرع المغربي تضمين الخبير القضائي تقرير الخبرة موقفا مخالفا للحقيقة
أو أريا كاذبا بمثابة شهادة زور و ذلك طبقا لما جاءت به مقتضيات الفصل 115من
القانون الجنائي إذ نجدها تنص على ما يلي " :الخبير الذي تعينه السلطة القضائية إذا قدم
شفويا أو كتابيا ،في أية مرحلة من مراحل الدعوى ،رأيا كاذبا أو قرر وقائع يعلم أنها مخالفة
1
قرار منشور بمجلة المحاماة ،العدد .33
2
القرار عدد 3/331الصادر عن محكمة النقض بتاريخ 31فبراير 1131في الملف الجنحي رقم .1135/31115
567
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
للحقيقة ،يعاق ب بعقوبة شهادة الزور حسب التفصيالت المشار إليها في الفصول 113إلى
1111من نفس القانون.
هذا و قد تم تأكيد مقتضيات هذا النص القانوني بموجب المادة 01من القانون
05.11المتعلق بالخبراء القضائيين حيث جاء فيها ما يلي " :كل خبير منتدب إلنجاز خبرة
بمقتضى مقرر قضائي ،قدم رأيا كاذبا أو ضمن تقريره وقائع يعلم أنها مخالفة للحقيقة أو
أخفاها عمدا ،و من شأنها أن تضلل العدالة ،يعتبر مرتكبا لجريمة شهادة الزور و يعاقب
عليها بالعقوبات المقررة لها في مجموعة القانون الجنائي".
و حيث بعد قراءة متأنية للمقتضيات القانونية المذكورة يستنتج أن جريمة التزوير التي
يقوم بها الخبير القضائي تكون عمدية بالنظر لكون الخبير يكون على دراية و علم تام
بزورية ما جاء مضمنا في تقريره المنجز على ضوء الخبرة القضائية و المودع لدى
المحكمة.
يت مثل الركن المادي لجريمة التزوير في تعمد الخبير القضائي تقديم معطيات و
وجهات نظر أو آراء مخالفة تماما للواقع أو اإلدالء بشهادة كاذبة غير حقيقية ،و هو ما
سيؤثر حتما على ما سينتهي إليه الحكم القضائي في حالة األخذ بتلك التصريحات و اآلراء
سواء جزئيا أو كليا.
ينص الفصل 111من القانون الجنائي على ما يلي " :من شهد زو ار في قضية مدنية أو إدارية يعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات و 1
568
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
الركن المعنوي:
يتحقق هذا الركن باتجاه إرادة الخبير القضائي إلى تحقيق النتيجة المقصودة و هي
تضليل العدالة ،أي انصراف إرادته نحو تحقيق الفعل اإلجرامي المتمثل في تعمد تغيير
الحقيقة بقصد تضليل العدالة.1
بل األكثر من ذلك ،تجدر اإلشارة إلى أن جريمة التزوير ال تشمل فقط تصريحات
الخبير القضائي الكتابية المضمنة في تقريره بل إنها تشمل و تطال أيضا كل ما أدلى و
صرح به الخبير من معطيات و آراء و شهادات شفوية.
وفي األخير ،فإن المتقاضي المتضرر في جريمة الزور يمكنه أن ينصب نفسه
كمطالب بالحق المدني عن الضرر الذي أصابه نتيجة هذه الجريمة ،غير أن المسؤولية
الجنائية للخبير تنتفي كلية كلما كان تغيير الحقيقة في التقرير قد جاء نتيجة مجرد خطأ
بسيط في التقرير من طرفه على الرغم أنه قد يظل مسؤوال من الناحية المدنية.2
إن طبيعة مهمة الخبير القضائي تجعله يطلع على أسرار عديدة ،مختلفة و أحيانا
خطيرة تختلف باختالف نوع الخبرة أو مجال تخصص الخبير،و الخبير في هذه الحالة يكون
ملزما بالحفاظ على أسرار األطراف المتنازعة و ال يمكنهاإلفصاح عنها إال للمحكمة التي
كلفته للقيام بمهام خبرته.
و بذلك ينضاف إلى التزامات الخبير القضائي التزام كتمان األسرار التي قد يعرفها
بصفته خبيرا ،أو بعدم إطالع الغير عليها أو استعمالها خارج الخصومة التي أنجزت الخبرة
في إطارها ،بحيث يترتب على مخالفة هذا االلتزام قيام مسؤوليته الجنائية.
1
إبراهيم سليمان زامل القطاونة ،المسؤولية الجزائية للخبير القضائي في نطاق خبرته دراسة مقارنة (األردن -اإلمارات العربية المتحدة) ،الصفحة
.311دراسات ،علوم الشريعة و القانون ،المجلد ،03ملحق . 1130 ،1مأخوذ من شبكة األنترنيت ،رابط الموضوع :
file:///C:/Users/Ahmed/Downloads/4398-20444-1-PB.pdf
2
محمد الكشبور ،مصدر سابق ،الصفحة .319
569
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
و في هذا المقام ،تجدر اإلشارة إلى أنه و على الرغم من أن المشرع المغربي لم
ينص صراحة على هذه المسؤولية ،إال أنه يمكن االستناد على مقتضيات الفصل 001من
القانون الجنائي للقول بإمكانية معاقبة الخبير القضائي على جريمة إفشاء السر المهنيو ذلك
بالنظر إلى عمومية النص ،هذا فضال عن كونه أي الخبير القضائي يعتبر من أمناء
األسرار -كما جاء في الفصل المذكور -عند تكليفه من لدن المحكمة لمساعدتها في
مجاالت تقنية ،فنية و علمية تخرج عن نطاق القانون.
فضال عن الجرائم المذكورة أعاله ،تنضاف أيضا جريمة انتحال صفة نظمها القانون،
إذ يمكن أن نصادف في الواقع شخصا قد يدعي أو ينتحل صفة خبير قضائي لسبب من
األسباب ،و حيث إن جريمة انتحال صفة منظمة قانونا كيف ما كان نوعهاأو مجالها يعاقب
عليها قانونا.
و عالقة بموضوع بحثنا ،فإنه باستقراء مقتضيات المادة 00من القانون 05.11
المتعلق بالخبراء القضائيين نجدها تنص على ما يلي " :كل من استعمل صفة خبير
قضائي ،دون أن يكون مسجال بجدول الخبراء بإحدى محاكم االستئناف أو بالجدول الوطني،
يعتبر منتحال لصفة نظمها القانون ،و يعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في الفصل 193
من مجموعة القانون الجنائي".
إذ بمراجعة مقتضيات الفصل 193المذكور نجده ينص على ما يلي " :من استعمل
أو ادعى لقبا متعلقا بمهنة نظمها القانون ،أو شهادة رسمية أو صفة حددت السلطة العامة
شروط اكتسابها ،دون أن يستوفي الشروط الالزمة لحمل ذلك اللقب أو تلك الشهادة أو تلك
570
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
الصفة ،يعاقب بالحبس من ثالثة أشهر إلى سنتين و غرامة من مائة و عشرين إلى خمسة
آالف درهم ،أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط ،ما لم يوجد نص خاص يقرر عقوبة أشد".
خاتمة
استنادا إلى ما ورد في هاته الدراسة ،فإن الخبير هو صاحب مهنة أو علم أو فن...
يلجأ إليه القاضي في نقطة من النقاط التقنية التي يتوقف البت أو الفصل في الدعوى عليها
و ال يمكن للقاضي إدراكهاو معرفتها لخروجها عن نطاق تكوينه،وأن االلتجاء إلى الخبرة
القضائية له فائدتين مزدوجتين :فمن جهة أولىيمكن لتقرير الخبرة أن يشكل وسيلة إثبات
إضافية ألطراف الدعوى ،و من جهة ثانية فإن اللجوء إلى الخبرة قد ينتج عنه في بعض
الحاالتالتوصل إلى اتفاق ودي بيناألطرافالمتنازعة تحت إشراف الخبير القضائي.و في هذا
السياق ،نشير بأن هناك نقاش مطروح من لدن الخبراء القضائيين في فرنسا من خالل
الندوات و المؤتمرات التي يعقدونها حول السماح قانونا للخبير القضائي بتنظيم محاوالت
التوفيق بين األطراف و هو ما يصطلح عليه بمساعد القاضي الموفق « l’auxiliaire du
».1juge conciliateur
من ناحية أخرى يالحظ أنه و بالرغم من كون المنظومة التشريعية المغربية تتميز
بتشريع خاص للخبرة القضائية غير أنه يبقى غير كاف ،إذ بالنظر إلى أهمية عمل الخبير
القضائي في تنوير المحاكم و مساعدتها في جالء الحقائق التقنية ،العلمية و الفنية التي
تخرج عن نطاق تكوين واختصاص القاضي ...وبالنظر ألهمية الدور الذي يلعبه
الخبيرالقضائي في تحديد مآل دعاوى كثيرة سيما في حال اعتماد خالصات تقريره للفصل
فيها ،وبالنظر كذلك لخطورة الجرائم والمخالفات الممكن ارتكابها من قبله عند إنجازه لمهامه
والتي يترتب عنها قيام مسؤوليته سواء األدبية أو المدنية أو الجنائية ،فقد أضحى ضروريا
إيجاد تشريع خاص شامل و جامع لكل هاته األمور،كما أنه لم يعد من الممكن اللجوء إلى
1
Maxime BAYART, « La finalité de l’expertise judiciaire civile » mémoire préparé sous la direction de Mme
Annie BOTTIAU, Master recherche mention « Droit privé approfondi », année universitaire 2016-2017. Vu et
lu le 10/09/2020 sur le site internet : https://pepite-depot.univ-lille2.fr/nuxeo/site/esupversions/6041e5e2-
9d7a-465b-86a6-7e0dac52eb89
571
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
القواعد القانونية العامة التي و إن كانت تسعف في حاالت كثيرة فإنها تبقى غير كافية.
لذلك ،فإنه من الالزم إثارة انتباه المشرع لضرورة التدخل لسن قانون ينظم الخبرة القضائية
بجميع جوانبها.
572
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
أ
السلطة التشريعية
أ
مسؤولية الدولة عن اعمال
من إعداد الستاذ مصطفى بوهرو،
إطار بالوكالة القضائية للمملكة
مقدمة
تمتع المشرع في المجتمعات القديمة بمكانة أساسية حتى ُشبه أحياناً كثيرة كأنه إله
بشري معصوم من الخطأ ال يسأل عما يفعل ،1غير أن تطور هذه المجتمعات أفرز نشأة
الج ْغ َرِافي ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
االمتداد ُ
ائص تحكمت في بْل َوَرت َها َع َوام ُل م ْن َقبيل ْ
ص َ طبعها بعدة َخ َ
القوانين و َ
اخ َل ُكل ُم ْجتَ َمع على حدة .2كما تغير شكل الدولة على ات اإليديولوجية و ِ
اسية د ِ واألوَل ِوي ِ
السي َ َ
َ َ َ ْ َ
نحو جعل المشرع مضط ار ألن يتخلى عن مكانته في سبيل بلوغ الدولة القانونية ،3فصارت
قدسيته رهين ًة الحترامه لضوابط وقواعد قياسية فوق -تشريعية 4ولتصاعد قيمة الحقوق
جعل المشرع في أحايين استثنائية مسؤوال عما يصدر عنه
والحريات ،بل تطور األمر َحد ْ
5
من عمل.
ولقد تم ميالد فكرة المسؤولية عن ممارسة وظيفة التشريع على يد سلطة القضاء،
طف داخل دولة القانون ،وهكذا أصبحت الدولة تحول إيديولوجي م ٍ
لفت ومَل ٍ ٍ نتاج
ُ ُ وكان ذلك َ
ملزم ًة يقيناً باحترام القواعد القانونية تحت طائلة ترتيب مسؤوليتها عن كل مساس
المشرعة َ
بالقواعد المذكورة وبما نظمته من موضوعات .6لذا فإن الموضوع ُيغري بالبحث بما له من
يعكسه من داللة جراء دراسة السياق التاريخي لتقرير
ُ أهمية علمية وتطبيقية ،وبما
بحث في مدى كفاية أسسالمسؤولية المترتبة عن ممارسة وظيفة التشريع ،وما يتطلبه من ٍ
المسؤولية واحتماالت توافر شروط قيامها.
1نعمان الهيتي " تشريع القوانين" ،دار رسالن ،دمشق ،1111 ،ص .9
2صوفي حسن أبو طالب "تاريخ النظم القانونية واالجتماعية" ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،1111 ،ص .19
3عمان أحمد الخطيب " الوسيط في النظم الدستورية والقانون الدستوري" ،دار الثقافة ،عمان ،1133 ،ص .310
4وتتجلى على سبيل المثال في القواعد المضمنة في االتفاقيات الدولية والتي تسمو على القانون الداخلي.
5عمان أحمد الخطيب " الوسيط في النظم الدستورية والقانون الدستوري" ،مرجع سابق ،ص .393
6رأفت فودة " دروس في اضاء المسؤولية اإلدارية" ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،3330 ،ص .11
573
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
يبدو حريا قبل اإلجابة عن مختلف هذه التساؤالت تعيين مناط المسؤولية وتحديد
مفرداتها المفتاحية من قبيل اصطالح الوظيفية التشريعية باعتبارها أهم وظائف الدولة التي
تُعنى بسن القوانين ،وقبل ذلك بوضع المبادئ األساسية التي ينبغي على سلطات الدولة
قاطبة احترامها .2ويقصد بالسلطة التشريعية كاصطالح ثان تلك السلطة العامة ذات
اإلرادة الواعية التي تستمد صالحيتها وسلطتها وحقها في التشريع من الدستور والتي
يتقاسمها في النموذج المغربي كل من جاللة الملك والبرلمان 3ثم الحكومة.4
1أحمد إبراهيم حسن " غاية القانون " ،دار المطبوعات الجامعية ،اإلسكندرية ،طبعة سنة ،1111ص .9
2تقوم السلطة التنفيذية باقتراح مشروع قانون ما ،ثم تقدمه إلى البرلمان ،الذي يحيله بدوره إلى لجانه المتخصصة لدراسته ،وبعدها يعرض على
الهيئة التشريعية مجتمعة لمناقشته ،وفي حال إق ارره ثم إصداره بقانون يوضع موضع التنفيذ بعد نشره في الجريدة الرسمية.
3أسندت جميع الدساتير المغربية في كل صيغها اختصاص إصدار القانون إلى السلطة التشريعية بمختلف مكوناتها وعدد غرفها .إذ نص الفصل
11من الدستور المغربي على ما يلي" :يمارس البرلمان السلطة التشريعية .يصوت البرلمان على القوانين ،ويراقب عمل الحكومة ،ويقيم السياسات
العمومية".
4تتم ممارسة السلطة التنفيذية للوظيفية التشريعية للدولة بموجب نصوص دستورية صريحة ،مما يطبع أعمالها ويجعل لها قوة التشريعات األصلية
وتأخذ قوة التشريع العادي .وتتجلى حاالت التفويض التشريعي فيما يلي :الحالة األولى :وهي حالة اإلذن المنصوص عليها في الفصل 11من
574
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وهكذا ينقسم التشريع تبعا الختالف السلطات التي تتولى عملية وضعه إلى تشريع
عادي هو القانون بمفهومه الضيق ،أي مجموع القواعد القانونية الصادرة في شكل وثيقة
مكتوبة عن سلطة أو هيئة تشريعية أصلية طبقا الدستور .1ويوجد إلى جانب التشريع
العادي التشريع بالالئحة الذي يعني مجموع القواعد القانونية الصادرة عن السلطة التنفيذية
في إطار ممارسة صالحياتها التنظيمية باعتبارها سلطة تشريعية فرعية .2وإذا ما وسعنا من
مفهوم التشريع أكثر ،شاء لنا القياس أن ندرج اجتهاد القاضي في غياب النص ضمن
التشريع ،أو حين يصير القاضي بدوره مشرعا.3
دستور ، 1133حيث تنص هذه المقتضيات ،استثناء من القاعدة التي تخص البرلمان بالتشريع ،على أن للبرلمان أن يأذن للحكومة بأن تقوم
بالتشريع عوضه عن طريق مراسيم ،في ميادين هي في األصل من اختصاص البرلمان ،ويتم منح اإلذن عن طريق مشروع قانون تتقدم به الحكومة
إلى البرلمان لكي تحصل على اإلذن بالتشريع في ميادين من اختصاصه ،كما قد يبادر البرلمان من تلقاء نفسه فيأذن للحكومة بذلك دون طلب
سابق في الموضوع .وفي هذه الحالة ،تقوم الحكومة بالتشريع بموجب مراسيم ذات طبيعة تشريعية ،وبالتالي لها نفس القيمة القانونية التي يتمتع بها
القانون .ولكي يتم هذا التأهيل يجب التقيد بأربعة شروط أساسية هي كالتالي -أن يمنح التأهيل لفترة زمنية محدودة؛ -أن يكون الغرض منه تحقيق
غايات معينة؛ -أن تقوم الحكومة بالتشريع عن طريق مراسيم؛ -أن تعرض تلك المراسيم على البرلمان قصد المصادقة عليها عند انتهاء األجل.
الحالة الثانية :حالة الضرورة وهي أقرب من الحالة االولى لكنها تتعلق بفترة قصيرة زمنيا ،حيث يمكن للحكومة استنادا إلى الفصل 55من دستور
3331والفصل 93من أن تشرع خالل الفترة الفاصلة بين دورات البرلمان ،بمقتضى الدستور الحالي ،1133مراسيم– قوانين .ويشترط للجوء إلى
هذه اإلمكانية ما يلي - :أن تتفق الحكومة مع اللجان التي يعنيها األمر بكال المجلسين؛ -أن تشرع خالل الفترة الفاصلة بين دورات البرلمان؛ -
أن تشرع عن طريق مراسيم -قوانين؛ -أن تقوم بعرض تلك المراسيم على البرلمان قصد المصادقة عليها في أول دورة عادية الموالية .وتجدر
اإلشارة إلى أنه إذا لم يصوت البرلمان بالموافقة على المرسوم بقانون خالل تلك الدورة الموالية ،وجب إعادة األمور إلى نصابها ،وكمثال على ذلك
الضريبة التي فرضت بموجب مرسوم بقانون ،منتصف التسعينات ،على "التقاط اإلشارات اإلذاعية والتلفزيونية عبر األقمار االصطناعية" أو ما
عرف بالضريبة على الصحون المقعرة.
1عمان أحمد الخطيب " الوسيط في النظم الدستورية والقانون الدستوري" ،مرجع سابق ،ص 011وخالد أمهيراي " المدخ لدراسة العلوم
القانونية" ،محاضرات جامعية ،الموسم ،1131/1139كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،أكدال ،الرباط ،ص 13
2حدد مجال التشريع الفرعي من خالل الفصل 11من الدستور والذي ي كشف على أن اختصاصات الحكومة في مجال التشريع هي اختصاصات
واسعة وغير محصورة مقارنة مع اختصاصات البرلمان المحددة والمحصورة .وقد جاء في الفصل 11من دستور 1133ما يلي" :يختص المجال
التنظيمي بالمواد التي ال يشملها اختصاص القانون ".وإذا كانت ممارسة السلطة التنظيم ية من اختصاص الحكومة ،فإن الملك يمارس هذه السلطة
كذلك بموجب الدستور .وتختلف المراسيم التنظيمية عن المراسيم التطبيقية .ذلك أنه عن طريق هذه األخيرة تقوم الحكومة بوضع تدابير تطبيقية
لقوانين صدرت عن السلطة التشريعية .أما بالنسبة للمراسيم التنظيمية أو المراسيم المستقلة األصلية ،فإن الحكومة تقوم عن طريقها بممارسة السلطة
التنظيمية التي يخولها لها الدستور صراحة ،في إطار الفصل بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية أو التنظيمية.
3Hans-Albrecht SCHWARZ-LIEBERMANN VON WAHLENDORF «LE JUGE LÉGISLATEUR, L'APPROCHE
ANGLAISE»، revue international de droit comparé, n 4, 1999, p 1109, M. Cappelletti, «Des juges
législateurs?»، in Le pouvoir des juges, Economica, PUAM, coll. «Droit public positif» , 1990, pp. 23-113.
Delphine Lanzara « Les méthodes de la Cour de cassation dans la création du droit : étude à la lumière
du droit des obligations », thèse, FACULTE DE DROIT DE NICE SOPHIA ANTIPOLIS, 2014, p 3
كما يمكننا أن ندرج تحت مفهوم الجهة أو الهيئة التي لها صالحية المساهمة في وضع قواعد عامة ومجردة القضاء الدستوري الذي يعتبر مصدر
للسلطة التقديرية للمشرع األمر الذي يجعل القاضي الدستوري يعتبر بمثابة مساهم حقيقي في مجال التشريع إلى جانب المشرع العادي وهو ما
يجعلنا أمام الدور اإلنشائي للقاضي الدستوري.
575
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وقد اهتدت الدراسة إلى بحث موضوع مسؤولية الدولة عن ممارسة سلطاتها لوظيفة
التشريع على صعيد القانون المغربي ،عبر تناوله من زاوية الصعوبات التي ترافق تحديد
القضاء المغربي -بوصفه سلطة من سلطات الدولة تمارس وظيفة تطبيق القانون وتحقيق
العدالة وتخضع في ذلك لألحكام الموضوعة من قبل السلطة التشريعية -لموقفه من
مختلف الحاالت المثارة بهذا الصدد ،مستثنين من ذلك األعمال الصادرة عن المؤسسة
التشريعية والمتعلقة بتدبير وضعيات موظفي البرلمان ومالية هذا األخير .1كما سيطرح
البحث جانب ا مطالبة المضرور المتعاقد مع اإلدارة بالتعويض نتيجة سن قوانين تؤثر في
مركز القانوني .2وستسقط الدراسة أيضا بحث المسؤولية عن عيب االنحراف التشريعي الذي
يثبت بصدور قانون يحكم بأنه غير دستوري بالنسبة للنظم التي تأخذ بذلك.
1غير أنه قبل ذلك ،تجدر اإلشارة إلى أن الجهاز التشريعي يقوم بمجموعة من األعمال ذ ات الطبيعة اإلدارية التدبيرية ،و هي تخضع كقاعدة
عامة لرقابة القضاء تبعا لطبيعة هذه الق اررات ،وكمثال على ذلك ،ما يتعلق بالوضعية الفردية لموظفي البرلمان (بغرفتيه األولى و الثانية) ،حيث
كرس المشرع المغربي في المادة 9من القانون رقم 03/31اختصاص المحاكم اإلدارية للنظر في النزاعات الناشئة عن تطبيق النصوص التشريعية
والتنظيمية المتعلقة بالمعاشات و منح الوفاة المستحقة لموظفي إدارة مجلس النواب و إدارة مجلس المستشارين ،وعلة ذلك أن الجهاز التشريعي ال
يتعامل في هذه المجاالت وفق نظرية السيادة التي تقتضي أن أعمال السيادة ال تخضع للمراقبة القضائية ،و إنما يتعامل باعتباره جهة إدارية تخضع
ق ارراتها إلمكانية الطعن فيها أمام القضاء اإلداري ،باإللغاء والتعويض .وقد كرس المشرع الفرنسي نفس التوجه وذلك بمقتضى المرسوم الصادر
بتاريخ 31نونبر 3359كما وقع تعديله بتاريخ 35يونيو 3391الذي أقر مبدأ اختصاص القضاء اإلداري للنظر في الدعاوى المتعلقة بالوضعية
الفردية لموظفي الجهاز التشريعي .ونفس الشيء يمكن قوله بالنسبة للعقود والصفقات التي يبرمها البرلمان والتي تخضع الختصاص القضاء سواء
العادي أو اإلداري تبعا لطبيعة العقد أو الخدمة.
2إذ إن ا لمتعاقد مع الدولة الذي أضرت به إحدى القوانين يمكنه المطالبة بالتعويض في إطار فعل األمير أو نظرية الظروف الطارئة بحسب
األحوال .وفي ق اررات الحقة قبل مجلس الدولة الفرنسي تعويض المتعاقدين مع الدولة عن األضرار الناجمة عن فعل القوانين دون أن يكون هناك
نص يسمح با لتعويض داخل أحكام هذه القوانين ،ولكن في هذه الحالة استند مجلس الدولة لتبرير التعويض ليس على مبدأ مسؤولية الدولة عن فعل
القوانين ،ولكن على نظرية فعل األمير أو نظرية الظروف الطارئة ،حيث أقر مجلس الدولة الفرنسي في ق ارره المؤرخ في 3311/11/11بحق
التعويض لفائدة المتعاقدين مع الدولة والذين بفعل أحكام تشريعية جديدة تكبدوا أعباء جديدة وغير متوقعة.
- CEf, 27/07/1906, compagnie PLM, Rec. 702
576
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
المبحث األول – تردد القضاء المغربي في اعتناق فكرة مسؤولية الدولة عن ممارسة
وظيفة التشريع؛
المبحث الثاني -تعدد األسباب المانعة من تبني فكرة مسؤولية الدولة عن ممارسة
وظيفة التشريع على صعيد القانون المغربي
المبحث األول :تردد القضاء المغربي في اعتناق فكرة مسؤولية الدولة عن
ممارسة وظيفة التشريع
ظلت الدولة ردحا من الزمن في منآى من تحمل أية مسؤولية قانونية عن ممارسة
وظائفها الرئيسية الثالث ،خاصة وظيفة التشريع .1وقد بلور هذا الوضع على صعيد القانون
المقارن مبدأ ترسخ كثي اًر وبني على فلسفة كشفها قرار محكمة النقض الفرنسية الصادر
بتاريخ 11يونيو 3905في قضية Duchâtellierالذي رفضت من خالله المحكمة
المذكورة تقرير مسؤولية الدولة في مجال التشريع بناء على عدة تعليالت في مقدمتها
حصانة السلطة العامة.2
ولقد كان من الصعب مع بداية القرن العشرين تقرير مسؤولية الدولة على هذا الصعيد
-خاصة على صورتها الشائعة المرتبطة بسن القوانين -إال ضمن نطاق جد ضيق
وبتطلب شروط صارمة ،إلى أن وضع مجلس الدولة الفرنسي سنة 3310من خالل قرار
كما صدرت عن ذات القضاء أحكام اعترفت لمؤسسات منجمية صاحبة عقود امتياز من الدولة بالحق في التعويض عن األضرار التي لحقت بها
من ج ارء ممارسة الوالة للسلطات الممنوحة لهم بموجب قانون 3991/11/11والتي تخولهم الحق في منع األشغال التي تتم تحت األرض بالقرب
من خط السكة الحديدية
- CEf, 02/03/1932, société mines de joudreville, Lebon, 246.
وقد ذهب القضاء المغربي في نفس االتجاه في بعض األحكام كما هو الحال مع القرار غير المنشور الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية
بالرباط تحت عدد 3131والمؤرخ في 11مارس 1130في الملف عدد 1/31/310جاء فيه ":إنه لئن كانت الدولة تتمتع بسلطة تعديل
النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بتحديد نسب الضرائب باعتبارها سلطة ذا ت سيادة وكانت تلك السلطة تخرج عن نطاق كونها طرفا في
العقد ،فإنها مع ذلك تبقى ملزمة بتعويض المقاول في إطار نظرية فعل األمير فكان الحكم المستأنف بهذه العلل صائبا".
1 Georges MORANGE, « L'irresponsabilité de l'État législateur », D. 1962 Chr. P 166 .
2 Marceau Long et autres, Les grands arrêts de la jurisprudence administrative, 18è édition, 2011, actu.
Dalloz- etudiant.fr. CE 11 janv. 1838, Duchâtellier, Lebon7.
577
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وهكذا سنسعى إلى بسط وتحديد موقف القانون والقضاء اإلداري المغربيين من فكرة
المسؤولية عن ممارسة وظيفة التشريع في مطلبين على النحو التالي:
المطلب األول :مسؤولية الدولة عن بعض أوجه ممارسة وظيفة التشريع ذات طبيعة
موضوعية وأساس منتقد.
المطلب الثاني :صعوبة توافر شروط قيام المسؤولية عن ممارسة وظيفة التشريع
ومحدودية تطبيقاتها.
578
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
يمكن باالطالع على التطور التاريخي الذي أعقب ميالد فكرة مسؤولية الدولة عن
اك أنها أسست في الظاهر على خرق مبدأ المساواة أمام األعباء ممارسة وظيفة التشريع إدر ُ
العامة وعلى التمييز في ذلك بين القوانين األصولية وبين القوانين المكملة ،األمر الذي جعل
المسؤولية على هذا الصعيد ذات طبيعة موضوعية من حيث األصل .وهذا ما سنبينه من
خالل الفقرتين التاليتين:
ُيمكن القول -رغم قلة األحكام التي صدرت عن القضاء المغربي بشأن مسؤولية
الدولة عن األضرار المترتبة عن ممارسة ُمختلف سلطات الدولة لوظيفة التشريع -أن هذا
األخير لم يتخذ موقفا صريحا ومتوات ار إزاء فكرة مسؤولية الدولة عن التشريع سواء بالقبول أو
بالرفض .فقد انضم أحيانا إلى بعض التشريعات المقارنة واستبعد إمكانية تقرير المسؤولية
عن ضرر التشريع ،إال أنه اعتنق أحيانا أخرى فكرة المسؤولية وفق أساس مشترك هو خرق
مبدأ المساواة أمام األعباء العامة المشتق من مبدأ عام هو مبدأ سيادة القانون ،مع اعتماده
قبل ذلك على التمييز بين القوانين األساسية والقوانين التكميلية ،األمر الذي طبع المسؤولية
على هذا الصعيد بكونها مسؤولية موضوعية ،على الرغم من أن بعض الفقه والقضاء
المقارنين بدءا يتجهان على استحياء إلى االستعانة بمفهوم الخطأ إلدراج صور أخرى من
الفعل التشريعي تحت دائرة المسؤولية.
فكيف اعتمد القضاء المغربي التمييز بين كل من القوانين األصلية والقوانين التكميلية
أساسا أوليا للمسؤولية؟ وكيف جعل من خرق مبدأ المساواة أمام األعباء العامة مبر ار معلناً
579
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
اعتمد القضاء المغربي إلقرار مسؤولية الدولة عن بعض أوجه ممارسة وظيفة التشريع
-وفي حاالت معدودة -أساسين اثنين ،أولهما نظرية التمييز بين القوانين األساسية
والقوانين التكميلية ،ثم المساس بمبدأ المساواة أمام األعباء العامة.
وال يتمتع كال األساسين بأية كفاية تجعالنهما مقبولين للقول بمسؤولية محتملة على
هذا الصعيد ،وهذا ما سيتجلى من خالل ما يلي:
1شهد الخالف الفقهي بشأن أساس مسؤولية الدولة عن ممارسة وظيفة التشريع بروز العديد من النظريات الفقهية كنظرية الضمان ونظرية فالين
ونظرية جيز ،ويمكن عرض أبرزها كالتالي:
نظرية المخاطر :نادي العميد Léon Duguitبمسئولية الدولة عن أعمالها ليس فقط على أساس الخطأ ،بل على أساس الخطر Risqueالذي يعد
تحقيقاً لمبدأ المساواة أمام التكاليف واألعباء العامة ،ويفرق بين نوعين من القوانين يشمل أولها يشمل القوانين التي تحرم أعماالً أو نشاطاً مخالفاً
لآلداب أو ضا اًر بالصالح العام أو الصحة العامة ،مثال ذلك صدور قانون بتحريم استخدام الفوسفور في صناعة الكبريت أو صدور قانون بتحريم
صناعة وبيع كلورات الرصاص .فيما يشمل النوع الثاني القوانين التي تحرم أعماالً أو نشاط ًا غير ضار بالمجتمعات وليس منافي ًا لألخالق ،مثل
صدور قانون باحتكار الدولة للتأمين أو النقل أو صناعة الدخان .في مثل هذه الحاالت تلزم الدولة بتعويض األضرار التي تسببها مثل هذه القوانين،
وذلك تحقيقاً لمبدأ المساواة أمام التكاليف واألعباء العامة .وقد انتقد البعض هذه النظرية ،وذلك على أساس أن المساواة أمر نسبي ومرن ،وذلك
فضالً عن أن ذلك يؤدي إلى فتح باب التحكم واالختيار أمام القضاة .كما انتقدت ألن المسا واه التي تسعى إلها ليست مساواة مطلقة وإنما نسبية
وهذا األمر يؤدي إلى تحكم القاضي في مقدار التعويض .ومع ذلك فإنها مع ذلك من أفضل وأهم النظريات التي قيلت لتقرير مسئولية الدولة عن
أعمال التشريع.
نظرية اإلثراء بال سبب :تفادي ًا لالنتقادات الموجهة للنظرية السابقة ،استمد Maurice Hauriouمن مجال القانون المدني نظرية اإلثراء بال سبب،
للقول إنه ليس هناك ما يمنع من انطباق هذه النظرية على الدولة في مجال المسئولية عن القوانين عندما تثري الدولة على حساب الغير ،كما هو
الحال في قيام الدولة باحتكار صناعة معينة مما يسبب ضر ار للعاملين فيها .وق د قام بتحرير قواعد نظرية اإلثراء بال سبب لتتالءم مع متطلبات
القانون العام ،فأدخل عليها تعديلين تمثل األول في أنه ال يصح اعتبار القانون سبباً لإلثراء ألنه من صنع الدولة ،ومن ثم تنطبق النظرية حتى ولو
كان اإلثراء سببه القانون ،بينما تمثل التعديل الثاني في عدم اشتراط إثراء الدولة لتطبيق النظرية ،بل يكفي لتحقيق هذا الشرط أن يتم االقتصاد في
النفقات ،أي اإلثراء عن طريق تقليل المصروفات ،هذه النظرية غير سليمة ألن التعديل جعلها نظرية غامضة إذ ال يمكن تشبيه الدولة باألفراد .كما
أن هذه النظرية تضيق من نطاق مسئولية الدولة.
580
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ذهبت المحكمة اإلدارية بالرباط في حكمين صادرين عنها بخصوص طلب بعض
األفراد التعويض عن األضرار التي ألحقها بهم إقرار قانون المالية لسنة 1131إلى
االعتماد الضمني على نظرية فقهية قديمة لتبرير اعتناق مسؤولية الدولة في مجال التشريع.
وتقيم هذه النظرية التمييز بين القوانين األساسية وبين القوانين التكميلية لتقرير مسؤولية
الدولة عن سن المتأخرة منها .فما هو موقع هذه النظرية ضمن النظريات الفقهية التي
استهدفت تبرير فكرة المسؤولية؟ وماهي أوجه النقد الموجهة لها والتي تجعل اعتماد القضاء
المغربي عليها مسألة محل نظر؟
لقد دعا الفقيه الفرنسي جورج سيل - George Scelleحين البحث عن مبرر لقيام
مسؤولية الدولة في مجال التشريع -إلى ضرورة التمييز بين نوعين من هذا األخير ،أولهما
صادر عن السلطة المختصة دستوريا بالتشريع وهي القوانين األصولية Lois
Normativesوتسمى أيضا بالقوانين األساسية التي ال تُنشأ حسب نفس الفقيه قاعدة
جديدة ،بل تضع قواعد عامة يعبر بواسطتها المشرع عما يكمن في ضمير الجماعة ليكشف
عنها فقط ألنها موجودة أصالً ،مثل القاعدة األخالقية التي تحرم صناعة ضارة على صحة
األفراد ،إذ يعتبر قيام المشرع بإصدار قانون يحرم إقامة هذه الصناعة كشفا لهذه القاعدة
إنشاء لها ،وبالتالي ال ينبغي أن تسأل الدولة عن
ً الموجودة أصال في ضمير الجماعة وليس
األضرار التي ترتبها مثل هذه القوانين.
ويوصف النوع الثاني حسب جورج سيل بأنه قوانين مكملة Lois constructives
تنظم مسألة معينة تنظيماً جديداً ،ومن ثم تكون الدولة مسؤولة عن األضرار المترتبة عن
إقرارها ألن هذه القوانين تكون من صنع الدولة.
وقد انتقد العديد من الفقه عن حق هذا الرأي ،1وذلك نظ اًر لصعوبة التمييز بين
ماهيتي كل من القوانين األصولية والقوانين المكملة ،إذ ال يوجد معيار واضح ودقيق يمكن
1 DUEZ Paul «La responsabilité de la puissance publique»، Dalloz, Paris, 1938, p 218
581
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
من معرفة كليهما ،علما أن هناك بعض القوانين األصولية يمكن منطقاً التعويض عنها
والعكس صحيح ،كالقانون الصادر بخصوص صناعة غير ضارة .كما أن هناك -في
المقابل -من القوانين التكميلية ما ال يمكن التعويض عنها أبداً كالقوانين الصادرة بفرض
التجنيد اإلجباري.
ويظل تحديد موقف القضاء المغربي من هذه النظرية صعبا لندرة المنازعات المتعلقة
بالموضوع ،ومع ذلك فإن االطالع على حكمين صادرين عن المحكمة اإلدارية بالرباط في
دعويين كانتا ترومان المطالبة بالتعويض عن األضرار التي رتبها سن قانون المالية لسنة
1131على بعض المخاطبين بأحكامه يقود إلى القول بأن القضاء المغربي اعتمد في
المنازعات التي عرضت عليه نظرية الفقيه جورج سيل George Scelleالتي ميز من
خاللها بين نوعين من القوانين على صعيد المسؤولية عن اآلثار التي قد تعقب سنها .فقد
ذهبت المحكمة اإلدارية بالرباط من خالل الحكم عدد 5111الصادر بتاريخ 19نونبر
1139في الملف عدد 1139/1310/11إلى ما يلي:
وحيث إنه استنادا إلى ذلك ،فإن تعديل المادة 11.3من المدونة العامة للضرائب
بموجب قانون المالية لسنة 1131ترتب عنه إضرار بالمدعي عن طريق سن مقتضيات
ترتب عنها تخفيض قيمة معاشه الشهري بالمقارنة مع زمالئه الذين احيلوا على التقاعد قبله
سنة 1131أو بعد سنة ......... ،1130وهو ما يمس بمبدأ المساواة مادام أن هذا التأثير
جعله يتقاضى وإياهم معاشا تقل قيمته عما يتقاضاه باقي زمالئهم المتقاعدين الذي قضوا
نفس المدة في ممارسة المهام القضائية أو أقل منها ،وهو ما يعد مبر ار لترتيب المسؤولية
عن األضرار الالحقة بالمدعي جراء سن قانون المالية لسنة 1131في شقه القاضي بتعديل
المادة 3/11من المدونة العامة للضرائب بصيغتها التي وردت بها ،سيما أن األضرار
الالحقة بالمدعي جراء سن قانون المالية لسنة 1131في شقه القاضي بتعديل المادة11/3
سليمان محمد الطماوي " القضاء االداري وراالته على اعمال االدارة" دار الفكر العربي ،3355 ،ص 513
582
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
من المدونة العامة للضرائب بصيغتها التي وردت بها ،سيما أن مقتضيات هذه المادة
تتعلق بقواعد فرعية تتضمن اآلليات التقنية الحتساب الضريبة ،وتهم فئة محدودة ومعزولة
من المواطنين وفق ما تقدم ،وهي بذلك تبقى قابلة لترتيب المسؤولية عنها في الحاالت
المذكورة أعاله ،ألنها ال تتعلق بالقواعد القانونية األصلية التي تنصب على تنزي المبادئ
والقيم الكبرى للمبتمع أو تهم فئات عريضة منه ،إذ بالنسبة لهذه األخيرة ياون البرلمان
مبرد كاشف عن هذ ه القواعد التي تبسدها ،بما يرجح معه تعذر التعويض عن األضرار
التي يمان أن تنتج عنها ،وهي المبررات غير المتحققة في النازلة ،بالنظر للطبيعة
التكميلية غير األصلية وغير الشمولية للقاعدة القانونية منتبة الضرر في الملف ،األمر
الذي يبع طلب التعويض مؤسسا".
ويمكن ل نا بعرض حيثية الحكم المستدل به التساؤل عما إذا كان ما ذهبت إليه
المحكمة اإلدارية بالرباط مؤيدا أم أنها لم تعتمد أساسا مقنعا لتبرير الحكم بالتعويض؟ فهل
تعتبر نظرية الفقيه جورج سل راجحة ومبنية على أسس منطقية معقولة تبرر اعتمادها
قضاء للحكم بالتعويض؟ وهل يمكن بإسقاطها على واقع المنازعة -كما فعلت المحكمة ً
اإلدارية بالرباط -اعتبار قانون المالية من القوانين الفرعية المكملة التي ال ضير في إقرار
المسؤولية عن األضرار التي قد يتسبب فيها؟
يتجلى بداية أن النظرية المعتمدة -على فرض القبول بها كأساس للمسؤولية -تعاني
من غموض وإبهام كبيرين في المبنى الفتقادها لمعيار منضبط وواضح يعين على التمييز
بين القوانين األصولية أو التقريرية وبين القوانين التكميلية اإلنشائية .ولعل ذلك راجع إلى
اللبس الحاصل في تحديد المفهومين والذي ينجم عن صعوبة تحديد متى ينتهي اإلنشاء
ومتى يبتدئ التقرير .كما انتقد الفقه الفرنسي هذه النظرية على اعتبار أن أغلب القوانين
ذهب عن النظرية جدواها.1
الفرنسية ذات طابع إنشائي ،األمر الذي ُي ُ
ولعل مما يزيد األمر غموضا الكيفي ُة التي اعتمدت بها المحكمة اإلدارية بالرباط
النظرية ،إذ اعتبرت أن القوانين التكميلية تتضمن قواعد فرعية وأدخلت في حكمها مقتضيات
قانون المالية ،علما أن التشريع الفرعي يطلق في األصل على مجموع القواعد القانونية التي
1محمد البراك" مسؤولية الدولة عن أعمالها غير المشروعة" ،ط ،3الرياض ،مكتبة القانون واالقتصاد ،3331 ،ص .115
583
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
قامت السلطة التنفيذية بوضعها وفقا للمقتضيات الدستورية التي تنص على ذلك ،1وذلك في
شكل مراسيم أو ق اررات تنظيمية .بل إن اعتبار قانون المالية قانونا فرعيا يتعارض بشكل
واضح مع طبيعته كقانون عادي يصدر عن البرلمان ويتم األمر بتنفيذه بناء على ظهير
ملكي ،وهذا في حد ذاته مانع من قيام مسؤولية الدولة عن األضرار التي قد يرتبها هذا
القانون كما سنرى الحقا.
وهكذا فإن اعتبار قانون المالية تشريعا فرعيا يتعارض مع الدستور الذي نص في
الفصل 15منه المتعلق بسلطات البرلمان على أن قانون المالية يصدر عن هذا األخير،
وهذا ما يجعله طبقا للصيغة التي يرد عليها قانونا عاديا.
كما يظل من الصعب الجزم -بغض النظر عن كيفية سن قانون المالية والجهة التي
يصدر عنها -بكون هذا األخير هو في حقيقته قانونا تكميليا ،على اعتبار أنه يمس مجرد
قواعد احتساب الضريبة ،والحال أنه يحدد ويسطر السياسة االقتصادية واالجتماعية المنتظر
تنفيذها وتطبيقها خالل السنة المالية المقبلة ،كما يحدد الموارد المالية الالزمة لتمويل النفقات
الواردة في الميزانية ،فضال على أنه يرخص لإلدارة الضريبية جباية مختلف الضرائب
المقررة أو المنصوص عليها في الميزانية .ومن هذا المنطلق يكون القانون المالي محتضنا
للقانون الضريبي وإطا ار له يتعرف من خالله المكلفون في المجال الجبائي والمهتمون على
المستجدات الضريبية التي تتسم بعدم االستقرار والتحول الدائم ،وهي إحدى خصائص
القانون الجبائي.2
1تنص المادة 31من الدستور على ما يلي " :يعين رئيس الحكومة في الوظائف المدنية في اإلدارات العمومية ،وفي الوظائف السامية في
المؤسسات والمقاوالت العمومية ،دون إخالل بأحكام الفصل 03من هذا الدستور .يمكن لرئيس الحكومة تفويض هذه السلطة".
2مدني أحميدوش "القانون الببائي المغربي على ضوء المدونة العامة للضرائب "2449دروس جامعية ،كلية الحقوق ،فاس ،ص 31
584
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
المحكمة اإلدارية بالرباط انتهت إلى نتيجة مخالفة لمقدمة النظرية التي تبنتها حين قضت
بالمسؤولية عن اآلثار التي نجمت عن سن قانون المالية.
.2اصور معيار خرق مبدأ المساواة أمام األعباء العامة كأساس لفكرة
مسؤولية الدولة عن ممارسة وظيفة التشريع
وجد القضاء اإلداري المغربي والمقارن على السواء ضالتهما في نظرية الفقيه
Georges Teissierليتخذانها أساسا استثنائيا من أجل القبول بفكرة مسؤولية الدولة عن
ممارسة إحدى سلطاتها لوظيفة التشريع جراء المساس بمبدأ المساواة أمام األعباء العامة.
وعلى الرغم من أن المبدأ الذي قال به Georges Teissierذو قيمة دستورية
ويرتقي في أصله ليرتد إلى مبدأ أشمل هو مبدأ سيادة القانون الذي يعد بدوره من شروط
خضوع الدولة للقانون ،إال أن مضمون النظرية ال يسعف في تبرير المسؤولية أمام ما عابته
طائفة كبيرة من فقه القانون اإلداري على مبدأ المساواة من سلبيات .فما هي حمولة مبدأ
المساواة أمام األعباء العامة؟ وما هي مآخذه؟
أ-خرق مبدأ المساواة أمام األعباء العامة كأساس ظاهر للمسؤولية عن
التشريع الضار
تعد المادة 13من إعالن حقوق اإلنسان الصادر في 11شتنبر 3193عن الثورة
الفرنسية المصدر التاريخي لمبدأ المساواة أمام األعباء العامة رغم أن مجلس الدولة الفرنسي
لم يشر إلى مصدر هذا المبدأ عند اعتماده ،1في حين سبق للمجلس الدستوري الفرنسي أن
اعتبر بأن هذا اإلعالن يحظر على القوانين استبعاد التعويض عن األضرار التي يمكن أن
تنجم عنها في حال ما إذا تميزت بالخصوصية والجسامة غير العادية.2
1 DELVOLVE Pierre «Le principe d’égalité devant les charge public»، L.G.D.J, 1969, Paris, p 238
2 Fabrice Lemaire, « La responsabilité de l’Etat en cas de violation de la convention européenne des
droits de l’homme par une loi », Revu. trim. Dr. h. 71/2007, p. 911.
585
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ولقد أكد القضاء المقارن أن المسؤولية عن سن التشريعات مبنية على خرق مبدأ
المساواة أمام األعباء العامة ،وهكذا جاء في الحكم المتعلق بقضية La Fleuretteأولى
المنازعات في هذا الشأن ما يلي:
" ...وحيث إنه لم يحتج بأن الشيء المصنوع مما تنتجه الشركة المدعية خطر على
الصحة العامة ،وحيث إنه ال يوجد نص في القانون أو في األعمال التحضيرية يستفاد
منه أن المشرع أراد أن يحم هذه الشركة بعبء ال تحتمله .ومن حيث أن هذا العبء
كان لمقتضى الصالح العام فيبب أن يتحمله البميع ،ومن ثم تكون الشركة محقة في
طلبها التعويض".1
وقد تم التنصيص على هذا المبدأ في المغرب بموجب الفصل 39من دستور 29
يوليوز 2011الذي فرض على جميع المواطنين أن يتحملوا كل على قدر استطاعته
التكاليف العمومية .كما وجد هذا المبدأ صداه لدى القضاء اإلداري المغربي قبل ذلك في
عدة أحكام من بينها حكم المحكمة اإلدارية بالدار البيضاء عدد 315المؤرخ في 31دجنبر
1111والذي جاء فيه ما يلي ":إن القوانين والق اررات اإلدارية المشروعة ال تحول دون
إارار مسؤولية الدولة عن األضرار الالحقة بالغير تطبيقا لمبدأ المساواة أمام األعباء
العامة.2".
كما اعتمد القضاء المغربي هذا األساس من خالل أحكام حديثة من بينها الحكم
الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط تحت عدد 35111السالف الذكر والذي جاء فيه ما
1 CE, 8 févr. 2007, n° 279522, Gardedieu, au Lebon 78, concl. Derepas ; AJDA 2007. 585, chron. F. Lenica
; et J. Boucher ; ibid. 1097, tribune P. Cassia ; D. 2007. 659, et les obs. ; ibid. 1214, chron. G. Clamour
Mélanges Jégouzo 2009. 489, étude F. Melleray ; RFDA 2007. 361, concl. L. Derepas ; ibid. 525, note D.
Pouyaud ; ibid. 789, note M. Canedo-Paris ; RTD civ. 2007. 297, obs. J.-P. Marguénaud ; LPA 7 août 2007,
note Canedo-Paris ; JCP Adm. 2007.2083, note Broyelle ; D. 2007.1214, chr. Clamour ; DA mai 2007,
; comm. Gautier et F. Melleray ; JCP Adm. 2007.I.166, n° 7, obs. Plessix ; RGDIP 2007.488, note Poirat
RTDH 2007.907, note Lemaire.
2حكم منشور بالمجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية ،عدد مزدوج 55/50يناير -أبريل ،1110 ،ص 101علما أن هذا الحكم الذي يورد
الكثيرون في باب التدليل على قبول القضاء المغربي بفكرة مسؤولية الدولة عن أعمال التشريع قد وقع إلغائه بموجب قرار المجلس األعلى (محكمة
النقض حاليا) عدد 001الصادر بتاريخ 13ماي 1111في الملف عدد 1110/1/0/313والقاضي بإلغاء الحكم وبعد التصدي برفض الطلب.
3حكم غير منشور صادر بتاريخ 19نونبر 1139في الملف عدد .1139/1310/11
586
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
يلي":وحيث إن الدولة تعد مسؤولة عن األضرار الناتجة عن األعمال التشريعية الصادرة عن
البرلمان ،إما استنادا إلى ثبوت الخطأ في التشريع أو استنادا إلى نظرية المخاطر أو على
أساس مبدأ المساواة أمام األعباء العامة.....
وحيث إنه استنادا إلى ذلك ،فإن تعديل المادة 11.3من المدونة العامة للضرائب
بموجب قانون المالية لسنة 1131ترتب عنه إضرار بالمدعي عن طريق سن مقتضيات
ترتب عنها تخفيض قيمة معاشه الشهري بالمقارنة مع زمالئه الذين احيلوا على التقاعد قبله
سنة 1131أو بعد سنة ......... ،1130وهو ما يمس بمبدأ المساواة مادام أن هذا
التأثير جعله يتقاضى وإياهم معاشا تقل قيمته عما يتقاضاه باقي زمالئهم المتقاعدين الذي
قضوا نفس المدة في ممارسة المهام القضائية أو أقل منها ،وهو ما يعد مبر ار لترتيب
المسؤولية عن األضرار الالحقة بالمدعي جراء سن قانون المالية "...1131
وقد تبنت المحكمة اإلدارية بالرباط نفس التوجه في ملف آخر ،1كما أن محكمة
الدرجة الثانية وإن بتت في الدعويين من زاوية مختلفة على صعيد الطعن باالستئناف
وانتهت إلى إلغاء الحكم القاضي بالتعويض ،فقد وافقت بشكل عام محكمة الدرجة األولى
في إقرار المسؤولية عن ممارسة وظيفة التشريع وجعلت من خرق مبدأ المساواة أمام األعباء
العامة أساس المطالبة بالتعويض عن التشريع الضار ،وهذا ما يتبين من خالل القرار عدد
1131الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط بتاريخ 13أبريل 1133في الملف
عدد ،1133/1131/1وأيضا القرار الصادر عن ذات المحكمة تحت عدد 1131بتاريخ
13أبريل 1133في الملف عدد 1133/1131/9الذي جاء من بين حيثياته ما يلي:
"وحيث من جهة ثانية ،لئن كان االتباه السائد حاليا في الفقه والقضاء اإلداريين وعلى
صعيد مختلف األنظمة القانونية ،هو إارار مبدأ مسؤولية الدولة عن اوانينها ،إال إنه مع
ذلك لم يرجع قيام هذه المسؤولية إلى خطأ السلطة التشريعية عند سنها لمقتضيات قانونية
معينة أو خرقها للقواعد الدستورية التي تؤطر عملها ،وإنما تأسيسا على مبدأ المساواة أمام
التكاليف العامة".
1حكم صادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط تحت عدد 0333صادر بتاريخ 31نونبر 1139في الملف عدد ،1139/1310/15غير
منشور.
587
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
بل اعتبرت بعض األحكام الصادرة عن القضاء المغربي -في توجه غير منطقي -
بأن مبدأ المساواة هو خيط ناظم لكافة أسس المسؤولية ،وهكذا جاء في الحكم عدد 3901
الصادر عن المحكمة اإلدارية بالدار البيضاء في الملف عدد 2006/460ت بتاريخ 17
دجنبر 12008ما يلي " :وحيث إن المسؤولية الطبية شأنها في ذلك شأن المسؤولية
اإلدارية بصفة عامة وماتزال محكومة بتراوح فكرتي الخطأ والمخاطر كأساس لمسؤولية
المرفق الطبي العام بمراعاة أن األولى – فكرة الخطأ – هي المبدأ العام والثانية – المخاطر
– هي االستثناء على أنه وفي كل األحوال يجمع بين أنظمة المسؤولية هذه وبمختلف
صورها مبدأ عام هو مبدأ مساواة جميع المواطنين أمام األعباء والتكاليف العامة والذي
يجد مصدره في نص المادة 31من إعالن حقوق اإلنسان والمواطن الصادر في 62
عشت 3871ومقتضى هذا المبدأ في خصوص نشاط المرافق العامة ،أن هذه المرافق إذ
تنشأ لخدمة جميع المواطنين وجميعهم مساهم في نفقاتها وتكاليفها ،فليس من العدل أن
يتحمل بعضهم فقط تبعات النتائج الضارة لهذا النشاط في غياب أي خطأ من جانبهم".
ويستند األساس المتبنى من قبل القضاء المغربي على العموم إلى فكرة أنه لم يعد
مسموحا أن يتحمل قليل من األفراد وحدهم وزر األضرار التي تسببها أعمال السلطة
التشريعية حتى ولو كانت أنشطة مشروعة ،ذلك أن األضرار الخاصة التي تجد مصدرها في
النشاط العام لإلدارة تؤدي إلى إخالل تام بالتوازن بين حقوق األفراد ومصالحهم وإلى ما
يعرف ب " جور النص القانوني" ،ألنها تحدث مساساً بمبدأ مساواة جميع المواطنين أمام
األعباء العامة ،2إذ إن الدولة تصدر العديد من القوانين بواسطة سلطتها التشريعية بهدف
تحقيق المصلحة العامة وصالح األفراد معا ،إال أن بعض هذه القوانين يؤدي أحياناً إلى
إحداث أضرار غير عادية بالبعض ،مما يوجب تعويضه لتحقيق اعتبارات العدالة.
جسد تحول موقف القضاء على هذا الصعيد في استخدامه لمفهوم المصلحة وهكذا تَ َ
العامة بحديها المتناقضين ،فبعد أن كان تحقيق هذه األخيرة أساساً لمنع الحكم بالتعويض
عن الضرر الذي يلحق باألفراد جراء سن القوانين ،عادت بحدها اآلخر لتكون أساساً للحكم
588
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
بالتعويض عند بلوغ العبء الذي تحمله البعض لتحقيق هذه المصلحة درجة غير مألوفة
تخل بقاعدة المساواة في تحمل األعباء العامة ،كما هو الحال بالتدقيق في القضية التي
أصدرت بشأنها المحكمة اإلدارية بمكناس حكما تحت عدد 10/39/31المؤرخ في 11
دجنبر 13339والذي استجاب لطلب التعويض جب ار للضرر الناجم عن سن المادة 19من
القانون عدد 31/31المتعلق بالتعمير والتي تمنع المالك من إنجاز أشغال على عقاره طيلة
مدة سريان تصميم التهيئة.
كما نحت المحكمة اإلدارية بالرباط نفس المنحى من خالل الحكم عدد 153الصادر
بتاريخ 1130/13/11في الملف عدد 1131/31/911جاء فيه ما يلي ":انطالاا من
المبدأ الدستوري القاضي للزوم تحم الدولة والمواطنين بصفة تضامنية ،وبشا يتناسب
مع الوسائ التي يتوفرون عليها ،التكاليف التي تتطلبها تنمية البالد ،وكذا تلك الناتبة
عن األعباء الناجمة عن اآلفات والكوارث الطبيعية التي تصيب البالد" الفصل 01من
الدستور ،ورعيا لما للمحكمة من سلطة تقديرية في تحديد التعويض استنادا إلى األضرار
المادية الالحقة بالمدعي ،وتبعا لتقرير الخبرة وإعماال لتشطير المسؤولية التي تفرضها قواعد
التضامن قررت تحديد التعويض المستحق له في القدر الوارد بمنطوق الحكم".
1منشور من طرف األستاذ أحمد أجعون" الدلي القانوني والقضائي للتعمير والبناء" ،منشورات مجلة الحقوق المغربية ،سلسلة األعداد الخاصة،
رقم ،5السنة ،31ص .191
589
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وهكذا ذهب القضاء المغربي في بعض ق ارراته إلى أن أحكام القانون قد تخالف المبدأ
الدستوري القاضي بمساواة األفراد في تحمل األعباء العامة المشتق من مبدأ أكثر عمومية
هو مبدأ سيادة القانون الذي ال يجوز أن تعلو عليه سلطة من سلطات الدولة ألنه الركن
الركين إلدارة الدولة الحديثة.
ويتجلى من هذا التحليل أن خرق مبدأ المساواة أمام األعباء العامة ليس إال أساسا
ظاه ار لتبرير فكرة مسؤولية الدولة عن ممارسة وظيفة التشريع ،ذلك أن هذا المبدأ متفرع في
األصل عن مبدأ آخر هو مساواة األفراد أمام القانون المشتق بدوره من مبدأ أكثر شموال هو
مبدأ سيادة القانون الذي يعتبر التبرير العميق لفكرة المسؤولية ،إذ ينتج مبدأ المساواة أمام
القانون بالضرورة عن مفهوم سيادة القانون.
اعد المطبقة على الكافة بصرف النظر عن مصدرها ،سواء كانت ويقصد بالقانون القو ُ
قواعد الدستور أم قواعد القانون أم قواعد الالئحة ،إذ إن جوهر الخضوع يعني اعتراف األفراد
-وقبلهم سلطات الدولة كافة -بأن هناك مبادئ وقيماً متجسدة في تلك القوانين يجب
احترامها واالمتثال لها في كل الظروف .وهكذا يجب تطبيق مبدأ سيادة القانون على جميع
مستويات السلطة العامة بما فيها السلطة التشريعية كما ذهب إلى ذلك القاضي البريطاني
الشهير اللورد توم بينغهام.1
ويفيد خضوع الدولة لمبدأ سيادة القانون -حين مباشرتها لوظيفة التشريع -التزامها
ُ
في ذلك بأحكام الدستور الذي يسمو على كل القوانين ،وهذا ما يجعل مبدأ سيادة القانون
مرادفا أيضا لمفهوم الشرعية ،وهذا ما يعني ضرورة االلت ازم لحظة سن القاعدة األدنى بحكم
القاعدة األعلى ،فالقانون العادي في مرتبة أقل من الدستور ،ومن ثم وجب أال يخرج األول
عند سنه على حكم الثاني ،كما أن النصوص التنظيمية هي في مرتبة أدنى من القانون
العادي ،ومن ثم ال يجوز لها مخالفته ،ووفق هذا المنطق تخلق سيادة القانون معيا اًر لجودة
القوانين التي يجب أن تكون واضحة الصياغة ،آمنة التطبيق وممكنة التوقع.
1لورد توم بنتغام" حام القانون" ،ترجمة عثمان نصيري ،مركز عبد الكريم ميرغني للنشر ،السودان ،دون ذكر مكان وسنة النشر
PORTELLE.H "Droit constitutionnel", 7 ème édition, Dalloz, Paris, 2007, p.28.
590
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ويتجلى الرابط بين مبدأ المساواة أمام التكاليف العامة ومبدأ سيادة القانون في اعتبار
المساس بهما مناط فكرة المسؤولية ،ذلك أن مفهوم المساواة بواسطة قاعدة القانون ال يختلف
بعمق عن المساواة ضمن القانون ،فهو يطرح المفهوم األخير كما يتعلق بمحتوى القاعدة
ويجد مصدره ضمن ضرورات تدخل الدولة عن طريق القانون لحفظ مبدأ المساواة .ويختلف
المفهومان عن بعضهما في أن مفهوم المساواة بواسطة قاعدة القانون يفترض موقفاً إيجابي ًا
من القائمين على سن قاعدة القانون.
ففي حين يمتنع على السلطة التشريعية بموجب المساواة ضمن قاعدة القانون أن تدرج
عند سن القاعدة القانونية أي نمط من أنماط التمييز أو المحاباة أو أن تعامل أصحاب
المراكز المتساوية معاملة مختلفة ،فإن المساواة بواسطة قاعدة القانون تفرض على السلطة
القائمة على سن القاعدة القانونية في نفس الوقت أن تعامل المراكز المختلفة معاملة متباينة،
وهذا ما يجعل المساواة غاية نسبية كما يتبين من خالل الحكم 1عدد 1395الصادر عن
المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف عدد 1131/1315/030بتاريخ 13دجنبر 1131
جاء فيه " :وحيث إن نطاق تطبيق مبدأ المساواة في نازلة الحال ينصرف فقط على من
توفرت فيه الشروط التي يتطلبها القانون أي ذوي المراكز المتماثلة".
ويمكن القول بناء على ما سبق إن مفهوم المساواة ضمن قاعدة القانون يعني طرح
مبدأ المساواة ضمن محتوى القاعدة القانونية إبان سنها من قبل سلطة التشريع بغض النظر
ويطرُح مفهوم المساواة بواسطة القانون مبدأ المساواة ضمن
عن تنوع المراكز الواقعية لألفرادَ ،
محتوى القاعدة القانونية آخذين في الحسبان تنوع المراكز الواقعية وتعددها وعدم انتظامها
في أنماط واحدة ،وهذا التمايز في المراكز الواقعية هو الذي يرخص للقاعدة القانونية أن
فرد أحكاماً مختلف ًة للمراكز المتنوعة.
تُ َ
وهكذا تفرض المساواة بواسطة قاعدة القانون على عاتق المشرع التزاماً بعمل يوجب
عليه التدخل إلصالح التمايز في المراكز القانونية الذي يحدث بالضرورة في الحياة
االجتماعية ،وعلى هذا الصعيد تكمن محاذي ر وظيفة التشريع واحتمال ترتيبها آثار قد تمهد
لقيام المسؤولية عنها.
591
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وعليه ،تكون السلطة التشريعية ملزمة -حسب النظرية المعتمدة من قبل القضاء
المغربي -بتعويض األضرار المترتبة عن القانون الذي تصدره حتى ولو كان هذا األخير
دستوريا من باب أولى وال تشوبه أية انح ارفات ،طالما أن سلطة التشريع ملزمة باحترام
المبادئ األساسية التي تقوم عليها الدولة الحديثة .ويتضح ذلك أكثر من خالل جبرها
لألضرار على أساس المساس بمبدأ مساواة األفراد أمام األعباء العامة ،والذي ُيحرم على
السلطة التشريعية إصدار أي قانون تمنح به مزايا لبعض األفراد على حساب البعض
اآلخر .فإذا صدر قانون يضر بمصلحة البعض دون البعض اآلخر ،اختل مبدأ المساواة
أمام األعباء العامة ،وأصبح لزاما على سلطة التشريع أن تعيد لهذا المبدأ توازنه المطلوب
بتعويض األفراد المضرورين نتيجة لذلك القانون.
وقد ذهب بعض القضاء المقارن -إمعانا في إبراز درجة الضرر الذي قد يلحق
األفراد على إثر سن تشريع معين -إلى اعتبار أن المساس بالمساواة قد يصل إلى حد
اعتباره "جو ار قانونيا" ،فقد صدر عن المحكمة الدستورية األلمانية قرار مرجعي سنة 3319
ناقش مشكلة "جور النص القانوني" بعد صدور الالئحة رقم 33من القانون المدني للرايخ
بتاريخ 15نونبر 3303يسقط الجنسية األلمانية عن كل يهودي هاجر خارج ألمانيا ،وقد
كان األمر يتعلق في الظاهر بنزاع حول تركة يهودي ألماني هاجر إلى هولندا سنة 3301
فطرح مشكل أولي على صعيد تنازع القوانين يتعلق بتحديد جنسيته ،وقد خلصت المحكمة
الدستورية العليا بكون الالئحة المذكورة تظل معدومة معللة قرارها بما يلي " :ال القانون وال
العدالة توجدان تحت تصرف المشرع ،فالتصور الذي يقضي بأن المشرع الدستوري
يستطيع أن ينظم ك شيء وفقا إلرادته كأنها ارتداد إلى عقلية المذهب الوضعي التقديري
الحر والذي ُهبر منذ زمن بعيد ،سواء في علم القانون أو على صعيد الواقع .فمن عظات
النظام القومي االجتماعي في ألمانيا أن المشرع يمان أن يضع اوانين جائرة أيضا ....وال
يمكن التسليم بأن الالئحة المذكورة قد اكتسب قوة النفاذ باعتبار أنه جرى العمل بموجبها
لبعض السنين أو كان بعض الذي حرموا من الجنسية قبلوا من جهتهم بالتدابير المتخذة من
592
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
قبيل النظام االجتماعي القومي في حالة خاصة أو وافقوا عليها .ذلك أن النص القانوني
الظالم الذي يخرق المبادئ األساسية للحق ال يصبح اانونا لمبرد أنه طبق أو اتبع" .1
بل كشف هذا التوجه أيضا ارتباط مبدأ المساواة بالعدل في المعاملة القانونية ،إذ
اعتبر أن القانون الذي يطبَّق على الجميع من دون تمييز هو تجسيد للعدل أو ما يعرف
بعدالة القانون ،2وأن هذا األخير يكون ظالما وفق ِ
أي معيار قانوني قيمي الختبار جوهر
يها وفًقا لمضمونه ومحتواه.
العدالة في القاعدة القانونية ،على الرغم من تطبيقه تطبيًقا نز ً
ات إنسان دون دفع
تصادر عقار ُ
َ فعندما يحجب قانون ما عن المواطن َّ
حق التقاضي ،وعندما
تعويض عادل عنها -من دون مراعاة لمبادئ المساواة وتكافؤ الفرص -فإن ذلك يؤدي
المتعارف عليها وينتهي به ذلك إلى تعارض القانون مع َّ
سلم القيم األخالقية واالجتماعية
َ ُ
األمر إلى أن يصير إلى "قانونا جائرا".
1روبرت ألكسي" ،فلسفة القانون" تعريب كامل فريد السالك ،منشورات الحلبي الحقوقية ،بيروت 1131 ،ص .11
المَثل األعلى .وإذا كانت خصائص الحياة االجتماعية هي األساس الذي تُبنى عليه القواعد 2تعتبر فكرة العدل في القانون هي العنصر المثالي أو َ
القانونية ،فإن هذا ال يكفي وحده لتكوين القاعدة القانونية ،بل ال َّبد لحقائق الحياة االجتماعية من االهتداء َ
بمَثل أعلى يفرضه العقل .ولهذا فإن
قانونا لكن ما هو المثل األعلى للعدل ،أو
المَثل األعلى -وهو العدل – وموافقته عليه هو الذي يعطيه صفة الواجب ،أي يجعله ً إخضاع الواقع إلى َ
ما هي فكرة العدل في ذاته؟ وإذا كان العدل هو أساس القاعدة القانونية والعنصر األهم في تكوين جوهرها ،أفال يكون من مقتضى ذلك أنه ينبغي
مشرع القانون ِ
ومنفذه يقرر من تكاليف ،فال يجاوز حدودها ،وأن على ِ على القانون أن يستلهم أحكام العدل ومبادئه في نصوصه ،وأن يتقيد بها فيما ِ
ناقضكثير ما يحدث ،في العمل ،أن يتضمن القانون أحكاما ظالمة تُ ِ
أيضا ًا
ً أن يستلهم مبدأ العدل الذي استقر في ضمير المجتمع أنه عدل؟ لكنه ً
ظالما في فترة أخرى اقتضاها التطور .وهنا
ال في فترة ما ،إذ يتفق مع مصلحة المجتمع ،ثم يصبح ً وكثير ما يكون القانون عاد ً
ًا المَثل األعلى للعدل.
َ
المَثل األعلى للعدل. طاعة ب تتنازع األفراد قوتان :قوة الدولة ،أو قوة الجماعة المادية التي تفرض طاعة القانون ،وقوة العقل المعنوية ،التي ِ
توج
َ
يغلب قوة العدل على قوة السلطان ،فيبيح تحدي قوى الدولة فيما تفرضه القوتين تتوزع آراء الفالسفة والكتاب والفقهاء وتتراوح .فمنهم من ِ
وبين هاتين َّ
َ ُ
أعلنته من حقوق اإلنسان؛ إذ اعتبر أحد
ْ من قوانين ظالمة .ويتدرج ذلك من مجرَّد العصيان إلى الثورة .وهذا ما أخذت به الثورة الفرنسية فيما
منسجما مع هيمنة فكرة العدل
ً الدساتير التي تمخضت عنها أن الثورة على الظلم ومقاومته هو من ضمن هذه الحقوق .لكن هذا الحل ،وإن يكن
كل من الناس العدل على هواه .ومن هنا يتجه الفقه الحديث
فسر ٌّ
ويقوض الدولة ،السيما إذا َّ على القانون ،إال أن االعتراف به ٍ
كحل يخلق الفوضى ِ
ظر
وينت َ ٍ
إلى البحث عن حل داخل نطاق المنظومات القانونية الوضعية ذاتها ،فيضع أمله في القضاء ،كما أكد على ذلك بعض الفقهاء في أمريكاُ .
كثير من القيم العليا
شل القوانين الظالمة عن طريق رقابته الواسعة على دستوريتها ،أي البحث في مدى موافقتها للدستور ،الذي يتضمن عادة ًابذلك ُّ
ظر من هذا القضاء ُّ
الحد من مدى هذه القوانين الظالمة ،بما يمتلك من حرية واسعة في ومبادئ العدل وقواعده وحقوق اإلنسان؛ أو على األقل ُينت َ
التفسير .وهذا ما َد َرَج عليه القضاء األمريكي في قضايا بارزة ،وبصورة خاصة في مجال حقوق اإلنسان ،حيث أصبحت األحكام في هذه القضايا
من السوابق القضائية التي لها قوة القانون .أنظر دينيس لويد" فكرة القانون " ،تعريب سليم الصويص وسليم بسيو ،عالم المعرفة 3393 ،الكويت،
ص .339
593
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ال يصلح مبدأ المساواة في تحمل األعباء العامة -رغم كونه امتداداً لمبادئ قانونية
كبرى وسبيال لبلوغ قيم إنسانية قصوى كقيمة العدل -مرتك از نظريا أو واقعيا للقبول بفكرة
مسؤولية الدولة عن ممارسة إحدى سلطاتها لوظيفة التشريع ألنه ذو مضمون نسبي يبرز
اع َتب ِ
ار المبدأ أساسا لفكرة المسؤولية ،وهذا ما يتبين من خالل ِ ِ
اء ْ
الم ْرتكب َجر َ
التعسف ُ درجة َ
العيوب التالية:
كما تؤدي مقتضيات العدالة المبنية على المساواة في تبادل الحقوق والواجبات إلى
تكوين سلطة م ٍ
طالبة بتقديم الخدمات وتراعي ناحية العدالة في توزيع األعباء ،غير أن ُ
المساواة الحسابية ال تكفي قط ،إذ يجب توزيع األعباء بما يتناسب مع الوسائل المرصودة
لذلك.3
1صالح أحمد الفرجاني "،مبدأ المساواة أمام القانون وتطبيقاته "مجلة العلوم القانونية والشرعية ،العدد ، 6ص.232
2نفس المرجع السابق ،ص .234
3هنري باتيفول " فلسفة القانون" ،ترجمة سموحي فوق العادة ،منشورات عويدات ،بيروت باريس ،الطبعة الثالثة ،3390 ،ص .30
594
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وقد أكدت مجموعة من االتفاقيات الدولة -باعتبارها مراجع كونية -على المعنى
السابق وعلى أن المساواة ليست مجرد معيار رسمي ،بل ينبغي أن تؤدي إلى معاملة
متساوية إلى أقصى مدى ،وأن تقبل التساهل مع التفرقة التي قد تكون مطلوبة لضمان
المساواة الحقيقية ضمن ظروف محددة .1ومنها على سبيل المثال ما ورد في المادتين 1.4
و 2.2من االتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري والمادة الرابعة من
اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة وأيضا المادة 5.4من اتفاقية حقوق
األشخاص ذوي اإلعاقة.
وقد هاجم العديد من الفقهاء المبدأ على هذا الصعيد ،إذ يرى Charles Eisen
Mannأن مبدأ المساواة أمام األعباء العامة ال يصلح أساسا للمسؤولية اإلدارية ألن
المبالغة فيه ليست سليمة طالما أن الخطورة الناتجة عن التوسع في اعتماده ال تتناسب مع
ضآلة النتائج المحققة.
1تنص الفقرة الرابعة من المادة األولى من االتفاقية الدولية للقضاء علي جميع أشكال التمييز العنصري على ما يلي " :ال تعتبر من قبيل التمييز
العنصري أية تدابير خاصة يكون الغرض الوحيد من اتخاذها تأمين التقدم الكافي لبعض الجماعات العرقية أو االثنية المحتاجة أو لبعض األفراد
المحتاجين إلي الحماية التي قد تكون الزمة لتلك الجماعات وهؤالء األفراد لتضمن لها ولهم المساواة في التمتع بحقوق اإلنسان والحريات األساسية
أو ممارساتها ،شرط عدم تأدية تلك التدابير ،كنتيجة لذلك ،إلي إدامة قيام حقوق منفصلة تختلف باختالف الجماعات العرقية ،وشرط عدم استمرارها
بعد بلوغ األهداف التي اتخذت من أجله .كما تنص الفقرة الثانية من المادة الثانية منها على ما يلي« :تقوم الدول األطراف ،عند اقتضاء الظروف
ذلك ،باتخاذ التدابير الخاصة والملموسة الالزمة ،في الميدان االجتماعي والميدان االقتصادي والميدان الثقافي والميادين األخرى ،لتأمين النماء
الكافي والحماية الكافية لبعض الجماعات العرقية أو لألفراد المنتمين إليها ،علي قصد ضمان تمتعها وتمتعهم التام المتساوي بحقوق اإلنسان
والحريات األساسية .وال يجوز في أية حال أن يترتب على هذه التدابير ،كنتيجة لذلك ،إدامة أية حقوق متفاوتة أو مستقلة تختلف باختالف
الجماعات العرقية بعد بلوغ األهداف التي اتخذت من أجلها" .كما تنص الفقرة األولى من المادة الرابعة من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز
ضد المرأة على ما يلي" 1.ال يعتبر اتخاذ الدول األطراف تدابير خاصة مؤقتة تسته دف التعجيل بالمساواة الفعلية بين الرجل والمرأة تميي از بالمعنى
الذي تأخذ به هذه االتفاقية ،ولكنه يجب أال يستتبع ،على أي نحو ،اإلبقاء على معايير غير متكافئة أو منفصلة ،كما يجب وقف العمل بهذه
التدابير متى تحققت أهداف التكافؤ في الفرص والمعاملة" .وتنص في نفس السياق المادة 5.4من اتفاقية حقوق األشخاص ذوي اإلعاقة على ما
يلي« :ال تعتبر التدابير المحددة الضرورية للتعجيل بالمساواة الفعلية لألشخاص ذوي اإلعاقة أو تحقيقها تميي از بمقتضى أحكام هذه االتفاقية.
595
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وهاجم chapus Renéبدوره مبدأ المساواة فرأى أن تنصيص إعالن حقوق االنسان
على المبدأ كان بهدف إدانة عدم المساواة في توزيع األعباء المالية وحدها ،وأن اعتباره
أساسا للمسؤولية اإلدارية يتطلب تقرير ذلك بنص خاص .ومن ثم ال يرى chapus
Renéأية قيمة دستورية للمبدأ في مجال المسؤولية اإلدارية الختالف الموضوع محل
البحث في الحالتين اختالفا أساسيا ال يمكن معه الربط بينهما .بل إن مؤدى المبدأ -وهو
تعويض كل ما يصيب المواطنين من أضرار نتيجة سير المرافق العامة -يعد إخالال بفكرة
المساواة أمام التكاليف العامة ذاتها -إذ ال يكفي اإلخالل بهذا المبدأ فقط لمنح التعويض
بل ال بد من شروط أخرى.2
وحيث يتجلى من صلب التحليل السابق ،أن مبدأ المساواة امام األعباء العامة ال يفي
بغرض تبرير فكرة المسؤولية عن ممارسة وظيفة التشريع.
1مذكور من طرف حاتم لبيب جبر " نظرية الخطأ المرفقي " رسالة دكتوراه ،كلية الحقوق ،جامعة القاهرة ،سنة ،3319ص. 404
2حاتم لبيب جبر " نظرية الخطأ المرفقي " ،نفس المرجع السابق ص.011
596
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ومن ثم إذا كان المشرع ال ُيطالب إال بالحد الكافي لتنظيم العالقات االجتماعية ،فإنه
ال يفرض إال ما هو في مصلحة الجميع .ويبدو أن فكرة الخير العام أو المصلحة العامة
يمكن أن تكون عامل اشتراك حين تتفرق المصالح 1ألن المشرع ينظم التصرفات اإلنسانية
باسم مجتمع معين في سبيل وجوده ومنفعته.2
وتقتضي فكرة الخير العام أو المصلحة العامة وضع توازن بين نشاط الفرد وحريته
وحقوقه وبين مصالح وحرية اآلخرين ،خاصة الحقوق ذات الطابع االقتصادي التي قد تشمل
حرية التملك وحرية االستثمار والتجارة والصناعة .ولقد نصت معظم الدساتير على الحقوق
والحريات ذات الطابع االقتصادي ،فإذا كانت حرية التجارة والصناعة تعتبر مثال ذات قيمة
دستورية ملزمة لكافة السلطات العامة بما فيها السلطة التشريعية طالما مورست في إطار
القانون ،فإن مسألة تنظيم هذه الحرية ال تزال تعتبر من أهم االختصاصات التي تمارسها
الدولة كسلطة عامة ،وذلك من خالل اإلجراءات والتدابير الوقائية أو الردعية الالزمة لإلبقاء
على النظام العام في المجتمع.3
وقد أقر المجلس األعلى (محكمة النقض حاليا) مشروعية تدخل الدولة على هذا
الصعيد حين ألغى بموجب ق ارره عدد 4 001حكما ابتدائيا اعتُمد ويعتمد خالفا للواقع- 5
وعلى نطاق واسع وإلى غاية اآلن -في التدليل على اعتماد القضاء المغربي لفكرة مسؤولية
الدولة عن مضار التشريع ،وقد جاء في القرار ما يلي" :حيث إنه لما كانت الدولة هي
المسؤولة عن صحة وسالمة المواطنين فهي ملزمة باتخاذ جميع اإلجراءات والتدابير
االحت ارزية الالزمة لهذا الغرض ،ومن ثم فإن فلها الحق في منع دخول أية مادة اد يشك
في احتمال إضرارها بصحة المواطنين وهو ما اامت به وزارة الفالحة حينما أصدرت القرار
رام ".79.3420
597
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ويملك المشرع طبقا لما سبق ،سلطة تقديرية واسعة في هذا المجال تشمل تنظيم
وإعادة تنظيم الحقوق والحريات بالتحديد والتقييد ،بل االنتقاص منها في بعض الحاالت
لضرورات المصلحة العامة وذلك لتنظيم العالقات االجتماعية والنشاطات الفردية .كما
تفرض حرية االستثمار وحرية ممارسة التجارة أو الصناعة -باعتبارهما من الحريات
األساسية -على المشرع االلتزام بضرورة التدخل إلقامة نوع من التوازن والمالءمة بين
ممارسة هذه الحرية أو التمتع بها وبين حقوق األفراد اآلخرين ،أي ضرورة توفير حماية
فعالة لممارسة هذا الحق أو الحرية دون المساس بحقوق األفراد اآلخرين وحرياتهم الفردية،
األمر الذي يثير في بعض الحاالت إشكالية تتعلق بالحق في طلب التعويض عن األضرار
التي تلحق األفراد. 1
ويتبين بالعطف على االجتهاد القضائي المقارن المشار إليه سابقا والمتعلق بقضية
La Fleuretteأن تدخل المشرع جاء من أجل الحد من نشاط مضر بالصحة العامة
وبالحق في بيئة سليمة ،إذ صرح مجلس الدولة الفرنسي بأنه ال يوجد في النص القانوني وال
في األعمال التحضيرية الخاصة به أو في ظروف القضية ما يسمح بالقول إن المشرع قصد
تحميل المدعية عبئا غير عادي ،إذ من المفروض أن هذا العبء يتحمله الجميع وعلى قدر
المساواة .2كما أن النشاط الذي كانت تمارسه لم يكن نشاطا مشينا أو مض ار بالمجتمع،
وبالتالي فقد كان من حق المدعية -حسب مجلس الدولة -الحصول على التعويض
استنادا لمبدأ مساواة المواطنين أمام األعباء العامة .3وقد تأثر مجلس الدولة الفرنسي في
قضية La Fleuretteبرأي العميد ديكي الذي اعتبر أن الدولة غير مسؤولة عن األضرار
التي تصيب األفراد جراء تحريم نشاط أو صناعة ضارة بالمجتمع حماية للنظام العام.
»1 CMPOT Pierre «La protection constitutionnelle de la liberté individuelle en France et en Espagne
LGDJ, Paris, 1998, p 267
2عبد الملك يونس محمد " أساس مسؤولية اإلدارة واواعدها "دار الكتب القانونية ،ط 1999 ، 1ص 190ورشيد خلوفي" ،اانون المسؤولية
اإلدارية " ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر ،3330 ،ص 11
3 Marceau Long et autres," Les grands arrêts de la jurisprudence administrative", Dalloz, Paris, 18e
édition, 2011, p. 312.
598
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
الطلب بعلة أن المشرع ال يقيم فكرة المسؤولية عن التشريع مستنتجا أن القانون الذي كان
محل المنازعة عبارة عن إجراء عام اتخذ ألجل منع الصناعة الخطرة المضرة بالصحة ،ولم
يتضمن أي مقتضى يتيح إمكانية منح التعويض لمن تأثرت مراكزهم بسنه.1
وهكذا اعتبر مجلس الدولة الفرنسي أن كل قانون يستهدف تحقيق المصلحة العامة
بمفهومها الشامل يؤدي ضمنا إلى استبعاد الحق في التعويض عن األضرار الناجمة عنه،
إذ رفض المجلس المذكور الحكم بالتعويض ألن النشاط الممنوع قانونا كان نشاطا غير
مشروع أو فيه مساس باألخالق أو الصحة العامة .كما قرر ذلك أيضا من خالل قضية
.2 Société Stambouliورفض ذات المجلس طلب التعويض إذا كان القانون يستهدف
تحقيق غايات اقتصادية واجتماعية عامة كمحاربة بعض الممارسات التدليسية أو منع بعض
األنشطة الضارة بالصحة العامة أو تلك التي من شأنها تهديد األمن العام.3
وقد عرضت للقضاء المغربي مجموعة من القضايا التي رامت من خاللها مجموعة
من الشركات الحكم لفائدتها بالتعويض عن الضرر الذي زعمت أنه لحقها بدخول القانون
35/11القاضي بمنع صنع األكياس من مادة البالستيك واستيرادها وتصديرها وتسويقها
واستعمالها حيز التنفيذ ،ذلك أن هذا القانون فرض على هذه الشركات -بحسب ما ادعته -
التوقف عن مزاولة نشاط اقتصادي يدر عليها أرباحا مادية ،ومن هذه القضايا ما صدرت
بشأنه األحكام التالية:
1 CE 29 avr. 1921, Société Premier et Henry, Lebon 424 ; S. 1923.3.14, note Hauriou.
2 CE 11 juillet 1990, Société Stambouli. Frères, Lebon p. 214.
3زكريا خليل " مسؤولية الدولة عن اعمال التشريع لين المقتضيات القانونية واالجتهاد القضائي :دراسة في فرنسا والمغرب" ،مجلة كلية
القانون الكويتية العالمية ،العدد ،11السنة السابعة ،شتنبر ،1133ص .195
599
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وقد كانت أحكام القضاء على هذا الصعيد في منطوقها صائبة ألن مضار اللدائن
الصناعي ة على الصحة العامة وعلى الحق في بيئة سليمة ال تخفى على أحد ،1ومن ثم كان
إصدار القانون 35/11القاضي بمنع صنع األكياس من مادة البالستيك واستيرادها
وتصديرها وتسويقها واستعمالها دفعا لضرر عام يصيب المجتمع قاطبة ،ومادام أن دفع
الضرر أولى من اإلبقاء على مصلحة فئة معينة ،فإنه ال حق بتطبيقه في طلب التعويض
طبقا لما استقر عليه القضاء المقارن.
كما لم يتضمن القانون 35/11أي تمييز تحكمي بين المواطنين مستند إلى أسس
غير موضوعية قد توقعه في مخالفة مبدأي المساواة وتكافؤ الفرص ذوي القيمة الدستورية
والعالمية .2بل إن القانون المذكور جاء ليضمن لكافة أفراد المجتمع تمتعهم بالحق في بيئة
سليمة المنصوص عليه في الفصل 13من الدستور .3ولضمان التمتع بهذا الحق ،فقد كان
لمشرع القانون 35/11سلطة تقديرية واسعة تشمل التنظيم وإعادة التنظيم بالتحديد والتقييد،
بل االنتقاص بشكل مشروع من الحقوق األخرى في بعض الحاالت لضرورات المصلحة
العامة وذلك لتنظيم العالقات االجتماعية والنشاطات الفردية والحرية.
بل إن الفصل 13من الدستور يخول للبرلمان حق التشريع في هذا مجال البيئة
وحماية الموارد الطبيعية والتنمية المستدامة ،إذ جاء في الفصل المذكور ما يلي" :باإلضافة
إلى المواد المسندة إليه صراحة بفصول أخرى من الدستور ،بالتشريع في الميادين التالية :
.......القواعد المتعلقة بتدبير البيئة وحماية الموارد الطبيعية والتنمية المستدامة." ........
كبير على البيئة ألنها غير قابلة للتحلل ،كما تحتوي أكياس البالستيك على نسب عالية من
عبئا ًا
1تمثل مخلفات صناعة األكياس البالستيكية ً
الرصاص ،وعند رميها تحت أشعة الشمس تخرج غازات ضارة جدا على صحة اإلنس ان ،فضال على أن األكياس البالستيكية الملقاة على األرض
تشكل وعاء لتكاثر الجراثيم وتجمع المياه ما يسبب التلوث البيئي.
2 Eisenmann (Charles) "L'es.prit des lois et la séparation des pouvoirs", in Mélanges R. Carré de Malberg,
Paris, L. R. Sirey, 1933, p 163
3جاء في هذا الفصل ما يلي " :تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية ،على تعبئة كل الوسائل المتاحة ،لتيسير أسباب استفادة
المواطنات والمواطنين ،على قدم المساواة ،من الحق في -" :الحصول على الماء والعيش في بيئة سليمة؛"
600
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وقد ذهب القضاء المغربي إلى اعتبار دور الدولة على هذا الصعيد واجبا يرتب
تخلفها عن القيام به مسؤوليتها ،فقد جاء في القرار عدد 5191الصادر عن محكمة
ُ
االستئناف اإلدارية بالرباط بتاريخ 33نونبر 1130في الملف عدد 1/33/591جاء فيه:
" ومن ثم فإن مسؤولية اإلدارة في هذه الحالة هي مسؤولية أخالقية وأدلية تبد أساسها
في التزام الدولة لتوفير الحماية والسالمة الصحية للمستهلكين من ك ما من شأنه
المساس لها ،ومن ثم فإنها تبقى لدورها متحملة لقدر من المسؤولية اإلدارية الموجبة
للتعويض إلخاللها بالتزاماتها الوظيفية اتباه مواطنيها ،وهو المعطى الذي أارت به ضمنا
من خالل سنها لقوانين استهدفت من خاللها منح ضحايا هذه الزيوت بعض من
التعويضات واإلعانات".
ولعل نفس األسباب ينبغي أن تحيط بمناقشة المسؤولية التي تثيرها رزنامة القوانين
والق اررات التي اتخذتها الدولة للحد من انتشار جائحة فيروس كورونا والمتخذة في أعقاب
إصدار المرسوم بقانون المتعلق بسن أحكام حالة الطوارئ ،ألن مسؤولية الدولة تفرض عليها
تفعيل آليات الضبط اإلدارية المخولة لها بما يتأتى لها من اإلمكانية في تحمل تكاليف
تأهيل اآلليات والوسائل الصحية ،سواء فيما يتعلق بتوفير البنية التحتية المالئمة والمعدات
والوسائل اإلضافية التي يتعين اقتناؤها بكل استعجال من أجل عالج األشخاص المصابين
بالفيروس في ظروف جيدة طبقا لما ألزمها به الفصل 40من الدستور الذي حث جميع
مؤسسات الدولة على أن تتحمل بصفة تضامنية ،وبشكل يتناسب مع الوسائل التي تتوفر
عليها ،التكاليف التي تتطلبها تنمية البالد ،وكذا تلك الناتجة عن األعباء الناجمة عن
اآلفات ،األوبئة والكوارث الطبيعية التي تصيب البالد .ومن ثم ال ينبغي أن تسأل الدولة
عن األضرار التي اد تنبم عن إارار القوانين والق اررات الموضوعة في هذا السياق.
57-150يتعلق بتحديد وقد جاء في قرار للجمعية العامة لألمم المتحدة رقم
المسؤوليات األساسية للدول المتضررة من الكوارث الطبيعية على أن الدول يقع عليها -
قبل كل شيء -مسؤولية االعتناء بضحايا الكوارث الطبيعية وغيرها من الطوارئ التي تقع
في إقليمه .كما أن حق اإلنسان في الصحة مسلم به في العديد من الصكوك الدولية ،إذ إن
الفقرة األولى من المادة 15من اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان تؤكد أن لكل شخص الحق
601
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة له وألسرته ،ويشمل المأكل والملبس والمسكن
والرعاية الطبية والخدمات االجتماعية الضرورية .وهو نفس االتجاه الذي كرسه العهد الدولي
الخاص بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية على أشمل مادة تتعلق بالحق في الصحة
في القانون الدولي لحقوق اإلنسان .كما أن المادة 31/3من ذات العهد ألزمت الدول
األطراف بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن
بلوغه .
قد يؤدي تقرير مسؤولية الدولة بناء على عنصر الخطأ في بعض الحاالت إلى
استحالة استيفاء التعويض عن الضرر بسبب عدم قدرة المتضرر على إثبات وجود الخطأ،1
وقد تتحقق هذه الحالة إما ألن إثبات الخطأ يكون أم ار ُمستحيال ،وإما ألن إثبات الخطأ
يمكن أن يكون في غير محله كأن يكون الضرر ناجما عن أحد أعمال السيادة كما هو حال
أعمال التشريع.
وإذا كان المبدأ الراسخ قديما هو عدم مسؤولية الدولة عن ممارسة وظيفة التشريع على
أساس أن المشرع ال يخطئ ،فإن نظرية المسؤولية بدون خطأ تظل ذات طبيعة استثنائية
ألن القضاء يحجبها عندما يتضمن النص التشريعي أو االتفاقية الدولية حكما أو بنداً ُيسقط
حلت المسؤولية حق المطالبة بجبر الضرر الناجم عن وضعهما .2ومع ذلك فقد
الموضوعية إشكال مساءلة الدولة عن األضرار التي تترتب عن القوانين رغم أن عدد
المنازعات ذات الصلة يظل محدودا ،3غير أن بقاء العديد من أوجه ممارسة وظيفة التشريع
خارج نطاق تطبيق فكرة المسؤولية والتشدد في أسباب قيامها خاصة على صعيد شروط
1ميشيل روسي ،المنازعات اإلدارية بالمغرب ،ترجمة :محمد هيري ،الجياللي أمزيد ،مطبعة المعارف الجديدة ،الرباط ،السنة ،3335ص .196
2نظرية المسؤولية بدون خطأ نظرية قضائية من ابتداع القضاء اإلداري وهي نظرية استثنائية مكملة أو احتياطية ،إذ األصل في المسؤولية قيامها
على أساس الخطأ يتم اللجوء إليها وتطبيقها لحفظ التوازن ما بين امتيازات اإلدارة وحقوق االفراد وحرياتهم .كما أنها نظرية حيادية وموضوعية ،إذ ال
يستلزم قيامها إدانة اإلدارة بارتكاب خطأ معين ويشترط للتعويض فيها أن يكون الضرر قد بلغ حد الجسامة والخطورة غير االعتيادية باإلضافة
لصفة الخصوصية للمتضرر .فضال على انها نظرية تقوم على ركني الضرر والعالقة السببية.
3عوابدي عمار ،نظرية المسؤولية اإلدارية ،ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر ،1110 ،ص .103
602
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
جعل بعض القضاء المقارن يتجه نحو االستعانة بنظرية الخطأ لتوسيع،عنصر الضرر
ويمكن االستشهاد في هذا الصدد بقرار لمحكمة النقض.نطاق المسؤولية على هذا الصعيد
" يحق للمحاكم الوطنية مراقبة: جاء فيه ما يلي11111 شتنبر19 البلجيكية مؤرخ في
2
"....مدى قيام السلطة التشريعية بسن قوانين بكيفية مالئمة وكافية
وقد قضت محكمة النقض البلجيكية في هذا السياق بالتعويض بناء على خطأ قوامه
بطء وتيرة التشريع وعدم مالئمته مع االتفاقية األوروبية لحقوق االنسان في منازعة تتعلق
األمر الذي اعتبرته ذات،بالتعويض عن خطأ طبي لم يتم البت فيها داخل أجل معقول
.3 من االتفاقية األوروبية لحقوق االنسان31 المحكمة مخالفة واضحة للفصل
فقد فتح هذا االجتهاد القضائي الباب أمام الفقه للبحث في إمكانية،ومهما يكن
إذ،االستعانة بنظرية المسؤولية الخطئية إلقرار مسؤولية الدولة عن ممارسة وظيفة التشريع
برزت عدة آراء أولية تحاول اإلحاطة بمفهوم خطأ السلطة التشريعية والذي يتجلى حسب
تشريعي سواء كان وطنيا أو أي- الفقه في عدة حاالت من بينها مخالفة ضابط فوق
كما قد يتجلى الخطأ في مخالفة.5 أو أي ضابط عام آخر،4ضابط دولي ذي أثر مباشر
1 Cass. (1re ch.), 28 sept. 2006, Pas., 2006 Arrêt n°C.02. 0570.F, www.cass.be
2 «Un tribunal de l’ordre judiciaire a le pouvoir de contrôler si le pouvoir législatif a légiféré de manière
adéquate ou suffisante pour permettre à l’Etat de respecter un droit consacré par une norme supérieure, en
l’espèce le droit d’être jugé dans un délai raisonnable en vertu de l’article 6.1 de la Convention européenne
des droits de l’homme.
3 B. DUBUISSON et S. VAN DROOGHENBROECK, «Responsabilité de l’Etat-législateur: la dernière
pièce du puzzle ?»، J.T., 2011, p. 802
4 R. ERGEC, « La responsabilité du fait de la carence législative », in Mélanges Philippe Gérard,
Bruxelles, Bruylant, 2002, p. 298 ; M. LEROY, « Responsabilité des pouvoirs publics du chef de
méconnaissance de normes supérieures de droit national par un pouvoir législatif », in La responsabilité
des pouvoirs publics, Actes du colloque organisé les 14 er 15 mars 1991 par la Faculté de droit de
l’Université catholique de Louvain et la Faculté de droit de l’Université Libre de Bruxelles, Bruxelles, Bruylant
1991, p. 331 et s
5 Une décision de 1984 avait ainsi condamné l’Etat pour une carence législativo-budgétaire219.Dans le
même esprit, une décision de la Cour d’appel de Bruxelles (Bruxelles, 3 mai 2005, J.L.M.B., 2005, J.L.M.B.,
pp. 1380 et s( et Voy. Civ. Bruxelles (33e ch.), 16 février 2001, R.G.D.C., 2003, p. 211, note K. MUYLLE,
R.W., et (CAA Paris, 1/07/1992, Soc. Jacques Dangeville). Dans cette affaire, une disposition législative
incompatible avec les objectifs d’une directive avait été appliquée. La cour condamna, alors, l’Etat à réparer le
préjudice résultant de la situation illicite créée par la non transposition de la directive.
603
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
االنتظارات المشروعة للمواطنين 1طالما أن تجاوز أجل البت في الدعوى داخل أجل معقول
مثال هو دليل جيد على إمكانية االستعانة بنظرية الخطأ .وقد يتمثل هذا األخير أيضا في
عدم التعامل بحذر واحتياط أو التعامل بتعجل خالل عملية التشريع مقارنة بمشرع آخر وجد
في نفس الظروف.
واعتبر الفقه المذكور انطالقا من تعداد بعض صور الخطأ التشريعي أن مفهوم هذا
األخير مرتبط بمفهوم آخر هو عدم المشروعية معتب ار أن محكمة النقض البلجيكية ألمحت
إلى هذا االرتباط في مجموعة من ق ارراتها الصادرة سنة ،21111غير أن المحكمة المذكورة
ما فتئت تتراجع عن موقفها في قرار آخر 3مؤكدة بأن تراكب أو تطابق الخطأ وعدم
المشروعية ليس كافيا لقيام مسؤولية الدولة في مجال التشريع ،وأن معيار الخطأ على هذا
الصعيد هو معيار تكميلي فقط ،وأن خرق ضابط دستوري ال يؤدي بالضرورة إلى مسؤولية
المشرع .وقد خلق هذا القرار بعض اللبس وجعل موقف محكمة النقض غامضا وغير
واضح.
وقد أكد مجلس الدولة الفرنسي -في المقابل -من خالل قرار Gardedieuقيام
مسؤولية الدولة عن األضرار التي تسببها القوانين التي تتجاهل مقتضيات االتفاقيات الدولية
التي صادقت عليها فرنسا السيما االتفاقيات والتوجيهات األوروبية .ورغم أن مجلس الدولة
الفرنسي قد أقر بهذه المسؤولية ،إال أنه لم يقمها صراحة على خطأ المشرع ،إذ لم يقم
بتكييف خرق المشرع لهذه االتفاقيات على أنه خطأ يستوجب التعويض ،وإنما كان دائما ما
يحكم بالتعويض بناء على خطأ الجهات اإلدارية التي تصدر أعمال إدارية تبعا ألحكام تلك
القوانين ،فيكون التعويض مبنيا على علة أن اإلدارة سببت للفرد الضرر بسبب تطبيقها
1 Civ. Bruxelles (7e ch.) , 17 mars 1997, R.W., 1997-2002-2003, p/ 306 et 1998, p. 257, note P.
POPELIER, J.L.M.B., 1998, p. 438
2 Samuelle De Ketelaere «La responsabilité civile de l’Etat-législateur» Université catholique de Louvain,
Année académique 2012-2013, p 29
3 Cassa. (1re ch.), 10 sept. 2010, Pas., 9/2010, p. 2228 ; C.D.P.K., 2/2011, p. 291.
604
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
لقانون مخالف للمعاهدات الدولية وليس ألن المشرع أخطأ بإصدار قانون مخالف للمعاهدات
الدولية.1
ولم يسبق للقضاء المغربي -حسب علمي -أن نظر في منازعة ترمي إلى إقرار
المسؤولية عن ممارسة وظيفة التشريع باعتماد نظرية الخطأ لوحدها ،لذلك لم تتح له فرصة
إبداء موقفه منها ،اللهم ما شهدته الدعاوى التي أقامتها بعض الشركات التي كانت معنية
بتطبيق أحكام القانون رقم 11.35القاضي بمنع صنع األكياس من مادة البالستيك
واستيرادها وتصديرها وتسويقها واستعمالها والتي زعمت من خاللها -إلى جانب خرق مبدأ
المساواة أمام األعباء العامة -ارتكاب المشرع لخطأ مرفقي يتجلى في إصدار نص تشريعي
يقضي بإيقاف نشاطها االقتصادي .وعلى الرغم من أن المحكمة اإلدارية بالرباط التي
أقيمت الدعاوى أمامها لم تناقش أوجه الخطأ في التشريع المنعي على القانون المذكور
واكتفت بمناقشة جانب مخالفته لمبدأ المساواة في تحمل األعباء العامة لتنتهي إلى إصدار
عدة أحكام تقضي برفض الطلب ،فإن ذلك ال يمنع من تمحيص االدعاء واستجالء أوجه
الخطأ المنعية على القانون 35/11من عدمها.
فقد اعتبرت بعض الشركات أن صدور القانون 35/11أدى إلى توقف نشاطها
االقتصادي بشكل كلي على الرغم من أن المنع ال يشملها كافة ،2لذا يمكن القول على أن
المنع لم يؤد منطقيا إلى توقف كلي للنشاط ألن القانون سمح بمتابعة جل أوجه نشاط صنع
وتسويق باقي األكياس البالستيكية المباحة وباقي المنتوجات البالستيكية من أواني وغيرها.3
1 François Gilbert, « le conseil d'Etat consacre la responsabilité de l'Etat du fait des lois contraires aux
engagements internationaux ». www.blogdroitadministratif.net, le 33/11/1111 à 31h00.
2بدليل أن المادة الثانية من القانون 35/11تنص على ما يلي :يمنع ابتداء من فاتح يوليوز 1131صنع األكياس من مادة البالستيك،
المنصوص عليها في البند 1من المادة 3أعاله وكذا استيرادها أو تصديرها أو حيازتها بغرض البيع أو عرضها للبيع أو بيعها او توزيعها ولو بدون
عوض .وبالرجوع إلى البند الثاني من المادة األولى ستجد محكمتكم الموقرة أن األكياس الممنوع صنعها هي -1 :األكياس من مادة البالستيك:
أكياس بمقايض أو بدونها مكونة من البالستيك ،تمنح بعوض أو بدون عوض للمستهلكين في نقط بيع السلع أو المواد أو تقديم الخدمات ،وذلك
بغرض تلفيف بضائعهم؛ وقد كان المشرع في القانون المذكور صريحا جدا حين نص في المادة الثالثة من نفس القانون على ما يلي :تستثنى من
نطاق المنع المنصوص عليه في المادة 1أعاله ،األكياس من مادة البالستيك ذات االستعمال الصناعي أو الفالحي واألكياس من مادة البالستيك
المسماة "األكياس الكاظمة للح اررة" وأكياس التجميد وتلك المستعملة في جمع النفايات ،كما تم تعريفها في البنود 1و 0و 5و 1و 1و 9من المادة 3
أعاله.
3وعددها في اإلجمال ثمانية وهي كاآلتي :األكياس من مادة البالستيك ذات االستعمال الصناعي :األكياس من البالستيك المستعملة حصريا
لتلفيف أو توضيب المواد المصنعة داخل مكان التصنيع أو التوضيب؛ -األكياس من مادة البالستيك ذات االستعمال الفالحي :األكياس الموجهة
605
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وهكذا حاولت الشركات جاهدات تصوير الخطأ في المنازعة على أنه يتعلق بإرغامها
في ظرف وجيز بموجب نص تشريعي على التوقف النهائي والكلي عن مزاولة نشاط
اقتصادي مشروع ،والحال أن األمر مخالف تماما ،ألن المنع من صنع بعض أنواع األكياس
البالستيكية وتسويقها سبق وأن قرر بموجب القانون رقم 11.31المتعلق باستعمال األكياس
واللفيفات من البالستيك القابل للتحلل أو القابل للتحلل بيولوجيا الصادر بتنفيذه الظهير
الشريف رقم 3.31.305بتاريخ 1شعبان 31( 3013يوليو )1131الذي منع في مادته
األولى صنع ذات األكياس محل المنع المنصوص عليه بموجب القانون 35/11الذي
نسخه.
ومن ثم فإن المنع قرر بشكل تدريجي تمت من خالله مصاحبة الشركات بدعم تقني
ومالي مهمين ،علما أن دخول القانون حيز التنفيذ شجع انبثاق أنشطة جديدة مدعوة لتلبية
الحاجيات المتنامية للسوق على مستوى الحلول البديلة . 1
حصريا الستعماالت فالحية متعلقة بإنتاج المواد الفالحية وتخزينها وتوضيبها ونقلها؛ -األكياس من مادة البالستيك المسماة "أكياس كاظمة للح اررة":
األكياس التي تمكن من نقل األغذية المجمدة دون التعرض لخطر انقطاع سلسلة التبريد .وتعمل هذه األكياس بواسطة عوازل ح اررية تقوم بإبطاء
عمليات التبادل الحراري؛ -أكياس التجميد من مادة البالستيك :األكياس المستعملة حصري ا لتلفيف األغذية من أجل حفظها عن طريق التجميد؛ -
أكياس من مادة البالستيك لجمع النفايات المنزلية :األكياس المستعملة حصريا الحتواء ونقل النفايات المنزلية أو ما شابهها كما تم تعريفها في
القانون رقم 19.11المتعلق بتدبير النفايات والتخلص منها والنصوص المتخذة لتطبيقه؛ -أكياس من مادة البالستيك لجمع النفايات األخرى:
األكياس المستعملة حصريا الحتواء ونقل النفايات غير النفايات المنزلية أو ما شابهها ،كما تم تعريفها في القانون السالف الذكر رقم 19.11
والنصوص المتخذة لتطبيقه.
1واكبت الدولة الشركات المعنية بإصدار القانون 35/11من خالل إحداث إبرام اتفاقية شراكة من أجل مواكبة تحول المقاوالت المعنية بتطبيق
القانون رقم 77/15بتاريخ 25يونيو 2016بين و ازرة االقتصاد والمالية وو ازرة الصناعة والتجارة واالستثمار واالقتصاد الرقمي والوكالة الوطنية
لتنمية المقاوالت الصغرى والمتوسطة .وتم بموجب االتفاقية المذكورة إنشاء صندوق باحتياطي قدره 111لدعم المقاوالت التي تُحقق أزيد من 30
في المائة من رقم معامالتها في إنتاج األكياس الممنوعة من طرف القانون ،وإلى المقاوالت التي تنتج أكياسا غير ممنوعة الصنع والتي تتطلع إلى
االنخراط في مسلسل امتثال وحداتها للمتطلبات المعيارية الجديدة ،عالوة على المقاوالت التي يمثل نشاطها اإلنتاجي الخاص باألكياس البالستيكية
أقل من 30في المائة من رقم المعامالت الذي تنجزه .وذلك بسقف دعم حدد في 30مليون درهم .وتُواكب المقاوالت المذكورة في إطار برامج دعم
مؤسسة" مغرب المقاوالت الصغرى والمتوسطة ".مع دعم االستثمار أو تعويض التجهيزات بأخرى جديدة بنسبة 50بالمائة وفي حدود سقف 10
مليون درهم للمقاولة الواحدة .كما تم دعم تصميم وتصور المنتوجات الجديدة المرتبطة بالتحويل بنسبة 50بالمائة في حدود مبلغ مليونا درهم .وقد
استجابت 72مقاولة لطلب إبداء االهتمام الذي أُعلن عنه خالل شهر ماي ، 2016حيث أصبحت مؤهلة لالستفادة من دعم الصندوق .لكن 16
مقاولة منها فقط هي التي أودعت ملفاتها االستثمارية حتى اليوم ،وأصبحت بالتالي تستفيد من دعم الدولة .وتُشغل هذه المقاوالت 475شخصا
وستُحدث 509فرصة عمل جديدة .كما تم اقتناء قطعة أرضية مكونة من 13هكتا ار مخصصة الحتضان القطاع غير المهيكل مع إنشاء لجنة َ
تضم كل المتدخلين.
-الدعم التقني :وتجلى الدعم التقني الذي قدمته الدولة للشركات المعنية بالقانون 35/11في التحمل الكلي إلعداد مخطط التحويل وتقديم خبرة
تسمح بإعداد برامج استثمارية ،وتحسيس المصارف حتى تمنح شروطا تفضيلية للفاعلين فيما يخص نسبة الضمان ،ومن خالل تحسيس الصندوق
الوطني للضمان االجتماعي بأهمية تفعيل مسلسل التعويض عن البطالة .وبالنسبة للدعم والمواكبة اللذان حظيت بهما الشركات المدعية فقد تجلى
606
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وحيث إن عين هذا التعليل المقنع هو ما ذيلت به المحكمة اإلدارية بالرباط حكمها
عدد 1001الصادر بتاريخ 33يونيو 1133في الملف عدد ،1139/1331/3911إذ
جاء فيه ما يلي" :وحيث تأسيسا على ما ذكر أعاله وبالنظر على اإلجراءات المواكبة لسن
قانون منع صنع األكياس البالستيكية وبالنظر إلى اتفاقية إطار الموقعة في أبريل 1131
واتفاقية الشراكة الموقعة بيونيو 1131واستنادا إلى محضر دعم الشركة المدعية وتحويل
مبالغ التمويل إلى الجهات الوصية وعدم منازعة المدعية في ذلك بمقبول وبانعدام تحقق
عنصر الخطأ وعدم تحقق عنصر الضرر المباشر والحال والمحقق المرتبط مباشرة بالتشريع
يكون الطلب قد استند على أسس غير قانونية وغير سليمة ويتعين رفضه".
ونجد -بالرجوع إلى أحكام القضاء المغربي بشأن مسؤولية الدولة عن ممارسة
وظيفة التشريع -أن الم حكمة اإلدارية بالرباط لجأت خالل بتها في نازلة تتعلق بالتعويض
عن األضرار الناجمة عن سن قانون المالية لسنة 1131إلى االستئناس بمفهوم الخطأ
واعتبرت من خالل الحكم عدد 0333الصادر بتاريخ 19نونبر 1139في الملف عدد
1139/1310/15أن المسؤولية عن التشريع يمكن أن تكون مسؤولية خطئية في شق
منها ،إذ جاء في حكما ما يلي " :وحيث إن الدولة تعد مسؤولة عن األضرار الناتبة عن
األعمال التشريعية الصادرة عن البرلمان ،إما استنادا إلى ثبوت الخطأ في التشريع أو
استنادا إلى نظرية المخاطر أو على أساس مبدأ المساواة أمام األعباء العامة".
غير أن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط اعتبرت من جهتها أن هذه المسؤولية ذات
طبيعة موضوعية ونفت اعتمادها على عنصر الخطأ للبت في إحدى المنازعات ذات
الصلة ،إذ جاء في قرارها عدد 1131الصادر بتاريخ 13أبريل 1133في الملف عدد
في عقد اجتماع مع مسيرها بتاريخ 07يونيو 2017من أجل معالجة الصعوبات التي زعم أن شركاته تعانيها خاصة وأنها كانت مؤهلة لالستفادة
من الدعم المالي المخصص في إطار برنامج التحويل .ويجدر التذكير في هذا الشأن بأن دخول القانون حيز التنفيذ شجع انبثاق أنشطة جديدة
مدعوة لتلبية الحاجيات المتنامية للسوق على مستوى الحلول البديلة .وتُقدر الطاقة اإلنتاجية السنوية للمنتوجات البديلة بـ 4,6مليار كيس ورقي،
و 100مليون كيس منسوج و120مليون كيس غير منسوج .وبفضل انخراط جماعي مؤكد ،فإن المغرب الذي كان من بين أبرز البلدان المستهلكة
لألكياس البالستيكية في العالم ،تمكن من تقليص استعمال هذه األكياس بشكل ملموس ،وهو اآلن في طريق التخلص منها نهائيا .خاصة وأن
حوالي 57مقاولة أضحت اليوم تنتج حلوال بديلة بطاقة إنتاج سنوية تصل إلى مليار كيس منسوج ،و 1,8مليار من األكياس غير المنسوجة ،و9
ماليير من األكياس الورقية وألف طن من منتوجات التعبئة .كما أن تنامي الحاجة إلى حلول بديلة واكبه بروز فروع جديدة ،مضيفا أن صندوق
إعادة التحويل الذي تم إنشاؤه ،بميزانية 200مليون درهم ،مكن ،حتى اليوم ،من المواكبة المالية للمشاريع االستثمارية لـ 24مقاولة معنية بالقانون
تمكنت بالتالي من الحفاظ على مستخدميها وإحداث 640منصب شغل جديد.
607
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
1133/1131/1ما يلي" :وحيث من جهة ثانية ،لئن كان االتجاه السائد حاليا في الفقه
والقضاء اإلداريين وعلى صعيد مختلف األنظمة القانونية ،هو إقرار مبدأ مسؤولية الدولة
عن قوانينها ،إال إنه مع ذلك لم يرجع قيام هذه المسؤولية إلى خطأ السلطة التشريعية
عند سنها لمقتضيات اانونية معينة أو خراها للقواعد الدستورية التي تؤطر عملها ،وإنما
تأسيسا على مبدأ المساواة أمام التكاليف العامة".
وقضت المحكمة اإلدارية بفاس على نفس الصعيد وبشكل صريح من خالل عدد
1130/335في الملف االداري رقم 1130 /1310/5بما يلي...." :لكن حيث إنه ،لئن
كانت صور الخطأ المرفقي تتمث في عدم أداء المرفق العام للخدمة المطلوبة ،أو أدائها
على نحو سيئ ،أو التباطؤ والتأخير في األداء ،فإن عدم صدور المرسوم التنظيمي
الخاص بايفية تحديد نسق التراي موضوع الوظيفة االدارية التي كان ينتمي إليها الطاعن
اب إحالته على التقاعد ،ال يندرج ضمن هذه الصور ،ألن األمر في ماهيته ينصرف إلى
العم التشريعي المرتبط بآليات أوضحتها الوثيقة الدستورية من خالل الفص 98وما
بعده ،والذي ال تمتد إليه راابة السلطة القضائية االدارية ،ضمانا لمبدأ الفص لين
السلط".
وقد اعتبر بعض الفقه أن الخطأ الذي تقوم عليه مسؤولية الدولة في مجال التشريع قد
يكون خطأ مفترضا وساق مثاال على ذلك األضرار التي قد تترتب عن تطبيق أحكام المادة
الثانية من مدونة الحقوق العينية .1غير أن مثل هذا الرأي يبقى قابال للنقاش ألن اشتراط
القضاء إلقامة هذه المسؤولية أن يكون الضرر غير عاديا وخاصا يجعل من الصعب جدا
ربطها بالمسؤولية الخطئية.
وبالتالي يمكن االستنتاج أننا أمام نوع جديد من المسؤولية ال يقبل فيها القضاء وصف
المشرع بالمخطئ وفي نفس الوقت يحاول التملص من شروط المسؤولية بدون خطأ .و هذا
النظام المختلط الذي يقترب من المسؤولية على أساس الخطأ يعد مصد ار للتعقيد القانوني
رغم أنه قد يكون حال أفضل يمكن المواطن من حماية جديدة وحسنة دون أن يؤدي إلى
1العربي مياد " مسؤولية الدولة عن أعمالها التشريعية -المادة 2من مدونة الحقوق العينية نموذجا" ،مغرب القانون 19 ،ماي 1111على
الساعة 31و 35دقيقة.
608
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
التشكيك في التردد التاريخي للقاضي اإلداري في مواجهة السلطة التشريعية وفي معاينة
أخطائها المحتملة ،1رغم أن التردد في مواقف القضاء المقارن يطرح التساؤل بقوة حول
موانع وضع نظام مسؤولية بأسس وشروط واضحين ال يتركان للقضاء أمر تقرير المسؤولية
من عدمها؟
لقد سمح لنا هذا المسح بإجراء قراءة لتطبيقات القضاء المغربي والمقارن المتعلقة
بطبيعة بالمسؤولية عن ممارسة وظيفة التشريع ،ليتبين أن القضاء المغربي أقام -في ظل
احترام مبدأ الفصل بين السلطات -نظام مسؤولية موضوعية عن األضرار الناجمة عن
القوانين التي تصدرها السلطة التشريعية ،مع المالحظة أنه بقي متحفظا مثله في ذلك مثل
القضاء الفرنسي -خالفا للقضاء البلجيكي -ولم يستطع الوصول إلى درجة تخطئة
المشرع ،إذ بقي دائما يحافظ على موقفه المتشدد من شروط منح التعويض عن أضرار
القوانين كما سنرى الحقا .فقد اعتبر التعويض دائما مقابال للضرر الناجم عن تطبيق اإلدارة
للقانون ،وليس مقابال للضرر الناجم عن سن القانون مباشرة ،بل إن القضاء المغربي ومن
خالل الحكم عدد 0333الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط حاول دفع المسؤولية عن
السلطة التشريعية األصلية حين استعان بمفهوم التشريعات الفرعية أو المكملة ليعتبر أن:
"األضرار الالحقة بالمدعي جراء سن قانون المالية لسنة 1131في شقه القاضي بتعديل
المادة 14/3من المدونة العامة للضرائب بصيغتها التي وردت بها ،سيما أن مقتضيات هذه
المادة تتعلق بقواعد فرعية تتضمن اآلليات التقنية الحتساب الضريبة ،وتهم فئة محدودة
ومعزولة من المواطنين وفق ما تقدم ،وهي بذلك تبقى قابلة لترتيب المسؤولية عنها في
الحاالت المذكورة أعاله ،ألنها ال تتعلق بالقواعد القانونية األصلية التي تنصب على تنزي
المبادئ والقيم الكبرى للمبتمع أو تهم فئات عريضة منه ،إذ بالنسبة لهذه األخيرة ياون
البرلمان مبرد كاشف عن هذه القواعد التي تبسدها".
وهكذا يتبين أن القضاء المغربي لم يؤسس المسؤولية على الخطأ المباشر للسلطة
التشريعية ،األمر الذي يجعل التفكير في الوصول إلى بناء مسؤولية الدولة عن أخطاء
1 Jean Sirinelli, « responsabilité pour faute du fait des lois ?, commentaire sous l'arrêt
CE.ASS.08/02/2007, Gardedieu, n°27522 », www.revuegeneraledudroit.eu, le 49/41/2424 à 15h 40.
609
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
السلطة التشريعية مسألة تحتاج إلى تحول كبير في نظرة الفقه والقضاء لمبدأ الفصل بين
السلطات وعالقة هذا المبدأ بحق المواطن في الحماية من القوانين الماسة بتوقعاته
المشروعة وبأمنه القانوني ،وفي المقابل الحفاظ على قيمة المجتمع التي ال ينبغي أن تفوقها
حماية حقوق األفراد نتيجة وضع نظام يعالج مسؤولية المشرع.
كما ترجع خاصية الذاتية المتعلقة بالمسؤولية على هذا الصعيد إلى أن تحقق الضرر
وحده ال يكفي لقيام هذه المسؤولية ،بل ينبغي أو يوصف بأوصاف أكثر حدة منها أن يكون
ضر ار خاصا وغير عادي على منوال شروط الضرر المتطلبة في ظل المسؤولية بناء على
نظرية المخاطر.1
1رأفت فودة " دروس في اضاء المسؤولية اإلدارية" ،مرجع سابق ،ص.110
610
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
إذا كان االتجاه المتنامي حاليا في الفقه والقضاء اإلداريين وعلى صعيد العديد من
األنظمة القانونية هو إقرار مبدأ مسؤولية الدولة عن أعمال التشريع ،فإنه مع ذلك لم ُيرجع
قيام هذه المسؤولية إلى خطأ السلطة التشريعية عند سنها ألحكام قانونية معينة أو مخالفتها
للقواعد الدستورية التي تؤطر عملها ،وإنما قصرها على القوانين المكملة وأسسها كما سبق
الذكر على المساس بمبدأ المساواة أمام التكاليف العامة وتطلب مجموعة من الشروط التي
أجملها القضاء المغربي ،بل جعل عدم توافرها أساسا للحكم بانتفاء المسؤولية كما جاء في
القرار الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط تحت عدد 1131بتاريخ 13أبريل
1133في الملف عدد 1133/1131/1وأيضا القرار الصادر عن ذات المحكمة تحت
عدد 1131بتاريخ 13أبريل 1133في الملف عدد 1133/1131/9الذي جاء من بين
حيثياته ما يلي:
"وحيث من جهة ثانية ،لئن كان االتجاه السائد حاليا في الفقه والقضاء اإلداريين
وعلى صعيد مختلف األنظم ة القانونية ،هو إقرار مبدأ مسؤولية الدولة عن قوانينها ،إال إنه
مع ذلك لم يرجع قيام هذه المسؤولية إلى خطأ السلطة التشريعية عند سنها لمقتضيات
قانونية معينة أو خرقها للقواعد الدستورية التي تؤطر عملها ،وإنما تأسيسا على مبدأ المساواة
أمام التكاليف العامة والذي يحتم تعويض المتضرر من العم التشريعي إذا توافرت لذلك
ضوابط وشروطا معينة تتمث في عدم وجود النص القانوني الذي يمنع التعويض عن
التشريع من أساسه ،وأن تكون المصالح التي لحقها الضرر مشروعة وجديرة بحماية
القانون ،وكان تضررها نتيبة مباشرة لتطبيق القانون ،ثم أن ياون ذلك الضرر خاصا
611
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
بحيث يمتد أثره إلى فرد واحد أو عدد محدود من األفراد مما يعد خروجا عن األص في
عمومية القانون و انعااساته اإليبالية أو السلبية على الكافة ،و أن ياون في نفس
الوات ضر ار جسيما غير معتاد أو مألوف فيما يترتب عن القوانين من أضرار ومخاطر في
العادة ياون على أفراد المبتمع تحملها سواء جميعا أو من خالل فئات عريضة وغير
محدودة من المتضررين.
من القواعد المتعارف عليها فقها وقضاء في مجال مسؤولية الدولة عن القوانين
ضرورة إعمال إرادة المشرع من خالل تفحص النصوص القانونية ،فإن نص على مبدأ
التعويض ُحكم به ،وإذا منعه ال ُيقضى به اعتبا ار لكون القاضي ملزما باحترام إرادة المشرع
حيث ال يملك رقابة دستورية القوانين بصريح تنصيص المشرع على ذلك في الفصل 15
من قانون المسطرة المدنية.
وقد يتضمن القانون أحيانا موقف المشرع ذاته من مبدأ المسؤولية فينص على الحق
في التعويض ،بينما ينص أحياناً أخرى على استبعاد الحق فيه ،فقد استبعد المشرع صراحة
612
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ويلتزم القاضي في المقابل بتطبيق القانون سواء تضمن تقرير مبدأ التعويض أو لم
يتضمن شيئاً من ذلك ،2ألن مهمة القاضي هي تطبيق القانون دون الحلول محل المشرع،
وهذا مبدأ يسري على القاضي اإلداري أيضاً ،حيث ال تكون له سلطة إنشاء القواعد القانونية
إال في حالة عدم وجود النص القانوني.
وسواء استبعد المشرع التعويض عن األضرار التي سببها القانون أو قرر مبدأ
التعويض كما يحدث في قوانين التأميم ،فإنه يكفي تطبيق النص نزوالً عند إرادة المشرع.
غير إنه قد يحدث في كثير من الحاالت أال يفصح المشرع عن إرادته فيما يتعلق بالحق في
التعويض ،فما هو الحل الواجب االتباع في مثل هذه الحاالت ،هل ُيحمل سكوت المشرع
على أنه رفض من جانبه لمبدأ التعويض أم يفسر بخالف ذلك؟
لقد اختلف القضاء المقارن في الترجيح بين التفسيرين ،وهكذا مر قضاء مجلس الدولة
الفرنسي مثال بمرحلتين فسر خالل أولهما السكوت بالرغبة في عدم إقرار التعويض ،إذ أخذ
المجلس المذكور في هذه المرحلة بقاعدة مؤداها أنه ال تعويض عن األضرار التي يسببها
القانون إال إذا نص القانون صراحة على مبدأ التعويض ،سواء ورد ذلك النص القانوني ذاته
1من أجل التوسع في اإلشكاليات التي تثيرها مسألة استرجاع األراضي الفالحية من يد المستعمر ،يمكن الرجوع إلى أشغال اليوم الدراسي الذي
نظمته الوكالة القضائية للمملكة بشراكة مع مديرية أمالك الدولة ،يوم 31يونيو ،1133حول موضوع "اإلشااالت القانونية التي يثيرها ظهير 2
مارس 3791المنقولة بموجبه إلى الدولة ملكية العقارات الفالحية أو القاللة للفالحة التي يملكها أشخاص ذاتيون أجانب أو أشخاص
معنويون".
2سليمان محمد الطماوي " القضاء االداري وراالته على اعمال االدارة ،"-مرجع سابق ،ص .511
613
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
أو في قانون الحق .أما إذا سكت المشرع ،فإن ذلك يعد رفضاً لمبدأ التعويض ،ومن ثم كان
مجلس الدولة الفرنسي يحكم برفض التعويض.
وقد استقر مجلس الدولة الفرنسي على هذه القاعدة لسنوات طويلة ،وفي أحكام
متتالية ،في مقدمتها حكمه الصادر بتاريخ 33يناير 3319قضية ،Ducharelierحيث
رفض المجلس طلب الحكم بالتعويض استناداً على أن القانون الصادر بتاريخ
31فبراير 3915المحرم للتبغ الصناعي لم ينص على منح أي تعويض للصناع الذين
أضرهم هذا التحريم .وقد طبق مجلس الدولة الفرنسي هذا المبدأ الجديد في أحكام الحقة،
نذكر منها حكم المجلس المؤرخ في 30يناير 3300في قضية Catcheteux et
.1Dasmontكما أكد باألسبقية صراحة على شرط البحث عن التعويض من خالل تتبع
إرادة المشرع عند غياب إشارة صريحة عن استبعاد المشرع للتعويض .فأوجب على القاضي
أن يبحث عن نية المشرع في منح التعويض من عدمه ،وذلك من خالل تفسير القانون في
حد ذاته أو بالرجوع إلى األعمال التحضيرية .وقد أكد محافظ الدولة السيد Dérapasفي
تقريره بمناسبة صدور قرار Gardedieuبأنه ال مجال للحكم بالتعويض إذا ما نص
القانون صراحة أو ضمنا على استبعاد إمكانية التعويض عن األضرار التي يمكن أن تنجم
عن التشريع.
وقد تم ترسيخ هذا الشرط بصرامة أكبر بموجب قرار société coopérative
agricole Ax’ionإذ تم استبعاد التعويض ألن غاية المشرع كانت تحقيق مصلحة عامة
عليا تبرر المساس بمبدأ المساواة أمام األعباء العامة .ويستخلص في المقابل من النص
القانوني أو من األعمال التحضيرية للقانون أن المشرع لم يرغب في تحميل المضرور من
القانون وزر الضرر الناتج عن هذا األخير ،وخاصة عندما يكون النشاط الذي يمارسه
المتضرر غير مشين أو متعارض مع النظام العام واآلداب العامة.
1وتتلخص وقائع النزاع في أن القانون الصادر بتاريخ /3يوليو 3310/قد خفض النسبة المئوية لبعض المنتجات الداخلية في صناعة البيرة األمر
الذي ضيق على صانعي الجلوكوز ،ونظ اًر ألن الضرر كان جسيم ًا بالنسبة للمدعى حيث أنه قد اضطر إلى وقف إنتاج مصنعه نظ اًر لقصر نشاطه
على هذا اإلنتاج من ناحية ،وألن آالت المصنع ال تنتج إال هذا النوع فقط ،من ناحية أخرى .وقد استجاب المجلس لطلب المدعي ،وحكم بحقه في
التعويض.
614
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ولقد مال االجتهاد القضائي إلى اعتبار أن غاية كل عمل تشريعي -وهي حماية
المصلحة العامة العليا -تبرر ضمنيا استبعاد الحق في التعويض عن الضرر الذي يمكن
أن ينجم عن هذا العمل ،إذ رفض القضاء اإلداري الفرنسي الحكم بالتعويض بعدما عاين أن
سن القانون كان بهدف قمع نشاط ذو طابع تدليسي أو ذو طابع مشين .1كما رفض أيضا
االستجابة لطلب التعويض عندما تبين أن القانون جاء ليضع حدا لنشاط خطير أو مضر
بالصحة العمومية . 2وفي نفس االتجاه تم رفض التعويض عندما يكون القانون قد اتخذ في
إطار تحقيق مصلحة اقتصادية واجتماعية ذات طابع نظامي عام ،وكذلك عندما يكون
القانون قد تدخل من أجل الحد من ارتفاع األسعار ،3أو تحديد كيفية حساب التعويض عن
نزع الملكية ،4أو ضبط السوق وتنظيم المنتجات.5
وقد تبنت محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط نفس الموقف وأكدت أنه ال مجال للحكم
بالتعويض عن ضرر التشريع إذا وجد نص صريح يمنع منحه في حاالت معينة .ومن ثم
جعلت إلرادة المشرع دو ار محوريا على هذا الصعيد ،بل إن غياب النص المذكور ال يقوم
دليال على إمكانية قبول طلب التعويض ألن على القاضي استجالء إرادة المشرع قبل كل
شيء.
وهكذا يتبين من خالل قرار محكمة االستئناف المستدل بحيثيته أعاله ومن أحكام
القضاء المقارن على أنه ال يزال إلرادة المشرع دو ار محوريا في قبول طلب التعويض عن
األضرار التي ترتبها ممارسة إحدى سلطات الدولة لوظيفة التشريع على خالف بعض
القضاء المقارن الذي بدأ يتجه نحو تحييد إرادة المشرع ذاته وعدم اعتبارها مرجعا في قبول
طلب التعويض من عدمه.6
1 CE, 14 janv. 1938, Compagnie générale de grande pêche, rec. 23, 25-03-1938; CE, 1er mars 1940,
Société Chardon et Cie.
2 CE, 6 janv. 1956, Manufacture française d'armes et de cycles.
3 CE 15 juill. 1949, Ville d'Elbeuf, Lebon, 359: blocage du prix du gaz.
4 14 mars 1975, n° 93217, SCI de la Vallée de Chevreuse, au Lebon 197, conclu. Dondoux; JCP, 1975,
II.18077, note Homont, AJDA, 1975, 224, Chr. Franc et Boyon.
5 CE, 21 juin 1957, Société d'exploitation des Établissements Pathé-Cinéma, Lebon, 415.
6 Samuelle De Ketelaere «La responsabilité civile de l’Etat-législateur»، op. cit p 28
سليمان محمد الطماوي« القضاء االداري وراالته على اعمال االدارة " مرجع سابق ص .515
615
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وقد تبنى القضاء المصري نفس االتجاه التقليدي القائل بعدم مسؤولية الدولة عن
القوانين ،فقد جاء في حكم صادر عن محكمة القضاء اإلداري المصري ما يلي" :إن المبدأ
المسلم به كقاعدة عامة :عدم مساءلة الدولة عن أعمالها التشريعية ألن التشريع يجب أن
تكون له الكلمة العليا في تنظيم المجتمع عن طريق وضع القواعد العامة المجردة فإذا ما
ترتب عن التشريع ضرر لبعض المواطنين فإن الصالح العام يقتضي أن يتحملوا عبء
ذلك.
ومبدأ عدم مسؤولية الدولة عن النشاط التشريعي وما قد تسببه القوانين من أضرار هو
مبدأ تقليدي يقوم على مبدأ سيادة الدولة ومن خصائص السيادة أنها تفرض سلطاتها على
الجميع دون أن يكون ألحد أي حق في التعويض عنها.
إذ إن الضرر الذي تبنته القوانين ال تتوفر فيه الشروط الالزمة للحكم بالتعويض
وأهمها الخصوصية أو ألن القوانين هي قواعد عامة ومجردة يقتصر أثرها على تغيير
المراكز العامة أما إذا ترتب عنها ضرر عام لما يصيب أشخاصا بدواتهم فإن مث هذا
الضرر ال يعوض عنه ما لم يان القانون صراحة منح تعويضا لمن يضار من صدوره،
فإذا سات المشرع عن تقرير هذا التعويض كان ذلك ارينة على أنه ال ترتب على التشريع
أي تعويض".
ثانيا :صعوبة توافر الشروط المتعلقة بعنصر الضرر الالزم لقيام مسؤولية
الدولة عن أعمال التشريع
ينبغي أن يكون الضرر الواجب إلقرار المسؤولية عن فعل القوانين إضافة إلى
الشروط العامة التي يضعها االجتهاد القضائي 1ضر ار غير عادي وضر ار خاصا .ويكون
الضرر غير عادي عندما يتجاوز في حسبانه القدر الذي يجعله من مخاطر المجتمع
1 CE, 2 juin 2010, n° 307814, Abolivier, au Lebon, AJDA, 2010, 2071.
616
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
العادية التي يتحتم على األفراد تحملها نتيجة اعتبارهم أعضاء في هذه الجماعة ،فإذا تخلف
هذا الشرط لم تقم المسؤولية اإلدارية للدولة .1وهذا ما سنتعرف عليه مما يلي:
يعرف الضرر الخاص بأنه الذي يصيب فردا واحدا أو عددا محدودا من األفراد
معينين بذواتهم ،أما إذا أصاب الضرر عدد غير محدود من األفراد ،فإن الضرر يصبح
حينها عاما ويفقد صفة الخصوصية .2وبالنظر إلى أن أساس إقامة المسؤولية عن فعل
القوانين هو المساس بمبدأ المساواة أمام األعباء العامة ،فإن ذلك يفترض أن هناك شخصا
معينا قد وضع في مركز خاص تجاه عبء عام تحمله وحده بصفة منفردة ،وبالتالي تستمد
صفة الخصوصية في الضرر من أن العبء الواقع على المضرور ال يقع على عاتقه عادة،
حيث يتحمل عبئا إضافيا ال يتحمله اآلخرون ممن هم في مثل مركزه .ولهذا تبدو أهمية
صفة الخصوصية في المسؤولية دون خطأ ألنها تفترض حدوث إخالل غير عادي بمبدأ
المساواة أمام األعباء العامة.3
ومن ثم يشترط في الضرر الموجب للتعويض أن يكون خاصا بفرد معين أو بعدد
محدود من األشخاص ،وهو أمر يقرره القضاء بحسب وقائع المنازعة المعروضة عليه ،إذ
ليس كل ضرر ولو تعدد األشخاص المصابون به يعوض عليه إال إذا كان ذا طبيعة
خاصة ،فإغالق ميناء مثال ال يعتبر مبر ار للمطالبة بالتعويض لكل من يجري معامالت
تجارية عن طريق البحر إال إذا كان هذا اإلغالق قد أدى إلى خسائر كبيرة بالنسبة لمن كان
من الالزم أن يحصل على بضاعته في تاريخ اإلغالق .كما ال يمكن لكل من يوجد بجوار
1محمد األعرج " مسؤولية الدولة والبماعات الترالية في تطبيقات القضاء اإلداري المغربي" ،سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية ،العدد ،1131/33
منشورات المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية ،مطبعة المعارف الجديدة ،الرباط ،ص 91
2زكريا خليل " مسؤولية الدولة عن اعمال التشريع لين المقتضيات القانونية واالجتهاد القضائي :دراسة في فرنسا والمغرب" ،مرجع سابق ،ص
.387
Olivier Gohin « La responsabilité de l'Etat en tant que législateur" Revue internationale de droit
comparé Année 1998 50-2, p 603.
Camille broyelle « La Responsabilité de l'Etat du fait des lois », LGDJ, Paris, 2003, p 72.
3هشام عبد المنعم عكاشة" ،مسؤولية اإلدارة عن أعمال الضرورة» ،مرجع سابق ،ص. 335
617
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ويبدو أن هذا الشرط صعب التحقق من الناحية العملية ألن القانون دائما ما يصدر
عاما ومجرد الصياغة ال يشمل نطاق تطبيقه من حيث األشخاص أفرادا بذواتهم ،وهكذا
فالقانون بصفة عامة -والمثال في السابق هو القانون 35/11الذي سبق التقاضي بشأنه
وقانون المالية لسنة -1131ال يستهدف فردا بعينه ،بل إنه يستهدف بتجريد وعمومية
بالغين كل من تحققت فيه شروط تطبيقه ،خاصة إذا علمنا أن المخاطب بالقانون األول هو
القطاع المهيكل إلنتاج األكياس البالستيكية الممنوعة الذي يتكون حسب فيدرالية منتجي
البالستيك من عدد كبير من الوحدات الصناعية المقدر ب 133وحدة ،مما ينفي عن
الضرر المدعى بها صفة الخصوصية.
وقد تطلب القضاء المغربي شرط خصوصية الضرر للقبول بالمسؤولية الموضوعية
للدولة في العديد من المنازعات ،فقد جاء في قرار لمحكمة النقض صادر تحت عدد
1/131بتاريخ 10أبريل 1130في الملف عدد 31/1/0/115ما يلي " :إن مسؤولية
اإلدارة في مث نازلة الحال تقوم لدون خطأ إال أن الضرر الموجب للتعويض يبب أن
ياون ضر ار غير عادي وخاص يتباوز الحد الذي يمان تحمله في سبي المصلحة
العامة ،والمحامة مصدرة القرار المطعون فيه بقولها أن الحق في التعويض ال ينشأ إذا
أغلقت جميع المنافذ المؤدية إلى المقهى ،وأن إماانية الوصول إليها بقطع مسافة 394
مت ار ال تعد ضر ار بالمفهوم القانوني للضرر الموجب للتعويض ،دون أن تحقق في الضرر
وتبرز عناصره المذكورة ( ضرر غير عادي وخاص) ،فإنها لم تبع لقرارها أساسا من
القانون ،ولم تمان بالتالي محامة النقض من بسط راالتها".1
1قرار منشور من طرف محمد بفقير " العم القضائي للغرفة اإلدارية بمحامة النقض خالل سنتي 2430و ،"2432الجزء األول ،منشورات
دراسات قضائية ،سلسة عمل قضاء المحاكم المغربية ،الطبعة األولى ،1131 ،مطبعة النجاح الجديدة ،ص .133
618
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
يوصف الضرر بكونه غير عادي عندما يتجاوز في حسبانه وتقديره الحد الذي يجعله
من مخاطر المجتمع العادية التي يتحتم على األفراد تحملها نتيجة لوجودهم كأعضاء في
هذه الجماعة .فإذا تخلف هذا الشرط لم تقم لمسؤولية للدولة في مجال التشريع قائمة .1وهذا
ما جرى عليه قضاء مجلس الدولة الفرنسي في عديد من أحكامه ،حيث كان دائما ما يعلل
رفض طلبات التعويض بعدم جسامة الضرر وعدم خروجه عن الحد المألوف .فقد رفض
مثال في حكمه الصادر بتاريخ 11يناير 3313في قضية Vannierالحكم بالتعويض
مؤسسا ذلك على أن الضرر لم يكن جسيما ،بل مجرد ضرر عادي ال يؤدي إلى قيام
مسؤولية الدولة .2وقد اتخذ نفس الموقف في حكمه الصادر في 11نونبر 3305في قضية
اشترط من خاللها أن يكون الضرر جسيما واستثنائيا ،حيث رفض في هذا الحكم تعويض
المدعي عن األضرار التي لحقته من جراء إغالق محله الخاص بتصليح األحذية نتيجة
صدور قانون بتاريخ 11أبريل 3311الخاص بمصانع األحذية ،وبرر مجلس الدولة
الفرنسي هذا الحكم بأن اضطرار المدعي إلى إغالق محله ال يعد من قبيل األضرار
الجسيمة وغير العادية التي تسمح له بالحصول على التعويض.
ويعتبر تقدير جسامة الضرر وخروجه عن الحد المألوف من المسائل التقديرية التي
ترجع إلى سلطة القاضي اإلداري ،ذلك أن قضاء مجلس الدولة الفرنسي هو الذي تحمل
1 Camille broyelle «La Responsabilité de l'Etat du fait des lois» op.cit p 74.
2 CE 22 oct. 1943, Société des Établissements La Caussade, précité n° 51.3 ; CE. 27 janv. 1961, Vannier,
précité n° 50.3.
3 CE, 2 novembre 2005, Société coopérative agricole Ax’ion, A.J.D.A., 2006, p. 142, chron.
619
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
عبء وضع المعايير المناسبة الستخالص هذا العنصر ،وهذا ما جعل البعض يؤكد أن هذه
مهمة صعبة يعول في حلها على جرأة القاضي.1
ورغم اعتراف القضاء اإلداري الفرنسي بمسؤولية الدولة عن فعل القوانين إال أنه لم يقم
بالحكم على الدولة وفق هذه المسؤولية إال في حاالت نادرة ،إذ كان مصير غالبية الدعاوى
الرفض ألن تشدد مجلس الدولة في إحاطة هذه المسؤولية بقيود صارمة أدى إلى تحطم
أغلب الدعاوى على صخرة هذه الشروط .فلم يقبل مجلس الدولة مثال إقرار مسؤولية الدولة
عن فعل القوانين ورفض بناء على ذلك طلب التعويض المؤسس على عدم توقع الطاعن
لتفسير القضاة لقانون معين ،حيث انتهى قضاة مجلس الدولة إلى أن الطاعن لم ينسب
الضرر إلى القانون نفسه ،بل إلى التفسير الذي أعطاه قضاة الموضوع لهذا القانون ،وأنه ال
يمكن أن تقام المسؤولية عن هذا التفسير حتى ولو سبب ضر ار خاصا وغير مألوف.2
3
ونشير على هذا الصعيد إلى حيثيات حكم صادر عن المحكمة االبتدائية بالرباط
وهي تق ضي بالتعويض عن األضرار الناتجة للفالحين من جراء إفساد محصوالتهم الزراعية
من الخنازير على إثر تكاثرها نتيجة صدور قرار يمنع صيدها ،و الذي جاء فيه ما يلي" :
إن دعوى المسؤولية ضد الدولة تجد مستندها في الفصل 13من ق ل ع ،هذا الفصل الذي
ينص في جزئه األول على مسؤوليتها ولو في حالة انعدام أي خطأ من جهتها إذ ليس من
الضروري أن ياون العم اإلداري الذي يحدث ضر ار اد أنبز بغير حق فليس للمحاكم
سوى البحث عما إذا كان الضرر الذي أصاب المشتكي من جراء عم إداري يعد ضر ار
خاصا ،وغير عادي بمعنى أنه يتباوز العبء العام الذي يبب أن يتحمله ك المتعاملين
مع اإلدارة.
إن منع الصيد الذي أدى إلى تكاثر الخنازير وإلى خسارات مهمة من المحصوالت
الزراعية ليس سوى تدبير إداري ال يمكن ولئن وصف بكونه عمال من أعمال السلطة العامة
أن يحول دون رفع دعوى المسؤولية".
1هشام عبد المنعم عكاشة "،مسؤولية اإلدارة عن أعمال الضرورة" ،مرجع سابق ،ص .111
2 CEF, 23/07/2014, www.legifrance.gouv.fr.
3حكم صادر عن المحكمة االبتدائية بالرباط بتاريخ 31فبراير .3301
620
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
يعد التشريع الجيد أداة لدعم اإلدارة الرشيدة وتعزيزها من خالل ترسيخ القواعد القانونية
كأداة للوصول إلى التنمية المستدامة والمحافظة على مبدأ المشروعية ومبدأ سيادة القانون،
لذا تكون اإلدارة مستندة في الق اررات التي تصدر عنها إلى قواعد قانونية محددة وواضحة
المعالم .وال تكتسب القواعد القانونية هذه الصفات إال إذا صدرت بشكل منهجي واضح يفي
بالغرض الذي من أجله تم إصدارها والمتمثل في المحافظة على المصلحة العامة.
غير أنه قد تعتري عملية سن التشريعات رغم ذلك مجموعة من الصعوبات المرتبطة
بعنصر الزمن وبالغاية من التشريع وبمدى احترامها لمبدأ تدرج القوانين ،1األمر الذي ينتج
عنه بعض المآخذ كالبطء في سن القوانين أو التعجل في ذلك .إذ اتجه البعض إلى انتقاد
سرعة سن السلطة التشريعية للقوانين ،كما انتقد البعض اآلخر بطء وضعها ،علما أن عملية
أحيانا ،أو مناسبة
ً صناعة التشريع تحدد زمنها بنفسها ،بحيث تكون اإلطالة الزمنية مفيدة
أحيانا أخرى ،أو ضارة بحسب األحوال .كما أن األمر يتعلق بمسطرة تضبط إيقاع الحياة ً
التشريعية فتسمها بالبطء أحيانا وتطبعها بالسرعة أحيانا أخرى .وهذا ما يجعل مهمة تحديد
حلقاتها ومراحلها بشكل يوفق بين السرعة والعقالنية مهمة جد صعبة.
غير أن تأثير عامل الزمن على أداء وظيفة التشريع وما قد يؤدي إليه من إثارة
لمسؤولية الدولة عن البدء في ممارستها أو التسرع في ذلك ليس أبرز ما يعاب على كيفية
ممارسة سلطات الدولة لهذه الوظيفة ،فقد تخالف أثناء ذلك بعض الضوابط فوق -تشريعية
سواء كانت دولية أو وطنية ،األمر الذي قد يثير مسؤولية الدولة على هذا الصعيد.
1 ROMANA Panait « Le temps comme facteur de qualité du droit », Jurisdoctoria n° 3, 2009, p 48.
621
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ال يمكن أن تختزل جودة القوانين في احترافية الصياغة والدقة والوضوح والشمولية
وسهولة الوصول إليها وفهمها ،بل في اعتمادها على الواقعية وإمكانية قبولها وتطبيقها من
قبل المخاطبين بها ،ومن ثم فإن أي نقص أو قصور في هذه التشريعات من شأنه أن يجعل
هذه القوانين بعيدة عن الواقع قد يترتب عنها تخلخل المراكز وعدم استقرار العالقات القانونية
في المجتمع .فالقوانين الجيدة إذن هي التي تحقق العدالة االجتماعية وثبات المراكز
والعالقات االجتماعية لمدة معقولة مع إمكانية التوقع المشروع ألي تغييرات أو تعديالت،
وهنا يظهر دور رقابة اإلغفال التشريعي التي يمارسها القضاء الدستوري في العديد من
األنظمة في معالجة النقص والقصور التشريعي وتنبيه السلطة التشريعية لحاالت اإلغفال
وقصور التنظيم لتالفيها والحد من آثارها االجتماعية التي قد تكون سببا في إثارة مسؤوليتها.
وهكذا إذا نظم المشرع كل حق من الحقوق أو حرية من الحريات تنظيماً قاص اًر أو
منقوصا بأن أغفل أو أهمل جانباً من النصوص القانونية التي ال يكتمل هذا التنظيم إال بها،
ً
ال بضماناتها التي هيأها الدستور ،وفي ذلك مخالفة للدستور يتعين إخضاعها كان ذلك إخال ً
للرقابة القضائية على دستورية القوانين .هذا القصور في التنظيم التشريعي اصطلح على
تسميته فقهاً " باإلغفال التشريعي " هو مصطلح غير دقيق ألنه يطلق على عدم التنظيم
الجزئي والكلي ،أما عدم التدخل التشريعي لتنظيم الموضوع فهو لفظ مطلق والمصطلح
األدق هو "قصور التنظيم التشريعي".
ويتحقق القصور في التنظيم التشريعي أو ما يسمى " باإلغفال التشريعي " -الـذى
يكون محالً للرقابة من القضاء الدستوري -بأن يتناول المشرع أحد الموضوعـات التي
يختص بها بالتنظيم فيأتي هذا األخير -سواء عن عمد أو إهمـال -غير مكتمل أو قاص اًر
عن أن يحيط بكافة جوانبه بما يؤدى إلى اإلخالل بالضمانة الدستورية للحق محل التنظيم.
كما أن السكوت عن تنظيم مسألة ما أو عدم التدخل بالتشريع في موضوع معين هو ما
يسميه الفقه باإلغفال الكلي ويخضعونه في بعض النظم لرقابة القاضي الدستوري لمعالجات
مختلفة.
622
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ونجد في المقابل أن تقرير الحاجة إلى التشريع ومن ثم التدخل لتنظيم الموضوع محل
التشريع أو عدم الحاجة إليه ومن ثم السكوت يعتبران من أهم خصائص السلطة التقديرية
للمشرع ما لم يطلب منه الدستور هذا التدخل ،ومن ثم فإن السكوت عن التنظيم لمسألة ما
ال تعد من قبيل اإلغفال التشريعي وليست مدعاة لرقابة المشرع في هذه الجزئية ،إذ ال توجد
صلة بين الحاجة إلى التشريع وبين دستوريته.
لكن كيف تعالج مسألة السكوت عن التنظيم؟ إذا لم يوجب الدستور التنظيم ،فإن ذلك
يكون رخصة من حق المشرع أن يستخدمها أو أال يستخدمها ،وله أن يتخير الوقت المناسب
لذلك ،وهذه مسألة سياسية وليست قانونية وال يسأل عنها المشرع أمام القاضي الدستوري،
وإنما يسأل عنها سياسياً في ضوء توجهات الرأي العام الذي يستطيع ممارسة الضغط عليه
عندما يرى حاجة المجتمع إلى تشريع ما.
ويتجلى من خالل ما سبق ،أن سكوت المشرع عن التنظيم والذي قد يثير التساؤل
بشأن إمكانية مساءلة الدولة عنه ،يفترض صدور قانون عن البرلمان إال أن تطبيقه كليا أو
جزئيا يكون معلقا على صدور نص تنظيمي يحدد كيفيات تطبيقه ،فهل يعتبر عدم إصدار
هذا النص التنظيمي أو البطء في إصداره خطأ موجبا للتعويض؟
لقد تطرق القضاء اإلداري المغربي لمثل هذه الفرضية وكانت إحدى المنازعات
موضوع حكم صادر عن المحكمة اإلدارية بفاس قضت فيه بعدم اختصاصها للنظر في
األضرار المترتبة عن عدم صدور مرسوم تنظيمي يحدد نسق الترقي بالوظيفة العمومية ،وقد
جاء في حيثيات هذا الحكم الصادر تحت عدد 1130/335وتاريخ 35أكتوبر 1130في
الملف اإلداري رقم 1130 /1310/5ما يلي" :حيث أسس المدعي دعواه على أن عدم
623
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
صدور المرسوم التنظيمي المتعلق بنسق الترقي موضوع الوظيفة التي ينتمي إليها ،يشكل
خطأ مرفقيا موجبا للتعويض.
لكن حيث إنه ،لئن كانت صور الخطأ المرفقي تتمثل في عدم أداء المرفق العام
للخدمة المطلوبة ،أو أدائها على نحو سيئ ،أو التباطؤ والتأخير في األداء ،فإن عدم
صدور المرسوم التنظيمي الخاص بكيفية تحديد نسق الترقي موضوع الوظيفة اإلدارية التي
كان ينتمي إل يها الطاعن قبل إحالته على التقاعد ،ال يندرج ضمن هذه الصور ،ألن األمر
في ماهيته ينصرف إلى العمل التشريعي المرتبط بآليات أوضحتها الوثيقة الدستورية من
خالل الفصل 19وما بعده ،والذي ال تمتد إليه رقابة السلطة القضائية اإلدارية ،ضمانا
لمبدأ الفصل بين السلط.
وحيث إنه واستنادا لهذه المعطيات ،وفي غياب التنصيص دستوريا على مسؤولية
الدولة عن األعمال التشريعية ،فإن التباطؤ في إصدار النصوص والمراسيم التنظيمية ،ال
يشا خطأ مرفقيا ،يخول للمتضرر حق المطالبة بالتعويض ،فضال على أن التنصيص
على إخراجها إلى حيز الوجود ،غير مرتبط بآجال معينة ومحددة موجبة لذلك ،مما ياون
معه طلب الطاعن غير مبني على أساس ،وحليفه الرفض".
وقد أقر القضاء اإلداري في فرنسا في المقابل ومنذ مدة طويلة إمكانية مساءلة الدولة
عن عدم اتخاذ اإلجراءات الالزمة لتطبيق القانون ،فقد صدر قرار عن مجلس الدولة
الفرنسي بتاريخ 15يوليوز 3311اعتبر فيه أن عدم تدخل و ازرة الفالحة لتطبيق مقتضيات
قانون معين يشكل "خطأ جسيما من شأنه أن يثير مسؤولية الدولة" ،1وقد يؤدي إلى الحكم
عليها بتعويضات مالية مرتفعة .فقد قضت المحكمة اإلدارية بليون على سبيل المثال بأداء
الدولة مبلغ 311111أورو كتعويض عن الضرر الالحق بأحد األشخاص نتيجة للتصرف
1 Arrêt CE. Syndicat de défense des grands Vins de le coté d’or.Rec.p.861 et sui.
624
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
السلبي الخاطئ لإلدارة الذي أثر سلبا على مساره المهني ،حيث استغرقت اإلدارة مدة 35
سنة إلصدار مرسوم ينظم كيفيات ولوج األعوان غير المرسمين لدى و ازرة التجهيز لسلك
الصنف )أ( للوظيفة العمومية ،طبقا لمبدأ اإلدماج المحدد بمقتضى قانون 33يناير
.1"3390
وقضى مجلس الدولة في منازعة أخرى بإلغاء القرار الضمني الصادر عن اإلدارة
بعدم إصدار مراسيم تطبيقية بشأن صناديق حماية الطفولة تطبيقا للمادة 11من القانون رقم
1111-131الصادر بتاريخ 5مارس ،1111مع إصدار أمر لها بإخراج هذا المرسوم
إلى حيز الوجود تحت طائلة غرامة تهديدية ،إضافة إلى الحكم على الدولة بأداء تعويض
عن الضرر الناتج عن عدم وجود هذه الصناديق .2كما قضى بمسؤولية الدولة عن
3
تشريعاتها المخالفة لالتفاقيات الدولية التي صادقت عليها فرنسا.
وقد يذهب بعض الفقه الفرنسي إلى أنه يمكن الطعن باإللغاء للشطط في استعمال
السلطة في مواجهة القرار الضمني برفض سن وإصدار المراسيم التطبيقية للقوانين ،كما
يمكن المطالبة بالتعويض عن ذلك .4بينما عارض البعض اآلخر هذه المسألة و اعتبر بأن
القول بمسؤولية الدولة عن عمل الجهاز التشريعي هو مجرد ترف فكري.5
وتجدر اإلشارة هاهنا إلى ما سار عليه االجتهاد القضائي في فرنسا فيما يتعلق
بتحديد مفهوم األج المعقول الواجب االلتزام به إلصدار المراسيم التطبيقية والذي ربطه
بظروف الحال التي تختلف من منازعة على أخرى.
625
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وقد تأخر التحول في موقف القضاء الفرنسي إلى سنة 3311عندما أصدر قرار
مبدئيا شهي ار كسر به جدار ال مسؤولية السلطة التشريعية على هذا الصعيد والمعروف بقرار
الشركة العامة للطاقة الراديو كهربائية ،إذ جعل بالقرار المذكور من شروط قيام المسؤولية
عدم تضمن االتفاقية التي وقعت مخالفتها أي مقتضى يستبعد الحق في التعويض ،وأن
يكون الضرر المترتب عن الخرق ذا خطورة بالغة وطابع خاص .2وهكذا تحققت بهذا القرار
المساواة بين خرق القانون الداخلي وخرق االتفاقية الدولية على صعيد المسؤولية عن
األضرار المترتبة عن مخالفة األول للثانية ولو كانت الحقة زمنيا لصدوره.
وقد تعددت فيما بعد تطبيقات القضاء المقارن المنصبة على مسؤولية الدولة عن
مخالفة القوانين لضابط فوق -تشريعي تتضمنه معاهدة دولية تمت المصادقة عليها .ويمكن
3
االستشهاد في هذا الصدد بقرار لمحكمة النقض البلجيكية مؤرخ في 19شتنبر 1111
الذي قضت من خالله بالمسؤولية بناء على خطأ يتجلى في وتيرة السلطة التشريعية البطيئة
في اصدار القوانين وعدم مالئمتها مع االتفاقية األوروبية لحقوق االنسان في دعوى تتعلق
626
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
بالتعويض عن خطأ طبي لم يتم البت فيها داخل أجل معقول ،األمر الذي شكل مخالفة
واضحة للفصل 31من االتفاقية األوروبية لحقوق االنسان.1
كما أقر مجلس الدولة الفرنسي -في تطبيق آخر لمسؤولية الدولة عن فعل القوانين
ولكن وفق أساس قانوني مختلف -مسؤولية الدولة عن فعل القوانين التي تخرق المعاهدات
الدولية السيما المعاهدات التي تبرمها فرنسا مع دول االتحاد األوروبي ،وذلك بمناسبة فصله
في قضية .2 Gardedieuإذ أقر مجلس الدولة الفرنسي مسؤولية الدولة عن األضرار
التي تنجم عن سن قوانين تتجاهل مقتضيات االتفاقيات الدولية التي صادقت عليها فرنسا
السيما االتفاقيات والتوجيهات األوروبية.
ورغم أن مجلس الدولة الفرنسي قد أقر بهذه المسؤولية ،إال أنه لم يؤسسها صراحة
على خطأ المشرع ،إذ لم يقم بتكييف خرق المشرع لهذه االتفاقيات على أنه خطأ يستوجب
التعويض ،3وإنما كان دائما يحكم بالتعويض بناء على خطأ الجهات اإلدارية التي تصدر
أعمال إدارية بناء على تلك القوانين ،فيكون التعويض مبني على أن اإلدارة قد سببت ضر ار
627
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
للفرد بسبب تطبيقها لقانون مخالف للمعاهدات الدولية وليس ألن المشرع أخطأ في إصدار
قانون مخالف للمعاهدات الدولية.1
وقد أكدت المحكمة الدستورية العليا في مصر أن تنظيـم الحقـوق منوط بالمشرع،
وكان استعماله لسلطته في هذا الشأن رخصة يباشرها كلما تطلب الصالح العام ذلك وفي
الوقت الذي يراه مناسباً ،إال أن تدخله يغدو عزيمة إذا ما دعاه الدستور إلى تنظيم حق من
الحقوق ،فإن أدى مسلكه إلى اإلخالل بهذا الحق كان ذلك مخالفاً للدستور.
ويشترط القضاء اإلداري المقارن بالنسبة للمسؤولية عن فعل القوانين بسبب خرق
المعاهدات الدولية أن يكون هناك خرق واضح وجسيم من طرف المشرع لمعاهدة دولية ،وأن
تكون هناك عالقة سببية مباشرة بين الضرر وتلك المخالفة ومالحظة أن هذا الشرط مستمد
من القواعد العامة المقررة في المسؤولية عن طريق الخطأ.2
تتجلى نتيجة مساس القانون بالحقوق والحريات في اعتبار ذلك في حد ذاته مساسا
بالدستور ،3حتى إذا توصلت المحكمة الدستورية إلى تقرير عدم دستوريته لم يكن ممكنا
تقرير التعويض بسبب عدم دستورية القانون بشكل آلي ،إذ ال وجود لمثل هذا اإلقرار
بالتعويض حتى في الدول التي تأخذ بالرقابة القضائية على دستورية القوانين .ألن الدول
التي تعترف بفكرة خطأ المشرع كالواليات المتحدة األمريكية ومصر ال تتبنى نظام المسؤولية
عن التشريع في إطار النظام القضائي الدستوري ،بل ترتب على خطأ المشرع مجرد إبطال
العمل التشريعي المخالف للدستور أو االمتناع عن تطبيقه ،فهي بذلك ال تعرف مسؤولية
الدولة عن أعمال السلطة التشريعية بالرغم من اعتناقها فكرة خطأ المشرع.4
1 François Gilbert, « le conseil d'Etat consacre la responsabilité de l'Etat du fait des lois contraires aux
engagements internationaux ».، le 33/11/1111 à 31h00
2 Stéphanie JUAN «LA RESPONSABILITE DE L'ETAT DU FAIT DE L'ACTION NORMATIVE EN DROIT
ADMINISTRATIF FRANÇAIS «Thèse de doctorat en Droit public, 2004, UNIVERSITE DE METZ, p 127 .
3نهى الزي ،مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة التشريعية - ،دراسة مقارنة -رسالة دكتوراه ،كلية الحقوق ،جامعة القاهرة ، 1985.،ص
.311
4مها بهجت الصالحي " الحام بعدم دستورية نص تشريعي ودوره في لناء دولة القانون" ،مكتبة ودار مخطوطات العتبة ،بغداد 1111 ،ص
.111
628
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ويفرض ثبوت عدم دستورية القانون على السلطة التشريعية مراجعة ما صدر عنها
من قوانين ،فإذا ما كان القانون قبل تقرير عدم دستوريته ،ال ينص على التعويض للمضرور
في حالة وقوع الضرر ،فإن عدم الدستورية سيكون له حتما األثر البالغ على مسألة إعادة
النظر في ذلك القانون .وبتعبير أدق ،قد يتقرر التعويض ،ومن ثم تقرر مسؤولية السلطة
وأيده الفقه في 1
التشريعية كما ذهب إلى ذلك القضاء الفرنسي في العديد من الحاالت
ذلك.2
ويظهر خطأ السلطة التشريعية بمخالفتها للدستور نتيجة سنها تشريعات غير دستورية
بشكل أو بآخر ،بل وتظهر تلك المخالفة الدستورية المشكلة لخطأ السلطة التشريعية بشكل
أكثر وضوحا من خالل التشريعات االستثنائية غير العادية ألن السبب في ذلك يرجع إلى
االحتمال الوارد في مساس هذه التشريعات بالحقوق والحريات.
ولم يساير القضاء المغربي هذه الفكرة واعتبر أن تأسيس دعوى المطالبة بالتعويض
عن ضرر التشريع تبقى غير مسموعة أمام القضاء اإلداري لألسباب التي تبينها حيثيات
القرار عدد 1131بتاريخ 13أبريل 1133في الملف عدد 1133/1131/1التي جاء
فيها ما يلي" :وحيث يستنتج مما سبق ،أنه لئن كان المستأنف عليه قد أشار في مقاله
االفتتاحي إلى كون الدعوى مؤطرة في نطاق المسؤولية عن ضرر التشريع الذي اعتبره غير
منصف وعادل ،وانطالقا من نص المادة 11من القانون 03/31المحدثة بموجبه محاكم
إدارية ،إال أن األسباب التي اعتمدها في تبرير الدعوى تستوجب التداء محاكمة عدم
دستورية اانون المالية لسنة 2431فيما نص عليه من تعدي للمادة 3.14من المدونة
العامة للضرائب ،وذلك من خالل نعيه عليه كونه خرق مبدأ المساواة ....وكذا عدم
انضباطه لمبدأ االمن القانوني.....
1 CAA de Paris, 5 oct. 2018, Société Hôtelière Paris Eiffel Suffren et Société Paris Clichy, nos 17PA01180 et
31PA01188. 4 CE, Ass., 8 fév. 2007, Gardedieu, n° 279522, Lebon p. 78, concl. L. Derepas. 5, DISANT M.,
« La responsabilité de l’État du fait de la loi inconstitutionnelle, prolégomènes et perspectives », RFD
adm., 2011, p. 1181.
2 E JURIDIYann Aguilla, Bredin Prat Guillaume Forger -Responsabilité du fait des lois Inconstitutionnelle,
la semaine juridique édition générale no 7-8, 17/02/2020
629
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وحيث إن جميع هذه الخروقات الدستورية التي عابها المستأنف عليه على قانون المالية
السالف الذكر مما ال تستوعبه دعوى المسؤولية اإلدارية حتى ولو كان أساسها ضرر
التشريع وبدون إثبات الخطأ ،سواء من حيث إنه ذلك فيه خرق جلي ألص ثالت في
النظام الدستوري للمملكة وهو مبدأ فص السلط الذي أاره دستور يوليوز 2433في
فصله األول ،ومن تبلياته عدم جواز إخضاع أعمال السلطة التشريعية لراابة السلطة
القضائية إال في نطاق الحدود التي تقررها الوثيقة الدستورية ذاتها ،أو من حيث تطاوله
على اختصاصات المحامة الدستورية التي أسندت لها مهمة هذه الراابة بمقتضى الفص
321من الدستور ،أو من جهة أن ما يطالب به المستأنف عليه فيه تعطي صريح لنص
تشريعي .......وبالتالي تكون المنااشة التي أثارها حول عدم دستورية التعدي الدستوري
المومأ إليه أعاله في غير محلها وال يمان تأطيرها لدعوى المسؤولية ،وهي بذلك غير
جديرة باالعتبار".
وهكذا اعتبر القضاء المغربي بأنه ال ينبغي إخضاع أعمال السلطة التشريعية لرقابة السلطة
القضائية إال في نطاق الحدود التي تقررها الوثيقة الدستورية ذاتها.
المبحث الثاني :تعدد األسباب المانعة من تبني فكرة مسؤولية الدولة عن
ممارسة وظيفة التشريع على صعيد القانون المغربي
تحولت بعض القوانين المقارنة بعد تطور جريء ر َام تحقيق دولة القانون إلى اعتماد
فكرة مسؤولية الدولة عن ممارسة إحدى سلطاتها لوظيفة التشريع ،غير أن هذا التحول لم
يصل مداه كما رأينا ألنه لم ينته بتخطئة المشرع أو بجعله مسؤوال عن األضرار التي تترتب
عن كافة أوجه ممارسة وظيفة التشريع ،سواء تعلق األمر بالتراخي في تقنين وضعية معينة
تتطلب تدخال تشريعيا عاجال ،أو تعلق بمخالفة ضوابط فوق -تشريعية تجعل من فعل
التشريع خطا جسيما يستوجب التعويض ،أو تعلق األمر -على الشائع مما تعرفه الدعاوى
على هذا الصعيد -بمخالفة مبدأ المساواة أمام تحمل األعباء العامة نتيجة سن تشريعات
تمنع أو تقيد التمتع ببعض الحقوق المكفولة لألفراد دستوريا.
630
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ويبدو من مختلف صور فعل التشريع التي عرض لها القضاء المغربي بالنظر ،أنها
ال تكاد تثير من وجهة نظر بسيطة أية مسؤولية على صعيد القانون المغربي -على خالف
الوضع في القانون المقارن -وذلك الصطدامها بمجموعة من الموانع التي تجعل فكرة
المسؤولية حبيسة الرفض ومستعصية على اقتباس تجارب مقارنة.
ويمكن بسط موانع تبني فكرة مسؤولية الدولة عن ممارسة وظيفة التشريع وفق ما
كشف عنه تطور القانون المقارن من خالل المطلبين التاليين:
المطلب األول -المبررات العامة الستبعاد فكرة المسؤولية الدولة عن ممارسة وظيفة
التشريع
ال زال مبدأ عدم مسؤولية الدولة عن التشريع المبدأ سائدا في العديد من الدول ،وال
يزال يجد تبريره من جانب الفقه والقضاء اإلداريين في عصمة المشرع من الخطأ ،1ومن ثم
لم تكن الدولة مسؤولة عن األضرار الناجمة عن ممارسة وظيفة التشريع من قبل إحدى
سلطاتها .2وقد وجدت لتبرير فكرة عدم المسؤولية عدة حجج ال يزال بعضها وجيها في
مبناه بحسب النظم القانونية التي يثار على صعيدها مشكل المسؤولية عن ممارسة الدولة
لوظيفة التشريع.
ولقد تم تبرير التوجه القار والراسخ المعتنق لمبدأ عدم المسؤولية بمجموعة من الحجج
التي تجد مصدرها في الفكرة المطلقة لسيادة الدولة ومبدأ الفصل بين السلطات ،فضال عن
أخرى تتمثل في كون الشروط الالزمة للحكم بالتعويض والتي من أهمها الشرط المتعلق
1محمد ماهر أبو العينين ":التعويض عن اعمال السلطات العامة :التعويض عن اعمال السلطة التشريعية والسلطة القضائية" ،المركز القومي
لإلصدارات القانونية ،1130 ،القاهرة ،ص.311
2محمد المدني " مسؤولية الدولة عن أعمالها المشرعة" ،دكتوراه ،كلية الحقوق ،جامعة القاهرة ،طبعة ،3351ص .31
631
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
بالصفة الخاصة بالضرر الذي يلحق األفراد ال يتوفر في ذلك الذي ينجم عن ممارسة
وظيفة التشريع.1
يعتبر مبدأ عدم مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة التشريعية مبدأ سائدا بين
التشريعات المقارنة ،ذلك أن أغلبها خالية من أية نصوص قانونية صريحة تقر مسؤولية
الدولة عن أعمالها التشريعية ،وهذا شأن بعض التشريعات األوروبية المعاصرة وكذا بعض
التشريعات العربية.2
ويبدو سمو التشريع في إحدى أعرق ديمقراطيات العالم بديهيا بالتأكيد ألن القانون هو
التعبير األسمى عن إرادة األمة ،بل إن المحكمة الفيدرالية األلمانية اعتبرت أن سمو
التشريع يتأتى أيضا من كونه يرتب التزامات وحقوق تهدف لتحقيق المنفعة العامة وال
يمان أن يرتب سنه تبعا لذلك أي حق في المطالبة بالتعويض ،أما في مصر فقد ذهبت
المحكمة اإلدارية باإلسكندرية في الدعوى رقم 331لسنة 19قضائية جلسة
3391/19/11إلى ما يلي" :ومن حيث إن المبدأ المسلم به – كقاعدة عامة – هو عدم
مساءلة الدولة عن أعمالها التشريعية ألن التشريع يجب أن تكون له الكلمة العليا في تنظيم
المجتمع عن طريق وضع القواعد العامة المجردة ،فإذا ما ترتب على التشريع ضرر لبعض
المواطنين فإن الصالح العام يقتضي أن يتحملوا عبء ذلك و مبدأ عدم مسؤولية الدولة
1 Paul Duez «la responsabilité de la puissance public en dehors du contrat»، Op cit, p 21 et Camille
BROYELLE «La responsabilité de l’état du fait des lois op.cit p 31 et “4” et André De Laubadere- Traite
de droit administrative. Vol 1er.8e`dit. 1980.p 739.
2العربي مياد " مسؤولية الدولة عن اعمالها التشريعية" ،سلسلة إعالم وتبصير المستهلك ،10 ،الطبعة األولى ،1135 ،ص .5
632
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
عن النشاط التشريعي و ما اد تسببه القوانين من اضرار هو مبدأ تقليدي يقوم على مبدأ
سيادة الدولة و من خصائصها أنها تفرض سلطتها على المبتمع دون أن ياون ألحد أي
حق في التعويض عنها ،إذ إن الضرر الذي تسببه القوانين ال تتوافر فيه الشروط الالزمة
للحام بالتعويض و أهمها الخصوصية وألن القوانين وهي اواعد عامة مبردة يقتصر أثرها
على تغيير المراكز العامة ،فإذا ترتب عليها ضرر عام ال يصيب شخصا لذاته فإن مث
هذا الضرر ال يعوض عنه".
ولم تطلق -النظم التي قبلت على تردد بإمكانية مساءلة الدولة عن نشاطها التشريعي
خاصة في فرنسا -اإلمكانية المذكورة على مصراعيها ،بل علقتها على تحقق شروط مشددة
أبرزها توجه إرادة المشرع الصريحة في صلب كل قانون على حدة إلى تعويض من ستتأثر
مراكزهم القانونية بصدوره.
ولقد مال االجتهاد القضائي إلى اعتبار كل تدخل قانوني غايته تحقيق المصلحة
العامة العليا يتضمن في صلبه استبعاد التعويض عن الضرر الذي يمكن أن ينجم عن هذا
التدخل ،لهذا رفض القضاء اإلداري في فرنسا الحكم بالتعويض بعدما عاين أن وضع بعض
القوانين كان يرمي إلى وضع حد لنشاط ذو طابع تدليسي أو ذو طابع مشين .كما رفض
الحام بالتعويض أيضا عندما الحظ أن القانون اد جاء ليضع حدا لنشاط خطير أو مضر
بالصحة العمومية .وفي نفس االتجاه تم رفض الحكم بالتعويض ألن القانون قد اتخذ في
إطار مصلحة اقتصادية واجتماعية ذات طابع نظامي عام أو من أجل الحد من ارتفاع
األسعار ،أو تحديد كيفية حساب التعويض عن نزع الملكية ،أو ضبط السوق وتنظيم
المنتجات.
تعتبر ممارسة وظيفة التشريع من أهم تجليات ممارسة الدولة لسيادتها التي تتنافى مع
المسؤولية ،على اعتبار أن السيادة ملزمة بطبيعتها للجميع دون أن تتوفر لألفراد إمكانية
المطالبة بالتعويض عن آثار ممارستها .هذا فضال على أن السلطة التشريعية هي سلطة
منتخبة من الشعب ،لذا فهي تمثل السيادة الوطنية ،والتشريع الذي تصدره تعبير عن اإلرادة
633
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
العامة ،وهذا ما جسد المظهر المثالي للسيادة الذي حال قطعا دون مساءلة السلطة
التشريعية -سواء كانت أصلية أو فرعية -عن األضرار التي يمكن أن تنجم عن نشاطها
المتعلق في إصدار التشريعات ،فالبرلمان هو صاحب السيادة العامة ،ومن ثم تكون أعماله
خارجة عن الرقابة القضائية ألن السيادة تتنافى مع المسؤولية.1
لقد اعتبر القضاء الفرنسي تحديدا أن القول بإمكانية مساءلة الدولة عن ممارستها
لوظيفة التشريع ينطوي على مخالفة صريحة للمبدأ الدستوري القاضي بالفصل بين السلط،
والذي يشكل أساس الدفع بعدم مسؤولية الدولة عن أعمال التشريع ،ذلك أن تطبيق هذا
المبدأ يحول دون بسط رقابة القضاء على أعمال السلطة التشريعية ،بل إن إقرار المسؤولية
من جانب القضاء يعد تعديا على هذا المبدأ جراء تدخل من السلطة القضائية في أعمال
السلطة التشريعية .2ومن ثم فإن احترام مقتضى مبدأ الفصل بين السلطات يحول دون بسط
القضاء لرقابته على أعمال السلطة التشريعية.3
وقد أولى القضاء اإلداري المغربي لهذا المبدأ احتراما شديدا إذ اعتبر في بعض
المنازعات التي همت المطالبة بالتعويض عن الضرر الناجم عن اعتماد قانون المالية لسنة
،1131أن تأسيس االدعاء على مخالفة القانون ألحكام الدستور ينطوي على مساس بمبدأ
فصل السلط ومن تجلياته عدم جواز إخضاع أعمال السلطة التشريعية لرقابة السلطة
القضائية إال في نطاق الحدود التي تقررها الوثيقة الدستورية ذاتها ،أو من حيث تطاوله على
اختصاصات المحكمة الدستورية التي أسندت لها مهمة هذه الرقابة بمقتضى الفصل 311
من الدستور .وهكذا فقد جاء في القرار عدد 1131الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية
بالرباط تحت عدد 1131بتاريخ 13أبريل 1133في الملف عدد 1133/1131/1
1هشام عبد المنعم عكاشة" ،مسؤولية اإلدارة عن أعمال الضرورة " ،مرجع سابق ،ص 166.ومحمد مفضي معاقبة وأسامة احمد النعيمات "
التعويض اإلداري لين القانونين المدني واإلداري (دراسة تطبيقية على النظام األردني) ،مرجع سابق ،ص 130ونهى الزي ،مسؤولية الدولة عن
أعمال السلطة التشريعية ،مرجع سابق ،ص . 03
2 Olivier Gohin « La responsabilité de l'Etat en tant que législateur « op cit, p 598 et 600.
3هشام عبد المنعم عكاشة" ،مسؤولية اإلدارة عن أعمال الضرورة " ،مرجع سابق ،ص. 165
634
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وأيضا القرار الصادر عن ذات المحكمة تحت عدد 1131بتاريخ 13أبريل 1133في
الملف عدد 1133/1131/9جاء من بين حيثياته ما يلي ...." :وحيث يستنتج مما سبق،
أنه لئن كان المستأنف عليه قد أشار في مقاله االفتتاحي إلى كون الدعوى مؤطرة في نطاق
المسؤولية عن ضرر التشريع الذي اعتبره غير منصف وعادل ،وانطالقا من نص المادة
11من القانون 03/31المحدثة بموجبه محاكم إدارية ،إال أن األسباب التي اعتمدها في
تبرير الدعوى تستوجب ابتداء محاكمة عدم دستورية قانون المالية لسنة 1131فيما نص
عليه من تعديل للمادة 3.11من المدونة العامة للضرائب ،وذلك من خالل نعيه عليه كونه
خرق مبدأ المساواة ....وكذا عدم انضباطه لمبدأ االمن القانوني.....
وحيث إن جميع هذه الخرواات الدستورية التي عالها المستأنف عليه على اانون المالية
السالف الذكر مما ال تستوعبه دعوى المسؤولية اإلدارية حتى ولو كان أساسها ضرر
التشريع وبدون إثبات الخطأ ،سواء من حيث إنه ذلك فيه خرق جلي ألص ثالت في
النظام الدستوري للمملكة وهو مبدأ فص السلط الذي أاره دستور يوليوز 2433في
فصله األول ،ومن تبلياته عدم جواز إخضاع أعمال السلطة التشريعية لراابة السلطة
القضائية إال في نطاق الحدود التي تقررها الوثيقة الدستورية ذاتها ،أو من حيث تطاوله
على اختصاصات المحكمة الدستورية التي أسندت لها مهمة هذه الرقابة بمقتضى الفصل
311من الدستور ،أو من جهة أن ما يطالب به المستأنف عليه فيه تعطيل صريح لنص
تشريعي .......وبالتالي تكون المناقشة التي أثارها حول عدم دستورية التعديل الدستوري
المومأ إليه أعاله في غير محلها وال يمكن تأطيرها بدعوى المسؤولية ،وهي بذلك غير جديرة
باالعتبار".
الفقرة الرابعة :تعذر مساءلة الدولة عن ممارسة وظيفة التشريع مشتق من
حصانة أعضاء البرلمان الذين اعتمدوه لناء على منهبية تشاركية
635
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
عليها دستوريا ،إذ ال يسأل عضو البرلمان عن األعمال التي يقوم بها في نطاق ممارسته
لمهامه كنائب برلماني والتي تتجلى أساسا في سن القوانين.
وحيث إن الحصانة المذكورة تلحق بالتبعية محل العمل البرلماني ،ومن ثم ال يمكن
الحديث عن مسؤولية الدولة عن نشاط المؤسسة البرلمانية المتعلقة بسن التشريعات متى
تمت دسترة مبدأ عدم المسؤولية البرلمانية بما يعنيه من وجود سند دستوري يرفض المسؤولية
عن ممارسة وظيفة التشريع.1
وفضال عما سبق ،يعتمد سن التشريعات كوجه شائع لممارسة وظيفة التشريع مقاربة
تشاركية يجد أساسه أصال في كون هذه األخيرة تجسد قيم الديمقراطية التي تكفل لكل
المواطنين حرية المشاركة من خالل وجود هيئة تقوم بدور النيابة عنهم في تقرير أمور
حياتهم .ومن ثم فإن القوانين ليست مجرد رخص وعقوبات يصدرها المشرع ،وإنما هي تعبير
عن إرادة المجتمع وأولوياته التي يجسدها المشرع في صورة قواعد عامة تحكم العالقات بين
األفراد والجماعات وتنظم العمل والعيش المشترك بينهم.
وحيث إن الفرد باعتباره مواطنا يسهم ويشارك في صناعة التشريع ما دام أن الذي
يتولى هذه العملية ما هو إال ممثل هذا المواطن في البرلمان ،فهو إذن غير أجنبي على
التشريع ومسؤول عن إصداره ،ومن ثم ال يحق له المطالبة بالتعويض عن ضرر يدعي أنه
لحقه نتيجة تشريع شارك في شنه بشكل غير مباشر.
وتجدر اإلشارة في هذا السياق إلى أن مجال التشريع يمتد إلى مؤسسات أخرى حددها
الدستور الحالي في حق المواطنين والمواطنات في تقديم ملتمسات في مجال التشريع وذلك
من خالل الفصل 14من الدستور.
كما خول الدستور المعارضة البرلمانية بموجب الفصل العاشر منه حق المشاركة
الفعلية في مسطرة التشريع السيما عن طريق تقديم مقترحات قوانين بجدول أعمال مجلسي
البرلمان ،كما ضمن لها كذلك في الفصل الستين منه المشاركة في وظيفتي التشريع
والمراقبة.
1محمد المدني " مسؤولية الدولة عن أعمالها المشرعة" ،مرجع سابق ،ص 31وما بعدها.
636
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
يتأسس هذا المبرر على صعوبة تصور قيام أركان المسؤولية في حالة تسبب تشريع
معين في إلحاق ضرر ببعض األفراد الستحالة صدور خطأ عن المؤسسة التشريعية ،علما
أن األحكام القانونية تتسم بالعمومية وهذا ما يميزها عن الق اررات اإلدارية مثال ،وبالتالي فإنه
وحتى في حال إض اررها باألفراد ،فإن هذا الضرر يتوزع عبء تحمله على الكافة. 1
ال بد وأن تقرير مسئولية الدولة عن القوانين التي يصدرها المشرع سيكون عقبة في
سبيل التشريع واإلصالح ،إذ لو أجبرنا الدولة على أن تعوض األفراد عن كل ضرر تلحقه
التشريعات بهم ،خاصة أمام عموميتها ،كما هو الحال مع القانون 35/11والقانون بمرسوم
المتعلق بسن أحكام حالة الطوارئ ألدى ذلك إلى عرقلة كل إصالح وإلى إهدار العديد من
الحقوق ،وإ لى تردد الدولة كثي ار في سن القوانين أو في تعديلها على الرغم من أن غايتها في
ذلك غاية سليمة .كما أن إقرار الحق في التعويض ينطوي كذلك على إضافة أعباء مالية
كبيرة على ميزانية الدولة قد ترهقها وتخل بتوازنها المالي.
تضطلع الدولة بعدة أدوار وتتحمل مجموعة من االلتزامات يؤطرها الدستور المغربي،
ويقتضي وجود وباء ما إلى أن تبادر الدولة إلى اتخاذ مجموعة من اإلجراءات والق اررات في
إطار حماية الصحة العامة وفقا للفصل 13من الدستور المغربي.
وفي هذا اإلطار وعلى إثر تفشي وباء كورونا «كوفيد "-33-وضعت السلطات
المغربية خطة للرصد والتصدي لهذه الجائحة اتخذت على إثرها مجموعة من الق اررات
كإغالق مجموعة من المحالت وتوقيف الدراسة بجميع مؤسسات التربية والتكوين العمومية
637
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
والخاصة وتعليق الرحالت الجوية والبحرية من وإلى مجموعة من الدول وتجميد كافة
النشاطات والتظاهرات العامة وتدبير كيفية استعمال وسائل النقل العمومي.
إن من المعلوم أن المسؤولية ال تترتب عن العمل المشروع الذي يجيزه القانون كأصل
عام ،وبالتالي فإن اتخاذ اإلدارة لق اررات في إطار ما لها من سلطة إدارية ومن أجل حماية
الصحة العامة في مواجهة وباء خطير ومستشر ال يجب أن يرتب أية مسؤولية إذا ما
اعتمدنا المبادئ العامة للمسؤولية القائمة على خطأ وضرر وعالقة سببية .إال أن القضاء
اإلداري استقر على مساءلة الدولة حتى على الق اررات المشروعة في إطار نظرية المساواة
في تحمل األعباء العامة عندما يكون أثر هذا القرار وقع على مجموعة دون أخرى ويكون
ضر ار خاصا واستثنائيا.
غير أن هذه الشروط ال تتوفر في االثار المترتبة عن الق اررات التي اتخذت في إطار
مكافحة جائحة كورونا المستجد ما دام أنها تشمل جميع المواطنين ،وإن كان تأثيرها يختلف
من قطاع آلخر إال أن مفهوم التضامن يقتضي أن تتوزع األعباء على المواطنين كل
بحسب قدرته .ومن ثم ،فإن التباين في التأثر هو معطى وارد في جميع الحاالت.
ولقد درج القضاء االداري الفرنسي على رفض التعويض في إطار مبدأ تحمل األعباء
العامة كلما تبين له أن الضرر المدعى به كان شامال ولم يكن خاصا بالمدعي ،فالمقصود
بمفهوم الشمولية هنا هو أن يكون شامال لقطاع معين أو صنف معين أو فئة معينة.
638
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وإذا كانت بعض التوجهات القضائية قد أثارت المسؤولية اإلدارية على أساس التكافل
االجتماعي فإنها كانت تقر هذه المسؤولية في حاالت معزولة وليس عندما يكون هناك
إجراء عام وشامل .ويعزز هذا الرأي ما تضمنه الفصل 01من الدستور .ذلك أن وجود
الدولة في وضعية استثنائية يفرض تضامن جميع المواطنين ،كما هو الشأن عند مواجهة
وباء مستشر لم تستطع كافة الدول دفعه أو الحد منه إال من خالل إجراءات احت ارزية
ووقائية يجعل مساءلتها عن هذه الق اررات غير ذي أساس ،ولو في إطار مفهوم المساواة في
تحمل األعباء العامة ألن هذه النظرية تعتمد في الحاالت العادية وليس الحاالت االستثنائية
التي يتوجب فيها إعمال مقتضى الفصل 01من الدستور الذي ينص على ما يلي" :على
الجميع أن يتحمل ،بصفة تضامنية ،وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها،
التكا ليف التي تتطلبها تنمية البالد ،وكذا تلك الناتجة عن األعباء الناجمة عن اآلفات
والكوارث الطبيعية التي تصيب البالد".
وقد تجد هذه القراءة سندها في أن الظروف االستثنائية تفرض إجراءات استثنائية وأن
على الجميع أن يتحمل األعباء الناجمة عن اآلفات والكوارث التي تصيب البالد بما فيها
األعباء المترتبة عن الق اررات المتخذة في إطار مكافحة تلك اآلفات .سيما أن الدولة قد
رصدت حسابا خصوصيا يتم من خالله تدبير التضامن بين المواطنين لمواجهة األعباء
المترتبة عن هذه اآلفة .إذ ال يمكن أن تعلو سيادة القانون إال في بلد يشعر مواطنوه
بالمسؤولية التضامنية عن تنفيذ هذا المفهوم ،ما يجعله جزًءا ال يتج أز من ثقافتهم القانونية
والسياسية واالجتماعية.
وفي هذا اإلطار ،فإن إحداث حساب مرصود ألمور خصوصية يحمل اسم الصندوق
الخاص بتدبير جائحة كورونا "كوفيد "33بموجب المرسوم عدد 1.11.113الصادر
بتاريخ 31مارس 1111يجعل المطالبة بالتعويض عن اآلثار المترتبة عن الق اررات
المذكورة غير جائزة في إطار المبادئ العامة للتعويض ما دام أنه رصد لتجاوز آثار هذه
الجائحة صندوق خاص رصد جانبه المدين للنفقات المتعلقة بتأهيل المنظومة الصحية،
وكذا لدعم االقتصاد الوطني من أجل مواجهة آثار انتشار جائحة فيروس كورونا "
639
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
كوفيد " 33والنفقات المتعلقة بالحفاظ على مناصب الشغل والتخفيف من تداعياتها
االجتماعية.
ومؤدى ذلك أن أية مطالبة بالتعويض ال يمكن أن تكون في إطار المسؤولية المرفقية
وأن ترفع أمام القضاء ،خصوصا وأن جائحة كورونا وما اقتضته من اجراءات تصنف على
أنها قوة قاهرة وحادثا فجائيا ،أي أنه سبب من أسباب إعفاء الدولة من المسؤولية.
إال أن التساؤل الذي يظل مطروحا هو أنه بعد إعالن حالة الطوارئ الصحية وصدور
المرسوم بقانون رقم 1.11.131و تاريخ 1111/11/11يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة
الطوارئ الصحية و اجراءات االعالن عنها ،فإن الق اررات المتخذة في إطاره تكون تنفيذا لهذا
النص القانوني ومن ثم سندخل في مجال الحديث عن المسؤولية عن التشريع وليس في
مجال المسؤولية عن الق اررات اإلدارية والتي نسجل أنها مسؤولية ما تزال حديثة في العمل
القضائي بل ال يزال القضاء العربي ينكر مسؤولية الدولة عن القوانين وال يقرر التعويض
من األضرار الناجمة عنها إال إذا نص المشرع صراحة على ذلك.
إن أي قول بإمكانية تقرير مسؤولية الدولة عن ممارسة إحدى سلطاتها لوظيفة
التشريع خاصة التشريع العادي يتجاهل توافر العديد من األسباب التي تقف حائال دون
اقتباس تجارب مقارنة في سبيل ذلك ،وتأتي في مقدمة هذه األسباب خصوصية مسطرة
التشريع العادي على صعيد القانون المغربي باإلضافة إلى أسباب أخرى ،وهذا ما سنتعرف
عليه من خالل ما يلي:
الفقرة الثانية -عدم وجود حكم قانوني عام وصريح يجيز مساءلة الدولة عن
ممارستها لوظيفة التشريع إسوة بمسؤوليتها عن ممارسة بباقي السلطات؛
الفقرة الثالثة -عدم تحديد الجهة القضائية المختصة بالنظر في طلب التعويض.
640
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ال يتضمن القانون المغربي أي حكم صريح يقرر مسؤولية الدولة في مجال التشريع،
ومن ثم فإن ذلك مانع من إثارة مسؤولية الدولة في هذا اإلطار .غير إنه قد يقول قائل بأن
عدم وجود مثل هذا الحكم القانوني ليس مانعا أمام القضاء من االجتهاد على هذا الصعيد
وتقرير المسؤولية ،1ألن هذا األخير يحتك -خاصة إذا كان إداريا -بالواقع ويتفاعل معه
بسرعة مع سيرورة الزمن ،لذلك يرى أحد الفقهاء أن القاعدة القانونية بالنسبة للقاضي ليست
إرثا من الماضي يطبقها حرفيا على الحاضر ،وإنما هي آلية يتولى القاضي بعث الحياة
فيها لتستمر في المستقبل عن طريق ما يسمى بالتفسير القضائي اإلنشائي.2
غير أن مثل هذا القول ليس دقيقا ألن ذلك يفترض حرية مطلقة في االجتهاد ،والحال
أن باب هذا األخير ليس مفتوحا على مصراعيه ،بل إن له ضوابط من أهمها مراعاة
الخصوصيات ،3إذ ال يمكن االستئناس كلية بالقوانين المقارنة أو بالفقه والقضاء المقارنين
وتبني مواقف أو آراء للقول بمسؤولية الدولة في مجال التشريع ما لم يأخذ لزوما في
الحسبان خصوصية مسطرة التشريع العادي في القانون المغربي وما يترتب عنها وجوبا من
غياب مطلق ألية إمكانية لمساءلة الدولة في مجال التشريع.
1أحمد محمد حشيش“ ،نظرية وظيفة القضاء” دار الفكر الجامعي ،1111،ص.391:
2الحالبي الكتاني“ :مدى مساهمة السلطة القضائية في خلق القاعدة القانونية” ،جامعة محمد الخامس ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية
واالجتماعية ،أكدال ،3390 ،ص.313
3شريفي محمد أمين "اعتبار المآالت ومراعاة الخصوصيات في االجتهاد واالفتراءات" ،جامعة وهران ،ص .111
4جاء في الفصل 15من الدستور ما يلي " :يعقد البرلمان جلساته أثناء دورتين في السنة ،ويرأس الملك افتتاح الدورة األولى ،التي تبتدئ يوم
الجمعة الثانية من شهر أكتوبر ،وتُفتتح الدورة الثانية يوم الجمعة الثانية من شهر أبريل .إذا استمرت جلسات البرلمان أربعة أشهر على األقل في
كل دورة ،جاز ختم الدورة بمرسوم".
641
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ويمكن للملك أن يعرض على البرلمان كل معاهدة أو اتفاقية قبل المصادقة عليها قد
تلزم مالية الدولة .وحيث فضال عن هذا تعتبر رئاسة المجلس الوزاري من بين
االختصاصات المؤطرة دستوريا لجاللة الملك ،مع امكانية تفويض رئيس الحكومة طبقا
للفصل 09من الدستور ،1كما يحل الملك محل البرلمان في تشريع القوانين حتى في
األحوال العادية.
ونجد من الصالحيات التي يتمتع بها جاللة الملك تجاه السلطة التشريعية سلطته في
المحطة النهائية للتشريع أي من خالل مسطرة األمر بتنفيذ القانون ،حيث يصدر جاللة
الملك األمر بتنفيذ القانون خالل الثالثين يوما التالية إلحالته على الحكومة بعد تمام الموافقة
عليه وهذا ما نص عليه نص عليه الفصل 51من الدستور.2
ويستتبع ذلك أن إصدار أمر بتنفيذ القانون بواسطة الظهير يعتبر عمال تشريعيا،
لكونه يرمي إلى إصدار قواعد عامة ومجردة .ومن ثم فإن '' الظهير الملكي'' 3هو ''الشكل
أو المعيار الشكلي المندرج ضمن مسطرة التشريع والذي يعبر عن الصالحيات الدستورية
لجاللة الملك في المجال التشريعي باعتباره رئيس الدولة ،وممثلها األسمى ،وباعتباره أمير
المؤمنين ،وحامي حمى الملة والدين .وعليه فإن ''الظهير الملكي '' يفرض احترام سمو
المؤسسة الملكية ،4ومن ثم فإن إصدار األمر لتنفيذ القانون يشا جزء من مسطرة
التشريع ،كما أن اتخاذ صورة األمر بالتنفيذ شا ظهير يحي على حصانة هذا األخير
ضد أي طعن أو دعوى للمطالبة بالتعويض.
1ينص الفصل 09من الدستور على ما يلي ”:يرأس الملك المجلس الوزاري الذي يتألف من رئيس الحكومة والوزراء ،كما ينعقد المجلس الوزاري
بمبادرة الملك ،أو بطلب من رئيس الحكومة ،للملكـ أن يفوض لرئيس الحكومة ،بناء على جدول أعمال محدد ،رئاسة مجلس وزاري”
2يصدر الملك األمر بتنفيذ القانون خالل الثالثين يوما التالية إلحالته إلى الحكومة بعد تمام الموافقة عليه .ينشر القانون الذي صدر األمر
بتنفيذه ،بالجريدة الرسمية للمملكة ،خالل أجل أقصاه شهر ابتداء من تاريخ ظهير إصداره.
3بشرى النية "المدخ لدراسة العلوم القانونية" ،محاضرات جامعية ،الموسم الجامعي 1131/1131ص . 13
4إن مسألة الطبيعة القانونية للظهائر الملكية قد أثارت نقاشا فقهيا منذ منتصف األربعينات بعد قضية جماعة تامسكلفت بتاريخ 0ماي 3300
مع دولوبدير في مقاله إصالحات السلطات العمومية بالمغرب في 3309ومع راسين في مقاله التدابير التشريعية والتنظيمية المتخذة من طرف
السلطات الحاكمة بالمغرب في 3351ومحمد لحبابي في كتابه الحكومة المغربية في فجر القرن العشرين سنة 3351وألفيي رونار في كتابه
التجربة المغربية حول وحدة المحاكم وثنائية المنازعات سنة 3310ومع مشال روسي في مقاله تأمالت في االختصاصات اإلدارية للملك من خالل
الدستور المغربي لسنة 3311وديكرو في مقاله ملك المغرب ،مشرع ،سنة 3311؛ وقد واصل النقاش فيما بعد بكل اهتمام وﺇفادة عدد من
المفكرين المغاربة واألجانب المختصين في المادة اإلدارية من أمثال روسي نفسه وبنجلون وبن صالح وأحمد العلمي والعنتري وبن عبد الله ومرغني
و نجاسي وبن حلمة وسرحان وآخرون.
642
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
بل إن من تجليات المركز الذي تحتله المؤسسة الملكية في النظام القانوني المغربي،
تكريس القضاء لحصانة الظهير الصادر عن الملك ،ومن ناحية أخرى ،مكانة السلطان
بالمغرب التي تتحدد في جانب منها انطالقا من ''نظرية اإلمامة'' التي تخول لجاللة الملك
مركز ''القاضي األعظم'' كنتيجة مترتبة عنها.
وقد راعى المشرع الدستوري ،عند اختياره نموذجه القضائي وضعية '' السمو'' التي
تحتلها '' المؤسسة الملكية '' في النظام المغربي ،1فالمركز القانوني والسياسي والديني
والتاريخي لجاللة الملك يجعل من الرقابة القضائية غير منسجمة مع الخصوصية المغربية،
وذلك من منطلق أن طبيعة تلك الرقابة البعدية تثير مجموعة من اإلشكاالت ،من بينها مدى
أحقية إعادة النظر في '' الظهير الملكي '' الذي يصدر بموجبه القانون ،فجاللة الملك يراقب
دستورية القانون ،ويعد فوق ذلك قاضيا ،إضافة إلى المرتبة التي يحتلها الظهير الملكي في
النظام القانوني المغربي.
إن '' الظهير الملكي'' يستمد ''سموه القانوني الكامل" و"حصانته القضائية الكاملة'' من
منزلة السلطة المصدرة له .وهكذا ،يستخلص من أحكام الدستور ومن العمل القضائي بأن
الق اررات الملكية غير قابلة ألي طعن ،وبذلك فهي أعمال تتصف بالحصانة المطلقة،
لكونها ،أوال ،تدخل فيما يسمى ب'' أعمال السيادة ''.
فقد اعتبر القضاء اإلداري المغربي نفسه غير مختص أو غير مؤهل لممارسة رقابة
الحقة على ق اررات جاللة الملك ،علما أن التصديق على القوانين هو اختصاص مقرر
لجال لته ،ذلك أن إقرار القوانين من جانب البرلمان يستوجب التصديق الملكي لنفاذ أحكام
القانون عن طريق مسطرة اإلصدار ،كما هو الحال مع القانون 35/11الذي كان موضوع
دعوى قضائية إلقرار المسؤولية عن سنه.
وهكذا ،تنسحب حصانة الظهير الملكي ومركزه ليس فقط على المعايير التي يضعها
جاللة الملك فحسب ،بل حتى على تلك التي تقررها األجهزة األدنى بما فيها البرلمان إذا
1حسن الرفاعي" ،وضعية الظهير الشريف أمام القضاء اإلداري على ضوء دستور ،"2433رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون العام سنة
1131 – 1133جامعة محمد الخامس السويسي سال ،ص .13
643
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
تمت المصادقة عليها وإصدارها بظهير ،وهذا حال القوانين ،وهذه هي الخصوصية التي
ُيمتنع معها إسقاط التجارب القضائية المقارنة التي تقر مسؤولية الدولة في مجال التشريع.
وينطوي ظهير األمر لتنفيذ القانون أيضا على معنى الراابة على دستورية القوانين،
بحيث إن الفص 02من الدستور ينص على أن جاللة الملك هو الساهر على احترام
الدستور .ومن ثم ،فإن ظهير تنفيذ القانون هو داللة على أن القانون مطالق للدستور.
وحيث استقر القضاء المغربي منذ القديم على رفض الدعاوى المنصبة على الظهائر
والمراسيم الملكية واعتبر أنها غير صادرة عن سلطة إدارية ،بل إن القضايا المعروفة في
هذا اإلطار بلغت حد التواتر 1كان الطعن موجها من خاللها ضد ظهائر ملكية ،باستثناء
قضية مزرعة عبد العزيز التي كان الطعن فيها موجها ضد مرسوم ملكي صدر أثناء حالة
االستثناء .وفي كل هذه القضايا كان المجلس األعلى (محكمة النقض حاليا) يصرح دائما
بعدم اختصاصه ،أو يرفض تشبيه الظهائر الملكية بالق اررات اإلدارية ،أو يبين أن الظهير
المطعون فيه غير صادر عن سلطة إدارية .وقد اعتبر أحمد باحنيني في تعليقه على أحد
األحكام القضائية أن الحصانة واجبة للظهائر الملكية ولكل مقرر ملكي سواء كان ذا صبغة
تنظيمية أو فردية.2
كما أكد األستاذ مجيد بنجلون خالل مرافعته أمام محكمة العدل الدولية بالهاي أثناء
نظرها في قضية الصحراء المغربية أن الظهير كلمة تعني في الواقع القانون ،إذ إن كل قرار
تشريعي يتخذ في المغرب منذ 31قرنا في شكل ظهير .كما عبر األستاذ فؤاد عمون عن
رأي مشابه فالسلطان كان في نظره يبمع السلط التشريعية والتنفيذية والروحية وكان
يمارسها لواسطة ظهائر.3
1قضية عبد الحميد روندا بتاريخ 39يونيو 3311؛ قضية السيدة ماضلين بتاريخ 39ماي 3313؛ قضية عبد الله بنسودة بتاريخ 35يوليوز
3311؛ قضية رزق التجاني في 35يوليوز 3311؛ قضية مزرعة عبد العزيز في 11مارس 3311؛ قضية التباري بن خديم في 9يناير 3313؛
قضية البهالي العمراني بتاريخ 31فبراير 3311؛ قضية عبد العزيز االزموري في 1ماي 3311؛ قضية أفقير مصطفى بتاريخ 11أكتوبر
3313؛ قضية الحسين مصلي بتاريخ 1دجنبر 3335؛
2مجموعة قضاء المجلس األعلى العدد 39أكتوبر 3311ومجلة المحاكم المغربية العدد 31سنة .3313
3محمد أشركي "الظهير في القانون العام المغربي" ،دار الثقافة ،الدار البيضاء ،3393 ،ص .351
644
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
واد استند القضاء في ك أحاامه السالف اإلشارة إليها الى أن جاللة الملك رمز
السيادة ،ومن ثم ينسحب ذلك على ك الظهائر التي تصدر عن جاللته كيفما كانت
صورها سواء كانت ''ظهير -مرسوم'' أو '' ظهير -اانون''؛ أو '' أمر'' أو خطاب ،أو
رسالة ،إذ إن لها نفس الدرجة في التشريع المغربي ،منذ أن تحددت سلطات مؤسسات
الدولة دستوريا ،وهي ال تقب الطعن أمام القضاء وال المراجعة.
وحيث تبعا لكل ما سبق ،فإن تقرير المسؤولية عن التشريع على إثر صدور القانون
غير ممكن لكونه صدر طبقا لمسطرة تشريعية تتميز بالخصوصية التي تمنع ذلك بالنظر
إلى الدور الذي تلعبه المؤسسة الملكية سواء على صعيد عرض القانون المذكور على
أنظار المجلس الوزاري أو على صعيد إصدار األمر بتنفيذه بواسطة ظهير ملكي يتمتع
بحصانة مطلقة ضد أي طعن أو دعوى تعويض.
الفقرة الثانية :عدم وجود حام اانوني عام وصريح يبيز مساءلة الدولة
عن ممارستها لوظيفة التشريع إسوة بمسؤوليتها عن ممارسة لبااي السلطات
لم يخص المشرع المغربي كما هو معلوم مسؤولية الدولة في مجال التشريع بحكم
خاص يقرها بشكل عام ،ويمكن حمل سكوت المشرع على هذا الصعيد على أنه اعتناق
لفكرة عدم مسؤولية الدولة عن ممارسة سلطاتها لوظيفة التشريع.1
وقد يقول قائل إنه ال غرابة في إقرار مسؤولية السلطة التشريعية في الدولة ،على
غرار باقي السلطات األخرى .وبتعبير آخر ،فإن سلطة القضاء في الدولة ،وعلى قدسيتها
ودورها البالغ في بناء دولة القانون ،قد تقررت مسؤوليتها دستوريا عن أخطائها المرتبة
ألضرار .فإذا تقررت مسؤولية السلطة القضائية على النحو السابق ،فإنه من باب أولى أن
تتقرر مسؤولية السلطة التشريعية عن القوانين المرتبة ألضرار تلحق بحقوق المواطن
وحرياته ،غير إن مثل هذا القول ال يرتكز على أساس سليم إذ ال َيرجح استنتاج هذا المعنى
من خالل استحضار موقف المشرع المغربي من مسؤولية الدولة عن ممارسة السلطة
1زكريا خليل " مسؤولية الدولة عن اعمال التشريع لين المقتضيات القانونية واالجتهاد القضائي :دراسة في فرنسا والمغرب "أبحاث المؤتمر
السنوي الرابع تحت عنوان " القانون أداة لإلصالح والتطوير« ماي ، 2017الملحق الخاص ،العدد الثاني ،نونبر 2017ص. 371
645
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
القضائية لوظيفة تحقيق العدالة والفصل في المنازعات التي تم إقرارها من خالل نص
دستوري هو الفصل.1 311
وطالما أن السلطة التشريعية تختص بالجوانب القانونية المتعلقة بشؤون الدولة -إذ
توكل لها مهمة سن القوانين والتشريعات التي يشتغل عليها القضاء -فإن إقرار المسؤولية
عن أعمال هذه السلطة من المفروض أن يتم بنص دستوري اعتبا ار لمكانتها بين سلط
الدولة.
وقد جاء في حيثيات الحكم الصادر عن المحكمة اإلدارية بفاس تحت عدد
1130/335وتاريخ 1130/31/35في الملف اإلداري رقم 1130 /1310/5ما يلي:
" .....وحيث إنه واستنادا لهذه المعطيات ،وفي غياب التنصيص دستوريا على مسؤولية
الدولة عن األعمال التشريعية ،فإن التباطؤ في إصدار النصوص والمراسيم التنظيمية ،ال
يشا خطأ مرفقيا ،يخول للمتضرر حق المطالبة بالتعويض ،فضال على أن التنصيص
على إخراجها إلى حيز الوجود ،غير مرتبط بآجال معينة ومحددة موجبة لذلك ،مما ياون
معه طلب الطاعن غير مبني على أساس ،وحليفه الرفض".
وهكذا يتبين أن المحكمة اإلدارية بفاس قد بررت عدم اختصاص القضاء اإلداري
للنظر في مثل هذه الدعاوى بمجموعة من المبررات أهمها غياب نص دستوري يقر مسؤولية
الدولة عن العمل التشريعي.
وإذا كانت مسؤولية الدولة عن أعمال ونشاطات السلطة التنفيذية -وهي المكون
لسلطات الدول الديمقراطية ،إذ يأتي ترتيبها بعد السلطة التشريعية والسلطة القضائية
الثالث ُ
-قد تم إقرارها بحكم قانوني تضمنه الفصالن 13و 91من قانون االلتزامات والعقود ،فإن
أي قول بإمكانية تقرير مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة التشريعية على صعيد القانون
المغربي دون الحاجة إلى نص قانوني صريح أمر ال يستقيم وما عليه وضع مسؤولية باقي
سلطات الدولة.
1نص هذا الفصل على ما يلي« :يحق لكل من تضرر من خطا قضائي الحصول على تعويض تتحمله الدولة".
646
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ويرى أغلب الفقه أن التعويض عن خطأ التشريع ينبغي أن يتم بنص خاص وليس
بناء على أساس قواعد المسؤولية التقصيرية أو القواعد العامة .1وقد ذهب بعض فقه القانون
اإلداري المقارن إلى أن إصدار تشريع معين مطابقا للدستور ال يجعل هذا اإلصدار خطأ
يستوجب مسؤولية الدولة .2وقد رسخ القضاء المقارن في هذا اإلطار -خاصة مجلس
الدولة الفرنسي حسب ما جاء في ق ارراته حين مناقشة قضايا مسؤولية الدولة في مجال
التشريع -على أن المبدأ المستقر هو عدم مسؤولية الدولة عن أعمال التشريع .وقد كان
القرار المبدئي الصادر في سنة 1838والمسمى بقرار Duchatellierأول قرار يستهل به
مجلس الدولة الفرنسي اجتهاده القضائي في هذا الصدد ،والذي انتهى من خالله إلى عدم
مسؤولية الدولة عن الضرر الناجم عن فعل القوانين في غياب أي حكم قانوني خاص يسمح
بتعويض األضرار التي قد لحقت المخاطبين .3كما واصل مجلس الدولة الفرنسي السير
على نفس المنوال حين رفض طلب مؤسسة احتكار أعواد الثقاب الرامي التعويض عن
الضرر الالحق بها من جراء صدور قانون بتاريخ 11غشت 3911يمنع النشاط الذي
تمارسه ،إذ انتهى مجلس الدولة إلى أن هذه األخيرة غير مسؤولة عن إقرار القوانين التي
تمنع في إطار المصلحة العامة ممارسة صناعة معينة ،إال إذا كانت هناك أحكام قانونية
خاصة تقر بهذه المسؤولية.
وقد رسخ مجلس الدولة على نفس التوجه وتشبت بموقفه الرافض إلقرار مسؤولية
الدولة عن التشريع فرفض في غير ما مناسبة تعويض المدعين الذين تمسكوا بوقوع أضرار
عليهم جراء صدور القوانين .ففي سنة 1921طالبت مؤسسة ""Premier et Henry
لصناعة الشراب المسكر بالتعويض عن الضرر الذي لحق بها من جراء صدور قانون
بتاريخ 31مارس 3335منع صناعة الشراب المسكر ،إال أن مجلس الدولة رفض الدعوى
مؤسسا رفضه على إرادة المشرع الرافضة للمسؤولية والمستمدة من كون قانون 31مارس
3335هو عبارة عن إجراء عام اتخذ فقط من أجل منع صناعة المواد الخطرة المضرة
1غازي فيصل " المحامة االتحادية العليا واختصاصها بالراابة على دستورية القوانين" ،بيت الحكمة ،بغداد ،ص .13
2 JOHIN Olivier « La responsabilité de l'Etat en tant que législateur », op. cit p 600.
محمد مفضي معاقبة وأسامة احمد النعيمات" ،التعويض اإلداري لين القانونين المدني واإلداري " ،مجلة دراسات ،المجلد ،03العدد األول1130 ،
ص .130
3 Marceau Long et autres, Les grands arrêts de la jurisprudence administrative", actu.dalloz-etudiant.fr.
647
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
بالصحة العمومية ولم ينص على أي تعويض ،فاستخلص مجلس الدولة من إرادة المشرع
عدم رغبته تعويض المدعية.1
وهكذا فإن تحليل هذا االجتهاد المقارن يسمح بمالحظة أنه اشترط لقيام المسؤولية
اعتراف المشرع بها وإقرارها إما بحكم قانوني عام وصريح ،وإما بنص خاص يدرج في
صلب أحكام القوانين بحسب األحوال ،أي أنه أرجع سلطة تقرير هذه المسؤولية إلى المشرع
نفسه ،خوفا من وضع نظام لمسؤولية الدولة عن فعل القوانين ذي أصول قضائية ينطوي
على مخالفة كبيرة لمبدأ فصل السلط يفضي إلى تخطئة المشرع بالنحو الذي يؤثر على مبدأ
االمن القانوني ويخل بمبدأ استقرار المراكز القانونية.
كما اعتبر الفقه أن المشرع هو الذي يمكنه وحده أن يقدر هذا التعويض بنص صريح
يأخذ في الحسبان طبيعة وجسامة الضرر وحاجات الدولة الضرورية ومصادرها فيما إذا كان
يقبل فرض هذا التعويض ،وذلك على اعتبار أن الجهات القضائية ال يمكنها الحلول محل
.2
المشرع ألن األصل هو احترم إرادة المشرع سواء عبر عنها صراحة أو ضمنا
وحيث من ثم فإن المشرع هو الذي يحدد مدى وجود إمكانية لتعويض الضرر الذي
قد ينجم عن عملية التشريع ،بل بإمكانه رفض وإنكار وجود هذه اإلمكانية مطلقا أيا كان
حجم وجسامة تلك األضرار.
أسند الدستور المغربي للبرلمان بغرفتيه اختصاص سن التشريع ،كما حدد مدى
ونطاق هذه السلطة على سبيل الحصر من خالل الفصلين 11و 13من الدستور ،واعتبر
أن المجال التنظيمي يختص بالمواد التي ال يشملها اختصاص القانون وهي تحديدا تلك التي
عددها الفصل 11من الدستور.
1 Pierre BRUNET, «De la responsabilité de l’Etat législateur, Thèse, paris, 1936, p. 331.
2 Marceau Long et autres Les grands arrêts de la jurisprudence administrative", actu.dalloz-etudiant.fr.
رأفت فودة " دروس في اضاء المسؤولية اإلدارية" مرجع سابق ،ص.119
648
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ويالحظ من خالل الرجوع إلى الدستور المغربي أنه يخول للمحكمة الدستورية سلطة
مراقبة العمل التشريعي ،حيث ينص الفصل 311على إلزام رئيس الحكومة بإحالة القوانين
التنظيمية على هذه المحكمة قصد البت في دستوريتها قبل إصدار األمر بتنفيذها ،وتبت
المحكمة الدستورية في مطابقة القانون التنظيمي للدستور داخل أجل 11يوما من تاريخ
اإلحالة ،أو في غضون ثمانية أيام في حالة االستعجال ،وفي حالة نشر قرار المحكمة بعدم
دستورية مادة من مواد القانون التنظيمي أو هذا القانون برمته ،ال يصدر األمر بتنفيذه.
وإذا كان الدستور قد خول للمحكمة الدستورية إمكانية مراقبة دستورية القوانين الصادرة
عن البرلمان ،فإن التساؤل يثار حول الحالة التي يحكم فيها بعدم دستورية قانون معين ،فهل
يمكن أن يتم االستناد على حكم المحكمة الدستورية إلثبات خطأ الدولة والمطالبة
بالتعويض؟ وما هي المحكمة المختصة بذلك؟
جوابا على هذا السؤال ،يمكن مالحظة أن القانون المغربي خال من أي نص يجيز
ذلك .لذا يمكن القول ،وتطبيقا للمبادئ العامة للمسؤولية ،أنه يمكن من الناحية النظرية
المطالبة أمام القضاء بالتعويض عن الضرر الخاص والجسيم الناتج عن تطبيق القانون
الذي حك م بعدم دستوريته ،ما دام أن األصل هو إمكانية الرجوع إلى القضاء للمطالبة
بالتعويض عن أي فعل ضار ،كما أنه واستنادا إلى قواعد المسؤولية يمكن القول باختصاص
القضاء اإلداري في هذا المجال.
غير أنه ،وفي غياب نص صريح يفصل في هذه المسألة ،يبقى األمر مرتبطا بأحكام
الق وانين المنظمة للدفع بعدم الدستورية ،وبالنوازل المستقبلية التي ستعرض على القضاء
ليقول فيها كلمته ويحدد توجهه بشأنها .أما بالنسبة لعدم سن قانون معين ترتب عنه ضرر
649
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
أصاب األفراد ،فيظل التساؤل مطروحا بحدة بشأن إمكانية المطالبة بالتعويض عن هذا
الفعل السلبي أمام القضاء اإلداري؟
ويبدو -جوابا على هذا السؤال -أن البرلمان غير مقيد في عمله التشريعي بإصدار
قوانين بعينها ،ومن ثم ال يمكن الحديث عن إمكانية مساءلته قضائيا عن ذلك ،إال ما تعلق
بالمساءلة السياسية ،غير أنه في بعض الحاالت ينص الدستور على ضرورة إصدار بعض
القوانين وداخل أجل محدد ،كما ينص على تخويل بعض الحقوق والحريات ويحدد أجال
لصدور قانون تنظيمي يحدد كيفيات ممارسة هذه الحقوق ،فهل يعتبر عدم إصدار هذه
القوانين خطأ موجبا للمطالبة بالتعويض أمام القضاء اإلداري؟
سعيا للتوصل إلى جواب منصف ،ينبغي االستعانة ببعض المنازعات التي سبق
وأثيرت أمام المحكمة اإلدارية بالرباط حول الطعن في ق اررات االقتطاع من األجور التي
قامت بها الدولة في مواجهة المضربين عن العمل ،والتي دفع المضربون خاللها بأن تغيبهم
كان مشروعا ألن المشاركة في اإلضراب -باعتباره حقا دستوريا -ال يعتبر عمال غير
مشروع ،وأن الدولة هي من تتحم مسؤولية عدم إصدارها نصا تنظيميا يحدد كفيات
ممارسة هذا الحق ،غير أن المحكمة لم تساير هذا الدفع ،واعتبرت بأن االقتطاع مشروع
وذلك تفعيال لقواعد قانون المحاسبة العمومية التي تنص على أن األجر يؤدى مقابل العمل.
ويبدو أن موقف المحكمة اإلدارية بالرباط ينطوي على جواب بالنفي على التساؤل
المطروح آنفا ،ومن ثم فإن الدفع بمسؤولية الدولة عن عدم إصدار القانون التنظيمي المتعلق
باإلضراب ليس معتب ار ومقبوال أمام القضاء اإلداري.
أوال :عدم وجود حام اانوني صريح يسمح بمساءلة الدولة عن األضرار
المنسوبة ألحد سلطاتها حين ممارسة وظيفة التشريع
يعتبر البحث في مسألة تحديد الجهة القضائية المختصة بالنظر في الدعاوى التي
تروم كشف مسؤولية الدولة في مجال التشريع مسألة سابقة ألوانها على اعتبار أن هذه
األخيرة لم تقرر أصال في ظل عدم وجود أي حكم قانوني يسن هذه المسؤولية على خالف
اإلقرار الصريح بالمسؤولية عن األخطاء القضائية المقرر من خالل أحكام الفصل 311من
650
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
الدستور ،أو على صعيد التشريع العادي كما هو الشأن مع أحكام المادتين 13و 91من
قانون االلتزامات والعقود اللتان تقران المسؤولية عن أعمال ونشاطات السلطة التنفيذية.
وقد يوقع هذا األمر القضاء في مخالفة مزدوجة لمبدأ الفصل بين السلط تتجلى على
صعيدين أولهما التصريح بدل المشرع بإمكانية مساءلة الدولة عن التشريع ،أما ثانيهما
فيتجلى في تحديد الجهة القضائية المختصة دون أن يتضمن القانون أحكاما خاصة في هذا
الصدد .بل إن عدم سن حكم قانوني يعين القضاء المختص بالبت في الدعاوى الرامية إلى
التصريح بمسؤولية الدولة في مجال التشريع يعتبر أحد المبررات القوية للقول بعدم تقرير
هذه المسؤولية.
ثانيا :عدم وجود حام اانوني صريح يحدد البهة القضائية المختصة
بالبت في طلبات التعويض عن أضرار ناجمة عن ممارسة وظيفة التشريع على
فرض التسليم لوجود حام اانوني يقر المسؤولية عن هذه الوظيفة
على فرض التسليم بوجود حكم قانوني صريح يجيز مساءلة الدولة عن أعمال السلطة
التشريعية ،فإن أحكام قانون المسطرة المدنية خالية كما سبق الذكر من أي حكم يعين أو
يساعد على التحديد المباشر للجهة القضائية المختصة بالنظر في هذا النوع من الدعاوى.
بل حتى مع افتراض قبول المشرع بإمكانية مساءلة الدولة عن فعل القوانين ،فإن بعض
1 T. conflit., 31 mars 2008, n° 3631, Société Boiron c/ Direction générale des douanes et droits indirects, au
Lebon 553 ; RJEP août-sept. 2008, p. 18, note M. Collet.
651
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
اآلراء الفقهية تعتبر أن الحل األفضل على صعيد تحديد الجهة المختصة بالبت في مثل
هذه الدعوى يظل هو إسناد االختصاص القضائي إلى المحاكم الدستورية ،بل اعتبرت ذات
اآلراء أن قوانين المحاكم المذكورة ينبغي أن تتضمن التنصيص صراحة على اختصاص
البت في طلبات التعويض عن أعمال السلطة التشريعية باعتبارها المحكمة المختصة
بالرقابة على دستورية القوانين.
وقد استقت هذا اآلراء حجتها من كون المحاكم المذكورة هي التي تتولى البت في
القوانين المعروضة عليها ،فإن أصدرت قرارها بمطابقة القوانين المذكورة للدستور كان طلب
التعويض في غير محله .وعلى هذا األساس فإن إصدار تشريع معين مطابقا للدستور ال
يجعل هذا اإلصدار خطأ يستوجب مسؤولية الدولة .1أما إن بتت المحكمة بعدم دستورية
القانون المعروض عليها ،فإنها تنتقل حينها إلى البت في طلب التعويض لكونها الجهة التي
تضطلع على أوجه مخالفة القانون المطعون فيه للدستور واألقدر على تقدير وجه الضرر
الذي أصاب الجهة الطاعنة.
على فرض القبول باختصاص محتمل للقضاء اإلداري للبت في الطلبات الرامية إلى
التعويض عن ضرر التشريع ،فإن الصعوبة التي قد تثور على هذا الصعيد هي عدم
إمكانية إدراج الطلب الحالي ضمن نطاق تطبيق المادة الثامنة من القانون 03/31المحدثة
بموجبه المحاكم اإلدارية 2التي يتبين من مقتضاها أن المحاكم اإلدارية تختص نوعيا بالبت
في قضايا محددة على سبيل الحصر ومن بينها دعاوى التعويض عن األضرار التي تسببها
أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام.
1 Gohin, Olivier «La responsabilité de l'Etat en tant que législateur", op cit, p 600.
-2جاء في هذه المادة ما يلي " :تختص المحاكم اإلدارية ،مع مراعاة أحكام المادتين 3و 33من هذا القانون ،بالبت ابتدائيا في طلبات إلغاء
قرارات السلطات اإلدارية بسبب تجاوز السلطة وفي النزاعات المتعلقة بالعقود اإلدارية ودعاوي التعويض عن األضرار التي تسببها أعمال ونشاطات
أشخاص القانون العام ،ماعدا األضرار التي تسببها في الطريق العام مركبات أيا كان نوعها يملكها شخص من أشخاص القانون العام…".
652
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وبما إن الدعاوى التي رفعت أمام القضاء المغربي كانت ترمي كما سبق الذكر إلى
التعويض عن ضرر ناجم عن اعتماد نص تشريعي ،فإن التساؤل يطرح بعمق األمر عن
طبيعة هذا القانون .فهل يمكن تكييف النصوص القانونية -باعتبارها تشريعا -على أنها
عمل ونشاط صادر عن المؤسسة النيابية تختص المحاكم اإلدارية بالنظر في الدعاوى
المتعلقة به؟ أم أنه ذو طبيعة خاصة تستوجب القول بخالف ذلك.
الستجالء موقف القضاء من هذه اإلشكالية نورد بعض حيثيات الحكم عدد 111
الصادر بتاريخ 19 :مارس 1131في الملف عدد 13-31-151 :عن المحكمة االدارية
بالرباط ،جاء فيه ما يلي " :في االختصاص النوعي :حيث إن االختصاص النوعي يعتبر
من النظام العام وعلى المحكمة المعروض عليها النزاع أن تبث فيه بحكم مستقل.
حيث يهدف الطلب إلى الحكم بمسؤولية الدولة المغربية في شخص الوزير األول عن عدم
إصداره مرسوما يحدد أجرة العدول ضمن االختصاصات الممنوحة له في إطار المادة 11
من الدستور.
وحيث تمسكت المدخلة في الدعوى المسماة لطيفة الدريج بعدم االختصاص النوعي الموجب
لهذه المحكمة البت في الطلب.
وحيث تنص المادة 8من القانون 03-74المحدثة بموجبه محاكم إدارية على أن
المحامة اإلدارية مختصة في التعويض عن األضرار المترتبة عن نشاطات أشخاص
القانون العام ،وأن عدم إصدار المراسيم التنظيمية التي تبقى من صميم اختصاص الوزير
األول ،باعتباره أحد أشخاص القانون العام ،ومن ثم إحبامه عن إصدار المرسوم المذكور
يعتبر نشاطا سلبيا من جانبه واألضرار المترتبة عن ذلك يبقى التعويض عنها من صميم
اختصاص هذه المحامة للبت فيها مما يتبعن التصريح بانعقاد اختصاصها" .
وقد أكدت محكمة النقض موقف المحكمة اإلدارية بالرباط من خالل قرارها عدد
3/59الصادر بتاريخ 11يناير 1133في الملف االداري عدد ،1133/3/0/31الذي
جاء في حيثياته ما يلي " :لكن حيث إن الدعوى الماثلة تدخ في خانة االختصاصات
الموكولة لبهة القضاء االداري ،ذلك أنها ترمي إلى تعويض الضرر الحاص للمدعين من
جراء عدم تفعي نص اانوني عن طريق إصدار مرسوم تنظيمي يبين كيفيات تحديد أجور
653
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
العدول طبقا للنصوص التي أوردها الطالبون بمقالهم ،األمر الذي يمان أن ياون له
تأثير على مسار الدعوى التي ادمها المدعون للمطالبة بشفعة البزء الذي باعه شرياهم
األمر الذي يبع االختصاص موكوال للقضاء االداري".
وقبل مناقشة موقف القضاء على هذا الصعيد ينبغي فهم طبيعة التشريع والتأكيد بداية
على أن الدولة تمارس وفقاً لمبدأ الفصل بين السلطات ثالث مهام أو وظائف هي الوظيفة
التشريعية والوظيفة القضائية والوظيفة التنفيذية.
وهكذا إذا كانت الوظيفة التنفيذية أو النشاط اإلداري للدولة يتمثل في أعمال اإلدارة
اليومية للمرافق العامة التي تستهدف الحاجات العامة اليومية المتكررة للجمهور ،فإن
الوظيفة التشريعية للدولة أو النشاط التشريعي تتجلى في وضع القواعد العامة المجردة التي
تحكم النشاط الفردي والنشاط العام للمجتمع على حد سواء كما سبق الذكر ،من ثم يتميز
النشاط اإلداري عن التشريع في أنه يتسم باالستم اررية والتجدد.1
ويترتب على المقارنة أعاله ،أن لفظتي "أعمال ونشاطات" الواردتين في متن المادة
الثامنة ال تستوعبان التشريع بمختلف مراتبه ،األمر الذي يعني أن أحكام المادة المذكورة من
القانون المحدث للمحاكم اإلدارية ال تنطبق على دعاوى المسؤولية عن األضرار التي قد
تنجم عنه علما أن بعض التشريعات ذهب أبعد من هذا كالتشريع العراقي مثال الذي يجعل
من المحاكم الدستورية الجهة المختصة بالبت في الدعاوى المتعلقة بالمسؤولية عن التشريع
الفرعي ،كما تعكس ذلك المادة 31من الدستور االتحادي لسنة ،1115بل إن القضاء
العراقي أعمل حكم هذه المادة م ار ار حين قضى برفض دعاوى التعويض عن األضرار
الناجمة عن الق اررات اإلدارية معتب ار إياها عمال تشريعيا يخرج عن اختصاص القضاء
اإلداري.2
وانطالقا مما سبق ،فإن القضاء اإلداري ال يمكن أن يبسط واليته للنظر في المنازعة
التي ترمي إلى المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي رتبه التشريع وذلك لالعتبارين التاليين:
1عبد الرحمان رحيم عبد الله " التمييز لين القرار اإلداري والعم التشريعي" دراسة ضمن مجموعة بحوث قانونية من منشورات مركز أبحاث
القانون المقارن ،أربيل 1113 ،ص .351
2وسام صبار العاني " االختصاص التشريعي لإلدارة في األحوال العادية" ،دار الميناء للطباعة ،1111 ،ص .11
654
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
اتتصا التي يستند إليها لتحديد مد االعتبار األول :أن من بين أهم األس
القضاء اإلداري هو الوقوف على طبيعة النشاط موضوع المساءلة .وأن القراءة السليمة
للمادة الثامنة السابقة الذكر واستحضار مبادئ القانون اإلداري والدستوري عند تحديد مفهوم
النشاط الخاضع لرقابة القضاء اإلداري يحيلنا إلى نقطتين أساسيتين وجوهريتين هما:
القضاء اإلداري دون أن النشاط اإلداري هو ما يدتل فقط ضمن اتتصا
غيره من األنشطة غير اإلدارية للحكومة والتي تظل مستثناة من مراقبة القضاء
اإلداري ،كما هو الشأن بالنسبة للنشاطات التي تدتل ضمن مفهوم الوظيفة
التشريعية والوظيفة القضائية.
القضاء أن جزء يسي ار فقط من نشاط اإلدارة هو الذي يدتل ضمن اتتصا
اإلداري ،على اعتبار أن األنشطة اإلدارية ليست كلها بطبيعتها تاضعة لقواعد
التي ينبني عليها القانون اإلداري. القانون العام ولألس
أن االعتماد على المعيار الشكلي أو العضوي أمر أضحى متجاو از عند تحديد
القانون العام ،إذ أن العبرة بالمعيار طبيعة النشاط الصادر عن أشخا
الوظيفي أي بماهية النشاط وطبيعته .ومن ثم فإن هناك بعض األنشطة التي قد
القضاء اإلداري السلطات العامة والتي تخرج عن اتتصا تمارسها إحد
وعلى رأسها أعمال الحكومة » ،«actes de gouvernementsالتي أكد فقه
القضاء اإلداري لكونها ال تحمل القانون اإلداري أنها ال تدتل ضمن اتتصا
طابع النشاطات اإلدارية .وقد ميز الفقه بين صنفين من هذه األعمال أولها
تمارسها الحكومة في عالقتها الدولية وثانيها والتي تعتبر ذات وظيفة تشريعية
القضاء اإلداري، استقر القضاء الفرنسي على أنها ال تدتل ضمن اتتصا
الدولة وهو ما نجده مجسدا من تالل القراءة في القرار الصادر عن مجل
الفرنسي بتاريخ 29نوفمبر 1968قضية » « Tallagrandوالذي من تالله
تحاسب الدولة على عدم أكد القاضي عدم اتتصاصه للنظر في دعو
إصدارها مشروعا للقانون يحدد قيمة وإجراءات التعويض وفقا لما ينص عليه
655
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
االعتبار الثاني :أن الرقابة التي تخضع لها أعمال الحكومة هي رقابة جاللة الملك
ورقابة البرلمان وفقا ألحكام الفصل 60من الدستور ،كما أن القراءة في الفصل 66من
الوزاري أي الدستور تؤكد أن إصدار المراسيم التنظيمية ال يتم إال بعد إحالتها على المجل
على أنظار الجناب الشريف.
الخأأاتمة
لقد أتاح لنا هذا البحث االطالع على موقف القضاء المغربي من مسؤولية الدولة عن
ممارسة وظيفة التشريع وب عض تطبيقاته في هذا السياق ،وقد تبين لنا أنه لم يستطع إلى حد
ما أن يقيم نظاما لمساءلة الدولة عن األضرار الناجمة عن القوانين التي تصدرها السلطة
التشريعية ،بل بقي متحفظا وظل دائما يحافظ على تشبته الصارم بشروط منح التعويض
عن أضرار القوانين من جهة ،إذ لم يستطع القضاء أبدا على بناء المسؤولية على الخطأ
المباشر للسلطة التشريعية إسوة بمحاوالت القضاء المقارن في هذا الصدد.
1 «si le requérant soutient que sa demande en réparation trouve son fondement dans l’abstention du
Gouvernement qui n’a pas déposé le projet de loi annoncé en ce qui concerne les Français rapatriés d’Algérie
, la question ainsi soulevée qui se rattache aux rapports du pouvoir exécutif avec le parlement n’est pas
susceptible par sa nature d’être portée devant le juge administratif » .
656
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
يقصد بالحوادث المدرسية كل اإلصابات الجسدية التي تلحق التلميذ بفعل غير إرادي
من طرفه ،أو الناتجة عن فعل فجائي أو بسبب خارجي ،أثناء وجوده في عهدة األطر
التربوية للمؤسسة التعليمية من رجال تعليم وغيرهم ،ويكون هؤالء على هذا األساس مسؤولون
عن الضرر الحاصل لألشخاص اللذين تحت عهدتهم ،والذي يتعرضون له خالل الوقت
الذين يوجدون فيه تحت رقابتهم وإشرافهم.
غير أنه برجوعنا إلى الظهائر الشريفة الصادرة بتاريخ 33غشت ، 3301و 31مايو
،3351و 33مايو ،3350و 19مارس 3359و 31يونيو 3313و 33شتنبر
،3311أضحى ضمان الدولة عن الحوادث المدرسية يشمل كذلك طلبة الكليات و مؤسسات
التعليم العالي و التقني ومؤسسات التعليم الفني في الوقت الذي يتواجدون فيه تحت الحراسة
3
الفعلية لمسؤوليهم التربويين.
1وتعتبر المسؤولية عن فعل الغير استثناء من القاعدة العامة األصيلة ،مفادها أن اإلنسان ال يسأل إال عن فعله الشخصي.
2ويتعلق األمر بالظهير الشريف المؤرخ في 3301/31/11والمتعلق بالتعويض عن الحوادث المدرسية ،وبموجبه تم إضافة الفصل 95مكرر إلى
قانون االلتزامات والعقود ،ودخل هذا الظهير حيز التنفيذ بعد صدوره في الجريدة الرسمية بتاريخ 0دجنبر .3301
3المختار بن أحمد عطار :الوسيط في القانون المدني ،مصادر االلتزامات ،مطبعة النجاح الجديدة ،الطبعة الثانية ،1111ص .111
657
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
فالحوادث المدرسية إذن ،تكتسي أهمية قصوى بالنظر الرتباطها بمسؤولية اإلدارة في
الحوادث التي يكون ضحيتها التالميذ والطلبة داخل المؤسسة التعليمية وتحت الحراسة الفعلية
للمكلفين بهذه المهمة.
فما سبب هذا التضارب القضائي في االختصاص؟ وبماذا يعلل كل توجه قضائي
موقفه في االختصاص النوعي بشأن مسؤولية الدولة عن الحوادث المدرسية؟
ومن بين النقط القانونية التي يثيرها موضوع الحوادث المدرسية كذلك ،تلك المتعلق
بمدى إمكانية مساءلة الدولة عن الحوادث المدرسية في التعليم عن بعد ،سيما بعد إقرار
الو ازرة الوصية عن قطاع التربية والتعليم لمنظومة للتعليم عن بعد محل التعليم الحضوري في
ظل الوضع الصحي الراهن المتسم بتفشي جائحة كورونا؟
وإلحاطة بمعظم النقط القانونية التي يثيرها موضوع مسؤولية الدولة عن الحوادث
المدرسية على ضوء القضاء المغربي ،ارتأينا معالجة هذا الموضوع وفق الخطة اآلتية:
المحور الثانية :مدى إمكانية مساءلة الدولة عن الحوادث المدرسية في نظام التعليم عن بعد؛
المحور الثالث :التضارب القضائي بشأن االختصاص النوعي في دعاوي المسؤولية عن
الحوادث المدرسية.
تعتبر المسؤولية اإلدارية عن الحوادث المدرسية من أهم أنواع المسؤولية عن فعل الغير
والتي نظمها المشرع المغربي بشكل محكم سواء في إطار القواعد العامة ،أو إطار نصوص
خاصة.
وعلى هذا األساس سنعمل خالل هذا المحور على التطرق لإلطار القانوني لمسؤولية
الدولة عن الحوادث المدرسية (أوال) ،على أساس أن نتناول للشروط والضوابط القانونية
الالزمة لقيام هذه المسؤولية (ثانيا).
تناول المشرع المغربي المسؤولية المدنية في واقعة الحوادث المدرسية بشكل مباشر من
خالل الفصل 95مكرر من قانون االلتزامات والعقود ،والذي خص بالصفة المعلمين
وموظفي الشبيبة والرياضة كمسؤولين عن الضرر الحاصل من الشبان واألطفال ،أو عن
الضرر الذي يتعرضون له خالل الوقت الذي يوجدون فيه تحت رقابتهم.
وتقوم مسؤولية اإلطار التربوي المدنية على أساس خطأ مرتكب من جانبه يجب إقامة
الدليل عليه وفقا لمبادئ المسؤولية الشخصية.
وفي هذا اإلطار تنص المادة 95مكرر من قانون االلتزامات والعقود على ما يلي:
659
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
" يسأل المعلمون وموظفو الشبيبة والرياضة عن الضرر الحاصل من األطفال والشبان خالل
الوقت اللذين يوجدون تحت رقابتهم.
والخطأ أو عدم الحيطة أو اإلهمال الذي يحتج به عليهم ،باعتباره السبب في حصول الفعل
الضار ،يلزم المدعي إثباته وفقا للقواعد القانونية العامة.
وفي جميع الحاالت التي تقوم فيها مسؤولية رجال التعليم العام وموظفي إدارة الشبيبة نتيجة
ارتكاب فعل ضار أو بمناسبته إما من األطفال أو من الشبان الذين عهد بهم إليهم بسبب
وظائفهم وإما ضدهم في نفس األحوال ،وتحل مسؤولية الدولة محل مسؤولية الموظفين
السابقين ،الذين ال تجوز مقاضاتهم أبدا أمام المحاكم المدنية من المتضرر أو من
ممثله."....
وعند استقرائنا ألغلب األحكام والق اررات القضائية الصادر في إطار مسؤولية الدولة
عن الحوادث المدرسية ،نجدها تؤطر هذه المسؤولية على أساس مقتضيات الفصل 95
مكرر ،ونذكر على سبيل المثال الق اررات القضائية التالية:
قرار محكمة النقض (المجلس األعلى سابقا) عدد 111الصادر بتاريخ -11
3339-10والذي جاء من بين حيثياته ما يلي " :وحيث إن مسؤولية الدولة عن
الحوادث المدرسية ينظمها الفصل 95مكرر من قلع الذي ينص في فقرته الثانية
على أن الخطأ وعدم الحيطة واإلهمال الذي يحتج به عليهم ...باعتباره السبب
1
في حصول الفعل الضار يلزم المدعي إثباته حسب نص الفصل المذكور."....
حكم المحكمة اإلدارية بالرباط عدد 3005الصادر بتاريخ ،1111/11/11ومن
بين ما جاء فيه ما يلي " :لكن حيث استقر االجتهاد القضائي بهذه المحكمة و
استنادا إلى الفصل 95مكرر من قلع أن المؤسسة التعليمية مسؤولة عن
1األمر يتعلق بالقرار عدد 111الصادر عن المجلس األعلى (محكمة النقض حاليا) بتاريخ 3339/10/11في الملف اإلداري عدد
،3111/5/3/31منشور بمجلة قضاء المجلس األعلى عدد ،50-51ص .133
660
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
1
األمر يتعلق بالحكم عدد 3005الصادر بتاريخ 1111/11/11عن المحكمة اإلدارية بالرباط ،أورده :محمد باهي :التعويض عن الحوادث
المدرسية الناجمة عن األضرار المرتبطة بنمظيم وتسيير مرفق التعليم وانعدام الصيانة العادية للمنشأة العمومية ،مقال منشور بالمجلة المغربية
لإلدارة المحلية والتنمية ،العدد ،31يناير-فبراير ،1133ص .11
2األمر يتعلق بقرار محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط عدد 1011الصادر بتاريخ ،1135/11/11موضوع الملف اإلداري عدد
،1135/1111/113قرار غير منشور.
661
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
باإلضافة إلى ما تم إق ارره في المادة 95مكرر السالفة الذكر ،فإن المشرع المغربي
يقر بمسؤولية الدولة عن الحوادث المدرسية في نص خاص ،ويتعلق األمر بالظهير المتعلق
11أكتوبر في 31شوال 3113الموافق ل والصادر بتاريخ بالحوادث المدرسية
،13301والمتعلق بالتعويض عن الحوادث التي يتعرض لها تالميذ المؤسسات المدرسية
العمومية ،والذي أكد على ضمان الدولة لتعويض الحوادث التي يتعرض لها التالميذ
المسجلة أسماؤهم بانتظام بالمـ ــؤسسات التعليمية العمومية ،و ذلك أثناء الوقت الذي يوجدون
فيه تحت رقابة المكلفين بهذه المهمة ،و كذا األمر بالنسبة لتالميذ المدارس المتنقلة المسجلة
أسماؤهم لدى السلطة المحلية في األماكن المعينة لهذا الغرض.
وبذلك فقد أوجد المشرع المغربي بمقتضى هذا الظهير نظاما احتياطيا يضمن بموجبه
للتلميذ ضحية الحادثة المدرسية الحصول على حد أدنى من التعويض في كافة األحوال.
وعليه فإذا كان ظهير 11أكتوبر 3301ال يمنح للمستفيدين إال تعويضا جزافيا ،فإن
ذلك ال يعني أنه على ضحايا الحوادث المدرسية أن يكتفوا بذلك ،بل إن مقتضيات الظهير
المذكور قد فتحت لهم إمكانية رفع دعوى المسؤولية المدنية عن فعل الغير المنصوص
2
عليها في الفصل 95مكرر من قلع.
وحيث إن هذا األمر يؤكده قرار محكمة النقض (المجلس األعلى سابقا) في قرارها
الصادر عنها بتاريخ 3330/15/11والذي جاء فيه ما يلي:
" ثم إن محكمة االستئناف قضت عن صواب بكون الفصل 95مكرر من قانون االلتزامات
والعقود يشترط للقول بمسؤولية الدولة إثبات الخطأ ،وهو أمر لم يثبته المضرور مع العلم أن
1
ويتعلق األمر بالظهير الشريف المؤرخ في 3301/31/11والمتعلق بالتعويض عن الحوادث المدرسية ،دخل حيز التنفيذ بعد صدوره في الجريدة
الرسمية بتاريخ 0دجنبر .3301
2وتجدر اإلشارة أن الظهير المذكور يحيل في فصله الثامن على مقتضيات الفصل 95مكرر من قانون االلتزامات والعقود.
662
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
االستفاءة من ظهير 3301/31/11هي استفادة تلقائية طبق الفصل 1منه ،وال تتوقف
1
على إثبات الخطأ بل يكفي أن تقع الحادثة داخل المؤسسة."...
ويتميز التعويض الذي أقره ظهير 11أكتوبر 3301بأنه تعويض جزئي فقط ،ال يأخذ
بعين االعتبار كافة الضرر الالحق بضحية الحادثة المدرسية ،بل بعض عناصر ذلك
الضرر .وذلك خالفا للقواعد العامة التي تقضي بأن يشمل التعويض كافة الخسارة التي
أصابت المتضرر والمصروفات التي اضطر أو سيضطر إلى إنفاقها ،وذلك لكسب الذي
فاته.
والجدير بالذكر ،أن التعويضات التي يقررها الظهير تختلف باختالف نوع اإلصابة
التي تلحق التلميذ نتيجة الحادثة المدرسية ،فإذا كانت تلك اإلصابة ال تصل إلى نسبة
% 31من العجز البدني الدائم ،فإن الدولة تتكفل بمصاريف العالج فقط ،أما إذا تجاوزت
هذه النسبة ،فباإلضافة إلى مصاريف العالج تتكفل الدولة كذلك بمنح التلميذ المصاب إيرادا
عمريا.
وهذا األمر أكده كذلك قرار محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط عدد 1011بتاريخ
،1135/1111/151موضوع الملف اإلداري عدد ،1135/1111/113وم ـ ــن بين ما جاء
فيه ما يلي:
1
ويتعلق األمر بالقرار عدد 3993الصادر عن المجلس األعلى بتاريخ 3330/15/11في الملف المدني عدد ،31111/93منشور بمجلة قضاء
المجلس األعلى ،عدد ،09ص .01
663
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
" وحيث إنه من جهة أخرى ،وفيما يخص مبلغ التعويض المحكوم به ،فإن ما يجب
اإلشارة إليه في هذا الصدد ان التعويض الذي أقره ظهير 11أكتوبر 3301يتميز بأنه
تعويض جزافي أي جزئي فقط ،ال يأخذ بعين االعتبار كافة الضرر الالحق بضحية الحادثة
المدرسية ،بل ببعض عناصر ذلك الضرر ،وذلك خالفا للقواعد العامة التي تقضي بأن
يشمل التعويض كافة الخسارة التي أصابت المتضرر والمصروفات التي اضطر أو سيضطر
إلى إنفاقها ،وذلك لكسب الذي فاته.
وحيث إن التعويضات التي يقرها الظهير المذكور ،تختلف باختالف نوع اإلصابة التي
تلحق التلميذ نتيجة الحادثة المدرسية ،فإذا كانت تلك اإلصابة ال تصل نسبة 31في المائة
من العجز البدني المؤقت ،فإن الدولة تتكفل بمصاريف العالج فقط ،أما إذا كانت تصل إلى
تلك النسبة أو تفوقها ،فباإلضافة إلى مصاريف العالج تتكفل الدولة بمنح المصاب إيرادا
1
يختلف حسب نوع اإلصابة ."...
وتجدر اإلشارة كذلك ،إلى أن النفقات و المصاريف التي تدفعها الدولة بمناسبة
الحادثة المدرسية سواء للضحية أو لذوي حقوقه ،يمكن أن ترجع بها على الغير المتسبب
في الحادثة المدرسية في حالة وجوده ،وذلك تماشيا مع ما يقتضي به الفصل 3من هذا
الظهير ،2كما أنه في حالة وجود التلميذ المصاب بالحادثة مؤمنا ضد الحوادث ،فإن مؤمنه
يحل محل الدولة في حدود ضمانته ألداء النفقات والتعويضات ما عدا إذا كان للتأمين
المتعاقد عليه صبغة تكميلية مخصصة لتغطية النفقات التي تفوق المصاريف المضمونة من
طرف الدولة.
وعموما ،ومن أجل ثبوت مسؤولية الدولة عن الحوادث المدرسية سواء في إطار ظهير
11أكتوبر ،3301أو في إطار الفصل 95مكرر من قانون االلتزامات والعقود ،يتعين
توفر مجموعة من الضوابط ومجموعة من الشروط ،وإال تتعذر معه مساءلة الدولة
1
األمر يتعلق بقرار محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط عدد 1011الصادر بتاريخ ،1135/1111/151موضوع الملف اإلداري عدد
،1135/1111/113قرار غير منشور.
2وينص الفصل 3من ظهير 11أكتوبر 3301على ما يلي ...:تتولى الدولة التي دفعت الصوائر والتعويضات المتحدث عنها
في ظهيرنا الشريف هذا ما للمصابين من الحقوق على الغير المسؤول بالحادثة إلى غاية المبالغ التي أديت. "...
664
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
بخصوص هذه الحوادث ،فماهي هذه الشروط القانونية الالزم توفرها في الحادثة المدرسية
لإلقرار بمسؤولية الدولة؟
ويبدو أن المشرع المغربي حرص على استعمال الفعل الضار ولم يستعمل وصف
العمل الغير المشروع ،على اعتبار أن التلميذ يكون في بعض األحيان غير مميز وال يفرق
بين العمل المشروع والغير المشروع ،وبالتالي يكفي أن يرتكب الطفل أو التلميذ فعال ضا ار
أثناء تواجده بالمدرسة حتى تنعقد مسؤولية من يتولى رقبته.
وتجدر اإلشارة في هذا الصدد أن المشرع المغربي إذا اشترط بموجب الفصل 95
مكرر ضرورة توفر الخطأ والتقصير في التأطير والمراقبة إلقرار مسؤولية الدولة ،فإن األمر
يختلف بموجب مقتضيات ظهير 11أكتوبر 3301والتي ال تشترط توفر هذا الخطأ إلقرار
665
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
التعويض لضحايا الحوادث المدرسية ،على اعتبار أن المشرع يكتفي فقط بمجرد حصول
الضرر داخل الوسط المدرسي بغض النظر عن إثبات توفر تقصير أو إهمال أو خطأ في
المراقبة من اإلطار التربوي.
-1حصول الضرر :فال يكفي لقيام المسؤولية عن فعل الغير وجود خطأ فحسب ،بل
يتعين كذاك أن يترتب ضرر من جراء هذا الخطأ ،ويقصد بالضرر في المسؤولية التقصيرية
1
"ذلك األدى الذي يصيب الشخص نتيجة المساس بمصلحة مشروعة له أو حق من حقوقه".
"...وفي جميع الحاالت التي تقوم فيها مسؤولية رجال التعليم العام ،وموظفي إدارة
الشبيبة نتيبة ارتكاب فع ضار أو بمناسبته إما من األطفال أو من الشبان الذين عهد بهم
إليهم بسبب وظائفهم."...
وعلى هذا األساس فإن المشرع المغربي سواء في إطار الفصل 95مكرر من قلع أو
في إطار ظهير 11أكتوبر 3301يشترط إلقرار مسؤولية الدولة عن الحوادث المدرسية
ضرورة حصول الضرر للتلميذ ،أي أنه وبمفهوم المخالفة ال يمكن تصور مسؤولية اإلطار
التربوي ومن ثم مسؤولية الدولية في حالة عدم حصول هذا الضرر ،ولو تبث اإلهمال أو
التقصير من جانب اإلطار التربوي مادام هذا التقصير لم يصل درجة حدوث ضرر لألطفال
أو الشبان الذين تحت عهدته ومراقبته.
-1وجود صلة لين الخطأ والضرر :ويقصد بهذا الشرط ضرورة توافر عالقة سببية بين
الخطأ في المراقبة والتأطير والحراسة من جانب اإلطار التربوي ،والضرر الناتج عن هذا
التقصير واإلهمال.
وقد أقر المشرع المغربي هذا الشرط عندما نص في الفصل 95مكرر من قلع على ما
يلي:
1
للمزيد في موضوع الضرر في المسؤولية التقصيرية ،أنظر :المختار بن أحمد عطار ،المرجع السابق ،ص 199وما بعدها.
666
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
"...والخطأ أو عدم الحيطة أو اإلهمال الذي يحتج به عليهم ،باعتباره السبب في
حصول الفع الضار ،يلزم المدعي إثباته وفق القواعد العامة ."...
ونعتقد أن هذا الشرط إذا كان أساسيا لترتيب مسؤولية الدولة عن الحوادث المدرسية
وفق الفصل 95مكرر ،فإنه ال يعتبر كذلك بالنسبة لترتيب التعويضات عن الحوادث
المدرسية في إطار ظهير 11أكتوبر ،3301وذلك تماشيا مع ما سلفنا ذكره بخصوص
للخطأ التقصيري لترتيب مسؤولية الدولة عن الحوادث عدم اشتراط الظهير المذكور
المدرسية ،مادام مجرد حصول الضرر للتالميذ و األطفال داخا الوسط المدرسي يعد كافيا
إلقرار هذه المسؤولية ،بل أكثر من ذلك فيستنج من خالل الفصل 3التاسع من الظهير
المذكور أن يتم تعويض ضحية الحادثة المدرسية ولوكان الضرر ناتج عن خطأ الغير ،هذا
مع حفظ حق الدولة في الرجوع على هذا الغير.
-3تركيز القضاء على تبوث الخطأ كأهم شرط إلارار مسؤولية الدولة
يترتب على قيام مسؤولية الدولة عن الحوادث المدرسية بداهة أن يكون التلميذ في
عهدة ا لمشرفين على المؤسسة التعليمية وتحت رقابتهم ،حتى يمكن مساءلتهم عن األضرار
الالحقة به عند تقصيرهم في هذه المراقبة.
ويكون المدعي والحالة هذه ،ملزما بإثبات الخطأ أو عدم الحيطة أو اإلهمال الذي
يحتج به على المعلمين أو اطر الشبيبة والرياضة ،باعتباره السبب في حصول الفعل الضار،
وفقا للقواعد القانونية العامة.
وفي هذا الصدد صدرت العديد من األحكام والق اررات القضائية وأغلبها يسير في اتجاه
في وجوب إثبات الخطأ أو عدم الحيطة أو اإلهمال من جانب المسؤول التربوي إلقرار
مسؤولية الدولة عن هذه الحوادث المدرسية.
ومن بين هذه االجتهادات القضائية نذكر على سبيل المثال ما يلي:
667
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
"...إن القرار المطعون فيه الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط لم يبين من
أين استخلص خطأ الدولة لتحميلها مسؤولية الحادث المدرسي موضوع ادعاء المطالب،
وخلط بين مجال مسؤولية الدولة عن الحوادث المدرسية في إطار الفصل 95مكرر من قلع
المبنية على إثبات خطأ اإلدارة المدرسية والمغطية لكافة األضرار ،والتغطية الخاصة
2
والمحدودة التي يكفلها ظهير 3301/31/11لألضرار الناتجة عن الحوادث المدرسية.
" يتضح من خالل ا لتصريح بالحادثة المحرر من طرف المكلفين بحراسة التالميذ في
مدرسة عبد العزيز الورياغلي أن التلميذ محمد أصيب بحادثة بالساحة المدرسية حيث كان
التالميذ يلعبون تحت حراسة معليمهم ،وبالتالي مسؤولية الدولة تبقى قائمة على الخطأ
المرفقي المرتكب من طرف الموظفين الذين كان الضحية في حراستهم ولطلب التعويض ما
3
يبرره ".
1يتعلق األمر بالقرار عدد 3993الصادر عن المجلس األعلى بتاريخ 3330/15/11في الملف المدني عدد ،31111/93منشور بمجلة قضاء
المجلس األعلى ،عدد ،09ص .01
2
يتعلق األمر بالقرار عدد 915الصادر عن المجلس األعلى بتاريخ 1111/33/31في الملف اإلداري عدد ،1111/3/0/3310قرار أورده ،ذ.
محمد باهي :المرجع السابق ،ص .13
3أشير إلى هذا القرار في صلب القرار االستئنافي الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط عدد الصادر 1011بتاريخ ،1135/11/11في
الملف عدد ،1135/1111/151ص 1-5من القرار.
668
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
على صورة إهمال أو تقصير أو عدم الحيطة والمراقبة بالشكل الذي يفضي بإلحاق الضرر
للتالميذ واألطفال اللذين تحت عهدتهم.
وعليه ومن كل ما سلف ذكره يتضح أنه لقيام المسؤولية عن الحوادث المدرسية يتعين
أن يكون التلميذ في عهدة المشرفين على المؤسسة التعليمية وتحت رقابتهم ،كما يتعين توفر
جميع األركان األساسية لثبوت المسؤولية التقصيرية عما ذكرنا بتفصيل ،غير أنه يطرح
تساؤل بخصوص إمكانية مساءلة الدولة عن الحوادث المدرسية التي تقع خارج أسوار
المؤسسات التعليمية سيما بعد اعتماد الدولة لنظام التعليم عن بعد بدل التعليم الحضوري،
بعد إقرار هذا النظام ظل األوضاع الصحية الراهنة المتسمة بتفشي وفاء كورونا؟
للحديث عن هذه النقطة القانونية ،سنعمل بداية في التعريف بالحادثة المدرسية عن بعد
(أوال) ،على أساس أن نتناول بعده مسألة إمكانية مساءلة اإلدارة التربوية عما قد يحدث
للتالميذ من حوادث مترتبة عن نظام التعليم عن بعد ،وما مدى مالئمة النصوص القانونية
الحالية لهذه الظاهرة الحديثة في منظومتنا التعليمية (ثانيا).
إلى وقت قريب كانت الرؤية واضحة في الحوادث المدرسية ،حيث كانت النصوص
القانونية المتعلقة بالحوادث المدرسية شاملة وكافية الحتواء كل صور الحوادث المدرسية التي
يمكن أن يتعرض لها التالميذ داخل المؤسسات التعليمية ،والتي تتيح لهم الحق في الحصول
على تعويض مناسب ومتناسب مع درجة اإلصابات التي تعرض لها من جراء تلك الحادثة
المدرسية.
لكن سرعان ما أصبح الوضع غير واضح في غضون زمن قصير جدا ،وكان ذلك
بمناسبة اعتماد تقنية التعليم عن بعد بدل التعليم الحضوري ،مما أدى إلى ظهور صور
جديدة للحوادث المدرسية التي يمكن نعتها بحوادث التمدرس عن بعد ،حيث كان لنظام
669
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
التعليم عن بعد دو ار بار از في إفراز هذه الحوادث ،و الذي وجدت فيه الدول غاياتها في انقاذ
التعليم وتجنب الفراغ التعليمي داخل أوساط التالميذ ،في ظل الوضع الصحي المتسم بتفشي
وباء كورونا ،ذلك أنه وحفاظا على حياة وصحة التالميذ واألساتذة بادرت الو ازرة الوصية
على قطاع التعليم إلى توقيف نظام التعليم الحضوري واالعتماد على نظام التعليم عن بعد،
و الذي ال يلزم لتفعيله حضور التالميذ إلى المؤسسة التعليمية.1
ومن هذا المنطلق يمكن تعريف حوادث التمدرس عن بعد بأنها” تلك االصابات
البسدية أو األضرار الصحية التي تلحق التلميذ بفع غير ارادي من طرفه أو الناتبة عن
فع فبا ئي وبسبب خارجي أثناء تلقيه لدرس عن بعد من رجال التعليم والتي تتسبب فيها
البهاز االلكتروني الذي باشر به عملية تلقي الدرس عن بعد“.
وعليه ،ومن خالل التعريف أع ـ ــاله ،يمكن القول بأن األمر هنا يتعلق بحادثة ذات
طبيعة خاصة ،حيث أنها وإن كانت تحتفظ ببعض مالمح الحادثة المدرسية الكالسيكية من
حيث األشخاص المعرضين لها ،إال أنها تجعل من وسائل تكنولوجيا االتصال واإلعالم
2
مرك از ومصد ار لظهورها.
وألجل تلقي التالميذ دروسهم عن بعد استلزمت عليهم الضرورة استعمال وسائل
الكترونية تكون هي الوسيط بينهم وبين أساتذتهم ،كالهاتف النقال و الحواسيب واللوحات
اإلليكترونية وأجهزة التلفاز كذلك ،وكل هذه األجهزة يمكن للتالميذ االستعانة بها من أجل
تلقي دروسهم عن بعد ،غير أن هذه األجهزة يمكن أن تشكل خط ار على صحة و سالمة
التالميذ ،حيث تأكد بالملموس جسامة المخاطر التي يمكن أن تتسبب فيها األجهزة
اإللكترونية السالفة الذكر ،سيما بعد وقوع حادثة انفجار بطارية الهاتف المحمول على وجه
1
انطلق العمل بنظام التعليم عن بعد بالنسبة للمؤسسات التعليمية المغربية بعد صدور قرار من طرف و ازرة التربية الوطنية بتاريخ 31مارس
،1111يقضي بتوقيف الدراسة كإجراء احترازي ضمن اإلجراءات التي اتخذتها السلطات لمنع انتشار مرض فيروس كورونا كوفيد 33المستجد.
2
والجدير بالذكر أن و ازرة التربية الوطنية قد قامت بتفعيل نظام التعليم عن بعد يوم 31مارس ،1111وقد اعتمدت الو ازرة على ثالثة أنظمة لتفعيل
تقنية التعليم عن بعد ،حيث كانت البوبة االلكترونية تلميذ تيس[] TelmidTiceمن أول األنظمة التي اعتمدت عليها الو ازرة من أجل تفعيل هذا
النظام ،فهذه البوابة تقوم على تقديم دروس مصنفة حسب األسالك والمستويات التعليمية وكذا المواد الدراسية ،كما اعتمدت الو ازرة على نظام البث
التلفزيوني فحددت أوقات يتم من خاللها بث برامج ودروس تعليمية ،وألجل تمكين األساتذة من التواصل المباشر مع تالميذهم وكذا تنظيم دورات
لتعليم عن بعد أعطت الو ازرة يوم 11مارس 1111الحق في انشاء األقسام االفتراضية من خالل الخدمة التشاركية Teamsالمدمجة في منظومة
مسار.
670
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
أحد التالمذة كان بين يديه وذلك بمناسبة تلقيه لدرس عن بعد ،حيث أصيب على اثرها
بإصابات جسدية خطيرة على مستوى عينه ،فطرح السؤال عن الجهة المسؤولة عن التعويض
1
عن هذه الحادثة.
وزيادة على واقعة االنفجار هاته ،قد يكون لهذه األجهزة خط ار على صحة التالميذ –
خصوصا الذين هم في صف التعليم االبتدائي – وهذا لما يصدر عن هذه األجهزة من
اشعاعات قد تؤدي إلى اإلضرار بصحة القلب واألوعية الدموية وما يمكن أن تسببه من
اضطرابات بالجهاز العصبي ،كما أن االستخدام المستمر لهذه األجهزة يحدث مشاكل على
مستوى التركيز وعلى مستوى الرؤية.
وهذه المخاطر وغيرها يمكن أن نكيفها بكونها حوادث مدرسية بمفهومها الحديث،
ليطرح التساؤل عن الجهة المسؤولة عن هذه الحوادث؟
وكما سبق القول ،فإذا لم يقم المشرع المغربي بتنظيم المسؤولية عن حوادث التمدرس
عن بعد بشكل صريح ،فهل نجد نصوص قانونية كفيلة ألن تكون أساسا قانونيا لمثل هذا
النوع من المسؤولية؟
1طرح السؤول عن الجهة المسؤولة عن هذا الحادث ،وكذا التكييف القانوني لهذه المس ؤولية ،هل سيتم إدراجها في مسؤولية اإلدارة على اعتبار أن
نظام التعليم عن بعد تم بإشراف من الوزراة الوصية عن قطاع التربية الوطنية ،أم أن هذه المسؤولية ترجع إلى المنتوج في حد ذاته ومدى جودته
وبالتالي في هذه الحالة سنكون امام مسؤولية المصنع ،أم أن االمر يتعلق بمسؤولية شخصية للمستعمل من جراء سوء استعماله للجهاز.
671
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
إن المقتضيات القانونية التي تأسس لمسؤولية األطر التربوية عن الحوادث المدرسية
التي تحصل للتالميذ خالل الوقت الذي يوجدون فيه تحت رقابتهم ،وكما فصلنا في ذلك
تشترط ما يلي:
تواجد التلميذ أثناء وقوع الحادثة داخل المؤسسة التعليمية وكون التلميذ مسجل في
اللوائح الدراسية لتلك المؤسسة؛
وجود التلميذ تحت رقابة وإشراف المعلم؛
إخالل المعلم بواجب الرقابة والتوجيه.
فإذا تمعنا في هذه الشروط نجد أنها ال يمكن إعمالها في إطار المسؤولية عن حوادث
التمدرس عن بعد ،ومرد ذلك إلى الخصوصية التي تتميز بها الحوادث المدرسية عن بعد،
فمن حيث الشرط األول فهو منعدم تماما في هذه الحادثة نظ ار ألن التعليم يتم هنا عن بعد،
الشيء الذي ال يمكن أن تحصل معه واقعة التواجد الفعلي للتلميذ بالمؤسسة التعليمية.
أما فيما يتعلق بالشرط الثاني والثالث فهما نتيجة حتمية لتواجد الشرط األول ،فغياب
هذا األخير يؤدي مباشرة إلى غيابهما ،حيث أن المعلم ال يمكن أن يباشر الرقابة والتوجيه
على التلميذ وهو ليس في حضرته ،زيادة على ذلك أن المتسبب في الحادثة هو جهاز
إلكتروني ال دخل للمسؤول التربوي في ذلك.
سيما إذا استحضرنا أن التعويض عن الحوادث المدرسية بموجب هذا الظهير ال تشترط
وجود خطأ من جانب المسؤول التربوي بقدر ما يتوقف هذا التعويض على مجرد حصول
الضرر للتلميذ ،هذا مع األخذ بعين االعتبار أن الو ازرة الوصية عن قطاع التعليم لما
انتقلت بالتعليم من نظام التعليم الحضوري إلى نظام التعليم عن بعد تكون قد تخلت مباشرة
عن شرط تواجد التلميذ داخل المؤسسة التعليمة أثناء وقوع الحادثة ،واستبدلته بشرط وقوع
672
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
الحادثة أثناء تلقى التلميذ لدروسه عن بعد ،وذلك انسجاما مع الوضع الصحي الحالي وما
يقتضي هذا الوضع من استحالة التواجد الفعلي للتلميذ بالمؤسسة التعليمية مع إقرار نظام
التعليم عن بعد.
وعلى العموم فإن الحوادث المدرسية عن بعد أصبحت أم ار واقعيا ال يمكن التغاضي
عنه ،خصوصا بعد واقعة حادثة مدرسية عن بعد إلحدى تالميذ المؤسسات العمومية بتازة،
مما يحتم على المشرع ضرورة معالجة هذه اإلشكالية في نصوص قانونية حديثة تتالءم
وخصوصيات التعليم عن بعد ،سيما وأن منظومة التعليم عن بعد وإن كانت في الوضع
الصحي الراهن حال مؤقتا إلنقاذ السنة الدراسية ،فإن الجهات المعنية تعتبره من بين إحدى
الحلول الناجعة إلصالح المنظومة التعليمية في المستقبل.
المحور الثالث :التضارب القضائي بشأن البهة المختصة نوعيا بالبث في
منازعات الحوادث المدرسية
لقد اختلف االجتهاد القضائي المغربي في شأن التكييف القانوني المتعلق بدعاوى
التعويض عن األضرار الناتجة عن الحوادث المدرسية ،بين من يعتبرها من اختصاص
القضاء العادي ممثلة في المحاكم االبتدائية (أوال) ،وبين من يعتبرها من اختصاص القضاء
اإلداري ممثال في المحاكم اإلدارية (ثانيا) ،بل إن المجلس األعلى (محكمة النقض حاليا)
اعتبره في بعض ق ارراته أن الجهة المختصة بالبث في دعاوي المسؤولية والتعويض عن
الحوادث المدرسية من اختصاص اللجنة اإلدارية المنصوص عليها في ظهير 11أكتوبر
( 3301ثالثا).
ضد الدولة ،باعتبارها مسؤولة عن الضرر ،أمام المحكمة االبتدائية الموجودة في دائرة
المكان الذي وقع فيه الضرر.
وقد سارت في هذا االتجاه مجموعة من محاكم المملكة التي اعتبرت أن االختصاص
في منازعات المسؤولية عن الحوادث المدرسية من اختصاص المحاكم االبتدائية وليس
القضاء اإلداري ،ومن هذه األحكام القضائية نذكر على سبيل المثال ما يلي:
وحيث لما كان من الثابت بالملف بأن النزاع يروم المطالبة بالتعويض عن الضرر
الالحق بالعارض الناتج عن تعرضه لحادثة مدرسية ساعة تلقيه لحصة رياضية ،فإن طبيعة
هذا النزاع ال تندرج ضمن الحاالت التي ينعقد فيها االختصاص للقضاء اإلداري وفقا لما
نص عليه الفصل الثامن من القانون المحدث للمحاكم اإلدارية فيكون الدفع المثار غير
مؤسس ووجب رده "
*وتبنت نفس المحامة هذا التعليل في حكمها الصادر عنها بتاريخ 1135/31/11
2
تحت عدد 111في الملف عدد .35/3111/31
*حام المحامة اإللتدائية لوادي الذهب عدد 1130/311والصادر بتاريخ
،1130/33/15ومن بين ما جاء فيه ما يلي " :في الدفع بعدم اإلختصاص النوعي:
...وحيث إنه خالفا للدفع المثار فإن قضايا الحوادث المدرسية يعود اإلختصاص فيها
للمحاكم اإلبتدائية عمال بمقتضيات الفصل 95مكرر من قانون اإللتزامات والعقود ،وأن
1األمر يتعلق بحكم المحكمة االبتدائية ببني مالل تحت عدد 133الصادر بتاريخ ،1135/31/13في الملف عدد ،35/3111/35حكم غير
منشور.
2األمر يتعلق بحكم المحكمة االبتدائية ببني مالل عدد 111والصادر بتاريخ 1135/31/11الملف عدد ،35/3111/31حكم غير منشور.
674
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
الدولة تحل فقط محل المعلم أو المشرف على األنشطة الرياضية ،في مسؤولية الحادثة مما
1
يتعين معه رد الدفع المثار بهذا الشأن ".
ومن خالل هذه األحكام القضائية نستشف أن هذا التوجه القضائي الذي يسند
اإلختصاص النوعي للبت في قضايا و منازعات الحوادث المدرسية للقضاء العادي سندهم
في ذلك مقتضيات الفصل 95مكرر من قانون االلتزامات والعقود ،والتي تنص بشكل
4
صريح في فقرتها السادسة على أن هذه القضايا يجب ان ترفع أمام المحاكم اإلبتدائية .
وعلى خالف هذا التوجه القضائي والذي يعتبر ،كما رأينا ،االختصاص في البث في
قضايا المسؤولية في الحوادث المدرسية من اختصاص القضاء العادي ،هناك توجه قضائي
1
األمر يتعلق بحكم المحكمة االبتدائية بوادي الذهب عدد 1130/311والصادر بتاريخ 1130/33/15في الملف عدد ،1131/11حكم غير
منشور.
2
األمر يتعلق بحكم المحكمة االبتدائية بسيدي قاسم صادر بتاريخ 1135/33/31في الملف عدد ،1130/3111/01حكم غير منشور.
3وهذا ما يستشف من حيثيات القرار عدد 103الصادر عن محكمة االستئناف بالعيون بتاريخ 1135/31/11في الملف عدد
،1135/3111/110قرار غير منشور.
4
وتنص الفقرة السادسة من الفصل 95مكرر على ما يلي... " :وترفع دعوى المسؤولية التي يقيمها المتضرر أو أقاربه أو ضد الدولة باعتبارها
مسؤولة عن الضرر وفقا لما تقدم ،أمام المحكمة االبتدائية ."...
675
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
آخر يرى خالف ذلك ،ويعتبر أن االختصاص في البث في مثل هذه القضايا ينعقد للمحاكم
اإلدارية بدل القضاء العادي ،فبماذا يعلل هذا التوجه القضائي موقفهم؟
خالفا لما رأيناه في الفقرة السابقة ،فهناك توجه قضائي ثان يرى أن الجهة القضائية
المختصة نوعيا للبت في طلبات المسؤولية والتعويض عن الحوادث المدرسية هي القضاء
بعدم للدفع عن هذه المحاكم استجابت اإلداري ،ذلك أن بعض األحكام الصادرة
االختصاص المثار أمامها ،مع إحالتها لهذه القضايا على القضاء اإلداري ،كما أن المحاكم
اإلدارية نفسها اعتبرت هذا النوع من المنازعات يندرج ضمن األضرار التي تتسبب فيها
أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام ،وبالتالي إخضاعها لمقتضيات المادة 9من القانون
رقم ،03.31الشيء الذي يعني عقد االختصاص بشأنها للمحاكم اإلدارية.
ومن األحكام القضائية التي تبنت هذا التوجه نذكر على سبيل المثال ما يلي:
" في االختصاص :وحيث دفعت المؤمنة المدعى عليها بعدم االختصاص النوعي لهذه
المحكمة وانعقاد االختصاص للمحكمة اإلدارية لتعلق التعويض بضرر مرتبط بتسيير مرفق
عمومي...
وحيث إن الضرر المدعى فيه ناتج عن حادث تعرض له القاصر خالل ساعات
الدراسة للمدرسة العمومية التي يزاول تعليمه فيها وهي حادثة مرتبطة بسير أعمال ونشاطات
المرفق العمومي المحددة له قانونا ،مما يتعين معه التصريح بعدم االختصاص النوعي لهذه
المحكمة واختصاص المحكمة اإلدارية بالبث في الطلب...
676
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
حكمت المحكمة علنيا ابتدائيا وحضوريا بعدم اإلختصاص النوعي لهذه المحكمة وإبقاء
1
الصائر على المدعي ".
" في الدفع بعدم االختصاص النوعي :حيث دفع نائب المؤمنة بعدم االختصاص
النوعي للمحكمة االبتدائية بالصويرة وإحالة الملف على المحكمة اإلدارية بمراكش
لالختصاص.
وحيث إنه بالرجوع إلى المادة 9من القانون 03-31المحدث للمحاكم اإلدارية نجدها
تنص على أنه تختص المحاكم اإلدارية بالبث في دعاوي التعويض عن األضرار التي
تتسبب فيها أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام ما عدا األضرار التي تتسبب فيها في
الطريق العام مركبات أيا كان نوعها يملكها شخص من أشخاص القانون العام ...
لهذه األسباب :حكمت المحكمة علنيا ابتدائيا وحضوريا بعدم االختصاص النوعي
2
للمحكمة االبتدائية بالصويرة وإحالة الملف على المحكمة اإلدارية بمراكش".
" وحيث إن الدعاوى المنصوص عليها في الفصل 95مكرر من قلع والمتعلقة بدعاوي
مسؤولية الدولة عن الضرر الحاصل لألطفال والشبان خالل الوقت الذين يوجدون فيه تحت
رقابة المعلمين وموظفي الشبيبة والرياضة بسبب الخطأ واإلهمال أو عدم الحيطة الذي يحتج
به على هؤالء الموظفين ،تندرج ضمن دعاوي التعويض عن األضرار التي تتسبب فيها
اعمال ونشاطات القانون العام ،والتي تختص المحاكم اإلدارية بالنظر فيها طبقا لمقتضيات
المادة الثامنة من القانون المحدث لها.
1
يتعلق األمر بالحكم عدد 1131الصادر بتاريخ 1135/13/19عن المحكمة االبتدائية بطنجة ،في الملف عدد ،131/30/3113حكم غير
منشور.
2يتعلق األمر بالحكم الصادر المحكمة االبتدائية بالصويرة عدد 013بتاريخ ،1135/31/11موضوع الملف عدد ،1130/311غير منشور.
677
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وحيث تبعا لذلك يتعين التصريح بعدم اختصاص هذه المحكمة نوعيا للبت في موضوع
1
هذه الدعوى لفائدة المحكمة اإلدارية " .
” في الدفع بعدم االختصاص النوعي :حيث إن الطلب يرمي إلى الحكم لفائدة المدعي
نيابة عن ابنه القاصر بتعويض مسبق محدد في مبلغ عشرة آالف درهم عن األضرار التي
لحقته من جراء الحادثة المدرسية التي وقعت بتاريخ … 3333/31/1
وحيث دفعت الجهة المدعى عليها بعدم اختصاص المحكمة اإلدارية نوعيا للبت في
الطلب لكونه ال يندرج ضمن مقتضيات المادة 9من قانون رقم .03.31
وحيث يتبين بالرجوع إلى معطيات النازلة فإن األمر يتعلق بالتعويض عن حادثة
مدرسية ،أي التعويض عن أضرار مرتبطة بتسيير مرفق من طرف شخص من أشخاص
القانون العام ،لذلك وتطبيقا لمقتضيات المادة 9من قانون رقم 03.31فإن الدعاوى المتعلقة
بالتعويض عن األضرار التي تتسبب فيها أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام ينعقد
االختصاص بشأنها للمحاكم اإلدارية ،وإن كانت مقتضيات المادة 95مكررة من قانون
االلتزامات والعقود تسند االختصاص سابقا للمحاكم اإلقليمية التي حلت محلها المحاكم
1حكم المحكمة االبتدائية بطنجة عدد 1311الصادر بتاريخ ،1135/11/10في الملف عدد ،3111/30/1113حكم غير منشور.
2يتعلق األمر بحكم المحكمة اإلدارية بالدار البيضاء عدد 1031الصادر بتاريخ ،1130/33/33موضوع الملف اإلداري عدد
،1131/1331/11حكم غير منشور.
678
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
االبتدائية ،فإن هذا المقتضى تم نسخه بعموم المادة الثامنة من قانون رقم ،03.31ومن ثم
فإن هذه المادة تستوعب بعمومتيها التعويض عن الحوادث المدرسية أيضا …
1
وتبعا لذلك صرحت باختصاص المحكمة اإلدارية نوعيا للبت في الطلب ".
” حيث دفعت الجهة المدعى عليها بعدم اختصاص المحكمة اإلدارية نوعيا للبت في
الطلب لكونه ال يندرج ضمن مقتضيات المادة 9من قانون رقم 03.31المحدث للمحاكم
اإلدارية.
وحيث يتبين بالرجوع إلى معطيات النازلة أن األمر يتعلق بالتعويض عن حادثة مدرسية
أي التعويض عن أضرار مرتبطة بتسيير مرفق عمومي من طرف شخص من أشخاص
القانون العام ،وأنه وحسب المادة 9من قانون رقم 03.31المشار إليه المحددة لالختصاص
النوعي للمحاكم اإلدارية أدرجت ضمن مجال هذا االختصاص طلبات التعويض عن أعمال
ونشاطات أشخاص القانون العام ،مما يبق ـ ـ ـ ـ ــى معه الدفع بعدم االختصاص النوعي للبت في
2
النازلة غير مؤسس ويتعين رده ".
ومن خالل هذه األحكام القضائية نستخلص أن هذا التوجه القضائي الذي يسند
االختصاص للمحاكم اإلدارية للبث في دعاوى الحوادث المدرسية سنده في ذلك ،اعتبار
التعويض عن األضرار الناتجة عن الحادثة المدرسية ،بمثابة تعويض عن أضرار مرتبطة
بتسيير مرفق من طرف شخص من أشخاص القانون العام ،لذلك اعتبرت مقتضيات المادة 9
من قانون رقم 03.31هي الواجبة التطبيق ،ومن تم فاالختصاص النوعي في الدعاوى
المتعلقة بالتعويض عن األضرار التي تتسبب فيها أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام،
بما فيها األضرار الناتجة عن الحوادث المدرسية ينعقد للمحاكم اإلدارية.
1
حكم إدارية مكناس عدد 31/1110/55ش ،الصادر بتاريخ ،1113/11/19أشار إليه محمد خربوش في مقاله :المنازعات المتعلقة
بالتعويضات عن الحوادث المدرسية ،منشور بموقع المركز المغربي للتنمية الفكرية.www.cmdi.ma
2األمر يتعلق بحكم إدارية فاس عدد 1111/131الصادر بتاريخ ،1111/15/11في الملف اإلداري عدد /310ت ،1110/غير منشور.
679
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
إذا كان التضارب القضائي بشأن االختصاص النوعي في قضايا ومنازعات الحوادث
المدرسية ينحصر بين توجهين ،األول يعتبر االختصاص في هذه الحوادث منعقدا للقضاء
العادي ممثال في المحاكم االبتدائية ،وتوجه ثان يعتبر االختصاص النوعي منعقدا للقضاء
اإلداري ممثال في المحاكم اإلدارية ،فهناك موقف ثالث يرى خالف هاذين التوجهين
القضائيين ،ويعتبر أن االختصاص للبث في الحوادث المدرسية موكول لجهات إدارية بدل
1
القضاء.
هذا ،وقد اعتبرت الغرفة اإلدارية للمجلس األعلى (محكمة النقض حاليا) في قرارها
الصادر بتاريخ ،3339/1/0أن التع ــويض عـ ــن الح ـ ـوادث المدرسية (سيما ال ـ ــدعوى
المقـ ــامة في إطـ ــار ظ ــهير 11أكتوبر )3301من اختصاص اللجنة اإلدارية المنصوص
عليها بموجب الظهير ،وليس من اختصاص القضاء.
وحيث إنه من الثابت أن األمر يتعلق فعال بحادث مدرسي وأن المدعية أقامت دعواها
في إطار ظهير 3301/31/11المشار إليه ،والذي نص على المسطرة الواجب اتباعها
للحصول على التعويضات المحددة في التشريع المذكور قد جعله المشرع من اختصاص
1وفي هذا اإلطار ينص الفصل الرابع من ظهير 11أكتوبر 3301والمعدل بموجب ظهير 3350/15/33على ما يلي " :إن الحوادث التي تترك
لمن أصيب بها عج از دائما يقدر %31على األقل ،تمنح له الحق في تقاضي تعويض على شكل إيراد عمري تحدد لبنة خصوصية مبلغه مؤقتا
عن سنة واحدة ويجدد اإليراد ضمنيا عند رأس كل سنة وذلك طيلة خمس سنوات وبعد استشارة طبيب يثبت أن مقدار العجز لم يتغير بعد ".
680
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
لبنة إدارية ،وأن الطلب كان من المفروض أن يقدم إلى الوزارة المعنية لطلب الحصول
على التعويض المنصوص عليه في الظهير المذكور.
الشيء الذي يعني أن التعويض في هذه الحالة يخضع لمسطرة إدارية خاصة
وال يمكن طلبه مباشرة عن طرق القضاء .وفي الحالة التي يكون فيها التعويض الممنوح من
طرف اإلدارة غير كاف في نظر المتضرر في إمكانه أن يتوجه إلى القضاء في نطاق
الفصل 95مكرر من قانون االلتزامات والعقود ،مما كان معه على المدعية أن تتقدم
بدعواها أمام المحكمة االبتدائية ذات االختصاص الشامل ال أمام المحكمة اإلدارية في نطاق
الفصل 9من قانون 03.31الغير القابل للتطبيق على النازلة الحالية …
...لهذه األسباب قضى المجلس األعلى بإلغاء الحكم المستأنف وتصديا بعدم
1
اختصاص المحكمة اإلدارية للبت في الطلب ".
وعليه ،يتضح لنا بجالء مدى التضارب القضائي بخصوص الجهات المختصة نوعيا
بالبث في طلبات و دعاوى المسؤولية و التعويض عن الحوادث المدرسية ،الشيء الذي
كان يعني ضرورة التدخل التشريعي لتحديد االختصاص أصبحت ضرورة ملحة ،وإن
االجتهاد القضائي الحديث يسير نحو توحيد موقفه من االختصاص النوعي في المنازعات
المتعلقة بالتعويض عن الحوادث المدرسية ،وذلك بإدراجه ضمن والية المحاكم اإلدارية وفقا
لمقتضيات المادة 9من قانون رقم ،03.31غير التدخل التشريعي في هذا المجال سنهي
النقاش بالجملة بين محاكم المملكة من جهة ،ومن جهة ثانية فإن من شأن توحيد االجتهاد
القضائي في مجال المسؤولية عن الحوادث المدرسية ،توضيح الرؤية لدى المتقاضين
وتخفيف العبء عنهم.
ومجمل القول فقد حاولنا خالل هذه الدراسة اإللمام بأهم النقط القانونية المرتبطة
بمجال الحوادث المدرسية ،كما حاولنا اإللمام بأهم اإلشكاالت القانونية التي تثيرها مسؤولية
1قرار محكمة النقض عدد 533بتاريخ ،3339/11/10أشار إليه محمد خربوش في مقاله :المنازعات المتعلقة بالتعويضات عن الحوادث
المدرسية ،منشور بموقع المركز المغربي للتنمية الفكرية .www.cmdi.ma
681
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
الدولة عن الحوادث المدرسية معززين ذلك بأحكام وق اررات صادرة عن محاكم المملكة
بمختلف درجاتها ،سائلين الله أن يوفقنا في هذا العمل المتواضع.
682
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
تشكل المحاماة الدعامة األساسية لتحقيق العدل وهي الحماية ،فهي مهنة مستقلة تشكل
مع ا لقضاء سلطة العدل ،فال تنعقد المحكمة تحت طائلة البطالن إال بوجود محام ،وهي
تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدل وتأكيد سيادة القانون ،وترتبط المحاماة بالحياة
القانونية ،كما تقع على المحامي مجموعة من الواجبات 1كما أن هذا األخير يبقى معرض
الرتكاب األخطاء التي قد تختلف حسب جسامتها وآثارها على الغير .لذلك قد يرتكب
المحامي خطأ مهنيا ،جنائيا ،أو مخالفة مهنية قد تعرضه لعقوبات تأديبية.
بالفعل ،تعتبر مهنة المحاماة من أهم المهن القانونية ،التي قد تترتب عن ممارستها
أخطاء مهنية يمكن أن يتحمل مسؤوليتها المحامي ،وهو ما يعرف بالمسؤولية المهنية
للمحامي والتي عرفت المقاربة القانونية لمختلف اوجه تنظيمها تطو ار مهما في السنوات
األخيرة.
هذا التطور ساهمت فيه العديد من العوامل ،سيما رفع الحصانة أو القداسة التي كانت
تمتاز بها مهنة المحاماة ،كما أن مسؤولية المحامي أصبحت موضوعا له راهنيته أمام تعقد
وتشعب المهام القانونية والشبه القانونية التي أصبح مطالبا بالقيام بها وهو ما أدى إلى كثرة
1دور المحامي والقاضي في تحقيق المحاكمة العادلة :1133 ،مقال منشور في ،/https://universitylifestyle.net :آخر زيارة بتاريخ
.1111/31/35
683
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
أخطائه والبحث عن اآلليات الكفيلة بمواجهة المخاطر القانونية المرتبطة بمهامه بما فيها
1
اللجوء إلى التأمين.
وكغيره من المهنيين ،يمكن أن تتخذ المسؤولية المهنية للمحامي شكل مسؤولية جنائية
في حالة ارتكابه جريمة أثناء أداء مهامه ،أو مسؤولية تأديبية عندما يخالف المحامي
المبادئ األساسية للمهنة دون أن تتوفر العناصر المكونة للجريمة التي يعاقب عليها القانون
الجنائي ،2أو مسؤولية مدنية إذا ارتكب المحامي خطأ يتسبب في ضرر لآلخرين.
وعلى الرغم من أننا سنتطرق إلى كافة أوجه مساءلة المحامي ،إال أن إشكالية تحديد
طبيعة التزام المحامي تثار بشكل عام ،هل يتعلق األمر بالتزام بتحقيق غاية أم يقتصر على
التزام ببذل العناية فقط؟ كما أن لهذا األمر أهميته في تحديد طبيعة مسؤولية المحامي عندما
يتعلق األمر بشركة مدنية للمحامين ،وبااللتزام بحفظ السر المهني والعديد من القضايا
األخرى كمسألة حفظ الشكايات المقدمة ضد المحامين ،وكذا امكانية الطعن في مقررات
الحفظ المذكورة.
ولإلجابة على هذه التساؤالت القانونية ولإللمام بكافة أوجه المسؤولية المهنية للمحامي
سنقسم هذا الموضوع إلى مطلبين ،سنخصص األول لعرض المسؤولية الجنائية والتأديبية
للمحامي والثاني لمقاربة المسؤولية المدنية للمحامي.
قبل التطرق للمسؤولية التأديبية للمحامي (الفقرة الثانية) سنحاول التطرق لمسؤولية
المحامي من الجانب الجنائي (الفقرة األولى).
من المفيد التذكير بأن المحامي ال يتمتع بالحصانة من العقوبات الجنائية ،باإلضافة
إلى ذلك ،تميل المحاكم الجنائية إلى أن تكون أكثر شدة عندما يكون المتهم محاميا لكونه قد
1
M.Demeester, Avocat : responsabilité, Rép. Civ. Dalloz, ouvrage numérique, janvier 2009 (actualisation faite
en Février 2020), Paris.
ظهير شريف رقم 3.53.031صادر في 19جمادى الثانية 11( 3191نونبر )3311بالمصادقة على مجموعة القانون الجنائي. 2
684
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
أدى قسم النزاهة ويفترض فيه المعرفة الجيدة بالقانون وبااللتزامات الملقاة على عاتقه ،ناهيك
1
عن أنه من مساعدي القضاء وبالتالي ال يقبل منه أي عذر يبرر ارتكابه لخطأ جنائي.
وبما أن الحاالت التي يمكن أن يسائل فيها المحامي جنائيا متعددة ومتنوعة ،فأننا
سنقتصر على الوقوف عند بعضها ،وذلك على الشكل التالي:
تعتبر جنحة افشاء السر المهني من بين الجرائم الشائعة في مجال مهنة المحاماة .وقد
قنن المشرع المغربي هذه الجريمة في الفصل 001من القانون الجنائي ،ورغم أن القانون
المنظم لمهنة المحاماة 2لم يتطرق لهذا االلتزام إال أن القاضي يعتمد على مواد القانون
الجنائي أثناء معالجته لمسؤولية المحامي.
ولقيام المسؤولية الجنائية للمحامي يتعين إثبات العناصر المادية والمعنوية الرتكاب
جريمة إفشاء السر المهني ،فالعقاب دون اثبات وقوع االفشاء يقينا 3،ولقد وسعت محكمة
االستئناف بالرباط مفهوم هذه الجريمة حيث قضت بأنه يدخل في نطاق السر المهني كتمان
ما قد يكون المحامي سمعه أو شاهده أو أدلى فيه استشارة أثناء ممارسته لمهنته كما يمكن
4
إثارة مسؤوليته وإن كان موكله لم يتعرض ألي ضرر.
إضافة إلى ذلك ،فإن الفصل 001من القانون الجنائي يعفي المحامين من وجوب
االبالغ عن جنحة أو جريمة ،تفاديا النتهاك أسرار المهنة .ومع ذلك ،ال بد من اإلشارة إلى
1
http://www.maitre-eolas.fr/post/2006/01/02/262-la-responsabilite-des-avocats. Dernière visite,
le :30/04/2020.
2ظهير شريف رقم 3-19- 313صادر في 11من شوال 11 )3013أكتوبر ( 1119بتنفيذ القانون رقم 28-08المتعلق بتعديل القانون المنظم
لمهنة المحاماة.
3
خالد خالص ،مهنة المحاماة في المغرب ،مقال منشور في ، jurisblogger.canalblog.com:تاريخ آخر زيارة.1111/13/11 :
4قرار صادر عن محكمة االستئناف بالرباط بتاريخ ،1119/1/10منشور في مجلة المحاماة عدد مزدوج 13 – 11ص .101
685
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
أن هذا االعفاء ال يخص مكافحة غسل األموال ،1أو في حالة مساعدة شخص في خطر،
2
أو االبالغ عن الجرائم المتعلقة بتمويل اإلرهاب.
وينص القانون رقم 15-01بشأن مكافحة غسل األموال في مادته التاسعة على
عضوا في مهنة
ً وجوب االبالغ عن المعامالت المشبوهة .وبالتالي ،فإن المحامي ،لكونه
قانونية مستقلة ،يخضع لهذا االلتزام باإلبالغ .وتنص المادة 15من نفس القانون على ما
يلي '' :ال يجوز ،فيما يتعلق بالمبالغ أو العمليات التي كانت محل التصريح باالشتباه المشار
إليه في المادة 3من هذا الباب أن تجرى أية متابعة على أساس الفصل 001من مجموعة
القانون الجنائي أو على أساس أحكام خاصة تتعلق بكتمان السر المهني ضد الشخص
الخاضع أو مسيريه أو أعوانه الذين قدموا التصريح المذكور عن حسن نية''.
كما تنص المادة 9-139من القانون رقم 11-11المتعلق بمكافحة اإلرهاب على
أن" :يؤاخذ بعدم التبليغ عن جريمة إرهابية ويعاقب بالسجن من خمس إلى عشر سنوات كل
من كان على علم بمخطط أو أفعال تهدف إلى ارتكاب أعمال معاقب عليها بوصفها جريمة
إرهابية ولم يبلغ عنها فو ار بمجرد علمه بها الجهات القضائية أو األمنية أو اإلدارية
أو العسكرية".
وبناء عليه االلتزام باحترام السر المهني الذي يلتزم به المحامي يتراجع عندما يتعلق
األمر بجرائم اإلرهاب.
التزام المحامي أثناء ممارسة مهامه بـأن يتقيد بالضوابط القانونية المتعلقة بسير
الجلسات في المحكمة واحترام الهيئة القضائية وفضال عن ذلك التزام المحامي بعدم استعمال
المناورة أو التحايل لحمل الغير على االدالء بشهادة أو تصريحات أو تقديم إق اررات كاذبة،
في أية مرحلة كانت عليها الدعوى ،أو بقصد إعداد طلبات أو دفوع قضائية ،بموجب الفصل
111من القانون الجنائي.
1
M. Demeester, Avocat : responsabilité, op cit.
2
S. Naoui, Obligations et responsabilités de l’avocat, Thèse pour l’obtention de grade de docteur, Université
de Grenoble, 2014, p : 291.
686
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
أيضا متابعة المحامي بتهمة التشهير ضد قاض أو خبير أو شاهد على الرغميمكن ً
من تمتع المحامي بحصانة الدفاع التي تغطي ما يرد في مرافعاته الشفوية أو في مذكراته
مما يستلزم حق الدفاع .كما أنه ال يمكن اعتقال المحامي بسبب ما قد ينسب إليه من قذف
1
أو سب أو إهانة ،من خالل أقوال أو كتابات صدرت عنه أثناء ممارسته المهنة أو بسببها.
وفي المقابل يمكن متابعة المحامي في إطار مقتضيات الفصل 111من القانون
الجنائي في حالة ارتكابه جريمة انتهاك سلطة العدالة فيما يتعلق باألفعال أو األقوال أو
الكتابات العلنية ،التي يقصد منها التأثير على ق اررات رجال القضاء .ولقد أكد الدستور
2
المغربي على هذا المبدأ في الفصل .109
هذا فضال عن الجرائم األخرى الخارجة عن الحياة المهنية للمحامي والتي يمكن أن
3
تؤدي إلى عقوبات تأديبية في حقة.
وال يمكن أيضا أن نغفل الجرائم التي تتقاطع مع األنشطة المهنية للمحامي ،ال سيما
االحتيال الضريبي والتزوير ،4وتلك المتعلقة بتدخل المحامي في أعمال غير قانونية
كالتواطئ وإخفاء معالم الجريمة وإساءة استعمال أموال الشركات وهو ما يشكل جريمة خيانة
األمانة ،5واختالس األموال المودعة ،والسرقة ،واالحتيال ،والفساد ،واستغالل النفوذ وغيرها.
ولعل من بين القضايا الشائعة نجد متابعة المحامي من أجل القيام باختالس األموال
المودعة لديه ،فقد ذهبت محكمة النقض ،مثال إلى أن" :استيفاء المحامي لمبلغ التنفيذ
واحتفاظه به أكثر من شهرين من غير إيداعه أو تمكين صاحب الحق منه يشكل مخالفة
2ينص الفصل 313من الدستور المغربي على ما يلي :يمنع كل تدخل في القضايا المعروضة على القضاء؛ وال يتلقى القاضي بشأن مهمته
القض ائية أي أوامر أو تعليمات وال يخضع ألي ضغط .يجب على القاضي ،كلما اعتبر أن استقالله مهدد ،أن يحيل األمر إلى المجلس األعلى
للسلطة القضائية .يعد كل إخالل من القاضي بواجب االستقالل والتجرد خطأ مهنيا جسيما ،بصرف النظر عن المتابعات القضائية المحتملة .يعاقب
القانون كل من حاول التأثير على القاضي بكيفية غير مشروعة.
3 M. Demeester, Avocat : responsabilité, op cit.
4الفصل 111و 113من القانون الجنائي .انظر القرار رقم 11بتاريخ 11/11/35الذي يعاقب المحامي بالتشطيب بتهمة التزوير.
5الفصل 501من القانون الجنائي .
687
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
للمادة 1من قانون المهنة المتمثلة في عدم التقيد بالسلوك المهني وبمبادئ التجرد والنزاهة
والكرامة ،كما أن عدم جوابه على مراسلة النقيب بشأن الشكاية يعد مخالفة مهنية بمقتضى
1
النظام الداخلي للهيئة المنتمي إليها".
كما جاء في قرار آخر لنفس المحكمة أن" :مخالفة االحتفاظ بالوديعة من المخالفات
2
المستمرة التي ال تتقادم إال من تاريخ اكتشافها ال من تاريخ ارتكابها".
وقد أضاف القانون 19-19المتعلق بتنظيم المهنة جنحة سـمـس ـرة الـزبـنــاء أو جلبهم
والتي قد يعاقب عليها المحـامي بـصـفـته فـاعال أصـلـيـا أو مشـاركـا بعقوبة الحبس من سنتين
إلى أربع سنوات مـا لم تـكن األفـعـال معـاقـب علـيـها بعقوبة أشد.3
يتعين على المحامي حين القيام بمهامه أن يحترم مجموعة من المبادئ األساسية والتي
في حالة انتهاكها قد يتعرض إلى المتابعة التأديبية.
يختلف القانون الجنائي عن مجال التأديب لكون هذا األخير يستند إلى نصوص مبدئية
عامة تترك سلطة تقديرية كبيرة للسلطة التأديبية ،في حين يجب تفسير القانون الجنائي بدقة
وأن الشك يفسر لفائدة المتهم .وللتمييز بين الخطأ المدني والتأديبي ،فاالجتهاد القضائي
أشار إلى أنه من الضروري اإلشارة إلى المعايير الفردية والشخصية المتعلقة بالشخص الذي
4
ارتكب الخطأ.
ويمكن تحميل المسؤولية التأديبية ألي محام خالف أحكام القانون أو قواعد المهنة أو
ما يطلق عليها أعراف المهنة 5،أو الذي خرق قواعد النزاهة أو الشرف حتى عند ارتكاب هذه
4
قرار محكمة االستئناف بمراكش عدد 533بتاريخ ،1113/11/15ملف عدد 1193/31/19والذي جاء فيه" :وحيث أنه للتفريق بين الخطأ
المدني الصرف والخطأ التأديبي يتعين الرجوع إلى المعايير الذاتية والشخصية لمرتكبي الخطأ".
5
قرار المجلس األعلى (حاليا محكمة النقض) عدد 910بتاريخ ،1111/33/35ملف اداري عدد 1115/0/3/3315والذي جاء فيه" :إن
تفريط المحامي في وثيقة لزبونه التي أمنه عليها يشكل إخالال بواجب حفظ ما أمن عليه حسبما تفتضيه األخالق الحميدة والشرف المقيد بها
بمقتضى المادة 1من القانون المنظم لمهنة المحاماة".
688
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
األفعال خارج اإلطار المهني .واألمر متروك لمجلس النقابة الذي له الحق في المتابعة
أيضا أن المسؤولية التأديبية للمحامي هي مسؤولية
وفرض العقوبات التأديبية .نالحظ ً
1
شخصية كما أكدته االجتهادات القضائية.
وسنتناول في هذه الفقرة لماهية العقوبات التأديبية التي يمكن أن يتعرض لها المحامي
قبل التطرق لإلجراءات التأديبية.
-اإلنذار؛
-التوبيخ؛
-اإليقاف 2عن ممارسة المهنة لمدة ال تزيد عن ثالث سنوات؛
-الـت ـشـطــيب من الجــدول أو من الئ ـحـة ال ـتـم ـرين؛
-أو ســحب الـص ـفـة الشرفية.
ويتعين أن يتم التدرج في فرض العقوبات التأديبية حسب جسامة الخطأ المرتكب.
يجوز للمحامي الذي صدر بحقه قرار تأديبي نهائي باإلنذار أو التوبيخ او االيقاف أن
يقدم لمجلس الهيأة التماسا برد االعتبار يبت فيه المجلس داخل أجل شهر من تاريخ
التوصل به.
قرار المجلس االعلى (حاليا محكمة النقض) رقم 311بتاريخ ،1115/11/11ملف اداري عدد2003/1/4/3773
1
قرار المجلس االعلى (حاليا محكمة النقض) رقم 111بتاريخ ،1115/15/10ملف اداري عدد 1301/0/3/1111والذي جاء فيه باالعتماد
على أن مجرد ارتكاب المحامي الشريك مخالفة تأديبية لقانون أو أعراف أو أخالق المهنة يستوجب المسؤولية الشخصية المباشرة لشريكه عن نفس
تلك المخالفة يكون القرار قد أساء تطبيق المادتين 11و53من ظهير 31/3/3331المتعلق بتنظيم مهنة المحاماة.
2قرار المجلس األعلى (حاليا محكمة النقض) عدد 910بتاريخ ،1111/33/35ملف اداري عدد 1115/0/3/3315يحق لغرفة المشورة أن
تعدل العقوبة الت أديبية للمحامي من ثالث سنوات إلى سنة واحدة لما لها من سلطة تقديرية لتناسب العقوبة والمخالفة المهنية.
689
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ويمكن لمجلس الهيأة أن يأمر بالتنفيذ المعجل لقرار اإليقاف عن الممارسة ،أو
التشطيب في حالة اإلخالل الخطير بقواعد المهنة .كما يمكن للمحامي المعني التقدم بطلب
لوقف التنفيذ أمام محكمة االستئناف التي قدم طعنه لديها.
وتتقادم المتابعة التأديبية بمرور ثالث سنوات ابتداء من تاريخ ارتكاب المخالفة أو
بتقادم الدعوى العمومية إذا كان الفعل المرتكب يشكل عمال جرميا .كما ينقطع التقادم بكل
إجراء من اجراءات المتابعة أو التحقيق .وال تحول المتابعة التأديبية دون تحريك الدعوى
العمومية من طرف النيابة العامة أو المتضررين ،زج ار لألفعال التي تكون جنحا أو جنايات.
في حالة الضرورة المطلقة ،يجوز لمجلس الهيأة األمر باتخاذ قرار مسبب لإليقاف
ويتخذ هذا القرار إما
المؤقت ضد أي محام يخضع لمتابعة زجرية تتعلق بممارسة المهنةُ .
تلقائيا أو بطلب من النقيب أو الوكيل العام للملك أو باألغلبية المطلقة ألعضاء الهيئة،
ويمكنه بموجب نفس الشروط ،إما تلقائيا أو بطلب من المعني باألمر ،رفع المنع المؤقت.
ينتهي مفعول هذا المنع المؤقت بقوة القانون بمجرد التصريح ببراءة المحامي المتابع.
تبدأ اإلجراءات التأديبية باستالم الشكاية من قبل النقيب والتي تكون قد تم تقديمها
مباشرة أو تم إحالتها من طرف الوكيل العام للملك .ثم يقرر متابعة المعني باألمر أو حفظ
1
الشكاية في غضون ثالثة أشهر.
ونشير هنا إلى أن النقيب ال يمكنه من تلقاء نفسه ،تحريك المتابعة التأديبية األمر
الذي أكدته محكمة النقض حيث قضت بأنه" :ال يمكن للنقيب تحريك أية متابعة ضد محام
إال إذا تلقى شكاية مباشرة من مشتكي معلوم أو من الوكيل العام للملك .ولما كان تحريك
المتابعة قد تم بناء على مجرد معلومات دون بيان مصدرها ،فإن المحكمة عندما قضت بعدم
قبول المتابعة بعلة أنه ال يمكن تصور إحالة الوشاية على النقيب ،يكون قرارها غير خارق
للقانون".2
2
قرار محكمة النقض ،غرفة ادارية ،رقم 150بتاريخ ،1135/11/15ملف اداري عدد .1131/3/0/1113
690
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وعند البت في الدعوى ،يتحفظ مجلس النقابة على الوقائع ويصدر أم ار باستدعاء
المحامي للمثول أمامه يتضمن تاريخ اجتماع المجلس التأديبي ،ويجب إخطار المحامي بذلك
يوما على األقل قبل اجتماع المجلس التأديبي ،وإبالغه بإمكانية اختيار زميل لمساعدته
ً 35
وكذلك حقه في االطالع على جميع المستندات الموجودة في الملف.
ومن حيث المبدأ ،يمثل المحامي المتابع شخصيا أمام المجلس لالستماع إليه مؤاز ار
بمحاميه المختار عند االقتضاء .وفي حالة عدم رده على االستدعاء الذي أرسل إليه ،يبت
المجلس في الدعوى باتخاذ قرار يعتبر حضوريا ،ويبلغ المقرر التأديبي خالل ً 35
يوما من
النطق به إلى المحامي المعني وإلى الوكيل العام للملك ويشعر به المشتكي.
وإذا تم التشطيب على المحامي أو إيقافه عن العمل ،يتعين عليه التوقف عن تولي
صفة المحامي بمجرد أن يصبح القرار قابالً للتنفيذ وهذا ،وفًقا لـلمادة 13من القانون رقم
.19-19
غير أن هناك مسألة هامة يتعين الوقوف لديها وهي مسألة الشكايات المحفوظة ،التي
وصلت نسبتها %99من مجموع الشكايات المقدمة في سنة ،11139والتي تثير مجموعة
من االشكاليات كمسألة الطعن في هذه األخيرة ،وكذا طبيعة هذه المقررات التي تكون إما
ضمنية أو صريحة.
وفيما يخص المقررات الضمنية ،فهذه األخيرة تتجلى في كون الشكاية لم يتم البت فيها
في اآلجال المحددة في القانون أما المقررات الصريحة فهي تلك التي يكون قد تم تعليلها.
وتجدر اإلشارة إلى أن هذه المقررات تبقى قابلة للطعن من طرف الوكيل العام للملك وحده
وذلك بعد تبليغه بالقرار.
1
https://assabah.ma/446825.html. Dernière visite le : 15/11/2020.
691
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ضمنيا بالحفظ لكون النقيب يملك سلطة اإلحالة وأن مجلس الهيأة هو الذي يملك سلطة
1
الحفظ.
ويطرح أيضا التسا ؤل حول إمكانية إحالة الوكيل العام للملك نفس القرار على مجلس
الهيأة مرتين بهدف فتح أجل جديد؟
والحال أن الوكيل العام للملك ال يحق له إعادة االحالة في حين أن أجل متابعة
إجراءات التأديب لم يكتمل وذلك كما جاء في قرار قضائي لغرفة المشورة بمحكمة االستئناف
بالدار البيضاء 2والذي كان قد تم بموجبه عرض ملف تأديبي يتعلق بأحد المحامين على
مجلس الهيأة الذي قام بدوره بالبت في الملف بحفظه وذلك داخل اآلجال القانونية .تم بعد
ذلك تم الطعن في قرار الحفظ وإحالة الملف على مجلس الهيأة من طرف الوكيل العام للملك
من أجل إعادة البت مع إرفاق قرار غرفة المشورة بالوثائق الخاصة بالملف.
ولم يقم المجلس بالبت في هذا الملف داخل أجل ستة أشهر ،وهو األجل المحدد
بموجب المادة 11من القانون المنظم للمحاماة ،ويعتبر عدم إصدار قرار في هذه الحالة
بمثابة مقرر بعدم مؤاخذة المحامي المتابع ،إال أن الوكيل العام للملك قام بإعادة إحالة نفس
القرار الصادر عن غرفة المشورة على المجلس وذلك من أجل البت فيه من جديد ،وقضى
القرار القضائي األخير بتأييد مقرر مجلس الهيأة.
وفي األخير البد أن نوضح بأن مجرد مقرر عدم المؤاخذة الصادر عن مجلس الهيأة
ال يمنع غرفة المشورة من التصدي وتقرير عقوبة مناسبة وهو ما أكدته مجموعة من الق اررات
القضائية 3.ونذكر منها على سبيل المثال قرار لمحكمة االستئناف بالقنيطرة الذي قضى
"بإلغاء المقرر بعدم المؤاخذة المتخذ من طرف مجلس هيأة المحامين بالقنيطرة لفائدة،...
والحكم تصديا بالتصريح بأن المخالفة المهنية المنسوبة لهذا األخير ثابتة في حقه وبمعاقبته
العمل القضائي وقانون مهنة المحاماة ،ندوة 31يونيو ،1111دفاتر المجلس األعلى ،العدد ،1110 ،1ص.5: 1
2
قرار محكمة االستئناف بالدار البيضاء رقم ،311الملف عدد ،1139/3310/311بتاريخ .1139/31/33
العمل القضائي وقانون مهنة المحاماة ،ندوة 31يونيو ،1111دفاتر المجلس األعلى ،العدد ،1110 ،1ص.00: 3
692
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
من أجلها بعقوبة اإليقاف عن ممارسة المهنة لمدة ستة أشهر مع تحميل المطعون ضده
1
المصاريف".
بالنسبة للمسؤولية التقصيرية للمحامي فقد صرح أندريه دامين بأن "مسؤولية المحامي
تكمن في أخطائه ولو كانت طفيفة وإهماله في ممارسة مهامه ،باإلضافة إلى أن تقدير خطأ
المحامي يتم من خالل قياس سلوكه على نموذج مقدم على أنه مثالي '' bon
،'' professionnelو"يمكن للمحامي ً
أيضا أن يسأل عن مسؤوليته بصفته وكيال ،وفي هذه 3
الحالة ،يتم تحديد مسؤوليته إما بالرجوع ألحكام المادة 3390من القانون المدني الفرنسي،
أي ما إذا كان يتصرف بحكم تفويض خاص ،وإما أنه يستفيد من تفويض ضمني يعترف به
القانون في ممارسة نشاطه القضائي كما يتم تحديد مسؤولية المحامي بصفته وكيال في
القانون المغربي بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 931من قانون االلتزامات والعقود.
وفي هذا الصدد سبق للمحكمة التجارية بفاس 4أن قضت بأن قيام مسؤولية المحامي
مشروطة بثبوت تكليف الموكل للمحامي للترافع عنه والدفاع عنه أمام القضاء وموافقة هذا
األخير على ذلك .وفيما يخص إثبات هذا التكليف ،فقد جاء في قرار لمحكمة النقض 5أنه:
" يجب على من يدعي تكليف محامي بالنيابة عنه أو مؤازرته إثبات ذلك طبقا للقانون،
ويكفي المحامي ادعاء عدم التكليف".
1
قرار محكمة االستئناف بالقنيطرة عدد ،33بتاريخ ،1133/13/31ملف رقم ( 331/3310/31غير منشور)؛ انظر :ذ المعطي الجبجوبي،
الدليل في شرح قانون المحاماة على ضوء التحليل الفقهي والعمل القضائي ،الطبعة األولى ،1133ص.110 :
2
Y. Avril, La responsabilité de l'avocat, paru chez Dalloz en 1981 : «La responsabilité civile de l'avocat est
contractuelle à l'égard de ses clients et délictuelle à l'égard des tiers. » ; Voir également sur cette question :
R. Martin, La déontologie de l’avocat, édition LITEC.
3
Voir : Les Règles de la Profession d'Avocat d'Hamelin et Damien, édition Dalloz N° 309.
4حكم رقم ،091المحكمة التجارية بفاس ،ملف رقم 1131/9115/3113بتاريخ .1139/11/35
5
قرار محكمة النقض رقم 11ملف إداري رقم 1131/3/0/3113المؤرخ في .1130/13/13
693
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ويتوجب إلقرار المسؤولية المدنية للمحامي ارتكابه لخطأ ما قد يأخذ شكل اخالل بأحد
التزاماته .وقد تم التأكيد على أن خطأ المحامي قد يكمن في عدم سلوكه لإلجراءات
المسطرية الضرورية .في هذه الحالة ،تم رفع دعوى التعويض ضد ورثة أحد المحامين من
طرف أحد االشخاص يدعي فيها بأنه أودع وثائق الملف باإلضافة إلى مبلغ من المال يمثل
أتعاب المحامي في مكتبه ،ونظ ار لمرض المحامي فلم يستطع القيام باإلجراءات الضرورية
نيابة عن موكله وهو ما استجاب له القضاء عندما قضى على الورثة بدفع تعويض قدره
1
151.111،11درهم.
ولقد أكدت مجموعة من الق اررات القضائية هذا التوجه ،2فقد جاء في قضية أخرى،
أثيرت أمام محكمة االستئناف بالدار البيضاء بأن مسؤولية المحامي قائمة لعدم ذكره الوقائع
في مقاله ،مما يشكل إخالال لقواعد المسطرة المدنية وخاصة الفصل 3301ويكون نتج عن
4
ذلك ضرر أدى إلى تفويت فرصة الدفاع عن مصالح الموكل خالل المرحلة االستئنافية.
أيضا إثارة مسؤولية المحامي عندما يقدم نصيحة غير صحيحة وعندما ال يأخذ
ويمكن ً
بعين االعتبار التوجهات الجديدة لالجتهادات القضائية إال أنه ال يؤخذ على ذلك إذا كانت
6 5
القضية موضوع جدل أو اختالف قضائي.
من المستأن ف والمستأنف عليه وكذا اسم وصفة وموطن الوكيل عند االقتضاء وأن يبين إذا تعلق األمر بشركة اسمها الكامل ونوعها ومركزها وأن
يتضمن كذلك موضوع الطلب والوقائع والوسائل المثارة وترفق المستندات التي يريد الطالب استعمالها بالمقال".
4
قرار محكمة االستئناف بالدار البيضاء رقم 113بتاريخ 3330/11/13ملف تجاري رقم .235/93-1740/91
5
Ph. Le Tourneau, l cadiet, Droit de la responsabilité, Dalloz, 1996, p : 557.
ظا ويجب عليه التأكد من صحة الوثائق القرار عدد 10المؤرخ في 1111/13/31الملف اإلداري عدد 3110 6ويجب أن يكون المحامي ًا
حذر ويق ً
بتاريخ 1110-13-10منشور بمرجع محمد مياوم المحاماة والعلم الميداني ،ص .113
694
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وقد سبق أن تمت مساءلة محامي لتجاهله بشكل خطير لقواعد المهنة وإخالله للمروءة
مستندا عرفيا يعلن
ً والشرف وذلك لتقديمه استشارة زائفة لموكليه لدفع زوجين لالعتقاد بأن
انفصالهما بإمكانه أن تترتب عنه آثار قانونية وذلك حتى وإن لم يكن المحامي هو من حرر
1
هذه الوثيقة.
ومن المهم توضيح أن مسؤولية المحامي تكون مسؤولية تقصيرية في العالقات مع
أطراف ثالثة ،على سبيل المثال عندما يعمل المحامي كبديل لمحامي بناء على قرار للنقيب
2
وال يختاره الموكل.
وتطبق نفس القاعدة حالة حدوث ضرر ال عالقة له بالنشاط المهني كالتشهير خارج
قاعة المحكمة على سبيل المثال .عالوة على ذلك ،تعترف محكمة النقض الفرنسية اآلن أنه
3
يمكن للطرف الثالث التذرع بالخطأ الذي ارتكبه المحامي في تنفيذ الوكالة.
وفي األخير ورغم أن طبيعة التزام المحامي في مواجهة موكله فيها شبه اجماع على
أنه التزام ببذل العناية 4،االمر الذي أكدته مجموعة من الق اررات القضائية ،كقرار محكمة
االستئناف بالقنيطرة 5والذي جاء فيه ما يلي ":وحيث ،إنه إذا كان التزام المحامي هم التزام
بالوسيلة وليس التزاما بالنتيجة ،"...غير أن المحامي قد يكون ملزما بتحقيق نتيجة أو غاية
6
في بعض الحاالت خصوصا فيما يتعلق باحترام اآلجال القانونية.
1
Cour d’appel de Rabat, 18 juin 1921, R.A.C.R, t. I, 1921-1922, p. 91.
2
« Civ. 1ère, 5 mai 2004, n° 01-15.925, Bull. civ. I, n°124. Dans cette affaire, la Haute Cour a considéré que
la cour d'appel, ayant justement retenu que l'action en responsabilité introduite par Mme X... à l'encontre des
avocats suppléant son propre avocat, empêché, dans la gestion de son cabinet était, en l'espèce, de nature
extra-contractuelle et se trouvait ainsi soumise à la prescription édictée par l'article 2270-1 du Code civil, issu
» de la loi du 5 juillet 1985
3
Civ. 1ère , 18 mai 2004, n°01-13.844, Bull. civ. I, n°141, D. 2005. 194, RLDC 2004, n°322 ; Cass.,
ass.plén., 6 oct. 2006, n°05-13.255, D.255, D.2006. 2825, note G. Viney, JCP 2007. I. 115, chron. Ph.
Stoffel-Munck et JCP 2006. II, avis A. Gariazzo, note M. Biliau; Civ. 1ère , 15 mai 2007, n°05-16.926, Bull.
civ. I, n°193, D. 2007. 1594.
4
قرار محكمة االستئناف بالقنيطرة رقم 391بتاريخ ،1131/33/11ملف عدد .31/3310/311
5قرار محكمة االستئناف بالقنيطرة الصادر بتاريخ 1131/33/11في الملف رقم .1131/3310/311
6
S. Naoui, Obligations et responsabilités de l’avocat, thèse pour l’obtention de grade de docteur, Université
de Grenoble, 2014, p : 82.
695
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
كما سبقت اإلشارة إلى ذلك فإن العالقة التي تربط المحامي بزبنائه عالقة تعاقدية
ماعدا فيما يتعلق بالتعيين التلقائي والتي الزال فيها نقاش ،1هذا التوجه أكدته مجموعة من
األحكام القضائية .2نفس األمر بالنسبة لاللتزام باإلعالم الذي يقع على عاتق المحامي عند
3
تحرير العقود أو الوثائق.
وبما أن قواعد المسؤولية التعاقدية هي التي تحكم عالقة المحامي بزبونه فالبد من
تحديد طبيعة هذا العقد (أ) وإمكانية التأمين عن المسؤولية المدنية للمحامي في هذا اإلطار
(ب).
الرأي السائد هو أن المحامي ،يتصرف في إطار عقد وكالة أو عقد شركة ،وهي
ازدواجية ال تثير الدهشة وذلك لقيامه بأنشطة عديدة منها القضائية والقانونية.
هذان العقدان لهما أوجه تشابه من حيث غرضهما المتمثل في أداء مهمة محددة،
بأكبر قدر من االستقالل ،غير أن التعامل مع مسؤولية المحامي يختلف حسب طبيعة كل
عقد على حدة ،فالمحامي يقوم بأداء جزء مهم من عمله في إطار وكالة خاصة
» « mandat ad litemأو تفويض خارج نطاق القضاء «mandat extra-
» .judiciaire
ونظ ار لغياب عقد خاص " "sui generisيحدد طيبعة العالقة التي تجمع المحامي
نسبيا في الواقع ،ويتم تكييف هذه
بزبونه يضل اإلطار التعاقدي ألنشطة المحامي متباينا ً
العالقة التعاقدية بحسب طبيعة الخدمة المقدمة كالدفاع والتمثيل واالستشارة وصياغة العقود
وغيرها.
1
P. Cassuto-tetaud, La responsabilité des professions juridiques devant la première chambre civile, Rapport
de la cour de cassation de 2002, p. 175.
2
V. not. Civ. 1ère , 21 mars 2006, n°05-14.136 ; civ. 1ère , 12 mars 2002, JCPE 2002. 1335, note F.
Pasqualini .
3
Civ. 2e , 2 oct. 2007, n°06-16.936, RCA 2007. 357.
696
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وفيما يخص التمثيل القانوني فيقوم به المحامي في إطار وكالة خاصة ،ويجب التمييز
بين أنشطة المحامي غير القضائية والتي تتم في إطار عقد الوكالة وفق أحكام ظهير
االلتزامات والعقود والقانون المنظمة للمهنة ،واألنشطة التي تتم في إطار عقد الشركة
خصوصا عندما تقدم خدمة دون تمثيل المحامي للزبون.
وفيما يتعلق بأنشطة المحامي األخرى ،كقيامه بمهمة المحكم أو الوسيط في المنازعات
أو إبداء الخبرة القانونية أو القيام بالمفاوضات وغيرها من المهام أو الخدمات األخرى فإن
نظام المسؤولية تحدده طبيعة كل مهمة يقوم بها المحامي على حدة.
يفرض المشرع على المحامي اكتتاب بوليصة تأمين تؤمن مسؤوليته المدنية في حالة
ارتكابه خطأ أو إهمال الذي قد يقع فيه أثناء ممارسة أنشطته المهنية المختلفة.
وعمليا تقوم النقابة باكتتاب عقد تأمين يهم كافة المحامين األعضاء فيها وفق أحكام
المادة 33من القانون المنظم للمهنة .األمر عينه على مستوى القانون المقارن ،حيث تقوم
كل نقابة للمحامين إلزاميا بتأمين جميع أعضائها في فرنسا ،مثال ويمكن للمحامي الذي يجد
نفسه يدافع عن مصالح أكثر أهمية أن يكتتب تأمينا إضافيا األمر الذي توصي به النقابة.
ويشمل التأمين في فرنسا األخطاء العمدية للمحامي كقيامه باختالس األموال التي حولها له
1
الموكل ،على سبيل المثال.
ويقدم القانون الفرنسي نموذجا لكيفية تبسيط المساطر فيما يخص تفعيل مساءلة
المحامي مدنيا ،حيث يكفي أن يكتب الموكل إلى محاميه ويخبره أنه يعتبر أنه ارتكب خطأ
عند قيامه بمهمة الدفاع مع بيان أوجه الخطأ ،فيقوم المحامي جراء ذلك بإخبار شركة
وديا على المدعي إذا ثبت لديها فعال وجود خطأ ،وفي حالة
تعويضا ً
ً التأمين والتي تقترح
النزاع ،يرجع األمر إلى المحكمة وال يتولى المحامي مهمة الدفاع عن نفسه.
1
Environ trois millions et demi d'euros à Paris. http://www.maitre-eolas.fr/post/2006/01/02/262-la-
responsabilite-des-avocats, dernière visite le 30/04/2020.
697
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
كما تقوم جريدة النقابة Bulletin du Barreauبشكل منتظم بنشر ق اررات ووثائق
شيوعا مع أمثلة عن التكاليف ،وذلك لتنوير المحامين وتحسيسهم بكيفية
ً باألخطاء األكثر
تجنب هذه االخطاء مستقبال.
وختاما ال يمكننا إال القول أن المحامي يعتبر حامل شعلة الحرية ،المدافع عن الحقوق،
الضامن للعدالة ،وهو الذي ينير طريق المتقاضين ،إال أنه يبقى إنسانا واإلنسان معرض
للخطأ وذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم'' :كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين
التوابون''.
698
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
Introduction
Le notariat est une profession étendue, dotée d’un statut particulier et de
fonctions qui la différencient clairement de toutes les autres professions
juridiques.
En outre, le notaire est un professionnel qui a le pouvoir d'authentifier les
actes en apposant son sceau et sa propre signature. Il constate ainsi
officiellement la volonté exprimée par les personnes qui les signent et s'engage
personnellement sur le contenu et sur la date de l'acte. Ce dernier s'impose alors
avec la même force qu'un jugement définitif, sauf que ces actes authentiques ne
sont pas susceptibles de soulever des contestations ultérieures ou des
interprétations diverses1.Il est à ce titre le magistrat de l'amiable, et l’acteur
d'une justice non contentieuse.
Le notaire exerce ses fonctions dans un cadre libéral2 conformément aux
conditions et attributions prévues par la loi 32-093 et par les autres textes
particuliers régissant la profession. Il est nommé par arrêté 4 du chef du
gouvernement pris sur proposition du ministre de la justice après avis de la
commission prévu à l’article 11 de la loi 32-095. Tandis qu’auparavant, il était
nommé par Dahir.
1
Saad Lahrichi, la responsabilité du notaire en droit français et en droit marocain, édition la porte, 2008, page
87.
2
L’article 35 de la loi 32-09 relative à l’organisation du notariat au Maroc dispose que : « Le notaire, sauf
dispositions contraires de la loi, reçoit les actes auxquels la loi impose le caractère d'authenticité attachée aux
actes de l'autorité publique, ou auxquels les parties veulent donner ce caractère. Il constate la date des actes
et assure la conservation des minutes et en délivre exemplaires et copies ».
3
La loi 32-09 relative à l'organisation de la profession de notaire est promulguée par le Dahir n° 1- 11-179
du 25 hija 1432. (B.O. n° 6062 du 5 juillet 2012).
4
L’article 10 de la loi 32-09 dispose que l’arrêté fixe le lieu d'exercice de la profession de notaire.
5
La commission est prévue par l’article 11 de la loi 32-09 qui dispose que : « La commission chargée de
donner son avis sur les nominations, mutations, dispenses, nominations à nouveau et poursuites disciplinaires
des notaires et des stagiaires est composée du : - Ministre de la justice, président ou son représentant ; -
699
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
Ministre chargé des finances ou son représentant ; - Secrétaire général du gouvernement ou son
représentant».
1
Dahir relatif à l'organisation du notariat (B.O. 23 juin 1925, rectifié le 29décembre 1925).
2
La loi 32-09 est entrée en vigueur le 24 Novembre 2012.
3
Article 77 du D.O.C dispose que : «Tout fait quelconque de l’homme qui, sans l’autorité de la loi cause
sciemment ou volontairement à autrui un dommage matériel ou moral, oblige son auteur à réparer le dit
dommage lorsqu'il est établi que ce fait en est la cause direct ».
Ce grand principe est bien entendu applicable au notaire dans l’exercice de ses fonctions, la responsabilité
notariale constituant une des branches de la responsabilité professionnelle.
700
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
1
Article 29 de la loi n° 32.09.
701
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
montant et les modalités de perception des honoraires sont fixés par voie
réglementaire1.
De plus, la partie de la doctrine2 soutenant que la responsabilité civile du
notaire est de nature contractuelle s’est basée dans sa théorie sur la possibilité de
rattacher l’intervention du notaire aux "contrats de mandat", ou sur "les quasis
contrats de gestion d’affaires". C’est le cas par exemple lorsqu’il est chargé de
renouveler une inscription hypothécaire, de procéder à des liquidations et
partages, d’effectuer une négociation, etc.
Cependant, de nombreux arguments viennent s’opposer à la qualification
contractuelle par rapport au "mandat" et "la gestion d’affaire". En effet, la
spécificité du mandat réside dans la représentation. Le mandataire s’engage à
accomplir un acte juridique au nom et pour le compte de son mandant ; le
notaire intervient à l’acte pour le mandant. Or, la représentation n’est pas une
fonction naturelle du notaire.
1
Article 15 de la loi n° 32.09.
.202 و201 . الرباط الطبعة الثانية ص، مكتبة دار السالم، التوثيق العصري المغربي،عبد المجيد بوكبر2
من ظهير3 لكن عمال بالفصل..." : ما يلي1133/33/13 بتاريخ1113/0111/3/1 ملف مدني عدد،5178 نصت حيثيات القرار عدد3
المتعلق بتنظيم التوثيق فان الموثقين ملزمون بالقيام باإلجراءات المتعلقة بتأمين فعالية العقود مثل االشهار أو التبليغات أو3315-15-10
من نفس الظهير فانهم مسؤولون عن األضرار الناتجة عن اخطائهم13 التقييدات أو التشطيبات عن التقييدات الرهنية أو غيرها …وعمال بالفصل
."ع فإنه يعد خطأ فعل ما كان يجب اإلمساك عنه.ل. من ق19 المهنية وحسب الفصل
702
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
1. La faute
Le législateur marocain a organisé la faute contractuelle dans l’article 263
du D.O.C, et la faute délictuelle dans l’article 78 du D.O.C. Sauf que, d’une
manière générale, la faute du notaire suppose toujours l’existence d’une
obligation, d’un devoir, qui lui incombe du fait de sa profession. Elle s’apprécie
donc par référence aux diverses obligations ; que son statut lui impose ; pour la
sauvegarde tant des intérêts de ses clients que des droits des tiers et de ses
confrères.
Dans l’article 491 de la loi 32-09, le législateur a différencié les fautes
causant la nullité des actes auxquelles le tribunal peut prononcer la nullité à la
1
L’article 49 de la loi 32-09 dispose que : «Tout acte reçu en la forme authentique et dressé en violation des
dispositions des articles 30, 31, 32, 37, 39 et 40 de la présente loi est nul s'il n'est pas émargé de la
signature de toutes les parties. S'il est revêtu de la signature de toutes les parties, il est seulement considéré
comme un acte sous-seing privé et donne lieu au paiement des indemnités par le notaire dans les deux cas et
la possibilité d'appliquer les sanctions disciplinaires et pénales à son encontre. Les mêmes dispositions sont
applicables lorsqu'un notaire reçoit un acte en dehors de son étude contrairement aux dispositions de l'article
12 ci-dessus ou lorsqu'il le reçoit alors qu'il est suspendu ou révoqué. Le tribunal prononce la nullité à la
demande de toute personne intéressée ou du ministère public. La nullité des actes qui ne respectent pas les
dispositions des articles 38 et 46 de la présente loi peut être invoquée, avant toute défense sur le fond, par
toute personne concernée et donne lieu au paiement d'indemnités et à la possibilité d'appliquer les sanctions
disciplinaires et pénales à l'encontre du notaire ».
703
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
1
:اإللكتروني الموقع أنظر ،1133 غشت 13 ،للموثق المدنية المسؤولية حول قانوني بحث ،بوي المهدي .ذ
https://www.a7wallaw.com/11196
2
Articles 30 et 31 de la loi 32-09.
3
Premier aliéna de l’article 37 relatif à la loi 32-09.
4
Second aliéna de l’article 37 relatif à la loi 32-09.
5
Article 46 de la loi 32-09.
6
Article 38 de la loi 32-09.
7
"…لكن حيث إن الوقائع المتمسك بها من: ما يلي1130/11/11 بتاريخ،1131/3/0/1311 ملف إداري عدد،190 نصت حيثيات القرار عدد
قبل الطالب ال تعفيه من تطبيق القانون باستيفاء اليمين عن كل شخص يكلف أمامه بالترجمة لفائدة الغير متى كان ال يتوفر على صفة ترجمان
في غياب تنازل كتابي صريح من الطرف الذي تتم الترجمة لفائدته وأن ذلك يندرج في إطار االلتزامات المهنية الملقاة على عاتقه بحكم،محلف
ومن جهة ثانية فإن سقوط الدعوى العمومية لم يمنع محكمة االستئناف الجنحية من،مهامه التي تستلزم الحرص على حقوق جميع المتعاقدين
معاينة ثبوت األفعال التي كانت منسوبة إليه و ترتيب اآلثار القانوني على ذلك بإلزام ورثة الهالك بأداء تعويض لفائدة المشتكية في إطار الدعوى
مما يجعل ما تمسك به الطالب في هذا اإلطار من تجريد القرار المذكور من أية حجة بالنسبة للوقائع موضوع المتابعة التأديبية التي،المدنية التابعة
." ... تم تحريكها في حقه منعدم األساس وما بالوسيلتين معا غير جدير باالعتبار
704
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
Dès lors, la réalisation de la faute notariale ne peut être constituée que par
le manquement à une obligation professionnelle (1.1), et elle peut être soit du
fait du notaire, soit du fait d’autrui (1.2). La preuve de la faute notariale est
également à envisager dans ce cadre (1.3).
1
Il suffit pour s’en convaincre de se référer à l’article 488 du D.O.C qui dispose que: « la vente est parfaite
entre les parties dès qu’il y a consentement entre les parties, l’un pour vendre, l’autre pour acheter, et qu’ils
sont d’accord sur la chose, le prix et les autres clauses du contrat ».
2
Article 489 du Dahir (9 ramadan 1331) formant Code des obligations et des contrats (B.O. 12 septembre
1913).
3
Article 620 du D.O.C.
705
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
1
Cet article dispose que: « Lorsque la vente a pour objet des immeubles, des droits immobiliers ou autres
choses susceptibles d'hypothèques, elle doit être faite par écriture ayant date certaine …».
2
حيث إنه لما كانت مقتضيات الفصل،.." : ما يلي1133/31/11 بتاريخ1131/1/3/1133 ملف عدد،5101 نصت حيثيات القرار عدد
وكانت وثائق الملف ال تتوفر على أي، تنص على أن البيع الواقع على عقار محفظ يجب أن يجري في محرر ثابت التاريخ،ع.ل. من ق093
لما لم، وهي على صواب، تكون قد أصابت صحيح القانون، فإن المحكمة لما ردت الدعوى،مستند يفيد وقوع البيع بالشكل المقرر في هذا الفصل
يتضمن إتفاقهما على الثمن، مادام الطرفان لم يوقعا أمامه عقد مكتوب، التي ال تعتبر حجة في وقوع البيع،تلتفت إلى الشهادة الصادرة على الموثق
." ... وبقية الشروط،والمثمن
706
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
contrat, empêchant ainsi tous les défauts qui pourrait nuire aux parties et
provoquer des conflits1.
Dans un autre arrêt de la cour de cassation, cette dernière a jugé que la
conclusion par le notaire de la promesse de vente concernant un appartement qui
s’est avéré par la suite greffé d’une hypothèque au profit d’une banque,
constitue une violation aux obligations professionnelles qui lui incombe, vu
qu’il est obligé de s’assurer de la sécurité de l’état de la chose vendue, et qu’elle
ne comporte aucune inscription qui pourrait porter atteinte aux intérêts de
l’acquéreur. La cour a justifié sa position par le fait que les notaires ou leurs
substituts ont l’obligation de conseiller les contractants, et de leur révéler tout ce
qui peut résulter de l’objet du contrat, sans faire la distinction si le contrat reçu
par le notaire est authentique ou sous seing privé2.
Ainsi, plusieurs qualités sont exigées du notaire à savoir, la loyauté qui
signifie que le notaire ne doit rien cacher à son client, aussi bien les éléments
favorables que ceux défavorables, le conseil doit être donné non seulement eu
égard aux circonstances présentes, mais également en fonction de ce qui pourra
se produire dans l’avenir.
Le désintéressement qui prône que l’intérêt du notaire doit toujours céder
le pas à l’intérêt du client, la défense fiscale du client par exemple est un devoir
pour le notaire qui devra conseiller la solution la plus économique. Dans cette
même logique, le notaire devra aussi s’abstenir d’établir des actes qui ne sont
pas absolument indispensables dont les frais sont dits frustratoires.
Ensuite, la compétence technique et intellectuelle est une autre qualité
exigée du notaire. En effet, ce professionnel du droit doit être dynamique dans
ses conseils. S’il veut bien pouvoir conseiller utilement, il doit être au courant de
la législation, non seulement celle apprise au cours de ses études dans
l’université et au cours des stages de formation, mais de la législation la plus
récente qui évolue avec une si grande célérité. On constate donc que l’exercice
de cette profession exige une mise à jour continuelle des connaissances du
1
حيث إن مهمة الموثق عمال بأحكام..." : ما يلي1133/31/11 بتاريخ1131/1/3/1133 ملف عدد،5101 نصت حيثيات القرار عدد
فإنه، بل أبعد من ذلك، ال تقف عند حد إضفاء الصبغة الرسمية على االتفاقات بين األطراف، المحتج به3315/1/11 الفصل األول من ظهير
دون أن تشوبه أي شائبة من شأنها اإلضرار باألطراف وإثارة، وأمينا وحريصا على أن يتم التعاقد في أحسن الظروف،يعتبر مستشا ار ومرشدا لزبنائه
."...النزاعات
3315 ماي10 لكن حيث إن مقتضيات الفصل االول من ظهير..." : ما يلي1131/1/3/3993 ملف عدد،310 جاء في القرار عدد2
المتعلق بتنظيم مهنة التوثيق العصري سواء في شقه األول أو الثاني يلزم الموثقين العصريين أو نوابهم بأن ينصحوا المتعاقدين وأن يكشفوا لهم ما
فإن المحكمة لما اعتمدت في... ، دون تمييز ما إذا كان العقد الذي يتلقاه الموثق رسميا أو عرفيا،قد يعترضهم فيما يرجع لموضوع عقودهم
وإعتبرت أن الموثق ملزم بالتأكد من سالمة وضعيه المبيع وخلوه من أي تقييد من،3315 ماي5 تعليالتها مقتضيات الفصل االول من ظهير
تكون قد طبقت مقتضيات الفصل المذكور تطبيقا سليما ولم تخرق طبيعة العقد موضوع،شأنه أن يضر بالمشتري واعتبرته بالتالي مخال بواجبه
."... فعللت بذلك قرارها تعليال سائغا وما بالوسيلة بفرعيها األول والثاني على غير أساس،النزاع
707
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
notaire, les points de droit doivent être vérifiés et les notaires ne doivent point
hésiter à s’entourer de tous les renseignements nécessaires, c’est ce qu’on
appelle "la veille juridique".
1
L’article 85 du D.O.C dispose que: « On est responsable non seulement du dommage que l'on cause par
son propre fait, mais encore de celui qui est causé par le fait des personnes dont on doit répondre.
Le père et la mère après le décès du mari sont responsables du dommage causé par leurs enfants mineurs
habitant avec eux ; Les maîtres et les commettants, du dommage causé par leurs domestiques et préposés
dans les fonctions auxquelles ils les ont employés ; Les artisans, du dommage causé par leurs apprentis
pendant le temps qu'ils sont sous leur surveillance ; La responsabilité ci-dessus a lieu à moins que les père et
mère et artisans ne prouvent qu'ils n'ont pu empêcher le fait qui donne lieu à cette responsabilité. Le père, la
mère et les autres parents ou conjoints répondent des dommages causés par les insensés et autres infirmes
d'esprit, même majeurs, habitant avec eux, s'ils ne prouvent:
1. Qu'ils ont exercé sur ces personnes toute la surveillance nécessaire;
2. Ou qu'ils ignoraient le caractère dangereux de la maladie de l'insensé;
3. Ou que l'accident a eu lieu par la faute de celui qui en a été la victime. La même règle s'applique à ceux
qui se chargent, par contrat, de l'entretien ou de la surveillance de ces personnes.
708
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
1
L’article 400 du D.O.C dispose que : « Lorsque le demandeur a prouvé l'existence de l'obligation, celui qui
affirme qu'elle est éteinte ou qu'elle ne lui est pas opposable doit le prouver ».
2
محكمة االستئنا ف قلبت عبء اإلثبات وكلفت الموثق بإثبات أن مبلغ الشيك..." : ما يلي1130/11/39 بتاريخ310 نصت حيثيات القرار عدد
في حين أنه كان على المطلوب أن يثبت أن مبلغ الشيك وإن كان قد سحب من حسابه، من ق ل ع011 صرف لغيره عمال بمقتضيات الفصل
ولم يتم صرفه وال يزال... بل تسلم الشيك رقم... والموثق لم يتسلم أصال الشيك رقم،فإن عليه أن يثبت الحساب الذي حوله إليه مبلغ الشيك
وأن الحكم المطعون فيه يتسم بعدم االرتكاز على أساس عندما أغفل تقييم مجموعة عناصر إثباتية أو لمجموعة من الوقائع،بحوزته لعدم إتمام البيع
."...أثبتت في الحكم
3
" …إن مهمة الموثق تتمثل: المذكور آنفا ما يلي1133/33/13 بتاريخ1113/0111/3/1 ملف مدني عدد،5178 نصت حيثيات القرار عدد
في تحقيق نتيجة المعاملة الحاصلة بكل تحيد والقيام باإلجراءات الكفيلة بإبرام العقد وبذلك تكون اعتمدت ذلك في اعتبار الطالب مسؤوال على ما
سبق بغض النظر عن عدم توجيه االنذار للبائعة وأجابت عن دفوع الطالب فركزت قضائها على أساس وجاء قرارها معلال و يبقى ما استدل به على
."…غير أساس
709
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
2. Le dommage
Assurément, le notaire ne saurait être responsable que si sa faute a causé un
dommage. Le mot dommage vise tout préjudice subi par la personne (client ou
tiers). Il est constitué, non seulement par la perte effective que la victime a
éprouvée, mais également du gain dont elle a été privée et des dépenses qu’elle a
dû ou devrait faire afin de réparer les suites de l’acte commis à son préjudice.
Par ailleurs et conformément au droit commun de la responsabilité, pour
ouvrir droit à réparation, le dommage doit réunir trois caractères :
710
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
تكون المحكمة قد بنت قرارها على... " : ما يلي1131/11/11 بتاريخ1119/5/3/1391 ملف إداري عدد911 نصت حيثيات القرار عدد 1
أساس لما ثبت لها أن الموثق الذي أنجز عقد بيع العقار لم يقم بتسجيله بالمحافظة العقارية لكونه كان مثقال بحجز تحفظي لفائدة الغير وقضت في
أدى خاللها، المتمثل في حرمانه من الحيازة القانونية للعقار مدة سنة،مواجهته شخصيا وكذلك البائع بالتعويض عن الضرر الالحق بالمشتري
معتبرة بما لها من سلطة تقديرية أن الحيازة الفعلية للعقار من طرف المشتري بتسلم مفاتيحه من،أقساط قرض وفوائد بنكية وتعرض لخسائر مادية
إذ أن تعذر الحيازة القانونية للعقار بسبب الحجز يحرم المشتري من،البائع فور إبرام العقد التوثيقي غير كافية وحدها للقول بعدم وجود الضرر
.… " التصرف فيه بالبيع
711
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
، مقال منشور بمجلة الوكالة القضائية للمملكة، الطبيعة القانونية لصندوق ضمان الموثقين وآثارها على المنازعات القضائية:عبد الرحيم أزغودي 1
712
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
1
Conformément aux dispositions de l’article 26 de la loi n° 32-09 qui réglemente la profession du notariat.
713
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
714
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
donc été libre dans l’interprétation de ce terme. D’ailleurs, c’est ce qu’on a pu
constater lors de la lecture de quelques arrêts de la cour de cassation. Celle-ci a
considéré dans plusieurs occasions que la fermeture du bureau du notaire et sa
fuite vers l’étranger est une preuve de son insolvabilité. En effet, dans un arrêt,
la cour de cassation a jugé que le cas du notaire ayant détourné les fonds de son
client et s’est enfuit vers un pays étranger, constitue une preuve de son
insolvabilité ce qui oblige le Fonds d’assurance à remplacer le notaire dans le
remboursement des sommes dues1.
Dans un autre arrêt de la cour de cassation, celle-ci a jugé nécessaire de
chercher dans le patrimoine du notaire avant d’engager la responsabilité du
Fonds d’assurance des notaires et de se prononcer sur l’insolvabilité du notaire 2.
Par Exemple le procès-verbal fait par l’huissier et mentionnant la fermeture de
l’étude du notaire, et son absence de son lieu de travail, n’est pas une preuve
suffisante pour prononcer l’insolvabilité du notaire. Aussi, le procès-verbal
indiquant l'absence de biens à saisir, ne peut pas être pris en compte, car il a été
fait dans le domicile de la mère du notaire. Selon la cour de cassation, il aurait
fallu rechercher les biens appartenant au notaire par tous les moyens juridiques
possibles. La charge de la preuve de l’insolvabilité du notaire incombe au
demandeur3.
D’un autre côté, la jurisprudence marocaine démontre la problématique
relative à la fuite vers l’étranger des notaires après le détournement des sommes
dues à leurs clients. Plusieurs vas et viens des notaires entre le Maroc et
l’étranger sont constatés, les justiciables dénoncent des complicités aux
1
نصت حيثيات القرار عدد 11/3في الملف المدني عدد 1131/3/3/1911بتاريخ 1139/11/13ما يلي ..." :المحكمة لما اعتبرت بأن
العجز عن الوفاء الموجب لمقاضاة صندوق الضمان المالي للموثقين ليس العجز عن الوفاء با لتزام تعاقدي كاالحتفاظ بمخلف ثمن بيع عقار وإنما
العجز عن تسديد التعويضات المترتبة عن األخطاء المهنية المترتبة من الموثقين وأن الصندوق يعد في حقيقته صندوقا للتأمين والحال أنه من جهة
أولى فإن ما قام به الموثق فيه مساس بقواعد وأصول المهنة ألن األموال التي كانت مودعة بين يديه كانت في إطار وديعة قصد تسليمها للطاعنين
في إطار مسؤوليته المهنية الصرفة ومن جهة أخرى فإن عدم وجود أموال لدى الموثق يمكن استيفاء الديون منها وف ارره خارج الوطن يجعله في حالة
عسر يستوجب إحالل صندوق الموثقين في الدعوى ...تكون قد عللت قرارها تعليال كافيا."...
2
نصت حيثيات القرار عدد 0001في الملف المدني عدد 1131/1/3/1530بتاريخ 1133/31/39ما يلي..." :اعتبرت محكمة االستئناف أن
عسر الموثق ثابت لكونه لم يعثر عليه وأن ف ارره يؤكد عسره ولم يثبت الطاعن عمارة ذمته بممتلكات للحجز عليها ،في حين أن ما اعتمده القرار
مجرد قرينة ال يمكن اعتمادها في إثبات عسر الموثق .ما دام البحث عن أمالك الموثق يكون بالحجج الرسمية ويقع عبء إثبات ذلك على المدعي
وليس الطاعن خالف لما اعتبره القرار المطعون فيه." ...
3
نصت حيثيات القرار عدد 93في الملف المدني عدد 1119/1/3/1115بتاريخ 1131/13/11ما يلي..." :محكمة االستئناف اعتمدت فيما
قضت به على محضر إخباري يفيد أن مكتب الموثق مغلق في حين أن عدم العثور عليه بمكتبه ال يعد قرينة على اإلعسار كما أن محضر
إخباري يفيد ان مكتب الموثق مغلق في حين ان عدم العثور عليه بمكتبه ال يعد قرينة على اإلعسار كما أن محضر عدم وجود ما يحجز والذي لم
يطلع عليه الطاعن ال يمكن االعتداد به ألنه تم إنجازه باالنتقال إلى مسكن والدة الموثق وال يعقل أال يجد به أي منقول .وألنه من جهة أخرى كان
ينبغي البحث عن ممتلكات الموثق بشتى الوسائل المتاحة قانونا وواقعا وألن عبء اإلثبات يقع على من يدعي وليس كما إرتأت محكمة اإلستئناف
في مطالبة الطاعن بإثبات عكس ما ورد بمقال الدعوى تطبيق للفصل 011من ق.ل.ع .ما دام أن هذا الفصل ال ينطبق على النازلة."...
715
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
1
Article 65 de la loi 32-09.
2
Article 67 de la loi 32-09.
3
Article 68 de la loi 32-09.
716
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
tenu de répondre aux questions qui lui sont adressées et aux exigences de
l'inspection1.
En ce qui concerne les stagiaires de la profession, en cas de manquement à
leurs obligations de stage ou d'un acte portant atteinte à la dignité de la
profession, ils encourent l'une des sanctions disciplinaires suivantes :
; ‐ L'avertissement
; ‐ Le blâme
‐ Mettre un terme au stage2.
En sus, tout notaire qui enfreint les textes législatifs régissant la profession,
manque à ses obligations professionnelles, commet des actes portant atteinte à
l'honneur, à l'intégrité, à l'impartialité, aux bonnes mœurs ou aux coutumes et
traditions de la profession3, est passible de sanctions disciplinaires prévues à
l’Article 75. On y trouve ainsi :
; ‐ L'avertissement
; ‐ Le blâme
‐ La suspension de l'exercice de la profession pour une durée
; n'excédant pas douze mois
‐ La révocation.
D’ailleurs, la cour de cassation avait condamné un notaire à une suspension
de l’exercice de la profession pour une durée de 3 mois, parce qu’il n’a pas
informé les parties de l’état réel de l’immeuble, ce qui constitue selon la cour un
manquement aux obligations professionnelles4.
1
Article 69 de la loi 32-09.
2
Article 72 de la loi 32-09.
3
Article 73 de la loi 32-09.
4
نصت حيثيات القرار عدد 191في الملف عدد 1131/3/0/1930بتاريخ 1135/11/33ما يلي..." :لكن ،حيث لما كان الموثق الموكولة
إليه قانونا مهمة توثيق العقود وإضفاء طابع الرسمية عليها ملزمة بالتقيد في سلوكه المهني بمبادئ التجرد والنزاهة والشرف والحفاظ على حقوق
ومصالح طرف العقد ،فإن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه بما جاءت بعد إلغاء الحكم المستأنف والتصدي من كون الفقرة الخامسة من الفصل
11من ظهير 3315/15/10تمنع ع لى الموثق االحتفاظ لديه ألكثر من شهر بالمبلغ المودع لديه لحساب الغير ،وأن الطالبة خالفت ذلك
المقتضى القانوني وبررته بالسهو مع طلب االعتذار ،مما يجعل المخالفة المتعلقة باالحتفاظ بوديعة لمدة تفوق الشهر ثابتة في حقها وأنه يتعين
مؤاخذتها من أجلها ،وبخصوص مخالف تي القيام باإلجراءات الخاصة لضمان حجية العقد والمساس بالثقة التي يتعين على الموثق بعثها في النفوس،
من كون الطالبة التي عرض عليها طرفا العقد مشروع عقدهما المتمثل في بيع أحدهما لآلخر العقار المحفظ ...والذي تقيد شهادة المحافظة
العقارية كونه عقا ار عاريا ،في ح ين أنهما رغبا في التعامل في مسكن من سفلي وطابقين ،كان عليها أن ال تقدم على تحرير عقد نهائي إال بعد
مراجعة المحافظة العقارية لمعرفة آخر وضعية عليها العقار بتاريخ إرادة كتابة العقد بشأنه للتأكد من مدى إمكانية التعاقد بشأنه دون مشاكل ،أو أن
مشاكل تنتظر حلها ،وبالتالي إمكانية التعامل فيه من عدمه ،وإخبار الطرفين بذلك ليكونا على بينة منه وليتحمال مسؤولية بعد تضمين ذلك في
العقد ،وهو ما تساهلت فيه الموثقة الطالبة فكانت بذلك مقصرة خاصة وأنه تم تقييد حجز تحفظي على العقار المبيع قبل إنجازها ملحقا لعقد البيع
النهائي المحرر لتصحح به وضعية المبيع ،واعتبرت المحكمة كون المخالفتين المنسوبتين للطالبة ،والمشار إليهما أعاله ،ثابتتين في حقها أيضا،
وأخذتها من أجلهما باإليقاف عن مزاولة المهنة مؤقتا لمدة ثالثة أشهر وتحميلها الصائر ،فإنها تكون قد عللت قرارها تعليال سائغا وكافيا وبنته على
أساس قانوني صحيح وسليم ." ...
717
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
1. La concussion
1
Article 243 du code pénal marocain.
718
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
que les honoraires qui lui sont dus et les frais justifiés engagés pour les parties à
l'acte».
2. La corruption
La corruption est un comportement par lequel une personne "le corrompu"
sollicite, agrée ou accepte un don, une offre ou une promesse, des présents ou
des avantages quelconques en vue d'accomplir, de retarder ou d'omettre
d'accomplir un acte entrant d'une façon directe ou indirecte dans le cadre de ses
fonctions1.
Tout notaire qui détourne, dissipe, retient indûment ou soustrait des deniers
publics ou privés, des effets en tenant lieu ou des pièces, titres, actes, effets
mobiliers qui étaient entre ses mains, soit en vertu, soit à raison de ses fonctions,
est puni de la réclusion de cinq ans à vingt ans et d’une amende de 5.000 à
100.000 dirhams. Si les choses détournées, dissipées, retenues ou soustraites
sont d'une valeur inférieure à 100.000 dirhams, il est puni d'un emprisonnement
de deux ans à cinq ans et d’une amende de 2.000 à 50.000 dirhams 2.
3. Abus de confiance
1
Article 248 du code pénal marocain.
2
Article 241 du code pénal marocain.
719
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
par le client au notaire. Ce dernier n’a donc pas le droit de l’utiliser ou bien de le
retenir1.
4. Escroquerie
L’escroquerie est définie par l’article 540 du code pénal comme suit :
« Quiconque, en vue de se procurer ou de procurer à un tiers, un profit
pécuniaire illégitime, induit astucieusement en erreur une personne par des
affirmations fallacieuses, ou par la dissimulation de faits vrais, ou exploite
astucieusement l'erreur où se trouvait une personne et la détermine ainsi à des
actes préjudiciables à ses intérêts pécuniaires ou à ceux d'un tiers ».
Comme toute infraction pénale, l'escroquerie suppose une intention
frauduleuse, c’est-à-dire que le notaire ait agit de mauvaise foi, en sachant que
les moyens auxquels il a eu recourt sont répréhensibles.
Dans la pratique, le notaire reçoit le montant de la vente. Dans le cas où il
garde cet argent pour son intérêt personnel et ne le présente pas à la Caisse de
Dépôt et de Gestion, on considère qu’il commet une escroquerie.
Tout notaire jugé coupable d’escroquerie est puni de l’emprisonnement de
1 à 5 ans et d’une amende de 500 à 5000 Dirhams. Il peut aussi faire face à des
peines complémentaires à savoir être inculpé pour cinq ans au moins et dix ans
au plus et de l’interdiction d’un ou plusieurs des droits mentionnés à l’article 40
du code pénal et de l’interdiction de séjour2. Toute tentative est punissable
comme si l’infraction a été consommée.
5. Le faux en écriture
1
لكن من جهة فإن خيانة... " : ما يلي1133/31/39 بتاريخ1131/1/3/1530 في الملف المدني عدد0001 نصت حيثيات القرار عدد
الموثق لألمانة بف ارره دون تمكين زبونه من باقي ثمن العقار المودع بين يديه وإن كان يشكل جريمة في إطار القانون الجنائي فإنه يندرج ضمن
) التصرف فيها أو3315 ماي0( بما ان ما احتفظ به هو وديعة لديه ال يمكنه وحسب القانون المنظم لمهنة الموثقين،االخطاء المهنية للموثق
."... االحتفاظ بها
2
Article 546 du code pénal marocain.
3
Article 351 du code pénal marocain.
720
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
prendre le nom d’emprunt dans lequel il est notoirement connu ne constitue par
une fausse signature. A moins, qu’il n’ait eu l’intention et la possibilité de
causer un préjudice.
En outre, le notaire commet un faux si, profitant des signatures véritables
des parties, il insère des écritures et constate des faits et conventions non
consentis par les parties, ou fait figurer comme présent à un acte une personne
autre que celle qui s’est effectivement présentée.
Cette infraction qui paraît faiblarde, est en réalité un crime passible de la
réclusion perpétuelle1.
1
Article 352 du code pénal marocain dispose que: «est puni de la réclusion perpétuelle tout magistrat, tout
fonctionnaire public, tout notaire ou adel qui, dans l'exercice de ses fonctions, a commis un faux: soit par
fausses signatures; soit par altération des actes, écritures ou signatures; soit par supposition ou substitution de
personnes; soit par des écritures faites ou intercalées sur des registres ou sur d'autres actes publics, depuis
leur confection ou clôture».
*L’Article 353 du code pénal marocain dispose que: « Est puni de la réclusion perpétuelle tout fonctionnaire
public qui, rédigeant des actes de sa fonction, en dénature frauduleusement la substance ou les circonstances,
soit en écrivant des conventions autres que celles qui ont été tracées ou dictées par les parties, soit en
constatant comme vrais des faits qu'il savait faux, soit en attestant comme ayant été avoués ou s'étant passés
en sa présence des faits qui ne l'étaient pas, soit en omettant ou modifiant volontairement des déclarations
reçues par lui».
2
L’article 241 dispose que :«Tout magistrat, tout fonctionnaire public qui détourne, dissipe, retient indûment ou
soustrait des deniers publics ou privés, des effets en tenant lieu ou des pièces, titres, actes, effets mobiliers
qui étaient entre ses mains, soit en vertu, soit à raison de ses fonctions, est puni de la réclusion de cinq ans à
vingt ans et d’une amende de 5.000 à 100.000 dirhams.
Si les choses détournées, dissipées, retenues ou soustraites sont d'une valeur inférieure à 100.000 dirhams,
le coupable est puni d'un emprisonnement de deux ans à cinq ans et d’une amende de 2.000 à 50.000
dirhams».
721
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
Conclusion
La responsabilité encourue par un notaire ne peut pas se comparer à celle
qui pèse sur un avocat ou un conseiller juridique, à la fois professionnellement
proches, mais statutairement éloignés et en tout cas différemment
responsabilisés.
1
Arrêt de la cour de cassation n° 35/6 dossier civil n° 2947/1/6/2017 en date du 16/1/2018.
2
Arrêt de la cour de cassation n° 3078, dossier n°4631/1/7/2009, en date du 28/06/2011.
3
L’article 275 du D.O.C dispose que : « La demeure du créancier ne suffit pas pour libérer le débiteur. Si
l'objet de l'obligation est une somme d'argent, le débiteur doit faire des offres réelles et, au refus du créancier
de les accepter, il se libère en consignant la somme offerte dans le dépôt indiqué par le tribunal ; si l'objet de
l'obligation est une quantité de choses qui se consomment par l'usage ou un corps déterminé par son
individualité, le débiteur doit inviter le créancier à la recevoir au lieu déterminé par le contrat ou par la nature
de l'obligation et, faute par le créancier de le recevoir, il se libère en le consignant dans le dépôt indiqué par le
tribunal du lieu de l'exécution, lorsque la chose est susceptible de consignation ».
722
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
1
Quelques aspects de la doctrine juridique à l'académie de législation : revue d'histoire des facultés de droit, p
50, 51. https://univ-droit.fr/docs/recherche/rhfd/pdf/09-1989/09-1989-p045-068.pdf
723
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
724
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
725
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
تعمل الوكالة القضائية للمملكة باعتبارها فاعال مؤسسيا مرجعيا في الميدان القانوني
والقضائي على إغناء النقاش أمام جميع محاكم المملكة ،والمساهمة في تطوير االجتهاد
القضائي ،وتتمظهر هذه اإلسهامات أساسا في التوجهات الجديدة التي تبناها القضاء
بخصوص نقط قانونية معينة.
ويخصص هذا المحور من المجلة إلبراز بعض أوجه تطور العمل واالجتهاد
القضائيين في مجال اختصاص ونشاط المؤسسة .وفي هذا اإلطار نورد بعض القواعد
القانونية التي إستقر عليها االجتهاد والعمل القضائيين فيما يتعلق بالمنازعات المرتبطة
بمسؤولية أشخاص القانون العام وأصحاب المهن القانونية والقضائية ،وعلى سبيل المثال
نذكر:
االختصاص:
.3ارار محامة النقض عدد 900والمؤرخ في 27ماي 2430والصادر في الملف
اإلداري رام 2430/3/0/3142
القاعدة:
على الرغم من تمتع المؤسسة العالجية المؤسسة بالشخصية المعنوية واالستقالل المالي،
وتعيين مديرها بظهير شريف وإعفائها من الضرائب والرسوم عن األنشطة التي تقوم لها
والمتبلية في تقديم خدمات طبية للمرضى وإنشاء إدارة مؤسسات عالجية فإنها تندرج
ضمن أشخاص القانون الخاص ،ما دامت تخضع للقوانين السارية على المؤسسات
العالجية الخاصة ،ولقواعد المحاسبة التبارية .وما دام األمر يتعلق فقط بامتيازات
ااتضتها طبيعة نشاط المؤسسة ،وظروف إنشائها وهي غير كافية للقول لتبعيتها للدولة
أو اعتبارها من أشخاص القانون العام ،وترتيب اختصاص القضاء اإلداري للبت في
دعاوى التعويض عن األضرار المنسوبة إليها على ذلك.
االختصاص النوعي للمحامة اإلدارية ........ال.
726
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
727
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
واالستقالل المالي ويسيره مجلس إدارة ويطبق قواعد المحاسبة التجارية ،وال يخضع للمراقبة
المالية للدولة ،إضافة إلى أن الطبيبة المنسوب لها الخطأ موضوع االدعاء لم تكن تتوفر
على صفة موظفة عمومية ،مما يجعل الدولة المغربية أجنبية عن هذا النزاع ،لذلك طلبت
المستأنفة إلغاء الحكم المطعون فيه والتصريح بعدم اختصاص المحكمة اإلدارية للرباط نوعيا
للبت في الطلب ،وإحالة الملف على المحكمة االبتدائية بالرباط لالختصاص.
حيث صح ماعابته الطاعنة على الحكم المستأنف ذلك أنه يستخلص من مقتضيات الظهير
الشريف المعتبر بمثابة قانون رقم 3.31.119الصادر في 11من ربيع األول 31( 3030
شتنبر ) 3331الذي بموجبه تم إنشاء مؤسسة الشيخ زايد ابن سلطان الكائن مقرها بالرباط،
(منشور بالجريدة الرسمية عدد 0111بتاريخ 3331/3/35الصفحة ،)3135أن المؤسسة
المذكورة تتمتع بالشخصية المعنوية واالستقالل المالي ،وأن الغرض منها تقديم الخدمات
الطبية للمرضى وإنشاء إدارة مؤسسات عالجية من بينها "مستشفى الشيخ زايد" الذي
سيخضع للقوانين السارية على المؤسسات العالجية الخاصة ،كما نصت المادة 31من ذات
القانون على خضوع محاسبة مؤسسة الشيخ زايد بن سلطان والمؤسسات التابعة لها لقواعد
المحاسبة التجارية ،فضال على أن مقتضيات القانون الصادر بتاريخ ( 30ابريل ( 3311
المتعلق بتنظيم مراقبة الدولة المالية على المكاتب والمؤسسات العامة والشركات ذات
االمتياز وعلى الشركات والهيئات التي تحصل على مساعدة مالية من الدولة أو شخص من
أشخاص القانون العام ال تسري على المؤسسة المذكورة ،مما يؤكد كونها تندرج ضمن
أشخاص القانون الخاص ،وال ينفي عنها ما اعتمده الحكم المستأنف من أنها تتمتع
بالشخصية المعنوية واالستقالل المالي وأن مدير المستشفى يتم تعيينه بظهير شريف وإعفاء
المؤسسة المذكورة من الضرائب والرسوم عن األنشطة التي تقوم بها؛ إذ أن األمر هنا يتعلق
فقط بامتيازات اقتضتها طبيعة نشاط المؤسسة ،وظروف إنشائها وهي غير كافية للقول
بتبعيتها للدولة أو اعتبارها من أشخاص القانون العام ،وترتيب اختصاص القضاء اإلداري
للبت في دعاوى التعويض عن األضرار المنسوبة إليها على ذلك ،وعليه يكون ما نحى إليه
الحكم المستأنف مخالفا للمقتضيات القانونية المشار إليها أعاله ،وال سيما ما نصت عليه
صراحة من أن " مستشفى الشيخ زايد " يخضع للقوانين السارية على المؤسسات العالجية
الخاصة.
728
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
لهذه األسباب
قضت محكمة النقض بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم اختصاص القضاء اإلداري للبت في
الطلب ،وبإحالة الملف على المحكمة االبتدائية بالرباط للبت فيه طبقا للقانون.
وبه صدر القرار وتلي في الجلسة العلنية المنعقدة بالتاريخ المذكور أعاله بقاعة الجلسات
العادية بمحكمة النقض بالرباط ،وكانت الهيئة الحاكمة متركبة من رئيسة الغرفة اإلدارية
(القسم األول) السيدة عائشة بن الراضي والمستشارين السادة :محمد وزاني طيبي مقر ار
واحمد دينية وعبد المجيد بابا أعلي وعبد العتاق فكير ،وبمحضر المحامي العام السيد سابق
الشرقاوي ،وبمساعدة كاتبة الضبط السيدة نفيسة الحراق.
القاعدة:
على المحامة البت في حدود طلبات األطراف وعدم تحويرها؛ إعادة تكييف المحامة
للدعوى المعروضة أمامها على أنها دعوى أساسها المسؤولية العقدية فيه خرق
لمقتضيات الفص 1من اانون المسطرة المدنية.
وبعد المداولة طبقا للقانون
حيث يستفاد من أوراق القضية ومن القرار المطعون فيه الصادر بتاريخ 2014/07/09في
الملف رقم 2013/1914/1011تحت رقم 111عن محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش،
أن الطاعنين تقدموا بتاريخ 2012/03/22أمام المحكمة اإلدارية بأكادير بمقال افتتاحي
عرضوا فيه أن موروثهم … استفاد قيد حياته من قطعة أرضية صالحة للبناء تقع بتجزئة
…المنجزة من طرف بلدية … رقمها … ومساحتها 111متر مربع أدى ثمنها البالغ
311.111011درهم کامال قبل إبرام العقد المتعلق ببيعها بين الطرفين ،وأن البلدية المدعى
عليها ماطلته في إتمام البيع بدعوى عدم جاهزية الرسوم العقارية للتجزئة إلى أن وافت المنية
موروثهم ،وتم بتاريخ 2010/02/16إبرام العقد المذكور مع الطاعنين ورثة … المذكور.
إال أن هؤالء الورثة فوجئوا ،عند محاولتهم تسجيل البيع المذكور بالمحافظة العقارية ب…
729
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
بالرسم العقاري رقم 09/65166المخصص له ،بتفويت هذه البقعة من طرف الجماعة
الحضرية إلى التعاونية السكنية " "...؛ وبعد االتصال بالجماعة تذرعت هذه األخيرة بوقوع
خطأ في رقم البقعة ناتج عن تغيير وقع في ترقيم بقع التجزئة ،ليتم إبرام ملحق للعقد المذكور
بتاريخ 2010/07/04يبين أن البقعة المقصودة بالبيع المذكور هي الحاملة لرقم ،...
مساحتها 119متر مربع؛ إال أنه تبين لهم بعد ذلك أن البقعة الثانية الحاملة لرقم ...تم
تفويتها كذلك إلى أحد المالك المشتركين ،وأنه منذ ذلك التاريخ والجماعة تماطل الطاعنين،
مما التمس معه من المحكمة الحكم بإجراء خبرة لتحديد التعويضات المستحقة لهم عن فقدان
حق ملكية القطعة األرضية ،موضوع عقد الشراء ،وكذا عن كافة األضرار الالحقة بهم.
أجابت الجماعة ملتمسة عدم قبول الدعوى لكون ملتمس إجراء الخبرة كطلب أصلي غير
مقبول ،وبعد إجراء خبرة حدد فيها الخبير قيمة البقعة رقم ...بتجزئة ...في 2.310.000
درهم وقيمة البقعة رقم ...بنفس التجزئة في 0.011.111درهم ،صدر الحكم بأداء
الجماعة الحضرية ل ...مبلغ 331.111011درهم تعويضا لفائدة الطاعنين وبرفض باقي
الطلبات ،استأنفته الجماعة مثيرة دفوعات في الموضوع وبعد ذلك مثيرة في مذكرة جواب
دفعا بعدم االختصاص النوعي للمحكمة اإلدارية بالبت في الدعوى ،فأصدرت محكمة
االستئناف اإلدارية بمراكش قرارها المطعون فيه القاضي بإلغاء الحكم المستأنف والحكم
تصديا بعدم اختصاص المحكمة اإلدارية نوعيا بالبت في الدعوى وهو القرار موضوع الطعن
بالنقض الحالي.
حيث يعيب الطاعنون القرار المطعون فيه بعدم االرتكاز على أساس قانوني ونقصان التعليل
الموازي انعدامه ،ذلك أنه بخصوص الفرع األول من الوسيلة فإنه بالرجوع إلى المقال
االفتتاحي للطاعنين فإن هؤالء أسسوا دعواهم على المسؤولية اإلدارية للجماعة الحضرية
ل ...عن الضرر لحقهم جراء قيام مستخدمي هذه الجماعة بتفويت القطعة األرضية رقم
...إلى "التعاونية السكنية "...بمقتضى ما سمي ب ملحق رقم 3لعقد البيع العرفي المؤرخ
في 1994/02/15المسجل في ،1997/11/20والذي (التفويت) شكل الخطأ الذي ألحق
الضرر بالعارضين طالما أن هذا الملك (القطعة رقم ...بمساحة 111متر مربع) قد وقع
تفويته لموروث الطاعنين الذي أدى ثمنه کامال ناج از منه سنة 3331لفائدة الجماعة
الحضرية المدعى عليها كما تبين ذلك الشهادة اإلدارية رقم ...بتاريخ 1992/10/14
730
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
المسلمة لموروث الطاعنين والمتعلقة بالبقعة رقم ...المذكورة ،ولما كان الحكم االبتدائي
الصادر المحكمة اإلدارية بأكادير قد اعتبر عن حق تصرف ممثل الجماعة الحضرية
ألكادير يدخل ضمن ما هو منصوص عليه في الفصلين 19و 13من قانون االلتزامات
والعقود ،فإن ما ذهبت إليه محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش في قرارها المطعون فيه،
بكون األمر يتعلق بمسؤولية عقدية خاضعة للقانون الخاص ،ال يساير الوقائع على الشكل
الحقيقي للنزاع والذي أسهب الطاعنون في شرحه ابتدائيا واستئنافيا إلى حد القول بأنهم في
الواقع أمام أفعال جنائية تنطبق عليها جنحة التصرف في مال مملوك للغير كما هو
منصوص عليه في الفصل 501من القانون الجنائي المغربي ،والمعاقب عليها بالعقوبة
المنصوص عليها في الفصل 501من نفس القانون ،مما يكون معه ما عللت به المحكمة
قرارها من كون دعوى العارضين تهدف إلى الحكم على الجماعة الحضرية ل ...بالتعويض
المستحق لهم جراء عدم تنفيذها اللتزاماتها المتفرعة عن عدم تنفيذ عقد البيع المبرم بينهم
بتاريخ 2010/02/16وذلك بتمكينهم من الحيازة الفعلية للقطعة األرضية رقم ...بتجزئة...
ب " ...فيه تحريف لمضمون مقالهم االفتتاحي ولمطالبهم المختصرة في أنه بعد اكتشافهم
لكون البقعة المبيعة لموروثهم قد وقع تفويتها إلى الغير الذي بناها وحفظها باسمه ،لم يبق
لهم سوى المطالبة بالتعويضات المستحقة لهم عن هذا التصرف المندرج ضمن األخطاء
المرفقة المرتكبة من طرف مستخدمي الجماعة الحضرية بأكادير المدعى عليها ،وهو ما
أكده الحكم االبتدائي الصادر عن المحكمة اإلدارية بأكادير.
حيث صح ما عاب به الطاعنون القرار المطعون فيه ،ذلك أن طلبات المدعين ترمي إلى
الحكم بتعويض عن كافة األضرار الالحقة بهم جراء حرمانهم وفقدان حق ملكية القطعة
األرضية موضوع شراء موروثهم ،وهو الحرمان الناجم عن تصرفات خاطئة صادرة عن
موظفي وأعوان البلدية المدعى عليها أدت إلى تفويت بقعة أرضية كانت من نصيب موروث
المدعين بعد أدائه لثمنها كامال وتسليمه شهادة إدارية بذلك من هذه البلدية نفسها .ولما كان
أن تماطلت الطالبة في تنفيذ التزامها بإتمام إجراءات البيع للبقعة المذكورة ،تجاه موروث
المدعيين وبعده تجاه ورثته ؛ ولما كان أن قد ثبت بعد إنجاز عقد البيع للبقعة المؤدى ثمنها،
أن هذه األخيرة تمت إعادة تفويتها إلى شخص آخر ما حال دون تسجيل عقد البيع المنجز
بالمحافظة العقارية لنقل ملكية القطعة المتعاقد بشأنها وكذا لنقل ملكية بقعة ثانية تم بها
731
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
استبدال األولى باللفيف بعقد البيع األول ما تضرر معه الطالبون وألحق بهم أض ار ار سببها
تقصير أعوان البلدية في اتخاذ اإلجراءات الالزمة لتمكين موروث المدعين ومن بعده ورثته
من البقعة المفوته له بموجب تواصيل األداء لثمنها والشهادة اإلدارية به ،الصادرة عن البلدية
المدعي عليها ،فإن ما ذهبت إليه المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه في تكييف الدعوى
المعروضة أمامها على أنها دعوى أساسها المسؤولية العقدية منعدم األساس وفيه تحريف
للطلبات الصادرة عن الطالبين عبر مقالهم االفتتاحي ،والمحكمة لما قضت بعدم اختصاص
القضاء اإلداري نوعيا بالبت في الدعوى على أساس ذلك تكون قد خرقت مقتضيات المادة
1من قانون المسطرة المدنية التي توجب عليها البت في حدود طلبات األطراف وتلزمها
بعدم تحوير هذه الطلبات ما يتعين معه نقض قرارها وإحالته من جديد عليها للبت فيه طبقا
للقانون.
لهذه األسباب
قضت محكمة النقض بنقض القرار وبإحالة القضية على نفس المحكمة للبت فيها من جديد
وبتحميل المطلوب في النقض الصائر.
وبه صدر القرار وتلي في الجلسة العلنية المنعقدة بالتاريخ المذكور أعاله بقاعة الجلسات
العادية بمحكمة النقض بالرباط ،وكانت الهيئة الحاكمة متركبة من رئيس الغرفة اإلدارية
(القسم األول) السيد محمد منقار بنيس والمستشارين السادة :عبد الرحمان بن امحمد مزوز
مقررا ،احمد دينية ،عبد العتاق فكير ،المصطفى الدجاني وبمحضر المحامي العام السيد
سابق الشرقاوي.
732
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
القاعدة:
القضاء اإلداري هو المختص للبت في القضايا المتعلقة باألضرار الناتبة عن نشاطات
أشخاص القانون العام
مكتفيا باعتماد أن االلتزام الحاصل بين المدعية والمدعى عليه لم يستكمل شروط العقد
اإلداري ،وأنه (االلتزام) ال يتوفر على شروط غير مألوفة ،وأن الدعوى موجهة ضد المجلس
البلدي للجماعة الحضرية لمدينة … (باعتباره وحدة ترابية داخلة في حكم القانون العام
وتتمتع بالشخصية المعنوية) من أجل أداء تعويض عن أضرار ناجمة عن اتفاقية تم إبرامها
بينه والمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب ،استهدفت عقار المدعية.
حيث صح ما عابته المستأنفة على الحكم المطعون فيه باالستئناف ،ذلك أن الدعوى وجهت
أساسا ضد المجلس البلدي لمدينة … من أجل أداء تعويض عن أضرار ناجمة عن اتفاقية
تم إبرامها بينه والمكتب الوطني للكهرباء و الماء الصالح للشرب حول التدبير المفوض
لمرفق التطهير السائل بمدينة ،...استهدفت عقار المدعية دون مقابل ،وأنه إعماال
لمقتضيات المادة 9من القانون رقم 90/41المحدث للمحاكم اإلدارية ،فان األضرار الناتجة
عن نشاطات أشخاص القانون العام ،يكون القضاء اإلداري هو المختص بالبت فيها ،والحكم
المستأنف لما نحا خالف ذلك يكون قد بنى قضاءه على غير أساس ،ويتعين إلغاؤه.
لهذه األسباب
قضت محكمة النقض بإلغاء الحكم المستأنف والتصريح باختصاص القضاء اإلداري وإرجاع
الملف إلى المحكمة اإلدارية بالرباط للبت فيه طبقا للقانون .وبه صدر القرار وتلي في
الجلسة العلنية المنعقدة بالتاريخ المذكور أعاله بقاعة الجلسات العادية بمحكمة النقض
بالرباط ،وكانت الهيئة الحاكمة متركبة من رئيس الغرفة اإلدارية (القسم األول) السيد محمد
منقار بنيس والمستشارين السادة :نادية للوسي مقررة ،احمد دينية ،عبد العتاق فكير ،محمد
وزاني طيبي ،وبمحضر المحامي العام السيد سابق الشرقاوي ،وبمساعدة كاتبة الضبط السيدة
نفيسة الحراق.
734
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
القاعدة:
المحامة اإلدارية مختصة بالبت في دعاوى التعويض عن األضرار التي تسببها أعمال
ونشاطات اشخاص القانون العام
735
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
التي شهدتها منطقة الغرب ،والتي اتت على منتوج ضيعته الفالحية .مما يكون معه الطلب
منصبا على التعويض عن األضرار المترتبة عن مسؤولية االطراف اإلدارية على تلك
االضرار وتكون معه المحكمة وفق مقتضيات المادة 9من القانون 03/31مختصة بالبت
في دعاوى التعويض عن األضرار التي تسببها أعمال ونشاطات اشخاص القانون العام،
وحكمها مطابق للصواب فيما قضى به من اختصاصها النوعي بالبت في الدعوى ومستوجب
التأييد.
لهذه األسباب
قضت محكمة النقض بتأييد الحكم المستأنف وإرجاع الملف إلى نفس المحكمة لمواصلة
النظر .وبه صدر القرار وتلي في الجلسة العلنية المنعقدة بالتاريخ المذكور أعاله بقاعة
الجلسات العادية بمحكمة النقض بالرباط ،وكانت الهيئة الحاكمة متركبة من رئيس الغرفة
اإلدارية (القسم األول) السيد محمد منقار بنيس والمستشارين السادة :عبد الرحمان مزوز
مقررا ،احمد دينية ،عبد المجيد بابا اعلي ،عبد العتاق فكير ،وبمحضر المحامي العام السيد
احمد بودالية ،وبمساعدة كاتبة الضبط السيدة نفيسة الحراق.
القاعدة:
مديرية أمالك الدولة وإن كانت تعتبر من أشخاص القانون العام ،فان عقود الكراء التي
تبرمها مع الخواص بشأن امالكها تعتبر عقودا مدنية تخضع النزاعات المتعلقة بإلرامها
وتنفيذها وفسخها لمقتضيات القانون الخاص-اختصاص القضاء العادي نعم.
وبعد المداولة طبقا للقانون
حيث يستفاد من أوراق الملف ومن ضمنها الحكم المستأنف المشار إلى مراجعه أعاله أن
الشركة المدعية -المستأنف عليها -تقدمت بتاريخ 2014/09/29بمقال أمام المحكمة
اإلدارية بالدار البيضاء عرضت فيه انه بتاريخ 2009/12/08رسی عليها المزاد العلني
لكراء العقار ذي الرسم العقاري عدد ...س رقم ،...المسمى "…" بعمالة اقليم ،...وأنها
أدت بتاريخ 2009/12/17مبلغ 311.111011درهم ،إضافة إلى مبلغ 31.111011
736
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
درهم ،الذي يشكل % 31من ثمن رسو المزاد المدفوع للمحاسب حسب التصريح باألداء رقم
،311331وانها قامت بالمصادقة على العقد وتسجيله أمام السلطة المختصة بتاريخ
،2010/02/16والذي ينص على مدته بخصوص السنة الفالحية ،1113-1131أي :
من 2009/10/01إلی ،2010/09/30بتاريخ 2010/02/18توجه ممثلها رفقة مندوب
دائرة أمالك الدولة ببني مالل من اجل استيالم الضيعة ،اال انه فوجئ باحتالل جميع
المباني المقامة فوق العقار المذكور من طرف المسمين … و ...فضال عن قيامهما بجني
غلة الزيتون واستغالل األخشاب ،رغم كون الموظف المكلف التابع لدائرة الدولة صرح بان
الضيعة فارغة ،وقد وجهت المدعية عدة تظلمات بهذا الشأن لكن بدون جدوى ،كما صرح
الشخصان المحتالن أنهما كان يشتغالن مع المكتري السابق للضيعة ،وظال بها بعد إفراغه،
مضيفة أنها تقدمت بدعوى استعجالية أمام رئيس المحكمة االبتدائية ب ...اإلفراغ المحتلين
اال ان طلبها تم رده ،وأنها لم تتسلم العين المكراة ولم تستغلها بسبب ذلك االحتالل ،وقد
توصلت برسالة تنذرها بإفراغ الضيعة بتاريخ 2010/09/30ورغم مطالبتها بتجديد العقد
فوجئت بكراء الضيعة للغير ،والتمست الحكم أساسا على المدعى عليهما بأدائهما لفائدتها
تعويضا إجماليا عما لحقها من أضرار وقدره 1.000.000,00درهم مع الفوائد القانونية
وشمول الحكم بالنفاذ المعجل ،واحتياطيا األمر تمهيديا بإجراء خبرة في الميدان الفالحي
لتحديد كافة الخسائر الالحقة بها ،وحفظ الحق في اإلدالء بمطالبها النهائية بعد إجراء الخبرة
أجاب مدير مديرية أمالك الدولة بالدفع أساسا بعدم اختصاص المحكمة اإلدارية نوعيا بالبت
في الطلب لكون األمر يتعلق بعقد كراء مدني تختص بالبت فيه المحاكم العادية ،واحتياطيا
التمس الحكم برفض الطلب ،وبعد استنفاذ اإلجراءات ،أصدرت المحكمة اإلدارية حكما
قضى باختصاصها نوعيا بالبت في الطلب مع إرجاع الملف إلى القاضي المقرر الستكمال
اإلجراءات وهو الحكم المستأنف.
أسباب االستئناف
حيث تعيب الطاعنة الحكم المستأنف بسوء التعليل الموازي النعدامه ،ذلك انه استند على
كون دفتر الكلف والشروط المنظمة لكراء األمالك المخزنية الفالحية عن طريق سمسرة
عمومية وافتتاح الكراء بالمزاد العلني للعقارات التابعة ألمالك الدولة يتضمن شروطا غير
مألوفة في العقود العادية ،والحال أن الدفتر المذكور هو عبارة عن سرد لبنود عقد الكراء
737
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
المنظم للعالقة الكرائية بين الطرفين والتي تحكمها قواعد القانون الخاص ،مما يجعل العقد
يندرج ضمن العقود العادية ،إذ ال يتسم بسمات العقد اإلداري ،وال يتصل بتسيير مرفق عام
بل بكراء مال مملوك للدولة ملكا خاصا تتصرف فيه على نحو ما يتصرف األفراد في
أموالهم ،وطبقا للقانون المدني ،وان اللجوء إلى السمسرة العمومية ال يعدو أن يكون مجرد
إجراء يفرضه القانون المنظم لتسيير األمالك الخاصة وكراء العقارات الفالحية ،أن موضوع
الطلب حسب المقال االفتتاحي ،هو أداء تعويض اجمالي عن األضرار والخسائر الناتجة
عن عدم التمكن من استغالل العقار المكتري ،مما ال يمكن تصنيفه ضمن االختصاصات
المسندة للمحاكم اإلدارية بمقتضى الفصل 9من القانون رقم 31-03المحدث لها ،فيكون
الحكم عرضة لإللغاء.
حيث صح ما عابت به الطاعنة الحكم المستأنف ،ذلك أن الدولة الملك الخاص وان كان
تعتبر من أشخاص القانون العام ،فان عقود الكراء التي تبرمها مع الخواص بشأن امالكها
تعتبر عقودا مدنية تخضع " النزاعات المتعلقة بإبرامها وتنفيذها وفسخها لمقتضيات القانون
الخاص ،إذ ال تظهر فيها جهة اإلدارة بمظهر السلطة العامة ،كما أنها ال تتصل بتسيير
مرفق عام ،وال تعدو مسطرة كرائها المحددة بمقتضى دفتر الكلف والشروط وعن طريق
السمسرة العمومية مجرد إجراءات تنظيمية يفرضها القانون ،وليس من شأنها تغيير طبيعة
عقد الكراء وإضفاء طابع العقد اإلداري عليه ،فيكون الحكم المستأنف بما نحاه مجانبا
للصواب وواجب اإللغاء.
لهذه األسباب
قضت محكمة النقض بإلغاء الحكم المستأنف والتصريح باختصاص القضاء العادي واحالة
الملف على المحكمة االبتدائية بالفقيه بن صالح .وبه صدر القرار وتلي في الجلسة العلنية
المنعقدة بالتاريخ المذكور أعاله بقاعة الجلسات العادية بمحكمة النقض بالرباط ،وكانت
الهيئة الحاكمة متركبة من رئيس الغرفة اإلدارية (القسم األول) السيد محمد منقار بنيس
والمستشارين السادة :عبد العتاق فکير مقررا ،احمد دينية ،المصطفى الدجاني نادية للوسي
وبمحضر المحامي العام السيد سابق الشرقاوي ،وبمساعدة كاتبة الضبط السيدة نفيسة
الحراق.
738
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
الحوادث المدرسية:
.3ارار محامة النقض عدد 1/101المؤرخ في 27مارس 2438والصادر في
الملف اإلداري رام 2439/1/0/293
القاعدة:
دعاوى التعويض في مبال الحوادث المدرسية تتقادم بمضي ثالث سنوات من تاريخ
ارتكاب الفع الضار ،عدم منااشة محامة للوسيلة المتعلقة بالتقادم يبع ارارها عديم
التعلي وعرضة للنقض.
739
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
حيث صح ما عاب به الطالب القرار المطعون فيه ،ذلك أن الثابت من مقاله االستئنافي أنه
تمسك بتقادم حق المطلوب وفقا للمقتضيات أعاله ،اال أن محكمة االستئناف لم تجب عن
الوسيلة المذكورة مما جعل قرارها عديم التعليل وعرضة للنقض.
لهذه األسباب
وبصرف النظر عن الوسيلة الثانية بفروعها؛
قضت محكمة النقض بنقض القرار المطعون فيه ،وإرجاع الملف إلى المحكمة التي أصدرته
للبت فيه من جديد طبقا للقانون وتحميل المطلوب الصائر؛
وبه صدر القرار ،وتلي في الجلسة العلنية المنعقدة بالتاريخ المذكور أعاله بقاعة الجلسات
العادية بمحكمة النقض بالرباط ،وكانت الهيئة الحاكمة متركبة من السيد المصطفى لوب
رئيس الغرفة اإلدارية (القسم الثالث) والسادة المستشارين :عبد الغني يفوت مقررا ،ونزيهة
الحراق ،ومحمد الناصري ،والحسين اندجار ،وبمحضر المحامي العام السيد عبد العالي
المصباحي ،وبمساعدة كاتبة الضبط السيدة يامنة بتكميل.
القاعدة:
‐ اتفاقية الضمان المدرسي تشم حتى الحوادث الطارئة على التالميذ المؤمنين خالل
المسافة الفاصلة لين ساناهم والمؤسسة؛
‐ إن التصريح بالحادثة موكول إلى رئيس المؤسسة وليس للضحية المستفاد من
البروتوكول التطبيقي التفاقية الضمان المدرسي والرياضة ،وعن المصاداة عن
الشهادة الطبية ال يد للضحية فيه؛
‐ ما دام أن اتفاقية الضمان المدرسي تحدد سقف الضمان في حدود مبلغ 14.444
درهم عن العبز الدائم ،وتكاليف التطبيب والبراحة والصيدلة في مبلغ 2444
درهم ،فإن تحديد مبلغ الضمان عن العبز الدائم في 14.444درهم والمصاريف
الطبية في 3444درهم يبع المحامة اد اضت في حدود ما ورد في هذه
االتفاقية.
740
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
741
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
لما اعتبرت أنه ما دام التأمين يضمن حتی الحوادث خالل فترة التنقل ،وبالتالي ال يحتاج إلى
إثبات خطأ أو إهمال أو تقصير اإلدارة التعليمية لم تخرق بذلك المقتضيات القانونية
المذكورة.
في الوسيلة الثانية
حيث تنعى الطاعنة القرار المطعون فيه بخرق الفصل 111من قانون االلتزامات والعقود؛
ذلك أن المطلوبة قدمت دعواها في إطار التأمين المدرسي ،و أنها من خالل مذكرتها
ومقالها االستئنافي دفعت بسقوط الحق في التعويض لعدم التصريح بالحادثة أمام الجهات
التعليمية الم ختصة ،وأن الشهادة الطبية لم تتم المصادقة عليها من طرف اللجنة الطبية
اإلقليمية ،وأن البند الرابع عشر من الضمان المدرسي ينص على تحديد سقف حدد في مبلغ
11111درهم ،وأن المحكمة لما شملت بالضمان جميع مبلغ التعويض المحكوم به ،دون أن
تعتد بما ورد في اتفاقية الضمان يجعل قرارها معرضا للنقض.
لكن فيما يخص الفرع األول فإن التصريح بالحادثة موكول إلى رئيس المؤسسة وليس
الضحية المستفاد من الفصل الثاني من البروتوكول التطبيقي التفاقية الضمان المدرسي
والرياضة فإن التواني عن المصادقة عن الشهادة إن وجد ال يد للضحية فيه.
فيما ي خص الفرع الثاني من الوسيلة فإن البند الرابع عشر ينص على تحديد سقف الضمان
في حدود مبلغ 11.111درهم عن العجز الدائم ،وتكاليف التطبيب والجراحة والصيدلة في
مبلغ 5111درهم ،وأن المحكمة لما حددت مبلغ الضمان عن العجز الدائم في 11.111
درهم والمصاريف الطبية في 3111درهم تكون قضت في حدود ما ورد في البند الرابع
عشر من اتفاقية الضمان المذكورة ولم تخرق بذلك الفصل 111المحتج به وما بالوسيلة
غير جدير باالعتبار.
لهذه األسباب
اضى المبلس األعلى لرفض الطلب وإبقاء الصائر على رافعه.
وبه صدر القرار وتلي في الجلسة العلنية المنعقدة بالتاريخ المذكور أعاله بقاعة الجلسات
العادية بالمجلس األعلى بالرباط ،وكانت الهيئة الحاكمة مترکبة من رئيس الغرفة المدنية
القسم السابع السيد بوشعيب البو عمري والمستشارين السادة :الحسن بو مريم مقررا ،عائشة
742
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
بن الراضي ،وسعد غزيول برادة ،ومحمد محجوبي ،وبمحضر المحامي العام السيد سابق
الشرقاوي ،وبمساعدة كاتبة الضبط السيدة :سميرة المنيني.
القاعدة:
إن البند 30من االتفاقية الضمان المدرسي المبرمة لين وزارة التربية الوطنية وشركة
التأمين سينا يحدد سقف الضمان في مبلغ 14.444درهم ونطاق حلول شركة التأمين
مح مؤمنها المسؤول عن الضرر وال عالاة له لنسبة العبز الذي اد يصاب به الضحية،
والمحامة بعدم مراعاتها لما ذكر رغم ما اد ياون له من تأثير على نتيبة اضائها جعلت
اضاءها غير مرتكز على أساس اانوني سليم عرضة للنقض البزئي بخصوص هذه
النقطة.
743
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
حيث يعيب الطالب القرار المطعون فيه بفساد التعليل القاضي برد وسيلته المتمثلة في انعدام
الخطأ من جانب اإلدارة ،ذلك أن المحكمة مصدرته أسست للقول بالخطأ في جانب اإلدارة
إلهمالها في تجنب التدافع بين التالميذ دون أن تبين كيف يمكن لألطر التربوية تنظيم
عملية لعب التالميذ خالل فترة االستراحة بشكل يمنع التدافع واالحتكاك بينهم ،وأن الخطأ
المنسوب إلى اإلدارة غير تابت مما يعني عدم توافر أركان المسؤولية التقصيرية المشترطة
في الفصل 95من ق.م.م.
لكن حيث إن تحصيل فهم الواقع في الدعوى وتقدير اإلدارة فيها هو مما تستقل به محكمة
الموضوع متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة لها أصلها إثبات ضمن (وثائق الملف وال
رقابة عليها من طرف محكمة النفق ضاال بخصوص التعليل والمحكمة مصدرة القرار
المطعون فيه التي ثبت لها أن الضرر الالحق باب المطلوب كان بسبب إهمال وتقصير
المكلفين بالمؤسسة التعليمية المعنية باألمر ورتبت على ذلك القول بقيام المسؤولية في
مواجهة اإلدارة الطالبة تكون قد أوردت تعليالت سائغة لها أصلها الثابت ضمن وثائق الملف
الذي بالرجوع إليه وخاصة التصريح بالحادث المنجز من قبل مدير مدرسة أبو بكر الصديق
يتبين أن ابن المطلوب أصيب في يده أثناء تواجده داخل حرم المدرسة وبفعل اعتداء من
طرف التالميذ مما يفيد قيام الخطأ المنسوب إلى اإلدارة الطالبة بفعل اإلهمال والتقصير
وعدم اتخاذ االحتياطات الالزمة لمنع وقوع إصابات التالميذ أثناء تواجدهم داخل المدرسة
والفرع من الوسيلة على غير أساس.
حيث يعيب الطالب القرار المطعون فيه بفساد التعليل فيما يتعلق باألخذ بخبرة معيبة وفي
تقدير التعويض ،ذلك أن المحكمة مصدرته اعتمدت خبرة معيبة لم يوضح فيها الخبير
األسس التي استند عليها في الوصول إلى العجز الذي حدده واعتمد الملف الطبي فقط
وتجاوز حدود المهمة التي أوكلت له عندما خاض في أمور قانونية ،والمحكمة في تحديد
التعويض على سلطتها التقديرية المجردة.
لكن حيث إن تقدير التعويض هو من سلطة محكمة الموضوع وال رقابة عليها في ذلك إال
من حيث التعليل والمحكمة مصدرة لقرار المطعون فيه لما عللت قضاءها بما جاءت به فان
الثابت من تقرر الخبرة أم تقتصر فقط على االطالع على الملف الطبي للمدعي بل حدد
نس بة العجز بعد أن قام بفحص الضحية وخلص إلى أن الحادث خلفت له عدة أضرار من
744
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
بينها اعوجاج في الجهة الخارجية لمعصم اليد اليسرى مع إحساس بألم ،كما أن المحكمة
اعتمدت في تحديد التعويض المحكوم به على ما خلفته الحادث من أضرار وما نتج للضحية
من عجز وذلك استنادا إلى سلطتها التقديرية المستمدة من العناصر الواردة بتقرير الخبرة.
تكون قد ردت الدفع المشار بتعليالت سائغة فال رقابة عليها من طرف محكمة النقض والفرع
من الوسيلة على غير أساس.
في شأن الوسيلة الثانية :
حيث يعيب الطالب القرار المطعون فيه بعدم االرتكاز على أساس ،ذلك أن المحكمة
مصدرته قضت بإحالل شركة التأمين سينا في األداء في حدود مبلغ 1011درهم عوض
إحاللها في أداء جميع المبلغ المحكوم با استنادا إلى اتفاقية الضمان المبرمة بينها وبين و ازرة
التربية الوطنية.
حيث استندت المحكمة مصدرة القرار المطعون في إحالل شركة التأمين سينا في األداء في
حدود مبلغ 1011درهم على ما جاءت به ،وأن اتفاقية الضمان المبرمة بين و ازرة التربية
الوطنية وشركة التأمين سينا حددت نسبة التأمين التي تغطيها هذه األخيرة في مبلغ 111
درهم عن كل نقطة عجز ،وطالما أن نسبة العجز التي أسفرت عنها الخبرة "...رغم أن البند
30من االتفاقية يحدد سقف الضمان في مبلغ 11.111درهم ونطاق حلول شركة التأمين
محل مؤمنها المسؤول عن الضرر وال عالقة له بنسبة العجز الذي قد يصاب به الضحية،
والمحكمة بعدم مراعاتها لما ذكر رغم ما قد يكون له من تأثير على نتيجة قضائها جعلت
قضاءها غير مرتكز على أساس قانوني سليم عرضة للنقض الجزئي بخصوص هذه النقطة.
وحيث أن حسن سر العدالة ومصلحة الطرفين يقتضيان الحالة القضية على نفس المحمكة
للبت فيها طبقا للقانون وهي متركبة من هيئة أخرى.
لأأهذه األسبأأاب
قضت محكمة النقص بنقض القرار المطعون فيه جزئيا بخصوص عدم إحالل شركة التأمين
في أداء كامل التعويض المحكوم به وبرفض الطلب فيما عدا ذلك وبإحالة الملف على نفس
المحكمة للبت فيه من جديد طبقا للقانون وبهيأة أخرى وتحميل الطرفين الصائر مناصفة.
وبه صدر القرار وتلي في الجلسة العلنية المنعقدة بالتاريخ المذكور أعاله بقاعة الجلسات
العادية بمحكمة النقض بالرباط ،وكانت الهيئة الحاكمة متركبة من رئيس الجلسة للغرفة
745
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
اإلدارية (القسم الثاني ) السيد عبد السالم الوهابي رئيسا ،والمستشارين السادة :محمد
بوغالب مقر ار وسعد غزيول برادة وسعاد المديني وسلوى الفاسي الفهري أعضاء ،وبمحضر
المحامي العام السيد حسن تايب ،وبمساعدة كاتب الضبط السيد منير العفاط.
القاعدة:
‐ مسؤولية الدولة عن الحوادث المدرسية تنظمها الفقرة الثانية من الفص 82مارر
من اانون االلتزامات وا لعقود الذي يوجب على من يحتج به أن يثبت الخطأ وعدم
الحيطة واإلهمال.
‐ عدم ثبوت نوع اإلهمال في الراابة والتوجيه الذي يدخ ضمن صلب األعمال
الملقاة على عاتق المؤسسة التعليمية لتحميلها المسؤولية والمتسبب في األضرار
البسمانية التي تعرضت لها المطلوبة ،يبع شروط قيام مسؤولية اإلدارة غير
اائمة تطبيقا لمقتضيات الفقرة الثانية من الفص 82مارر.
وبعد المداولة طبقا للقانون
حيث يستفاد من أوراق الملف ومن فحوى القرار المطعون فيه أن المدعية (المطلوبة) تقدمت
بتاريخ 1119/10/31بمقال افتتاحي للدعوى تعرض فيه أنها تعرضت لحادثة أثناء
التمارين الرياضية تسببت لها في إضرار جسمانية أثناء ممارستها للتربية البدنية بمؤسسة
الشهيد البناي التي تدرس فيها نقلت على إثرها إلى مستشفى ابن سيناء حيث سلمت لها
شهادة طبية أولية حددت أمدا لعجزها في ثالثين يوما ،وأن المؤسسة التعليمية قامت
بالتصريح بالحاث ة ،لذلك نلتمس تحميل كامل مسؤولية الحادثة للمؤسسة التعليمية والحكم
بإجراء خبرة طبية على المطلوبة والحكم بإحالل شركة التأمين سينا محل مؤمنها في األداء.
وبعد الخبرة صدر الحكم بتاريخ 1131/11/11قضى على الدولة (و ازرة التربية الوطنية)
(الطالبة) بأدائها لفائدة المدعية (المطلوبة) تعويضا قدره 30 000,00درهما وإحالل شركة
التأمين سينا محل مؤمنها في األداء مع الصائر ورفض باقي الطلبات ،استأنفته (المطلوبة)
746
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
شركة التأمين سينا أمام محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط التي أيدته مع إحالل شركة
التأمين سينا السعادة للتأمين في حدود مبلغ الضمان ،وهو القرار المطعون فيه بالنقض.
في شأن الفرع األول من الوسيلة األولى
حيث تعيب الطالبة القرار المطعون فيه بفساد لتعليل الموازي النعدامه ،بدعوى أن المحكمة
مصدرته قضت بتأييد الحكم المستأنف القاضي بتحميل الطالبة مسؤولة الحادثة التي
تعرضت لها المطلوبة بمؤسسة (المدرسة) الشهيد البناي خالل ممارسة التمارين الرياضية
بالرغم من غياب أي خطأ من جانب اإلدارة أو ثبوت أي إهمال أو عدم حيطة من جانبها
(اإلدارة) على اعتبار أن الفصل 95مكرر من قانون االلتزامات والعقود يشترط لقيام
المسؤولية توافر العناصر المشار إليها ،وبالتالي فان مقتضياته واضحة وال تحتاج إلى أي
تفسير أو تأويل ألنه يرتب مسؤولية اإلدارة على أساس خطأ واجب اإلثبات وليس على
أساس افتراض الخطأ الذي اعتمده القرار الذي حاول إيجاد تبرير أو صلة بين نشأة المرفق
العمومي وبين الحادثة وهو مجرد بحث عن إلقاء المسؤولية دون إثبات خطأ من طرف
اإلدارة ،وأن الحادث الذي تعرضت له المطلوبة أثناء ممارستها للتمارين الرياضية نتج عن
سقوطها المفاجئ والذي ال يمكن توقعه أو تالقيه من طرف األستاذ المكلف بالتربية البدنية،
لذلك فمن العبث أن وقوع الحادث دليل على التقصير في العناية فيصبح الخطأ المنسوب
لإلدارة غير ثابت مما يعني عدم توافر أركان المسؤولية التقصيرية المنصوص عليها في
الفصل 95مكرر المشار إليه ،مما يعرض القرار المطعون فيه للنقض.
وحيث ان مسؤولية الدولة عن الحوادث المدرسية تنظمها الفقرة الثانية من الفصل 95مكرر
من قانون االلتزامات والعقود الذي يوجب على من يحتج به أن يثبت الخطأ وعدم الحيطة
واإلهمال باعتبارها من أسباب حصول األضرار الجسمانية الالحقة بالمطلوبة أثناء ممارستها
للتربية البدنية داخل المؤسسة التعليمية التي تتابع بها دراستها ،وما دامت المحكمة مصدرة
القرار المطعون فيه ليس لديه ا ما يثبت نوع اإلهمال في الرقابة والتوجيه الذي يدخل ضمن
صلب األعمال الملقاة على عاتق المؤسسة التعليمية لتحميلها المسؤولية والمتسبب في
األضرار الجسمانية التي تعرضت لها المطلوبة ،واعتبرت (المحكمة) أن مجرد تواجد
المطلوبة داخل المؤسسة التعليمية وتعرضها ألضرار جسمانية كاف لقيام مسؤوليتها وهو ما
747
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
يعتبر خرقا لمقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 95مكرر المشار إليه ،ويتعين بسبب ذلك
نقضه.
وحيث إن حسن سير العدالة ومصلحة الطرفين يقضيان إحالة الدعوى على نفس المحكمة
لأأهذه األسبأأاب
وبصرف النظر عن البحث في بقية الوسائل األخرى المستدل بها على النقض.
قضت المحكمة بنقض وإبطال القرار المطعون فيه المشار إليه أعاله ،وإحالة الدعوى على
نفس المحكمة للبت فيها من جديد بهيئة أخرى طبقا للقانون ،وبتحميل المطلوبة في النقض
الصائر.
كما قررت إثبات قرارها هذا بسجالت المحكمة المصدرة له اثر القرار المطعون فيه أو
بطرته.
وبه صدر القرار وتلي بالجلسة العلنية المنعقدة بالتاريخ المذكور أعاله بقاعة الجلسات
العادية بمحكمة النقض بالرباط ،وكانت الهيئة الحاكمة متركبة من السادة :مصطفى لوب
رئيس الغرفة اإلدارية (القسم الثلث ) رئيسا -والمستشارين :الحسين اندجار – عضوا مقر ار
ومحمد الناصري ،ونزيهة الحراق ،وعبد الغني بفوت ،أعضاء وبمحضر المحامي العام السيد
محمد صادق ،وبمساعدة كاتب الضبط السيد يونس السعيدي.
748
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
المسؤولية عن التشريع:
.3ارار محامة االستئناف اإلدارية بالرباط عدد 2171والمؤرخ في 27ألري
2437والصادر في الملف عدد 2437/9234/9
القاعدة:
-على الرغم من تأطير الدعوى في نطاق المسؤولية اإلدارية عن ضرر التشريع ،إال
أن األسباب المعتمدة في تبرير هذه الدعوى ،تستوجب التداء محاكمة عدم دستورية
القانون ،الذي عاب عليه المدعي خراه لمبدأ المساواة وعدم انضباطه لمبدأ األمن
القانوني من خالل التغييرات المتوالية التي طالت مقتضياته؛
-إن هذه الخرواات الدستورية هو مما ال تستوعبه دعوى المسؤولية اإلدارية أمام
المحاكم اإلدارية ،حتى ولو كان أساسها ضرر التشريع ،وبدون إثبات الخطأ ،سواء
من حيث أن ذلك فيه خرق لمبدأ فص السلط الذي أاره دستور يوليو 2433في
فصله األول ،ومن تبلياته عدم إخضاع أعمال السلطة التشريعية لراابة السلطة
القضائية ،أو من حيث تطاوله على اختصاصات المحامة الدستورية التي أسندت
إليها مهمة هذه الراابة بمقتضى الفص 321من الدستور ،أو من جهة أن ما
يطالب به المدعي فيه تعطي صريح لنص تشريعي؛
-لئن كان االتباه السائد حاليا في الفقه والقضاء اإلداريين ،هو إارار مبدأ مسؤولية
الدولة عن اوانينها ،إال أنه مع ذلك لم يرجع قيام هذه المسؤولية إلى خطأ السلطة
التشريعية عند سنها لمقتضيات اانونية أو خراها للقواعد الدستورية التي تؤطر
عملها ،وإنما ت أسيسا على مبدأ المساواة أمام التكاليف العامة والذي يتحتم تعويض
المتضرر من العم التشريعي؛
-إارار مسؤولية الدولة عن اوانينها تتوقف على عدم وجود النص القانوني الذي
يمنع التعويض عن التشريع من أساسه ،وأن تكون المصالح التي لحقها الضرر
مشروعة وجديرة بحماية القانون ،وكان تضررها نتيبة مباشرة لتطبيق القانون ،ثم
أن ياون ذلك الضرر خاصا ،بحيث يمتد أثره إلى فرد واحد أو عدد محدود من
749
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
األفراد ،مما يعد خروجا عن األص في عمومية القانون وانعااساته اإليبالية أو
السلبية على الكافة ،وأن ياون في نفس الوات ضر ار جسيما غير معتاد أو مألوف
فيما يترتب عن القوانين من أضرار ومخاطر في العادة ياون على أفراد المبتمع
تحملها سواء جميعا ،أو من خالل فئات عريضة وغير محدودة من المتضررين.
750
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
الجزافي بموجب قوانين المالية التي تغيرت ابتداء من سنة 1131و 1130و ،1135دون
مراعاة لمبدأ المعاملة بالمماثلة في الوضعية اإلدارية والمساواة ،مما أثر على الوضعية
المعاشية الخاصة به ،بحكم إحالته على التقاعد سنة 1131وتم تدارك هذا الحيف سنة
،1130وأن الصندوق المغربي للتقاعد يعتمد في تصفية المعاشات على رسالة الوزير
المنتدب لدى الوزير األول المكلف بتحديث القطاعات العامة المؤرخة في 11يناير 1113
بشأن تطبيق الضريبة على الدخل بالنسبة للمحالين على التقاعد في متم دجنبر ،1119
والتي تنص في فقرتها الثانية على اعتماد النظام الضريبي المعمول به في تاريخ حذف
المعنيين باألمر من األسالك ،األمر الذي يجعل موقفه مشوبا بعيب مخالفة القانون طبقا
للمادة 11من قانون إحداث المحاكم اإلدارية ،بسبب تبنيه لتفسير خاطئ ومعيب ومخالف
للمبادئ الدستورية ،وهو ما يتجلى في خرق قانون المالية لسنة 1131فيما نص عليه من
تعديل المادة 3.11من المدونة العامة للضرائب ،لألسس الدستورية ومبدأ المساواة المكرس
في تصدير الدستور ،وكذا الفصلين 33و 13منه ،وذلك عندما عمد إلى رفع نسبة الخصم
الجزافي إلى % 55بالنسبة الحتساب جميع المعاشات واإليرادات السنوية المكتسبة في فاتح
يناير ،1131في حين أن قانون المالية لسنة 1131كان يحدد تلك النسبة في % 01
فقط ،وهي نفس النسبة التي أقرها قانون المالية لسنة ،1130مما أضر بمصالحه مقارنة
بزمالئه المحالين على التقاعد سنة 1131و سنة 1130وما بعدها ،وأنه لئن كان المبدأ
المسلم به كقاعدة عامة هو عدم مسؤولية الدولة عن أعمالها التشريعية ،ما دام الضرر الذي
تسببه القوانين ال يتوفر فيه شرط الخصوصية الذي يبرر التعويض ،فإن ذلك ينسحب على
القوانين التشريعية العامة المتقيدة باألسس الدستورية ،وليست القوانين التشريعية ذات الطبيعة
اإلد ارية ،في حين أن سلطة التشريع ينبغي أن تجد حدودها في احترام المساواة ،ولذلك لم
يكن من القول خلق نص تشريعي يتعارض مع هذا المبدأ تحت طائلة سقوطه في حمأة
المخالفة الدستورية ،باإلضافة إلى أن قانون المالية لسنة 1131بالتعديل الذي أدخله على
المادة 3.11من المدونة العامة للضرائب قد خرق مبدأ األمن القانوني الذي هو من إنتاج
القانون الدستوري األلماني ،ويتوق في المغرب إلى االلتحاق بالدستور من خالل نماء مفهوم
دولة القانون ،كما أنه من جهة أخرى فالصندوق المغربي للتقاعد لم يستعمل مفهوم
"الرجحان" بين النصوص التشريعية ،استعماال جيدا ،عندما استبعد استفادة المتقاعدين خالل
751
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
سنة ، 1131من تفسير لم يثر له أي إشكال مقارنة مع المتقاعدين في هذه السنة وما
بعدها ،بحيث أن التفسير الذي نهجه لم يعتمد على إلغاء قاعدة قانونية ،وإنما أبعدها عن
المتقاعدين في سنة ،1131مما أدى به إلى االبتعاد عن المشروعية من خالل تطبيق
كتاب الوزير المنتدب لدى الوزير األول المكلف بتحديث القطاعات العامة المشار إليه
أعاله ،مع التذكير بأن مبدأ المشروعية له امتداد أوسع من الشرعية ،ويسمح بمحاكمة
القانون والحق في مجموعه ،وبالتالي كان عليه اعتماد خطاب المشروعية عوض اعتماد
قواعد يعلم مسبقا بأنها تلحق أض ار ار صادمة لمجموعة من المتعاقدين ،وأضاف – المدعي-
بأن أساس مطالبته بالتعويض هو دعوى المسؤولية اإلدارية عما أصابه من ضرر نتيجة
تصرف اإلدارة الخاطئ من خالل التفسير غير السليم للقاعدة القانونية التي اعتمدها في
تصفية معاشه ،وهو ما ال يستلزم إثبات الخطأ من جانبها ،وأن ذلك الضرر يتمثل في
الفرق بين رابت المعاش الذي يتقاضاه حاليا 10.119019درهم وبين ما كان ينبغي أن
يتقاضاه بالمقارنة مع زمالئه سب تقرير الخبرة( 13.111051درهم) ،أي بفارق شهري قدره
3919030درهم ،يمتد من تاريخ اإلحالة على المعاش في فاتح دجنبر 1131إلى تاريخ
تقديم الدعوى في أكتوبر ،1139أي ما مجموعه 331.111011درهم عن فترة 53شهرا،
والتمس ألجله الحكم على الدولة المغربية في شخص رئيس الحكومة ،ووزير االقتصاد
والمالية ،والمدير العام للصندوق المغربي للتقاعد ،بأدائهم له تضامنا فيما بينهم مبلغ
331.111011درهم مع الصائر .وبعد تخلف اإلدارة المدعى عليها عن الجواب رغم
التوصل ،وتمام اإلجراءات ،صدر الحكم باالستجابة للطلب ،وذلك بأداء الدولة المغربية في
شخص رئيس الحكومة تعويضا لفائدة المدعي وقدره 331.111،11درهم وتحميلها
الصائر ،وهو الحكم المستأنف استئنافا أصليا من طرف الوكيل القضائي للمملكة ،بصفته
هذه ونائبا عن الدولة المغربية في شخص رئيس الحكومة ،وعن وزير االقتصاد والمالية
ومدير الصندوق المغربي للتقاعد ،واستئنافا فرعيا من طرف السيد موالي إدريس اإلدريسي
بشر.
في أسباب االستئناف
حيث يعيب المستأنفون أصليا على الحكم المستأنف خرق مقتضيات الفصل 311من
الدستور ،لما قضى باالستجابة لطلب المدعي ،رغم كونه أسس على الدفع بعدم دستورية
752
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
نص قانوني ال تختص محكمة الدرجة األولى بالنظر فيه ،وهو األمر الذي يخالف
مقتضيات الفصل المذكور التي تقضي بأن الدفع بعدم دستورية القوانين يفترض وجوبا وجود
دعوى رائجة أمام إحدى المحاكم ،وال يمكن أن يأتي في صورة دعوى أصلية ،مما كان يتعين
معه على المحكمة أن تصرح بعد اختصاصها للبت فيها ،وأن هذه األخيرة خرقت الفصل
الثالث من قانون المسطرة المدنية عندما لم تتقيد بطلبات المستأنف عليه الرامية إلى الحكم
على المدعى عليهم تضامنا فيما بينهم بأدائهم له مبلغ 331.111011درهم ،كما أنها
خرقت حقوق الدفاع نتيجة البت في القضية في وقت قياسي ،ومن غير تمكين اإلدارة من
الوقت الكافي لالطالع على اإلجراءات المتخذة في مواجهتها ،والحصول على المعطيات
المتعلقة بموضوع الدعوى ،إلى جانب عدم استنفاذ المحكمة إلجراءات التحقيق للتأكد من
مزاعم المستأنف عليه ،عوض االكتفاء فقط بالوثائق التي أدلى بها ،ومن ضمنها ارتكازه
على وقائع مغلوطة بخصوص استصداره ألمر قضائي بإجراء خبرة لتحديد األسس القانونية
لتصفية معاشه ،في حين أن لجوءه إلى رئيس المحكمة اإلدارية كان قصد انتداب أحد
المفوضين القضائيين إلجراء استجواب مع مدير الصندوق المغربي للتقاعد ،وال يتعلق األمر
بخبرة قضائية ،وكذا تقديمه لنسبة مغلوطة بخصوص التخفيض من الخصم الجزافي
والمحتسبة عند تحديد صافي الدخل المفروضة عليه الضريبة المتعلقة بالمعاشات ،مما كان
له تأثير على احتساب مبلغ التعويض الذي يطالب به .كما يعيب المستأنفون على الحكم
المستأنف من جهة أخرى فساد التعليل من زاوية عدم وجود أي حكم قانوني يقر مسؤولية
الدولة عن أعمال السلطة التشريعية على عكس ما ذهبت إليه المحكمة اإلدارية في حيثيات
حكمها ،وذلك باعتبار أن مبدأ الفصل بين السلطات يحول دون رقابة القضاء على أعمال
هذه السلطة ،وحتى لو جاز ذلك فإن أسباب تقرير هذه المسؤولية تظل منتفية النعدام شرط
الخطأ الموجب لتحقق المسؤولية المرفقية وعنصر الضرر الذي يتعين أن يكون غير عادي
وخا ص يجعله مخال بمبدأ المساواة أمام األعباء العامة ،في حين أن تعديل المادة 3.11
من المدونة العامة للضرائب يتسم بصفة العمومية والتجريد ولم يوجه إلى شخص بعينه أو
واقعة بذاتها .ومن ناحية أخرى فإن اإلدارة المختصة لم ترتكب أي خطأ في احتساب معاش
المستأنف عليه وتقيدت بالقواعد المطبقة في هذا الشأن ،وال سيما الفصلين 31و 33من
القانون رقم 13.133المحدثة بموجبه نظام المعاشات المدنية ،وأخذا بعين االعتبار وضعيته
753
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
النظامية التي أحيل بموجبها على التقاعد مع تطبيق مبدأ السقف المنصوص عليه في
الفصل 31من نفس القانون الذي قضى بأنه ال يجوز بأي حال من األحوال أن يزيد مبلغ
المعاش بعد طرح الضريبة العامة على الدخل المتأتية من األجور والدخول المعتبرة في
حكمها على مبلغ آخر أجرة نظامية عن مزاولة النشاط ،خالصة من الضريبة المذكورة ،مما
يترتب عنه إعادة احتساب المبلغ الخام للمعاش ،انطالقا من المبلغ الصافي المرجعي
مطروحا منه المبلغ الواجب خصمه مع ارتفاع مبلغ الضريبة على الدخل الذي يخصم من
المبلغ الخام للمعاش خالل سنتي 1131و ،1130وأن مقارنة وضعية المستأنف عليه مع
حاالت مماثلة أحيل أصحابها على التقاعد خالل سنتي 1131و 1130تبين بأن المبلغ
الصافي المخول عند التصفية ألول مرة هو نفسه تقريبا بالنسبة لجميع هذه السنوات ،رغم
اختالف المبلغ الخام ،وأن تغييره خالل السنوات الموالية لسنة اإلحالة على التقاعد يرجع إلى
تغير نسبة الخصم الجزافي المطبق ،وأخي ار فإن المحكمة لم تعلل سلطتها التقديرية في تحديد
التعويض المحكوم به ،ولجميع هذه األسباب يلتمسون إلغاء الحكم المستأنف وبعد التصدي
الحكم من جديد برفض الطلب.
وحيث من جهة بالنسبة للسبب األول لالستئناف المتصل بعدم اختصاص المحكمة اإلدارية
بالبت في الطلب تأسيسا على مقتضيات الفصل 311من الدستور ،فإنه ما ينبغي اإلشارة
إليه في هذا الصدد وجوب التمييز بين موضوع الطلب أو المبتغى منه والذي يظل هو
المرجع في تحديد والية القضاء بالبت في الدعوى أو مناط اختصاص جهة قضائية معينة
داخل هذه الوالية ،وبين األسباب والمرتكزات التي يعتمدها واقع الدعوى في تبرير الحق
المطالب به ،وهذه باعتبارها فقط وسائل تستهدف الوصول إلى النتيجة المتوخاة من الدعوى،
فإنها تكون غير مؤثرة بذاتها على االختصاص النوعي للمحكمة بالبت في القضية برمتها،
وأنه في نازلة الحال ،فالمستأنف عليه لئن أثار في أسباب دعواه بعض العوار الذي شاب
قانون المالية لسنة 1131فيما جاء به من تعديل لمقتضيات المادة 3.11من المدونة
العامة للضرائب ،وتعارضه مع العديد من المبادئ الدستورية التي يجب أن يكون منسجما
معها ،إال أن ذلك كان فقط بغرض تبرير طلباته بالتعويض عن األضرار الالحقة به جراء
تطبيق هذه المقتضيات المعدلة عند تصفية معاشه بمناسبة إحالته على التقاعد خالل نفس
السنة التي صادفت اعتماد القانون المذكور وإسوة بزمالئه الذين أحيلوا على المعاش خالل
754
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
السنوات السابقة أو الالحقة ،أي أن األمر في نهاية المطاف يتعلق بطلب تعويض عن
ضرر في مواجهة الدولة المغربية يبقى القضاء اإلداري هو المختص بالنظر فيه استنادا إلى
مقتضيات المادة الثامنة من القانون 31.03المحدثة بموجبه محاكم إدارية ،وبصرف النظر
عن األسباب التي قدمها الطالب إلجازة استحقاقه للتعويض وفق التفصيل الذي سيأتي بيانه
أدناه ،وبالتالي لم يكن يستهدف التصريح بعدم دستورية قانون المالية المومأ إليه أعاله
استنادا إلى مقتضيات الفصل 311من الدستور المحتج بخرقه ،وما أثير في االستئناف بهذا
الخصوص يكون غير ذي أساس.
وحيث من جهة ثانية بالنسبة لسبب االستئناف ذي الصلة بخرق مقتضيات الفصل األول من
قانون المسطرة المدنية والناتج عن تحوير طلبات المدعي وعدم التقيد بها ،فإنه باالطالع
على المقال االفتتاحي للدعوى والملتمس النهائي للطلب يتضح بأنه يروم إلى الحكم على
اإلدارة المدعى عليها تضامنا فيما بينهم بأدائهم للمدعي( المستأنف عليه)مبلغ
331.111،11درهم مع الصائر ،وهو نفس ما قصت به المحكمة تماما ،مع جعل اإلدارة
ا لمحكوم عليها باألداء هي الدولة المغربية في شخص رئيس الحكومة ،في الوقت الذي لم
تبرز فيه الجهة المستأنفة وجه عدم تقيد المحكمة بطلبات المدعي ،وأين يكمن تحريفها أو
تجاوزها ،وجاء دفعها عبارة عن عموميات وكالم مرسل يفتقد إلى الدقة والجدية الالزمة،
ويكون معه سبب االستئناف المثار بهذا الشأن غير مسموع .
وحيث من جهة ثالثة ،فيما يخص سبب االستئناف المتصل بخرق حقوق الدفاع الناتج عن
عدم تمكين اإلدارة من األجل الكافي للجواب ،وخالفا لما أثير في السبب؛ فالثابت من خالل
اإلجراءات المتخذة في الملف االبتدائي ،أنه تم تبليغ المستأنفين جميعا بنسخة من مقال
الدعوى وذلك بتاريخ 11أكتوبر 1139بالنسبة لمدير الصندوق المغربي للتقاعد ،وبتاريخ
10أكتوبر 1139لوزير االقتصاد والمالية والوكيل القضائي للمملكة ،وبتاريخ 10أكتوبر
1139بالنسبة لرئيس الحكومة ،وذلك من أجل الجواب لجلسة 1نونبر ،1139إال أنهم
تخلفوا عن الحضور والجواب كما لم يتقدم أيا منهم بطلب إضافي يبرر تأخير النظر في
القضية ما دام أن استدعاءهم احترم األجل القانوني ،وبالتالي فهم من فوتوا على أنفسهم
فرصة إبداء موقفهم من النزاع والدفاع عن مصالحهم خالل المرحلة االبتدائية ،في حين ليس
755
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
هناك أي مقتضى قانوني يلزم تمتيع إدارات الدولة وغيرها من أشخاص القانون العام من
آجاالت استثنائية للجواب والفصل في النزاعات التي تكون طرفا فيها.
كما أنه من ناحية أخرى ،فإجراء تحقيق في الدعوى من عدمه يظل مسألة جوازية تستقل
بتقديرها المحكمة في ضوء معطيات النزاع المبسوطة أمامها ،وما إذا كانت تستدعي األمر
بتحقيق معين يتوقف عليه البت في القضية ،وال وجود ألي مقتضى قانوني في الفصل 100
من قانون المسطرة المدنية أو غيرها ،يلزم المحكمة بإجراء بحث في الدعوى لمجرد تخلف
المدعى عليه عن الجواب ،طالما أنها رأت بكون العناصر الكافية للفصل في القضية قد
توافرت وليس هناك نقطة غامضة تستدعي اإليضاح أو التحقق منها ،فكان ما أثير في
االستئناف بهذا الخصوص غير ذي أساس ومردودا عليه.
لكن ،حيث من جهة أخرى فيما يخص باقي األسباب مجتمعة الرتباطها بموضوع الحق في
التعويض المطالب به وأساسه القانوني ،فإن هذه المحكمة وبعد دراستها لمعطيات القضية
واطالعها على مستندات الدعوى في إطار األثر الناشر لالستئناف ،تبين لها بأن المستأنف
عليه طالب ابتداء أمام المحكمة اإلدارية بتعويضه عما أسماه بالضرر الالحق به بسبب
التعديل التشريعي الذي طال البند األول من المادة 11من المدونة العامة للضرائب بمقتضى
قانون المالية لسنة 1131رقم 31.335الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 3.31.51
بتاريخ 19دجنبر ،1131وهو التعديل الذي صادف فترة سريانه مع تاريخ إحالته على
التقاعد ابتداء من فاتح دجنبر ،1131محددا مبلغ التعويض في 331.111011درهم،
قبل أن يلتمس أمام المحكمة ومن خالل مذكرة استئنافه الفرعي المؤشر عليها بتاريخ 13
فبراير ،1133بالحكم لفائدته بمبلغ 3919030درهم يضاف في كل شهر إلى راتب تقاعده،
ابتداء من أكتوبر من سنة 1139إلى تاريخ صدور القرار االستئنافي ،مع تصحيح وضعيته
المعاشية في ضوء هذا المعطى ،وذلك استنادا إلى نفس األسباب والوسائل المعتمدة في
طلبه األصلي المقدم أمام المحكمة اإلدارية ،والتي لخصها في كون قانون المالية المشار
إليه أعاله جاء خارقا لمجموعة من األسس والمبادئ الدستورية ،وال سيما مبدأي المساواة
واألمن القانوني نتيجة تمييزه في المعاملة بين من أحيلوا على التقاعد سنة 1131وزمالئهم
ممن أحيلوا خالل سنتي 1131و ، 1130وذلك فيما يتعلق بنسبة الخصم الجزافي
المطبقة برسم الضريبة على الدخل ،والتي تم تعديلها طوال هذه السنوات بما يتنافى مع
756
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
أسلوب الثبات واالستقرار الذي يجب أن يطبع عمل السلطة التشريعية ،باإلضافة إلى خرق
الصندوق المغربي للتقاعد لما أسماه مفهوم الرجحان الذي يقتضي منه إعمال قواعد
المشروعية التي تسمح بمحاكمة القانون والحق في مجموعه ،وبالتبعية عدم االرتكاز على
قواعد قانونية هي في نهايتها مضرة بفئات المتقاعدين لسنة .1131
وحيث يستنتج مما سبق ،أنه لئن كان المستأنف عليه قد أشار في مقاله االفتتاحي إلى كون
دعواه مؤطرة في نطاق المسؤولية اإلدارية عن ضرر التشريع الذي اعتبره غير منصف وغير
عادل ،وانطالقا من نص المادة 11من القانون رقم 31.03المحدثة بموجبه محاكم إدارية،
إال أن األسباب التي اعتمدها في تبرير دعواه ،تستوجب ابتداء محاكمة عدم دستورية قانون
المالية لسنة 1131فيما نص عليه من تعديل للمادة 3.11من المدونة العامة للضرائب،
وذلك من خالل نعيه عليه كونه خرق مبدأ المساواة عندما حدد نسبة الخصم الجزافي بشأن
الضريبة على دخول المعاشات واإليرادات التي في حكمها ،في %55عوضا عن نسبة
%01التي كانت مطبقة بمقتضى قانون المالية لسنة 1131وأعيد تطبيقها مرة أخرى
بمقتضى قانون المالية لسنة ،1130وكذا عدم انضباطه لمبدأ األمن القانوني من خالل
التغييرات الم توالية التي طالت نسبة الخصم المذكور ،معتب ار إياها غير مقبولة في منطق
وفلسفة التشريع.
وحيث إن جميع هذه الخروقات الدستورية التي عابها المستأنف عليه على قانون المالية
السالف الذكر هو مما ال تستوعبه دعوى المسؤولية اإلدارية أمام المحاكم اإلدارية ،حتى ولو
كان أساسها ضرر التشريع وبدون إثبات الخطأ ،سواء من حيث أن ذلك فيه خرق جلي
ألصل ثابت في النظام الدستوري للمملكة وهو مبدأ فصل السلط الذي أقره دستور يوليو
1133في فصله األول ،ومن تجلياته عدم إخضاع أعمال السلطة التشريعية لرقابة السلطة
القضائية إال في نطاق الحدود التي تقررها الوثيقة الدستورية ذاتها ،أو من حيث تطاوله على
اختصاصات المحكمة الدستورية التي أسندت إليها مهمة هذه الرقابة بمقتضى الفصل 311
من الدستور ،أو من جهة أن ما يطالب به المستأنف عليه فيه تعطيل صريح لنص
تشريعي ،كما يتأكد ذلك من خالل طلبه اإلضافي الذي تضمنته مذكرة االستئناف الفرعي،
والتمس فيه تسوية وضعيته المعاشية بدون إعمال نسبة الخصم الجزافي التي أقرها قانون
المالية لسنة ،1131وعوضا عنها تطبيق النسبة التي كانت قائمة سنة ،1131أو التي
757
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
أقرها الحقا قانون المالية لسنة ،1130أي استفادته من هذا القانون األخير بأثر رجعي،
وهو وجه آخر لمخالفة دعواه ألحكام الدستور والذي يقضي في الفقرة األخيرة في فصله
السادس على أنه ليس للقانون أثر رجعي ،وبالتالي تكون المناقشة التي أثارها حول عدم
دستورية التعديل التشريعي المومأ إليه أعاله في غير محلها وال يمكن تأطيرها بدعوى
المسؤولية اإلدارية ،وهي بذلك غير جديرة باالعتبار.
وحيث من جهة ثانية ،لئن كان االتجاه السائد حاليا في الفقه والقضاء اإلداريين وعلى صعيد
مختلف األنظمة القانونية ،هو إقرار مبدأ مسؤولية الدولة عن قوانينها ،إال أنه مع ذلك لم
يرجع قيام هذه المسؤولية إلى خطأ السلطة التشريعية عند سنها لمقتضيات قانونية أو خرقها
للقواعد الدستورية التي تؤطر عملها ،وإنما تأسيسا على مبدأ المساواة أمام التكاليف العامة
والذي يتحتم تعويض المتضرر من العمل التشريعي إذا توافرت لذلك ضوابط وشروط معينة؛
تتمثل في عدم وجود النص القانوني الذي يمنع التعويض عن التشريع من أساسه ،وأن تكون
المصالح التي لحقها الضرر مشروعة وجديرة بحماية القانون ،وكان تضررها نتيجة مباشرة
لتطبيق القانون ،ثم أن يكون ذلك الضرر خاصا ،بحيث يمتد أثره إلى فرد واحد أو عدد
محدود من األفراد ،مما يعد خروجا عن األصل في عمومية القانون وانعكاساته اإليجابية أو
السلبية على الكافة ،وأن يكون في نفس الوقت ضر ار جسيما غير معتاد أو مألوف ،فيما
يترتب عن القوانين من أضرار ومخاطر في العادة يكون على أفراد المجتمع تحملها سواء
جميعا ،أو من خالل فئات عريضة وغير محدودة من المتضررين.
وحيث إنه بتنزيل هذه القيود والشروط الضابطة للمسؤولية عن ضرر التشريع على حالة
المستأنف عليه ،يتضح أنه وباستثناء أولها فإن باقي الشروط األخرى تظل غير متحققة،
بحيث إن الضرر الذي يتمسك لحوقه به ويطالب بتعويضه عنه ،لم يكن نتيجة مباشرة
التعديل الذي طال نسبة الخصم الجزافي من الضريبة على الدخل ،التي أتى بها قانون
المالية لسنة 1131المحددة في %55وإنفاذها في حقه ،وهو ما يقتضي أن يكون في
وضعية معينة ثم أصبح في وضعية دونها بعد تطبيق القانون الجديد عليه ،والحال أن األمر
كما يستفاد من راتب المعاش الذي كان يتوصل به خالل السنة وقدره خالف ذلك،
19.933031درهم ،ثم أصبح خالل سنة 11.399039 ،1130درهم ،وكان سيكون هو
نفسه تقريبا ( )19.919011درهم لو أحيل على التقاعد سنة ،1131علما بأن نسبة الخصم
758
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
التي أقرها قانون المالية الخاص بهاتين السنتين ( 1131و )1130هي اللتين يتمسك
بتصفية معاشه على أساسها ،وبالتالي فالضرر المحتج به لم يكن نتيجة مباشرة للتأثير الذي
مس حقوقه المعاشية ،وإنما يحاول إثباته من خالل مقارنة وضعيته مع األشخاص الذين
أحيلوا على التقاعد خالل السنتين السابقة والالحقة على سنة 1131التي أحيل فيها هو
على التقاعد ،وذلك عن طريق المرور من نافذة محاكمة دستورية القانون المالي لسنة
، 1131بعلة خرقه مبدأي المساواة واألمن القانوني ،وهو ما ال يجوز للمحكمة اإلدارية أن
تمتد رقابتها عليه وفق التفصيل المبين أعاله ،إذ أن خرق مبدأ المساواة الذي يرجع إليها
القضاء اإلداري النظر فيها هو الذي تأتيه اإلدارة في تطبيقها للمقتضيات القانونية وتمييزها
بين الوضعيات المتماثلة للمرتفقين ،وليس الخرق المنسوب للقانون الذي يصدره البرلمان في
حد ذاته ،مما حاصله أن شرط الضرر المباشر يظل غير قائم من هذه الناحية ،وذلك على
غرار شرطي الخصوصية والجسامة باعتبار أن التعديل الجبائي الذي طال المادة 11من
المدونة العامة للضرائب خالل سنة ،1131يسري نفاذه على جميع فئات المتقاعدين
المنخرطين في الصندوق المغربي للتقاعد ،والذين أحيلوا على المعاش خالل هذه السنة من
شتى قطاعات الوظيفة العمومية ،وال يتعلق األمر بضرر استثنائي أصاب المستأنف عليه
بمفرده أو أ فرادا محدودي العدد ،وبالتالي فهو يدخل في خانة األضرار العادية والمتوقعة
الناتجة عن مخاطر األعمال التشريعية.
وحيث ترتيبا على ما تقدم ،تكون شروط القول بمسؤولية الدولة عن أعمال السلطة التشريعية
غير قائمة في ظروف النازلة ،والحكم المستأنف لما قضى بتعويض المستأنف عليه يكون
بذلك قد جانب الصواب ويتعين إلغاؤه ،وتصديا برفض الطلب وبإبقاء الصائر على رافعه.
وحيث إن ما انتهت إليه مناقشة االستئناف األصلي من عدم وجاهة دعوى المسؤولية
اإلدارية عن ضرر التشريع ،المرفوعة من طرف المستأنف عليه النعدام مرتكزاتها وأساسها
القانوني ،يعتبر في نفس الوقت بمثابة جواب على ما أثير في استئناف الفرعي ،وأضحى
معه متجاو از وغير ذي موضوع.
لهذه األسباب
قضت محكمة االستئناف اإلدارية علنا انتهائيا حضوريا:
في الشا :
759
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
760
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
‐ هدم المح الماترى من طرف جماعة ترالية ،دون سلوك المسطرة التي يفرضها
القانون ،تكون اد اعتدت ماديا على ملك الغير ،وهو ما يستوجب أداءها تعويضا
عن األضرار الالحقة بالطالبين؛
‐ اضاة الموضوع يتوفرون على سلطة تقديرية في تحديد التعويض لناء على خبرة
حسالية لم يطعن فيها بمطعن جدي.
761
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
762
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وبه صدر القرار وتلي في الجلسة العلنية المنعقدة بالتاريخ المذكور أعاله بقاعة الجلسات
العادية بمحكمة النقض بالرباط ،وكانت الهيئة الحاكمة متركبة من رئيس الغرفة اإلدارية
(القسم األول) السيدة عائشة بن الراضي والمستشارين السادة :عبد الحميد سبيال مقررا ،احمد
دينية ،عبد المجيد بابا اعلي ،عبد العتاق فكير وبمحضر المحامي العام السيد سابق
الشرقاوي ،وبمساعدة كاتبة الضبط السيدة نفيسة الحراق.
763
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
المسؤولية المهنية:
.3ارار محامة النقض عدد 3/941المؤرخ في 21ألري 2432والصادر في
الملف اإلداري رام 2431/3/0/3122
القاعدة:
مخالفة مهنية -تأديب -حبز سيارة وبيعها ليست في ملك المنفذ عليه -عدم تحرير
محضر إضافي يستثني السيارة.
المحامة مصدرة القرار لما ثبت لها أن المفوض القضائي حبز سيارة الشركة المشتكية
في إطار ملف الحبز التنفيذي ،وأنه بعد انتقاله لتبليغ الحبز المذكور لمركز تسبي
السيارات علم أن السيارة ليست ملكا للمنفذ عليه ،فاكتفى لتضمين ذلك في شهادة التبليغ
دون أن يحرر محض ار إضافيا ،أو ملحقا لمحضر الحبز السالق فنتج عن ذلك ليع السيارة
بالمزاد العلني ،تكون اد لينت التقصير واإلخالل بالواجب المهني الذي ارتكبه ،أما تمساه
باون القانون ال يلزمه -في هذه الحالة -لتحرير أي محضر إضافي أو ملحق فال يؤخذ
به ألن عملية الحبز على السيارة تستوجب تقييد الحبز لدى مركز التسبي ،وذلك بالنظر
لطبيعتها كمنقول من نوع خاص ال يتأتى تحديد البهة المالكة له ومنع تفويته إال بالرجوع
لإلدارة المختصة بمس ك ليانات تسبي السيارات ،وبالتالي فإن تضمين رام السيارة بمحضر
الحبز ال يتعين أن يتم إال بعد االطالع على الوراة الرمادية ،وبعد الرجوع لمركز التسبي
للتأكد من هوية مالكها وليس العاس ،وطالما أن المفوض القضائي تصرف على خالف
ذلك فال وجود ألي مقتضى اانوني يمنعه من تحرير محضر إضافي أو ملحق لضمان
حقوق كافة األطراف.
باسم جاللة الملك وطبقا للقانون
حيث يؤخذ من وثائق الملف ،ومن القرار المطلوب نقضه المشار لمراجعه أعاله أنه بتاريخ
1131/33/30تقدم السيد وكيل الملك لدى المحكمة االبتدائية بمراكش بملتمس لنفس
المحكمة عرض فيه أن المشتكية " شركة " ....تقدمت بشكاية ضد المفوض القضائي " ....
" من أجل التزوير مفادها أنه زور عليها شهادة التسليم موضوع ملف التنفيذ عدد 15/351
764
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
إذ عوض أن يسلم االستدعاء المتعلق بالملف المذكور ألصحابه سلمه إليها من أجل تضليل
العدالة ،كما استغل شهادة التسليم التي وقعت عليها باعتبارها استدعاء بالحضور أمام رئيس
المحكمة في حين أنها بإجراء بيع عقاري على منقوالتها في إطار الملف التنفيذي رقم
15/519المضموم إليه الملف التنفيذي عدد 15/3315وأن المشتکی به عمد إلى الحجز
على السيارة نوع ( رونو برلينكو ) رقم .......على الرغم من اطالعه على ورقتها الرمادية
وتأكد بأنها ملك الشركة ورفض رئيس مرکز تسجيل السيارات الحجز عليها لذلك طلبت
متابعة المفوض القضائي " " ... ...من أجل التزوير ،وبعد إجراء البحث التمهيدي أسفر
على الوثائق المتعلقة باإلجراءات التي قام بها المفوض القضائي في إطار ملف التنفيذ
موضوع الشكاية لم ترفق بما يفيد انتقاله فعال إلى مصلحة تسجيل السيارات لتحديد مالك
السيارة موضوع الحجز ،وأن ذلك يعد إخالال منه بالتزاماته المهنية ،ملتمسا إحالته على غرفة
المشورة إلصدار عقوبة تأديبية في حقه طبقا لمقتضيات المادة 11من القانون رقم 93-11
وبعد استنفاد اإلجراءات قضت المحكمة االبتدائية بمراكش ( غرفة المشورة ) بعدم مؤاخذة
المفوض القضائي " " .......من أجل ما نسب إليه وتحميله الصائر بحکم استأنفه السيد
وكيل الملك لدى المحكمة االبتدائية بمراكش وبعد استنفاد المناقشة قضت محكمة االستئناف
بمراكش بإلغاء الحكم المستأنف والحكم من جديد بعد التصدي بمؤاخذة المفوض القضائي
من أجل ما نسب إليه ومعاقبته باإلنذار وتحميله الصائر وهو القرار المطلوب نقضه .
في وسيلتي النقض مبتمعتين لالرتباط ،حيث يعيب الطالب القرار بنقصان التعليل
وانعدامه وتحريف الوقائع ،ذلك أن المحكمة اعتبرت أنه ارتكب مخالفة مهنية لعدم تحريره
لمحضر أو محضر إضافي يستثني السيارة من الحجز مما نتج عنه ضرر للمشتكية ببيع
سيارتها بالمزاد العلني ،دون أن يبين سند هذه المخالفة التي ال وجود لها ألنه بعدما حرر
محضر الحجز حاول تبليغه لمركز تسجيل السيا ارت والقرار المطعون فيه اعتباره لذلك يكون
ناقص التعليل.
ومن جهة ثانية ،فإن المحكمة حملته مسؤولية بيع السيارة بالمزاد العلني مع أنه ليس هو
من قام بإجراءات البيع المذكور الذي اسند المفوض قضائي آخر وهو الذي كان ملزما
باالطالع على جميع وثائق ملف التنفيذ بما فيها شهادة التسليم الخاصة بتبليغ مركز تسجيل
السيارات ،وأضاف أن المشتكية لم يلحقها أي ضرر ألن السيارة المعنية لم تخرج من ملكيتها
765
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
والزالت بحوزتها ،وأنه لم يرتكب أي مخالفة مهنية طالما أنه أودع شهادة التبليغ التي
تضمنت مالحظاته حول عدم إمكانية بيع السيارة بملف التنفيذ ،وأن عدم اعتبار ذلك يجعل
القرار غير معلل .لكن ،حيث لما ثبت للمحكمة مصدرة القرار المطلوب نقضه أن الطالب
حجز سيارة الشركة المشتكية في إطار ملف الحجز التنفيذي عدد 15/519المؤرخ في
1115/15/31وأنه بعد انتقاله لتبليغ الحجز المذكور لمركز تسجيل السيارات علم أن
السيارة التي سبق أن دون رقمها في محضر الحجز ليست ملكا للمنفذ عليه ،فاکتفی
بتضمين ذلك في شهادة التبليغ ،دون أن يحرر محض ار إضافيا أو ملحقا لمحضر الحجز
فنتج عن ذلك بيع السيارة بالمزاد العلني بتاريخ 1111/11/19تكون بهذا التعليل قد بينت
التقصير واإلخالل بالواجب المهني الذي ارتكبه الطالب ،أما تمسكه بكون القانون ال يلزمه –
في هذه الحالة -بتحرير أي محضر إضافي أو ملحق فال يؤخذ به ،ألن عملية الحجز على
السيارة تستوجب بالضرورة تقييد الحجز لدى مركز التسجيل ،وذلك بالنظر لطبيعتها كمنقول
من نوع خاص ال يتأتى تحديد الجهة المالكة له ومنع تفويته إال بالرجوع لإلدارة المختصة
بمسك بيانات تسجيل السيارات ،وبالتالي فإن تضمين رقم السيارة بمحضر الحجز ال يتعين
أن يتم إال بعد االطالع على الورقة الرمادية ،وبعد الرجوع لمركز التسجيل للتأكد من هوية
مالكها وليس العكس ،وطالما أن الطالب تصرف على خالف ذلك ،فال وجود ألي مقتضى
قانوني يمنعه من تحرير محضر إضافي وملحق لضمان حقوق كافة األطراف وهو ما ذهبت
إليه محكمة االستئناف عن صواب.
ومن جهة ثانية ،فإن المحكمة إنما آخذت الطالب على اإلخالل الذي شاب اإلجراءات التي
قام بها شخصيا ،ولم تنسب إليه أي خطأ قد يكون صدر عن المفوض الذي باشر إجراءات
البيع الالحقة ألنها أجنبية عن موضوع مسطرة التأديب المعروضة عليها التي تنحصر في
المخالفة المهنية من عدمه وتوقيع الجزاء المناسب عند االقتضاء في إطار المقتضيات
القانونية الواجبة التطبيق على النازلة ،والسلطة التقديرية المخولة لها قانونا ،بصرف النظر
عن تدارك المشتكية لألثر الناتج عن البيع القضائي لسيارتها في إطار مسطرة تخص الغير
باستصدارها ق ار ار قضائيا الحقا باستحقاقها الذي يشكل واقعة عن المتابعة التأديبية ال تفند
المخالفة المهنية الثابتة في إطارها ،لذلك فالمحكمة لم تكن ملزمة بالجواب عن دفع ال تأثير
له على قضائها .ومن جهة أخيرة ،فإن ما عاب به الطالب القرار من تحريف للوقائع جاء
766
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
مبهما لعدم بيان وجه هذا التحريف ومظهره ،الشيء الذي يجعل وسيلتي الطعن معا غير
جديرتين باالعتبار باستثناء ما كان غامضا فهو غير مقبول.
لهذه األسباب
قضت محكمة النقض برفض الطلب وتحميل رافعه الصائر .وبه صدر القرار وتلي في
الجلسة العلنية المنعقدة بالتاريخ المذكور أعاله بقاعة الجلسات العادية بمحكمة النقض
وكانت الهيئة الحاكمة متركبة من رئيس الغرفة اإلدارية (القسم األول) السيد محمد منقار
بنيس والمستشارين السادة :محمد وزاني طيبي مقر ار واحمد دينية وعبد العتاق فكير
والمصطفى الدجاني أعضاء ،وبمحضر المحامي العام السيد سابق الشرقاوي ،وبمساعدة
كاتبة الضبط السيدة نفيسة الحراق.
(منشور في سلسلة إصدارات المكتب الفني لمحكمة النقض عدد خاص بمهنة المفوض
قررات محكمة النقض العدد الخامس 1139ص .)359
القضائي في ضوء ا
767
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
المستأنف القاضي ببراءة المطلوب (مولود) من جنحة تسلم مبالغ مالية كرشوة إلنجاز خبرة
قضائية.
إن محكمة النقض؛
بعد أن تال السيد المستشار محمد لحفيا التقرير المكلف به في القضية؛
وبعد اإلنصات إلى السيد الحسن حراش المحامي العام في مستنتجاته؛
وبعد المداولة طبقا للقانون؛
نظ ار لمذكرة بيان وسائل النقض المدلى بها من طرف الطاعن بإمضائه؛
في شأن وسيلة النقض الفريدة المستدل بها المتخذة من انعدام األساس القانوني وانعدام
التعليل ،ذلك أنه ،طبقا للفصل 191من قانون المسطرة الجنائية ،ال يمكن للمحكمة أن تبني
مقررها إال على حجج عرضت أثناء الجلسة ونوقشت شفاهيا وحضوريا أمامها .والقرار
االستئنافي أيد الحكم االبتدائي فيما قضى به من براءة المطلوب بعلة ردت به المحكمة طلب
النيابة العامة إجراء خبرة مضادة رغم تمسكها بهذا اإلجراء كنقطة قانونية حاسمة في
الموضوع ،وبالرجوع إلى وثائق الملف و مستنداته يتبين أن الخازن األصلي للشريط سبق أن
أدلي به بالدرجة االبتدائية ،وأن التاريخ المحدد في الشريط المصور كتاريخ للتعديل هو أصال
تاريخ نقل المقطع من المصدر إلى النسخ ،وهي تقنية بسيطة ال تعني تاريخ تصوير
الشريط ،ويؤكد هذا تصريح المتهم الذي ورد به " فعال تسلمت مبلغا ماليا في الشريط إال أني
ال أعرف موضوع التسليم " ،كما أن المشتكي سبق له خالل جلسة 13دجنبر 1130أمام
محكمة الدرجة األولى أن أكد أنه من قام بتسجيل القرص بمكتب الخبير بواسطة هاتفه
الشخصي ،وأنه من قام بتسليم مبالغ مالية للمتهم ،فهذه قرائن قاطعة ناطقة بإدانة المطلوب،
فضال عن أن هذا األخير حاول طمس الحقيقة وأدلى بصور توضح أن مكان تصوير
الشريط ال يهم مكتبه بعد أن قام بتغيير أثاثه بعد الواقعة ،وأن ما عللت به المحكمة قرارها
حول طلب الخبرة المضادة التي طالبت بها النيابة العامة ،لم تجب عليه ال إيجابا وال سلبا،
خاصة وأن الطرف المدني أدلى خالل المرحلة االبتدائية بالقرص المطلوب إجراء الخبرة
عليه ،وطالب بدوره بإجرائها ،غير أن المحكمة لم تستجب للطلب ،وقضت بالبراءة بناء على
إنكار المطلوب فقط ،فجاء تعليلها بذلك ناقصا عندما أغفلت الفصل في نقطة قانونية في
768
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
الموضوع وجاء قرارها مشوبا بالعيب في التعليل الموازي النعدامه ،ومعرضا للنقض
واإلبطال.
حيث علل القرار المطعون فيه تأييده للحكم االبتدائي بما يلي:
في الموضوع:
" حيث توبع المتهم بجنحة تسلم مبالغ مالية كرشوة إلنجاز خبرة قضائية طبقا لنص الفصل
109من القانون الجنائي والمادة 01من القانون المتعلق بالخبراء القضائيين.
وحيث استند الحكم المستأنف فيما قضى به أن المتهم ينكر المنسوب إليه عند االستماع إليه
تمهيديا من طرف السيد وكيل الملك وأمام هذه المحكمة ،مؤكدا أن ما جاء في الشريط
المفرغ في القرص المدمج مفبرك وال يعترف بمحتواه وأنه يتضمن معطيات خطيرة ومجهولة
المصدر والهدف وأنه يجهل مکان وزمان تسجيل الشريط واألشخاص اللذين قاموا بفبركته
وأنه يتضمن لقطات وأصوات غريبة وال تربط أية عالقة بينه وبين الخبرة المنجزة لفائدة
الشاكي ،كما جدد طعنه في صحة الشريط أمام المحكمة.
وحيث خلصت الخبرة المنجزة على الشريط المصور بأنه يحتوي على مقطع واحد مصور
على فيلم على األرجح بواسطة كامي ار هاتف خلوي ،وأن آخر تعديل على الفيديو أجري
بتاريخ 11نونبر ،1131وأنه ال وجود ألي أثر تركيب على شريط الفيديو ،إال أنه من
الضروري إجراء خبرة على الخازن األصلي للتحقق من صحته.
وحيث إنه لقيام جريمة الرشوة ال بد من أن يكون الطلب أو قبول العرض أو الوعد أو تسلم
الهبة أو الهدية أو غيرها من الفوائد قبل القيام بالعمل أو االمتناع عنه ( حسب ما جاء في
قرار المجلس األعلى بتاريخ 35مارس 3313تحت عدد 053 :في الملف الجنائي عدد
03130منشور بمجلة المحاماة عدد ) 33وأن الملف خالي مما يثبت ذلك خاصة وأن
الشكاية قدمت بتاريخ 11دجنبر 1131وأن الحكم في الملف موضوع الخبرة حسب ما
جاء في شكاية المشتكي كان بتاريخ 31نونبر 1131وأن الخبرة المنجزة على الشريط
المصور لم تكن جازمة ومتوقفة على إجراء خبرة على الخازن األصلي والذي لم تقم النيابة
العامة محركة الدعوى بتوفيره.
وحيث إن األحكام تبنى على الجزم واليقين ال على الشك والتخمين وأن الشك يفسر لصالح
المتهم ،وأن المحكمة ارتأت أن اإلثبات غير قائم تصرح بعدم إدانة المتهم بقوة الفصلين 3
769
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
و 191من ق م ج مما يتعين معه التصريح ببراءة المتهم من أجل ما نسب إليه ويستتبع
ذلك عدم ا االختصاص في الطلبات المدنية المقدمة في مواجهة المتهم.
وحيث إن النيابة العامة أمام هذه الدرجة التمست إجراء خبرة مضادة.
وحيث إنه بعد تفحص وثائق الملف و مستنداته تبين أنه فعال -ما أثير أشير إليه آنفا لم
تدل بالهاتف الخلوي الذي يدعي المشتكي أنه قام بتصوير شريط الفيديو په وأن ما أدلت به
هو مجرد قرص مدمج وبطاقة ذاكرة نوع (سان ديسك ميکرو اس د سعة 1جيكا ) وهي
ذاكرة خارجية غير مدمجة في جهاز التلفون ،مما يكون طلبه غير مؤسس ويتعين معه رده .
وحيث إن المحكمة على مستوى هذه الدرجة لم يثبت لديها أن ما ذكر في القرص كان قبل
إنجاز الخبرة وبمناسبتها.
وحيث إن المحكمة بعد اطالعها على وثائق الملف ومحتوياته ودراستها لعلل الحكم
المستأنف وما أثير بشأنه من أسباب تبين أن ما عابه المستأنف ليس من شأنه تغيير وجهة
نظر هذه المحكمة فيما انتهى إليه قضاء أول درجة.
وحيث إنه وتأسيسا على ما ذكر وبعد تبن ي حيثيات الحكم المستأنف يتعين التصريح بتأييده
في جميع مقتضياته تعليال ومنطوقا ".
وحيث يتجلى من هذا التعليل أن المحكمة أبرزت ما استندت إليه في قضائها ببراءة
المطلوب بعد رفضها طلب إجراء خبرة مضادة ،وعللت قرارها بذلك تعليال کافيا واقعا وقانونا،
وبينت وجه اقتناعها بشأن ذلك طبقا لما تقتضيه المادة 191من قانون المسطرة الجنائية.
أما باقي ما احتج به العارض فإنما هو مناقشة في الواقع ومجادلة في قيمة أدلة اإلثبات
التي حظيت بقبول قضاة الموضوع في حدود سلطتهم التقديرية التي ال تمتد إليها رقابة
محكمة النقض ،عمال بالفقرة الثانية من المادة 539من نفس القانون ،فالوسيلة غير مرتكزة
على أساس.
من أجله
قضت برفض الطلب المقدم من السيد نائب الوكيل العام للملك لدى محكمة االستئناف
بوجدة.
وبتحميل الحزينة العامة المصاريف القضائية.
770
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وبه صدر القرار وتلي بالجلسة العلنية المنعقدة بالتاريخ المذكور أعاله بقاعة الجلسات
العادية بمحكمة النقض بشارع النخيل بحي الرياض بالرباط .وكانت الهيئة الحاكمة متركبة
من السادة :الطيب أنجار رئيسا والمستشارين محمد لحفيا مقر ار وبوشعيب بوطربوش
والمصطفى هميد وجمال سرحان أعضاء ،وبمحضر المحامي العام السيد الحسن حراش الذي
كان يمثل النيابة العامة ،وبمساعدة كاتبة الضبط السيدة فاطمة اليماني.
(منشور في سلسلة إصدارات المكتب الفني بمحكمة النقض ،عدد خاص بالخبرة والخبراء من
خالل اجتهادات محكمة النقض ن العدد الثالث 1131الصفحة )013
771
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
يوليوز 1131في نطاق المادة 11من قانون المحاماة بمتابعة المحامي المشتکی به من
أجل مخالفتي :
- 3عدم التقيد في السلوك المهني بها تفرضه أخالقيات المهنة من نزاهة واستقامة ؛
-1عدم الجواب المنصوص عليها في المادة 1من نفس القانون والمادة 31في فقرتيها
األولى والثانية من النظام الداخلي مع إحالة الملف على المجلس قصد إجراء تحقيق
حضوري معه إعماال للمادة 19من نفس القانون .
وبعد إحالة ا لقضية على المجلس التأديبي لم يصدر في النازلة أي قرار رغم مرور مدة ستة
أشهر المنصوص عليها في المادة 11من نفس القانون ،مما اعتبر معه الوكيل العام للملك
أن مجلس الهيئة قد اتخذ ق ار ار ضمنيا بعدم المؤاخذة طبقا لنفس المادة المذكورة ،حيث طعن
فيه باالستئناف أمام غرفة المشورة بمحكمة االستئناف بمراکش قضت بعد استيفاء
اإلجراءات :بإلغاء المقرر المطعون فيه ،وبعد التصدي بمؤاخذة األستاذ حسن .خ ) من أجل
ما نسب إليه ومعاقبته باإليقاف عن مزاولة المهنة لمدة سنة واحدة و تحميله الصائر ،وهو
القرار موضوع الطعن بالنقض.
النقض مبتمعة لالرتباط ،حيث ينعى الطاعن القرار المطعون فيه بخرق في وسائ
الفصول 11و 19و 13من قانون المسطرة المدنية وخرق حقوق الدفاع وعدم االرتكاز
على أساس قانوني ،ذلك أن القرار المطعون فيه أشار إلى كونه قد استدعي لجلسة المناقشة
المنعقدة بتاريخ 39أبريل 1131و تخلف عن الحضور رغم التوصل شخصيا ،معتمدا في
ذلك على صورة من شهادة التسليم تم إرسالها بالفاكس ،وهو تبليغ غير قانوني ومخالف
للفصول المشار إليها أعاله نتج عنه خرق لحقوق الدفاع ،ومن جهة أخرى فإن المحكمة
اكتفت في تعليل قرار مؤاخذتها له بالمخالفات المنسوبة إليه بكونه توصل بالشكاية ولم يجب
عليها أمام النقيب ولم يثبت تمكين المشتكي من المبالغ المطلوبة ،في حين أنه دفع أمام
مجلس الهيئة وهو يحقق في الشكاية بأنه تقدم بتنفيذ جزئي فقط للجزء المشمول بالنفاذ
المعجل ولم ينفذ كل الحكم ،وأنه تقدم بطلب أمام النقيب لتحديد مبلغ أتعابه ،وأنه كان على
المحكمة إجراء بحث للتأكد من ذلك وبذلك جاء القرار المطعون فيه غير مؤسس ومنعدم
التعليل مما يعرضه للنقض.
772
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
لكن ،فمن جهة ،حيث لما كان الثابت من شهادة التسليم المدلى بها أن المحامي المشتکی
به قد توصل شخصيا بتاريخ 31مارس 1131ووقعها شخصيا هو والعون المكلف بالتبليغ
السيد عبد الكبير .س) لحضور جلسة المناقشة المنعقدة بتاريخ 39أبريل ،1131ودون أن
ينازع في ذلك بشيء ثابت ،فإن محكمة االستئناف حينما اعتبرت من ذلك أن المحامي
المعني باألمر قد تخلف عن جلسة المناقشة رغم توصله شخصيا ورتبت على ذلك اآلثار
القانونية ،لم تخرق مقتضيات الفصول 11و 19و 13من قانون المسطرة المدنية في
شيء.
ومن جهة أخرى ،حيث إن استيفاء المحامي لمبلغ التنفيذ واحتفاظه به أكثر من شهرين من
غير إيداعه أو تمكين صاحب الحق فيه يشكل مخالفة للمادة 1من قانون المهنة المتمثل في
عدم التقيد بالسلوك المهني وبمبادئ التجرد والنزاهة والكرامة ،كما أن عدم جوابه على مراسلة
النقيب بشأن الشكاية يعد مخالفة مهنية بمقتضى النظام الداخلي للهيئة ،وما دام قد ثبت من
أوراق الملف أن المحامي المشتکی به قد توصل بمناسبة تنفيذ التعويض موضوع الشكاية
بمبلغ 59.315095درهم حسب وصل كتابة الضبط المدلى به ولم يمكن الطرف المشتكي
من مستحقاته داخل األجل القانوني ،وأن النقيب أحال عليه الشكاية للجواب إال أنه رفض
التسلم کما تؤكد ذلك مالحظة المفوض القضائي بشهادة التسليم ،فإن محكمة االستئناف لما
قضت بعد تخلفه عن جلسة المناقشة رغم توصله شخصيا ،بمؤاخذته من أجل ما نسب إليه
استنادا إلى ذلك ،وعاقبته بما لها من سلطة تقديرية باإليقاف عن مزاولة المهنة لمدة سنة
واحدة ،تكون قد وجدت في عناصر الملف ما يكفيها للبت في الملف ولم تكن في حاجة إلى
إجراء بحث ،وبالتالي تكون قد بنت قضاءها على أساس سليم من القانون وما بالوسيلتين
على غير أساس.
لهذه األسباب
قضت محكمة النقض برفض الطلب.
الرئيس :السيدة عائشة بن الراضي -المقرر :السيد عبد المجيد بابا علي -المحامي
العام :السيد سابق الشرقاوي.
(منشور في سلسلة إصدرات المكتب الفني بمحكمة النقض ،عدد خاص بمهنة المحاماة في
ضوء ق اررات محكمة النقض ،العدد الرابع 1131الصفحة )110
773
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
التمس السيد الوكيل العام للملك في إطار مقتضيات المواد 11و 30من نفس القانون
الحكم بإلغاء القرار الضمني بحفظ الشكاية المذكورة وإحالة الملف على مجلس هيئة
المحامين بأكادير والعيون لمواصلة إجراءات المتابعة في حق المشتکی به األستاذ (عبد
المنعم .ط ) طبق الفقرة األخيرة من المادة 11من قانون المهنة .وبعد عرض القضية
بغرفة المشورة بجلسة سرية بتاريخ 11أبريل 1133تخلف عن الحضور السيد النقيب رغم
توصله باالستدعاء وحضرها األستاذ (م ) عن األستاذ (عبد المنعم .ط ) وأدلى بمذكرة
جوابية أقر فيها باستيال مه مبلغ التسبيق عن األتعاب إال أن ذلك كان من أجل دراسة كمية
هائلة من الوثائق التي أحضرها له المشتكي ،وقد فتح ملف بغرض تقديم شكاية ضد إخوة
والدهم الذين يتهمونهم بكونهم كانوا سبب وفاته ورفض تقديم أي إجراء أمام القضاء إال بعد
اإلدالء بالحجج الكافية ملتمسا رفض الطلب .وبعد تمام اإلجراءات أصدرت الغرفة القرار
المشار إلى مراجعة القاضي بإلغاء مقرر الحفظ الضمني المتخذ من طرف السيد نقيب هيئة
المحامين بأكادير والعيون في شأن شكاية السيد ( حسن.ع ) في مواجهة األستاذ ( عبد ط )
والتصدي واألمر بإحالة ملف الشكاية على مجلس الهيئة المذكورة لمواصلة إجراءات المتابعة
وفق المادة 19من قانون المحاماة ،وهو القرار المطعون فيه بالنقض بسبب فريد.
الوسيلة الفريدة حيث يعيب الطاعن القرار المطعون فيه اعتماده ضمن تعليله على وقائع
الشكاية المقدمة من ( حسن.ع ) نيابة عن ورثة ( أحمد.ع ) تفيد بأنهم كلفوا العارض للدفاع
عن مصالحهم وسلموه مبلغ 3911درهم كأتعاب وعلى هذا األساس اعتبر القرار بأن قرار
الحفظ لم يكن في محله لقيام عناصر کافية تبرر المتابعة لكون األفعال التي قام بها
المشتکی به تشكل مخالفة مهنية ،وأن القرار المطعون فيه لم يبين العناصر الكافية التي
تجعل المنسوب للعارض يشكل مخالفة ألن العناصر المقدمة من النيابة العامة في طعنها
تبقى مجرد ادعاءات غير مؤسسة على أسس سليمة من الناحية الواقعية والقانونية ،كما أن
القرار لم يبين كيف أنه اعتمد على مجرد ادعاءات يكون العارض اتصل بخصوم المشتكين
دون إذنهم ،أما بخصوص مبلغ 3911درهم كتسبيق األتعاب فإن العارض سبق له أن أدلى
للسيد النقيب ما يفيد إرجاع باقي المبلغ بعد خصم أتعاب مسطرة تتعلق بملف جنحي عادي
يخص أحد الورثة ،وأن االدعاء بكون المشتکين توصلوا بورقة صادرة عن العارض تحمل
بيانات ملف تجاري ال يخصهم لم تأت على شاكلة الورق الرأسي لمكتب العارض وتأشيرة
775
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
مكتبه وأن المبدأ القانوني يفرض على المدعي أن يثبت ادعاءه وإال سقط ادعاؤه ،والقرار
المطعون فيه اعتمد فقط على تلك االدعاءات المقدمة من طرف المشتكي حول اتصال
العارض بخصومه أما فيها يخص عدم تقديم دعوى المحاسبة وفتح التحقيق حول مالبسات
وفاة الموروث فإن العارض اعتبر بأن ما قدم له من وثائق لم تكن لتسعفهم في ادعائهم
وعلى هذا األساس أرجعت لهم كافة وثائقهم وتم احتساب أتعاب الدفاع على أساس ما قام
به من دراسة للملف .والقرار المطعون فيه يكون بذلك ناقص التعليل الموازي النعدامه مما
يناسب التصريح بنقضه وإبطاله.
لكن ،ردا على الوسيلة فإن المحكمة المقررة للقرار المطعون فيه لما استخلصت من وثائق
الملف بأن قبول الطاعن التوكيل عن المطلوبين و توصله بحججهم وإحجامه عن رفع طلبهم
إلى القضاء يشكل بداية حجة على قيام المخالفة المهنية يتطلب إجراء تحقيق بشأنها وعللت
قضاءها " :بأن وقائع الشكاية المذكورة تفيد أن المشتكين قد كلفوا المشتکی به للدفاع عن
مصالحهم في المطالبة بإجراء تحقيق حول ظروف ومالبسات وفاة موروثهم وإجراء محاسبة
مع شركائه في األعمال التجارية وسلموه مبلغ 3911درهم كأتعاب ،إال أنه ربط االتصال
بخصومهم دون إذنهم وأصبح يمتنع عن استقبالهم وسلمهم ورقة بخط يده تتضمن مراجع
ملف تجاري ادعى أنه يخصهم مع أنهم ال عالقة لهم به ،وأنه رفض تقديم الدعوى ( ) ...
وأنه اقتطع مقابل أتعابه وأرجع الباقي للمشتكين دون إدالئه بما يفيد اإلرجاع و مستند
االقتطاع وذلك بإق ارره في معرض جوابه ،وأن الغرفة ترى بذلك أن قرار الحفظ لم يكن في
محله لقيام عناصر کافية تبرر المتابعة لكون األفعال التي قام بها المشتکی به تشكل
مخالفة مهنية مما يجعل المقرر الضمني المتخذ في شكاية المشتكي معرضا لإللغاء " تكون
بذلك قد بينت العناصر المبررة لتعليل قرارها و جاء بذلك معلال بما فيه الكفاية و ما بالوسيلة
على غير أساس.
لهذه األسباب
قضت محكمة النقض برفض الطلب وبتحميل الطالب الصائر.
وبه صدر القرار وتلي بالجلسة العلنية المنعقدة بالتاريخ المذكور أعاله ،في قاعة الجلسات
العادية بمحكمة النقض بالرباط .وكانت الهيئة الحاكمة متركبة من السيد أحمد البكري رئيسا
والسادة المستشارين :محمد عثماني مقر ار والمصطفى لزرق والطاهرة سليم والطيبي تاكوتي
776
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
أعضاء ،وبحضور المحامي العام السيد عبد الله أبلق وبمساعدة كاتبة الضبط السيدة وفاء
سليطان.
(منشور في سلسلة إصدارات المكتب الفني بمحكمة النقض عدد خاص بمهنة المحاماة في
ضوء ق اررات محكمة النقض ،العدد الرابع 1131الصفحة .)101
777
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
المسؤولية الطبية:
.3ارار محامة النقض عدد 2/211المؤرخ في 33ألري 2431والصادر في
الملف اإلداري عدد2432/2/0/902
ااعدة:
مسؤولية المرفق الصحي اائمة لسوء تدلير عملية الوالدة بعد اإلادام على جر العضو
األعلى األيسر للبنين أثناء عملية الوالدة من أج إخراجه من الرحم ،حيث نتج عن ذلك
شل للذراع والساعد األيسر.
778
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
يجب تقديمها قبل تاريخ الجلسة كما أنه لم يتم تبليغهم بتاريخ إدراج الملف بالجلسة للنطق
بالحكم مما يجعل القرار عرضة للنقض.
لكن حيث ان الخرق المسطري الذي يعتبر سببا للنقض بحسب الفصل 153من قانون
المسطرة المدنية هو ذلك الذي يكون ترتب عنه ضرر ألحد األطراف ،وفي النازلة فإنه
ولئن كان الطالبون قد نعوا على المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه عدم تبليغهم باألمر
بالتخلي إال أنهم لم يبينوا الضرر الالحق بهم من جراء ذلك بإبراز أنه كانت لهم ملتمسات او
دفوع أو مستندات كانوا يودون اإلدالء بها وحرموا من ذلك لعدم تبليغهم باألمر المذكور ،
وبخصوص عدم تبليغهم باالستدعاء فباإلضافة إلى عدم بيان الضرر الناتج لهم مما ذكر
فإن الطالبين وبصفتهم طرفا مستأنفا حاضرون بطعنهم فما يجعل النعي غير منتج و الوسيلة
بدون أثر .
في شان الفرع األول من الوسيلة الثانية
حيث ينعى الطاعنون على القرار المطعون فيه فساد التعليل الموازي النعدامه بدعوى أنه
سبق لهم أن أثاروا أمام المحكمة مصدرته كون المحكمة اإلدارية لم تعمد إلى تبليغهم باألمر
بالتخلي و الحكم التمهيدي األمر بإجراء خبرة وتقريري الخبرة المنجزتين في الملف
ومستنتجات المطلوب بعد إنجازهما رغم تضمنها للطلبات النهائية التي احتفظوا بحقهم في
اإلدالء بها بعد الخبرة ،فردت ذلك بوجود شهادتي توصل تؤكدان التوصل باألمر بالتخلي
وهو ما لم يحصل وبكون عدم تبليغهم باألمر بإجراء خبرة لم يترتب عليه لهم أي ضرر
والحال أن الجزاء المترتب على ذلك هو بطالن الخبرة ألن األمر يتعلق بخرق لحقوق
الدفاع ،كما أن عدم تبليغ األمر المذكور يحول دون ممارسة التجريح في الخبير ،إضافة
إلى أن الهدف من ذلك هو االطالع على مهمة الخبير ومعرفة حدودها لرصد تجاوزاته فيها
وللطعن في الحكم التمهيدي ،وبخصوص الدفع بعدم تبليغهم بالخبرتين والمطالب المقدمة في
أعقابهما فقد ردته باالستناد إلى أن األثر الناشر لالستئناف يجب الخطأ المرتكب من محكمة
أول درجة وهو تعليل يترتب على القول به حرمانهم من درجة من درجات التقاضي مما
يجعل القرار عرضة للنقض.
لكن حيث إنه وبصرف النظر عن كون تبليغ المقرر القاضي بتعيين خبير قد ورد في الفقرة
األخيرة من الفصل 11من قانون المسطرة المدنية بمناسبة تقرير حق األطراف في التجريح
779
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
في الخبير مما يجعل اإلجراء المذكور مقر ار من أجل تلك الغاية والتي لم يتمسك بها
الطالبون ولم يقدموا أي تجريح في الخبراء ،فإن قواعد المسطرة التي ال تكون مفروضة تحت
طائلة البطالن ال تكون سببا لبطالن الحكم أو القرار إال إذا ترتب عن فرقها ضرر للطرف
أو األطراف ،المتمسكين بها ،والمحكمة مصدرة القرار المطعون فيه التي ردت الدفع موضوع
النعي بعلة أن (عدم تبليغ الحكم التمهيدي يترتب عليه أن يبقى للطالبين أجل التجريح
مفتوحا ..وأن ليس هناك ضرر من جراء عدم التبليغ أصابهم )..تكون قد سايرت مجمل
ما ذكر سيما وأن خبرة الخبير قد حضرها ممثل و ازرة الصحة مما يفيد أنه اطلع على النقط
التي ستجري عليها وبالتالي فإنه لم يترتب على عدم التبليغ أي ضرر للطالبين ،وبخصوص
األمر بالتخلي وعدم توصلهم به ابتدائيا فقد ردته المحكمة بعلة أنه (الوكيل القضائي والوزير
األول توصال به بتاريخ .. 1119/33/19حسب شهادتي التبليغ المضافتين للملف ).وهو
تعليل مطابق لوا قع الملف الذي بالرجوع إليه وخاصة شواهد التسليم ومحاضر الجلسات يلفي
أن محضر جلسة 1119-31-11يتضمن تبليغ األطراف باألمر بالتخلي و هو ما تؤكده
شهادتي التسليم المدرجتين بالملف واللتين تثبتان توصل كل من الوزير األول و الوكيل
القضائي باالستدعاء بتاريخ 1119/33/19لجلسة 1119/31/11التي تم فيها إدراج
الملف بالمداولة ،وفيما يخص الدفع بعدم تبليغهم بتقريري الخبرة والمطالب المقدمة في
أعقابهما فإنه ولئن كانت القاعدة العامة أن مبدأ التواجهية يقتضي تبليغ الطلبات و الوثائق
المتضمنة بالملف إلى الطرف الخصم لمناقشتها و إبداء الرأي فيها ،إال أن عدم احترام المبدأ
المذكور ال يؤثر في صحة الحكم إال إذا كانت تلك الطلبات أو الوثائق هي التي تم تأسيس
تعليالت الحكم ومنطوقه عليها أما إذا كانت مجرد تأكيد لوثائق أخرى موجودة بالملف واطلع
عليها الخصم وناقشها مبديا وجهة نظره فيها او دعي لذلك فلم يفعل فإن عدم تبليغه بها ال
يؤثر في صحة الحكم ،لما كان ذلك وكان تقري ار الخبرة المدرجين بالملف إنما أكدا ما أثبتته
الشواهد الطبية التي كانت موجودة ضمن وثائق الملف والتي لم يتمسك الطالبون بانها لم
تعرض عليهم ،من كون الضحية نتج له عن التلقيح صمم وهو ما أكدته الخبرتان ،فإن
المحكمة اإلدارية وان كانت لم تبلغ الخبرتين إلى الطالبين فإن ذلك لم يكن له تأثير على
اطالعهم على الضرر المدعي به و الثابت من خالل الشواهد المدرجة بالملف والتي أكدت
الخبرتان مضمونها ،والمحكمة مصدرة القرار المطعون فيه التي اعتبرت بان عدم تبليغ
780
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
الطالبين بتقريري الخبرة غير مشوب بأي خرق لحقوق الدفاع تكون قد راعت مجمل ما ذكر،
وفي شان الطلبات الختامية وعدم تبليغها لهم ،فإنه وما دام أن المقال االفتتاحي قد تمحور
حول طلب التعويض عن الضرر الناتج عن فقد الضحية لحاسة السمع فإنه يكون هو
الطلب األساسي أما تحديد المبلغ المطالب به فإنه ولما كانت المحكمة قد أعملت بشأنه
سلطتها التقديرية وخفضته من 3ماليين درهم المطالب بها إلى 111.111011درهم فإن
عدم التبليغ بالمذكرة المذكورة لم يكن له أي تأثير على نتيجة الحكم االبتدائي سيما وأن
القرار المطعون فيه عدله بالتخفيض مما يكون معه الطالبون قد استنفذوا حقهم في مناقشة
طلبات الخصم ويكون بالتالي القرار معلال تعليال سليما و الوسيلة والفرع على غير أساس.
في شان الفرع الثاني من الوسيلة الثانية بشقيه:
حيث ينعى الطاعنون على القرار المطعون فيه فساد التعليل الموازي النعدامه بدعوى أنه
استند في تعويض الضحية على نظرية المخاطر والخطأ المفترض في حين أن المسؤولية
في المجال الطبي ال تقوم إال على الخطأ الواجب اإلثبات بل وان يكون الخطأ جسيما وغير
عادي كما أن فكرة الخطأ المفترض ال يمكن ان تقوم إال إذا ثبت أن الضرر ناتج مباشرة
عن نشاط من أنشطة اإلدارة بمعنى ثبوت العالقة السببية بين النشاط المذكور والضرر وهو
ما لم يثبت في النازلة ألن الصمم ال عالقة له إطالقا بعملية التلقيح وهو ما أكدته الخبرات
التي نفت بشكل قطعي وجود تلك العالقة خاصة وأن الدراسات المعمقة التي أجريت على
مستوى المعلومات المتوفرة بالمركز العالمي لمحاربة التسمم واليقظة الدوائية لمنظمة الصحة
العالمية بينت بأن التلقيح ضد داء الحصبة والحميراء ليست له أية أثار جانبية أو اعراض
سلبية تنتهي بالصمم الذي له أسباب متعددة منها ما هو مرتبط بحادث معين ومنها ما هو
جيني وراثي تظهر عوارضه بصفة تدري جية :مما يجعل القرار بما ذهب إليه فاسد التعليل
عرضة للنقض.
لكن حيث إنه لما كان الثابت للمحكمة مصدرة القرار المطعون فيه أن الضرر الذي تعرض
له الضحية كان بمناسبة خضوعه لعملية التلقيح اإلجباري ( وهو فهم للواقع غير مناقش من
الطالبين) وكان التلقيح المذكور يدخل فعال ضمن األعمال الطبية إال أن خصوصيته
المتمثلة في كون من يتم تلقيحه في اإلطار المذكور ال يستشار في الخضوع لعملية التلقيح
ما دام أن الهدف منه ( التلقيح ) هو حماية الصحة العامة من مخاطر األوبئة أساسا ،وأنه
781
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
بالنظر لما ذكر فان الملقح ال يطلب منه إبداء رأيه هو أو ولي أمره إذا كان قاص ار في
القبول طواعية بالمخاطر المترتبة على تلك العملية فإن كل ذلك يجعل أساس تعويض من
تضرر هو التضامن بين أفراد المجتمع في تحمل األخطار االجتماعية بصرف النظر عن
قيام الخطأ من عدمه ،والمحكمة مصدرة القرار المطعون فيه التي ثبت لها أن الضحية
أصابه صمم بعد خضوعه لعملية تلقيح إجباري بلقاح من صنف ( )R - Rورتبت على
ذلك القول بأحقيته في التعويض في إطار فكرة المساواة والمشاركة في تحمل األعباء العامة
تكون قد راعت مجمل ما ذكر ،وبخصوص ما اثير من عدم قيام عالقة السببية بين الضرر
ونشاط المرفق العمومي فإنه لما كان تحصيل فهم الواقع في الدعوي وتقدير األدلة فيها
واستخالص توافر عالقة السببية بين الفعل والضرر من سلطة محكمة الموضوع متی کان
استخالصها سائغا يكفي لحمل قضائها وله أصله الثابت ضمن وثائق الملف ،وكانت
المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه قد عللت قيام العالقة السببية بين نشاط المرفق
العمومي الذي قام بتلقيح الضحية والضرر الالحق به بما جاءت به من أنه (باالطالع
القرار على معطيات النازلة والوثائق والمستندات المدلى بها يتبين أن الضحية خضع بتاريخ
.. 1110/31/11لعملية تلقيح إجباري بلقاح من صنف ( )R - Rبواسطة أحد األطباء
العاملين بمستوصف األمل بإقليم النواصر ،وأنه عقب ذلك التلقيح أصيب بمضاعفات
صحية تجلت علی الخصوص في ارتفاع درجة ح اررة جسمه مع ارتعاش حاد ،أعقبها بعد
ذلك فقدانه لحاسة السمع ..دون أن يقترن ذلك بما يفيد انه كان يعاني من قبل من أعراض
مرضية واضحة في ح اسة السمع في كلتا أذنيه أو إحداهما ،وبالنظر إلى ما أوضحه تقرير
الخبير المنتدب عبد الرحيم قرموشي من کون الصمم هو من اآلثار واألعراض االحتمالية
النادرة المترتبة عن التلقيح الذي خضع له المتضرر (حسب موسوعة ميديكا الطبية في
صفحتها )...3313تكون قد أوردت تعليالت سائغة في تبرير استخالصها لقيام عالقة
السببية بين التلقيح الذي خضع له الضحية والصمم الالحق به تدعمها وثائق الملف الذي
بالرجوع إليه وخاصة الشواهد الطبية المدلى بها يتضح أن الضحية المذكور تعرض عقب
تلقيحه بلقاح ( ) R - Rلمضاعفات صحية أعقبها إصابته بصمم لم يكن يعاني منه من
قبل ،وأن الصمم المذكور يعتبر حسب خبرة الخبير عبد الرحيم قرموشي من األعراض
782
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
االحتمالية النادرة المترتبة عن التلقيح حسب موسوعة ميديكا مما يجعل القرار معلال تعليال
سليما و القرع على غير أساس.
في شان الفرع الثالث من الوسيلة الثانية:
حيث ينعى الطاعنون على القرار المطعون فيه نقصان التعليق بدعوى أنه على ما قضي به
من 111.111011درهم باالعتماد على السلطة التقديرية وتكلفة العملية الجراحية واآلالت
الطبية الالزمة لعالج الضحية مما يكون معه قد خرج عن الغاية المقررة من التعويض الذي
يرجع فيه إلى طبيعة الضرر واتسامه بالموضوعية المطلقة ألنه يرد على جسم اإلنسان الذي
يتساوى فيه جميع األفراد وال يختلف باختالف ظروفهم الخاصة وحاالتهم الذاتية مما يجعل
تحديد التعويض مرتبط بنسبة العجز.
لكن حيث إنه لما كانت القاعدة أن التعويض يجب أن يغطي كامل الضرر بما يعني مراعاة
ما ف ات المضر ما لحقه من خسارة ،وكان تحديد ذلك التعويض بما يكفي لجبر الضرر هو
من مسائل الواقع التي تستقل بتقديرها محكمة الموضوع ما لم يكن المشرع قد تدخل لوضع
معايير معينة في التقدير وال رقابة علي قضاة الموضوع من طرف محكمة النقض إال
بخصوص التعليل ،فإن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه التي استندت فيما ذهبت إليه
من الحكم للضحية بتعويض قدره 111.111011درهم إلى ما جانت به من أنه (اعتبار
لسنه التي لم يكن يتجاوز الست سنوات بتاريخ وقوع الضرر وكذا حجم ونوعية األضرار
المتمثلة في إصابته بصمم مع ما لذلك من آثار نفسية ومضاعفات عليه ولكون تحسن
وضعه الصحي بتطلب مصاريف بمبلغ 133.111درهم لتركيب آلة السمع ..إضافة إلى
مبلغ 11.111درهم عن العملية الجراحية لتركيبها ..ارتأت خفض التعويض المحكوم به
إلى 111.111011درهم تكون قد أوردت تعليالت سائغة فيما ذهبت إليه بإبرازها للخسائر
المت رتبة عن الضرر والمتمثلة في شراء آلة السمع ومصاريف العملية الجراحية إضافة إلى
المعاناة النفسية الناتجة عن فقدان حاسة السمع وهي كلها عناصر موضوعية بالنظر إلى
من هم في مثل وضعية الضحية مما يجعل القرار معلال بما فيه الكفاية والفرع على غير
أساس.
لهذه األسباب
قضت محكمة النقض برفض الطلب وبإبقاء الصائر على رافعه.
783
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وبه صدر القرار وتلي في الجلسة العلنية المنعقدة بالتاريخ المذكور أعاله بقاعة الجلسات
العادية بمحكمة النقض بالرباط ،وكانت الهيئة الحاكمة متركبة عمن رئيسية الغرفة اإلدارية
(القسم الثاني) السيدة عائشة بن ال ارضي ،والمستشارين السادة :عبد السالم الوهابي مقر ار
وحسن مرشان وسعد غزيول برادة وسعاد المديني وبمحضر المحامي العام السيد حسن تايب،
وبمساعدة كاتب الضبط السيد منير العقاط.
784
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وسائ النقض:
حيث يعيب الطاعن القرار المطعون فيه بتحريف وقائع النزاع والتعليل الفاسد وقلب عبء
اإلثبات على الضحية ونقصان التعليل المنزل منزلة انعدامه ذلك بدعوى أن الحكم المستأنف
قد اعتمدت تعليالت خاطئة شكلت سندا أساسها لمنظوقه وخالف ما جاء في محضر
الضابطة ا لقضائية الذي ينص على ما يلي "جهاز ضبط الشرعة والزمان في الشاحنة موجود
قبل وقوع الحادثة كان سائق الشاحنة يسير بسرعة ال تتعدى 55كلم في الساعة ،أما عنوان
ذراع تغير السرعة كان بالنقطة الرابعة عند الشاحنة كون الهالك يسير بسرعة مفرطة وقت
الحادثة بينما الحقيقة ا لثابتة في محضر الضابطة القضائية فان سائق الشاحنة هو الذي كان
يسير بسرعة ال تتناسب وظروف ألنه كان يسير بسرعة 55كلم في الساعة ...كما أن قلب
عبئ اإلثبات في نقطة مسؤولية الحادثة خالفا للقانون فالمسؤولية تتجلى في عدم اتخاذ
الحيطة من صاحب الشاحنة فانه كان يجب أن يطالب بأنه قد فعل ما كان ضروريا لتالقي
وقوع الحادثة ال العكس والقرار المطعون فيه لم يعطي أي تعليل على هذا الرفض الضمني
لطلب توزيع المسؤولية بين أطراف الدعوى وجاء ناقصا في تعليله ومعرضا للنقض.
لكن حيث يتجلى من القرار المطعون فيه أنه بنى قضاءه برفض دعوى الطالبين" ...بأنه
بالرجوع إلى محضر الضابطة القضائية يتبين أن الحادثة وقعت على مسافة 39كيلومتر
جنوب غرب مدينة الدار البيضاء ...في وقت كانت فيه الرياح قوية والسماء ممطرة وقد
كان وقتها الهالك يسير بسرعة مفرطة ال تتالئم وظروف المكان والزمان .وأنه عندما حاول
تفادي االصطدام بشجرة كانت ساقطة وسط الطريق اصطدم بشاحنة كانت قادمة من االتجاه
المعاكس ...وأنه لم يتخذ الحيطة والحذر في مثل هذه الظروف وأن احتمال سقوط الشجرة
في تلك اللحظة في غياب ما يفيد ـأنه مر على سقوطها وقت طويل مما جعل مسؤولية
األشغال العمومية منتفية في النازلة "...فتكون المحكمة قد أجابت عما أثير وما جاء في
الوسائل غير جدير باعتبار.
لأأهذه األسبأأاب
قضت محكمة النقض برفض الطلب وتحميل رافعه الصائر.
وبه صدر القرار وتلي في الجلسة العلنية المنعقدة بالتاريخ المذكور أعاله بقاعة الجلسات
العادية بمحكمة النق ض بالرباط ،وكانت الهيئة الحاكمة متركبة من رئيس الغرفة اإلدارية
786
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
(القسم األول) السيد أحمد حنين ،والمستشارين السادة :أحمد دينية ،سلوى الفاسي الفهري
مقررة ،عبد الحميد سبيال ،عبد المجيد بابا اعلي ،وبمحضر المحامي العام السيد سابق
الشرقاوي ،وبمساعدة كاتبة الضبط السيدة نفسية الحراق.
787
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
الغرامة التهديدية:
.3ارار محامة النقض عدد 3/72المؤرخ في 21يناير 2430والصادر في
الملف اإلداري عدد 2431/3/0/91
القاعدة
إن محضر االمتناع المدلى به كأساس للحام بالغرامة التهديدية يتضح منه أن اإلدارة لم
تعبر عن اعتراضها المبرد عن نفس الحام القضائي بإعفاء الطالب من مهامه دون أي
مسوغ معقول لتعطي مبدأ اوة الشيء المقضي به وإنما اصرت ذلك على الصعوبة التي
تعترضها في تنفيذ الحام اعتبا ار لوضعيته البديدة الناتبة عن تعيين مدير جديد خلفا
للطالب مع ما يترتب عن ذلك من حقوق ماتسبة للمدير البديد.
شروط الحام بالغرامة غير متوفرة لوجود مبرر مشروع يستحي معه تنفيذ الحام لها.
788
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
فيما يخص وسيلة النقض األولى المتخذة من انعدام التعليل ذلك أن رئيس المحكمة لم يسبق
له أن أصدر أم ار بوجود صعوبة قانونية وواقعية في ملف التنفيذ ،وأن المحكمة أنذرت
المطلوب في النقض بالدالء بمال الطعن بقي دون جواب وهو ما يقضي حتما إلى التصريح
بنقض القرار وأن االستئناف ال يقبل إال ممن كان طرفا في الدعوى وله مصلحة في إثارته.
لكن من جهة ،حيث يتعين من األمر االبتدائي انه صدر في مواجهة و ازرة التربية الوطنية
وتكوين األطر والبحث العلمي بأن تؤدى للطرف الطاعن غرامة يومية تهديدية والثابت من
المقال االستئنافي أن الوكيل القضائي للمملكة نيابة عن وزير التربية الوطنية هو من قام
باستئناف األمر المذكور مما يكون معه ذا صفة ومصلحة في الطعن مادام المنطوق وهو
المعول عليه قضى عليه بأداء غرامة يومية ومن جهة أخرى فان هذا األخير تمسك أمام
قضاة الموضوع ال يعاد كل مسؤولية عنه في تنفيذ الحكم القضائي بإلغاء مقرر إداري صادر
عن و ازرة التربية الوطنية – يكون هذا المرفق يتعذر عليه تنفيذه مادامت إدارة المؤسسة
التعليمية – لضمان تسيير المرفق العام قد عهدت بإدارة المؤسسة إلى أحد االغيار وأن ذلك
يشكل بداهة عقبة في وجه تنفيذ الحكم بإرجاع الطالب إلى نفس المؤسسة التي كان يديرها
بغض النظر عن صدور أمر بالصعوبة من عدمه الن هذا األمر إنما هو كاشف ال منشى
للصعوبة فتكون الوسيلة غير مؤثرة.
في وسيلة النقض الثانية
حيث يعيب الطالب خرق الفصل 535من قانون المسطرة المدنية ذلك أن مقال االستئناف
الذي قدم من طرف الوكيل القضائي للمملكة عبر مقبول شكال لكونه بنى على تعويض من
الوزير األول مع أنه ال حق في التاريخ على دستور 1133الذي ألغى مؤسسة الوزير األول
وحل محله رئيس الحكومة.
لكن حيث يتضح من الرجوع إلى مقال استئناف المطلوب في النقض أن الوكيل القضائي
رفع استئنافه عن رئيس الحكومة ومن جهة ثانية فانه يصرف النظر عما أثير بخصوص
نيابة الوكيل القضائي للمملكة عن رئيس الحكومة فانه مادامت نيابة الوكيل القضائي عن
وزير التربية الوطنية ثابتة وغير مناقش فيها وهو الطرف المحكوم عليه ابتدائيا فان صدور
االستئناف عن رئيس الحكومة ومطابقته للقانون يعتبر علة زائدة يستقيم مقال االستئناف
بدونها وتكون الوسيلة على غير أساس.
789
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
790
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
أ
المسؤولية عن الخطا القضائي:
.3ارار محامة النقض عدد 1/179المؤرخ في 40أكتوبر 2438والصادر في
الملف اإلداري عدد 2431/1/0/2929
القاعدة:
‐ إارار مسؤولية الدولة المغربية عن الخطأ القضائي يقتضي البحث عن أركان
المسؤولية وهي ثبوت خطأ من جانب القاضي وضرر لحق بالطالب وعالاة سببية لين
هذا الخطأ والضرر.
‐ تدلير االعتقال االحتياطي هو سلطة خولها المشرع لقاضي التحقيق تبعا للمعطيات
الواردة في وثائق الملف.
‐ صدور حام لبراءة الطالب ال يمان اعتباره كشفا عن عدم مشروعية اإلجراءات التي
باشرها ااضي التحقيق وثبوت خطأ من جانبه.
وبعد المداولة وطبقا للقانون
حيث يستفاذ من أوراق الملف ومحتوى القرار المطعون فيه أنه بتاريخ 1130/10/10تقدم
السيد عبد القادر اليونسي بمقال أمام المحكمة اإلدارية بالرباط عرض فيه أن السيد وزير
العدل أعطى أم ار كتابيا إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة العدل الخاص بفتح تحقيق ضده
مع ايداعه السجن وبالنظر لعدم االستماع إليه وعدم ورود اسمه في محاضر الشرطة
القضائية تم اعتقاله بتاريخ 1111/19/15
وبعدما تبين لقاضي التحقيق إن وثائق الملف لم يرد بها اسمه قرر االنتقال لمحكمة
االستئناف بتطوان بتاريخ 31أكتوبر 1111ليتقمص دور مفتش بو ازرة العدل للبحث في
المخالفات المهنية المنسوبة إليه رافضا رفع حالة االعتقال ومدد فترتها مرتين ثم أحاله على
المحكمة في حالة إعتقال ليتم منحه السراح المؤقت بتاريخ 19يناير 1110بعدما قضى
خمسة أشهر وثالثة أيام رهن االعتقال وبتاريخ 13أبريل 1110صدر قرار ببرائته وتطبيقا
لمقتضيات الفصل 11و 311من الدستور ولجسامة الضرر الحاصل له نتيجة االعتقال
االحتياطي فانه يلتمس الحكم على الدولة المغربية بأدائها له تعويضا قدره مليون درهم مع
النفاذ المعجل والصائر وبعد جواب الوكيل القضائي وتمام اإلجراءات أصدرت المحكمة
791
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
حكمها برفض الطلب ،استأنفه الطالب فأصدرت محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط قرارها
المطعون فيه قضى بتأييد الحكم المستأنف.
حيث يعيب الطالب على القرار المطعون فيه بخرق قاعدة مسطرية أضرت بمصالحه وعدم
االرتكاز على أساس قانوني وانعدام التعليل وفساد بدعوى أنه خالل جلسة البحث في
المرحلة االبتدائية تقدم بملتمس يرمي الستدعاء قاضي التحقيق لم تستجيب إليه المحكمة وأن
الطالب أسس طلبه على كون مدة االعتقال تشكل خطأ قضائيا موجبا للتعويض ذلك أن
قاضي التحقيق اعتمد في اعتقاله شبهة ارتكاب فعل جرمي مرتبط ببعض الملفات ذات
الصلة باالتجار في المخدرات والتي اتخذت فيها إجراءات معينة إال أن ما ذهبت إليه
المحكمة ينطوي على تضليل صارخ وتحريف للوقائع ذلك أن محضر الفرقة الوطنية لم
يتضمن اسم الطالب ولم يتم ذكره من طرف المتهمين االخرين في حين أن قاضي التحقيق
أمر باعتقاله علما أن مقتضيات المادة 351من قانون المسطرة الجنائية وضعت معايير
وضوابط يتعين ع لى قاضي التحقيق احترامها قبل إيداع المتهم بالسجن وهي أمور لم
تناقشها المحكمة اإلدارية خالل البت في الطلب وأضفت الشرعية على قرار قاضي التحقيق
مقتضيات الفصل 311من الدستور رغم مخالفته للقانون ،علما أنه اعتمد في طلبه
والفصل 13من قانون االلتزامات والعقود بالنظر لعدم احترام قاضي التحقيق الضوابط
المحددة في قانون المسطرة الجنائية باعتقاله الطالب واالنتقال بعد ذلك لمدينة تطوان قصد
البحث المحددة في قانون المسطرة الجنائية باعتقاله الطالب واالنتقال بعد ذلك لمدينة تطوان
قصد البحث عن مبررات االعتقال من خالل المخالفات المهنية ،وهو أمر يرجع االختصاص
بشأنه للمفتشية العامة لو ازرة العدل ،والمحكمة مصدرة القرار المطعون فيه بعدم مراعاة ما
ذكر عرضت قرارها للنقض.
حيث إنه ،كما ذهبت إلى ذلك محكمة االستئناف اإلدارية عن صواب ،فإن إقرار مسؤولية
الدولة المغربية عن الخطأ القضائي يقتضي البحث عن أركان المسؤولية وهي ثبوت خطأ
من جانب قاضي التحقيق وضرر لحق بالطالب وعالقة سببية بين هذا الخطأ والضرر،
والمحكمة من خالل إسقاط هذه الوقائع على المقتضيات المنظمة ألعمال قاضي التحقيق
وفقا لمقتضيات الظهير الشريف رقم 3.11.351بتاريخ 1أكتوبر 3311المنظم لمحكمة
العدل الخاصة ثبت لها أن قاضي التحقيق بالمحكمة باشر عمله بناء على أمر كتابي من
792
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وزير العدل ،وأن كافة اإلجراءات التي باشرها قاضي التحقيق في النازلة مستمدة من
مقتضيات الفصول 3و 33و 31من الظهير المذكور أعاله مشي ار عن صواب إلى أن
تدبير االعتقال االحتياطي هو سلطة خولها المشرع لقاضي التحقيق تبعا للمعطيات الواردة
في وثائق الملف لتنتهي بحق إلى أن صدور حكم ببراءة الطالب ال يمكن اعتباره كشفا عن
عدم مشروعية اإلجراءات التي باشرها قاضي التحقيق وثبوت خطأ من جانبه ،وهي
(المحكمة) باعتمادها المعطيات القانونية والواقعية أعاله تكون قد عللت قضاءها بما فيه
الكفاية والوسائل على غير أساس.
لأأهذه األسبأأاب
اضت محامة النقض لرفض الطالب مع إبقاء الصادر على رافعه.
وبه صدر القرار وتلي في الجلسة العلنية المنعقدة بالتاريخ المذكور أعاله بقاعة الجلسات
العادية بمحكمة النقض ب الرباط ،وكانت الهيئة الحاكمة متركبة من رئيس الغرفة اإلدارية
(القسم الثالث) السيد المصطفى لوب ،والمستشارين السادة :عبد الغني يفوت مقررا ،ومحمد
الناصري ،وحميد ولد البالد ،ومحمد المنور ،وبمحضر المحامي العام السيد محمد الجعفري،
وبمساعدة كاتبة الضبط السيدة يامنة بنكميل.
793
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
794
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وبناء على المذكرة الجوابية التي تقدم بها الوكيل القضائي للمملكة باألصالة والنيابة عن
المدعى عليهم بتاريخ 1130/11/33الرامية أساسا إلى التصريح بعدم االختصاص النوعي
للبت في الطلب واحتياطيا إرجاء مناقشة الموضوع إلى حين الحسم في الدفع المثار.
وبناء على المذكرة التعقبية التي تقدم بها المدعى بتاريخ 1135/13/11بواسطة نائبه
الرامية إلى رد الدفع المثار والحكم وفق مقاله.
وبناء على الحكم العارض القاضي بانعقاد االختصاص النوعي للمحكمة للبت في هذا
الطلب.
وبناء على االستئناف المقدم من طرف الوكيل القضائي للمملكة ضد الحكم العارض.
وبناء على قرار هذه المحكمة القاضي بإيقاف البت في النازلة إلى حين البت في الطعن
المقدم ضد الحكم العارض.
وبناء على قرار محكمة النقض بتأييد الحكم القاضي بانعقاد االختصاص النوعي لهذه
المحكمة.
وبناء على إشعار األطراف لإلدالء بمستنتجاتهم على ضوء قرار محكمة النقض واستنكافهم
عن ذلك.
وبناء على اإلعالم بإدراج القضية بالجلسة العلنية المنعقدة بتاريخ 1131/33/11وبها
تخلفت األطراف ،ثم قررت المحكمة اعتبار القضية جاهزة وبعد أن أعطيت الكلمة للسيد
المفوض الملكي الذي اقترح االستجابة للطلب ،تم حجز القضية للمداولة آلخر الجلسة.
795
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
حيث إن مؤدى الطلب هو الحكم على المدعى عليهم بأدائهم لفائدة المدعى تعويضا عن
الضرر الالحق به وقدره 31.111درهم مع إقران الحكم بالنفاذ المعجل.
وحيث استنكف نائب المدعي والوكيل القضائي عن اإلدالء بمستنتجاتهما على ضوء الحكم
العارض رغم إشعارهما بذلك.
وحيث إن المحكمة وبعد دراستها لمعطيات النزاع تبين لها أن الطلب يروم الحكم لفائدة
المدعي بتعويض عن الخطأ القضائي المرتكب من طرف النيابة العامة لدى المحكمة
االبتدائية بالناظور باعتبارها أحد أجهزة المنظومة القضائية.
وحيث إن تحديد مفهوم الخطأ القضائي يقتضي تكييف طبيعة الخطأ المرتكب ونوعية
المرفق موضوع المساءلة والجهة المسؤولة عنه وما إذا كان يشكل خطأ شخصيا يسأل عنه
القاضي مدنيا في إطار حاالت المخاصمة أم خطأ مرفقيا تسأل عنه الدولة في إطار قواعد
المسؤولية اإلدارية.
وحيث إن الخطأ المدعى به صدر بمناسبة تقديم المدعي لشكاية أمام النيابة العامة لدى
المحكمة االبتدائية بالناظور بشأن عدم توفير مؤونة سجل تحت عدد 1133/511في
مواجهة الساحب .....الذي سلمه شيكا بقيمة 11.111درهم مسحوب على مؤسسة القرض
الفالحي تبين يوم تقديمه للوفاء بتاريخ 1119/11/19أنه ال يتوفر على مؤونة وبعد ضبط
الساحب وتقديمه أمام النيابة العامة بتاريخ 1131/11/15تقرر حفظ المسطرة للتقادم
وتسريح الساحب رغم عدم تحقق واقعة التقادم والتي بقي لها ثالثة أيام كاملة ( 0سنوات
ابتداء من تاريخ تقديم الشيك للوفاء) وبتاريخ 1131/9/3أقرت النيابة العامة بوجود خطأ
في احتساب المدة وقررت إخراج الشكاية من الحفظ قصد إحالتها من جديد على الضابطة
القضائية إال أن ذلك لم يكن كفيال بقطع التقادم مما تقرر معه بتاريخ 1130/10/11حفظ
الشكاية من جديد للتقادم.
وحيث إنه تبعا لسلطة المحكمة في تكييف طبيعة الخطأ والتزاما بمقتضيات الدستور التي
أوجبت التطبيق السليم والعادل للقانون وبصرف النظر عن اإلطار القانوني الذي أطر فيه
المدعى دعواه فقد تبين للمحكمة أنه ال يوجد ما يثبت كون الخطأ المنسوب للنيابة العامة
صدر عن غش أو تدليس أو غدر أو محاباة من القاضيألخذاألطراف وبالتالي ال يندرج
ضمن حاالت المخاصمة المقررة بموجب الفصل 133من قانون المسطرة المدنية التي
796
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
توجب عند تحققها تحميل القاضي المخل بموجبات منصبه المسؤولية المدنية عن الخطأ
المرتكب من طرفه طبقا الفصل 93من قانون االلتزامات والعقود على اعتبار أن دعوى
المخاصمة هي دعوى مسؤولية مدنية ترمي إلى جبر الضرر عن طريق التعويض.
حيث إن المادة 511من قانون المسطرة الجنائية نصت على ما يلي :
"استنادا إلى المقرر الجديد :المترتبة عنه براءة المحكوم عليه وبناء على طلبه الحكم له
بتعويض عن الضرر الذي لحقه بسبب اإلدانة.
إذا كان ضحية الخطأ القضائي قد توفي انتقل الحق في رفع الطلب للتعويض إلى زوجه
وأصوله وفروعه وال يمكن أن يؤول هذا الحق ألقارب آخرين أبعد صلة إال إذا أدلوا بما يبرر
أن ضر ار ماديا لحقهم من العقوبة المحكوم بها.
يقبل طلب التعويض في سائر مراحل مسطرة المراجعة.
تتحمل الدولة ما يحكم به من تعويضات على أنه يحق لها الرجوع على الطرف المدني أو
الواشي أو شاهد الزور الذين تسببوا بخطئهم في صدور العقوبة وتؤدى التعويضات كما
تؤدى مصاريف القضائي الجنائي".
ويشكل هذا النوع من األخطاء الصورة المثلى والواضحة للخطأ القضائي المطلوب التعويض
عنه أيا كان مرتكب الخطأ والمرحلة التي تم خاللها ارتكابه إذ أن العملية القضائية مركبة
بدءا من مرحلة البحث التمهيدي أو التحقيق اإلعدادي إلى غاية إصدار الحكم ويمكن القول
أن أساس هذه المسؤولية هو نص القانون من خالل قانون المسطرة الجنائية.
وحيث إن عبارة يقبل التعويض في سائر مراحل مسطرة المراجعة الواردة في الفقرة 1من
الفصل 511من ق.م.ج ال تفيد حتما أن اختصاص القضاء الجنائي للبت في طلب
التعويض عن الضرر الناتج عن الخطأ القضائي المقدم من قبل من صدر قرار المراجعة
لفائدته هو اختصاص مانع ال يزاحمه فيه القضاء اإلداري بل يمكن للمتضرر طلب
التعويض أمام المحكمة اإلدارية استنادا إلى المادة 9من القانون 03/31والتي لم نستثن
األخطاء الناتجة عن الخطأ القضائي.
وحيث أسس المدعي دعواه على القرار الخاطئ للنيابة العامة لما قررت حفظ المسطرة للتقادم
مما يشكل خطأ قضائيا في تطبيق القانون يستحق معه تعويضا على الضرر الالحق به
جراء ذلك.
797
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وحيث أقر دستور المملكة في الفصل 311منه حق التعويض عن الخطأ إذ نص على أنه
"يحق لكل من تضرر من خطأ قضائي الحصول على تعويض تتحمله الدولة".
وحيث إنه وإن كان تقرير الحق لمن تضرر من خطأ قضائي يعتبر وسيلة فعالة لحماية
حقوق األفراد من خالل تمكين المتضرر من الحصول على تعويض جابر للضرر المادي
والمعنوي الذي أصابه جراء ذلك تتحمله الدولة فان ذلكمقرون في إطار دعوى المسؤولية عن
نشاط مرفق القضاء بإثبات توفر شروط قيام هذه المسؤولية في غياب تشريع خاص ينظم
هذا التعويض.
وحيث ينبغي التمييز بين األخطاء التي تترتب عن تطبيق مقتضيات القانون أو عن تأويله
أو تفسيره أو حاالت الطعن بالمراجعة إذ تبقى مسؤولية تعويض المتضرر أو ذوي حقوقه
كاملة على الدولة وفقا للمادة 311من الدستور وبين األخطاء القضائية عن تقصير أو
إهمال أو تهاون من طرف األجهزة القضائية في أدائها لمهامها.
وحيث إنه لما كانت نازلة الحال وحسب ما يستشف من وقائعها ومن الوثائق المدلى بها أن
الخطأ المنسوب لجهاز النيابة العامة كان نتيجة التطبيق الخاطئ للقانون المنظم لجنحة عدم
توفير مؤونة شيك مما تنتفي معه المسؤولية الشخصية للقاضي ويرتب مسؤولية جهاز النيابة
العامة جراء التطبيق الغير السليم للقانون وبالتالي نكون أمام حالة من حاالت الخطأ
القضائي المجرد.
وحيث إن المحكمة وهي بصدد تحديد التعويض الجابر للضرر وبما لها من سلطة تقديرية
وبالنظر إلى قيمة الشيك قررت الحكم لفائدة المدعي بمبلغ 91.111درهم تؤديها الدولة
المغربية في شخص رئيس الحكومة مع تحميل خاسر الدعوى صائرها ورفض الطلب فيما
عدا ذلك.
المنطوق
وتطبيقا لمقتضيات الفصول 9-1-5-0-1من القانون 31/03المحدث للمحاكم اإلدارية
والفصل 311من الدستور.
لأأهذه األسبأأاب
حكمت المحكمة اإلدارية علنيا ابتدائيا وحضوريا.
في الشكل :بقبول الطلب.
798
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
في الموضوع :بأداء الدولة المغربية في شخص رئيس الحكومة تعويضا لفائدة المدعى وقدره
91.111درهم (هكذا ثمانون ألف درهم ) ،مع تحميل خاسر الدعوى صائرها ورفض الطلب
فيما عدا ذلك.
799
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
الضابطة القضائية وكذا النيابة العامة لدى المحكمة االبتدائية بسال المتمثل في خرقها للمادة
91-0من قانون المسطرة الجنائية ،بعدم إشعارها بصفتها المشتكية والمتضررة من الجريمة ،في
االنتصاب كمطالبة بالحق المدني ،مما يشكل خرقا ساف ار لحق من حقوق الدفاع المخولة دستوريا
وخاصة الفصلين 331و 339منه ،وأن عدم إشعارها للحضور للمسطرة لم يمكنها من حقها في
التقاضي وضيع عليها المطالبة بمطالبها المدنية واستخالص قيمة الشيكات موضوع الشكاية،
وفوت عليها بذلك الطعن باالستئناف في الحكم االبتدائي كما لم يسمح لها من الناحية القانونية
برفع دعوى جنحية أخرى في مواجهة المشتكى بها ،وستحرم بالتالي من سلوك المسطرة الجنحية
باعتبارها األنجع إلجبار المشتكى به في جرائم الشيك على تسوية وضعيتهم وهو الشيء غير
المتوفر في المسطرة المدنية ،كما أنها ستتكبد أداء رسوم قضائية مكلفة في المجال المدني،
ألجله تلتمس الحكم على و ازرة العدل في شخص وزيرها بأدائها لفائدة المدعية 51.111011
درهم تعويضا عن الضرر المادي والمعنوي ،مع الفوائد القانونية من تاريخ النطق بالحكم مع
النفاذ المعجل وتحميل المدعى عليها الصائر وأرفق المقال بوثائق.
وبناء على المذكرة الجوابية المدلى بها من الوكيل القضائي للمملكة بتاريخ 19يناير 1133
الرامية إلى الحكم بعدم قبول الطلب لعدم توجيه الدعوى ضد من يجب قانونا لكون و ازرة العدل لم
تعد مختصة بتدبير هذا النوع من النزاعات بعد صدور القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس
األعلى للسلطة القضائية الذي يتمتع بالشخصية المعنوية واالستقالل اإلداري والمالي ولرئيسه
المنتدب حق تمثيله أمام القضاء ،كما لم يتم توجيه الدعوى ضد رئاسة النيابة العامة ،بعد نقل
اختصاصات و ازرة العدل إليها مادام الخطأ منسوبا للنيابة العامة ،وفي الموضوع برفضه النتفاء
ركن الخطأ ،ألن اإلشعار ال يعد من الشكليات الجوهرية التي ال يمكن بدونها تقديم المطالب
المدنية أمام القضاء الزجري ولم يرتب عنها المشرع أي جزاء ،وسبق للقضاء اإلداري في نازلة
مماثلة أن قضى برفض الطلب ،فضال عن انتفاء ركن الضرر.
وبناء على تعقيب نائبة المدعية بتاريخ 11يناير 1133مع مقال إصالحي مؤدى عنه الرسم
ا لقضائي يرمي إلى رد الدفوع المثارة وبإصالح المقال بإدخال كل من المجلس األعلى للسلطة
القضائية في شخص رئيسه المنتدب بالرباط ورئاسة النيابة العامة في شخص الوكيل العام للملك
لدى محكمة النقض بالرباط ووكيل الملك لدى المحكمة االبتدائية بسال ورئيس المحكمة االبتدائية
بسال والحكم وفق الطلب.
800
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وبناء على إدراج القضية بعدة جلسات آخرها بتاريخ 15فبراير 1133اعتبرت خاللها المحكمة
القضية جاهزة ،وأعطيت الكلمة إلى السيد المفوض الملكي الذي أكد تقريره ،فتقرر حجز القضية
للمداولة قصد النطق بالحكم اآلتي بعده.
وبعد المداولة طبقا للقانون
في الشا :
حيث قدم الطلب من ذات صفة ومصلحة ومستوفيا لباقي شروطه الشكلية المتطلبة قانونا ،مما
يتعين معه قبوله من هذه الناحية.
في الموضوع:
حيث يهدف الطلب إلى الحكم بمسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي المنسوب لمرفق النيابة
العامة وبأداء تعويض لفائدة المدعية قدره 51.111011درهم مع الفوائد القانونية من تاريخ
النطق بالحكم مع النفاذ المعجل وتحميل المدعى عليا الصائر.
وحيث أسست الدعوى على قيام مسؤولية الجهة المدعى عليها ،استنادا لخرق المادة 91-0
من قانون المسطرة الجنائية ،بعدم إشعارها من طرف الضابطة القضائية والنيابة العامة بصفتها
المشتكية والمتضررة من الجريمة ،بالحق في تنصيب نفسها كمطالب بالحق المدني ،مما يشكل
خرقا ساف ار لحق من حقوق الدفاع المخولة دستوريا وخاصة الفصلين 331و 339منه ،وأن
عدم إشعارها للحضور للمسطرة لم يمكنها من حقها في التقاضي وضيع عليها مزايا هذه المسطرة
والمطالبة بمطالبها المدنية واستخالص قيمة الشيكات موضوع الشكاية دون االضطرار ألداء
الرسوم القضائية في إطار دعوى مدنية مستقلة.
وحيث دفعت الجهة المدعى عليها بانتفاء ركن الخطأ ألن اإلشعار ال يعد من الشكليات الجوهرية
التي ال يمكن بدونها تقديم المطالب المدنية أمام القضاء الزجري ،ولم يرتب عليها المشرع أي
جزاء ،وسبق للقضاء اإلداري في نازلة مماثلة أن قضى برفض الطلب ،فضال عن انتفاء ركن
الضرر.
وحيث إنه بعد دراسة المحكمة لكافة معطيات القضية تبين لها أن جوهر النزاع يتعلق بمدى قيام
أركان المسؤولية اإلدارية للدولة عن الخطأ القضائي في حالة عدم إشعار النيابة العامة أو
الضابطة القضائية للمشتكي بالحق في تقديم مطالبه المدنية في إطار الدعوى المدنية التابعة.
801
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
وحيث أقر الدستور المغربي المسؤولية عن الخطأ القضائي بموجب الفصل 311الذي نص
على أن لكل شخص تضرر من خطأ قضائي حق الحصول على تعويض تتحمله الدولة.
وحيث تتوزع صور الخطأ القضائي بين الخطأ المرتكب من طرف المرفق اإلداري القضائي أي
المرتبط بعمل جهاز كتابة الضبط ،أو الخطأ الصادر عن قضاة الحكم بمناسبة البت في
الخصومات ،أو الخطأ المرتكب من جهاز النيابة العامة بمناسبة اإلشراف على الدعوى العمومية
وتسييرها.
وحيث إنه في نازلة الحال فإن دعوى المسؤولية عن الخطأ القضائي مؤسسة على الخطأ
المنسوب لجهاز النيابة العامة في إطار إشرافها على سير الدعوى العمومية ،بعلة عدم إشعار
المدعية بصفتها المشتكية بشأن إصدار شيك بدون مؤونة ،بالحق في تقديم المطالب المدنية في
إطار الدعوى المدنية التابعة.
وحيث نصت المادة 091من قانون المسطرة الجنائية على ما يلي:
"يتعين إشعار الضحية المتضرر من جريمة بحقه في االنتصاب كمطالب بالحق المدني أمام
قاضي التحقيق وأمام هيئة المحكمة كما يتعين إشعاره بالحقوق التي يخولها له القانون.
يشار إلى هذا اإلشعار بالمحضر المنجز من طرف الشرطة القضائية أو من النيابة العامة في
الحالة التي يمثل فيها الضحية أمامها".
وحيث يتعين تبعا لمدلول هذه المادة التمييز بين إشعار الضحية بالحق في االنتصاب كمطالب
بالحق المدني وبين اإلشعار بالحقوق التي يخولها القانون في إطار الحق في المعلومة أو ما
يعرق بالحق في الولوج للقانون ،كما يتعين التمييز بخصوص صيغة الوجوب بين الجهات
القضائية المختلفة المعنية بالمسطرة القضائية الجارية وآثارها القانونية؛
وحيث إن إقرار المشرع لوجوب إشعار الضحايا بحقوقهم يرتبط بالحماية القانونية المقررة لهم،
والتي من غاياتها توفير الحق في المعلومة لتعريفهم بهذه الحقوق وكيفية الدفاع عنها ومنها تتبع
مختلف اإلجراءات المسطرية ،والحماية من كل ما من شأنه المساس بشخصهم أو صورتهم في
المجتمع ،والمشاركة في الدعوى العمومية وتدعيم مكانتهم فيها ،عالوة على ضمان حقهم في
التعويض ،بالشكل الذي ييسر تتبعهم ألطوارها في جميع مراحلها وحقهم في التعويض أثناءها،
وهي المكانة التي يتولى المشرع الجنائي في كل دولة تحديد كيفية ضمانها وآجال ممارستها،
ومدى اجباريتها وآثارها من خالل محددات السياسة الجنائية التي تنعكس بوضوح في نصوص
802
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
قانون المسطرة الجنائية ،ووجوب التقيد بهذا االلتزام ،لئن كان واجبا قانونيا ومهنيا يقع على
الجهات القضائية الموكول لها اإلشراف على الدعوى العمومية ،فإن إهماله في حال تعلقه
باإلشعار بتقديم المطالب المدنية ،يستوجب لتقدير آثاره القانونية تحديد طبيعة هذا االلتزام تجاه
الضحية بحسب وضعها القانوني والجهة القضائية المعنية به ،ونوع الجزاء الذي أقره المشرع في
حال تركه.
وحيث إنه تقيدا بما أسست عليه المدعية دعواها أي الخطأ المنسوب للنيابة العامة في اإلشراف
على الضابطة القضائية وعدم تضمين المحضر المستدل به اإلشعار المنصوص عليه في المادة
السالفة الذكر ،فمن جهة بالرجوع إلى هذا المحضر تبين أنه عبارة عن محضر استماع للساحب
بخصوص جريمة إصدار شيك بدون رصيد على إثر شكاية الشركة المدعية ضد ممثلي شركة
تجارية بصدد معامالت تجارية بينهما ،وأنه بعد إيقاف أحد المشتكى بهما على مستوى الصعيد
الوطني من أجل الجريمة المذكورة ،تمت إحالته على النيابة العامة في حالة اعتقال لمتابعته
بالمنسوب إليه ،فصدر قرار قضائي بإدانته.
وحيث إنه اعتبا ار لكون الضحية شخص معنوي خاص لم يكن ممثله القانوني حاض ار أثناء إنجاز
محضر الضابطة القضائية المستدل ب ه ،وال دليل على مثوله أمام النيابة العامة ،مما يجعل
فرضية إشعار الضحية حضوريا أثناء إنجاز المحضر المذكور غير متحققة ،كما أنه نظ ار لكون
المشرع لم يقرن اإلخالل بهذا اإلجراء بأي جزاء قانوني ،فإن ركن الخطأ المنسوب لمرفق النيابة
العامة على أساس خرق مقتضيات المادة 91-0من قانون المسطرة الجنائية المحتج بها تأسيسا
على المحضر المذكور ،يكون غير قائم النعدام سنده القانوني.
وحيث إنه من جهة ثانية فإن الخطأ القضائي الموجب لتحقق مسؤولية الدولة يتطلب أن يكون
خطأ جسيما ألحق بشخص المتضرر ضر ار بليغا بشكل يتعذر معه تدارك هذا الخطأ أو جبر
الضرر الناجم عنه الستنفاذ كافة المساطر القضائية واإلدارية القتضاء الحق موضوعه ،اعتبا ار
لطبيعة نشاط مرفق القضاء وخصوصيته.
وحيث إن عدم إشعار الضحية أثناء المسطرة القضائية بالحق في تقديم المطالب المدنية في ظل
ما ذكر ،ال يشكل مانعا من حق التقاضي بسلوك مساطر أخرى تحقق ذات النتيجة ،فهو ال
يعتبر تفويتا للفرصة ،ما دامت إمكانية اقتضاء الحق متاحة قضائيا بالطريق المدني استقالال عن
الدعوى العمومية ،وال يعتبر بالتالي إخالال جسيما بالحق في الدفاع يمكن أن يرتب الحق في
803
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
التعويض ،إذ يبقى بإمكان الجهة المعنية إقامة دعوى مدنية مستقلة للمطالبة به ،ويكون الحكم
الصادر في الدعوى العمومية داعما لمركزها القانوني بحيث تستفيد منه لتأسيس طلب التعويض
وتظل بالتالي المزية التي توفرها الدعوى العمومية قائمة في هذا الشق ،كما أن الدعوى المدنية
تكفل الحق في جبر الضرر المدعى به واستحقاق التعويض العادل من الجهة المتسببة فيه
ابتداء ،فال تكون من موجب لمساءلة الدولة في مثل هذه الحاالت ،إال عند تعذر تدارك تداعيات
الخطأ المرتكب وفق المساطر القضائية المعمول بها قانونا.
وحيث إنه بخصوص ركن الضرر الناجم عن تفويت فرصة تقديم المطالب المدنية في إطار
الدعوى العمومية ،فإنه لئن كانت مزايا الدعوى المدنية التابعة تمكن الضحية من اإلعفاء من
أداء الرسوم القضائية عن المطالب النهائية بأداء رسم محدد ،فإنه يبقى بإمكان المعنية باألمر
تقديم طلب اإلعفاء من أدائها عند تحقق شروطه ،كما أن أداءها يتحمله خاسر الدعوى ويتم
تصفيتها في إطار المصاريف القضائية ،والحق في التعويض الكامل الشامل لسائر األضرار
يبقى قائما ،مما ال يتحقق معه موجبات تطبيق التعويض عن تفويت فرصة .فيبقى ركن الضرر
غير قائم أيضا بالمفهوم المبرر للمسؤولية عن الخطأ القضائي.
وحيث إنه بانتفاء أركان المسؤولية اإلدارية عن الخطأ القضائي ،واعتبا ار لسبق صدور قرار عن
محكمة االستئناف بالرباط قضى بانعدام المسؤولية عن الخطأ القضائي في حالة عدم التقيد
بشكلية اإلشعار ،يكون الطلب غير مرتكز على أساس قانوني ويتعين الحكم برفضه.
المنطوق
وتطبيقا لمقتضيات الدستور ،والقانون رقم 31.03المحدثة بموجبه محاكم إدارية وقانون المسطرة
الجنائية؛
لهذه األسباب
حكمت المحكمة اإلدارية علنيا ابتدائيا حضوريا:
في الشكل بقبول الطلب ،وفي الموضوع برفضه وتحميل رافعه الصائر.
بهذا صدر الحكم في اليوم والشهر والسنة أعاله.
804
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
805
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
ونظ ار لتخصيص هذا العدد من مجلة الوكالة القضائية للمملكة لموضوع المنازعات
المتعلقة "بمسؤولية أشخاص القانون العام وأصحاب المهن القانونية والقضائية عن تدبير
المرافق العمومية" ،ولكي تعم الفائدة وتسهيال على الدارسين والممارسين لمعرفة النصوص
القانونية المنظمة لهذا المجال ،سيتم تقديم جرد لبعض النصوص القانونية المتعلقة بقضايا
المسؤولية مع مراجعها ومراجع نشرها بالجريدة الرسمية.
فهرس بالنصوص القانونية المرتبطة بقضايا المسؤولية في المغرب
القوانين:
الفصــل 311و 301مــن الدســتور المغربــي (ظهيــر ش ـريف رقــم 3.33.33صــادر فــي
11من شـعبان 13( 3011يوليـوز 1133بتنفيـذ نـص الدسـتور)( ،الجريـدة اسـمية عـدد
5310مكرر بتاريخ 11يوليو )1133؛
الظهي ــر الشـ ـريف رق ــم 3.11.15ص ــادر بت ــاريخ 11ابري ــل 1111بتنفي ــذ الق ــانون رق ــم
13.33المتعلــق بتحديــد مســؤولية اآلم ـرين بالصــرف والم ـراقبين والمحاســبين العمــوميين،
(الجريدة الرسمية عدد 0333بتاريخ 13اريل )1111؛
الظهيـ ـ ـ ــر الش ـ ـ ـ ـريف رقـ ـ ـ ــم 3.11.310صـ ـ ـ ــادر فـ ـ ـ ــي فـ ـ ـ ــاتح ربيـ ـ ـ ــع ال آخـ ـ ـ ــر31(3011
يونيـ ــو )1111بتنفيـ ــذ القـ ــانون رقـ ــم 11.33المتعلـ ــق بمدونـ ــة المحـ ــاكم الماليـ ــة( ،الجريـ ــدة
الرسمية عدد 5111بتاريخ 35اغسطس )1111؛
الظهي ــر الشـ ـريف رق ــم 3.59.119بت ــاريخ 0ش ــعبان 10(3111فب اري ــر )3359بش ــأن
النظام األساسي العام للوظيفة العموميـة( ،الجريـدة الرسـمية رقـم 1111بتـاريخ 33ابريـل
.)3359
الفصول 13و 91و 93و 95مكرر من قانون االلتزامات والعقود؛
الفصـ ــول 10و 11و 31و 311م ـ ـن قـ ــانون التحفـ ــيظ العقـ ــاري كمـ ــا تـ ــم تغيي ـ ـره وتتميمـ ــه
بمقتضــى الش ـريف رقــم 3.33.311صــادر فــي 15مــن ذي الحجــة 11( 3011نــونبر
806
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
)1133بتنفي ــذ الق ــانون رق ــم ( 30.11الجري ــدة الرس ــمية ع ــدد 5339وت ــاريخ 10ن ــونبر
.)1133
ظهي ــر شـ ـريف رق ــم 3.33.313صـ ــادر ف ــي 15م ــن ذي الحج ــة 11( 3011نـ ــوفمبر
)1133بتنفيــذ القــانون رقــم 11.13المتعلــق بتنظــيم مهنــة التوثيــق (منشــور فــي الجريــدة
الرسمية عدد 5339بتاريخ 10نونبر )1133؛
ظهيــر شـريف رقــم 3.11.11صــادر فــي 35مــن محــرم 30( 3011فب اريــر )1111
بتنفي ــذ الق ــانون رق ــم 93.11بتنظ ــيم مهن ــة المفوض ــين القض ــائيين (منش ــور ف ــي الجري ــدة
الرسمية عدد 5011بتاريخ فاتح صفر 1( 3011مارس ،)1111ص .553
ظهي ـ ــر شـ ـ ـريف رق ـ ــم 3.19.313ص ـ ــادر بت ـ ــاريخ 11م ـ ــن شـ ـ ـوال 11( 3013أكت ـ ــوبر
)1119بتنفي ــذ الق ــانون رق ــم 19.19المتعل ــق بتع ــديل الق ــانون الم ــنظم لمهن ــة المحام ــاة؛
(الجريدة الرسمية عدد 5191وتاريخ 1نونبر .)1119
ظهير شريف رقم 3.31.313صادر في فـاتح ربيعـا ل آخـر 31( 3011يونيـو )1111
بتنفيذ القانون رقم 11.33المتعلق بمدونة المحاكم المالية( ،لجريدة الرسمية عـدد 5111
وتاريخ 35أغسطس .)1111
ظهيـ ــر ش ـ ـريف رقـ ــم 3.13.311صـ ــادر فـ ــي 13مـ ــن ربيـ ــع األول 11( 3011يونيـ ــو
)1113بتنفيــذ القــانون رقــم 51.11المتعلــق بالتراجمــة المقبــولين لــدى المحــاكم (الجريــدة
الرسمية عدد 0339بتاريخ 11ربيع اآلخر 33( 3011يوليو .)1113
ظهي ــر شـ ـريف رق ــم 3.11.51ص ــادر ف ــي 35م ــن مح ــرم 30( 3011فب اري ــر )1111
بتنفيــذ القــانون رقــم 31.11المتعلــق بخطــة العدالــة (الجريــدة الرســمية عــدد 5011بتــاريخ
فاتح صفر 1( 3011مارس .)1111
ظهيـ ــر ش ـ ـريف رقـ ــم 3.13.311صـ ــادر فـ ــي 13مـ ــن ربيـ ــع األول 11( 3011يونيـ ــو
)1113بتنفيـذ القــانون رقــم 45.00المتعلــق بــالخبراء القضـائيين (الجريــدة الرســمية عــدد
0339بتاريخ 11ربيع اآلخر 33( 3011يوليو .)1113
807
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
808
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
809
العدد الرابع مجلة الوكالة القضائية للمملكة
-إذا كان البحث باللغة الفرنسية أو االنجليزية يستخدم الخط "Times New
"Romanحجم 30بالنسبة لمتن البحث وفيما يخص الهوامش فتكون بالخط
" "Roman Times Newالحجم 31؛
-يعتمد الباحث نظام "شيكاغو" في التهميش ويشار إلى المراجع في أسفل كل صفحة.
810