You are on page 1of 814

‫العدد الثالث‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫عدد خاص بقضايا المسؤولية‬


‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫صاحب الجاللة الملك محمد السادس نصره الله‬


‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬
‫العدد الثالث‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫كلمة السيد محمد بنشعبون‪،‬‬


‫وزير االقتصاد والمالية و إاصالح إاالدارة‬
‫تعتبر الإدارة العمومية أداة الدولة لتحقيق أدوارها وأداء مهامها‪ ،‬وابلتالي فاإنها بهذا التوصيف تعد من‬
‫الدعامات الساس ية لخلق تنمية مس تدامة وتحفيز الستثمار وتنزيل الوراش الكبرى التي انخرطت فيها‬
‫المملكة المغربية وما تزال‪ ،‬بتوجيهات سامية من جاللة الملك محمد السادس نصره الله وأيده وذلك منذ‬
‫اعتالئه لعرش أسالفه المنعمين‪.‬‬
‫وقد تجسد الحرص المولوي السامي على جعل الإدارة المغربية في خدمة المواطن ابس تمرار من‬
‫خالل العديد من الخطب والرسائل المولوية السامية‪ ،‬ومن ضمنها نص الخطاب الملكي السامي الذي وجهه‬
‫الجناب الشريف بتاريخ ‪ 09‬أكتوبر ‪ 0202‬اإلى أعضاء البرلمان بمناس بة افتتاح الدورة الولى من الس نة‬
‫التشريعية الخامسة من الولية التشريعية العاشرة والذي جاء فيه ما يلي‪:‬‬
‫"حضرات الس يدات والسادة البرلمانيين‪،‬‬
‫اإن نجاح أي خطة أو مشروع‪ ،‬مهما كانت أهدافه‪ ،‬يبقى رهينا ابعتماد مبادئ الحكامة الجيدة‪،‬‬
‫وربط المسؤولية ابلمحاس بة‪.‬‬
‫ويجب أن تعطي مؤسسات الدولة والمقاولت العمومية‪ ،‬المثال في هذا المجال‪ ،‬وأن تكون رافعة‬
‫للتنمية‪ ،‬وليس عائقا لها"‪ .‬انتهىى النطق المولوي السامي‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫كما أكد جاللة الملك على نفس الحرص من خالل الخطاب السامي الذي وجهه جنابه الشريف‬
‫بتاريخ ‪ 02‬يوليوز ‪ 0202‬بمناس بة الذكرى التاسعة عشرة لتربع جاللته على عرش أسالفه المنعمين والذي‬
‫جاء من ضمنه ما يلي‪:‬‬
‫" وإاننا نتوخى أن تشكل هذه الإجراءات الحاسمة حافزا قواي وغير مس بوق لالستثمار‪ ،‬وخلق فرص‬
‫الشغل‪ ،‬وتحسين جودة الخدمات‪ ،‬التي تقدمها للمواطن‪ ،‬والحد من التماطل‪ ،‬الذي ينتج عنه السقوط في‬
‫الرشوة‪ ،‬كما يعرف ذلك جميع المغاربة‪.‬‬
‫كما ستشكل دافعا لإصالح الإدارة‪ ،‬حيث س تمكن من تفعيل مبدأ المحاس بة‪ ،‬والوقوف على أماكن‬
‫التعثر التي تعاكس هذا الإصالح" انتهىى النطق المولوي السامي‪.‬‬
‫كما جاء في الرسالة المولوية السامية التي وجهها جاللة الملك بتاريخ ‪ 02‬فبراير ‪ 0202‬اإلى المشاركين‬
‫في المنتدى الوطني للوظيفة العمومية العليا الذي نظم تحت رعايته السامية بمدينة الصخيرات‪ ،‬ما يلي‪:‬‬
‫" فبمجرد اعتالئنا عرش أسالفنا المنعمين‪ ،‬ابدران اإلى اإرساء المفهوم الجديد للسلطة‪ ،‬الذي نعتبره‬
‫مدخال مهما لتطوير أداء الإدارة‪ ،‬وتقوية التزامها بمبادئ الحكامة الجيدة‪ ،‬بغية تلبية الحاجيات المتزايدة‬
‫للمواطنين ودعما للعدالة الجتماعية‪ ،‬وضماان للكرامة الإنسانية‪.‬‬

‫كما حرصنا على التكريس الدس توري للحكامة الجيدة‪ ،‬كمبدأ ل محيد عنه في تنظيم وتدبير المرافق‬
‫العمومية‪ ،‬بما ينطوي عليه من مبادئ الس تحقاق والنزاهة والشفافية وتكافؤ الفرص‪ ،‬بين جميع المغاربة‪ .‬كما‬
‫نعمل على تفعيل المبدأ الدس توري لربط المسؤولية ابلمحاس بة‪.‬‬

‫‪...................................................................‬‬

‫وإاذا كانت المرافق العمومية اتبعة قانونيا‪ ،‬لمسؤولية الوزراء الذين يشرفون عليها‪ ،‬لكون الإدارة‬
‫موضوعة تحت تصرف الحكومة‪ ،‬فاإن الدس تور كرس أيضا ضرورة التزام موظفيها بمعايير الجودة والشفافية‬
‫والمسؤولية والمحاس بة‪ ،‬لضمان القرب من المواطنين‪ ،‬والإصغاء لمطالبهم‪ ،‬والعمل على تلبية حاجياتهم‬
‫المشروعة‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪...................................................‬‬

‫اإنه برغم الجهود المبذولة‪ ،‬ومحاولت الإصالح والتحديث التي نتوخاها‪ ،‬فاإن الإدارة المغربية لن تبلغ‬
‫المس توى المنشود من النجاعة والفعالية‪ ،‬ما لم يتم تغيير العقليات‪ ،‬وإاجراء قطيعة مع بعض السلوكات‬
‫والممارسات المشينة‪ ،‬التي تسيء ل إالدارة وللموظفين على حد سواء‪ ،‬كالرشوة والفساد واس تغالل النفوذ‬
‫وعدم النضباط في أداء العمل وغيرها‪.‬‬

‫ول سبيل اإلى ذلك اإل بتحسين وتبس يط التشريعات المرتبطة ابلمنظومة الإدارية‪ ،‬والعمل على‬
‫التطبيق الصارم للقواعد المنظمة للمناصب والمرافق العمومية‪ ،‬مع ما يتطلبه ذلك من ربط ممارسة المسؤولية‬
‫ابلمحاس بة‪ ".‬انتهىى النطق المولوي السامي‪.‬‬

‫وتنزيال للتوجيهات الملكية السامية أكدت أان خديم العتاب الشريفة بمناس بة تقديمي لمشروع قانون‬
‫المالية لس نة ‪ 0200‬أمام مجلسي البرلمان بتاريخ ‪ 02‬أكتوبر ‪ 0202‬على أن المشروع المذكور هو مشروع‬
‫للثقة والمل لنه يسعى لتعبيد طريق مغرب الغد‪ ،‬مغرب الحماية الجتماعية لكل المغارية‪ ،‬ومغرب الفرص‬
‫للجميع في اإطار الحق وربط المسؤولية ابلمحاس بة‪.‬‬
‫وبناء على ما س بق‪ ،‬تجدر الإشارة اإلى اإن التحولت الراهنة التي يخضع لها دور الدولة ومجالت‬
‫تدخلها وتنوع الوسائل القانونية التي تعتمدها وسع من مجال مسؤوليتها‪ .‬وقد تكرس ذلك من خالل دس تور‬
‫المملكة لس نة ‪ 0200‬الذي أرسى مجموعة من المبادئ من ضمنها‪:‬‬
‫‪ -‬اإقرار مجموعة من الحرايت و الحقوق الساس ية التي يعتبر ضمانها التزاما على عاتق الدولة وعلى‬
‫رأسها ضمان سالمة السكان و سالمة التراب الوطني (الفصل ‪ ،)00‬وعدم المساس ابلسالمة‬
‫الجسدية أو المعنوية لي شخص في أي ظرف من قبل أي جهة كانت خاصة أو عامة (الفصل‬
‫‪ ،)00‬وتجريم العتقال أو المتابعة التعسفية و تمتيع الشخص المعتقل بحقوقه الساس ية و توفير‬
‫ظروف اعتقال اإنسانية (الفصل ‪ ،)02‬ولزوم تمكين المواطنات و المواطنين من حق الحصول‬
‫على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارة العمومية و المؤسسات المنتخبة و الهيئات المكلفة‬
‫بمهام المرفق العام (الفصل ‪)02‬؛‬

‫‪3‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪ -‬التشديد على اضطالع الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية بدورها لتعبئة كل‬
‫الوسائل المتاحة لتيسير اس تفادة المواطنات والمواطنين على قدم المساواة من الخدمات‬
‫الجتماعية كالعالج والعناية ابلصحة والحماية الجتماعية والتغطية الصحية والسكن الالئق‬
‫والحصول على تعليم ذي جودة والشغل؛‬
‫‪ -‬اإقرار المسؤولية عن العمال القضائية والتأكيد على حق كل متضرر من خط إا قضائي في الحصول‬
‫على تعويض تتحمله الدولة؛‬
‫‪ -‬اإخضاع المرافق العمومية لمعايير الجودة والشفافية والتشديد على تالزم المسؤولية ابلمحاس بة‪.‬‬
‫هذا ابلإضافة اإلى أن التوجهات القانونية والقضائية الحديثة‪ ،‬على المس توى الوطني و الدولي تذهب‬
‫في اتجاه توس يع نطاق مسؤولية الدولة سواء في المجالت التقليدية كالصحة و المن‪...‬اإلخ‪ ،‬أو في بعض‬
‫المجالت الحديثة كالمسؤولية عن العمال القضائية أو عن التشريع ‪ ،‬كما أن التوجهات المس تجدة في‬
‫القضاء الإداري جعلت العتماد على مفهوم الخطأ كأساس للمسؤولية يأخذ في التراجع لفائدة مفاهيم‬
‫ونظرايت أخرى تؤسس للمسؤولية الإدارية على أساس نظرية المخاطر اعتمادا على مبدأ افتراض واجب‬
‫الحيطة والحذر من جانب الإدارة ‪ obligation de prudence et de précaution‬أو خرق مبدأ‬
‫المساواة أمام العباء العامة‪ ،‬لضمان تعويض الشخاص المتضررين نتيجة أنشطة أو قرارات السلطات‬
‫العمومية‪.‬‬
‫وفي المقابل فاإن تكريس المبدأ الدس توري القاضي بربط المسؤولية ابلمحاس بة عبر اإصدار العديد‬
‫من النصوص التشريعية التي تناولت أحكام المسؤولية الشخصية للموظف في العديد من المجالت يقابله‬
‫على المس توى العملي تراجع مفهوم الخطأ الشخصي بجانب اتساع مجال المسؤولية المرفقية‪ ،‬ولعل اإعادة‬
‫تحديد مجال المسؤولية الشخصية للموظف من خالل اجتهاد قضائي متواتر وقار سيساهم في تعزيز قيم‬
‫النزاهة والمسؤولية وترس يخ الحكامة الجيدة للمرفق العمومي التي تعتبر أولوية لضمان نجاح مختلف‬
‫الوراش العمومية‪.‬‬
‫ومن خالل كل ذلك تتضح أهمية المواضيع التي خصصت للعدد الرابع من مجلة الوكالة القضائية‬
‫للمملكة والتي تتناول مجال من أغنى وأدق المجالت القانونية الذي يتميز ابلتجدد المس تمر و الراهنية‬
‫الدائمة وهو مجال مسؤولية الدولة وابقي أشخاص القانون العام عن تدبير المرافق العمومية‪ ،‬ولقد لمست‬
‫هذه المواضيع مختلف صور المسؤولية الإدارية‪ ،‬اإذ تم التطرق اإلى مسؤولية المرافق ذات الطابع الجتماعي‬

‫‪4‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫كمسؤولية مرفق الصحة العمومية ومسؤولية مرفق التعليم‪ ،‬وتم اس تحضار الوضعية الراهنة التي تتميز‬
‫ابنتشار جائحة كوران من خالل اإبراز طبيعة المسؤولية الإدارية للدولة الناتجة عن الظروف الطارئة‬
‫والس تثنائية ولم يتم اإغفال الصور الحديثة في المسؤولية كمسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي ومسؤولية‬
‫المحكم والمسؤولية عن التشريع الضار والمسؤولية عن العمال والنشاطات الإرهابية ومسؤولية الدولة على‬
‫الصعيد الخارجي المنبثقة عن التفاقيات الدولية لالستثمار‪.‬‬
‫وفي اإطار اإبراز مظاهر تنزيل مبدأ ربط المسؤولية ابلمحاس بة تم رصد تجليات الخطأ الشخصي‬
‫والمرفقي للموظف العمومي كما تم التطرق لمختلف صور المسؤولية الشخصية سواء في الجانب التأديبىي‬
‫أو الجانب المالي والمحاس بىي والتدبيري ولم يتم اإغفال صور خاصة من المسؤولية كمسؤولية المحافظ على‬
‫المالك العقارية ومسؤولية بعض مساعدي القضاء‪.‬‬
‫ولعل هذه المواضيع في تنوعها وغناها ل تقتصر أهميتها على الجانب العلمي والمعرفي رغم أهميته‬
‫القصوى والحيوية‪ ،‬بل تحظى أيضا بأهمية عملية كبيرة تمس جميع المناحي سواء القتصادية أو الجتماعية‬
‫أو المالية‪ ،‬كما أن لها تأثيرا كبير على المالية العمومية‪ ،‬ما دام أن المسؤولية تس تتبعها المساءلة‪ ،‬التي قد‬
‫تؤول اإلى تعويض محكوم به‪ ،‬سواء لفائدة الدولة أو لفائدة الخواص‪ ،‬وفي كال الحالتين يكون المال العام‬
‫هو المعني اإما زايدة أو نقصاان‪.‬‬
‫وفي الخير اإذ ننوه ابنفتاح مجلة الوكالة القضائية للمملكة على محيطها عبر اإغنائها المتواصل‬
‫بمساهمات متميزة من قضاة أجالء وأساتذة متمرسين علميا وعمليا‪ ،‬فاإننا نتمنى جادين أن يجد مختلف‬
‫المهتمين ابلحقل القانوني والإداري ضالتهم في هذا العدد الرابع الذي يعتبر تكريسا للحرص الذي توليه‬
‫الحكومة ومن خاللها وزارة القتصاد والمالية وإاصالح الإدارة على تنزيل مبادى الحكامة في تدبير كافة‬
‫المرافق العمومية‪ .‬كما يأتي في اإطار سعي الوكالة القضائية للمملكة اإلى تعزيز الدور الوقائي من المنازعات من‬
‫خالل نشر المعلومة القانونية وإابراز الجتهادات القضائية القارة تنزيال لمخططها الستراتيجي‪.‬‬
‫والله ولي التوفيق‬

‫‪5‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪6‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪7‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪8‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫مجلة‬
‫الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪9‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪10‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫____________________ ‪02‬‬
‫من اإعداد الس تاذ محمد قصري‪ ،‬الوكيل القضائي للمملكة ___________________________________ ‪02‬‬
‫_______________________________ ‪20‬‬
‫من اإعداد الس تاذ عبد المجيد الشفيق‪ ،‬رئيس المحكمة الإدارية بفاس _____________________________ ‪20‬‬
‫_____________________________ ‪22‬‬
‫من اإعداد الس تاذ عالء الحميدي‪ ،‬رئيس قسم الطعون ابلإلغاء ابلوكالة القضائية للمملكة ______________________ ‪22‬‬
‫__________________________________________‪062‬‬
‫من اإعداد الس تاذ عبد الرحيم ازغودي‪ ،‬رئيس مصلحة القضااي المدنية للشمال ابلوكالة القضائية للمملكة _______________ ‪062‬‬
‫__________________________________________ ‪000‬‬
‫من اإعداد الس تاذ يونس الزرق الحسوني‪ ،‬أس تاذ جامعي‪ ،‬رئيس مصلحة الدراسات والهندسة القانونية ابلوكالة القضائية للمملكة سابقا __ ‪000‬‬
‫_________________________ ‪052‬‬
‫من اإعداد الس تاذ بوسلهام الشمعة‪ ،‬رئيس مصلحة منازعات المسؤولية الإدارية ابلوسط والجنوب ابلوكالة القضائية للمملكة _______ ‪052‬‬
‫______________________________ ‪026‬‬
‫من اإعداد الس تاذ زكرايء الغزاوي‪ ،‬رئيس مصلحة المنازعات التجارية ابلوكالة القضائية للمملكة ___________________ ‪026‬‬
‫______________ ‪206‬‬
‫من اإعداد الس تاذ ابراهيم بن به‪ ،‬رئيس غرفة التأديب المتعلق ابلميزانية والشؤون المالية ابلمجلس العلى للحساابت _________ ‪206‬‬
‫______ ‪222‬‬
‫من اإعداد الس تاذ‪ ،‬مصطفى لغليمي‪ ،‬مستشار مشرف بغرفة التأديب المتعلق ابلميزانية والشؤون المالية ابلمجلس العلى للحساابت ___ ‪222‬‬
‫__________________________ ‪405‬‬
‫من اإعداد الس تاذ محمد العلمي‪ ،‬رئيس مصلحة الطعون ابلإلغاء للشمال ابلوكالة القضائية للمملكة _________________ ‪405‬‬
‫_______________________________ ‪450‬‬
‫من اعداد الس تاذ الحسين كداح‪ ،‬رئيس مصلحة منازعات الوضعية الفردية والمعاشات ابلوكالة القضائية للمملكة ___________ ‪450‬‬
‫____________________________________ ‪462‬‬
‫من اإعداد الس تاذ سعيد العقاوي‪ ،‬رئيس مصلحة منازعات المسؤولية الإدارية ابلشمال ابلوكالة القضائية للمملكة ___________ ‪462‬‬
‫_______________________ ‪420‬‬
‫من اإعداد الس تاذ خالد عالمي‪ ،‬أس تاذ ابحث بكلية الحقوق – جامعة القاضي عياض مراكش __________________ ‪420‬‬
‫_________________________‬
‫من اإعداد الس تاذ لحسن الزيتوني‪ ،‬اإطار ابلوكالة القضائية للمملكة ______________________________ ‪502‬‬
‫__________________________ ‪545‬‬
‫من اإعداد الس تاذة ليلى قدوري‪ ،‬اإطار ابلوكالة القضائية للمملكة _______________________________ ‪545‬‬
‫_______________________________________ ‪522‬‬
‫من اإعداد الس تاذ مصطفى بوهرو‪ ،‬اإطار ابلوكالة القضائية للمملكة ______________________________ ‪522‬‬
‫______________________ ‪652‬‬
‫من اإعداد الس تاذ عبد الله اوبها‪ ،‬اإطار ابلوكالة القضائية للمملكة _______________________________ ‪652‬‬
‫___________________________________ ‪622‬‬
‫من اإعداد الس تاذة وصال شرقي‪ ،‬اإطار ابلوكالة القضائية للمملكة‪ ،‬ابحثة في سلك الدكتوراه بجامعة محمد الخامس‪-‬السويسي _____ ‪622‬‬
‫‪_________ 699‬‬
‫‪Préparé par Riham Alami El Idrissi, Cadre à l’Agence Judiciaire du Royaume _______________699‬‬
‫‪11‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫______________________________________________________‪206‬‬
‫‪ .0‬قرار محكمة النقض عدد ‪ 244‬والمؤرخ في ‪ 02‬ماي ‪ 0204‬والصادر في الملف الإداري رقم ‪206 _________ 0204/0/4/0220‬‬
‫‪ .0‬قرار محكمة النقض عدد ‪ ،0052‬المؤرخ في ‪ 00‬يونيو ‪ 0205‬والصادر في الملف الإداري رقم ‪202 ________ 0020/4/0/0205‬‬
‫‪ .2‬قرار محكمة النقض عدد ‪ ،1159‬المؤرخ في ‪ 00‬يونيو ‪ 0205‬والصادر في الملف اإداري رقم ‪222 _________ 2015/1/4/1396‬‬
‫‪ .4‬قرار محكمة النقض عدد ‪ 1619‬والمؤرخ في ‪ 05‬دجنبر ‪ 0204‬والصادر في الملف الإداري عدد ‪225 _______ 2014/1/4/3268‬‬
‫‪ .5‬قرار محكمة النقض عدد‪ 1971‬والمؤرخ في ‪ 02‬ش تنبر ‪ 0205‬والصادر في الملف الإداري رقم ‪226 ________ 2015/1/4/3181‬‬
‫__________________________________________________‪222‬‬
‫‪ .0‬قرار محكمة النقض عدد ‪ 2/242‬المؤرخ في ‪ 02‬مارس ‪ 0202‬والصادر في الملف الإداري رقم ‪222 _________ 0202/2/4/020‬‬
‫‪ .0‬قرار محكمة النقض عدد ‪ 2442‬المؤرخ في ‪ 04‬غشت ‪ 0202‬والصادر في الملف المدني رقم ‪242 _________ 0222/2/0/2266‬‬
‫‪ .2‬قرار محكمة النقض عدد ‪ 0/1230‬المؤرخ في ‪ 05‬دجنبر ‪ 0204‬والصادر في الملف اإداري رقم ‪242 ________ 0200/0/4/0222‬‬
‫‪ .4‬قرار محكمة النقض عدد ‪ 0/283‬المؤرخ في ‪ 05‬فبراير ‪ 0206‬والصادر في الملف اإداري عدد ‪246 ________ 0202/2/4/2256‬‬
‫_________________________________________________‪242‬‬
‫‪ .0‬قرار محكمة الس تئناف ا إلدارية ابلرابط عدد ‪ 0226‬والمؤرخ في ‪ 02‬أبريل ‪ 0202‬والصادر في الملف عدد ‪242 ____ 0202/2002/2‬‬
‫______________________________________________‪260‬‬
‫‪ .0‬قرار محكمة النقض عدد ‪ 006‬المؤرخ في ‪ 22‬يناير ‪ 0204‬والصادر في الملف الإداري رقم ‪260 __________ 0200/0/4/066‬‬
‫___________________________________________________‪264‬‬
‫‪ .0‬قرار محكمة النقض عدد ‪ 0/226‬المؤرخ في ‪ 02‬أبريل ‪ 0205‬والصادر في الملف الإداري رقم ‪264 ________ 0202/0/4/0205‬‬
‫‪ .2‬قرار محكمة النقض عدد ‪ 1/193‬المؤرخ في ‪ 02‬فبراير ‪ 0206‬والصادر في الملف الجنحي رقم ‪262 __________ 0205/02205‬‬
‫‪ .3‬قرار محكمة النقض عدد ‪ 022‬المؤرخ في ‪ 02‬يناير ‪ 0204‬والصادر في الملف الإداري رقم ‪220 ___________ 0202/0/4/52‬‬
‫‪ .4‬قرار محكمة النقض عدد ‪ 6/452‬المؤرخ في ‪ 4‬يونير ‪ 0202‬والصادر في الملف المدني رقم ‪224 __________ 2012/6/1/3001‬‬
‫___________________________________________________‪222‬‬
‫‪ .0‬قرار محكمة النقض عدد ‪ 0/026‬المؤرخ في ‪ 00‬أبريل ‪ 0202‬والصادر في الملف ا إلداري عدد‪222 _________ 0200/0/4/240‬‬
‫__________________________________________‪225‬‬
‫‪ .0‬قرار محكمة النقض عدد ‪ 440‬المؤرخ في ‪ 2‬ماي ‪ 0202‬والصادر في الملف ا إلداري عدد ‪225 __________ 0200/0/4/0022‬‬
‫____________________________________________________‪222‬‬
‫‪ .0‬قرار محكمة النقض عدد ‪ 0/20‬المؤرخ في ‪ 02‬يناير ‪ 0204‬والصادر في الملف الإداري عدد ‪222 __________ 0202/0/4/26‬‬
‫______________________________________________‪220‬‬
‫‪ .0‬قرار محكمة النقض عدد ‪ 2/222‬المؤرخ في ‪ 24‬أكتوبر ‪ 0202‬والصادر في الملف الإداري عدد ‪220 ________0206/2/4/0202‬‬
‫‪ .2‬حكم المحكمة الإدارية ابلرابط عدد ‪ 222‬والمؤرخ في ‪ 00‬نونبر ‪ 0206‬والصادر في الملف رقم ‪224 _________ 04/2000/022‬‬
‫‪ .2‬حكم المحكمة الإدارية ابلرابط رقم ‪ 522‬المؤرخ في ‪ 00‬فبراير ‪ 0202‬والصادر في الملف رقم ‪222 _______ .0202/2000/0240‬‬

‫فهرس ابلنصوص القانونية المرتبطة بقضااي المسؤولية في المغرب _______________________________ ‪226‬‬

‫‪12‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪13‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪14‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪15‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪16‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫أ‬
‫مسؤولية الدولة عن االخطاء المرتكبة من طرف‬
‫التوليد نموذجا‪-‬‬
‫أ‬
‫مرافق الصحة العمومية ‪-‬طب‬
‫من إعداد الستاذ محمد قصري‪،‬‬
‫الوكيل القضائي للمملكة‬
‫مقدمة‬

‫يلعب الطبيب دو ار كبي ار في حفظ الصحة البشرية ووقايتها وعالجها من االمراض‪ ،‬وإذا‬
‫كانت ممارسة هذا األخير تتطلب مس اسا مشروعا بالسالمة الجسدية لإلنسان كما هو الشأن‬
‫مع حاالت الجراحة أو التشريح‪ ،‬فإن عمل الطبيب يعتبر المحرك األول لمسؤوليته سواء كان‬
‫مناسبا لألصول المعروفة في الطب أو مخالفا لها‪ ،‬خاصة في ظل التحوالت الجذرية والهامة‬
‫التي يعرفها هذا األخير ومدى مواكبة مرافق الصحة العمومية لها‪.‬‬

‫وقد أكد الفصل ‪ 13‬دستور المملكة المغربية لسنة ‪ 1133‬على أن الدولة والمؤسسات‬
‫العمومية والجماعات الترابية تعمل على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير أسباب استفادة‬
‫المواطنين والمواطنات على قدم المساواة من الحق في العالج والعناية الصحية‪.‬‬

‫والجدير ذكره أيضا‪ ،‬أن دسترة الحق في الصحة بالمغرب‪ ،‬فضال على أنه يشكل تقدما‬
‫كبيرا‪ ،‬فإن ذلك ال يشكل غاية في حد ذاتها‪ ،‬إذ أن تحقيق الغايات المنشودة تبقى رهينة‬
‫بتكريس هذا الحق على أرض الواقع‪ ،‬مع ما تطلبه ذلك التزامات مفروضة على السلطات‬
‫العمومية لتوفير المتطلبات المادية واللوجستية الضرورية‪ ،‬وفق ما تنص عليه مجموعة من‬
‫الدساتير في الدول الديمقراطية‪.‬‬

‫وباإلضافة إلى المقتضى الدستوري‪ ،‬فإن المملكة المغربية تأخذ أيضا بالمقتضيات‬
‫الواردة في االتفاقيات الدولية‪ ،‬باعتبار أن الدستور المغربي يؤكد في ديباجته على تشبت‬
‫المملكة المغربية بحقوق اإلنسان كما هي متعارف عليها عالميا‪ .‬ويعطي لالتفاقيات الدولية‬
‫مكانة تسمو على التشريعات الوطنية‪ ،‬إذ نص في ديباجته على ما يلي‪" :‬جعل االتفاقيات‬
‫الدولية‪ ،‬كما صادق عليها المغرب وفي نطاق أحكام الدستور وقوانين المملكة وهويتها‬

‫‪17‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الوطنية الراسخة‪ ،‬تسمو‪ ،‬فور نشرها‪ ،‬على التشريعات‪ ،‬مع ما تتطلبه تلك المصادقة"‪.‬‬
‫ونخص بالذكر‪ ،‬االتفاقيات الدولية المتعلقة بالصحية‪ ،‬سيما العهد الدولي الخاص بالحقوق‬
‫االقتصادية واالجتماعية والثقافية ودستور المنظمة العالمية للصحية‪.‬‬

‫وتفعيال لكل هذه المبادئ عمدت المملكة المغربية إلى إصدار القانون اإلطار رقم‬
‫‪ 10.13‬والمتعلق بالمنظومة الصحية وبعرض العالجات والذي يهدف إلى تحديد المبادئ‬
‫واألهداف األساسية لعمل الدولة في مجال الصحة وإلى تنظيم المنظومة الصحية‪.‬‬

‫كل هذه األحكام والمقتضيات إرتقت بمفهوم الحق في الصحة إلى مصاف أصبحت‬
‫تثير بشكل كبير اإلشكاليات المرتبطة بمسؤولية المرفق الصحي العمومي‪ .‬هذه األخيرة‬
‫أضحت تشغل بال العدد من الباحثين من فقهاء القانون واألطباء‪ ،‬وذلك لتشعب واخالف‬
‫زوايا مقاربة اإلشكاليات المتعلقة بها ومنها ما هو إنساني‪ ،‬أخالقي‪ ،‬طبي وقانوني يطبع كل‬
‫منها العمل الطبي بخصائص متباينة‪.‬‬

‫وإن أول ما يطفو إلى السطح بمناسبة مناقشة موضوع المسؤولية الطبية نجد ضرورة‬
‫احترام الكيان البشري ومعاملته معاملة حسنة يغلب عليها الجانب اإلنساني‪ ،‬إذ يهدف‬
‫األطباء من جهتهم إلى إبراز كل مراحل العمل الطبي والسعي لمواكبة التطورات الطبية‬
‫المعاصرة في نطاقه‪ ،‬في حين يعنى البعد القانونية للمسؤولية الطبية ببحث على أسباب‬
‫احترام كرامة االنسان وحماية حقه في الصحة والعالج‪.‬‬

‫وفي ضوء ما سبق يطرح التساؤل حول تعريف العمل الطبي كنشاط في مرفق‬
‫الصحة‪ ،‬والذي عرفه أحد الباحثين على أنه‪" :‬كل نشاط يرد على جسم االنسان أو نفسه‪،‬‬
‫ويتفق في طبيعته وكيفيته مع األصول العلمية والقواعد المتعارف عليها نظريا وعلميا في علم‬
‫الطب‪ ،‬ويقوم به طبيب مصرح له قانونا‪ ،‬بقصد الكشف عن المرض وتشخيصه وعالجه‬
‫لتحقيق الشفاء أو تخفيف آالم المرضى أو الحد منها أو منع المرض أو بهدف المحافظة‬
‫على صحة األفراد أو تحقيق مصلحة اجتماعية شريطة توافر رضا من يجري عليه هذا‬
‫‪1‬‬
‫العمل"‪.‬‬

‫‪1‬أسامة عبد الله قايد‪ ،‬المسؤولية الجنائية لألطباء‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،3391 ،‬الصفحة‪.55‬‬

‫‪18‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وقد استحضر هذا التعريف كافة عناصر العمل الطبي من محله الذي هو جسم‬
‫االنسان وصفة القائم به وهو الطبيب‪ ،‬رغم أنه قصره على هذا األخير فقط دون مساعديه‬
‫من ممرضين وتقنيين‪ ،‬باإلضافة إلى طريقة القيام بالنشاط المذكور التي ينبغي أن توافق‬
‫أصول وقواعد علم الطب‪ .‬وشمل التعريف المذكور أخي ار األهداف المتوخاة من العمل الطبي‬
‫المتمثلة في التشخيص والعالج والوقاية من االمراض‪.‬‬

‫ولم يتطرق المشرع المغربي لتعريف محدد ومستقل لألعمال الطبية‪ ،‬وإن كانت‬
‫مفاهيمها مشتقة من النصوص القانونية ذات الصلة بالنطاق الصحي واالجتماعي‪ .‬إذ‬
‫يستشف من القانون رقم ‪ 313.31‬المتعلق بمزاولة مهنة الطب وخاصة المادتين الثانية‬
‫والثالثة منه أن العالج الصحي الكامل يشمل الوقاية من األمراض على جميع األصعدة كما‬
‫يتضمن تشخيص المرض وعالجه‪.1‬‬

‫والبد من التأكيد على أن إقرار المسؤولية الطبية قد يأخذ شكل مسؤولية تأديبية‪،‬‬
‫ينحصر أثرها في إ يقاع عقوبة تأديبية على الطبيب من طرف هيئة طبية‪ ،‬ويمكن للمعني‬
‫باألمر أن يطعن في قرار الهيئة باإللغاء أمام قضاء اإللغاء‪ .‬كما يمكن أن تأخذ شكل‬
‫مسؤولية جنائية‪ ،‬إذا ما اتصف الفعل الذي ارتكبه الطبيب بوصف جرمي حدده القانون وأفرد‬
‫له عقوبة معينة‪ .‬وقد تأخذ المسؤولية الطبية شكل المسؤولية اإلدارية مؤسسة على الخطأ‬
‫المرفقي أو مسؤولية مدنية وهي إما مسؤولية عقدية أو مسؤولية تقصيرية وترتيب هاته‬
‫المسؤوليات بأنواعها التعويض عن األضرار الالحقة بالمتضرر‪.‬‬

‫وسنخصص هذا الموضوع لمقاربة ومناقشة كافة أوجه المسؤولية اإلدارية المترتبة عن‬
‫الخطأ الطبي ألطباء القطاع العام‪ ،‬لكن قبل ذلك من المفيد إدراج لمحة تاريخية عن‬
‫المسؤولية الطبية‪.‬‬

‫فكما ال يخفى عن الجميع فالطب قديم قدم الزمان‪ ،‬وقد كانت الحضارة البابلية من أقدم‬
‫الحضارات التي قننت نظام المسؤولية الطبية‪ ،‬وذلك عبر قانون حمورابي‪ ،‬والذي كان قاسيا‬

‫‪1‬الظهير الشريف رقم ‪ 3.35.11‬الصادر في ‪ 33‬فبراير ‪ 1135‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 313.31‬المتعلق بمزاولة مهنة الطب‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد‬
‫‪ 1101‬المؤرخة في ‪ 31‬مارس ‪( 1135‬الصفحة ‪.)3111‬‬

‫‪19‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫جدا بهذا الخصوص‪ ،‬اذ نصت أعداد ‪139‬و‪133‬و‪ 111‬من القانون المذكور على أن‬
‫الطبيب الذي يعالج مريضا ويتسبب في موته فإن كان المريض الهالك من السادة تقطع يد‬
‫الطبيب وإن كان من العبيد وجب على الطبيب أن يفدي سيده عبدا‪.1‬‬

‫وفي عهد اليونان ازدهر الطب عند قدماء اإلغريق الذين كانوا يقدسون المهنة ووضعوا‬
‫لها إالها هو استليبيوس وإليه يعزى وضع رمز الطب المتعارف عليه المتمثل في العصا‬
‫والثعبان‪ .‬وكان أشهر األطباء اليونانيين‪ ،‬هو أبقراط ‪ Hippocrate‬صاحب قسم الشرف‬
‫الذي جرى العرف الطبي على أداءه قبل ممارسة المهنة‪ .2‬وكان الطبيب عند اليونان يسأل‬
‫عن عدم العناية الواجبة للمريض وقد قام اإلسكندر األكبر بإعدام الطبيب كلوكيس صلبا‬
‫باإلسكندرية ألنه ترك مريضا في حالة خطيرة فمات وذهب لمشاهدة فصلة تمثيلية‪.‬‬

‫وقد وضعت الشريعة اإلسالمية مبدأين أساسيين لمسؤولية الطبيب أولهما حرمة جسم‬
‫اإلنسان‪ ،‬فقد جاء في الذكر الحكيم‪" :‬وَلَق ْد َك َّرمنا بِني آدم وحمْلن ِ‬
‫اه ْم في اْلَب ِر َواْلَب ْح ِر َوَرَزْقَن ُ‬
‫اهم‬ ‫َْ َ َ َ َ َ َ َ ُ‬ ‫َ‬
‫يال"‪ ،‬صدق الله تعالى‪( ،‬اآلية ‪ 11‬من‬ ‫اهم َعَل ٰى َكِث ٍ‬
‫ير ِم َّمن خَلْقنا تَْف ِ‬
‫ضً‬ ‫الطِيب ِ‬
‫ات َوَف َّ‬ ‫ِمن َّ‬
‫ْ َ َ‬ ‫ضْلَن ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سورة اإلسراء)‪.‬‬

‫وثانيهما إباحة التداوي‪ ،‬فق جاء في الحديث الشريف عن الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫أنه قال‪" :‬تداووا فإن الله لم يضع داء إال وضع له دواء غير داء واحد هو الهرم"‪ ،3‬كما ورد‬
‫في حديث آخر عن الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) أنه قال‪" :‬من تطبب ولم يعرف‬
‫الطب فهو ضامن"‪ .4‬وقد اشترط المالكية لقيام مسؤولية الطبيب ارتكاب أثناء مزاولة مهامه‬
‫خطأ فاحشا‪ .‬ومن القواعد المقررة في الحجز أن ثالثة يحجز عليهم؛ أي الممنوعون من‬
‫العمل؛ المفتي الماجن والطبيب الجاهل والمكاري المفالس‪ ،‬ولقد ذهب علماء الشريعة‬

‫‪1‬راغب السرجاني‪ ،‬كتاب “قصة العلوم الطبية في الحضارة اإلسالمية”‪ ،‬مؤسسة اق أر للنشر والتوزيع والترجمة‪ ،1119 ،‬القاهرة‪ ،‬الصفحة ‪ 30‬وما‬
‫يليها‪.‬‬
‫‪2‬راغب السرجاني‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬الصفحة ‪ 11‬وما يليها‪.‬‬
‫‪3‬سنن أبي داود برقم ‪.1110‬‬
‫‪4‬عن عمرو بن شعيب ‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده‪ ،‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪ ":‬من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن "‪ ،‬رواه أبو داود‬
‫والنسائي‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫اإلسالمية إلى القول بأن الخطأ الفاحش الذي ال تقربه أصول الطب هو الموجب‬
‫للمسؤولية‪.1‬‬

‫وعليه‪ ،‬وبعد هذه التوطئة التي تحدثنا فيها بإيجاز عن اللمحة التاريخية للمسؤولية‬
‫الطبية‪ ،‬ولإللمام بكافة اإلشكاليات القانونية المرتبطة بهذه المسؤولية بالنسبة لمرفق الصحة‬
‫العمومي ارتأينا تكريس الموضوع لنموذج طب التوليد‪ ،‬على أن نناقش في البداية الحق في‬
‫الصحة بصفة عامة من خالل عمل القضاء اإلداري (المحور األول) ثم األساس الذي تنبي‬
‫عليه المسؤولية الطبية ومجموعة من صورها (المحور الثاني) وفي األخير سنعرض مجموعة‬
‫من الق اررات القضائية التي عالجت المسؤولية الطبية في طب التوليد (المحور الثالث)‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬الحق في الصحة حسب القضاء اإلداري‬


‫يعني الحق في الصحة أن الحكومات يجب أن تهيئ الظروف التي يمكن فيها لكل فرد‬
‫التمتع بأعلى قدر من الممكن الحصول عليه للصحة الجسدية والنفسية‪ ،‬وتتراوح هذه‬
‫الظروف بين ضمان توفير الخدمات الصحية وظروف العمل الصحية والمأمونة واإلسكان‬
‫المالئم واألطعمة المغذية‪.‬‬

‫الحق في الصحة‪ ،‬كما سبقت اإلشارة إلى ذلك‪ ،‬كرسه الفصل ‪ 13‬من دستور ‪،1133‬‬
‫إال أن دسترة الحق ال تشكل غاية في حد ذاتها‪ ،‬إذ أن تحقيق الغايات المنشودة تبقى رهينة‬
‫بتكريس هذا الحق على أرض الواقع‪ ،‬والتزام السلطات العمومية بتوفير المتطلبات المادية‬
‫واللوجستية الضرورية لتفعيله‪.‬‬

‫وبناء على كل ذلك‪ ،‬فإن القضاء اإلداري المغربي يقوم بدور إيجابي جدا يسير في‬
‫اتجاه حماية الحق في الصحة باعتباره حقا دستوريا‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬سنتناول الحق في الصحة من خالل الوقوف على الحماية التي أقرها القضاء‬
‫المغربي للحق في الصحة عبر توفير خدمة العالج (المطلب األول) ثم نتناول في نقطة‬
‫الحقة تعويض المتضررين من عدم توفير الحق في العالج (المطلب الثاني)‪.‬‬

‫‪ 1‬محمد بن عبد الرحمن‪ ،‬كتاب مواهب الجليل لشرح مختصر خليل‪ ،‬ط‪3139( ،1‬ه)‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.113‬‬

‫‪21‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المطلب األول‪ :‬الحماية القضائية للحق في الصحة من خالل توفير خدمة‬


‫العالج‬
‫من أبرز النوازل التي عرضت على القضاء المغربي بهذا الصدد‪ ،‬تلك المعروفة‬
‫بقضية إحدى السيدات التي تقدمت أمام المحكمة اإلدارية بأكادير بمقال افتتاحي للدعوى‬
‫(ملف رقم ‪ 1115/015‬ش) عرضت فيه أنها قامت بإجراء فحوصات طبية بالمصحة‬
‫الجامعية لجراحة الدماغ واألعصاب بمستشفى االختصاصات بالرباط وأنجز لها تقرير طبي‬
‫يوصي بإجراء عملية جراحية بالخارج‪ .‬ونظ ار لحالتها المادية فإنها قامت بمراسلة وزير‬
‫الصحة ومندوب و ازرة الصحة بمدينة كلميم والسيد والي جهة كلميم‪/‬السمارة للعمل على‬
‫مساعدتها على االستفادة من العالج كما عرض حالتها على وسائل اإلعالم وأضافت بأنه‬
‫يحق لها أن تستفيد من مساعدة الدولة بعد أن امتنعت الجهات التي راسلتها عن مساعدتها‬
‫وذلك في إطار ما يكفل لها الدستور من توفير العالج‪ ،‬والتمست نتيجة لذلك الحكم لفائدتها‬
‫بتوفير العالج لها بإحدى المصحات بالمغرب أو الخارج‪.‬‬

‫وقد كان هذا النزاع موضوع ق اررين صادرين عن محكمة النقض‪ ،‬األول قضى بنقض‬
‫القرار االستئنافي القاضي بتأييد الحكم الذي كان قد قضى على الدولة المغربية بتوفير‬
‫العالج وعلى نفقتها للمعنية باألمر‪ ،1‬والثاني (أي الصادر بعد النقض واإلحالة) اعتبر بأن‬
‫قرار محكمة النقض السالف الذكر لم يحسم في مسؤولية الدولة عن توفير العالج‬
‫للمواطنين‪.2‬‬

‫‪1‬‬
‫يتعلق األمر بالقرار عدد ‪ 19‬المؤرخ في ‪ 1131/13/31‬الصادر في الملف رقم ‪ 1113/1/0/53‬التي أورد في حيثياته على أنه‪" :‬حيث تبين‬
‫صحة ما نعته الوسيلة على القرار‪ ،‬ذلك أن االستناد إلى المعاهدات والمواثيق الدولية لتقرير مسؤولية اإلدارة رهين بالمصادقة على هذه المواثيق‪.‬‬
‫وحيث إنه إذا كانت اإلدارة ملزمة باستيفاء خدمة عامة وهي خدمة العالج‪ ،‬فإنها لم تتأخر في ذلك إهماال وإنكا ار لحق المريضة في العالج‪ ،‬بل‬
‫قامت بما يجب عليها في حدود إمكانياتها المتاحة‪.‬‬
‫وحيث إن االدعاء بأن الدولة ملزمة بعالج المواطنين إطالقا حتى في الحاالت النادرة وأنها أهملت أداء واجبها يكون بمثابة تحميلها عبئا ثقيال‬
‫والتزاما صارما ال يتيح لها ما بين أيديها من وسائل القيام بواجبها‪.‬‬
‫وحيث يجب تقدير جسامة الواجبات الملقاة على عاتق الدولة وما تتوفر عليه من وسائل وإمكانيات فعلية لمواجهتها‪ ،‬وأنها تكون مسؤولة عن خطأ‬
‫يمكن تفاديه بالحرص العادي وغير مسؤولة إذا كان ال يمكن تفاديه إال باتخاذ إجراءات استثنائية تتجاوز قدرتها الفعلية‪.‬‬
‫وحيث إن المحكمة لما حملت الدولة مسؤولية عدم عالج المطلوبة في النقض دون مراعاة لما سبق ذكره بالعلل الواردة في القرار تكون قد عللت‬
‫قرارها تعليال فاسدا يوازي انعدامه ويعرضه بالتالي للنقض "‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫ويتعلق األمر بالقرار عدد ‪ 1/131‬مؤرخ في ‪ 19‬نونبر ‪ 1131‬في الملف عدد ‪.1131/1/0/3115‬‬

‫‪22‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وهكذا فقد عرفت مسألة حماية الحق في الصحة من خالل الحق في توفير العالج‬
‫على ضوء المقتضيات القانونية المعمول بها نقاشا فقهيا وقضائيا‪ ،‬أدى إلى وجود تضارب‬
‫في المواقف ومن مظاهره قراري محكمة النقض السالفي الذكر‪ ،‬فقد اعتبر قرار محكمة‬
‫النقض عدد ‪ 19‬المؤرخ في ‪ 1131/13/31‬أن صحة وسيلة الطعن المعتمد من طرف‬
‫الوكيل القضائي للمملكة والمستمدة من عدم تطبيق القرار االستئنافي المطعون فيه قواعد‬
‫المعاهدات الدولية وال سيما العهد الدولي للحقوق المدنية واالقتصادية واالجتماعية والثقافية‬
‫تطبيقا سليما باعتبار أن هذه القواعد ال تلزم الدول األعضاء بتوفير الحق في خدمة العالج‬
‫إال في حدود إمكانياتها المتاحة‪ ،‬حيث اعتبرت محكمة النقض بأنه‪ " :‬إذا كانت اإلدارة ملزمة‬
‫باستيفاء خدمة عامة وهي خدمة العالج‪ ،‬فإنها لم تتأخر في ذلك إهماال وإنكا ار لحق‬
‫المريضة في العالج‪ ،‬ل اامت بما يبب عليها في حدود إماانياتها المتاحة"‪.‬‬

‫واعتبرت إلزام الدولة بتوفير الحق في العالج للمواطنين حتى في الحاالت النادرة‪:‬‬
‫" بمثابة تحميلها عبئا ثقيال والتزاما صارما ال يتيح لها ما لين أيديها من وسائ القيام‬
‫لواجبها"‪.‬‬

‫وخلصت محكمة النقض من خالل قرارها السالف الذكر‪ ،‬أن الدولة ال تكون مسؤولة‬
‫عن عدم توفير خدمة العالج للمواطنين والمواطنات إال في الحاالت العادية وأخذا بعين‬
‫االعتبار اإلمكانيات المتوفرة لديها بحيث اعتبرت بأنه‪" :‬يبب تقدير جسامة الواجبات‬
‫الملقاة على عاتق الدولة وما تتوفر عليه من وسائ وإماانيات فعلية لمواجهتها‪ ،‬وأنها‬
‫تكون مسؤولة عن خطأ يمان تفاديه بالحرص العادي وغير مسؤولة إذا كان ال يمان‬
‫تفاديه إال باتخاذ إجراءات استثنائية تتباوز ادرتها الفعلية"‪ ،‬وخلصت في األخير إلى أن‬
‫"المحامة لما حملت الدولة مسؤولية عدم عالج المطلوبة في النقض دون مراعاة لما‬
‫سبق ذكره بالعل الواردة في القرار تكون اد عللت ارارها تعليال فاسدا يوازي انعدامه‬
‫ويعرضه بالتالي للنقض"‪.‬‬

‫وهكذا‪ ،‬وبناء على ما انتهت إليه محكمة النقض من تأطير للحق في الصحة من‬
‫خالل توفير خدمة عامة وهي خدمة العالج على ضوء دستور ‪ 1133‬والمواثيق الدولية‬
‫ذات الصلة بالموضوع المصادق عليها من طرف المغرب‪ ،‬وبعد النقض واإلحالة‪ ،‬فإن‬
‫‪23‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش‪ 1،‬المحال عليها الملف للبت فيه‪ ،‬وهي مشكلة من هيئة‬
‫أخرى‪ ،‬صرحت بإلغاء الحكم المستأنف‪ 2،‬الذي كان قد قضى‪" :‬على الدولة المغربية في‬
‫شخص السيد الوزير األول ( رئيس الحكومة حاليا) بتوفير العالج وعلى نفقتها للمدعية ‪...‬‬
‫مع ما يترتب على ذلك قانونا"‪ ،‬والحكم تصديا برفض الطلب‪.‬‬

‫وقد كان هذا القرار بدوره محل طعن بالنقض من قبل المعنية باألمر استنادا إلى أن‬
‫القرار االستئنافي المذكور‪ " :‬لم يحترم ما اضىت به محامة النقض ولم يتطرق للنقط‬
‫القانونية التي نقض بموجبها القرار‪ ،‬فضال عن أن مسؤولية الدولة تظ اائمة تباهها‬
‫التي لم تتلق ولو العناية المعنوية وباألحرى المادية ‪."...‬‬

‫وقد كان هذا الطعن فرصة ثانية لمحكمة النقض لتأكيد أو تغيير موقفها‪ ،‬وهو ما‬
‫حصل بالفعل حيث اعتبرت محكمة النقض في قرارها عدد ‪ 1/131‬المؤرخ في‬
‫‪ 1131/33/19‬الصادر في الملف عدد ‪ 1131/1/0/3115‬بأن قرار النقض واإلحالة‬

‫‪1‬‬
‫قرار محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش عدد ‪ 911‬المؤرخ في ‪ 1133/31/31‬الصادر في الملف رقم ‪ 1131/1/31‬والذي أورد في حيثياته أنه‪:‬‬
‫" الثابت من قرار اإلحالة الصادر عن ال مجلس األعلى أنه حسم في مسؤولية الدولة‪ :‬بعلة أن االستناد إلى المعاهدات و المواثيق الدولية لتقدير‬
‫مسؤولية الدولة رهين بالمصادقة عليها‪....‬وان اإلدارة إذا كانت ملزمة باستيفاء خدمة العالج فإنها لم تتأخر عن ذلك إهماال و إنكا ار لحق المريض‬
‫في العالج بل إنها قامت بما يجب عليها في حدود إمكانياتها‪ ....‬و ان االدعاء بأن الدولة ملزمة بعالج المواطنين إطالقا حتى في الحاالت النادرة‬
‫هو بمثابة تحميلها عبئا ثقيال و التزاما صارما‪....‬وانه يجب تقدير جسامة الواجبات الملقاة على عاتق الدولة و ما تتوفر عليه من وسائل و إمكانيات‬
‫فعلية لمواجهتها و انها تكون مسؤولة عن الخطأ الذي يمكن تفاديه بالحرص العادي و غير مسؤولة إذا كان ال يمكن تفاديه إال باتخاذ إجراءات‬
‫استثنائية تتجاوز قدرتها الفعلية‪."...‬‬
‫‪2‬‬
‫حكم المحكمة اإلدارية بأكادير عدد ‪ 111/309‬المؤرخ في ‪ 1111/10/11‬الصادر في الملف رقم ‪ 1115-015‬ش‪ ،‬والذي تم تأييده استئنافيا‬
‫بمقتضى القرار عدد ‪ 315‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش بتاريخ ‪ 1119/11/11‬في الملف عدد ‪ 3-11/11/111‬استنادا إألى‬
‫الحيثيات التالية‪" :‬وحيث إن طبيعة المرض المزمن الذي ألم بالمدعية ‪ ،‬وباعتباره يشكل حالة نادرة تستلزم تظافر وبذل الجهود من طرف و ازرة‬
‫الصحة العمومية المسؤولة األولى واألخيرة على سالمة المجتمع من األمراض ‪ ،‬وعلى محاربتها بما يضمن األمن واالستقرار فيه ‪ ،‬وذلك باالعتراف‬
‫بحق المواطن في هذا المجال إن على مستوى االستقبال أو على مستوى تشخيص المرض ‪ ،‬أو على مستوى توفير العالج ‪ ،‬وبما يعكسه هذا‬
‫االعتراف على أرض الواقع ‪.‬‬
‫وحيث إن هذا الواجب يمتد ليشمل كل ما ال يستطيع المواطن أن يستقل بتوفيره لنفسه (المادة ‪ 39‬من اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان في اإلسالم‬
‫مؤتمر ‪ 13‬ذي القعدة ‪ ،)3013‬ويطوق الدولة بتوفير العالج بمفردها أو عن طريق التعاون الدولي لتهيئة الظروف المالئمة التي من شأنها تأمين‬
‫الخدمات الصحية التي باتت تشكل حقوقا كونية لصيقة بالحق األساسي العالمي لإلنسان في الحياة‪.‬‬
‫وحيث إن لئن كان الهدف من اإلدارة هو إشباع الحاجات ـ وتأمين الخدمات الطبية إحداها ـ فإن التقاعس عن إتيان هذا الواجب‪ ،‬تحت ذريعة انعدام‬
‫اإلمكانيات‪ ،‬يفقد مصداقية اإلدارة ويجردها من هيبتها ويشكل من جهة أخرى إخالال بواجباتها‪ ،‬مما يستوجب تغطية الضرر الناجم لألفراد من جراء‬
‫هذا الموقف السلبي المتمثل في االمتناع عن توفير العالج باعتبارها ملزمة به طبقا للمواثيق والمعاهدات الدولية التي أصبحت تشكل في وقتنا‬
‫الحاضر أحد المراجع الدستورية للقوانين الوطنية‪.‬‬
‫وحيث إنه لما كان الحكم االبتدائي قد راعى هذه المبادئ وكرسها في تعليالته يكون قد صادف الصواب‪ ،‬مما يتعين معه التصريح بتأييده في هذا‬
‫المقتضى‪.".‬‬

‫‪24‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫السالف الذكر لم يحسم في مسؤولية الدولة وإنما‪" :‬أورد مبادئ عامة كان على محكمة‬
‫اإلحالة أن تطبقها على أرض الواقع لتستخلص منها قيام مسؤولية الدولة في ضمان حق‬
‫المطلوبة في الصحة بالنظر إلى حالتها و نوع المرض الذي تعاني منه" وذلك بالنظر إلى‬
‫أن الدولة ملزمة بضمان الحق المذكور وفقا لدستور المملكة" وخاصة الفصل ‪ 13‬منه‬
‫الناص على أنه "تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية على تعبئة كل‬
‫الوسائل المتاحة لتيسير أسباب استفادة المواطنين والمواطنات‪ ،‬على قدم المساواة من الحق‬
‫في العالج والعناية الصحية والحماية االجتماعية والتغطية الصحية‪ ،‬والتضامن التعاضدي‬
‫أو المنظم من لدن الدولة‪ "..‬وكذا في المواثيق والمعاهدات الدولية المصادق عليها من طرف‬
‫المغرب وخاصة ما ورد في المادة ‪ 31‬الفقرة األولى من العهد الدولي للحقوق االقتصادية‬
‫واالجتماعية من إقرار "الدول األطراف في هذا العهد بحق كل إنسان في التمتع بأعلى‬
‫مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه"‪.‬‬

‫وختمت محكمة النقض بعد توضيحها وشرحها للمغزى من قرار محكمة النقض‬
‫السابق‪ ،‬بأن حسم هذا النزاع يقتضي الوقوف على أمرين‪ ،‬األول هو معرفة ما‪ " :‬إذا كان‬
‫المرض الذي تعاني منه الطالبة و بالنظر إلى حالتها و إمكانيات الدولة يجب أن تتحمل‬
‫مسؤولية تطبيبها"‪ ،‬والثاني هو عند تعذر تحديد أي مسؤولية للدولة الوقوف على‪ " :‬نوع‬
‫الدعم المادي و المعنوي الالزم تقديمه للمريضة من طرف الدولة في إطار المستوى الممكن‬
‫بلوغه أخذا بعين االعتبار لتلك اإلمكانيات"‪ ،‬وعلى هذا األساس قضت محكمة النقض‬
‫مجددا بنقض القرار المطعون فيه مع إحالة القضية على محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط‬
‫(غير المحكمة المصدرة له) للبت فيه طبقا للقانون‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫هذا وبعد النقض واإلحالة للمرة الثانية‪ ،‬أصدرت محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط‬
‫قرارها في الموضوع قضت فيه بتأييد الحكم المستأنف الذي كان قد قضى‪ " :‬على الدولة‬
‫المغربية في شخص السيد الوزير األول (رئيس الحاومة حاليا) لتوفير العالج وعلى‬
‫نفقتها للمدعية ‪ ...‬مع ما يترتب على ذلك اانونا"‪ ،‬وقد تم تأييد هذا القرار من طرف‬
‫محكمة النقض حيث قضت في قرار لها مؤرخ في ‪ 1133/31/31‬بما يلي‪" :‬حيث إن‬

‫‪1‬‬
‫قرار محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط عدد ‪ 0111‬الصادر بتاريخ ‪ 1131/13/19‬في الملف رقم ‪.1130/1111/011‬‬

‫‪25‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المحامة مصدرة القرار المطعون فيه حملت الدولة مسؤولية توفير العالج للمطلوبة‬
‫استنادا إلى الخبرة الطبية المأمور بإنبازها والتي أكدت أن المرض الذي تعاني منه في‬
‫الرأس يتم عالجه بالمستشفيات البامعية وبعض المستشفيات البهوية‪ ،‬وبالتالي فإن‬
‫الدولة مببرة لتوفير العالج للمطلوبة تطبيقا للفص ‪ 13‬من الدستور‪.1" ...‬‬

‫والمالحظ من خالل هذا القرار أنه كرس للحماية القضائية للحق في الصحة منها عبر‬
‫مجموعة من المبادئ منها تلك المنصوص عليها في الدستور المغربي والسيما الفصل ‪13‬‬
‫منه‪ ،‬وتلك الواردة في المواثيق والمعاهدات الدولية المصادق عليها من طرف المغرب وال‬
‫سيما العهد الدولي للحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية (الفقرة ‪ 31‬منه) لتخلص من‬
‫كل ذلك أن الدولة ملزمة بتطبيب مواطنيها أخذا بعين االعتبار ظروفها وإمكانياتها وإال فإنها‬
‫تكون مطالبة بتقديم الدعم المادي والمعنوي‪.‬‬

‫وهذه الوجهة من النظر هي ما جاء في البند الثالث من المادة الثانية من نفس العهد‬
‫الدولي الذي ينص على ما يلي‪" :‬للبلدان النامية أن تقرر‪ ،‬مع إيالء المراعاة الواجبة‬
‫لحقوق اإلنسان والاتصادها القومي‪ ،‬إلى أي مدى ستضمن الحقوق االاتصادية المعترف‬
‫لها في هذا العهد لغير المواطنين"‪.‬‬

‫كما أن صياغة النصوص الواردة في هذا العهد جلها ترمي إلى تحقيق هدف بتسخير‬
‫الوسائل المتاحة لدى الدولة عضو فيه وحسب إمكانياتها الداخلية وبتعاون مع الدول‬
‫األعضاء‪ ،‬فإن كان الحق في مستوى معيشي كاف للشخص وألسرته هو أساس الصحة فإن‬
‫المادة ‪ 33‬من العهد المذكور تقضي بأن تقرير الدول األطراف بحق كل شخص في مستوى‬
‫معيشي كاف له وألسرته يوفر ما يفي بحاجاتهم من الغذاء والكساء والمأوى وبحقه في‬
‫تحسين متواصل لظروفه المعيشية فإن تحقيق هذا الحق لم يأت بالوجوب واإللزام ودون ما‬
‫اعتبار لقدرات الدولة العضو بل جاء بتعهد بالقيام بالتدابير الالزمة إلنفاذه ‪.‬‬

‫وبذلك‪ ،‬فإن الحق في الصحة مثله مثل جميع الحقوق المضمنة في العهد الدولي‬
‫الخاص بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية والتي تعهدت الدول األعضاء بالسعي‬

‫‪1‬‬
‫قرار عدد ‪ 1/3551‬مؤرخ في ‪ 1133/31/31‬صادر في الملف رقم ‪( 1139/3/0/3591‬غير منشور)‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫لبلوغ مستوى عال من التمتع بها فقد جاء هو اآلخر ضمن هذه الصياغة‪ ،‬وهذا ما يتضح‬
‫من خالل صياغة المادة ‪ 31‬منه إذ جاء فيها‪ " :‬تقر الدول األطراف في هذا العهد بحق كل‬
‫إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمان للوغه"‪.‬‬

‫كما أن ربط هذه المواثيق تعهد الدولة بحدود إمكانياتها المتوفرة أمر تفرضه ضرورة‬
‫التقيد بالمبدأ القانوني المجمع عليه تشريعا وفقها وقضاءا الناص على أنه‪ " :‬ال يمكن التزام‬
‫أي شخص (معنويا كان أم ذاتيا‪ ،‬عاما أو خاصا) إال في حدود ما يكون في مقدوره فال‬
‫يمكن إجباره على اإلتيان بالمستحيل وإال ستكون أمام التزامات غير قابلة التنفيذ"‪.‬‬

‫باإلضافة إلى ما سبق‪ ،‬فإن ما تجب اإلشارة إليه والتركيز عليه هنا ألهميته هو أن‬
‫الدولة وفي إطار تعهدها بمقتضى المواثيق والعهود الدولية وبمقتضى التزاماتها الدستورية‬
‫والمتمثل في السعي نحو ضمان تمتيع الشخص بالحقوق المعترف له بها وبالنظر إلى‬
‫محدودية إمكانياتها المتاحة‪ ،‬فإنها تسهر على حسن استغالل تلك الموارد وتحديد األولويات‪.‬‬

‫وفي اإلطار المرتبط بالرعاية الصحية‪ ،‬فإن محدودية اإلمكانيات أوجب على الدولة أن‬
‫تعمل أوال على تقريب مرافق الصحة من جميع المواطنين وأن تهتم بإيجاد األطر واألدوية‬
‫والوسائل والمعدات الطبية الكفيلة أوال بمواجهة األمراض األكثر انتشا ار وكذا األوبئة باعتبار‬
‫أن هذا هو الذي يؤمن ضمان التمتع لشريحة جد واسعة من المواطنين بحق الرعاية الصحية‬
‫وتوفير خدمة العالج‪ ،‬أما األمراض النادرة أو المجهولة فال يمكن مساءلة الدولة عن عدم‬
‫توفير العالج لها إال إذا ثبت أن إمكانياتها المتوفرة تسمح بذلك إال أنها لم تفعل‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الحماية القضائية للحق في الصحة من خالل تعويض‬


‫المتضررين‬
‫من بين الملفات التي عرضت على القضاء المغربي بهذا الخصوص نذكر قضية‬
‫عرضت على أنظار المحكمة اإلدارية بوجدة بتاريخ ‪ 31‬غشت ‪ 1115‬تتعلق بإحدى‬
‫السيدات التي أصيبت بورم سرطاني خبيت بعظام الساق تسبب في انتفاخ رجلها اليسرى‬
‫خضعت معه لعالج مكثف بعدة مرافق صحية عمومية بالدار البيضاء ووجدة‪ ،‬غير أن‬
‫خطورة المرض جعلت جميع محاوالت عالجها منه غير ذات جدوى على نحو أصبح معها‬

‫‪27‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫نقلها إلى خارج أرض الوطن أم ار ضروريا‪ ،‬وتقدمت لهذا الغرض للمصالح القنصلية‬
‫الفرنسية بفاس بطلب الحصول على تأشيرة الدخول إلى األراضي الفرنسية قصد االستشفاء‬
‫غير أن طلبها لم يحظ بالقبول‪ ،‬مما أدى إلى تزايد تفاقم وضعها الصحي بعد أن أخلفت‬
‫موعد الفحص الذي حجزته بإحدى المستشفيات بفرنسا‪ ،‬وأضافت بأنها راسلت المشرفين‬
‫على الشأن الصحي بالمغرب دون جدوى‪ ،‬معتبرة بأن من حقها كمواطنة أن تحظى بالرعاية‬
‫الصحية الالزمة‪ ،‬وأن على الدولة بذل كافة الجهود من أجل توفير العالج لها ضمانا لحقها‬
‫في التمتع بصحة جيدة طبقا لما ينص عليه دستور المملكة ولما توصي به المواثيق الدولية‬
‫لحقوق اإلنسان التي صادق عليها المغرب‪ ،‬وهو ما لم يتم توفيره لها طالما أن المستشفى‬
‫الذي كانت ترقد به ال يتوفر على الوسائل الكافية للعالج واعتبرت بأن ذلك يشكل تقصي ار‬
‫من الدولة في توفير حق العالج لها وعلى نفقتها والتمست تعويضها عن ذلك بما قدره‬
‫‪ 3.000.000,00‬درهم‪.‬‬

‫هذا وقد توفيت المدعية أثناء جريان المسطرة‪ ،‬وبعد إصالح المقال وتبادل الردود‬
‫وانتهاء إجراءات تحقيق الدعوى أصدرت المحكمة اإلدارية بوجدة‪ 1‬بتاريخ ‪1131/13/13‬‬
‫حكما في الموضوع قضى " بأداء الدولة المغربية في شخص السيد الوزير األول (رئيس‬
‫الحاومة حاليا) – وزارة الصحة في شخص وزيرها‪ -‬تعويضا إجماليا لفائدة المدعين عن‬
‫الضرر المعنوي الالحق لهم وادره ‪ 450.000,00‬درهم"‪.‬‬

‫وفي معرض تبريرها لقضائها نهجت المحكمة اإلدارية بوجدة منهجية حددت من‬
‫خاللها في البداية عناصر مسؤولية الدولة في هذه النازلة مسترشدة في ذلك بمقتضيات‬
‫الدستور المغربي والمواثيق الدولية المصادق عليها‪ ،‬ثم بينت عناصر التعويض الواجب أداؤه‬
‫لجبر مختلف األضرار الالحقة بورثة المدعية‪.‬‬

‫وهكذا‪ ،‬اعتمدت المحكمة اإلدارية بوجدة على عنصر عدم توفير اإلمكانيات الالزمة‬
‫الستشفاء المدعية باعتبار أن المركز الذي كانت تعالج به لم يكن يتوفر على اإلمكانيات‬
‫الالزمة لتحقيق خدمة العالج بالنظر للوضع الصحي المزري للمدعية التي أصيبت قيد‬

‫‪1‬‬
‫حكم المحكمة اإلدارية بوجدة عدد ‪ 015‬مؤرخ في ‪ 1131/13/13‬صادر في الملف رقم ‪.1/13/11‬‬

‫‪28‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫حياتها‪ " :‬لورم خبيت سرطاني بعظام الساق وهو ما تسبب لها في آالم حادة‪ ،‬وأنها كانت‬
‫تخضع للعالج بمركز األنكلوجيا الحسن الثاني لوجدة وتتابع حصص العالج الكيمياوي‬
‫بانتظام إال أن العالج المذكور كانت له أعراض جانبية خطيرة تمثلت باألساس في‬
‫إصالتها بالقيء وبفقر دموي حاد"‪.‬‬

‫وإلثبات عنصر عدم توفير إمكانيات العالج‪ ،‬اعتمدت المحكمة على شهادة طبية‬
‫صادرة عن أطباء عاملين بالمركز المذكور من بينهم الطبيب المشرف على المدعية الذين‬
‫أكدوا بأن "المركز يعرف نقصا في اإلمكانيات" وكذا على رسالة المندوب الجهوي للصحة‬
‫بوجدة الذي أكد بأن عالج المدعية يتطلب‪" :‬وحدة استشفائية وليس استشفاء يومي"‪،‬‬
‫مستنتجة المحكمة بذلك أن المركز ال يتوفر على وحدة استشفائية‪.‬‬

‫وأخذا بعين االعتبار هذه المعطيات‪ ،‬فإن المحكمة اإلدارية اعتبرت بأن‪" :‬الدولة لم‬
‫توفر اإلمكانيات لعالج المدعية‪ ،‬وأنه كان يتوجب على الجهات المختصة أن تبادر إلى‬
‫توفير البديل من العالج للمدعية طالما أن و ازرة الصحة والمراكز االستشفائية التابعة لها‬
‫منوط بها توفير العالج للمرضى وتأمين الخدمات الطبية لكل المواطنين لكون هذا الحق من‬
‫الحقوق األساسية التي يجب أن يتمتع بها المريض وهو الحق المكفول بمقتضى الدستور‬
‫والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب والتزم بتطبيقها"‪.‬‬

‫كما وقفت المحكمة اإلدارية أيضا على أن تدخل الدولة لعالج المدعية كان أم ار الزما‬
‫وضروريا نظ ار‪" :‬لعدم قدرة المدعية على توفير العالج لنفسها بسبب طبيعة المرض وكلفته‬
‫الباهضة"‪.‬‬

‫ولم يفت المحكمة اإلدارية‪ ،‬أن تؤكد بأن مسؤولية الدولة ثابتة أيضا من أنه أمام‬
‫ضعف إمكانيات العالج كان لزاما عليها‪" :‬منح المدعية التسهيالت والمساعدات الالزمة‬
‫للسفر خارج أرض الوطن قصد تلقي العالج الضروري"‪ .‬وخلصت المحكمة إلى أن كل‬
‫ذلك‪" :‬يشكل خطأ جسيما يرتب مسؤولية الدولة الكاملة عن معاناة المدعية مع المرض الذي‬
‫أصيبت به وتسبب في وفاتها"‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وعلى هذا األساس اعتبرت المحكمة بأن طلب توفير العالج أصبح غير ذي موضوع‬
‫لوفاة المدعية‪ ،‬وقضت بتعويض عن األضرار المعنوية الالحقة بورثتها اعتمادا على ما لها‬
‫من سلطة تقديرية بمبلغ قدره ‪ 50.000,00‬درهم لكل واحد من الورثة وعددهم ‪ ،3‬أي ما‬
‫مجموعه ‪ 450.000,00‬درهم‪.‬‬

‫غير أن الحكم بالتعويض ال يكون له محل إال في حالة ثبوت عدم توفير الحق في‬
‫العالج للمواطن المعني‪ ،‬أما في حالة تحمل الدولة لتكاليف العالج واستدعاء المرفق‬
‫الصحي للمريض من أجل العالج فإن مسؤولية الدولة تبقى غير قائمة‪ ،‬وهو ما حدث‬
‫بالفعل في إحدى القضايا السالف ذكرها‪ ،‬حيث إن المعنية باألمر سبق وأن تقدمت بدعوى‬
‫تعويض في مواجهة الدولة على إثر صدور الحكم القاضي بأحقيتها في العالج وصيرورته‬
‫نهائيا‪ ،‬غير أن المحكمة اإلدارية بأكادير‪ 1‬قضت برفض طلبها بعدما تبين لها بأن المرفق‬
‫الصحي وجه لها استدعاء للخضوع لفحوصات طبية وأنها تخلفت عن الحضور لتواجدها‬
‫خارج أرض الوطن حيث اختارت العالج بفرنسا بمحض إرادتها‪ ،‬مستنتجة من ذلك انتفاء‬
‫مسؤولية الدولة على اعتبار أن المتابعة الطبية التي تحتاجها المدعية متاحة في المغرب‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬مضمون الخطأ الطبي وصوره واآلثار المترتبة عليه‬


‫سوف نتناول في هذا المبحث‪ ،‬في شكل فقرات متتالية مفهوم الخطأ الطبي وطبيعة‬
‫التزام الطبيب بين االلتزام ببذل عناية أو االلتزام بتحقيق نتيجة بحسب األحوال (المطلب‬
‫األول) ومعيار الخطأ الطبي (المطلب الثاني) وصوره (المطلب الثالث) وأساس مسؤولية‬
‫المرفق الصحي بين الخطأ الواجب اإلثبات والخطأ المفترض ونظرية المخاطر (المطلب‬
‫الرابع)‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬مفهوم الخطأ الطبي ومضمونه وطبيعة التزام الطبيب‬


‫يراعى في تحديد الخطأ الطبي أصول مهنة الطب وتطور نظرياته وشخص الطبيب‬
‫وحالة المريض ومستوى التجهيزات‪ ،‬وتقوم مسؤولية الطبيب على أساس الخطأ وهو إخالل‬
‫الطبيب بالتزاماته والتي تأخذ شكل االلتزام ببدل عناية أو اإللتزام بتحقيق نتيجة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫حكم عدد ‪ 1159‬مؤرخ في ‪ 1133/31/13‬صادر في الملف رقم ‪.1139/1331/3390‬‬

‫‪30‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الفقرة األولى‪ :‬التزام الطبيب هو التزام لبدل العناية‬


‫التزام الطبيب هو التزامه ببدل عناية وليس بتحقيق نتيجة‪ ،‬وال يمكن ألي طبيب أن‬
‫يلتزم بشفاء المريض بل يتعين عليه أن يبدل ما في وسعه من أجل شفاء المريض وبجهود‬
‫صادقة تتفق مع األصول العلمية لمهنة الطب‪.‬‬

‫الطبيب ال يلزم بشفاء المريض ألن ذلك يخرج عن إرادته ويرتبط بظروف أخرى كحالة‬
‫المريض ودرجة مناعة جسم وتفاعله مع العالج‪ .‬كما أن االلتزام بمبدأ العناية المفروض على‬
‫الطبيب المتخصص ليس هو المفروض على الطبيب العام‪ ،‬خصوصا وأن القضاء اإلداري‬
‫يتشدد في تقرير الخطأ المنسوب للطبيب المتخصص‪.‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أنه يدخل في إطار تقدير الخطأ الظروف المادية التي يمارس فيها‬
‫الطبيب مهنته‪ ،‬لذلك فالعناية المطلوبة من طرف طبيب مستشفى مزود بكافة التجهيزات‬
‫ليست نفس العناية المتطلبة بمستشفى يفتقر لتلك التجهيزات‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬االلتزام لتحقيق نتيبة‬


‫يعتبر المبدأ العام هو أن التزام الطبيب هو إلتزام ببدل عناية‪ ،‬غير أن هذا المبدأ ترد‬
‫عليه مجموعة من االستثناءات ففي بعض الحاالت يصبح الطبيب مطالبا بتحقيق نتيجة‬
‫كالحاالت التالية‪:‬‬

‫أوال‪ :‬استعمال األجهزة واآلالت الطبية‬


‫في بعض الحاالت االستثنائية يكون الطبيب مطالبا بتحقيق نتيجة معينة ليس هي‬
‫شفاء المريض ولكن ضمان سالمته من اآلالت التي يستعملها‪ ،‬خصوصا وأن الطب الحديث‬
‫أصبح يعتمد على األدوات الطبية واألجهزة سواء في عمليات الكشف والتشخيص أو العالج‬
‫أو الجراحة ولذلك فاستعمال هاته اآلالت يقتضي من الطبيب االلتزام بضمان سالمة‬
‫المريض لذلك فهو ملزم بتحقيق نتيجة‪ ،‬والقضاء يتجه في هذا المجال إلى تطبيق أحكام‬
‫المسؤولية المبنية على الخطأ المفترض كحارس الشيء‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وال يعفى الطبيب من المسؤولية عن طريق الدفع لكون العيب الموجود باآللة يرجع‬
‫لصنعها ويصعب كشفه‪ ،‬وال يعفيه من المسؤولية إال في إطار القواعد العامة لدفع الخطأ‬
‫المفترض بالنسبة لحارس الشيء‪ ،‬كونه قام بكل ما يلزم لمنع الضرر وإن الضرر يرجع‬
‫كحادث مفاجئ أو قوة قاهرة أو خطأ المضرور‪.‬‬

‫والحاصل من ما سبق أ نه كلما كانت األضرار الحاصلة للمريض ال صلة لها بالصبغة‬
‫الفنية لمهنة الطب وناشئة عن استعمال أجهزة وأدوات أو مواد‪ ،‬فإن الطبيب يسأل عنها‬
‫مباشرة‪ ،‬بكون التزامه في هاته الحالة هو التزام بتحقيق نتيجة وهي ضمان سالمة المريض‬
‫من استعمال اآلالت واألدوات الطبية‪ ،‬أما إذا كانت األضرار نتيجة ألعمال الطب المهنية‬
‫فإنه ال يسأل عنها إال إذا تبت تقصيره وخروجه عن األصول العلمية ألن التزامه هنا هو‬
‫التزام ببدل العناية‪.1‬‬

‫ثانيا‪ :‬نق الدم والتلقيح‬


‫إن الطبيب أو الجهة المكلفة بنقل الدم مدعوان إلى التأكد من نقاء الدم وسالمته من‬
‫كل وباء أو جرثومة يمكن أن تنقل العدوى للمريض فالطبيب وإن كان مسؤول عن شفاء‬
‫المريض بواسطة الدم الذي يتم حقنه فإن التزامه هنا هو التزام ببدل العناية وليس لتحقيق‬
‫نتيجة الشفاء إال أنه يصبح ملزما بنتيجة وهي سالمة المريض من كل عدوى يمكن أن‬
‫يتسبب فيها نقل الدم الملوث‪.‬‬

‫وفي هذا اإلطار قضت المحكمة اإلدارية بالرباط بأن‪" :‬وحيث إذا كان القانون قد نص‬
‫على مجموعة من التدابير لتفادي التأثيرات غير المرغوب فيها عند الحقن بالدم‪ ،‬فغنه في‬
‫نازلة الحال فإن عدم اتخاذ اليقظة من طرف المؤسسة المخول لها توزيع مشتقات الدم لم تؤد‬
‫فحسب إلى تأثيرات غير مرتقبة وإنما إلى عملية الحقن أدت إلى إصابة المدعية بمرض‬
‫يكتسي خطورة بالغة ويؤدي إلى تدمير حياة طفلة من المفروض أن توفر لها الدولة‬
‫والمؤسسات العمومية الحق في العالج والعناية الصحية كما ينص على ذلك الفصل ‪ 13‬من‬
‫الدستور المغربي وتنص على ذلك جميع المواثيق واالتفاقيات المتعلقة بحقوق االنسان‪.‬‬

‫‪1‬أورده محمد عبد النبوي‪" :‬المسؤولية المدنية ألطباء القطاع الخاص"‪ ،‬الطبعة الثانية يناير ‪ ،1115‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬بالبيضاء‪ ،‬صفحة‪.05‬‬

‫‪32‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وحيث إنه واعتبا ار للضرر الجسيم الذي أصاب طفلة مقبلة على الحياة من جراء حقنها بدم‬
‫ملوث تسبب لها في مرض خطير يستحيل معه ممارسة المريضة لحياتها بشكل اعتيادي بل‬
‫ويحرمها من متابعة دراستها‪ ،‬فإن التعويض الممنوح لها يجب أن يكون بحبم الخطأ البسيم‬
‫الذي تسبب لها في المس بحقها في التعليم واألمان االجتماعي"‪ 1.‬كما قضت إحدى‬
‫المحاكم بأن حقن المريض بدم ليس من فصيلته يعتبر خطأ شخصيا في حق الطبيب يرتب‬
‫‪2‬‬
‫مسؤوليته الشخصية‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬التحالي واألدوية‬


‫إن الطبيب البيولوجي أو الصيدلي ملزمان بتحقيق نتيجة فيما يجريانه من تحاليل‬
‫مختلفة بدءا من تحليل فصيلة الدم إلى مختلف التحاليل األخرى‪ ،‬حيث يلتزم بسالمة‬
‫التحاليل‪ .‬وفي هذا الصدد نذكر قرار محكمة االستئناف بتولوز والذي قضت فيه بأنه ‪" :‬إذا‬
‫كانت مهنة الطبيب تقتصر على أشغال مختبرية ال تتضمن أية احتماالت في المعطيات‬
‫‪3‬‬
‫العلمية الثابتة فإن التزام الطبيب إذن هو التزام بنتيجة وليس ببدل العناية"‪.‬‬

‫كما أن الصيدلي يتحمل التزاما بضمان سالمة المريض وعدم إعطائه أدوية فاسدة‬
‫ويسأل كذلك عن كل إخالل في تركيب الدواء وفي المقابل ال يتحمل أية مسؤولية إن كان‬
‫الدواء سليما ولكنه أصاب المريض لحالته الصحية‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬طب األسنان‬


‫يتحمل طبيب األسنان التزاما بتحقيق نتيجة إذا قام بتركيب أسنان اصطناعية للمريض‪،‬‬
‫إذ عليه أن يضمن صالحية تلك األسنان في أداء وظيفتها دون أن تخلف ألما للمريض‪ .‬كما‬
‫يلتزم بضمان سالمة المريض من اآلالت والتجهيزات التي يستعملها في تركيب األسنان أو‬
‫جراحتهم والتزامه في الحالتين معا هو التزام بتحقيق نتيجة‪ .‬أما خالل ممارسة عالجه‬
‫االسنان الطبيعية فهو يتحمل فقط االلتزام العادي الذي يتحمله كل طبيب المتمثل في بدل‬
‫العناية الالزمة واليقظة والمركزة التي تتفق واألصول العلمية والمهنية‪ .‬وفي هذا الصدد قضت‬

‫‪1‬حكم المحكمة اإلدارية بالرباط عدد ‪ 5113‬صادر بتاريخ ‪ 19‬دجنبر ‪ 1139‬في الملف عدد ‪.1139/1331/13‬‬
‫‪2‬قرار محكمة النقض الصادر بتاريخ ‪ 39/1/11‬في قضية أحمد بن يوسف ضد مركز تحاقن الدم‪.‬‬
‫‪3‬قرار محكمة االستئناف بتولوز بتاريخ ‪ 3353/31/30‬أورده ذ‪ .‬عبد النبوي في كتابه السابق‪ ،‬صفحة ‪.09‬‬

‫‪33‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫محكمة النقض الفرنسية بأن العقد الذي يربط طبيب األسنان بزبونه ال يعدو سوى التزام‬
‫معالجته وفقا لما جرى به العمل وما يقتضيه طب األسنان ويتفق ومعطيات العلم‪.1‬‬

‫خامسا‪ :‬البراحة التبميلية‬


‫يلتزم الجراح التجميلي باإلضافة إلى بدل العناية الصادقة والجهود المتفقة وأصول‬
‫المهنة بتحقيق نتيجة تتمثل في تحقيق الوعد الذي التزم به‪ ،‬كتقويم شكل أنف أو غير ذلك‬
‫من أعضاء الزبون والتزامه هنا هو التزام بتحقيق نتيجة‪.‬‬

‫هذا االلتزام كرسه قضاء محكمة النقض من خالل قرارها الصادر في ‪ 11‬أكتوبر‬
‫‪ ،1133‬والذي يتعلق بنازلة تهم سيدة اكتشفت اصابتها بتشوه خلقي بسيط بالجهة اليسرى‬
‫من أنفها وبعد فحصها من قبل الطبيب‪ ،‬المدعى عليه‪ ،‬قامت بإجراء عملية جراحية لم تعط‬
‫النتائج المطلوبة‪ ،‬فوصف لها الطبيب عدة أدوية‪ ،‬ثم أجرى لها عملية ثانية اقتطع من‬
‫غضروف األذن قطعة ليضعها باألنف مما ألحق بها ضر ار فادحا‪ ،‬وأصبحت أذنها وأنفها‬
‫مشوهتين‪ ،‬فالتجأت لرفع دعوى أمام المحكمة االبتدائية بأكادير استأنفتها أمام محكمة‬
‫االستئناف بنفس المدينة والتي أصدرت قرارها بتحميل الطبيب المسؤولية على اعتبار أن‬
‫التزامه في اطار عمليات التجميل هو التزام بتحقيق نتيجة وليس بدل عناية‪ .2‬وتم الطعن في‬
‫القرار أمام محكمة النقض والتي أسست لاللتزام بالتبصير عبر الحيثيات التالية‪" :‬ولكن حيث‬
‫أن المحكمة لها سلطة تقدير الحجج والوقائع الستخالص مبررات قضائها على أن يكون‬
‫االستخالص مبر ار قانونا وقضاء‪ ،‬كما أن كل طبيب ملزم ببدل العناية والجهد وعدم اإلهمال‬
‫والتقصير واتخاذ كل التدابير الالزمة‪ ،‬وأن مسؤولية الطبيب الجراح تبتدأ حتى قبل إجراء‬
‫العملية‪ ،‬واحتمال نجاحها من عدمه‪ ،‬ونسبة ذلك‪ ،‬خصوصا إذا تعلق االمر بعمليات تقويم‬
‫الخلقة أو التجميل"‪.3‬‬

‫وإذا كان الخطأ الطبي هو اإلخالل بااللتزام ببدل العناية الالزمة المركزة المتفقة‬
‫واألصول العلمية خالل ممارسة العمل الطبي فهل تقوم مسؤولية الطبيب كلما ساءت صحة‬

‫‪1‬قرار محكمة النقض الفرنسية بتاريخ ‪.3311/11/30‬‬


‫‪2‬قرار عدد ‪ 133‬المؤرخ في ‪ 11‬أبريل ‪ 1113‬والصادر في الملف عدد ‪.11/191‬‬
‫‪3‬قرار محكمة النقض عدد ‪ ،0111‬المؤرخ في ‪ 15‬أكتوبر ‪ 1133‬والصادر في الملف المدني عدد ‪ ،1113/1/3/0331‬منشور بمجلة قضاء‬
‫محكمة النقض‪ ،‬العدد ‪ ،15‬ص ‪ 11‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المريض؟ وهل كل خطأ ارتكبه الطبيب ولو كان يسي ار يؤدي إلى تحميله المسؤولية‬
‫كاألضرار الالحقة بالمريض أم أنه يجب أن يكون على درجة من الحماية؟ وما هو معيار‬
‫الخطأ الطبي؟‬

‫المطلب الثاني‪ :‬معيار الخطأ الطبي‬


‫إذا كان الخطأ يعتبر قائما في كل مرة يحيد فيها الطبيب عن تنفيذ التزاماته بإهمال أو‬
‫تقصير أو خروج عن قواعد وأصول المهنة‪ ،‬فإن ذلك ال يعني أن كل فشل في تحقيق الشفاء‬
‫يعتبر خطأ في حق الطبيب ذلك أن الطبيب قد يقوم في بعض الحاالت ببتر عضو من‬
‫أعضاء جسم اإلنسان دون أن يتحمل أية مسؤولية إذا كان تدخله هذا هو الحفاظ على صحة‬
‫المريض‪.‬‬

‫وهل يعتبر كل غلط ارتكبه الطبيب موجب لتحديد مسؤوليته؟ وفي هاته الحالة يجدر‬
‫بنا أن نميز بين الخطأ الطبي والغلط الطبي‪ ،‬فإذا كان الخطأ الطبي "‪"Faute médicale‬‬
‫يترتب عنه مسؤولية الطبيب‪ ،‬فإن عمل الطبيب ال يعتبر خطأ بمجرد حدوث ضرر‬
‫للمريض‪ ،‬ذلك أنه قد يأتي الطبيب تصرفات خاطئة ورغم ذلك ال تقوم على إثرها مسؤولية‬
‫الطبيب ألنها ال تصل إلى درجة الخطأ الطبي وتعتبر مجرد غلط طبي "‪Erreur‬‬
‫‪."médicale‬‬

‫وإذا كان الخطأ الطبي هو إخالل يقع من الطبيب خالل ممارسة مهامه الطبية ترتب‬
‫عنه ضرر ويكون هذا اإلخالل من النوع الذي ال يمكن أن يصدر عن طبيب في نوع‬
‫اختصاصه بمعيار الطبيب العادي‪ ،‬فإن الغلط يمكن أن يرتكبه أكبر أساتذة الطب وأكثرهم‬
‫إلماما بأصول المهنة‪.‬‬

‫وفي هذا الصدد‪ ،‬قضت محكمة كرونوبل بوجود خطأ طبي في التشخيص‪ ،‬ليس ألن‬
‫الطبيب ارتكب غلطا حينما قرر وجود تفكك في عظام الكتف بدال من وجود كسر في‬
‫العنق‪ ،‬وإنما لكون الطبيب أجرى فقط صورة واحدة في إتجاه واحد والحال أنه كان ينبغي‬
‫عليه أن يجري صور أخرى في اتجاهات معاكسة ومختلفة‪ ،‬وهو ما كان يجب أن يقوم به‬

‫‪35‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫أي طبيب عادي متوسط الذكاء والمعرفة‪ .‬هذا وفي إطار تحديد الخطأ الطبي يجب أن نميز‬
‫‪1‬‬
‫كذلك بين األعمال المادية واألعمال الفنية للطبيب‪.‬‬

‫فاألعمال المادية هي تلك األعمال التي ينجزها الطبيب ولكنها ال تتصل باألصول‬
‫الفنية لمهنة الطب كترك إناء ساخن على مقربة مريض فاقد الوعي من جراء التخدير فينتج‬
‫له من جراء ذلك حروقا‪.‬‬

‫أما األعمال الفنية أو المهنية فهي تلك االعمال التي تتصل مباشرة بمهنة الطب‬
‫وتكتسي صبغة فنية كالفحص وتشخيص المرض وتقرير العالج وإجراء العملية الجراحية‪.‬‬
‫ويعتبر الخطأ فنيا إذا كان األمر يتعلق بإخالل الطبيب بالقواعد الفنية والتقنية لمهنته‪.‬‬
‫وتستعمل المحاكم حول الخطأ الطبي عبارات من قبيل‪ :‬الخطأ الجسيم أو الخطأ الواضح أو‬
‫اإلهمال الخطير‪ .‬والخطأ الطبي يجب أن يكون قائما وواضحا وثابتا‪ ،‬والطبيب ال يكون‬
‫مخطئا إال إذا خالف المقتضيات العلمية المستقر عليها في مهنة الطب ويلزمه بدل عناية‬
‫يقضة وصادقة‪ ،‬مما يقتضي منه أال يرتكب أي إهمال‪ .‬ومن تم يكون الطبيب مخطئا إذا‬
‫اهتدى إلى طريقة وأسلوب في العالج نبده العلم وهجره األطباء وتواترت اآلراء حول عدم‬
‫نجاعته‪.‬‬

‫هذا وقد جاء في قرار لمحكمة االستئناف بالرباط أن األصل هو عدم اعتبار الطبيب‬
‫مخطئا إذا تقيد في عمله بالعادات الطبية المستقرة ألن هذا هو السلوك المألوف في رجل‬
‫المهنة العادي‪ ،‬ومعيار الطبيب العادي كمعيار موضوعي هو الذي يقاس عليه‪ ،‬ويقوم هذا‬
‫المعيار على قياس فعل الطبيب المنسوب إليه الخطأ بمسلك الطبيب العادي فنقول إن‬
‫الطبيب لم يرتكب خطأ‪ ،‬ألن ما قام به يعتبر المسلك العادي الذي كان يسلكه أي طبيب‬
‫آخر حريص ويقض وجد في تلك الظروف أو نقول أيضا أن الطبيب قد أخطأ ألن العمل‬
‫الذي أقدم عليه ال يمكن أن يصدر من طبيب آخر يقض وحريص يوجد في نفس ظروفه‪.2‬‬

‫‪1‬حكم محكمة كرونوبل بتاريخ ‪ 3301/33/10‬أورده ذ‪.‬عبد النبوي في المرجع السابق‪.‬‬


‫‪2‬قرار محكمة االستئناف بالرباط بتاريخ ‪ 3393/1/13‬في الملف رقم ‪.99/1113‬‬

‫‪36‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وقد عرف االجتهاد القضائي الطبيب العادي بكونه رجل المهنة العادي أي الطبيب‬
‫الوسط الذي ال يهمل بدل العناية الالزمة وال يخرج عن أصول المهنة وقواعدها الثابتة‪.‬‬
‫ويستعين القاضي بإجراء خبرة لتوضيح السلوك العادي وما تقتضيه تقاليد المهنة وأعرافها‬
‫والمستوى العلمي وذلك دون إغفال الظروف الخارجية التي تدخل فيها خطورة المرض‬
‫وظروف الزمان والمكان واإلمكانيات المادية والبشرية كالبعد عن المستشفى وعدم توفر‬
‫وسائل المعالجة وعدم توفر أطباء اختصاصيين‪ .‬لذلك يجب تقدير خطأ الطبيب الموجب‬
‫للمسؤولية في ضوء نظرية االلتزام ببدل عناية وهي عناية طبيب وسط في نفس طائفة‬
‫الطبيب المعني باألمر ومطابقة ذلك للعادات المهنية واألصول التقنية والعلمية للمهنة مع‬
‫اعتبار الظروف الخارجية المحيطة بالطبيب أثناء قيامه بمهمته‪.‬‬

‫إذا كان هذا هو معيار تمييز الخطأ الطبي‪ ،‬فما هي صوره واآلثار المترتبة عنه؟‬

‫المطلب الثالث‪ :‬صور الخطأ الطبي‬


‫لقد ميز الفقه والقضاء بين نوعين من األخطاء الطبية‪ :‬أخطاء تتمثل في اإلخالل‬
‫بالواجبات اإلنسانية وأخطاء فنية وتقنية‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬إخالل الطبيب بالواجبات اإلنسانية‬


‫تعتبر هاته الواجبات إنسانية مرتبطة بالعمل الطبي وتنبع من الضمير اإلنساني وتتمثل‬
‫في عدم إعانة مريض في حالة خطر أو رفض عالج مريض في ظروف صعبة أو‬
‫االنقطاع عن العالج أو عالج المريض دون رضاه أو إفشاء السر المهني وسوف نعالج ذلك‬
‫إتباعا كما يلي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬رفض عالج المريض أو التوقف عن عالجه‬


‫يقع على عاتق الطبيب واجب انساني اتجاه المرضى والمجتمع كافة تفرضه عليه‬
‫أصول وأحكام مهنته‪ ،‬ويقتضي هذا الواجب تقديم العالج الضروري‪ ،‬خاصة إذا لم يوجد سواه‬
‫للقيام بذلك سواء بسبب ظروف المريض أو تخصص الطبيب‪ .‬ومن ثم ال ينبغي للطبيب‬
‫رفض عالج أحد المرضى ممن لجأ إلى أي مرفق الصحي العمومي‪ ،‬بل إنه يسأل عن‬

‫‪37‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫مجرد التأخر عن الحضور أو التأخر في انقاذ مريض ما لم يثبت وجود عذر قاهر يمنعه‬
‫من ذلك‪.‬‬

‫وتنبني صورة المسؤولية في هذه الحالة عن إتيان الطبيب لتصرف سلبي يتجلى من‬
‫خالل امتناعه عن تقديم العالج للمريض أو حتى تأخره في القيام وذلك بالنظر إلى ما لعامل‬
‫الزمن من أهمية في تحقيق العالج‪.‬‬

‫كما أن طبيب مهما كان تخصصه ومهامه يجب عليه أن يقدم المساعدة المستعجلة‬
‫لكل مريض يوجد في حالة خطر حال إذا لم يكن باإلمكان تقديم إسعافات طبية أخرى إليه‪،‬‬
‫وإخالل الطبيب بهذا االلتزام يعتبر تقصي ار وإهماال من جانبه‪.‬‬

‫وقد رصد القضاء اإلداري المغربي مثل هذه األخطاء في عدة قضايا‪ ،‬من بينها حكم‬
‫المحكمة االبتدائية بالرباط‪ ،‬والذي أدان أحد األطباء من أجل اإلمساك عمدا عن تقديم‬
‫المساعدة لشخص كان قد حضر إلى المستشفى لزيارة أحد أصدقائه الذي كان مريضا‬
‫بمصحة امراض القلب والشرايين‪ ،‬حيث أصيب بالعياء نتيجة صعوده الطابق الخامس‬
‫وأصبح محتاجا لالنتعاش‪ ،‬والذي رفضه الطبيب الحاضر إال بعد استيفاء اإلجراءات اإلدارية‬
‫التي استغرقت وقتا طويال وانتهى األمر إلى وفاة المريض بسبب التأخر في تقديم اإلسعاف‪.‬‬
‫وقد عللت المحكمة حكمها بما يلي‪" :‬حيث أن الطبيب كان عالما بصفة مباشرة بالخطر‬
‫الذي كان يحدق بالهالك الذي أدى إلى وفاته خصوصا وأنه طبيب متخصص في القلب‬
‫والشرايين والواجب كان يفرض عليه التدخل إلنقاذ الهالك دون الخوض في اإلجراءات‬
‫اإلدارية وأضاف ت المحكمة أن الخبرة الطبية أفادت أن عنصر الزمن في مثل هاته الحالة‬
‫عنصر جوهري وأن الوقت يحسب بالثواني وليس بالدقائق في حين ان الطبيب لم يقم بأي‬
‫إسعاف لمدة ‪ 05‬دقيقة ولم يقدم للمريض أي دواء مما يكون معه االمتناع عن تقديم‬
‫المساعدة لشخص في حالة خطر ثابت في حقه كما أن االمتناع عن تقديم العالج يعتبر من‬
‫الواجبات اإلنسانية للطبيب وتعسفا في استعمال الحق"‪.1‬‬

‫‪1‬حكم ابتدائية الرباط في قضية المجدوبي ضد و ازرة الصحة‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وجاء في قرار آخر لنفس المحكمة أن التأخر في تقديم العالج يعتبر خطأ طبيا ينم‬
‫عن سوء أداء المرفق الصحي للخدمة المنوطة به‪ ،‬وذلك على الشكل التالي‪" :‬وحيث طالما‬
‫ثبت من ك لتا خبرتين المأمور بهما أن السبب الكامن وراء فقدان المستأنف عليها البصر‬
‫على مستوى اليسرى يتمثل في تعرضها للتعفن إثر إجراء العملية الجراحية التي أجريت لها‬
‫وعدم اجراء حقن مضادة الجراثيم داخل العين لتالفي مضاعفات ذلك التعفن فإن إحجام‬
‫الطاقم الطبي للمستشفى عن إخضاع المعنية باألمر لذلك العالج داخل أجل معقول وكفيل‬
‫بوضع حد لتداعيات التعفن ينم عن أداء المرفق العمومي للخدمة المنوطة به على وجه‬
‫‪1‬‬
‫سيء وينطوي على خطأ مرفقي"‪.‬‬

‫كما يمكن إثارة المسؤولية الطبية في حالة ما انقطع الطبيب عن معالجة المريض في‬
‫وقت غير مناسب أو دون سبب مقبول‪ ،‬ما لم يكن ذلك راجع إلى المريض نفسه الذي أهمل‬
‫اتباع تعليمات الطبيب أو تعمد عدم اتباعها (خطأ المضرور)‪.‬‬

‫ويمكن في القانون المغربي االستناد إلى أحكام المادة ‪ 10‬من الفصل الثاني من مدونة‬
‫أخالقيات مهنة الطب‪ 2‬والذي يجيز للطبيب التوقف عن العالج متى تأكد له احتمال إصابة‬
‫المريض بأضرار تفوق نسبة العالج‪ ،‬فيكون ملزما باإلدالء بجميع المعلومات المهمة التي‬
‫تفيد نجاح وفشل االستمرار التداوي حتى يحصل على رضا متبصر ومستنير من المريض‬
‫يسمح له بالتدخل العالجي أو على األقل برضى من يعتد برضائه‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬تخلف الرضا المستنير للمريض‬


‫يلزم الطبيب من حيث المبدأ الحصول الرضا الحر والمتبصر من المريض قبل القيام‬
‫بأي عمل عالجي أو جراحي وإال كان مخطئا متحمال تبعة المخاطر الناجمة عن العالج‬
‫علما بأنه يمكن للطبيب مباشرة العمل الطبي في حالة الضرورة‪ ،‬فقد جاء في أحد ق اررات‬
‫محكمة النقض‪" :‬ان حالة المصابة شكلت حالة ضرورة‪ ،‬استدعت من الطبيب سرعة في‬

‫‪1‬قرار محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش عدد ‪ 311‬الصادر بتاريخ ‪ 11‬يونيو ‪ 1139‬في الملف عدد ‪.1135/1111/931‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Arrêt résidentiel relatif au code de déontologie des médecins, Bulletin officiel du 19 juin 1953, p828.‬‬

‫‪39‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫اجراء عملية استئصال الرحم تفاديا لخطر محتمل‪ ،‬تعفيه من السعي للحصول على رضا‬
‫وموافقة المعني باألمر"‪.1‬‬

‫كما قد سبق للقضاء أن اعتبر الطبيب مسؤوال عن قيامه بالعالج دون رضى الهالك أو‬
‫من يمثله قانونا ما لم يكن األمر يتعلق بحالة االستعجال القصوى ويقع عبء إثبات رضا‬
‫المريض على الطبيب‪ ،‬وعلى هذا األساس قضت محكمة االستئناف بالبيضاء‪" :‬إن الطبيب‬
‫المعالج لم يحصل على ترخيص أو إذن من المريضة إلزالة الرحم خصوصا وإن األطباء‬
‫الذين فحصوها بعد استئصال رحمها أكدوا أنها لم تكن تشكو من سرطان يبرر التدخل‬
‫السريع من طرف الطبيب"‪.2‬‬

‫ثالثا‪ :‬االخالل لواجب االعالم وااللتزام بالتبصير‬


‫إن االلتزام بإعالم المريض يعد من أهم االلتزامات الملقاة على عاتق األطباء والذي‬
‫يتطلب منه إحاطة المريض بطبيعة مرضه وتطوره وطرق العالج الممكنة بكيفية واضحة‪،‬‬
‫معقولة‪ ،‬مبسطة وصادقة‪.‬‬

‫وينشأ عن مخالفة مبدأ االلتزام باإلعالم خطأ من طبيعة خاصة هو االخالل بااللتزام‬
‫باإلعالم يتحقق عند تخلف االعالم كلية أو عدم كفايته أو القيام به بشكل خاطئ‪.‬‬

‫كما أن عدم إعالم المريض بنتيجة الفحص قد يترتب مسؤوليته‪ ،‬وفي هذا اإلطار تنص‬
‫المادة ‪ 13‬من مدونة أخالقيات مهنة الطب أن الطبيب ملزم بإعالم المريض بنتيجة فحصه‬
‫ما لم يكن المرض خطي ار فإن مصلحة المريض وضرورة الحفاظ على معنوياته تقتضي غير‬
‫ذلك‪ .‬غير أنه في حالة جراحة التجميل يتعين إشعار المريض بكل المخاطر المؤكدة‬
‫والمحتملة التي يمكن ان تلحق به‪ .‬وفي هذا اإلطار قضت محكمة االستئناف اإلدارية‬
‫موضحة انه من التزامات الطبيب إعالم المريض وتبصيره بمخاطر العالج أو الجراحة‬

‫‪1‬قرار عدد ‪ 1303‬المؤرخ في ‪ 13‬ماي ‪ 1113‬في الملف عدد ‪ ،1111/5/3/3193‬نشور بمجلة اإلشعاع‪ ،‬العدد الخامس والعشرون‪،‬‬
‫يونيو‪ ،1111‬ص ‪ 313‬إلى ‪.311‬‬
‫‪2‬قرار محكمة االستئناف بالدار البيضاء بتاريخ ‪.1111/10/11‬‬

‫‪40‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫خصوصا إذا كانت النتيجة السلبية من األمور المتوقعة تحت طائلة تحميله المسؤولية عن‬
‫‪1‬‬
‫هذا التقصير‪.‬‬

‫ويتعين على الطبيب إعالم مريضه بالمخاطر العادية المتوقعة‪ ،‬في حين ال يكون ملزما‬
‫بإعالمه بالمخاطر االستثنائية غير المتوقعة ألنه غير مجبر على ذلك لما قد يترتب عن‬
‫ذلك من مشاكل وصعوبات مادية ومعنوية تضر بسالمة عمل الطبيب‪ .‬وهو ما أكده القضاء‬
‫المغربي‪ ،‬حيث جاء في قرار لمحكمة االستئناف بالرباط أن‪" :‬من االلتزامات التي تقع على‬
‫الطبيب الجراح قبل اجراء العملية الجراحية للمريض أخذ موافقته على ذلك‪ ،‬ويجب أن تصدر‬
‫هذه الموافقة بعد معرفته بحقيقة العملية والنتائج المحتملة عنها‪ ،‬وأنه ال يجوز اجراء العملية‬
‫دون رضا المريض‪ ،‬وتزداد أهمية هذا االجراء في األحوال التي يتعرض فيها المريض‬
‫للخطورة عند إجراء العملية‪ ،‬حيث يجب موافقة ممثله القانوني وأقرب أقرابائه‪ ،‬وإذا قام‬
‫الطبيب بإجراء العملية دون تبصير يعتبر مخطئا‪ ،‬وحتى في حالة االستعجال القصوى ال‬
‫يعفى الطبيب من هذا االجراء إال إذا كانت حالة المريض ال تحتمل التأخير وأن يكون فاقد‬
‫الوعي وغير قادر على التعبير عن إرادته"‪.2‬‬

‫وعلى مستوى القضاء المقارن فقد أكدت محكمة بوردو نفس المنحى موضحة أن الثقب‬
‫المحدث بالمصران الغليظ يعتبر من المخاطر المحتملة للفحص المجرى من قبل الطبيب‬
‫وأن نسبة وقوعه تصل إلى ‪ 1.115%‬هذا باإلضافة إلى كون الطيب كان قد بلغ للمريض‬
‫في إطار إشعاره بالمخاطر المحتملة لذلك‪.3‬‬

‫ويستفاد مما سبق أن االلتزام باإلعالم والتبصير الملقى على عاتق الطبيب ليس مجرد‬
‫واجب أخالقي عام‪ ،‬بل أضحى في ظل التطورات التشريعية الحالية بمثابة التزام قانوني‬
‫أساسي مشمول بجزاءات مدنية وزجرية قررها المشرع‪.‬‬

‫‪1‬قرار محكمة االستئناف اإلدارية عدد ‪ 1101‬بتاريخ ‪ 1111/15/13‬بالملف عدد ‪. 11/1/13‬‬


‫‪ 2‬قرار أورده أحمد ادريوش‪" ،‬العقد الطبي‪ ،‬تأمالت حول المشاكل القانونية التي تثيرها العالقة بين الطبيب وزبونه" الطبعة األولى ‪ ،1113‬منشورات‬
‫سلسلة المعرفة القانونية‪ ،‬مطبعة األمنية الرباط‪ ،‬ص‪.313-311:‬‬
‫‪3‬‬
‫محكمة بوردو بتاريخ ‪1111/13/15‬‬

‫‪41‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫رابعا‪ :‬المحافظة على السر المهني‬


‫تعتبر المحافظة على السر المهني وعدم إفشائه من االلت ازمات الناشئة عن أخالقيات‬
‫المهنية‪ ،‬وهو ما أكده المادة ‪ 0‬من مدونة أخالقيات مهنة الطب‪ ،‬وهو ما قضت به محكمة‬
‫النقض الفرنسية‪ ،‬حينما أكدت على أن العرف جرى على اعتبار مرض الزهري من األمراض‬
‫التي يجب على الطبيب أن ال يفشي سرها‪.1‬‬

‫ويربط بعض الفقه إفشاء السر المهني بالضرر الناشئ عنه ويشترط أن يكون ضا ار‬
‫بمصلحة المريض ومن شأنه أن يمس بطمأنينته وشرفه وسمعته‪ .‬وترد على قاعدة السر‬
‫المهني بعض االستثناءات ومنها التبليغ ببعض الجرائم كاإلجهاض وسوء المعاملة ضد‬
‫األطفال والتبليغ عن األمراض المعدية‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬إخالل الطبيب باألصول الفنية والتقنية‬


‫يجب على العمل الطبي أن يكون مطابقا للمسلمات العلمية المتعارف عليها واألصول‬
‫الطبية التي ينبغي مراعاتها‪ ،‬وفي هذا الصدد يمكن أتثار مسؤولية الطبيب في حالة الخطأ‬
‫في التشخيص والعالج ومراقبة المرض وتتبع حالته وتفويت فرصة الشفاء ومخالفة العادات‬
‫الطبية وإجراء العالج بغاية غير الشفاء‪ ،‬وغيرها من األخطاء‪.‬‬

‫أوال‪ :‬الخطأ في الفحص الطبي‬


‫يقصد بالفحص الطبي المرحلة التي تشهد االتصال األول بين المريض والطبيب والذي‬
‫يحاول من خالله هذا األخير التعرف على وضع المريض الصحي والنفسي على النحو الذي‬
‫يساعده على عالجه وشفاءه‪ .‬ويكون الفحص الطبي شامال لألعضاء الرئيسية في الجسم‪،‬‬
‫وبعد االنتهاء من هذا الفحص يكون ذلك نوع من المقاربة في طريقة الكشف والتمحيص عن‬
‫العالمات المحيطة بالمرض في العضو المراد فحصه‪ ،‬علما أن النظر إلى الحالة العامة‬
‫للمريض قد تعطي الكثير من الدالالت للتشخيص‪.‬‬

‫ويشمل الفحص مرحلتين هامتين هما‪ :‬الفحص السرسري والتشخيص‪.‬‬

‫‪1‬قرار محكمة النقض الفرنسية بتاريخ ‪ 3301/11/11‬أورده ذ‪.‬عبد النبوي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.311‬‬

‫‪42‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫أ‪ .‬أثناء الفحص السريري‬


‫يعتبر الفحص السريري بداية الجهد والعمل الذي يقوم به الطبيب‪ ،‬ويتم بفحص الحالة‬
‫الصحية للمريض فحصا ظاهريا‪ ،‬وذلك بمالحظة العالمات والدالئل السريرية كمظهر‬
‫المريض وجسمه‪ .‬وقد يستعين الطبيب في الفحص ببعض اآلالت والمعدات الطبية مثل‬
‫السماعة الطبية وجهاز قياس الضغط‪.‬‬

‫ويتجلى الهدف من الفحص التحقق من وجود دالالت أو ظواهر معينة تساعد الطبيب‬
‫في وضع التشخيص المناسب للمرض‪ .‬ويستطيع الطبيب في حالة عدم القدرة للوصول‬
‫لتشخيص المرض عن طريق األدوات البسيطة أن يلجأ إلى إجراء فحوصات أكثر دقة‬
‫‪1‬‬
‫وعمقا‪ ،‬كالتحاليل الطبية واألشعة والمناظير‪.‬‬

‫وبناء على ما سبق‪ ،‬فإن الفحص السريري يتم على مرحلتين‪:‬‬

‫األولى‪ :‬هي مرحلة الفحص الطبي التمهيدي‪ ،‬وفيها يستعمل الطبيب يده أو أذنه أو‬
‫بعض المعدات البسيطة‪ ،‬وهي ضرورية قبل اللجوء ألي عالج‪.‬‬

‫الثانية‪ :‬وهي مرحلة الفحص الطبي التكميلي‪ ،‬ويقوم من خاللها الطبيب بإجراء‬
‫فحصوات معمقة بواسطة أجهزة حديثة للتعرف على حالة المريض‪ ،‬كالتحاليل وأجهزة‬
‫‪2‬‬
‫التصوير والتخطيط‪.‬‬

‫وتكون هذه المرح لة مترجمة للدالئل المتحصل عليها في الفحص األولي‪ ،‬واستقراء‬
‫نتائجها لوضع التشخيص الدقيق للمرض‪.‬‬

‫ويعد عدم قيام الطبيب بإجراء الفحوصات األولية‪ ،‬قبل البدء في العالج أو الجراحة‬
‫إهماال يمكن أن يثير مسؤوليته‪ .‬وهو ما ذهب إليه القضاء الفرنسي حين اعتبر أن إجراء‬
‫الفحوص الطبية التمهيدية للمريض‪ ،‬يعد أم ار ضروريا قبل اإلقدام على إجراء الجراحة أو‬

‫‪ 1‬أسعد عبيد الجميلي‪" :‬الخطأ في المسؤولية الطبية المدنية‪ ،‬دراسة مقارنة"‪ ،‬عمان دار الثقافة والنشر والتوزيع‪ ،1113 ،‬ص ‪103‬؛ رمضان جمال‬
‫كامل‪" :‬مسؤولية األطباء والجراحين المدنية"‪ ،‬القاهرة‪ ،‬المركز القومي لإلصدارات القانونية‪ 1115 ،‬ص ‪.13‬‬
‫‪2‬هشام عبد الحميد فرج‪" ،‬األخطاء الطبية‪ ،‬اإلسكندرية"‪ ،‬دار الفجر للنشر والتوزيع‪ ،1111 ،‬ص ‪.335‬‬

‫‪43‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫تنفيذ العالج‪ ،‬وأن اإلهمال الواقع من الطبيب في إجراء مثل هذه الفحوص‪ ،‬يشكل خطأ في‬
‫جانبه‪ ،‬تقوم به مسؤوليته‪.‬‬

‫كما ذهب القضاء المغربي في نفس التوجه من خالل مجموعة من األحكام من بينها‬
‫حكم صادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في ‪ 31‬نونبر ‪ 1130‬والذي جاء فيه‪" :‬وحيث إنه‬
‫بالنظر إلى أن البت في الطلب يستوجب بيان مسائل فنية‪ ،‬فقد أمرت المحكمة بإجراء خبرة‬
‫طبية على ابنة المدعي‪ ،‬فخلص الخبير المنتدب بعد فحصه لهذه االخيرة إلى أن المسؤولية‬
‫ثابتة وال جدال فيها منذ دخول السيدة ‪ ....‬إلى المستشفى إلى خروج ابنتها يسرى إلى‬
‫مستشفى األطفال‪ ،‬إذ ال يعقل أن يكون تناقض بين اطباء الحراسة في يوم عيد الفطر‪،‬‬
‫طبيب أمر بإجراء عملية قيصرية وطبيبة أكدت بأن الوالدة يمكن أن تكون عادية‪ ،‬ال وجود‬
‫ألشعة الحوض و ال إيكوغرافيا الجنين التي تعطي فكرة عن وزن الجنين و وضعيته و بذلك‬
‫ال وجود لالحتياطات الالزمة لتفادي مثل هذه الخطورة أثناء الوالدة و أن هناك تسرع في أخذ‬
‫‪1‬‬
‫المبادرة من طرف الطبيبة مما أدى إلى خطأ طبي"‪.‬‬

‫ب‪ .‬خالل مرحلة التشخيص‬


‫يعرف التشخيص بأنه العمل الذي يحدد من خالله الطبيب المرض‪ ،‬وذلك عبر حصر‬
‫خصائصه أعراضه وأسبابه‪ ،‬ويحدد مخاطر حدوث المرض تبعا لحالة المريض‪.2‬‬

‫وتكتسي عملية تشخيص الحالة الصحية للمريض أهمية بالغة‪ ،‬إذ على أساسها يتم‬
‫تحديد طبيعة المرض ووضعه في اإلطار المناسب له‪ ،‬فالتشخيص إذن هو عملية فكرية‬
‫‪3‬‬
‫معقدة‪ ،‬يتم التعرف من خاللها على المرض انطالقا من األعراض التي يعانيها المريض‪.‬‬

‫‪1‬حكم عدد ‪ 5111‬الملف عدد ‪.1131/1331/131‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Bertrand DESARNAUTS, « quelles fautes peuvent entrainer une responsabilité médicale ? », site web :‬‬
‫‪www.eurojuris.fr/particuliers/santé/responsabilité-medical/articles/a7885/html.‬‬
‫‪3‬بسام محتسب بالله‪" ،‬المسؤولية الطبية المدنية والجزائية بين النظرية والتطبيق"‪ ،‬دمشق‪ ،‬دار االيمان‪ ،‬الطبعة االولى‪ ،‬ص ‪303-311‬؛ وإبراهيم‬
‫على حمادي الحلبوسي‪" ،‬الخطأ المهني والخطأ العمدي في إطار المسؤولية الطبية (دراسة قانونية مقارنة)"‪ ،‬بيروت‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪ ،1111 ،‬ص ‪313-319‬؛‬

‫‪44‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫والحقيقة أن مهمة األطباء في التشخيص ليست بالهينة‪ ،‬فكثي ار ما تتشابه األعراض‬


‫المرضية‪ ،‬ويعجز الطبيب عن معرفة التشخيص السليم‪ ،‬بل إن أمهر األطباء وأكبرهم لم‬
‫‪1‬‬
‫يسلموا من الغلط في التشخيص‪ ،‬على الرغم من ممارستهم الطب لسنوات طويلة‪.‬‬

‫والتشخيص متصل بفن الطب وصنعته‪ ،‬فهو ثمرة تفسير شخصي جدا للوقائع‪ ،‬لذلك‬
‫ذهب القضاء الفرنسي إلى أن مجرد الغلط (‪ )L’erreur‬في التشخيص ال يشكل من حيث‬
‫المبدأ خطأ تقوم به مسؤولية الطبيب‪ .2‬وبالتالي ال مسؤولية للطبيب على غلطه في‬
‫التشخيص الذي يقع فيه بالرغم من اتباعه لألصول الفنية‪ ،‬واستعانته بجميع الوسائل الطبية‬
‫المتيسرة‪ ،‬وهذا ما ذهبت إليه محكمة االستئناف بالدار البيضاء في أحد ق اررتها حين اعتبرت‬
‫‪3‬‬
‫أن الغلط في التشخيص ال يعتبر في حد ذاته خطأ من شأنه إقامة مسؤولية الطبيب‪.‬‬

‫كما يجب القول بأن العلوم الطبية ال زالت في تطور مستمر‪ ،‬وأن طرق التشخيص‬
‫والعالج محل خالف بين العلماء‪ ،‬وفي هذا الشأن قضت محكمة النقض الفرنسية بأنه طالما‬
‫كنا بصدد حالة ما زالت محط بحث علمي‪ ،‬فإن الطبيب ال يسأل إذا كان الخطأ في‬
‫كما ال يسأل الطبيب إذا كان الخطأ‬ ‫‪4‬‬
‫التشخيص راجعا إلى مفاضلة رأي علمي على آخر‪.‬‬
‫في التشخيص راجعا إلدالء المريض ببيانات كاذبة‪.‬‬

‫وفي القانون المقارن‪ ،‬اهتم المشرع الفرنسي بالتشخيص كعمل طبي‪ ،‬ورتب في حق من‬
‫يقوم به بشكل غير مشروع المسؤولية الجزائية بالممارسة غير المشروعة للطب‪ ،‬ويكون القيام‬
‫بالتشخيص حسب المادة ‪ L.4161-1‬من مدونة الصحة العمومية الفرنسية من خالل أعمال‬
‫شخصية‪ ،‬استشارات شفوية أو مكتوبة وأي طريقة أخرى كيف ما كانت‪ .5‬ونظ ار ألهمية‬

‫‪1‬عبد السالم التونجي‪" ،‬المسؤولية المجنية –مسؤولية الطبيب في القانون المقارن"‪ ،‬ليبيا‪ ،‬الشركة العامة للنشر والتوزيع واالعالن‪ ،‬الطبعة الثانية‪،‬‬
‫‪ ،3315‬ص ‪155‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Cassation Civile, 04 janvier 1974, B.I n°04 du 12 novembre 1985.‬‬
‫‪3‬قرار عدد ‪ 3/530‬المؤرخ في ‪ 19‬فبراير ‪ 1111‬الصادر في الملف عدد ‪11/9011‬‬
‫‪4‬قرار محكمة النقض الفرنسية المؤرخ في ‪ 13‬ماي ‪ 3311‬نقال عن‪ :‬وفاء حلمي أبو جميل‪ ،‬الخطأ الطبي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار النهضة العربية‪،3391 ،‬‬
‫ص ‪ 51‬؛ صالح عجاج‪ ،‬المسؤولية المدنية للطبيب‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬طرابلس (لبنان)‪ ،‬المؤسسة الحديثة للكتاب‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،1110 ،‬ص‪113‬‬
‫‪5‬‬
‫‪L’article L.4161-1 du Code de la Santé Publique (CSP) dispose que : « Exerce illégalement la médecine :1°‬‬
‫‪Toute personne qui prend part habituellement..., à l’établissement d’un diagnostic… par actes personnels,‬‬
‫‪consultations verbales ou écrites ou par tous autres procédés quels qu’ils soient… ».‬‬

‫‪45‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫التشخيص في الكشف عن األمراض واالصابات الخطيرة‪ ،‬فقد جعله المشرع الفرنسي اجباريا‬
‫‪1‬‬
‫قبل والدة الجنين‪ ،‬وهذا للوقاية من أي خطر يهدد سالمة الحمل والطفل بعد الوالدة‪.‬‬
‫ويرافق هذا التشجيع على استعمال الوسائل والتجهيزات الطبية تحذير هام يخص أعضاء‬
‫السلك الطبي‪ ،‬العمومين والخواص‪ ،‬بعدم اللجوء ألساليب تشخيصية أو عالجية غير مؤكدة‪.‬‬

‫وهكذا يمكن أن تثار مسؤولية الطبيب انطالقا مما يتطلبه القيام بعملية التشخيص تتبع‬
‫البروتوكوالت العالجية الموضوعة‪ ،‬ونذكر على سبيل المثال‪:‬‬
‫‪ .3‬القيام بالفحص بطريقة سطحية وسريعة أو غير كاملة أو عدم استعمال الوسائ‬
‫العملية الحديثة التي اتفق على استخدامها كالسماعة واألشعة والفحص‬
‫المياروساوبي‪ :‬ذهبت محكمة النقض إلى أن سوء التشخيص يعتبر خطأ طبيا موجبا‬
‫للتعويض‪ ،‬إذ جاء في حيثيات أحد ق ارراتها أنه‪...." :‬مع الدكتور‪ ...‬أخصائي أمراض‬
‫العيون في القطاع الخاص أكد أن الضحية أصبح مصابا بالعمى في عينه اليمنى‬
‫الشيء الذي أكده األطباء الذين أشرفوا على العملية التي أجريت على عينه بمستشفى‬
‫االختصاصات بالرباط بعد ذلك لكون العلمية جاءت متأخرة وأن سوء التشخيص أثناء‬
‫الفحص األولي الذي تاله إهمال في عالجه وعدم بذل العناية الالزمة التي تستوجبها‬
‫حالة المصاب من طرف المستشفى المذكور يشكل خطئا مرفقيا في أداء إدارة‬
‫المستشفى على وجه سيء كان هو السبب المباشر في فقدان الضحية لبصره"‪.2‬‬
‫وصرحت نفس المحكمة في قرار آخر إلى أن الطبيب يسأل عن الخطأ في التشخيص‬
‫وفي العالج وفق األصول الطبية المرعية‪.3‬‬

‫‪ .2‬عدم ا ستشارة الطبيب لزمالئه المختصين في المسائ األولية‪ :‬يمكن أن يسأل‬


‫المرفق الصحي عن الضرر الذي لحق أحد مرتفقيه نتيجة عدم قيام الطبيب التابع له‬
‫باستشارة زمالئه من ذوي االختصاص‪ ،‬وقد أقر القضاء المغربي قيام المسؤولية على‬

‫‪1‬‬
‫‪Selon l’article L2131-1 du CSP : « I. Le diagnostic prénatal s’entend des pratiques médicales, y compris‬‬
‫‪l’échographie obstétricale et fœtale, ayant pour but de détection utero chez l’embryon ou le fœtus une‬‬
‫‪affection d’une particulière gravité ».‬‬
‫‪2‬القرار عدد ‪ 951‬الصادر في ‪ 33‬نونبر ‪ 1119‬في الملف عدد ‪.1111/1/0/1113‬‬
‫‪3‬‬
‫القرار عدد ‪ 1/311‬المؤرخ في ‪ 33‬مارس ‪ 1131‬والصادر في الملف عدد ‪.1131/1/3/1111‬‬

‫‪46‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫هذا األساس في مجموعة من النوازل سنتطرق لها بالتفصيل عند مناقشة المسؤولية‬
‫الطبية في طب التوليد‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الخطأ الطبي في العالج‬


‫ينتقل الطبيب بعد االنتهاء من عملية التشخيص إلى مرحلة تحديد العالج المناسب‬
‫بغية تحقيق الشفاء ما أمكن‪ ،‬باعتبار حق المريض في العالج مسألة جوهرية‪ ،‬ومن الحقوق‬
‫األساسية لإلنسان‪ ،‬كحقه في الحياة والسالمة الجسدية‪ ،‬ولذلك تعتبر مرحلة العالج المرحلة‬
‫الحاسمة والجوهرية بالنسبة للمريض بعد إجراء التشخيص المناسب‪.1‬‬

‫ويعرف العالج بأنه الوسيلة التي يختارها الطبيب‪ ،‬والمؤدية للشفاء من المرض أو الحد‬
‫من أخطاره أو التخفيف من اآلالم الناتجة عنه‪ ،‬سواء بتخفيفها أو القضاء عليها‪ .‬ويقتضي‬
‫الحديث عن العالج تناوله من خالل مرحلتين أساسيتين وهما وصف العالج ثم تنفيذه‪.‬‬

‫أ‪ .‬وصف العالج‬


‫يتجه الطبيب بعد التشخيص السليم للمرض إلى وصف العالج المالئم للقضاء عليه أو‬
‫التخفيف منه بحسب حالة المريض الصحية ووضعه الجسماني‪.‬‬

‫ويتمتع الطبيب في هذا اإلطار بالحرية في اختيار العالج األنسب للمريض‪ ،‬وهي‬
‫مسألة أساسية ينبغي احترامها من جانب القضاء‪ ،‬نظ ار لكون مهنة الطب كغيرها من المهن‬
‫الحرة تتميز بوجود المبادرة الشخصية كسمة بارزة لها‪ ،‬فضال عن أن عامل التخمين يلعب‬
‫دو ار هاما في هذا المجال‪.2‬‬

‫وعادة ما يحرر الطبيب العالج المتوصل إليه بعد التشخيص في الوصفة الطبية‪ ،‬التي‬
‫تعرف بأنها‪" :‬وثيقة مكتوبة‪ ،‬يحررها الطبيب المعالج تتضمن تحديد حالة المريض انطالقا‬
‫من عملية ا لتشخيص‪ ،‬أو تحديد تنظيم معين يقتضي على المريض اتباعه أو وصف أدوية‬
‫لعالج الداء الذي يعاني منه هذا األخير"‪.3‬‬

‫‪1‬عبد الرشيد مأمون‪ ،‬عقد العالج بين النظرية والتطبيق‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،3391 ،‬ص‪.130‬‬
‫‪2‬قيس بن محمد آل الشيخ مبارك‪ ،‬التداوي والمسؤولية الطبية في الشريعة اإلسالمية‪ ،‬دمشق‪ ،‬دار الفارابي‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،1111 ،‬ص‪.305‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Louis Melennec et Gérard Memeteau, Traité de droit médical, Tome 6, Paris, Edition Maloine, 1982, p83.‬‬

‫‪47‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ويجب أن تظهر الوصفة الطبية بوضوح كافة االلتزامات المفروضة على الطبيب في‬
‫مجال العمل الطبي‪ :‬تشخيصا‪ ،‬واختيا ار للعالج‪ ،‬ومطابقة لمعطيات العلم المتوفرة‪ ،‬فضال عن‬
‫ضرورة احتوائها على كافة المعطيات القانونية‪ ،‬ألنها تعتبر وثيقة إثبات للعالقة القائمة بين‬
‫المرفق الصحي والمريض‪ ،‬وهي بذلك تساهم في تخفيف عبء االثبات لمن هو مطالب به‪،‬‬
‫في حالة تضمينها للمعلومات الالزمة‪.‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أنه‪ ،‬ومع إمكانية استخدام الطبيب ألساليب جديدة في ظل ما تكفله‬
‫له الحرية العالجية‪ ،‬فإنه ال يجوز له أن يقوم بتجربة طريقة جديدة وغير آمنة في العالج أو‬
‫غير معروفة النتائج شكل جازم‪.‬‬

‫ب‪ .‬تنفيذ العالج‬


‫يبدأ الطبيب‪ ،‬بعد أن يشخص المرض ويستقر على العالج المالئم والموصوف له‪ ،‬في‬
‫مباشرة العالج‪ ،‬وهي مرحلة نهائية وذات أهمية بالغة‪.‬‬

‫وقد يكون تنفيذ العالج بسيطا‪ ،‬يشترك فيه المريض مع الطبيب‪ ،‬كأن يصف له دواء‬
‫ويوجهه لطريقة استعماله‪ .‬كما قد يكون العالج أصعب من ذلك بـأن يشمل القيام بالعمليات‬
‫الجراحية‪ ،‬وما تستلزمه من ضرورة قيام الطبيب بواجبه بكل دقة من الفحص إلى التشخيص‪،‬‬
‫وصوال إلى إجراء العملية‪.‬‬

‫وحيث إذا ما كان النشاط الطبي تدخال جراحيا‪ ،‬فإن طبيب القطاع العام يكون ملزما‬
‫بضمان سالمة المريض ألن أي إخالل بهذا االلتزام قد يرتب قيام مسؤولية المرفق الصحي‬
‫حسبما جاء في قرار لمحكمة النقض‪" :‬لكن حيث إن محكمة االستئناف لما تبين لها من‬
‫خالل تقرير الخبرة أنه كان على الطبيب المعالج قبل أن يقوم بالبتر الجزئي للم اررة أن يقوم‬
‫بعلمية تشخيص راديولوجي وتفريغ محتواها ووضع قناة لتصريف اإلف ارزات خارج الجسم وأن‬
‫العملية التي قام بها الطبيب المذكور لم تكن ضرورة وأن حالة الضحية لم تكن تستدعي ذلك‬
‫واستن تجت بأن عدم قيام الطبيب بما يجب وتقصيره في بذل العناية الالزمة تسبب في تضرر‬

‫‪48‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المطلوب في النقض باضطرارها إلى إجراء عملية ثانية ورتبت على ذلك قيام مسؤولية‬
‫‪1‬‬
‫المرفق العام لثبوت الخطأ والضرر والعالقة السببية بينهما‪."...‬‬

‫كما جاء في حكم للمحكمة اإلدارية بوجدة‪" :‬وحيث يتمثل الخطأ الواضح في نازلة‬
‫الحال من جانب الطبيب الجراح بالمستشفى ‪ ،...‬حيث أجريت العملية المدعية في عدم‬
‫ضمانه سالمة المريضة ونسيان اإلبرة في لسانها وهو ما أكده الخبير في تقرير الخبرة مما‬
‫يجعل المسؤولية الطبية قائمة في مواجهة المستشفى اإلقليمي ‪ ...‬التابع لو ازرة الصحة‬
‫‪2‬‬
‫العمومية طبقا لمقتضيات الفصل ‪ 13‬من ق‪.‬ل‪.‬ع"‪.‬‬

‫كما قد يأخذ الخطأ في تنفيذ العالج شكل عدم اتخاذ االحتياطات القبلية الالزمة‬
‫السابقة على التدخل الجراحي‪ ،‬مما يرتب مسؤولية المرفق الصحي‪ ،‬وفي هذا الصدد نستشهد‬
‫بقرار محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط والذي جاء فيه‪" :‬وحيث إنه اعتبا ار لهذه المبادئ‬
‫والقواعد التي أقرها االجتهاد القضائي وانطالقا من العناصر والمعطيات التي أفرزها تقرير‬
‫الخبرة بأن الهالكة أجريت لها عملية جراحية على خراج الزائدة الدودية إال أنه كان يستوجب‬
‫إجراء عملية قبلية من أجل الصرف مع العالج بالمضادات الحيوية قبل القيام بعملية‬
‫استئصال الزائدة‪ ،‬وبالتالي واستنادا على التقرير المذكور يكون الطاقم الطبي الذي أشرف‬
‫على العملية التي أجريت للهالكة قد ارتكب خطأ بعدم اتخاذ االحتياطات الالزمة السابقة‬
‫للعملية المذكورة مما أدى إلى وفاتها"‪.3‬‬

‫ثالثا‪ :‬مسؤولية المرفق الصحي خالل المرحلة الالحقة على وصف العالج‬
‫يتمثل عمل الطبيب في مرحلة ما بعد العالج في مراقبة المريض ومتابعته‪ ،‬خصوصا‬
‫إذا كان العمل جراحيا‪ .‬وتعتبر الرقابة الطبية من أهم مراحل التدخل الطبي‪ ،‬لما يترتب عليها‬
‫من تحقيق سليم للوصول إلى شفاء المريض‪ ،‬وخاصة بعد إجراء العمل الجراحي‪ ،‬إذ يتوقف‬
‫حسن وسالمة رقابة المريض على نجاح أو فشل العمل الطبي السابق برمته‪.‬‬

‫‪1‬قرار محكمة النقض عدد ‪ 03‬المؤرخ في ‪ 31‬يناير ‪ 1131‬والصادر في الملف رقم ‪.1113/1/0/113‬‬
‫‪2‬الحكم عدد ‪ 90‬المؤرخ في ‪ 11‬فبراير ‪ 1131‬في الملف عدد ‪.1/31/15‬‬
‫‪3‬قرار محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط عدد ‪ 399‬بتاريخ ‪ 11‬مارس ‪ 1130‬في الملف عدد ‪.1/31/153‬‬

‫‪49‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫أ‪ .‬الراابة الطبية بعد العالج‬


‫ال تنتهي مهمة الطبيب في القيام بالجراحة وإعطاء العالج ولكن يجب تتبع حالته‬
‫واتخاذ االحتياطات الالزمة لمنع األخطاء المادية التي قد تلحق بالمريض كسقوطه من سريره‬
‫أو محاولة انتحاره أو إصابته داخل المستشفى‪.‬‬

‫كما قد يحدث أن يكون عالج المريض مستوجبا لمتابعة طبية‪ ،‬ال سيما مع استعمال‬
‫أدوية مؤثرة أو خطيرة أحيانا‪ ،‬إذ إن عدم قيام الطبيب بالمتابعة بعد هذا الوصف يعتبر خطأ‬
‫يرتب مسؤوليته‪.1‬‬

‫ومن التطبيقات ا لقضائية المعروفة على هذا الصعيد ما قررته محكمة ‪ Poitiers‬من‬
‫إدانة الطبيب المتسبب بوفاة سيدة‪ ،‬بعد أن وصف لها عالجا خطي ار دون إجراء فحص سابق‬
‫وبدون متابعة مباشرة لآلثار العالج الموصوف‪ .2‬كما توسع القضاء الفرنسي في تحديد‬
‫مضمون التزام الطبيب بالمراقبة بأن أدانه لعدم التأكد بنفسه من متابعة العالج وتنفيذ‬
‫المريض للتعليمات التي أصدرها له‪.3‬‬

‫ب‪ .‬الراابة الطبية بعد التدخ البراحي‬


‫ال يتوقف التزام الطبيب عند إتمام التدخل الجراحي فحسب‪ ،‬بل يمتد إلى وجوب متابعة‬
‫المريض حتى يصحو من غيبوبته ويتخلص من أثر المخدر‪ .‬ذلك أن إهمال المريض على‬
‫هذا الصعيد من العالج‪ ،‬قد ينطوي على نتائج وخيمة على المريض‪ .‬كما أن مضاعفات‬
‫التدخل الجراحي غالبا ما تظهر بعد انتهاء الطبيب من العمل الجراحي‪ ،‬إذ لوحظ عمليا أنه‬
‫ناد ار ما تقع وفيات المرضى المعالجين جراحيا فوق طاولة الجراحة‪ ،‬بل إنه كثي ار ما كانت‬
‫بعيده‪ .‬وقد ذ هبت محكمة النقض الفرنسية إلى أن مرحلة االشراف والرقابة تستمر لغاية‬
‫استعادة المريض وعيه وكامل وظائف جسمه الحيوية‪ ،4‬على إعتبار أن الطبيب ملزم باتباع‬

‫‪1‬منير رياض حنا‪ ،‬المسؤولية المدنية لألطباء والجراحين‪ ،‬دار الفكر الجامعي اإلسكندرية‪ ،1119 ،‬ص‪.133‬‬
‫‪2‬محمد سامي الشوا‪ ،‬الخطأ الطبي أمام القضاء الجنائي‪ ،‬دراسة مقارنة في القضاءين المصري والفرنسي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار النهضة العربية‪،3331 ،‬‬
‫ص ‪.30‬‬
‫‪3‬المحكمة االبتدائية بتولوز‪ ،‬بتاريخ ‪ 13‬يونيو ‪ ،3311‬ذكره محمد الشوا‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.35‬‬
‫‪4‬قرار محكمة النقض الفرنسية بتاريخ ‪ 33‬أبريل ‪ ،3390‬أورده‪ :‬أحمد حسن الحياري‪ ،‬المسؤولية المدنية للطبيب في ضوء النظام القانوني األردني‬
‫والنظام القانوني الجزائري‪ ،‬عمان‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،1119 ،‬ص ‪.315‬‬

‫‪50‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫األصول العلمية الثابتة‪ ،‬وقد قضت محكمة االستئناف بباريس بأن طبيب اإلنعاش والتخدير‬
‫مكلف بمراقبة المريض بعد العم لية ليس إلى حين استشفائه ولكن إلى حين استرجاع وظائفه‬
‫الحيوية وعلى األخص وظيفة األمعاء‪.1‬‬

‫هذا‪ ،‬وبعد أن تعرفنا على معيار الخطأ الطبي وصوره‪ ،‬نتساءل عن موقف القضاء من‬
‫المسؤولية الطبية في القطاع العام‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬طبيعة المسؤولية الطبية‬


‫ينبغي لتحديد طبيعة المسؤولية اإلدارية لمرافق الصحة العمومية تعيين األسس التي‬
‫ترتكز عليها‪ ،‬إذ تعتبر المسؤولية اإلدارية التي تجعل من عنصر الخطأ مركز الثقل األولى‬
‫في الظهور‪ ،‬في حين كانت المسؤولية من دون خطأ الحقة من خلق القضاء‪.‬‬

‫ويجب التذكير بأن المشرع المغربي لم يدخل أي تغييرات على طبيعة ومضمون‬
‫النصوص القانونية التي نظمها قانون االلتزامات والعقود الصادر سنة ‪ 3331‬باعتبارها قواعد‬
‫عامة خاصة بالمسؤولية بناء على خطأ وبالخصوص الفصل ‪ 13‬منه‪ ،‬في حين أصدر‬
‫بعض النصوص المتفرقة بعد االستقالل والتي تنظم شروط مزاولة مهنة الطب باإلضافة إلى‬
‫سلوكيات الطبيب مثل الظهير المنظم لمزاولة مهنة األطباء‪ ،‬دون أن يهتم بما قد يلحقه‬
‫األطباء من أضرار بالمرضى أثناء السهر على مداواتهم وعن إمكانية تعويضهم عنها في‬
‫حالة ارتكابهم لخطأ ما من خالل نصوص قانونية صريحة‪.‬‬

‫وبخصوص المسؤولية اإلدارية المؤسسة على مقتضيات الفصل ‪ 13‬من قانون‬


‫االلتزامات والعقود فقد سبق لمحكمة النقض التأكيد على أنه ال بد من التمييز بين حالتين‪:‬‬
‫األولى تتعلق بالمسؤولية بدون خطأ وقد تم التنصيص عليها من خالل العبارة األولى من‬
‫الفصل المذكور‪ ،‬وهي أن الدولة والبلديات مسؤولة عن األضرار الناتجة مباشرة عن سير‬
‫إدارتها‪ .‬أما الحالة الثانية فتشملها العبارة األخيرة من نفس الفصل وتتعلق بالمسؤولية بناء‬
‫على الخطأ‪ .‬فقد جاء في أحد ق اررات محكمة النقض‪" :‬إن مسؤولية الدولة عن األضرار‬
‫الناشئة مباشرة عن سير إدارتها تخضع لمقتضيات الفصل ‪ 13‬من ق‪.‬ا‪.‬ع وترتب هذه‬

‫‪1‬‬
‫حكم محكمة االستئناف بباريز بتاريخ ‪.1111/11/31‬‬

‫‪51‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المسؤولية عن تسيير مصالح اإلدارة ولو بدون خطأ وال يعفى من هذه المسؤولية إال إذا أثبت‬
‫أن الضرر رجع إلى خطأ المضرور أو القوة القاهرة "‪ .1‬وفي قرار آخر لنفس المحكمة جاء‬
‫فيه‪ " :‬أن الدولة مسؤولة عن األضرار الناتجة عن تسيير إدارتها مسؤولة مبنية على فكرة‬
‫المخاطر وليس على عنصر الخطأ ويكفي لقيام مسؤولية الدولة المبنية على نظرية المخاطر‬
‫في إطار الفصل ‪ 13‬من ق‪.‬ا‪.‬ع وإثبات العالقة المبنية دونما حاجة إلثبات الخطأ"‪.2‬‬

‫غير أن هذه المحكمة عدلت عن هذا التوجه في قرار آخر وأوضحت أن مسؤولية‬
‫الدولة طبقا للفصل ‪ 13‬ال تفترض وإنما البد من إثبات الخطأ المصلحي المنسوب إلى أحد‬
‫موظفيها وأن الملف خال مما يفيد فيه الخطأ المصلحي إلى الهيئة الطبية‪ .3‬لذلك ومن خالل‬
‫تتبع أحكام القضاء في فترة ما بعد االستقالل وقبل إنشاء المحاكم اإلدارية نجد أن محكمة‬
‫النقض كسائر محاكم الموضوع خالل هاته الفترة تتأرجح بين نظرية المخاطر والخطأ‬
‫المرفقي‪.‬‬

‫وهكذا سنتطرق لطبيعة المسؤولية الطبية اإلدارية من خالل مناقشة المسؤولية المرتكزة‬
‫على الخطأ والمسؤولية في إطار نظرية المخاطر‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬المسؤولية لناء على الخطأ الطبي‬


‫يعتبر الخطأ الطبي صورة من صور الخطأ بوجه عام‪ ،‬وقد وردت بشأن تعريفه العديد‬
‫م ن التعريفات من بينها كونه كل مخالفة واقعة من الطبيب إللتزاماته العامة أو الخاصة التي‬
‫تفرضها ممارسة مهنة الطب‪ .‬كما عرفه األستاذ محمد عبد النباوي بأنه‪" :‬االخالل بالتزام‬
‫سابق يقع من شخص بصفته طبيبا خالل ممارسته لألعمال الطبية أو بمناسبة ممارستها ال‬
‫يرتكب طبيب يقظ متبصر يوجد في نفس الظروف الخارجية"‪.4‬‬

‫في حين عرفته محكمة النقض بأنه‪" :‬كل نشاط سواء بالفعل أو الترك‪ ،‬ال يتفق مع‬
‫القواعد المهنية وينتج عنه ضرر‪ ،‬ويقصد به أي نشاط أو عمل طبي مقدم للمريض يخرج‬

‫‪1‬قرار محكمة النقض عدد‪ 00‬بتاريخ ‪ 3313/11/11‬بالملف المدني عدد ‪.01111‬‬


‫‪2‬‬
‫قرار محكمة النقض عدد ‪ 051‬بتاريخ ‪.3319/33/31‬‬
‫‪3‬‬
‫قرار محكمة النقض بتاريخ ‪ 3330/1/1‬بالملف عدد ‪. 1133‬‬
‫‪4‬محمد عبد النبوي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.315‬‬

‫‪52‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫عن المألوف والقواعد الطبية المتبعة والمألوفة في المهنة واالختصاص وينتج عنه ضرر‬
‫للمريض بسبب هذا العمل الطبي أي يرتبط بعالقة سببية‪ ،‬وقد يكون الخطأ فنيا"‪.1‬‬

‫وينطوي الخطأ الطبي وفقا للقواعد العامة على ركنين أولهما مادي قوامه التعدي الذي‬
‫يتحقق بإتيان تصرف عمل إيجابي أو سلبي يخل بالتزام معين‪ ،‬أما ثانيهما فهو اإلدراك‬
‫المتربط بالتمييز‪.‬‬

‫ويشمل خطأ الطبيب بوجه عام خروجه عن القواعد واألصول العلمية الطبية التي‬
‫تفرضها عليه مهنته‪ 2،‬والذي ينبغي تمييزه عن الغلط الذي يمكن أن يصدر من أي طبيب‬
‫ويتصور وقوعه في مرحلة التشخيص كما سلف الذكر طالما أن هناك بعض األمراض التي‬
‫تتشابه من حيث األعراض ومن ثم فإنه ال يشكل في حد ذاته خطأ طالما لم ينم عن جهل‬
‫جسيم بأصول وقواعد المهنة‪.3‬‬

‫أوال‪ :‬الخطأ الواجب االثبات‬


‫فكما سبقت اإلشارة إلى ذلك فإن األصل أن التزام الطبيب هو التزام ببدل عناية وليس‬
‫التزام بتحقيق نتيجة‪ ،‬وذلك ألن العمل الطبي ذو طبيعة احتمالية‪ ،‬فالطبيب غير ملزم بشفاء‬
‫المريض بل فقط ببذل الجهود الصادقة اليقظة المتفقة‪ -‬في غير الظروف االستثنائية‪ -‬مع‬
‫األصول المستقرة في علم الطب‪ ،‬وذلك في سبيل عالج مريضه‪ ،‬فيسأل عن كل تقصير في‬
‫سلوكه ال يقع من طبيب يقظ في مستواه المهني وجد في نفس الظروف الخارجية التي‬
‫أحاطت به‪.4‬‬

‫وق د كان القضاء المغربي سباقا إلى تأصيل بعض األحكام المتعلقة بالمسؤولية الطبية‪،‬‬
‫كانت أولها تلك المتعلق بقضية السيدة ‪ Garnier‬ضد الدكتور ‪ Comte‬التي صدر بشأنها‬
‫قرار لمحكمة االستئناف بالرباط‪ ،‬اعتبر التزام الطبيب التزاما فقط بالتعهد باستخدام الوسائل‬

‫‪1‬قرار محكمة النقض ‪ 1/101‬المؤرخ في ‪ 11‬أكتوبر ‪ 1135‬والصادر في الملف عدد ‪.1130/1/3/1330‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Jean-Jacque Thouroude, Pratique de la responsabilité hospitalière publique, L’Harmattan, 2001, p172.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Bouchardon Laurent : « La responsabilité des acteurs publics de santé », Ecole des Hautes Etudes en Santé‬‬
‫‪Publique, 2010, p24.‬‬
‫‪ 4‬عبد الرزاق أحمد السنهور‪ :‬الوجيز في النظرية العامة‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬منشأة المعارف اإلسكندرية‪ ،‬طبعة ‪ ،1110‬ص ‪.953‬‬

‫‪53‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المالئمة لتحقيق نتيجة معينة دون ضمان الشفاء‪ ،1‬وقد ترسخ هذا الموقف من خالل قضية‬
‫الطبيب صنديد‪.2‬‬

‫وعلى الرغم من كل ما سبق لم تكن عملية تقدير الخطأ الطبي مستقرة على معايير‬
‫محددة‪ ،‬بل عرفت في مرحلة أولى اعتماد التفرقة بين العمل الطبي والعمل العالجي من‬
‫خالل معيار الخطأ البسيط والخطأ الجسيم‪ ،‬أما المرحلة الثانية فعرفت التخلي عن هذا‬
‫التقسيم‪.‬‬

‫وهكذا يكون العمل طبيا متى أنجز من أشخاص محددين هم الطبيب أو الجراح أو أي‬
‫تقني آخر تحت اشرافهما أما العمل العالجي فهو الذي ينسب إلى أشخاص غير الذين‬
‫ذكروا‪.‬‬

‫ويتبين من التقسيم أعاله أنه استند إلى معيار عضوي يتعلق بصفة القائم بالعمل‪،‬‬
‫ويترتب عنه أن الخطأ المترتب عن العمل الطبي ال يكون إلى جسيما لعدة اعتبارات منها أن‬
‫األخذ باألخطاء البسيطة يؤدي إلى عرقلة نشاط اإلدارة‪.‬‬

‫وقد سلك القضاء المغربي نفس التقسيم ورتب عليه ذات النتائج بناء على تأويل معين‬
‫على امتداد الفترة الممتدة من سنة ‪ 3301‬إلى سنة ‪ 3319‬متأث ار ببعض الفقه الفرنسي‬
‫المعني بالقانون اإلداري بالمغرب‪.3‬‬

‫ومن أمثلة األخطاء الجسيمة في هذا الصدد تشخيص األمراض بناء على مالحظات‬
‫غير كافية أو تشخيصها بشكل متأخر وقيام غير الطبيب بإجراء عملية جراحية‪.‬‬

‫ويعد العمل ا لعالجي بخالف العمل الطبي‪ ،‬عمال تطبيقيا روتينيا ال يتطلب معلومات‬
‫نظرية كبيرة‪ ،‬بل قد ينجزه تقني عادي وبسيط ينتمي إلى السلك شبه الطبي كالممرض مثال‪.‬‬

‫‪1‬قرار محكمة االستئناف بالرباط الصادر بتاريخ ‪ 13‬يناير ‪ 3301‬والمنشور في ‪ GMT‬لسنة ‪ ،3301‬ص ‪.11‬‬
‫‪2‬قرار محكمة االستئناف بالرباط الصادر في الملف ‪ 99/1113‬والصادر بتاريخ ‪ 13‬مارس ‪.3391‬‬
‫‪3‬أحمد ادريوش‪" ،‬مسؤولية مرافق الصحة العمومية"‪ ،‬سلسلة المعرفة القانونية" ص ‪.30‬‬

‫‪54‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وبما أن العمل العالجي يبدو تبعا لما سبق عمال بسيطا فإن الخطأ المتطلب لقيام‬
‫المسؤولية عنه ال يكون سوى الخطأ البسيط وذلك من قبيل‪:‬‬
‫‪ ‬استعمال دواء خاطئ أو دون تجريب مسبق؛‬
‫‪ ‬أخطاء الحقن؛‬
‫‪ ‬استعمال شخص غير مؤهل لضمادات ساخنة لفائدة مريض أدت إلى حروق؛‬
‫‪ ‬إفراغ الممرضة لسائل كيماوي على يد المريض‪.‬‬

‫غير أن القضاء ما لبت أن تراجع عن التقسيم السالف الذكر بما يفضي إليه من تطلب‬
‫جسامة الخطأ المعني على المرافق الصحي العمومي لألسباب التالية‪:‬‬
‫‪ ‬صعوبة تحديد مفهوم الخطأ الجسيم بناء على معايير دقيقة تتطلب من القاضي‬
‫الخوض في مجال علمي وتقني يفتقر إلى أسس فهمه رغم استعانته بالخبرة‬
‫الطبية؛‬
‫‪ ‬وجوب تحقيق المساواة بين المضرورين ألن ضحايا العمل الطبي يكونون أقل‬
‫حظا من نظرائهم من ضحايا العمل العالجي؛‬
‫‪ ‬إن إعتماد هذا التقسيم يؤدي على تشجيع األطباء على اإلهمال؛‬
‫‪ ‬صعوبة إثبات الخطأ الطبي من جانب المضرور في ظل التطور العلمي‬
‫والتقني الذي بلغه الطب‪.‬‬

‫وهكذا عرف إذن اثبات الخطأ الطبي الجسيم مجموعة من الصعوبات‪ ،‬التي لم تكن في‬
‫صالح ضحايا األخطاء الطبية‪ ،‬بقدر ما كانت تعفي المرفق الصحي من المسؤولية وذلك‬
‫بسبب غياب معيار لتحديد الجسامة‪ ،‬فالخطأ الجسيم قد ينتج عنه أضرار جسيمة‪ ،‬وقد ال‬
‫ينتج عنه أي ضرر‪.‬‬

‫وانطالقا مما سبق‪ ،‬فضل القضاء التحول في اتجاه اعتماد معيار الخطأ البسيط للقول‬
‫بقيام مسؤولية المرفق الصحي العمومي الذي يتجلى بشكل أعم فيما أصبح القضاء يعتبره‬
‫سوء تنظيم عمل المرفق الصحي سواء تعلق األمر بعمل طبي أو عالجي‪ ،‬وهذا ما استقر‬
‫عليه القضاء‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وعليه فإن مسؤولية مرفق الصحة العام تقوم من الناحية المبدئية إذا كان الخطأ بسيطا‬
‫واضحا وليس احتماليا يتعلق بالتنظيم السيء للمرافق الصحة العمومية والذي يعتبر حسب‬
‫الفقه نوعا من األخطاء المرفقية‪ .1‬ومع ذلك فإن هذه األخطاء تختلف تماما عن األخطاء‬
‫المرتبطة بالنشاط الطبي كونها من األعمال المادية والطبية الصادرة عن األطباء أنفسهم أو‬
‫عن الممرضين‪ ،‬أما األخطا ء المتعلقة بسوء التنظيم فتنشأ في حالة قيام ضرر عن كل عمل‬
‫ال يمكن اعتباره عمال طبيا‪ 2‬والذي يرجع باألساس إلى أسباب عديدة منها‪:‬‬
‫‪ ‬سوء تنظيم األماكن‪3‬؛‬
‫‪ ‬استعمال أدوات غير صالحة؛‬
‫‪ ‬نقص في الحراسة أو عدم كفايتها؛‬
‫‪ ‬اإلهمال مثل معالجة ضحية حادثة مرور في قاعة مخصصة لمصابين‬
‫بأمراض معدية؛‬
‫‪ ‬التأخير في تبليغ الجراح عن تدهور حالة المريض؛‬
‫‪ ‬غياب مساعدين مؤهلين؛‬
‫‪ ‬نقص المراقبة؛‬
‫‪ ‬اختطاف طفل حديث الوالدة من مصلحة التوليد؛‬
‫‪ ‬هروب مريض عقلي واض ارره بالغير؛‬
‫‪ ‬إصابة المرضى بالعدوى‪.‬‬

‫ويمكن القول على العموم أن الخطأ على هذا الصعيد يتسم بما يلي‪:‬‬

‫‪1‬سليمان الطماوي‪" :‬القضاء اإلداري"‪ ،‬الكتاب الثاني‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬مصر ‪ ،3311‬ص ‪.313‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Moreau Devillier Jaquelin : « La responsabilité administrative », PUF, 1996, p178.‬‬
‫‪3‬فقد جاء في قرار محكمة النقض عدد ‪ 311‬المؤرخ في ‪ 11‬فبراير ‪ 1131‬الصادر في الملف عدد ‪" : 1131/3/0/331‬لكن حيث إن المحكمة‬
‫لما تبين لها من وثائق الملف أن الخبرة المأمور بها أفادت بأن البئر الذي سقط فيه الضحية الهالك تقع خلف المستشفى المحلي لتافراوت وعلى‬
‫جزء من الملك التابع لهذا األخير والجاري في ملكية الدولة واألمالك المخزنية (أمالك الدولة)‪ ،‬وإن الساحة التي توجد بها تلك البئر غير مسيجة‬
‫ومفتوحة في وجه العموم‪ ،‬واعتبرت تبعا لذلك أن مسؤولية الدولة قائمة بالنازلة بمقتضى الفصل ‪ 13‬من قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬وتعطي للوالدين‬
‫(المطلوبين في النقض) الحق في طلب تعويضهما عن األضرار المعنوية الالحقة بهما من جراء وفاة ابنهما الهالك‪ ،‬تكون قد بنت قضائها على‬
‫أساس سليم من القانون‪ ،‬وعللت قرارها تعليال كافيا‪ ،‬والسيما وأن مسؤولية الدولة بنازلة الحال هي مسؤولية مفترضة وأن تقدير التعويض يرجع إلى‬
‫السلطة التقديرية لقضاة الموضوع وما بدا بالوسيلة على غير أساس"‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪ ‬بأنه ليس خطأ جسيما‪ ،‬بقدر ما يمكن اعتباره خطأ بسيطا‪ ،‬ومع ذلك فإن‬
‫الخطأ الطبي ليس من شأنه أن يجعل التزام الطبيب التزاما بنتيجة‪ ،‬بل يظل‬
‫دائما التزام بعناية‪.‬‬
‫‪ ‬الخطأ الطبي خطأ خاص ‪ ،Faute spécifique‬فهو وإن كان خطأ بسيطا‪ ،‬إال‬
‫أنه يتم تقديره وفق "لقوانين الطب"‪ ،‬وال يمكن قياسه على غيره من األخطاء‪،‬‬
‫ويظل ممي از‪-‬على سبيل المثال‪ -‬عن الخطأ في تنظيم وتسيير المرفق‪.‬‬

‫وفي األخير البد من اإلشارة إلى أنه رغم إقرار القضاء اإلداري بالخطأ الجسيم للطبيب‬
‫فإنه يستبعد تطبيق الفصل ‪ 91‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬وال يحمل الطبيب المسؤولية الشخصية عن خطئه‬
‫الجسيم إال في حاالت نادرة جدا‪ ،‬بل إنه يلجأ إلى إلباس المسؤولية الشخصية المسؤولية‬
‫اإلدارية على الرغم من توفر عناصر المسؤولية الشخصية‪ ،‬والمثال على ذلك حكم المحكمة‬
‫اإلدارية بالرباط بتاريخ ‪ 1111/10/39‬في قضية استئصال أجزاء سليمة في المعدة والبلعوم‬
‫نتيجة تشخيص خاطئ من الطبيب‪ .‬وفي حالة أخرى‪ ،‬ذهبت المحكمة اإلدارية بالرباط في‬
‫حكمها عدد ‪ 3011‬إلى القول‪" :‬إن قيام الطبيب أثناء العملية الجراحية ببتر م اررة المدعية‬
‫بالرغم من كونها سليمة عوض العضو المصاب بالورم شكل خطا واضحا موجبا مساءلة‬
‫المرفق الصحي"‪.1‬‬

‫وعلى الرغم من أن األمر يتع لق بخطأ شخصي فإن المحكمة ألبسته لباس المسؤولية‬
‫اإلدارية‪ ،‬وهذا االتجاه من شأنه أن يؤدي إلى تمادي العاملين بالمرفق الصحي في اإلهمال‬
‫والتقصير إلحساسهم المسبق كونهم محميين بغطاء المسؤولية اإلدارية للدولة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الخطأ المفترض‬


‫ضاعف التطور الذي شهده الطب الحديث من صعوبة إثبات انحراف المرفق الصحي‬
‫العمومي عن االحكام القانونية التي تنظم عمله‪ ،‬وذلك على نحو ولد مخاطر عديدة للمرضى‬
‫مع وسائل العالج التي أضحت أكثر تعقيدا‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫قضية المعروفي ضد المركز االستشفائي ابن سينا‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وقد اهتدى القاضي اإلداري‪ ،‬مواكبة لهذا التطور‪ ،‬إلى إرساء دعائم جديدة لتحكم‬
‫المسؤولية عن االعمال الطبية سعى من ورائها إلى إعفاء المريض من عبء اثبات الخطأ‬
‫في حدود معقولة تستجيب لمتطلبات العدالة وما تقتضيه من توزيع متساو للمخاطر بين‬
‫الطرفين‪.‬‬

‫وفي هذا السياق تبدو نظرية الخطأ المفترض امتدادا للشروط الكالسيكية المتطلبة لقيام‬
‫المسؤولية أمام القضاء اإلداري من حيث االعتماد الدائم على عنصر الخطأ كمركز ثقل في‬
‫أية معالجة للمنازعة المتعلقة بمسؤولية مرافق الصحة العمومية‪.‬‬

‫وتتميز نظرية الخطأ المفترض عن الخطأ الواجب االثبات في كونها تقود إلى تقرير‬
‫مسؤولية المرفق الصحي عن طريق االستنتاج وبمجرد وقوع الضرر خالفا للقواعد العامة‬
‫التي تتطلب من المدعي اثبات خالف الوضع الظاهر‪.1‬‬

‫ويتم من خالل االستنتاج إعادة توزيع عبء االثبات بكيفية مفترضة من خالل قرائن‬
‫قضائية تحقق نقال لمحل االثبات يتم بجعل وجود الوقاعة المتنازع بشأنها رهينا بوجود واقعة‬
‫أخرى‪.2‬‬

‫وقد أخذ القضاء اإلداري بالقرائن في مجال اثبات الخطأ الطبي‪ ،‬حيث جاء في قرار‬
‫لمحكمة النقض صادر بتاريخ ‪ 31‬يناير ‪" :1115‬وأن األخير (الطبيب) لم يثبت أن العضو‬
‫الذي باشره بالعملية الجراحية المذكورة لم يكن قبل ذلك يؤدي وظيفته األساسية‪ ،‬كما لم يثبت‬
‫أن تعطيل ذلك العضو عن وظيفته لم يكن بسبب العملية الجراحية وإنما بفعل أسباب أخرى‬
‫خاصة وأن عدم استبعاد حصول التعقيدات المؤدية إلى فقدان البصر خالل العملية الجراحية‬
‫بمقتضى الخبرات المنجزة في القضية يمثل قرينة تناضل لفائدة المدعي (المريض) وأن‬
‫المستأنف عليه الذي يحاول دفع المسؤولية عنه تحت ذريعة وجود أسباب أخرى أدت إلى‬
‫وقوع الضرر والتي لم يستطع إقامة الحجة عليها لم يثبت بأنه قام بما يلزم من الحيطة‬
‫والحذر لد أر المسؤولية عنه"‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد حسن قاسم‪" ،‬اثبات الخطأ في المجال الطبي"‪ ،‬دار الجامعة الجديدة للنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،1111 ،‬ص‪.35‬‬
‫‪ 2‬يوسف محمد المصاورة‪" ،‬االثبات بالقرائن في المواد المدنية والتجارية"‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪.3301 ،‬‬

‫‪58‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وال يطلب من المريض تقديم دليل قاطع بل يتم االكتفاء بما يجعل دعواه قريبة‬
‫التصديق‪ ،‬وعلى ذلك إذ أثبت المريض واقعة تدل على اإلهمال داللة كافية لترجيح وقوعه‬
‫دون أن تكون قاطعة‪ ،‬فتقوم قرينة قضائية على عدم تنفيذ االلتزام‪ ،‬وبذلك ينتقل عبء‬
‫االثبات إلى الطبيب الذي يكون لزاما عليه أن يثبت كونه بدل العناية الالزمة‪ ،‬وعليه اثبات‬
‫الظروف التي تمت فيها هذه الواقعة والتي من شأنها أن تنفي وصف اإلهمال عليها‪،‬‬
‫وبالتالي ف القرائن التي يستمدها القاضي من ظروف الحالة ويعتمد عليها في واقع األمر قرائن‬
‫بسيطة يمكن للطبيب اثبات عكسها‪ ،‬حيث يتعين عليه أن يقدم من األدلة ما يكفي لهدم‬
‫الظاهر الذي أقامته القرائن ضده‪.‬‬

‫ولكي يتم اعمال نظرية الخطأ المفترض في مجال مسؤولية مرافق الصحة العمومية‬
‫البد من تحقق شرطين وهما‪:‬‬
‫‪ ‬استحالة إثبات المريض الخطأ الذي أدى إلى إلحاق الضرر به؛‬
‫‪ ‬عدم توقع االضرار الحاصلة بحيث ال يمكن تطبيق مفاهيم وقواعد مهنة الطب‬
‫عليها‪.‬‬

‫وفي حال اجتمعت هذه الشروط فإن القاضي اإلداري يقر بالمسؤولية بناء على خطأ‬
‫بسيط مفترض تظهر في حيثيات االحكام من خالل اإلشارة إلى الخطأ في تنظيم أو سير‬
‫المرفق الصحي‪.‬‬

‫وحيث أن إفتراض الخطأ بالشكل أعاله‪ ،‬يستوجب رغم ذلك اثبات العالقة السببية بين‬
‫إقامة المريض المضرور في المؤسسة الصحية وبين الضرر الذي يطالب هذا األخير‬
‫بالتعويض عنه‪ ،‬طالما أنه ال مجال الفتراض قيام هذه العالقة تلقائيا‪ .‬وهذا ما اشترطه‬
‫القضاء المغربي إلى الحد الذي قضى من خالله برفض الطلب لهذه العلة‪ ،‬فقد جاء في قرار‬
‫لمحكمة النقض‪" :‬حيث صح ما عابه الطالبون على خرق الخبير الدكتور ‪ ...‬لمقتضيات‬
‫الفصل ‪ 11‬من قانون المسطرة المدنية لعدم استدعائه للطالبين لحضور إجراءات الخبرة‪،‬‬
‫والمحكمة باستنادها إلى تقرير الخبرة المذكورة في تحميل الطاقم الطبي مسؤولية موت الجنين‬

‫‪59‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫واستئصال رحم المطلوبة وكذا تحديد التعويض المحكوم به‪ ،‬كون عللت قضاءها تعليال‬
‫فاسدا بمثابة انعدامه وعرضت قرارها للنقض"‪.1‬‬

‫وكان للقضاء المقارن دو ار كبي ار في إقرار نظرية الخطأ المفترض‪ ،‬والذي تم بمناسبة‬
‫القضية المعروفة تحت مسمى ‪ ،Hedruel‬حيث اقرت محكمة النقض الفرنسية بأن عبء‬
‫اثبات اعالم المريض وتبصريه يبقى على عاتق الطبيب المعالج‪ .2‬وتتلخص وقائع القضية‬
‫في أن شخصا كان يعاني من آالم على مستوى المعدة فأكد له الطبيب المعالج ضرورة‬
‫اجراء عملية جراحية تستدعي استخدام المنظار‪ ،‬غير أن المريض ظل يعاني من آالم شديدة‬
‫بمعدته‪ ،‬وبإعادة الكشف عليه تبين بأنه مصاب بثقب في األمعاء‪ ،‬رفع المريض دعوى على‬
‫الطبيب مطالبا إياه بالتعويض عما لحقه من ضرر استنادا لكون األخير لم يقم بإعالمه‬
‫وتبصيره بالمخاطر المحتملة لهذه الجراحة‪ .‬وقد رفضت محكمة االستئناف برين ‪Rennes‬‬
‫الدعوى لكون عبء اثبات عدم االعالم يقع على عاتق المريض الذي لم يقدم دليال على ما‬
‫يدعيه‪ ،‬غير أن محكمة النقض كان لها موقف آخر وألغت قرار محكمة االستئناف استنادا‬
‫إلى نص المادة ‪ 3135‬من القانون المدني الفرنسي وأقرت مبدأ هاما مفاده أن من يقع على‬
‫عاتقه قانونا أو اتفاقا التزام خاص باإلعالم يجب عليها أن يقيم الدليل على تنفيذه لهذا‬
‫االلتزام وأنه يقع على الطبيب التزام خاص تجاه مريضه وأنه يقع على عاتقه تنفيذ هذا‬
‫االلتزام‪.‬‬

‫وقد استند القضاء اإلداري المغربي إلى نظرية الخطأ المفترض في مجموعة من‬
‫المنازعات‪ ،‬نذكر منها‪:‬‬
‫‪ ‬األضرار الناجمة عن التلقيح االجباري‪3‬؛‬

‫‪1‬القرار عدد ‪ 3111‬الصادر بتاريخ ‪ 13‬شتنبر ‪ 1131‬في الملف عدد ‪.1135/1/0/0101‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Cassation Civile 1ère, Arrêt n°426 en date du 25 Février 1997.‬‬
‫‪3‬فقد جاء في قرار محكمة النقض عدد ‪ 3131‬المؤرخ ي ‪ 11‬نونبر ‪ 1130‬والصادر في الملف عدد ‪" :1131/1/0/331‬لكن حيث ان المستقر‬
‫عليه في قضاء هذه المحكمة أن الخطأ الطبي المرفقي يكون قائما متى لم يتم تقديم الخدمة الطبية أو تم االبطاء أكثر من الالزم في أدائها أو تمت‬
‫تأديتها على وجه سيء إذا تم االخالل بواجب تقديم العناية الالزمة للمريض وفق ما تقتضيه ظروفه الصحية وفي إطار مراعاة األصول واالخالقيات‬
‫الثابتة لمهنة الطب ومقتضيات التطور العلمي‪ ،‬والمحكمة المصدرة القرار المطعون فيه التي ردت الفع بانتفاء الخطـأ الطبي بما جاءت به من أن‬
‫(‪ )...‬تكون قد سايرت مجمل ما ذكر‪ ،‬موردة في استخالص نسبة الضرر لمرفق الصحة تعليالت سائغة بإبرازها بأن اجراء العملية الجراحية على‬
‫فخد المتضرر وتنظيفه من التعفن دليل عن أن االمر متعلق بتلقيح غير سليم في غياب ما يفيد اصاته بأي مرض يبرر ذلك‪ ،‬وهي قرائن تؤكد‬
‫عالقة السببية بين فعل التلقيح والضرر مما يجعل القرار معلال تعليال سليما"‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪ ‬عدوى المستشفيات؛‬
‫‪ ‬الحروق الكيميائية التي تصيب نزالء المؤسسات الصحية العمومية‪1‬؛‬
‫‪ ‬حاالت مراقبة المرضى النفسانيين؛‬
‫‪ ‬حاالت العمل الطبي المرتبط بالوسائل المادية التي يوفرها المرفق الصحي‪2‬؛‬
‫‪ ‬حاالت التعفنات التي تعقب العمليات الجراحية‪3‬؛‬
‫‪ ‬عمليات الحقن‪.‬‬

‫وفي هذه المنازعات يكفي إلقامة مسؤولية الطبيب إثبات االلتزام الذي يقع على عاتقه‬
‫وتحقق الضرر‪ ،‬فإذا أراد الطبيب د أر المسؤولية عنه فيجب أن يثبت السبب األجنبي الذي‬
‫حال بينه وب ين تحقق النتيجة‪ ،‬ذلك أن مسؤوليته في هذا اإلطار مبنية على أساس‪" :‬الخطأ‬
‫المفترض"‪ ،‬أي افتراض وقوع خطأ عند تحقق الضرر‪ ،‬وال سبيل للتملص من المسؤولية إال‬
‫بإثبات الطبيب أن عدم التنفيذ راجع إلى سبب أجنبي كالقوة القاهرة أو الحادث الفجائي أو‬
‫لفعل صادر عن المريض أو شخص من األغيار‪.‬‬

‫‪ 1‬فقد جاء في قرار محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط عدد ‪ 3153‬بتاريخ ‪ 13‬يونيو ‪" : 1133‬لكن حيث إنه بالرجوع إلى تقرير الخبرة المنجزة من‬
‫طرف الدكتور بلحسن محمد توفيق المؤشر عليه بتاريخ ‪ 39‬يونيو ‪ 1119‬يتبين منه أنه تم الكشف على االبن الضحية بحضور والدته المسماة‬
‫حالل فاطمة بطاقتها الوطنية عدد ‪ 351113‬كما أفاد الخبير ان االبن أصيب بحرق محددا نوع هذا الحرق بانه كيميائي على مستوى الساعد واليد‬
‫اليمنى استدعى ذلك مكوثه بالمستشفى لعالج هذه الحروق تحت رقم ‪ 1105‬من تاريخ ‪ 1111- 3- 11‬إلى ‪ 1111-1-13‬تم بعد ذلك أجريت له‬
‫عدة عمليات‪ .‬وحيث يستنتج مما سبق كون الخبير فحص الضحية و اطلع على ملفه الطبي و حدد سبب ضرره و هو ناتج عن اصابته بحرق‬
‫كيميائي مما يؤكد كون مرفق الصحة هو الم سؤول عن هذا الخطأ باعتباره أدى خدمته على الوجه السيء مما يشكل خطا مرفقيا وانه ليس بالملف‬
‫سواء من شهادات الطبية المرفقة بالمقال او الخبرة المأمور بها ما يفيد كون الضرر ناتج عن تشوه خلقي‪ ،‬كذلك لم يستطع المستأنف خاصة‬
‫مستشفى الفارابي إثبات عكس ما توصل إليه الخ بير مما يبقى معه السبب المعتمد في هذا الصدد غير جدير باالعتبار‪ ،‬والحكم المستأنف لما نحا‬
‫ذلك المنحى صائبا و واجب التأييد"‪.‬‬
‫‪2‬ذهبت محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في قرارها عدد ‪ 1353‬المؤرخ في ‪ 31‬يونيو ‪ 1135‬والصادر في الملف عدد ‪: 1135/1111/3131‬‬
‫"ألنه ما دام هناك ضرر حدث عقد التدخل الطبي والعالجي من قبل هذا الطبيب‪ ،‬فإن ذلك يعني أن هناك خطأ من جانب هذا األخير‪ ،‬خاصة إذا‬
‫ثبت أن هذا التدخل الطبي شرع فيه ولم تتأكد له بالضبط الوضعية الصحية للمريض الذي دخل قاعة المستعجالت وكان وضعه الصحي يتطلب‬
‫اجراء فحص بالسكانير للرأس طالما أنه يشتكي من ألم في رأسه نتيجة تعرضه العتداء‪ ،‬مما أدى إلى أضرار ومضاعفات صحية لم يكن يعاني‬
‫منها المعني باألمر قبل ذلك بحيث وصل إلى درجة غير عادية من الخطورة ولم يثبت ارتكاب المتضرر ألي خطأ من جانبه"‪.‬‬
‫‪3‬قرار محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط عدد ‪ 399‬المؤرخ في ‪ 11‬مارس ‪ 1130‬والصادر في الملف عدد ‪ 1/31/153‬أنه ‪" :‬وحيث يتبين أن‬
‫المضاعفات والعقابيل التي ظهرت على المستأنف عليها بعد عملية بتر الورم بمستشفى ‪ ...‬لها عالقة سببية مع الثقبين في األمعاء نتيجة رعونة‬
‫وخطأ األطباء وقت القيام بالجراحة والتعفن الحاصل لها بالبطن الذي دام ثالثة أيام دون تشخيصه مما استوجب معها اجراء عمليات جراحية الحقة‬
‫بمستشفى ابن رشد إلنقاذها من موت محقق نتيجة التعفنات المتسربة إلى جميع الجسد التي أدت إلى تشوهات جسدية مهمة وهي معطيات فنية‬
‫وطبية لم يدل المستأنف ما يفيد خالفها مما يعني أن مسؤولية المرفق الصحي تبقى ثابتة وقائمة لكونها أدى الخدمة المنوطة به بشكل سيء"‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وقد اعتمد المشرع الفرنسي هذا المبدأ فيما يخص تنفيذ االلتزام باإلعالم من خالل‬
‫الفقرة الثانية من المادة ‪ 3333‬من قانون الصحة العامة الصادر بتاريخ ‪ 10‬مارس ‪،1111‬‬
‫والتي أكد أنه يعود للمستخدم أو المؤسسة الصحية االتيان بالدليل على تنفيذ هذا االلتزام‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬المسؤولية في إطار نظرية المخاطر‬


‫لم تكن فكرة الخطأ المفترض السبيل الوحيد الذي اهتدى إليه القضاء اإلداري إلقرار‬
‫مسؤولية مرافق الصحة العمومية للحد من قاعدة اثبات المريض للخطأ الطبي‪ ،‬بل لجأ إلى‬
‫التخلي عن المسؤولية اإلدارية القائمة على أساس الخطأ واعتماد نظرية المخاطر كأساس‬
‫لقيام مسؤولية مرافق الصحة العمومية في بعض الحاالت بناء على عدة أسس‪.‬‬

‫وتؤدي المسؤولية دون خطأ إلى تسهيل عبء اإلثبات على المريض المضرور من‬
‫أجل الحصول على التعويض من خالل محاولة تفادي إثبات الخطأ سواء كان مفترضا أم‬
‫واجب اإلثبات‪ ،‬وقد استندت هذه المسؤولية على عنصر الضرر بدل عنصر الخطأ‪.‬‬

‫وال يتم اللجوء إلى نظام المسؤولية هذا إال في حاالت محدودة ال يقبل فيها ترك‬
‫الضحية دون تعويض رغم عدم إثبات الخطأ وذلك في ظل ظروف معينة تقف عائقا أمام‬
‫تسهيل شروط انعقادها‪.‬‬

‫ومن بين هذه الحاالت نذكر ما يلي‪:‬‬


‫‪ ‬الحوادث الناجمة عن المواد والمعدات المستخدمة؛‬
‫‪ ‬الحوادث الناجمة عن النشاطات الطبية؛‬
‫‪ ‬األضرار الناتجة عن القيام بالترميمات الداخلية للمرافق الصحية العمومية؛‬
‫‪ ‬األضرار المترتبة عن األوضاع الخطرة‪1‬؛‬

‫‪1‬‬
‫وتشمل حاالت العدوى أثناء التواجد بالمستشفيات واألضرار الناجمة عن أعمال العالج وعمليات نقل الدم – التلقيحات اإلجبارية فقد جاء في قرار‬
‫المحكمة النقص تحت عدد ‪ 1/111‬بتاريخ ‪ 33‬ابريل ‪ 1131‬في الملف اإلداري عدد ‪ 1131/1/0/101‬ما يلي‪" :‬لكن حيث إنه لما كان الثابت‬
‫للمحكمة مصدرة القرار المطعون فيه أن الضرر الذي تعرض له الضحية كان بمناسبة خضوعه لعملية التلقيح اإلجباري (وهو فهم للواقع غير‬
‫مناقش من الطالبين) وكان التلقيح المذكور يدخل فعال ضمن األعمال الطبية إال أن خصوصيته المتمثلة في کون من يتم تلقيحه في اإلطار‬
‫المذكور ال يستشار في الخضوع لعملية التلقيح ما دام أن الهدف منه (التلقيح) هو حماية الصحة العامة من مخاطر األوبئة أساسا‪ ،‬و انه بالنظر‬
‫لما ذكر فإن الملقح ال يطلب منه إبداء رأيه هو أو ولي أمره إذا كان قاص ار في القبول طواعية بالمخاطر المترتبة على تلك العملية فإن كل ذلك‬
‫يجعل اساس تعويض من تضرر هو التضامن بين أفراد المجتمع في تحمل األخطار االجتماعية بصرف النظر عن قيام الخطأ من عدمه‪،‬‬
‫والمحكمة مصدرة القرار المطعون فيه التي ثبت لها أن الضحية أصابه صمم بعد خضوعه لعملية تلقيح إجباري بلقاح من صنف(‪ )R-R‬ورتبت‬

‫‪62‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪ ‬األضرار الناشئة عن استعمال المناهج الحرة في بعض المرافق الصحية؛‬


‫‪ ‬األضرار الناجمة عن مصالح األمراض المعدية؛‬
‫‪ ‬األضرار الناجمة عن األبحاث البيوطبية‪.1‬‬

‫ولقيام المسؤولية الموضوعية على أساس عنصر الخطر ال بد من توافر عدة شروط‬
‫هي كالتالي‪:‬‬

‫‪ ‬وجود عمل طبي ضروري‪ ،‬فإذا كان العمل ال فائدة منه شكل ذلك خطأ‬
‫صريحا؛‬
‫‪ ‬أن يشكل العمل الطبي خط ار استثنائيا غير مألوف؛‬
‫‪ ‬عدم ارتكاب المضرور ألي خطأ؛‬
‫‪ ‬وجود عالقة سببية بين الضرر المدعى به وبين نشاط المرفق الصحي؛‬
‫‪ ‬أن يكون الضرر جسيما بصورة غير مألوفة‪.‬‬

‫على ذلك القول بأحقيته في التعويض في إطار فكرة المساواة والمشاركة في تحمل األعباء العامة تكون قد راعت مجمل ما ذكر‪ ،‬وبخصوص ما أثير‬
‫من عدم قيام عالقة السببية بين الضرر ونشاط المرفق العمومي فإنه لما كان تحصيل فهم الواقع في الدعوى وتقدير األدلة فيها واستخالص توافر‬
‫عالقة السببية بين الفعل والضرر من سلطة محكمة الموضوع متى كان استخالصها سائغا يكفي لحمل قضائها وله أصله الثابت ضمن وثائق‬
‫الملف‪ ،‬وكانت المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه قد عللت قيام العالقة السببية بي ن نشاط المرفق العمومي الذي قام بتلقيح الضحية والضرر‬
‫الالحق به بما جاءت به من انه (( باإلطالع على معطيات النازلة و الوثائق والمستندات المدلى بها يتبين أن الضحية خضع بتاريخ‬
‫‪ 1110/31/11‬لعملية تلقيح إجباري بلقاح من صنف (‪ )R-R‬بواسطة أحد األطباء العاملين بمستوصف األمل بإقليم النواصر‪ ،‬وانه عقب ذلك‬
‫التلقيح أصيب بمضاعفات صحية تجلت على الخصوص في ارتفاع درجة ح اررة جسمه مع ارتعاش حاد‪ ،‬أعقبها بعد ذلك فقدان لحاسة السمع‪..‬‬
‫دون أن يقترن ذلك بما يفيد أنه كان يعاني من قبل من أعراض مرضية واضحة في حاسة السمع في كلتا أذنيه أو إحداهما‪ ،‬وبالنظر إلى ما أوضحه‬
‫تقرير الخبير المنتدب من كون الصمم هو من اآلثار واألعراض االحتمالية النادرة المترتبة عن التلقيح الذي خضع له المتضرر حسب موسوعة‬
‫ميديكا الطبية صفحتها ‪ )) ..3313‬تكون قد أوردت تعليالت سائغة في تبرير استخالصها لقيام عالقة السببية بين التلقيح الذي خضع له الضحية‬
‫والصمم الالحق به تدعمها وثائق الملف الذي بالرجوع إليه خاصة الشواهد الطبية المدلى بها يتضح أن الضحية المذكور تعرض عقب تلقيحه بلقاح‬
‫(‪ ) R-R‬لمضاعفات صحية أعقبها اصابته بصمم لم يكن يعاني منه من قبل‪ ،‬وان الصمم المذكور يعتبر حسب خبرة الخبير‪ ...‬من األعراض‬
‫االحتمالية النادرة المترتبة عن التلقيح حسب موسوعة ميديكا الطبية مما يجعل القرار معلال تعليال سليما والفرع على غير أساس"‪.‬‬
‫‪1‬إذ يقتضي مجال البحث البيوطبي أن يكون جسم اإلنسان سواء كان مريضا أو سليما أداة للتجارب الطبية من خالل تعريضه إلى مختلف أساليب‬
‫التطييب المستجدة التي لم يسبق اختبارها‪ .‬وقد ظهرت ابتداء من سنة ‪ 3391‬أولى محاوالت االهتمام بالصعوبات التي ترافق وضعية األشخاص‬
‫الخاضعين لهذه التجارب وما يترتب عنها من آثار سواء من الناحية األخالقية أو القانونية‪ ،‬فقد أصدر المشرع الفرنسي القانون رقم ‪3319/99‬‬
‫المسمى قانون ‪ Hurit-Séruclat‬المؤرخ في ‪ 11‬دجنبر ‪ 3399‬الذي أخضع األشخاص السالفي الذكر لنظامي تعويض مختلفين بحسب ما إذا‬
‫كانت تلك األبحاث موجهة ألغراض عالجية أم ال‪ ،‬فإذا كانت موجهة ألغراض عالجية كانت المسؤولية خطية قائمة على الخطأ المفترض‪ ،‬أما إذا‬
‫كا نت موجهة لغير ذلك فإنها مسؤولية موضوعية على أساس المخاطر‪ .‬أما في المغرب فإن اإلقرار التشريعي بفكرة الخطر كأساس للمسؤولية عن‬
‫نشاط المرافق الصحية العمومية في مجال األبحاث البيوطبية تجسد مع القانون ‪ 19/31‬الذي نص في المادة ‪ 10‬منه على أن المتعهد يتحمل كامل‬
‫المس ؤولية عن األضرار التي تلحق الفرد المشارك في األبحاث إذا ما ظهرت عالقة سببية تلك األبحاث واألضرار التي يدعيها المشارك (الجريدة‬
‫الرسمية عدد ‪ 1199‬الصادرة بتاريخ ‪ 11‬أغسطس ‪.)1135‬‬

‫‪63‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ويندرج الطابع غير العادي والخاص للضرر ضمن نظام يرتكز على وجود إرادة‬
‫لتعويض األضرار التي تتجاوز الحدود المعقولة الالزمة لظروف الحياة في المجتمع‪ .‬يقصد‬
‫بغير عادي الخطورة التي تتجاوز األضرار في الحياة داخل المجتمع‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬طب التوليد كنموذج للمسؤولية الطبية‬


‫سوف نعتمد على طب التوليد كنموذج لمقاربة اإلشكاليات القانونية المرتبطة‬
‫بالمسؤولية الطبية وذلك نظ ار للطبيعة الخاصة لهذا االختصاص الطبي‪ .‬حيث سنقوم بعرض‬
‫بعض القضايا التي عالجها القضاء المغربي والتي اعتبر فيها الخطأ الطبي قائما ومرتبا‬
‫لمسؤولية المرفق الصحي بالتعويض عن جميع األضرار الالحقة بالضحية كما يلي‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬الخطأ الطبي في تتبع حالة الحامل أو النفساء‬
‫المطلب الثاني‪ :‬سوء تدبير عملية الوالدة‬
‫المطلب الثالث‪ :‬سوء تدبير المرفق الصحي‬

‫المطلب األول‪ :‬الخطأ الطبي في تتبع حالة الحام أو النفساء‬


‫قد تتسم عملية تشخيص وعالج الحامل أو النفساء بالتعقيد مما قد يؤدي إلى مجموعة‬
‫من العقابيل التي تنجم عن هذه العملية وبالتالي قد ترتب مسؤولية المرفق الصحي‪،‬‬
‫وسنعرض في هذا المطلب مجموعة من األخطاء التي قد يقع فيها الطاقم الطبي من خالل‬
‫بعض القضايا التي عرضت على القضاء وصدرت فيها أحكام قضائية وذلك على الشكل‬
‫التالي‪:‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬غياب العناية بالنفساء بعد الوالدة‬


‫لقد أقر القضاء اإلداري المغربي مسؤولية المرفق الصحي عن عدم العناية بالنفساء‬
‫بعد الوالدة‪ ،‬وعلى سبيل المثال نذكر حكما للمحكمة اإلدارية بأكدير والذي جاء فيه‪ ":‬وحيث‬
‫إن كل شخص مسؤول عن الضرر المعنوي أو المادي الذي يحدثه ال بفعله فقط ولكن‬
‫بخطئه أيضا‪ ،‬وذلك عندما يثبت أن هذا الخطأ هو السبب المباشر في ذلك الضرر (الفصل‬
‫‪ 19‬من ق ل ع)‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وحيث إن الخطأ هو ترك ما كان يجب فعله‪ ،‬او فعل ما كان يجب االمساك عنه وذلك في‬
‫غير قصد إلحداث الضرر (الفصل ‪ 19‬من ق ل ع)‬
‫وحيث تنص مقتضيات الفصل ‪ 13‬من قانون االلتزامات والعقود على ان الدولة والبلديات‬
‫مسؤولة عن األضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إداراتها وعن األخطاء المصلحية‬
‫لمستخدميها‪.‬‬
‫وحيث إن عناصر المسؤولية الموجبة للتعويض في نازلة الحال تستوجب خطأ في جانب‬
‫اإلدارة وعالقة سببية وضرر‪.‬‬
‫وحيث ثبت للمحامة من خالل دراستها لوثائق الملف والخبرة الطبية المنبزة في على ذمة‬
‫القضية أن زوجة المدعي خضعت لعملية تخدير اصد إجراء عملية قيصرية‪ ،‬وأن أسباب‬
‫الوفاة المباشرة هي التعفن الرئوي واشرة البروح ونقص في التغذية ونحول عام‪ ،‬أما‬
‫األسباب غير المباشرة فتتمث في تلف خاليا الدماغ نتيبة نقص في التنفس بحيث تم‬
‫وضع أنبوب في حنبرة الهالكة‪ ،‬وأنه لم تكن هناك استشارة طبية أو عيادة للمريضة اب‬
‫وبعد عملية التخدير‪.‬‬
‫وحيث إن عدم االستشارة الطبية أو عيادة المريضة اب أو بعد عملية التخدير وعدم‬
‫العناية لها يشا خطأ من جانب اإلدارة‪.‬‬
‫وحيث إن الثالت كذلك من وثائق الملف أن زوجة المدعي لم تكن تعاني من أي عبز أو‬
‫نقص في التغذية اب دخولها المستشفى وهو الشيء الذي لم تستطع اإلدارة ان تثبت‬
‫عاسه‪ ،‬مما يبع األضرار الالحقة لزوجة المدعي ناتج عن العملية القيصرية التي‬
‫خضعت لها وعن سوء العناية الطبية اب وبعد العملية المذكورة‪ ،‬مما تكون معه العالاة‬
‫السببية لين الخطأ والضرر ثالتة‪.‬‬
‫وحيث إن خطأ اإلدارة نتج عنه وفاة زوجة المدعي‪ ،‬مما يجعل الدولة مسؤولة عن تعويض‬
‫المتضرر عن األضرار الالحقة به"‪.1‬‬

‫‪1‬حكم عدد ‪ 3131‬صادر عن المحكمة اإلدارية بأكادير في الملف عدد ‪ 1131/051‬ش القاضي بأداء و ازرة الصحة تعويضا إجماليا قدره‬
‫‪ 511.111،11‬درهما مع الفوائد القانونية‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬تأخير عملية الوضع مما أدى إلى وفاة الحام‬
‫أقرت محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش‪ ،‬بأن وفاة الحامل نتيجة تأخير عملية الوضع‬
‫يثير مسؤولية المرفق الصحي‪ ،‬وموجب للتعويض‪ ،‬فقد جاء في قرارها‪" :‬وحيث إنه من جهة‬
‫ثالثة‪ ،‬فقد اعتبرت محامة الدرجة االولى خطا المرفق الصحي العمومي ثالتا في النازلة من‬
‫خالل نقلها و هي في حالة مخاض لواسطة سيارة االسعاف من المركز الصحي إلى‬
‫مستشفى ‪ ، ...‬ثم بعده إلى مستشفى ‪ ....‬و ذلك بعد اضائها أزيد من اربع ساعات تحت‬
‫اشراف الممرضة و المسؤولة عن المركز الصحي ثم الطبيبة بمستشفى ‪ ...‬دون ان تعم‬
‫أي منهن على توليدها إما بالطريقة العادية في حالة توفر ظروفها‪ ،‬أو بالطريقة القيصرية‬
‫في حالة تعذر ذلك‪ ،‬كما اعتبرت الخطأ ثابتا من خالل الوقت الضائع في كل مرة من أجل‬
‫البحث إما عن سيارة االسعاف وإما عن السائق‪ ،‬وهي كلها عوامل ساهمت في تأخير عملية‬
‫الوضع وأدت إلى وفاة الهالكة‪ ،‬فكان تعليل المحكمة في هذا الخصوص مصادفا للصواب"‪.1‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬خطأ طبي نتيبة عدم لذل المبهودات الضرورية لوضع حد‬
‫لتدهور الوضع الصحي للحام‬
‫وفي نازلة أخرى‪ ،‬اعتبر القضاء اإلداري من خالل قرار محكمة االستئناف اإلدارية‬
‫بمراكش‪ ،‬أن عدم بذل المجهودات الضرورية لتفادي تدهور الوضع الصحي للحامل المؤدي‬
‫لوفاتها يشكل خطأ مرفقيا يتحمل المرفق الصحي مسؤولية التعويض عن األضرار الناتجة‬
‫عنه‪ ،‬جاء في قرارها ما يلي‪" :‬وحيث باستبعاد تقرير الخبرة ثبت لهذه المحكمة بالرجوع إلى‬
‫مستندات الملف وال سيما تقرير التشريح الطبي المنجز من طرف ثالث أطباء متخصصين‬
‫في التشريح الطبي و توليد النساء وكذا االنعاش والتخدير بتاريخ ‪ 1131/31/13‬بناء على‬
‫تعليمات الوكيل العام للملك إن وفاة زوجة المستأنف عليه ناجمة عن تعفن رئوي بسبب‬
‫وضع انبوب في حنبرتها خالل تخديرها في إطار عملية قيصرية‪.‬‬
‫وحيث يستشف مما ذكر أن األضرار التي تعرضت لها زوجة المستأنف عليه ذات صلة‬
‫مباشرة بالعملية القيصرية التي خضعت لها بالمستشفى بينما عجز المستأنف عن اإلدالء‬

‫‪1‬قرار عدد ‪ 3531‬بمراكش بتاريخ ‪ 11‬نونبر ‪ 1130‬الذي قضى بتأييد الحكم االبتدائي القاضي بأداء تعويض قدره ‪ 91.111،11‬درهم للزوج‬
‫و‪ 11.111،11‬درهم لكل واحد من األبناء األربعة‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫بما يثبت بذل الطاقم الطبي المشرف على حالتها الصحي للمجهودات الضرورية لجعل حد‬
‫لتفاقم تعفن جهازها الرئوي على الرغم من أن دخولها في حالة غيبوبة لمدة أربعة أشهر يعد‬
‫بمثابة مؤشر سلبي يدل على تدهور حالتها الصحية‪.‬‬
‫و حيث إنه من المعلوم أن صور الخطأ المرفقي تتمث في حالة سوء تسيير المرفق العام‬
‫أو عدم سيره أ و سوء تنظيمه و أنه لما كان اشراف طاام المستشفى على حالة الهالكة‬
‫يتسم بالتباطؤ والتقصير فهو ينم عن سوء تنظيم لمرفق الصحة ويشا خط ار مرفقيا‬
‫‪1‬‬
‫موجبا للتعويض‪".‬‬

‫الفقرة الرابعة‪ :‬إهمال الحام وعدم إخضاعها لعملية الوالدة في الموعد‬


‫الطبيعي‬
‫أقرت محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط بمسؤولية مرفق الصحة عن االضرار الالحقة‬
‫بالجنين‪ ،‬الذي أصيب بإعاقة ذهنية وحركية‪ ،‬وذلك نظ ار إلهمال األم الحامل وعدم اخضاعها‬
‫للوالدة في الموعد الطبيعي‪ ،‬وعللت المحكمة قرارها بما يلي‪" :‬وحيث إنه لذلك واعتبا ار لهذه‬
‫المبادئ والقواعد التي أقرها االجتهاد القضائي اإلداري‪ ،‬و انطالقا من هذه المحكمة من‬
‫العناصر والمعطيات التي افرزتها تقارير الخبرة المنجزة في النازلة و كذا سائر الوثائق و‬
‫المستندات المدلى بها‪ ،‬فقد تبين لها أن هناك خطا طبي ارتكب من طرف المركز‬
‫االستشفائي البامعي ‪ ...‬يتمث في اهمال والدة الطفلة ‪ ...‬وعدم إجراء لها عملية الوالدة‬
‫إال بعد مرور عشرة ايام عن الموعد الطبيعي الذي كان يتعين ان تضع فيه مولودها‪ ،‬ذلك‬
‫انه بالرغم من كون الطبيبة ‪ ...‬نصحتها بتاريخ ‪ 1113/13/13‬بضرورة االسراع في عملية‬
‫الوالدة‪ ،‬وولوجها المستشفى المذكور بتاريخ ‪ ،1113/13/10‬فلم يتم إجراء هذه العملية وتم‬
‫االكتفاء بوصف بعض األدوية بدون المبادرة إلى االمتثال لتوصية الدكتورة‪ ...‬أو على األقل‬
‫اجراء التحاليل الالزمة من اجل التعرف على الحالة الصحية لألم و كذا وضعية الجنين‬
‫داخل الرحم و ما إذا كان األمر يقتضي فعال اإلسراع في إجراء عملية الوالدة‪ ،‬والتي لم تجر‬
‫إال بتاريخ ‪ 1113/13/19‬أي بعد مرور ‪ 01‬أسبوعا على الحمل‪ ،‬باإلضافة إلى ذلك فقد تم‬

‫‪1‬قرار عدد ‪ 3101‬بتاريخ ‪ 31‬نونبر ‪ 1130‬الذي قضى بتأييد الحكم االبتدائي القاضي بتعويض قدره ‪ 511.111،11‬درهم (مبلغ الطلب‬
‫‪ 3.111.111،11‬درهم)‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫استعمال اآلالت الشفط من أج استخراج البنين بالرغم من الوضعية الحرجة التي كانت‬
‫عليها المولودة نتيبة التأخر في عملية الوالدة‪ ،‬والتي تتم فضال عن كل ذلك المبادرة إلى‬
‫إحالتها على مستشفى االطفال من اجل إنعاشها إال بعد ‪ 31‬ساعة على عملية الوالدة‪ ،‬بشكل‬
‫ترتب عنه إصابتها بشلل كلي و دائم"‪.1‬‬

‫الفقرة الخامسة‪ :‬خطأ طبي نتيبة ترك أشياء في رحم النفساء بعد العملية‬
‫البراحية‬
‫ترك ضمادة طبية في رحم النفساء بمناسبة عملية الوالدة يشكل خطأ مرفقيا يستوجب‬
‫التعويض عن جميع األضرار الناتجة من جراء ذلك‪ ،‬فقد جاء في قرار لمحكمة االستئناف‬
‫اإلدارية بالرباط‪" :‬وحيث فيما يتصل بالسببين المستمدين من فساد التعليل و عدم ارتكاز‬
‫الحكم بالتعويض على أساس‪ ،‬فيما يتعلق بالحادث تبقى مسؤولية الطاقم الطبي في نازلة‬
‫الحال قائمة بالنظر إلى إهمال الطبيب و طاقمه الطبي المشرفين على العملية الجراحية و‬
‫ذلك من خالل ما ثبت عن طريق الفحوصات و العملية الجراحية الثانية التي اجريت لها‬
‫بمصحة المنزه ليتأكد ان النزيف و األلم الذي كانت تعاني منه ناتج عن كون الطبيب الذي‬
‫أجرى لها العملية القيصرية أثناء الوالدة ارتكب خطا جسيما يتمث في ترك ضمادة كبيرة‬
‫في رحمها و هو ما أثر على اواها الصحية‪ ،‬و بالتالي يكون ما أثير حول هذا السبب غير‬
‫جدي و يتعين استبعاده‪."2‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬سوء تدلير عملية الوالدة‬


‫إن تدبير عملية الوالدة من بين المجاالت التي تشيع فيها األخطاء الطبية‪ ،‬وذلك‬
‫بالنظر إلى الكم الكبير من النزاعات المعروضة على القضاء بهذا الخصوص والذي أقر‬
‫بمسؤولية مرفق الصحة في مجموعة من الحاالت نورد منها‪:‬‬

‫‪1‬قرار عدد ‪ 5135‬بتاريخ ‪ 11‬دجنبر ‪ 1130‬الذي قضى بتأييد الحكم االبتدائي القاضي بتعويض قدره ‪ 1.511.111،11‬درهم‪.‬‬
‫‪2‬قرار عدد ‪ 1511‬بتاريخ ‪ 13‬ماي ‪ 1130‬الذي قضى بتأييد الحكم االبتدائي القاضي بتعويض قدره ‪ 11.111‬درهما‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الفقرة األولى‪ :‬األضرار التي تلحق بالبنين جراء عدم اجراء الفحوصات‬
‫الضرورية‬
‫لقد جاء في قرار لمحكمة االستئناف اإلدارية بالرباط بأن سحب الجنين من يده ورجله‬
‫بطريقة أصابته بالشلل جاء نتيجة عدم إجراء الفحوصات الضرورية لمعرفة حجم ووضع‬
‫الجنين مما يرتب بتشطير المسؤولية بين الضحية والمرفق الصحي‪ ،‬باعتبار أن الحامل‬
‫تتحمل جزءا من المسؤولية بعدم تتبع حملها بالتحاليل الالزمة ومرفق الصحة بعدم اتخاذه‬
‫الالزم لمواكبة الوالدة من مراقبة وإشراف على عملية التوليد‪ ،‬وعللت المحكمة قرارها كما يلي‪:‬‬
‫"وحيث من جهة ثانية‪ ،‬فإن المستأنفين األصليين ال ينكرون أنه نتج عن عملية الوالدة اصابة‬
‫المولودة بتمزق في عضالت اليد و الرجل اليسرتين و ان ذلك أدى إلى شلل تام بهما‪ ،‬و أنه‬
‫لئن كانت الخبرات المنجزة ابتدائيا لم تتسم بشكل قاطع في نسبة الضرر إلى عملية الوالدة‬
‫بذاتها‪ ،‬فإن المحامة يمانها أن تستخلص قيام الخطأ من مبموع عناصر النزاع‪ ،‬ذلك أنه‬
‫لئ ن كانت األم تتحم جزء من المسؤولية بسبب عدم تتبع حملها بالتحالي الالزمة‪ ،‬فإن‬
‫مرفق الصحة لدوره يتحم جانبا كبي ار من المسؤولية بعد اتخاذ االحتياطات العادية‬
‫المواكبة للوالدة من مراقبة و إشراف على عملية التوليد ثم تتبع حالة المولود و اكتشاف‬
‫ما اد يلحقه من اضرار او عاهات إثر الوالدة مباشرة‪.‬‬
‫وحيث إن العاهة الالحقة بالمولودة وجدت منذ والدتها دون أن تكتشف من طرف مرفق‬
‫الصحة أثناء الوالدة او بعيدها‪ ،‬مما يؤكد قيام عنصر الخطأ لديه من خالل عدم اتخاذ‬
‫االحتياطات واإلجراءات العادية المواكبة للوالدة من تشخيص لحالة األم والمولود‪ ،‬خاصة‬
‫أ مام تأكيد جميع الخبرات االبتدائية على عدم توفر طبيب للنساء بمستشفى تاوريرت إبان‬
‫الوالدة‪ ،‬فضال عن ضعف التبهيزات‪ ،‬مما يبع اإلدارة متحملة ثلثي المسؤولية مقارنة‬
‫بمسؤولية األم عن إهمال تتبع حملها‪ ،‬فيبقى ما أثير حول انعدام مسؤولية اإلدارة مردودا"‪.1‬‬

‫في قرار آخر لنفس المحكمة أكدت فيه أن سوء اختيار طريقة الوالدة بعدم اللبوء إلى‬
‫العملية القيصرية رغم حبم البنين وارتفاع وزنه يبع العالاة السببية لين الخطأ الطبي‬

‫‪1‬القرار عدد ‪ 0331‬بتاريخ ‪ 11‬اكتوبر ‪ 1131‬الذي أيد الحكم االبتدائي القاضي بأداء الدولة المغربية لفائدة ولي أمر الضحية تعويضا قدره‬
‫‪ 511.111،11‬درهم (مبلغ الطلب ‪ 1.111.111،11‬درهم مع الفوائد القانونية والنفاذ المعجل)‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المنسوب للمرفق اإلداري والضرر الذي تعرض له الطف اائما وبالتالي يتعين جبر هذا‬
‫الضرر‪.1‬‬

‫وفي قرار آخر أكدت نفس المحكمة أن سوء اختيار طريقة التوليد وإجرائه بشا‬
‫عادي لدل القيام به عن طريق عملية قيصرية واالضرار الالحقة بالنفساء جاء نتيبة عدم‬
‫اتخاذ الطاام الطبي بالمستشفى لكافة التدالير من أج المحافظة على سالمة نزالئه‬
‫مراعاة لوضعهم الصحي الخاص واالستثنائي مما يرتب مسؤولية المرفق الصحي‪ ،‬وجاء‬
‫في القرار المذكور‪ ":‬وحيث إنه بالنسبة لسبب االستئناف المتصل بانعدام التعليل خاصة ما‬
‫تعلق بإثبات الخطأ المنسوب إلى المرفق الطبي‪ ،‬فإنه باالطالع على عناصر المنازعة‬
‫ومعطياتها و كذا وثائق الملف و مستنداته وبصفة خاصة تقرير الخبرة الذي خلصت فيه‬
‫الخبيرة إلى أن والدة المدعية كانت معقدة وعسيرة حصل على إثرها تمزق بالعجان مع‬
‫عراقيل خطيرة خضعت بسببها لثالث عمليات وأن المشكل ال زال قائما لحد اآلن‪ ،‬مما يعنيه‬
‫ذلك ان الطاام الطبي بالمستشفى لم يتخذ كافة التدالير من أج المحافظة على سالمة‬
‫ن زالئه مراعاة لوضعهم الصحي الخاص و االستثنائي‪ ،‬و هي المهام التي ال تقتصر على‬
‫مهام العالج و التطبيب ل تمتد إلى ضمان سالمة المرضى و صحتهم داخ المستشفى‪،‬‬
‫و بالتالي يبقى ما أثير في هذا الصدد من قبل الطرف المستأنف غير قائم على أساس‪ ،‬و‬
‫يتعين التصريح باستبعاده لهذه العلة"‪.2‬‬

‫‪1‬جاء في قرار المحكمة عدد ‪ 1311‬بتاريخ ‪ 31‬يوليوز ‪" :1131‬حيث إن من الثابت من أوراق الملف و مما ال ينازع فيه الطرف المستأنف ان‬
‫زوجة المدعي ( المستأنف فرعيا) دخلت بتاريخ ‪ 1113/31/13‬إلى مستشفى ‪ ...‬ألجل وضع مولودها‪ ،‬و انه أثناء عملية الوضع حصل له تمزق‬
‫في عضالت يده اليمنى نتج عنه عدم قدرتها على الحركة مما يؤكد بقاطع ان هناك خطأ طبي ارتكب أثناء عملية استخراج الجنين من بطن امه‬
‫لعدم اجراء الكشوفات المسبقة لمعرفة وزن الجنين‪ ،‬لتحديد ما إذا كان األمر يقتضي عملية قيصرية ام ال‪ ،‬ذلك أن الثابت من أوراق الملف ان وزن‬
‫الجنين كان يبلغ ‪ 5.011‬كلغ و هو ما يستدعي حتما اجراء عملية قيصرية نظ ار لضخامة وزنه حفاظا على سالمته من أي مكروه قد يلحق به‪،‬‬
‫وتجنبا لوالدته من مخاطر الوضع التي قد تؤدي بأمه إلى الوفاة‪ ،‬و هو ما يجعل العالقة السببية بين الخطأ الطبي المنسوب للمرفق اإلداري‬
‫والضرر الذي تعرض له الطفل المذكور قائمة طالما ان الحادث وقع داخل مستشفى الفارابي و هو مرفق تابع للدولة‪.‬‬
‫وحيث من جهة ثانية فإنه خالفا لما تمسك به المستأنف فإن تقرير الخبرة المدلى به في الملف والمنجز من طرف الطبيب ‪ ...‬قد اكد على أن‬
‫الخطأ الطبي يتجلى في استخراج الطفل من بطن امه عبر مسكه من ذراعه األيمن بدل اللجوء إلى العملية القيصرية‪ ،‬وهو ما ادى إلى تمزق‬
‫عضالت يده اليمنى محددا نسبة العجز الدائم في ‪ 11‬بالمائة و اآلالم على جانب من األهمية ‪ 1/0‬والتشوه الجسماني على جانب من األهمية ‪1/5‬‬
‫وهين نفس النسبة ا لتي خلص إليها الدكتور‪ ،...‬مما لم يعد معه مجال للشك من أن نسبة العجز الجزئي الدائم هي ‪ 11‬بالمائة طالما أنه لس‬
‫بالملف ما يفند ذلك"‪.‬‬
‫‪2‬قرار عدد ‪ 3131‬بتاريخ ‪ 9‬أبريل ‪ 1130‬في الملف عدد ‪ 1/31/3103‬الذي قضى بتأييد الحكم االبتدائي القاضي بتعويض قدره ‪051.111،11‬‬
‫درهما‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬الخطأ الطبي جراء القيام بعملية التوليد في غياب طبيب‬
‫مختص‬
‫في بعض الحاالت تتكفل القابالت أو الممرضات بعملية التوليد‪ ،‬غير أن القضاء‬
‫اإلداري رتب المسؤولية المرفقية في حالة إجراء العملية في غياب طبيب مختص في‬
‫مجموعة من القضايا‪ ،‬منها قرار لمحكمة النقض جاء فيه‪" :‬لكن إن المحكمة مصدرة القرار‬
‫المطعون فيه التي اعتبرت مرفق الصحة مسؤوال عن األضرار الالحقة بالمطلوبة بما جاءت‬
‫به من أن (( الثابت من معطيات القضية أن عملية التوليد لم تتم وفق الضوابط المعمول بها‬
‫في الميدان الطبي طالما أنها تمت في غياب إشراف طبي و بواسطة الممرضة التي من‬
‫المفروض ان ينحصر دورها في مساعدة األطباء المختصين فإن هذا األمر ينم عن تقصير‬
‫من جانب مرفق الصحة أدى إلى تعرض المطلوبة لألضرار‪ ،‬و بذلك يكون عنصر الخطأ‬
‫الذي تنبني عليه دعوى المسؤولية التقصيرية للمرفق العام متحققا في نازلة الحال)) تكون و‬
‫خالفا لما ورد في الوسيلة لم تؤسس ما قضت به من تحميل مسؤولية الضرر الالحق‬
‫بالمطلوبة على نظرية المخاطر بل الخطأ المتمثل في التقصير الثابت لها من جانب مرفق‬
‫الصحة في القيام بعملية التوليد وفقا لضوابط المعمول بها في الميدان الطبي‪ ،‬كما انها‬
‫اعت برت كذلك بان الخطأ المذكور هو من األخطاء المرفقية التي يسأل عنها المرفق العام و‬
‫ليس الموظف في إطار المسؤولية عن األخطاء الشخصية مما جاء معه قرارها معلال بما‬
‫فيه الكفاية و الوسيلة على غير أساس إال فيما هو خالف الواقع فهو غير مقبول‪.‬‬
‫لكن حيث إنه بخصوص الشق األول من الوسيلة المتعلق بمسؤولية الضحية عن الضرر‬
‫الالحق بها فإنه وفضال عن عدم بيان ما هو الخطأ الذي ارتكبته المطلوبة والذي يجعلها‬
‫مسؤولة كليا أ و جزئيا عن الضرر الالحق بها والذي لم تناقشه المحكمة فغنه لم يتم التمسك‬
‫به امام المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه وأثير ألول مرة أمام محكمة النقض‪.1"....‬‬

‫كما جاء في قرار لمحكمة االستئناف اإلدارية بالرباط بأن إجراء عملية التوليد في‬
‫غياب طبيب مختص مع سحب البنين بطريقة خاطئة يضفي على الفع صبغة الخطأ‬
‫المرفقي الموجب للتعويض‪ ،‬وجاء في قرار المحكمة‪" :‬وحيث إنه لذلك واعتبا ار لهذه البادئ‬

‫‪1‬قرار محكمة النقض عدد ‪ 113‬بتاريخ ‪ 13‬غشت ‪ 1131‬في الملف اإلداري عدد ‪.1133/1/0/911‬‬

‫‪71‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫والقواعد التي أقرها االجتهاد القضائي اإلداري وانطالقا من العناصر والمعطيات التي أفرزها‬
‫تقرير الخبير الدكتور‪ ...‬المنجز في النازلة طبقا للقانون ووفق مقتضيات الفصل ‪ 11‬من‬
‫قانون المسطرة المدنية‪ ،‬وفي إطار األثر الناشر والناقل لالستئناف والذي يعيد نشر ونقل‬
‫القضية من جديد أمام محكمة الدرجة الثانية بجميع ما يتضمنه من عناصر قانونية‬
‫وموضوعية‪ ،‬وفي ضوء كذلك منازعة المستأنفين أصليا وكذا المستأنف فرعيا في الخالصات‬
‫المضمنة بتقرير الخبرة المنجزة خالل المرحلة االبتدائية من طرف الدكتور ‪ ...‬والتي اسست‬
‫عليها المحكمة اإل دارية حكمها المستأنف‪ ،‬فقد تبين لهذه المحكمة من خالل االطالع على‬
‫التقرير الطبي حول والدة السيدة ‪ ...‬أنها دخلت بتاريخ ‪ 13‬يناير ‪ 1131‬على الساعة الثانية‬
‫والنصف زواال مصلحة النساء والتوليد بالمستشفى الجهوي لجهة الشاوية ورديغة وبتاريخ ‪11‬‬
‫فبراير ‪ 1131‬تدخل فريق طبي من أجل أن تضع مولودها بشكل طبيعي وفعال تم ذلك‬
‫بطريقة طبيعية‪ ،‬حيث تم إخراج الجنين باستعمال الممص‪ ،‬وبعد فحص الجنين من طرف‬
‫الطبيب المختص في جراحة األطفال تبين أ ن حالته الصحية سيئة‪ ،‬وبعد العناية المركزة تم‬
‫انقاذ حياة الوليد‪ ،‬وأوصى الطبيب المختص في جراحة األطفال بترويض يد المولود الجديد‬
‫والمتابعة معه في جناح الفحوصات الطبية‪ ،‬وبذلك فإن المرفق الصحي المستأنف يبقى‬
‫متحمال للمسؤولية عن هذه األضرار والمضاعفات التي لحقت به نتيجة عملية إخراج الجنين‬
‫بطريقة خاطئة‪ ،‬وهو ما أكده تقرير الخبرة المنجز من طرف محكمة الدرجة االولى الذي‬
‫أشار إلى أن عملية الوالدة كانت صعبة‪ ،‬كما أن غياب الطبيب وقيام ممرضتين بالعملية‬
‫والتصرف من تلقاء نفسهما من أدل الوضع بواسطة آلة الجدب مما أدى إلى شلل الطفل من‬
‫جهة اليد اليمنى‪ ،‬مما اخضعه لعملية جراحية بدون جدوى‪ ،‬وخلص الخبير إلى أن عملية‬
‫الوضع لم تبدل فيها العناية الواجبة المذكورة‪ ،‬وأنها تمت لواسطة ممرضتين في غياب‬
‫الطبيب المختص‪ ،‬وحدد نسبة العجز في ‪ 11‬بالمائة بعدما فقد األمل في إعادة حركية اليد‬
‫اليمنى للوليد‪ ،‬و يكون بذلك هذا السبب لالستئناف المرتبطة بانعدام المسؤولية غير جديرة‬
‫باالعتبار و يتعين رده"‪.1‬‬

‫‪1‬قرار عدد ‪ 3115‬بتاريخ ‪ 11‬أبريل ‪ 1135‬في الملف عدد ‪ ،1130/1111/333‬الذي قضى بتأييد الحكم االبتدائي القاضي بتعويض قدره‬
‫‪ 511.111،11‬درهم للوالدين و‪ 11.111،11‬درهم عن الضرر المعنوي‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وجاء في قرار لمحكمة االستئناف اإلدارية بمراكش حول نازلة أخرى تتعلق بإجراء‬
‫عملية التوليد في غياب الطبيب المختص‪" :‬وحيث إن ما تمسك به المستأنف بخصوص أن‬
‫الوليد تعرض الختناق بسبب تجرعه كميات كبيرة من السائل السقوي والستعمال أمه أثناء‬
‫الفترة األخيرة من الحمل أعشابا و بخو ار أثرت على قواه الذهنية والحركية لم يثبته بل يفنده ما‬
‫جاء في تقرير الخبرة و الذي أكد أن الوالدة تمت في غياب طبيب مختص في الوالدة وأن‬
‫حضور هذا األخير سيساعد في إجراء عملية التوليد في ظروف حسنة و هي الظروف التي‬
‫نتج عنها إعاقة ذهنية مطلقة‪".1‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬الضرر الناتج عن سحب البنين بطريقة سيئة‬


‫إن سوء تدبير عملية الوالدة في الغالب ما يحدث ضر ار مهما باألم أو الجنين أو هما‬
‫معا‪ ،‬وقد عرضت على القضاء مجموعة من النزاعات بهذا الخصوص‪ ،‬وصدر فيها أحكام‬
‫وق اررات تقر بمسؤولية المرفق الصحي باألضرار الالحقة بالبنين الذي سحب بطريقة سيئة‬
‫من رحم أمه أدت إلى إصالته بالشل ‪ ،‬حيث جاء في قرار لمحكمة االستئناف اإلدارية‬
‫بالرباط بأنه‪" :‬وحيث إن المعطيات الوااعية غير المنازع فيها تفضي إلى القول لوجود خطأ‬
‫منسوب إلى مرفق الصحة (المركز االستشفائي الجامعي ‪...‬قسم الوالدة) من خالل سوء‬
‫أداء الخدمة الصحية مادام أن الشلل على مستوى اليد اليسرى كان نتيجة عدم أخذ‬
‫االحتياطات الالزمة تبنبا لهذه الصعوبة‪ ،‬مما يبين قيام الخطأ خاصة وأنه لم يقدم أي دليل‬
‫على أن إصابة ابن المستأنف كانت ستكون قائمة حتى بعد التدخل الجراحي‪ ،‬مما ياون‬
‫معه المرفق الصحي مسؤوال عن عدم التشخيص القبلي البيد‪ ،‬وهي أخطاء مرفقية‬
‫منسوبة إليه"‪.2‬‬

‫وهو ما أكده قرار آخر لنفس المحكمة‪ ،‬جاء فيه أن مسؤولية المرفق الصحي قائمة‬
‫لسوء تدبير عملية الوالدة بعد اإلقدام على جر العضو األعلى األيسر للجنين أثناء عملية‬
‫الوالدة من أجل إخراجه من الرحم‪ ،‬حيث نتج عن ذلك شلل للذراع والساعد األيسر‪ ،‬وذلك‬
‫بالتعليل التالي‪ " :‬وحيث إن هذه المحكمة و بما لها من سلطة تقديرية في تقييم نتيجة الخبرة‬

‫‪1‬قرار عدد ‪ 3001‬صادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش بتاريخ ‪ 11‬نونبر ‪ 1130‬في الملف عدد ‪ ،1131/1111/3301‬الذي قضى‬
‫بتأييد الحكم االبتدائي القاضي بتعويض قدره ‪ 3.111.111،11‬درهما‪.‬‬
‫‪2‬قرار عدد ‪ 139‬في الملف عدد ‪ 1/31/3313‬و‪ ،1/31/3311‬الذي قضى بتأييد الحكم االبتدائي القاضي بتعويض قدره ‪ 511.111،11‬درهما‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫والتي جاءت مستوفية للشروط الشكلية المنصوص عليها في الفصل ‪ 11‬المشار إليه اعاله‪،‬‬
‫بما يعينه ذلك من كون المحكمة وبإجرائها لهذه الخبرة تكون قد تجاوزت السبب المثار من‬
‫طرف الوكيل القضائي للمملكة والمتصل بكون الخبرة المنجزة خالل المرحلة االبتدائية لم‬
‫يتقيد فيها الخبير المنتدب بالمسطرة المنصوص عليها في المقتضى القانوني اآلنف الذكر أو‬
‫كونه يبقى غير مختص في مجال جراحة العظام و المفاصل‪ ،‬وانطالاا منها من المعطيات‬
‫التي أفرزها تقرير ‪ ،...‬فقد تبين لها من جهة أن مرفق الصحة الذي اجرى عملية الوالدة‬
‫لوالدة الطفلة ‪ ...‬اد ارتكب فعال خطا مرفقيا‪ ،‬ما دام أن الثالت من هذه المعطيات‬
‫والعناصر أن المرفق المذكور لم يعم على احترام اواعد االحتياط التي تضمن والدة‬
‫سليمة أي أن هناك سوء تدلير عملية الوالدة‪ ،‬حيث تم جر العضو األعلى األيسر أثناء‬
‫عملية الوالدة من أج إخراج المولودة من الرحم مما نتج عنه شل منعزل للعصب تحت‬
‫الكتف‪ ،‬أدى إلى وقوع تمدد حاد مع تمزق لبعض جذور األعصاب العليا على مستوى اإلبط‬
‫األيسر‪ ،‬ترتب عنه ان المولدة التي أصبحت حاليا طفلة ال يمكنها وفع الذراع والساعد األيسر‬
‫حتى نهاية الحركة (مس رقبتها)‪ ،‬وأن حركية العضو أصبحت معيبة ثقيلة ومتمهلة‪ ،‬وأن‬
‫الطفلة تستعين بكتفها وعنقها لرفع الذراع‪ ،‬أما دقة الحركة وجودتها فهي ال زالت دون‬
‫المستوى‪ ،‬وبالتالي قيام المسؤولية اإلدارية للمرفق الصحي المستأنف بعناصرها الثالث من‬
‫خطا و ضرر وعالاة سببية لينهما‪ ،‬خطا يتمث في عدم مراعاة اواعد االحتياط في عملية‬
‫الوالدة التي خضعت لها والدة الطفلة وفقا لما سبق ليانه أعاله‪ ،‬أما الضرر باعتباره‬
‫العنصر الثاني الواجب توفره لقيام هذه المسؤولية فإنه يبقى لدوره اائما في نازلة الحال‪،‬‬
‫ونفس األمر للعالاة السببية لين ذلك الخطأ والضرر‪ ،‬ومن ثم يبقى ما أثير من قبل الوكيل‬
‫القضائي للمملكة غير قائم على اساس و يتعين التصريح برده لهذه العلة"‪.1‬‬

‫المنحى الذي اتخذه القضاء في مجموعة من القضايا األخرى‪ ،‬نذكر منها حكم‬
‫المحكمة اإلدارية بالرباط عدد ‪ 5111‬المؤرخ في ‪ 31‬نونبر ‪ 1130‬في الملف عدد‬
‫‪ 1131/1331/131‬وحكم نفس المحكمة عدد ‪ 1515‬الصادر بتاريخ ‪ 13‬دجنبر ‪1130‬‬

‫‪1‬قرار عدد ‪ 111‬في الملف عدد ‪ 1/33/111‬و‪ 1/31/011‬الذي قضى بتأييد الحكم االبتدائي القاضي بتعويض قدره ‪ 311.111،11‬درهم (مبلغ‬
‫الطلب ‪ 511.111،11‬درهم)‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫في الملف عدد ‪ 1130/1331/139‬وحكمها عدد ‪ 1115‬المؤرخ في ‪ 11‬يونيو ‪ 1135‬في‬


‫الملف عدد ‪.1130/1331/3115‬‬

‫فيما ذهبت المحكمة اإلدارية بمراكش إلى أن و ازرة الصحة العمومية مسؤولة عن سوء‬
‫تدلير عملية الوالدة بسحب البنين بطريقة سيئة أدت إلى إصالته باسر في عظمة الفخذ‪،‬‬
‫فقد جاء في حيثيات الحكم‪" :‬حيث ثبت للمحكمة من خالل إطالعها على محضر الضابطة‬
‫القضائية المنجز من طرف شرطة ‪ ...‬بتاريخ ‪ 1133/13/15‬أنه خالل العملية القيصرية‬
‫التي خضعت لها أم الضحية من طرف أحد األطباء‪ ...‬بقسم الوالدة بمستشفى ‪ ...‬وخالل‬
‫محاولة إخراج الجنين تم سماع صدى عظمي تبين بعد ذلك أن المولود أصيب بكسر في‬
‫فخذه األيمن‪ ،‬األمر الذي يجعل و ازرة الصحة العمومية مسؤولة عن الخطأ المرتكب من‬
‫طرف أحد موظفيها وتتحمل تبعات التعويض عنه"‪.1‬‬

‫الفقرة الرابعة‪ :‬الخطأ جراء اخالل الطبيب باألصول الفنية والتقنية‬


‫ذهبت محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط إلى اعتبار عدم االنتباه لحدوث تمزق في‬
‫البطن أدى إلى نزيف أحدث تعفنا استوجب استئصال مبيض ورحم األم خطأ مرفقي موجب‬
‫للتعويض‪ ،‬حيث عللت قرارها كما يلي‪" :‬وحيث إنه بالرجوع إلى عناصر المنازعة وخصوصا‬
‫تقرير الطاقم الطبي الذي اشرف على عالج المستأنف عليها‪ ،‬وتقرير الخبرة المنجز من‬
‫طرف الدكتورة ‪ ...‬يتبين ان المستأنف عليها كانت ضحية التعفنات التي حصلت خالل‬
‫الوالدة إثر النزيف الحاد الذي حص لها بعد خالص البنين وأنه بعد نقلها إلى المستشفى‬
‫‪ ...‬اكتشف الجراحون تمزق في البطن لم ينتبه له أطباء مستشفى ‪ ...‬مما ادى إلى لتر‬
‫المبيض و الرحم مما يعني أن مسؤولية المرفق الصحي ثالتة و اائمة لكونه ادى الخدمة‬
‫المنوطة بشا سيئ و تسبب بعاهات جسدية مهمة لها آثار معنوية و نفسية مما يبقى ما‬
‫يتمسك به المستأنف غير قائم على اساس و يتعين رده‪".2‬‬

‫‪1‬حكم عدد ‪ 3113‬صادر عن المحكمة اإلدارية بمراكش بتاريخ ‪ 33‬نونبر ‪ 1130‬في الملف عدد ‪ 1130/1331/391‬القاضي بأداء و ازرة الصحة‬
‫تعويضا قدره ‪ 31.111،11‬درهما‪.‬‬
‫‪2‬قرار عدد ‪ 1313‬بتاريخ ‪ 19‬ماي ‪ 1130‬في الملف عدد ‪ 1/31/3113‬الذي أيد حكم المحكمة اإلدارية بالرباط عدد ‪ 1150‬في الملف عدد‬
‫‪ 1131/31/131‬بتاريخ ‪ 31‬يونيو ‪ 1131‬والذي قضى بأداء و ازرة الصحة مبلغ تعويض قدره ‪ 511.111،11‬درهما‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫كما يمكن أن ندرج من بين األخطاء المرتبطة إلخالل الطبيب باألصول الفنية والتقنية‪،‬‬
‫التقدير السيء لسير العملية القيصرية واختيار حلول طبية غير مأمونة العوااب‪ ،‬فقد جاء‬
‫في قرار لمحكمة االستئناف اإلدارية بمراكش‪ " :‬لكن حيث إنه من جهة اولى فإن الثابت من‬
‫تنصيصات الحام المستأنف أنه أار مسؤولية مرفق الصحة عن االضرار الالحقة‬
‫بالمستأنفة حينما صرح في حيثياته أن خطأ المرفق المذكور يتمث في عدم إثبات القيام‬
‫بما يلزم لتفادي التعقيدات الناجمة عن التأخير في إجراءات العمليات البراحية الالزمة‬
‫إلصالح ما أفسدته العملية القيصرية وبالتالي ما يبقى ما عدا هذه العلة زائدا ال تتوقف‬
‫صحة الحكم عليه‪.‬‬
‫وحيث إن مساءلة مرفق الصحة عن األخطاء المصلحية لمستخدميه رهين بعدم التزامهم‬
‫لبذل العناية الالزمة و المركزة التي تتفق واصول المهنة ومقتضيات التطور العلمي ذلك‬
‫أنه بالنسبة للحالة موضوع النازلة وعلى فرض مسايرة الطبيب المعالج فيما ذهب إليه من‬
‫كونه كان مرغما على شق المسار المثاني واشتقاق لولي خارجي مؤات أثناء العملية‬
‫القيصرية فإن تقديره للنتائج المترتبة عن ذلك كان خاطئا على اعتبار أن األمر تحول من‬
‫حالة مؤاتة (حسب تشخيصه) إلى حالة عبز دائم ومزمن يتمث في حرمان المعنية‬
‫باألمر من اضاء حاجياتها الطبيعية بشا عادي على الرغم من العمليات البراحية التي‬
‫أجريت لها والتي لم تتوج لنباح حسب ما يشهد بذلك التقرير المنجز من طرف‬
‫البروفيسور‪ ...‬رئيس قسم مبحث الجهاز البولي بمستشفى ‪ ...‬وهو ما أكده أيضا تقرير‬
‫الخبرة المنجز ابتدائيا الذي حسم في كون المستأنفة ستظل تعاني عج از مزمنا يحرمها من‬
‫قضاء حاجياتها الطبيعية بشكل عادي‪ ،‬إضافة إلى ذلك فإنه لم يثبت من خالل وثائق الملف‬
‫قيام الطبيب باإلشراف على تتبع الحالة تفاديا لوقوع أي مضاعفات سلبية‪ ،‬ويكون بذلك‬
‫عنصر الخطأ الذي تنبني عليه دعوى المسؤولية التقصيرية للمرفق المذكور متحقق في‬
‫النازلة مما تبقى معه الوسيلة المثارة في هذا الشأن غير جديرة باالعتبار ويجعل الدولة‬
‫بالتالي مسؤولة عن األضرار التي تعرضت لها المستأنفة"‪.1‬‬

‫‪1‬قرار عدد ‪ 113‬مكرر صادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش في الملف عدد ‪ 1131/3330/111‬و‪ 1131/3330/53‬القاضي بإلغاء‬
‫الحكم المستأنف فيما قضى به من فوائد قانونية والحكم تصديا برفض الطلب المتعلق بها وبتأييده في الباقي مع تعديله وذلك برفع المبلغ المحكوم به‬
‫إلى ‪ 111.111،11‬درهم‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الفقرة الخامسة‪ :‬التأخر في العالج‬


‫إن الضرر الذي لحق بالجنين والمتمثل بإعاقة حركية وذهنية كان نتيجة للتأخر في‬
‫إجراء العملية القيصرية وغياب طبيب مختص في األطفال‪ ،‬األمر الذي يرتب مسؤولية‬
‫المرفق الصحي‪ ،‬حيث جاء في قرار لمحكمة االستئناف اإلدارية بالرباط أنه‪ :‬وحيث إن‬
‫السيد الخبير المنتدب أودع بتاريخ ‪ 15‬أبريل ‪ 1130‬تقري ار خلص من خالله ان الطفلة‬
‫نهيلة تعاني من إعااة ذهنية وحركية متقدمة نتيبة إهمال أثناء وبعد العملية القيصرية‬
‫التي خضعت لها والدتها لعدم وجود طبيب أطفال في غرفة الوالدة لتفادي هذه المشاك ‪،‬‬
‫محددا نسبة العجز في ‪ 95‬بالمائة نظ ار لتأثير إعاقتها على حياتها الدراسية والمهنية‬
‫والمستقبلية بصفة عامة كما أنها محكوم عليها مدى الحياة باالستعانة بشخص آخر‪.‬‬
‫وحيث إنه لذلك وانطالقا من هذه المعطيات والعناصر التي أفرزها تقرير السيد الخبير والتي‬
‫لم تكن محل أي تعقيب وجيه أو مقبول من قبل الطرف المستأنف‪ ،‬يتبين فعال أن هذا‬
‫المرفق اد ارتكب خطا جسيما أثناء والدة إلنة المستأنف عليهما يتبلى في غياب الرعاية‬
‫والمتابعة الطبية عند الوالدة بعدم وجود طبيب مداوم متخصص في طب األطفال بقصد‬
‫حالة الطفلة نهيلة التي لم تخضع والدتها لعملية قيصرية لتاريخ‬ ‫متابعة مث‬
‫‪ 2440/40/40‬أي بعد يومين من لداية تقلصات الرحم‪ ،‬والتي ولدت وحالتها الصحية‬
‫متدهورة‪ ،‬خالفا لما وقع التمسك به‪ ،‬وذلك بأدائه الخدمة المنوطة به بشا سيء للغاية‬
‫ومن تم ارتكابه لخطأ مرفقي مرتب لهذه المسؤولية بعناصرها المشار إليها أعاله‪ ،‬األمر‬
‫الذي قررت معه المحكمة استبعاد ما أثير من قبل المستأنف في هذا الخصوص لعدم قيامه‬
‫على أساس قانوني أو واقعي سليم يبرره"‪.1‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬سوء تدلير المرفق الصحي‬


‫قد يأخذ الخطأ الطبي شكل إخالل الفريق الطبي بالتزاماته أو اخالل مرفق الصحة‬
‫العمومي بتأمين األدوات واآلليات الضرورية التي تسمح للطبيب بأداء مهمته على أحسن‬
‫وجه‪.‬‬

‫‪1‬قرار عدد ‪ 5301‬بتاريخ ‪ 13‬يوليوز ‪ 1130‬في الملف عدد ‪ 1/31/133‬الذي أيد حكم المحكمة اإلدارية بالرباط عدد ‪ 3135‬في الملف عدد‬
‫‪ 3/31/193‬الذي قضى بأداء و ازرة الصحة تعويضا قدره ‪ 011.111،11‬درهم‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الفقرة األولى‪ :‬غياب اإلماانيات اللوجستياية‬


‫ويعتبر من صور الخطأ المرفقي عدم توفر المرفق الصحي على اإلمكانيات‬
‫اللوجستيكية إلجراء عملية التوليد في ظروف عادية كغياب سيارة اإلسعاف وعدم توفر‬
‫المستشفى على قاعة للتوليد‪ ،‬فقد جاء في قرار محكمة االستئناف االدارية بالرباط وهي‬
‫تحمل المرفق الصحي مسؤولية األضرار الناتجة عن افتقاره للحد األدنى من اإلمكانيات‬
‫الضرورية إلجراء عملية التوليد ما يلي‪ " :‬وحيث ولئن كان الطبيب المعالج غير ملزم‬
‫بتحقيق الشفاء‪ ،‬إال انه يلتزم بسالمة المريض من كل ضرر يمكن ان يصيبه من جراء‬
‫عملية الوالدة وهو التزام بنتيجة‪.‬‬
‫وحيث إن هذه المحكمة‪ ،‬وانطالقا من المعطيات والعناصر التي أفرزها تقرير الخبير المنتدب‬
‫الدكتور ‪ -...‬والذي تبقى خبرته و إن لم يثبت احترامه لمقتضيات الفصل ‪ 11‬من قانون‬
‫المسطرة المدنية مجرد وثيقة من وثائق الملف تستأنس بها المحكمة – و كذا مختلف وثائق‬
‫الملف و مستنداته و خاصة ما راج بجلسة البحث‪ ،‬يتبين أن المستأنف عليها تعرضت‬
‫لنزيف دموي حاد لم تتمكن العناصر الطبية المتواجدة بدار الوالدة من الحد منه و كان من‬
‫الضروري نقلها إلى القسم المتخصص بالمستشفى اإلقليمي بمكناس إال ان سيارة االسعاف‬
‫تأخرت عن الحضور لمدة تزيد عن الساعتين خاصة و ان عملية الوالدة تمت على الساعة‬
‫الثانية عشرة ليال وبعد مرور نصف ساعة تبين للمولدة أن األم تعاني من مضاعفات خطيرة‬
‫فتوجهت إلى مركز الدرك الملكي لعين عرمة الستقدام سيارة االسعاف وذلك لكون هاتف‬
‫المركز الطبي معطل‪ ،‬وأنه تم ربط االتصال بمستشفى سيد سعيد فتم إخبارهم أن السيارة‬
‫األولى خرجت في مهمة وأن السيارة الثانية معطلة‪ ،‬ثم تم االتصال بسيارة االسعاف التابعة‬
‫للوقاية المدنية التي لم تحضر إال في حدود الساعة الثانية صباحا وهو ما أدى إلى تفاقم‬
‫حالتها الصحية ليتم في األخير استئصال الرحم للحد من النزيف‪.‬‬
‫وحيث إن هذه المضاعفات كان بإماان الطبيب المعالج تبنبها في حالة توفر اإلماانات‬
‫الطبية و اللوجستياية والتي من شأنها أن تساهم في اداء الخدمة بشا جيد وأنه أمام‬
‫هذه المعطيات الواقعية التي لم يدل الوكيل القضائي بأي معطى تقني أو طبي يفيد خالفه‪،‬‬
‫فإن ذلك يعني أن مسؤولية و ازرة الصحة تبقى قائمة وثابتة‪ ،‬بأدائها الخدمة المنوطة بها‬
‫بشكل سيء وتسببها في إصابتها بعاهة لها أثار نفسية ومعنوية جسيمة عليها‪ ،‬باإلضافة إلى‬

‫‪78‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫االضرار المادية التي قد تلحقها نتيجة ذلك‪ ،‬خاصة وأنه ليس هناك بالملف ما يفيد حدوث‬
‫أي خطأ من جانب المستأنف عليها‪ ،‬مما يبقى معه ما يتمسك به الطرف المستأنف غير‬
‫قائم على أساس‪ ،‬األمر الذي قررت معه المحكمة التصريح باستبعاده لهذه العلة‪".1‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬علم اإلدارة لتصرفات الطبيب المنافية لألصول الفنية والتقنية‬
‫دون اتخاذ اإلجراءات الضرورية في حقه‬
‫كما يمكن أن ندرج في اإلطار سوء تدبير اإلدارة لمرفق الصحة علمها بسلوكات‬
‫الطبيب المولد ومردوديته السيئة دون إتخاذ اإلجراءات الكفيلة لتفادي ذلك مما يشكل خطأ‬
‫مرفقيا يتحمل المرفق الصحي المسؤولية بالتعويض عن األضرار الناتجة عنه‪ ،‬فقد جاء في‬
‫حكم للمحكمة اإلدارية بمراكش المؤرخ في ‪ 33‬شتنبر ‪" :1131‬وحيث إنه‪ :‬اوال في مسؤولية‬
‫الطبيب المدعى عليه والمرفق الصحي‪ :‬وحيث إن علم البهة الطبية المشغلة للطبيب‬
‫المدعى عليه ‪ ...‬لتصرفاته و بالطبيعة الغالبة على مآل أغلب العمليات البراحية للتوليد‬
‫التي يقوم لها داخ مستشفى الحسن األول لتزنيت دون القيام بما يلزم للحد من تصرفاته‬
‫المؤدية لحين الكتاب الذي وافى به المندوب اإلاليمي وزير الصحة العمومية إلى وفاة ‪31‬‬
‫حالة من أص ‪ 22‬حالة أشرف عليها الطبيب المدعى عليه بسبب النزيف او التعفن‪،‬‬
‫يبع هذه البهة المرفقية والدولة المغربية معها متحملة بموجب مقتضيات المادة ‪ 97‬من‬
‫اانون االلتزامات والعقود المذكور أعاله‪ ،‬للمسؤولية عن االضرار الناجمة مباشرة على‬
‫تسيير إدارتها الصحية وعن االخطاء المصلحية الخطيرة كما ذكر أعاله للطبيب المدعى‬
‫عليه والطاام ا لطبي للمستشفى اب أثناء وبعد العملية القيصرية هي عن االضرار الناجمة‬
‫مباشرة على تسيير إدارتها الصحية وعن االخطاء المصلحية الخطيرة كما ذكر أعاله‬
‫للطبيب المدعى عليه‪.‬‬
‫وحيث إنه بالرجوع إلى ما ذكر أعاله فإن المضاعفات الطبية الناجمة عن تقصير الطبيب‬
‫المدعى عليه وا لطاقم الطبي للمستشفى قبل أثناء وبعد العملية القيصرية هي التي أدت‬

‫‪1‬قرار عدد ‪ 1310‬بتاريخ ‪ 15‬شتنبر ‪ 1130‬في الملف عدد ‪ 1/30/011‬الذي قضى بتأييد الحكم االبتدائي القاضي بتعويض قدره‬
‫‪ 511.111،11‬درهما‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫مباشرة إلى القصور الكلوي وإلى توقف اإلف ارزات الكلوية التي لم ينفع معها عالج هي التي‬
‫أدت مباشرة إلى وفاة مورثة المدعين‪.‬‬
‫وحيث إن المحكمة بعد دراستها لوقائع وحيثيات الواقعة المعروضة عليها تبين لها أن فقدان‬
‫المدعين مورثتهم بالشكل والظروف المفصلة اعاله‪ ،‬ألحق بهم أض ار ار مادية ومعنوية جسيمة‬
‫تمثلت في هدر مشروع عائلة بأكملها متكونة من زوج شاب وثالثة أطفال قاصرين ووالدي‬
‫المتوفاة الشيء الذي يحق لهم معه وفق مقتضيات المادة ‪ 11‬من قانون االلتزامات والعقود‬
‫والمادة ‪ 9‬من القانون ‪ 03-31‬المحدثة به المحاكم اإلدارية‪ ،‬المطالبة بتعويض جابر عن‬
‫هذا الضرر‪".1‬‬

‫خاتمة‬
‫وهكذا‪ ،‬يتبين من مراجعة أحكام وق اررات القضاء اإلداري في مجال مسؤولية مرفق‬
‫الصحة العمومي إلى أنه نجح في وضع المبادئ واالسس التي يمكن عبرها تفعيل الحق في‬
‫الصحة كما جاء به دستور ‪ 1133‬وأقرتها المعاهدات والمواثيق الدولة ذات الصلة‪ ،‬وقد أقر‬
‫القضاء بهذا الخصوص بأن الحكم بالتعويض ال يكون له محل إال في حالة ثبوت عدم‬
‫توفير الحق في العالج للمواطن المعني‪ ،‬أما في حالة تحمل الدولة لتكاليف العالج واستدعاء‬
‫المرفق الصحي للمريض من أجل العالج فإن مسؤولية الدولة تبقى غير قائمة‪.‬‬

‫كما اتضح أن العمل القضائي واجتهاد الغرفة اإلدارية بمحكمة النقض يتأرجح في‬
‫إقرار مسؤولية المرفق الصحي بين نظرية المخاطر ونظرية الخطأ كان مفترضا أو واجب‬
‫اإلثبات‪ ،‬ويقضي في جميع األحوال بإجراء خبرة لتحديد الخطأ الطبي والتعويض المستحق‬
‫عن الضرر‪ ،‬ويجنح في أغلب الحاالت إلى إلباس المسؤولية الشخصية لباس المسؤولية‬
‫اإلدارية‪ ،‬وبذلك يتحول الخطأ الشخصي إلى خطا مرفقي‪ ،‬وهو أمر منتقد من طرف الفقه‬
‫اإلداري الذي ينادي بضرورة تحميل المسؤولية الشخصية للطبيب في حالة الخطأ الجسيم‬
‫حتى ال يشعر بوجود مظلة تقيه تحمل نتائج األخطاء المهنية الجسيمة التي يرتكبها ويتحمل‬

‫‪1‬حكم عدد ‪ 911‬صادر عن المحكمة اإلدارية بأكادير بتاريخ ‪ 33‬شتنبر ‪ 1131‬في الملف عدد ‪ 1131/111‬ش القاضي بأداء الدولة لفائدة ذوي‬
‫حقوق الهالكة مبلغا إجماليا قدره ‪ 1.311.111،11‬درهما‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المرفق الصحي تبعاتها بدال منه بتعويض المتضرر‪ ،‬وهو االتجاه الذي يروم الفقه اإلداري‬
‫من خالله الحد من األخطاء الطبية‪.‬‬

‫وعلى العموم‪ ،‬وبغية تفادي الحكم على الدولة بمبالغ مالية مهمة كتعويض عن إقرار‬
‫مسؤوليتها عن األخطاء التي ترتكبها مرافق الصحة العمومية‪ ،‬نوصي‪:‬‬
‫‪ ‬إدراج مادة المسؤولية الطبية ضمن المقررات التعليمية بكليات الطب؛‬
‫‪ ‬إيجاد صيغة للتنسيق ما بين القضاة واألطباء وذلك عبر تنظيم لقاءات علمية‬
‫ودورات تحسيسية حول المواضيع ذات الصلة بالمسؤولية الطبية (أيام دراسية‪،‬‬
‫حلقات دراسية‪ ،‬ندوات علمية وغيرها)؛‬
‫‪ ‬تفعيل المسؤولية الشخصية للطبيب؛‬
‫‪ ‬تعميم التأمين عن المسؤولية على كافة المرافق الصحية؛‬
‫‪ ‬التحلي بالسلوك المهني وبأخالقيات المهنة‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المسؤولية ا إالدارية للدولة الناتجة عن الظروف‬


‫الطارئة واالستثنائية‬
‫أ‬
‫من إعداد الستاذ عبد المجيد الشفيق‪،‬‬
‫رئيس المحكمة اإلدارية بفاس‬
‫قبل أن نتعرض لألسس التي قد تقوم عليها المسؤولية اإلدارية للدولة عن حالة الطوارئ‬
‫في حالة إثارتها من قبل من يعنيه األمر‪ ،‬فإنه البد أن نتعرض وبإيجاز للتعريف الذي أعطاه‬
‫كل من الفقه واالجتهاد القضائي لهذه المسؤولية انطالقا من مختلف التعاريف التي حاولت‬
‫مالمسة هذا المفهوم‪.‬‬

‫فالمسؤولية اإلدارية في معناها الواسع هي تلك الحالة القانونية التي تلتزم فيها الدولة‬
‫والمؤسسات العامة والجماعات الترابية بدفع تعويض عن ضرر أو أضرار لحقت بالغير بفعل‬
‫وتسببت له في أضرار جراء األعمال والتصرفات اإلدارية الضارة التي قد تقوم بها سواء كانت‬
‫مشروعة أو غير مشروعة وذلك على أساس وجود خطأ مرفقي أو حتى بدون أي خطأ‪.‬‬

‫وهذا التعريف حاولت الغرفة اإلدارية بمحكمة النقض مالمسته من خالل عدد من الق اررات‬
‫الصادرة عنها من ضمنها القرار عدد ‪ 1/11‬الصادر بتاريخ ‪ 1131/13/31‬في الملف اإلداري‬
‫عدد ‪ 1131/1/0/1133‬والذي جاء فيه بأن‪":‬الثالت من المنازعة ومعطياتها وما تم اإلدالء‬
‫به من وثائق ومستندات أن السبب في الحادث يعود إلى أن إحدى البالوعات التابعة لها‬
‫والمخصصة لتصريف مياه الودي الحار تركت من ابلها لدون غطاء مما أدى إلى سقوط‬
‫المدعي(المستأنف عليه) فيها فتسبب له ذلك في األضرار البسدية التي تثبتها الشواهد‬
‫الطبية المدلى لها وتقرير الخبرة المنبزة في النازلة ‪،‬وهو ما يعني قيام مسؤوليتها عن ذلك‬
‫يتمث في أدائها للخدمة المناطة لها على وجه سيء بإهمالها‬ ‫بارتكالها خطأ مرفقيا‬
‫وتقصيرها في صيانة وإحاام إغالق بالوعات الصرف الصحي التابعة لها ‪ ،‬وذلك وفقا لما هو‬
‫منصوص عليه في الفص ‪ 97‬من اانون االلتزامات والعقود والمادة ‪ 8‬من القانون ‪03/74‬‬
‫المحدث والمنظم للمحاكم اإلدارية ‪ ،‬ولوجود عالاة سببية مباشرة لين هذا الخطأ واألضرار‬

‫‪82‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫البسدية والمادية التي تعرضت لها الضحية نتيبة لذلك ‪ ،‬وبذلك تكون ‪...‬العناصر الضرورية‬
‫لقيام المسؤولية عن الحادث موضوع هذه الدعوى في حق الشركة الطالبة وثبوتها واألساس‬
‫القانوني المستند عليه فيها"‪.‬‬

‫على أنه يشترط لقيام هذه المسؤولية اإلدارية وكما هو متواتر عليه فقها وقضاء تـوفر عـدد‬
‫مــن الشــروط مــن ضــمنها أن يكــون هنــاك خطأأأ يتجلــى فــي كــل فعــل ضــار وغيــر مشــروع صــادر‬
‫عــن اإلدارة ولــيس لــه أي أســاس قــانوني يبــرره ‪ ،‬بجميــع صــوره سـواء كــان عبــارة عــن قـرار إداري‬
‫تصدره اإلدارة بكيفية غير مشروعة (أثبت حكم قضائي عدم شرعيته) ‪ ،‬أو عمل مادي قامـت بـه‬
‫أثنـاء إتيانهــا إلحــدى التصــرفات التـي تــدخل فــي نطــاق نشـاطها العــام ‪ ،‬فــي صــورة عمــل إيجــابي‬
‫كالقيام بعمل أو بإجراء أو نشاط ما ‪ ،‬أو عمل سـلبي مـن قبيـل عـدم اتخـاذ قـرار تتطلبـه الظـروف‬
‫أو االمتنــاع عــن القيــام بعمــل يــدخل فــي اختصاصــات اإلدارة ‪ ،‬وهــذا األمــر الــذي أكدتــه الغرفــة‬
‫اإلداريــة بمحكمــة الــنقض مــن خــالل عــدد مــن الق ـ اررات الصــادرة عنهــا مــن ضــمنها علــى ســبيل‬
‫المث ـ ـ ــال القـ ـ ـ ـرار ع ـ ـ ــدد ‪ 1/313‬الصـ ـ ـ ــادر بت ـ ـ ــاريخ ‪ 1139/31/15‬ف ـ ـ ــي المل ـ ـ ــف اإلداري عـ ـ ـ ــدد‬
‫‪ 1131/1/0/1335‬والـذي اعتبــرت فيـه اإلدارة مســؤولة عــن األضـرار التــي لحقـت بأحــد مــوظفي‬
‫إدارة السجون بعد االعتداء عليـه مـن قبـل أحـد السـجناء وذلـك لعـدم تـوفير الحمايـة الالزمـة داخـل‬
‫الســجون ‪ ،‬ولعــدم تشــديد الرقابــة داخلهــا إذ جــاء فــي هــذا القـرار بأنــه ‪" :‬لكأأن‪ ،‬حيأأث إنأأه ‪-‬خأأالف‬
‫الوارد بالوسيلة‪ -‬فإن الدولة هي المسؤولة عن االعتداء الذي تعرض له الضحية أثناء القيأام‬
‫بعمله بمرفق عمأومي والمحامأة عللأت اضأاءها بمأا يلأي ‪ ...(( :‬أن وااعأة االعتأداء لواسأطة‬
‫عصا و سالح أليض التي تعرض لها موروث المعنيين باألمر حينما كان يزاول مهام الحراسة‬
‫بالسبن المدني عين البرجة بالدار البيضاء وإن كانت تعزى الى فع جرمأي نتيبأة فعأ الغيأر‬
‫فأأإن وجأأه الخطأأأ المرفقأأي فأأي هأأذه الحالأأة يتبلأأى فأأي ضأأعف الراابأأة القبليأأة علأأى األدوات‬
‫المستعملة في االعتداء‪ ،‬وكذا في عدم تشديد الراابأة علأى السأبناء الخطيأرين‪ ،‬ومأن تأم فأإن‬
‫مسأأؤولية اإلدارة فأأي هأأذه الحالأأة هأأي مسأأؤولية اائمأأة تبأأد أساسأأها فأأي التأزام الدولأأة لتأأوفير‬
‫الحماية والسالمة الصحية لموظفيها من ك ما من شأنه المساس لهم خالل تأديتهم لأواجبهم‬
‫الوظيفي‪ ،)).....‬وهو تعلي سائغ وبذلك جاء القرار المطعأون فيأه معلأال تعلأيال كأامال ومرتكأ از‬
‫على أساس وما بالوسيلة على غير أساس"‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫باإلضافة إلى ذلك فإنه يتعين أن يترتب عن ذلك الخطأ أضرار موجبة للحكم بالتعويض‬
‫المطالب به‪ ،‬الذي يجب بدوره أن تتوفر فيه عدد من الشروط‪ ،‬من ضمنها‪:‬‬

‫‪ -‬أن يكون هذا الضرر ثابتا حاال وواقعا‪ ،‬فالتعويض عن الضرر االحتمالي غير‬
‫قائم إال في بعض الحاالت‪ ،‬كما في حالة الحرمان من فرصة اجتياز امتحان‬
‫الحصول على ترقية بسبب قرار إداري‪.‬‬
‫‪ -‬أن يمس الخطأ بحق مشروع أو مصلحة مشروعة‪.‬‬
‫‪ -‬أن يكون مما يمكن تقييمه بالمال‪.‬‬

‫وتحديد مبلغ التعويض عن الضرر هو مما يندرج ضمن السلطة التقديرية للمحكمة‪،‬‬
‫تستعين في تحديده بكافة إجراءات التحقيق المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية بما في‬
‫ذلك الخبرة المنجزة في النازلة‪ ،‬وال رقابة عليها في ذلك من طرف محكمة النقض إال فيما‬
‫بخص التعليل‪ ،‬وهذا ما أكدته الغرفة اإلدارية بمحكمة النقض من خالل قرارها ‪1/3151‬‬
‫الصادر بتاريخ ‪ 1139/31/31‬في الملف اإلداري رقم ‪ 1131/1/0/1101‬والذي جاء فيه‬
‫بأنه ‪" :‬وكما ذهبت لذلك المحامة مصدرة القرار المطعون فيه فان التعويض المحاوم به جاء‬
‫نتيبة منااشة جميع األضرار المدعاة بما فيها عنصر عدم مشروعية ارار اإلعفاء‪ ،‬وأن‬
‫تقدير التعويض عن الضرر هو من صميم السلطة التقديرية لمحامة الموضوع وال معقب‬
‫عليها في ذلك إال من حيث التعلي الذي ينبغي ان ياون كافيا ومقبوال‪ ،‬والمحامة مصدرة‬
‫القرار المطعون فيه مراعاة لكافة األضرار الالحقة بالمطلوب في الطعن ارتأت إجمال مبلغ‬
‫التعويض في ثالثمائة ألف درهم‪ ،‬وهو أمر ال يشا خراا للمقتضيات المحتج لها فالوسيلة‬
‫غير جديرة باالعتبار"‪.‬‬

‫فضال عن ذلك‪ ،‬فإنه إلقرار المسؤولية اإلدارية للمرفق المدعى عليه ‪ ،‬البد من وجود‬
‫عالقة سببية بين ذلك الخطأ والضرر المترتب عنه‪ ،‬بمعنى أن تكون هناك عالقة مباشرة‬
‫بينهما‪ ،‬وبالتبيعة فإن اإلدارة ال تكون مسؤولة مسؤولية مباشرة عن هذا الخطأ بشكل يرتب الحق‬
‫في التعويض‪ ،‬بحيث إنه في هذه الحالة يمكن للقاضي أن يشطر المسؤولية بحسب نسبة خطأ‬
‫اإلدارة‪ ،‬وهذا ما درجت عليه الغرفة اإلدارية بمحكمة النقض من خالل عدد من الق اررات‬
‫الصادرة عنها من ضمنها القرار عدد ‪ 1/3333‬الصادر بتاريخ ‪ 1139/33/11‬في الملف‬
‫‪84‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫اإلداري رقم‪ 1131/1/0/1113‬والذي جاء فيه بأن ‪" :‬الوارد بالوسيلة‪ -‬يبرز العناصر التي‬
‫استندت إليها المحامة في تحديد التعويض‪ ،‬والمحامة حملت الدولة المغربية مسؤولية‬
‫الحادث على أساس ثبوت خطأ اإلدارة المتمث في تقصيرها في التعهد بالتالميذ وحراستهم‬
‫داخ المؤسسة التعليمية‪ ،‬وبالتالي ثبوت العالاة السببية لين الخطأ والضرر‪ ،‬وليس على‬
‫أساس الخطأ المفترض‪ ،‬وما هو خالف الوااع غير مقبول"‪.‬‬

‫وإذا كانت هذه هي أهم القواعد والشروط التي تؤطر مسؤولية اإلدارة عن األخطاء المرفقية‬
‫التي تصدر عنها‪ 1‬بمناسبة تدبير المرفق العمومي في الظروف العادية‪ ،‬فإنه بالنسبة للظروف‬
‫االستثنائية أو الطارئة فإنه يثار سؤال حول طبيعة هذه المسؤولية‪ ،‬وما إذا كانت تبقى خاضعة‬
‫بدورها لنفس هذه القواعد والشروط أم أنها تب قى ذات طابع استثنائي وخاص‪ ،‬بشكل يخرجها عن‬
‫الخضوع والتقيد بهذه الشروط‪.‬‬

‫وطرحنا لهذا السؤال يأتي مع الظروف االستثنائية التي يعيشها العالم اليوم‪ ،‬في ظل‬
‫انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد ‪ )33‬وما أصبح يشكله من خطر كبير على الصحة‬
‫العامة‪ ،‬اعتبا ار لخطورته التي قد تؤدي إلى الوفاة‪ ،‬والق اررات واإلجراءات التي تم اتخاذها من‬
‫طرف اإلدارة في هذه الظروف لمواجهة تفشي هذا الوباء أو التي كانت يتعين عليها اتخاذها‪،‬‬
‫وما قد تثيره من مسؤولية لإلدارة جراء ذلك في ظل حالة الطوارئ الصحية المفروضة من قبلها‪.‬‬

‫وفي هذا الصدد‪ ،‬فقد أثير نقاش فقهي وقانوني بفرنسا حول هذا الموضوع وما إذا كانت‬
‫اإلدارة تبقى متحملة لمسؤولية محتملة عن األضرار التي قد تلحق بالغير جراء اإلجراءات‬
‫االحت ارزية التي تم اتخاذها من طرف السلطات العمومية بفرنسا لمواجهة تفشي وانتشار هذا‬
‫الفيروس القاتل ‪ ،‬وما تسببت فيه من آثار سلبية على الحياة اليومية للمواطنين جراء النقص‬
‫الحاد في الكمامات الطبية (‪ )FFP2‬ومواد التعقيم وكذا أجهزة التنفس االصطناعي‪ ،‬خصوصا‬

‫‪ 1‬سبق لمجلس الدولة الفرنسي أن أصدر في األيام األخيرة عدة أوامر استعجالية رفض من خاللها الطلبات التي تقدمت بها هذه الهيئات من أجل‬
‫إلزام الحكومة بتوفير المعدات واألجهزة الطبية المتخصصة لمواجهة تفشي فيروس كورونا المستجد‪ ،‬أنظر على الخصوص الق اررات التالية ‪:‬‬
‫‪C.E.,Ord.du 20 avril 2020, (n°s 439983, 440008 .) ; protection des avocats.; Ordre des avocats de Paris et‬‬
‫‪de Marseille. in conseil-etat.fr.‬‬
‫‪C.E.Ord. du 18 avril 2020, (n° 440012), Fermeture des entreprise de ma métallurgie.; Fédération des‬‬
‫‪travailleurs de la métallurgie CGT (FTM-CGT), in conseil-etat.fr.‬‬

‫‪85‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫في األيام األولى للعدوى وتسبب ذلك في االنتشار الواسع للفيروس‪ ،‬بل ومطالبة هيئات مهنية‬
‫وقطاعية معينة (من قبيل هيئات المحامين‪ ،‬وهيئات صناعية واقتصادية) بتوفير هذه األجهزة‬
‫(‪.)3‬‬

‫لكن السؤال الذي يبقى دائما مطروحا ويحتاج إلى إجابة صريحة‪ ،‬هو‪ :‬أنه حتى إذا سلمنا‬
‫أن ما تم اتخاذه من إجراءات وما تم رفض القيام به منها قد تسبب في أضرار مادية ومعنوية‬
‫للغير‪ ،‬فما هو أساس هذه المسؤولية؟ وما هو وجه الخطأ المرفقي الذي قد ينسب إلى اإلدارة؟‪.1‬‬

‫وقبل أن نعطي إجابات فقهية وقانونية لهذا السؤال‪ ،‬نود أن نوضح أن احتمال إقامة‬
‫دعاوى في إطار المسؤولية اإلدارية للدولة عن األضرار المادية والمعنوية الناتجة عن جائحة‬
‫كورونا تبقى واردة‪ ،‬وذلك انطالقا من الدعاوى القضائية المماثلة التي سبق وأن رفعت في هذا‬
‫اإلطار في القانون المقارن‪ ،‬والتي نوردها على الشكل التالي‪:‬‬

‫‪ -‬قضية الدم الملوث "‪( "Sang contaminé‬قرار مجلس الدولة الفرنسي الصادر‬
‫عدد ‪ 319151‬وتاريخ ‪.) 3331/10/13‬‬
‫‪ -‬قضية ‪( amiante‬قرار مجلس الدولة الفرنسي رقم ‪ 103351‬وتاريخ‬
‫‪.)1110/11/11‬‬
‫‪ -‬قضية ‪(Médiator‬قرار مجلس الدولة الفرنسي رقم ‪ 131310‬و ‪ 131319‬و‬
‫‪ 131311‬وتاريخ ‪.)1131/33/13‬‬

‫إن ما ينبغي التأكيد عليه‪ ،‬هو أن هناك إجماع من قبل كافة الفقهاء والمهتمين بالقضاء‬
‫اإلداري بفرنسا أن هناك دعاوى إدارية قد ترفع من قبل بعض األفراد أو ذوي الحقوق بسبب‬
‫جائحة كورونا وما تالها من إجراءات احت ارزية في إطار فرض قانون الطوارئ الصحية‪ ،‬لكن‬
‫هناك اختالف كبير بينهم حول أساس هذه المسؤولية‪ ،‬خاصة وأن مجيئ هذه الجائحة جاء‬
‫بشكل مفاجئ وغير متوقع‪ ،‬وبالتالي تعددت اآلراء حول التأطير القانوني الذي قد يعطى‬

‫‪1‬‬
‫‪Jean – Yves TRENNEC, les victimes du coronavirus peuvent – elles engager la responsabilités des autorités‬‬
‫‪publiques ?. scp-arents-trennec.com.‬‬

‫‪86‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫لمسؤولية الدولة‪ ،‬وما إذا كانت قد تعفى أصال من أية مسؤولية اعتبا ار لعنصر الظرف الطارئ‬
‫وغير المتوقع‪.‬‬

‫إنه في جميع األحوال‪ ،‬وحتى ما إذا رفعت دعاوى إدارية في هذا الخصوص‪ ،‬فإن‬
‫المسؤولية اإلدارية للدولة هنا إذا كان ال يمكن تأطيرها في إطار المسؤولية بناء على خطأ‪،‬‬
‫اعتبا ار لما سبق وأشرنا إليه إلى أن قواعد هذه المسؤولية تطبق في الظروف العادية وليس‬
‫االستثنائية وغير العادية‪ ،‬فإنه ال يمكن إدراجها في إطار المسؤولية بدون خطأ‪ ،‬ألن االجتهاد‬
‫القضائي‪- ،‬سواء في فرنسا أو في المغرب‪ ،-‬حصر هذا النوع من المسؤولية في حاالت‬
‫محددة‪ ،‬نجملها فيما يلي‪:‬‬

‫أ‪-‬المسؤولية عن األضرار التي تصيب الغير جراء حوادث األشغال العامة‪:‬‬

‫هذه الحالة من المسؤولية بدون خطأ تواتر االجتهاد القضائي على أنها مقررة لفائدة‬
‫الغير باعتباره أجنبي عن األشغال العامة‪ ،‬وليس لفائدة المتعاملين مع اإلدارة أو المستفيدين‬
‫من خدمتها‪ ،‬والذين تطبق عليهم قواعد المسؤولية بناء على خطأ‪.‬‬

‫ب‪-‬المسؤولية عن األضرار الناتبة عن فع أشياء أو استعمال وسائ‬


‫خطرة‪:‬‬

‫وهذا النوع من المسؤولية اقرته الغرفة اإلدارية بمحكمة النقض من خالل عدد من‬
‫الق اررات الصادرة عنها من ضمنها القرار عدد ‪ 919‬الصادر بتاريخ ‪ 1131/13/39‬في‬
‫الملف اإلداري عدد ‪ 1131/31/39‬والذي جاء فيه أن ‪" :‬الدعوى تهدف إلى إارار‬
‫مسؤولية الدولة في إطار الفص ‪ 97‬من اانون االلتزامات والعقود بسبب األضرار الناتبة‬
‫عن اللغم وهي مسؤولية اائمة على نظرية المخاطر وتكون ناجمة عن استعمال أشياء‬
‫خطيرة كما هو األمر في نازلة الحال ‪ ،‬ويافي للمتضرر إثبات العالاة السببية لين الحادث‬
‫والضرر دون إثبات الخطأ مادام اللغم اد زرع بالتراب الوطني وأن المحامة لما حملت‬
‫الدولة المغربية مسؤولية الحادثة تكون اد طبقت الفص ‪ 97‬من اانون االلتزامات والعقود‬
‫وأن هذه العلة القانونية تح مح العلة المنتقدة مما تبقى معه الوسيلة لدون تأثير "‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ج‪-‬المسؤولية لناء على الخطأ المفترض‬

‫وهي عادة ما تطرح في المجال الطبي والذي تستخدم فيه أساليب طبية حديثة قد‬
‫يصعب معه على المتضرر العادي أن يثبت من خاللها مكمن الخطأ المرفقي المرتكب من‬
‫قبل المستشفى الذي حصل له فيه ضرر‪.‬‬

‫وتجد هذه المسؤولية أساسها الفقهي والقضائي في وجوب المساواة في تحمل األعباء‬
‫العامة خاصة إذا كان الضرر الذي لحق بالمتضرر يفوق درجة الضرر العادي مما ال يمكن‬
‫معه تحمله لوحده‪ ،‬وقد ساير القضاء اإلداري بالمغرب هذا االتجاه وأصبح بدوره يأخذ‬
‫لنظرية الخطأ المفترض من خالل عدد من األحكام والق اررات الصادرة عنه من ضمنها‬
‫القرار عدد ‪ 1/111‬الصادر عن الغرفة اإلدارية بمحكمة النقض بتاريخ ‪ 1131/10/33‬في‬
‫الملف اإلداري عدد ‪ 1131/1/0/101‬والذي قضت فيه برفض طلب النقض الذي تقدم به‬
‫الوكيل القضائي للمملكة معتبرة بأنه لما كان الثابت للمحكمة مصدرة الق ارر المطعون فيه أن‬
‫الضرر الذي تعرض له الضحية كان بمناسبة خضوعه لعملية التلقيح اإلجباري وكان التلقيح‬
‫المذكور يدخل فعال ضمن األعمال الطبية إال أن خصوصيته المتمثلة في كون من يتم‬
‫تلقيحه في اإلطار المذكور ال يستشار في الخضوع لعملية التلقيح مادام أن الهدف منه هو‬
‫حماية الصحة العامة من مخاطر األوبئ‪ ،‬وأنه بالنظر لما ذكر فإن الملقح ال يطلب منه‬
‫إبداء رأيه هو أو من ولي أمره إذا كان قاص ار في القبول طواعية بالمخاطر المترتبة على‬
‫تلك العملية فإن كل ذلك يجعل أساس تعويض من تضرر هو التضامن بين أفراد المجتمع‬
‫في تحمل األخطار اال جتماعية بصرف النظر عن قيام خطأ من عدمه‪ ،‬والمحكمة لما ثبت‬
‫لها أن الضحية أصابه صمم بعد خضوعه لعملية تلقيح إجباري من صنف (‪ )R R‬ورتبت‬
‫على ذلك القول بأحقيته في التعويض في إطار فكرة المساواة والمشاركة في تحمل األعباء‬
‫العامة‪.‬‬

‫وهي الحاالت التي ال تندرج ضمنها حالة التعويض عن األضرار الناتجة عن‬
‫اإلجراءات والتدابير التي اتخذت أو لم يتم اتخاذها في إطار تدبير جائحة كورونا‪ ،‬كما أنه‬
‫حتى إذا اعتبرنا تجاو از بأن مسؤولية اإلدارة في هذه الحالة تبقى مندرجة في إطار المسؤولية‬

‫‪88‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫بدون خطأ‪ ،‬فإن االجتهاد القضائي اإلداري حدد لقيام مثل هذه المسؤولية وجوب توفر عدد‬
‫من الشروط والتي تتجلى على الخصوص في‪:‬‬

‫‪ -3‬جسامة األضرار التي تصيب المعنيين باألمر‬

‫ألن الضرر الواجب التعويض عنه يشترط فيه أن يكون على قدر من الجسامة وذلك‬
‫بتجاوزه للحدود المألوفة التي يتحملها الفرد عادة‪ ،‬ويبلغ حد الجسامة االستثنائية‪ ،‬وفقا لما‬
‫أكدته الغرفة اإلدارية بمحكمة النقض من خالل قرارها عدد ‪ 1/3310‬الصادر بتاريخ‬
‫‪ 1131/31/33‬في الملف اإلداري عدد ‪ ،1135/1/0/0100‬حيث اعتبرت حقن طفلة‬
‫صغيرة بالدم بشكل خاطئ مما أدى إلى بتر أصابع يدها يعتبر خطأ جسيما مرتبا لمسؤولية‬
‫اإلدارة ولو بدون خطأ‪ ،‬و جاء في هذا القرار ما يلي ‪" :‬فإن المحامة ورعيا منها لما سبق‬
‫ليانه أعاله من كون مسؤولية المرفق الصحي المستأنف تبقى ثالتة انطالاا من عناصر‬
‫المنازعة ومعطياتها ‪ ،‬وبالنظر إلى الخطأ الطبي البسيم الذي ارتكبه أثناء عملية حقن‬
‫الدم الذي خضعت له النة المستأنف عليه وبالنظر كذلك لحبم هذه األضرار والتي ترتب‬
‫عنها لتر األجزاء السفلى لليد اليسرى لطفلة في مقتب عمرها مع ما ترتب عن ذلك من‬
‫حرمان من الحياة الطبيعية التي كان يمان أن تتمتع لها كسائر اريناتها‪ ،‬باإلضافة الى‬
‫اآلثار النفسية لذلك ‪." ،‬‬

‫‪ -2‬خصوصية الضرر الالحق بالمتضرر‬

‫باإلضافة إلى ذلك ‪ ،‬فإنه يشترط في الضرر الموجب للتعويض أن يكون خاصا بمعنى‬
‫أنه يجب أن يكون خاصا بفرد معين أو بعدد محدود من األشخاص‪ ،‬وهو أمر يقرره القضاء‬
‫بحسب وقائع النازلة المعروضة عليه‪ ،‬إذ أنه ليس كل ضرر ولو تعدد األشخاص المصابون‬
‫به يعوض عليه إال إذا كان ذي طبيعة خاصة فمثال إغالق ميناء ال يعتبر مبر ار للمطالبة‬
‫بالتعويض لكل من يجري معامالت تجارية عن طريق البحر إال إذا كان هذا اإلغالق قد‬
‫أدى إلى خسائر كبيرة بالنسبة لمن كان من الالزم أن يحصل على بضاعته بتاريخ اإلغالق‬
‫‪ ،‬كما أنه ال يمكن لكل من يوجد بجوار محوالت كهربائية أن يطالب بتعويض عن أضرار قد‬
‫تكون ترتبت عن هذه المحوالت إال إذا كان مالكا للعقار الذي أقيمت فوقه‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪ -1‬وجود عالاة سببية‬

‫فإنه يتحقق كلما وجدت عالقة بين الفعل الصادر عن اإلدارة والضرر الذي لحق‬
‫بالمعني باألمر‪ ،‬بحيث أنه إذا انتفى هذا الشرط إال وانتفى أي مبرر للمطالبة بالتعويض‪.‬‬

‫وهي شروط من وجهة نظرنا قد ال تتوفر إلثارة مسؤولية الدولة عن األضرار واآلثار‬
‫التي قد تترتب عن جائحة كورونا‪ ،‬التي اتخذت أبعادا دولية كبيرة إن على المستوى‬
‫االقتصادي أو االجتماعي أو السياسي‪ ،‬وخرجت عن دائرة ما هو مألوف وعادي وذي طابع‬
‫خاص‪.‬‬

‫باإلض افة إلى ذلك فإن اإلدارة قد تعفى من تحمل مثل هذه المسؤولية‪ ،‬إذا توفرت‬
‫شروط معينة من قبيل‪:‬‬

‫‪ -‬خطأ المتضرر‬

‫إذا ثبت وقوع خطأ من جانب المتضرر‪ ،‬وكان هذا الخطأ ساهم كليا أو جزئيا في‬
‫حدوث الضرر‪ ،‬فإن هذا الخطأ يكون سببا إلعفاء اإلدارة من المسؤولية بنسبة مساهمته في‬
‫هذا الضرر‪ ،‬ويقصد بالخطأ هنا‪ ،‬الخطأ الصادر من المتضرر شخصيا أو من التابعين له‬
‫بشرط أن يحتج بهذا الخطأ في مواجهة المتبوع‪.‬‬

‫وفقا لما أكدته الغرفة اإلدارية بمحكمة النقض من خالل قرارها عدد ‪ 1/150‬الصادر‬
‫بتاريخ ‪ 1131/15/15‬في الملف اإلداري عدد ‪ 1135/1/0/0155‬والذي جاء فيه بأنه ‪:‬‬
‫"القرار االستئنافي اد أيد الحام االلتدائي بعلة أخرى غير العلة التي جاء لها الحام‬
‫االلتدائي والمتمتلة في عدم إدالء الطاعنة بمستنتباتها بعد الخبرة رغم التوص في حين‬
‫ان علة القرار االستئنافي هي نفي مسؤولية الحادث عن الماتب الوطني للساك الحديدية‪.‬‬
‫إذ جاء بالقرار‪ ... ((:‬بعد االطالع على محضر الضابطة القضائية عدد ‪/3222‬م ح س‬
‫لتاريخ ‪ 48/48/47‬اتضح ان الحادث يعود للمستأنفة – الطاعنة‪ -‬التي لم تتخذ ما يلزم‬
‫من االحتياطات أثناء نزولها من القطار خاصة ان الطقس كان عاديا والرؤية واضحة‬
‫وعدم وجود عرااي او حواجز من شأنها إعااة عملية النزول وبالتالي فالمسؤولية تقع‬

‫‪90‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫كاملة على عاتق المستأنفة))‪ .‬فلتحديد المسؤولية ال لد من استحضار ثالثة عناصر‪ :‬فع‬
‫أو خطأ أو إهمال وضرر وعالاة سببية‪ .‬وبذلك فالقرار طبق القانون حرفيا وال مؤاخذة‬
‫اانونية عليه مما تكون معه الوسيلة غير ذات أساس"‪.‬‬

‫‪ -‬وجود اوة ااهرة‬

‫التي تنشأ عن سبب أجنبي بحيث ال يد للمتضرر فيه يمكن توقعه وبتعذر دفعه او‬
‫تفادي آثاره‪.‬‬

‫والقوة القاهرة ليس لها مفهوم ثابت‪ ،‬بل لها مفهوم نسبي يتطور بتطور الحياة‪ ،‬وكلما‬
‫توفرت قوة قاهرة إال وانعدم شرط العالقة السببية‪ ،‬وتبعا لذلك تنتفي موجبات قيام المسؤولية‬
‫اإلدارية بدون خطأ ‪ ،‬فقد سبق للغرفة اإلدارية بمحكمة النقض من خالل قرارها عدد‬
‫‪ 1/3155‬الصادر بتاريخ ‪ 1139/31/31‬في الملف اإلداري عدد ‪ ،1131/1/0/0031‬أن‬
‫اعتبرت بأنه‪ ..." :‬وحول مسؤولية الطالبة فقد ثبت لقضاة الموضوع أن هذه األخيرة اامت‬
‫لتفريغ حقينة السد بسبب تراكم كميات األمطار التي عرفتها منطقة مشرع للقصيري‬
‫المباورة لوادي سبو‪ ،‬مما أدى الرتفاع منسوب مياه الوادي وحصول فيضانات أتلفت‬
‫العديد من العقارات والمزروعات من لينها عقار المطلوب في الطعن الذي تضرر بفع تلك‬
‫الفيضانات‪ .‬وأن المحامة انتهت – عن صواب‪ -‬الى انه ال يمان الحديث عن القوة‬
‫القاهرة ما دام أن إطالق مياه السد تم بفع المشرفين عليه وأن التواعات المناخية تسمح‬
‫بمعرفة حبم األمطار المتواعة بالمنطقة وبالتالي إفراغ مياه السد بشا تدريبي لتفادي‬
‫تضرر ساان المنطقة‪ .‬والمحامة باعتمادها المعطيات الوااعية أعاله تكون اد عللت ارارها‬
‫بما فيه الكفاية والوسائ غير جديرة باالعتبار"‪.‬‬

‫‪ -‬عدم شرعية مركز المتضرر‬

‫من الشروط الواجب توفرها من أجل المطالبة بتعويض عن األضرار التي تلحق‬
‫المتضرر أن يكون مركزه القانوني مشروعا حيال اإلدارة‪ ،‬وبأن ال يكون مخالفا للقانون أو‬
‫للنظام العام واآلد اب‪ ،‬بحيث أنه ال يستحق في مثل هذه الحالة الحصول على أي تعويض ‪،‬‬

‫‪91‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫غير أن هذا الشرط ال يطبق على إطالقه بحيث أنه يبقى دائما خاضعا لتقدير القاضي‬
‫اإلداري ‪ ،‬فمثال الشخص الذي أقام بناء على الملك العام ال يمكنه أن يطالب بالتعويض إذا‬
‫قامت السلطات المختصة بهدم البناء المخالف‪.‬‬

‫وبالتالي فهل يمكن ان نعتبر جائحة كورونا هي مما يندرج ضمن حالة القوة القاهرة‬
‫التي قد تعفي الدولة من تحمل أية مسؤولية عن أية أضرار مادية أو معنوية محتملة قد‬
‫تتربت عنها‪ ،‬سؤال وغيره يبقى مطروحا وتبقى األيام القادمة والدعاوى المحتملة التي قد تقام‬
‫بعد رفع حالة الطوارئ وما سيصدر فيها من أحكام قضائية اعتبا ار للطابع االجتهادي للقضاء‬
‫اإلداري‪ ،‬هي الكفيلة بتقديم أجوبة عنها ‪ ،‬وأننا أردنا من خالل هذا التحليل إثارة موضوع‬
‫أصبح موضوع مناقشة جدية في الوقت الحالي بين جميع المنابر القانونية والفقهية بالعديد‬
‫من الدولة من ضمنها فرنسا مثال‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫أ‬
‫جدلية الخطا الشخصي والمرفقي للموظف العمومي‬
‫بين النظرية والتطبيق‬
‫من إعداد الستاذ عالء الحميدي‪،‬‬
‫رئيس قسم الطعون باإللغاء بالوكالة القضائية للمملكة‬
‫تقديم‬

‫يكاد يجمع مختلف فقهاء القانون اإلداري أن مهد المسؤولية اإلدارية بفرنسا كان في‬
‫نهاية القرن التاسع عشر من خالل قرار بالنكو)‪ (Blanco‬الشهير‪ ،‬الصادر عن محكمة‬
‫التنازع الفرنسية بتاريخ ‪ 19‬فبراير ‪ ،3911‬بل ذهب البعض إلى أن القرار المذكور هو نقطة‬
‫األساس والبداية للوجود الحقيقي والواقعي للقانون اإلداري‪.‬‬

‫و إذا كــان ق ـرار بالنكــو قــد أقــر مســؤولية الدولــة و وضــع حــداً للمفهــوم القــديم القاضــي‬
‫بانتفائهــا‪ ،‬فإنــه أخضــع هــذه المســؤولية لنظــام خــاص يميزهــا عــن المبــادئ ال ـواردة فــي القــانون‬
‫المدني وذلك لضـروريات المرفـق العـام‪ ،‬إذ نـص علـى أنهـا ليسـت مسـؤولية عامـة وال مطلقـة (‬
‫‪ ،(ni général ni absolue‬كمـا أكـد انتفـاء أي مبـرر لتطبيـق قواعـد القـانون الخـاص علـى‬
‫المسؤولية اإلدارية‪.1‬‬

‫غير أن الكثير من المياه جرت تحت الجسر بعد ذلك‪ ،‬إذ تطورت أحكام المسؤولية‬
‫اإلدارية واتسع مجالها وما يزال‪ ،‬إلى درجة إقرار المسؤولية الموضوعية دون خطأ‪.‬‬

‫وبعكس فرنسا التي كان منشأ المسؤولية اإلدارية فيها قضائيا‪ ،‬فإن منشأها في المغرب‬
‫كان قانونيا عبر التنصيص عليها ألول مرة عام ‪ 3331‬من خالل قانون االلتزامات والعقود‪،‬‬
‫كما تكرس هذا المبدأ بصدور القانون رقم ‪ 03. 31‬المحدثة بموجبه محاكم إدارية والذي‬
‫خول لها اختصاص البت في المنازعات اإلدارية المقامة ضد الدولة كمبدأ عام سيما‬

‫‪ 1‬سبق لمجلس الدولة الفرنسي أن أصدر بتاريخ ‪ 1‬دجنبر وقبل قرار بالنكو ق اررين صادرين أكد فيهما بأن العالقة بين المصالح العمومية‬
‫وموظفيها من جهة والخواص من جهة أخرى ال يمكن أن تعالج حسب مبادئ وقواعد القانون المدني وحده (قرار روتشيلد و كلوكسين)‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫التعويض عن األضرار المترتبة عن نشاطات أشخاص القانون العام‪ ،‬بعدما كان القضاء‬
‫العادي هو المختص للبت في جميع المنازعات كيفما كان نوعها‪.‬‬

‫وإذا كان الفصل ‪ 13‬من قانون االلتزامات والعقود يشكل المبدأ العام لمسؤولية الدولة‬
‫بصورتيها وهما المسؤولية على أساس خطأ مفترض حين يتعلق األمر باألضرار الناتجة عن‬
‫تسيير المرفق العمومي والمسؤولية المبنية على الخطأ الواجب اإلثبات حين يتعلق األمر‬
‫باألضرار الناتجة عن األخطاء المصلحية لموظفي ومستخدمي الدولة‪ ،‬فإن هذا القانون أفرد‬
‫أحكاما خاصة تتضمن تطبيقات لهذه المسؤولية؛ كالفصل ‪ 93‬المتعلق بمسؤولية الدولة في‬
‫‪1‬‬
‫إطار مخاصمة القضاة والفصل ‪ 95‬مكرر المتعلق بمسؤولية الدولة عن الحوادث المدرسية‪.‬‬

‫وقد كرس القضاء المغربي بدوره منذ عقود وقبل انشاء المحاكم اإلدارية بسنوات مبدأ‬
‫تمايز المسؤولية اإلدارية عن المسؤولية المدنية الذي وضعه قرار بالنكو‪.2‬‬

‫وللمسؤولية اإلدارية مفهوم واسع‪ ،‬فهي ال تقتصر على الخطأ المرفقي فحسب‪ ،‬بل قد‬
‫تنجم عن الخطأ الشخصي الذي يرتكبه الموظف العمومي والذي يتسم بنوع من الجسامة أو‬
‫يكون مبعثه سوء نية هذا األخير‪ ،‬وذلك وفقا لما ينص عليه الفصل ‪ 91‬من نفس القانون؛ إذ‬
‫ميز المشرع من خالل الفصل المذكور بين الخطأ المصلحي والخطأ الشخصي للموظف‬
‫وأتاح إمكانية مطالبة الدولة والبلديات بتعويض األضرار الناجمة عن الخطأ الشخصي‬
‫للموظف في حالة إثبات عسره‪.‬‬

‫‪ 1‬اختلف الفقه في تحديد نطاق المسؤولية اإلدارية المقررة في الفصل ‪ 13‬من ق ل ع ‪ ،‬فإذا كان هناك في البداية من اعتبر أن أساس المسؤولية‬
‫هو الخطأ وان العبارات الواردة في الفصل المذكور ال توحي سوى بصورتين من صور هذه المسؤولية وهي حينما يكون الخطأ منسوبا إلى موظف‬
‫بعينه أو موظفين معينين أو حينما ال يكون من المم كن نسبة هذا الخطأ إلى شخص أو أشخاص محددين‪ ،‬لكن التوجه السائد هو الذي اعتبر أن‬
‫الفصل المذكور يؤسس للمسؤولية بدون خطأ والمسؤولية بخطأ معا لكن اختلف أصحاب هذا التوجه فإذا كان البعض اقتصر على اعتبار المسؤولية‬
‫بدون خطأ إنما قوامها خطأ مفترض حينما تقوم على أساس المخاطر لكن أمام تبني القضاء اإلداري لصور أخرى من المسؤولية الموضوعية التي‬
‫ال تقوم سوى على عنصري الضرر والعالقة السببية أخذ يبرز توجه فقهي وقضائي يعتبر أن الفصل ‪ 13‬من ق ل ع يستوعب كافة صور‬
‫المسؤولية أكانت بخطأ أو حتى بدون خطأ من األساس‪.‬‬
‫‪ 1‬قضت محكمة االستئن اف بالرباط في القرار الصادر بتاريخ ‪ 3351/5/33‬بما يلي‪" :‬أن المشرع المغربي عندما وضع أحكاما خاصة بمسؤولية‬
‫اإلدارات العمومية وكرس لها الفصل ‪ 13‬من قانون االلتزامات والعقود أبعد ضمنيا تطبيق القواعد العادية للمسؤولية المدنية عن تلك اإلدارات‪ ،‬فال‬
‫يجوز إذن أن تطبق عليها مقتضيات القانون الخاص المثبتة في الفصل ‪ 99‬من قانون االلتزامات والعقود بشأن المسؤولية الناجمة عن األشياء‬
‫الجامدة‪ ،‬وهكذا يجب بالتالي البحث في المادة اإلدارية واالستيحاء من اجتهاد مجلس الدول )الفرنسية( لتقدير مسؤولية البلدية المالكة للشاحنة التي‬
‫تسببت في الحادثة"‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ويتضح من خالل هذا التقديم أن خطأ الموظف العمومي كمصدر من مصادر‬


‫المسؤولية التقصيرية يتنازعه توصيفان قانونيين هما‪ :‬الخطأ المرفقي للموظف الذي تترتب‬
‫عنه مساءلة اإلدارة مباشرة أمام القضاء اإلداري‪ ،‬والخطأ الشخصي الذي يفرض مساءلة‬
‫الموظف أمام القضاء العادي في ماله الخاص وال يمكن مطالبة الدولة باألداء بدال عنه إال‬
‫في إطار دعوى الحلول‪.‬‬

‫وتتضح ‪-‬على ضوء هذا التقديم‪ -‬معالم اإلشكالية المحورية للموضوع‪ ،‬والمتجسدة في‬
‫حدود التالقي ومكامن االختالف بين كل من الخطأ المرفقي والخطأ الشخصي للموظف‬
‫العمومي على ضوء كل من النصوص القانونية والعمل القضائي‪ ،‬أو ما اصطلحنا على‬
‫تسميته ب "جدلية الخطأ الشخصي والمرفقي للموظف العمومي بين النظرية والتطبيق"‪.‬‬

‫وجدير بالذكر أن للموضوع أهمية عملية‪ ،‬حيث تتضح لنا أهمية التمييز بين الخطأ‬
‫المرفقي والخطأ الشخصي‪ ،‬من حيث توزيع االختصاص بين القضاء العادي واإلداري‪ ،‬فكلما‬
‫ثبت أن الخطأ مرفقيا انعقدت مسؤولية اإلدارة وعاد االختصاص للقضاء اإلداري‪ ،‬والعكس‬
‫صحيح في حالة الخطأ الشخصي‪ ،‬إذ يكون الموظف مسئول شخصيا ويختص القضاء‬
‫العادي بالفصل في الدعوى‪.‬‬

‫وتتجلى أهمية التمييز كذلك في تحديد المسؤول عن التعويض‪ ،‬فاألعمال التي يؤديها‬
‫موظفو اإلدارة وتسبب ضر ار للغير ويتبين أنها أخطاء مرفقية‪ ،‬توجب مسؤولية اإلدارة‬
‫وتحملها عبء التعويض‪ ،‬أما األخطاء التي يرتكبها الموظفون وتنسب إليهم‪ ،‬توجب‬
‫مسؤوليتهم وتحملهم عبء التعويض‪.‬‬

‫وتظهر كذلك األهمية في كيفية تقدير المسؤولية‪ ،‬فإذا كان الخطأ الذي ارتكبه الموظف‬
‫خطأ شخصيا فإن المحاكم العادية تقدر المسؤولية وتبني حكمها وفق أحكام وقواعد القانون‬
‫المدني‪ .‬أما إذا كان خطأ مرفقيا فإن المسؤولية تقدر وفق أحكام وقواعد خاصة مستقلة عن‬
‫أحكام القانون المدني‪ ،‬وهذه األحكام تمكن القاضي من أن يأخذ بعين االعتبار مصالح‬
‫األفراد ومصالح المرفق العام والتوفيق بينهما‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ومن أجل معالجة هذه اإلشكالية المحورية وما يتفرع عنها من أسئلة‪ ،‬من قبيل تحديد‬
‫مفهوم الموظف العمومي وتحديد مفهوم الخطأ المرفقي والخطأ الشخصي ومعيار التمييز‬
‫بينهما وحدود التالقي والتضاد بينهما وطبيعة دعوى الحلول الناجمة عن إقرار المسؤولية‬
‫الشخصية للموظف العمومي وعجزه عن األداء‪ ،‬سيكون التصميم المقترح كالتالي‪:‬‬

‫الفصل األول – إشكالية تحديد أطراف ومجال المسؤولية اإلدارية‪.‬‬

‫الفصل الثاني ‪ -‬مسؤولية الموظف بين الخطأ المرفقي والخطأ الشخصي‬

‫الفص األول‪ :‬إشاالية تحديد أطراف المسؤولية اإلدارية‬

‫يفضي التدقيق في مقتضيات الفصل ‪ 13‬من قانون االلتزامات والعقود إلى القول بأنه‬
‫يتناول في طياته أحكام نظرتين مختلفتين للمسؤولية المرفقية؛ مسؤولية عن األضرار الناتجة‬
‫عن التسيير‪ ،‬وهي مسؤولية موضوعية ال تتطلب الخطأ‪ ،‬ومسؤولية ناتجة عن األخطاء‬
‫المصلحية لمستخدمي الدولة‪ .1‬في حين يتناول الفصل ‪ 91‬من نفس القانون المسؤولية‬
‫الشخصية للمستخدم أو الموظف العمومي وأحكام إقرار المسؤولية اإلدارية عن تبعات تلك‬
‫األخطاء عند ثبوت إعساره‪.‬‬

‫وهكذا يتبين بأن لهذه المسؤولية أطرافا‪ ،‬وهم الذين يحملون صفة موظفين ومستخدمين‪،‬‬
‫كما أن لهذه المسؤولية مجال متحرك ومتغير‪ ،‬ومن أجل معالجة ذلك يتم تقسيم هذا الفصل‬
‫إلى مبحثين‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬أطراف المسؤولية اإلدارية‬

‫المبحث الثاني‪ :‬مجال المسؤولية اإلدارية‪.‬‬

‫‪ - 1‬تجدر اإلشارة إلى أن هناك اجتهادات قضائية تنص على أن المسؤولية المرفقية المستندة إلى مقتضيات الفصل ‪ 13‬قوامها خطأ واجب‬
‫اإلثبات مستبعدة بذلك القراءة المستقرة حاليا والتي تؤكد أن الفصل المذكور يؤسس لمسؤوليتين أوالهما في إطار المسؤولية الموضوعية‪ ،‬وثانيهما في‬
‫إطار المسؤولية بخطأ‪ .‬وكمثال على التوجه السابق الذكر نورد القرار الصادر عن المجلس األعلى تحت عدد ‪ 1133‬وتاريخ ‪ 3330/15/11‬في‬
‫الملف المدني عدد ‪ 31/1910‬المنشور بمجلة قضاء المجلس األعلى عدد ‪ 09‬ص ‪ 31‬والذي جاء فيه ما يلي‪ :‬طبقا للفصل ‪ 13‬من قانون‬
‫ا اللتزامات والعقود فإن مسؤولية الدولة عن تسيير إداراتها وعن األخطاء المصلحية لمستخدميها‪ ،‬ال تفترض بل ال بد من إثبات الخطأ المصلحي‬
‫المنسوب إلى موظفيها ألنها من المسؤولية التقصيرية"‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المبحث األول‪ :‬أطراف المسؤولية اإلدارية‬

‫من أجل إعطاء تصور ولو تقريبي للبناء المفاهيمي للفصل ‪ 13‬من قانون االلتزامات‬
‫ستخدم التابع للدولة والبلدية‪ ،‬هل‬
‫الم َ‬‫والعقود في المقام األول‪ ،‬فإنه يتعين علينا تحديد مفهوم ُ‬
‫يقصد به ذلك الموظف العمومي أم يتعدى ذلك ليشمل أشخاصا آخرين ارتبطوا بعالقة عمل‬
‫مع اإلدارة (المطلب األول)؟ وهل يشمل مفهوم الدولة والبلديات كافة أشخاص القانون العام‬
‫أم أنه مفهوم بني على الحصر (المطلب الثاني)؟‬

‫ستخدم الوارد في الفصلين ‪ 97‬و‪ 84‬من اانون‬


‫الم َ‬‫المطلب األول‪ :‬مفهوم ُ‬
‫االلتزامات والعقود‬

‫اعتمد المشرع في كل من الفصلين ‪ 13‬و‪ 91‬من قانون االلتزامات والعقود على لفظ‬
‫المستخدم الوارد في‬
‫َ‬ ‫المستخدم وليس عبارة الموظف العمومي‪ ،‬ومن ثم يعتبر حصر مفهوم‬
‫َ‬
‫الفصلين المذكورين مسألة ضرورية لتحديد نطاق أحكام المسؤولية في إطارهما‪.‬‬

‫ورب قائل يقول أن األمر ال يكتسي هذه الدرجة من األهمية ألن المقصود واضح من‬
‫خالل داللة السياق التي قد تعني العاملين باإلدارة العمومية متى كانت إدارة تسير مباشرة‬
‫من طرف مرفق تابع للدولة أو لجماعة ترابية‪ ،‬غير أن بعض التدقيق قد يكشف أن األمر‬
‫ليس با لسهولة المتصورة‪ ،‬إذ تنجم المسؤولية التقصيرية أو ما يصطلح عليه بالمسؤولية عن‬
‫العمل غير المشروع عن الجرم وشبه الجرم أي عن الفعل الذي يعد إخالال بالتزام قانوني‬
‫ويستتبع المسؤولية المدنية أو اإلدارية فقط أو الفعل الذي يرقى الى مستوى الجريمة‬
‫المستوجبة في نفس الوقت للعقوبة الجنائية وللتعويض المدني‪ .‬وإذا كان األمر كذلك وجدنا‬
‫للمستخدم أو للموظف العمومي بحسب اختالف القانون الذي‬
‫َ‬ ‫أنفسنا أمام اختالف مفاهيمي‬
‫يشكل منطلقا للدراسة؛ إذ أن مفهوم الموظف العمومي في القانون اإلداري ليس هو نفسه في‬
‫المستخدم أو العامل في اإلدارة أوسع من مفهوم الموظف‬
‫َ‬ ‫القانون الجنائي‪ ،‬كما يعتبر مفهوم‬
‫المستخدم الوارد‬
‫َ‬ ‫العمومي الوارد في القانون اإلداري‪ ،‬ولهذا يتوجب علينا أن نعرف داللة لفظ‬
‫في قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬هل يقصد به جميع العاملين في اإلدارة أيا كانت الطبيعة‬
‫القانونية التي تربطهم باإلدارة؟ أي سواء كانت عالقة شغل أم عالقة نظامية تحكمها قواعد‬

‫‪97‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الوظيفة العمومية؟ أم هل يتسع هذا المفهوم أكثر ليشمل مفهوم الموظف العمومي‬
‫المنصوص عليها في مجموعة القانون الجنائي ألن القياس على هذا المفهوم قد يكون في‬
‫هذا المقام من باب أولى ما دمنا في مجال المسؤولية عن الفعل غير المشروع؟‬

‫المستخدم أو‬
‫َ‬ ‫ويقتضي الجواب على هذه التساؤالت الوقوف على مختلف دالالت لفظ‬
‫الموظف العمومي‪ ،‬واستخالص تعريف موضوعي لهذا المفهوم ‪:‬‬

‫الفرع األول‪ :‬مفهوم المستخدم والموظف العمومي لين التوسيع والتضييق‬

‫من المتفق عليه أن هناك اختالفا وتعددا ثابتا في فئات وتسميات العامليين باإلدارة؛ إذ‬
‫نجد على صعيد القانون اإلداري تميي از بين مفهوم المستخدم العمومي أو العامل في المرافق‬
‫العمومية‪ ،‬وبين الموظف العمومي الذي عرفته المادة الثانية من قانون الوظيفة العمومية كما‬
‫يلي‪:‬‬

‫" يعد موظفا كل شخص يعين في وظيفة قارة ويرسم في إحدى رتب السلم الخاص‬
‫بأسالك اإلدارة التابعة للدولة‪ ،‬وقريب من هذا التعريف ما جاء به الفصل األول من‬
‫المرسوم رقم ‪ 1-11-119‬بتاريخ ‪ 11‬شتنبر ‪ 3311‬بمثابة النظام األساسي لموظفي‬
‫الجماعات المحلية"‪.‬‬

‫غير أن المشرع عمد في المادة الجنائية إلى توسيع هذا المفهوم ليشمل المفهوم اإلداري‬
‫للموظف العمومي ويمتد إلى ما أبعد و أعم من ذلك حيث ينص الفصل ‪ 110‬من مجموعة‬
‫القانون الجنائي المغربي على ما يأتي‪:‬‬

‫"الموظف العمومي في تطبيق أحكام التشريع الجنائي هو كل شخص كيفما كانت‬


‫صفته يعهد إليه في حدود معينة بمباشرة وظيفة أو مهمة ولو مؤقتة بأجر أو بدون أجر‪،‬‬
‫ويساهم بذلك في خدمة الدولة أو المصالح العمومية أو الهيآت البلدية أو المؤسسات‬
‫العمومية أو مصلحة ذات نفع عام‪.1"...‬‬

‫‪ 1‬ولقد أقر الفقه المصري والفرنسي بنظرية الموظف الفعلي أو الواقعي وتعد هذه النظرية من إحدى نظريات القانون اإلداري تناولها الدكتور‬
‫سليمان الطماوي في النظرية العامة للق اررات اإلدارية‪ ،‬مطبعة جامعة عين شمس ـ الطبعة السادسة ‪ 3335‬ص ‪ 113‬وما بعدها‪ ،‬ويعد الموظف‬

‫‪98‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ويمكن القول بناء على ما سبق أن المشرع المغربي يعتمد منطق التوسع الحتواء كافة‬
‫الوضعيات القانونية للعامل بالمرافق العمومية في إطار مباشرته لوظيفته أو مهمته ولو كان‬
‫مؤقتا سواء بأجر أو بدونه وسواء بمساهمة العامل بذلك في خدمة الدولة أو المصالح‬
‫العمومية أو مصلحة ذات نفع عام‪.‬‬

‫وهكذا اعتبر المشرع المغربي في الفصل ‪ 110‬من مجموعة القانون الجنائي أن طائفة‬
‫الموظفين تشمل عمال ومستخدمي وموظفي الدولة والجماعات الترابية وكذا المؤسسات‬
‫العمومية وبصفة أكثر توسعا كل من يرتبط بمصلحة تقوم بنشاط عمومي‪ 1‬على الرغم من‬
‫خضوعها من حيث النشاط الذي تقوم به أو من حيث عالقتها بمستخدميها ألحكام القانون‬
‫الخاص‪.2‬‬

‫ونجد بالرجوع الى القضاء الجنائي ‪ -‬قصد استكناه موقفه واالسترشاد به‪ -‬أنه أضفى‬
‫صفة الموظف العمومي حتى على العاملين في الشركات الخاصة حينما تكون هذه األخيرة‬
‫مكلفة بتحقيق مصلحة عامة‪ ،‬فقد أضفت المحكمة الخاصة للعدل‪ 3‬في أحد ق ارراتها على‬
‫رئيس قسم الحسابات ومن معه بالشركة التعاونية الفالحية المغربية بفاس صفة موظف‬
‫عمومي‪ ،‬حيث قضت بإدانة جميع المتابعين من أجل اقترافهم جرائم التبديد واالختالس‬
‫ألموال عمومية ومعاقبتهم من أجل ذلك بالحبس وإرجاع المبالغ المختلسة لفائدة نفس الشركة‬
‫معللة حكمها بأن الشركة تخضع لوصاية و ازرة الفالحة وهي بذلك تقوم بخدمة عمومية‬
‫وتساهم في تحقيق المصلحة العامة‪.4‬‬

‫الفعلي أو "‪ "Le Fonctionnaire de fait‬ذلك الشخص الذي يعين في وظيفة يكون فيها تعينه معيبا أو لم يصدر لتعيينه قرار على اإلطالق ـ‬
‫سليمان الطماوي ـ المرجع السابق ص ‪ . 131‬لكن رغم ذلك فهو يعتبر موظفا عموميا من حيث تطبيق النصوص المتعلقة بجرائم المال العام‪ ،‬فما‬
‫دام الموظف الفعلي يباشر نشاطا إداريا تترتب عنه آثا ار قانونية فال مفر من مساواته با لموظف العام في نظر التشريع الجنائي إذ ليس من المنطق‬
‫أن يفلت شخص من العقاب بسبب اقترافه جريمة اعتداء على المال العام بحجة أن قرار تعيينه صدر باطال طالما أنه قام فعال بمباشرة الوظيفة‬
‫العمومية‪.‬‬
‫‪ 1‬للمزيد من التفصيل انظر مليكة الصروخ‪ ،‬نظرية المرافق العمومية الكبرى دراسة مقارنة‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ ،3331‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء‪.‬‬
‫‪ 2‬محمد الكشبور" المركز القانوني للموظف العمومي في القانون الجنائي الخاص"‪ ،‬المجلة المغربية لقانون واقتصاد التنمية العدد ‪ ،3393-13‬ص‬
‫‪55.‬‬
‫‪ 0‬تم إلغاء هذه المحكمة بعدما سعى المشرع المغرب ي إلى إلغاء المحاكم االستثنائية وحل محلها األقسام المالية التي تم إنشاؤها ببعض المحاكم‬
‫االبتدائية‬
‫‪ 4‬حكم عدد ‪ 31‬بتاريخ ‪ 10‬مارس ‪ 3331‬ملف عدد ‪ 901/311‬غ م ‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫كما دأبت ذات المحكمة على اعتبار موظفي البنوك الشعبية الجهوية موظفين عموميين‬
‫ألن البنوك حسب اعتقادها قد أصبح فيها ما يكفي من الخصائص والصفات لكي تعتبر‬
‫مؤسسة عمومية تقدم مصلحة ذات نفع عام من حيث الطبيعة القانونية للمؤسسة العمومية‪.1‬‬

‫ويرى األستاذ محمد الكشبور في هذا الصدد وعلى صعيد نتيجة النقاش القانوني بشأن‬
‫تحديد صفة الموظف العمومي أن القانون الجنائي تجاوز مفهوم الموظف العمومي في‬
‫القانون اإلداري حيث يستطيع القاضي الجنائي أن يطلق صفة الموظف العمومي على‬
‫العاملين في مؤسسات خصوصية غير أنها تقوم بتحقيق المنفعة العامة‪.2‬‬

‫المستخدم العمومي‬
‫َ‬ ‫الفرع الثاني‪ :‬ضرورة تحديد تعريف موضوعي لمفهوم‬
‫الوارد في الفصلين ‪ 97‬و‪ 84‬من اانون االلتزامات والعقود‬

‫يفرض تعدد التعريفات الممنوحة للمستخدم أو الموظف العمومي بحسب الحقل القانوني‬
‫الذي تناولها‪ ،‬اعتماد مفهوم موضوعي بالنسبة لقانون االلتزامات والعقود يزاوج بين المفهوم‬
‫اإلداري والجنائي وذلك باعتماد الغاية المراد تحقيقها‪ ،‬وهي تحديد أحكام المسؤولية اإلدارية‬
‫للمستخدم العمومي‪.‬‬
‫َ‬ ‫للمرفق أو المسؤولية الشخصية‬

‫ومن ثم ال يمكن االقتصار لتحديد هذا المفهوم على النظر إلى العالقة القانونية التي‬
‫ت ربط العامل باإلدارة وتعيين ما إذا كانت ذات طبيعة نظامية أم أنها عالقة شغل أم عالقة‬
‫واقعية أضفى عليها المشرع بعض آثار العالقة القانونية‪ ،‬بل البد على هذا الصعيد من‬
‫استحضار المصلحة العامة التي أُنشئت تلك العالقة ألجل تحقيقها‪ ،‬ونقصد بذلك أن تحديد‬
‫المستخد م يجب أن يستند الى الغاية من إقرار المسؤولية عن أخطائه وهي ضمان‬
‫َ‬ ‫مفهوم‬
‫جبر األضرار الالحقة بالغير عن نشاط مرفقي‪ ،‬وفي هذه الحالة فإن التعريف الوارد في‬
‫القانون الجنائي يكون هو األولى باالعتبار في مجال المسؤولية اإلدارية سيما أن المسؤولية‬

‫‪ 1‬حكم عدد ‪ 131‬صادر بتاريخ ‪ 9‬دجنبر ‪ 3315‬ملف رقم ‪ 3131‬غ م ‪.‬‬


‫‪ 2‬محمد الكشبور‪ ،‬المركز القانوني للموظف العمومي في القانون الجنائي الخاص المجلة المغربية للقانون واقتصاد التنمية العدد ‪ ،3393-13‬ص‬
‫‪.55‬‬

‫‪100‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫اإلدارية تترتب عن فعل غير مشروع تبلغ خطورته في بعض الحاالت إلى حد تكييفه بأنه‬
‫فعل جرمي‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مفهوم الدولة والبلديات الوارد في الفص ‪ 97‬و‪ 84‬من‬


‫اانون االلتزامات والعقود‬

‫إن الراصد للعمل القضائي في المسؤولية اإلدارية سيقف وال شك على أن العديد من‬
‫األحكام القضائية أقرت بثبوت المسؤولية اإلدارية على أساس مقتضيات الفصل ‪ 13‬من‬
‫قانون االلتزامات والعقود بالنسبة للعديد من أشخاص القانون العام غير الدولة والبلديات‪،‬‬
‫كالمؤسسات العمومية والعديد من الهيئات العامة‪ ،‬بل والشركات الخاصة التي عهد إليها‬
‫بتدبير مرفق عام‪ ،‬وهذا ما يعني أن تنزيل النص القانوني على أرض الواقع أدى الى اعتماد‬
‫فوضع جميع أشخاص القانون العام موضع الدولة والبلديات سيما أن المادة‬
‫منطق القياس ُ‬
‫الثامنة من القانون ‪ 03/31‬قد استعملت لفظ أشخاص القانون العام حينما تناولت اختصاص‬
‫المحاكم اإلدارية بالنسبة للمسؤولية اإلدارية المترتبة عن نشاط المرفق العام‪.‬‬

‫وهكذا اعتبرت محكمة النقض أن البنك الشعبي مؤسسة عمومية تقوم بخدمات ذات‬
‫نفع عام حسب الفصل الثالث من المرسوم الملكي المؤرخ في ‪ 13‬أبريل ‪ ،3311‬وبالتالي‬
‫يعتبر المستخدمون به موظفين عموميين بمفهوم الفصل ‪ 110‬من مجموعة القانون‬
‫الجنائي‪.1‬‬

‫ويثار التسا ؤل في هذا السياق حول ما إذا كان القيام بعمل بترخيص من اإلدارة سببا‬
‫يضفي على المرخص له صفة المؤسسة العمومية؟‬

‫يؤكد بعض الفقه في هذا الصدد أن األمر ليس كذلك‪ ،‬بحيث إن القيام بعمل ما‬
‫بترخيص من اإلدارة ال يضفي على المرخص له صفة المؤسسة العمومية وال يجعل عمله‬

‫‪ 1‬القرار عدد ‪ 5110‬الصادر بتاريخ ‪ 3331/11/11‬ملف جنحي ‪ 31/30319‬منشور بمرجع خالد بنيس ـ محمد عباس السقاط مرجع سابق ص‬
‫‪.353‬‬

‫‪101‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫إداريا‪ ،‬طالما أن الترخيص اإلداري هو مجرد إجراء تنظيمي محض ووسيلة لإلشراف العام‬
‫الذي تمارسه اإلدارة على أغلب مجاالت القطاع الخاص‪.1‬‬

‫غير أن محكمة النقض تبنت موقفا مغاي ار في أحد ق ارراتها‪ ،‬حيث اعتبرت في قرار‬
‫صادر عنها أنه‪" :‬من المستقر عليه فقها أن القيام بعمل ما بترخيص من اإلدارة يضفي على‬
‫المرخص له صفة المؤسسة العمومية‪.2‬‬

‫كما اعتبر في نفس القرار أن معيار اعتبار مصلحة ذات نفع عام هو الهدف من‬
‫تأسيسها‪ ،‬فمتى كان الهدف هو القيام بخدمات إلسداء نفع عام فهي مرفق عام أو مصلحة‬
‫ذات نفع عام وال عبرة حينئذ لما قد يحصل من ربح من وراء أعمالها على اعتبار أن الهدف‬
‫من إحداث مصلحة ذات نفع عام هو إشباع الحاجات العامة‪ ،‬وبالتالي فإن مستخدمي‬
‫جمعية أرباب المطاحن يخضعون ألحكام الفصل ‪ 110‬من مجموعة القانون الجنائي لتوافر‬
‫جميع الشروط القانونية‪.3‬‬

‫ونجد في هذا الصدد أن القضاء قد اختلف في تحديد موقفه من أسس مساءلة‬


‫المؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي واالقتصادي من زاويتين‪:‬‬

‫أوالهما تتعلق باالختصاص‪ ،‬إذ ذهبت بعض المحاكم إلقرار المسؤولية عن األضرار‬
‫التي تصيب المرتفق إلى بحث طبيعة العالقة التي تربطه مع المؤسسة العمومية المكلفة‬
‫بتدبير المرفق‪ ،‬فان كانت العالقة تعاقدية كان المسؤولية عقدية وليست تقصيرية وكان العقد‬
‫من حيث طبيعته هو معيار تحديد االختصاص‪ ،‬فإن كان عقدا ذا طبيعة تجارية مثال‪ ،‬فإن‬
‫األضرار المذكورة تنظر فيها المحاكم التجارية وليس اإلدارية‪ ،‬كما هو الشأن بالنسبة‬
‫لألضرار الالحقة بالمرتفق المستفيد من خدمات المكتب الوطني للسكك الحديدية أو خدمات‬
‫التزود بالماء والكهرباء بالنسبة للشركات توزيع الماء والكهرباء وفي بعض المناطق المكتب‬
‫الوطني للماء والكهرباء‪.‬‬

‫‪ 1‬الدكتور أحمد الخمليشي‪ ،‬القانون الجنائي الخاص‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬مطبعة المعارف الجديدة‪ ،‬الرباط‪ ،‬طبعة ‪ ،3333‬ص ‪.301‬‬
‫‪ 2‬قرار عدد ‪ 1113-591‬بتاريخ ‪ 5‬يونيو ‪ 1111‬ملف جنائي عدد ‪ 1111/39901‬غ م ‪.‬‬
‫‪ 3‬القرار عدد ‪ 591‬السابق الذكر‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫واعتبرت هذه المحاكم في المقابل أن األضرار التي يتعرض لها مستعملو الطريق‬
‫السيار تنظرها المحاكم اإلدارية‪ ،‬في حين اعتبر القضاء أن الجهة المختصة إذا كانت‬
‫األضرار قد لحقت بغير المرتفق هي القضاء اإلداري استنادا الى أحكام المادة الثامنة من‬
‫القانون ‪ 03/31‬المحدثة بموجبه محاكم إدارية‪.‬‬

‫وترتبط الزواية الثانية التي نظرت منها المحاكم ألسس مساءلة المؤسسات العمومية‬
‫ذات الطاب ع الصناعي واالقتصادي بتحديد األساس القانوني الذي يتم في اطاره تحديد‬
‫مسؤولية المرفق‪ .‬ففي الوقت الذي استقر فيه القضاء اإلداري على اعتماد الفصل ‪ 13‬من ق‬
‫ل ع كأساس للمسؤولية‪.1‬‬

‫‪ 1‬ففي قرارها عدد ‪ 35‬الصادر بتاريخ ‪ 3391/11/31‬في الملف اإلداري رقم ‪ 5393‬أكدت الغرفة اإلدارية لدى المجلس األعلى بأن مسؤولية‬
‫الدولة ومؤسساتها العمومية عن األضرار الناتجة عن األشياء التي تستعملها كالقطار تخضع لمقتضيات الفصل ‪ 13‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ ،‬التي تجعل‬
‫مسؤولية الدولة قائمة ولو بدون ارتكاب اإلدارة أي خطأ من جانبه‪ ،‬مستبعدة مقتضيات الفصل ‪ 99‬من نفس القانون التي تنظم المسؤولية عن حراسة‬
‫األشياء‪.‬‬
‫وهو التوجه الذي كرسه المجلس األعلى في ق ارره عدد ‪ 111‬الصادر بتاريخ ‪ 3391/11/13‬في الملف المدني عدد ‪.90/1931‬‬
‫كما جاء في حيثيات هذا القرار ما يأتي " تخضع مسؤولية اإلدارة عن األضرار الناجمة مباشرة عن األشياء الخطيرة التي تستعملها في تسيير‬
‫مصالحها لمقتضيات الفصل ‪ 13‬من ق‪.‬ل‪.‬ع في جزئه الذي يرتب هذه المسؤولية ولو بدون خطأ‪ ،‬بل يكفي وجود عالقة سببية بين الضرر واألشياء‬
‫المذكورة‪.‬‬
‫القطار الذي تسبب في الحادثة هو للمكتب الوطني للسكك الحديدية يعد مرفقا من مرافق الدولة فالمسؤولية عن الحادثة تخضع لمقتضيات الفصل‬
‫‪ 13‬المذكور ال للفصلين ‪ 99‬و‪" .35‬‬
‫وتكرس من هذا التوجه بواسطة القرار عدد ‪ 3191‬الصادر عن المجلس األعلى بتاريخ ‪ 3391/11/11‬في الملف عدد ‪ 33013‬الذي أكد أن‬
‫مسؤولية المكتب الوطني للسكك الحديدية باعتباره مؤسسة عمومية عن األضرار الناشئة عن األشياء التي يستعملها تخضع لمقتضيات الفصل ‪13‬‬
‫من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ ،‬ثم أضاف بأن محكمة االستئناف أخطأت عندما بحثت مسؤولية المكتب المذكور في نطاق الفصل ‪ 99‬من نفس القانون وعوض هذه‬
‫العلة الخاطئة حسب ما جاء في حيثياته بالعلة القانونية المستقاة من الفصل ‪.13‬‬
‫أما فيما يتعلق بمسؤولي ة المرفق العام عن أضرار ناجمة عن حيوان‪ ،‬فقد أكد القضاء أيضا أنها تظل محكومة بمقتضيات الفصل ‪ 13‬وليس‬
‫الفصلين الفصلين ‪ 91‬و ‪ .91‬في هذا اإلطار سارت المحكمة اإلدارية باكادير في حكمها عدد ‪ 1111/11‬الصادر بتاريخ ‪ 1111/13/11‬في‬
‫الملف اإلداري رقم ‪ 1111/11‬ش إلى الحكم بالتعويض عن األضرار التي سببها الخنزير البري لفائدة ورثة الضحية الذي تعرض إلصابة مباشرة‬
‫من الحيوان المذكور الذي صدرت توجيهات تحضر صيده في إطار المحافظة على التوازن البيئي‪ ،‬معتمدة الحيثية التالية‪:‬‬
‫"وحيث بالرجوع إلى الفصل ‪ 13‬من ق‪.‬ل‪.‬ع والمادة ‪ 9‬من القانون ‪ 03/31‬المنظم للمحاكم اإلدارية يتبين بأن المشرع المغربي حدد الشروط‬
‫الموضوعية لدعوى التعويض عن األضرار التي تسببها نشاطات وإعمال أشخاص القانون العام‪.‬‬
‫وحيث إن مسؤولية الدولة تكون ثابتة سواء كان ذلك بخطأ منها أو بدون خطأ متى توافرت الشروط المحددة في المادة ‪ 9‬من القانون ‪ 03/31‬ألن‬
‫النص جاء مطلقا ويجب أخذه على إطالقه‪" .‬‬
‫ونفس التوجه نجده بالنسبة للمسؤولية عن حراسة الشيء‪ ،‬ويجسد هذا التوجه القرار الصادر عن المجلس األعلى والذي قضى فيه بأن األضرار‬
‫الحاصلة للضحية والتي كانت نتيجة انفجار لغم‪ ،‬تجعل مسؤولية المرفق العام قائمة على أساس الفصل ‪ 13‬من قانون االلتزامات والعقود في إطار‬
‫المسؤولية عن المخاطر) القرار رقم ‪ 055‬الصادر عن المجلس األعلى بتاريخ ‪.(1111/1/5‬‬
‫وفي نفس االتجاه‪ ،‬ذهب الحكم الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط تحت عدد ‪ 13‬بتاريخ ‪ 1131/13/13‬في الملف رقم ‪1113/31/3133‬‬
‫والذي ذهب إلى اعتماد مقتضيات الفصل ‪ 13‬من قانون االلتزامات والعقود كأساس إلثارة مسؤولية المكتب الوطني للكهرباء والحكم بالتعويض لفائدة‬

‫‪103‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ونجد في المقابل أن القضاء المدني اتخذ موقفا متباينا لما اعتبر في بعض الحاالت أن‬
‫مسؤولية أشخاص القانون العام يؤطرها الفصل ‪ 13‬فقط‪ ،‬وفي حاالت أخرى أسس هذه‬
‫المسؤولية على الفصول التي تتناول الصور الخاصة للمسؤولية‪ ،‬كمقتضيات الفصل ‪ 99‬من‬
‫قانون االلتزامات والعقود‪.1‬‬

‫وتشير خالصة األمر إلى أن تطور أساليب تدبير المرفق العمومي واألشخاص‬
‫المعهود لهم بإدا رته وظهور أساليب جديدة في اإلدارة‪ ،‬حتى إن كان المرفق العام يدار بشكل‬
‫مباشر من طرف الدولة أو جماعة ترابية كاللجوء إلى خدمات بعض الشركات الخاصة في‬
‫بعض المجاالت كالحراسة أو النظافة أو تنظيم ولوج المرفق‪ ،‬يطرح إشكالية المسؤولية عن‬
‫أخطاء هؤالء العمال؛ ذلك أنهم وإن كانوا تابعين لشركات خاصة‪ ،‬مما يحتم القول بأن‬
‫مشغلهم يظل مسؤوال عن أخطائهم في إطار مسؤولية التابع عن أعمال المتبوع‪ ،‬فإن‬
‫المالحظ هو كون سلطة الرقابة تكون مشتركة بين رب العمل واإلدارة التي تستفيد من‬
‫خدمات الشركة المذكورة‪.‬‬

‫كما يطرح إشكال آخر بخصوص المتدربين باإلدارات العمومية‪ ،‬فإذا كانت األخطاء‬
‫ذات الطابع المصلحي أو المرفقي يتحملها المشرف على التدريب على اعتبار أن العمل‬
‫المنجز من طرف المتدرب يتم تحت عهدة ومسؤولية هذا األخير ومن ثم فكأنه هو من‬
‫ارتكب الخطأ المذكور إما باألصالة لما أخل بواجب االشراف أو بالتبعية لما كان العمل‬

‫ورثة الهالك الذي تعرض لصعقة كهربائية من عمود كهربائي‪ ،‬إذ جاء في حيثياته ما يلي‪" :‬وحيث إن المادة ‪ 13‬من قانون االلتزامات والعقود ترتب‬
‫مسؤولية الدولة ولو بدون خطأ‪ ،‬بل يكفي لقيامها وجود الضرر وعالقة السببية بينه وبين اآللة الخطيرة وال تعفى اإلدارة من المسؤولية إال بإثبات‬
‫خطأ الضحية‪.‬‬
‫وحيث إن وفاة الضحية كانت نتيجة صعقة كهربائية ثابتة من خالل محضر الضابطة القضائية المذكور أعاله‪ ،‬وكذلك الشهادة الطبية المرفقة‬
‫بالملف وإن كان على المدعى عليه أن يتخذ االحتياطات الالزمة وال سيما في األماكن اآلهلة بالسكان وذلك على األقل استعمال السياج لألعمدة‬
‫ذات الضغط المرتفع أو حراستها‪ ،‬مما يجعل مسؤولية المدعى عليه قائمة في نازلة الحال‪" .‬‬
‫‪ 1‬ذهب المجلس األعلى بمقتضى القرار عدد ‪ 010‬الصادر بتاريخ ‪ 1113/1/10‬والذي في قرار بأن المسؤولية عن األشياء تبحث في إطار‬
‫الفصل ‪ 99‬من قانون االلتزامات والعقود بغض النظر عن الجهة المسؤولة‪ ،‬سواء كانت شخصا معنويا أو عاديا‪ ،‬جاء فيه ما يلي ‪:‬‬
‫"لكن ردا على ما أثير أعاله فإنه طبقا للفصل ‪ 99‬من قانون االلتزامات والعقود فإن كل شخص سواء كان معنويا أو عاديا يسأل عن الضرر‬
‫الحاصل من األشياء التي في حراسته إذا ثبت أن هذه األشياء هي السبب المباشر لحدوث الضرر وذلك ما لم يثبت أنه فعل ما كان ضروريا لمنع‬
‫الضرر أو أن الضرر يرجع إما لحادث فجائي أو لقوة قاهرة أو لخطأ المضرور والمحكمة مصدرة القرار لما ثبت لها أن الهالك قاصر وأنه لم يمنع‬
‫من دخول المسبح وأنه غرق به وأن هذا المسبح كان تحت حراسة الطالب وأنه لم يثبت أن خدامه وتابعيه والمسؤولين عنه فعلوا ما كان ضروريا‬
‫لمنع غرق الطفل بالتدخل في الوقت المناسب والعمل على إنقاذه وأن الضرر يرجع لحادث فجائي أو لقوة قاهرة أو لخطا المتضرر فقضت تبعا‬
‫لذلك بمسؤوليته عن الحادث وحكمت عليه بالتعويض لفائدة المطلوبين فجاء قرارها معلال تعليال كافيا وقضاؤها مرتك از على أساس"‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المنجز من طرف المتدرب في الحقيقة عمال ينسحب على الموظف المشرف‪ ،‬فان التساؤل‬
‫يطرح حينما يرتكب المتدرب أخطاء جسيمة أثناء فترة التدريب‪ ،‬فهل يمكن اعتبار تلك‬
‫األخطاء خاضعة ألحكام الفصل ‪ 11‬من قانون االلتزامات والعقود أم تحكمها مقتضيات‬
‫الفصل ‪ 91‬من ذات القانون أم أن الخطأ ينسحب على الموظف المشرف على التدريب؟‬

‫وهل يمكن تطبيق نظرية الموظف الفعلي إليجاد حل لهذه اإلشكاالت أم أن القضاء‬
‫يجب أن يتصدى باجتهادات قارة إلعطاء حلول تبين بدقة حدود المسؤولية الشخصية‬
‫والمرفقية لألعوان اإلدارة أو المتعاونين معها غير مستخدميها؟ أم أن الحل يكمن في تدخل‬
‫تشريعي يستحضر تطور أساليب تدبير المرفق العام من جهة ويوحد المفاهيم المتداولة من‬
‫جهة أخرى سيما تلك المستعملة في القانون المحدث للمحاكم اإلدارية وتلك المحددة في‬
‫قانون االلتزامات والعقود‪.‬‬

‫لعل هذه األسئلة التي تطرح نفسها بحدة ستكشف على أن كل من الفصلين ‪ 13‬و‪91‬‬
‫من ق ل ع في حاجة إلى قراءة جديدة على ضوء ما أسفر عليه تطور الواقع من إشكاالت‬
‫ونجم عن تنزيل القضاء ألحكامه على أرض الواقع من توجهات‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬مبال المسؤولية اإلدارية‬

‫ويتم تقسيمه إلى ثالثة مطالب‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬مجال المسؤولية اإلدارية في إطار الخطأ المصلحي على ضوء أحكام‬
‫الفصل ‪ 13‬من قانون االلتزامات‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مجال المسؤولية اإلدارية في إطار الخطأ المصلحي على ضوء أحكام‬
‫بعض النصوص الخاصة‬

‫المطلب الثالث‪ :‬معايير التمييز بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المطلب األول‪ :‬مبال المسؤولية اإلدارية في إطار الخطأ المصلحي على‬


‫ضوء أحاام الفص ‪ 97‬من اانون االلتزامات والعقود‬

‫لعل من بين المؤاخذات على الفصل ‪ 13‬من قانون االلتزامات والعقود هو أنه لم يحسم‬
‫في األساس القانوني الذي تقوم عليه المسؤولية عن األضرار الناتجة عن أعمال التسيير‪،‬‬
‫وهذا ما حدى بالقضاء والفقه إلى التوسع في هذا المجال حيث أوجدا عدة أسس لهذه‬
‫المسؤولية كنظرية المخاطر في الشق المتعلق باألشياء الخطيرة‪ ،‬والخطأ المفترض أو‬
‫المضمر في بعض األحيان‪ ،‬والمساواة في تحمل التكاليف العامة واألضرار االستثنائية وغير‬
‫العادية ‪....‬‬

‫ويقف الدارس والمهتم على اختالفات أساسية بين القضاء المدني واإلداري في تطبيق‬
‫هذا النص خصوصا فيما يتعلق باألساس المعتمد إلقرار المسؤولية؛ إذ يذهب القضاء‬
‫المدني على وجه الخصوص الى اعتماد أسس أخرى للمسؤولية اإلدارية مسترشدا بالنصوص‬
‫األخرى المؤطرة للمسؤولية التقصيرية‪ ،‬وفي المقابل يتوسع القضاء اإلداري في صور‬
‫المسؤولية اإلدارية ليتجاوز نطاق المسؤولية التقصيرية إلى أنواع أخرى تجد سندها في المهام‬
‫الملقاة على الدولة‪ ،‬سواء لتفعيل مبدأ التضامن والتكافل أو توزيع األعباء العامة وضمان‬
‫المساواة أمام تكاليفها‪.‬‬

‫ولعل محصلة األمر أن مجال المسؤولية اإلدارية لم يعد قائما على خطأ مصلحي أو‬
‫على خطأ مفترض فحسب‪ ،‬بل إن النظريات الحديثة لم تعد تستند الى مفهوم المسؤولية‬
‫التقصيرية التي قوامها المسؤولية عن إخالل بالتزام قانوني‪ ،‬بل أضحت المسؤولية اإلدارية‬
‫تمتد لتشمل حاالت يغيب فيها أي إخالل‪ ،‬بل يغيب فيها أي نشاط إيجابي أو سلبي مباشر‬
‫يمكن أن تتولد عنه المسؤولية‪.‬‬

‫ومسؤولية اإلدارة في هذا المجال مسؤولية أصلية ومباشرة‪ ،‬ال فرق في ذلك بين أن‬
‫يكون الخطأ منسوبا إلى موظف معين بالذات أو منسوبا إلى اإلدارة ذاتها‪ ،‬ففي كلتا الحالتين‬
‫تنتفي مسؤولية الموظف الشخصية بحيث ال تظهر إال مسؤولية اإلدارة وحدها‪ .‬فكما يقول‬
‫العميد دوجی تتالشي مسؤولية الموظف وتندمج في مسؤولية اإلدارة‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫والخطأ المرفقي هو على درجات‪ ،‬ذلك أن مجلس الدولة الفرنسي قد ميز منذ أمد‬
‫طويل بين األخطاء البسيطة واألخطاء الجسيمة واألخطاء ذات الخطورة االستثنائية‪.‬‬

‫ومادام أن موضوع هذا المقال ينصب على المسؤولية عن الخطأ المصلحي للموظف‬
‫العمومي‪ ،‬فإننا سنركز على المسؤولية اإلدارية الخطئية لنعرف في الفقرة األولى الخطأ‬
‫المصلحي وصوره وفي الفقرة الثانية معايير تقدير هذا الخطأ المرفقي‪:‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬ماهية الخطأ المرفقي وصوره‬

‫سنتطرق في بند أول إلى تعريف الخطأ المرفقي ثم سنعمل على تحديد بعض صوره‬
‫في بند ثان‪:‬‬

‫البند األول‪ :‬ماهية الخطأ المرفقي‬

‫يمكن القول أن الخطأ المرفقي أو المصلحي هو كل خطأ ينسب للمرفق ولو كان من‬
‫صدر عنه موظف أو عدة موظفين‪ ،‬كما أن المسؤولية عنه تعود مباشرة إلى الشخص‬
‫العمومي الذي يتبعه الموظف‪ ،‬دون الموظف الذي صدر عنه ذلك الخطأ المرفقي والذي‬
‫تنمحي شخصيته‪ ،‬وبالتالي تنعدم مسؤوليته‪.‬‬

‫ويعود أصل هذا الحل إلى القرار الشهير لمحكمة التنازع الفرنسية الصادر في قضية‬
‫‪ Pelletier‬الذي ميز ألول مرة بين الخطأ الشخصي وبين الخطأ المرفقي بعد أن كان‬
‫القضاء اإلداري يرفض مبدأ مسألة الموظف العمومي مساءلة شخصية استنادا الى نظام‬
‫«كفالة الموظفين» ‪ La garantie des fonctionnaires‬الذي كرسه الفصل ‪ 15‬من‬
‫دستور الجمهورية الثالثة لفرنسا‪ ،‬والذي كان يشترط إلقامة أية دعوى أمام القضاء موضوعها‬
‫مساءلة ا لمستخدمين العمومين عن األفعال المرتبطة بوظائفهم‪ ،‬ضرورة صدور ترخيص من‬
‫مجلس الدولة‪.‬‬

‫وقد ظهر من خالل هذا القرار مفهوم «الخطأ المرفقي» الذي يراد به األخطاء غير‬
‫المنفصلة عن مزاولة المهنة‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وال يعتمد القاضي عند تقديره لهذا الخطأ على معيار مجرد لكن يقرر في كل واقعة ما‬
‫إذا كان هناك خطأ أم ال‪ ،‬ويقدر الخطأ بحسب مدى صعوبة مهمة المرفق والظروف الزمنية‬
‫(حالة السلم أو حالة األزمات) والظروف المكانية‪ ،‬وأيضا الموارد المادية والبشرية التي يتوفر‬
‫عليها ذلك‪ .‬وينتج عن هذا أن مفهوم الخطأ المرفقي ذو طبيعة نسبية‪ ،‬فنفس الفعل يمكن‬
‫حسب الظروف أن يكيف على أنه خطأ أو ال‪.‬‬

‫ويمكن القول على ضوء هذه المعايير إن الخطأ المرفقي هو الخطأ الذي ينسب إلى‬
‫المرفق ذاته بصرف النظر عن العاملين فيه‪ ،‬ويتمثل في عدم تأديته للخدمات التي يضطلع‬
‫بها على الوجه القانوني الصحيح‪.‬‬

‫كما يقصد بالخطأ المرفقي " الخطأ الذي ينسب إلى المرفق حتى لو كان الذي قام به‬
‫ماديا أحد الموظفين"‪ ،‬ويقوم الخطأ هنا على أساس أن المرفق ذاته هو الذي سبب الضرر‬
‫ألنه لم يؤد الخدمة وفقا للقواعد التي يسير عليها‪ ،‬سواء أكانت هذه القواعد خارجية‪ ،‬أي‬
‫وضعها المشرع ليلتزم بها المرفق‪ ،‬أو داخلية سنها المرفق لنفسه‪ ،‬أو يقتضيها السير العادي‬
‫لألمور‪.‬‬

‫وينقسم الخطأ المرفقي الذي يرتكبه العاملون في المرفق العام إلى نوعين‪ :‬خطأ موظف‬
‫أو موظفين معينين بالذات وخطأ ال يمكن نسبته إلى موظف أو موظفين معينين بالذات‪.‬‬

‫البند الثاني‪ :‬صور الخطأ المرفقي‬

‫جرى الفقه والقضاء على تقسيم الصور التي يتمثل فيها الخطأ المرفقي إلى ثالثة صور‬
‫تندرج حسب جسامة الخطأ ذاته‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬أداء المرفق الخدمة على نحو سيء‬

‫يقصد بهذه الصورة جميع األعمال اإليجابية التي يقوم بها المرفق العام على نحو‬
‫خاطئ‪ ،‬سواء تمثلت هذه األعمال في صورة أعمال مادية أو في صورة تصرفات قانونية‪.‬‬
‫كما يستوي في ذلك أن ينشأ الضرر من عمل قام به أحد الموظفين أثناء تأدية وظيفته‪ ،‬أو‬

‫‪108‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وقع هذا الضرر من أشياء أو حيوانات تملكها اإلدارة‪ .‬وقد يكون مرجع الضرر عائدا إلى‬
‫سوء تنظيم المرفق العام‪.‬‬

‫وهكذا تظهر هذه الصورة في الحالة التي يؤدي فيها المرفق العام الخدمة المطلوبة‬
‫منه‪ ،‬أي قيامه بأعمال إيجابية‪ ،‬ولكنها أعمال إيجابية خاطئة تلحق ضر ار بالغير‪ ،‬نتيجة أداء‬
‫الجهة اإلدارية خدماتها على الوجه السيئ‪ ،‬وفي هذه الحالة تسأل اإلدارة عن التعويض‬
‫بسبب أنها لم تؤد الخدمة المنوطة بها على أكمل وجه‪.‬‬

‫و حاالت هذه الصورة متع ددة؛ فقد ينشأ الضرر عن فعل صادر عن أحد الموظفين و‬
‫مثال ذلك قضية "‪ TOMASO GRECCO‬توماس جريكو"‪. 1‬‬

‫ويمكن أن يكون مصدر الضرر أشياء أو حيوانات تملكها اإلدارة‪ ،‬كإهمال اإلدارة خيل‬
‫أو ماشية مملوكة لها وألحقت أض ار ار باألفراد‪ ،‬كما يمكن أن ينتج الضرر كذلك عن سوء‬
‫تنظي م المرفق العام كأن يصاب أحد الموظفين باختناق نتيجة سوء تهوية أماكن العمل‪.‬‬

‫وال يكون مصدر الخطأ المرفقي في هذه الصورة دائما عمال ماديا‪ ،‬فقد يكون مصدره‬
‫أيضا في بعض األحيان عمال قانونيا معيبا‪ ،‬كما لو ضمنت اإلدارة ق ارراتها معلومات غير‬
‫حقيقية‪ ،‬أو تعجلت في تنفيذ حكم قضائي قبل أن يصير قابل للنفاذ‪ ،‬أو استولت على بعض‬
‫األموال في غير الحاالت التي يخولها القانون فيها ذلك الحق أو تطبق القانون أو اللوائح‬
‫تطبيق خاطئ‪.‬‬

‫ويتضح من هذه الصورة أن القضاء جعل من التنظيم السيئ‪ ،‬أو اإلهمال في تسيير‬
‫المرفق خطأ مرفقيا‪ ،‬حفاظا على حقوق المضرور وحثا لإلدارة على ضرورة االنتباه والتبصر‬
‫وحسن التسيير من جانب أخر‪.‬‬

‫‪ 1‬تتلخص وقائع هذه القضية في أن ثو ار هائجا هرب‪ ،‬فاندفع وراءه الناس محاولين اإلمساك‪ ،‬وفي أثناء تلك اللحظات انطلق عيار ناري أصاب‬
‫السيد " توماس جريكو" بجراح وهو داخل منزله‪ ،‬فرفع دعوى مطالبا اإلدارة تعويضه عما أصابه‪ ،‬مدعيا أن العيار الذي أصابه أطلقه أحد رجال‬
‫الشرطة الذين كانوا يطاردون الثور الهائج‪ ،‬فقضى مجلس ال دولة الفرنسي بمسؤولية المرفق لعدم اتخاذه االحتياطات الالزمة لمنع حدوث مثل هذه‬
‫الحوادث‪( ،‬حكم مجلس الدولة الفرنسي الصادر في ‪ 31‬فبراير ‪،)3315‬‬

‫‪109‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ثانيا‪ :‬عدم أداء المرفق للخدمة‬

‫ال يكمن الخطأ وفقا لهذه الصورة في تصرف إيجابي قامت به اإلدارة‪ ،‬بل يكمن في‬
‫تصرف سلبي يتمثل في امتناع اإلدارة عن القيام بعمل هي ملزمة قانونا بالقيام به‪.1‬‬

‫ويستخلص من خالل هذه الصورة أن مباشرة اإلدارة الختصاصاتها ليس امتيا از تزاوله‬
‫كيف ومتى وأين شاءت وأرادت‪ ،‬وإنما هو واجب يفرضه عليها القانون يجب أن تؤديه بكل‬
‫أمانة وحرص من أجل تحقيق المصلحة العامة‪ .‬وبذلك يكون امتناعها عن أداء هذا الواجب‬
‫خطأ مرفقيا يوجب مسؤوليتها عن التعويض‪ ،‬وهذا حماية لألفراد الذين تضرروا من جراء هذا‬
‫االمتناع‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬بطء المرفق في أداء الخدمة‬

‫تعد هذه الصورة من الخطأ المرفقي من أحدث الصور التي قضى فيها مجلس الدولة‬
‫الفرنسي بمسؤولية اإلدارة‪ ،‬وتتمثل في تباطؤ اإلدارة بالقيام بالخدمة المطلوبة منها بشكل‬
‫يخرج عن المعتاد والمألوف دون مبرر فيؤدي هذا البطء إلى إلحاق الضرر باألفراد‬
‫المطالبين بأداء هذه الخدمة‪ ،‬سواء كان ذلك بسبب عمل مادي أو قانوني‪.‬‬

‫والمقصود هنا بتباطؤ اإلدارة عن أداء الخدمة هو "تأخر اإلدارة في الحاالت التي ال‬
‫يحدد فيها القانون ميعادا معينا ألداء الخدمة وإنما يترك تحديد الوقت لسلطة اإلدارة التقديرية‪.‬‬
‫أما إذا كانت سلطة اإلدارة مقيدة بأن حدد لها القانون ميعادا معينا ألداء الخدمة ورغم ذلك‬
‫تباطأت عن أدائها دون مبرر بتجاوزها للميعاد المقرر قانونا فإن ذلك يندرج ضمن صورة‬
‫عدم أداء المرفق للخدمة‪ ،‬فبطء المرفق العام في أداء الخدمة وفقا لهذه الصورة ال يتصور‬
‫تحققه إال في حالة ممارسة اإلدارة لسلطتها التقديرية وال مجال إلعمال هذه الصورة عندما‬
‫تكون سلطة اإلدارة مقيدة‪.‬‬

‫‪ 19‬بدأ مجلس الدولة الفرنسي أولى تطبيقات هذه الحالة‪ ،‬بمناسبة األضرار الناجمة عن األشغال العامة فلم يكتفي بمسؤولية اإلدارة في حالة األداء‬
‫السيئ لألشغال‪ ،‬بل مدها إلى حالة امتناع اإلدارة عن القيام ببعض األشغال العامة ‪،‬كما لو لم تقم اإلدارة باألعمال الالزمة لحماية األهالي من‬
‫الفيضان‪ ،‬أو عدم قيامها بصيانة منشآت عامة على الوجه الالزم ونجم عن ذلك إصابة األفراد بالضرر‪ ،‬كما لو تسربت مياه الفيضان إلى عقارات‬
‫بعض األفراد المجاورة للطريق العام نتيجة إلهمال اإلدارة في اتخاذ الالزم لتصريف هذه المياه في القنوات المعدة لذلك‪..‬الخ من قضايا مجلس الدولة‬
‫الفرنسي المختلفة والمتنوعة‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬معايير تقدير الخطأ المرفقي‬

‫مما سبق يتضح أن الخطأ المرفقي في حالة األفعال المادية الصادرة عن اإلدارة يتخذ‬
‫صو ار متعددة‪ ،‬كاإلهمال أو التأخير أو عدم التبصر أو الترك أو التخلف عن القيام بفعل ما‬
‫وغيرها‪ ،‬ومجلس الدولة الفرنسي في هذه الحالة لم يتقيد بمعيار معين لتحديد الخطأ الذي‬
‫ترتكبه اإلدارة في األفعال المادية التي تقدم عليها‪ ،‬ولكنه يقدر الخطأ وفقا لكل حالة على‬
‫حدة‪ ،‬وال يرتب مسؤولية اإلدارة في بعض الحاالت والصور إال إذا كان الخطأ على قدر من‬
‫الجسامة‪ ،‬والتي تحدد وفقا لالعتبارات التالية‪:‬‬

‫‪ -‬زمان ومكان وقوع الخطأ المرفقي؛‬


‫‪ -‬أعباء المرفق العام المخطئ واإلمكانيات الموضوعة تحت تصرفه؛‬
‫‪ -‬عالقة المضرور بالمرفق العام المخطئ؛‬
‫‪ -‬طبيعة نشاطات المرفق العام المخطئ وأهمية دوره‪.‬‬

‫البند األول‪ :‬زمان وماان واوع الخطأ المرفقي‬

‫لزمن وقوع الخطأ تأثير مؤكد على مسؤولية اإلدارة‪ ،‬ذلك أن تقدير الخطأ الذي يقع في‬
‫الظروف العادية ليس هو ذات التقدير في ظل الظروف االستثنائية‪.‬‬

‫وللقول بقيام الخطأ في ظل الظروف االستثنائية يلزم أن يكون هذا الخطأ على قدر‬
‫كبير من الجسامة تتناسب وخطورة هذه الظروف‪.‬‬

‫ويراعي القضاء اإلداري في تقديره للخطأ في األعمال المادية لإلدارة كل من الظروف‬


‫الزمانية والمكانية‪ ،‬فضال عن ذلك األعباء التي يتكبدها المرفق في سبيل القيام بواجباته‪،‬‬
‫وهذا ما سيتم توضيحه في اآلتي‪:‬‬

‫أ‪ -‬مراعاة الظروف الزمانية التي يؤدي فيها المرفق خدماته‬

‫يختلف الخطأ المرفقي الذي يقع في الحاالت العادية عن الخطأ الذي يقع في الحاالت‬
‫االستثنائية كالحروب والكوارث واألزمات‪ ،‬فإذا وقع الخطأ أثناء ظرف استثنائي فإنه يجب‬

‫‪111‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫لكي تقوم مسؤولية اإلدارة أن يكون على درجة كبيرة من الجسامة ألن الظرف االستثنائي‬
‫يؤدي إلى تخفيف مسؤولية اإلدارة‪ ،‬بل وقد يؤدي في بعض األحيان إلى إعفائها من‬
‫المسؤولية نهائيا‪ .‬بل إن مجلس الدولة الفرنسي تعدى في هذه الحالة إلى ظروف أخرى أخف‬
‫من ذلك‪ ،‬مثال الساعة التي وقع فيها الفعل الضار‪ ،‬هل كان ذلك نها ار أم ليال؟ وإذا كان‬
‫بالليل فهل كان في ساعة مبكرة من الليل أم في ساعة متأخرة منه؟‪ ،‬ومثال ذلك قضية "‬
‫‪.1"champagne‬‬

‫وبالتالي فالخطأ الذي يعقد مسؤولية اإلدارة في الظروف االستثنائية‪ ،‬هو ذلك الخطأ‬
‫الذي ينجر عن عدم قي ام اإلدارة باتخاذ االحتياطات واإلجراءات الالزمة التي كانت بإمكانها‬
‫مراعاتها لتفادي حدوث أضرار للغير‪.‬‬

‫ب ‪-‬مراعاة الظروف الماانية التي يؤدي فيها المرفق خدماته‬

‫لقد أخذ القضاء اإلداري الفرنسي كذلك بعين االعتبار عند تقديره لجسامة الخطأ‬
‫المرفقي في األعمال المادية لإلدارة‪ ،‬المكان الذي يمارس فيه المرفق خدماته‪ ،‬فكلما كان‬
‫المرفق يؤدي خدماته في منطقة نائية تشدد في درجة الخطأ الذي يؤدي إلى مسؤولية اإلدارة‪،‬‬
‫أكثر مما إذا كان يؤدي المرفق العام خدماته في منطقة مؤهلة‪.‬‬

‫البند الثاني‪ :‬أعباء المرفق العام المخطئ واإلماانيات الموضوعة تحت‬


‫تصرفه‬

‫يراعي القضاء اإلداري ‪ -‬في معرض تقديره للخطأ المرفقي ‪ -‬المهام المنوطة بالمرفق‬
‫العام‪ ،‬إذ إن المهمات التي تناط بالمرافق العامة تختلف من مرفق إلى آخر‪ ،‬إذ يناط بكل‬
‫مرفق تحقيق مهمة أو مهام معينة‪ .‬وبناء على ذلك فإن الصعوبات التي تواجهها المرافق‬
‫العامة تختلف باختالف مهماتها‪.‬‬

‫‪( 1‬حكم مجلس الدولة الفرنسي الصادر في ‪ ، )3331‬فقد حد ث أن كانت اإلدارة تقوم اإلدارة ببعض اإلصالحات في طريق عام‪ ،‬و تركت في‬
‫وسط الطريق كومة من الحصى‪ ،‬و لم تكن اإلضاءة عندها جيدة مما أدى إلى اصطدام طبيب بكومة الحصى‪ ،‬استدعي لحالة مستعجلة في‬
‫منتصف الساعة الثالثة صباحا‪ .‬فرفض المجلس التعويض بالنظر إلى أن الحادث وقع في ساعة متأخرة من الليل‪.‬ففي هذا الصدد يالحظ‪ ،‬أن مثل‬
‫هذا التشدد من مجلس الدولة مبالغ فيه‪ ،‬ألن اإلضاءة الكافية و الجيدة سواء أكانت في أول الليل أو في أخره هي واجبة على اإلدارة و يتحتم عليها‬
‫القيام بها لسالمة المارة‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وعليه يعد الخطأ البسيط كافيا لترتيب مسؤولية اإلدارة بالنسبة لنشاطات المرافق العامة‬
‫التي ال تعترضها صعوبات خاصة‪.1‬‬

‫يتبين من كل ما سبق أن تحديد حاالت الخطأ المرفقي يعود في األساس الى القضاء‬
‫الذي يتطور هذا الباب يوما بعد يوم‪.‬‬

‫وهكذا فإن المقصود هنا أنه كلما كانت موارد المرفق قليلة وأعباؤه كبيرة فإن القضاء‬
‫في هذه الحالة يتشدد في درجة جسامة الخطأ المرفقي‪ ،‬أما في الحالة العكسية فإنه يتساهل‬
‫في درجة الخطأ المرفقي‪.‬‬

‫وقد طبق مجلس الدولة الفرنسي هذا المعيار فيما يتعلق بمسؤولية اإلدارة عن صيانة‬
‫المنشآت العامة‪ ،‬حيث نجد حكم مجلس الدولة الفرنسي الصادر في ‪ 11‬يونيو ‪ 3331‬في‬
‫قضية "‪ ،"Rost‬حكم بمسؤولية اإلدارة عن حادث غرق سفينة نتيجة إلقاء شخص مجهول‬
‫لجسم صلب في إحدى القنوات‪ ،‬إذ رأى المجلس "أن حادث الغرق وقع عقب إلقاء هذا الجسم‬
‫بفترة وجيزة‪ ،‬بحيث لم يكن لدى المشرفين على القناة الوقت الكافي الكتشاف الحادث‪ ،‬كما‬
‫أنه لم يكن في ذلك ما يسترعي انتباههم‪ ،‬و ليس من المعقول إلزامهم بالكشف على قاع‬
‫القناة باستمرار"‪.‬‬

‫وبناء على ذلك فقد خرج المجلس بفكرة مفادها أن اإلدارة تكون مسؤولة عن كل خطأ‬
‫يمكن تجنبه بالحرص العادي‪ ،‬وغير مسؤولة إذا كان ال يمكن تجنبه إال باتخاذ إجراءات غير‬
‫عادية‪ ،‬وألجل هذا حكم بمسؤولية اإلدارة إذا قامت بإحداث حفر في الطريق ولم تتخذ أي‬
‫إجراءات لتنبيه المارة لكي تتجنبها مما أدى إلى سقوط بعض األفراد وإصابتهم بجراح‪.‬‬

‫‪ 1‬فقد اعتبرت اإلدارة مسؤولة عن األضرار ا لناتجة‪ .‬عن خطأ بسيط اقترف في تطبيق القوانين االقتصادية أو االجتماعية أو القوانين المتعلقة بحماية‬
‫الصحة العامة‪ ،‬وكتلك التي اقترفت في سياق تنظيم أو تسيير مرفق عام صحي فال جدال أن جسامة الواجبات الملقاة على عاتق المرفق العام وما‬
‫لديه من وسائل وامكانيات لمواجه تها له اعتبار في تقدير درجة الخطأ التي ترتكبها هذه المرافق‪ .‬فكلما كانت أعباء المرفق جسيمة ووسائله قليلة‬
‫لمواجهة هذه األعباء فإن القضاء يتطلب درجة كبيرة من الخطأ متناسب وهذه األعباء‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫البند الثالث‪ :‬مراعاة مدى اتصال المضرور بالمرفق العام‬

‫يفرق القضاء اإلداري على هذا الصعيد بين ما إذا كان المضرور يستفيد من المرفق‬
‫أو ال يستفيد منه‪ ،‬وكذلك يفرق بين ما إذا كان لجوؤه إلى المرفق اختياري أو اضطراري‪،‬‬
‫وسيتم تفصيل ذلك على النحو االتي‪:‬‬

‫أ‪ -‬مدى استفادة المضرور من المرفق العام‬

‫نجد عموما أن القضاء اإلداري يتساهل في تقدير الخطأ إذا كان المضرور ال عالقة‬
‫له بالمرفق ولم يستفد أي شيء من نشاط المرفق مقابل الضرر الذي أصابه‪ ،‬في حين نجده‬
‫يتشدد في تقدير الخطأ (أي يتطلب خطأ جسيم) فيما إذا كان المضرور يستفيد من خدمات‬
‫‪1‬‬
‫المرفق لما يناله من نفع جراء نشاط المرفق الذي سبب له ضرر‪.‬‬

‫ب‪ -‬مدى ضرورة لبوء المضرور إلى المرفق العام‬

‫تأسيسا على هذا المعيار فإن مجلس الدولة ال يسوي بين المنتفعين من المرفق‪ ،‬لكنه‬
‫يفرق بين ما إذا كان المستفيد يلجأ مختار لالستفادة من خدمات المرفق‪ ،‬أو كان مضط ار‬
‫لاللتجاء إلى المرفق‪ ،‬وبالتالي انه إذا كان لجوء المتضرر إلى المرفق اختياريا‪ ،‬فإن القضاء‬
‫اشترط أن يكون الخطأ جسيما حتى يقرر المسؤولية‪ ،‬بخالف ما إذا كان لجوئه إلى المرفق‬
‫اضط ارريا إذ اكتفى بالخطأ اليسير‪.‬‬

‫ومن خالل ما سبق يتبين أن القضاء اإلداري ال يتقيد بقاعدة واحدة معينة في مجال‬
‫تقدير الخطأ في األعمال المادية‪ ،‬بل يقدر كل حالة على حدة‪ ،‬مراعيا في ذلك ظروف‬
‫الزمان والمكان‪ ،‬والمصاعب التي يواجهها المرفق في سبيل القيام بخدماته أضف إلى ذلك‬
‫مدى ارتباط المضرور بالمرفق‪ ،‬وال يقضي بمسؤولية المرفق في هاته الحاالت إال في إذا‬
‫كان الخطأ على درجة معينة من الجسامة‪.‬‬

‫‪1‬تجب اإلشارة إلى أن القضاء في بعض أحكامه يفرق في درجة الخطأ بين ما إذا كان المستفيد يحصل على خدمة المرفق مجانا أو بمقابل‬

‫‪114‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫البند الرابع‪ :‬خصوصية بعض المرافق وتقدير درجة الخطأ المرفقي‬

‫يراعي مجلس الدولة الفرنسي عند تقديره للخطأ المرفقي في األعمال المادية لإلدارة ‪-‬‬
‫زيادة على االعتبارات السابقة ‪ -‬كذلك طبيعة المرفق وأهميته االجتماعية‪ ،‬ألن ذلك يعتبر‬
‫مظهر لقضاء مجلس الدولة‪.‬‬

‫إذ أن هناك بعض المرافق اإلدارية التي تكتسي صعوبة خاصة وأهمية اجتماعية‬
‫كبرى‪ ،‬خصها مجلس الدولة بشيء من الرعاية‪ ،‬إذ نجده يتشدد في درجة الخطأ المنسوب‬
‫إليها‪ ،‬وال يقرر مسؤوليتها سوى عن األخطاء الجسيمة أو الخطرة‪ ،‬أو التي تكون جسامتها‬
‫استثنائية دون البسيطة ومن تلك الم ارفق على سبيل المثال‪:‬‬

‫أ ‪ -‬مرفق الشرطة‬

‫وذلك نظ ار لصعوبة الدور الذي يقوم به هذا المرفق‪ ،‬في سبيل حماية النظام العام‬
‫بمدلوالته الثالث (األمن العام ـ الصحة العامة ـ السكينة العامة)‪ ،‬ويستتبع ذلك تقدير األخطاء‬
‫المنسوبة له بحذر وعناية فائقة‪ ،‬فال يسأل إال عن خطأ على درجة كبيرة من الجسامة‪.‬‬

‫وقد كان المبدأ السائد إلى غاية القرن الماضي هو عدم مسؤولية الدولة عن نشاط‬
‫مرفق الشرطة‪ ،‬وابتداء من قرار (‪ 1)Tomaso Grecco‬اعترف مجلس الدولة بمسؤولية‬
‫الدولة عن األضرار التي يسببها مرفق الشرطة‪ ،‬وأسسها على أساس الخطأ الجسيم‬
‫‪.‬‬

‫ب ‪ -‬مرفق الوااية المدنية‬

‫بالنظر للصعوبات التي تعترض القائمين على هذا المرفق‪ ،‬فإن القضاء االداري يشترط‬
‫الخطأ الجسيم لقيام مسؤولية اإلدارة‪ ،‬ومن ذلك تلف األدوات المستخدمة في إطفاء الحريق‪،‬‬
‫قلة ضغط الماء المستخدم في إطفاء الحريق‪ ،‬نقص وسائل اإلطفاء وغيرها من األخطاء‬
‫الجسيمة التي تؤدي إلى مسؤولية اإلدارة‪ .‬إال أنه تحول إلى االكتفاء بالخطأ اليسير ابتداء‬

‫‪ 1‬مجلس الدولة ‪ 31‬شباط ‪ ،3315‬قضية ‪ Tomaso Grecco‬الق اررات الكبرى لالجتهاد االداري رقم ‪35‬‬

‫‪115‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫من عام ‪ 3330،‬مع األخذ بعين االعتبار الصعوبات التي واجهت المرفق أثناء قيامه‬
‫بنشاطه في مكافحة الحرائق‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مبال المسؤولية اإلدارية في إطار الخطأ المصلحي‬

‫إذا كان المبدأ العام يقضي بأن مسؤولية أشخاص القانون العام مقررة بمقتضى الفصل‬
‫‪ 13‬من قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬فإن هناك نصوصا أخرى خاصة حددت أصنافا من هذه‬
‫المسؤولية‪ ،‬كالفصل ‪ 95‬مكرر الذي تناول أحكام المسؤولية عن الحوادث المدرسية‪ ،‬دون أن‬
‫نغفل أن هناك نصوصا تطرقت ألحكام المسؤولية التقصيرية في صورها الخاصة‪ ،‬وهو ما‬
‫يطرح التساؤل حول النص الذي يتعين تطبيقه في حالة قيام الوقائع المنشئة للمسؤولية عن‬
‫الشيء أو الحيوان أو البناء‪...‬إلخ‪ ،‬علما أن التمييز بين هذه الحاالت له أهمية كبيرة سواء‬
‫فيما يتعلق باألساس الذي يرتكز عليه أو بأسباب الدفع باإلعفاء منها‪.‬‬

‫ويالحظ من خالل استقراء العمل القضائي‪ ،‬أن كال من القضاء اإلداري والمدني متفق‬
‫على وجوب إعمال الفصل ‪ 95‬مكرر كإطار خاص للمسؤولية عن الحوادث المدرسية‪ ،‬في‬
‫حين أنه مختلف فيما يتعلق بإعمال باقي الفصول الخاصة المنظمة للمسؤولية التقصيرية‬
‫على أشخاص القانون العام‪.‬‬

‫وينص الفصل ‪ 95‬مكرر على أن المعلمين وموظفي الشبيبة والرياضة يسألون عن‬
‫الضرر الحاصل من األطفال والشبان خالل الوقت الذي يوجدون فيه تحت رقابتهم‪ ،‬ويلزم‬
‫المدعي بإثبات الخطأ الذي تسبب في الضرر وفقا للقواعد القانونية العامة‪ ،‬وتحل مسؤولية‬
‫الدولة محل الموظفين المذكورين‪.‬‬

‫ويتبين باالطالع على هذه المقتضيات القانونية أنها تضمنت القواعد اآلتية‪:‬‬

‫‪ -‬مسؤولية الدولة عن الحوادث المدرسية ليست مفترضة وإنما مبنية على أساس‬
‫الخطأ الواجب اإلثبات؛‬
‫‪ -‬إحالل الدولة محل المعلمين وموظفي الشبيبة والرياضة في أداء التعويض المحكوم‬
‫به؛‬

‫‪116‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪ -‬ال يجوز إقامة دعوى مدنية ضد الموظفين لمطالبتهم بالتعويض؛‬


‫‪ -‬يجوز للدولة إقامة دعوى االسترداد في مواجهة الموظف المرتكب للخطأ؛‬
‫‪ -‬تتقادم دعوى المسؤولية عن الحوادث المدرسية بمرور ثالثة سنوات من تاريخ‬
‫ارتكاب الفعل الضار؛‬

‫ومما تجدر اإلشارة إليه أن العمل القضائي لم يستقر بعد على الجهة القضائية المخول‬
‫لها اختصاص البت في دعاوى مسؤولية الدولة عن الحوادث المدرسية‪ ،‬إذ توزع هذا‬
‫االختصاص بين القضاء اإلداري بناء على مقتضيات الفصل ‪ 9‬من القانون رقم ‪31.03‬‬
‫المحدثة بموجبه المحاكم اإلدارية‪ ،‬وبين القضاء العادي بناء على مقتضيات الفصل ‪95‬‬
‫مكرر من قانون االلتزامات والعقود‪.‬‬

‫وقد نجم عن االختالف في توزيع االختصاص اختالف في إعمال أحكام الفصل ‪95‬‬
‫مكرر خصوصا فيما يتعلق بشروط إقرار المسؤولية في إطاره؛ فلقد كان التوجه في البداية‬
‫بالنسبة للقضاء اإلداري مستق ار على أن المسؤولية في إطار هذا الفصل قائمة على خطأ‬
‫واجب اإلثبات‪ ،‬وهو ما تجسده ق اررات متواترة صادرة عن المجلس األعلى‪ ،‬فقد جاء في قرار‬
‫المجلس األعلى عدد ‪ 111‬الصادر في الملف اإلداري عدد ‪ 311‬بتاريخ ‪3339/10/11‬‬
‫المنشور بالتقرير السنوي للمجلس األعلى ما يلي‪:‬‬

‫"مسؤولية الدولة عن الحوادث المدرسية تخضع لمقتضيات الفصل ‪ 95‬مكرر من قانون‬


‫االلتزامات والعقود‪.‬‬

‫المسؤولية قائمة على الخطأ الثابت وليس المفترض‪.‬‬

‫عدم قيام دليل على إخالل األستاذ بواجباته في المراقبة والحيطة ينفي أية مسؤولية في‬
‫هذا المجال‪.‬‬

‫كما أن المحاكم اإلدارية قد سارت على ذات التوجه في األحكام الصادرة عنها منذ‬
‫إحداثها فقد جاء في الحكم الصادر عن المحكمة اإلدارية بمراكش بتاريخ ‪1110/33/31‬‬
‫تحت عدد ‪ 191‬في الملف عدد ‪ 1110/110‬الذي جاء فيه ما يلي‪:‬‬

‫‪117‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫"دعاوى التعويض عن األضرار التي تتسبب فيها أعمال ونشاطات أشخاص القانون‬
‫العام‪ ،‬والتي تختص المحاكم اإلدارية بالنظر فيها طبقا للمادة ‪ 9‬من القانون المحدث لها‪،‬‬
‫تندرج في إطارها الدعاوى المنصوص عليها في الفصل ‪ 95‬مكرر من ق ل ع‪ .‬والمتعلقة‬
‫بدعاوى مسؤولية الدولة عن الضرر الحاصل لألطفال والشبان خالل الوقت الذي يوجدون‬
‫فيه تحت رقابة المعلمين وموظفي الشبيبة والرياضة بسبب الخطأ أو اإلهمال أو عدم الحيطة‬
‫الذي يحتج به على هؤالء الموظفين‪.‬‬

‫إال أن هذه األخيرة أضحت تقر هذه المسؤولية مؤخ ار على أساس خطأ مفترض ولمجرد‬
‫وقوع الحادثة داخل المؤسسة التعليمية دون بيان مكامن اإلهمال أو عدم الحيطة المنسوب‬
‫للمشرفين التربويين مخالفة بذلك صريح النص القانوني‪ ،‬فقد جاء في الحكم الصادر عن‬
‫المحكمة اإلدارية بالرباط بتاريخ ‪ 1131/11/13‬تحت عدد ‪ 3911‬في الملف رقم‬
‫‪ 11/3113‬ش ت‪ .‬والذي ما يلي‪ .":‬حيث إنه طالما أن المدعي أصيب أثناء فترة التربية‬
‫البدنية التي من المفروض على المشرف عليها أن يأخذ االحتياطات الالزمة للحيلولة دون‬
‫وقوع أي اصطدام بين التالميذ وذلك بإسدائه توجيهات إليهم إلى غير ذلك‪ ،‬ومن ثم يبقى‬
‫التقصير ثابت في حقهم‪ ،‬مما يضحى معه تمسك الوكيل القضائي غير وجيه ويتعين‬
‫استبعاده "‪.‬‬

‫أما بالنسبة للقضاء المدني فتشترط أغلب األحكام الصادرة في هذا المجال إثبات الخطأ‬
‫من طرف المدعي لقيام مسؤولية الدولة عن الحوادث المدرسية‪ ،‬ومن بين األحكام التي‬
‫صدرت في هذا اإلطار القرار الصادر عن المجلس األعلى بتاريخ ‪ ، 1111 /3/ 33‬والذي‬
‫قضى بأنه مادامت المسؤولية بمقتضى الفصل ‪ 95‬مكرر‪ ،‬واجبة اإلثبات وليست مفترضة‬
‫في حق المعلمين والمسؤولين عن رقابة األطفال‪ ،‬فإن محكمة االستئناف لم تبرز الخطأ أو‬
‫اإلهمال الصادرين عن مسؤولي المؤسسة التعليمية التي وقعت فيها الحادثة‪ ،‬سيما وأن‬
‫المتضرر لم يدل بما يثبت قيام الخطأ أو عدم الحيطة أو اإلهمال في جانب الطرف‬
‫الطاعن‪.‬‬

‫وفي قرار آخر كانت محكمة االستئناف قد حملت الدولة مسؤولية األضرار التي نتجت‬
‫عن حادثة مدرسية‪ ،‬بناء على مجرد تواجد التلميذ المصاب بالمؤسسة التعليمية فنقض‬
‫‪118‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المجلس األعلى قرارها معلال قضاءه بكون المحكمة لم تلزم المدعي بإثبات الخطأ وفقا‬
‫لمقتضيات الفصل ‪ 95‬مكرر (القرار رقم ‪ 051‬الصادر بتاريخ ‪. (1111/5/11‬‬

‫وتجد ر اإلشارة في األخير إلى أنه إذا كان ضمان الدولة ألداء التعويض الكامل عن‬
‫األضرار الحاصلة للتالميذ أو الطلبة في إطار الفصل ‪ 95‬مكرر من قانون االلتزامات‬
‫والعقود مشروطا بثبوت خطأ الموظف‪ ،‬فإن الدولة مع ذلك تكون ضامنة في جميع الحاالت‪،‬‬
‫ولو بدون خطأ‪ ،‬ألداء تعويض إجمالي يعود أمر تحديده الى لجنة خصوصية محدثة‬
‫بالظهير المؤرخ في ‪ 11/31/3301‬السالف الذكر‪ ،‬والتي تصدر ق ارراتها في هذا الشأن‬
‫بصورة نافذة وغير قابلة ألي طعن‪.‬‬

‫ومما هو حري باإلشارة أيضا أن اللجوء إلى هذه اللجنة يبقى أم ار اختياريا‪ ،‬بمعنى أن‬
‫بإمكان المتضرر ممارسة دعوى المسؤولية في إطار الفصل ‪ 95‬مكرر من قانون االلتزامات‬
‫والعقود‪ ،‬ومن غير ضرورة إلى مراجعة اللجنة المذكورة‪ ،‬وهذا ما يقول به المجلس األعلى‬
‫نفسه في ق ارره الصادر بتاريخ ‪ 3395/3/11‬والذي جاء في إحدى حيثياته ما يلي‪:‬‬

‫"حيث إن محكمة االستئناف عندما لم تقبل دعوى التعويض المقدمة في نطاق الفصل‬
‫‪ 95‬مکرر من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬لم تكن على صواب لكون اللجوء الى مسطرة ظهير‬
‫‪ 3301/31/11‬في حق في جميع هو اختياري وال يوجد أي فصل منه يوجب عدم قبول‬
‫الدعوى المقدمة في نطاق القانون العام إال بعد سلوك مسطرة الظهير المشار إليه أعاله‪ .‬وإنه‬
‫على العكس من ذلك‪ ،‬فإن الفصل الثامن منه ينص صراحة على أن مقتضياته ال تمنع‬
‫ممارسة دعوى المسؤولية المدنية المنصوص عليها في الفصلين ‪ 95‬و‪ 95‬مكرر من‬
‫ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬األمر الذي يستفاد منه أن القرار المطعون قد خرق الفصل المذكور أعاله"‪.‬‬

‫كما ذهبت محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط من خالل قرارها عدد ‪ 951‬بتاريخ ‪11‬‬
‫مارس ‪ 1131‬في الملف عدد ‪ 1/31/099‬إلى اعتبار أن المطالبة بالتعويض في إطار‬
‫الحوادث المدرسية ممكنة من دون سلوك المسطرة اإلدارية الخاصة المنظمة بمقتضى‬
‫الق اررين الوزيريين المؤرخين في ‪ 3310/33/19‬و ‪ ،3301/11/11‬وهكذا جاء في حيثية‬
‫القرار ما يلي‪:‬‬

‫‪119‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫" وحيث إن المدعي لم يرفع دعواه على أساس الحوادث المدرسية المنظمة بمقتضى‬
‫الق اررين الوزيريين المؤرخين في ‪ 3310/33/19‬و ‪ 3301/11/11‬واللذين حددا‬
‫مسطرة إدارية خاصة بشأن الحوادث المدرسية التي يتم التعويض عن األضرار المترتبة‬
‫عنها وما تعلق بها من تطبيق التفاقية الضمان القائمة على هذين الق اررين‪ ،‬بل أسس‬
‫الدعوى على قيام مسؤولية اإلدارة عن األضرار الناتجة عن تقصيرها و إهمالها‪ ،‬وأن‬
‫تواجد المستأنف عليه داخل المؤسسة التعليمية وتعرضه ألضرار كاف لقيام مسؤوليتها‬
‫عن اإلهمال في الرقابة والتوجيه الذي يدخل ضمن صلب األعمال الملقاة على عاتقها‪،‬‬
‫وأن أساس الدعوى ال يقوم على تطبيق بنود االتفاق مما يجعل الوسيلة غير جدية‪."...‬‬

‫وتحمل محكمة النقض الدولة‪ ،‬العتبارات اجتماعية أحيانا‪ ،‬مسؤولية األضرار الناتجة‬
‫عن الحوادث المدرسية ربما‪ ،‬ولو لم يثبت أي خطا مرتكب من طرف موظفيها‪ ،‬حيث اعتبر‬
‫في أحد ق ارراته‪ 1‬أن القرار االستئنافي كان سليما حين كيف مسؤولية الدولة على أساس‬
‫مقتضيات ظهير ‪ 11‬اكتوبر ‪ 3301‬والذي ينص في فصله األول على اعتبار الدولة ضامنة‬
‫لكل تعويض ناتج عن الحوادث التي يتعرض لها التالميذ المسجلين بانتظام بالمؤسسات‬
‫المدرسية‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬معايير التمييز لين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي‬

‫إن التفرق ــة ب ــين الخط ــأ الشخص ــي والخط ــأ المرفق ــي ال تعن ــي بالدرج ــة األول ــى أن األول‬
‫يرجع إلى عمل الموظف وأن الثاني يرجع إلى فعل المصلحة أو المرفق ذاته‪ ،‬فاألخطـاء التـي‬
‫تحــدث بمناســبة عمــل المرفــق تكــون كلهــا تقريبــا نتيجــة لفعــل أو نشــاط موظــف أو أكثــر وذلــك‬
‫ألن األشخاص اإلدارية هي أشخاص معنوية تعمل بواسطة موظفيها‪.‬‬

‫وبنــاء علــى مــا ســبق يكــون معنــى التفرقــة بــين نــوعي الخطــأ أن الشخصــي منــه يصــدر‬
‫عن الموظف وينسب إليه شخصـيا بحيـث يتحمـل هـو مسـؤوليته مـن مالـه الخـاص‪ ،‬أمـا الخطـأ‬
‫المصلحي أو المرفقي ورغم حدوثـه عـادة بفعـل موظـف أو أكثـر فإنـه ينسـب إلـى المرفـق العـام‬
‫ويعتبر صاد ار منه ويسأل بالتالي عنه دون الموظف‪.‬‬

‫‪ 1‬القرار رقم ‪ 3193‬الصادر بتاريخ ‪1119/0/31‬‬

‫‪120‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وقد تعددت معايير التفرقة بين نوعي الخطأ‪ ،‬ألن القضاء والفقه ال يلتزمـان بقواعـد ثابتـة‬
‫أو معــايير محــددة‪ ،‬وإنمــا يهتمــان بوضــع الحــل المالئــم لكــل حالــة علــى حــدة تبعــا لظروفهــا‪،‬‬
‫ويمكن أن نقول بصفة عامة أن الخطأ الشخصي هو الخطأ الذي ينفصل عـن العمـل اإلداري‬
‫وأن الخطأ المرفقي هو الذي ال ينفصل عنه‪.‬‬

‫ولعل القراءة المتأنية للفصل ‪ 91‬مـن قـانون االلت ازمـات والعقـود تفضـي إلـى التأكيـد علـى‬
‫أن المشـ ــرع أراد مسـ ــاءلة مسـ ــتخدمي الدولـ ــة والبلـ ــديات شخصـ ــيا عـ ــن األض ـ ـرار الناتجـ ــة عـ ــن‬
‫تدليسهم أو عن األخطاء الجسيمة الواقعة منهم في أداء وظائفهم‪.‬‬

‫ويتمظهر الخطأ الشخصي حسب الفقه والعمل القضائي في كل تصرف أو عمل صـدر‬
‫ع ــن الموظ ــف‪ ،‬لكن ــه منقط ــع الص ــلة بعمل ــه ال ــوظيفي‪ ،‬أو ف ــي الحال ــة الت ــي يك ــون فيه ــا الفع ــل‬
‫الضار يندرج ضمن واجبات الموظف‪ ،‬إال أنه على قدر من الجسـامة أو صـدر عنـه عمـدا أو‬
‫بنية اإلضرار بالغير‪.‬‬

‫ومن ثم يتضح أن الخطأ الشخصي هـو الخطـأ الجسيم وإن كان متصال بالوظيفة‪ ،‬وهو‬
‫أيضا الخطأ القابـل لالنفصال عـن واجبـات الوظيفـة؛ واالنفصال إما أن يكون ماديا أو معنويا‬
‫فالخطأ يعد منفصـال مادي ا عن الوظيفة في حالة قيام الموظف بعمل ال عالقة له ماديا وال‬
‫يتفق وأخالق وواجبـات الوظيفـة‪ ،‬ويتحقــق االنفصال المعنوي إذا ما دخل العمل ماديا في‬
‫واجبات الوظيفة ولكن قام به الموظف ألغراض غير التي حددها المشرع أصال لهذا العمل‪.‬‬

‫ولقد بذل الفقه القانوني محاوالت عديدة لتقديم أفكار بغية الوصول إلى معيار دقيق‬
‫وواضح‪ ،‬يميز بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي‪ ،‬ولذلك تعددت المحاوالت الفقهية في‬
‫هذا الشأن ومن أهم تلك األفكار أو المعايير ما يلي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬معيار األهواء الشخصية‬

‫ينسب هذا المعيار للفقيه الفرنسي الفيريير (‪ )Laferrière‬ويطلق عليه معيار البواعث‬
‫الشخصية أو النزوات الشخصية‪ .‬و وفقا لهذا المعيار يكون الخطأ شخصيا إذا كان الفعل‬
‫الذي قام به الموظف أثناء تأديته وظيفته مصطبغ بصبغة شخصية بأن وقع الخطأ نتيجة‬

‫‪121‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ضعفه ونزواته وعدم تبصره‪ ،‬ويكون الخطأ مرفقيا إذا لم يكن مصطبغ بصبغة شخصية بأن‬
‫وقع فيه الموظف بصورة خاطئة أثناء تأديته لواجبات وظيفته‪ ،‬بمعنى أن الخطأ هنا يكشف‬
‫عن موظف عرضة للخطأ والصواب‪.1‬‬

‫ويستند معيار البواعث الشخصية إلى نية الموظف مرتكب الخطأ وقصده‪ ،‬فيكون‬
‫الخطأ شخصيا إذا كانت نية الموظف وقصده سيئان بان تعمد ارتكاب الخطأ واإلضرار‬
‫بالناس‪ ،‬ويكون الخطأ مرفقيا إذا كان الموظف الذي ارتكب الخطأ حسن النية ولم يكن يقصد‬
‫اإلضرار بالناس‪.‬‬

‫وقد رأى جانب من الفقه الفرنسي أن هذا المعيار صالح للتمييز بين الخطأ الشخصي‬
‫والخطأ المرفقي‪ ،‬كما تأثرت بعض األحكام القضائية بهذا المعيار‪ .‬إال أنه وبالرغم من ذلك‬
‫تعرض هذا المعيار للنقد حيث أخذ عليه اهتمامه بالجانب الشخصي‪ ،‬وبأنه معيار غير‬
‫جامع لعدم تناوله حاالت الخطأ الجسيم التي تقع من جانب الموظف حسن النية رغم أن‬
‫قضاء مجلس الدولة الفرنسي قد أدخلها في دائرة الخطأ الشخصي‪ ،‬كما تمثل هذا االعتراض‬
‫في كونه معيا ار واسعا فضفاض ينقصه التحديد واالنضباط مما يجعله معيا ار نسبيا يخضع‬
‫لتقدير القضاء وبالتالي ال يمكن االعتماد عليه للتمييز ما بين الخطأ الشخصي والخطأ‬
‫المرفقي‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬معيار الخطأ القال لالنفصال عن الوظيفة‬

‫ينسب هذا المعيار للفقيه الفرنسي هوريو (‪ )Hauriou‬ويطلق عليه معيار الخطأ القابل‬
‫لالنفصال‪ .‬وفقا لهذا المعيار يعتبر الخطأ شخصيا إذا أمكن فصله عن أعمال الوظيفة‪ ،‬ويعد‬
‫الخطأ مرفقيا إذا كان متصال بأعمال الوظيفة اتصاال ال يمكن معه فصله عنها‪ .‬وانفصال‬
‫أعمال الوظيفة وواجباتها قد يكون ماديا وقد يكون معنويا‪ ،‬أما االنفصال المعنوي عن‬

‫محيي الدين القيسي‪ ،‬مبادئ القانون اإلداري العام‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،‬بيروت‪ ،3333 ،‬ص ‪310‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪122‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫واجبات الوظيفة فيكون إذا كان العمل يدخل ماديا ضمن واجبات الوظيفة ولكن محدد‬
‫بغرض معين إال أن الموظف يأتي بهذا العمل لغرض آخر غير الغرض المحدد له أصال‪.1‬‬

‫ولم يسلم هذا المعيار بدوره من النقد‪ ،‬ومن االنتقادات التي وجهت إليه أنه يرتب‬
‫استبعاد مسؤولية الموظف الشخصية في حالة ارتكابه أخطاء جسيمة وهو يباشر وظيفته‬
‫وذلك في حالة عدم انفصالها ماديا أو معنويا عن واجبات وظيفته‪ .‬كما أن القاضي سوف‬
‫يكون مضط ار لفحص العمل اإلداري الذي سبب الضرر وتقديره وفيما إذا كان الخطأ‬
‫منفصال أو غير منفصل حسب الوظيفة بنفسه‪ .‬كما يؤخذ على هذا المعيار أنه أوسع من‬
‫الالزم في بعض األحيان‪ ،‬ألنه يجعل من كل خطأ مهما كان تافها شخصيا لمجرد أنه‬
‫منفصل عن واجبات الوظيفة‪ ،‬كما أنه من ناحية أخرى ال يشمل األخطاء المتصلة بواجبات‬
‫الوظيفة إذا كانت على درجة كبيرة من الجسامة‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬معيار الغاية أو الهدف‬

‫ينسب هذا المعيار للفقيه الفرنسي دوچي (‪ )Duguit‬ويتخذ هذا المعيار من غاية‬
‫الخطأ الذي اقترفه الموظف وهدفه معيا ار لتمييزه‪ ،‬فإذا كانت غاية الفعل " الخطأ " تحقيق‬
‫مصلحة شخصية للموظف أي أغراض ال عالقة لها بالوظيفة كان هذا دليال على سوء نيته‬
‫وأعتبر الخطأ شخصيا يسال عنه الموظف مسؤولية شخصية‪ ،‬أما إذا ثبت أن الموظف كان‬
‫حسن النية فإن خطاه يعتبر خطأ مرفقيا تلتزم الدولة بتعويضه‪.‬‬

‫وبعبارة أخرى "يسأل الموظف حين يستغل أو يستفيد من سلطات وظيفته وال يسأل‬
‫حين يباشر سلطات هذه الوظيفة‪.‬‬

‫و قد أخذ مجلس الدولة الفرنسي بهذا المعيار في حكمه الصادر في ‪ 11‬فبراير ‪3311‬‬
‫في قضية "‪ " zimmermann‬والتي تتلخص وقائعها في‪ :‬قيام عمال الطرق و الجسور‬
‫واألحجار الالزمة ألعمال الصيانة من أرض خاصة مملوكة لعائلة‬ ‫باستخراج الرمال‬

‫‪1‬‬
‫ومن األمثلة العملية عن هذا المعيار قضية " ‪ "la lange‬في ‪ 10‬ديسمبر ‪ ،3331‬حيث بعد أن قام عمدة بشطب اسم تاجر حكم القضاء‬
‫بإفالسه من جدول الناخبين‪ ،‬وهذا ما يندرج ضمن وظيفة العمدة قام بنشر إعالن لذلك وأطلق مناد في القرية إلبالغ المواطنين بهذه الواقعة‪ ،‬حتى‬
‫يسيء بسمعة التاجر‪ ،‬وهذا العمل األخير ال يندرج ضمن أعمال وظيفة العمدة‬

‫‪123‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫"‪ ،zimmermann‬ثم أصدر مدير اإلقليم ق ار ار بضم تلك األرض إلى الملك العام ورفع‬
‫األسوار عنها لضمان استمرار عملية استخراج الرمال و األحجار منها‪ ،‬و حماية الموظفين‬
‫من وقوع أية مسؤولية عليهم‪ ،‬ذلك أنه متى عدت هذه األرض من األموال العامة فإن‬
‫االستيالء على األحجار و الرمال الستكمال االشغال العامة يعد فعال مشروعا‪ ،‬و قد اعتبر‬
‫مجلس الدولة الفرنسي أن خطأ المدير خطأ مرفقيا‪ ،‬استنادا إلى أنه لم يهدف بقرار سوى‬
‫تحقيق مصلحة مالية للدولة و حماية الموظفين‪.‬‬

‫وقد القى هذا المعيار كغيره من المعايير السابقة عدة انتقادات‪ ،‬وقد تمثلت هذه‬
‫االنتقادات في كون هذا المعيار يتسم ظاهريا بالبساطة إال أنه معيب من ناحيتين‪:‬‬

‫أ‪ -‬اعتماد هذا المعيار على عوامل داخلية لدى الموظف الذي ارتكب الخطأ‪ ،‬وهذا‬
‫يثير صعوبة لدى القاضي للتثبت فيما إذا كان الخطأ شخصيا أو مرفقيا ألنه ال بد من أن‬
‫يبحث عن نية الموظف ‪ -‬وهي داخلية ‪ -‬وفيما إذا كانت نيته تحقيق المصالح العام أم‬
‫تحقيق مآرب شخصية له‪.‬‬

‫ب ‪ -‬أن هذا المعيار ال يتفق مع ما استقر عليه اجتهاد مجلس الدولة الفرنسي الذي‬
‫رتب مسؤولية الموظف الشخصية في حالة الخطأ الجسيم‪ ،‬ألنه وفقا لهذا المعيار إذا تم‬
‫األخذ به فإن الموظف غير مسؤول عن األخطاء الجسيمة التي تقع أثناء ممارسته الواجبات‬
‫وظيفته إذا لم يكن هدفه تحقيق مارب وأغراض شخصية‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬معيار درجة جسامة الخطأ‬

‫ينسب هذا المعيار للفقيه جيز (‪ )Jeze‬ويطلق عليه البعض معيار جسامة الخطأ أو‬
‫الخطأ الجسيم‪ .‬وفقا لهذا المعيار يكون التمييز بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي تبعا‬
‫لجسامة الخط المرتكب من جانب الموظف‪ ،‬فإذا كان الخطأ الذي ارتكبه الموظف ونسب‬
‫إليه جسيما اعتبر خطأ شخصيا‪ ،‬كان يقع الموظف في خطأ جسيم عند تصديه لتفسير‬
‫وتقدير الوقائع التي تبرر قيامه بالتصرف‪ ،‬أو فهمه لنصوص القانون التي تعطيه الحق في‬
‫التصرف لدرجة يصل فيها إلى حد التعسف في استعمال حقه‪ ،‬أو إذا وصل الفعل إلى حد‬
‫اعتباره جريمة معاقب عليها قانونا‪ .‬فوفقا لهذا المعيار يعد الخطأ شخصيا إذا كان جسيما‬
‫‪124‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫بحيث ال يمكن اعتباره من األخطاء العادية التي يتعرض لها الموظف في حياته الوظيفية‪،‬‬
‫أما إذا كان الخطأ غير جسيم فيعد من قبيل األخطاء المرفقية التي تسأل عنها اإلدارة‪ .1‬كما‬
‫أن هذا المعيار ال يقصر الخطأ الشخصي على حاالت الخطأ العمدي على خالف معيار‬
‫الفيريير وهوريو بل تعدى ذلك إلى كل حالة يكون فيها الخطأ المنسوب للموظف جسيما ولو‬
‫كان الموظف في تصرفه حسن النية‪.‬‬

‫ولم يسلم هذا المعيار بدوره من النقد واعتبر من قبل البعض معيا ار غير جامع وغير‬
‫مانع‪ ،‬وذلك ألن قضاء مجلس الدولة الفرنسي اعتبر أخطاء اقترفت من قبيل األخطاء‬
‫المرفقية والمرفق ملزم بالتعويض عنها رغم أنها بلغت حدا من الجسامة اعتبرت فيه جريمة‬
‫معاقب عليها قانونا‪ .‬ومثال ذلك قيام سائق سيارة تابعة للقوات المسلحة تسير ضمن قافلة‬
‫للسيارات بارتكاب جريمة قتل خطأ‪ ،‬فهنا رغم أن هذا الخطأ يشكل جريمة يعاقب عليها‬
‫القانون إال أن القضاء اعتبرها من األخطاء المرفقية يلتزم المرفق بالتعويض عنه وبصفة‬
‫نهائية‪ .‬ولقد ذهب الدكتور خالد الظاهر إلى القول بأن رأي الفقيه جيز يتشابه أو هو امتداد‬
‫وتطوير ألفكار الفقيه الفيرپير‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬معيار طبيعة االلتزام الذي أخ به‬

‫ينسب هذا المعيار للفقيه دوك راسي (‪ )RASY‬حيث أقام التفرقة بين الخطأ الشخصي‬
‫والخطأ المرفقي تبعا لطبيعة االلتزام الذي تم اإلخالل به‪ .‬فااللتزامات التي تقع على عاتق‬
‫الموظف يمكن ردها إلى طائفتين‪ :‬الطائفة األولى وتشمل االلتزامات العامة‪ ،‬أما الطائفة‬
‫الثانية فتشمل االلتزامات الخاصة‪ ،‬فإذا كان االلتزام من االلتزامات العامة التي يقع عبئها‬
‫علی المواطنين موظفين كانوا أم أفراد عاديين فإن اإلخالل به يشكل خطأ شخصيا‪ ،‬أما إذا‬
‫كان االلتزام من االلتزامات الوظيفية التي ترتبط أساسا بالعمل الوظيفي فإن اإلخالل به‬
‫يشكل خطأ مرفقيا‪.‬‬

‫وقد تعرض هذا المعيار کسابقيه للنقد‪ ،‬حيث أخذ عليه أن القضاء الفرنسي لم يتبناه‬
‫بصفة دائمة‪ ،‬فأحكام مجلس الدولة الفرنسي التي طبقت هذا المعيار قليلة‪ ،‬إضافة إلى‬

‫‪1‬سليمان الطماوي‪ ،‬القضاء اإلداري ( قضاء التعويض)‪ ،‬الكتاب الثاني‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬القاهرة‪ ، 3331 ،‬ص ‪.331‬‬

‫‪125‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫صدور العديد من األحكام القضائية خالفا لهذا المعيار حيث قضت باعتبار الخطأ شخصيا‬
‫رغم أن االلتزام الذي تم اإلخالل به هو التزام خاص ومرتبط بالعمل الوظيفي‪.‬‬

‫وفضال عن ذلك فإن هذا المعيار يؤدي إلى اعتبار األخطاء الجسيمة أيا كانت درجة‬
‫جسامتها أخطاء مرفقية متى صدرت نتيجة اإلخالل بالتزام وظيفي وهو بذلك يخالف ما‬
‫جرى عليه القضاء من إدراج مثل هذا الخطأ ضمن حاالت الخطأ الشخصي وهو ما يصدق‬
‫أيضا علی الخطأ الذي يرتكبه الموظف يسوء نية‪.‬‬

‫وهكذا يتضح من خالل استقراء هذه اآلراء الفقهية على اختالف مشاربها أن فيصل‬
‫التفرقة بين الخطأ الشخصي والخطأ المصلحي للموظف يكمن في " القصد والنية " لدى‬
‫الموظف العام‪ ،‬وأنه متى تبين أن الموظف كان مدفوعا بنزواته أو بعوامل شخصية أو أنه‬
‫كان يتغيا منفعته الشخصية أو الذاتية أو يقصد اإلضرار بالغير بعيدا كل البعد عن هدف‬
‫تحقيق الصالح العام فإننا نكون أمام خطأ شخصي‪ ،‬وأنه متى كان الخطأ جسيما يتجاوز‬
‫الحدود العادية للخطأ فإننا نكون أمام خطأ شخصي أيضا يحاسب عنه الموظف شخصيا‪.‬‬

‫الفص الثاني‪ :‬مسؤولية الموظف لين الخطأ المرفقي والخطأ الشخصي‬

‫من المعلوم أن القاضي هـو الـذي يكيـف الوقـائع المعروضـة عليـه مـن طـرف المتقاضـي‬
‫في إطارها القانوني الصحيح‪ ،‬ولذلك ال تلزم المحكمة بتتبع الخصوم في كافة منـاحي أقـوالهم‪،‬‬
‫وإنمــا يكتفــي ه ـؤالء بعــرض الوقــائع وإثــارة الملتمســات علــى أن تقــوم المحكمــة بتطبيــق الــنص‬
‫القانوني المالئم وفقـا لمقتضـيات الفصـل الثالـث مـن قـانون المسـطرة المدنيـة‪ ،‬وإذا تعلـق األمـر‬
‫بمسؤولية الدولة تكون المحكمة ملزمة بالتمييز بين الخطأ المرفقـي أو المصـلحي الـذي تتحمـل‬
‫تبعاته الدولة نفسها وبين الخطأ الشخصي للموظف الـذي يسـأل عنـه هـذا األخيـر شخصـيا وال‬
‫تحل الدولة محله في األداء إال إذا ثبت عسره‪.1‬‬

‫‪1‬‬
‫ويعتبر غير مرتكز على أساس ومنعدم التعليل الحكم الذي لم يميز بين الخطأين وفق ما قضى به المجلس األعلى في القرار الصادر بتاريخ‬
‫‪ 3391/3/31‬حين قضى بأن المحكمة ملزمة بأن تكيف الدعوى حسب الوقائع الثابتة أمامها وتطبق عليها النص الواجب التطبيق‪ ،‬مما كان عليها‬
‫أن تبحث وتميز بين ما إذا كان ما صدر عن الممرض بصفته أحد مستخدمي اإلدارة في أحد المستشفيات العمومية‪ ،‬هل هو خطأ مصلحي‬
‫بالمعنى المنصوص عليه في الفصل ‪ 13‬فتقضي بمسؤولية الدولة أم أنه خطا شخصي ال عالقة له إطالقا بعمله اإلداري فتقضي بعدم مسؤولية‬
‫الدولة وتبت في الدعوى في مواجهة الممرض وحده ‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫غير أن اإلشكال الذي أثير بخصوص تطبيق الفصـلين ‪ 13‬و‪ 91‬مـن قـانون االلت ازمـات‬
‫والعقود هو صعوبة التمييز بين األخطاء اإلدارية أي األخطاء الناجمة عن سير اإلدارة أو مـا‬
‫يصــطلح عليــه باألخطــاء المصــلحية التــي تتصــل بممارســة الوظيفــة‪ ،‬وبــين أخطــاء المــوظفين‬
‫الشخصية أي األخطـاء التـي تنفصـل عـن ممارسـة الوظيفـة وتقـوم علـى تـدليس أو خطـأ جسـيم‬
‫يقع من الموظف أثناء أداء وظيفته‪.‬‬
‫ومن أجل دراسة هذه النقطة سيتم تقسيم هذا الفصل إلى ثالثة مباحث‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي من خالل العمل القضائي؛‬
‫المبحث الثاني‪ :‬العالقة بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي؛‬
‫المبحـ ــث الثالـ ــث‪ :‬دعـ ــوى الحلـ ــول الناجمـ ــة عـ ــن إق ـ ـرار المسـ ــؤولية الشخصـ ــية للموظـ ــف‬
‫العمومي‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي من خالل العم القضائي‬

‫لم يحاول القضاء اإلداري وضع معيار محدد للتمييز بين الخطأ الشخصي والخطأ‬
‫المرفقي‪ ،‬كما لم يتبع معيا ار محددا من المعايير الفقهية التي قيلت للتمييز ما بين نوعي‬
‫الخطأ‪ ،‬ووقد جرى العمل في القضاء اإلداري باألخذ بهذه المعايير على سبيل االستئناس‪،‬‬
‫حيث يقوم القاضي اإلداري بفحص كل حالة على حدة ليحدد نوع الخطأ‪ ،‬مستعينا بمجموعة‬
‫من العوامل‪ ،‬منها درجة جسامة الخطأ المنسوب للموظف وعدم مشروعيته والظروف التي‬
‫تحيط به ونية الموظف وغير ذلك من العوامل‪ .‬فالقضاء اإلداري عمل فقط على رسم خطوط‬
‫عريضة واتجاهات عامة في هذا المجال‪.‬‬

‫ومن أجل التفصيل في هذه النقطة سنعمل على استعراض موقف القضاء اإلداري في‬
‫كل من فرنسا ومصر لنختم بقضائنا المغربي سواء القضاء اإلداري أو المدني من معايير‬
‫التمييز ما بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي وذلك في مطلبين‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬العمل القضائي اإلداري المقارن بشأن التمييز ما بين الخطأ الشخصي‬
‫والخطأ المرفقي‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المطلب الثاني‪ :‬العمل القضائي اإلداري المغربي بشأن التمييز ما بين الخطأين‬
‫الشخصي والمرفقي‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬العم القضائي اإلداري المقارن بشأن التمييز ما لين الخطأ‬
‫الشخصي والخطأ المرفقي‬

‫سنكتفي باإلشارة إلى العمل القضائي الفرنسي والعمل القضائي المصري‪:‬‬

‫الفرع األول‪ :‬العم القضائي الفرنسي‬

‫رغم تنوع وتعدد المعايير التي تبناها الفقه في تمييزه بين الخطأ المرفقي والخطأ‬
‫الشخصي فإن أيا من هذه المعايير لم يرقى لدرجة المعيار الجامع المانع‪ ،‬ولهذا لم يجد‬
‫القضاء ا لفرنسي معيا ار معينا يتقيد به من بين هذه المعايير‪ ،‬فسلك مسلكا أخر مؤداه أن‬
‫يفحص كل حالة على حدة‪ ،‬آخذا بعين االعتبار الظروف التي أحاطت بالواقعة‪ ،‬ومن ثم‬
‫يكيف طبيعة ونوع الخطأ‪.‬‬

‫وقد اتجه القضاء الفرنسي في هذه الحالة إلى أن الخطأ الشخصي يتجسد في الحاالت‬
‫التالية‪:‬‬

‫أوال‪ :‬األخطاء المنقطعة الصلة بالوظيفة العامة‬

‫ذهب القضاء اإلداري الفرنسي إلى أن الخطأ يعد شخصيا إذا كان ال عالقة له‬
‫بالوظيفة إطالقا بأن يكون قد وقع من الموظف في حياته الخاصة وبعيدا عن الوظيفة وخارج‬
‫أوقات العمل الرسمية كقيام الموظف بصدم أحد األفراد بسيارته الخاصة في يوم عطلته‬
‫الرسمية‪ ،‬فهنا تكون مسؤولية الموظف شخصية ويعوض األضرار الناجمة عن خطئه‬
‫الشخصي من ماله الخاص مهما بلغت جسامتها وبصرف النظر عن نية الموظف حيث‬
‫يستوي في هذه الحالة سوء النية وحسنها‪ .‬وكقيام أحد أفراد البوليس باستعمال سالحه بقصد‬
‫االنتقام الشخصي وتصفية الحساب مع األفراد‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫إال أن هناك أخطاء ذهب القضاء اإلداري الفرنسي إلى اعتبارها أخطاء شخصية تقع‬
‫على عاتق الموظف وحده وال مسؤولية على اإلدارة رغم أنها وقعت أثناء أوقات العمل‬
‫الرسمية وذلك لكونها ال عالقة لها بالوظيفة‪ ،‬كقيام أحد أفراد األمن بترك المكان المطلوب‬
‫منه الوقوف فيه ودخوله أحد المقاهي ووقوع مشاجرة بينه وبين أحد رواد المقهى وجرحه أثناء‬
‫محاولته تجريده من السالح‪ ،‬وكقيام رجل المطافئ برمي عقب سيجارته المشتعل أثناء إخماد‬
‫الحريق في مكان مجاور وحدوث حريق‪ .‬وأيضا قيام رجل البوليس يضرب المتهم ضربا‬
‫عنيقا دون أن يكون هذا المتهم قد حاول الهرب أو قاوم أمر القبض عليه‪.‬‬

‫إال أن قضاء مجلس الدولة الفرنسي قد تطور وجعل من هذه األخطاء التي ترتكب‬
‫أثناء مباشرة الوظيفة مصدر الجتماع مسؤولية الموظف ومسؤولية اإلدارة معا‪.‬‬

‫ومن ثم فإن هذا الخطأ يتجلى في الحالة التي يرتكب فيها الموظف خطأ ال عالقة له‬
‫بوظيفته بتاتا‪ ،‬كما في قضية "‪ pothier‬بوتييه"‪ ،‬حيث قضى مجلس الدولة الفرنسي‬
‫بمسؤولية دركي‪ ،‬ارتكب جريمة قتل بقصد انتقام من سبب عاطفي‪ ،1‬فهنا يعتبر الخطأ في‬
‫نظر مجلس الدولة الفرنسي خطأ شخصيا للموظف العام وال عالقة له بالوظيفة‪.‬‬

‫ويندرج ضمن صور هذا الخطأ ما يلي‪:‬‬

‫أ‪ -‬معيار الخطأ العمدي المستهدف لغير المصلحة العامة‬

‫وتطبق هذه الحالة في حالة ما إذا ارتكب الموظف خطأ أثناء تأدية ووظيفته وقصد من‬
‫ورائه تحقيق أغراض شخصية غير أغراض المصلحة العامة‪ ،‬كأن يصدر المدير ق ار ار بفصل‬
‫موظف انتقاما منه‪ ،‬ففي هذه الحالة يعد الخطأ شخصيا‪.‬‬

‫ب‪ -‬للوغ الخطأ درجة خاصة من البسامة‬

‫وتظهر جسامة الخطأ في هذه الحالة في ثالث صور وهي‪ :‬أن يرتكب الموظف خطأ‬
‫جسيما‪ ،‬أو أن يخطئ خطأ قانونيا جسيما كأن يتجاوز الموظف اختصاصاته بشكل فادح‬

‫‪3‬‬
‫حكم مجلس الدولة الفرنسي في ‪ 31‬مارس ‪.3313‬‬

‫‪129‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫جدا‪ ،‬وتظهر الجسامة كذلك في صورة الفعل الصادر من الموظف الذي يشكل جريمة جنائية‬
‫كجريمة التزوير أو إفشاء األسرار‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬األخطاء التي تقع أثناء تأدية واجبات الوظيفة أو بمناسبتها‬

‫قد يرتكب الموظف العام أثناء قيامه بمهام وظيفته أو بمناسبة أدائه لهذه المهام خطأ‬
‫ما‪ ،‬وقد استقر القضاء اإلداري في فرنسا على اعتبار خطأ الموظف شخصيا في مثل هذه‬
‫الحالة في الحالتين التاليتين‪:‬‬

‫أ ‪ -‬توافر سوء النية‬

‫فرق القضاء اإلداري في هذه الحالة بين أخطاء الموظف المصحوبة بحسن النية وبين‬
‫األخطاء التي تصدر منه وتكون مصحوبة بسوء النية‪ ،‬إذ قرر مسؤولية اإلدارة بالتعويض‬
‫عن األضرار في حال ثبوت حسن نية الموظف‪ ،‬في حين رتب مسؤولية الموظف الشخصية‬
‫في حال توافر سوء النية عند قيامه بالفعل ويتحمل وحده عبء التعويض عن األضرار التي‬
‫لحقت به من جرائه‪ ،‬ومن األمثلة على سوء نية الموظف أن يباشر تصرفه بنية إلحاق األذى‬
‫ببعض األفراد أو كأن يكون قد قصد تحقيق غاية ال تتعلق بالمصلحة العامة‪ ،‬كإقدام حارس‬
‫بأحد السجون على تنظيم عملية سرقة بالتعاون مع بعض المساجين‪ ،‬و كإقدام بعض الجنود‬
‫على القيام بعمليات سلب ونهب‪.‬‬

‫كما وأدخل في نطاق الخطأ الشخصي ما يرتكبه الموظف من جرائم جنائية متى كانت‬
‫مصحوبة بسوء نية‪ ،‬فهذه كلها اعتبرها القضاء اإلداري الفرنسي أخطاء شخصية رغم أنها‬
‫اقترفت أثناء القيام بأعباء الوظيفة أو بمناسبتها‪.‬‬

‫ويذهب جانب من الفقه إلى أن سوء نية الموظف ال تؤدي بالضرورة إلى اعتبار الخطأ‬
‫الذي اقترفه ذلك الموظف خطأ شخصيا لعدم وجود تالزم حتمي بين االنحراف في استخدام‬
‫السلطة والخطأ الشخصي حيث يذهب إلى القول بأن القرار المشوب بعيب إساءة استعمال‬
‫السلطة قد يظل منسوبا إلى المرفق العام إذا كان الهدف الذي توخاه الموظف تحقيق‬

‫‪130‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المصلحة العامة‪ ،‬في حين يرى بأن القرار المشوب بعيب إساءة استعمال السلطة يشكل خطأ‬
‫شخصيا إذا كان الغرض منه ليس تحقيق الصالح العام بل مآرب شخصية‪.‬‬

‫ب‪ -‬جسامة الخطأ‬

‫عد القضاء اإلداري الفرنسي خطأ الموظف الذي يقع منه أثناء تأديته لمهام وظيفته أو‬
‫بمناسبتها خطأ شخصيا متى كان على قدر معين من الجسامة‪ ،‬ولم يول األهمية في هذه‬
‫الحالة للبحث في مدى توافر حسن النية من حسنها‪ ،‬كما لم يول أية أهمية للهدف المنشود‬
‫من قبل الموظف وفيما إذا كان يستهدف تحقيق الصالح العام أو كان يسعى إلشباع مصلحة‬
‫شخصية له ألن الخطأ هنا ال يمكن تبريره بأي حال من األحوال بسبب درجة جسامته بحيث‬
‫ال يمكن اعتباره من األخطاء العادية التي يمكن أن يقع فيها الموظف‪ ،‬كالخطأ الجسيم في‬
‫تطبيق القانون حيث اعتبره خطأ شخصيا‪ ،‬في حين اعتبر الخطأ غير الجسيم في تطبيقه‬
‫خطأ مرفقيا‪.‬‬

‫وكأمثلة على التوجهات السابقة الذكر نجد أن القضاء الفرنسي ميز منذ سنة ‪3911‬‬
‫بين الخطأ الشخصي والخطأ المصلحي‪ ،‬وهو ما جسد القرار الصادر عن محكمة التنازع‬
‫بتاريخ ‪( 3911/1/11‬قضية ‪ )Pelletier‬الذي أكد على ما يلي‪:‬‬

‫‪« Si la faute est détachable des fonctions de l’agent, elle est‬‬


‫‪personnelle et la juridiction judiciaire est compétente (…) la faute‬‬
‫‪personnelle révèle l’homme avec ses faiblesses, ses passions,‬‬
‫» ‪ses imprudences‬‬

‫وقد توالت القرارات الصادرة عن القضاء الفرنسي سواء عن محكمة التنازع أو مجلس‬
‫الدولة التي تقر بضرورة التمييز بين الخطأ الشخصي للموظف والخطأ المصلحي‪ ،‬وأن‬
‫الخطأ الشخصي ال يستتبع إال مسؤولية مرتكبه وهو ما نجده على سبيل المثال مجسدا في‬
‫الق اررات التالية‪:‬‬

‫‪ -‬القرار الصادر عن محكمة التنازع سنة ‪( 3391‬قضية ‪:)Techer‬‬

‫‪131‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

Un agent blesse un autre agent à coup de griffe. C’est une


faute personnelle, excès de comportement, car ce n’est pas une
pratique normale de l’administration.

:Kessler)‫ (قضية‬3391/31/13 ‫ القرار الصادر عن محكمة التنازع بتاريخ‬-

« Considérant que, selon les faits que ne conteste pas Monsieur


Eugène Thézenas, celui-ci, en sa qualité d’agent des postes et
télécommunications, assurait, le 25 novembre 1983, vers 9 heures
30, la distribution du courrier dans un immeuble situé, 15, rue Pache
à Paris [11ème] lorsque, à la suite d’une altercation qu’aurait
provoquée le comportement de Monsieur Kessler, destinaire d’un
colis recommandé, il a porté des coups à cet usager ;

Considérant que, compte tenu des circonstances dans lesquelles


ils sont intervenus, ces actes de violence, injustifiés au regard des
pratiques administratives normales, révèlent une attitude malveillante
de la part de Monsieur Thézenas à l’égard de Monsieur Kessler et
constituent ainsi une faute personnelle détachable du service public
qu’accomplissait Monsieur Thézenas ; que, par suite, la juridiction
judiciaire est seule compétente pour statuer sur l’action engagée par
Monsieur Kessler pour obtenir de Monsieur Thézenas la réparation
du préjudice qu’il prétend avoir subi »

:)Moine ‫ (قضية‬3333/31/31 ‫ القرار الصادر عن مجلس الدولة بتاريخ‬-

Un officier en dehors de toute ordre de ses supérieurs organisait


des exercices de tir avec balles. Or un soldat est tué. Le C E
considère que compte tenu des circonstances, cette initiative ayant
132
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪été prise en dehors de toute ordre, cette faute a un caractère‬‬


‫‪inexcusable, et a de ce fait la caractère d’une faute personnelle.‬‬

‫‪ -‬القرار الصادر عن مجلس الدولة بتاريخ ‪( 1111/10/31‬قضية ‪ )Papon‬الذي‬


‫اعتبر أن الخطأ الصادر عن ‪ Papon‬والمتمثل في إيقاف ‪ 11‬يهودي خطأ شخصيا‪:‬‬

‫‪Le comportement de Papon de peu d’expliquer seulement par la‬‬


‫‪pression de l’occupant allemand. Cette faute a un caractère‬‬
‫‪inexcusable d’où faute personnelle.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬العم القضائي المصري‬

‫نظ ار للظروف التي صاحبت نشأة مجلس الدولة المصري كان االختصاص بقضايا‬
‫التعويض مقسما بين جهتي القضاء العادي واإلداري‪ ،‬إال أنه وبصدور القانون رقم (‪)315‬‬
‫لسنة ‪ 3355‬والخاص بإعادة تنظيم مجلس الدولة أصبح االختصاص بنظر قضايا التعويض‬
‫عن الق اررات اإلدارية منعقدا لجهة القضاء اإلداري وحده‪ ،‬في حين بقيت قضايا التعويض‬
‫عن أعمال اإلدارة المادية من اختصاص المحاكم القضائية العادية إلى أن صدر القانون رقم‬
‫(‪ )01‬لسنة ‪ 3311‬الخاص بمجلس الدولة وبموجبه أصبح اختصاص مجلس الدولة شامال‬
‫لجميع قضايا التعويض اإلدارية‪.‬‬

‫وقد كان لتوزيع االختصاص هذا أثر في القواعد الموضوعية للمسؤولية اإلدارية‪ ،‬إذ‬
‫طبقت المحاكم العادية مبادئ المسؤولية في القانون الخاص ولم تأخذ بالتفرقة ما بين الخطأ‬
‫الشخصي والخطأ المرفقي حتى عام ‪ ،3310‬فقد قضت محكمة النقض المصرية في حكم‬
‫شهير لها صدر بتاريخ ‪ 31‬ابريل لسنة ‪ 3311‬برفض التفرقة ما بين الخطأ الشخصي‬
‫والخطأ المرفقي‪ .‬وتلخصت وقائع القضية في قيام جندي بجرح أحد األفراد مما أدى إلى‬
‫وفاته‪ ،‬فتمت مطالبة الدولة بالتعويض‪ ،‬فذهبت إدارة هيئة قضايا الدولة إلى األخذ بالتفرقة ما‬
‫بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي لتخليص الحكومة من عبء التعويض عن الضرر‬
‫الناشئ عن مسؤولية الموظف الشخصية وإلزامه بالتعويض وحده دون الحكومة‪ ،‬فقررت‬
‫المحكمة عدم صحة األخذ بالنظرية الفرنسية القائمة على التفرقة ما بين نوعي الخطأ‬
‫‪133‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وقضت بتطبيق قواعد القانون المدني في دعاوى مسؤولية الحكومة عن األضرار التي تلحق‬
‫باألفراد نتيجة فعل الموظف‪.‬‬

‫غير أن القضاء اإلداري المصري ساير القضاء اإلداري الفرنسي ‪ -‬في معرض بحثه‬
‫لمسؤولية اإلدارة عن الق اررات اإلدارية غير المشروعة ‪ -‬وأقر بالتفرقة ما بين الخطأ‬
‫الشخصي ورتب عليه مسؤولية الموظف في ماله الخاص وبين الخطأ المرفقي ورتب عليه‬
‫مسؤولية اإلدارة‪ .‬إذ طبقت محكمة القضاء اإلداري نظرية الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي‬
‫فيما يتعلق بتعويض األضرار المترتبة على عدم تنفيذ األحكام القضائية‪ .‬ففي إحدى القضايا‬
‫ونتيجة لرفض اإلدارة تنفيذ حكم المحكمة الصادر بإلغاء قرار و ازرة الحربية والصادر بإحالة‬
‫أحد الضباط إلى المعاش قام هذا الضابط برفع دعوى تعويض على كل من اإلدارة والوزير‬
‫بصفته الشخصية‪ .‬وقد قضت محكمة القضاء اإلداري بإلزام اإلدارة والوزير بدفع مبلغ‬
‫التعويض وفرقت ما بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي وأقامت التفرقة على أساس نية‬
‫الموظف أو جسامة الخطأ‪ ،‬كما قررت إمكانية الجمع بين الخطأين‪.‬‬

‫ومن فتاوى مجلس الدولة المصري بشأن التفرقة ما بين الخطأ الشخصي والمرفقي ما‬
‫يلي‪:‬‬

‫"استظهرت الجمعية العمومية أن المستقر عليه قضاء و إفتاء أن الموظف ال يسأل‬


‫عن أخطائه المرفقية و انما يسأل فقط عن أخطائه الشخصية‪ ،‬وأنه ال توجد ثمة قاعدة عامة‬
‫مجردة تضع ضوابط محددة تفصل بوجه قاطع بين األخطاء المرفقية وبين األخطاء‬
‫الشخصية و إنما يتحدد نوع الخطأ في كل حالة على حدا تبعا لما يستخلص من ظروف‬
‫الحالة ومالبساتها مع االستهداء بعديد من المعايير مثل نية الموظف ومبلغ الخطأ من‬
‫الجسامة والدافع إلى ارتكابه ‪ ،‬فإذا كان العمل الصادر غير مصطبغ بطابع شخصي بل ينم‬
‫عن موظف معرض للخطأ والصواب فإن خطأه في هذه الحالة يعتبر مرفقيا‪ .‬وكذلك األمر‬
‫في شأن الخطأ الذي يثبت في الموظف نفسه يكشف عن اإلنسان بضعفه وشهواته ونزواته‬
‫وعدم تبصره وقصده النكاية أو اإلضرار أو ابتغاء منفعة ذاتية فإن الخطأ في هذه الحالة‬
‫يعتبر خطأ شخصيا‪ ،‬وهو يعتبر كذلك أيضا ولو لم تتوافر فيه هذه النية إذا كان الخطأ‬
‫جسيما‪ ،‬وتحديد جسامة الخطأ مسألة نسبية تتفاوت تبعا للظروف المختلفة ويستهدى فيها‬
‫‪134‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫بقدرة الموظف المتوسط الكفاءة الذي يوجد في ظروف مماثلة لتلك التي كان عليها الموظف‬
‫المخطئ ‪." ...‬‬

‫ويتضح مما سبق‪ ،‬سنجد أن القضاء اإلداري المصري ورغم إق ارره بوجود خطأ شخصي‬
‫يسأل عنه الموظف وحده وخطأ مرفقي تكون اإلدارة مسؤولة عنه وحدها لم يعتنق معيا ار‬
‫محددا من المعايير الفقهية التي قيلت للتمييز ما بين نوعي الخطأ‪ ،‬إذ نجده قد طبق المعايير‬
‫التي قيلت جميعها‪ ،‬فقد طبقت المحكمة اإلدارية المعايير جميعها في حكمها الصادر في ‪1‬‬
‫يونيو لسنة ‪ 3353‬والذي جاء فيه‪:‬‬

‫" ‪ ...‬ويعتبر الخطأ شخصيا إذا كان العمل الصادر مصطبغا بطابع شخصي يكشف‬
‫عن اإلنسان بضعفه وشهواته ونزواته وعدم تبصره‪ .‬أما إذا كان العمل الضار غير مصطبغ‬
‫بطابع شخصي‪ ،‬وينم عن موظف معرض للخطأ والصواب‪ ،‬فإن الخطأ في هذه الحالة يكون‬
‫مصلحيا (معيار الفيريير)‪ .‬فالعبرة بالقصد الذي ينطوي عليه الموظف وهو يؤدي واجبات‬
‫وظيفته‪ ،‬فكلما قصد النكاية أو اإلضرار أو ابتغى منفعته الذاتية‪ ،‬كان خطؤه شخصيا يتحمل‬
‫هو نتائجه‪ .‬وفيصل التفرقة بين الخطأ الشخصي والخطأ المصلحي يكون بالبحث وراء نية‬
‫الموظف (معيار دوجي) فإذا كان يهدف من القرار اإلداري الذي أصدره تحقيق الصالح العام‬
‫أو كان قد تصرف لتحقيق أحد األهداف المنوط باإلدارة تحقيقها والتي تدخل في وظيفتها‬
‫اإلدارية‪ ،‬فإن هذا الخطأ يندمج في أعمال الوظيفة‪ ،‬بحيث ال يمكن فصله عنها (معيار‬
‫هوريو)‪ .‬ويعتبر من األخطاء المنسوبة إلى المرفق العام‪ ،‬ويكون خطأ الموظف هنا مصلحيا‪.‬‬
‫أما إذا تبين أن الموظف لم يعمل للصالح العام أو كان يعمل مدفوعا بعوامل شخصية أو‬
‫كان خطأه جسيما (معيار جيز) بحيث يصل إلى حد ارتكاب جريمة تقع تحت طائلة قانون‬
‫العقوبات‪ ،‬كالموظف الذي يستعمل سطوة وظيفته في وقف تنفيذ حكم أو أمر أو طلب من‬
‫المحكمة ‪ ...‬فإن الخطأ في هذه الحالة يعتبر خطا شخصيا ويسأل عن الموظف الذي وقع‬
‫منه هذا الخطأ في ماله الخاص"‪.‬‬

‫وفــي نفــس الســياق أخــذت فتــاوى الجمعيــة العموميــة للقســم االستشــاري للفتــوى والتش ـريع‬
‫بمجلــس الدولــة المصــري بالتفرقــة بــين الخطــأ الشخصــي والخطــأ المرفقــي فــي مجــال المســؤولية‬
‫عن األعمال الضارة التي يرتكبها الموظفون أثناء قيامهم بأعمال الوظيفة‪ ،‬وهو ما نجـده علـى‬
‫‪135‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫س ـ ــبيل المث ـ ــال ف ـ ــي الفت ـ ــوى الص ـ ــادرة ف ـ ــي ‪( 3311/5/13‬فت ـ ــوى الجمعي ـ ــة العمومي ـ ــة للقس ـ ــم‬
‫االستشاري جلسة ‪ 3311/5/13‬السنة ‪ 11‬رقم ‪ 311‬ص ‪ )011‬التي جاء فيها ما يلي‪:‬‬

‫"‪ ....‬وفيصل التفرقة بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي يكون بالبحث وراء نية‬
‫العامل‪ ،‬فإذا كان يستهدف المصلحة العامة‪ ،‬أو كان قد تصرف لتحقيق أحد األهداف المنوط‬
‫باإلدارة تحقيقها والتي تدخل في وظيفتها اإلدارية فإن خطأه يندمج في أعمال الوظيفة بحيث‬
‫ال يمكن فصله عنها‪ ،‬ويعتبر من األخطاء المنسوبة إلى المرفق العام‪ ،‬أما إذا تبين أن‬
‫العامل لم يعمل للصالح العام‪ ،‬أو كان يعمل مدفوعا بعوامل شخصية يقصد النكاية أو‬
‫اإلضرار بالغير أو تحقيق منفعة ذاتية فإنه يعتبر خطأ شخصيا يسأل عنه في ماله‬
‫الخاص‪".‬‬

‫القضائي اإلداري المغربي بشأن التمييز ما لين‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬العم‬


‫الخطأين الشخصي والمرفقي‬

‫لقد أدت صعوبة التمييز بين الخطأين الشخصي والمرفقي إلى تباين في العمل‬
‫القضائي المغربي سواء بالنسبة للقضاء المدني أو اإلداري‪:‬‬

‫أوال‪ :‬بالنسبة للقضاء المدني‬

‫يمكن القول إن القضاء المغربي المدني لم يضع معيا ار موضوعيا موحدا لتمييز الخطأ‬
‫المرفقي عن الخطأ الشخصي للموظف؛ إذ يقوم أحيانا باعتماد مقتضيات الفصل ‪ 13‬من‬
‫قانون االلتزامات والعقود ويحمل الدولة مسؤولية األضرار الناتجة عن األخطاء الشخصية‬
‫لموظفيها ولو كانت جسيمة‪ ،‬في حين يعتمد في حاالت أخرى على الفصل ‪ 91‬من نفس‬
‫القانون مع أن الخطأ يكون أقل جسامة وخطورة من الحالة األولى‪.‬‬

‫وهكذا فقد قضى المجلس األعلى سابقا (محكمة النقض حاليا) بتحميل الدولة مسؤولية‬
‫خطا طبي تسبب في شلل ألحد األشخاص ومضاعفات خطيرة ظلت عالقة بالمتضرر طيلة‬
‫حياته‪ ،‬فاعتبر المجلس األعلى أن ذلك الخطأ يعتبر خطا مصلحيا تسأل عنه الدولة‪ .1‬في‬

‫‪1‬‬
‫القرار رقم ‪ 1111‬المشار إليه أعاله‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫حين اعتبر أن الخطأ المرتكب من طرف الطبيب الذي تسبب في إلحاق ضرر لمريض‬
‫بسبب عدم احترامه لضوابط المهنة‪ ،‬خطأ شخصيا رغم تماثل المريض للشفاء‪.1‬‬

‫ويتبين مما سبق أن محكمة النقض لم تستقر على توجه موحد فيما يتعلق بتكييف‬
‫دعوى مسؤولية الدولة عن األخطاء الطبية‪ ،‬فأحيانا يكيفها في إطار الفصل ‪ 13‬وأحيانا‬
‫أخرى يتم تكييفها في إطار الفصل ‪ 91‬من قانون االلتزامات والعقود‪.‬‬

‫وإن ما يؤكد هذه المالحظة صدور ق اررات مختلفة في نوازل متشابهة؛ فإذا كانت‬
‫محكمة النقض قد حملت مسؤولية الخطأ الطبي للطبيب شخصيا طبقا لمقتضيات الفصل‬
‫‪ 91‬من قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬فإنه في نازلة أخرى كيفت هذه الدعوى في إطار الفصل‬
‫‪ 13‬رغم أن أخطاء الطبيب كانت أكثر جسامة وخطورة من سابقتها مما دفع المتضرر إلى‬
‫إقامة الدعوى ضد الطبيب شخصيا‪.‬‬

‫وخالصة القول هي أن القضاء المدني لم يستقر بعد على اتجاه واحد بخصوص‬
‫مسؤولية الدولة عن األخطاء المصلحية أو المرفقية مما يجعل أحكامه متباينة في هذا‬
‫المجال‪ ،‬وهو ما يتجلى كذلك حتى أثناء تعامله مع نصوص خاصة بينت بشكل صريح‬
‫أساس هذه المسؤولية كما هو الشأن بالنسبة للمسؤولية عن الحوادث المدرسية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫قضى المجلس األعلى في القرار رقم ‪ 3191‬الصادر بتاريخ ‪ 1111/1/15‬بما يلي‪:‬‬
‫"حيث صح ما عابه الطالب على القرار ذلك أن الفصلين ‪ 13‬و ‪ 91‬من قانون االلتزامات والعقود يقضيان بأن الدولة مسؤولة عن األضرار الناتجة‬
‫مباشرة عن تسيير إداراتها وعن األخطاء المصلحية لمستخدميها وأن هؤالء األخيرين مسؤولون شخصيا عن األضرار الناتجة عن تدليسهم أو عن‬
‫األخطاء الجسيمة الواقعة منهم في أداء وظيفتهم وهو ما يعني أن مسؤولية الدولة تقوم في حالتين‪ :‬أوالهما عدم إمكانية نسبة الضرر إلى شخص أو‬
‫أشخاص م عينين أي أن الضرر نشأ مباشرة من تسيير مرفق الدولة فالمسؤولية لذلك قائمة على المخاطر وال يشترط لقيامها وجود خطأ بل يكفي‬
‫حدوث الضرر وقيام العالقة السببية بينه وبين مرفق الدولة‪ .‬وثانيتهما تسبب الضرر عن خطأ مصلحي ألحد موظفيها أو مستخدميها بشرط أن‬
‫يكون الخطأ غير مطبوع بطابع الموظف أو المستخدم الشخصي بأن ال تكون له عالقة إطالقا بعمله الوظيفي أو يكون مندرجا في مهامه الوظيفية‪،‬‬
‫ولكنه مع ذلك يكتسي قد ار من الجسامة أو ينطوي على عمد أو نية اإلضرار وفي هذه الحالة يقيم الفصل ‪ 91‬من ق ل ع مسؤولية الموظف عن‬
‫الضرر الذي تسبب فيه وال تسأل الدولة إال في حالة إعساره والمحكمة مصدرة القرار المطعون‪ ...‬ثبت لديها أن الخطأ الذي تسبب عنه الضرر‬
‫للمطلوب ينسب إلى الطبيب المذكور أثناء قيامه بالعملية الجراحية للمريض ويوصف بأنه خطير وفادح وأنه ناتج عن عدم مباالته وهو لذلك يكتسي‬
‫قد ار من الجسامة ومرتكب من الطبيب المعني ومطبوع بإهماله وال مباالته مما يسأل عنه شخصيا ألنه ناتج عن خطأه الجسيم وال تسأل الدولة عنه‬
‫إال عند ثبوت إعساره"‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ثانيا‪ :‬بالنسبة للقضاء اإلداري‬

‫فــي الوقــت الــذي كــان فيــه الفقــه واضــحا فــي موقفــه عنــد التمييــز بــين الخطــأ الشخصــي‬
‫والخط ــأ المرفق ــي‪ ،‬يالح ــظ أن التوج ــه القض ــائي اإلداري أخ ــذ ينح ــو م ــؤخ ار نح ــو التوس ــع ف ــي‬
‫حاالت مسؤولية أشخاص القانون العام‪ ،‬إلى درجة أنه أخذ يستبعد مقتضيات الفصل ‪ 91‬مـن‬
‫قانون االلتزامات والعقود الذي ينظم المسؤولية الشخصية للموظفين‪.‬‬

‫ولقد ذهب القضاء اإلداري إلى تقرير المسـؤولية المرفقيـة فـي حـاالت كـان قـد أديـن فيهـا‬
‫الموظف من لدن القضاء الزجري في إطار مسـؤوليته الجنائيـة عـن األفعـال التـي كانـت مرتبـة‬
‫للضرر‪ ،‬ونستدل في هذا الصدد بالقرار الصادر عن الغرفة اإلدارية لدى المجلس األعلى في‬
‫قراره ــا عـ ــدد ‪ 031‬المـ ــؤرخ فـ ــي ‪ 1119/5/19‬فـ ــي الملـ ــف اإلداري رقـ ــم ‪1111/1/0/3013‬‬
‫المفت ــوح ل ــدعوى ته ــدف إل ــى المطالب ــة ب ــالتعويض ع ــن ض ــياع مب ــالغ محك ــوم به ــا لفائ ــدة أح ــد‬
‫المتقاض ــين انته ــى إل ــى اس ــتبعاد الخط ــأ الشخص ــي واإلقـ ـرار بمس ــؤولية الدول ــة اعتم ــادا عل ــى‬
‫حيثيات ورد فيها ما يلي‪:‬‬

‫"وحيث إن عدم صرف المبالغ التي تم الحكم بها لفائدة المستأنف عليها حسب ملفي‬
‫التنفيذ رقم ‪ 90/31‬و‪ 3395/3‬من طرف كتابة الضبط التابع لمركز القاضي المقيم بسبب‬
‫ضياعه يعد سوءا في التسيير حسب الفصل ‪ 13‬من قانون االلت ازمات والعقود قد نتج عنه‬
‫أضرار للمستأنف عليها يرتب مسؤولية الدولة عن ذلك بغض النظر عن طبيعة الخطأ‬
‫المسبب للضياع ومدى جسامته"‪.‬‬

‫وفي القـرار عـدد ‪ 113‬بتـاريخ ‪ 1113/11/15‬انتهـت نفـس الغرفـة ‪ -‬بمناسـبة بتهـا فـي‬
‫طعــن باالســتئناف هــم نقطــة االختصــاص النــوعي طالمــا أن الخطــأ الشخصـي ينعقــد البــت فيــه‬
‫للقض ــاء الع ــادي ول ــيس للقض ــاء اإلداري‪ ،-‬إل ــى أن مج ــرد تأس ــيس الطل ــب عل ــى مقتض ــيات‬
‫الفص ــل ‪ 13‬م ــن ق‪.‬ل‪.‬ع الت ــي تتعل ــق بالمس ــؤولية ع ــن األخط ــاء المرتبط ــة بالوظيف ــة اإلداري ــة‬
‫للمرافق العمومية يجعل اختصاص النظر فيه منعقدا للمحاكم اإلدارية في نطاق المـادة ‪ 9‬مـن‬
‫القانون ‪.03/31‬‬

‫‪138‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ويبرز هذا االتجاه بوضوح أفول الخطأ الشخصي وهجره لفائدة الخطأ المصـلحي مـع مـا‬
‫يحملـه مـن تعطيـل لمقتضـيات الفصـل ‪ 91‬مـن قـانون االلت ازمـات والعقـود بعـد أن كـان القضــاء‬
‫اإلداري المغربي والمقارن مستقر علـى وجـوب إقـرار المسـؤولية الشخصـية للموظـف كلمـا ثبـت‬
‫في حقه خطأ جسيم أو منفصل عن الوظيفة‪.1‬‬

‫وبع ــد رص ــد ه ــذا االخ ــتالف ب ــين القض ــاء اإلداري والقض ــاء الم ــدني ف ــي األخ ــذ بالخط ــأ‬
‫الشخصــي أو الخطــأ المرفقــي عنــدما يكتســي فعــل الموظــف توصــيفا يمكــن مــن خــالل المعــايير‬
‫السابق ذكرها تكييفه على أنه خطأ شخصي‪ ،‬نشير إلى أنه فيما يتعلق بتحديد موقـف القضـاء‬
‫المغرب ــي م ــن التكيي ــف الق ــانوني للخط ــأ الشخص ــي وتمييـ ـزه ع ــن الخط ــأ المرفق ــي نج ــد العم ــل‬
‫القضائي المغربي قد اعتبر بدوره أن الخطأ يعد خطأ شخصيا متـى كـان خطـأ جسـيما أو متـى‬
‫كــان خطــأ منفصــال عــن الوظيفــة انفصــاال كليــا أو انفصــاال معنويــا‪ ،‬وفــي هــذا الصــدد نجــد أن‬
‫محكمــة الــنقض قــد أصــدرت فــي هــذا االتجــاه ق ـ اررات متعــددة منهــا علــى ســبيل المثــال الق ـرار‬
‫الصادر عـن الغرفـة المدنيـة بتـاريخ ‪ 3391/3/31‬تحـت عـدد ‪ 1115‬فـي الملـف المـدني عـدد‬
‫‪( 35111‬منشور بمجلة المعيار عدد ‪ 3‬و ‪ 31‬ص ‪ 19‬وما يليها) الذي جاء فيه ما يلي‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫قرار المحكمة العليا بمصر بتاريخ ‪ 1‬يونيو ‪ 3353‬ما يلي‪:‬‬
‫" يعتبر الخطأ شخصيا إذا كان العمل الضار مصطبغا بطابع شخصي يكسف عن اإلنسان بضعفه ونزواته وعدم تبصره‪ ،‬أما إذا كان العمل الضار‬
‫غير مصطبغ بطابع شخصي وينم عن موظف عرضه للخطأ أو الصواب فإن الخطأ في هذه الحالة يكون مصلحيا‪ ،‬فالعبرة بالقصد الذي ينطوي‬
‫عليه الموظف وهو يؤدي واجبات وظيفته فكلما قصـد النكابـة أو األضرار أو تغيا منفعته الذاتية كان خطأه شخصيا يتحمل هو نتائجه‪ ،‬وفيصل‬
‫التفرقة بين الخطأ الشخصي والخطأ المصلحي يكون بالبحث وراء نية الموظف فإذا كان يهدف من القرار الذي أصدره إلى تحقيق الصالح العام أو‬
‫كان قـد تصرف ليحقق أحد األهداف المنوط باإلدارة تحقيقها والتي تدخل في وظيفتها اإلدارية‪ ،‬فإن خطاه يندرج في أعمال الوظيفة بحيث ال يمكن‬
‫فصله عنها ويعتبر من األخطاء المنسوبة إلى المرفق العام ويكون خطأ الموظف هنا مصلحيا‪ ،‬أما إذا تبين أن الموظف لم يعمل للصالح العام أو‬
‫كان يعمل مدفوعا بعوامل شخصية أو كان خطوة جسيما بحيث يصل إلى حد ارتكاب جريمة تقع تحت طائلة قانون العقوبات ‪ ...‬فإن الخطأ في‬
‫هذه الحالة يعتبر خطأ شخصيا ويسأل عنه الموظف الذي وقع منه الخطأ في ماله الخاص‪".‬‬
‫وحيث إن هذا ما أكد عليه القضاء المغربي بدوره في مجموعة من احكامه وق ارراته والتي منها على سبيل المثال‪ :‬قرار المجلس االعلى الغرفة‬
‫اإلدارية الصادر تحت عدد ‪ 315‬وبتاريخ ‪ 1‬ماي ‪( 3311‬منشور مجموعة ق اررات المجلس األعلى ‪3313‬ـ ‪ 3315‬ص ‪.)111‬‬
‫" (‪ )...‬حيث إنه بناءا على الفصول ‪13‬و‪ 91‬من ظهير اإللتزامات والعقود‪ ،‬الدولة مسؤولة عن األضرار الناتجة مباشرة عن سير اإلدارات العمومية‬
‫وعن األخطاء المرفقية لموظفيها‪ ،‬وأن هؤالء يسألون شخصيا عن االضرار التي تحدث بسبب أداء وظيفتهم في حالة تدليسهم أو حدوث خطأ جسيم‪،‬‬
‫وأنه في هذه الحالة ال تتابع الدولة إال في حالة إعسار الموظف المسؤول مسؤولية شخصية‪".‬‬

‫‪139‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫" بمقتضى الفصل ‪ 13‬من ق‪.‬ل‪.‬ع فإن الدولة والبلديات تكون مسؤولة عن األضرار‬
‫الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها وعن األخطاء المصلحية لمستخدميها في حالتين اثنتين‪:‬‬

‫‪ -3‬إذا كان الضرر ال يمكن نسبته إلى شخص معين أو أشخاص معينين وهي الحالة‬
‫التي كون فيها الضرر قد نشأ مباشرة عن تسيير مرفق من مرافق الدولة فالمسؤولية في هذه‬
‫الحالة تقوم على نظرية المخاطر‪ ،‬وال يشترط لقيامها وجود خطأ‪ ،‬بل يمكن حدوث الضرر‬
‫والعالقة السببية بينه وبين نشاط مرفق من مرافق اإلدارة‪.‬‬

‫‪ -1‬إذا نتج الضرر عن الخطأ المصلحي ألحد موظفي الدولة أو مستخدميها بأن كان‬
‫الخطأ غير مطبوع بالطابع الشخصي للموظف‪.‬‬

‫أما إذا كان الخطأ شخصيا بأن كان ال عالقة له إطالقا بعمله الوظيفي‪ ،‬أو كان الفعل‬
‫الضار يندرج ضمن واجبات الموظف إال أنه على قدر من الجسامة أو صدر عنه عمدا أو‬
‫بنية اإلضرار بالغير فإن الفصل ‪ 91‬من ق‪.‬ل‪.‬ع يقر مسؤولية الموظف عن الضرر الذي‬
‫تسبب فيه‪ ،‬وال تطالب الدولة إال في حالة إعسار الموظف"‪.‬‬

‫ومتى بلغ الخطأ من الجسامة حدا جعله يشكل فعال جرميا توبع مرتكبه أمام القضاء‬
‫الجنائي وأصدر حكما قضى بمؤاخذته بما نسب إليه‪ ،‬فإن المنازعة تتعلق بالمسؤولية‬
‫التقصيرية الناجمة عن خطأ شخصي رسخ كل من الفقه والقضاء عدم مسؤولية الدولة عن‬
‫جبر الضرر المترتب عنها‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫وهكذا فقد صدر عن المجلس األعلى قرار تحت عدد ‪ 315‬وبتاريخ ‪ 1‬ماي ‪3311‬‬
‫جاء فيه ما يلي‪ )...( " :‬حيث إنه بناءا على الفصول ‪13‬و‪ 91‬من ظهير االلتزامات‬
‫والعقود‪ ،‬الدولة مسؤولة عن األضرار الناتجة مباشرة عن سير اإلدارات العمومية وعن‬
‫األخطاء المرفقية لموظفيها‪ ،‬وأن هؤالء يسألون شخصيا عن األضرار التي تحدث بسبب أداء‬
‫وظيفتهم في حالة تدليسهم أو حدوث خطأ جسيم‪ ،‬وأنه في هذه الحالة ال تتابع الدولة إال في‬
‫حالة إعسار الموظف المسؤول مسؤولية شخصية‪".‬‬

‫‪1‬‬
‫منشور بمجموعة ق اررات المجلس األعلى ‪3313‬ـ ‪ 3315‬ص ‪.111‬‬

‫‪140‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫كما اعتبر المجلس األعلى من خالل قرار آخر صادر بتاريخ ‪ 3391/13/ 31‬تحت‬
‫عدد ‪ 1115‬في الملف عدد ‪ 135111‬أن من بين األسباب التي تدعو إلى اعتبار الخطأ‬
‫المرتكب من طرف الموظف خطأ شخصيا جسيما أن يكون الفعل الضار على قدر من‬
‫الجسامة أو صدر عنه عمدا أو بنية اإلضرار بالغير‪ .‬وقد أورد بعض الفقه‪ 2‬بيانا لذلك حين‬
‫ذهب إلى أن هذا الخطأ قد يتمثل في التدليس ونية اإلضرار بالغير اللذان يقعان تحت طائلة‬
‫القانون الجنائي‪.‬‬

‫كما ذهب البعض اآلخر إلى أن الخطأ يعد شخصيا وجسيما إذا خالف به الموظف‬
‫القانون أو خرج عن اختصاص رئيسه أو تجاوز به الموظف حدود األمر الصادر إليه أو قام‬
‫به دون أمر مسبق من رئيسه‪. 3‬‬

‫كما استقر بعض العمل القضائي بدوره على اعتبار الخطأ الجسيم خطأ شخصيا تترتب‬
‫عنه المسؤولية الشخصية للموظف والذي يورد العارض كنموذج عليه قرار المحكمة العليا‬
‫بمصر بتاريخ ‪ 1‬يونيو ‪ 3353‬الذي جاء فيه‪:‬‬

‫" يعتبر الخطأ شخصيا إذا كان العمل الضار مصطبغا بطابع شخصي يكسف عن‬
‫اإلن سان بضعفه ونزواته وعدم تبصره ‪ ،‬أما إذا كان العمل الضار غير مصطبغ بطابع‬
‫شخصي وينم عن موظف عرضه للخطأ أو الصواب فإن الخطأ في هذه الحالة يكون‬
‫مصلحيا ‪ ،‬فالعبرة بالقصد الذي ينطوي عليه الموظف وهو يؤدي واجبات وظيفته فكلما قصـد‬
‫النكابـة أو األضرار أو تغيب منفعته الذاتية كان خطأه شخصيا يتحمل هو نتائجه ‪ ،‬وفيصل‬
‫التفرقة بين الخطأ الشخصي والخطأ المصلحي يكون بالبحث وراء نية الموظف فإذا كان‬
‫يهدف من القرار الذي أصدره إلى تحقيق الصالح العام أو كان قـد تصرف ليحقق أحد‬
‫األهداف المنوط باإلدارة تحقيقها والتي تدخل في وظيفتها اإلدارية ‪ ،‬فإن خطاه يندرج في‬
‫أعمال الوظيفة بحيث ال يمكن فصله عنها ويعتبر من األخطاء المنسوبة إلى المرفق العام‬
‫ويكون خطأ الموظف هنا مصلحيا ‪ ،‬أما إذا تبين أن الموظف لم يعمل للصالح العام أو‬
‫‪1‬‬
‫منشور بمجلة قضاء المجلس األعلى عدد ‪ 319‬ص ‪.301-301‬‬
‫‪2‬‬
‫أحمد أدريوش في كتابه " مسؤولية مرافق الصحة العمومية " ص ‪00‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد محجوبي " الوجيز في القضاء اإلداري المغربي بعد إحداث المحاكم اإلدارية ‪ -‬عن دار القلم برسم سنة ‪ 1111‬وعبد الله حداد " تطبيقات‬
‫الدعوى اإلدارية في القانون المغربي " منشورات عكاظ لسنة ‪- 3333‬‬

‫‪141‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫كان يعمل مدفوعا بعوامل شخصية أو كان خطوة جسيما بحيث يصل إلى حد ارتكاب جريمة‬
‫تقع تحت طائلة قانون العقوبات ‪ ...‬فإن الخطأ في هذه الحالة يعتبر خطأ شخصيا ويسأل‬
‫عنه الموظف الذي وقع منه الخطأ في ماله الخاص ‪".‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬العالاة لين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي‬

‫تعد التفرقة بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي من الدعائم األساسية التي تقوم عليها‬
‫مسؤولية اإلدارة عن أعمال موظفيها‪ ،‬وقد مر اجتهاد مجلس الدولة الفرنسي إزاء العالقة بين‬
‫الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي بمرحلتين تمثلت المرحلة األولى بالفصل التام بين الخطأين‬
‫في حين تمثلت المرحلة الثانية بإمكانية الجمع بين الخطأين الشخصي والمرفقي وذلك على‬
‫النحو اآلتي‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬مراح التفراة لين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي‪:‬‬

‫ويتم تقسيمه إلى فرعين‪:‬‬

‫الفرع األول‪ :‬قاعدة عدم الجمع بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي‬

‫الفرع الثاني‪ :‬إمكانية الجمع بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬ااعدة عدم البمع لين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي‬

‫جرى القضاء اإلداري الفرنسي وحتى مطلع القرن العشرين على قاعدة الفصل التام بين‬
‫الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي‪ ،‬فالضرر الذي يصيب األفراد إما أن يكون راجعا إلى خطأ‬
‫شخصي محض منسوبا للموظف العام وبالتالي يكون وحده المسؤول عن التعويض من ماله‬
‫الخاص ويكون االختصاص للقضاء العادي وفقا لقواعد القانون الخاص‪ .‬وإما أن يكون خطأ‬
‫مرفقيا محضا تسأل عنه اإلدارة وتدفع التعويض من األموال العامة ويكون االختصاص‬
‫للقضاء اإلداري وفقا للقانون العام‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ووفقا لهذا االجتهاد فان قيام أحد الخطأين ينفي وجود الخطأ األخر فالفعل الخاطئ ال‬
‫يمكن أن يكون له طبيعتان في وقت واحد‪ ،‬فال يمكن أن يكون الخطأ جسيما وبسيطا في‬
‫نفس الوقت أو أن يكون بحسن نية وسوء نية في أن معا‪ ،‬بل هو خطأ مرفقي إذا لم يتعد‬
‫حدودا معينة‪ ،‬فإن تعداها أصبح خطأ جسيما‪.‬‬

‫وقد اعتبر بعض الفقه أنه ال يمكن للفعل الخاطئ أن يكون له طبيعتان في نفس‬
‫الوقت‪ ،‬فالخطأ إما يكون شخصيا وإما مرفقيا‪ .‬و قد ذهب البعض اآلخر إلى أن الخطأ الذي‬
‫يرتكبه الموظف و الذي يحدث ضر ار إما يكون خطأ بسيطا أو جسيما‪ ،‬فإذا كان بسيطا و ال‬
‫يتجاوز المخاطر العادية للوظيفة و التي يمكن ألي إنسان عادي الوقوع فيه فيعتبر خطأ‬
‫مرفقيا‪ ،‬أما إذا كان جسيما يتعدى المخاطر العادية للوظيفة فيعد خطأ شخصيا يسأل عنه‬
‫الموظف شخصيا‪.1‬‬

‫وقد تم التأكيد على هذه القاعدة القضاء اإلداري الفرنسي في حكمه الصادر في ‪3353‬‬
‫في قضية "بورسين" والتي تتلخص وقائعها في أن الضابط المدعو بورسين أطلق النار على‬
‫أحد المواطنين في بداية الحرب العالمية األولى ألنه أشتبه فيه وظنه يتعاون مع األعداء‪،‬‬
‫فلما دفعت و ازرة الدفاع التعويض لورثة القتيل وأرادت بعد ذلك أن ترجع على الضابط‬
‫بورسين‪ ،‬قرر مجلس الدولة عدم مسؤولية الضابط عن الخطأ الالحق بالمضرور‪ ،‬فإما أن‬
‫يسأل الموظف أو اإلدارة ألن هناك تعارض في أن يعتبر نفس العمل في نفس الوقت خطأ‬
‫مرفقيا وشخصيا‪.‬‬

‫كما ذهب رأي آخر في تبرير هذه القاعدة إلى أن الدولة تعد ضامنة ضد المخاطر‬
‫الناجمة عن نشاط المرافق العامة؛ فالدولة ال تسال استنادا إلى كونها شخصا معنويا‪ ،‬وإنما‬
‫تسأل على أساس أنها تضمن المواطنين ضد المخاطر الناجمة عن سير المرافق العامة‪.‬‬
‫وهذا الضمان ال يكون إال في حالة الخطأ المرفقي دون الخطأ الشخصي الذي ينسب إلى‬
‫الموظف وحده وإال أن قاعدة الفصل التام بين الخطأين الشخصي والمرفقي لم تبق على‬
‫إطالقها وإنما تم التخلص منها‪ ،‬فقد عدل مجلس الدولة الفرنسي علها نتيجة لالنتقادات التي‬

‫سامي حامد سليمان‪ ،‬نظرية الخطأ الشخصي في مجال المسؤولية اإلدارية (دراسة مقارنة )‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬دار الشباب للطباعة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬بدون‬ ‫‪1‬‬

‫سنة ص ‪.119/111‬‬

‫‪143‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وجهت إليها وعلى األخص من الفقيه جيز (‪ )Jese‬والذي وجه لها العديد من االنتقادات‬
‫بمناسبة تعليقه على حكم لمجلس الدولة الفرنسي صدر في ‪ 31‬فبراير سنة ‪ 3313‬في‬
‫قضية (‪ )Cie commerciale‬وتمثلت هذه االنتقادات بما يلي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬إن ع ملية التمييز بين الخطأ المرفقي والخطأ الشخصي غير قاطعة ويكتنفها‬
‫الغموض ولعل ذلك يعود إلى أن القضاء اإلداري لم يتبن معيا ار محددا للتمييز بين‬
‫الخطأين‪ ،‬بل يفحص كل حالة على حدة ويأخذ بعين االعتبار الظروف التي رافقت ارتكاب‬
‫الخطأ‪ ،‬إضافة إلى أن الخطأ سواء كان شخصيا أو مرفقيا فإن الذي يقترفه هو الموظف‬
‫العام كون المرفق العام شخصا معنويا ال يتصور ارتكابه للخطأ بنفسه‪ .‬فالفارق ما بين‬
‫الخطأ الشخصي والخطأ المصلحي كما يقول جيز هو مسألة درجة ‪ :‬فالخطأ إلى غاية درجة‬
‫معينة يعتبر خطأ مرفقيا‪ ،‬فإذا ما جاوزها اعتبر شخصيا‪ .‬وهذا الفارق في الدرجة يخضع‬
‫لتقدير القضاء؛ فإذا ما قدر القضاء أن الخطأ شخصيا فإن القواعد التي تحكمه هي قواعد‬
‫القانون الخاص وينعقد االختصاص القضاء العادي‪ ،‬في حين أنه إذا قدر أن الخطأ مرفقيا‬
‫فإن القواعد التي تحكمه هي قواعد القانون العام وينعقد االختصاص القضاء اإلداري ‪،‬‬
‫فالفارق في الدرجة بال شك ال يعد كافيا للتغيير الكامل في القواعد القانونية التي تحكم كال‬
‫النوعين من الخطأ‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬إن األخذ بقاعدة الفصل التام بين الخطأين الشخصي والمرفقي تؤدي إلى حماية‬
‫كاملة للمضرور في حالة الخطأ المرفقي ألن ذمة الدولة مليئة في جميع األحوال‪ .‬في حين‬
‫أنها تؤدي إلى عدم توفير الحماية الكاملة لمضرور في حالة الخطأ الشخصي الذي يقترفه‬
‫الموظف العام إذ قد يفاجأ المضرور أحيانا كثيرة بإعسار الموظف‪ ،‬وهذا يتعارض مع أبسط‬
‫قواعد العدالة‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬ان األخذ بقاعدة الفصل التام بين الخطأين على إطالقها تؤدي إلى نتيجة يأباها‬
‫العقل والمنطق‪ ،‬ألنها تؤدي إلى منح الخطأ الهين واليسير (الخطأ المرفقي) حماية أكبر من‬
‫الخطأ الجسيم (الخطأ الشخصي) وهذا بدوره يؤدي إلى إجحاف بحق المتضرر من الخطأ‬
‫الشخصي إذا ما فوجئ بإعسار الموظف‪ ،‬في حين أن المتضرر من البسيط سيكون متيقنا‬
‫من حصوله على التعويض وذلك لمالءة الدولة‪.‬‬
‫‪144‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫رابعا‪ :‬إن إعمال قاعدة الفصل التام هذه على إطالقها غير مقبولة وال صحيحة من‬
‫الناحية العملية‪ ،‬ألنه من الممكن أن يكون الضرر نتيجة خطا مشترك شخصي ومرفقي‪ ،‬أو‬
‫قد يكون مرجعه عدة أخطاء بعضها شخصي واآلخر مرفقي‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬أن قاعدة عدم ا لجمع بين الخطأ المرفقي والخطأ الشخصي لم تالقي استحسانا‬
‫من بعض الفقهاء‪ ،‬بسبب التبريرات والتفسيرات المتناقضة وغير المنطقية ألن انعدام مسؤولية‬
‫الموظف في الخطأ المرفقي يؤدي إلى القضاء على الشعور بعدم المسؤولية لدى الموظفين‬
‫الذين يحميهم هذا المبدأ من المسؤولية المدنية‪ ،‬وأن الضحية في الخطأ الجسيم قد ال يجد‬
‫تعويضا كافيا عن ذلك‪ ،‬بينما في الخطأ اليسير ينال التعويض الكافي‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬إماانية البمع لين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي‬

‫على ضوء االنتقادات التي وجهت لقاعدة عدم الجمع بين الخطأ المرفقي والخطأ‬
‫الشخصي‪ ،‬ظهرت نظرية أخرى وهي نظرية الجمع بين الخطأين وأتاحت ذلك في عدة‬
‫حاالت‪ ،‬أهمها كاآلتي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬جمع المسؤولية بسبب تعدد األخطاء‬

‫عدل القضاء الفرنسي عن اجتهاده السابق نظ ار لالنتقادات التي وجهت للقاعدة السابقة‬
‫القائلة بالفصل التام بين الخطأين وذهب إلى التسليم بأن الضرر الذي يلحق باألفراد قد‬
‫يشترك في إحداثه نوعين من الخطأ ‪ :‬خطأ شخصي يسأل عنه الموظف العام‪ ،‬وخطأ مرفقي‬
‫تسأل عنه اإلدارة‪ ،‬وقد أقر مجلس الدولة الفرنسي بقاعدة الجمع بين الخطأين ألول مرة في‬
‫حكمه الصادر بتاريخ ‪ 1‬فبراير سنة ‪ 3333‬والذي جاء تحت عنوان أنجيه ( ‪) Anguet‬‬
‫وتتل خص وقائع هذه القضية في أن أحد األفراد بقي في مكتب البريد بعد إغالق الباب المعد‬
‫لخروج الجمهور ولما أراد الخروج اضطر إلى استعمال الباب المخصص لخروج الموظفين‪،‬‬
‫فاعتقد الموظفون بأنه لص فاعتدوا عليه بالضرب و ألقوا به إلى الخارج‪ ،‬فوقع على األرض‬
‫وكسرت ساقه‪ ،‬فتقدم بدعواه مطالبا بالتعويض فقرر مجلس الدولة الفرنسي أن الضرر الذي‬
‫لحق بهذا الشخص يعود إلى خطأين؛ أولهما خطأ مرفقي وهو إغالق الباب المعد لخروج‬

‫‪145‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الجمهور قبل موعده‪ ،‬أما النوع الثاني فهو شخصي وهو فعل االعتداء الواقع من قبل‬
‫الموظفين على المضرور واستعمالهم العنف في إلقائه إلى الخارج‪.‬‬

‫وتقوم مسؤولية اإلدارة هنا بصرف النظر عما إذا كان الفعل المنسوب إلى الموظف‬
‫والذي أدى إلى مسؤوليته الشخصية قد ارتكبه أثناء تأديته الخدمة أو بمناسبتها أو خارج‬
‫نطاق الخدمة وذلك ألن مسؤولية اإلدارة ال تقوم على أساس فعل الموظف والخطأ الشخصي‬
‫الصادر عنه‪ ،‬ولكن على أساس خطأ المرفق الذي قام بجوار الخطأ الشخصي ومستقال عنه‪.‬‬

‫ومن األمثلة على قضاء مجلس الدولة الفرنسي بقيام الخطأين معا أثناء الخدمة‪ ،‬قيام‬
‫إحدى الممرضات في الحرب العالمية الثانية بحقن بعض العجائز ممن يتعذر نقلهن قبل‬
‫وصول القوات األلمانية مما أدى إلى وفاة بعضهن‪ ،‬فقرر القضاء وجود خطأ شخصي يقع‬
‫على عاتق الممرضة وخطأ مصلحي يتمثل في اإلهمال والفوضى التامة التي عمت‬
‫المستشفى لترك كثير من األطباء والممرضين أمكنتهم رغم األوامر العسكرية الصادرة إليهم‪.‬‬

‫أما فيما يتعلق بقيام الخطأين معا خارج نطاق الخدمة فمن األمثلة التي يضربها قضاء‬
‫مجلس الدولة الفرنسي قيام أحد الجنود بمحاولة فك قنبلة في منزله مما أدى إلى انفجارها‬
‫وقتل بعض النساء حيث كان ينزل‪ ،‬فقرر مجلس الدولة قيام خطأ شخصي من جانب‬
‫الموظف ويتمثل في القتل الخطأ‪ ،‬وخطأ مصلحي في جانب اإلدارة يتمثل في عدم أخذها‬
‫لالحتياطات والتدابير الالزمة لمنع حيازة مثل هذه القنابل رغم إصدارها أم ار بعدم حيازتها‪.‬‬

‫وتبرز أهمية إعمال قاعدة الجمع بين الخطأين أنه يمكن مساءلة اإلدارة عن الضرر‬
‫جميعه‪ ،‬أي الحكم بالتعويض کامال عن هذين الخطأين‪ ،‬على أن يكون لها حق الرجوع على‬
‫الموظف بنسبة خطأه الشخصي‪ .‬وإذا ثار نزاع بشأن نسبة كل من اإلدارة والموظف في‬
‫التعويض فان القضاء يتولى حسم النزاع‪.‬‬

‫مما سبق نرى أنه في حالة ازدواج الخطأ يكون للمضرور دعويين إحداهما ضد اإلدارة‬
‫وترفع أمام القضاء اإلداري واألخرى في مواجهة الموظف وترفع أمام القضاء العادي‪ .‬إال أن‬
‫ازدواج المسؤولية ال يعني حصول المضرور على التعويض مرتين‪ ،‬ألن المبدأ هو أال يزيد‬

‫‪146‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫التعويض عن الضرر الحاصل فعال‪ ،‬وألن سبب تقرير مسؤولية اإلدارة إنما يعود إلى الرغبة‬
‫في حماية المضرور‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬حالة البمع لين المسؤولية الشخصية والمرفقية نتيبة الرتكاب خطأ‬
‫واحد‬

‫رأينا أن مجلس الدولة الفرنسي تطور في قضائه وأجاز جمع المسؤولية بسبب تعدد‬
‫األخطاء شخصية ومرفقيه ورتب عليها مساءلة اإلدارة عن األضرار الناجمة عنها ولكن هل‬
‫يمكن مساءلة اإلدارة عن الخطأ الشخصي الذي يرتكبه الموظف حتى لو لم يكن مصحوبة‬
‫بخطأ مرفقي عن ذات الفعل؟‬

‫من خال ل استقراء الجتهاد مجلس الدولة الفرنسي نجد أنه وأصل تطوره فقرر في بادئ‬
‫األمر مسؤولية اإلدارة عن الخطأ الشخصي غير المصحوب بخطأ مرفقي شريطة أن يكون‬
‫هذا الخطأ قد وقع أثناء الخدمة أو بمناسبتها‪ .‬ثم استمر في تطوره ليقرر مسؤولية اإلدارة عن‬
‫الخطأ الشخصي غير المصحوب بخطأ مرفقي حتى لو وقع خارج الخدمة ولكن بأدوات‬
‫المرفق‪.‬‬

‫أ‪ -‬مسؤولية اإلدارة عن الخطأ الشخصي الوااع أثناء الخدمة‬

‫أقر مجلس الدولة الفرنسي مسؤولية اإلدارة عن الخطأ الشخصي الذي يقع من‬
‫الموظف أثناء الخدمة دون أن يصاحبه خطأ مرفقي‪ .‬ففي قضية ليمونيير (‪)Lemonnier‬‬
‫الصادرة في ‪ 11‬يوليوز ‪ 3339‬والتي تتلخص وقائعها بأنه في أحد األعياد القومية وضعت‬
‫بعض األهداف المتحركة حتى يتسنى ألصحاب الرماية أن يصيبوها عن طريق إطالق النار‬
‫عليها من األسلحة النارية‪ ،‬ونتيجة لذلك انطلقت رصاصة أصابت أحد المارة فجرحته جرحا‬
‫خطيرا‪ .‬فرفع دعواه مطالبا بالتعويض على اإلدارة المشرفة على تنظيم هذا االحتفال أمام‬
‫جهتين قضائيتين في نفس الوقت‪ .‬فحكمت المحكمة القضائية (العادية) يتحقق مسؤولية‬
‫العمدة الشخصية باعتباره المسؤول األول عن المحافظة على أرواح الناس وأرجعت مسؤوليته‬
‫إلى ناحيتين‪ ،‬الناحية األولى في عدم اتخاذه االحتياطات والتدابير الالزمة لحماية األفراد‪ ،‬في‬

‫‪147‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫حين تمثلت الناحية الثانية بعدم أخذه للتنبيهات التي مررها له الكثيرون باحتمال إصابة‬
‫بعض األفراد بأعيرة نارية على محمل الجد‪ ،‬وقرر في النهاية مسؤوليته عن الخطأ الجسيم‬
‫المرتكب من جانبه‪ .‬في حين ذهب مجلس الدولة الفرنسي في البداية حين عرض عليه‬
‫األمر إلى تقرير اختصاصه بنظر موضوع الدعوى‪ ،‬ألن رفع الدعوى المحاكم العادية بل‬
‫وحتى إصدار الحكم من جانبها ال يقيد مجلس الدولة في قضائه ألنه مستقل تمام االستقالل‬
‫عن المحاكم العادية وانتهى في حكمه إلى تقرير مسؤولية البلدية عن خطا العمدة الشخصي‬
‫الجسيم الذي ارتكبه‪ ،‬وأرجع مسؤوليته إلى الناحيتين اللتين ذهب إليهما القضاء العادي‪.‬‬

‫وعليه يتعين لقيام الخطأ الوحيد المرتكب بمناسبة أداء مهمات الوظيفة أن يكون الخطأ‬
‫الذي ارتكبه الموظف مستقال وسابقا على أداء مهمات الوظيفة سواء تمثل هذا الخطأ‬
‫المرفقي في غياب اإلشراف والرقابة اإلدارية على مهمات الوظيفة‪ ،‬أو تمثل في تزويد المرفق‬
‫بالوسائل واألدوات التي مكنته من ارتكاب الخطأ‪ .‬هكذا تكون صلة الوظيفة بالخطأ المرتكب‬
‫زمنية كارتكاب الخطأ أثناء مهمات الوظيفة ذاتها‪ ،‬أو مكانية كارتكاب الخطأ في مكان‬
‫العمل‪ .‬ويمكن تعليل المسؤولية اإلدارية هنا بأن المرفق هو الذي ساهم في ارتكاب الخطأ‬
‫الشخصي بأن وضع بين يدي الموظف الوسائل التي ساعدت على ارتكاب هذا الخطأ‪.‬‬

‫ب‪ -‬مسؤولية اإلدارة عن الخطأ الشخصي الوااع خارج الخدمة‬

‫ظل مجلس الدولة الفرنسي وحتى عام ‪ 3303‬يقصر مسؤولية اإلدارة عن األخطاء‬
‫الشخصية للموظفين على تلك التي تقع منهم أثناء الخدمة‪ ،‬بمعنى أن تكون الوظيفة التي‬
‫وضعت بين يدي الموظف أسباب ارتكاب الخطأ‪.‬‬

‫إال أن مجلس الدولة الفرنسي عدل عن موقفه السابق وقرر أن مسؤولية اإلدارة تتحقق‬
‫عن الخطأ الشخصي الذي يرتكبه الموظف حتى ولو وقع منه خارج الخدمة شريطة أن يقع‬
‫بأدوات المرفق حيث صدرت له ثالثة أحكام متشابهة بتاريخ ‪ 39‬نوفمبر سنة ‪،3330‬‬
‫وتتعلق جميعها في قيام سائقي سيارات عامة حكومية بالخروج في مهمات مصلحية إال أنهم‬
‫بدال من استخدامها في هذه المهمات العامة فقط قاموا باستخدامها في مهمات خاصة‬
‫لتحقيق أغراض شخصية‪ ،‬فصادف أن وقعت حوادث بتلك السيارات العامة سببت ضرر‬

‫‪148‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫للغير‪ .‬وملخص إحدى هذه القضايا أن سيارة تابعة للجيش كان يقودها أحد الجنود من أجل‬
‫توصيل شحنة بنزين لمكان معين إال أنه وفي أثناء عودته ذهب لزيارة أحد أقاربه فوقعت‬
‫حادثة أثناء ذلك تسببت بأضرار للغير‪.‬‬

‫نستخلص مما سبق أن قاعدة الفصل التام بن الخطأين الشخصي والمرفقي والتي نادى‬
‫بها القضاء اإلداري الفرنسي في بادئ األمر لم تعد مطبقة إال في الحالة التي يصدر فيها‬
‫خطا شخصي عن الموظف وال عالقة له بالوظيفة إطالقا بأن يكون قد وقع بعيدا عنها في‬
‫حياة الموظ ف الخاصة‪ ،‬وفيما عدا ذلك فإن القضاء الفرنسي يطبق قاعدة الجمع بين‬
‫المسؤوليتين الشخصية والمرفقية ويقرر مسؤولية الدولة في جميع حاالت الخطأ الشخصي‬
‫سواء في حالة الجمع بينه وبين الخطأ المرفقي أو في حالة الخطأ الشخصي غير‬
‫المصحوب بخطأ مرفقي والواقع أثناء الخدمة‪ ،‬وكذلك في حالة الخطأ الشخصي الواقع خارج‬
‫الخدمة ولكن بأدوات المرفق‪.‬‬

‫وقد طرح تساؤل من جانب الفقه مؤداه مدى إمكانية تبي توجه القضاء الفرنسي الذي‬
‫يسمح بإمكانية الجمع بين الخطأ المرفقي والشخصي وفق الشروط التي سبق تناولها أعاله‬
‫استنادا إلى أن المشرع من خالل الفصل ‪ 91‬لم يتبنى موقفا يستثني مثل هذه االزدواجية‪،‬‬
‫وفوق ذلك فإن هذه االزدواجية ال تتعارض مع مضمون الفصل المذكور‪ ،‬إذ ال شيء في‬
‫الواقع يمنع من حدوث الضرر نتيجة تزاوج خطأين أحدهما ذو طابع مرفقي وثانيهما متفرع‬
‫‪1‬‬
‫عن تصرف تدليسي للموظف‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬بعض صور التداخ لين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي‬

‫قد يحدث أحيانا أن يرتكب الموظف خطأ يضر بالغير بناء على أمر رئيسه‪ ،‬لذا أثير‬
‫التساؤل حول أثر ذلك على طبيعة الخطأ‪ ،‬وهل تتغير ليصبح مرفقيا أو يظل شخصيا رغم‬
‫أنه ارتكب تنفيذا ألمر رئيس تجب طاعته؟ ‪ ،‬وقد يكون الخطأ المنسوب إلى الموظف جريمة‬
‫جنائية يعاقب عليها قانون العقوبات ويترتب عليها ضرر‪ ،‬فهل يعتبر خطأ شخصيا أم يمكن‬
‫اعتباره خطأ مرفقيا؟‪ ،‬وفضال عما سبق‪ ،‬قد يتحقق التعدي عند قيام اإلدارة بعمل يتضمن‬

‫‪149‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫اعتداء على حق الملكية أو إحدى الحريات األساسية للفرد على أن يكون الخطأ واضحا‬
‫وجسيما‪ ،‬بحيث يجرد العمل من قيمته القانونية وينزل به إلى مستوى التصرف المادي‪.‬‬

‫وتطرح التساؤالت أعاله مسألة عالقة الخطأ الشخصي بكل من بالجريمة الجزائية‬
‫واألوامر الرئاسية واالعتداء المادي‪ ،‬والمسؤولية عن الق اررات المنعدمة‪ .‬وهذا ما سنعرض له‬
‫من خالل الفقرات التالية‪:‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬عالاة الخطأ الشخصي بالبريمة البزائية‬

‫قد تشكل األخطاء التي يقترفها الموظف في بعض األحيان جريمة معاقب عليها قانونا‪،‬‬
‫وبقيام هذه األخطاء تتحقق المسؤولية‪ ،‬إال أن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل تعد هذه‬
‫األخطاء المنطوية على جريمة جزائية أخطاء شخصية ترتب مسؤولية الموظف الشخصية‬
‫ويتحمل التعويض من ماله الخاص؟ أم تعد أخطاء مرفقية يترتب عليها مسؤولية اإلدارة‬
‫التابع لها الموظف العام وتتحمل وحدها تعويض األضرار المادية واألدبية التي لحقت‬
‫بالمضرور؟ ‪:‬‬

‫مر االجتهاد القضائي في هذا الصدد بمرحلتين على النحو اآلتي‪:‬‬

‫المرحلة األولى‪ :‬التالزم لين البريمة والخطأ الشخصي‬

‫للجواب على هذا السؤال سنعرض أوال لموقف الفقه ثم لموقف العمل القضائي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬موقف الفقه‬

‫يفرق الفقه والقضاء في هذا الصدد بين حالتين‪:‬‬

‫‪150‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الحالة األولى‪ :‬تباوز المرؤوس حدود األمر الرئاسي الصادر إليه من‬
‫رئيسه‬

‫قد يتجاوز المرؤوس في معرض تنفيذه ألمر رئيسه حدود األمر الرئاسي الصادر إليه‪،‬‬
‫ويكون تجاوزه بأن يقوم بتنفيذه على غير الوجه المقصود به وذلك بتحريفه أو تغييره أو‬
‫تعديله بحيث ال يلتزم تماما بما فيه من أحكام‪.‬‬

‫ففي مثل هذه الحاالت استقر القضاء على تحقق مسؤولية الموظف الشخصية ويتحمل‬
‫وحده التعويض کامال وكأن أمر الرئيس لم يصدر أصال‪.‬‬

‫وهنا يثور التساؤل بشأن أثر اإلجازة الالحقة الصادرة من الرئيس لما قام به مرؤوسه‬
‫من أعمال يتجاوز فيها أوامره؟ فهل لهذه اإلجازة أثر في تغيير طبيعة وصف الخطأ؟‬
‫وبالتالي فإن إقرار الرئيس وإجازته لما قام به مرؤوسه من أعمال يتجاوز فيها حدود األمر‬
‫الرئاسي وبالتالي لحدود القانون ال يعتد به‪.‬‬

‫الحالة الثانية‪ :‬التزام المرؤوس بحدود األمر الرئاسي الصادر إليه من‬
‫رئيسه‬

‫اختلف الفقهاء حول طبيعة الخطأ المرتكب من جانب المرؤوس تنفيذا ألوامر رئيسه‬
‫الصادرة إليه والتي التزم فيها بحدود األمر الرئاسي إذ ظهرت عدة اتجاهات‪:‬‬

‫االتباه األول‪ :‬جانب من الفقه ويمثله كل من الفقيه (هوريو وبار تلمي) ذهب إلى أن‬
‫خطا المرؤوس في هذه الحالة يقلب الخطأ الشخصي إلى خطأ مرفقي‪ ،‬إذ إن تنفيذ أمر‬
‫الرئيس دون تجاوز يؤدي إلى تغيير الطبيعة القانونية للخطأ‪ ،‬وحججهم في ذلك أن المرؤوس‬
‫(الموظف العام) ملزم دائما بتنفيذ أوامر رئيسه اإلداري قبل التزامه بتنفيذ القانون‪ ،‬إضافة إلى‬
‫أن الموظف العام يتصل بالقوانين واألنظمة من خالل رئيسه األعلى الذي يتولى تفسير‬
‫أحكامها وإصدار األمر بتنفيذها‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ويرى أصحاب هذا االتجاه أن الموظف العام ملزم بطاعة رئيسه طاعة عمياء حتى لو‬
‫كانت األوامر الصادرة إليه غير مشروعة شريطة أال تشكل جريمة يعاقب عليها القانون‬
‫الجنائي‪.‬‬

‫االتباه الثاني‪ :‬نادي بهذا االتجاه الفقيه دوجي (‪ .)Daguit‬وهو يرى أن التزام‬
‫المرؤوس بحدود األمر الرئاسي الصادر إليه ال يعني الطاعة العمياء وبالتالي فإن األمر‬
‫الرئاسي ال يؤثر في طبيعة الخطأ الذي ارتكبه الموظف‪ ،‬وعليه فال ينقلب الخطأ الشخصي‬
‫إلى خطأ مرفقي نتيجة التزام المرؤوس بأوامر رئيسه اإلداري إذا ما كانت هذه األوامر تشكل‬
‫مخالفة للقانون مشروعة فالرئيس اإلداري والمرؤوس شأنهم شأن باقي أفراد المجتمع‬
‫يخضعون للقانون‪.‬‬

‫وبالتالي إذا أصدر الرئيس أم ار للمرؤوس يخالف القانون فإن هذا األخير غير ملزم‬
‫بتنفيذه‪.‬‬

‫غير أن المرؤوس في الواقع العملي يصطدم بالمسؤولية التأديبية فيما لو اعترض عن‬
‫تنفيذ األمر الموجه إليه من رئيسه‬

‫االتباه الثالث‪ :‬ذهب الفقيه الباند ووفقا لهذا االتجاه إلى محاولة التوفيق بين‬
‫االتجاهين السابقين‪ ،‬فهو يرى أن واجب الموظف المرؤوس ينحصر عند صدور أمر رئاسي‬
‫اليه في التثبت من المشروعية الشكلية األمر من حيث صدوره من سلطة تملك حق إصداره‪،‬‬
‫إضافة إلى اختصاص الجهة مصدر األمر‪ ،‬واستيفاء األمر للشروط الشكلية التي يجب أن‬
‫يصدر فيها كان يتطلب القانون صدور كتابية ال شفاهية‪ .‬فاذا تثبت المرؤوس من توافر‬
‫المشروعية الشكلية فال مسؤولية عليه بعد ذلك إذا قام بتنفيذ األمر الرئاسي الصادر اليه‬
‫حتى لو كان مخالفا للقانون من الناحية الموضوعية‪.‬‬

‫ولم يتفق هذا االتجاه رغم وجاهته مع ما ذهب إليه القضاء والنصوص التشريعية التي‬
‫رتبت في بعض الحاالت مسؤولية الموظف إذا ما قام بتنفيذ االمر الصادر اليه من رئيسه‬
‫والمخالف للقانون من الناحية الموضوعية خاصة إذا كان يعلم بأنه غير مشروع‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ثانيا‪ :‬موقف القضاء من االتباهات السابقة‬

‫أ ‪-‬القضاء الفرنسي‬

‫رفض مجلس الدولة الفرنسي أن يجعل من مبدأ الطاعة العمياء سببا لينقلب الخطأ‬
‫الشخصي إلى خطأ مرفقي‪ ،‬بل ذهب إلى تبني موقف وسط من االتجاهين األول والثاني؛ إذ‬
‫قرر مسؤولية الموظف الشخصية لتنفيذه أمر رئيسه رغم التزامه بحدود األمر الرئاسي‬
‫الصادر إليه و ذلك في حالة كون المخالفة جسيمة ووجه عدم المشروعية ظاهرة‪ ،‬حيث حكم‬
‫القضاء الفرنسي بمسؤولية المحافظ الشخصية لقيامه بمصادرة جريدة مع النص في القرار‬
‫على أسباب تعد قدحا وذما بحق القائمين عليها‪ ،‬مع أن األمر قد صدر إليه بذلك من وزير‬
‫الداخلية‪ ،‬في حين ذهب إلى اعتبار الخطة المرتكبة من جانب المرؤوس نتيجة لتنفيذه أمر‬
‫الرئيس دون أن يتجاوزه خطأ مرفقيا ورتب مسؤولية اإلدارة عنه شريطة أن يكون هذا الخطأ‬
‫غير جسيم و غير عمدي أي يشكل مخالفة يسيرة‪ ،‬إذ قضى بمسؤولية الدولة عن قرع‬
‫األجراس التي صدر أمر بقرعها من العمدة ولم يرتب مسؤولية المرؤوس قارع األجراس كون‬
‫أن القرع قد تم في غير الحاالت المنصوص عليها قانونا‪ .‬وأما فيما يتعلق بالعسكريين فلم‬
‫يرتب القضاء الفرنسي أية مسؤولية على العسكري المرؤوس إذا ما التزم بأوامر الرئيس ألنهم‬
‫ملزمون بتطبيق مبدأ الطاعة المطلقة الذي تبنى عليه الجيوش‪.‬‬

‫وعليه يبدو أن مجلس الدولة الفرنسي يميل إلى عدم جعل طاعة المرؤوس لرئيسه‬
‫طاعة مطلقة للمرؤوس بل يحتم عليه أن يرفض اإلطاعة في بعض الحاالت‪.‬‬

‫ب ‪-‬موقف القضاء المصري‬

‫ذهب القضاء المصري العادي فيما يتعلق بتجاوز المرؤوس حدود األمر الرئاسي‬
‫الصادر إليه من رئيسه إلى تحميل المرؤوس مسؤولية تصرفاته‪ ،‬وقضت محكمة النقض بأن‬
‫قيام المرؤوس بإجراء مزاد قبل الرجوع إلى الديوان العام مخالف بذلك تأشيرة رئيسه الصادرة‬
‫في هذا الشأن‪ ،‬وكذلك التعليمات الرئاسية التي تقضي بأن الطرود الخاصة بمصالح‬
‫الحكومة والهيئات المماثلة ال تعرض للبيع بطريق المزاد إال بموافقة تلك المصالح أو و ازرة‬

‫‪153‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الخزانة واعتبرت المحكمة أن خطأ المرؤوس في هذه الحالة يعد خطأ شخصيا‪ .‬وكذلك‬
‫حكمها بأن إهمال موظف الضرائب في القيام بواجبه بفحص دفاتر ومستندات بعض‬
‫الممولين على خالف أوامر رؤسائه يرتب خطأه الشخصي‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬عالاة الخطأ الشخصي باالعتداء المادي‬

‫يقصد بفكرة االعتداء المادي بصفة عامة " ارتكاب جهة اإلدارة لخطأ جسيم أثناء‬
‫قيامها بعمل مادي يتضمن اعتداء على حرية فردية أو ملكية خاصة"‪ .‬واالعتداء المادي إما‬
‫أن يكون نتيجة لقرار إداري مشوب بعيب جسيم من عدم المشروعية استندت إليه اإلدارة‬
‫لتنفيذ العملية المادية‪ ،‬وإما أن يكون نتيجة مباشرة للعملية نفسها كون القرار الذي استندت‬
‫إليه اإلدارة سليما وذلك عندما تلجأ اإلدارة إلى التنفيذ المباشر في غير الحاالت المصرح بها‬
‫قانونا‪.‬‬

‫وللقول بوجود اعتداء مادي ال بد من توافر مجموعة من الشروط مجتمعة وهذه الشروط‬
‫هي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬صدور ارار إداري معيب بعيب بالغ البسامة (منعدم)‬

‫كان الرأي السائد قديما وحتى عام ‪ 3315‬وكقاعدة مطلقة يذهب إلى اعتبار الخطأ‬
‫المكون الجريمة جزائية خطا شخصيا؛ إذ استقر القضاء على وجود تالزم حتمي بين الخطأ‬
‫الجزائي والخطأ الشخصي سواء كانت هذه الجريمة من جرائم الموظفين العموميين‬
‫كاالختالس والخيانة والرشوة وإفشاء أسرار الوظيفة أم كانت من جرائم القانون العام كالذم‬
‫والقذف والقتل وغيرها‪.‬‬

‫وقد قيل في تبرير التالزم الحتمي بين الجريمة الجزائية والخطأ الشخصي إن اإلدارة‬
‫العامة شخص معنوي‪ ،‬وبالتالي ال يتصور ارتكابها للجرائم الجزائية‪ ،‬فالذي يرتكبها هو‬
‫الموظف الذي يصرف أعمالها‪ ،‬وبالتالي ال يجوز مساءلتها عن جرائم جزائية اقترفها‬
‫موظفوها‪ ،‬كما أن ارتكاب الجريمة الجزائية ينطوي على جسامة بالغة تؤدي إلى اعتبارها‬

‫‪154‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫أخطاء شخصية‪ ،‬إضافة إلى أن هدف المرفق العام هو تحقيق الصالح العام ومصلحة‬
‫األفراد على حد سواء وهذا يتعارض مع ارتكاب الجرائم الجزائية‪.‬‬

‫المرحلة الثانية‪ :‬عدم التالزم لين البريمة والخطأ الشخصي‬

‫بدأت هذه المرحلة بصدور حكم محكمة التنازع الفرنسية عام ‪ 3315‬في قضية تيباز‬
‫(‪ )Thepaz‬وفيه عدل القضاء اإلداري عن الرأي السائد والقائل بوجود تالزم حتمي بين‬
‫الجريمة الجزائية والخطأ الشخصي‪ ،‬وقد انتهى الحكم إلى اعتبار الخطأ المكون للجريمة‬
‫الجزائية في هذه القضية خطأ مرفقيا‪ ،‬وأن الجريمة الجزائية ال تشكل وباستمرار كقاعدة‬
‫مطلقة خطا شخصيا يستوجب مسؤولية الموظف الشخصية‪ ،‬ويجب لکي يسأل الموظف‬
‫شخصيا عن الخطأ المكون لجريمة جزائية أن يكون منبت الصلة بالوظيفة أو ارتكب عمدا‬
‫أو انطوى على درجة جسيمة من الخطأ‪.‬‬

‫وقد قضت محكمة التمييز األردنية في أحد أحكامها بما يلي‪:‬‬

‫" أن تصرف الموظف الذي خرج من مكان وظيفته إلى الشارع العام ووقف على‬
‫الرصيف في مكان يطل على شباك منزل المشتكي وأخذ يسترق النظر على النساء داخل‬
‫المنزل‪ ،‬يكون قد خرج عن نطاق وظيفته الرسمية ويجب معاملته معاملة الشخص العادي‬
‫ومحاكمته أمام المحاكم النظامية‪ ،‬وعليه فإن المدعي العام هو المرجع المختص بالتحقيق في‬
‫القضية وليس المحكمة العرفية العسكرية "‪.‬‬

‫وتبعا لكل ما سبق‪ ،‬ال تشكل الجريمة الجزائية بالضرورة خطأ شخصيا‪ ،‬إذ قد تشكل‬
‫في بعض األحيان خطأ مرفقا كجرائم اإلهمال البسيط‪ ،‬كما أن الخطأ الشخصي بالضرورة قد‬
‫ال يشكل بالضرورة جريمة جزائية يعاقب عليها القانون الجنائي‪.‬‬

‫وبناء على ما تقدم تختص محاكم القضاء اإلداري بنظر منازعات التعويض عن‬
‫الجرائم فيما يعتبر القضاء أن فعل الموظف وإن ارتقى إلى فعل جرمي إال أنه على مستوى‬
‫المسؤولية اإلدارية يظل خطأ مرفقيا‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وكمثال على هذا التوجه نورد ما جاء في حيثيات الحكم الصادر في قضية إلهام‬
‫بحوضي الذي حظي بتعليقات وافية من الفقه‪ ،‬وهو الحكم الصادر عن المحكمة اإلدارية‬
‫بالرباط تحت عدد ‪ 3111‬بتاريخ ‪ 31‬أكتوبر ‪ 1110‬في الملف عدد ‪ 11/111‬ش ت الذي‬
‫جاء بما يلي‪:‬‬

‫" حيث إن أساس كل مطالبة بالتعويض المدني أمام القضاء الزجري هو ارتكاب جنحة‬
‫او جناية أضرت بالمدعية في حين أن طلب التعويض الحالي يجد أساسه في الخطأ اإلداري‬
‫المتمثل في سوء اختيار الموظفين المكلفين باالمتحانات وعدم مراقبة أعمالهم وتقصير الهيئة‬
‫المكلفة بالحراسة في أداء مهامها فضال عن تهاون اإلدارة في فتح تحقيق جدي للتأكد من‬
‫صحة ما جاء في شكاية والدة التلميذة المدعية الموجهة إلى مدير األكاديمية وما ترتب عن‬
‫ذلك من تأخير في البت في وضعيتها‪ .‬مما فوت عليها فرصة الدراسة طوال الفترة التي‬
‫استغرقتها المسطرة القضائية‪ ،‬فتكون بذلك هناك عالقة سببية بين الخطأ والضرر في الحدود‬
‫المذكورة‪.‬‬

‫وحيث إنه بالنظر إلى المعطيات المذكورة أعاله‪ ،‬وبالنظر إلى ظروف القضية وحجم‬
‫األضرار المتصلة أساسا في حرمان المدعية من الحق في متابعة الدراسة الجامعية خالل‬
‫السنة التي تلت إعالن رسوبها الذي تبين عدم مشروعيته وكذلك خالل الفترة التي استغرقتها‬
‫مسطرة التقاضي الحالية رغم ثبوت التزوير إضافة إلى األضرار النفسية المترتبة عن ذلك‪،‬‬
‫فإن المحكمة ترى أن التعويض المناسب ينبغي أن يحدد في مبلغ ‪ 111.111،11‬درهم‪".‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬عالاة الخطأ الشخصي باألوامر الرئاسية‬

‫يقصد باألوامر الرئاسية األوامر التي يصدرها الرئيس اإلداري إلى مرؤوسيه لتنفيذها‪،‬‬
‫إال أنه قد ينشأ في معرض تنفيذ المرؤوس ألوامر رئيسه أن يرتكب خطأ ما‪ ،‬فهل يعد الخطأ‬
‫الناشئ عن تنفيذ أوامر الرئيس خطأ شخصيا يتحمله الموظف وحده؟ أم يعد خطأ مرفقيا‬
‫تسأل عنه اإلدارة وتتحمل وحدها التعويض؟‪ ،‬بمعنى آخر هل لتنفيذ أوامر الرئيس أثر في‬
‫تغيير طبيعة الخطأ ووصفه وبالتالي طبيعة المسؤولية؟‪:‬‬

‫للجواب على هذا السؤال سنعرض أوال لموقف الفقه ثم لوقف العمل القضائي‪:‬‬
‫‪156‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫استقر القضاء على أن القرار اإلداري الذي يشكل مصد ار لالعتداء المادي هو القرار‬
‫المنعدم الذي ينطوي على مخالفة صارخة للقانون بصورة يتعذر معها القول بأنه جاء تطبيقا‬
‫لقانون أو النظام أو أنه مظهر لممارسة اختصاص تملكه جهة اإلدارة‪ ،‬كما وتتطلب القضاء‬
‫حديثا أن يكون وجه عدم المشروعية الجسيم الذي لحق بالقرار اإلداري واضحا لدرجة ال‬
‫تسمح باعتباره مظه ار لممارسة اختصاص جهة اإلدارة التي أصدرته‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬ضرورة تنفيذ القرار المشوب بعيب بالغ البسامة‬

‫هذا الشرط يستلزم تنفيذ القرار المشوب بعيب بالغ الجسامة‪ ،‬إذ ال مجال للقول بوقوع‬
‫اعتداء مادي إذا لم يتبع صدور القرار المنعدم تنفيذه (فعل مادي)‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬أن يترتب على تنفيذ القرار غير المشروع المساس بإحدى الحريات‬
‫األساسية أو الملكية الخاصة‬

‫مؤدي هذا الشرط أن يترتب على تنفيذ القرار اإلداري المشوب بعدم المشروعية بالغة‬
‫الجسامة مساس بإحدى الحريات األساسية أو الملكية الخاصة وفيما يتعلق بعالقة الخطأ‬
‫الشخصي باالعتداء المادي فقد كان االجتهاد القضائي الفرنسي قديما يرى أن هنالك تالزما‬
‫حتميا بين الخطأ الشخصي واالعتداء المادي نظ ار ألن االعتداء المادي يستلزم جسامة‬
‫الخطأ فاعتبر أن كل اعتداء مادي يشكل خطأ شخصيا يسأل عنه الموظف ويدفع التعويض‬
‫عن األضرار المادية واألدبية من ماله الخاص‪ .‬ولقد ساعد على تقرير القول بهذا التالزم‬
‫أيضا انعقاد اختصاص القضاء العدلي (العادي)‪ ،‬عالوة على تحقق المسؤولية على القائم‬
‫بالعمل في كلتا الحالتين‪.‬‬

‫ثم عدل القضاء الفرنسي عن اعتبار كل اعتداء مادي يشكل خطأ شخصية‪ ،‬إذ قد‬
‫يشكل االعتداء المادي في بعض الحاالت خطأ مرفقيا تسأل عنه اإلدارة العامة‪ .‬وهذا ما‬
‫قررته محكمة التنازع الفرنسية في حكمها الصادر بتاريخ ‪ 9‬ابريل لعام ‪ 3315‬تحت عنوان‬
‫(‪ )L'action française‬إذ أقرت فيه مبدأ انفصال الخطأ الشخصي عن االعتداء المادي‬
‫وقضت بأن التصرف اإلداري الذي تم بناء على أمر صادر من مدير األمن عمل بالغ‬

‫‪157‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الجسامة ويشكل اعتداء مادي لتختص بنظر المنازعات الناجمة عن المحاكم النظامية‪.‬‬
‫وبالتالي ال يجوز بحث ما إذا كان الخطأ شخصيا عند التصدي لبحث االعتداء المادي‬
‫الختالف طبيعة كل منهما‪ ،‬فالواقع أنه في حالة وقوع عمل التعدي ال نكون أمام عمل إداري‬
‫نظ ار لجسامة عدم المشروعية الدرجة تفقد العمل طبيعته اإلدارية‪ ،‬وبالتالي ال يكون هناك‬
‫مجال للبحث عما إذا كان الخطأ منفصال عن عمل اإلدارة‪ .‬في حين أن الخطأ الشخصي‬
‫وإن اتصف بالجسامة‪ ،‬فإن هذه الجسامة ال تغير من طبيعة العمل الذي يظل محتفظا‬
‫بالصفة اإلدارية رغم عدم مشروعيته‪.‬‬

‫ويطرح تساؤل حول التوجه القضائي المغربي في تكييف االعتداء المادي بوصفه خطأ‬
‫شخصيا سيما بعد صدور المادة ‪ 9‬مكرر من قانون المالية لسنة ‪ 1111-1133‬التي تمنع‬
‫على اآلمر بالصرف أو من يقوم مقامه من ان يلتزم – في إلطار االعتمادات المفتوحة‬
‫بالميزانية العامة وميزانيات الجماعات الترابية او مجموعاتها –بأي نفقة أو إصدار االمر‬
‫بتنفيذها إلنجاز مشاريع استثمارية على العقارات أو الحقوق العينية باالعتداء المادي ودون‬
‫استيفاء المسطرة القانونية لنزع الملكية ألجل المنفعة العامة واالحتالل المؤقت‪.‬‬

‫وإذا كان الموقف الحالي للقضاء اإلداري هو اعتبار االعتداء المادي خطأ إداريا موجبا‬
‫لمسؤولية اإلدارة‪ ،‬وإن كان يراه مستقال بنظريته عن نظرية الخطأ المرفقي لكونه ينجم عن‬
‫عمل متجرد من أي مظهر من مظاهر المشروعية فإنه قد يكون للتطور التشريعي أثره على‬
‫التوجهات القضائية مما يكون من المناسب معه انتظار ما سيسفر تطبيق النص على‬
‫المستوى العملي‪.‬‬

‫الفقرة الرابعة‪ :‬المسؤولية عن الق اررات المنعدمة‬

‫لم يضع المشرع تعريفا للقرار اإلداري‪ ،‬إال أن القضاء اإلداري تصدى لتعريفه‪ ،‬فقد‬
‫عرفه القضاء والفقه ويمكن من خالل تعدد التعاريف الخلوص الى تعريف جامع مؤداه أن‬
‫القرار اإلداري هو إفصاح اإلدارة عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين‬
‫وذلك بقصد احداث أو تعديل مركز قانوني معين متى كان ذلك ممكنا او جائز‬ ‫واألنظمة‬
‫قانونا‪.‬‬

‫‪158‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪ ...‬محكمة العدل العليا بقولها‪:‬‬

‫" إن القرار اإلداري هو إفصاح اإلدارة عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى‬
‫القوانين واألنظمة و ذلك بقصد احداث أو تعديل مركز قانوني معين متى كان ذلك ممكنا او‬
‫جائز قانونا ‪ ...‬في حين عرفت القرار المنعدم بقولها يعتبر القرار منعدما إذا شابه عيب‬
‫جسيم يفقده خصائصه كقرار إداري ‪ ،‬مما ينحدر به إلى درجة االنعدام ‪ ،‬ويتحقق ذلك إذا‬
‫صدر القرار اإلداري ممن ال يتصف بصفة الموظف العام ‪ ،‬أو من موظف ال صلة له‬
‫بإصدار الق اررات ‪ ،‬أو دخول القرار في اختصاص السلطة التشريعية أو القضائية ‪ ،‬أو إذا‬
‫صدر من مرؤوس في أمر يدخل في اختصاص رئيسه أو في حالة التفويض الباطل‪ ،‬أو‬
‫اعتداء هيئة تأديبية على اختصاص أخرى ‪ :‬أو عدم صالحية مصدر القرار" ‪.‬‬

‫فالقرار اإلداري المنعدم هو القرار الذي ال وجود له‪ ،‬وبذا يتميز االنعدام بغياب القرار‬
‫المشوب به‪ ،‬ويفقد صفته اإلدارية كقرار إداري‪ ،‬ويتمثل انعدام القرار اإلداري في االنعدام‬
‫المادي‪ ،‬أو االنعدام القانوني‪ .‬والقرار المنعدم كأصل عام يرتب المسؤولية الشخصية‬
‫للموظف الذي أصدره‪ ،‬إال أنه في بعض األحيان يرتب مسؤولية اإلدارة إلى جانب المسؤولية‬
‫الشخصية للموظف وذلك في الحالة التي تثري فيها اإلدارة من القرار المعدوم‪ ،‬وقد قضت‬
‫المحكمة اإلدارية العليا في مصر بقولها ليس من العدالة أن يتحمل الموظف كامل التعويض‬
‫عن القرار المعدوم متى كانت الجهة اإلدارية قد أثرت من هذا التصرف"‪.‬‬

‫وعليه فإذا صدر القرار المعدوم من شخص ال يتمتع باالمتيازات التي يتمتع بها‬
‫الموظف العام لعدم ارتباطه بجهة اإلدارة كلية فإن المسؤولية عن تعويض األضرار الناجمة‬
‫عنه تقع على عاتق مصدرها‪ ،‬وكذلك األمر إذا صدر من سلطة ال تمت بأي صلة الجهة‬
‫اإلدارة فإن المسؤولية الشخصية تقع على مصدر القرار المعدوم‪ ،‬فهذه الصورة من صور‬
‫االنعدام ال تثير أية صعوبة في تحديد المسؤول عن تعويض األضرار الناجمة عنه‪.‬‬

‫وفيما يتعلق بالموقف الفرنسي بشأن المسؤولية عن الق اررات المنعدمة فقد رأی جانب‬
‫من الفقه أن القرار المعدوم ال يرتب إال مسؤولية مصدره‪ ،‬معلال وجهة نظره بأن المخالفات‬
‫القانونية التي ارتكبها الموظف تعد مخالفات جسيمة تخرج القرار عن نطاق الوظيفة اإلدارية‬

‫‪159‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫حكما وإن كان متصال بها ماديا ‪ ،‬لقيام الموظف به أثناء مباشرته لمهام وظيفته‪ ،‬ويجب أن‬
‫تتحمل الجهة االدارية جزء من التعويض إذا ثبت أنها أثرت من وراء قرار الموظف المعدوم‬
‫الذي رتب مسؤوليته الشخصية وهو ما تقتضيه أبسط قواعد العدالة‪ ،‬في حين ذهب القضاء‬
‫الفرنسي إلى أن المسؤولية عن تعويض األضرار الناجمة عن الق اررات المعدومة يتحدد وفقا‬
‫لمعايير التفرقة ما بين الخطأ الشخصي و الخطأ المرفقي‪.‬‬

‫وقد قضت محكمة النقض الفرنسية في قضية (‪ )Labadic‬بمسؤولية مدير األمن‬


‫الشخصية إلصداره ق ار ار ‪-‬قبل استكمال إجراءات تعيينه مدي ار لألمن‪-‬بتوقيف أحد األفراد‬
‫والقبض عليه وإيداعه السجن األمر الذي نجم عنه انتحار الشخص الموقوف‪ ،‬إذ اعتبرت‬
‫المحكمة أن القرار الصادر من مدير األمن الذي لم يعين بعد ق ار ار معدوما وذلك إلصداره‬
‫القرار في فترة لم يكن فيها موظفا عاما‪.‬‬

‫وقد تبنى القضاء المصري القول بأن القرار المعدوم يعد مصد ار لالعتداء المادي‪ ،‬فقد‬
‫ذهبت محكمة القاهرة االبتدائية إلى القول بأنه إذا حاولت اإلدارة تنفيذ قرار معدوم فإنها‬
‫ترتكب ما يسمى باالعتداء المادي‪ ،‬في حين ذهبت المحكمة اإلدارية إلى القول بأن العيب‬
‫ا لذي اعتور القرار ينهض إلى حد اغتصاب السلطة‪ ،‬الذي ينزل بالقرار إلى جعله مجرد فعل‬
‫مادي عديم األثر قانونا‪.‬‬

‫وباستعراض ما سبق‪ ،‬نجد أن هنالك تالزما حتميا بين القرار المعدوم وتعويض‬
‫األضرار الناجمة عنه‪ ،‬في حين أن هذا التالزم ال وجود له بين المسؤولية عن الق اررات‬
‫المنعدمة والخطأ الشخصي ألنه في تحديد المسؤولية يتم الرجوع إلى المعايير الفقهية التي‬
‫قيلت للتمييز بين الخطأ الشخصي والخطة المرفقي‪.‬‬

‫وفي الختام تجدر اإلشارة إلى أنه قد تصادفنا حاالت يظهر من الوهلة األولى أنها‬
‫حاالت مشخصة في حد ذاتها للخطأ الشخصي‪ ،‬وهذه الحاالت نجملها فيما يلي‪:‬‬

‫‪160‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪-‬حالة التعسف في استعمال السلطة‬

‫اعتبر القضاء أن حالة التعسف في استعمال السلطة غير كافية لوحدها إلنشاء الخطأ‬
‫(الشخصي) ومع ذلك يمكن لعيب المشروعية أن يشكل خطأ شخصيا متى انطوى على‬
‫العدوانية أو الرغبة في االنتقام‪.‬‬

‫‪-‬حالة االمتناع عن تنفيذ حام اضائي‬

‫طرح هذا المشكل من طرف الفقه وخاصة العميد ‪ Hauriou‬الذي يرى في الربط بين‬
‫هذه الحالة والخطأ الشخصي وسيلة إللزام أعوان اإلدارة على احترام قوة الشيء المقضي به‬
‫ومع ذلك لم يلق رايه هذا أية استجابة من طرف القضاء كما لم يلق أي تكريس من طرف‬
‫المشرع ن فيمكن إذن كقاعدة عامة مواصلة التأكيد على أن رفض تنفيذ االحكام ال يشكل‬
‫خطا شخصيا في حد ذاته‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬دعوى الحلول الناجمة عن إارار المسؤولية الشخصية‬


‫للموظف العمومي‬

‫من المعلوم أن المسؤولية القانونية كمبدأ عام هي مسؤولية شخصية‪ ،‬بمعنى أنها ال‬
‫تتعدى شخص مرتكب الفعل الضار إال في بعض الحاالت االستثنائية‪ ،‬أي في حاالت‬
‫المسؤولية عن فعل الغير‪ ،‬وذلك ما حدده الفصل ‪ 19‬من قانون االلتزامات والعقود الذي‬
‫صرح بما يلي‪ " :‬كل شخص مسؤول عن الضرر المعنوي أو المادي الذي أحدثه‪".‬‬

‫ومن ثم فان طلب اإلحالل في األداء ال يفهم منه اإلحالل في المسؤولية‪ ،‬ولكنه إحالل‬
‫في تحمل تبعات هذه المسؤولية مع بقائها عالقة بشخص مرتكب الفعل الخاطئ وذلك لوجود‬
‫سبب من أسباب الحلول‪ ،‬فتحميل المسؤولية لجهة معينة معناه مخاطبتها بالدعوى مخاطبة‬
‫شخصية يترتب عنها قيام الخصومة بين المسؤول عن الضرر وبين المتضرر‪.‬‬

‫ومن تم ال ي جوز القول بإمكانية إحالل الغير في تحمل هذه المسؤولية‪ ،‬فإما أن تنفي‬
‫المسؤولية عن الطرف الذي خاصمه المدعي أو نقررها في حقه‪ ،‬ثم بعد ذلك حينما نريد أن‬

‫‪161‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫نحمله تبعاتها وآثارها ونتائجها‪ ،‬نبحث عما إذا كانت هناك أسباب تجيز إحالل الغير في‬
‫تحمل هذه النتائج‪.‬‬

‫ولعل هذا التمييز هو تمييز جوهري وأساسي‪ ،‬ذلك أن تحميل المسؤولية لطرف معناه‬
‫أنه يظل المسؤول عن توابعها ونتائجها‪ ،‬وأن الذي حل محله في األداء يظل له الحق في‬
‫استرداد ما دفعه‪.‬‬

‫ومن خالل ذلك يتضح أن دعوى الحلول ذات طابع خاص ال تتهيأ شروطها إال إن‬
‫ثبت إعسار المسؤول األصلي وتعذر استيفاء الحق منه‪.‬‬

‫ومن خالل رصد العمل القضائي في هذا الباب يمكن القول أنه استقر على التنصيص‬
‫على أن دعاوى الحلول تظل من اختصاص القضاء العادي وليس من اختصاص القضاء‬
‫اإلداري وإن كانت هذه األخيرة مقدمة ضد الدولة ألنها ال تدخل ضمن نطاق المادة ‪ 9‬من‬
‫القانون ‪ ،03-31‬وهذا ما تم التأكيد عليه على سبيل المثال في القرار عدد ‪ 3150‬المؤرخ‬
‫في ‪ 3339/33/33‬في الملف عدد ‪( 39/3/5/533‬غير منشور) والذي جاء فيه ما يلي‪:‬‬

‫" وحيث إن المشرع إذا كان قد فسح المجال أمام المتضرر في هذه الحالة بالرجوع‬
‫على الدولة في حالة إعسار الموظف المحكوم عليه شخصيا بأداء التعويض فإن ذلك ال‬
‫يدخل بتاتا في إطار التعويض عن األضرار الناتجة عن نشاطات أشخاص القانون العام‬
‫طبقا لما ورد في الفصل ‪ 9‬من القانون ‪ 03-31‬وذلك في إطار دعوى الحلول لضمان‬
‫حقوق المتضرر (‪ )...‬الشيء الذي يعني أن دعوى الحلول المقامة ضد الدولة تظل من‬
‫اختصاص المحاكم العادية‪ ،‬الشيء الذي يستتبع إلغاء الحكم المستأنف"‪.‬‬

‫وكيفما كانت األهمية القانونية لهذه الحلول فإنها ‪ -‬كما يقول ‪– Rivero et Waline‬‬
‫فإنها ال تجد طريقها نحو التطبيق العملي إال نادرا‪ ،‬فالدولة قلما تقيم ضد أعوانها دعوى‬
‫الرجوع التي وضعها المشرع المغربي رهن إشارتها في حين كرسها القضاء اإلداري الفرنسي‬
‫لغياب نص قانوني يؤسس للمسؤولية المرفقية والشخصية للموظف من أساسه وذلك ألجل‬

‫‪162‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫استرداد المبالغ التي تكون قد أدتها الدولة لضحية خطأ شخصي‪ ،‬مما يظل معه انعدام‬
‫‪1‬‬
‫مسؤولية الموظفين العموميين الشخصية هو السائد تقريبا في واقع األمر‪.‬‬

‫وتجدر اإلشارة أنه إذا كانت هذه المالحظة قد تناولها الفقه الفرنسي‪ ،‬فإنها تبرز أيضا‬
‫في توجهاتنا القضائية رغم أن الفصل ‪ 91‬من قانون االلتزامات والعقود إن كان يؤسس‬
‫للمسؤولية الشخصية للموظف‪ ،‬فإن القضاء اإلداري والعتبارات متعددة يصرح في الغالب‬
‫األعم عند تحقق صور الخطأ الشخصي بثبوت المسؤولية المرفقية مع ذلك بعلة أن الموظف‬
‫الذي ارتكب ذلك الخطأ الشخصي تتحمل اإلدارة مسؤولية اختياره وبالتالي كان عليها أن‬
‫تتحمل تبعات أفعاله حتى ما ارتقى منها إلى الخطأ الجسيم‪ .‬ومن أمثلة ذلك الحكم عدد‬
‫‪ 911‬الصادر عن المحكمة اإلدارية بأكادير بتاريخ ‪ 33‬شتنبر ‪ 1131‬في الملف عدد‬
‫‪ 1131/111‬ش والذي جاء في حيثياته ما يلي‪:‬‬

‫"و حيث إن علم الجهة الطبية المشغلة للطبيب المدعى عليه عبد الله أسوار بتصرفاته‬
‫و بالطبيعة الغالبة على مآل أغلب العمليات الجراحية للتوليد التي يقوم بها داخل مستشفى‬
‫الحسن األول بتزنيت دون القيام بما يلزم للحد من تصرفاته المؤدية لحين الكتاب الذي وافى‬
‫به المندوب اإلقليمي وزير الصحة العمومية إلى وفاة ‪ 31‬حالة من أصل ‪ 15‬حالة أشرف‬
‫عليها الطبيب المدعى عليه بسبب النزيف او التعفن‪ ،‬يجعل هذه الجهة المرفقية والدولة‬
‫المغربية معها متحملة بموجب مقتضيات المادة ‪ 13‬من قانون االلتزامات والعقود المذكور‬
‫أعاله‪ ،‬للمسؤولية عن االضرار الناجمة مباشرة على تسيير إدارتها الصحية وعن االخطاء‬
‫المصلحية الخطيرة كما ذكر أعاله للطبيب المدعى عليه و الطاقم الطبي للمستشفى قبل‬
‫أثناء و بعد العملية القيصرية ه ي عن االضرار الناجمة مباشرة على تسيير إدارتها الصحية‬
‫وعن االخطاء المصلحية الخطيرة كما ذكر أعاله للطبيب المدعى عليه والطاقم الطبي‬
‫للمستشفى قبل أثناء و بعد العملية القيصرية هي عن االضرار الناجمة مباشرة على تسيير‬
‫إدارتها الصحية و عن االخطاء المصلحية الخطيرة كما ذكر أعاله للطبيب المدعى عليه"‪.‬‬

‫‪1‬عمم مجلس الدولة تطبيق مبادیء قرار ‪ Mimeur‬على حالة األخطاء الشخصية التي يرتكبها رجال الشرطة والعسكريون ورجال الجمارك خارج‬
‫المرفق معتب ار الوسائل الموضوعة رهن إشارة هؤالء من طرف المرفق‪ ،‬خاصة منها األسلحة هي التي تسهل ارتكابهم لتلك األخطاء‪ ،‬وهكذا قرر مثال‬
‫أن وفاة شرطي من جراء رصاصة انطلقت من مسدس كان يتالعب به زميل له برعونة وفي داخل غرفتهما المشتركة ال يمكن اعتبارها إال مرتبطة‬
‫بالمرفق‪.‬‬

‫‪163‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫كما أن من ضمن االعتبارات أيضا التي قد يستحضرها القضاء اإلداري المغربي لنفي‬
‫المسؤولية الشخصية لالعتبارات الشخصية للمضرور من أجل تمكينه من الحصول على‬
‫التعويض أمام صعوبة التنفيذ على مرتكب الفعل الضار من ماله الخاص واضط ارره لمباشرة‬
‫مجموعة من اإلجراءات حتى يتمكن من طلب إحالل الدولة محل الموظف المعسر في‬
‫األداء‪.‬‬

‫ويفترض تطبيق الفصل ‪ 91‬من قانون االلتزامات والعقود توافر شرط اإلعسار‪.‬‬

‫ويثبت اإلعسار باإلشهار من خالل حكم قضائي ما دام أن األمر يتعلق بتحديد مركز‬
‫قانوني له ‪1‬آثاره وأحكامه‪.‬‬

‫وإذا كان إشهار اإلعسار ال يكون إال بحكم قضائي‪ ،‬فإن إثبات اإلعسار ال يكون‬
‫بمجرد اإلدالء بمحضر االمتناع عن التنفيذ بل ال بد من مباشرة البحث عن ممتلكات‬
‫المحكوم عليه المنقولة والعقارية وإثبات وجودها بشواهد صادرة عن الجهات اإلدارية‬
‫المختصة‪.‬‬

‫ويتأكد ذلك أيضا من خالل استعراض مقتضيات المادة ‪ 115‬من قانون المسطرة‬
‫الجنائية التي تناولت كيفية إثبات العسر والتي جاء فيها ما يلي‪:‬‬

‫"‪...‬على المحكوم عليه الذي يدلي إلثبات عسره بشهادة عوز يسلمها له الوالي أو‬
‫العامل أو من ينوب عنه وبشهادة عدم الخضوع للضريبة تسلمها مصلحة الضرائب بموطن‬
‫المحكوم عليه"‪.‬‬

‫وحيث إن ما يؤكد كون إشهار اإلعسار وإثباته يكون بواسطة حكم قضائي ما ساقه الفقه عند قراءته في القانون المقارن ونقصد بذلك ما تضمنه‬ ‫‪1‬‬

‫مؤلف األستاذ شكري السباعي "الوسيط في القانون التجاري المغربي والمقارن – الجزء الرابع ‪ "-‬وعند تمييزه بين نظام اإلعسار واإلفالس ص‪11 .‬‬
‫إذ جاء ما يلي‪" :‬وإذا كان نظام اإلعسار المدني (‪ )...‬ينقسم بدوره إلى إعسار قانوني وهو الذي ينظمه القانون‪ ،‬وينتج عن حكم يصدر في دعوى‬
‫رائجة (‪ )....‬وإعسار فعلي أو واقعي"‪ .‬وحيث إن المشرع المغربي وإن لم يكن قد أثار صراحة كنظيره المصري (المادة ‪ 151‬من التقنين المدني‬
‫المصري) إلى أن إشهار اإلعسار يكون بحكم قضائي فإن القراءة في نصوص قانون االلتزامات والعقود المنظمة آلثار اإلعسار تجعلنا نالحظ‬
‫اإلشارة الضمنية فيها إلى هذا المقتضى حينما تركت لل قاضي سلطة في تحديد مركز المدين من أجل تحديد مدى عجزه تام عن الوفاء بها مستقبال‬
‫وأجازت إمكانية منحه بناء على ذلك أجال للوفاء (الفصل ‪ 101‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪).‬‬

‫‪164‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وهذا ما أكده المجلس األعلى (محكمة النقض حاليا) في العديد من ق ارراته ومنها على‬
‫سبيل المثال ال الحصر القرار عدد ‪ 1591‬المؤرخ في ‪ 1111/33/13‬والصادر في الملف‬
‫المدني عدد ‪ 1111/5/3/3190‬والذي جاء فيه ما يلي‪:‬‬

‫" لكن لئن كانت مقتضيات الفقرة الخامسة من الفصل ‪ 13‬من ظهير ‪3315/15/10‬‬
‫ال تجيز رفع الدعاوى بشأن التعويضات ضد صندوق التأمينات إال إذا بحث المدعي عن‬
‫أمالك الموثق المسؤول بقصد بيعها وكان عجزه أو عجز نوابه ثابتا وذلك تحت طائلة عدم‬
‫قبولها‪ ،‬فإن المطلوب في النقض لما أرفق مقاله بشهادة صادرة عن المحافظ العام تفيد أن‬
‫المدعى عليه الموثق ال يوجد ضمن الئحة مالكي العقارات المحفظة أو التي في طور‬
‫التحفيظ ومحضر عدم كفاية األشياء المحجوزة إثر صدور حكم ضده بأداء مبالغ مالية وذلك‬
‫إلثبات قيامه ببحث عن أمالكه‪ ،‬يكون بذلك قد احترم المقتضيات المحتج بها"‪.‬‬

‫الخاتمة‬

‫لعل الخال صة األساسية التي يمكن الخروج بها في خاتمة هذا المقال أن نظرية الخطأ‬
‫المرفقي كأساس للمسؤولية اإلدارية وان كان أساسها في تشريعنا نص قانوني فأنها تظل مع‬
‫ذلك ذات أصول قضائية ألن المشرع ترك المجال مفتوح للقضاء في أغلب نواحي هذه‬
‫المسؤولية‪ ،‬الذي كان له وال يزال الدور البارز في إرساء وتأصيل مختلف قواعد المسؤولية‬
‫اإلدارية‪.‬‬

‫لكن القضاء وهو يستعين بالنظريات التي أسس لها الفقه والقضاء المقارن لم يتمكن‬
‫من إيجاد معيار دقيق يميز لنا الخطأ المرفقي عن الخطأ الشخصي‪ ،‬ولذلك اختار ان يكيف‬
‫كل حالة على حدة وفق مختلف المعايير الفقهية‪.‬‬

‫غير أن المالحظ هو كون التوجهات القضائية التي تمكنا من رصدها تنحو نحو تغليب‬
‫المسؤولية اإلدارية على المسؤولية الشخصية للموظف رغم أن هناك نص قانوني ينظم‬
‫أساس هذه المسؤولية ورغم أن مصلحة المضرور في الحصول على تعويض تبقى مصونة‬
‫في اطار دعوى الحلول ‪.‬‬

‫‪165‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وهي وضعية من الضروري التفكير في الحد منها شريطة مراعاة التوازن ألنه يخشی ‪-‬‬
‫كما قال مفوض الحكومة الفرنسية السيد ‪ - Kahn‬من أن پنجم عن إضافة الجزاء المالي‬
‫الى الجزاءات التأديبية االدارية « شل روح المبادرة داخل المرافق العمومية ‪ ،‬وإخضاع إثارة‬
‫المسؤولية لمزاج الرؤساء وقصر فرض هذه المسؤولية على األعوان العموميين المرتبين في‬
‫أدنى السالليم اإلدارية دون رؤسائهم » ‪ .‬وبالمقابل فإن التطبيق الصارم لقواعد المسؤولية‬
‫المرفقية قد يؤدي الى تعطيل المبدأ الدستوري القاضي بربط المسؤولية بالمحاسبة‪.‬‬

‫ولعل الفرصة قد أضحت أكثر من سانحة لتعديل النصوص القانونية المنظمة‬


‫للمسؤولية اإلدارية والشخصية للموظف وكذا تعديل المادة الثامنة من القانون ‪03/31‬‬
‫المحدثة بموجبه محاكم إدارية من خالل ادماج دعاوى المسؤولية الشخصية للموظف في‬
‫اختصاص هذه المحاكم حتى تكون المسؤولية المترتبة عن تدبير المرفق العام في جميع‬
‫صورها ومظاهرها اكانت قوامها خطا شخصي يتحمله الموظف او خطا مرفقي من‬
‫اختصاص جهة قضائية واحدة وهو ما يؤدي الى إيصال الحقوق ألصحابها داخل أجل‬
‫معقول ويساهم في النجاعة القضائية واقتصاد الزمن القضائي ‪ ،‬كما يساهم في إمكانية تبني‬
‫التوجهات الحديثة في هذا المجال التي سمحت بالجمع بين المسؤوليتين وبين الخطأين ‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫أ‬
‫مسؤوليات المحافظ على االمالك العقارية‬
‫أ‬
‫من إعداد الستاذ عبد الرحيم ازغودي‪،‬‬
‫رئيس مصلحة القضايا المدنية للشمال‬
‫بالوكالة القضائية للمملكة‬
‫تقديم‬

‫مما ال شك فيه أن المحافظ على األمالك العقارية يعتبر الفاعل األساس في تفعيل‬
‫نظام التحفيظ العقاري‪ ،‬والمحرك الرئيس لضبط قواعد هذا النظام‪ ،‬وذلك باعتباره مسؤوال‬
‫إداريا أوكل إليه المشرع عدة مهام ووظائف؛ يتمثل أهمها في السهر على اإلجراءات اإلدارية‬
‫الرامية إلى التحفيظ‪ ،‬وتأسيس الرسوم العقارية‪ ،‬ثم السهر على مسك السجالت العقارية‬
‫وضبطها‪ ،‬وإجراء مختلف التقييدات والتشطيبات‪.‬‬

‫وتتعدد هذه الصالحيات وتتنوع بالنظر لتعدد وتشعب المهام المسندة إليه‪ ،‬بداية من‬
‫إيداع مطلب التحفيظ ومرو ار بمسطرة التحديد وتلقي التعرضات‪ ،‬ووصوال إلى تأسيس الرسم‬
‫العقاري أو رفض التحفيظ‪ ،‬وأكثر من ذلك‪ ،‬ال تتوقف مهام المحافظ عند حدود مسطرة‬
‫التحفيظ‪ ،‬وإنما تتعداها إلى مرحلة ما بعد تأسيس الرسم العقاري‪ ،‬ومباشرة مختلف التقييدات‬
‫والتشطيبات على الرسوم العقارية‪.1‬‬

‫ولذلك يعد المحافظ على األمالك العقارية حجز الزاوية في النظام العقاري المغربي‬
‫وركيزته األساسية حتى أضحى التحفيظ العقاري بالمغرب مقترنا باسمه وتحت مسؤوليته‪.2‬‬

‫وفي هذا اإلطار ينص الفصل ‪ 9‬من ظهير التحفيظ العقاري‪ ،‬كما تم تغييره وتتميمه‬
‫بالقانون رقم ‪114.07‬على أن المحافظ على األمالك العقارية يمسك السجل العقاري الخاص‬
‫بالدائرة الترابية التابعة لنفوذه‪ ،‬ويقوم باإلجراءات والمساطر المقررة في شأن التحفيظ العقاري‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫أنظر حول نفس المعنى‪ :‬عبد العالي الدقوقي‪ ،‬نظام التحفيظ العقاري بالمغرب بين النظرية والتطبيق‪ ،‬دراسة في االجتهاد القضائي واإلداري‪،‬‬
‫مطبعة النجاح الجديدة(‪ )CTP‬الدار البيضاء طبعة ‪ ، 2020 - 3003‬الصفحة ‪.240‬‬
‫‪ 2‬احمد أجعون‪ ،‬المنازعات العقارية بين المحاكم العادية والمحاكم اإلدارية مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 3011‬هجرية‪،‬‬
‫‪ 1135‬ميالدية‪ ،‬الصفحة ‪.39‬‬

‫‪167‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ولذلك فإن المحافظ على األمالك العقارية ليس مجرد موظف إداري يستقبل طلبات‬
‫التحفيظ ويعالجها وفق شكليات مسطرة التحفيظ‪ ،‬ويصدر بناء عليها ق ار ار يقضي بتحفيظ‬
‫العقار أو رفض تحفيظه‪ ،‬وإنما يعتبر سيد نفسه داخل مسطرة التحفيظ العقاري‪،2‬حيث تسعفه‬
‫سلطته التقديرية وصالحياته الواسعة في التقرير بدون ضغط أو توجيه في الطلبات الواردة‬
‫عليه‪ ،‬ويتمتع بسلطة خاصة تمكنه من أن يتحقق من كل عملية على حدة‪ ،‬قبل اتخاذ أي‬
‫قرار‪ ،‬ولكنه في مقابل ذلك‪ ،‬يتحمل مسؤوليات جسيمة‪ ،‬باعتباره المختص وحده‪ ،‬دون غيره‬
‫بالنظر في الحقوق التي يطلب تقييدها‪ ،‬مستوفية لكل الشروط التي يتطلبها القانون‪ ،‬سواء‬
‫من حيث الشكل أو من حيث الجوهر‪.3‬‬

‫ولقد جسد ظهير ‪ 12‬غشت ‪ 1913‬المتعلق بالتحفيظ العقاري‪ ،‬الصالحيات الواسعة‬


‫للمحافظ على األمالك العقارية لما جعل مسطرة التحفيظ إدارية في أصلها‪ ،‬واستثناء‬
‫قضائية‪ ،‬في حالة وجود تعرضات على مطالب التحفيظ على العقار الخاضع لمسطرة‬
‫التحفيظ‪ ،‬وأوكل القيام بالمسطرة اإلدارية إلى المحافظ على األمالك العقارية‪ ،‬بل إن هذا‬
‫األخير هو الجهة الوحيدة المسند إليه أمر قبول أو رفض التحفيظ‪ ،‬حتى في حالة عرض‬
‫النزاع على المحكمة بناء على التعرض‪ ،‬وذلك طبقا لمقتضيات الفصل ‪ 37‬من ظهير‬

‫الظهير الشريف الصادر في ‪9‬رمضان‪ 31( 1331‬غشت ‪ )1913‬المتعلق بالتحفيظ العقاري كما وقع تغييره وتتميمه بمقتضى القانون رقم ‪14‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 07‬المنفذ بمقتضى الظهير الشريف رقم ‪ 3.33.311‬الصادر في ‪ 25‬من ذي الحجة ‪22 ( 1432‬نونبر ‪ ،)2011‬منشور في الجريدة الرسمية عدد‬
‫‪ 5998‬بتاريخ ‪27‬من ذي الحجة ‪ 24(1432‬نونبر ‪.)2011‬‬
‫‪2‬‬
‫المحافظ على األمالك العقارية هو موظف عمومي‪ ،‬يعتبر كباقي الموظفين مسؤوال عن القيام بالمهام التي عهد إليه بها باعتباره مكلف بتسيير‬
‫مصلحة المحافظة على األمالك العقارية‪ ،‬ويعد مسؤوال أمام رؤسائه عن السلطة المخولة له لهذا الغرض وعن تنفيذ األوامر الرئاسية الصادرة إليه‪.‬‬
‫وفي هذا الصدد يخضع المحافظ للسلطة الرئاسية التي تعلوه مباشرة‪ ،‬مما يفرض عليه االنضباط لجميع األوامر الرئاسية الصادرة عن رئيسه المباشر‬
‫عندما يتعلق األمر بالق اررات التي تهم التسيير اإلداري حيث يتقيد بمختلف التوجيهات والتعليمات التي يتعين عليه احترامها تحت طائلة التعرض‬
‫للتأديب‪ .‬غير أن المحافظ على األمالك العقارية يتمتع باستقاللية في اتخاذ الق اررات المتعلقة بالملكية العقارية‪ ،‬وهي ق اررات يجب أن تظل بعيدا عن‬
‫ضغوط الرؤساء وفي منأى عن األوامر والتدخالت الصادرة عن السلطات العليا حتى يبقى المحافظ بهالته ومكانته الناتجة عن استقالليته وتحرده‬
‫بما يضمن لنظام التحفيظ العقاري الثقة والمصداقية اللتان تعدان مناط استم اررية هذا النظام وفعاليته؛ أنظر لمزيد من التفصيل حول هذا الموضوع‪:‬‬
‫أحمد أجعون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬الصفحات من ‪ 15‬حتى ‪.13‬‬
‫‪3‬‬
‫فيصل العموم‪ ،‬الملك الغابوي وصالحية المحافظ في إنهاء مطلب التحفيظ أو اإلحالة على محكمة التحفيظ‪ ،‬المجلة المغربية للدراسات القانونية‬
‫والقضائية‪ ،‬العدد ‪ 10‬ماي ‪ ،2014‬الصفحة ‪.139‬‬

‫‪168‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫التحفيظ العقاري‪ 1‬التي تنص على أن قرار قبول أو رفض مطلب التحفيظ يرجع إلى المحافظ‬
‫وحده دون غيره‪ ،‬مع خضوع ق ارراته في هذا المجال للمراقبة القضائية ‪.‬‬

‫وإذا كان المشرع المغربي قد أسند للمحافظ على األمالك العقارية مهاما متعددة‪،‬‬
‫وصالحيات واسعة في مجال التحفيظ العقاري‪ ،‬ومسك السجالت العقارية وضبطها‪ ،‬فإنه في‬
‫المقابل طوقه بمسؤوليات جسيمة‪ ،‬متعددة ومتنوعة‪ ،‬وذلك نظ ار ألهمية المهام المنوطة به‪،‬‬
‫والعواقب الوخيمة التي قد تترتب عن أي تقصير‪ ،‬أو تهاون‪ ،‬أو حتى إغفال قد يصدر عنه‬
‫أثناء مزاولة مهامه‪ ،‬والتي قد تصل إلى الحرمان من حق الملكية‪ ،‬أو إحدى الحقوق العينية‬
‫األخرى‪ ،‬وهي حقوق مقدسة ومحمية من قبل كل الشرائع السماوية‪ 2‬والقوانين الوضعية‪.3‬‬

‫وتأسيسا على ما سبق‪ ،‬ال تقف مسؤولية المحافظ على األمالك العقارية عند حدود‬
‫المسؤولية المدنية‪ ،4‬وإنما يمكن أن تكون مسؤولية جنائية تترتب عن ارتكاب فعل يجرمه‬
‫القانون الجنائي‪ ،‬كاألفعال المكونة لجرائم النصب أو االختالس أو التزوير أو الرشوة‪ .‬وقد‬
‫تكون هذه المسؤولية إدارية بناء على خطأ مصلحي أو مرفقي‪ ،‬كما قد تكون مسؤولية مالية‪،‬‬
‫باعتبار المحافظ على األمالك العقارية محاسبا عموميا‪ ،‬يتولى استخالص الرسوم المترتبة‬
‫عن عمليات التحفيظ والتقييد‪.5‬‬

‫‪1‬‬
‫تنص الفقرة الثانية من الفصل ‪ 37‬من ظهير التحفيظ العقاري على ما يلي‪ ":‬تبت المحكمة في وجود الحق المدعى فيه من قبل المتعرضين‬
‫وطبيعته ومشتمالته ونطاقه‪ ،‬وتحيل األطراف للعمل بقرارها‪ ،‬بعد اكتساب الحكم لقوة الشيء المقضي به على المحافظ على األمالك العقارية الذي‬
‫له وحده النظر في قبول أو رفض مطلب التحفيظ كال أو بعضا‪ ،‬مع االحتفاظ بحق الطعن المنصوص عليه في الفصل ‪ 37‬مكرر"‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫إن الملكية العقارية لها أهمية خاصة في حياة اإلنسان‪ ،‬ذلك أن هذا األخير جبل على حب تملك األرض( العقار)‪ ،‬والسعي إلى الحفاظ عليها‬
‫األرض‪ ،‬التي خصه بها الله سبحانه وتعالى‪ ،‬حيث يقول عز‬ ‫والدفاع عنها‪ ،‬بسبب ارتباطه الوثيق بها وبثرواتها‪ ،‬وهذا تأكيد لفكرة االستخالف في‬
‫يها فاستغفروه ثُ َّم توبوا ِإَل ْي ِه ۚ ِإ َّن‬ ‫ِ‬ ‫َنشأ ُ ِ‬
‫َكم م َن األرض واستعمركم ف َ‬ ‫أ َ‬ ‫ال يقوم أعبدوا ألله َما َل ُكم ِم ْن إله غيره ۖ ُه َو‬
‫اه ْم صلحا ۚ َق َ‬
‫َخ ُ‬
‫ود أ َ‬
‫من قائل‪ " :‬وإلى ثَ ُم َ‬
‫يب" ‪.‬صدق الله العظيم‪( ،‬سورة هود اآلية ‪.)11‬‬ ‫يب ُّم ِج ٌ‬
‫َربِى َق ِر ٌ‬
‫ينص الفصل ‪ 15‬من الدستور المغربي على ما يلي‪" :‬يضمن القانون حق الملكية‪".....‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪4‬‬
‫"تقوم المسؤولية العقدية على اإلخالل بالتزام عقدي يختلف باختالف ما اشتمل عليه العقد من التزامات‪ .‬والمسؤولية التقصيرية تقوم على اإلخالل‬
‫بالتزام قانوني ال يتغير‪ ،‬هو التزام بعدم اإل ضرار بالغير‪ .‬فالدائن والمدين في المسؤولية العقدية كانا مرتبطين بعقد قبل تحقق المسؤولية‪ .‬أما‬
‫المسؤولية التقصيرية‪ ،‬وقبل أن تتحقق‪ ،‬فقد كان المدين أجنبيا عن الدائن"‪.‬‬
‫عبد الرزاق أحمد السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون المدني‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬طبعة ‪ ،3310‬الصفحة ‪.901‬‬
‫مشار إليه من قبل األستاذ محمد كشبور‪ ،‬نظام التعاقد ونظريتا القوة القاهرة والظروف الطارئة (دراسة مقارنة من وحي حرب الخليج) مطبعة النجاح‬
‫الجديدة‪ -‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،3331-3031‬الصفحة ‪.30‬‬
‫‪5‬‬
‫ينص الفصل ‪ 0‬من القرار الوزيري المؤرخ في ‪ 10‬يونيو ‪ 3335‬المتعلق بتنظيم مصلحة المحافظة العقارية‪ ،‬على أن المحافظين على األمالك‬
‫العقارية مكلفين بتصفية واستخالص الواجبات المستحقة لصندوق المحافظة العقارية عن مختلف اإلجراءات التي يطلبها منه القيام بها وذلك وفق‬
‫التعريفة المحددة بنص تنظيمي‪( .‬منشور في الجريدة الرسمية عدد ‪137‬بتاريخ ‪ 11‬يونيو )‪.3335‬‬

‫‪169‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ونظ ار لتعدد أنواع المسؤوليات التي يخضع لها المحافظ على األمالك العقارية‪ ،‬وتنوع‬
‫أحكام وقواعد كل مسؤولية على حدة‪ ،‬واختالفها عن بعضها البعض‪ ،‬ونظ ار لعدم إمكانية‬
‫الخوض في كل هذه األحكام والقواعد ومناقشتها في مقال واحد‪ ،‬فإن الموضوع الذي سوف‬
‫نخوض في بعض جوانبه أكثر ارتباطا بمسؤولية المحافظ التقصيرية‪ 1‬منه من باقي‬
‫المسؤوليات وبالتالي سنبحث عن اإلشكاالت التي تثيرها النصوص القانونية المتعلقة‬
‫بالمسؤولية التقصيرية للمحافظ على األمالك العقارية‪ ،‬المؤطرة بالمقتضيات العامة الواردة في‬
‫قانون االلتزامات والعقود (المبحث األول )‪،‬قبل أن نتناول البحث في مسؤولية المحافظ على‬
‫األمالك العقارية وفقا لقانون التحفيظ العقاري (المبحث الثاني)‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬مسؤولية المحافظ على األمالك العقارية وفقا لمقتضيات‬


‫اانون االلتزامات والعقود (القواعد العامة)‬

‫لعل أهم قرار يتخذه المحافظ على األمالك العقارية هو قرار التحفيظ‪ ،‬الذي ينفرد بأثره‬
‫التطهيري‪ 2‬للعقار من الحقوق والتحمالت التي لم تظهر‪ ،‬ولم تضمن في السجالت العقارية‬
‫إبان تحفيظه‪ .‬وتأسيسا على هذا األثر التطهيري‪ ،‬لم يسمح المشرع المغربي بإقامة دعوى في‬
‫العقار بسبب حق وقع اإلضرار به من جراء التحفيظ‪ .3‬ولقد نص الفصالن ‪ 3‬و‪ 11‬من‬
‫ظهير التحفيظ العقاري‪ ،‬كما تم تغييره وتتميمه بمقتضى القانون رقم ‪ ،430.11‬على هذه‬

‫وتجعل مهمة تصفية واستخالص الرسوم على األمالك العقارية من المحافظ آم ار باالستخالص‪ ،‬وفي نفس الوقت محاسبا عموميا يقوم باستخالص‬
‫الموارد العمومية ومتابعتها شخصيا‪ .‬ومعلوم أن القرار الوزيري يقابله حاليا مصطلح مرسوم الذي يصدر عن رئيس الحكومة‪ ،‬وهو يختلف عن القرار‬
‫الوزاري الذي يصدره وزير في الحكومة‪ .‬الملكي الحسين بن عبد السالم‪ ،‬األنظمة القانونية لتدبير األمالك الغابوية وشبهها‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى ‪ ،1131‬الصفحة ‪.11‬‬
‫يعتبر الفصل ‪ 77‬من قانون االلتزامات والعقود هو األساس ا لقانوني للمسؤولية التقصيرية التي تعتبر جزءا من المسؤولية المدنية حيث ينص على‬ ‫‪1‬‬

‫ما يلي‪ " :‬كل فعل ارتكبه اإلنسان عن بينة واختيار‪ ،‬ومن غير أن يسمح بله القانون‪ ،‬فأحدث ضر ار ماديا أو معنويا للغير‪ ،‬ألزم مرتكبه بتعويض هذا‬
‫الضرر‪ ،‬إذا ثبت أن ذلك الفعل هو السبب المباشر في حصول الضرر‪ "....‬وتخضع مسؤولية المحافظ على األمالك العقارية لعدة مقتضيات‬
‫قانونية عامة تتمثل في مقتضيات الفصلين ‪79‬و‪ 91‬من قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬كما تخضع لمقتضيات خاصة منصوص عليها في ظهير‬
‫التحفيظ العقاري ال سيما مقتضيات الفصل ين ‪ 11‬و‪ 97‬منه‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫للتوسع في مفهوم التطهير‪ ،‬يراجع مؤلف‪ :‬عبد الرحيم ازغودي‪ ،‬الملك الغابوي في المغرب بين إكراهات التدبير اإلداري وواقع الحماية القضائية‪،‬‬
‫مطبعة المعارف الجديدة – الرباط‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،1111‬الناشر‪ :‬المجلة المغربية لألنظمة القانونية والسياسية‪ ،‬العدد ‪ ،33‬الصفحة ‪.333‬‬
‫‪3‬‬
‫هشام بصري‪ :‬مكامن الخلل في مجال الحماية القانونية للمحافظ العقاري‪ ،‬مقال منشور في‪ :‬مجلة العلوم القانونية‪ ،‬سلسلة فقه القضاء العقاري‪،‬‬
‫العدد األول ‪ 1130‬المخصص لمستجدات قانون التحفيظ العقاري بين النص القانوني والعمل القضائي الصفحة ‪.113‬‬
‫‪ 4‬ينص الفصل األول من ظهير التحفيظ العقاري كما تم تغييره وتتميمه بالقانون ‪ 30.10‬على التحفيظ يرمي إلى جعل العقار المحفظ خاضعا‬
‫للنظام المقرر في هذا القانون‪ ،‬ويقصد منه تحفيظ العقار بعد إجراء مسطرة للتطهير يترتب عنها تأسيس رسم عقاري وبطالن ما عداه من الرسوم‪،‬‬

‫‪170‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫القاعدة‪ .1‬غير أن قاعدة التطهير ال تعني أن من حفظ الملك باسمه واكتسب نتيجة لذلك‬
‫حقوقا عينية في ملكية الغير‪ ،‬تبرئ ذمته من الحقوق التي اكتسبها في مواجهة أصحابها‪،‬‬
‫وإنما تبقى لهم حقوق شخصية‪ ،‬تتجلى في التعويض عن فقدان حقهم‪ ،‬يتحمله المالك أو‬
‫المحافظ ‪ ،‬حسب األحوال‪ ،2‬أو هما معا‪.‬‬

‫وفضال عن النصوص الواردة في ظهير التحفيظ العقاري‪ ،‬فقد نص المشرع المغربي‬


‫أيضا في الفصل ‪ 5‬من القرار الوزيري الصادر بتاريخ ‪ 10‬يونيو ‪ 3335‬حول تنظيم‬
‫مصلحة المحافظة العقارية‪ ،‬على مسؤولية المحافظ‪ ،‬حيث جاء فيه بأن مسؤولية المحافظين‬
‫منظمة بالفصلين ‪13‬و‪ 91‬من قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬إال في حالة االستثناء المنصوص‬
‫عليها في الفصل ‪ 31‬من ظهير التحفيظ العقاري‪ .‬كما أن هذا الفصل األخير الذي تم‬
‫تتميمه بالقانون ‪ ،03.11‬نص في فقرته األخيرة على وجوب مراعاة مقتضيات هذين‬
‫الفصلين‪ ،‬ولذلك يبقى المحافظ على األمالك العقارية خاضعا‪ ،‬مثله مثل باقي الموظفين‬
‫العموميين‪ ،‬لمقتضيات الفصلين ‪ 13‬و‪ 91‬من قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬مع وجود بعض‬
‫الخصوصيات التي تنفرد بها أحكام مسؤولية المحافظ على األمالك العقارية‪.‬‬

‫وبالرجوع إلى هذين الفصلين يتبين أنهما يميزان بين األخطاء المرفقية واألخطاء‬
‫الشخصية للموظف العمومي‪ ،‬وهذا ما ينطبق أيضا على المحافظ على األمالك العقارية‪،‬‬

‫وتطهير الملك من جميع الحقوق الس الفة غير المضمنة فيه‪ .‬كما ينص الفصل ‪ 11‬من نفس القانون على أن الرسم العقاري نهائي وال يقبل الطعن‪،‬‬
‫ويعتبر نقطة االنطالقة الوحيدة للحقوق العينية والتحمالت العقارية المترتبة على العقار وقت تحفيظه‪ ،‬دون ما عداها من الحقوق غير المقيدة‪.‬‬
‫‪ 1‬لقد ظل القضاء المغربي يطب ق مبدأ التطهير بصفة مطلقة‪ ،‬على جميع األشخاص الذين لم يتعرضوا على مطالب التحفيظ‪ ،‬حتى وإن اكتسبوا‬
‫الحقوق موضوع طلب التحفيظ أثناء سريان مسطرة التحفيظ‪ ،‬على الرغم من مطالبة الكثير من الباحثين والمهتمين بالمجال الحقوقي بضرورة‬
‫التلطيف من هذه القاعدة‪ ،‬واستثناء تطب يقها على الخلف الخاص لحماية حقوقه‪ .‬ولقد استجابت محكمة النقض أخي ار لهذه الدعوات حيث أصدرت‬
‫ق ار ار هاما بجميع غرفه‪ ،‬يشكل مرجعا قضائيا هاما ويعتبر تحوال واضحا في موقفها من قاعدة التطهير‪ ،‬حيث استثنت الخلف الخاص من قاعدة‬
‫التطهير‪ ،‬ولو بشروط معينة‪ .‬حيث يتبين من ق ارءة التعليل التي استندت عليه محكمة النقض أن إقرارها لهذت االستثناء لم يرد بصفة مطلقة وإنما‬
‫مقيد بشروط؛ ويتعلق األمر بالقرار عدد ‪ 3/393‬المؤرخ في ‪ 1111/11/11‬والصادر عن محكمة النقض في الملف عدد ‪،1139/1/3/111‬‬
‫والذي من بين ما جاء في تعليالته ما يلي‪...":‬إن عدم ت مكن المفوت له ‪.....‬من تسجيل رسم المعاوضة ال يجيز للمطلوبة والحال أنها ال تنازع في‬
‫هذه المعاوضة التي استفادت نمنها أن تحول دون تمكين من تعاوض معها بالعقار موضوع النزاع بعدما قام بحيازته وبنائه والتصرف فيه وأن‬
‫تمتنع من تقييد المعاوضة بالرسم العقاري‪ ،‬كما ال يحق لها التمسك بمبدأ التطهير بشأن تصرف أجرته في مرحلة التحفيظ التي أحاطها المشرع‬
‫بخصوصية غايتها حماية حقوق من تلقى الحق عنها ‪ ،‬وتبعا لذلك فإن المعاوضة تسري في حقها وتلزمها‪ ،‬ويمكن تقييدها باسم المتعاوض بالرسم‬
‫العقاري‪ ،‬وخلفه الطاعنين‪ ،‬استنادا إلى مبدأ تسلسل التقييدات وتحيين الرسوم العقارية‪".‬‬
‫‪ 2‬محمد الكشبور‪ ،‬التطهير الناتج عن تحفيظ العقار‪ ،‬تطور القضاء المغربي‪ ،‬قراءة في قرار المجلس األعلى الصادر بتاريخ ‪ 13‬دجنبر ‪،3333‬‬
‫سلسلة الدراسات القانونية المعاصرة ‪ 9‬الطبعة األولى ‪3011-1115‬؛ التطهير الناتج عن تحفيظ العقار‪ ،‬تطور القضاء المغربي‪ ،‬قراءة في قرار‬
‫المجلس األعلى الصادر بتاريخ ‪ 13‬دجنبر ‪ ،3333‬سلسلة الدراسات القانونية المعاصرة ‪ ،9‬الطبعة األولى ‪ ،3011 -1115‬الصفحة ‪.01‬‬

‫‪171‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫غير أن ت طبيق مقتضياتهما على أرض الواقع‪ ،‬أبان عن صعوبة في التمييز بين الخطأين‪،‬‬
‫ومع ذلك يمكن استخراج بعض العناصر التي تميز كل خطأ على حدة‪ ،‬وهذا ما سنتناوله‬
‫في مطالب ثالثة كما يلي‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬التمييز لين الخطأ المرفقي والخطأ الشخصي للمحافظ على‬
‫األمالك العقارية‬

‫من المعلوم أن مقتضيات الفصلين ‪ 13‬و‪ 91‬من قانون االلتزامات والعقود اللذين‬
‫ينظمان الخطأ المرفقي والخطأ الشخصي للموظف‪ ،‬هما األساس القانوني لمسؤولية المحافظ‬
‫على األمالك العقارية في نطاق القواعد العامة؛‬

‫غير أن اإلشكال الذي أثير بخصوص الفصلين المذكورين‪ ،‬هو صعوبة التمييز بين‬
‫األخطاء اإلدارية‪ ،‬أي األخطاء الناجمة عن سير اإلدارة أو ما يصطلح عليه باألخطاء‬
‫المصلحية أو المرفقية‪ ،‬وبين األخطاء الشخصية للموظفين أو المستخدمين‪ ،‬وهي األخطاء‬
‫الجسيمة أو العمدية المرتكبة أثناء ممارسة الوظيفة‪.‬‬

‫و مما ال شك فيه أن القاضي يلعب دو ار هاما في التمييز بين الخطأين‪ ،‬إذ هو الذي‬
‫يكيف الوقائع المعروضة عليه من قبل المتقاضين في إطارها القانوني السليم والمناسب‪،‬‬
‫ولذلك فإن المحكمة ال تلزم بتتبع الخصوم في مناحي أقوالهم‪ ،1‬وإنما يكتفي هؤالء بعرض‬
‫الوقائع وتقديم الملتمسات‪ ،‬على أن يقوم القاضي بتطبيق النص القانوني المالئم‪ ،‬وفقا لما‬
‫تنص عليه مقتضيات الفصل ‪ 1‬من قانون المسطرة المدنية‪ ،2‬وإذا تعلق األمر بخطأ مرتكب‬
‫من قبل موظف أو مستخدم‪3‬أثناء مزاولة مهامه أو وظيفته‪ ،‬تكون المحكمة ملزمة بالتمييز‬

‫‪1‬‬
‫جاء في القرار عدد ‪ 5169‬الصادر عن محكمة النقض بتاريخ ‪ 20‬نونبر ‪ 2012‬في الملف المدني عدد ‪ 2011/8/1/3144‬مل يلي‪" :‬إن‬
‫المحكمة قد ردت على دفوع الطاعنة المشار إليها في السبب األول أعاله سواء بتبنيها لتعليالت الحكم االبتدائي الذي أيدته أو حين عللت قرارها بما‬
‫جاء في السبب المذكور‪ ،‬وأن المحكمة غير ملزمة بتتبع األطراف في جميع مناحي أقوالهم التي ال تأثير لها على قضائها"‪.‬‬
‫تنص المادة ‪ 3‬من قانون المسطرة المدنية على ما يلي‪" :‬يتعين على القاضي أن يبت في حدود طلبات األطراف وال يسوغ له أن يغير تلقائيا‬ ‫‪2‬‬

‫موضوع أو سبب هذه الطلبات ويبت دائما طبقا للقوانين المطبقة على النازلة‪ ،‬ولو لم يطلب األطراف ذلك بصفة صريحة"‪.‬‬
‫يعرف القانون المغربي الموظف العمومي في الفصل الثاني من قانون الوظيفة العمومية بأنه‪" :‬يعد موظفا كل شخص يعين في وظيفة قارة ويرسم‬ ‫‪3‬‬

‫في إحدى رتب السلم الخاص بأسالك اإلدارة التابعة للدولة"‪(.‬الظهير الشريف رقم ‪ 3.59.119‬بتاريخ ‪ 0‬شعبان ‪ 10( 3111‬فبراير ‪ )3359‬بشأن‬
‫النظام األساسي العام للوظيفة العمومية‪ ،‬منشور في الجريدة الرسمية عدد ‪ 1111‬وتاريخ ‪ 13‬رمضان ‪ 33(3111‬أبريل ‪)3359‬؛ أما الفصل الثاني‬

‫‪172‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫بين الخطأ المرفقي أو المصلحي‪ 1‬الذي تتحمل تبعاته الدولة أو المؤسسة العمومية التي‬
‫ينتمي إليها الموظف أو المستخدم المرتكب للخطأ‪ ،‬وبين أخطاء هؤالء الشخصية التي‬
‫يتحملون تبعاتها شخصيا‪ ،‬وال تحل الدولة أو المؤسسة العمومية محلهم في األداء‪ ،‬إال إذا‬
‫ثبت عسرهم‪.‬‬

‫وإذا كان التمييز بين الخطأ المرفقي والخطأ الشخصي للموظف يعتبر من األمور‬
‫الصعبة‪ ،‬فإنه في مجال التحفيظ يكون أكثر صعوبة وتعقيدا‪ ،‬نظ ار لتداخل العناصر المحددة‬
‫للخطأين‪ ،‬ولخطورة النتائج المترتبة عن األخطاء المرتكبة من قبل المحافظ على األمالك‬
‫العقارية‪ ،‬وجسامة األضرار التي تلحق المتضررين بسبب هذه األخطاء‪ ،‬التي قد تبدو عادية‬
‫في مظهرها لكنها تصبح جسيمة في نتائجها وعواقبها‪ ،‬بحيث تؤدي غالبا إلى حرمان‬
‫المتضررين من ممتلكاتهم العقارية أو حقوقهم العينية‪ .‬ومع ذلك حاول الفقه والعمل القضائي‬
‫أن يضعا معايير للتمييز بين الخطأين‪ ،‬وهذا ما سنناقشه فيما يلي‪:‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الخطأ المصلحي أو المرفقي للمحافظ على األمالك العقارية‬

‫لقد لعب القضاء اإلداري الفرنسي دو ار هاما في تأسيس المسؤولية اإلدارية‪ ،‬ويعتبر‬
‫قرار "بالنكو" الصادر عن محكمة التنازع الفرنسية أهم منطلق لالجتهاد القضائي في تطور‬

‫من النظام األساسي لمستخدمي الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية فينص على ما يلي‪ " :‬يتكون مستخدمو الوكالة‬
‫الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية من‪:‬‬
‫‪-‬األعوان النظامين؛ متمرنين ومرسمين؛‬
‫‪-‬موظفي اإلدارات العمومية أو الجماعات الترابية ومستخدمي المؤسسات والمنشآت العمومية الملحقين لدى الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية‬
‫والمسح العقاري والخرائطية؛‬
‫‪-‬األعوان المتعاقدين‪".‬‬
‫وينص الفصل ‪ 1‬من نفس النظام األساسي على أنه تسري مقتضيات ظهير ‪ 10‬فبراير ‪ 3359‬بمثابة النظام األساسي العام للوظيفة العمومية على‬
‫موظفي إدارة المحافظة على األمالك العقارية والمسح العقاري والخرائطية غير الراغبين في الخضوع لمقتضيات هذا النظام األساسي‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫قضى المجلس األعلى ( محكمة النقض حاليا) في القرار الصادرة في ‪ 31‬شتنبر ‪ 3393‬بأنه يعتبر غير مرتكز على أساس ومنعدم التعليل‬
‫الحكم الذي لم يميز بين الخطأين ‪ ،‬واعتبر أن المحكمة ملزمة بتكييف الدعوى حسب الوقائع الثابتة أمامها‪ ،‬وتطبق عليها النص الواجب التطبيق‪،‬‬
‫مما كان عليها أن تبحث وتميز بين ما إذا كان ما صدر عن الموظف بصفته أحد مستخدمي اإلدارة‪ ،‬هل هو خطأ مصلحي بالمعنى المنصوص‬
‫عليه في الفصل ‪ 79‬من قانون االلتزامات والعقود فتقضي بمسؤولية الدولة أم أنه خطأ شخصي ال عالقة له إطالقا بعمله اإلداري‪ ،‬فتقضي بعدم‬
‫مسؤولية الدولة وتبت في الدعوى في مواجهة الموظف أو المستخدم ‪.‬‬

‫‪173‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫فكرة مساءلة الدولة‪ ،‬بحيث إن من أهم الضوابط التي سطرها هذا القرار‪ ،‬هو اإلقرار بأن‬
‫قواعد القانون الخاص ال مجال لتطبيقها على المسؤولية اإلدارية‪.1‬‬
‫وإذا كانت المسؤولية اإلدارية في فرنسا منشؤها القضاء‪ ،‬فإن المشرع المغربي‪ ،‬وعلى‬
‫العكس من ذلك‪ ،‬قنن هذا النوع من المسؤولية في الفصل ‪ 13‬من قانون االلتزامات والعقود‪.‬‬
‫ومما ال شك فيه أن أحكام المادة ‪ 13‬من قانون االلتزامات والعقود يخضع لها المحافظ‬
‫على األمالك العقارية‪ ،‬باعتباره "موظفا عموميا" يقوم بأعمال ويمارس مهاما تدخل في إطار‬
‫تسيير مرفق عمومي‪ ،‬وبالتالي تكون "الدولة" أو باألحرى الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية‬
‫والمسح العقاري والخرائطية مسؤولة‪ ،‬حسب مقتضيات هذا الفصل‪ ،‬عن أخطاء التسيير التي‬
‫قد يرتكبها المحافظ على األمالك العقارية‪.‬‬
‫لكن‪ ،‬ما هي األخطاء التي يمكن أن يرتكبها المحافظ على األمالك العقارية والتي‬
‫يمكن أن تكتسب صبغة األخطاء المصلحية والتي تبقى مسؤولية التعويض عن الضرر‬
‫الناتج عنها على عاتق الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية؟‬
‫سبقت اإلشارة إلى صعوبة التمييز بين الخطأ المرفقي والخطأ الشخصي للمحافظ على‬
‫األمالك العقارية‪ ،‬وفي هذا الصدد حاول العمل القضائي أن يضع معايير للتمييز بين‬
‫الخطأين‪ ،‬وإن كانت المحاكم المغربية لم تستطع أن تجد تعريفا موحدا للخطأ الجسيم؛‬
‫فالبعض منها اعتبر سلوك الموظف الذي ال يقوم على الدرجة الوسطى من الفطنة والتبصر‪،‬‬
‫ويتجاوز عمله الحدود القانونية‪ ،‬وينساق وراء أهوائه الشخصية إلى درجة تجعل الموظف‬
‫منفصال عن واجبات وظيفته‪ ،‬من قبيل األخطاء الجسيمة يستوجب مساءلة الموظف‬
‫شخصيا‪ . 2‬أما الخطأ المرفقي فهو الذي ينسب لإلدارة سواء تمثل الفعل الضار في تصرف‬
‫قانوني أو عمل إداري‪.3‬‬

‫‪1‬‬
‫التقرير السنوي للوكالة القضائية للمملكة لسنة ‪ ،1131‬الصفحة ‪.13‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد األعرج‪ ،‬مسؤولية الدولة والجماعات الترابية عن تطبيقات القضاء اإلداري المغربي‪ ،‬المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية‪ ،‬سلسلة مؤلفات‬
‫وأعمال جامعية‪ ،‬العدد ‪ ،33‬السنة ‪ ،1131‬الصفحة ‪.13‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد األعرج‪ ،‬نفس المرجع الصفحة ‪ . 49‬وهناك عدة نظريات فقهية حاولت التمييز بين الخطأ الشخصي والخطأ المصلحي منها مثال نظرية‬
‫الفيرفي ر الذي يعتبر أن الخطأ يعتبر شخصيا‪ ،‬إذا كان العمل الضار مطبوعا بطابع شخصي يكشف عن اإلنسان بضعفه وشهواته وعدم تبصره‪ ،‬أما‬
‫إذا كان العمل الضار غير مطبوع بطابع شخصي‪ ،‬ويظهر عن موقف عرضه للخطأ والصواب‪ ،‬فالخطأ يكون مصلحيا‪ .‬وكذلك نظرية هوريو الذي‬
‫يذهب إلى أن الخطأ يعتبر شخصيا إذا أمكن فصله عن الوظيفة‪ .....‬الخ‪ .‬عبد الكريم شهبون‪ ،‬الشافي في شرح قانون االلتزامات والعقود المغربي‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬الصفحة ‪.011‬‬

‫‪174‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وبناء عليه‪ ،‬يمكن اعتبار عدم التزام المحافظ بمراعاة إجراءات مسطرة التحفيظ من‬
‫األخطاء المصلحية؛ كإضاعة إحدى الوثائق المرافقة لمطلب التحفيظ‪ ،‬أو ضياع الوثائق‬
‫المودعة بالمحافظة العقارية‪ ،‬مما تسبب في عدم التشطيب على عقد البيع الذي طال عقار‬
‫المتضرر‪ ،‬والحصول مرة أخرى على نسخ تنفيذية من األحكام‪ ،‬الشيء الذي ترتب عنه‬
‫قيام‬ ‫تضرر صاحب الحقوق المضمنة في الوثيقة الضائعة‪ ،1‬كما يعتبر خطأ مرفقيا‬
‫المحافظ على األمالك العقارية بنشر ملخص طلب التحفيظ وإعالن عملية التحديد بالجريدة‬
‫الرسمية‪ ،‬ويهمل إرسال هذه الوثائق إلى الجهات اإلدارية األخرى المكلفة باإلشهار واإلعالم‪،‬‬
‫أو عدم إعارة االهتمام لمضمون الوثائق المعادة للمحافظة العقارية من لدن الجهات اإلدارية‬
‫المعنية‪ .2‬كما يعتبر خطأ مرفقيا أيضا التباطؤ في تسليم الرسم العقاري لصاحبه‪.3‬‬

‫ومن األخطاء المرفقية أيضا‪ ،‬تحفيظ ملك موضوع مطلب تحفيظ على الرغم من وجود‬
‫مطلب سابق له تعذر تحديده وتعذر على المحافظ اكتشافه؛ إذ يفترض أن تكون هناك‬
‫إجراءات تنظيمية دقيقة لتحديد مواقع جميع مطالب التحفيظ منذ اليوم األول إليداعها‪ ،‬وكل‬
‫شك في وجود تراكب لها مع أي مطلب آخر يجب التنبيه إليه‪.4‬‬

‫ومعلوم أن المسؤولية المرفقية تقوم على فكرة المخاطر‪ ،‬حيث تسأل الدولة حتى في‬
‫حالة عدم ارتكاب أي خطأ من طرف الموظف‪ ،‬وإنما يكفي أن يثبت الضرر والعالقة السببية‬
‫بينه وبين عمل الموظف العمومي‪ .‬وهذا ما كرسه العمل القضائي المغربي منذ أمد بعيد‪،‬‬
‫حيث جاء في قرار صادر عن المجلس األعلى (محكمة النقض) سنة ‪ 3331‬ما يلي‪" :‬إن‬
‫مسؤولية الدولة عن األضرار الناتجة عن تسيير إداراتها تكون قائمة ولو عند عدم ثبوت خطأ‬

‫‪1‬‬
‫قرار محكمة النقض عدد ‪ 011‬صادر بتاريخ ‪ 15‬أكتوبر ‪ 1111‬في الملف عدد ‪ ،1111 -0-3-131‬أشار إلى حيثياته‪ :‬عمر أزوكار‪،‬‬
‫التقييدات والتشطيبات في الرسم العقاري‪ ،‬في ضوء نوازل قضاء محكمة النقض ومحاكم الموضوع‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى ‪ ،1130-3011‬الصفحة ‪.151‬‬
‫‪ 2‬بوشعيب اإلدريسي‪ ،‬التطهير في نظام التحفيظ العقاري وفق القانون رقم ‪ ،30.11‬منشورات مجلة المنارة للدراسات القانونية واإلدارية‪ ،‬سلسلة‬
‫البحوث الجامعية‪ ،‬العدد ‪ ،1‬السنة ‪ ،1130‬الصفحة ‪.33‬‬
‫‪ 3‬قرار محكمة النقض عدد ‪ 3159‬صادر بتاريخ ‪ 15‬شتنبر ‪ 1131‬في الملف عدد ‪ ،1131- 3-3-0511‬أشار إلى حيثياته‪ :‬عمر أزوكار‪،‬‬
‫التقييدات والتشطيبات في الرسم العقاري‪ ،‬في ضوء نوازل قضاء محكمة النق ض ومحاكم الموضوع‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى ‪ ،1130-3011‬الصفحة ‪.159‬‬
‫‪ 4‬محمد خيري‪ ،‬ق اررات المحافظ بين االزدواجية في المسؤولية واالزدواجية في االختصاص‪ ،‬مداخلة في إطار ندوة وطنية تحت عنوان‪ :‬األنظمة‬
‫العقارية في المغرب‪ ،‬منظمة من طرف كلية الحقوق بجامعة القاضي عياض بمراكش يومي ‪5‬و‪ 1‬أبريل‪ ،2002‬المطبعة والوراقة الوطنية‪ ،‬مراكش‪،‬‬
‫السنة ‪ ،2003‬الصفحة‪. 348‬‬

‫‪175‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫من جانبها استنادا إلى فكرة المخاطر"‪ .1‬وفي قرار آخر‪ 2‬جاء فيه بأن مسؤولية الدولة تقوم‬
‫في حالتين؛ أوالهما‪ :‬عدم إمكانية نسبة الضرر إلى شخص أو أشخاص معينين‪ ،‬أي أن‬
‫الضرر نشأ مباشرة من تسيير مرفق الدولة‪ ،‬فالمسؤولية لذلك قائمة على المخاطر وال يشترط‬
‫لقيامها وجود خطأ‪ ،‬بل يكفي حدوث الضرر وقيام العالقة السببية بينه وبين مرفق الدولة‪.3‬‬

‫وأبعد من هذا‪ ،‬قيل إنه يمكن متابعة الدولة على أساس فكرة المخاطر ومطالبتها‬
‫بالتعويض عن أخطاء الموظفين‪ ،‬بحجة سوء اختيارها للمسؤولين عن المرفق اإلداري التابع‬
‫لها‪.‬‬

‫غير أن التغييرات التي طالت الجهاز اإلداري المكلف بالتحفيظ العقاري والمسح‬
‫العقاري والخرائطية‪ ،‬يستدعي تقديم بعض التوضيحات؛‬
‫معلوم أن الفترة التي صدر فيها قانون االلتزامات والعقود كان مرفق التحفيظ العقاري‬
‫والمسح العقاري والخرائطية تابعا لقطاع الفالحة‪ ،‬وبعد فترة الحقة أصبحت مصلحة‬
‫المحافظة العقارية إدارة عمومية تابعة لو ازرة الفالحة‪ ،‬وبالتالي كان المحافظ على األمالك‬
‫العقارية يعتبر موظفا عموميا تابعا للدولة‪ ،‬ومن ثم كانت الدولة هي المسؤولة عن أخطائه‬
‫المرفقية‪ ،‬ولقد ظل األمر على هذا الحال إلى غاية صدور ظهير ‪ 31‬يونيو ‪ 1111‬بتنفيذ‬
‫القانون رقم ‪ 59.11‬القاضي بإحداث الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري‬
‫والخرائطية‪ ،4‬والتي تعتبر مؤسسة عمومية تتمتع بالشخصية المعنوية واالستقالل المالي‪،‬‬
‫حسب المادة األولى من هذا القانون‪ ،‬وتمارس‪ ،‬حسب المادة ‪ 1‬من نفس القانون‪ ،‬لحساب‬
‫الدولة‪ ،‬االختصاصات المخولة للسلطة العمومية بموجب النصوص التشريعية والتنظيمية‬
‫الجاري بها العمل في ميدان تحفيظ األمالك العقارية والمسح العقاري والخرائطية‪.‬‬

‫‪ 1‬قرار المجلس األعلى عدد ‪ 31‬صادر في تاريخ ‪ 30‬يناير ‪ 3331‬في الملف اإلداري عدد ‪ ،33/31391‬منشور بق اررات المجلس األعلى‪ ،‬من‬
‫أهم الق اررات الصادرة في المادة المدنية ‪ ،3331/3359‬مطبعة النجاح الجديدة – الرباط‪ ،‬الصفحة ‪.113‬‬
‫‪ 2‬القرار عدد ‪ 3191‬الصادر بتاريخ ‪ ،1111/1/15‬أشار إليه التقرير السنوي للوكالة القضائية للمملكة لسنة ‪ ،1131‬دون ذكر لرقم الملف‪،‬‬
‫الصفحة ‪ ،13‬الهامش رقم ‪.1‬‬
‫‪ 3‬يالحظ على هذا القرار أنه حدد األخطاء ا لمرفقية في تلك التي ال يمكن نسبتها إلى شخص معين بذاته‪ ،‬وبالتالي وسع من دائرة األخطاء‬
‫المرفقية‪ ،‬حيث تشمل كل األخطاء المرتكبة بسبب تسيير المرفق العمومي دون إمكانية نسبتها إلى أحد الموظفين أو المستخدمين‪.‬‬
‫ظهير شريف رقم ‪ 3.11.315‬صادر في فاتح ربيع اآلخر ‪ 31(3011‬يونيو ‪ )1111‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 59.11‬القاضي بإحداث الوكالة الوطنية‬ ‫‪4‬‬

‫للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية‪ ،‬منشور في الجريدة الرسمية عدد ‪ 5111‬بتاريخ ‪ 31‬جمادى اآلخرة ‪ 11(3011‬أغسطس ‪،)1111‬‬
‫الصفحة ‪.1015‬‬

‫‪176‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫غير أن هذه المستجدات لم تغير شيئا من أحكام مقتضيات الفصل ‪ 13‬من قانون‬
‫االلتزامات والعقود‪ ،‬التي ظلت تطبق على األخطاء المصلحية للمحافظ على األمالك‬
‫العقارية‪ ،‬باستثناء حلول الوكالة الوطنية محل الدولة في تحمل المسؤولية عن األخطاء‬
‫المرفقية أو أداء التعويض المحكوم به على المحافظ بسبب قيام مسؤوليته الشخصية في‬
‫حالة عسره‪.‬‬
‫وبناء عليه‪ ،‬لم تعد الدولة هي المسؤولة عن األخطاء المصلحية المرتكبة من قبل‬
‫المحافظ على األمالك العقارية‪ ،‬وإنما انتقلت هذه المسؤولية بالتبعية‪ ،‬إلى المؤسسة العمومية‬
‫المذكورة‪ ،‬على الرغم من خضوعها لوصاية الدولة‪ ،‬وذلك بحكم استقالل الذمم المالية عن‬
‫بعضهما البعض‪ .‬ويترتب عن ذلك أنه في حالة ارتكاب المحافظ على األمالك العقارية‬
‫لخطأ مصلحي‪ ،‬فإن الوكالة الوطنية هي التي تحل محله‪ ،‬طبقا لمقتضيات الفصل ‪ 13‬من‬
‫قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬في أداء التعويض المستحق للمتضرر‪ ،‬لكن في الواقع‪ ،‬وفي ظل‬
‫وجود صندوق التأمين المحدث بمقتضى الفصل ‪ 311‬من ظهير التحفيظ العقاري‪ ،1‬فإن هذا‬
‫األخير هو الذي يحل في غالب األحيان‪ ،2‬إن لم نقل دائما‪ ،‬محل المحافظ في األداء‪ ،‬على‬
‫الرغم من وضوح مقتضيات الفصل ‪ 13‬المشار إليه‪ ،‬وتوفر الصندوق على ذمة مالية‬
‫مستقلة عن الوكالة الوطنية‪ .‬أما الدولة وو ازرة الفالحة‪ ،‬التي يتم إدخالهما في الدعاوى المقامة‬
‫ضد المحافظ على األمالك العقارية‪ ،‬وكذا الوكالة الوطنية المذكورة‪ ،‬فيتم رفض الطلب في‬
‫مواجهتهما‪ ،‬ولو أن حضورهما في الدعاوى يبقى قائما‪ ،‬بحكم الوصاية التي تمارسانها على‬
‫هذه المؤسسة العمومية‪.‬‬
‫ولما كانت الوكالة الوطنية هي التي تسأل عن األضرار الناتجة مباشرة عن تسيير‬
‫مرفقها وعن األخطاء المصلحية التي قد يرتكبها المحافظ‪ ،‬فإن دعوى التعويض ترفع ضد‬
‫المؤسسة العمومية والمحافظ أيضا‪ ،‬أمام القضاء اإلداري‪ ،‬وفقا لمقتضيات المادة ‪ 9‬من‬

‫‪ 1‬سنناقش مقتضيات الفصل ‪ 311‬من قانون التحفيظ العقاري في المطلب الثالث من المبحث الثاني من هذا المقال‪ .‬ويالحظ أن القانون رقم‬
‫‪ 59.11‬القاضي بإحداث الوكالة للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية‪ ،‬نص في الفقرة ‪ 0‬من المادة ‪ 33‬على أن من بين النفقات التي‬
‫تؤديها هذه المؤسسة " المبالغ المدفوعة لفائدة صندوق التأمين المقرر في الفصل ‪ 311‬من الظهير الشريف الصادر في ‪ 3‬رمضان ‪31(3113‬‬
‫غشت ‪ )3331‬بشأن التحفيظ العقاري‪.‬‬
‫‪ 2‬قضت المحكمة اإلدارية بالرباط بأنه‪" :‬يتعين إحالل صندوق التأمين للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية في شخص ممثله القانوني‬
‫محل مؤمنه في األداء‪ ".‬على ال رغم من أن هذا الحكم اعتبر أن الخطأ الذي ارتكبه المحافظ على األمالك العقارية يكتسي صبغة الخطأ المرفقي‪.‬‬

‫‪177‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫القانون رقم ‪ 03.31‬المحدثة بموجبه محاكم إدارية‪ ،1‬وفضال عن ذلك يتعين إدخال الوكيل‬
‫القضائي للمملكة في هذه الدعوى‪ ،‬طبقا لمقتضيات ظهير ‪ 11‬مارس ‪ 3351‬المتعلق بإعادة‬
‫تنظيم مؤسسة الوكالة القضائية للمملكة‪ ،2‬وكذا مقتضيات الفصل ‪ 530‬من قانون المسطرة‬
‫المدنية‪ 3‬اللذين يلزمان مقيم الدعوى ضد الدولة أو مؤسساتها العمومية‪ ،‬بإدخال هذه‬
‫المؤسسة في الدعاوى التي تستهدف التصريح بمديونيتها‪ ،‬وإال كانت باطلة‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬الخطأ الشخصي للمحافظ على األمالك العقارية‬
‫لقد كرس ا لمشرع المغربي نظرية الخطأ الشخصي للمحافظ على األمالك العقارية بناء‬
‫على الفصل ‪ 80‬من قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬على أساس أن مسؤوليته يمكن أن تتحقق‬
‫خارج نطاق وظيفته‪ ،‬ونظ ار لخصوصية المهام المسندة له وخطورة النتائج التي قد تترتب عن‬
‫أخطائه‪ ،‬فقد أضفى المشرع على بعض األخطاء التي قد يرتكبها المحافظ طابع األخطاء‬
‫الشخصية‪.‬‬

‫وفي هذا اإلطار ينص الفصل ‪ 5‬من القرار الوزيري المؤرخ في ‪ 10‬يونيو ‪3335‬‬
‫المتعلق بتنظيم مصلحة المحافظة العقارية‪ ،‬على خضوع مسؤولية المحافظين العقاريين‬
‫للفصلين ‪ 13‬و ‪ 91‬من قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬باستثناء الحاالت المحددة في الفصل ‪31‬‬

‫‪ 1‬تنص المادة ‪ 9‬من القانون المحدث للمحاكم اإلدارية على المحاكم اإلدارية تختص بالبت ابتدائيا في دعاوى التعويض عن األضرار التي تسببها‬
‫أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام‪ .‬ظهير شريف رقم ‪ 3.33.111‬صادر في ‪ 11‬من ربيع األول ‪ 31( 3030‬سبتمبر ‪ )3331‬بتنفيذ القانون‬
‫رقم ‪ 03.31‬المحدث بموجبه محاكم إدارية‪ ،‬منشور في الجريدة الرسمية عدد ‪ 0111‬المؤرخة في ‪ 39‬جمادى األولى ‪ 11(3030‬نونبر ‪،)3331‬‬
‫الصفحة ‪ .13‬وبما أن الوكالة الوطنية هي مؤسسة عمومية وبالتالي شخص من أشخاص القانون العام‪ ،‬فإنها تخضع لهذا المقتضى القانوني‪.‬‬
‫‪ 2‬الظهير الشريف بشأن إعادة تنظيم وظيفة العون القضائي للدولة الشريفة المؤرخ في ‪ 11‬مارس ‪( ،3351‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 1313‬وتاريخ ‪11‬‬
‫مارس ‪ ،3351‬الصفحة ‪)3301‬؛ العون القضائي هو الوكيل القضائي للمملكة حاليا‪ ،‬والوكالة القضائية للمملكة هي مديرية تابعة لو ازرة االقتصاد‬
‫والمالية‪ ،‬وبالتالي فإن العاملين بها هم موظفون عموميون يخضعون للنظام األساسي العام للوظيفية العمومية‪ ،‬وتقوم بمهمة الدفاع عن الدولة‬
‫المغربية وإداراتها العمومية أمام القضاء‪ .‬أنظر في هذا الصدد المرسوم عدد‪ 1.11.335‬صادر في ‪ 11‬من شوال ‪ 11( 3013‬أكتوبر ‪)1119‬‬
‫بشأن اختصاصات وتنظيم و ازرة االقتصاد والمالية‪( .‬منشور في الجريدة الرسمية عدد ‪ 5191‬وتاريخ ‪ 11‬نونبر ‪ ،1119‬الصفحة ‪ .)0191‬وجدير‬
‫اإلشارة إلى أنه بالموازاة مع هذه المؤسسة استحدث المشرع المغربي مؤسسة مشابهة تتولى تقديم المساعدة القانونية‪ ،‬وتدبير المنازعات القضائية‬
‫للجماعات الترابية تحت تسمية " الوكيل القضائي للجماعات الترابية "‪ ،‬وذلك بمقتضى القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية (المادة ‪119‬‬
‫من القانون التنظيمي المتعلق بالجهات‪ ،‬والمادة ‪ 131‬من القانون التنظيمي المتعلق بالعماالت واألقاليم والمادة ‪ 119‬من القانون التنظيمي المتعلق‬
‫بالجماعات)‪.‬‬
‫لمزيد من التفصيل حول مؤسسة الوكيل القضائي للجماعات الترابية‪ ،‬يراجع مقال‪ :‬عبد الرحيم ازغودي‪ " :‬دور الوكيل القضائي للدفاع عن‬
‫الجماعات الترابية"‪ ،‬المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية‪ ،‬عدد مزدوج ‪ 311-311‬يناير –أبريل ‪ ،1131‬الصفحة ‪ 150‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ 3‬ينص الفصل ‪ 530‬من قانون المسطرة المدنية المغربي على ما يلي‪" :‬كلما كانت الطلبات تستهدف التصريح بمديونية الدولة أو إدارة عمومية أو‬
‫مكتب أو مؤسسة عمومية للدولة في قضية ال عالقة لها بالضرائب واألمالك المخزنية‪ ،‬وجب إدخال العون القضائي في الدعوى وإال كانت غير‬
‫مقبولة"‪.‬‬

‫‪178‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫من قانون التحفيظ العقاري؛ وهي ذات المقتضيات التي احتفظ بها القانون الجديد المحدث‬
‫للوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية‪ ،‬والذي نص في المادة ‪ 0‬منه‬
‫على أنه تظل اختصاصات ومسؤولية المحافظ العام والمحافظين على الملكية العقارية‬
‫والرهون‪ ،‬خاضعة لألحكام التشريعية والتنظيمية المطبقة عليها‪ ،‬وأشار إلى القرار المذكور‪،‬‬
‫ضمن النصوص المحال عليها‪.‬‬

‫وبالرجوع إلى الفصل ‪ 91‬من قانون االلتزامات والعقود المغربي نجده ينص على ما‬
‫يلي‪:‬‬
‫"مستخدمو الدولة والبلديات مسؤولون شخصيا عن األض ارر الناتجة عن‬
‫تدليسهم‪ ،‬وعن األخطاء الجسيمة الواقعة منهم في أداء وظائفهم؛‬
‫وال يجوز مطالبة الدولة والبلديات بسبب هذه األضرار إال عند إعسار‬
‫الموظفين المسؤولين عنها"‪.‬‬

‫ويتضح من قراءة متأنية لهذا النص القانوني أن مسؤولية المحافظ على األمالك‬
‫العقارية عن الخطأ الشخ صي يمكن أن ينتج عن تدليس أو غش باستعماله لوسائل احتيالية‬
‫للتضليل (أوال) ‪ ،‬كما يمكن أن تنتج عن خطأ جسيم يرتكبه المحافظ على األمالك العقارية‬
‫أثناء مزاولة مهامه(ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬مفهوم التدليس الذي اد يرتكبه المحافظ على األمالك العقارية‬

‫يعتبر التدليس الوجه األول للمسؤولية الشخصية للمحافظ على األمالك العقارية‪ ،‬طبقا‬
‫لمقتضيات الفصل ‪ 91‬من قانون االلتزامات والعقود‪.‬‬

‫ولئن كان التدليس يعتبر خطأ بمفهومه الواسع‪ ،‬حيث يرتكب المدلس أفعاال ال يجيزها‬
‫القانون‪ ،1‬فإن الخطأ بمفهومه القانوني‪ ،‬يختلف عن التدليس من حيث النية الكامنة و ارء‬

‫‪1‬‬
‫يستعمل الفقه اإلسالمي مصطلح التغرير للتعبير عن التدليس‪ ،‬وتحدث عنه الفقه في أماكن متقاربة‪ ،‬ويدعى في بعض المواطن بالتدليس‪ ،‬وفي‬
‫نظرية التغرير يمكن التوفيق بين احترام اإلرادة الحقيقية واستقرار التعامل‪ ،‬لذلك وصل الفقه اإلسالمي في هذه النظرية إلى مدى بعيد‪ ،‬ال يقل عن‬
‫المدى الذي وصل إليه الفقه الغربي‪ ،‬فهو يعرف التغرير باستعمال طرق احتيالية‪ ،‬ويعرفه عن طريق مجرد الكذب‪ ،‬بل يعرفه عن طريق محض‬
‫الكتمان‪ ،‬ثم هو‪ ،‬كالفقه الغربي‪ ،‬يعتد بالتدليس الصادر من الغير‪ .‬أنظر‪ :‬عبد الرزاق أحمد السنهوري‪ ،‬مصادر الحق في الفقه اإلسالمي‪ ،‬دراسة‬

‫‪179‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الفعل؛ ذلك أن التدليس يقترن بنية اإلضرار‪ ،‬في حين ينم الخطأ عن فعل دون قصد غير‬
‫مشروع‪.1‬‬

‫وال يختلف كثي ار معنى التدليس المعتبر كعيب من عيوب الرضا في إبرام العقد وفق‬
‫قانون االلتزامات والعقود‪ 2‬عن التدليس المشار إليه في الفصل ‪ 91‬المحال عليه من قبل‬
‫قانون التحفيظ العقاري‪ ،‬إذ يختلفان فقط من حيث الهدف الكامن وراء هذا الفعل؛ ففي التعاقد‬
‫يستعمل التدليس لدفع المتعاقد على إبرام العقد‪ ،‬بيد أنه في عملية التحفيظ يستخدم التدليس‬
‫ألجل اتخاذ قرار التحفيظ وتأسيس الرسم العقاري‪.‬‬

‫غير أنه إذا كان التدليس بمفهوم قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬يتحقق باستعمال وسائل‬
‫احتيالية للدفع إلى التعاقد‪ ،‬وذلك عن طريق استعمال مجموعة من الوسائل االحتيالية التي‬
‫يراد بها تمويه الحقيقة والتضليل‪ ،3‬حيث يمزج المدلس فعال ماديا غير مشروع بعنصر‬
‫معنوي هو قصد إرادي خفي‪ ،4‬فإن التدليس كسبب إلثارة مسؤولية المحافظ العقاري يجب أن‬
‫يؤخذ بمفهومه الواسع‪ ،‬وبشكل مستقل عن التدليس كعيب من عيوب الرضا المنصوص عليه‬
‫في قانون االلتزامات والعقود‪ .5‬إذ قد ال يتخذ فعل التدليس عمال ماديا‪ ،‬وإنما يكفي توفر سوء‬
‫نية طالب التحفيظ وكذا المستفيد من التحفيظ‪.‬‬

‫وتأسيسا على ذلك‪ ،‬ال يشترط لتحقيق التدليس قيام المستفيد من التحفيظ بوسائل‬
‫احتيالية‪ ،‬بل يكتفي أن يكون سيء النية‪ ،‬فقد اعتبر القضاء مثال أن مالك العقار الذي يطلب‬
‫تحفيظ الملك كله على اسمه‪ ،‬مع أنه سبق أن باع قسما منه للغير‪ ،‬يعتبر مرتكبا للتدليس‬

‫مقارنة بالفقه الغربي‪ ،‬المجلد األول‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬توافق اإلرادتين في مجلس العقد‪ ،‬صحة التراضي (الغلط‪ ،‬التدليس‪ ،‬اإلكراه)‪ ،‬دار إحياء التراث‬
‫العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪( ،‬دون ذكر لتاريخ الطبعة)‪ ،‬الصفحة ‪.313‬‬
‫يوسف مختاري‪ ،‬حماية الحقوق الواردة على العقار في طور التحفيظ‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص‪ ،‬كلية العلوم القانونية‬ ‫‪1‬‬

‫واالقتصادية واالجتماعية اكدال‪ ،‬جامعة محمد الخامس بالرباط‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،2015-1130‬الصفحة ‪.253‬‬
‫ينص الفصل ‪ 51‬من قانون االلتزامات والعقود على ما يلي‪" :‬التدليس يخول اإلبطال‪ ،‬إذا كان ما لجأ إليه‪ ،‬من الحيل والكتمان‪ ،‬أحد المتعاقدين أو‬ ‫‪2‬‬

‫نائبه أو شخص آخر يعمل بالتواطؤ معه‪ ،‬قد بلغت في طبيعتها حدا بحيث لوالها لما تعاقد الطرف اآلخر‪ .‬ويكون للتدليس الذي يباشره الغير نفس‬
‫الحكم إذا كان الطرف الذي يستفيد منه عالما به‪".‬‬
‫عبد القادر العرعاري‪ ،‬النظرية العامة لاللتزامات في القانون المدني المغربي‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ -‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األولى ‪1998‬‬ ‫‪3‬‬

‫الصفحة ‪.109‬‬
‫مأمون الكزبري‪ ،‬التحفيظ العقاري والحقوق العينية األصلية والتبعية في ضوء التشريع المغربي‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬شركة الهالل للطباعة والنشر‪ ،‬الرباط‬ ‫‪4‬‬

‫الطبعة الثانية ‪ ،1987‬الصفحة ‪.102‬‬


‫‪5‬‬
‫عبد العالي دقوقي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬الصفحة ‪. 246‬‬

‫‪180‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫في حق المشتري الذي يطالبه بالتعويض‪ ،‬استنادا إلى مقتضيات الفصل ‪ 64‬من قانون‬
‫التحفيظ العقاري‪.1‬‬

‫كما يعتبر من صميم أفعال التدليس بيع عقار تم إدراج مطلب لتحفيظه بعد ذلك‪ ،‬في‬
‫اسم البائع‪ ،‬نفس األمر في حالة صدور أحكام لفائدة الغير ويخفيها طالب التحفيظ منذ إيداع‬
‫الطلب إلى غاية اتخاذ قرار التحفيظ‪،‬‬

‫يتضح من خالل ذلك أن المقصود بالتدليس في هذا المجال هو مجرد سوء النية‬
‫يضمرها المستفيد من التحفيظ ولو لم يستعمل وسائل احتيالية‪ ،‬األمر الذي أكده أغلب الفقه‪،‬‬
‫حيث اكتفى بمجرد إخفاء حق المتضرر مع العلم بوجوده‪ ،2‬إذ أن سوء النية هذا يدخل في‬
‫مفهوم التدليس‪. 3‬‬

‫وفي هذا الصدد‪ ،‬جاء في قرار للمجلس األعلى‪ (4‬محكمة النقض حاليا) ما يلي‪:‬‬

‫"الفصل ‪ 64‬من ظهير التحفيظ العقاري كرس حق الغير المتضرر من التحفيظ في‬
‫إقامة دعوى شخصية للمطالبة بالتعويض في حالة التدليس‪ ،‬واستقر العمل القضائي‬
‫على إعطاء مدلول واسع لهذا األخير‪ ،‬في إطار هذه الدعوى لم يشترط معه قيام‬
‫المستفيد من التحفيظ بوسائل احتيالية ملموسة بل يكفي أن يكون سيء النية بطلب‬
‫تحفيظ أرض ليست في ملكيته‪".‬‬

‫وينطبق هذا المفهوم للتدليس على المحافظ أيضا‪ ،‬ويعني كل التصرفات التي يقوم بها‬
‫أثناء ممارسة مهامه‪ ،‬وتنم عن سوء نيته‪ ،‬ويدخل في هذا المجال كل األخطاء العمدية التي‬

‫عبد الكريم شهبون‪ ،‬الشافي في شرح قانون التحفيظ العقاري الجديد رقم ‪ ،14-07‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،2014‬الصفحة ‪.173‬‬ ‫‪1‬‬

‫المختار بن احمد العطار‪ ،‬التحفيظ العقاري على ضوء القانون المغربي‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ -‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1429‬هجرية‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 1998‬ميالدية‪ ،‬الصفحة ‪.82‬‬


‫‪3‬‬
‫محمد الكشبور‪ ،‬التطهير الناتج عن تحفيظ العقار‪ ،‬الصفحة ‪09‬؛ إدريس الفاخوري نظام التحفيظ العقاري بالمغرب‪ ،‬مطبعة دار الجسور وجدة‪،‬‬
‫الطبعة ‪ ،1111‬الصفحة ‪09‬؛‬
‫‪PAUL DECROUX, Droit foncier Marocain, Imprimerie El Maarif Al jadida Rabat, Editions la Porte- Rabat, Page‬‬
‫‪130.‬‬
‫‪ 4‬القرار رقم ‪ 1919‬الصادر بتاريخ ‪ 07/6/2006‬في الملف عدد‪1110/3/3/1511‬‬

‫‪181‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫يرتكبها المحافظ عن بينة واختيار فيسبب ضر ار للغير‪ ،1‬سواء اقترنت هذه التصرفات‬
‫باستعمال وسائل احتيالية أم ال‪ ،‬وهذا ما أكدت عليه محكمة االستئناف بالرباط في إحدى‬
‫ق ارراتها التي قضت فيها بأن شرط تحقق تدليس المحافظ غير مرتبط باستعماله لوسائل‬
‫احتيالية‪ ،‬وإنما يت حقق بمجرد ثبوت سوء نيته‪ ،‬كأن يقوم بتحفيظ أرض غير مملوكة لطالب‬
‫التحفيظ‪ ، 2‬كما أن المجلس األعلى( محكمة النقض حاليا) قضى بأن مسؤولية المحافظ تقوم‬
‫على أساس التدليس‪ ،‬بسبب عدم تحفيظ عقار‪ ،‬ودون البحث في مدى تحقق سوء نية‬
‫المحافظ من عدمه‪.3‬‬

‫ومن أمثلة األخطاء التي قد تعتبر تدليسا مرتكبا من قبل المحافظ على األمالك‬
‫العقارية؛ إخفاء مطلب تحفيظ إلى حين انتهاء أجل التعرضات‪ ،‬لئال يدرج فيه أي تعرض‪،‬‬
‫أو عدم إعالم المجاورين للملك‪ ،‬عمدا‪ ،‬بتاريخ إجراء التحديد المؤقت بغرض التكتم على‬
‫مسطرة التحفيظ‪ ،‬أو اتخاذ قرار التحفيظ بناء على وثائق غير كافية‪ ،‬إلثبات التملك بهدف‬
‫الحصول على مبلغ مالي معين‪ ،‬من قبل المستفيد من قرار التحفيظ‪.4‬‬

‫ومهما يكن من أمر‪ ،‬فإنه في حالة ما إذا ثبت ارتكاب المحافظ على األمالك العقارية‬
‫تدليسا‪ ،‬فإنه ليس هناك ما يمنع من متابعته في إطار الفصل ‪ 91‬من قانون االلتزامات‬
‫والعقود‪ ،‬وليس في إطار الفصل ‪ 10‬من ظهير التحفيظ العقاري‪ ،‬وفي هذا الصدد قضى‬
‫المجلس األعلى بأن المحافظ الذي يحول مطالب تحفيظ إلى رسوم عقارية‪ ،‬على الرغم من‬
‫علمه بوجود طعن ضد ق ارره‪ ،‬وهو طعن قدم قبل أن تصبح هذه الرسوم نهائية‪ ،‬يعتبر مرتكبا‬
‫للتدليس‪.5‬‬

‫‪1‬‬
‫سعاد عاشور‪ ،‬حجية التسجيل وفق نظام التحفيظ العقاري المغربي‪ ،‬المطبعة والوراقة الوطنية‪ -‬مراكش‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬السنة ‪ ،1115‬الصفحة‬
‫‪.110‬‬
‫‪ 2‬القرار رقم ‪ 13‬الصادر عن محكمة االستئناف بالرباط بتاريخ ‪ 10‬مارس ‪ 1111‬في الملف العقاري عدد ‪ ،31/1111/13‬غير منشور‪.‬‬
‫‪ 3‬القرار عدد ‪ 131‬الصادر عن المجلس األعلى (محكمة النقض حاليا) بتاريخ ‪ 31‬فبراير ‪ 1119‬في الملف عدد ‪ ،1111/33/1119‬غير‬
‫منشور‪.‬‬
‫‪ 4‬عبد القادر بوبكري‪ ،‬ازدواجية المسؤولية الشخصية للمحافظ على األمالك العقارية بين النصوص القانونية والعملين القضائي واإلداري‪ ،‬منشورات‬
‫المجلة المغربية لألنظمة القانونية والسياسية‪ ،‬العد رقم ‪ 31‬الخاص بالنظام العقاري المغربي‪ :‬الجوانب القانونية والمنازعات القضائية‪ ،‬إعداد وتنسيق‬
‫الدكتور احمد أجعون‪ ،‬مطبعة األمنية بالرباط‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،1133‬الصفحة ‪.51‬‬
‫‪ 5‬قرار المجلس األعلى عدد ‪ 01‬الصادر بتاريخ ‪ 5‬يناير ‪ ،1115‬في الملف عدد ‪ ،1111/3/3/1111‬منشور بمجلة القضاء والقانون‪ ،‬العدد‬
‫‪ ،353‬الصفحة ‪.191‬‬

‫‪182‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫هذا‪ ،‬ويشترط لقبول طلب التعويض بناء على التدليس‪ ،‬أن يثبت الطالب العناصر‬
‫اآلتية‪:‬‬
‫‪ -3‬إثبات الملكية أو أي حق عيني آخر كان محمال على العقار‪ ،‬ولم يندثر إال بسبب‬
‫التحفيظ‪ ،‬ولقد قضت محكمة النقض بأن استحقاق التعويض في إطار الفصل ‪ 10‬من ظهير‬
‫التحفيظ العقاري‪ ،‬يقتضي ثبوت ملكية الطالب للمساحة المدعى فيها‪.1‬‬
‫‪-2‬إثبات التدليس الواقع من قبل المستفيد من التحفيظ‪ ،2‬وهذا ما أكدت عليه محكمة‬
‫النقض في القرار المشار إليه‪ ،‬حيث قضت بأنه يتعين على طالب التعويض‪ ،‬في إطار‬
‫الفصل ‪ 10‬أن يثبت التدليس‪ ،‬مضيفة أن التدليس مسألة واقع‪ ،‬تختص محكمة الموضوع في‬
‫تقديره‪ ،‬وب ما لها من سلطة تقديرية‪ ،‬وال رقابة عليها من طرف محكمة النقض بخصوص‬
‫ذلك‪.‬‬
‫‪-1‬إثبات العالقة السببية بين العنصرين السابقين‪.‬‬
‫وجدير باإلشارة إلى صعوبة إثبات عنصر التدليس الذي قد يرتكبه المحافظ على‬
‫األمالك العقارية‪ ،‬بل إن هذه الحالة نادرة جدا‪ ،3‬وإذا ما وقعت‪ ،‬فإنها تختلط في كثير من‬
‫األحيان بجريمة النصب التي يشترط لقيامها استعمال االحتيال إليقاع شخص في الغلط‪،‬‬
‫بتأكيدات خادعة‪ ،‬أو إخفاء وقائع صحيحة‪ ،‬أو استغالل ماكر لخطأ وقع فيه الغير‪ ،‬ويدفعه‬

‫‪1‬‬
‫القرار رقم ‪ 5511‬الصادر عن محكمة النقض بتاريخ ‪ 1131-31-33‬في الملف مدني عدد ‪ ،1133-3-3-1113‬غير منشور‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪PAUL DECROUX, Ouvrage précité, Page 130.‬‬
‫ويتبين من الرجوع إلى قانون االلتزامات والعقود أن المشرع المغربي عالج موضوع التدليس ضمن عيوب الرضا وبالتالي‪ ،‬فقد تم تناوله في إطار‬
‫المسؤولية العقدية وليس في نطاق المسؤولية التقصيرية الذي يندرج فيه موضوعنا‪ ،‬ومع ذلك يمكن االستئناس بالتعاريف والمفاهيم التي أعطيت‬
‫للتدليس‪ ،‬مادام ذلك ممكنا حتى بالنسبة للمسؤولية التقصيرية‪.‬‬
‫وقد عرف المرحوم عبد الرزاق السنهوري التدليس باعتباره عيبا من عيوب الرضا بأنه‪ " :‬كل عمل مقصود يؤدي إلى إيقاع المتعاقد اآلخر في غلط‬
‫يدفعه إلى التعاقد"‪ .‬عبد الرزاق احمد السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون المدني‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬مصادر االلتزام‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‬
‫لبنان‪ ،‬بدون ذكر سنة الطبع‪ ،‬الصفحة ‪.101‬‬
‫كما عرفه األستاذ شكري أحمد السباعي بأنه‪" :‬استعمال الحل والخداع إليقاع المتعاقد في غلط يحمله على التعاقد‪ ،‬بحيث لوال هذه الوسيلة االحتيالية‬
‫أو الخداع لما قام هذا المتعاقد بإبرام العقد"‪.‬‬
‫شكري احمد السباعي‪ ،‬نظرية الغلط والتدليس في قانون االلتزامات والعقود المغربي‪ ،‬منشورات عكاظ‪ ،‬السنة ‪ ،3331‬الصفحة ‪.313‬‬
‫‪3‬‬
‫ناد ار ما يصنف العمل القضائي األخطاء التي قد يرتكبها المحافظ على األمالك العقارية في خانة التدليس‪ ،‬وإنما يعتبرها أخطاء جسيمة؛ أنظر‬
‫مثال القرار رقم ‪ 5511‬الصادر عن محكمة النقض بتاريخ ‪ 1131-31-33‬في الملف مدني عدد ‪ 1133-3-3-1113‬المشار إليه أعاله‪.‬‬

‫‪183‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫إلى أعمال تمس مصالحه أو مصالح الغير المالية‪ ،‬بقصد الحصول على منفعة مالية له أو‬
‫لشخص آخر‪.1‬‬

‫غير أن التدليس المدني يختلف عن التدليس الجنائي( النصب)‪ ،‬من كون الطرق‬
‫االحتيالية في النصب عنصر مستقل بذاته‪ ،‬وتكون عادة أشد جسامة من الطرق االحتيالية‬
‫المستعملة في التدليس المدني‪ ،‬ومع ذلك يرى األستاذ محمد الكشبور بأن التدليس المشار‬
‫إليه في الفصل ‪ 91‬من قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬يجب أن يؤخذ في مدلوله العام‪ ،‬حيث‬
‫يتضمن التدليس المدني والتدليس الجنائي والغش‪ ،‬على حد سواء‪ ،‬وتبعا لذلك‪ ،‬يرى أن‬
‫اللجوء إلى تحفيظ عقار من طرف شخص مع علمه أنه ال حق له فيه‪ ،‬هو فعل جنائي‬
‫يستوجب عقوبة جنائية طبقا للفصل ‪ 154‬من القانون الجنائي المغربي‪ 2‬الذي ينص على أنه‬
‫يعاقب بعقوبة النصب المقررة في الفقرة األولى من الفصل ‪ 501‬من القانون الجنائي والذي‬
‫يعتبر من يتصرف في مال برهنه عقاريا أو حيازيا‪ ،‬أو إعطاء حق االنتفاع‪ ،‬أو كراء أو أي‬
‫تصرف آخر‪ ،‬إض ار ار بمن سبق التعاقد معه بشأنه‪ ،‬مرتكبا لجريمة النصب‪ .3‬غير أن هذا‬
‫المقتضى‪ ،‬لئن كان تطبيقه على طالب التحفيظ مقبوال‪ ،‬فإنه يصعب تطبيقه على المحافظ‬
‫على األمالك العقارية‪ ،‬الذي ال يتصور فيه أن يقوم باألفعال المنصوص عليها في الفصل‬
‫‪ 501‬من القانون الجنائي‪ ،‬كالتصرف في العقار بالرهن أو تحميله بحق انتفاع أو كرائه‪.‬‬

‫و ومهما يكن من أمر‪ ،‬إن المشرع المغربي أخضع المحافظ على األمالك العقارية‬
‫للمسؤولية المدنية ابتداء ال تتجاوزها إلى المسؤولية الجنائية إال بثبوت القصد الجنائي القاطع‬

‫ينص الفصل ‪ 501‬من القانون الجنائي المغربي على ما يلي‪ ":‬يعد مرتكبا لجريمة النصب‪ ،‬ويعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة‬ ‫‪1‬‬

‫من خمسمائة إلى خمسمائة آالف درهم من استعمل االحتيال ليوقع شخصا في الغلط‪ ،‬بتأكيدات خادعة أو إخفاء وقائع صحيحة أو استغالل ماكر‬
‫لخطأ وقع فيه غيره ويدفعه بذلك إلى أعمال تمس مصالحه أو مصالح الغير المالية بقصد الحصول على منفعة مالية له أو لشخص آخر‪".‬‬
‫ينص الفصل ‪ 501‬من القانون الجنائي المغربي على ما يلي‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫"يعاقب بعقوبة النصب المقررة في الفقرة األولى من الفصل ‪ ،501‬من يرتكب بسوء نية أحد األفعال اآلتية‪:‬‬
‫‪-3‬أن يتصرف في أموال غير قابلة للتفويت؛‬
‫‪-1‬أن يتصرف في مال برهنه عقاريا أو حيازيا أو إعطاء حق االنتفاع أو كراء أو أي تصرف آخر‪ ،‬إض ار ار بمن سبق له التعاقد معه بشأنه"‬
‫وتنص الفقرة األولى من الفصل ‪ 501‬من نفس القانون على ما يلي‪:‬‬
‫"يعد مرتكبا لجريمة النصب‪ ،‬ويعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من خمسمائة إلى خمسمائة آالف درهم‪ ،‬من استعمل االحتيال‬
‫ليوقع شخصا في الغلط‪".....‬‬
‫‪ 3‬محمد الكشبور‪ ،‬التظهير الناتج عن تحفيظ العقار‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬الصفحة ‪ ،51‬هامش ‪.09‬‬

‫‪184‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ألي شك‪ .1‬وأكثر من ذلك اعتبرت المحكمة االبتدائية بطنجة إن التحايل أو التدليس في ظل‬
‫أحكام ظهير ‪ 31‬غشت ‪ 3331‬في حالة إثباته‪ ،‬يرتب فقط المسؤولية المدنية للمحافظ‪ ،‬سواء‬
‫في إطار الفصل ‪ 31‬من نفس الظهير أو في إطار الفصل ‪ 91‬من قانون االلتزامات‬
‫والعقود‪.2‬‬

‫ويرى بعض الباحثين‪ 3‬أن الفصل ‪ 10‬من قانون التحفيظ العقاري يطبق أيضا على‬
‫المحافظ على األمالك العقارية في حالة ما إذا صدر عنه تدليس ألحق ضر ار بصاحب‬
‫الحق‪ ،‬ما دام هذا الفصل لم يرد به أي تقييد في الموضوع‪ ،‬مستشهدا على ذلك بقرار صادر‬
‫عن محكمة النقض بتاريخ ‪ 15‬يناير ‪ ،1115‬خصوصا أن الفصل ‪ 10‬بعد تعديله بالقانون‬
‫‪ ،30.11‬لم يعد يترك المجال لمقاضاة الدولة من أجل الحصول على التعويض بعد حذف‬
‫الفقرة األخيرة التي كانت تحيل على الفصلين ‪ 13‬و ‪ 91‬من قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬ما‬
‫يعني حسب هذا الموقف‪ ،‬أن مفهوم التدليس الوارد به في الفصل ‪ 10‬يشمل جميع األفعال‬
‫التدليسية الصادرة عن المحافظ أيضا‪.‬‬

‫غير أننا ال نتفق مع هذا الرأي‪ ،‬لكون التمعن في مقتضيات الفصل ‪ 10‬يفيد أنها لم‬
‫تعد تؤطر مسؤولية المحافظ على األمالك العقارية عن األضرار الناتجة عن التدليس‪ ،‬وإنما‬
‫تهم فقط طالب التحفيظ المدلس‪ ،‬وأن المقتضى القانوني الذي أصبح يخضع له المحافظ‪،‬‬
‫بعد صدور قانون ‪ 03.11‬المتمم لظهير التحفيظ العقاري‪ ،‬هو الفصل ‪ 31‬من هذا الظهير‬
‫الذي نقلت إليه الفقرة األخيرة من الفصل ‪.10‬‬

‫غير أن التساؤل الذي يطرح بعد هذا التعديل‪ ،‬ونقل الفقرة األخيرة من الفصل ‪ 10‬إلى‬
‫الفصل ‪ ،31‬هو ما إذا كان الفصل ‪ 91‬من قانون االلتزامات والعقود يتعلق بجميع الحاالت‬

‫‪1‬‬
‫هشام بصري‪ ،‬مكامن الخلل في مجال الحماية القانونية للمحافظ العقاري منشورات مجلة العلوم القانونية‪ ،‬سلسلة فقه القضاء العقاري الصفحة‬
‫‪.131‬‬
‫يرى البحث أن المقتضيات القانونية الحالية المنظمة للتحفيظ العقاري ال تمنح ضمانات كافية للمحافظين العقارين حيث يسهل اصطيادهم داخل‬
‫شراك جرائم النصب والسطو على األمالك والتزوير واستعماله والمشاركة فيه‪...‬الخ؛ نفس المرجع‪ ،‬الصفحة ‪.115‬‬
‫‪2‬‬
‫الحكم الصادر عن المحكمة االبتدائية بطنجة بتاريخ ‪ 11‬نونبر ‪ 1119‬في الملف عدد ‪ ،31/11/0115‬منشور في مؤلف‪ :‬إدريس الفاخوري‪،‬‬
‫قضايا المنازعات العقارية‪ ،‬قضاء محكمة النقض ومحاكم الموضوع‪ ،‬منشورات مجلة الحقوق‪ ،‬سلسلة" المعارف القانونية والقضائية"‪ ،‬مطبعة المعرف‬
‫الجديدة) ‪- )CTP‬الرباط‪ ،‬طبعة‪ ،1131‬الصفحات من ‪ 351‬إلى ‪.315‬‬
‫‪3‬‬
‫أنظر مثال‪ :‬عبد العالي دقوقي‪ ،‬الصفحة ‪101‬؛ محمد خيري العقار وقضايا التحفيظ العقاري‪ ،‬الصفحة ‪133‬؛ عبد القادر بوبكري‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫الصفحة ‪.50‬‬

‫‪185‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫التي يمكن أن يصدر فيها عن المحافظ تدليس أم فقط تلك الواقعة أثناء مرحلة التسجيل‬
‫والتقييد دون مرحلة التحفيظ؟‬

‫وال شك أن سبب طرح هذا التساؤل يكمن في كون مقتضيات الفصل ‪ 10‬تتعلق‬
‫باألضرار الناتجة عن التحفيظ‪ ،‬في حين تهم مقتضيات الفصل ‪ 31‬األخطاء الناتجة عن‬
‫عمليات التسجيل والتقييد والتشطيب؛ أي األعمال الالحقة على تأسيس الرسم العقاري‪ ،‬وبما‬
‫أن اإلحالة على مقتضيات الفصل ‪ 91‬تمت بمقتضى الفصل ‪ ،31‬فإن ذلك قد يفهم منه أن‬
‫المحافظ ال يسأل عن أخطائه الشخصية وتدليسه‪ ،‬إال إذا كانت األضرار ناتجة عن العمليات‬
‫المذكورة في هذا الفصل األخير‪.‬‬

‫ومعلوم‪ ،‬أن المشرع المغربي لم يسقط اإلحالة على القواعد العامة للمسؤولية‬
‫المنصوص عليها في ظهير االلتزامات والعقود نهائيا من ظهير التحفيظ العقاري‪ ،‬إذ تم نقلها‬
‫من الفصل ‪ 10‬إلى الفصل ‪ ، 31‬وهذا االمر لن يغير في الواقع شيئا‪ ،‬ألن تطبيق اإلحالة‬
‫في أي نص كان وفي أي باب وجد يفتح المجال أمام تطبيق النصوص المحال عليها‪ ،‬وال‬
‫يجوز تجزئتها أو اختصار تطبيقها بالنظر إلى مجال تطبيق النص المحيل‪ ،‬بمعنى أن‬
‫الفصل ‪ ، 31‬وإن حدد بعض حاالت المسؤولية الشخصية للمحافظ‪ ،‬ورغم أن هذا الفصل‬
‫يقع ضمن الباب الثالث المتعلق بالتشطيب في السجالت العقارية‪ ،‬إال أن تذييله ببند يحيل‬
‫على أحكام مسؤولية الموظفين بشكل عام‪ ،‬ال يعني أن األحكام المحال عليها يجب حصر‬
‫تطبيقها في حاالت الفصل ‪ 31‬فقط‪ ،‬ألن المتعارف عليه هو أن تفسير الفصل بالنظر‬
‫للسياق الذي جاء فيه متى كان نصا خاصا‪.1‬‬

‫ومهما يكن من أمر‪ ،‬إن الفصل ‪ 31‬من قانون التحفيظ العقاري يحيل على الفصل ‪91‬‬
‫من قانون االلتزامات والعقود بدون تقييد لمقتضيات هذا األخير‪ ،‬وال وضع استثناء عليها‬
‫يجعل مسؤولية المحافظ على األمالك العقارية عن األضرار الناتجة عن التدليس‪ ،‬قائمة‬
‫سواء ارتكبت هذا األخطاء في مرحلة التحفيظ وتأسيس الرسم العقاري‪ ،‬أو بمناسبة إجراءات‬
‫الت قييد‪ ،‬أو التشطيب المنصبة على السجالت العقارية‪ ،‬وهذا ما ينطبق أيضا على الخطأ‬
‫الجسيم‪.‬‬

‫يوسف مختاري‪ ،‬حماية الحقوق الواردة على العقار في طور التحفيظ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬الصفحة ‪.155‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪186‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬الخطأ البسيم الذي على أساسه يسأل المحافظ على األمالك‬
‫العقارية‬

‫يعتبر الخطأ الجسيم الصورة الثانية لقيام مسؤولية المحافظ على األمالك العقارية إذا‬
‫نتج عنه ضرر للغير‪ ،‬وهو ما يستشف أيضا من مقتضيات الفصل ‪ 91‬من قانون االلتزامات‬
‫والعقود‪.‬‬

‫والخطأ هو إخالل بالتزام قانوني‪ ،1‬ويشمل التقصير واإلهمال وحتى اإلغفال‪ ،‬وقد يتخذ‬
‫الخطأ فعال إيجابيا‪ ،‬كما يمكن أن يكون امتناعا سلبيا للقيام بفعل واجب‪ ،‬وتختلف حدة‬
‫الخطأ ودرجته‪ ،‬فهناك الخطأ البسيط‪ ،‬وهناك الخطأ الجسيم؛‬

‫ومما ال شك فيه‪ ،‬أنه من الصعوبة بمكان وضع معيار دقيق وحاسم يميز بين الخطأ‬
‫الجسيم الصادر عن المحافظ على األمالك العقارية‪ ،‬والخطأ العادي‪ ،‬وفي هذا الصدد‬
‫يعرف أحد الباحثين الخطأ الجسيم بأنه ذلك الخطأ الذي ال يقوم على أساس التدليس‪ ،‬ولكنه‬
‫يتجاوز من حيث خطورته الخطأ العادي الذي يمكن توقع حدوثه من أي موظف‪ ،‬كأن يغفل‬
‫المحافظ ذكر اسم أحد طالبي التحفيظ‪ ،‬حين اتخاذه لقرار تأسيس الرسم العقاري‪ ،‬على الرغم‬
‫من أن الطلب يتعلق بحقوق مشاعة بين عدة أشخاص وردت أسماؤهم بمطلب التحفيظ‬
‫وبالوثائق المؤيدة لمطلبهم‪ ،‬أو تأسيس رسم عقاري مخالف للعقار المطلوب تحفيظه‪.2‬‬

‫غير أنه يبدوا أن إثبات هذا النوع من األخطاء أمر سهل‪ ،‬على اعتبار أن أغلب‬
‫تدخالت المحافظ في مسطرة التحفيظ هي عبارة عن إجراءات يتعين القيام بها كما هي‬
‫مؤطرة قانونا‪ ،‬وأن أي إغفال عن هذه اإلجراءات يدخل في نطاق األخطاء الشخصية‬
‫الجسيمة‪ ،‬كما إذا تم اتخاذ قرار التحفيظ دون نشر إعالن عن انتهاء التحديد في الجريدة‬
‫الرسمية‪ ،‬أو اتخاذ قرار التحفيظ على الرغم من وجود تعرض لم تستكمل بشأنه اإلجراءات‬
‫الضرورية‪ ،‬أو التحفيظ دون استدعاء المتدخلين في مسطرة التحفيظ لحضور عملية التحديد‪،‬‬
‫كما يعتبر من األخطاء الجسيمة تحفيظ العقار للمرة الثانية وإنشاء رسمين عقارين لمالكين‬

‫عبد الكريم شهبون‪ ،‬الشافي في شرح قانون االلتزامات والعقود المغربي‪ ،‬الكتاب األول ن االلتزامات بوجه عام‪ ،‬الجزء األول‪ :‬مصادر االلتزامات‬ ‫‪1‬‬

‫مطبعة النجاح الجديدة – الدار البيضاء‪ ،‬طبعة ‪ ،2018‬الصفحة ‪.193‬‬


‫‪2‬‬
‫محمد خيري‪ ،‬حماية الملكية العقارية ونظام التحفيظ العقاري بالمغرب‪ ،‬مطبعة المعارف الجديدة‪ -‬الرباط‪ ،‬السنة ‪ ،1113‬الصفحة ‪.11‬‬

‫‪187‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫مختلفين حول نفس العقار‪ ،1‬وقد أكد المجلس األعلى( محكمة النقض حاليا) أن مسؤولية‬
‫المحافظ في هذه الحالة األخيرة‪ ،‬تكون قائمة على أساس الفصل ‪ 91‬من قانون االلتزامات‬
‫والعقود‪ ،2‬ومن ثم قيام خطأه الشخصي الجسيم‪ .‬وفي قرار آخر اعتبرت محكمة النقض أن‬
‫رفض المحافظ تأسيس رسم عقاري لعقار بعد استنفاذ جميع اإلجراءات وانصرام أجل‬
‫التعرض‪ ،‬يعتبر خطأ جسيما يسأل عنه المحافظ على األمالك العقارية شخصيا‪ .3‬كما‬
‫يعتبر‪ ،‬حسب محكمة النقض‪ ،‬خطأ جسيما إنشاء رسم عقاري لألرض دون تحديد مساحتها‬
‫من قبل مصلحة الهندسة الطوبوغرافية؛ إذ كان على المحافظ على األمالك العقارية أن‬
‫يتحقق من مساحة األرض أوال‪ ،‬قبل إقدامه على تحفيظها‪.4‬‬

‫وإذا كانت مسؤولية الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية عن‬
‫أخطاء المحافظ على األمالك العقارية في إطار الفصل ‪ 13‬من قانون االلتزامات والعقود‬
‫تبنى على الخطأ المفترض‪ ،‬فإن الظاهر أن مسؤولية المحافظ‪ ،‬في إطار الفصل ‪ 91‬من‬
‫نفس القانون‪ ،‬هي مسؤولية مبنية على الخطأ الشخصي الواجب اإلثبات‪ ،‬ويبقى للقضاء‬
‫استخالص هذا الخطأ وتكييف درجته‪ ،‬وهو تكييف يخضع لرقابة محكمة النقض‪،5‬ال سيما‬
‫أن المشرع المغربي اعتمد في الفصل ‪ 91‬من قانون االلتزامات والعقود معيار جسامة الخطأ‬

‫‪1‬‬
‫محمد منتصر الداودي‪ ،‬مدى قابلية الق اررات الصادرة عن المحافظ على الملكية العقارية للطعن باإللغاء‪ ،‬مجلة دفاتر المجلس األعلى‪ ،‬العدد ‪،5‬‬
‫الصفحة ‪.315‬‬
‫‪2‬‬
‫القرار عدد ‪ 309‬صادر بتاريخ ‪ 13‬فبراير ‪ 3331‬في الملف اإلداري عدد ‪ ،3335/5/3‬منشور بالعمل القضائي في نزاعات التحفيظ العقاري‪،‬‬
‫الصفحة ‪ 111‬وما يليها‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫القرار رقم ‪ 3/133‬المؤرخ في ‪ 11‬فبراير ‪ ،1131‬والصادر في الملف المدني عدد ‪ ،1131-3-3-3511‬منشور في مؤلف‪ :‬أحمد أجعون‪،‬‬
‫المنازعات العقارية بين المحاكم العادية والمحاكم اإلدارية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة – الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1135-3011‬الصفحة ‪105‬‬
‫وما يليها‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫القرار عدد ‪ 935‬الصادر بتاريخ ‪ 30‬دجنبر ‪ 1115‬في الملف اإلداري عدد ‪ ،1110/1/0/315‬غير منشور‪ .‬وفي قرار صادر عن محكمة‬
‫االستئناف بالناظور‪ ،‬جاء فيه ما يلي‪" :‬إن إقدام المحافظ العقاري على تحفيظ الملك بكامله في اسم شخص واحد دون باقي المالكين‪ ،‬يكون قد‬
‫تصرف وبسوء نية‪ ،‬وارتكب خطأ جسيما يوجب مساءلته عنه‪ ... ،‬وحيث يستخلص مما ذكر أعاله أن المسؤولية ثابتة في حق المحافظ العقاري‬
‫بالناظور‪ ،‬وأن هذه المسؤولية نتج عنها ضرر فادح‪"...‬؛ القرار عدد ‪ 010‬صادر عن محكمة االستئناف بالناظور بتاريخ ‪ 11‬يونيو ‪ 1111‬في‬
‫الملف عدد ‪.11/5/031‬‬
‫‪5‬‬
‫محمد الكشبور‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬الصفحة ‪.51‬‬

‫‪188‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫لتأسيس مسؤولية المحافظ الشخصية‪ ،‬دون بيان حدوده‪ ،‬تاركا ذلك على كاهل القضاء الذي‬
‫يبقى هو المختص في تحديد طبيعة الخطأ حسب ظروف كل نازلة‪.1‬‬

‫والمالحظ أن بعض االجتهادات القضائية دأبت على اعتبار بعض األخطاء المرتكبة‬
‫من قبل المحافظ على أنها أخطاء شخصية‪ ،‬على الرغم من أنها قد تعتبر عكس ذلك طبقا‬
‫للقواعد العامة؛ من قبيل عدم احترام بعض اإلجراءات المسطرية التي قد يتعذر إصالح‬
‫األضرار الناتجة عنه ا‪ ،‬ما يجعلها أخطاء شخصية‪ ،‬بل إن طبيعة المهام التي يقوم بها‬
‫المحافظ على األمالك العقارية والمرتبطة بالسهر على حسن سير مسطرة التحفيظ‪ ،‬وكذلك‬
‫نظام التقييدات‪ ،‬تجعل من األخطاء المرتكبة منه عامة‪ ،‬أخطاء شخصية وليست مرفقية‪.2‬‬

‫وفي هذا اإلطار اعتبر المجلس األعلى أن المحافظ الذي لم يتحقق من مطابقة الوثائق‬
‫على العقار المراد تحفيظه‪ ،‬مع أنه ملزم بالقيام بكافة الوسائل للتحقق من ثبوت حق طالب‬
‫التحفيظ‪ ،‬بما فيه موقع القطعة المراد تحفيظها وحدودها‪ ،‬قد ارتكب تقصي ار واضحا بمثابة‬
‫الخطأ الجسيم‪ ،‬حيث لم يقم بما يوجبه عليه القانون من إجراءات المطابقة‪.3‬‬

‫ومعلوم أن الفصل ‪ 91‬من قانون االلتزامات والعقود ينص على أن الدولة تحل محل‬
‫الموظف في أداء التعويض المحكوم به‪ ،‬لجبر الضرر الناتج عن الخطأ الجسيم أو التدليس‪،‬‬
‫إذا ثبت عسره‪ ،‬غير أنه لئن كان المحافظ على األمالك العقارية يخضع لهذه المقتضيات‪،‬‬
‫فإن الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية ال تحل محل المحافظ‬
‫حتى في حالة ثبوت عسره‪ ،‬بسبب وجود صندوق التأمين المنصوص على تأسيسه في‬
‫الفصل ‪ 311‬من ظهير التحفيظ العقاري‪ ،‬والذي يهدف إلى ضمان أداء التعويض الذي قد‬
‫يحكم به ضد المحافظ في حالة عسره‪.4‬‬

‫‪ 1‬عبد الكريم حيضرة‪ ،‬المسؤولية الشخصية للمحافظ على األمالك العقارية‪ ،‬المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية‪ ،‬عدد ‪ ،10‬شتنبر – أكتوبر‬
‫‪ ،1115‬الصفحة ‪.93‬‬
‫‪2‬‬
‫عبد العالي الدقوقي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬الصفحة ‪.105‬‬
‫‪3‬‬
‫قرار عدد ‪ 1111‬صادر بتاريخ ‪ 15‬مارس ‪ 3333‬في الملف عدد ‪ ،3/3391‬منشور بمجلة القضاء والقانون‪ ،‬عدد ‪ ،300‬مطبعة األمنية –‬
‫الرباط‪ ،‬الصفحة ‪.111‬‬
‫‪4‬‬
‫جاء في قرار صادر عن الغرفة اإلدارية بالمجلس األعلى (محكمة النقض حاليا) بأن ارتكاب المحافظ العقاري لخطأ جسيم‪ ،‬يؤدي إلى تحفيظ‬
‫معيب‪ ،‬يتسبب في حرمان أشخاص من حقوقهم‪ ،‬يقتضي حلول صندوق التأمينات المنصوص عليه في ظهير التحفيظ العقاري محل المحافظ في‬
‫حالة عسره‪.‬‬

‫‪189‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ومما تجدر اإلشارة إليه أخيرا‪ ،‬أن الدعوى المقامة ضد المحافظ في إطار الفصل ‪91‬‬
‫من قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬ترفع أمام القضاء العادي‪ ،‬ما دامت توجه ضد المحافظ بصفته‬
‫الشخصية وليس ضد الوكالة الوطنية‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬مسؤولية المحافظ على األمالك العقارية في إطار اانون‬


‫التحفيظ العقاري‬

‫إلى جانب القواعد العامة التي تؤطر مسؤولية المحافظ على األمالك العقارية‪ ،‬نص‬
‫المشرع المغربي على عدة مقتضيات خاصة تتعلق بهذه المسؤولية‪ ،‬وتضمنها ظهير التحفيظ‬
‫العقاري‪ ،‬كما تم تغييره وتتميمه بمقتضى القانون ‪ ،30.11‬باإلضافة إلى مجموعة من‬
‫المراسيم والق اررات الملحقة بهذا الظهير‪.‬‬

‫ويالحظ باالطالع على فصول ظهير التحفيظ العقاري‪ ،‬أن أغلب النصوص التي‬
‫تتضمن صراحة ما يفيد المسؤولية الشخصية للمحافظ على األمالك العقارية‪ ،‬قد وردت في‬
‫القسم الثاني المتعلق بإشهار الحقوق وتقييدها في السجل العقاري‪ ،‬وهذا يؤكد جسامة المهمة‬
‫المسندة لهذه المؤسسة‪ ،‬حتى بعد إنشاء الرسم العقاري‪ ،‬ويبرز أيضا أهمية العمليات المنصبة‬
‫على الرسوم العقارية من تقييدات أو تشطيبات‪.‬‬

‫ويعتبر التحقق من هوية المفوت وأهليته ومن صحة الوثائق المدلى بها تأييدا للطلب‪،‬‬
‫شكال وجوهرا‪ ،‬من أهم الصالحيات المخولة للمحافظ على األمالك العقارية‪ ،‬ويسأل شخصيا‬
‫في حالة عدم قيامه بذلك وفقا للفصل ‪ 11‬من ظهير التحفيظ العقاري‪( .‬المطلب األول)‪،‬‬
‫إضافة إلى الصالحيات األخرى المنصوص عليها في الفصل ‪ 31‬من نفس الظهير‪ ،‬والتي‬
‫أثارت نقاشا هاما بين الباحثين‪ ،‬خاصة بعد صدور قانون ‪ 30.11‬المغير والمتمم لظهير‬
‫التحفيظ العقاري (المطلب الثاني)‪ .‬وإذا ثبتت المسؤولية الشخصية للمحافظ على األمالك‬
‫العقارية‪ ،‬وحكم عليه بالتعويض لفائدة المتضرر‪ ،‬فإنه يكون ملزما باألداء إال في حالة عسره‪،‬‬
‫فإن صندوق التأمين هو الذي يحل محله في األداء (المطلب الثالث)‪.‬‬

‫(القرار عدد ‪ 133‬الصادر بتاريخ ‪ 31‬فبراير ‪ ،1111‬منشور في الدليل العملي لالجتهاد القضائي في المادة اإلدارية‪ ،‬منشورات المجلة المغربية‬
‫لإلدارة المحلية والتنمية‪ ،‬الجزء الثالث‪ ،‬رقم ‪ ،31‬مطبعة المعارف الجديدة بالرباط‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،1110‬الصفحة ‪.103‬‬

‫‪190‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المطلب األول‪ :‬اإلشااالت المثارة حول تطبيق مقتضيات الفص ‪ 92‬وما‬


‫يليه من ظهير التحفيظ العقاري‬

‫معلوم أن الفصل ‪ 11‬من ظهير التحفيظ العقاري يلزم المحافظ على األمالك العقارية‬
‫بالتحقق من هوية المفوت وأهليته‪ ،‬وكذا من صحة الوثائق المدلى بها تأييدا للطلب شكال‬
‫وجوهرا‪.‬‬

‫وإذا كان ا لتحقق من صحة الوثائق من الناحية الشكلية ال يثير إشكاال كبيرا‪ ،‬فإن إلزام‬
‫المحافظ بالتحقق من هذه الواقعة من الناحية الجوهرية أثار نقاشا بين الباحثين‪ ،‬ال سيما‬
‫عندما يتعلق األمر بحكم قضائي‪ ،‬حيث طرح التساؤل حول ما إذا كان المحافظ يحق له‬
‫مراقبة األحكام القضائية‪ ،‬والتحقق من سالمتها وصحتها (الفقرة الثانية)‪ .‬أما صالحية‬
‫التحقق من هوية المفوت‪ ،‬فيختلف مداها ونطاقها‪ ،‬حسب طبيعة المستندات المعتمدة إلجراء‬
‫التقييد أو التشطيب (الفقرة األولى)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬التحقق من هوية وأهلية األطراف‬

‫يلزم الفصل ‪ 11‬من ظهير التحفيظ العقاري المحافظ على األمالك العقارية بالتحقق‬
‫من هوية المفوت فقط دون اإلشارة إلى المفوت له‪ ،‬ألن المفوت هو الذي سيفقد حقه‬
‫المسجل في السجل العقاري‪ ،‬ولذلك يجب أن يكون ذلك برضاه‪ ،1‬غير أنه في الواقع يقوم‬
‫المحافظ بالتحقق من هوية كافة األطراف المذكورة في سند التقييد‪ ،‬وحالتهم المدنية‪ ،‬ال فرق‬
‫في ذلك بين المفوت والمفوت له‪ ،‬وهذا ما يؤكده الفصل ‪ 11‬الذي لم يقتصر على ذكر هوية‬
‫المفوت وحده‪ ،2‬وإنما استعمل صيغة عامة تفيد أن كل األطراف معنية بمقتضاها؛‬

‫‪1‬‬
‫محمد مهدي الجم‪ ،‬التحفيظ العقاري بالمغرب‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ -‬الدر البيضاء‪ ،‬السنة ‪ ،3313‬الصفحة ‪.111‬‬
‫ينص الفصل ‪ 11‬من ظهير التحفيظ العقاري‪ ،‬كما تم تغييره وتتميمه بمقتضى القانون رقم ‪ ،30.11‬على ما يلي‪" :‬تعتبر هوية كل طرف وصفته‬ ‫‪2‬‬

‫وأهليته محققة إذا استند الطلب على محررات رسمية‪ ."...‬وهذا خالف ما يراه بعض الباحثين من أن المحافظ غير ملزم بالتحقق من هوية المفوت‬
‫إليه؛ أي المستفيد من التفويت‪ ،‬تقيدا بحرفية مقتضيات الفصل ‪ 11‬من ظهير التحفيظ العقاري‪ ،‬أنظر في هذا الصدد‪ :‬عبد العالي دقوقي‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬الصفحة ‪111‬؛ محمد خيري‪ ،‬العقار وقضايا التحفيظ العقاري‪ ،‬في التشريع المغربي‪ ،‬مطبعة المعارف الجديدة (‪ )CTP‬الرباط‪ ،‬سنة ‪،1139‬‬
‫الصفحة ‪.103‬‬

‫‪191‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ومعلوم أن هوية األطراف تتضمنها الوثائق والمحررات التي يتم االستناد عليها في‬
‫طلب التقييد‪ ،‬وهي إما محررات رسمية‪ ،‬أو محررات عرفية‪1‬؛‬

‫فإذا كان األمر يتعلق بمحررات رسمية‪ ،‬فإن دور المحافظ على األمالك العقارية‬
‫يقتصر على المقارنة بين الهوية المضمنة في المستندات مع ما هو مضمن في وثائق‬
‫التعريف بهوية الشخص المعني؛ كبطاقة التعريف الوطنية‪ ،‬أو جواز السفر‪ ،‬كما يقارن بين‬
‫هذه البيانات بما هو مدون في السجل العقاري‪ ،‬وذلك للتحقق من احترام مبدأ تسلسل‬
‫التقييدات‪ .2‬أي أن كل حق يطلب تقييده يجب تلقيه ممن يكون العقار أو الحق مقيدا باسمه‪.‬‬

‫وفي هذا اإلطار يعتبر الفصل ‪ 11‬من ظهير التحفيظ العقاري أن هوية األطراف‬
‫وأهليتهم تكون محققة‪ ،‬إذا كانت التوقيعات الموضوعة على السندات أو العقود المدلى بها‬
‫مصادقا عليها من طرف السلطات المختصة‪.‬‬

‫أما المحررات العرفية‪ ،‬فمنذ صدور القانون رقم ‪ 13.19‬المتعلق بمدونة الحقوق العينية‬
‫كما وقع تتميمه‪ ،3‬لم تعد معتمدة في التصرفات المتعلقة بنقل الملكية أو بإنشاء الحقوق‬
‫العينية األخرى‪ ،‬أو نقلها‪ ،‬أو تعديلها‪ ،‬أو إسقاطها‪ ،‬إال بصفة استثنائية‪ ،‬وفي حالة واحدة‬
‫فقط‪ ،‬ووفق شكليات محددة قانونا‪ ،‬حيث أوجبت المادة ‪ 0‬من هذا القانون‪ ،‬تحت طائلة‬
‫البطالن‪ ،‬أن تحرر جميع التصرفات المشار إليها‪ ،‬بموجب محرر رسمي‪ ،‬وبصفة استثنائية‬
‫بمحرر ثابت التاريخ‪ 4‬يتم تحريره من طرف محام مقبول للترافع أمام محكمة النقض‪ ،‬مع‬

‫يعرف الفصل ‪ 039‬من قانون االلتزامات والعقود الورقة الرسمية بأنها تلك التي يتلقاها الموظفون العموميون الذين لهم صالحية التوثيق في مكان‬ ‫‪1‬‬

‫تحرير العقد‪ ،‬في الشكل الذي يحدده القانون‪"...‬؛ أما الورقة العرفية فقد نص عليها الفصل ‪ 010‬من نفس القانون الذي جاء فيه ما يلي‪" :‬الورقة‬
‫العرفية المعترف بها ممن يقع التمسك بها ضده أو المعتبرة قانونا في حكم المعترف بها منه‪ ،‬يكون لها نفس قوة الدليل التي للورقة الرسمية في‬
‫مواجهة كافة األشخاص على التعهدات والبيانات التي تتضمنها‪ ،‬وذلك في الحدود المقررة في الفصلين ‪ 033‬و‪ 011‬عدا ما يتعلق بالتاريخ كما‬
‫سيذكر فيما بعد‪".‬‬
‫‪2‬‬
‫جاء في قرار للمجلس األعلى‪..." :‬فالقرار رد استئناف الطاعن بعلة أن‪ " :‬البائع المذكور‪ .....‬غير مسجل في الرسم العقاري المذكور‪ ،‬وإنما‬
‫أشخاص آخرون‪ ،‬وال يمكن للمحافظ على األمالك العقارية معه أن يسجل عقد البيع المدلى به من طرف المدعي‪ ،‬قبل التشطيب على من هم‬
‫مسجلون بالرسم المذكور‪ ،‬ألن ما تم تسجيله بالرسم العقاري ال يمكن التشطيب عليه من طرف المحافظ‪ ،‬إال في الحاالت وبالوسائل المنصوص‬
‫عليها في الفصل ‪ 33‬من ظهير التحفيظ العقاري لسنة ‪ " ،3331‬فإنه نتيجة لما ذكر كله وبهذه التعليالت غير المنتقدة‪ ،‬يكون القرار مرتك از على‬
‫أساس قانوني‪ ،‬ومعلال تعليال كافيا"‪ .‬مشار إليه من طرف‪ :‬عمر أزوكار‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬الصفحة ‪.15‬‬
‫ظهير شريف رقم ‪ 3.33.319‬صادر في ‪ 15‬من ذي الحجة ‪ 11( 3011‬نوفمبر ‪ )1133‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 13.19‬المتعلق بمدونة الحقوق‬ ‫‪3‬‬

‫العينية‪( .‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 5339‬وتاريخ ‪ 10‬نوفمبر ‪.)1133‬‬


‫‪4‬‬
‫لمزيد من التفصيل حول المحررات الثابتة التاريخ‪ ،‬يراجع مقال‪ :‬عبد الهادي نجار‪ ،‬المحرر الثابت التاريخ في القوانين العقارية الجديدة‪ ،‬منشور في‬
‫موقع مغرب القانون‪ ، www.maroclaw.com،‬تاريخ الزيارة ‪ 9‬مارس ‪ ،1111‬على الساعة الحادية عشرة صباحا‪.‬‬

‫‪192‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫التقيد ببعض اإلجراءات المحددة في هذه المادة؛ كأن يتم توقيع جميع صفحات العقد من‬
‫طرف المحامي والتأشير عليها من األطراف‪ ،‬وتصحيح اإلمضاءات والتعريف بإمضاء‬
‫المحامي‪....‬‬

‫وفي إطار التصدي لظاهرة االستيالء على أمالك الغير‪ ،‬جاء القانون رقم ‪13.31‬‬
‫القاضي بتتميم المادة ‪ 0‬من مدونة الحقوق العينية‪ ،‬حيث أضاف إلى مقتضيات هذه المادة‪،‬‬
‫المعامالت التي يتم إبرامها عن طريق الوكاالت‪ ،‬فأوجب أن تحرر هذه األخيرة بنفس الشكل‬
‫الذي تحرر به التصرفات المشار إليها في هذه المادة‪ ،‬حيث أصبحت الفقرة األولى من‬
‫المادة ‪ 0‬تنص على ما يلي‪:‬‬

‫"يجب أن تحرر‪-‬تحت طائلة البطالن‪ -‬جميع التصرفات المتعلقة بنقل‬


‫الملكية‪ ،‬أو بإنشاء الحقوق العينية األخرى‪ ،‬أو نقلها‪ ،‬أو تعديلها‪ ،‬أو إسقاطها‪ ،‬وكذا‬
‫‪1‬‬
‫الوكاالت الخاصة بها‪ ،‬بموجب محرر رسمي"‬

‫ويتضح من ذلك‪ ،‬أن المحافظ على األمالك العقارية لم يعد يتشدد في مراقبة المحررات‬
‫والوثائق‪ ،‬مادامت هوية األطراف يتم التحقق فيها من قبل محرريها المحصورين في الموثقين‬
‫والعدول‪ ،‬والمحامين الذين يتوفرون على الشروط المنصوص عليها في المادة ‪ 0‬من مدونة‬
‫الحقوق العينية‪.‬‬

‫كما يتحقق المحافظ من أهلية األطراف‪ ،‬ولعل أهم ما يراقبه في هذا الصدد‪ ،‬هو‬
‫عوارض األهلية المتعلقة بالسن القانوني‪ ،‬حيث يقوم بالتحقق من مطابقة البيانات المتعلقة‬
‫بالحالة المدنية المضمنة في سند التقييد مع بيانات الرسم العقاري‪ ،‬أما بالنسبة للمفوت إليه‪،‬‬
‫فإن المحافظ يعتمد على العقد والوثائق األخرى المدلى بها إلثبات أهليته‪ ،‬وعند خلوها من‬
‫اإلشارة إلى أي عارض من عوارض األهلية ‪ ،‬فهذا يعتبر قرينة بسيطة على كمال األهلية‪.2‬‬

‫ظهير شريف رقم ‪ 3.31.51‬صادر في ‪ 9‬ذي الحجة ‪ 11( 3019‬غشت ‪ )1131‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 13.31‬القاضي بتتميم المادة ‪ 0‬من‬ ‫‪1‬‬

‫القانون ‪ 13.19‬المتعلق بمدونة الحقوق العينية‪( .‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 1110‬وتاريخ ‪ 30‬شتنبر ‪.)1131‬‬
‫آيت احمد ياسين رقابة المحافظ على الوثائق المدعمة للتقييدات والتشطيبات على ضوء مستجدات قانون ‪ ،30.11‬منشورات مجلة العلوم القانونية‬ ‫‪2‬‬

‫العدد األول ‪ .1130‬المخصص لموضوع‪ :‬مستجدات قانون التحفيظ العقاري بين النص القانوني والعمل القضائي‪ ،‬الصفحة ‪.303‬‬

‫‪193‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫غير أن رقابة المحافظ على األمالك العقارية تصطدم أحيانا بإكراهات واقعية تصعب‬
‫عليه القيام بمهمة التقييد‪ ،‬منها مثال؛ عدم تطابق منطوق الحكم مع البيانات المضمنة في‬
‫الرسم العقاري‪ ،‬كما قد يحدث هذا اإلشكال أيضا بين ما هو مسجل في الرسم العقاري وبين‬
‫ما هو مدون في السجل التجاري‪ ،‬فقد يحدث أن تكون شركة ما في وضعية تسوية أو‬
‫تصفية قضائية‪ ،‬ويتم تقييد هذه الوضعية في السجل التجاري‪ ،‬دون تحيين الرسم العقاري‪.‬‬
‫وفي هذا الصدد قضت محكمة االستئناف بوجدة بأنه من آثار التصفية غل يد التاجر من‬
‫التصرف في أمواله‪ ،‬بحيث تنعدم لديه األهلية في مسائله التجارية‪ ،‬وبالتالي فإن أي تفويت‬
‫ألمواله التابعة للشركة خارج التصفية القضائية‪ ،‬تعد كأنها لم تكن وال أثر لها في مواجهة‬
‫الغير‪ ،‬وأن العقد المبرم بين الطرفين يكون باطال‪ ،‬ويكون تبعا لذلك التسجيل المؤسس على‬
‫الرسم المذكور غير مؤسس قانونا بحيث إن التصريح ببطالن العقد المستند عليه التسجيل‬
‫يستتبع التشطيب عليه من الرسم المذكور‪.1‬‬

‫ومهما يكن من أمر‪ ،‬إن المحافظ على األمالك العقارية ال يمكنه أن يتحقق من أهلية‬
‫المفوت‪ ،‬إال من خالل ما هو مسجل في السجل العقاري‪ ،‬ألن مسؤوليته وحدود اختصاصه‬
‫ينحصر فيما هو مسجل في السجل المذكور‪ ،‬وعلى كل شخص يدعي عدم أهلية المفوت‪،‬‬
‫أن يتقدم بطلب تقييد ذلك بالرسم العقاري حتى يكون له أثر ترتيب مسؤولية المحافظ في‬
‫حالة عدم التحقق منها‪.2‬‬

‫وخالصة القول إن الفصل ‪ 11‬من ظهير التحفيظ العقاري نبه فيه المشرع إلى‬
‫مسؤولية المحافظ على األمالك العقارية في التحقق من هوية المفوت‪ ،‬وعمليا من هوية‬
‫المفوت إليه أيضا‪ ،‬وأهليتهم‪ ،‬وأعفاه في الفصل ‪ 11‬من مسؤولية التحقق من هوية األطراف‬
‫وصفاتهم في العقد ومن أهليتهم للتصرف‪ ،‬عندما يتعلق األمر بطلب تقييد محرر رسمي‪.‬‬
‫وبذلك أصبحت مسؤولية المحافظ على األمالك العقارية منحصرة في مراقبة توفر المحرر‬
‫الرسمي على الشكليات المطلوبة لصحته‪ ،‬وعلى عدم تعارض مضمونه مع مضمون الرسم‬

‫‪1‬‬
‫القرار عدد ‪ 3011‬الصادر عن محكمة االستئناف بوجدة بتاريخ ‪ 31‬نونبر ‪ 1119‬في الملف المدني عدد ‪ ،10/3151‬مشار إليه من طرف‬
‫األستاذ إدريس الفاخوري في مقاله مسؤولية المحافظ على األمالك العقارية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬الصفحة ‪.5‬‬
‫‪2‬‬
‫الحكم الصادر عن المحكمة االبتدائية بطنجة بتاريخ ‪ 11‬نونبر ‪ 1119‬في الملف عدد ‪ ،31/11/0115‬منشور في مؤلف‪ :‬إدريس الفاخوري‪،‬‬
‫قضايا المنازعات العقارية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬الصفحات من ‪ 351‬إلى ‪.315‬‬

‫‪194‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫العقاري أو مع القانون‪ ،‬بمعنى أنه ما زال يراقب صحة السندات المدلى بها إليه شكال‬
‫وجوهرا‪ ،‬ومسؤوال بالتالي عن الخطأ والمخالفات التي قد تظهر في الوثائق المعتمدة في‬
‫التقييد‪ ،‬وإن كانت مسؤوليته عن مخالفة الهوية أو الصفة أو األهلية للواقع قد انتهت‪.1‬‬

‫ومما تجدر اإلشارة إليه‪ ،‬أنه إذا كانت األخطاء المرتكبة من طرف المحافظ على‬
‫األمالك العقارية‪ ،‬في إطار قانون االلتزامات والعقود يتم تكييفها من طرف القضاء‪ ،‬انطالقا‬
‫من الوقائع والعناصر المكونة لهذه األخطاء‪ ،‬حيث يميز بين األخطاء المرفقية واألخطاء‬
‫الشخصية للمحافظ‪ ،‬مع ما يترتب عن ذلك من تطبيق النص القانوني المناسب وترتيب‬
‫النتائج المترتبة عن ذلك‪ ،‬فإن األخطاء الناتجة عن عدم تطبيق مقتضيات الفصل ‪ 11‬وما‬
‫يليه‪ ،‬تعتبر أخطاء شخصية للمحافظ على األمالك العقارية بغض النظر عن طبيعتها‪ ،‬حيث‬
‫تولى المشرع تصنيفها في هذا اإلطار‪ ،‬وبالتالي يتحمل تبعاتها المحافظ‪ ،‬شخصيا ولو كانت‬
‫غير جسيمة‪ .‬وهذا ما ينطبق أيضا على صالحية التحقق من صحة الوثائق والمستندات‬
‫شكال وجوهرا‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬التحقق من صحة الوثائق والمستندات‪ ،‬شاال وجوه ار‬

‫يلزم المحافظ على األمالك العقارية بالتحقق أثناء اتخاذ ق ارراته‪ ،‬من صحة الوثائق‬
‫والمستندات التي يستند عليها في التقييد والتشطيب‪ ،‬شكال وجوهرا‪ ،‬ومن ثم يتعين عليه أن‬
‫يتحلى باليقظة والحذر‪ ،‬ويجب عليه أن يتوخى الدقة في فحصه للوثائق المدلى بها أمامه‪،‬‬
‫تحت مسؤوليته الشخصية‪ ،2‬وذلك وفق ما ينص عليه الفصل ‪ 11‬من ظهير التحفيظ‬
‫العقاري‪ ،‬كما تم تغيره وتتميمه بمقتضى القانون ‪.03.11‬‬

‫وإذا كان التحقق من هوية المفوت وحتى من هوية المفوت إليه‪ ،‬من األمور التي ال‬
‫تثير إشكاالت هامة‪ ،‬فإن التحقق من صحة الوثائق شكال ومضمونا أثار نقاشا بين الباحثين‬
‫والمهتمين بمجال نظام التحفيظ العقاري؛‬

‫‪1‬‬
‫محمد الفلجي‪ :‬المحافظ على األمالك العقارية‪ ،‬مهامه ومسؤولياته‪ " ،‬محاضرة ألقيت في دورة تكوينية لفائدة موظفي وأطر و ازرة االقتصاد والمالية‬
‫حول موضوع‪ :‬اإلشكاليات في ميدان التحفيظ العقاري"‪ ،‬الصفحة ‪ .35‬السنة ‪( ،1131‬غير منشورة)‪.‬‬
‫إدريس الفاخوري‪ ،‬نظام التحفيظ العقاري وفق مستجدات القانون ‪ ،30.11‬منشورات مجلة الحقوق‪ ،‬مطبعة المعارف الجديدة‪ -‬الرباط‪ ،‬طبعة‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ،1135‬الصفحة ‪.311‬‬

‫‪195‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫لذلك فإن الصيغة المطلقة والعامة التي جاءت بها مقتضيات الفصل ‪ 11‬من ظهير‬
‫التحفيظ العقاري‪ ،‬دفعت الباحثين إلى التساؤل حول ما إذا كانت األحكام القضائية تخضع‬
‫هي أيضا لرقابة المحافظ من حيث صحتها وسالمتها‪ ،‬ما دامت تدخل ضمن الوثائق‬
‫والمستندات التي يمكن أن يستند إليها طالبو التقييد‪.‬‬

‫وإذا كانت المراقبة الشكلية لهذه األحكام تبدو مقبولة ومستساغة‪ ،‬فإن أراء ومواقف‬
‫الباحثين اختلفت حول الرقابة الجوهرية؛ بمعنى هل يجوز للمحافظ أن يبسط رقابته على‬
‫األحكام القضائية من حيث الجوهر؟‬

‫فمن الناحية الشكلية يبسط المحافظ على األمالك العقارية رقابة صارمة على شكليات‬
‫األحكام القضائية‪ ،‬كالتحقق من نهائية الحكم وحيازته لقوة الشيء المقضي به‪ ،‬وإشفاعه‬
‫بالصيغة التنفيذية‪ ،‬والتحقق من شهادة عدم الطعن‪ ،‬ومطابقة هوية أطراف الحكم مع البيانات‬
‫المتعلقة بالرسم العقاري‪.‬‬

‫أما الرقابة على األحكام القضائية من حيث الجوهر‪ ،‬فقد اختلفت أراء الباحثين حول‬
‫جوازها من عدمها‪ ،‬ولكل موقف مبرراته وأسانيده؛ فيرى جانب من الباحثين أنه نظ ار‬
‫لخصوصيات المادة العقارية‪ ،‬سيما في شقها المتعلق بالسجالت العقارية‪ ،‬فإن المحافظ‬
‫مطالب ببسط رقابته على األحكام القضائية‪ ،‬كالتحقق من عدم وجود حجوز عقارية مقيدة‬
‫على الرسم العقاري‪ ،‬ومن وجود غير حسن النية استفاد من التفويت‪ ،‬دون وجود تقييد‬
‫احتياطي يحفظ الحق لحامل الحكم القضائي‪.....1‬‬

‫غير أن هناك من الباحثين والممارسين من يعارض هذا الموقف‪ ،‬وعلى راسهم المحافظ‬
‫العام الذي افتى بأنه ليس من صالحية المحافظ على األمالك العقارية التحقق من صحة‬
‫األحكام القضائية من حيث الجوهر‪ ،‬وذلك بواسطة المذكرة عدد ‪ 191‬وتاريخ ‪ 11‬فبراير‬
‫‪.3391‬‬

‫‪1‬‬
‫أنظر مثال عبد العالي دقوقي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬الصفحة ‪111‬؛ كمال عونة ‪ ،‬تنفيذ المحافظ على األمالك العقارية للمقررات القضائية‪ ،‬بين تطبيق‬
‫العامة والخاصة على ضوء مستجدات القانون رقم ‪ ،30.11‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص‪ ،‬وحدة التكوين والبحث في قانون العقود‬
‫والعقار‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬جامعة محمد األول بوجدة‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،1131-1131‬الصفحة ‪111‬؛ رضوان دزاري‪،‬‬
‫المحافظ بين المسؤولية المدنية والمسؤولية اإلدارية‪ ،‬بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص‪ ،‬وحدة التكوين والبحث في القانون‬
‫المدني‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،1111-1113‬الصفحة ‪.39‬‬

‫‪196‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫أما على مستوى العمل القضائي‪ ،‬فقد صدر قرار شهير عن المجلس األعلى بتاريخ ‪1‬‬
‫يوليوز ‪ ،1111‬ميز فيه بين التنفيذ والتقييد؛ فالتقييد على الرسم العقاري‪ ،‬حسب هذا القرار‪،‬‬
‫يخضع للشروط والمقتضيات التي قررها ظهير التحفيظ العقاري الذي يلزم المحافظ بالتحقق‪،‬‬
‫تحت مسؤوليته الشخصية من صحة الوثائق المدلى بها شكال وجوهرا‪ ،‬ومن كون مضمونها‬
‫ال يتعارض مع مضمون الرسم العقاري المعني‪ ،‬ومن كونها غير متوقفة على وثائق أخرى‪،‬‬
‫ومن كونها تجيز تقييد الحقوق التي تتضمنها‪ .‬أما في حالة إثارة صعوبات في التنفيذ فإنه‬
‫يتعين اللجوء إلى القاضي الذي أصدر الحكم المذكور لرفع الصعوبات والعراقيل التي تحول‬
‫دون تقييده ‪.1‬‬

‫ولقد حاول االتجاه المؤيد لرقابة المحافظ لألحكام القضائية من حيث الجوهر‪ ،‬أن‬
‫يستند على هذا القرار لتأسيس موقفه وتعزيز رأيه‪ ،‬لكن الواقع خالف ذلك‪ ،‬ألن المجلس‬
‫األعلى لم يجز للمحافظ صالحية مناقشة األحكام القضائية وبسط رقابته عليها‪ ،‬وإنما قضى‬
‫بأن رفض المحافظ تنفيذ حكم قضائي يرجع إلى وجود صعوبة جدية حالت دون ذلك‪ ،‬و‪:‬‬
‫"أنه كان على من المفروض أمام الصعوبات التي أثارها المحافظ وتمسك بها تجاه‬
‫طلبات ال مستأنف عليهما أن يلجأ المعنيان باألمر إلى القاضي الذي أصدر الحكم‬
‫المذكور لرفع الصعوبات والعراقيل المشار إليها حول طبيعة الحق المراد تقييده‪ ،‬وما‬
‫إذا كان مفرزا‪ ،‬أو شائعا‪ ،‬والتأكد من توفر باقي الشروط األخرى المجيزة لتقييده في‬
‫الرسم العقاري‪ ،‬ذلك أن قاضي اإللغاء يقتصر دوره على مراقبة مشروعية المقرر‬
‫المطعون فيه‪ ،‬وال يمكنه أن يعوض القرار الملغى بقرار أخر بدال عنه‪ ،‬مما يعني أن‬
‫هناك دعوى موازية أمام القضاء العادي للبت في النزاع المذكور‪ ،‬وأن المحكمة‬
‫اإلدارية قد أخطأت عندما صرحت ضمنيا باختصاصها للبت في الطلب رغم وجود‬
‫هذه الدعوى‪".‬‬
‫وعلى الرغم من كون هذا القرار يناقش مسألة الدعوى الموازية التي تمنع اللجوء إلى‬
‫قضاء اإللغاء‪ ،‬فإنه يتضمن إشارات واضحة وصريحة تفيد بأن المحافظ على األمالك‬

‫‪1‬‬
‫القرار عدد ‪ 3111‬الصادر عن المجلس األعلى بتاريخ ‪ 11‬يوليوز ‪ ،1111‬في الملف اإلداري عدد ‪ ،33/3/0/101‬منشور في مؤلف‪ :‬إدريس‬
‫الفاخوري‪ ،‬قضايا المنازعات العقارية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬الصفحات من ‪ 310‬إلى ‪.311‬‬

‫‪197‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫العقارية يحق له اللجوء إلى إثارة صعوبات تحول دون تنفيذ حكم قضائي‪ .‬ولم يتضمن‪،‬‬
‫حسب اعتقادنا‪ ،‬ما يفيد منح المحافظ صالحية مراقبة األحكام القضائية من حيث الجوهر‪.‬‬
‫وبناء عليه‪ ،‬يكون من حق المحافظ إثارة صعوبات تحيل دون تنفيذ حكم قضائي‪ ،‬وهذا‬
‫العمل ال يمكن اعتباره مراقبة لهذا الحكم من حيث الجوهر‪.‬‬
‫والمحافظ على األمالك العقارية يستند دوما‪ ،‬عند رفضه تنفيذ حكم قضائي إلى مبررات‬
‫وأسباب يتعذر عليه في ظل وجودها تنفيذ منطوقه‪ ،‬وهو بالتالي يثير في واقع األمر‪،‬‬
‫صعوبات واقعية أو قانونية تعوق التنفيذ‪ ،1‬ولذلك قضت المحكمة اإلدارية بمراكش بأن أمر‬
‫البت في هذه الصعوبات يرجع فيها إلى قاضي التنفيذ بالمحكمة التي تباشر أمامها إج ارءات‬
‫تنفيذ الحكم المستشكل‪ .‬ويترتب عن ذلك أن إثارة المحافظ للصعوبة في التنفيذ ال تعتبر ق ار ار‬
‫إداريا لعدم توفر مقومات هذا القرار‪ ،‬باعتبار أنه لن ينشئ أية حالة قانونية ولم يؤثر بذاته‬
‫في المركز القانوني للشخص المخاطب به‪ ،‬وإنما هو في واقع األمر موقف محدد من عملية‬
‫تنفيذ حكم قضائي نهائي استند فيه المحافظ إلى أن الطعن بالنقض يوقف عملية التنفيذ‬
‫معتمدا في ذلك على مقتضيات الفصل ‪ 113‬من قانون المسطرة المدنية‪ .‬ولذلك يكون‬
‫المحافظ من خالل موقفه هذا إنما يثير صعوبة قانونية تحول دون تنفيذ الحكم القضائي‬
‫المعني باألمر‪.2‬‬

‫ومعلوم أن إثارة الصعوبة في تنفيذ حكم قضائي ال تعتبر رقابة عليه وال مناقشة‬
‫لحيثياته وتعليالته‪ ،‬وإنما هي مسطرة أجازها المشرع لكل من اعترضته صعوبات جدية؛‬
‫قانونية أو واقعية‪ ،‬حالت دون التنفيذ‪ .‬وهي مكنة يلتجئ إليها المحافظ‪ ،‬حتى ولو لم يكن‬
‫طرفا في الدعوى التي صدر فيها الحكم المستشكل‪ ،‬ما دام هو المعني بالتنفيذ‪.3‬‬

‫‪1‬‬
‫حلمي نفطاطة‪ ،‬ق اررات المحافظ العقاري برفض تنفيذ حكم قضائي نهائي‪ ،‬بين الطعن فيها باإللغاء للتجاوز في استعمال السلطة وطريق العن‬
‫الموازي‪ ،‬مقال منشور في مجلة المحامي‪( ،‬دورية تصدر عن هيئة المحامين بمراكش)‪ ،‬العدد ‪ 11‬شتنبر ‪ ،1131‬الصفحة ‪.39‬‬
‫‪2‬‬
‫الحكم الصادر عن المحكمة اإلدارية بمراكش بتاريخ ‪ 13‬أبريل ‪ 1113‬في الملف عدد ‪1113/1/11‬غ‪ ،‬أشار إليه‪ :‬حلمي نفطاطة‪ ،‬المرجع‬
‫السابق الصفحة ‪ ،313‬الهامش ‪.3‬‬
‫‪3‬‬
‫أثار موضوع إثارة المحافظ على األمالك العقارية للصعوبة في تنفيذ حكم قضائي لم يكن طرفا فيه ‪ ،‬نقاشا واسعا بين الباحثين والممارسين‪،‬‬
‫وذلك بسبب عدم التنصيص على ذلك صراحة في النصوص القانونية المتعلقة بالتنفيذ‪ ،‬واعتبا ار أيضا لمبدأ نسبية األحكام القضائية‪ ،‬وفي هذا‬
‫الصدد قضى المجلس األعلى بأنه‪ " :‬بناء على مبدأ نسبية األحكام‪ ،‬فالمطلوبة لم تكن لها الصفة في إثارة الصعوبة التي أناطها الفصل ‪ 011‬من‬
‫قانون المسطرة المدنية باألطراف دون غيرها"( القرار عدد ‪ 135‬الصادر عن المجلس األعلى بتاريخ ‪ 11‬مارس ‪ 3333‬في الملف المدني رقم‬
‫‪ ، 91/3113‬مجلة قضاء المجلس األعلى‪ ،‬العدد ‪ ،05‬الصفحة ‪.11‬‬

‫‪198‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫غير أنه يتعين على المحافظ الذي تعترضه صعوبات قانونية أو واقعية تعوق التنفيذ‪،‬‬
‫أال يكتفي بالتصريح بوجود هذه الصعوبات في محاضر التنفيذ‪ ،‬وإنما يتعين عليهم مباشرة‬
‫المسطرة المنصوص عليها في الفصل ‪ 011‬من قانون المسطرة المدنية باعتبارهم أصحاب‬
‫المصلحة في إثارتها‪ ،‬وذلك بإحالتها على قاضي التنفيذ الذي يقدر ما إذا كانت االدعاءات‬
‫المتعلقة بها مجرد وسيلة للمماطلة والتسويف ترمي المساس بالشيء المقضي به‪ ،‬إذ يأمر‬
‫في هذه الحالة بصرف النظر عن ذلك‪ ،‬وإذا ظهر له أن الصعوبة جدية أمكن له أن يأمر‬
‫بإيقاف التنفيذ إلى أن يبت في األمر‪.1‬‬

‫والواضح مما سبق‪ ،‬أن المحافظ على األمالك العقارية ال يراقب هذه األحكام من حيث‬
‫الجوهر‪ ،‬وإنما يحيل الوضعية كما هي على قاضي التنفيذ الذي يتخذ القرار في ضوء‬
‫مالبسات القضية وظروفها‪.‬‬

‫وفي هذا الصدد قضت محكمة النقض بأن المحافظ على األمالك العقارية الذي‬
‫يرفض تقييد حكم قضى بإتمام إجراءات بيع عقار‪ ،‬بعلة وجود صعوبة في التقييد‪ ،‬وبعدم‬

‫غير أن هذا الموقف فيه نظر لكون الفصل ‪ 011‬من قانون المسطرة المدنية يتحدث عن األطراف التي يجوز لها إثارة صعوبات قانونية وواقعية‬
‫تحول دون تنفيذ الحكم‪ ،‬ولعل المقصود باألطراف‪ ،‬هي المعنية بالتنفيذ وليست أطراف الدعوى التي صدر فيه الحكم موضوع التنفيذ‪ ،‬والدليل على‬
‫ذلك أن العون المكلف بالتبليغ‪ ،‬وهو غير طرف في الدعوى‪ ،‬يحق له إثارة الصعوبة‪.‬‬
‫والواقع أن أغلب العمل القضائي لم يعد يأخذ بهذا الموقف‪ .‬وقد سبق أن أشرنا إلى القرار عدد ‪ 3111‬الصادر عن المجلس األعلى بتاريخ ‪11‬‬
‫يوليوز ‪ 1111‬في الملف اإلداري عدد ‪ ، 33/3/0/101‬والذي تبنى موقف المحافظ على األمالك العقارية الذي أثار صعوبة في تنفيذ حكم‪ ،‬ولو أن‬
‫المجلس األعلى قضى بأنه كان من المفروض أمام الصعوبات التي أثارها المحافظ‪ ،‬أن يلجأ طالب التنفيذ إلى القاضي الذي أصدر الحكم المذكور‬
‫لرفع الصعوبات والعراقيل المشار إليها حول طبيعة الحق المراد تقييده‪ ،‬وبالتالي فإن الذي يلجأ إلى القاضي المكلف بالتنفيذ هو طالب التنفيذ وليس‬
‫المحافظ‪.‬‬
‫وفي هذا الصدد يرى األستاذ عبد العتاق فكير‪ ،‬أن أطراف الدعوى ليسوا بالضرورة هم أنفسهم أطراف الصعوبة‪ ،‬وأن التوجه الحديث للعمل القضائي‬
‫استقر على أن صعوبة التنفيذ لها طبيعة مرنة‪ ،‬يتسع مدلولها ليشمل إضافة إلى أطراف الحكم أطرافا أخرى‪ ،‬قد تؤدي عملية التنفيذ إلى المساس‬
‫بمصالحها‪ ،‬كما يتسع هذا المدلول ليشمل كل نقص أو إغفال لبيانات قانونية وكل نقص في السند التنفيذي‪ ....‬ولذلك فهذا التوجه يعطي مفهوما‬
‫واسعا ألطراف الصعوبة‪( .‬مقتطفات من مداخلة عبر تقنية الفيديو (مناظرة مرئية)‪ ،‬ألقاها األستاذ‪ :‬عبد العتاق فكير‪ ،‬رئيس المحكمة اإلدارية‬
‫بالرباط بتاريخ ‪ 9‬ماي ‪ 1111‬على الساعة العاشرة والنصف ليال‪ ،‬الدقيقة ‪ ،11‬بعنوان خصوصيات القضاء االستعجالي‬
‫اإلداري‪.https//m.facebook.com>vidios.‬‬
‫‪1‬‬
‫فكير عبد العتاق‪ ،‬الرقابة القضائية على ق اررات المحافظ العقاري من خالل قرارات محكمة النقض‪ ،‬مجلة مغرب قانون‪ ،Maroclaw.com ،‬تاريخ‬
‫الزيارة ‪ 15‬مايو ‪ ،1111‬الساعة الخامسة بعد الزوال‪.‬‬

‫‪199‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫نهائية األحكام المدلى بها‪ ،‬ولوجود غموض في منطوق الحكم االبتدائي‪ ،‬يكون غير مرتكب‬
‫ألي خطأ من جانبه بالشكل الذي من شأنه أن يبرر الحكم عليه بالتعويض‪.1‬‬

‫وفضال عما سبق‪ ،‬إن رقابة المحافظ على األمالك العقارية لألحكام من حيث الجوهر‪،‬‬
‫يتعارض مع المبادئ القانونية‪ ،‬وحتى الدستورية؛ ذلك أن من شأن بسط المحافظ على‬
‫األمالك العقارية رقابته على األحكام القضائية من حيث الجوهر‪ ،‬اصطدامه بمبدأ فصل‬
‫السلط الذي يقوم على أساسه النظام الدستوري المغربي‪ ،2‬ولذلك ال يجوز له مناقشة‬
‫حيثيات الحكم‪ ،‬ألن ذلك من صميم اختصاص السلطة القضائية‪ ،‬كما أن ذلك يتعارض مع‬
‫مبادئ قانون المسطرة المدنية؛ إذ أن الجهة التي تبسط رقابتها على األحكام القضائية هي‬
‫المحكمة األعلى درجة‪ ،‬وعند االقتضاء‪ ،‬هي محكمة النقض‪ .‬وفي المقابل يحق للمحافظ‬
‫على األمالك العقارية أن يثير صعوبات في التنفيذ إذا تبينت له أسباب جدية لذلك‪ ،‬وعند‬
‫االقتضاء‪ ،‬مطالبة األطراف المعنية بإثارة هذه الصعوبات أمام الجهة القضائية المختصة‪،‬‬
‫للعمل على رفعها‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬األخطاء الشخصية للمحافظ على األمالك العقارية المؤطرة‬


‫بمقتضى الفص ‪ 79‬من ظهير التحفيظ العقاري‬

‫لقد كان الفصل ‪ 31‬من ظهير التحفيظ العقاري‪ ،‬قبل تتميمه بالقانون ‪ 03.11‬ينص‬
‫على ما يلي‪:‬‬

‫" إن المحافظ على األمالك العقارية مسؤول شخصيا عن الضرر الناتج عن‪:‬‬
‫‪-3‬إغفال التضمين بسجالته لكل تقييد‪ ،‬أو بيان‪ ،‬أو تقييد احتياطي‪ ،‬أو‬
‫تشطيب طلب منه بصفة قانونية؛‬

‫‪1‬‬
‫القرار عدد ‪ 3/191‬الصادر عن محكمة النقض بتاريخه ‪ 15‬أبريل ‪ 1139‬في الملف اإلداري عدد ‪ ،11139/3/0/110‬منشور في منشورات‬
‫للمجلة المغربية لألنظمة القانونية والسياسية‪ ،‬العدد ‪ 31‬الخاص ب‪ :‬النظام العقاري المغربي‪ :‬الجوانب القانونية والمنازعات القضائية‪ ،‬مطبعة األمنية‬
‫– الرباط‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،1133‬الصفحة ‪ 111‬وما يليها‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫ينص الفصل ‪ 3‬من الدستور المغربي على ما يلي‪" :‬يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط‪"...‬‬

‫‪200‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪-2‬إغفال التضمين بالشهادات‪ ،‬أو نظائر الرسوم العقارية المسلمة والموقعة‬


‫من طرفه لكل تقييد‪ ،‬أو بيان‪ ،‬أو تقييد احتياطي‪ ،‬أو تشطيب مضمن بالرسم‬
‫العقاري؛‬
‫‪-1‬فساد‪ ،‬أو بطالن ما ضمن بالرسم العقاري من تقييد‪ ،‬أو بيان‪ ،‬أو تقييد‬
‫احتياطي‪ ،‬أو تشطيب‪ ،‬ما عدا االستثناء المذكور في الفصل ‪".11‬‬
‫وأضاف القانون ‪ 03.11‬إلى هذا الفصل الفقرة األخيرة التي جاء فيها ما يلي‪:‬‬
‫" والكل مع مراعاة مقتضيات الفصلين ‪ 13‬و‪ 91‬من قانون االلتزامات‬
‫والعقود"‪.‬‬
‫يستشف من هذا النص القانوني أنه‪ ،‬لئن كان مرجع المسؤولية الشخصية للمحافظ في‬
‫إطار النص العام‪ ،‬هو التدليس أو الخطأ الجسيم‪ ،‬فإن مناطها في الفصل ‪ 31‬من ظهير‬
‫التحفيظ العقاري‪ ،‬كنص خاص‪ ،‬هو خطأ موصوف ومحدد بعينه ال بدرجته‪ ،‬بمعنى أنه ليس‬
‫من المهم البحث عن طبيعته لتكييف نوع المسؤولية الملقاة على المحافظ‪ ،‬وإنما بمجرد‬
‫ارتكابه لهذه األخطاء‪ ،‬تصبح مسؤوليته شخصية بقوة القانون‪.1‬‬
‫كما يستشف منه أيضا أن المشرع نقل بمقتضى القانون ‪ 03.11‬الفقرة األخيرة من‬
‫الفصل ‪ 10‬إلى الفصل ‪ .31‬وال شك أن وراء هذا التعديل غاية معينة‪ ،‬يسعى المشرع إلى‬
‫تحقيقها‪ ،‬ال سيما مع تشابه مقتضيات الفصلين ‪ 10‬من ظهير التحفيظ العقاري و‪91‬من‬
‫قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬فيما يتعلق بالتدليس‪.‬‬

‫ولقد طرح إشكال حول تفسير الفصل ‪ ،13‬حتى قبل تعديله‪ ،‬فتم التساؤل عما إذا كانت‬
‫تتعلق مقتضياته فقط باألخطاء المرتكبة من قبل المحافظ في مرحلة ما بعد تأسيس الرسم‬
‫العقاري؟ أم أن هذا المقتضى القانوني ينسحب أيضا على اإلغفال الذي يقع أيضا في مرحلة‬
‫التحفيظ وتأسيس الرسم العقاري‪ ،‬كاإلغفال الذي يطال تقييدا على مطلب التحفيظ مثال؟‬
‫ولعل ما دفع إلى طرح هذا السؤال هو أن المشرع أورد هذا المقتضى القانوني في ظهير‬
‫التحفيظ العقاري في القسم المتعلق بإشهار الحقوق‪ ،‬وتقييدها والتشطيب عليها‪ ،‬بعد ما نقله‬
‫من الفصل ‪ 10‬الذي يتعلق بالتحفيظ وتأسيس الرسم العقاري‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫يوسف مختاري مرجع سابق‪ ،‬الصفحة ‪.151‬‬

‫‪201‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫لقد اختلفت آراء الباحثين حول الجواب عن هذا السؤال ولكل أسانيده ومبرراته؛ فهناك‬
‫من يرى‪1‬أنه يجب التمييز بين مسؤولية المحافظ على األمالك العقارية على جميع العمليات‬
‫التي يقوم بها‪ ،‬والتي تخضع للقواعد العامة المنصوص عليها في الفصل ‪ 91‬من قانون‬
‫االلتزامات والعقود‪ ،‬ومسؤوليته الشخصية المنصوص عليها بصفة استثنائية في الفصل ‪31‬‬
‫من قانون التحفيظ العقاري‪ ،‬والتي تتعلق بالعمليات الالحقة للتحفيظ‪ ،‬بدليل أن هذا الفصل‬
‫وارد في القسم الثاني من ظهير التحفيظ العقاري الخاص بإشهار الحقوق العينية‪ ،‬هذا إضافة‬
‫إلى أن عبارات الفصل ‪ 31‬صريحة في هذا المجال‪ ،‬وبالتالي ال يجوز‪ ،‬حسب هذا الرأي‪،‬‬
‫إدراج األخطاء المرتبطة بقرار التحفيظ في حاالت الفصل ‪ ،31‬ألنها ال تستوعب نزاعات‬
‫تأسيس الرسم العقاري نتيجة التحفيظ‪ ،‬كما ال يجوز التوسع في عبارات هذا الفصل‪ ،‬لكونه‬
‫استثناء من األصل‪.‬‬
‫في حين يذهب رأي آخر‪ 2‬عكس ذلك‪ ،‬حيث يرى أن حاالت األخطاء المنصوص‬
‫عليها في الفصل ‪ 31‬من قانون التحفيظ العقاري‪ ،‬ليست سوى تطبيقا وتفسي ار لمقتضيات‬
‫الفصل ‪ 91‬من قانون االلتزامات والعقود؛ أي أنها تبقى‪ ،‬في نهاية المطاف‪ ،‬خاضعة‬
‫للمبادئ العامة‪ ،‬وال تعتبر خروجا عنها واستثناء عليها‪ ،‬وتبعا لذلك‪ ،‬فإن أي فساد في‬
‫التضمين أو إغفال بيان ما‪ ،‬يشمل كذلك اإليداعات المنصبة على مطالب التحفيظ‪ ،‬كما هو‬
‫الشأن في الحالة المنصوص عليها في الفصل ‪ 90‬من ظهير التحفيظ العقاري‪ 3‬التي يكون‬
‫العقار في طور التحفيظ موضوعا لها‪.‬‬
‫ونرى أنه من خالل التمعن في مقتضيات الفصل ‪ ، 31‬ال سيما بعد تتميمه بالقانون‬
‫‪ ، 30.11‬يتبين أن المشرع المغربي حاول أن يحسم هذا النقاش‪ ،‬من خالل تبنيه لموقف‬
‫المجلس األعلى الذي قضى بأن حاالت األخطاء المنصوص عليها في هذا الفصل‪ ،‬ما هي‬
‫إال تطبيقا للفصل ‪ 91‬من قانون االلتزام والعقود‪ ،‬ذلك أن األخطاء الشخصية التي عددها‬
‫الفصل ‪ 31‬من ظهير التحفيظ العقاري تتأسس على جسامة الخطأ الذي جاء به الفصل ‪91‬‬

‫فاطمة الحروف حجية القيد في السجل التجاري‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية‬ ‫‪1‬‬

‫واالجتماعية‪ ،‬جامعة محمد الخامس بالرباط‪ ،‬السنة ‪ ،3331‬الصفحة ‪.001‬‬


‫‪2‬‬
‫أبو الصبر عبد الحفيظ‪ ،‬الخطأ الشخصي للمحافظ العقاري بين الخصوصية والخضوع للمبادئ العامة‪ ،‬مجلة التحفيظ العقاري العدد ‪ ،5‬السنة‬
‫‪ ،.3335‬الصفحة ‪.30‬‬
‫‪3‬‬
‫ينص الفصل ‪ 90‬من ظهير التحفيظ العقاري على ما يلي‪" :‬إذا نشأ على عقار في طور التحفيظ حق خاضع لإلشهار أمكن لصاحبه‪ ،‬من أجل‬
‫ترتيبه والتمسك به في م واجهة الغير‪ ،‬أن يودع بالمحافظة العقارية‪ ،‬الوثائق الالزمة لذلك‪ ،‬ويقيد هذا اإليداع بسجل التعرضات‪"...‬‬

‫‪202‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ولما كان األمر كذلك‪ ،‬فإن المحافظ على األمالك العقارية‬ ‫‪1‬‬
‫من قانون االلتزامات والعقود‪.‬‬
‫يكون مسؤوال شخصيا عن األخطاء المترتبة عن األفعال المحددة في الفصل ‪ ،31‬بغض‬
‫النظر عن طبيعتها ودرجة جسامتها‪ ،‬وعن كل األفعال األخرى التي تشكل تدليسا أو أخطاء‬
‫جسيمة‪ ،‬وفقا لمقتضيات الفصل ‪ ،91‬وبغض النظر أيضا‪ ،‬عن المرحلة التي ارتكبت فيها‪،‬‬
‫وتبعا لذلك تدخل في خانة هذه األخطاء‪ ،‬تلك المرتكبة بمناسبة إشراف المحافظ العقاري على‬
‫عملية التحفيظ وتأسيس الرسم العقاري‪ ،‬أو بمناسبة قيامه بالتقييدات‪ ،‬والتسجيالت المنصبة‬
‫على الرسوم العقارية‪ ،‬وفق التحديد الوارد في الفصل األول من ظهير التحفيظ العقاري‬
‫الحالي‪ ،2‬وبالتالي لم يعد المحافظ خاضعا لمقتضيات الفصل ‪ 10‬من ظهير التحفيظ‬
‫العقاري‪.3‬‬

‫وفي هذا الصدد قد يطرح التساؤل حول مسألة حلول صندوق التأمينات المحدث‬
‫بمقتضى الفصل ‪ 311‬من ظهير التحفيظ العقاري‪ ،‬كما تم تغييره بالقانون ‪ ،03.11‬والتي لم‬
‫يتم التنصيص عليها في الفصل ‪ ،31‬وإنما نص عليها المشرع في الفصل ‪ ،10‬وبما أن هذا‬
‫الفصل األخير أصبح يؤطر مسؤولية األضرار الناتجة عن تحفيظ الملك بسبب التدليس‬
‫‪1‬‬
‫القرار عدد القرار عدد ‪ 919‬الصادر عن المجلس األعلى بتاريخ ‪ 1‬فبراير ‪ 1115‬في الملف اإلداري عدد ‪ 1111-1-0-1959‬وعدد ‪-1953‬‬
‫‪.1111-1-0‬‬
‫ينص الفصل األول من ظهير ‪ 31‬غشت ‪ 3331‬المتعلق بالتحفيظ العقاري‪ ،‬كما تم تغييره وتتميمه بمقتضى القانون رقم ‪ 30.11‬على ما يلي‪":‬‬ ‫‪2‬‬

‫يرمي التحفيظ إلى جعل العقار المحفظ خاضعا للنظام المقرر في هذا القانون‪ ،‬من غير أن يكون في اإلمكان إخراجه منه فيما بعد‪ ،‬ويقصد منه‪:‬‬
‫‪-‬تحفيظ العقار بعد إجراء مسطرة للتطهير‪ ،‬يترتب عنها تأسيس رسم عقاري‪ ،‬وبطالن ما عداه من الرسوم‪ ،‬وتطهير الملك من جميع الحقوق غير‬
‫المضمنة فيه؛‬
‫‪-‬تقييد كل التصرفات‪ ،‬والوقائع الرامية إلى تأسيس‪ ،‬أو نقل‪ ،‬أو تغيير‪ ،‬أو إقرار‪ ،‬أو إسقاط الحقوق العينية‪ ،‬أو التحمالت المتعلقة بالملك‪ ،‬في الرسم‬
‫العقاري المؤسس له"‪.‬‬
‫ولقد أثار هذا التعديل الذي أدخل على مقتضيات الفصل األول وتتميمه بمقتضيات أخرى ‪ ،‬عدة نقاشات ‪ ،‬ال سيما عندما أدخل المشرع عمليات‬
‫التقييد في الرسم العقاري ضمن نفس األحكام المطبقة على مسطرة التحفيظ‪ ،‬على اعتبار وجود بعض المقتضيات التي يصعب تطبيقها على‬
‫عمليات التقييد والتسجيل ‪ ،‬خاصة فيما يتعلق بالمنازعات القضائية المثار حول تطبيق هذا القانون‪ ،‬ومن بين هذه المقتضيات مثال ما ورد في‬
‫الفصل ‪ 113‬من قانون المسطرة المدنية من كون الطعن بالنقض ال يوقف التنفيذ‪ ،‬إال في حاالت استثنائية محددة حصرا؛ ومنها األحكام الصادرة‬
‫في قضايا التحفيظ العقاري ‪ ،‬وكذلك ما ينص عليه الفصل ‪ 313‬من قانون التحفيظ العقاري الحالي من أن األحكام الصادرة في مادة التحفيظ‬
‫العقاري ال تقبل الطعن إال باالستئناف والنقض‪ ،‬فهل تطبق هذه المقتضيات حتى على القضايا المتعلقة بالتقييد أم أنها مخصصة لقضايا مسطرة‬
‫التحفيظ فقط؟‬
‫لمزيد من التفصيل حول هذه النقطة القانونية يراجع مقال‪ :‬عبد القادر البنحياتي‪ :‬مستجدات قانون التحفيظ العقاري (القانون ‪ ،)30.11‬منشورات‬
‫مجلة العلوم القانونية‪ ،‬سلسلة فقه القضاء العقاري العدد األول ‪ ،1130‬حول مستجدات قانون التحفيظ العقار بين النص القانوني والعمل القضائي‪،‬‬
‫الصفحة ‪.335‬‬
‫‪3‬‬
‫قد يطرح التساؤل حول أساس مسؤولية المحافظ بناء على التدليس‪ ،‬والجواب على ذلك يجد سنده في مقتضيات الفصل ‪ 91‬التي تبقى مطبقة على‬
‫المحافظ على األمالك العقارية‪ ،‬غير أن الوكالة الوطنية ال تحل محل المحافظ في األداء إذا ثبت عسره‪ ،‬وإنما يتولى ذلك صندوق التأمين‪.‬‬

‫‪203‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المرتكب من غير المحافظ‪ ،‬حسب التفسير الذي نتبناه‪ ،‬فإنه يطرح التساؤل حول األساس‬
‫القانوني لحلول صندوق التأمين محل المحافظ في األداء عن االقتضاء؟‬

‫نعتقد أن اإلجابة عن هذا السؤال تجد أساسها في مقتضيات الفصل ‪ 311‬نفسها التي‬
‫تنص صراحة على أن الهدف من إحداث هذا الصندوق هو الحلول محل المحافظ العام أو‬
‫المحافظين على األمالك العقارية في حالة عسرهم‪ ،‬في أداء ما قد يحكم به عليهم من مبالغ‬
‫لفائدة المتضررين‪ ،‬من جراء خطأ في التحفيظ أو في تقييد الحقا‪ .‬كما تجد أساسها أيضا في‬
‫مقتضيات القرار الوزيري المؤرخ في ‪ 10‬يونيو ‪ 3335‬المتعلق بتنظيم مصلحة المحافظة‬
‫على األمالك العقارية‪.‬‬

‫وبالرجوع إلى الفصل ‪ 311‬من ظهير التحفيظ العقاري‪ ،‬بعد تتميمه بالقانون ‪،30.11‬‬
‫يتبين أن المشرع حرص على توضيح مقتضياته من حيث توسيع نطاق الحاالت التي‬
‫سيشملها الضمان‪ ،‬فنص صراحة على أن صندوق التأمين يحل محل المحافظ في األداء من‬
‫جراء خطأ في التحفيظ أو في تقييد الحقا‪ ،1‬وهذا ما يعزز تفسيرنا لمقتضيات الفصل ‪10‬‬
‫على أنها تؤطر فقط مسؤولية المدلس غير المحافظ‪ ،‬ما دامت تتعلق فقط بعمليات التحفيظ‪،‬‬
‫كما تنسجم مع مقتضيات الفصل ‪ 31‬التي تؤطر مسؤولية المحافظ على األمالك العقارية‬
‫عن كل أنواع األخطاء الشخصية التي قد تصدر عنه أثناء ممارسة مهامه‪.‬‬

‫ويستنتج من هذا التفسير‪ ،‬أن المشرع المغربي حاول أن يقلص من مجال األخطاء‬
‫المرفقية‪ ،‬ويوسع في المقابل‪ ،‬من قاعدة األخطاء التي يسأل عنها المحافظ شخصيا‪ ،‬وبالتالي‬
‫يظل نطاق المسؤولية الشخصية للمحافظ واسعا جدا مقارنة مع باقي الموظفين والمسؤولين‬

‫لم يكن الفصل ‪ 311‬من ظهير التحفيظ قبل تتميمه وتغييره بالقانون ‪ ، 03.11‬يحدد نطاق تطبيقه من حيث األخطاء التي على أساسها يتم إحالله‬ ‫‪1‬‬

‫محل المحافظ على األمالك العقارية‪ ،‬فكانت صياغته على الشكل التالي‪" :‬يحدث صندوق لتأمين مسؤولية المحافظ على األمالك العقارية والرهون‬
‫يخصص‪ ،‬في حالة إعسار هذا األخير‪ ،‬ألداء المبالغ المحكوم بها عليه لفائدة الطرف المتضرر‪ ،‬وعند االقتضاء‪ ،‬لتعويض كل طرف حرم من حق‬
‫الملكية أو من حق عيني نتيجة قبول عقار وفقا ألحكام هذا الظهير‪"......‬‬
‫أما بعد التعديل‪ ،‬أصبحت صياغة هذا الفصل على الشكل التالي‪:‬‬
‫"يؤسس صندوق للتأمين الغاية منه أن يضمن‪ ،‬في حالة عسر المحافظ العام أو المحافظين على األمالك العقارية‪ ،‬أداء المبالغ المالية التي قد يحكم‬
‫بها عليهم لصالح الطرف المتضرر من جراء خطأ في التحفيظ أو في تقييد الحق‪"...‬‬

‫‪204‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫اإلداريين‪ ،‬ما دفع أحد الباحثين إلى التعبير عن خشيته من أن يكون لهذا األمر تأثير سلبي‬
‫على مردودية عمل المحافظ على األمالك العقارية‪.1‬‬

‫وبناء على ما سبق‪ ،‬إن المسؤولية الشخصية للمحافظ على األمالك العقارية ال تتحدد‬
‫في نطاق التدليس والخطأ الجسيم في إطار مقتضيات الفصل ‪ 91‬من قانون االلتزامات‬
‫والعقود فقط‪ ،‬وإنما تقوم أيضا في حالة ثبوت األفعال المنصوص عليها في الفصل ‪ 31‬من‬
‫ظهير التحفيظ العقاري‪،‬‬

‫وموازاة مع المسؤولية الشخصية للمحافظ‪ ،‬وحماية للمتضررين من األخطاء التي قد‬


‫ترتكب بمناسبة تطبيق نظام التحفيظ العقاري‪ ،‬ارتأى المشرع المغربي إحداث مؤسسة تقوم‬
‫إلى جانبه‪ ،‬لتحل محله في األداء إذا تمت مساءلته شخصيا وثبت عسره‪ ،‬ويتعلق األمر‬
‫بصندوق التأمين المحدث بمقتضى الفصل ‪ 311‬من ظهير التحفيظ العقاري‪ ،‬والمنظم أيضا‬
‫بمقتضى القرار الوزيري الصادر في ‪ 10‬يونيو ‪ 3335‬المتعلق بتنظيم مصلحة المحافظة‬
‫على األمالك العقارية‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬صندوق تأمين المحافظ العام والمحافظين على األمالك‬


‫العقارية‬

‫نظ ار لجسامة األضرار التي قد تترتب عن األخطاء المرتكبة من قبل المحافظين على‬
‫األمالك العقارية أو من طرف طالبي التحفيظ‪ ،‬ونظ ار لضخامة المبالغ التي قد يحكم بها في‬
‫قضايا التحفيظ العقاري بسبب بهذه األخطاء‪ ،‬وضمانا لجبر هذه األضرار ولو نسبيا‪ ،‬عن‬
‫طريق أداء التعويض النقدي‪ ،‬فقد ارتأ المشرع المغربي أن يؤسس صندوقا يتولى تأمين‬
‫المحافظين على األمالك العقارية عن مسؤوليتهم الشخصية تجاه المتضررين‪ ،‬فنص على‬
‫إحالله محلهم في حالة إثبات عسرهم‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫انظر في نفس المعنى‪ ،‬محمد الحياني‪ ،‬المحافظ بين االختصاص والمسؤولية‪ ،‬مداخلة في إطار الندوة المشتركة حول نظام التحفيظ العقاري‬
‫المغربي‪ ،‬منظمة من طرف جمعية المحافظين والمراقبين‪ ،‬بتعاون مع كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية أكدال‪ ،‬جامعة محمد الخامس‬
‫بالرباط بتاريخ ‪ 0‬و ‪ 5‬ماي ‪ ،3331‬طبع ونشر مديرية المحافظة‪ ،‬غشت ‪ .3331‬الصفحة ‪.13‬‬

‫‪205‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫غير أن ما يالحظ من خالل االطالع على الفصل ‪ 311‬المشار إليه أن مقتضياته ال‬
‫تنسجم مع مقتضيات الفصل ‪ 10‬من نفس الظهير‪ ،‬ذلك أن هذا الفصل األخير ينص على‬
‫أن الصندوق يحل محل مرتكب التدليس في أداء التعويض المحكوم به ضده في حالة‬
‫إعساره‪ ،‬وأنه يفهم من هذا الفصل أن األمر يتعلق بمرتكب التدليس غير المحافظ على‬
‫األمالك العقارية ‪ ،‬في حين ينص الفصل ‪ 311‬على أن الغاية من تأسيس الصندوق هي أن‬
‫يضمن ‪ ،‬في حالة عسر المحافظ العام أو المحافظين على األمالك العقارية‪ ،‬أداء المبالغ‬
‫المالية التي قد يحكم بها عليهم لصالح الطرف المتضرر من جراء خطأ في التحفيظ أو في‬
‫تقييد الحق ‪ .‬فهذا الفصل حصر نطاق الحلول في المحافظ العام والمحافظين دون غيرهم؛‬

‫غير أن القرار الوزيري الصادر بتاريخ ‪ 10‬يونيو ‪ 3335‬المتعلق بتنظيم مصلحة‬


‫المحافظة على األمالك العقارية‪ ،‬والذي خصص عدة فصول لهذا الصندوق‪ ،‬جاء بصيغة‬
‫عامة تفيد االستفادة من ضمان الصندوق‪ ،‬حتى ولو كان مرتكب الخطأ أو التدليس شخص‬
‫آخر غير المحافظ على األمالك العقارية‪.‬‬

‫يتبين مما سبق بأن هناك مقتضيات قانونية وتنظيمية تنظم صندوق التأمين مما يتعين‬
‫التطرق للنظام القانوني المؤطر لهذا الصندوق (الفقرة األولى)‪ ،‬ولشروط إحالله محل‬
‫المحافظ على األمالك العقارية في األداء (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬النظام القانوني لصندوق التأمين‬

‫على الرغم من أن صندوق التأمين يلتقي مع صناديق أخرى أحدثت لنفس الغايات؛‬
‫وهي ضمان حصول المتضررين من أعمال المؤمنين على التعويض المستحق لهم‪ ،‬فإنه‬
‫ينفرد بخصوصيات معينة ترتبط بطبيعته(أوال)‪ ،‬وباعتباره كطرف في الدعوى القضائية التي‬
‫تقام ضد المحافظ‪ ،‬وباألسئلة المطروحة حول تمثيله أمام القضاء(ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬خصوصيات صندوق التأمين‬

‫لقد انتبه المشرع المغربي‪ ،‬منذ سنه لقانون التحفيظ العقاري سنة ‪ ،3331‬إلى أهمية‬
‫إحداث آلية تضمن أداء التعويض المحكوم به لفائدة المتضررين من عملية التحفيظ أو‬

‫‪206‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫التقييد‪ ،‬فنص في الفصل ‪ 311‬من ظهير التحفيظ العقاري على تأسيس صندوق يتولى أداء‬
‫المبالغ المالية التي قد يحكم بها على المحافظين على األمالك العقارية‪ ،‬لصالح المتضرر‬
‫من خطأ في التحفيظ أو في تقييد الحق‪.‬‬

‫واستنادا إلى هذا المقتضى القانوني‪ ،‬صدر قرار وزيري يتضمن عدة مقتضيات تنظيمية‬
‫لهذا الصندوق‪ ،‬وهو قرار ‪ 10‬يونيو ‪ 3335‬المتعلق بتنظيم مصلحة المحافظة على األمالك‬
‫العقارية‪ ،‬حيث خصص المواد من ‪ 59‬إلى ‪ 11‬لتنظيم هذا الصندوق‪ ،‬وحدد مداخله‪ ،‬والجهة‬
‫التي تسيره‪ ،‬وطريقة مقاضاته‪ ،‬وآجال سقوط طلب التعويض في مواجهته‪ ،‬والجهة التي تتولى‬
‫أداء التعويض وطريقة األداء أيضا‪.‬‬

‫غير أنه لئن كان الفصل ‪ 311‬المشار إليه يخص المحافظ العام والمحافظين فقط‪،‬‬
‫بعد تتميمه بالقانون ‪ ،03.11‬دون بقية األطراف المتسببة في الضرر‪ ،‬فإن القرار الوزيري‬
‫جاء بصيغة عامة تفيد االستفادة من ضمان الصندوق‪ ،‬حتى ولو كان مرتكب الخطأ أو‬
‫التدليس شخص آخر غير المحافظ على األمالك العقارية‪ ،‬وهذا المقتضى ينسجم مع‬
‫مقتضيات الفصل ‪ 10‬من ظهير التحفيظ العقاري التي جاءت هي األخرى بصيغة عامة‪،‬‬
‫ولذلك تنسحب على غير المحافظين أيضا‪.‬‬

‫وفضال عما سبق‪ ،‬وعلى الرغم من أن صندوق التأمين يرتبط بالوكالة الوطنية‬
‫للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية ارتباطا وثيقا‪ ،‬فإنه ال يحل محلها في حالة‬
‫مساءلتها عن األخطاء المرفقية التي تلحق أض ار ار بالغير‪ ،‬بسبب التحفيظ أو التقييد‪ ،‬وذلك‬
‫نظ ار لصراحة النصوص التشريعية والتنظيمية المنظمة لهذا الصندوق‪ ،‬والستقالل الذمم‬
‫المالية بين المؤسستين‪ ،‬ولعل السبب في ذلك يرجع إلى كون الصندوق يحل محل الشخص‬
‫المعسر‪ ،‬سواء كان هو المحافظ أو طالب التحفيظ أو التقييد‪ ،‬في حين ال يتصور حدوث‬
‫هذه الواقعة بالنسبة للوكالة الوطنية التي تعتبر مؤسسة عمومية‪ ،‬وبالتالي تفترض مالءة‬
‫ذمتها المالية‪ ،‬وأكثر من ذلك‪ ،‬إن هذه الوكالة تعوض النقص الذي قد يحصل في ميزانية‬
‫هذا الصندوق‪ ،‬طبقا للفقرة األخيرة من الفصل ‪ 311‬والمضافة بالقانون ‪.03.11‬‬

‫‪207‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ومما ال شك فيه‪ ،‬أن المشرع المغربي حاول من خالل التعديل الذي أدخله على المادة‬
‫‪ 311‬من ظهير التحفيظ العقاري بالقانون ‪ ،30.11‬تجاوز بعض الثغرات التي أفرزها‬
‫التطبيق العملي لمقتضيات هذا الفصل‪ ،‬حيث أضاف إلى المحافظين الذين تسري عليهم هذه‬
‫المقتضيات‪ ،‬المحافظ العام‪ ،‬على الرغم من أن هذا األخير يعتبر هو أيضا محافظا على‬
‫األمالك العقارية من الناحية القانونية‪ ،‬كما عمل التعديل الجديد على وضع حد للنقاش الذي‬
‫كان يدور بين الباحثين والمتدخلين في شأن نظام التحفيظ العقاري‪ ،‬حول نطاق ومجال‬
‫تدخل الصندوق‪ ،‬وما إذا كانت مقتضياته تطبق على كل العمليات التي يقوم بها المحافظ‬
‫على األمالك العقارية في كل المراحل‪ ،‬من عمليات التحفيظ والتقييد ‪،‬أم تتعلق بمرحلة دون‬
‫أخرى‪ ،‬فجاء التعديل موضحا بأن الصندوق يؤمن المحافظين عن األخطاء في التحفيظ أو‬
‫في تقييد الحق‪.‬‬

‫وعلى الرغم من أن مقتضيات الفصل ‪ 311‬جاءت بصيغة عامة‪ ،‬فيما يتعلق بنوع‬
‫الخطأ المؤمن عليه‪ ،‬بحيث لم يبين ما إذا كان األمر يتعلق فقط بالخطأ الشخصي أم أنه‬
‫يؤمن المحافظين عن كل األخطاء المرتكبة من طرفهم ولو لم تكن شخصية‪ ،‬فإن التفسير‬
‫األقرب إلى الصواب‪ ،‬حسب اعتقادنا‪ ،‬هو أن المقصود هو الخطأ الشخصي دون الخطأ‬
‫المرفقي‪ ،‬مادام المشرع أبقى على مقتضيات الفصل ‪ 13‬من قانون االلتزامات والعقود التي‬
‫أحال عليها صراحة بمقتضى المادة ‪ 31‬من التحفيظ العقاري‪ ،‬كما تم تتميمه وتغييره بالقانون‬
‫‪ ،03.11‬وفق ما سبق شرحه أعاله‪ .‬وتبعا لذلك‪ ،‬إذا ثبت أن الخطأ المرتكب من طرف‬
‫المحافظ يكتسي طابع خطأ مرفقي‪ ،‬فإن الوكالة الوطنية هي التي تحل محله في األداء‪ ،‬إذا‬
‫ثبت عسره‪.‬‬

‫أما طبيعة هذا الصندوق‪ ،‬فهو عبارة عن حساب مالي مفتوح لدى صندوق اإليداع‬
‫والتدبير‪ ،‬يتم تمويله من االقتطاعات التي تتم من الرسوم المتحصلة لفائدة المحافظات على‬
‫األمالك العقارية‪ ،‬وفي حالة حصول عجز أو نقص في ميزانيته نتيجة تنفيذ األحكام الصادرة‬
‫في مواجهة المحافظين‪ ،‬يتم تعويضه من ميزانية الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح‬
‫العقاري والخرائطية‪ ،‬حسب التعديل المدخل على الفصل ‪ 311‬بمقتضى القانون ‪.03.11‬‬

‫‪208‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ولما كان األمر كذلك‪ ،‬فإن هذا الصندوق ال يتمتع بالشخصية المعنوية‪ ،‬خالفا لبعض‬
‫الصناديق المشابهة كصندوق ضمان حوادث السير‪ 1‬وصندوق ضمان الموثقين‪ ،2‬ولذلك‬
‫طالب األستاذ محمد خيري بتعيين جهاز‪ ،‬في شكل مجلس يتكون من ممثلي عدة إدارات‬
‫ومؤسسات عمومية تسند إليه مهمة تسييره وتدبيره‪ ،‬وتمثيله أيضا أمام القضاء‪.3‬‬

‫ثانيا‪ :‬تمثي صندوق التأمين أمام القضاء‬

‫يقصد بالتمثيل القانوني لألشخاص المعنوية‪ ،‬حلول الممثل (بكسر حرف الثاء) في‬
‫اكتساب الحقوق‪ ،‬وتحمل االلتزامات باسم الشخص المعنوي الممثل (بفتح الثاء)‪ ،‬ويتم تحديد‬
‫األشخاص الذاتيين المسند إليهم القيام بهذه المهمة‪ ،‬بنصوص تشريعية أو تنظيمية‪ ،‬أو‬
‫باألنظمة التأسيسية لهذه األشخاص‪ ،‬ولذلك فإن هذه الصالحية تمارس في إطار عالقة‬
‫نظامية‪ ،‬تخضع للمقتضيات القانونية المنظمة لها‪ .‬ويتم تحديد الممثل القانوني وفقا لصفته‬
‫المهنية‪ ،‬والوظيفية‪ ،‬وليس العتباره الشخصي؛ كرئيس الحكومة الممثل للدولة المغربية‪،‬‬
‫والمدير العام للشركة‪ ،‬أو رئيس مجلس إدارتها‪.4‬‬

‫وبما أن صندوق التأمين عن أخطاء التحفيظ تتم مقاضاته أمام المحكمة من أجل‬
‫الحكم عليه بأداء التعويض المحكوم به على المحافظ في حالة عسره‪ ،‬فإنه من المفروض أن‬
‫يكون متوف ار على أهلية التقاضي‪ ،‬وذلك طبقا لمقتضيات الفصل األول من قانون المسطرة‬
‫المدنية الذي يشترط لقبول أية دعوى قضائية أن يتوفر مقيمها على الصفة والمصلحة‬
‫واألهلية‪ .‬واألهلية هي التي تخول لصاحبها إمكانية اإللزام وااللتزام؛ أي هي الوسيلة التي‬
‫تمكن من اكتساب الحقوق والتحمل بااللتزامات‪ ،‬غير أن صندوق التأمين‪ ،‬وما دام ال يتوفر‬
‫على الشخصية المعنوية‪ ،‬فإنه ال يتوفر بالتبعية على أهلية التقاضي‪ ،‬مما كان يتعين على‬

‫تنص المادة ‪ 311‬من القانون رقم ‪ 31.33‬المتعلق بمدونة التأمينات على ما يلي‪" :‬يقصد بصندوق ضمان حوادث السير المؤسسة التي أحدثت‬ ‫‪1‬‬

‫بمقتضى الظهير الشريف المؤرخ في ‪ 19‬من جمادى اآلخرة ‪ 11 ( 3110‬فبراير ‪ )3355‬والتي تنظم بمقتضى األحكام الواردة في هذا‬
‫القانون‪ ."......‬ظهير شريف رقم ‪ 3.11.119‬صادر في ‪ 15‬من رجب ‪ 1( 3011‬أكتوبر ‪ )1111‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 31.33‬المتعلق بمدونة‬
‫التأمينات‪( .‬منشور في الجريدة الرسمية عدد ‪ 5150‬بتاريخ ‪ 1‬رمضان ‪ 1(3011‬نونبر ‪ )1111‬الصفحة ‪.)1315‬‬
‫ظهير شريف رقم ‪ 3.33.313‬صادر في ‪ 15‬من ذي الحجة ‪ 11( 3011‬نونبر ‪ )1133‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 11.13‬المتعلق بمهنة التوثيق‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(منشور في الجريدة الرسمية عدد ‪ 5339‬وتاريخ ‪ 10‬نونبر ‪.)1133‬‬


‫‪3‬‬
‫محمد خيري‪ ،‬العقار وقضايا التحفيظ العقاري مرجع سابق‪ ،‬الصفحة ‪.131‬‬
‫عبد الرحيم ازغودي‪ ،‬الملك الغابوي في المغرب‪ ،‬بين إكراهات التدبير اإلداري وواقع الحماية القانونية‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية السويسي‪ ،‬جامعة محمد الخامس بالرباط‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،1133-1139‬الصفحة ‪.151‬‬

‫‪209‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المشرع أن ينتبه إلى هذا األمر‪ ،‬بمناسبة إصداره للقانون ‪ ،03.11‬ويضيف مقتضيات أخرى‬
‫معززة للفصل ‪ ،311‬والنص صراحة على منح الشخصية المعنوية لهذا الصندوق‪ ،‬أسوة‬
‫بالصناديق المشابهة‪ ،‬كصندوق ضمان حوادث السير‪ ،1‬وصندوق تأمين الموثقين‪ ،2‬حتى‬
‫تنسجم مقتضيات هذا الفصل مع مقتضيات القوانين األخرى ‪ ،‬ال سيما قانون المسطرة‬
‫المدنية‪.‬‬

‫وعلى الرغم من عدم توفر الصندوق على الشخصية المعنوية‪ ،‬فإنه تتم مقاضاته أمام‬
‫القضاء في شخص ممثله القانوني؟‬

‫وفي هذا الصدد يطرح التساؤل حول من يمثل هذا الصندوق أمام المحاكم‪ 3‬في ظل‬
‫غياب نص صريح يحدد هذا الممثل‪.4‬‬

‫إن النصوص التشريعية والتنظيمية ال تسعف في تقديم جواب صريح وشاف على هذا‬
‫التساؤل‪ ،‬وقد سبق لألستاذ محمد خيري أن طرح عدة احتماالت‪ ،‬فتساءل عما إذا كانت‬
‫الجهة المؤهلة لتمثيل الصندوق‪ ،‬هو الخازن العام للمملكة أم صندوق اإليداع والتدبير‪.5‬‬

‫تنص المادة من ‪ 311‬القانون رقم ‪ 31.33‬المتعلق بمدونة التأمينات على ما يلي‪" :‬يتمتع هذا الصندوق (أي صندوق ضمان حوادث السير)‬ ‫‪1‬‬

‫بالشخصية المعنوية‪ ،‬وتمسك محاسبته طبقا ألحكام القسم الرابع من الكتاب الثالث من هذا القانون‪"...‬‬
‫تنص المادة ‪ 30‬من القانون ‪ 11.13‬المتعلق بتنظيم مهنة التوثيق على ما يلي‪" :‬يطلق على صندوق الضمان المحدث بموجب الفصل ‪ 13‬من‬ ‫‪2‬‬

‫الظهير الشريف الصادر في ‪ 31‬شوال ‪ 10(3001‬مايو ‪ )3315‬المتعلق بتنظيم مهنة التوثيق‪ ،‬اسم " صندوق ضمان الموثقين" وهو يخضع من‬
‫اآلن فصاعدا لألحكام الواردة بعده‪.‬‬
‫يتمتع الصندوق بالشخصية المعنوية ويديره مجلس ويسيره صندوق اإليداع والتدبير"‪.‬‬
‫لمزيد من التوسع حول صندوق ضمان الموثقين‪ ،‬يراجع مقال‪ :‬عبد الرحيم أزغودي‪ :‬الطبيعة القانونية لصندوق ضمان الموثقين وآثارها على‬
‫المنازعات القضائية‪ ،‬مجلة الوكالة القضائية للمملكة العدد األول‪ ،‬ماي ‪ ،1139‬الصفحة ‪.330‬‬
‫‪3‬‬
‫لمزيد من التوسع في موضوعي التمثيل والدفاع أمام القضاء والتمييز بينهما يراجع‪ :‬عبد الرحيم ازغودي‪ ،‬الملك الغابوي‪ ،‬أطروحة‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫الصفحة ‪ 151‬وما يليها‪.‬‬
‫‪ 4‬نتحدث هنا عن مهمة التمثيل وليس الدفاع والنيابة والتي يقوم بها‪ ،‬كقاعدة المحامون‪ ،‬على الرغم من أن بعض النصوص القانونية تستعمل مفردة‬
‫التمثيل عندما تتحدث عن الدفاع‪ ،‬كما هو األمر بالنسبة للمادة ‪ 13‬من القانون المنظم لمهنة المحاماة والتي تنص على ما يلي‪" :‬ال يسوغ أن يمثل‬
‫األشخاص الذاتيون‪ ،‬والمعنويون والمؤسسات العمومية‪ ،‬وشبه العمومية‪ ،‬والشركات‪ ،‬أو يؤازروا أمام القضاء‪ ،‬إال بواسطة محام‪ ،‬ما عدا إذا تعلق‬
‫األمر بالدولة‪ ،‬واإلدارات العمومية‪ ،‬تكون نيابة المحامي أم ار اختياريا "‪( .‬الظهير الشريف رقم ‪ 3.19.313‬صادر في ‪ 11‬من شوال ‪11(3013‬‬
‫أكتوبر ‪ )1119‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 19.19‬المتعلق بتعديل القانون المنظم لمهنة المحاماة‪ ،‬منشور في الجريدة الرسمية عدد ‪ 5191‬بتاريخ ‪ 11‬ذو‬
‫القعدة ‪ 11(3013‬نونبر ‪ ،1119‬الصفحة ‪.)0100‬‬
‫‪ 5‬يؤاخذ األستاذ محمد خيري إدارة المحافظة العقارية على تدبيرها للشكايات الموجهة ضد الصندوق من مواطنين يعتقدون حسب رأيه‪ ،‬أن هذه‬
‫اإلدارة هي الوصية على الصندوق‪ ،‬عوض إحالتها على صندوق اإليداع والتدبير‪ ،‬الذي يتعين عليه الرد على هذه الشكايات‪ ،‬دون تفسير من إدارة‬
‫المحافظة أو اتخاذ أي موقف‪ .‬محمد خيري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬الصفحة ‪.133‬‬

‫‪210‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫والحقيقة إن الممثل القانوني لصندوق التأمين هو المدير العام للوكالة الوطنية‬


‫للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية‪ ،‬على الرغم من عدم وجود نص قانوني يقرر‬
‫ذلك بصفة صريحة‪ ،‬ولذلك تقام الدعاوى ضد الصندوق في شخص المدير العام للوكالة‬
‫الوطنية‪ .‬كما تتم الطعون في األحكام القضائية الصادرة في مواجهته بواسطة نفس الممثل‬
‫مع التنظيم المالي لهذا الصندوق الذي تتكون ميزانيته من‬ ‫القانوني‪،1‬وهذا ينسجم‬
‫االقتطاعات التي تنجز على الرسوم المؤداة على مختلف العمليات المتعلقة بالتحفيظ‪،‬‬
‫والتسجيل‪ ،‬والحصول على الوثائق المرتبطة بهذه العمليات‪ ،‬كما أن الوكالة الوطنية‬
‫للمحافظة العقارية هي التي تتولى سد العجز الذي قد يحصل في ميزانيته‪ ،‬بسبب تنفيذ‬
‫األحكام القضائية‪ ،‬ما يجعل المدير العام لهذه المؤسسة العمومية‪ ،‬هو ممثل هذا الصندوق‬
‫أمام القضاء في حالة مطالبته بالتعويض‪ ،‬وهي المطالبة التي تخضع إلجراءات محددة‬
‫وشروط معينة‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬إجراءات وشروط مقاضاة صندوق التأمين‬

‫معلوم أن الدعوى القضائية التي تقام ضد صندوق تأمين المسؤولية عن األخطاء‬


‫الناتجة عن عمليات التحفيظ العقاري‪ ،‬هي دعوى احتياطية (أوال)‪ ،‬ما دام ال يجوز مطالبة‬
‫هذا الصندوق باألداء إال في حالة الحكم على المحافظ‪ ،‬وإثبات عسر هذا األخير(ثالثا)‪،‬‬
‫غير أن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد‪ ،‬هو أال يتعارض ضمان المحافظ عن‬
‫األخطاء العمدية من طرف هذا الصندوق مع مبادئ التأمين؟ (ثانيا)‪. 2‬‬

‫‪1‬‬
‫يبدو أن هذا التوجه هو الذي يتبناه العمل القضائي المغربي‪ ،‬وهذا ما يفهم مثال من القرار عدد ‪ 313‬الصادر عن المحكمة اإلدارية بوجدة بتاريخ‬
‫‪ 15‬أبريل ‪ 1131‬في الملف عدد ‪ 1131/111‬والذي من بين ما جاء فيه ما يلي‪" :‬حيث دفع صندوق التأمين الممثل من طرف السيد المحافظ‬
‫العام‪ ،‬مدير المحافظة العقارية بعدم اختصاص المحكمة اإلدارية نوعيا للبت في الطلب على اعتبار أن الدعوى قد قدمت في إطار المسؤولية‬
‫الشخصية للسيد المحافظ على األمالك العقارية بالناظور‪ "...‬حكم أشار إليه عمر أزوكار‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬الصفحة ‪ .53 1-159‬يالحظ على هذا‬
‫الحكم الخلط البين بين مؤسسة المحافظ العام والمدير العام للوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية‪ ،‬في حين أن هاتين‬
‫المؤسستين مستقلتين عن بعضهما البعض‪ ،.‬وأن المؤسسة التي تمثل الصندوق هو المدير العام وليس المحافظ العام‪.‬‬
‫‪ 2‬سنركز في مناقشتنا لهذا الموضوع على الجانب المتعلق بتأمين الصندوق للمحافظ على األمالك العقارية‪ ،‬دون بقية المسؤولين عن األضرار‪،‬‬
‫تقيدا بموضوع هذا المقال‪.‬‬

‫‪211‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫أوال‪ :‬دعوى الحلول هي دعوى احتياطية‬

‫مما ال شك فيه‪ ،‬أن صندوق التأمين المؤسس بمقتضى الفصل ‪ 311‬من ظهير‬
‫التحفيظ العقاري ليس مسؤوال عن األضرار التي يقوم بتعويضها عن طريق أداء المبالغ‬
‫المالية المحكوم بها الفائدة المتضررين‪ ،‬وبالتالي فإن الدعوى المقامة ضده‪ ،‬هي دعوى‬
‫احتياطية‪ ،‬في مقابل الدعوى األصلية المقامة ضد المتسبب في الضرر‪ ،‬وبالتالي ال يجوز‬
‫مقاضاة الصندوق بصفة أصلية‪ ،‬دون مقاضاة المرتكب للخطأ‪ .‬لكن السؤال المطروح في هذا‬
‫الصدد هو ما إذا كانت طلبات التعويض توجه في نفس الوقت ضد المحافظ والصندوق‪ ،‬أم‬
‫أنه يتعين توجيه الدعوى ضد المحافظ فقط‪ ،‬وعندما تثبت مسؤوليته‪ ،‬وبعد ثبوت عسره أثناء‬
‫مباشرة مسطرة التنفيذ‪ ،‬آنذاك يقيم المحكوم لفائدته دعوى ثانية مستقلة ضد الصندوق؟‬

‫ولعل ما يدفعنا إلى طرح هذا التساؤل هو ما ورد في الفصل ‪ 11‬من القرار الوزيري‬
‫الصادر بتاريخ ‪ 10‬يونيو ‪ 3335‬حول تنظيم المحافظة العقارية‪ 1‬الذي ينص على أن طالب‬
‫التحفيظ ملزم بتقديم طلبات التعويض ضد الفاعلين المباشرين الذين تثبت مسؤوليتهم عن‬
‫الضرر‪ ،‬ويثبت عسرهم عن األداء‪ ،‬علما بأن العسر ال يثبت إال بعد محاولة تنفيذ الحكم‬
‫القاضي باألداء في مواجهة المحافظ‪ ،‬وتحرير محضر بعجز المنفذ عليه عن األداء‪.‬‬

‫معلوم أن الحديث عن الدعوى االحتياطية يعني أن األمر ال يتعلق بدعوى واحدة توجه‬
‫في آن واحد ضد المحافظ المسؤول‪ ،‬وضد صندوق التأمين في الوقت نفسه‪ ،‬وإنما يتعين‬
‫إقامة دعويين مستقلتين؛ األولى توجه ضد المحافظ للبحث في مسؤوليته والحكم عليه‬
‫بالتعويضات المطلوبة‪ ،‬والثانية ال تقبل إال بعد أن يكون المدعي قد مارس إجراءات تنفيذ‬
‫الحكم الصادر في الدعوى األولى‪ ،‬وبحث عن أمالك المحافظ المحكوم عليه بقصد التنفيذ‬
‫عليها وثبت عجزه عن األداء؛‬

‫فالدعوى االحتياطية إذن‪ ،‬كما يدل عليها اسمها ال تثار إال بعد استنفاذ الدعوى‬
‫األصلية في جميع أطوارها‪ ،‬بما في ذلك مسطرة التنفيذ القضائي ضد المحافظ على األمالك‬

‫‪1‬‬
‫لقد تم تغيير ونسخ هذا القرار بواسطة المرسوم رقم ‪ 1.31.39‬الصادر بتاريخ ‪ 31‬من رمضان ‪ 30(3015‬يوليو ‪ )1130‬في شأن إجراءات‬
‫التحفيظ العقاري (منشور في الجريدة الرسمية عدد ‪ 1111‬وتاريخ ‪ 11‬رمضان ‪ 19(3015‬يوليو ‪ ،1130‬الصفحة ‪ ،)1333‬باستثناء عدد من‬
‫الفصول التي لم يطلها النسخ ومن بينها الفصول المنظمة لصندوق التأمين التي يدخل ضمنها الفصل ‪.11‬‬

‫‪212‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫العقارية‪ ،‬وتحرير محضر تنفيذ رسمي يثبت إعساره‪ ،‬ولذلك يسعى المتضرر‪ ،‬في هذه الحالة‪،‬‬
‫إلى الحصول عن التعويض من خالل ثالث مراحل‪:‬‬

‫‪-3‬إقامة الدعوى في مواجهة المحافظ المخطئ فقط الستصدار حكم يقضي‬


‫بمسؤوليته عن األفعال التي ارتكبها ومطالبته بأداء المبالغ المستحقة للمتضرر؛‬

‫‪-2‬مباشرة إجراءات تنفيذ الحكم الصادر في مواجهة المحافظ شخصيا‪ ،‬وذلك بعد‬
‫أن يصبح هذا الحكم نهائيا؛ أي حائ از على قوة الشيء المقضي به؛‬

‫‪ -1‬إثبات عدم مالءة الذمة المالية للمحافظ‪ ،‬وعجزه عن الوفاء بالمبالغ المحكوم بها‬
‫عليه قضائيا؛‬

‫عندئذ يمكن إقامة الدعوى بشأن التعويضات ضد صندوق التأمين‪ ،‬وهي دعوى مستقلة‬
‫عن الدعوى األولى‪.1‬‬
‫غير أن التمسك بهذا المفهوم‪ ،‬واعتماد التفسير الضيق للدعوى االحتياطية وتطبيقه‬
‫على المتضرر‪ ،‬لمن شأنه أن يحمل هذا األخير أعباء إضافية وزائدة عن المتاعب التي‬
‫نتجت عن فقدانه لحقه‪ ،‬وهذا أمر يتنافى مع األهداف والغايات التي من أجلها أحدث المشرع‬
‫هذا الصندوق؛ وهي ضمان الحصول على التعويض المستحق للمتضرر‪ .‬ولذلك نرى أنه‬
‫يكفي إقامة دعوى واحدة تتضمن طلبين‪ ،‬األول يوجه بصفة أساسية ضد المحافظ المتسبب‬
‫في الضرر ويرمي إلى التعويض‪ ،‬وبصفة احتياطية يلتمس المتضرر (المدعي) التصريح‬
‫بإحالل الصندوق محله في األداء‪ ،‬إذا ثبت عسره‪ ،‬على أن يتضمن الحكم القاضي بتحميل‬
‫المحافظ مسؤولية األضرار والتعويض‪ ،‬ما يفيد صراحة إحالل الصندوق محله‪ ،‬في األداء‪،‬‬
‫إذا ثبت عسره‪.‬‬

‫‪ 1‬صدر قرار عن محكم االستئناف بالدار البيضاء في قضية مشابهة‪ ،‬وتتعلق بصندوق تأمين الموثقين‪ ،‬الذي يتحد مع صندوق تـأمين المحافظين‬
‫في عدة ـأحكام ومقتضيات‪ ،‬قضى بأنه يتعين على طالب التعويض اإلدالء بداية بما يفيد عسر الموثق المحكوم عليه ليحل محله صندوق ضمان‬
‫الموثقين‪ ،‬وأن ما قضى به الحكم المستأنف بحلوله في حالة إعساره يبقى أم ار وواقعا مستقبليا‪ .‬وكان الحكم االبتدائي قد قضى بإحالل الصندوق بناء‬
‫على عسر الموثق المستخلص من كون ممتلكاته العقارية مثقلة برهون وحجوز لفائدة الغير‪.‬‬
‫(القرار الصادر بتاريخ ‪ 11‬أكتوبر ‪ 1139‬عن محكمة االستئناف بالدار البيضاء في الملف عدد ‪ ،1139/3111/5111‬غير منشور)‪ .‬وقد يفهم‬
‫من ذلك أن المحكمة تتبنى الموقف القائل بإقامة دعويين مستقلتين؛ األولى ضد الموثق‪ ،‬وبعد صدور الحكم وثبوت عسره‪ ،‬إقامة دعوى ثانية ضد‬
‫الصندوق‪ .‬غير أن هذا الموقف أصبح متجاو از ولم يعد يأخذ به أغلب العمل القضائي الذي يقبل دعوى واحدة توجه ضد الموثق الذي يتم الحكم‬
‫عليه باألداء وفي حالة ثبوت عسره‪ ،‬إلزام الصندوق بالحلول محله في األداء‪.‬‬

‫‪213‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫لكن‪ ،‬ما هي اآلجال التي يتعين فيها على المتضرر مطالبة الصندوق باألداء؟ وهل‬
‫هي آجال تقادم أم آجال سقوط؟‬

‫يتبين من الرجوع إلى الفصل ‪ 10‬من القرار الوزيري المؤرخ في ‪ 10‬يونيو ‪ 3335‬أنه‬
‫ينص على سقوط الحق في طلب التعويض ضد الصندوق‪ ،‬إذا لم يقدم داخل أجل سنة‬
‫يبتدئ من تاريخ التحفيظ‪ ،‬أو التقييد‪ ،‬وهو أجل سقوط وليس أجل تقادم‪ ،‬وهذا ما طبقه‬
‫المجلس األعلى(محكمة النقض حاليا) في قرار قضى فيه بأن إقامة الدعوى بعد مرور سنة‬
‫على تقييد العقار يستدعي التصريح برفض الطلب‪ ،1‬غير أن المجلس األعلى كان قد اعتبر‬
‫في قرار آخر بأن الدعوى المبنية على أساس التدليس المرتكب من قبل المحافظ‪ ،‬تخضع‬
‫للتقادم الخماسي المنصوص عليها في الفصل ‪ 2 311‬من قانون االلتزامات والعقود‪.3‬‬

‫وإذا كان هذا الموقف األخير ينسجم مع طبيعة الخطأ الشخصي للمحافظ على األمالك‬
‫العقارية‪ ،‬سواء كان خطأ جسيما أو يكتسي طابع التدليس‪ ،‬باعتباره يدخل ضمن مسؤوليته‬
‫التقصيرية‪ ،‬ويروم ضمان حماية أكثر للمتضررين‪ ،‬بمنحهم أجال معقوال للمطالبة بالتعويض‬
‫عن الضرر‪ ،‬فإنه مع ذلك يصطدم مع المقتضيات القانونية الصريحة التي تلزم المطالب‬
‫بالتعويض في مواجهة صندوق التأمين بأن يوجه طلبه‪ ،‬داخل أجل سنة واحدة من تاريخ‬
‫التحفيظ أو التقييد‪ ،‬تحت طائلة سقوط هذه المطالبة‪ .‬وهذا معناه أن الدعوى المقامة ضد‬
‫المحافظ تتقادم بخمس سنوات أو عشرين سنة حسب الحاالت‪ ،‬مع األخذ بعين االعتبار‬
‫حاالت قطع التقادم‪ ،‬في حين أن الطلبات الموجهة ضد الصندوق‪ ،‬وهو مجرد ضامن‬

‫‪1‬‬
‫جاء في القرار عدد ‪ 313‬الصادر عن محكمة النقض بتاريخ ‪ 31‬مارس ‪ 1131‬في الملف عدد ‪ 1131-3-3-3110‬ما يلي‪:‬‬
‫"حيث إنه بالرجوع إلى الفصل ‪ 10‬من القرار الوزيري المنظم الختصاصات المحافظ فإنه ينص على أنه ‪" :‬تسقط المطالبة بالتعويض إذا لم يقع في‬
‫ظرف سنة واحدة من يوم تقييد العقار‪ ،‬أو تضمين حق من الحقوق الناشئ عنه الضرر المشار إليه"‪ .‬وحيث يستفاد من خالل وثائق الملف وتصفح‬
‫عدد‪ .....‬واللذين شمال أرض الطالب وألحقه ضرر من جراء ذلك‪ ،‬قد تم تقييدها سنة ‪ ،3311‬وحيث إنه‬ ‫عريضة الدعوى أن الرسمين العقاريين‬
‫وتماشيا مع مقتضيات الفصل ‪ 10‬المذكور أعاله‪ ،‬فإن األجل المحدد من طرف المشرع هو أجل سقوط‪ ،‬األمر الذي يستدعي التصريح برفض‬
‫الطلب"‪ .‬مشار إليه من طرف‪ :‬عمر أزوكار‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬الصفحة ‪.113‬‬
‫ينص الفصل ‪ 311‬من قانون االلتزامات والعقود على ما يلي‪ " :‬إن دعوى التعويض من جراء جريمة أو شبه جريمة تتقادم بمضي خمس سنوات‬ ‫‪2‬‬

‫تبتدئ من الوقت ال ذي بلغ فيه إلى علم الفريق المتضرر الضرر ومن هو المسؤول عنه‪ ،‬وتتقادم في جميع األحوال بمضي عشرين سنة تبتدئ من‬
‫وقت حدوث الضرر"‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫جاء في القرار عدد ‪ 3313‬الصادر عن المجلس األعلى بتاريخ ‪ 11‬يونيو ‪ ،1111‬ما يلي‪ ":‬إن دعوى النازلة وجهت ضد المحافظ على أساس‬
‫أنه المسؤول عن الضرر الحاصل للطاعنين في إطار الفصل ‪ 10‬من ظهير التحفيظ العقاري‪ ،‬وبالتالي فإن الدعوى تتقادم حسب مقتضيات الفصل‬
‫‪ 311‬من ظهير االلتزامات والعقود"‪.‬‬

‫‪214‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫للمحافظ‪ ،‬تسقط بمضي سنة واحدة فقط‪ ،‬من تاريخ التحفيظ أو التقييد‪ .‬وهذا أمر يطرح‬
‫إشكاال حقيقيا على المستوى العملي؛ ال سيما إذا علمنا أن أغلب الحاالت التي يتم فيها‬
‫الحكم على المحافظين العقاريين باألداء‪ ،‬تثار فيها مسألة حلول الصندوق محلهم في األداء‪،‬‬
‫بسبب ضخامة المبالغ المحكوم بها وعجز المحافظين عن أدائها‪ ،‬كما أن الطلبات الموجهة‬
‫ضد الصندوق تقدم في إطار نفس الدعوى المقامة ضد المحافظ؛‬

‫وفضال عما سبق إن أجل تقادم الدعوى المقامة ضد الصندوق ال ينسجم مع األجل‬
‫الرباعي المنصوص عليه في المادة الثانية من مدونة الحقوق العينية والتي تقضي بضرورة‬
‫إقامة دعوى المطالبة بحق وقع تقييده بسوء نية بالرسم العقاري داخل أجل أربع سنوات من‬
‫تاريخ التقييد المطلوب إبطاله‪.1‬‬

‫فهل يعقل أن تختلف آجال التقادم‪ ،‬بل وتختلف طبيعة هذه اآلجال‪ ،‬بين الطرفين؟ ال‬
‫سيما إذا علمنا أن أجل السنة المشار إليه يبتدئ من تاريخ التحفيظ أو التقييد وليس من‬
‫تاريخ الحكم على المحافظ؟‬

‫لقد حاولت محكمة النقض أن تخفف من حدة هذا اإلشكال‪ ،‬لما قضت بأن األجل‬
‫المنصوص عليه في الفصل ‪ 10‬من القرار الوزيري المؤرخ في ‪ 10‬يونيو ‪ 3335‬ال يؤخذ به‬
‫إال إذا تعلق األمر بالدعوى الشخصية الموجهة ضد طالب التحفيظ أو المحافظ على‬
‫األمالك العقارية شخصيا‪ ،‬وذلك بهدف خلق نوع من االنسجام بين هذه اآلجال واآلجال‬
‫األخرى المنصوص عليها في القوانين ذات الصلة‪ ،‬حيث جاء في قرار صادر عنها ما يلي‪:‬‬

‫"إن مقتضيات الفصل ‪ 10‬من القرار الوزيري المؤرخ في ‪ 10‬يونيو ‪ 3335‬إنما‬


‫يتعلق بدعاوى التعويض التي تقام على طالب التحفيظ والمحافظ بصفته الشخصية‬
‫بسبب التدليس‪ ،‬في حين أن الدعوى الحالية تهدف إلى المطالبة بالتعويض عن‬
‫الضرر الالحق بالمطلوبين من جراء خطأ مرفق المحافظة على األمالك العقارية‬
‫وأن المحكمة لما ردت الدفع بالتقادم المؤسس على مقتضيات الفصل ‪ 10‬المذكور‬

‫‪1‬‬
‫ادريس الفاخوري‪ ،‬الوسيط في نظام التحفيظ العقاري بالمغرب دراسة لنظام التحفيظ العقاري والفقه اإلداري والعمل القضائي‪ ،‬مطبعة النجاح‬
‫الجديدة‪ -‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪ ،1139‬ال صفحة‪.113‬‬

‫‪215‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫فإنها تكون قد بنت قضاءها على أساس قانوني سليم بهذه العلة التي تعوض العلة‬
‫‪1‬‬
‫المنتقدة والوسيلة لذلك غير مرتكزة على أساس"‬

‫غير أن التمعن في هذا القرار يبين أن محكمة النقض تميز بين األخطاء الشخصية‬
‫للمحافظ على األمالك العقارية وأخطائه المرفقية‪ ،‬وبالتالي فإنها لم تعط جوابا واضحا عن‬
‫التساؤل المطروح‪ ،‬ليبقى اإلشكال قائما‪.‬‬

‫لذا‪ ،‬وأمام عدم وجود جواب واضح وصريح من الباحثين والعمل القضائي الذي تناول‬
‫هذا الموضوع‪ ،‬حسب ما تأتى لنا من االطالع عليه من بحوث ودراسات وأحكام قضائية‪،‬‬
‫ونظ ار ألهمية الموقف الثاني الذي يسعى إلى حماية المتضرر وتمكينه من فرصة أكبر‬
‫للمطالبة بالتعويض داخل أجل معقول‪ ،‬فإننا نأمل أن يعمل المشرع المغربي على تعديل‬
‫النصوص القانونية التي تحدد أجل سقوط الطلبات الموجهة ضد صندوق التأمين‪ ،‬وجعلها‬
‫منسجمة مع آجال تقادم الدعوى الموجهة ضد المحافظ على األمالك العقارية‪ ،‬والمحددة في‬
‫الفصل ‪ 311‬من قانون االلتزامات والعقود المغربي‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬طبيعة الخطأ الموجب إلحالل صندوق التأمين مح المحافظ على‬


‫األمالك العقارية‬

‫من المعلوم أن مهمة صندوق التأمين هي ضمان أداء المبالغ المحكوم بها ضد‬
‫المحافظ العام أو المحافظين على األمالك العقارية‪ ،‬إذا ثبت عسرهم‪ ،‬سواء كان الضرر‬
‫المعوض عنه ناتجا عن خطأ أو تدليس‪ .‬ولعل ما يميز التدليس عن الخطأ الجسيم هو‬
‫عنصر العمد ونية اإلضرار بالغير‪ ،‬كما سبق بيانه‪.‬‬

‫غير أنه من المبادئ العامة للقانون‪ ،‬تلك التي تفيد عدم جواز التأمين عن األفعال‬
‫العمدية وكذا عن التدليس‪ ،‬وإال فإن عكس ذلك سيؤدي إلى التشجيع على ارتكاب هذه‬
‫األفعال‪ ،‬مادام أن مرتكبها يعلم مسبقا أن هناك جهة معينة ستؤدي التعويض المستحق‬
‫للمتضرر بدال عنه‪ ،‬ولذلك تعتبر عقود التأمين عن المسؤولية المدنية الناشئة عن ارتكاب‬

‫‪1‬‬
‫القرار عدد ‪ 30‬الصادر عن محكمة النقض بتاريخ ‪ 1131/13/15‬في الملف اإلداري عدد ‪ ،1131/3/0/139‬غير منشور‪.‬‬

‫‪216‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الحوادث العمدية بفعل المؤمن له باطلة‪1‬؛ وقد وجد هذا المبدأ تطبيقاته في عدة تشريعات‬
‫مقارنة‪ .‬و بالنسبة للمغرب فإن المادة ‪ 31‬من القانون رقم ‪ 31.33‬المتعلق بمدونة‬
‫التأمينات‪2‬تنص على ما يلي ‪:‬‬

‫"يتحمل المؤمن الخسائر واألضرار الناتجة عن الحادث الفجائي أو الناتجة عن خطأ‬


‫المؤمن له‪ ،‬عدا استثناء صريح في العقد‪ .‬غير أن المؤمن ال يتحمل‪ ،‬رغم أي اتفاق‬
‫مخالف‪ ،‬الخسائر واألضرار الناتجة عن خطأ متعمد أو تدليسي للمؤمن له"‪.‬‬

‫واضح إذن من هذا المقتضى القانوني عدم جواز التأمين عن األخطاء العمدية‪ ،‬أو عن‬
‫التدليس‪ ،‬وهي مقتضيات من النظام العام‪ .‬فهل معنى ذلك عدم جواز تأمين المحافظ من‬
‫قبل الصندوق عن األخطاء العمدية والتدليس؟‬

‫يبدو أن الجواب عن هذا السؤال باإليجاب سيفرغ النصوص القانونية المنظمة لصندوق‬
‫التأمين من محتواها‪ ،‬ويتعارض مع الغاية من تأسيس هذا الصندوق والمتجلية في تأمين‬
‫المحافظين عن أخطائهم الشخصية‪ ،‬بغض النظر عن طبيعتها‪ ،‬وحتى لو اكتسبت طابعا‬
‫تدليسيا‪ .‬ولذلك لم يستثنها المشرع من ضمان الصندوق‪ ،‬بل إن الفصل ‪ 10‬من ظهير‬
‫التحفيظ العقاري ينص صراحة على أن الضمان يشمل أيضا األخطاء الناتجة عن التدليس‪.‬‬
‫كما أن الفصل ‪ 311‬جاء بصيغة عامة غير محددة لنوع الخطأ المؤمن عليه‪.‬‬

‫وتأسيسا على ما سبق‪ ،‬يمكن القول إن المبدأ المشار إليه في المادة ‪ 31‬من القانون‬
‫رقم ‪ 31.33‬المتعلق بمدونة التأمينات‪ ،‬يتعلق فقط بالتأمين االتفاقي أي التأمين المبرم في‬
‫إطار تعاقدي بين األطراف‪ ،‬وهذا ما يتجلى من مقتضيات هذه المادة التي تتحدث صراحة‬
‫عن عقد التأمين‪ ،‬وال يمكن بالتالي تمديده إلى التأمين أو الضمان القانوني‪.3‬كما أن رغبة‬

‫األمراني زنطار محمد‪ ،‬شرح قانون التأمين رقم ‪ 33-31‬دراسة نظرية وتطبيقية‪ ،‬المطبعة والوراقة الوطنية‪ -‬مراكش‪ ،‬الطبعة األولى ‪،1115‬‬ ‫‪1‬‬

‫الصفحة ‪.333‬‬
‫ظهير شريف رقم ‪ 3.11.119‬صادر في ‪ 15‬من رجب ‪ 1( 3011‬أكتوبر ‪ )1111‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 31.33‬المتعلق بمدونة التأمينات‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(منشور في الجريدة الرسمية رقم ‪ 5150‬بتاريخ ‪ 11‬نوفمبر ‪ 1111‬الصفحة ‪.)1315‬‬


‫سبق محكمة النقض أن قضت بأن الهدف من إحداث صندوق تأمين الموثقين‪ ،‬وهو صندوق يخضع تقريبا لنفس األحكام التي يخضع لها‬ ‫‪3‬‬

‫صندوق تأمين المحافظين‪ ،‬هو تعويض ضحايا األخطاء المرتكبة‪ ،‬بغض النظر عن طبيعة هذه األخطاء‪ ،‬بل أكثر من ذلك قضت بأن األخطاء‬
‫العمدية تعطى لها األولوية في إحالل هذه الصناديق محل الموثقين الذين يتسببون في إلحاق أضرار لزبائنهم ولو كانت بسب أخطاء تكتسي طابعا‬
‫جرميا‪( .‬القرار عدد ‪ 1 /3113‬الصادر بتاريخ ‪19‬يونيو‪ 1111‬في الملف جنحي عدد ‪ ،33/39100‬غير منشور)‪.‬‬

‫‪217‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المشرع هي التي جعلت صندوق التأمين يحل محل المحافظ في أداء التعويض المحكوم به‬
‫عليه‪ ،‬بغض النظر عن طبيعة الخطأ المرتكب من طرفه؛ أي سواء كان خطأ عمديا أم‬
‫مجرد خطأ عادي‪ .‬ولعل الغاية من سن هذا المقتضى القانوني هو حماية المتضررين من‬
‫هذه األخطاء التي تترتب عنها أضرار جسيمة‪ ،‬ما دفع المشرع إلى تأسيس صندوق التأمين‬
‫يضمن أداء التعويض المستحق للمتضررين‪ ،‬في حالة ثبوت عسر المحافظ المحكوم عليه‬
‫وعجزه عن األداء‪ .‬فمتى تقوم واقعة العسر التي على أساسها يحل الصندوق محله في‬
‫األداء؟‬

‫ثالثا‪ :‬مفهوم العسر الموجب إلحالل صندوق التأمين مح المحافظ على‬


‫األمالك العقارية‬

‫لم يتضمن ظهير التحفيظ العقاري أي تعريف للعسر‪ ،‬ولذلك يتعين الرجوع إلى القواعد‬
‫العامة للبحث فيها عن هذا المفهوم‪.‬‬

‫وإذا كان ال فقه يعرف العسر بعدم وجود أو عدم كفاية أموال المدين للوفاء بديونه‬
‫المستحقة األداء‪ ،1‬فإن المشرع المغربي ولئن لم يضع تعريفا للعسر‪ ،‬فإنه وضع بعض‬
‫التطبيقات التي يتم من خاللها إثبات هذه الواقعة‪.‬‬

‫وهكذا تنص المادة ‪ 115‬من قانون المسطرة الجنائية على أنه ال يمكن تنفيذ اإلكراه‬
‫البدني على المحكوم عليه‪ ،‬الذي يدلي إلثبات عسره بشهادة عوز‪ ،‬يسلمها له الوالي أو‬
‫العامل‪ ،‬أو من ينوب عنه‪ ،‬وبشهادة عدم الخضوع للضريبة تسلمها مصلحة الضرائب‪،‬‬
‫بموطن المحكوم عليه‪.‬‬

‫كما تنص المادة ‪ 51‬من مدونة تحصيل الديون العمومية‪1‬على أنه‪:‬‬

‫يميز الفقيه السنهوري بين اإلعسار الفعلي واإلعسار القانوني؛ فاإلعسار هي حالة واقعية تنشأ عن زيادة ديون المدين‪ ،‬سواء كانت مستحقة األداء‬ ‫‪1‬‬

‫أو غير مستحقة ما دامت محققة الوجود‪ ،‬على حقوقه‪ .‬أما اإلعسار القانوني فهي حالة قانونية تنشأ من زيادة ديون المدين المستحقة األداء على‬
‫حقوقه‪ ،‬وال بد من شهرها بموجب حكم قضائي يجعل المدين في حالة إعسار‪ .‬عبد الرزاق احمد السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون المدني الجديد‪،‬‬
‫نظرية االلتزام بوجه عام‪ ،‬اإلثبات – آثار االلتزام‪ ،‬الصفحة ‪( ،3113‬دون ذكر السم المطبعة وال لتاريخ الطبع)‪ .‬عبد الرزاق أحمد السنهوري‪،‬‬
‫مصادر الحق في الفقه اإلسالمي‪ ،‬دراسة مقارنة بالفق ه الغربي‪ ،‬المجلد الثالث‪ ،‬الجزء الخامس‪ ،‬أثر العقد بالنسبة إلى األشخاص دار إحياء التراث‬
‫العربي‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪( ،‬دون ذكر لسنة الطبع)‪ ،‬الصفحة ‪.19‬‬

‫‪218‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫" يثبت عسر المدينين‪:‬‬


‫ـ ـ ـ إما بمحضر عدم وجود ما يحجز‪ ،‬كما نصت عليه المادة ‪ 51‬أعاله بالنسبة‬
‫للمدينين المعروفين بقدرتهم على الوفاء‪ ،‬والذين لم يفض الحجز الذي أجري عليهم‬
‫إلى أية نتيجة‪.‬‬
‫ـ ـ ـ وإما بشهادة العوز المسلمة من طرف الشرطة اإلدارية المحلية‪ ،‬بالنسبة‬
‫للمدينين المعروفين بعسرهم‪.‬‬

‫وبالنسبة لحوادث السير تنص المادة ‪ 351‬من مدونة التأمينات على أنه‪:‬‬

‫"يعتبر المسؤول عن الحادثة معس ار بعد إجابته بالرفض على اإلنذار باألداء‬
‫الموجه إليه من طرف صندوق مال الضمان‪ ،‬أو إذا بقي ذلك اإلنذار دون مفعول‬
‫خالل أجل ستين يوما ابتداء من تاريخ تبليغه‪".‬‬

‫يتبين مما سبق أن المشرع المغربي حدد بعض الوسائل التي تثبت واقعة العسر‪،‬‬
‫كالحصول على شهادة إدارية من السلطات المختصة‪ ،‬أو تحرير محضر بعدم وجود ما‬
‫يحجز‪ ،‬أو إقامة قرينة على ثبوت هذه الواقعة‪ ،‬من خالل عدم اإلجابة على اإلنذار باألداء‬
‫المتوصل به من طرف المدين‪.‬‬

‫وإذا كان الفقه والقضاء متفقين على أن العسر هو عدم كفاية أموال المدين لألداء‪ ،‬فإن‬
‫محكمة النقض اعتبرت في أكثر من مناسبة أن عدم العثور على المحكوم عليه في مسكنه‬
‫أو مقر عمله‪ ،‬أو ف ارره خارج أرض الوطن‪ ،‬يعتبر قرينة على ثبوت عسره‪ ،‬مع أن هذه‬
‫القرائن ال تفيد أحيانا‪ ،‬عدم قدرة المحكوم عليه على األداء‪.2‬ويبدو أن هذه المحكمة تسعى‬

‫ظهير شريف رقم ‪ 3.11.315‬صادر بتاريخ ‪ 19‬من محرم ‪ 11(3013‬مايو ‪ )1111‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 35.31‬بمثابة مدونة تحصيل الديون‬ ‫‪1‬‬

‫العمومية‪( ،‬منشور في الجريدة الرسمية عدد ‪ 0911‬بتاريخ ‪ 19‬صفر ‪( 3013‬فاتح يونيو ‪ ،)1111‬الصفحة ‪.)3151‬‬
‫‪2‬‬
‫وهكذا فقد قضت محكمة النقض بأن محكمة الموضوع لم يثبت لها مالءة ذمة المحكوم عليه من خالل ما عرض عليها‪ ،‬وهو ما أوردته في علتها‬
‫من أن الثابت من المراسلة الصاد رة عن النيابة العامة‪ ،‬من أن المعني باألمر لم تتمكن المصالح المختصة من القبض عليه‪ ،‬ولم يثبت الطاعن أن‬
‫المحكوم عليه يتوفر على ممتلكات يمكن ممارسة الحقوق عليها‪( .‬القرار الصادر بتاريخ ‪39‬أكتوبر‪ 1133‬في الملف عدد ‪،1131/1/3/1530‬‬
‫(غير منشور)‪ .‬وفي قرار آخر قضت محكمة النقض بأن المحكمة استندت في قضاءها على محضر إخباري أفاد فيه عون التنفيذ بأن المحل مغلق‬
‫منذ مدة طويلة وأن المعني باألمر لم يعثر عليه الختفائه بسبب كثرة ديونه‪.‬‬
‫وأضافت محكمة النقض‪" :‬لكن حيث ثبت لمحكمة االستئناف عجز الطاعن عن األداء من خالل ما عرض عليها من وثائق والطاعن لم يثبت‬
‫خالف ذلك‪ ".‬القرار رقم ‪ 93‬الصادر بتاريخ ‪ 1‬يناير ‪ 1131‬في الملف المدني عدد ‪( 1119/1/3/1115‬غير منشور)‪.‬‬

‫‪219‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫من وراء هذا التوسع في مفهوم العسر إلى حماية المتضررين من خالل ضمان الحصول‬
‫على التعويض المحكوم به لجبر الضرر ولو نسبيا‪ ،‬على أن يقوم الصندوق بالرجوع على‬
‫‪1‬‬
‫المحكوم عليه باسترجاع ما دفعه للمتضرر في حالة مالءة ذمته مجددا‪.‬‬

‫وأمام عدم التنصيص في ظهير التحفيظ العقاري‪ ،‬وال النصوص التنظيمية التطبيقية‬
‫له‪ ،‬على ما يفيد مفهوم العسر‪ ،‬يبقى للقضاء دور كبير في تحديد هذا المفهوم في إطار ما‬
‫يتمتع به من سلطة تقديرية‪.‬‬

‫غير أن محكمة االستئناف بالدار البيضاء قضت بإلغاء حكم ابتدائي استنتج واقعة العسر من كون األمالك العقارية للمحكوم عليه مثقلة برهون‬
‫وحجوزات لفائدة الغير‪ ،‬معللة قضاءها بكون ما سطره الحكم المستأنف بحلول الصندوق محل الموثق في حالة إعساره يبقى أم ار وواقعا مستقبليا‪.‬‬
‫(القرار الصادر عن محكمة االستئناف بالدار البيضاء بتاريخ ‪ 11‬أكتوبر ‪ 1139‬في الملف عدد ‪ ،1139/3111/5111‬غير منشور)‪.‬‬
‫يالحظ أن المشرع المغربي عدل بواسطة القانون رقم ‪ ،30.11‬الفقرة الثالثة من الفصل ‪ 10‬من ظهير التحفيظ العقاري التي كانت تنص على‬ ‫‪1‬‬

‫احتفاظ صندوق التأمين بحق الرجوع على المعسر‪ ،‬حيث لم يعد يتضمن ظهير التحفيظ العقاري هذا المقتضى القانوني‪ ،‬سواء في الفصل ‪ 10‬أو‬
‫في الفصل ‪ .311‬ولقد تبنى المشرع المغربي نفس النهج في القانون المتعلق بتنظيم مهنة التوثيق‪ ،‬حيث حذف المقتضى الذي كان ينص على‬
‫أحقية صندوق ضمان الموثقين في الرجوع على الموثق الذي يحل محله في أداء التعويض بعد إثبات عسره‪ ،‬مما يطرح التساؤل حول ما إذا كان‬
‫هذان الصندوقان ما يزاالن يحق لهما ممارسة دعوى الرجوع في مواجهة األشخاص الذين حلوا محلهم في األداء؟‬

‫‪220‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫أ‬
‫للمحكم‬
‫أ‬
‫تامالت في المسؤولية أالمدنية‬
‫من إعداد الستاذ يونس الزرق الحسوني‪،‬‬
‫أ‬
‫استاذ جامعي‪ ،‬رئيس مصلحة الدراسات والهندسة‬
‫القانونية بالوكالة القضائية للمملكة سابقا‬
‫مقدمة‬

‫ال جدال وال نقاش حول الدور الريادي الذي يلعبه التحكيم كآلية بديلة عن القضاء‬
‫لفض المنازعات‪ ،‬خصوصا الدولية منها‪ .‬هذه الريادة كانت نتيجة لما يمتاز به التحكيم من‬
‫مرونة وعلى الخصوص إمكانية اختيار األطراف لقاضيهم الخاص‪ ،‬أو للشخص المسؤول‬
‫عن فض خالفهم مما يسمح لهم في الغالب باختيار خبراء متمكنين من النقط الخالفية التي‬
‫تجمع األطراف‪ ،‬وبالتالي اإلطمئنان على نتيجة التحكيم وسيرورته المسطرية‪.‬‬

‫واللجوء إلى الوسائل البديلة عموما‪ ،‬والتحكيم على وجه خاص‪ ،‬كان والزال مسألة‬
‫مرتبطة بمنسوب الثقة في الشخص المسؤول عن تدبير المنازعة وفضها‪ ،‬وهو الدافع‬
‫األساس لالعتماد على تلك الوسيلة أو األخرى‪.‬‬

‫ويقوم التحكيم على مجموعة من المبادئ والمفاهيم‪ ،‬لعل أهمها هي إرادة األطراف‬
‫وإقرار المشرع إلمكانية اللجوء للتحكيم‪ ،‬واالعتراف بسلطة المحكم في البت في النزاع‪ .‬ولعل‬
‫أهم أثر لالتفاق على التحكيم هو سلب النزاع من سلطة ووالية قضاء الدولة وعرضه على‬
‫التحكيم‪ ،‬وهو ما يبين بجالء جالل وعظمة المهمة الملقاة على عاتق المحكمين‪ ،‬لذلك البد‬
‫من ربط هذه المسؤولية بالمحاسبة‪ .1‬فالقضاء من أهم صور السيادة‪ ،‬واالعتراف ألشخاص‬
‫من القطاع الخاص بسلطة البت في النزاعات البد من ربطه بمراقبة دقيقة لممارسة هذه‬
‫المهمة والضرب بيد من حديد في مواجهة كل من سولت له نفسه االستخفاف بجسامتها‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫المسؤولية في اللغة تعني المحاسبة والمجازاة‪ ،‬وهي حال أو صفة من يسأل عن أمر تقع عليه تبعته وقد ورد هذا المعنى في قوله تعالى‪" :‬فوربك‬
‫لنسألنهم أجمعين"‪ ،‬صدق الله عز وجل‪ ،‬سورة الحجر اآلية ‪ .31‬وت عني المسؤولية عموما إلتزام شخص بضمان النتائج الضارة التي تصيب الغير‬
‫والمترتبة عن فعل من أفعاله‪.‬‬

‫‪221‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫فالمحكم‪ 1‬من المحتمل أن يخطأ أو يتهاون‪ ،‬كأن ينسحب من العملية التحكيمية دون‬
‫عذر مقبول‪ ،‬أو يغش أو يدلس أو ال يراعي المبادئ األساسية في التقاضي أو غيرها من‬
‫األخطاء التي من شأنها اإل ضرار بمصالح األطراف‪ .‬وهو ما يدفعنا للتساؤل حول إلى أي‬
‫مدى يمكن مساءلة المحكم عن هذه االخطاء؟ ونظ ار لكون المحكم هو الشخص الذي يفوض‬
‫إليه الحكم‪ ،2‬بمعنى أنه يؤدي مهمة القاضي‪ ،‬فإلى أي حد يمكن االعتراف للمحكم بنفس‬
‫الحصانة المقررة للقاضي؟‬

‫اإلجابة على هذه األسئلة تستدعي مناقشة اإلقرار القانوني بمسؤولية المحكم واإلحاطة‬
‫بصورها (المطلب األول) ثم تحليل إجراءات مساءلة المحكم في إطار مسؤوليته المدنية‬
‫(المطلب الثاني)‪.‬‬

‫ولإلشارة فإن المحكم قد يسأل في إطار المسؤولية الجنائية والمدنية والتأديبية وسنقتصر‬
‫في هذا البحث على الجوانب المرتبطة بالمسؤولية المدنية للمحكم‪ ،‬وذلك لما يثيره إقرار هذه‬
‫المسؤولية من نقاش قانوني وإشكاليات على المستوى العملي‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬إارار مسؤولية المحام‬

‫سنحاول تحديد الطبيعة القانونية لمهمة المحكم والعالقة التي تربطه باألطراف (الفقرة‬
‫األولى) مما سيسمح لنا بعرض بعض صور مسؤولية المحكم (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬الطبيعة القانونية لمهمة المحام‬

‫يعتبر التحكيم الوسيلة البديلة الوحيدة عن القضاء الرسمي للبت في النزاعات‪ ،3‬لكونه‬
‫يمتاز بالحسم في النزاع أو البت في المخاصمة‪ ،‬كما هو الشأن بالنسبة للقضاء الرسمي‪ ،‬فما‬
‫تأثير هذا الوضع على إقرار مسؤولية المحكم‪ ،‬وما هو وضع المحكم اتجاه األطراف اللذين‬
‫اختاروه لتسوية نزاعهم؟‬

‫‪1‬‬
‫المحكم لغة بفتح الكاف مع التشديد هو من يفوض إليه الحكم؛ االمام أبي الفضل جمال الدين محمد ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬دار إحياء التراث‬
‫العربي‪ ،‬باب الحاء‪ ،‬مادة حكم بيروت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ ،3311‬الصفحة ‪.391‬‬
‫‪2‬‬
‫نفس المرجع السابق‪.‬‬
‫أما باقي الوسائل فيصطلح عليها بالوسائل الحبية أو الودية (الوساطة‪ ،‬الصلح‪ ،‬المصالحة‪ ،‬التوفيق وغيرها)‪ ،‬لكون تدخل الطرف الثالث يقتصر‬ ‫‪3‬‬

‫على الدفع إلى حصول اتفاق بين األطراف وال يملك صالحية إصدار حكم بات في الخصومة على غرار المحكم‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫أوال‪ :‬التحايم لين التعاادية والقضائية‬

‫مما ال شك فيه أن أساس سلطة المحكم اتفاقي ومخرجات هذا االتفاق “شبه قضائية”‪،‬‬
‫بمعنى أن األطراف يختارون قاضيهم الخاص بناء على اتفاق التحكيم‪ ،‬هذا االتفاق يمنح‬
‫المحكم سلطة البت في نزاعهم باثار شبة قضائية‪ .‬وال نتفق مع االتجاه القائل بأن التحكيم‬
‫هو تعاقدي النشأة‪ ،‬قضائي الوظيفة‪ ،‬لكون هناك اختالف بين وظيفة القاضي ومهمة‬
‫المحكم‪ ،‬كما سنبين ذلك الحقا‪.‬‬

‫ويترتب عن ذلك أن مقاربة إقرار ونطاق مسؤولية المحكم مرتبط بالتكييف القانوني‬
‫لمهمة المحكم‪ ،‬والذي يرتبط بدوره بنظام التحكيم‪ ،‬والذي تتقاسمه نظريتان فقهيتان‪ :‬النظرية‬
‫التعاقدية‪ 1‬والنظرية القضائية‪ .2‬إضافة إلى نظرية ثالثة‪ ،‬وسطية‪ ،‬تجمع بينهما وهي الطبيعة‬
‫المختلطة للعملية التحكيمية بين التعاقدي والقضائي‪ ،‬ونحن نذهب إلى أن للتحكيم طبيعة‬
‫خاصة تبتدئ فعال باالتفاق (التعاقد) وتنتهي بالحكم التحكيمي الذي له طبيعة شبه قضائية‬
‫وليست قضائية‪.‬‬

‫أ‪ -‬إارار المسؤولية مرتبط بالطبيعة التعاادية لمهمة المحام‬


‫إن الطبيعة التعاقدية للتحكيم ال جدال فيها‪ ،‬ألن مصدر سلطة المحكم هو إرادة‬
‫األطراف‪ .‬وأساس العملية التحكيمية برمتها هو هذا االتفاق‪ ،‬وفي حالة غيابه ال يمكن‬
‫الحديث عن التحكيم‪.3‬‬

‫‪1‬‬
‫‪L’origine conventionnelle pourrait entraver la reconnaissance de la qualité du juge à l’arbitre, comme le‬‬
‫‪souligne PANOU : « Admettre que les effets du consentement se ramènent à la création d’une « juridiction‬‬
‫‪arbitrale » est un pur artifice », Chrysoula PANOU, Le consentement à l’arbitrage, étude méthodologique du‬‬
‫; ‪droit international privé de l’arbitrage, éditions (éd) IRJIS, Tome 32, 2011, page 305‬‬
‫إسماعيل الزيادي‪" :‬التحكيم والقضاء‪ ...‬تكامل أم تمايز؟"‪ ،‬مجلة التحكيم العالمية‪ ،‬العدد ‪ ،1131 ،31‬الصفحة ‪.315‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Emmanuel GAILLARD, Aspects philosophiques du droit de l’arbitrage international, Collection livres de poche‬‬
‫‪de l’académie de droit international de la Haye, Martinus Nihhoff Publishers, 2008, spécialement la page 91.‬‬
‫‪3‬بعض األنظمة القانونية تتطرق إلى نوع خاص من "التحكيم" والذي يطلق عليه التحكيم اإلجباري أو اإللزامي‪ ،‬حيث يفرض المشرع قس ار على‬
‫األطراف بالنسبة لمنازعات معينة اللجوء إلى مسطرة التحكيم وهو استثناء من القاعدة العامة التي تفيد بأن التحكيم يجب أن ينبع من اإلرادة الحرة‬
‫لألطراف‪.‬‬

‫‪223‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وإتفاق التحكيم هو مصدر الحكم التحكيمي الذي ال يمكن تنفيذه جب ار إال بناء على أمر‬
‫قضائي‪ ،‬بما أن المحكم يفتقد سلطة اإلجبار‪ ،‬رغم توفره على سلطة الحكم التي يستمدها من‬
‫إرادة األطراف وإتفاقهم‪ ،‬فإنه يفتقد سلطة االجبار التي خولها القانون للقاضي الرسمي وحده‪،‬‬
‫كما أن إرادة األطراف تتحكم في العملية التحكيمية على خالف المسطرة أمام المحاكم والتي‬
‫تحكمها النصوص القانونية فقط‪ ،‬كل هذا يفقد مهمة المحكم الصفة القضائية ويمكن أن‬
‫يطلق عليها مهمة شبه قضائية‪ ،1‬بما أن المحكم يبت في النزاع بحكم حائز لحجية الشيء‬
‫المقضي به‪.2‬‬

‫وبما أن أي شخص طبيعي عادي يمكن أن يختاره األطراف لفض نزاعهم‪ ،3‬فإن‬
‫المخاطر المرتبطة بأداء هذه المهمة مرتفعة جدا‪ ،‬بالنظر إلى السلط الموكولة للمحكم والتي‬
‫تحتم تحديد أوجه قيام مسؤوليته‪ ،‬وذلك لتأثير ق اررته في حقوق أطراف النزاع ومراكزهم‬
‫القانونية‪ ،‬كانوا أشخاص خاضعين للقانون الخاص أو للقانون العام‪ .‬كما أن المبالغ المالية‬
‫المهمة موضوع النزاع التحيكمي ال تبرر االكتفاء بالجزاءات التأديبية المعنوية في حق‬
‫المحكم المتهاون أو المرتكب لخطأ أدى إلى ضرر بليغ بمصلحة األطراف‪.4‬‬

‫‪1‬‬
‫‪En réalité : « C’est parce que l’arbitre n’est pas un juge, que sa sentence est non pas une « décision de‬‬
‫‪justice » mais un acte purement privé et que sa mission est de nature non pas juridictionnelle, mais strictement‬‬
‫‪conventionnelle », Vincent HEUZE, « Arbitrage international : quelle raison à la déraison ? », Dalloz, 2011, 1 er‬‬
‫‪décembre, pages 2800 et suivants.‬‬
‫‪2‬‬
‫وعلى الرغم من أن معظم األنظمة القانونية تعترف للمحكم بإمكانية إصدار حكم حائز لحجية األمر المقضي به‪ ،‬فإنها تستثني من ذلك المنازعات‬
‫التي يكون فيها طرف شخص من أشخاص القانون العام بالنسبة للتحكيم الداخلي‪ .‬فقد نص الفصل ‪ 111-11‬من قانون المسطرة المدنية على‪:‬‬
‫"يكتسب الحكم التحكيمي بمجرد صدوره حجية الشيء المقضي به بخصوص النزاع الذي تم الفصل فيه‪.‬‬
‫غير أن الحكم التحكيمي ال يكتسب حجية الشيء المقضي به‪ ،‬عندما يتعلق األمر بنزاع يكون أحد األشخاص المعنويين الخاضعين للقانون العام‬
‫طرفا فيه‪ ،‬إال بناء على أمر بتخويل صيغة التنفيذ‪ .‬وفي هذه الحالة‪ ،‬يطلب تخويل صيغة التنفيذ من قبل الطرف األكثر استعجاال أمام القاضي‬
‫المختص تطبيقا للفصل ‪ 131‬أعاله حسب المسطرة المنصوص عليها في الفصل ‪ 111-13‬بعده وباآلثار المشار إليها في الفصل ‪ 111-11‬وما‬
‫يليه‪.‬‬
‫تطبق القواعد المتعلقة بالتنفيذ المعجل لألحكام على األحكام التحكيمية التي ال يطالب في شأنها بصيغة التنفيذ"‪.‬‬
‫ينص الفصل ‪ 111‬من قانون المسطرة المدنية على أنه‪ " :‬ال يمكن إسناد مهم ة المحكم إال إلى شخص ذاتي كامل األهلية لم يسبق أن صدر‬ ‫‪3‬‬

‫عليه حكم نهائي باإلدانة من أجل ارتكاب أفعال تخل بالشرف أو صفات االستقامة أو اآلداب العامة أو بالحرمان من أهلية ممارسة التجارة أو حق‬
‫من حقوقه المدنية ‪.‬‬
‫إذا عين في االتفاق شخص معنوي‪ ،‬فإن هذا الشخص ال يتمتع سوى بصالحية تنظيم التحكيم وضمان حسن سيره"‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫رشيدة ميداقين‪" :‬مسؤولية المحكم –دراسة مقارنة‪ "-‬مذكرة لنيل دبلوم الماستر‪ ،‬جامعة محمد بوضياف‪-‬المسلية‪ ،‬الجزائر‪ ،‬السنة الجامعية ‪-1131‬‬
‫‪ ،1131‬الصفحة ‪.9‬‬

‫‪224‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ويجد تقرير مسؤولية المحكم سنده في افتقار األنظمة القانونية لضوابط واضحة تحكم‬
‫ممارسة هذه المهمة وذلك رغم أهميتها‪ .‬لذلك البد من وضع قواعد واضحة للمحكم تنير‬
‫طريقه في سبيل ممارسة مهامه التي تؤدي دو ار هاما في تحقيق العدالة‪ ،‬ذلك أن غياب‬
‫المساءلة يعني االختالل التام في ميزان العدالة‪ ،‬كما تحقق هذه المساءلة حماية للمحكم بما‬
‫أن وضع معاييرها يسمح بتنقيح المجال من المتطاولين على المهمة التحكيمية دون موجب‬
‫حق‪ ،‬وتساهم في تخليق الممارسة التحكيمية وتفعيل دور المحكم في تحقيق العدالة‪.‬‬

‫وبما أن ربط المسؤولية بالمحاسبة مبدأ دستوري‪ ،‬وأن أعظم مسؤولية وأخطرها يتحملها‬
‫من يتكلف بإحقاق الحق وتحقيق العدل‪ ،‬ورغم إختالف مركز المحكم عن القاضي‪ ،1‬إال أن‬
‫هذا األخير يمكن أن يسأل مدنيا‪ ،2‬كما أن الدولة تساءل عن األخطاء القضائية‪ ،3‬إذن كيف‬
‫يمكن أن يبقى المحكمون في منأى عن المساءلة دون غيرهم‪4‬؟‬

‫ب‪ -‬أية حصانة للمحام‬


‫إن المطالبة بتحصين المحكم حيال أداء مهمته‪ 5‬تجد سندها لدى الفقه في الطبيعة‬
‫"القضائية" لهذه المهمة‪ ،6‬فمن شأن رفع دعوى المسؤولية على المحكم‪ ،‬الطعن بصفة غير‬

‫‪1‬‬
‫أحمد أبو الوفا‪ :‬التحكيم االختياري واالجباري‪ ،‬مطبعة المعارف‪ ،‬اإلسكندرية الطبعة الخامسة‪ ،3399 ،‬الصفحة ‪131‬؛ مصطفى الجمال وعكاشة‬
‫محمد عبد العال‪ :‬التحكيم في العالقات الخاصة الدولية والداخلية‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬دار الجامعة الجديدة‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،3339‬الصفحة‬
‫‪.533‬‬
‫ينص الفصل ‪ 93‬من قانون االلتزامات والعقود على أن‪ " :‬القاضي الذي يخل بمقتضيات منصبه يسأل مدنيا عن هذا اإلخالل تجاه الشخص‬ ‫‪2‬‬

‫المتضرر في الحاالت التي تجوز فيها مخاصمته"‪ ،‬حاالت مخاصمة القضاة نص عليها الفصل ‪ 133‬من قانون المسطرة المدنية‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫ينص الفصل ‪ 311‬من الدستور المغربي لسنة ‪ 1133‬على ما يلي‪" :‬حق كل متضرر من خطأ قضائي الحصوص على تعويض تمنحه الدولة"‪.‬‬
‫قليلة هي األنظمة القانونية التي نصت صراحة على إمكانية مساءلة المحكم‪ ،‬ونذكر على سبيل المثال‪ :‬القانون االسباني للتحكيم رقم ‪ 11‬الصادر‬ ‫‪4‬‬

‫سنة ‪ 1111‬الذي أكد مسؤولية المحكم كجزاء مستقل عن مخالفته االتفاق مع األطراف حيث أخد بالتكييف العقدي لعالقة المحكم باألطراف‪ ،‬وذلك‬
‫في المادة ‪ 13‬منه‪ ،‬والتي تنص على‪" :‬ان المحكم الذي لم يقم بتنفيذ التزاماته العقدية بحسن نية يكون مسؤوال عن االضرار التي لحقت بالمحتكمين‬
‫نتيجة لسلوكه الخاطئ"‪.‬‬
‫محمد عبد الخالق الزعبي‪ :‬قانون التحكيم‪ ،‬مطبعة المعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دون ذكر تاريخ الطبع‪ ،‬الصفحة‪31‬؛ على حسن عوض‪:‬‬ ‫‪5‬‬

‫ردود مخاصمة أعضاء الهيئة القضائية‪ ،‬دار الثقافة للطباعة والنشر‪ ،‬الطبعة االولي‪ ،‬دون ذكر المطبعة‪ ،‬سنة ‪ ،1111‬الصفحة ‪110‬؛ محمد حميد‬
‫علي اللهبي‪ :‬المحكم في التحكيم التجاري الدولي‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬سنة ‪ ،1131‬الصفحة ‪111‬؛ ماهر محمد حامد‪ :‬النظام القانون‬
‫للمحكم في التحكيم التجاري الدولي‪ ،‬دار الكتب القانونية‪ ،‬مصر‪ ،‬دون ذكر تاريخ الطبع‪ ،‬الصفحة ‪351‬؛ أبو العالء النمر‪ :‬المركز القانوني للمحكم‬
‫في خصومة التحكيم‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،1111 ،‬الصفحة ‪.31‬‬
‫‪6‬‬
‫خليل عمر غصن‪ :‬سلطة المحكم األمرية في التحكيم الداخلي‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،1115‬الصفحة ‪.0‬‬

‫‪225‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫مباشرة في الحكم وطلب مراجعته أمام القضاء‪ ،‬مما يؤدي إلى عرقلة الفعالية في تسوية‬
‫المنازعات واالحترام والتوقير الواجب للمركز "القضائي" للمحكم‪.1‬‬

‫إال أن االعتراف بحصانة للمحكمين على غرار تلك الممنوحة للقضاة فيه نقاش‪ ،‬كما‬
‫أن طبيعة الحصانة الممنوحة للقضاة ال تعني تغييب مساءلتهم‪ .2‬بل الهدف األساس من‬
‫ذلك هو فرض االحترام والتقدير المتصل بمهامهم وذلك لضمان إستقالليتهم وحريتهم في أداء‬
‫وظائفهم‪ .‬وبالنظر لطبيعة المهمة التحكيمية‪ ،‬فإن المحكم يجب تحصينه بهذا المفهوم بمعنى‬
‫العمل على ضمان استقالليته وحياده عند أداء مهمته "القضائية"‪ ،‬حتى يتأتى له البت في‬
‫المهمة المسندة إليه بعيدا عن الخوف من انتقام أطراف النزاع أو تدخلهم في مهامه‪.‬‬

‫فالحصانة تسمح للقاضي بأداء وظيفته دون خوف أو قلق‪ ،‬إال أنه تطبق عليه القواعد‬
‫الخاصة بمسؤولية مرفق القضاء‪ .3‬فإذا كان جوهر الوظيفة القضائية يكمن في حسم النزاع‪،‬‬
‫فإن هذا الجوهر نفسه هو الذي يغذي وجه التشابه الرئيس بين القضاء والتحكيم‪.4‬‬

‫ورغم أن كل من القاضي والمحكم يتولى مسؤولية الفصل في النزاع‪ ،‬ومطالبين باحترام‬


‫المبادئ األساسية في التقاضي (احترام حقوق الدفاع‪ ،‬إعمال مبدأ المساواة والمواجهة بين‬
‫األطراف)‪ ،‬كما يلتزم كل منهم بالسرية في المداوالت‪ ،‬حيث يتوجب عليهما عدم إفشاء أسرار‬
‫المداوالت كما تحوز األحكام الصادرة عنهما حجية األمر المقضي به‪ ،‬إال أن المحكم يختلف‬
‫عن القاضي في كون تعيين هذا األخير يتم من قبل السلطة العامة للدولة أما المحكم فيعين‬
‫بناء على إ تفاق األطراف وال يمكنه تفويض غيره ألداء هذه المهمة عكس القاضي‪ .‬كما أن‬
‫المحكم يمكن أن يحمل جنسية أجنبية وقد تكون مختلفة عن جنسية األطراف الذين عينوه‬
‫على خالف القاضي الذي بالضرورة يجب أن يكون حامال لجنسية الدولة التي نصبته‬

‫‪1‬حازم المرابط‪ :‬مهمة المحكم‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات المعمقة في القانون الخاص‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬جامعة محمد‬
‫الخامس السويسي‪-‬سال‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،1113-1119‬الصفحة ‪.31‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Sur ce point voir Pierre LALIVE : « Sur l’irresponsabilité arbitrale », in : Etudes de procédure et d’arbitrage‬‬
‫‪en l’honneur de Jean François POUDRET, Faculté de droit de l’Université de Lausanne, 1999, pages 419-‬‬
‫‪435.‬‬
‫‪3‬‬
‫أحمد أبو الوفا‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬الصفحة ‪.311‬‬
‫‪4‬‬
‫رشيدة بحيليس‪" :‬مسؤولية المحكم"‪ ،‬رسالة لنيل ماستر المقاولة والقانون‪ ،‬جامعة الحسن األول‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‬
‫سطات‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،1131-1135‬الصفحة ‪.33‬‬

‫‪226‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫قاضيا‪ .‬هذا فضال على أن المحكم يمكن عزله من قبل األطراف‪ ،‬عكس القاضي الذي ال‬
‫يمكن إال تجريحه في حالة توفر األسباب المنصوص عليها في قوانين اإلجراءات‬
‫المسطرية‪.1‬‬

‫ورغم ضرورة تمتيع المحكم بحصانة مرتبطة بأدائه لمهمته "الشبه قضائية" فإن هذه‬
‫الحصانة ال يمكن أن ترقى إلى تلك المخصصة للقضاة الرسميين‪ ،‬وذلك ألن الدولة تبقى‬
‫مسؤولة عن األضرار التي قد يسببها القضاة للغير‪ ،‬بما أنهم موظفون عموميون وهو األمر‬
‫الذي ينتفي عند المحكم الذي ال ينتمي لسلك الوظيفة العمومية‪ ،‬مما يعرضه للمساءلة‬
‫وتعويض األطراف عن األضرار التي تصيبهم ولو في حالة إعساره‪.2‬‬

‫وعلى هذا األساس فالحصانة ال تعني عدم المساءلة‪ ،‬حتى بالنسبة للقاضي ونفس‬
‫األمر بالنسبة للمحكم‪ ،‬ذلك أن المسؤولية والحصانة يسيران على خطين متوازيين جنبا إلى‬
‫جنب‪ ،‬مما يسمح بمساءلة القاضي والمحكم في حاالت معينة ووفق شروط محددة‪.‬‬

‫وهذه الخالصة لم يتم التوصل إليها إال مؤخ ار‪ ،‬فقد مرت عملية إقرار مسؤولية المحكم‬
‫من الحصانة المطلقة في النظام األنجلو‪-‬أمريكي‪ ،3‬وذلك لكون المحاكم كانت ترفض مؤاخذة‬

‫ينص الفصل ‪ 135‬من قانون المسطرة المدنية المغربي على ما يلي‪ " :‬يمكن تجريح كل قاض لألحكام‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪-‬إذا كانت له أو لزوجه مصلحة شخصية مباشرة أو غير مباشرة في النزاع‪.‬‬


‫‪ -‬إذا وجدت قرابة أو مصاهرة بينه أو بين زوجه مع أحد األطراف حتى درجة ابن العم المباشر بإدخال الغاية‪.‬‬
‫‪-‬إذا كانت هناك دعوى قائمة أو انتهت منذ أقل من سنتين بينه أو بين زوجه أو أصولهما أو فروعهما وبين أحد األطراف‪.‬‬
‫‪-‬إذا كان دائنا أو مدينا ألحد األطراف‪.‬‬
‫‪-‬إذا قدم استشارة أو رافع أو كان طرفا في النزاع أو نظر فيه كحكم أو أدلى فيه بشهادة‪.‬‬
‫‪-‬إذا سبق أن كان نائبا قانونيا ألحد األطراف‪.‬‬
‫‪-‬إذا وجدت عالقة تبعية بين القاضي أو زوجه وبين أحد األطراف أو زوجه‪.‬‬
‫‪ -‬إذا وجدت صداقة أو عداوة مشهورة بين القاضي وأحد األطراف‪.".‬‬
‫ناصر بلعيد‪ :‬وضعية الهيئة التحكيمية في التشريع المغربي‪ ،‬دراسة تحليلية على ضوء القانون رقم ‪ ،15-19‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا‬ ‫‪2‬‬

‫المعمقة في القانون الخاص‪ ،‬وحدة التكوين والبحث‪ ،‬جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬سال‪ ،‬السنة الجامعية‬
‫‪ ،1119-1111‬الصفحة ‪.13‬‬
‫‪3‬‬
‫لقد استقر القضاء األمريكي على تمتيع المحكم بحصانة قضائية أو شبه قضائ ية‪ ،‬وذلك لحماية المحكم من أن يصبح طرفا في النزاع وتعفيه من‬
‫المسؤولية المدنية‪ .‬ويستثنى من هذه الحصانة عدم تنفيذ االلتزام بإصدار الحكم داخل أجل معقول أو عدم إصدار الحكم التحكيمي نهائيا‪ .‬كما أن‬
‫الحصانة المعترف بها في النظام اإلنجليزي أيضا مصدرها االجتهاد القضائي قبل أن تدرج كمبدأ قانوني في المادة ‪ 13‬من قانون التحكيم اإلنجليزي‬
‫لسنة ‪ ، 3331‬والتي استثنت من الحصانة األخطاء والهفوات التي يقدم عليها المحكم بسوء نية‪ .‬لمزيد من المعلومات حول مسؤولية المحكم في‬
‫النظامين اإلنجليزي واألمريكي أنظر‪ :‬رشيدة بحيليس‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬الصفحة ‪13‬؛ أحمد الملحم‪ :‬عقد التحكيم التجاري المبرم بين المحكمين‬
‫والخصوم‪ ،‬مجلة الحقوق الكويتية‪ ،‬العدد الثاني‪ ،‬يونيو ‪ ،1111‬الصفحة ‪151‬؛ مصلح أحمد الطراونه وجورج حزبون حزبون وعامر مدالله محمود‬

‫‪227‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المحكم عن أي خطأ ارتكبه سواء كان يسي ار أو جسيما‪ ،‬وقد تراجعت هذه المحاكم عن ذلك‬
‫لتتيح الفرصة لألطراف لمساءلة المحكم عن أخطائه التحكيمية إذا كان لها سبب جدي‪.1‬‬

‫ولقد تبنى المشرع المغربي هذه الحصانة النسبية لما نص على عدم إمكانية تجريح أو‬
‫عزل أو مالحقة المحكم قضائيا‪ ،‬إال إذا ثبت ارتكابه عمال يستوجب ذلك‪ .‬فاألصل أن‬
‫المحكم يستفيد من الحصانة بما أنه يؤدي مهمة ''شبه قضائية''‪ ،‬غير أن ذلك ال يمنع من‬
‫مساءلته في إطار قواعد قانونية أخرى‪ ،‬وذلك بالنظر إلى طبيعة العالقة التعاقدية التي تربطه‬
‫باألطراف من جهة‪ ،‬واألخطاء التي قد يرتكبها ونظ ار أيضا لاللتزامات التي ألقاها القانون‬
‫على عاتقه من جهة أخرى‪ .2‬وبذلك يسأل المحكم عن التدليس والغش والخطأ الجسيم وانكار‬
‫العدالة وإفشاء السر المهني ‪ .‬ومن الطبيعي أن يعاقب المحكم على الجرائم التي يمكن أن‬
‫يرتكبها في إطار مزاولته لمهامه‪ ،‬وتأتي على رأسها جنحة النصب والرشوة والتزوير في‬
‫محرر خاص واستعماله‪.3‬‬

‫ولمقاربة كيف الءمت األنظمة القانونية بين حتمية مساءلة المحكم عن أخطائه‬
‫وضرورة تمتيعه بالحصانة التي تسمح له بأداء مهمته بتجرد‪ ،‬حياد واستقاللية وفعالية‪ ،‬البد‬
‫من تحليل كافة أوجه ومظاهر المسؤولية المدنية للمحكم وطبيعة العالقة التي تربطه‬
‫باألطراف‪.‬‬

‫النوايسة‪" :‬مسئولية المحكم المدنية عن أخطائه التحكيمية –دراسة مقارنة‪ ،"-‬مجلة الحقوق‪ ،‬المجلد األول‪-‬العدد الثاني‪ ،1110 ،‬الصفحة ‪ 353‬وما‬
‫يليها؛‬
‫‪Voir aussi le Rapport du Club des juristes sur : « La responsabilité de l’arbitre », commission Adhoc, 2017,‬‬
‫‪commission composée de : Jean-Yves GARAUD, Jean-Pierre ANCEL, Grégorie BERTROU, Sébastien‬‬
‫‪BESSON, Thomas CLAY, Alexis FOUCARD, Jacob GRIERSON, Emmanuel JOLIVET, Georges JOURDE, Elie‬‬
‫‪KLEIMAN, Fernando MANTILLA-SERRANO, Didier REBUT, Basile ZAJDELA, pp101-115.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪Thomas CLAY, L’arbitre, Dalloz, 2001, p708.‬‬
‫‪2‬‬
‫وهذا ما كرسه القضاء الفرنسي كما سنبين ذلك عند مقاربة صور إقرار المسؤولية المدنية للمحكم‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫مصطفى الجمال وعكاشة محمد عبد العال‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬الصفحة ‪.933‬‬

‫‪228‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ثانيا‪ :‬عقد المحام‬


‫مما ال شك فيه أن المحكم يستمد أوال سلطته من اتفاق األطراف ثم من القانون ‪.1‬‬
‫فاألطراف يمكنهم تدبير العملية التحكيمية من بدايتها إلى نهايتها من حيث‪ :‬اختصاص‬
‫المحكم‪ ،‬المسطرة المتبعة‪ ،‬والقانون الواجب التطبيق‪ ،‬واللجوء إلى قواعد العدل واالنصاف‪،‬‬
‫والتخلي على طرق الطعن‪ ،‬والتنفيذ االختياري للحكم التحكيمي؛ بمعنى أن سلطان اإلرادة هو‬
‫المبدأ األساس في التحكيم‪ .‬واللجوء إلى التحكيم يكون جراء اتفاق األطراف والذي يصطلح‬
‫عليه "اتفاق التحكيم"‪ ،‬إلى أن هذا االتفاق ال يقنن بالضرورة العالقة بين أطراف النزاع‬
‫والمحكم‪ ،‬بل هو التزام األطراف باللجوء إلى التحكيم قصد حل نزاع نشأ أو قد ينشأ عن‬
‫عالقة قانونية معينة‪ ،‬تعاقدية أو غير تعاقدية‪ ،‬كما يكتسي شكل عقد تحكيم أو شرط‬
‫تحكيم‪.2‬‬

‫والعالقة التي تربط بين األطراف والمحكم هي عالقة تعاقدية‪ ،‬بما أن مختلف األنظمة‬
‫القانونية‪ ،‬تعرف العقد على أنه اتفاق يلتزم بمقتضاه شخص أو أكثر نحو شخص أو أكثر‬
‫بإعطاء شيء أو أداء عمل أو االمتناع عنه‪ .‬بمعنى توافق ارادتين على تحقيق أثر قانوني‪،‬‬
‫ويتحقق هذا التوافق بصدور اإليجاب من طرف والقبول من طرف أخر‪.‬‬

‫وفي التحكيم يصدر اإليجاب من األطراف المعبر عنه في اتفاق التحكيم ويصدر‬
‫القبول من طرف المحكم والمعبر عنه بالتوقيع على اتفاق التحكيم‪3‬؛ فالمهمة التحكيمية ال‬
‫تبتدئ إال بعد قبول المحكم للمهمة المسندة إليه من قبل األطراف‪ ،4‬وهذا وجه آخر‬
‫لالختالف بين التحكيم والقضاء‪.‬‬

‫غير أن التساؤل المطروح في هذا الصدد هو ما إذا كان األمر يتعلق بعقد عمل‪ ،‬أو‬
‫عقد مقاولة‪ ،‬أو خبرة أو وكالة أو غيرها؟‬

‫العربي العتوت‪ :‬حدود سلطات المحكم في التحكيم التجاري الدولي‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص‪ ،‬كلية العلوم القانونية‬ ‫‪1‬‬

‫واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬جامعة الحسن األول بسطات‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،1113-1119‬ص‪.13‬‬


‫الفصل ‪ 111‬من قانون المسطرة المدنية‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫كما قد يصدر القبول عبر محضر معد لهذا الغرض أو تبادل رسائل أو غيرها من الوسائل‪.‬‬
‫الفقرة األولى والثالثة من الفصل ‪ 1-111‬من قانون المسطرة المدنية‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪229‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الحقيقة هي أن العقد الذي يبرمه المحكم مع األطراف‪ ،‬هو "عقد محكم" وذلك بالنظر‬
‫‪3‬‬
‫إلى عدم توافقه مع كافة العقود المسماة المعروفة‪ ،‬كعقد العمل‪ 1‬وعقد المقاولة‪ 2‬والوكالة‬
‫وغيرها‪ ،4‬وبناء عليه‪ ،‬إن "عقد المحكم" هو عقد يقبل بموجبه المحكم أو الهيئة التحكيمية في‬
‫حالة تعدد المحكمين القيام بعمل أو تقديم خدمة تتمثل في المهمة المسندة إليه من طرف‬
‫األطراف والمتجلية في فض النزاع‪ ،‬طبقا لمسطرة معينة تم االتفاق عليها بينهم وبين هيئة‬
‫التحكيم‪.‬‬

‫وقد يبرم هذا العقد بمجرد قبول المحكم للمهمة عبر التوقيع على اتفاق التحكيم مع‬
‫األطراف‪ ،‬أو قد يبرم بمجرد تبادل الرسائل أو تبليغ محاضر تعيين المحكم‪ ،‬ورسائل أو‬
‫محاضر قبول هذا األخير للمهمة‪ ،‬كما قد يتم جراء إبرام عقد مستقل يأخذ شكل "وثيقة‬
‫التحكيم" "‪ ،"Acte de mission‬وفي الغالب ما تحدد هذه الوثيقة كافة أوجه العالقة‬
‫التعاقدية‪ ،‬وعلى الخصوص االلتزامات المتبادلة بين طرفي العقد (أطراف النزاع وهيئة‬
‫التحكيم) ‪ .‬وفي هذا الصدد يمكن اإلشارة إلى بعض االلتزامات التي تقع على عاتق المحكم‬
‫وهي‪:‬‬

‫‪ -‬البت في النزاع بحكم نهائي خالل المدة المحددة (قانونا أو اتفاقا)؛‬


‫‪ -‬احترام المبادئ األساسية للتقاضي وحقوق األطراف (حقوق الدفاع‪ ،‬والمساواة‪،‬‬
‫والحياد واالستقاللية)؛‬
‫‪ -‬احترام إرادة األطراف في تحديد القواعد اإلجرائية لسير العملية التحكيمية؛‬
‫‪ -‬تسليم نسخة من الحكم لألطراف بعد صدوره؛‬
‫‪ -‬االلتزام باالستماع إلى مرافعات األطراف والشهود الذين يقدمونهم؛‬
‫‪ -‬الحفاظ على سرية المعلومات والوثائق؛‬

‫‪1‬‬
‫يفترض عقد العمل وجود عالقة التبعية بين العامل ورب العمل‪ ،‬بينما يمارس المحكم مهامه بكل استقاللية عن األطراف‪.‬‬
‫‪2‬عقد المحكم يختلف عن عقد المقاولة لكون هذا األخير يفترض وجود جانب يطلب الوصول إلى هدف معين وجانب أخر يقوم بتنفيذ العمل بقصد‬
‫الوصول إ لى هذا الهدف‪ ،‬اما عقد المحكم فيه مصالح متنازعة ومهمة المحكم تقتضي البت في هذه المصالح وفق قواعد قانونية‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫يستمد المحكم سلطته من اتفاق أطراف الخصومة على خالف الوكالة التي يستمد سلطته من الموكل‪ ،‬كما أن عزل الموكل لوكيله ممكن ومن‬
‫حقه بينما ال يمكن عزل المحكم إال بإجماع األطراف‪ .‬كما أنه رغم أن الطرف يختار محكمه في التحكيم المتعدد األطراف إال أن هذا ال يعني أنه‬
‫يمثله أو يدافع عنه في الهيئة التحكيمية بل هو مطالب بأن يمارس مهامه بكل تجرد واستقاللية عن كافة أطراف المنازعة بمن فيهم من اختاره‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫كعقد الخبرة مثال‪ ،‬فا لخبير مطالب بإبداء رأيه والذي ال يعد ق ار ار أو حكم على خالف المحكم الذي يبت في النزاع بحكم‪ ،‬وفي المجمل ال يوجد‬
‫حسب اعتقادنا في المنظومة القانونية عقد له نفس مقومات وخصائص عقد المحكم‪.‬‬

‫‪230‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪ -‬تحرير الحكم وفق القانون والعناية الضرورية إلنفاذ مضامينه‪.‬‬

‫أما بالنسبة لألطراف فيمكن اإلشارة إلى بعض االلتزامات التي تقع عليهم وهي‪:‬‬
‫‪ -‬التزام حضور الجلسات المتفق عليها مع المحكمين؛‬
‫‪ -‬الستجابة لكل ما تطلبه هيئة التحكيم في إطار إجراءات نظر الدعوى؛‬
‫‪ -‬تزويد المحكم بالوثائق والمعلومات التي تمكنه من النظر في النزاع؛‬
‫‪ -‬أداء األتعاب‪.‬‬

‫كما يمكن أن يحدد هذا العقد القانون الواجب التطبيق‪ ،‬ولغة التحكيم‪ ،‬ومقر التحكيم‪،‬‬
‫والجدولة الزمنية لإلجراءات وغيرها من المسائل‪ .‬ويعتبر عقد المحكم المكنة التي تعتمدها‬
‫هيئة التحكيم (خصوصا في التحكيم الخاص‪/‬الحر) كأساس التخاذ كافة التدابير اإلجرائية‬
‫الكفيلة بفض النزاع في الفترة الزمنية التي حددها االتفاق مع األطراف‪.‬‬

‫وإخالل المحكم بالتزاماته المدرجة في عقد المحكم يجره إلى المساءلة في إطار القواعد‬
‫العامة للمسؤولية العقدية‪ ،‬وتختلف هذه المسؤولية حسب طبيعة االلتزام ومدى ارتباطه‬
‫بالمهمة "القضائية" التي يمارسها أو باالتفاق المبرم مع االطراف‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬صور مسؤولية المحام جراء االخالل بالتزاماته‬

‫مما ال شك فيه أن المهمة التحكيمية تلقي على عاتق المحكم بالتزامات مختلفة منها ما‬
‫يتعلق بالعقد الذي يربطه باألطراف (أوال) ومنها التي ترتبط بطبيعة المهمة القضائية للمحكم‪،‬‬
‫وإن لم يتضمنها العقد (ثانيا)‪.1‬‬

‫‪1‬‬
‫إقرار المسؤولية مرتبط بإثبات الخطأ والذي يتوقف على طبيعة التزام المدين‪ ،‬وتقسم االلتزامات عموما إلى نوعين‪ :‬التزام بتحقيق غاية أو التزام‬
‫ببذل عناية‪ .‬ويترتب على ذلك أن إثبات عدم التنفيذ في االلتزام بتحقيق غاية يتم بمجرد إثبات عدم تحقق الغاية‪ ،‬ومثال ذلك إذا أصيب المسافر‬
‫أثناء السفر بضرر يعد الناقل مسؤوالً؛ وذلك ألن الغاية من الت ازمه لم تتحقق؛ وهي وصول المسافر بالسالمة‪ .‬وهي بالنسبة للمحكم االلتزامات‬
‫المتعلقة بتدبير المسطرة التحكيمية (البت في النزاع داخل األجل االتفاقي أو القانوني‪ ،‬عدم التخلي عن المهمة قبل إصدار الحكم‪ ،‬وصياغة الحكم‬
‫التحكيمي والتوقيع عليه مثال)‪ ،‬وأما في االلتزام ببذل عناية‪ ،‬فعلى الدائن أن يثبت أن المدين لم يبذل القدر الواجب من العناية‪ ،‬وهي في مجمل‬
‫االلتزامات المرتبطة بالمهمة القضائية للمحكم (كاحترام الضمانات األساسية للتقاضي وتحري وجه الصواب في الحكم التحكيمي مثال)‪ ،‬لمزيد من‬
‫التوضيح راجع‪ :‬الشهابي إبراهيم الشرقاوي ومصطف ى أبو العينين‪" :‬الطبيعة القانونية لعالقات التحكيم والمسؤولية المدنية الناشئة عنها"‪ ،‬مجلة العلوم‬
‫القانونية‪ ،‬تصدر عن كلية القانون جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا‪ ،‬دولة االمارات العربية المتحدة‪ ،‬العدد األول‪ ،‬السنة األولى‪ ،‬يناير ‪،1131‬‬
‫الصفحة ‪.319‬‬

‫‪231‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫أوال‪ :‬التزامات المحام المنبثقة عن طبيعة عالاته التعاادية مع األطراف‬

‫يمكن أن يدرج في هذا اإلطار مجموعة من االلتزامات منها‪ :‬البت في النزاع داخل‬
‫األجل االتفاقي أو القانوني‪ ،‬وعدم التخلي عن المهمة التحكيمية واالفصاح واالخبار بكل ما‬
‫من شأنه أن يمس بالحياد واالستقاللية‪.‬‬

‫أ‪ -‬عدم الكشف أو اإلفصاح عن الظروف والواائع التي اد تثير الشاوك‬


‫حول حياد المحام واستقالليته‬
‫يعتبر الحياد واالستقاللية من بين السمات التي يجب أن تتوفر في شخص المحكم‪،‬‬
‫وذلك بالنظر إلى طبيعة المهمة المسندة إليه والمتمثلة في البت في الخصومة‪ .‬لذلك نجد أن‬
‫كل األنظمة القانونية تلزم المحكم عند قبوله المهمة المسندة إليه باإلفصاح عن كافة‬
‫الظروف التي من شأنها إثارة الشكوك حول حياده واستقالليته‪ ،‬وهو ما نص عليه صراحة‬
‫الفصل ‪ 111-1‬من قانون المسطرة المدنية‪" :‬يتعين على المحكم الذي يعلم بوجود أحد‬
‫أسباب التجريح في نفسه أن يشعر األطراف بذلك‪ .‬وفي هذه الحالة‪ ،‬ال يجوز له قبول مهمته‬
‫إال بعد موافقة األطراف"‪.‬‬

‫كما أن هذا االلتزام يمتد أيضا إلى كافة الظروف التي تط أر بعد التعيين إلى حدود‬
‫إصدار الحكم التحكيمي‪ .1‬هذا التصريح يسمح لألطراف بالموافقة أو رفض تعيين المحكم‬
‫بحسب طبيعة الظروف والوقائع المصرح بها‪ ،‬مما يساعد على اختيار المحكم المحايد‬
‫والمستقل‪.‬‬

‫وفي حالة اإلحجام عن التصريح فإن اكتشاف األطراف لهذه الظروف أو الوقائع التي‬
‫من شأنها إثارة الشك حول حياد واستقالل المحكم قد يعرضه لمسطرة التجريح أو العزل إذا‬
‫تم اكتشاف األمر قبل صدور الحكم التحكيمي‪ ،2‬أما إذا تم اكتشاف الواقعة بعد ذلك فإن‬
‫الحكم يكون معرضا للبطالن وبالتالي يسأل المحكم عن ذلك ألنه ناتج عن خطئه المباشر‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫وائل طبارة‪ :‬حياد المحكم‪ ،‬المجلة اللبنانية للتحكيم العربي والدولي‪ ،‬العدد الثالث‪ ،3331 ،‬الصفحة ‪.11‬‬
‫نص الفصل ‪ 111‬من قانون المسطرة المدنية على أنه‪" :‬ال يجوز ألي من طرفي التحكيم تجريح محكم إال لسبب ط أر أو اكتشف بعد تعيينه"‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫وحدد الفصل ‪ 111‬من نفس القانون الحاالت التي يمكن تجريح المحكم نتيجة لها‪.‬‬

‫‪232‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫تحديد معالم التزام المحكم باإلفصاح يستدعي مقاربة المقصود باستقالله وحياده‪ ،‬ورغم‬
‫أنه يصعب إعطاء تعريف محدد لهذين المفهومان إال أن ذلك ال يمنع من تحديد خصائص‬
‫وسمات هذين المبدأين‪.‬‬

‫فاالستقالل بمفهومه الواسع مرتبط بالحرية‪ ،‬بمعنى أن المحكم عند أداء مهمته‬
‫التحكيمية يجب أال يكون تابعا ألي أحد‪ 1‬خصوصا لألطراف أو محاميهم‪ .2‬واالستقاللية‬
‫مسألة موضوعية لكونها مرتبطة بعالقات عملية وواقعية يمكن إثبات وجودها ماديا‪ ،3‬على‬
‫خالف الحياد‪ ،‬فهو أمر مرتبط بشخص المحكم أو ذاتيته‪ ،‬ويتعلق األمر بغياب التجرد أو‬
‫الحكم المسبق على أمر معين‪ .4‬وبالتالي فإن الحياد هو مفهوم مجرد ويصعب قياسه وتحديد‬
‫أبعاده‪ .‬كما أن االستقاللية يمكن تحديد توفرها من عدمه إبان بدأ المسطرة التحكيمية‪ ،‬أما‬
‫الحياد ففي الغالب ما يتم إدراكه أثناء سريان المسطرة وذلك بالنظر إلى تصرفات المحكم‬
‫ومواقفه من األطراف والنزاع‪.5‬‬

‫وعلى العموم فإن استقاللية المحكم هي منشأ مهمته‪ ،‬ما دامت هذه االستقاللية هي‬
‫التي تمنحه صفة قاضي األطراف في استقالل عنهم‪ ،‬وأن الطعن في هذه االستقاللية‪ ،‬رهين‬
‫بتوفر روابط مادية ومعنوية قد تشكل خط ار أو تلحق أض ار ار بأحد أطراف النزاع‪.‬‬

‫ونخص بالذكر‪ ،‬الروابط االقتصادية‪ ،‬التي من شأنها اثارة الشكوك حول حياد‬
‫واستقاللية المحكم‪ .6‬كأن يقدم بالموازاة مع مسطرة التحكيم إستشارة تقنية مؤدى عنها ألحد‬

‫‪1‬‬
‫‪Thomas CLAY, L’arbitre, op cit, pages 245 et suivants.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Maria SCHURMANS : « L’indépendance et l’impartialité de l’arbitre : entre apparence et réalité », Mémoire‬‬
‫‪pour l’obtention d’un Master en droit de la faculté de droit et de criminologie de l’Université Catholique de‬‬
‫‪Louvain, année académique 2016-2017, page 7.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Didier MATRAY et Albert Jan VAN DEN BERG : « L’indépendance et l’impartialité de l’arbitre », in‬‬
‫‪L’arbitre : Pouvoirs et statuts, actes du colloque du CEPANI du 28 mars 2003, Bruxelles, Bruylant, 2003,‬‬
‫‪pages 93 et 94.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Dominique HASCHER, « Independence and impartiality of arbitrators: 3 issues » American University‬‬
‫‪International Law Review n°4, Vol 27, 2012, page 792.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Idem.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Philippe FOUCHARD, Emmanuel GAILLARD et Berthold GOLDMAN, Traité de l’arbitrage commercial‬‬
‫‪international, Paris, Litec, 1996, n°1029.‬‬

‫‪233‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الخصوم‪ ،‬أو المحكم الذي كان يشتغل كمستشار لفائدة شركة تنتمي لنفس المجموعة‬
‫اإلقتصادية ألحد الخصوم‪ ،‬ففي هذه الحاالت وغيرها يكون لألطراف إمكانية تجريح المحكم‪.‬‬

‫وفي هذا الصدد سبق لمحكمة االستئناف بباريس أن أوضحت في قضية ‪Raoul‬‬
‫‪ Duval‬أن المحكم الذي وظفه أحد األطراف في اليوم الموالي للنطق بالحكم التحكيمي‪ ،‬قد‬
‫أخل بواجب االستقالل والحياد المفروضين في شخص المحكم‪ ،‬مما يبرر إثارة مسؤوليته‬
‫التعاقدية والحكم عليه بالتعويض‪ .1‬وقد أكدت هذه القضية التوجه السابق لنفس المحكمة في‬
‫قضية ‪Bompard‬عندما اعتبرت أن مسؤولية المحكم تثار طبقا لألحكام العامة للمسؤولية‬
‫التعاقدية‪.2‬‬

‫ويتضح من هاتي ن القضيتين أن مسؤولية المحكم تثار في حالة الخطأ الفادح المماثل‬
‫للتدليس أو الغش وفي حالة إخفاء عالقة المحكم بأطراف الخصومة‪ .‬كأن يتم تعيين نفس‬
‫المحكم من قبل نفس األطراف في عدد كبير من النزاعات وفي مدة زمنية قصيرة‪ ،‬فتقوم‬
‫عالقة اقتصادية بينهم تمس باستقالليته‪.3‬‬

‫ففي قضية ‪ Bompard‬اعتبر القضاء الفرنسي أن مسؤولية المحكم يمكن إثارتها في‬
‫حالة ارتكابه خطأ فادحا يعادل ارتكابه خطأ متعمدا‪ ،‬فقد أشارت المحكمة االبتدائية وبعدها‬
‫محكمة االستئناف بباريس إلى أن اثارة المسؤولية التعاقدية للمحكم تجد سندها في العقد الذي‬
‫يربطه باألطراف‪ .‬وتم بالتالي استبعاد مسؤولية المحكم لعدم اثبات أن خطأه يصل إلى مرتبة‬
‫الخطأ الفادح أو غش أو تدليس‪.4‬‬

‫أما في قضية ‪ Raoul Duval‬فقد حمل القضاء المحكم مسؤولية عدم التزامه بواجب‬
‫اإلفصاح‪ ،‬وتتعلق وقائع هذه القضية في أن شركة ‪ Raoul Duval‬اكتشفت بعد صدور‬
‫‪1‬‬
‫‪Cour d’appel de Paris (CA paris) 12 octobre 1995, Merkoria Sucden c/société Raoul Duval , Revue‬‬
‫‪d’arbitrage 1999, page 324.‬‬
‫‪2‬‬
‫)‪Tribunal de Grande Instance de Paris (TGI Paris), 13 juin 1990, Bompard c/ C. Gazette du Palais (G.P‬‬
‫‪1990, page 417.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪CA Paris, 16 mai 2002, STPIF c/SB Ballestrero, Revue d’arbitrage, 2003, 123 ; CA Paris 29 janvier 2004,‬‬
‫‪SA Serf c. société DV Construction, Revue d’arbitrage 2005, page 720.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪TGI Paris, 1er chambre civil, 1er section, 13 juin 1990, Bompard c/ consorts C. et autres, Revue d’arbitrage,‬‬
‫; ‪1996, p476, note Philippe FOUCHARD, page 325‬‬

‫‪234‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الحكم التحكيمي أن المحكم قد إشتغل لدى خصمها مباشرة بعد النطق بالحكم التحكيمي‪ ،‬ولم‬
‫يف صح عن أي عالقة تربطه مع الخصم أثناء سريان المسطرة‪ .‬وبعد بطالن الحكم‬
‫التحكيمي‪ ،1‬تقدمت شركة ‪ Raoul Duval‬بطلب تعويض في مواجهة المحكم لجبر الضرر‬
‫الذي أصابها نتيجة لهذا البطالن‪ .‬واستجابت المحكمة االبتدائية بباريس لطلب الشركة‬
‫وصرحت بأن المحكم بعدم تصريحه بعالقته مع الشركة الخصم يوجد في حالة تضارب‬
‫مصالح‪ ،‬وهو ما يشكل عائقا التفاق التحكيم‪ ،‬وأن تصرف المحكم يشكل خطأ يتحمل‬
‫مسؤوليته‪ ،‬بما أنه أخفى هذا األمر عن شركة ‪ .2Raoul Duval‬هذا الموقف أكدته محكمة‬
‫االستئناف بباريس واعتبرت أن اإلحجام عن اإلفصاح شكل خطأ شخصيا للمحكم لكونه‬
‫إلتزام تعاقدي‪.3‬‬

‫ويثار النقاش حول ما إذا كانت مساءلة المحكم تقوم لمجرد عدم اإلفصاح أو لمدى‬
‫تأثير األمور التي لم يفصح عنها في إثارة الشك حول حياده وإستقالليته‪ .‬فقاضي بطالن‬
‫الحكم التحكيمي ال يكتفي بمراقبة مدى إحترام المحكم لاللتزام بالتصريح بل ينظر في مدى‬
‫تأثير ذلك على حياده واستقالليته‪.4‬‬

‫ولقد تبنت محكمة النقض الفرنسية هذا الموقف في قضية ‪Neoelectra Group‬‬
‫‪ ،c/Tecso‬إذ بعدما قررت محكمة االستئناف بباريس إبطال الحكم التحكيمي لعدم تصريح‬
‫المحكم باشتغاله مع محامي الخصم الذي اختاره واستم ارره في تقديم االستشارات القانونية‪،5‬‬
‫نقض هذا القرار بعلة أن اعتماد محكمة االستئناف على هذا المعطى دون أن تبين كيف‬

‫‪1‬‬
‫‪CA Paris 1er chambre civile, 2 juillet 1992, Société Raoul Duval c/Société Merkuria Sucden, Revue‬‬
‫‪d’arbitrage, 1996, 411, note Philippe FOUCHARD, page 325.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪« Que l’arbitre se trouvant ainsi en opposition d’intérêts avec l’une des parties, il en résultait un obstacle à la‬‬
‫‪convention d’arbitrage et que l’arbitre, a incontestablement commis une faute de nature à engager sa‬‬
‫‪responsabilité en dissimulant cette situation à la société Raoul Duval ». TGI Paris, 1er chambre Civile, 1er‬‬
‫‪section, 12 mai 1993, société Raoul Duval c/ V, Revue d’arbitrage ; 1996, p411, 2ème espèce, note Ph.‬‬
‫‪FOUCHARD, page 325.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪CA Paris 1er chambre Civile 12 octobre 1995, Revue d’arbitrage 1999, page 324.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Alexandre MALAN, « l’appréciation par les tribunaux français de l’indépendance des arbitres » in « Le juge‬‬
‫‪et l’arbitrage », actes du colloque organisé à Tunis les 25 et 26 avril 2013, éd A. Pédone, 2014, page 181.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪CA Paris, 10 mars 2011, Revue d’arbitrage 2011, page 737, note D. COHEN.‬‬

‫‪235‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫لهذه األمور أن تخلق الشك لدى أطراف الخصومة حول استقاللية وحياد المحكم‪ ،‬لم تمكن‬
‫محكمة االستئناف محكمة النقض من مراقبة قرارها‪.1‬‬

‫ويثير هذا األمر النقاش حول محتوى وحجم اإلفصاح الذي يجب أن يقدم عليه‬
‫المحكم‪ ،‬بمعني ماهي األمور التي يتعين على المحكم أن يفصح عنها وتلك التي يستطيع‬
‫اإلحجام عن اإلدالء بها؟‬

‫وعلى العموم يجب أن يفصح المحكم عن كافة األمور واألشياء والعالقات التي تربطه‬
‫باألطراف ومحاميهم أو األشخاص الذين لهم مصلحة اقتصادية في النزاع‪ ،‬ويستثنى من‬
‫علمية اإلفصاح األشياء المشهورة لدى العموم والتي يستطيع األطراف معرفتها بسهولة‪،2‬‬
‫والروابط العلمية أو الفكرية‪ ،3‬والتخصص النادر أو الحلقة المقيدة التي تربط المحكمين‬
‫باألطراف أو محاميهم‪.4‬‬

‫ويتضح من هذه الق اررات القضائية السالفة الذكر أن مقاربة األشياء التي يجب أن‬
‫يفصح عنها المحكم تحت طائلة مساءلته تختلف بحسب كل حالة على حدة‪ ،‬وبالتالي فإن‬
‫القضاء يتفحص تنفيذ المحكم لواجب اإلفصاح بحسب أحول النزاع ويصعب وضع محددات‬
‫موضوعية لذلك‪ ،‬غير أنه يمكن االستعانة بإرشادات أو توجيهات رابطة المحامين الدولية‬
‫(‪ )IBA‬بشأن تضارب المصالح‪.‬‬

‫ب‪ -‬البت في النزاع داخ األج االتفااي أو القانوني وعدم االنسحاب من‬
‫العملية التحايمية‬

‫يعد إصدار الحكم التحكيمي في المدة الزمنية المتفق عليها أو المنصوص عليها في‬
‫نظام التحكيم أو القانون‪ ،‬في حالة غياب اتفاق بين األطراف‪ ،‬من بين أهم التزامات المحكم‪.‬‬
‫وفي حالة عدم إصدار الحكم التحكيمي في الوقت المحدد قد يسأل المحكم إلخالله بالتزامه‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Cassation Civile 1er chambre, 10 octobre 2012, Revue d’arbitrage 2013, p127, note Ch. JARROSSON.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Cour d’Appel de Colmar (Suisse), 8 février 2011, Revue d’arbitrage 2011, issue 3, page 724.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪CA Paris, Arrêt Sobrior, 1er juillet 2011, n°10/10402.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Tribunal fédéral suisse, 20 mars 2008, ATF, 4A_506/2007.‬‬

‫‪236‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫والتزام المحكم بإصدار الحكم التحكيمي في األجل المحدد معبر عنه في مجمل قوانين‬
‫التحكيم‪ ،‬لكون معرفة الوقت الذي ستأخذه عملية فض النزاع بين األطراف تعتبر من بين أهم‬
‫مزايا التحكيم كآلية لفض المنازعات‪ ،‬األمر الغائب في المسطرة القضائية‪ ،‬وقد راعى قانون‬
‫المسطرة المدنية ذلك في الفصل ‪ 111-11‬منه‪.‬‬

‫ونستحضر في هذا اإلطار قرار محكمة االستئناف التجارية بفاس الصادر في ظل‬
‫قانون المسطرة المدنية القديم‪ ،‬والذي جاء فيه‪:‬‬
‫"‪...‬وتثبت مسؤولية المحكم بانتهاء المدة دون إصدار الحكم يفترض تحقق‬
‫الضرر‪ ،‬وتترتب المسؤولية دون حاجة إلثبات خطأه إذ يكفي إثبات عدم الحسم في‬
‫النزاع في المدة المتفق عليها إال إذا اتفق األطراف مسبقا بمد أجل التحكيم صراحة أو‬
‫ضمنا"‪.1‬‬

‫انتهاء مدة التحكيم دون صدور الحكم التحكيمي له انعكاسات وخيمة على األطراف‬
‫وعلى التحكيم كمنظومة‪ .‬فوثيقة التحكيم تصبح ال جدوى منها بتجاوز الميعاد المحدد للبت‬
‫في النزاع دون إ صدار الحكم‪ .‬كما أن من بين أسباب الطعن في البطالن في الحكم‬
‫التحكيمي صدوره بعد مدة التحكيم‪ .‬فانتهاء المدة دون حكم تحكيمي يفض النزاع يفترض معه‬
‫تحقق ضرر لألطراف‪ ،‬وتترتب مسؤولية المحكم دون حاجة إلثبات خطأ المحكم‪ ،‬بما أنه يقع‬
‫على عاتقه التأكد من إصدار حكمه قبل انتهاء المدة الزمنية المتفق عليها مع األطراف‪.2‬‬

‫ويفهم مما سبق أن اإللتزام بإصدار الحكم التحكيمي داخل األجل اإلتفاقي أو القانوني‬
‫إلتزام بغاية أو تحقيق بنتيجة وهو ما تبناه القضاء الفرنسي‪ ،‬عندما أشارت محكمة النقض‬
‫الفرنسية في إحدى ق ارراتها إلى أن إصدار الحكم التحيكمي داخل األجل التزام بتحقيق نتيجة‬
‫وبالتالي أقرت بمسؤولية المحكم في هذا الباب‪ ،‬ولم تأخذ بعين االعتبار أن هذا التأخير قد‬
‫يكون ب سبب تماطل األطراف‪ ،‬بل أكدت على أن المحكم ملزم باتخاذ كافة اإلجراءات لتجنب‬

‫‪1‬‬
‫قرار محكمة االستئناف التجارية بفاس عدد ‪ 113‬المؤرخ في ‪ 11‬فبراير ‪ 1111‬والصادر في الملف رقم ‪ ،1115/101‬منشور في مجلة المحاكم‬
‫المغربية‪ ،‬منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية‪ ،‬العدد ‪ 1‬دجنبر ‪ 1111‬الصفحة ‪ ،311‬أوردت هذا القرار رشيدة بحيليس‪ :‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬الصفحة ‪ 31‬و‪.39‬‬
‫يقر القانون التحكيم التونسي‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬بمسؤولية المحكم عن الضرر الذي يلحقه باألطراف عن طريق التخلي عن المهمة بعد قبوله لها‬ ‫‪2‬‬

‫وال يجوز له ذلك إال لسبب مشروع وإال أمكن الحكم عليه بالتعويض للمحتكمين (الفصل ‪ 33‬من مجلة التحكيم التونسية)‪.‬‬

‫‪237‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫نفاذ األجل دون إ صدار الحكم بما فيها طلب تمديد مدة التحكيم من القضاء في حالة غياب‬
‫اتفاق حول ذلك من األطراف‪.1‬‬

‫ويعتبر موقف محكمة النقض‪ ،‬من وجهة نظرنا‪ ،‬سليما لكون األجل المعروف والمحدد‬
‫إلصدار الحكم التحكيمي يعتبر من أهم مزايا هذه اآللية لفض المنازعات‪ ،‬وبالتالي فإنه من‬
‫أهم التزامات المحكم الذي يتعين عليه الحرص على إصدار حكمه داخل األجل المحدد‪ ،‬بما‬
‫أن إ صدار هذا الحكم خارجه يعرض الحكم إلى البطالن في جل األنظمة التحكيمية‪.2‬‬
‫وبالنظر إلى الجهد والمصاريف التي تكبدتها األطراف خالل المسطرة التحيكيمة فهذا فيه‬
‫ضرر مؤكد لهم ولهذا تثار فيه مسؤولية المحكم‪ ،‬خصوصا وأن له من الوسائل المسطرية ما‬
‫ت سمح له بتجنب هذا الخطأ‪ ،‬على اعتبار سلطته في تدبير اإلجراءات‪ ،‬وإمكانية تمديد أجل‬
‫التحكيم إما باالتفاق أو باللجوء إلى القضاء ويمكن أيضا أن يضمن هذه اإلمكانية في العقد‬
‫الذي يربطه باألطراف قبل قبول المهمة المسندة إليه‪.‬‬

‫وتفاديا لمضي أجل التحكيم دون صدور الحكم التحكيمي‪ ،‬أدرجت بعض مراكز‬
‫التحكيم في قواعدها إمكانية تدخل المركز تلقائيا لتمديد أجل التحكيم‪ ،‬ونذكر منها على سبيل‬
‫المثال‪ ،‬ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة ‪ 13‬من قواعد التحكيم لغرفة التجارة الدولية‬
‫(صيغة ‪ )1131‬على أنه‪-1" :‬يجوز "للمحكمة" تمديد المدة بناء على طلب مسبب من هيئة‬
‫التحكيم أو من تلقاء نفسها إذا قررت أن ذلك ضروري"‪.‬‬

‫كما أن من بين االلتزامات األساسية للمحكم‪ ،‬إتمام المهمة التحكيمية حتى إصدار حكم‬
‫فاصل في موضوع النزاع‪ ،‬وال يمكن للمحكم أن ينسحب أو يستقيل بعدما بدأ إجراءات‬

‫‪1‬‬
‫‪Cour de cassation 1er chambre civile n°03-13.116 rendu le 06 décembre 2015 ; voir pour commentaire :‬‬
‫‪Pierre Yves GAUTIER, Recueil Dalloz 2006, p274 et Philippe THERY, Revue Trimestrielle du droit civil 2006,‬‬
‫‪page 144.‬‬
‫‪2‬حسب الفصل ‪ 111-11‬من قانون المسطرة المدنية‪....":‬ال يكون الطعن بالبطالن ممكنا إال في الحاالت اآلتية‪:‬‬
‫‪1-‬إذا صدر الحك م التحكيمي في غياب اتفاق التحكيم أو إذا كان اتفاق التحكيم باطال‪ ،‬أو إذا صدر الحكم بعد انتهاء أجل التحكيم؛‪"...‬؛ وبالنسبة‬
‫للتحكيم الدولي تطرق إلى هذه اإلمكانية الفصل ‪ " : 111-03‬ال يمكن الطعن باالستئناف في األمر القاضي بتخويل االعتراف أو الصيغة التنفيذية‬
‫إال في الحاالت اآلتية ‪ -3 :‬إذا بتت الهيئة التحكيمية دون اتفاق تحكيم أو استنادا إلى اتفاق باطل أو بعد انتهاء أجل التحكيم؛‪ ."....‬والتي يحيل‬
‫عليها الفصل ‪ 111-53‬المتعلق بالطعن بالبطالن في الحكم التحكيمي الصادر بالمملكة في مادة التحكيم الدولي قابال للطعن بالبطالن في الحاالت‬
‫المنصوص عليها في الفصل ‪ 111-03‬أعاله‪.‬‬

‫‪238‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫التحكيم‪ ،‬ما عدا في حالة وجود أسباب جدية ومشروعة تمنعه من مباشرة مهمته‪ ،1‬وإال يمكن‬
‫مساءلته في إطار مقتضيات الفصل ‪ 111-1‬من قانون المسطرة المدنية‪.‬‬

‫ومعلوم أن قواعد استبدال المحكمين في حالة عزلهم‪ ،‬أو انسحابهم‪ ،‬أو تجريحهم تسمح‬
‫بمعالجة إشكالية انسحاب المحكم خصوصا في بداية العملية التحكيمية‪ ،‬إال أن انسحاب‬
‫المحكم بعد قطع المسطرة لفترة زمنية معينة واستحضار الجهد والعناء المادي والمعنوي‬
‫لألطراف وباقي أعضاء الهيئة التحكيمية (في حالة تعدد المحكمين) فإن هذا االنسحاب قد‬
‫يلحق ضر ار بمصلحة األطراف ويمكن أن يثير مسؤولية المحكم إذا ثبت غياب ما يبرره‪.‬‬

‫ت‪ -‬عدم تطبيق القانون المتفق عليه لين األطراف واحترام السرية‬
‫إن إرادة األطراف هي المحرك األساس والرئيس للتحكيم‪ .‬والمحكم ملزم باتباع ما يقرره‬
‫أطراف المنازعة باالتفاق فيما بينهم‪ ،‬وفي حالة إتفاقهم على تطبيق قانون معين لفض النزاع‬
‫الذي يجمعهم فإن المحكم ملزم بتطبيق النصوص القانونية التي اختارها األطراف‪ .‬وفي حالة‬
‫غياب اإلتفاق يطبق المحكم القانون األكثر اتصاال بالنزاع‪ .2‬وفي حالة استبعاد القوانين التي‬
‫اتفق األطراف عليها للحسم في النزاع فإن هذا األمر يعرض الحكم للبطالن وبالتالي إهدار‬
‫وقت وجهد األطراف فيما ال طائل من ورائه‪.3‬‬

‫كما يقع على عاتق المحكم التزام عام باحترام السرية‪ ،‬وذلك لكونها من بين أهم مميزات‬
‫العملية التحكيمية بالمقارنة مع القضاء الرسمي والذي يتسم بالعالنية‪ .‬فالمبدأ العام في‬
‫التحكيم هو السرية واالستثناء هي العالنية والتي يجب أن يوافق عليها األطراف صراحة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫ويأتي على رأس األسباب الجدية؛ المرض وعدم القدرة على أداء المهمة التحكيمية‪ ،‬أو أن يفقد المحكم أهلية البت في النزاع وأن ينتفي فيه أحد‬
‫الشروط الضرورية لممارسة المهمة‪ ،‬كأن يصدر في حقه حكم نهائي باإلدانة من أجل ارتكاب أفعال تخل بالشرف أو صفات االستقامة أو اآلداب‬
‫العامة أو بالحرمان من أهلية ممارسة التجارة أو حق من حقوقه المدنية (الفقرة األولى من الفصل ‪ 111‬من قانون المسطرة المدنية)‪.‬‬
‫فقد نص الفصل ‪ 111-39‬من قانون المسطرة المدنية على أنه‪" :‬تطبق هيئة التحكيم على موضوع النزاع القواعد القانونية التي يتفق عليها‬ ‫‪2‬‬

‫الطرفان إذا لم يتفق الطرفان على القواعد القانونية الواجبة التطبيق على موضوع النزاع طبقت هيئة التحكيم القواعد الموضوعية في القانون الذي ترى‬
‫أنه األكثر اتصاال بالنزاع‪.".... ،‬‬
‫‪3‬‬
‫فمن بين أسباب الطعن ببطالن الحكم التحكيمي حسب الفصل ‪ 111-11‬نجد حالة عدم التقيد المحكم باإلجراءات المسطرية التي اتفق األطراف‬
‫على تطبيقها أو استبعاد تطبيق القانون الذي اتفق األطراف على تطبيقه على موضوع النزاع‪.‬‬

‫‪239‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫والسرية في التحكيم تعني عدم السماح لغير الخصوم ووكالئهم بحضور جلسات‬
‫التحكيم‪ ،‬وعدم إفشاء محتوى اإلجراءات والق اررات والذي يجب أن يقتصر العلم به على‬
‫المحكمين‪ ،‬واألطراف ومن يمثلهم (خبراء‪ ،‬محامين وغيرهم)‪ .‬وهذه السرية تمنع نشر الق اررات‬
‫التحكيمية أو أجزاء منها دون موافقة أطراف النزاع‪.‬‬

‫وااللتزام بالسرية‪ ،‬وإن لم يتطرق إليه العقد المبرم بين المحكم وأطراف النزاع‪ ،‬فإنه التزام‬
‫ضمني بما أن األطراف عند اللجوء الى المحكم يفترض فيه اإللمام بالقواعد القانونية والتقنية‬
‫المطبقة على النزاع والحرص على احترام السرية لما قد تحدثه العالنية من أضرار بأسرارهم‬
‫المهنية والتجارية‪.‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أن المساءلة المدنية للمحكم في أطار عدم الحفاظ على السرية ال‬
‫يحول دون متابعته جنائيا في إطار االلتزام بكتمان السر المهني والمنصوص عليه في‬
‫الفصل ‪ 111‬من قانون المسطرة المدنية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬االلتزامات المرتبطة بطبيعة المهمة "القضائية" للمحام‬

‫إن ما يميز التحكيم هو أن المحكم يلبس عباءة القاضي ولو لمدة محددة‪ ،‬وبالتالي فهو‬
‫ملزم باحترام مجموعة من المبادئ المتصلة بطبيعة هذه المهمة "القضائية"‪ ،‬والمتمثلة في‬
‫ضرورة البت في النزاع‪ ،‬مع احترام الضمانات األساسية في التقاضي وشكليات الحكم‬
‫التحكيمي‪.‬‬

‫أ‪ -‬احترام الضمانات األساسية في التقاضي‬


‫مما ال شك فيه أن مهمة المحكم تلزمه بالبت في النزاع في احترام وإتباع ومراعاة‬
‫للمبادئ والضمانات األساسية للعدالة‪ ،‬كمبدأ المساواة بين األطراف ومبدأ التواجهية‪ ،‬ويعتبر‬
‫احترام هذه المبادئ ترجمة عملية لحياد وإستقاللية المحكم‪ .‬فال يسع المحكم النظر في طلب‬
‫معين دون إطالع كافة األطراف عليه‪ ،‬كما ال يجوز له اإلخالل بحقوق الدفاع‪ ،‬حيث يتعين‬
‫عليه منح األطراف الوقت الكافي إلعداد دفاعهم وتقديم مستنداتهم‪ .1‬ألن اإلخالل بحقوق‬

‫‪1‬‬
‫رشيدة بحيليس‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬الصفحة ‪.313‬‬

‫‪240‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الدفاع يعد من بين األسباب الرئيسية للطعن في الحكم التحكيمي‪ ،1‬وفي حالة إبطال هذا‬
‫الحكم لهذه األسباب قد تحقق مسؤولية المحكم إذا ما ارتكب خطأ جسميا‪ ،‬كما سنرى ذلك‬
‫الحقا‪.‬‬

‫وعمليا يجب أن تتقيد كل إجراءات التحكيم‪ ،‬تحت طائلة البطالن‪ ،‬بهذه الضمانات‪،‬‬
‫وذلك عبر تمكين أطراف النزاع من إبداء دفاعهم وطلباتهم على قدر المساواة بدون تحيز أو‬
‫تمييز؛ فالهيئة مسؤولة عن إتاحة الفرصة كاملة لكل طرف بعرض دعواه وتحقيق دفاعه‪.‬‬
‫كما يجب احترام مبدأ التواجهية‪ .‬هذه التواجهية ال تقتصر فقط على جمع أطراف النزاع في‬
‫جلسة‪ ،‬بل تمتد إلى تمكين كل طرف من االطالع على ما يقدمه الطرف اآلخر من‬
‫مستندات أو مذكرات أو وثائق لها عالقة بموضوع النزاع وإمكانية الرد عليها‪ .‬مع إعطاء‬
‫االمكانية لكل األطراف لإلدالء بكل ما بحوزتهم من أدلة وإثباتات وأقوال وشهود وغيرها من‬
‫األمور التي من شأنها أن تكفل لكل طرف منهم الدفاع عن ادعائه أمام الهيئة التحكيمية‪،‬‬
‫ويجب أن يطلع كل واحد منهم على إدعاء اآلخر بقدر تام من المساواة‪.2‬‬

‫كما يجب على المحكم أال يتجاوز حدود المهمة التي اتفق بشأنها مع أطراف‬
‫الخصومة‪ ،‬ولعل تجاوز المحكم لمهمته قد يكون على شكل اتخاذ إجراء لم يتفق عليه‬
‫األطراف أو ا متنع عن تصرف كان يجب عليه القيام به وهو ما قد يؤدي إلى بطالن الحكم‬
‫التحكيمي‪ ،‬وتثور معه بالتبعية مسؤولية المحكم عن تجاوز حدود مهمته‪.‬‬

‫وفضال عما سبق فقد يتعارض أيضا مع المبادئ األساسية في التقاضي ومع مهمة‬
‫المحكم‪ ،‬ارتكاب هذا األخير غشا بحق أحد الخصوم‪ ،‬مما يخالف النزاهة والعدالة التي يجب‬
‫أن تتوفر في شخص المحكم‪ .‬والغش مرتبط وجودا وعدما بسوء النية‪ ،3‬وذلك جراء انحراف‬
‫المحكم في تدبير العملية التحكيمية من أجل اإلضرار بأحد أط ارف الخصومة‪ .‬والغش يبطل‬
‫التصرفات‪ ،‬وصوره عديدة ومتعددة‪ ،‬فقد يشكل غشا استغالل المحكم لقلة خبرة أحد أطراف‬
‫النزاع أو المحامي الذي يمثله‪ ،‬وذلك لحرمانه من االطالع على المستند المقدم من الخصم‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫عزمي عبد الفتاح‪ :‬واجب القاضي في تحقيق مبدأ المواجهة باعتباره أهم تطبيق لحق الدفاع‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬طبعة ‪ ،3331‬الصفحة ‪.31‬‬
‫‪2‬‬
‫رشيدة بحيليس‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬الصفحة ‪ 311‬وما يليها‪.‬‬
‫أحمد هندي‪ :‬أصول قانون المرافعات المدنية والتجارية‪ ،‬دار الجامعة الجديدة للنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،1113 ،‬الصفحة ‪.15‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪241‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫أو البحث في أمر معين‪ ،‬رغم غياب الطرف الثاني‪ .1‬كما تحريف الوقائع واالقوال أو تلقي‬
‫الرشوة من شأنه أن يضع المحكم تحت طائلة المساءلة الجنائية‪.2‬‬

‫وإذا كان الخطأ ثابتا وواضحا بالنسبة للغش وأو التحريف أو تلقي الرشوة‪ ،‬فإن حدود‬
‫مسؤولية المحكم فيما يتعلق بالضمانات األساسية في التقاضي وال سيما مبدأ المساواة‬
‫والتواجهية يطرح نقاشا حول ما إذا كان يتعلق بالتزام بتحقيق نتيجة‪/‬غاية أو يلتزم المحكم‬
‫فقط ببذل عناية؟‬

‫إن ندرة األحكام القضائية التي تناقش هذه المساءلة تحول دون الوقوف على طبيعة‬
‫المسؤولية الملقاة على عاتق المحكم‪ ،‬هل هي نفسها التي يتحملها القاضي وهو ما يجرنا إلى‬
‫النقاش حول طبيعة الحصانة التي يجب أن يعترف بها للمحكم على غرار القاضي الرسمي‪.‬‬
‫ولإلجابة على هذا التساؤل يمكن االعتماد على القانون المقارن‪ ،‬وأخص بالذكر القانون‬
‫الفرنسي‪ ،‬فرغم غياب نصوص قانونية تبين طبيعة مسؤولية المحكم إال أن القضاء الفرنسي‬
‫كان سباقا إلى وضع مجموعة من المبادئ التي يمكن الركون إليها في عملية تحديد نطاق‬
‫مسؤولية المحكم‪.‬‬

‫فقد سبق للقضاء الفرنسي أن أكد على أن إلتزام المحكم بالبت داخل اآلجال االتفاقية‬
‫أو القانونية هو إلتزام بتحقيق نتيجة‪ ،‬كما سبق توضيحه‪ ،‬ويمكن أيضا االستعانة بقرار آخر‬
‫لمحكمة النقض الفرنسية حول نطاق مسؤولية المحكم في احترام مبدأ التواجهية ( ‪le‬‬
‫‪ .)principe du contradictoire‬وهو القرار الصادر في قضية ‪ ،Blow Pack‬وهي‬
‫شركة تونسية كانت تربطها عقدة مع شركة ألمانية "‪ "Windmoller and Holscher‬حول‬
‫بيع آليات لصناعة أفالم بالستيكية‪ ،‬وتضمنت هذه العقدة شرطا تحكيميا وفق قواعد التحكيم‬
‫لغرفة التجارة الدولية (‪ )CCI‬كما تم االتفاق على أن لغة التحكيم هي الفرنسية‪.‬‬

‫وأصدرت هيئة التحكيم حكمها بتاريخ ‪ 30‬شتنبر ‪ 1133‬ضد الشركة التونسية ‪Blow‬‬
‫‪ Pack‬والتي طعنت ببطالن الحكم التحكيمي لعدم احترام هيئة التحكيم لمبدأ التواجهية بما‬
‫أن بعض الوثائق التي أدلت بها الشركة األلمانية لم تتم ترجمتها إلى اللغة الفرنسية‪.‬‬

‫مصلح أحمد الطراونه وجورج حزبون حزبون وعامر مدالله محمود النوايسة‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬الصفحة ‪.313‬‬ ‫‪1‬‬

‫مصلح أحمد الطراونه وجورج حزبون حزبون وعامر مدالله محمود النوايسة‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬الصفحة ‪.301‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪242‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫فاستجابت محكمة االستئناف بباريس للطلب وقضت ببطالن الحكم التحكيمي جزئيا فيما‬
‫يخص إحدى اآلالت‪ ،1‬وعلى الرغم من الطعن بالنقض في هذا القرار إال أن محكمة النقض‬
‫رفضت الطعن فأصبح بذلك قرار محكمة االستئناف نهائيا‪.2‬‬

‫وبناء عليه‪ ،‬تقدمت الشركة التونسية بدعوى في مواجهة أعضاء هيئة التحكيم تطالب‬
‫المحكمة االبتدائية بباريس بإقرار مسؤولية الهيئة التحكيمية نظ ار لبطالن الحكم التحكيمي‬
‫جراء عدم إحترام مبدأ التواجهية‪ .‬وفي حكمها المؤرخ في ‪ 11‬ماي ‪ 1131‬رفضت المحكمة‬
‫المذكورة ال طلب بعلة أن األخطاء التي ارتكبتها هيئة التحكيم ال تعتبر أخطاء جسيمة‪ ،‬وال‬
‫تنسجم وطبيعة مهامهم القضائية ومن شأنها أن تثير المسؤولية الشخصية للمحكمين‪ .‬وهذا‬
‫ما أكدته محكمة االستئناف لما اعتبرت أن خرق مبدأ التواجهية تم في إطار المهام القضائية‬
‫لهيئة التحكيم وال يمكنه إثارة مسؤولية المحكمين بهذا الشأن إال إذا كان جراء خطأ فادح (أو‬
‫فاحش)‪ ،‬بمعنى "خطأ شخصي تدليس أو غش أو خطأ فادح أو في حالة وجود إنكار‬
‫للعدالة"‪.3‬‬

‫ويأتي موقف محكمة االستئناف تكريسا لمبدأ أقرته محكمة النقض الفرنسية في قضية‬
‫‪ Azran‬والذي وإن أقر بأن مسؤولية المحكم يتم اثباتها في إطار القواعد العامة للمسؤولية‪،‬‬
‫فإنه ميز بين االلتزامات التعاقدية للمحكم والتزاماته المرتبطة بمهامه القضائية‪.4‬‬

‫وعلى العموم يعتبر التقيد بالضمانات األساسية في التقاضي تحديا مهما لهيئة التحكيم‬
‫خصوصا إذا ما حدث طارئ يؤثر على السير العادي للتحكيم‪ ،‬كالظروف التي يمر منها‬
‫العالم حاليا‪ ،‬في ظل تفشي جائحة كورونا والتي أدت إلى واقعة الحجر الصحي والصعوبات‬
‫المادية المرتبطة بعدم إمكانية عقد جلسات التحكيم بطريقة حضورية‪ ،‬مما دفع المؤسسات‬

‫‪1‬‬
‫‪L’arrêt n°11/18244 rendu le 2 avril 2013, Revue d’arbitrage 2014. 106 note I. JAEGER.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪L’arrêt de la première chambre civile n°13-22.391 rendu le 18 mars 2015. Dalloz 2015, 2588 observations‬‬
‫‪Thomas CLAY.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪« Une faute personnelle équipollente au dol ou constitutive d’une fraude, d’une faute lourde ou d’un déni de‬‬
‫‪justice ».‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Arrêt de la Cour de Cassation française 1 er chambre civile n°11-17.196, Azran ; Revue Trimestrielle Du droit‬‬
‫‪Commercial, 2014, 315, observations Eric LOQUIN.‬‬

‫‪243‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫التحكيمية والمحكمين إلى االعتماد على الوسائل التكنولوجية لتدبير المسطرة التحكيمية مما‬
‫يشكل خط ار حقيقيا على إحترام المبادئ األساسية في التقاضي‪.‬‬

‫ب‪ -‬صياغة الحام التحايمي‬


‫تعتبر الصياغة القانونية من أهم ما يميز األحكام القضائية وتلك التي تصدر عن‬
‫المحكمين‪ ،‬فكل منهما يتعين عليه إحترام شكلية معينة بغية تحصين حكمه ضد الطعون‬
‫التي قد تمارس في مواجهته‪.‬‬

‫ولقد ألزم القانون المحكمين باحترام شكلية معينة عند صياغة أحكامهم‪ ،‬وبالتالي ففي‬
‫حالة عدم احترام هذه الشكلية يعرضون هذه األحكام للبطالن وضياع مصالح أطراف النزاع‬
‫جراء تهاونهم‪.‬‬

‫وفي هذا الصدد ينص الفصل ‪ 111-11‬من قانون المسطرة المدنية على ضرورة‬
‫صدور الحكم التحكيمي كتابة وأن يشير إلى اتفاق التحكيم‪ ،‬وأن يتضمن عرضا موج از‬
‫للوقائع وادعاءات األطراف ودفوعاتهم والمستندات المقدمة من قبلهم‪ .‬كما يجب أن يبين‬
‫الحكم التحكيمي النقط التي تم الفصل فيها وكذا ما قضى به‪.‬‬

‫ويضيف الفصل ‪ 111-10‬أنه يجب أن يتضمن الحكم التحكيمي بيان أسماء‬


‫المحكمين الذين أصدروه‪ ،‬وجنسياتهم‪ ،‬وصفاتهم‪ ،‬وعناوينهم‪ ،‬باإلضافة إلى تاريخ ومكان‬
‫صدور الحكم‪ ،‬واألسماء العائلية والشخصية لألطراف‪ ،‬أو عنوانهم التجاري‪ ،‬وكذا موطنهم أو‬
‫مقرهم االجتماعي‪ .‬وإن اقتضى الحال‪ ،‬أسماء المحامين أو أي شخص مثل األطراف‪ .‬ويجب‬
‫أن يوقع الحكم التحكيمي كل محكم من المحكمين إعماال بمقتضيات الفصل ‪ 111-15‬من‬
‫قانون المسطرة المدنية‪ ،‬وإذا رفضت أقلية المحكمين التوقيع (في حالة تعددهم)‪ ،‬يشير‬
‫المحكمون اآلخرون إلى ذلك في الحكم التحكيمي مع تثبيت أسباب عدم التوقيع‪.‬‬

‫كما يتعين على المحكم أن يكون حريصا‪ ،‬خالل صياغته للحكم البات في الخصومة‬
‫بين األطراف‪ ،‬على تعليليه تعليال مستفيضا‪ ،‬وذلك للحرص على تحصينه من كل ما من‬
‫شأنه أن يعرضه للبطالن أو عدم التنفيذ‪ .‬فالتعليل هو الذي يناقش األقوال والمستندات ويبين‬

‫‪244‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ركائز الحكم‪ .1‬إال إذا اتفق األطراف على خالف ذلك‪ ،‬أو كان القانون الواجب التطبيق على‬
‫مسطرة التحكيم ال يشترط تعليل الحكم‪.2‬‬

‫ويعتبر عدم احترام هذه االلتزامات من أسباب بطالن الحكم التحكيمي حسب الفصل‬
‫‪ 111-11‬من قانون المسطرة المدنية‪ ،‬وبالتالي يسأل المحكم عن هذا االختالل الذي يعتبر‬
‫من األمور الفنية يتعين الحرص على عدم إغفالها‪ .‬فبطالن الحكم التحكيمي لألسباب السالفة‬
‫الذكر فيه إضرار واضح بمصالح األطراف المتخاصمة‪.‬‬

‫وإذا كانت هذه هي أغلب المظاهر والحاالت والصور التي يمكن فيها إثارة مسؤولية‬
‫المحكم المدنية‪ ،‬فكيف يمكن تفعيل هذه المسؤولية من الناحية اإلجرائية‪ ،‬هذا ما سنناقشه في‬
‫المطلب الثاني من هذا البحث‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬التفعي االجرائي لمساءلة المحام‬


‫من المعلوم أن دعوى إقرار المسؤولية المدنية للمحكم ترفع وفق القواعد العامة (الفقرة‬
‫األولى) مما قد يثير إشكالية الشروط المعفية من المسؤولية (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األ ولى‪ :‬دعوى مسؤولية المحامين‬

‫إن المطالبة القضائية بإقرار مسؤولية المحكم يجب أن تحترم شكليات وإجراءات معينة‪،‬‬
‫ومخرجاتها متصلة بإمكانية دفع هذه المسؤولية من عدمه‪ ،3‬وتثار عندئذ إشكالية طبيعة‬
‫التعويض الذي سيحكم به لفائدة المتضرر‪.‬‬

‫مصلح أحمد الطراونه وجورج حزبون حزبون وعامر مدالله محمود النوايسة‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬الصفحة ‪.303‬‬ ‫‪1‬‬

‫الفقرة األخيرة من الفصل ‪ 111-11‬من قانون المسطرة المدنية‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫يمكن للمحكم االستعانة بمجموعة من اآلليات القانونية لدفع المسؤولية عنه وذلك بإثبات تحقق الخطأ جراء عنصر أجنبي‪ ،‬كالقوة القاهرة أو‬
‫الظرف الطارئ أو الحادث الفجائي‪ ،‬كما هو الشأن في الحالة الوبائية التي يعيشها العالم حاليا جراء تفشي جائحة كورونا (كوفيد ‪ )33‬والوضع الذي‬
‫خلفته إجراءات الحجر الصحي جراء الصعوبة المادية في إجراءات جلسات االستماع الحضورية‪ ،‬وتعذر ذلك‪ ،‬مما قد يؤدي إلى إنهاء مدة التحكيم‬
‫دون صدور حكم تحكيمي أو غيرها من اإلشكاليات التي قد تعترض المحكم أ ثناء البت في الخصومة‪ .‬كما يمكن أن ينسب المحكم الخطأ ألطراف‬
‫الخصومة أو خطأ الغير (كالخطأ في الترجمة مثال)‪.‬‬

‫‪245‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫أوال‪ :‬المطالبة القضائية بإارار مسؤولية المحام‬


‫تعتبر دعوى مسؤولية المحكم وسيلة قانونية للمطالبة بالتعويض جراء الضرر الالحق‬
‫باألطراف بناء على عدم تنفيذ المحكم لاللتزاماته‪ ،‬وتتم هذه المطالبة القضائية طبقا للقواعد‬
‫اإلجرائية العامة بما أنه ليست هناك قواعد معينة يجب سلوكها بالنسبة لهذه الدعاوى‪،‬‬
‫فالمدعي في دعوى المسؤولية هما أطراف الخصومة التحكيمية أو أحدهما‪ ،‬والمدعى عليهم‬
‫هو المحكم أو الهيئة التحكيمية في حالة تعددهم ومؤسسة التحكيم في حالة التحكيم‬
‫المؤسساتي‪ .‬وفي حالة تعدد المحكمين وكان الضرر واقع نتيجة خطأ مشترك بينهم وتعذر‬
‫معرفة نسبة الخطأ لكل واحد منهم‪ ،‬فإن المنطق يفرض مساءلتهم بالتضامن‪ .‬وإلقرار تضامن‬
‫هيئة التحكيم يجب توفر الشروط التالية‪:‬‬
‫‪ -‬أن يرتكب كل من أعضاء الهيئة التحكيمية خطأ؛‬
‫‪ -‬أن يعتبر هذا الخطأ محدثا للضرر كله‪ ،‬فإذا كان الخطأ راجعا ألحد‬
‫المحكمين دون غيره فإن المسؤولية تقع على عاتقه وحده؛‬
‫‪ -‬أن تجتمع أخط اء الهيئة التحكيمية لتحقيق ضرر واحد لكي يصبحوا‬
‫متضامنين‪.1‬‬

‫ويتعين لقبول الدعوى احترام الشروط واتباع اإلجراءات المسطرية المحددة في قانون‬
‫المسطرة المدنية‪ ،‬كشرط الصفة‪ ،‬واألهلية والمصلحة‪ .‬كما أن المقال االفتتاحي يجب أن‬
‫يتضمن البيانات اإللزامية المنصوص عليها في الفصل ‪ 13‬و‪ 11‬من القانون السالف الذكر‪.‬‬
‫ويرفع المقال إلى المحكمة االبتدائية‪ ،‬لكون العقد الذي يربط األطراف بالمحكم عقد مدني‪.2‬‬

‫وإذا كانت إجراءات ومساطر دعوى مسؤولية المحكم ال تثير الكثير من اإلشكاالت في‬
‫الحالة التي يكون للمحكم واألطراف نفس الجنسية‪ ،‬فإن األمر مختلف في الحالة التي تختلف‬
‫فيها جنسية األطراف والمحكم أو التي يتعدد فيها المحكمين‪ ،‬مما قد تثير إشكالية‬
‫االختصاص القضائي‪ .‬ولحل هذه اإلشكالية يمكن الركون إلى أربع آليات لتحديد‬
‫االختصاص‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫رشيدة بحيليس‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬الصفحة ‪.330‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد الحبيب‪" :‬مسؤولية المحكم‪ ،‬دراسة على ضوء التشريع المغربي"‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة بكلية العلوم القانونية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬جامعة محمد الخامس بسال‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،1119-1111‬الصفحة ‪.31‬‬

‫‪246‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪ -‬جنسية المدعى عليه‪ :‬بمعنى المحكمة المختصة هي تلك التي يحمل المحكم‬
‫جنسيتها؛‬
‫‪ -‬موطن أو محل إقامة المدعى عليه‪ :‬وفي حالة تعددهم‪ ،1‬بمعنى المحكمين‪ ،‬فإن‬
‫االختصاص يسند إلى المحكمة الوطنية ألحد أعضاء الهيئة التحكيمية وذلك لما‬
‫يقتضيه حسن سير العدالة ومنع تضارب األحكام في الموضوع الواحد‪ ،‬حتى ولو‬
‫تعدد المدعى عليهم فإنها تعتبر منازعة قانونية واحدة تتم في مواجهة جميع‬
‫األطراف لدى محكمة موطن أو محل إقامة أحدهم ويصدر الحكم في مواجهتهم‬
‫جميعا‪2‬؛‬
‫‪ -‬محل مصدر االلتزام أو محل تنفيذه‪ :‬يسند االختصاص إلى المحكمة التي نشأ‬
‫التزام المحكم األجنبي في دائرتها‪ ،‬أو تلك التي ينفذ هذا االلتزام في دائرتها‬
‫الترابية؛‬
‫‪ -‬الخضوع اإلرادي‪ :‬يمكن أن يتفق المحكم واألطراف على منح اختصاص البت في‬
‫أي نزاع قد ينشأ بينهم إلى محكمة معينة‪.‬‬

‫ورغم أن المشرع المغربي لم يقنن دعوى المسؤولية في مواجهة المحكم‪ ،‬إال أنه يمكن‬
‫الركون إلى مضامين الفصل ‪ 11‬من قانون المسطرة المدنية وذلك لتحديد االختصاص‬
‫المحلي للمحكمة حيث جاء فيه بأنه‪:‬‬
‫"يكون االختصاص المحلي لمحكمة الموطن الحقيقي أو المختار للمدعى عليه‪.‬‬
‫إذا لم يكن لهذا األخير موطن في المغرب ولكن يتوفر على محل إقامة كان‬
‫االختصاص لمحكمة هذا المحل‪.‬‬
‫إذا لم يكن للمدعى عليه ال موطن وال محل إقامة بالمغرب فيمكن تقديم الدعوى ضده‬
‫أمام محكمة موطن أو إقامة المدعي أو واحد منهم عند تعددهم‪.‬‬
‫إذا تعدد المدعى عليهم جاز للمدعي أن يختار محكمة موطن أو محل إقامة أي واحد‬
‫منهم"‪.‬‬

‫أحمد سالمة‪ :‬التنازع الدولي للقوانين‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دون ذكر الطبعة والسنة‪ ،‬الصفحة ‪.13‬‬ ‫‪1‬‬

‫عز الدين عبد الله‪ :‬القانون الدولي الخاص‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬تنازع القوانين‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬الطبعة السادسة‪ ،‬دون ذكر السنة‪ ،‬الصفحة ‪.115‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪247‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ثانيا‪ :‬التعويض عن الضرر‬

‫يشترط في استحقاق التعويض في إطار مسؤولية المحكم أن يكون الضرر منبعه‬


‫المباشر التقصير أو االنتهاكات أو األخطاء التي ارتكبها المحكم‪ .‬وتثير طبيعة هذا‬
‫التعويض نقاشا السيما فيما يتعلق بالمبالغ التي يتعين على المحكمين دفعها في حالة ثبوت‬
‫خطئهم‪.‬‬

‫فإذا كان من المسلم به إرجاع األتعاب التي تقاضاها المحكم أو جزء منها‪ ،‬كما جاء‬
‫في قرار لمحكمة االستئناف بالدار البيضاء والصادر في ظل القانون القديم‪ ،‬حيث قضت بما‬
‫يلي‪:‬‬
‫"ولما كان ما تقدم يكون المستأنف عليه قد أخل بالتزامه وتماطل في تنفيذه كما‬
‫انصرف أجل إصدار رأيه المعلل المحدد أجل أقصاه ‪ 1131/1/11‬الذي كان يتحتم‬
‫عليه وضع مقرره التحكيمي فيه وتبليغه للمستأنفة‪ ،‬مما يبقى معه ملزما بإرجاع ما‬
‫تقاضاه من مبالغ من أجل انجاز مقرر تحكيمي‪.‬‬
‫وحيث إ ن المبلغ المطالب باسترجاعه لم يكن محل نزاع وال أدنى تحفظ وقد جاء ثابتا‬
‫بصورتي الشيكين المدرجين بالملف وغير منازع في التوصل به من لدن المستأنف‬
‫عليه‪.‬‬
‫ولما كان ما تقدم يبقى القول باعتبار االستئناف وإلغاء حكم البداية المستأنف والحكم‬
‫تصديا على المستأنف عليه بمبلغ ‪ 011.111،31‬درهما مع الفوائد القانونية من تاريخ‬
‫هذا القرار وتحمل المستأنف عليه الصائر"‪.1‬‬

‫ويثار النقاش أيضا حول المبالغ اإلضافية التي يتعين على المحكم أداؤها كتعويض‪،‬‬
‫لكون حصر آثار المسؤولية على إرجاع األتعاب ال يستقيم مع البعد الردعي لدعوى‬
‫المسؤولية‪ ،‬فال يعقل أن يطالب المحكم بإرجاع األتعاب مهما كان الخطأ الذي ارتكبه ومهما‬
‫كانت األضرار الناجمة عنه‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫قرار عدد ‪ 5911‬في الصادر بتاريخ ‪ 30‬يوليوز ‪ 1130‬منشور في مجلة التحكيم العالمية العدد ‪ ،35‬سنة ‪ ،1135‬الصفحة ‪.113‬‬

‫‪248‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وعلى العموم ال يمكن أن يمتد التعويض إلى مبلغ النزاع‪ ،‬كما أن القضاء الفرنسي مثال‬
‫قد ناقش مطالبة أحد األطراف بتعويضه عن ضياع فرصة ربح القضية ورغم أن المحكمة‬
‫رفضت الطلب إال أنها لم تغلق هذا الباب‪ ،‬بعدما قضت بأن بطالن الحكم التحكيمي‬
‫الصادر لفائدة المدعي ال يكفي وحده للتعويض عن ضياع الفرصة‪ .1‬وهو المنطق الذي‬
‫اتبعه القضاء الفرنسي في قضية ‪ Delubac‬أيضا‪.2‬‬

‫ولقد تمت مناقشة مسألة رفض التعويض عن ضياع فرصة ربح القضية في ضوء‬
‫معطيات كل قضية على حدة ولم يستبعد القضاء الفرنسي صراحة التعويض عن هذا‬
‫الضرر بل اكتفى في كلتا الحالتين باإلشارة إلى أنه لم يتم إثباته‪ .‬وعلى كل حال يتعين على‬
‫المحكم أن يؤمن عن مسؤوليت ه المدنية لكونه معرض دائما للخطأ وبالتالي قد يحكم ضده‬
‫بمبالغ مالية باهظة كتعويض لفائدة المتضررين‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬التدلير االتفااي لمسؤولية المحام‬

‫قد يلجأ بعض المحكمين إلى تضمين العقد الذي يربطهم باألطراف بعض الشروط التي‬
‫تنص على إعفائهم من المسؤولية كما أن جل أنظمة التحكيم تتضمن بنودا تنص على إعفاء‬
‫مركز التحكيم والمحكمين من المسؤولية وهو ما يطرح التساؤل حول مدى شرعية هذا‬
‫ا‬
‫الشرط؟‬

‫أوال‪ :‬اإلعفاء االتفااي من المسؤولية‬

‫إن االتفاق على اإلعفاء من المسؤولية أو على تحديد نطاقها أجازه قانون االلتزامات‬
‫والعقود المغربي في الفصل ‪ 111‬منه الذي ينص على أنه‪" :‬ال يجوز أن يشترط مقدما عدم‬
‫مسؤولية الشخص عن خطإه الجسيم وتدليسه"‪ .‬وبمفهوم المخالفة يتضح أن المشرع المغربي‬

‫‪1‬‬
‫‪TGI Paris, décision dans l’affaire Raoul Duval rendue le 12 mai 1993, Revue d’arbitrage, 1996, page 411.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪CA Paris 31 mars 2015, Delubac, Répertoire général n°14/05436. Voir dans ce sens, le Rapport du Club‬‬
‫‪des juristes sur la responsabilité de l’arbitre, page 38.‬‬

‫‪249‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫يسمح باالتفاق على اإلعفاء من المسؤولية ويستثني من ذلك الخطأ الناجم عن التدليس أو‬
‫الخطأ الجسيم‪.1‬‬

‫وبناء على مقتضيا ت الفصل السالف الذكر يتضح أنه يمكن للمحكم أن يتفق مع‬
‫األطراف على إعفائه من المسؤولية الناشئة عن االخالل بالتزام تعاقدي في غير حالتي‬
‫التدليس أو الخطأ الجسيم‪ .‬وما يؤكد ذلك هو أن المشرع المغربي تطرق صراحة إلى بطالن‬
‫الشروط المعفية من المسؤولية في بعض الحاالت كتلك المرتبطة بالمنتجات المعيبة‪ ،2‬أو‬
‫بمسؤولية رب العمل‪ .3‬كما نص صراحة على عدم إمكانية االعفاء من المسؤولية التقصيرية‬
‫سواء كانت بسبب الخطأ‪ 4‬أو بفعله العمدي‪.5‬‬

‫ونظ ار لغياب المنع الصريح من إمكانية اعفاء المحكم من المسؤولية التعاقدية فإن هذه‬
‫المكنة تظل قائمة‪ .‬إال أن الواقع العملي يبين أن هذا االتفاق نادر في العقد الذي يربط‬
‫المحكم مع أطراف الخصومة‪ ،‬خصوصا بالنسبة للتحكيم الخاص أو الحر‪ ،‬لكون هذا‬
‫التحكيم مرتبط بمنسوب الثقة في شخص المحكم نفسه‪ ،‬فال يستساغ أن يعينه األطراف بناء‬
‫على الثقة وأن يطلب هو في المقابل إعفاؤه من المسؤولية‪ ،‬وفي حالة ما إذا طلب المحكم‬
‫إدراج بند في عقده مع األطراف يشير إلى إعفائه من المسؤولية‪ ،‬فقد يعيد األطراف النظر‬
‫في ثقتهم فيه مما قد يعرقل تعاونهم في عملية فض النزاع‪.‬‬

‫وهو المبدأ الذي أقرته مجموعة من األنظمة القانونية‪ ،‬كالقانون المدني المصري (المادة ‪ ،)131‬وقانون المعامالت المدنية اإلماراتي (المادة‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،)191‬لمزيد من المعلومات راجع‪ :‬الشهابي إبراهيم الشرقاوي ومصطفى أبو العينين‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬الصفحة ‪.303‬‬
‫نص الفصل ‪ 31-311‬من قانون االلتزامات والعقود على أنه‪ " :‬تطبيقا ألحكام هذا الباب‪ ،‬تعتبر باطلة كل الشروط المحددة أو الملغية أو‬ ‫‪2‬‬

‫المقلصة للمسؤولية للمنتج أو للمستورد تجاه الضحية وكذلك كل شروط اإلعفاء منها"‪.‬‬
‫ينص الفصل ‪ 153‬من قانون االلتزامات والعقود على أنه‪" :‬كل االشتراطات أو االتفاقات التي تستهدف تخفيف أو إبعاد المسؤولية المقررة‬ ‫‪3‬‬

‫بمقتضى الفصلين ‪ 103‬و‪ 151‬على عاتق المخدومين أو أرباب األعمال تقع عديمة األثر"‪.‬‬
‫فقد نص الفصل ‪ 19‬من قانون االلتزامات والعقود على أن‪:‬‬ ‫‪4‬‬

‫" كل شخص مسؤول عن الضرر المعنوي أو المادي الذي أحدثه‪ ،‬ال بفعله فقط ولكن بخطإه أيضا‪ ،‬وذلك عندما يثبت أن هذا الخطأ هو السبب‬
‫المباشر في ذلك الضرر‪.‬‬
‫وك شرط مخالف لذلك ياون عديم األثر‪.‬‬
‫والخطأ هو ترك ما كان يجب فعله‪ ،‬أو فعل ما كان يجب اإلمساك عنه‪ ،‬وذلك من غير قصد إلحداث الضرر"‪.‬‬
‫ينص الفصل ‪ 11‬من قانون االلتزامات والعقود على أن‪" :‬كل فعل ارتكبه اإلنسان عن بينة واختيار‪ ،‬ومن غير أن يسمح له به القانون‪ ،‬فأحدث‬ ‫‪5‬‬

‫ضر ار ماديا أو معنويا للغير‪ ،‬ألزم مرتكبه بتعويض هذا الضرر‪ ،‬إذا ثبت أن ذلك الفعل هو السبب المباشر في حصول الضرر‪.‬‬
‫وك شرط مخالف لذلك ياون عديم األثر"‪.‬‬

‫‪250‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫كما تجدر اإلشارة أيضا إلى أن غياب شرط اإلعفاء من المسؤولية في العقد الذي يربط‬
‫األطراف مع المحكم في التحكيم الحر‪ ،‬نابع من غياب ثقافة حقيقية للتحكيم أو اإللمام بكافة‬
‫جوانبه القانونية من قبل المحكمين في بعض األحيان وخصوصا حول االستعمال األمثل‬
‫لمكنة عقد المحكم أو وثيقة المهمة التي تربط بين المحكم وأطراف الخصومة‪.‬‬

‫وعلى خالف ذلك‪ ،‬فإن جل أنظمة التحكيم المؤسساتي تتضمن موادا تتطرق إلى‬
‫إمكانية إعفاء المركز والمحكم من المسؤولية‪ ،‬مع اإلشارة إلى أن بعض األنظمة التحكيمية‬
‫كانت تقرر االعفاء التام للمحكم والمركز من المسؤولية على غرار ما نصت عليه المادة ‪10‬‬
‫من نظام التحكيم لغرفة التجارة الدولية (صيغة ‪ )3339‬والتي جاء فيها ما يلي‪" :‬ال يكون‬
‫المحكمون‪ ،‬والهيئة وأعضاؤها‪ ،‬وغرفة التجارة الدولية أو موظفوها‪ ،‬أو اللجان الوطنية لغرفة‬
‫التجارة الدولية مسؤولين تجاه أي كان وعن أي واقعة عمل أو امتناع يتعلق بأي تحكيم"‪.‬‬

‫وعلى نفس النهج سارت المادة ‪ 01‬من قواعد التحكيم لمركز القاهرة اإلقليمي للتحكيم‬
‫الدولي (صيغة ‪ )1111‬والتي نصت على ما يلي‪" :‬ال يعد أي من المحكمين أو المركز أو‬
‫أي من أعضاء مجلس إدارته أو موظفيه مسؤوال تجاه أي شخص عن أي فعل أو عدم فعل‬
‫فيما يتعلق بأية وسيلة من وسائل حسم المنازعات أو إجراءاتها"‪.‬‬

‫غير أننا نرى أن هذا اإلعفاء التام من المسؤولية ال مبرر له وال سند له من الناحية‬
‫القانونية‪ ،‬على اعتبار أن اإلعفاء في كل األحوال ال يمكن أن يكون تاما سيما في حالة‬
‫الغش أو التدليس أو الخطأ الجسيم من قبل المركز أو المحكم‪ .1‬وهو ما دفع مراكز التحكيم‬
‫إلى مراجعة أنظمتها إلدراج هذا البعد في قواعد التحكيم‪ ،‬فقد تمت إعادة النظر في البند‬
‫المرتبط باإلعفاء من المسؤولية‪ ،‬كما هو الشأن بالنسبة لنظام التحكيم لغرفة التجارة الدولية‬
‫(صيغة ‪ ،)1131‬فقد نصت المادة ‪ 03‬منه على أنه‪" :‬ال يسأل المحكمون‪ ،‬أو أي شخص‬
‫معين من قبل هيئة التحكيم‪ ،‬أو المحكم الطارئ أو "المحكمة" وأعضاؤها‪ ،‬أو غرفة التجارة‬
‫الدولية وموظفوها‪ ،‬أو اللجان الوطنية والمجموعات وموظفوهما وممثلوهما‪ ،‬تجاه أي شخص‬

‫‪1‬‬
‫‪Sur ce point voir Pierre LALIVE : « Sur l’irresponsabilité arbitrale », in : Etudes de procédure et d’arbitrage‬‬
‫‪en l’honneur de Jean François POUDRET, Faculté de droit de l’Université de Lausanne, 1999, pages 419-‬‬
‫‪435.‬‬

‫‪251‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫عن أي فعل أو امتناع عن فعل متعلق بالتحكيم‪ ،‬إال في الحدود التي ياون فيها تحديد‬
‫المسؤولية محظو ار بموجب القانون واجب التطبيق"‪.‬‬

‫كما جاء أيضا في المادة ‪ 31‬من نظام التحكيم لمركز القاهرة اإلقليمي للتحكيم التجاري‬
‫الدولي (صيغة ‪ ،)1133‬أنه‪" :‬ال يكون المحكمون أو المركز أو موظفوه أو أعضاء المجلس‬
‫أو اللجنة االستشارية أو أي شخص تعينه هيئة التحكيم مسئولين تجاه أي شخص عن أي‬
‫فعل أو امتناع يتعلق بالتحكيم‪ ،‬وذلك فيما عدا حالة الخطأ العمدي"‪.‬‬

‫وهذا ما يتوافق مع المنطق القانوني الذي ال يقبل االعفاء من المسؤولية رغم األخطاء‬
‫المتعمدة أو المقصودة‪ ،‬كما أن منح المركز والمحكم حصانة تامة عن المساءلة ال ينسجم‬
‫مع الهدف من رفع مستوى الممارسة التحكيمية واحترام المحكمين لدورهم في تحقيق العدالة‬
‫وتجنب اإلهمال والالمباالة التي يعرف بها بعض المتطفلين على التحكيم‪.‬‬

‫وعلى العموم‪ ،‬فإن تنفيذ العقود بحسن نية هي قاعدة من النظام العام‪ ،‬وبالتالي ال‬
‫يمكن االتفاق على خالفها ويبطل التحصين التام من المسؤولية ويظل العقد قائما دون شرط‬
‫االعفاء‪.1‬‬

‫كما أ نه في حالة مساءلة المحكم عن األخطاء الصادرة عنه أثناء ممارسة مهمته‬
‫القضائية فإن شرط االعفاء من المسؤولية ال دور له‪ 2،‬على اعتبار أنه لمساءلة المحكم‬
‫يجب أن يرتكب خطأ فادحا أو تدليسا وبالتالي ال يسأل عن الخطأ البسيط‪ ،‬وبما أن شرط‬
‫االعفاء من المسؤولية ال يمكن أن ينصب على األخطاء الجسيمة أو الغش أو التدليس‪ ،‬فإنه‬
‫ال طائل من وراء إدراجه في العقد‪.3‬‬

‫أما فيما يتعلق بالتزامات المحكم التعاقدية‪ ،‬فإن القضاء الفرنسي قد اعترف بقابلية‬
‫التدبير االتفاقي لمسؤولية المحكم أو مركز التحكيم في مجموعة من ق ارراته‪ ،‬غير أن نطاق‬
‫هذا االتفاق ال يمكن أن يناقض االلتزامات األساسية لمركز التحكيم‪ ،‬فقد اعتبرت محكمة‬

‫مصلح أحمد الطراونه وجورج حزبون حزبون وعامر مدالله محمود النوايسة‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬الصفحة ‪.355‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪Marc HENRY, « la responsabilité de l’arbitre pour reddition de la sentence tardive » Paris, Journal‬‬
‫‪International de l’Arbitrage, 2015, n°15.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Le Rapport du club des juristes sur la responsabilité de l’arbitre, op cit, page35.‬‬

‫‪252‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫االستئناف بباريس أن‪" :‬شرط االعفاء من المسؤولية والذي يسمح لمحكمة التحكيم التابعة‬
‫لغرفة التجارة الدولية بعدم تنفيذ التزامات أساسية بصفته مقدم خدمات غير قضائية يجب‬
‫اعتباره كأن لم يكن بما أنه يناقض نطاق عقد التحكيم"‪.1‬‬

‫كما أن مركز التحكيم ملزم بالسرعة في تدبير العملية التحكيمية‪ ،‬وهو االلتزام الذي‬
‫أكدته محكمة االستئناف بباريس بقولها إن‪" :‬مركز التحكيم يجب أن يوفر البنية التي تسمح‬
‫بالتدبير الفعال للتحكيم‪ ،‬بمعنى التدخل وفق السرعة المنتظرة"‪ ،2‬والقضاء يمكنه مراقبة مدى‬
‫تنفيذ هذا االلتزام من قبل المركز‪ .‬باإلضافة إلى ذلك يلزم المركز بضمان حصول األطراف‬
‫على العدالة التحكيمية‪ ،‬أي الحق في الحصول على قاضي يحسم النزاع‪ ،3‬فال يمكن لمركز‬
‫التحكيم أن يحول دون هذا األمر بعلة تدبير المسطرة التحكيمية‪ ،‬حيث يتعين على المركز‬
‫السهر على تعيين هيئة التحكيم وتمكينها من البت في النزاع بالسرعة المرجوة من قبل‬
‫األطراف‪.‬‬

‫وفي هذا الصدد قضت محكمة االستئناف بباريس أن مسؤولية المحكمين ثابتة لكونهم‬
‫لم يتخذوا المبادرات اإلجرائية المكلفين بها‪ ،‬وال يمكنهم االعتماد على المادة ‪ 3.5‬من عقد‬
‫المحكم التي تنص على إعفائهم من المسؤولية أو المادة ‪ 10‬من نظام التحكيم لمحكمة‬
‫التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية والتي تتطرق إلى اعفاء المركز والمحكمين من‬
‫المسؤولية المرتبطة بالعملية التحكيمية‪ ،‬وقد أشارت محكمة االستئناف إلى أن هذا االعفاء‬
‫هو فقط تنزيل لحصانة المحكمين المرتبطة بمهامهم القضائية‪ .4‬بمعنى أن باقي االلتزامات‬

‫‪1‬‬
‫ترجمة حرة لما يلي‪:‬‬
‫‪« Que la clause élusive de responsabilité qui autorise la CCI à ne pas exécuter ses obligations essentielles en‬‬
‫‪tant que prestataire de services non juridictionnels doit être réputée non écrite (…) dès lors qu’elle contredit la‬‬
‫‪portée du contrat d’arbitrage ». CA Paris 22 janvier 2009 (SNF) Clunet 2009, 617, note Thomas Clay ; voir‬‬
‫‪dans ce sens : Le Rapport du club des juristes sur la responsabilité de l’arbitre, op cit, page35.‬‬
‫‪2‬‬
‫ترجمة حرة لما يلي‪:‬‬
‫‪« L’institution d’arbitrage doit fournir une structure propre à lui permettre un arbitrage efficace, c’est-à-dire‬‬
‫‪intervenant avec la célérité escompté », CA Paris, arrêt du 22 janvier 2010, in Journal du Droit International,‬‬
‫‪2009, page 617, note Thomas CLAY.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪CA paris, 17 novembre 2011, in Revue d’arbitrage 2012, page 387.‬‬
‫‪4‬قرار محكمة االستئناف بباريس في قضية ‪ Scs Banque Delubac & Cie‬رقم ‪ 14/05436‬المؤرخ في ‪ 13‬مارس ‪1135‬‬

‫‪253‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫التعاقدية المرتبطة على سبيل المثال بمدة التحكيم يمكن تدبير المسؤولية المتعلقة بها بشكل‬
‫اتفاقي بين األطراف والمحكم ومركز التحكيم‪ ،‬إال إذا ارتكب هؤالء خطأ جسيما‪.1‬‬

‫ثانيا‪ :‬التأمين على المسؤولية‬


‫يلجأ مجموعة من المهنيين إلى عقود لتأمين األخطاء التي قد يرتكبونها بمناسبة‬
‫ممارستهم ألنشطتهم أو جراء ذلك‪ .‬ويعتبر عقد التأمين من بين آليات االستجابة للمخاطر‬
‫وذلك عبر نقل انعكاسات الخطر إلى المؤمن مقابل أداء أقساط مالية معينة‪ .‬فقد عرف‬
‫القانون رقم ‪ 31.33‬ال متعلق بمدونة التأمينات عقد التأمين بكونه اتفاق بين المؤمن والمكتتب‬
‫من أجل تغطية خطر ما‪ ،‬ويحدد هذا االتفاق التزاماتهما المتبادلة‪ .2‬وبموجب هذا العقد يحل‬
‫المؤمن مكان المؤمن له (المكتتب) في أداء التعويض عن الضرر الالحق بالضحية‪.‬‬

‫وعليه يجوز للشخص التأمين على مسؤوليته المترتبة عن الخطأ لتغطية األضرار‬
‫والخسائر التي قد يتسبب فيها للغير‪ ،‬غير أنه حسب المادة ‪ 31‬من مدونة التأمينات ال‬
‫يتحمل المؤمن‪ ،‬رغم أي اتفاق مخالف‪ ،‬الخسائر واألضرار الناتجة عن خطأ متعمد أو‬
‫تدليسي للمؤمن له‪.‬‬

‫ويتفق اإلعفاء من المسؤولية مع التأمين عليها في عملية رفع عبء التعويض عن‬
‫األخطاء التي يرتكبها المحكمون‪ ،‬إال أن التأمين يضمن حق األطراف المتضررة بالحصول‬
‫على التعويض الذي يحرم منه في حالة االتفاق على اإلعفاء من المسؤولية‪.‬‬

‫وعلى مستوى الواقع‪ ،‬يجب تشجيع المحكمين على اللجوء إلى التأمين على مسؤوليتهم‬
‫المدني ة المرتبطة بمهمة التحكيم‪ ،‬وذلك نظ ار للضمانات اإلضافية التي تحدثها هذه المكنة‬
‫لفائدة األطراف‪ ،‬حول معرفتهم إمكانية االستفادة من التعويض في حالة ارتكاب المحكمين‬
‫ألخطاء مؤمن عليها‪ .‬كما أن هذا اإلجراء يؤدي إلى ضبط وتنظيم ممارسة التحكيم والتحفيز‬
‫على اللجوء إلى هذه اآللية لفض المنازعات بعدما عرفت نوعا من "االعتباطية" خصوصا‬
‫بالنسبة للتحكيم الحر أو الخاص‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Le Rapport du club des juristes sur la responsabilité de l’arbitre, op cit, page36.‬‬
‫القانون رقم ‪ 31.33‬المتعلق بمدونة التأمينات‪ ،‬منشور في الجريدة الرسمية عدد ‪ 5150‬الصادرة بتاريخ ‪ 1‬نونبر ‪ ،1111‬الصفحة ‪.1315‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪254‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫كما يجب االنتباه إلى أن بعض المحكمين قد يدمجون مبلغ بوليصة التأمين على‬
‫المسؤولية ضمن األتعاب التي يطالبون األطراف بأدائها وبالتالي فإن األطراف هم من‬
‫سيدفعون جزءا م ن التعويض وهو ما سيرفع من تكلفة التحكيم ويضرب في الصميم أحد أهم‬
‫مبادئ التحكيم وهو االقتصاد في الوسائل (الكلفة والزمان)‪.‬‬

‫خاتمة‬

‫رغم غياب نص قانوني صريح يقنن مسؤولية المحكم المرتبطة بالمهمة التحكيمية فإن‬
‫القواعد العامة للمسؤولية المدنية تفيد أن كل خطأ يسبب ضر ار للغير يبرر قيام المسؤولية‬
‫على مرتكبه‪ ،‬وبالتالي وجوب تعويض المتضرر عما لحقه من ضرر‪.‬‬

‫وبما أن اللجوء إلى التحكيم منبعه الثقة في المحكم وفي عدالة حكمه‪ ،‬فإن التحصين‬
‫التام للمحكم عن المساءلة ال يخدم الممارسة التحكيمية وقد يكون السبب في تغييب العدالة‬
‫وقد يؤدي إلى تحيز المحكم واستبداده‪.‬‬

‫كما أن غياب هيئة منظمة تسهر على تقنين الممارسة التحكيمية وتكوين المحكمين‬
‫وتوحيد وتنظيم قواعد الممارسة بما فيها القواعد السلوكية واألخالقية يدفع إلى التشدد في‬
‫إقرار مسؤولية المحكم بغية الرفع بالممارسة إلى األفضل واألحسن والرقي بها إلى المراتب‬
‫العليا‪ ،‬فالمهمة التحكيمية تشترك مع القضاء في البت في النزاع‪ ،‬وهي المهمة مرتبطة مباشرة‬
‫بسيادة القانون وقواعد العدالة‪ ،‬وبالتالي ال يمكن السماح للمحكم بالفصل في النزاع دون‬
‫إمكانية مراقبة عمله أو إقرار مسؤوليته‪ .‬فاالكتفاء بنظام الرد واالقالة كج ازء للمحكم ال يحول‬
‫دون محاسبته عن أخطائه وخصوصا الجسيمة منها وال يكفي لردعه‪.‬‬

‫وفي المقابل ال يقبل أن تثار مسؤولية المحكم عن كافة األخطاء التي قد يرتكبها‪ ،‬وإنما‬
‫يجب أن يعترف له بنوع من الحصانة‪ ،‬خصوصا بالنسبة اللتزاماته شبه القضائية بغية‬
‫تمكينه من البت في الن ازع دون الخوف من انتقام أطراف النزاع أو قلق من تدخلهم في‬
‫مهامه‪ .‬فإذا كان تقرير مسؤولية المحكم فيه حماية لألطراف من أخطاء المحكمين‪ ،‬فإنه‬
‫بالمقابل يتعين تهيئ مناخ مالئم يسمح له باالشتغال في طمأنينة وأمن وسالم ودون خوف‬
‫من دعاوى التعويض التي قد يفقد جرائها المحكم الجرأة المطلوبة للبت في النزاعات‪.‬‬

‫‪255‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ورغم إدراك بعض األنظمة القانونية بأن فتح باب مساءلة المحكم قد يشكل وسيلة‬
‫جديدة للطعن في الحكم التحكيمي ويهدر بالتالي حجيته‪ ،‬فإن ذلك ال يبرر االعفاء الكلي‬
‫للمحكم من المساءلة بل يجب تحقيق التوازن بين إقرار مسؤولية المحكم عن األخطاء التي‬
‫يرتكبها حماية لمصالح األطراف وتحقيقا للعدالة وإبعاد مجال التحكيم عن المتطفلين عليه‪.‬‬
‫وبين خلق الجو المثالي للمحكم يسمح له بالفصل في النزاع دون خوف من تداعيات ذلك‬
‫على مسؤوليته والتعويض الذي قد يؤديه‪.‬‬

‫كما أنه ال يستساغ أن تمتد الحصانة التي يمكن أن يعترف بها للمحكم إلى المؤسسة‬
‫المسؤولة عن تدبير العملية التحكيمية‪ ،‬لما لهذه المؤسسات من طبيعة إدارية وتنظيمية‬
‫والقول بخالف ذلك قد يدفعها إلى التهاون واإلهمال‪.‬‬

‫وخالصة القول يتعين على المشرع المغربي‪ ،‬بما أن القانون المتعلق بالتحكيم هو قيد‬
‫المراجعة التشريعية‪ ،‬أن يكون سباقا إلى وضع قواعد خاصة بالمسؤولية المهنية للمحكم‬
‫والمرتبطة بمهمة البت في الخصومة‪ ،‬مما سيسمح بتحديد نطاق هذه المسؤولية وكذلك كيفية‬
‫مساءلة المحكم دون الحاجة إلى الرجوع إلى القواعد العامة للمسؤولية المدنية (التعاقدية‬
‫والتقصيرية)‪ ،‬لكون هذه القواعد تسمح بمساءلة المحكم عن كافة أخطائه بيد أن الغاية هو‬
‫معاقبة المحكم عن األخطاء الجسيمة وتلك المرتبطة بالتدليس والغش أو غيرها من األخطاء‬
‫الفادحة‪.‬‬

‫وكما سبقت اإلشارة إلى ذلك يتعين أيضا أن ينص القانون صراحة على بطالن شروط‬
‫اعفاء المحكمين ومراكز التحكيم من المسؤولية لكونها تمس بقواعد العدل واالنصاف‪ .‬كما‬
‫يتعين على المشرع أن يلزم المحكمين باكتتاب عقود تؤمن مسؤوليتهم المدنية حفاظا على‬
‫حقوق األطراف خصوصا في حالة إعسار المحكم‪.‬‬

‫‪256‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫أ‬
‫مسؤولية الدولة عن الخطا القضائي‬
‫أ‬
‫‪1‬‬
‫بين نظرية المخاطر والخطا أواجب ا إالثبات‬
‫من إعداد الستاذ بوسلهام الشمعة‪،‬‬
‫رئيس مصلحة منازعات المسؤولية اإلدارية‬
‫بالوسط والجنوب بالوكالة القضائية للمملكة‬
‫تمهيد‬

‫في بداية هذه المداخلة أتقدم بخالص شكري وتقديري للجهة المنظمة على دعوتها‬
‫الكريمة للوكالة القضائية للمملكة قصد المشاركة والمساهمة في هذا اللقاء العلمي الذي يبرز‬
‫المجهودات التي تبذلها رئاسة النيابة العامة والمجلس األعلى للسلطة القضائية بخصوص‬
‫المنازعات المتعلقة بالتعويض عن الخطأ القضائي في مجال االعتقال االحتياطي‪ ،‬ونحن في‬
‫الوكالة القضائية للمملكة نقدر هذه المجهودات التي يكون لها أثر إيجابي على جميع‬
‫المستويات سيما على صعيد مساعدة القضاء في الوصول إلى الحقيقة الكاملة‪ ،‬مما يكون له‬
‫أثر إيجابي جدا على جودة األحكام الصادرة في هذا النوع من المنازعات‪ ،‬فالمحاكم هي في‬
‫أمس الحاجة إلى جودة في الدفاع بالنظر لغياب قانون خاص يؤطر الموضوع‪ ،‬وألن األمر‬
‫تطلب وال يزال من السادة القضاة االجتهاد لضبط التوازن بين المصلحة العامة والمصلحة‬
‫الخاصة‪.‬‬

‫الشكر موصول أيضا للسيد الرئيس األول لمحكمة االستئناف اإلدارية بالرباط األستاذ‬
‫محمد صقلي حسني‪ ،‬رئيس هذه الجلسة العلمية ولألساتذة القضاة المتدخلين ولألساتذة‬
‫األفاضل الحاضرين كل بصفته وباسمه‪.‬‬

‫و ألنن ي حظيت بشرف تكليفي من طرف السيد الوكيل القضائي للمملكة األستاذ محمد‬
‫قصري بقصد المشاركة في هذا اللقاء العلمي بمداخلة تحت عنوان "مسؤولية الدولة عن‬

‫‪1‬يعد هذا الموضوع مداخلة قدمت بمناسبة اللقاء العلمي المنظم من طرف رئاسة النيابة العامة بشراكة مع المجلس األعلى للسلطة القضائية يوم‬
‫‪ 31‬دجنبر ‪ 1133‬بمراكش حول موضوع‪" :‬الخطأ القضائي في مجال االعتقال االحتياطي"‪.‬‬

‫‪257‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الخطأ القضائي لين نظرية المخاطر والخطأ واجب اإلثبات"‪ ،‬مع التركيز على حالة‬
‫التعويض في مجال االعتقال االحتياطي‪ ،‬فإنني‪ ،‬إذ أعتز بهذا التشريف‪ ،‬آمل المساهمة‪ ،‬إلى‬
‫جانب الحضور الكريم‪ ،‬في معالجة إشكالية من األهمية بمكان تتعلق بأساس هذا النوع من‬
‫المسؤولية على ضوء المبدأ الدستوري الذي كرس أحقية المتضرر من خطأ قضائي في‬
‫الحصول على تعويض تتحمله الدولة‪ ،1‬مستحضرين ما جرى به العمل في القوانين المقارنة‬
‫(المطلب األول) وكذلك على ضوء عمل القضاء اإلداري المغربي (المطلب الثاني)‪ ،‬مع‬
‫إبراز المحاسن والمخاطر التي يمكن أن تترتب عن أي تناغم أو تباين في مواقف القضاء‬
‫اإلداري بشأن األساس الذي تم اعتماده (المطلب الثالث)‪ ،‬قبل أن نختتم المداخلة بتقديم‬
‫بعض االقتراحات‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬اإلطار القانوني لمسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي في‬


‫مبال االعتقال االحتياطي‬

‫قبل أن نعرج على موقف القانوني المغربي من إشكالية التعويض عن تدبير االعتقال‬
‫االحتياطي‪ ،‬نورد قراءة في بعض القوانين المقارنة‪.‬‬

‫أوال‪ :‬موقف بعض القوانين المقارنة‬

‫حظيت مسألة التعويض عن االعتقال االحتياطي على إثر صدور قرار بعدم المتابعة‬
‫الجنائية أو حكم ببراءة المتهم من المنسوب إليه باهتمام المنتظم الدولي واإلقليمي‬
‫والتشريعات المعاصرة‪ ،‬وهكذا‪ ،‬فقد نصت االتفاقية األوربية لحقوق اإلنسان في المادة‬
‫الخامسة منها بأنه " لك شخص ضحية القبض عليه أو حبسه في شروط مخالفة ألحاام‬

‫‪1‬يعتبر دسترة الحق في التعويض عن الخطأ القضائي طفرة كبرى في مجال ترسيخ حقوق اإلنسان ببالدنا وتتويجا لنهج المشرع الذي سبق وأن‬
‫جعل مثل هذا التعويض مقرر فقط في حالتين هما المراجعة لتدارك خطأ في الواقع تضرر منه شخص حكم عليه من أجل جناية أو جنحة استنادا‬
‫إلى مقتضيات المادتين ‪ 513‬و‪ 511‬من قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬وحالة األخطاء الشخصية المنسوبة للقضاة في إطار سببين اثنين من أسباب‬
‫المخاصمة نص عليهما الفصل ‪ 133‬من قانون المسطرة المدنية وهما التدليس أو الغش أو الغدر ثم إنكار العدالة‪ .‬ولذلك فقد شكل التجسيد‬
‫الدستوري لمبدأ الحق في التعويض عن الخطأ القضائي " تراجعا عن هيمنة مبدأ عدم المسؤولية عن النشاط القضائي الذي كان سائدا‪ ،‬والذي كانت‬
‫إمكانية مخاصمة القضاة عن أخطائهم الشخصية المحصورة بصريح النص‪ ،‬تشكل أحد استثناءاته"‪ ،‬كما أكدت ذلك محكمة النقض في قرارها عدد‬
‫‪ 3/935‬المؤرخ في ‪ 1131/11/13‬صادر في الملف رقم ‪.1131/3/0/3101‬‬

‫‪258‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫هذه المادة الحق في التعويض ‪ ،"...‬كما أن المادة ‪ 5/3‬من العهد الدولي الخاص بالحقوق‬
‫المدنية والسياسية نصت على أنه " لك شخص كان ضحية توقيف أو اعتقال غير اانوني‬
‫الحق في الحصول على تعويض"‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى‪ ،‬فعلى مستوى القوانين المقارنة سنت بعض التشريعات قوانين خاصة‬
‫حددت شروط وكيفيات تعويض الخاضعين لتدبير االعتقال االحتياطي والذين تقرر عدم‬
‫متابعتهم أو صدرت أحكام نهائية ببراءتهم‪ ،‬وفي هذ اإلطار نجد القانون الفرنسي أقر هذا‬
‫التعويض بموجب قانون ‪ 31‬يوليوز ‪ 3311‬والذي عرف عدة تعديالت ومنح االختصاص‬
‫بذلك للرئيس األول لمحكمة االستئناف مع إمكانية الطعن في ق ارره أمام اللجنة الوطنية‬
‫للتعويض عن االعتقاالت التي تتكون من الرئيس األول لمحكمة النقض أو من ينيبه‬
‫وقاضيان ينتميان لنفس المحكمة برتبة رئيس غرفة يعينان من قبل مكتب محكمة النقض‪،‬‬
‫ويمارس مهام النيابة العامة الوكيل العام لدى محكمة النقض‪ ،‬ويمثل الدولة الوكيل القضائي‬
‫للخزينة العمومية‪ ،‬ويتولى مهام الكتابة أمين ضبط بمحكمة النقض يعين من طرف مكتب‬
‫هذه المحكمة‪ ،‬وتتخذ هذه اللجنة طابع القضاء المدني‪ ،‬وال تقبل ق ارراتها أي طعن مهما كان‬
‫نوعه وفقا لمنصوص المادة ‪ 303‬مكرر‪ 1‬من القانون المذكور‪.‬‬

‫كما أقر قانون اإلجراءات الجنائية البلجيكي مسؤولية الدولة عن االعتقال االحتياطي‬
‫بمقتضى قانون ‪ 11‬أبريل ‪ 3310‬الذي عدل قانون ‪ 31‬مارس ‪ 3311‬ونص على أن‬
‫التعويض يستحق في حالتين‪ ،‬حالة االعتقال االحتياطي الذي يتعارض مع أحكام المادة‬
‫الخامسة من االتفاقية األوربية لحقوق اإلنسان الصادرة سنة ‪ ،3351‬وحالة االعتقال الذي‬
‫اتضح أنه كان غير الزم أو غير مفيد حسب المادة ‪ 19‬من قانون اإلجراءات‪.‬‬

‫أما القانون اإلجرائي األلماني فقد أقر بأحقية الشخص الذي خضع لتدبير االعتقال‬
‫االحتياطي الحصول على تعويض من الدولة‪ ،‬ليس فقط في الحالة التي يصدر فيها حكم‬
‫ببراءته أو يتقرر عدم متابعته‪ ،‬بل حتى في الحالة التي يصدر فيها حكم بإدانته ومعاقبته‬
‫بعقوبة أقل من مدة االعتقال االحتياطي التي قضاها‪ ،‬غير أنه استبعد الحق في طلب‬
‫التعويض في حالة ما إذا كان الظنين قد تسبب عمدا أو بإهماله الجسيم في اإلجراء الذي‬
‫اتخذ ضده‪.‬‬
‫‪259‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وعلى صعيد قوانين الدول العربية فقط خلت جلها من النص على هذا النوع من‬
‫التعويض‪ ،‬وأبقت على تطبيق القواعد العامة للمسؤولية عن الخطأ القضائي كما هو الشأن‬
‫للقانون المصري‪ ،1‬غير أن بعض الدول عملت على إيجاد نص قانوني خاص للتعويض في‬
‫مجال االعتقال االحتياطي كما هو الشأن بالنسبة للقانون التونسي وكذلك القانون الجزائري‬
‫الذي أصدر القانون رقم ‪ 19/13‬مؤرخ في ‪ 11‬يونيو ‪ 1113‬وأحدث لجن للتعويض وربط‬
‫الحصول على هذا التعويض بضرورة وجود اعتقال احتياطي غير مبرر‪ ،‬مما يعني بأنه أقر‬
‫التعويض فقط في حالة وجود تقصير أو إهمال في اتخاذ قرار االعتقال االحتياطي‪ ،‬وجعل‬
‫بالتالي مسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي في مجال االعتقال االحتياطي قائمة على أساس‬
‫الخطأ واجب اإلثبات‪.‬‬

‫والظاهر من خالل استقراء هذه التشريعات المقارنة أنها ال تقرر التعويض في جميع‬
‫حاالت االعتقال االحتياطي‪ ،‬كما أن التعويض الممنوح ال يشمل إال األضرار غير العادية‪،‬‬
‫مما يعني أن هذ التنظيم القانوني يراعي خصوصيات هذا النوع من المسؤولية مع األخذ‬
‫بعين االعتبار المبادئ العامة المعمول بها في مجال المسؤولية اإلدارية والمسؤولية عن‬
‫أعمال الجهاز القضائي القائمة على أساس خطأ واجب اإلثبات‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬موقف التشريع المغربي‬

‫ال يتضمن التشريع المغربي مقتضيات مشابهة لتلك التي تضمنتها بعض القوانين‬
‫المقارنة تؤطر التعويض عن االعتقال االحتياطي‪ ،‬مما يجعل المطالبة بالتعويض به قضائيا‬
‫في مواجهة الدولة خاضع للمبادئ العامة للمسؤولية اإلدارية انطالقا من المبدأ المنصوص‬
‫عليه في الفصل ‪ 311‬من دستور المملكة الذي نص على أنه "يحق لك من يتضرر من‬
‫خطأ اضائي الحصول على تعويض تتحمله الدولة"‪.2‬‬

‫والمالحظ من خالل مقتضيات الفصل ‪ 311‬أعاله‪ ،‬أن المشرع الدستوري ربط بشكل‬
‫صريح التعويض بن سبة الضرر إلى خطأ قضائي‪ ،‬ومن تم لزوم إثبات هذا الخطأ القضائي‬

‫‪1‬راجع‪ ،‬أحمد فتحي سرور‪ ،‬الشرعية الدستورية وحقوق األفراد في اإلجراءات الجنائية‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬ط ‪.3335‬‬
‫‪ 2‬في ظل التنصيص بالدستور على مسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي‪ ،‬فإنه ال مجال للحديث عن إمكانية إعمال مقتضيات الفصل ‪ 13‬من قانون‬
‫االلتزامات والعقود التي أسست لمسؤولية الدولة والبلديات عن األخطاء الناتجة عن تسيير مرافقها وعن األخطاء المصلحية لموظفيها‪.‬‬

‫‪260‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المسبب للضرر‪ ،‬وأنه لو كانت نية المشرع تتجه خالف هذا األمر لعمد إلى استبدال عبارة‬
‫الخطأ القضائي بالعمل القضائي أو التنصيص على الحق في التعويض لكل من تضرر من‬
‫مقرر قضائي‪.1‬‬

‫ويبدو أن المقتضى الدستوري المذكور يوحي بأن مسؤولية الدولة عن األخطاء‬


‫القضائية تتحقق بتوفر أركان المسؤولية التقصيرية الثالثة مجتمعة بدأ بالخطأ واجب اإلثبات‪،‬‬
‫ومرو ار بالضرر المباشر والمحقق‪ ،‬وانتهاء بقيام عالقة سببية واضحة بين الخطأ والضرر‪،‬‬
‫وليس على أساس المسؤولية بدون خطأ التي يكتفي القضاء في تحميل الدولة المسؤولية‬
‫استنادا إليها وإقرار التعويض بشأنها بناء على ركني الضرر والعالقة السببية دون اشتراط‬
‫قيام ركن الخطأ‪.‬‬

‫وهذا ما أقرته أيضا بعض القوانين المقارنة‪ ،‬بحيث إنه بالنظر لخروج العديد من‬
‫التشريعات على التوجه التقليدي القائل بعدم مسؤولية الدولة عن األعمال القضائية وإقرارها‬
‫صراحة بهذه المسؤولية كما هو الشأن بالنسبة للمشرع الفرنسي الذي أسس لمسؤولية الدولة‬
‫في مثل هذه الحاالت على نظرية الخطأ المصلحي‪ ،‬وحصرها في حالتي الخطأ الجسيم‬
‫وإنكار العدالة‪ 2‬وفق ما هو منصوص عليه في المادة ‪ 33‬من قانون ‪ 5‬يوليوز ‪3311‬‬
‫المعدل لقانون المرافعات المدنية الفرنسي والمادة ‪ 515‬من قانون المرافعات المدنية الصادر‬
‫في ‪ 5‬دجنبر ‪ ،3315‬وقد أخد المشرع الفرنسي نظرية الخطأ الجسيم عن قضاء مجلس‬
‫الدولة الفرنسي الذي استقرت ق ارراته على قاعدة مفادها ضرورة مراعاة الصعوبات التي تحيط‬
‫بعمل ا لمرفق لتقدير الخطأ المرفقي‪ ،‬فإذا كانت الخدمة التي يقدمها المرفق ميسورة وبسيطة‬
‫فإن المجلس يكتفي بالخطأ اليسير لتقرير مسؤولية اإلدارة‪ ،‬أما إذا كان المرفق يقوم بمهمة‬
‫صعبة وشائكة فإن المجلس يتشدد في تقدير الخطأ‪ ،‬وتطبيقا للقانونين المشار إليهما أعاله‬
‫الصادر بتاريخ‬ ‫‪3‬‬
‫اعتبر مجلس الدولة الفرنسي في ق ارره المبدئي ‪Arrêt Darmont‬‬

‫‪1‬يعد مصطلح "مقرر قضائي" شامال لكافة أنواع األوامر واألحكام والق اررات الصادرة عن مختلف الهيئات القضائية‪ ،‬وهذا ما سار فيه المشرع‬
‫المغربي في قانون المسطرة الجنائية حيث نص في الفقرة الثالثة من المادة ‪ 110‬على أنه‪ " :‬يقصد بمصطلح مقرر في مفهوم هذا القانون كل حكم‬
‫أو قرار أو أمر صادر عن هيئة قضائية"‪.‬‬
‫‪ 2‬أنظر زكرياء لعروضي‪ " :‬الخطأ القضائي في التشريع المغربي – دراسة مقارنة‪ "-‬الجزء الثاني‪ ،‬دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪.1131‬‬
‫‪3‬جاء في حيثيات القرار المذكور‪:‬‬

‫‪261‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪ 1978/31/13‬أن المسؤولية اإلدارية المتصلة بالوظيفة القضائية ال تقرر إال بثبوت الخطأ‬
‫الجسيم‪ ،‬مما يؤكد بأن مجلس الدولة الفرنسي يراعي خصوصية مرفق القضاء كون المهمة‬
‫الموكولة إليه صعبة ‪.‬‬

‫وبالهذي على ما ذكر‪ ،‬يمكن القول أن موقف المشرع المغربي من خالل دستور سنة‬
‫‪ 1133‬اتجه إلى إقرار مسؤولية الدولة عن أعمال الجهاز القضائي بناء على خطأ قضائي‪،‬‬
‫وأن هذا الخطأ يجب أن يكون جسيما‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬ولم يتناول المشرع المغربي مفهـوم الخطـأ القضـائي‪ ،‬غيـر أنـه أعطـى بعـض صـوره‬
‫الجســيمة فــي الفصــل ‪ 31‬مــن النظــام األساســي للقضــاة المتجليــة فــي الخــرق الخطيــر لقاعــدة‬
‫مســطرية تعــد ضــمانة أساســية لحقــوق وحريــات األط ـراف‪ ،‬الخــرق الخطيــر لقــانون الموضــوع‪،‬‬
‫اإلهمــال أو التــأخير غيــر المبــرر والمتكــرر فــي بــدء او إنجــاز مســطرة الحكــم أو فــي القضــايا‬
‫أثن ــاء ممارس ــته لمهام ــه القض ــائية‪ ،‬خ ــرق الس ــر المهن ــي وإفش ــائه لسـ ـرية الم ــداوالت‪ ،‬االمتن ــاع‬
‫العمدي عن التجريح التلقائي في الحاالت المنصوص عليها في القـانون‪ ،‬االمتنـاع عـن العمـل‬
‫المدبر بصفة جماعية‪ ،‬وقف أو عرقلة عقد الجلسات أو السير العادي للمحاكم‪ ،‬اتخـاذ موقـف‬
‫سياسي‪ ،‬ممارسة نشاط سياسي أو نقابي أو االنتماء إلى حزب سياسي أو نقابة مهنية‬

‫وقـ ــد تـ ــولى المجلـ ــس الدسـ ــتوري ( المحكمـ ــة الدسـ ــتورية) بموجـ ــب ق ـ ـ ارره الصـ ــادر بتـ ــاريخ‬
‫‪ 1131/11/35‬بمناســبة بتــه فــي دســتورية القــانون التنظيمــي رقــم ‪ 11.311‬المتعلــق بالنظــام‬
‫الساسي للقضاة تعريفه حيث صرح بـأن " الخطأ القضائي البسيم يتمث فأي كأ عمأ إرادي‬
‫أو كأأأ إهمأأأال أو اسأأأتهانة يأأأدالن علأأأى إخأأأالل القاضأأأي بايفيأأأة فادحأأأة وغيأأأر مستسأأأاغة‬
‫لواجباتأأه المهنيأأة لأأدى ممارسأأته لمهامأأه القضأأائية‪ ،‬وأن القاضأأي ال يسأأأل عأأن األخطأأاء‬

‫‪« Considérant que si , en vertu des principes généraux régissant la responsabilité de la puissance publique,‬‬
‫‪une faute lourde commise dans l’exercice de la fonction juridictionnelle par une juridiction administrative est‬‬
‫‪susceptible d’ouvrir droit à indemnité, L’autorité qui s’attache à la chose jugée s’oppose à la mise en jeu de‬‬
‫‪cette responsabilité, dans le cas où la faute lourde alléguée résulterait du contenu même de la décision‬‬
‫‪juridictionnelle et ou cette décision serait devenue définitive …. ».‬‬
‫‪CE 29/12/1978 , Darmont, Rec. Leb, p. 542, RDP 1979 ? P. 1742 , note J.M. Auby.‬‬

‫‪262‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫العاديأأة التأأي يرتكبهأأا عنأأد قيامأأه بأأاإلجراءات المسأأطرية أو عنأأد إصأأداره لألحاأأام التأأي مأأن‬
‫اج تصحيحها وجدت درجات التقاضي وطرق الطعن"‪.1‬‬

‫وانطالقا من ذلك‪ ،‬يمكن القول بأن الخطأ القضائي الجسيم الموجب للتعويض في‬
‫مجال االعتقال االحتياطي‪ ،‬هو ذلك الناتج عن الخرق الخطير لقاعدة مسطرية تعد ضمانة‬
‫أساسية لحقوق وحريات األطراف‪.‬‬

‫هذا ما يستنتج من خالل قراءة المقتضيات القانونية ذات الصلة بالموضوع‪ ،‬فما هو‬
‫إذن موقف العمل القضائي؟‬

‫المطلب الثاني‪ :‬موقف العم القضائي من أساس مسؤولية الدولة عن‬


‫الخطأ القضائي‬

‫المالحظ من خالل العمل القضائي بالمغرب أن مواقف القضاء اإلداري مستقرة على‬
‫أن مسؤولية الدولة عن أعمال الجهاز القضائي مبنية على خطأ واجب اإلثبات انطالقا من‬
‫منصوص الفصل ‪ 311‬من الدستور‪ ،‬وفي هذا الصدد فقد اعتبرت محكمة االستئناف‬
‫اإلدارية بمراكش ما يلي‪... " :‬وحيث إنه من القواعد االساسية لقيام المسؤولية االدارية و‬
‫استحقاق التعويض هو وجود خطأ من جانب االدارة كشرط ضروري إلارار هذه المسؤولية‬
‫وان يؤدي هذ ا الخطأ الى الحاق ضرر بالطرف الذي يطالب بالتعويض ملزم بإثبات الخطأ‬
‫المنسوب الى المرفق القضائي على اعتبار أن استحقاق التعويض رهين بضرورة وجود‬
‫خطأ اضائي وهو ما كرسه دستور المملكة لسنة ‪ 2433‬في الفص ‪ 322‬المشار البه‬
‫أعاله ‪.2"..‬‬

‫بل إن بعض المحاكم اعتبرت بأن هذ ه المسؤولية ال تتحقق إال بثبوت الخطأ القضائي‬
‫الجسيم كما هو الشأن بالنسبة للمحكمة اإلدارية بالرباط التي اعتبرت في حكم لها بأن "‬
‫الخطأ القضائي المرتب للتعويض هو الخطأ البسيم غير المغتفر الذي ال يقع فيه القاضي‬
‫الذي يهتم اهتماما عاديا بعمله" وأعطت بعض صور الخطأ القضائي الجسيم بأنه " اد‬

‫‪1‬قرار المجلس الدستوري (المحكمة الدستورية) الصادر تاريخ ‪ 1131/11/35‬تحت عدد ‪ 1131/331‬في الملف رقم ‪.31/3010‬‬
‫‪2‬محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش‪ ،‬قرارها عدد ‪ 111‬الصادر بتاريخ ‪ 1131/11/11‬في الملف رقم ‪.1131/1111/3103‬‬

‫‪263‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ياون جهال فاضحا بالمبادئ األساسية للعم القضائي أو البه الذي ال يغتفر بالواائع‬
‫الثالتة في ملف الدعوى أو اإلهمال البين أثناء أداء القاضي لعمله‪ ،‬مع عدم إماانية‬
‫تدارك ذلك الخطأ عن طريق سلوك طرق الطعن"‪.1‬‬

‫كما اعتبرت نفس المحكمة في حكم آخر‪ 2‬خطأ قضائيا جسيما إيداع النيابة العامة‬
‫بالمحكمة االبتدائية بالعرائش المدعي بالسجن إثر صدور أمر بتطبيق اإلكراه البدني في حقه‬
‫عن قاضي تطبيق العقوبة بنفس المحكمة‪ ،‬وذلك بعدما ثبت لها أن المدعي غير معني‬
‫بالتنفيذ وغير محكوم عليه باألداء ولم يحرر في حقه أي محضر امتناع عن التنفيذ لكون‬
‫األمر يتعلق بتنفيذ حكم صادر في مواجهة شخص معنوي (شركة تجارية) وأن المدعي لم‬
‫يكن ممثال قانونيا لها بتاريخ تطبيق اإلكراه في حقه‪.‬‬

‫غير أن عمل القضاء اإلداري اختلف في شأن أساس مسؤولية الدولة عن الخطأ‬
‫القضائي في مجال االعتقال االحتياطي‪ ،‬وانقسمت مواقفه بين من يعتبر الدولة مسؤولة بناء‬
‫على خطأ واجب اإلثبات‪ ،‬واشترطت بعض المحاكم اإلدارية أن يكون ذلك الخطأ جسيما‪،‬‬
‫بينما اعتبرت محاكم أخرى أن مسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي تكون بناء على نظرية‬
‫المخاطر‪ ،‬وفيما يلي تجليات هذه المواقف‪:‬‬

‫أوال‪ :‬االتباه المعتمد على نظرية المسؤولية لناء على خطأ‬

‫هـ ــذا االتجـ ــاه يعتبـ ــر بـ ــأن مسـ ــؤولية الدولـ ــة عـ ــن الخطـ ــأ القضـ ــائي فـ ــي مجـ ــال االعتقـ ــال‬
‫االحتيــاطي قائمــة علــى أســاس خطــأ مــن جانــب الجهــة القضــائية المتخــذة لهــذا التــدبير وضــرر‬
‫باإلضــافة لعالقــة ســببية بينهمــا‪ ،‬معتمــدا فــي ذلــك اإلطــار العــام لمســؤولية الدولــة عــن الخطــأ‬

‫‪1‬حكم المحكمة اإلدارية بالرباط مؤرخ في ‪ 1131/31/11‬صادر في الملف رقم ‪.1131/1331/535‬‬


‫ونرى بأنه بات من المنتظر من الفق ه والقضاء أن يحدد مفهوما دقيقا للخطأ القضائي الجسيم في مجال االعتقال االحتياطي الموجب للتعويض‪،‬‬
‫ويمكن في هذا اإلطار االسترشاد بقرار المجلس الدستوري ( المحكمة الدستورية) المتعلق بالقانون التنظيمي رقم ‪ 31.311‬المتعلق بالنظام الساسي‬
‫للقضاة حيث صرح بأن " الخطأ القضائي الجسيم يتمثل في كل عمل إرادي أو كل إهمال أو استهانة يدالن على إخالل القاضي بكيفية فادحة‬
‫وغير مستساغة بواجباته المهنية لدى ممارسته لمهامه القضائية‪ ،‬وأن القاضي ال يسأل عن األخطاء العادية التي يرتكبها عند قيامه باإلجراءات‬
‫المسطرية أو عند إصداره لألحكام التي من أجل تصحيحها وجدت درجات التقاضي وطرق الطعن"‪ ،‬ق ارره الصادر تاريخ ‪1131/11/35‬تحت عدد‬
‫‪ 1131/331‬في الملف رقم ‪ ،31/3010‬منشور بالموقع اإللكتروني الرسمي للمحكمة الدستورية‪.‬‬
‫‪2‬المحكمة اإلدارية بالرباط بموجب حكمها عدد ‪ 311‬المؤرخ في ‪ 1131/11/31‬الصادر في الملف رقم ‪ ،1131 /1331/593‬تم تأييده استئنافيا‪.‬‬

‫‪264‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫القضائي وانطالقا مـن كـون اتخـاذ تـدبير االعتقـال االحتيـاطي إنمـا يـتم فـي إطـار الصـالحيات‬
‫المخولة للسلطة القضائية بمقتضى القانون‪.‬‬

‫وهذا االتجاه‪ ،‬يعد هو الغالب في القضاء اإلداري حيث سارت فيه بعض المحاكم‬
‫اإلدارية ومحكمتي االستئناف اإلداريتين والغرفة اإلدارية بمحكمة النقض‪ ،‬وعلى سبيل المثال‬
‫نذكر موقف محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط من خالل قرار لها‪ 1‬جاء فيه ما يلي‪..." :‬‬
‫إن متابعة النيابة العامة لدى محامة االستئناف بالدار البيضاء _للمستأنف عليه‬
‫والمستأنف عليه _ من أج جريمة تكوين عصابة إجرامية لهدف ارتكاب سراات ضد‬
‫األموال واألشخاص عن طريق استعمال ناالة ذات محرك وجناية إخفاء مسروق‪ ،‬والحام‬
‫عليه من اب نفس المحامة بالبراءة‪ ،‬إنما تم في إطار اإلجراءات والمساطر المنصوص‬
‫عليها اانونا‪ ،‬وأن الحام فيما بعد لبراءته من التهم المنسوبة إليه ال يمان أن تعتبر معه‬
‫السلطة القضائية التي لتت في ملف المتابعة المتعلقة به اد تصرفت خراا للقانون‪ ،‬أو‬
‫القول باونها ارتكب خطأ اضائيا موجب للتعويض المطالب به‪ ،‬أو مرتبا للمسؤولية‬
‫اإلدارية بالمعني المتواتر عليه فقا واضاء‪ ،‬ولكون تصرفه وفي جميع األحوال تم طبقا لما‬
‫هو منصوص عليه اانونا‪ ،‬مما اد يبرر مبلغ التعويض الذي يطالب به المستأنف‪،‬‬
‫والمحامة اإلدارية بالدار البيضاء عندما اضت باالستبابة للطلب فإنها تكون اد نحت‬
‫منحا غير سليم وحامها المستأنف يبقى لذلك غير مؤسس اانونا ويتعين إلغاؤه وتصديا‬
‫الحام لرفض الطلب"‬

‫ونفس االتجاه سارت فيه محاكم أول درجة‪ ،‬من ذلك نذكر موقف المحكمة اإلدارية‬
‫بأكادير‪ ،‬حيث جاء في حكم لها بأن" ‪ ...‬حيث إنه لناء على المقتضيات القانونية المشار‬
‫إليها ( الفصول ‪ 22‬و ‪ 324‬و ‪ 322‬من الدستور والفصول ‪ 327‬و ‪ 399‬و ‪ 238‬من‬
‫اانون المسطرة البنائية)‪ ،‬أن المشرع خول لقاضي التحقيق لدى محامة االستئناف بشا‬
‫استثنائي صالحية مباشرة مسطرة التحقيق اإلعدادي والمتابعة في حالة اعتقال مادامت‬
‫البريمة موضوع التحقيق معااب عليها بعقوبة سالبة للحرية وتصنف ضمن البنايات وكذا‬

‫‪1‬محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط عدد تحت عدد ‪ 1113‬الصادر بتاريخ ‪ 1131/31/19‬في الملفان المضمومان عدد ‪1131/1111/005‬‬
‫و‪ .1131/1111/139‬نفس الشيء أكدته ذات الجهة القضائية في ق اررات أخرى‪ ،‬من ذلك نذكر‪ :‬القرار عدد ‪ 1913‬الصادر بتاريخ ‪ 19‬غشت‬
‫‪ 1139‬في الملف رقم ‪.1139/1111/391‬‬

‫‪265‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫البنح المرتبطة لها‪ ،‬كما أنه خول لقاضي التحقيق في البنايات الوضع تحت االعتقال‬
‫االحتياطي لمدة شهرين االلة للتمديد خمس مرات‪ ،‬وأن القول لوجود خطأ اضائي يتطلب‬
‫اتصافه بالبسامة والفداحة ومخالفة النصوص القانونية الملزمة في هذا الشأن بشا‬
‫صريح وواضح‪.‬‬

‫وحيث إنه تبعا لما تم بسطه أعاله‪ ،‬وطالما أنه ال دلي بالملف على أن االعتقال‬
‫المتخذ في حق الطرف المدعي اد جاء مخالف للقواعد القانونية المنظمة لالعتقال‬
‫االحتياطي أو متباو از للسلطات المقررة اانونا أثناء مسطرة التحقيق اإلعدادي في الفع‬
‫البرمي المتابع من أجله‪ ،‬ومادام ال دلي بالملف أن فترة االعتقال اد تباوزت المدة‬
‫المحددة اانونا ‪ ...‬لتحقق شرط الخطأ أو التعسف المنسوب إلى مرفق القضاء فإن‬
‫مسؤولية هذا األخير في نازلة الحال تبقى غير ثالتة ( ارار محامة االستئناف اإلدارية‬
‫بمراكش الصادر لتاريخ ‪ 2439/42/22‬في الملف عدد ‪ 2431/9241/3207‬غير‬
‫منشور) وبالتالي ما تمسك به الطرف المدعي في هذه الدعوى غير مؤسس من الناحية‬
‫الوااعية والقانونية ‪ ....‬رفض الطلب مع تحمي المدعي الصائر "‪.1‬‬

‫وفي نفس السياق‪ ،‬اعتبرت المحكمة اإلدارية بالرباط في حكم لها بأن القاعدة العامة‬
‫تبقى هي خضوع مسؤولية الدولة عن أضرار االعتقال االحتياطي على أساس الخطأ‬
‫القضائي الجسيم حيث يتقرر مبدأ التعويض بغض النظر عن طبيعة الضرر‪ ،‬ومما جاء في‬
‫إحدى حيثيات حكمها أنه" لما كان االعتقال االحتياطي من اإلجراءات التي يوك اختصاص‬
‫األمر لها للبهات القضائية بشا حصري فإنه يبقى مندرجا هو األخر في دائرة األعمال‬
‫القضائية التي يمان التعويض عنها في حال اتسامه بخطأ جسيم متب في الخرق‬
‫الواضح للضوابط المقيدة له باعتباره إجراء استثنائيا سواء من حيث اإلجراءات المتصلة به‬
‫أو نطاق األمر به أو المدد التي يقيد لها أو غيرها‪ ،‬وياون التعويض في هذه الحالة‬
‫مستحقا للمتضرر منه بغض النظر عن جسامة الضرر‪ ،‬وذلك في نطاق الحاالت التي‬

‫‪1‬المحكمة اإلدارية بأكادير‪ ،‬حكم عدد ‪ 3313‬صادر بتاريخ ‪ 1139/11/31‬في الملف رقم ‪.1139/1331/1110‬‬

‫‪266‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫تثبت فيها لراءة الشخص المعتق احتياطيا بمقتضى حام نهائي أو بصدور أمر بعدم‬
‫المتابعة‪.1"...،‬‬

‫وهذا التوجه األخير للمحكمة اإلدارية بالرباط‪ ،‬لئن أقر القاعدة العامة حيث تكون‬
‫مسؤولية الدولة عن أضرار االعتقال االحتياطي قائمة على أساس الخطأ الجسيم‪ ،‬فإنه لم‬
‫يبين األسس القانونية المعتمد عليها إلقرار هذا المبدأ فقط في حاالت الخرق الواضح‬
‫للضوابط القانونية المنظمة إلجراء االعتقال االحتياطي‪ ،‬ثم إن تجزيئ المسؤولية المتعلقة‬
‫بنفس النزاعات أي أضرار االعتقال االحتياطي وجعل شق منها خاضع للقواعد العامة وشق‬
‫آخر غير خاضع لها يؤدي إلى خلق تمييز غير مبرر‪.‬‬

‫أما على مستوى محكمة النقض‪ ،‬فقد عرضت عليهـا بعـض القضـايا المتعلقـة بـالتعويض‬
‫عن الخطأ القضائي في مجال االعتقال االحتياطي‪ ،‬وقد كانت الفرصـة سـانحة لهـذه المحكمـة‬
‫لتوحي ــد توجه ــات محـ ــاكم الموض ــوع بخص ــوص أسـ ــاس مس ــؤولية الدول ــة فـ ــي ه ــذا الن ــوع مـ ــن‬
‫المنازعــات خاصــة فــي ظــل تبــاين المواقــف بــين هيئــات الحكــم بمختلــف المحــاكم وأحيانــا بــين‬
‫هيئات الحكم بنفس المحكمة‪.‬‬

‫ولذلك‪ ،‬فقد أيدت محكمة النقض موقف قرار محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط‬
‫واعتبرت في قرارها المؤرخ في ‪ 10‬أكتوبر ‪ 1139‬بأنه "حيث إنه‪ ،‬كما ذهبت إلى ذلك‬
‫محامة االستئناف اإلدارية عن صواب‪ ،‬فإن إارار مسؤولية الدولة المغربية عن الخطأ‬
‫القضائي يقتضي البحث عن أركان المسؤولية وهي ثبوت خطأ من جانب ااضي التحقيق‬
‫وضرر لحق بالطالب وعالاة سببية لين هذا الخطأ والضرر‪ ،‬والمحامة من خالل إسقاط‬
‫هذه الواائع على المقتضيات المنظمة ألعمال ااضي التحقيق وفقا لمقتضيات الظهير‬
‫الشريف رام ‪ 3.92.329‬لتاريخ ‪ 1‬أكتوبر ‪ 3792‬المنظم لمحامة العدل الخاصة ثبت‬
‫لها أن ااضي التحقيق بالمحامة باشر عمله لناء على أمر كتالي من وزير العدل‪ ،‬وأن‬
‫كافة اإلجراءات التي باشرها ااضي التحقيق في النازلة مستمدة من مقتضيات الفصول ‪7‬‬
‫و ‪ 33‬و ‪ 32‬من الظهير المذكور أعاله مشي ار عن صواب إلى أن تدلير االعتقال‬

‫‪1‬الحكم عدد ‪ 1319‬الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط بتاريخ ‪ 1139/13/31‬في الملف عدد ‪.1139/1331/3111‬‬

‫‪267‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫االحتياطي هو سلطة خولها المشرع لقاضي التحقيق تبعا للمعطيات الواردة في وثائق‬
‫الملف لتنتهي بحق إلى أن صدور حام لبراءة الطالب ال يمان اعتباره كشفا عن عدم‬
‫مشروعية اإلجراءات التي باشرها ااضي التحقيق وثبوت خطأ من جانبه ‪ ،‬وهي (المحامة)‬
‫باعتمادها المعطيات القانونية والوااعية أعاله تكون اد عللت اضاءها بما فيه الكفاية‬
‫والوسائ على غير أساس "‪.1‬‬

‫ويتضح من خالل هذا القرار بأن قضاء محكمة النقض يسير في اتجاه إعمال القواعد‬
‫العامة للمسؤولية عن أعمال الجهاز القضائي في مجال المسؤولية عن أض ارر االعتقال‬
‫االحتياطي بأن جعلها تنبني على أساس خطأ واجب اإلثبات‪ ،‬ونعتقد بأن هذا القرار يعد‬
‫حاسما للنقاش الدائر حول أساس المسؤولية المتحدث عنها لوضوح توجهاته‪ ،‬وانبناء مبرراته‬
‫على أسس قانونية مستمدة من القواعد العامة وتفسير لمقتضيات الفصل ‪ 311‬من الدستور‪،‬‬
‫بل أيضا لكون محكمة النقض أكدته في قرار آخر لها‪ ،‬وأصبح بذلك اجتهادا متوات ار وواجب‬
‫اإلعمال‪ ،‬ولذلك فإن هذا التوجه حري بالتأييد‪.‬‬

‫وعموما‪ ،‬فإن هذا االتجاه القضائي أقر بوضوح بأن مسؤولية الدولة عن الخطأ‬
‫القضائي في مجال االعتقال االحتياطي مبنية على أساس خطأ واجب اإلثبات معتمدا في‬
‫ذلك على تحليل مقتضيات الفصل ‪ 311‬من الدستور‪ ،‬بل إن بعض توجهات القضاء‬
‫المغربي سايرت القوانين المقارنة واعتبرت بأن الخطأ القضائي الموجب للتعويض يجب أن‬
‫يكون على قدر من الجسامة العتباره موجب للتعويض‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬االتباه المؤسس لمسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي لناء على‬


‫نظرية المخاطر‬

‫يعتبر هذا االتجاه‪ ،‬بأن مسؤولية الدولة عن أضرار االعتقال االحتياطي قائمة على‬
‫أساس نظرية المخاطر معتمدا في ذلك إلى كون اتخاذ السلطة القضائية لتدبير االعتقال‬
‫االحتياطي كان تطبيقا لنص القانون ولمصلحة المجتمع‪ ،‬وأنه بذلك يتعين أن يتحمل كافة‬

‫‪ -1‬محكمة النقض ( الغرفة اإلدارية‪ -‬القسم الثالث)‪ ،‬عدد ‪ 1/931‬المؤرخ في ‪ 10‬أكتوبر ‪ 1139‬صادر في الملف عدد ‪.1131/1/0/1111‬‬

‫‪268‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المجتمع لألضرار االستثنائية الالحقة بالمعتقل احتياطيا إذا ثبتت برائته أو اتخذ قرار بعدم‬
‫متابعته‪.‬‬

‫وفي هذا اإلطار اعتبرت المحكمة اإلدارية بالرباط في إحدى أحكامها أنه ""‪ ...‬أن خصوصية‬
‫االعتقال االحتياطي باعتباره إجراء يمس حرية المتهم اب لت اضاء الموضوع في التهمة المنسوبة‬
‫إليه وفي وات ياون متمتعا بقرينة البراءة التي كرسها الفص ‪ 21‬من الدستور‪ ،‬تفضي إلى اعتبار‬
‫المعتق االحتياطي الذي صدر حام نهائي لتبرئته مستحقا للتعويض حتى في الحالة التي ال يثبت أي‬
‫خرق صادر بشأن الضوابط القانونية لإلعتقال االحتياطي وذلك في حالة الذي يلحق به ضرر محقق‬
‫وثالت‪ ،‬ذلك أنه إذا كان هذا اإلجراء وغيره من اإلجراءات البنائية تهدف إلى حماية المبتمع من‬
‫أخطار البريمة ومواجهتها عبر تفعي النصوص التبريمية‪ ،‬فإن إعمال مبدأ المساواة أمام األعباء‬
‫العامة يفرض تحم كافة المبتمع لألضرار االستثنائية الالحقة بالمعتق احتياطيا ما دام أنه كان لريئا‬
‫أثناء األمر لهذا اإلجراء وظ لريئا ولم يرتكب أي خطأ يبعله يتحم لوحده تبعة تطبيق القانون‬
‫لمصلحة ك المبتمع‪ ،‬طالما أن الضرر المادي أو المعنوي اتسم لدرجة البسامة التي تبعله مما ال‬
‫يمان تحمله من طرف الشخص العادي‪ ،‬وتباوز الحدود المألوفة للضرر المعتادة المترتب عن فقدان‬
‫الحرية‪.1".‬‬

‫وقد تبنت هذا االتجاه محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش في عدة ق اررات صادرة عنها‬
‫من ذلك على سبيل المثال قرار‪ 2‬اعتبرت فيها بأنه " خالفا للمبادئ العامة لقيام مسؤولية‬
‫الدولة التي تشترط توفر عنصر الخطأ من جانب المرفق العام الواجب اإلثبات‪ ،‬فإن‬
‫مسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي اائمة بمبرد حصول الضرر دونما الحاجة إلثبات‬
‫الخطأ ‪ ،"...‬وخلصت من خالل ذلك إلى القول بأنه " ودون الحاجة إلى الخوض فيما إذا‬
‫كان هناك تعسف في استعمال حق المالءمة التي تتمتع لها النيابة العامة أم ال أو فيما‬
‫إذا كان هناك خطأ في اإلجراءات الواجبة االتباع على اعتبار أن المحامة اإلدارية ليست‬
‫لدرجة أعلى لمراقبة ا اررات النيابة العامة أو األعمال القضائية إال أنه يبقى من حق ك‬
‫متضرر ثبتت لرائته بشا اطعي استحقاق تعويض طبقا لمقتضيات المادة ‪ 322‬من‬

‫‪1‬الحكم عدد ‪ 1319‬الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط بتاريخ ‪ 1139/13/31‬في الملف عدد ‪.1139/1331/3111‬‬
‫‪2‬محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش‪ ،‬قرار عدد ‪ 133‬مؤرخ في ‪ 1133/13/11‬صادر في الملف رقم ‪.1139/1111/3011‬‬

‫‪269‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الدستور الذي تقدره المحامة في إطار ما تستشفه من الظروف والمالبسات التي أحاطت‬
‫بسير المحاكمة"‪.‬‬

‫ونفس الشيء سارت فيه في نفس الجهة القضائية في الذي جاء في حيثياته ما يلي‪"" :‬‬
‫وحيث لئن كان األص في مسؤولية مرفق القضاء أنها تقوم على اشتراط ثبوت خطأ‬
‫جسيم‪ ،‬فإن العم القضائي أحدث نظاما خاصا لمسؤولية الدولة عن األخطاء القضائية‬
‫في إطار الدعاوى الرامية إلى التعويض عن األحاام القضائية السالبة للحرية واعتبرها‬
‫مسؤولية لدون خطأ استنادا إلى نظرية المخاطر القائمة على مبرد حصول الضرر ولو‬
‫لدون خطأ من جانبها الشيء الذي تعتبر معه مسؤوليتها عن الضرر الالحق بالضحية‬
‫المتضرر الذي تم اعتقاله واضى فترة سبنية رغم لراءته لدون ما حاجة إلى وجوب‬
‫وضرورة إثباته الخطأ من جانب الدولة‪ ،‬وهو التوجه الذي يندرج في سياق تطور‬
‫المسؤولية بصفة عامة والذي يتبه نحو توسيع مبال المسؤولية إلى نظرية المخاطر‬
‫‪.1"...‬‬

‫ويتضح من خالل هذه التوجهات القضائية أنها حاولت إيجاد أساس لمسؤولية الدولة‬
‫عن أضرار االعتقال االحتياطي في حالة تبرئة المتهم أو صدور أمر بعدم متابعته وذلك‬
‫بجعلها قائمة بدون خطأ وعلى أساس نظرية المخاطر معتمدة في ذلك على مبررات أن‬
‫اتخاذ تدبير االعتقال االحتياطي أملته اعتبارات المصلحة العامة‪ ،‬وأن الضرر االستثنائي‬
‫الالحق بالمعتقل احتياطيا يجب أن يجبر بغض النظر عن وجود خطأ من عدمه‪ ،‬وأن تطور‬
‫نظام المسؤولية يتجه تحو إقرارها بدون خطأ‪.‬‬

‫ويبدو بأن ما نحى إليه هذا االتجاه‪ ،‬غير معزز بأي سند قانوني ويخالف القواعد‬
‫العامة المنظمة لمسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي المؤسسة بمقتضى الفصل ‪ 311‬من‬
‫الدستور ولما ذهبت إليه بعض القوانين المقارنة‪.‬‬

‫‪1‬القرار عدد ‪ 3119‬المؤرخ في ‪ 1139/31/13‬صادر في الملف رقم ‪ ،1139/1111/910‬ونفس الشيء سار في قرار صادر عن نفس الجهة‬
‫القضائية تحت عدد ‪ 3051‬المؤرخ في ‪ 1133/11/10‬صادر في الملف رقم ‪.1139/1111/3391‬‬

‫‪270‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫هذا‪ ،‬لم نعثر بمناسبة إعداد هذا البحث على أي قرار صادر عن محكمة النقض يتعلق‬
‫باعتماد نظرية المخاطر في مسؤولية الدولة عن أضرار االعتقال االحتياطي‪ ،1‬بل إن قرارها‬
‫المؤرخ في ‪ 0‬أكتوبر ‪ 1139‬المومإ أعاله نحى منحا مخالف تماما لهذه التوجهات القضائية‪،‬‬
‫كما أن بعض الق اررات الصادرة عن محكمة النقض التي يروج لها من طرف البعض بأنها‬
‫طبقت نظرية المخاطر في مجال التعويض عن االعتقال االحتياطي‪ ،‬فإنه بعد اطالعنا‬
‫عليها تبين أنها مؤسسة على النصوص الخاصة بالتعويض في إطار مسطرة المراجعة التي‬
‫تمت في إطار مقتضيات المادتين ‪ 513‬و ‪ 511‬من قانون المسطرة الجنائية المنصوص‬
‫عليها وذلك لتدارك خطأ في الواقع تضرر منه شخص حكم عليه من أجل جناية أو جنحة‪،2‬‬
‫وهي حاالت يعتبر الخطأ فيها ثابت من خالل الخطأ في الواقع‪ ،‬وهي غير حاالت التعويض‬
‫عن أضرار االعتقال االحتياطي حيث ال يوجد نص خاص يقر هذا التعويض وال يمكن‬
‫افتراض وجود الخطأ فيها‪.‬‬

‫ولذلك‪ ،‬يبقى التوجه القضائي المطبق لنظرية المخاطر في مجال التعويض عن‬
‫االعتقال االحتياطي فريد من نوعه‪ ،‬ولم يتبناه قضاء محكمة النقض‪ ،‬ويعد والحالة هذه محل‬
‫نقاش جدي حول انعدام أسسه القانونية والواقعية‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬اآلثار المترتبة على تأسيس مسؤولية الدولة عن الخطأ‬


‫القضائي لناء على نظرية المخاطر‬

‫بدون أي مجازفة‪ ،‬يمكن القول بأن تأسيس مسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي بناء‬
‫على نظرية المخاطر (بدون خطأ) تنجم عنه مجموعة من المخاطر يمكن إبرازها فيما يلي‪:‬‬

‫‪ _3‬جعل الدولة مسؤولة عن كل األعمال الصادرة عن مرفق القضاء ولو في إطار‬


‫ممارسته للصالحيات المخولة له قانونا يتنافى وغاية المشرع الدستوري التي نص على مبدأ‬

‫‪1‬تجدر اإلشارة إلى أن الوكالة القضائية للمملكة في إطار دفاعها عن الدولة تقدمت بطعن بالنقض ضد ق اررات استئنافية سارت في إطار التأسيس‬
‫للمسؤولية اإلدارية عن الوظيفة القضائية في إطار نظرية المخاطر‪ ،‬كما تقدمت أيضا بطلب إيقاف تنفيذها‪ ،‬فصدر قرار باالستجابة للطلب بينما ال‬
‫تزال عرائض الطعن بالنقض رائجة‪.‬‬
‫‪ 2‬وقد كانت أولى القضايا قدمت في هذا اإلطار أمام المحكمة اإلدارية بالدار البيضاء التي أقرت أحقية المتضرر في الحصول على تعويض‬
‫استنادا إلى كون هذا التعويض مقرر بمقتضى القانون‪ ،‬أنظر الملف رقم ‪ 1110/3131‬ش ت‪.‬‬

‫‪271‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫التعويض عن خطأ قضائي ال عن كل األعمال التي تصدر عن مرفق القضاء‪ ،‬كما‬


‫يتعارض مع توجه محكمة النقض في شأن إعمال نظرية المخاطر في مجال المسؤولية‬
‫اإلدارية وحصرتها في نطاق ضيق بالنظر لصعوبة إثبات الخطأ كما هو الشأن بالنسبة‬
‫لمسؤولية الدولة عن انفجار األلغام‪.1‬‬

‫‪ _2‬أن التوجه القضائي في شأن تأسيس مسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي أحدث‬
‫تمييز غير مبرر وغير موضوعي بين هذه المسؤولية والمسؤولية اإلدارية التي تقوم كمبدأ‬
‫عام على أساس الخطأ‪ ،‬ذلك أنه لئن كانت مسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي تتميز عن‬
‫المسؤولية اإلدارية بوجه عام‪ ،‬فإن هذا التمييز يجب أن يكون أساسه خصوصية عمل مرفق‬
‫القضاء وحجم األعباء الملقاة على عاتقه والتي تقتضي عدم مسائلته إال إذا كان الخطأ على‬
‫قدر من الجسامة وفق ما سارت فيه أيضا القوانين المقارنة‪.‬‬

‫‪ -1‬إعمال نظرية المخاطر في مجال مسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي سيجعل هذه‬
‫المسؤولية تتسع لت شمل جميع أنشطة مرفق القضاء‪ ،‬مما يتنافى مع اآلليات التي وضعها‬
‫المشرع من أجل تدارك بعض األخطاء التي يمكن أن يقع فيها مرفق القضاء من قبيل طرق‬
‫الطعن وإمكانية المطالبة بتصحيح األخطاء المادية‪ ،‬فضال عن تعارضه مع الضمانات التي‬
‫وضعها دستور المملكة لسنة ‪ 1133‬التي تضمن نزاهة القاضي وحسن أدائه وظيفته بما‬
‫يكفل عدم التسرع ومنع الوقوع في الخطأ‪.‬‬

‫‪ -0‬توسيع مجال مسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي من شأنه أن يشل نشاط ومبادرة‬
‫العاملين في مرفق القضاء نتيجة خوفهم من النتائج التي قد تترتب عن أي خطأ يرتكبونه‬
‫كيفما كانت طبيعته‪.‬‬

‫‪1‬وهو ما أكدت عليه محكمة ال نقض في عدة ق اررات متواترة‪ ،‬من ذلك نذكر القرار الصادر عن الغرفة اإلدارية عدد ‪ 919‬الصادر بتاريخ‬
‫‪ 1131/13/39‬الذي جاء فيه " حيث إن الدعوى تهدف إلى إقرار مسؤولية الدولة في إطار الفصل ‪ 13‬من قانون االلتزامات والعقود بسبب‬
‫األضرار الناتجة عن اللغم وهي مسؤولية قائمة على نظرية المخاطر وتكون ناجمة عن استعمال أشياء خطيرة كما هو األمر في نازلة الحال‪ ،‬ويكفي‬
‫للمتضرر إثبات العالقة السببية بين الحادث والضرر دون إثبات الخطأ ما دام اللغم قد زرع بالتراب الوطني وأن المحكمة لما حملت الدولة المغربية‬
‫مسؤولية الحادثة تكون قد طبقت الفصل ‪ 13‬من ق‪.‬ل‪.‬ع وأن هذه العلة القانونية تحل محل العلة المنتقدة مما تبقى معه الوسيلة بدون تأثير‪." ...‬‬

‫‪272‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪ -2‬تأسيس المسؤولية اإلدارية المرتبطة بالوظيفة القضائية على نظرية المخاطر قد‬
‫ينعكس سلبا على جودة العمل القضائي‪ ،‬طالما أن التعويض يبقى مضمونا بغض النظر عن‬
‫وجود خطأ من عدمه‪ ،‬على عكس تأسيسها على نظرية الخطأ الجسيم التي ستجعل القاضي‬
‫يتخذ كافة االحتياطات الالزمة لضمان عدم الوقوع في خطأ قد يرتب مسؤوليته الشخصية‬
‫إلى جانب المسؤولية المرفقية‪.‬‬

‫‪ -1‬إقرار األحقية في التعويض في جميع حاالت المسؤولية اإلدارية عن الوظيفة‬


‫القضائية ستكون له مخاطر على المال العام سواء من حيث قيمة التعويضات المحكوم بها‬
‫التي تحدد فقط بناء على السلطة التقديرية للمحكمة بالنظر لعدم وجود أي معايير قانونية‬
‫تقيد هذه السلطة‪ ،‬أو من حيث توفير أعباء إضافية لتدبير هذا النوع من المنازعات التي‬
‫عرفت تطو ار ملحوظا منذ صدور دستور المملكة لسنة ‪ 1133‬حسبما تؤكد ذلك التقارير‬
‫الرسمية الصادرة عن المؤسسات المعنية‪ ،1‬حيث بادر عدد ال يستهان به من المتقاضين‬
‫الذين خضعوا إلجراء االعتقال االحتياطي وانتهى األمر بعدم متابعتهم أو صدرت أحكام‬
‫نهائية ببراءتهم من المنسوب إليهم إلى تقديم دعاوى للمطالبة بالتعويض أمام المحاكم‬
‫اإلدارية‪ ،‬ساعد في ذلك توجه بعض المحاكم في شأن تأسيس مسؤولية الدولة عن الخطأ‬
‫القضائي على أساس نظرية المخاطر‪.‬‬

‫‪ -9‬أن التوجه القائل بأن التعويض عن االعتقال االحتياطي يقرر في جميع الحاالت‬
‫بناء على نظرية المخاطر لم يأخذ بعين االعتبار أن بعض حاالت االعتقال االحتياطي تبقى‬
‫بمنأى عن أي تعويض عمال بما جرى به العمل في بعض القوانين المقارنة‪ ،‬ويتعلق األمر‬
‫بحالة الحكم بالبراءة لعدم كفاية األدلة أو البراءة لفائدة الشك وهو ما يسمى بالبراءة البسيطة‪،‬‬

‫‪ 1‬على سبيل المثال‪ ،‬أشار السيد الوكيل القضائي للمملكة في كلمة افتتاحية خالل أشغال هذا اللقاء العلمي (الخطأ القضائي في مجال االعتقال‬
‫االحتياطي المنظم من طرف رئاسة النيابة العامة بشراكة مع المجلس األعلى للسلطة القضائية بتاريخ ‪ 31‬دجنبر ‪ ،)1133‬أن القضايا المتعلقة‬
‫بالتعويض عن االعتقال االحتياطي تشكل نسبة كبيرة بالمقارنة مع عدد قضايا التعويض عن باقي األخطاء القضائية‪ ،‬وأوضح بأنه برسم النصف‬
‫الثاني من سنة ‪ 1139‬بلغ عدد الملفات المعالجة على صعيد الوكالة القضائية للمملكة في هذه القضايا التي عرضت أمام القضاء اإلداري وصدرت‬
‫في أحكام قضائية ما يقارب ‪ %51‬من مجموع قضايا التعويض المتعلقة بالخطأ القضائي بشكل عام‪ ،‬وصدرت فيها أحكام لصالح الدولة بنسبة‬
‫‪ 65%‬من عدد القضايا المرفوعة‪ ،‬أم ا األحكام التي صدرت ضد الدولة جزئيا فقد تم خفض التعويضات المطالب بها بنسبة ‪ %31.01‬من مجموع‬
‫المبالغ المطالب بها ‪.‬‬

‫‪273‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫على اعتبار أن ذلك ال يعني عدم ارتكاب المتهم لألفعال المنسوبة إليه أو كون تدبير‬
‫االعتقال االحتياطي لم يكن مبررا‪ ،‬بل فقط ألن المتهم استفادة من مقتضيات قانونية وضعت‬
‫لمصلحته‪.‬‬

‫خاتمة‬

‫نخلص من كل ما سبق أن هناك تباين في مواقف العمل القضائي حول أساس‬


‫مسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي‪ ،‬سيما في مجال التعويض عن االعتقال االحتياطي‪،‬‬
‫بين من يعتبرها مبنية على الخطأ انطالقا من مما هو منصوص عليه بالفصل ‪ 311‬من‬
‫الدستور ومن القواعد العامة لمسؤولية الدولة‪ ،‬بينما تعتبرها بعض محاكم ثاني درجة وأول‬
‫درجة مبنية على أساس نظرية المخاطر استنادا إلى التطور الذي عرفته المسؤولية بوجه‬
‫عام‪ ،‬ويبدوا لنا بأن هذا الموقف األخير غير مستند إلى أسس قانونية وواقعية وتتربت عنه‬
‫مجموعة من المخاطر خ اصة إذا أخذنا بعين االعتبار حداثة هذه المسؤولية التي لم تقرر‪،‬‬
‫صراحة‪ ،‬إال بعد صدور دستور‪ ،1133‬باإلضافة إلى تعارض التوجه القضائي المذكور مع‬
‫ما هو معمول به في بعض القوانين المقارنة التي تأخذ بنظرية الخطأ الجسيم في مجال‬
‫مسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي‪.‬‬

‫لذلك‪ ،‬ف إننا ندعوا إلى استبعاد نظرية المخاطر كأساس لمسؤولية الدولة عن الخطأ‬
‫القضائي بوجه عام‪ ،‬والتعويض عن االعتقال االحتياطي بشكل خاص‪ ،‬واعتماد الخطأ‬
‫القضائي الواجب اإلثبات مع اشتراط أن يكون هذا الخطأ على درجة من الجسامة‪ ،‬سيما إذا‬
‫استحضرنا أن محكمة النقض سارت في هذ ا االتجاه من خالل ق اررين صادرين عنها ومنه‬
‫القرار المؤرخ في ‪ 0‬أكتوبر ‪ 1139‬المشار إليه أعاله‪.‬‬

‫كما نقترح إصدار نص تشريعي يحدد حاالت وشروط التعويض عن االعتقال‬


‫االحتياطي وحصره في حاالت االعتقال غير المبرر وعن األضرار االستثنائية فقط وفق‬
‫مسطرة محددة‪.‬‬

‫وقبل ختام هذه المداخلة‪ ،‬ال تفوتني الفرصة دون أن أجدد شكري لرئاسة النيابة العامة‬
‫والمجلس األعلى للسلطة القضائية على المجهودات المبذولة من طرفهما لضمان عقلنة‬
‫‪274‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫اللجوء إلى االعتقال االحتياطي كإجراء استثنائي أخذا بعين االعتبار الموازنة بين متطلبات‬
‫األمن العمومي والنظام العام والمال العام من جهة وحماية حقوق األفراد من جهة ثانية‪.‬‬

‫وأتمنى تعزيز واستمرار قنوات التواصل بين المؤسستين المذكورتين والوكالة القضائية‬
‫للمملكة كشريك لهما لضمان تأمين الدفاع عن مصالح الدولة في القضايا المتعلقة بالتعويض‬
‫عن االعتقال االحتياطي‪.‬‬

‫‪275‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المسؤولية الدولية للدولة المنبثقة عن االتفاقيات‬


‫لالستثمار‬
‫أ‬
‫الدولية‬
‫من إعداد الستاذ زكرياء الغزاوي‪،‬‬
‫رئيس مصلحة المنازعات التجارية‬
‫بالوكالة القضائية للمملكة‬
‫تقديم‬

‫يعتبر االستثمار األجنبي المباشر (‪ )IED‬المحرك األساسي لالقتصاد الدولي األمر‬


‫الذي يتطلب البحث عن الوسائل واآلليات القانونية القمينة بحمايته‪ ،‬إذ تعتبر االتفاقيات‬
‫الدولية المتعلقة باالستثمار أحد هذه اآلليات التي تعنى بحماية حقوق المستثمرين األجانب‪،‬‬
‫التي وصل عددها سنة‪ 1111‬إلى أكثر من ‪ 1111‬اتفاقية دولية‪ ،1‬تتضمن ‪ 1313‬اتفاقية‬
‫ثنائية والباقي اتفاقيات جماعية‪ ،‬كاتفاقية ‪ ALENA‬واالتفاقية المتعلقة بميثاق الطاقة‬
‫(‪.)Traité sur la Charte de l’Energie‬‬

‫و تهدف االتفاقية المتعلقة باالستثمار إلى تحديد إطار قانوني يروم إلى معالجة تدفق‬
‫االستثمار بين الدولتين أو الدول األطراف فيها و ذلك من خالل حصر حقوق المستثمرين‬
‫في كل من هذه البلدان على حدى‪ ،‬وبالتالي فهذه االتفاقيات تنشأ مجموعة من الحقوق لفائدة‬
‫المستثمرين "الحقوق االتفاقية" وفي المقابل تنشأ مجموعة من االلتزامات على عاتق الدولة‬
‫المستقبلة لالستثمار‪ ،‬التي يتعين عليها احترام و عدم المساس بهذه الحقوق و إال كانت‬
‫مسؤولة عن جميع األضرار الالحقة بالمستثمر و بالتالي تحمل التبعات المالية المترتبة عن‬

‫‪1‬المصدر‪ :‬الموقع الرسمي ل ‪ )Conférence des Nations Unies sur le commerce et le développement ( UNCTAD‬تاريخ‬
‫زيارة الموقع ‪ 13‬أبريل ‪:1111‬‬
‫‪https://investmentpolicy.unctad.org/international-investment-agreements‬‬

‫‪276‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ذلك‪ ،‬ليظهر جليا أن الموقف التقليدي للقانون الدولي تم تعديله في مجال االستثمار األجنبي‬
‫ليتم الرفع من مكانة األفراد على المستوى الدولي إلى مصاف الدول‪.1‬‬

‫وتقوم مسؤولية الدولة في القانون الدولي في حالة قيامها بفعل أو امتناعها عنه مما‬
‫يتعارض مع التزاماتها الدولية بموجب القانون الدولي‪ ،‬وتقوم بناء على ذلك بتعويض الطرف‬
‫المتضرر‪.2‬‬

‫والمسؤولية الدولية للدولة بناء على اتفاقيات االستثمار ال تقتصر فقط على عالقة‬
‫الدولة المستقبلة لالستثمار بالمستثمر األجنبي بل أن هذه المسؤولية الدولية تشمل كذلك‬
‫عالقة الدولتين الطرفين في هذه االتفاقية‪ ،3‬و ذلك في حالة قيام نزاع نتيجة عدم احترام أي‬
‫من هاذين الطرفين اللتزاماته اتجاه المستثمرين‪ ،‬كمثال على ذلك رفض أحد الطرفين اللجوء‬
‫إلى التحكيم أو رفضه تنفيذ الحكم التحكيمي‪ ،‬و في هذه الحالة فإن اتفاقية االستثمار تتضمن‬
‫شرطا يقضي بتسوية النزاع عن طريق التحكيم و ذلك بطلب من الطرف اآلخر‪.4‬‬

‫والبحث عن مسؤولية الدولة في حالة مخالفتها لبنود اتفاقيات االستثمار يتم من خالل‬
‫تفعيل الشرط المضمن في هذه االتفاقيات والمتعلق بتسوية المنازعات الناتجة عن االستثمار‪،‬‬
‫و يعتبر التحكيم إحدى هذه الشروط و أبرزها و األكثر استعماال‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Aishwarya‬‬ ‫‪Padmanabhan :‬‬ ‫‪« Relationship‬‬ ‫‪Between‬‬ ‫‪FDI‬‬ ‫‪Inflows‬‬ ‫‪and‬‬ ‫‪Bilateral‬‬ ‫‪Investment‬‬
‫‪Treaties/International Investment Treaties in Developing Economies: An Empirical », 19 fevrier 2011, article‬‬
‫‪publié sur le lien suivant : http://papers.ssrn.com/sol3/papers.cfm?abstract_id=1764342.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪B. Stern : « Répertoire de droit international, Responsabilité internationale », Dalloz 1998, §4.‬‬
‫‪3‬‬
‫جاء في الفقرة ‪ 1‬من المادة ‪ 33‬من اتفاقية االستثمار المبرمة بين فرنسا والشيلي ما يلي‪:‬‬
‫‪« Si dans un délai de six mois à partir du moment où il été soulevé par l'une ou l'autre des Parties‬‬
‫‪contractantes, le différend n'est pas réglé, il est soumis à la demande de l'une ou l'autre Partie contractante, à‬‬
‫‪un tribunal d'arbitrage ».‬‬
‫جاء في الفقرة ‪ 1‬من المادة ‪ 11‬من اتفاقية ميثاق الطاقة (‪ )Traité sur la Charte de l’Energie‬ما يلي‪:‬‬
‫‪« Lorsqu'un différend n'a pas été réglé conformément au paragraphe 1 dans un délai raisonnable, chaque‬‬
‫‪partie au différend peut [...] soumettre le différend à un tribunal d'arbitrage ad hoc en vertu du présent article " .‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Ch. Leben : «La responsabilité internationale de l'État sur le fondement des traités de promotion et de‬‬
‫‪protection des investissements », Annuaire Français de Droit International, volume 50, 2004. p., 683.‬‬

‫‪277‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وعالقة المستثمر األجنبي بالدولة المستقبلة لالستثمار ال تقتصر فقط على اتفاقيات‬
‫االستثمار بل تشمل كذلك العقد الرابط فيما بينهما الذي بدوره ينشأ مجموعة من الحقوق‬
‫لفائدة المستثمر األجنبي "الحقوق العقدية"‪ ،‬والتمييز بين الحقوق االتفاقية و الحقوق العقدية‬
‫يعتبر أم ار جوهريا لفهم التطور الحالي للمنازعة التحكيمية القائمة بين المستثمر والدولة‬
‫المستقبلة لالستثمار و نظام حماية االستثمار‪ .‬ويثير التمييز بين هذه الحقوق عدة إشكاالت‬
‫و ال سيما فيما يتعلق بالبحث عن أساس و مصدر مسؤولية الدولة‪ ،‬إذ يعود للمستثمر‬
‫األجنبي‪ ،‬وحده‪ ،‬الحق في اختيار أي من الحقوق يمكنه المطالبة بالتعويض عنها‪ ،‬هل‬
‫الحقوق االتفاقية أو الحقوق العقدية‪ ،‬و اختيار أي من هذه الحقوق تعتبر مسألة أساسية إذ‬
‫يترتب عنها مجموعة من اآلثار القانونية في مواجهة الدولة المستقبلة لالستثمار‪.‬‬

‫و إذا كانت غالبية اتفاقيات االستثمار في الوقت الراهن تتضمن شرط التحكيم‪ ،‬فإن‬
‫أول اتفاقية ثنائية لالستثمار المبرمة سنة ‪ 3353‬بين ألمانيا الفيدرالية والباكستان لم تتضمن‬
‫هذا الشرط‪ ،‬بحيث لم تظهر هذه الشروط إال بعد صدور اتفاقية واشنطن و تبنيها من قبل‬
‫الدول انطالقا من سنة ‪ ،3315‬و تحكيم االستثمار لم يعرف االزدهار و التطور إال في‬
‫أواسط التسعينيات من القرن الماضي‪ ،‬على خالف األمر بالنسبة للتحكيم التجاري‪ ،1‬و ذلك‬
‫مع نهاية الحرب الباردة و ظهور الليبرالية االقتصادية‪ ،2‬إذ أن الفترة الممتدة ما بين ‪3315‬‬
‫و ‪ 3331‬لم تعرف تسجيل إال ‪ 31‬طلب تحكيم أمام‪.3CIRDI‬‬

‫و قد أدى التطور الذي عرفه تحكيم االستثمار في العقدين األخيرين‪ ،‬الناتج عناالرتفاع‬
‫في عدد الدول المنضوية إلى اتفاقية واشنطن‪ ،‬إذ وصل العدد‪ ،‬إلى حد اآلن‪ ،‬إلى ‪350‬‬
‫دولة‪ ،4‬و هو ما يسمح لمستثمري هذه الدول إلى إمكانية المتابعة المباشرة للدولة المتقبلة‬
‫لالستثمار‪ ،‬إلى ارتفاع في عدد القضايا التحكيمية المعروضة أمام‪ ،CIRDI‬إذ تم تسجيل‬

‫‪1‬‬
‫‪P. Lalive : «Commercial and Investment Arbitration: How Different are they Today? » Arbitration International,‬‬
‫‪Volume 28 n° 24, LCIA 2012, p. 577.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪R. A. Nasser, S. H. Nasser et N. S. Tiba Sato : « Arbitragem no novo modelo brasileiro de acordos de‬‬
‫‪investimento », Revista Brasileira de Arbitragem, 2015, Volume XII Issue 47, p. 38.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Julien Cazala : « La défiance étatique à l’égard de l’arbitrage investisseur-Etat exprimée dans quelques‬‬
‫‪projets et instruments conventionnels récents », JDI n°1, janvier 2017, doctr. 3.‬‬
‫‪4‬‬
‫التقرير السنوي لسنة ‪ 1133‬الصادر عن ‪ ،CIRDI‬المنشور في الموقع الرسمي لهذا المركز‪.‬‬

‫‪278‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪105‬قضية إلى حدود ‪ 13‬ديسمبر ‪1133‬مقابل ‪ 19‬قضية سنة ‪ ،13331‬و هو األمر‬


‫الذي أدى إلى الزيادة في حجم المبالغ المالية المتداولة في تحكيم االستثمار إذ عرفت الفترة‬
‫الممتدة بين ‪ 1113‬و‪ 353 ،1131‬قضية تحكيم استثمار و وصل مجموع مطالب الشركات‬
‫المدعية ما ال يقل عن ‪ 311‬مليون دوالر أمريكي‪ ،2‬وهو التطور الذي قد ينعكس بشكل‬
‫كبير على سلوكيات الدولة في المستقبل وميزانيتها العامة باإلضافة إلىدرجة رفاهية سكانها‪،‬‬
‫حسب التقرير الذي تقدمت به منظمة التعاون والتنمية في الميدان االقتصادي (‪)OECD‬سنة‬
‫‪.31115‬‬

‫و على الرغم من النجاح الكبير الذي عرفته اتفاقيات االستثمار خالل سنوات‬
‫التسعينيات "فترة االنتشار" فإنه ابتداء من سنة ‪ 1111‬بدأت مجموعة من الفعاليات الدولية‬
‫بالمطا لبة بإعادة النظر في هذه االتفاقيات "فترة إعادة التوجيه"وهي الفترة المستمرة لحد اآلن‪،‬‬
‫نظ ار‬ ‫‪4‬‬
‫و الموسومة بظهور حركة على المستوى الدولي تبتغي تعديل هذه االتفاقيات‬
‫لالنتقادات التي تتعرض لها باعتبارها غير متوازنة إذ تميل الكفة فيها لفائدة المستثمر على‬
‫و أن وضعية الدولة في هذه االتفاقيات أقل مرتبة من المستثمر‪ ،6‬إذ أن‬ ‫‪5‬‬
‫حساب الدولة‬
‫مجرد التوقيع على هذه االتفاقيات و المصادقة عليها يترتب عنها التنازل العام للدولة عن‬
‫إثارة حصانتها في التقاضي‪ ،‬ليس فقط أمام المحاكم الدولية و إنما كذلك أمام محاكمها‬

‫‪1‬‬
‫التقرير الصادر عن ‪CIRDI‬حول القضايا التحكيمية تحت رقم ‪ 2020-1‬المنشور في الموقع الرسمي لهذا المركز‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪« Profiting from injustice, how law firms, arbitrators and financiers are fuelling an investment arbitration‬‬
‫‪boom », CEO, Brussels , Amsterdam, novembre 2012.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪https://www.oecd.org/fr/daf/inv/politiques-investissement/FR%20WP-2005_1.pdf‬‬ ‫‪(dernière‬‬ ‫‪consultation‬‬
‫‪13/01/2020).‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Rapport CNUCED sur « l’investissement dans le monde 2015: Réformer la gouvernance de l’investissement‬‬
‫)‪international », (https://unctad.org/fr/PublicationsLibrary/wir2015overview_fr.pdf‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Charles Leben : « Le contentieux arbitral transnational relatif à l’investissement : Nouveaux développements,‬‬
‫‪Louvain-la-Neuve, Anthémis », revue québécoise de droit international, volume 19-2, 2006, p. 359.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Ph. Fouchard : « L'arbitrage et la mondialisation de l'économie in Philosophie du droit et droit économique.‬‬
‫‪Quel dialogue ? : Mélanges en l'honneur de Gérard Farjat”, Paris, 1999, p. 391‬‬

‫‪279‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الوطنية‪ ،‬كما أن هذه االتفاقيات تتضمن بنودا تعتبر أن ق اررات هيئات التحكيم نهائية وإلزامية‬
‫و يتعين تنفيذها طبقا للقانون الوطني للدولة‪.1‬‬

‫ولم يقتصر موقف الدول من نظام تسوية المنازعات بين المستثمر والدولة (‪)RDIE‬‬
‫على الدعوة إلى إعادة النظر في االتفاقيات الدولية بل أن هناك من الدول من وضعت‬
‫شروطا في اتفاقيات االستثمار أمام المستثمر عند لجوئه إلى التحكيم في حين أن هناك‬
‫مجموعة من الدول استبعدت هذه اآللية و لم تنص عليها في اتفاقيات االستثمار‪ ،‬كاتفاقية‬
‫التبادل الحر المبرمة بين أستراليا و أمريكا المؤرخة في ‪ 39‬ماي ‪ 1110‬و كذلك بروتوكول‬
‫االستثمار المبرم بين أستراليا و نيوزيالندا بتاريخ ‪ 39‬ماي ‪.1110‬‬

‫في حين قامت بعض دول أمريكا الالتينية باالنسحاب من اتفاقية واشنطن المنشئة ل‬
‫‪ ،2CIRDI‬من بينها بوليفيا التي تعتبر أول دولة تنسحب من هذه االتفاقية وذلك سنة ‪1111‬‬
‫وإكوادور سنة‪ ،1113‬بعد ٍاالي الذي تقدمت به المحكمة الدستورية بتاريخ ‪ 15‬نونبر ‪1131‬‬
‫‪3‬‬
‫لما اعتبرت أن شروط التحكيم في المنازعات بين الدول والمستثمرين غير مطابقة للدستور‬
‫كما انسحبت فنزويال كذلك من هذه االتفاقية سنة ‪.41131‬‬

‫ونتيجة انفتاح المغرب على محيطه االستثماري والمكانة التي أصبح يحتلها كبلد‬
‫مستقبل للرأسمال األجنبي‪ ،‬نظ ار الستق ارره السياسي واالقتصاديو مسايرة منه للتطور الذي‬
‫عرفه التحكيم كآلية لتسوية المنازعات الناشئة عن االستثمار قامت الدولة المغربية بإدخال‬
‫مجموعة من التعديالت على قوانينها الوطنية‪ ،‬خاصة قانون المسطرة المدنية (تعديل سنة‬
‫‪ ،)1111‬كما تفاعلت مع التطورات الدولية المرتبطة بالتحكيم عبر انضمامها إلى االتفاقيات‬
‫الدولية ذات الصلة‪ ،‬خاصة اتفاقية نيويورك لسنة ‪ 3359‬المتعلقة باالعتراف بق اررات التحكيم‬
‫األجنبية و تنفيذها واتفاقية واشنطن لسنة ‪ 3315‬المنشئة للمركز الدولي لفض منازعات‬

‫‪1‬‬
‫‪A. Ulaganathan Ravindran : « International Investment Law and Developing Economies: The Good, Bad and‬‬
‫‪Comme Ci, Comme Ça », Indian Journal of Arbitration Law ; 2013, Volume II, Issue 1, p. 55.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪J. Cazala : «La dénonciation de la convention de Washington établissant le CIRDI », Annuaire Français de‬‬
‫‪Droit International, volume 58, 2012. p. 551.‬‬
‫‪3‬‬
‫الرأي المؤرخ في ‪ 15‬نونبر ‪ 1131‬تحت عدد ‪ 043-10-DTC-CC‬في القضية عدد ‪.0013-10-71‬‬
‫‪4‬‬
‫قائمة الدول المتعاقدة والموقعة على االتفاقية المتوفرة على مستوى موقع المركز والتي نشرت يوم ‪ 31‬أبريل ‪1133‬‬

‫‪280‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫االستثمار ‪ ،CIRDI‬هذا باإلضافة إلى إبرامها مجموعة من االتفاقيات الدولية الثنائية‬


‫والجماعية المتعلقة باالستثمار‪ ،‬الذي وصل عددها‪ 1‬إلى ‪ 15‬اتفاقية ثنائية‪ 2‬باإلضافة إلى‬
‫اتفاقية التبادل الحر مع الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬أما على المستوى المؤسساتي فقد تم‬
‫خلق مجموعة من المؤسسات التي تعنى باالستثمار كالوكالة المغربية لتنمية االستثمارات‬
‫والصادرات المعروفة اختصا ار ب ‪ AMDIE‬و تعديل نظام المراكز الجهوية لالستثمار‪.3‬‬

‫و مما سبق فإن التساؤل المطروح يتعلق بحدود مسؤولية الدولة في اتفاقيات االستثمار‬
‫و إلى أي حد استطاعت االتفاقيات تحقيق التوازن األمثل بين خلق مناخ مالئم للمستثمرين‬
‫األجانب و بين المحافظة على المصلحة العامة للدولة المستقبلة لالستثمار و حقها في‬
‫اعتماد سياساتها العمومية‪ ،‬واإلجابة على هذا التساؤل يفترض تناول الموضوع من خالل‬
‫مبحثين‪ ،‬المبحث األول يتعلق بالنظام القانوني لمسؤولية الدولة في اتفاقية االستثمار‬
‫(المبحث األول) ثم تحديد نطاق و حدود مسؤولية الدولة في المطالبات االتفاقية والجهة‬
‫المختصة للنظر في المنازعات الناتجة عن االستثمار (المبحث الثاني)‪.‬‬

‫و سوف نعتمد في هذه الدراسة على االتفاقيات الدولية لالستثمار‪ ،‬سواء التي كان‬
‫المغرب طرفا فيها (النموذج القديم والنموذج الجديد‪( 4‬نيجريا و اليابان و الب ارزيل)) أو التي‬
‫لم يكن طرفا فيها مع الرجوع إلى موقف هيئات التحكيم الدولية في المسؤولية الدولية للدولة‬
‫مع التركيز على بعض التجارب الدولية ال سيما التجربة األرجنتينية‪ ،‬و ذلك من خالل‬
‫مبحثين‪ ،‬األول سيخصص لتحديد أساس مسؤولية الدولة عند خرقها التفاقية االستثمار في‬
‫حين أن المبحث الثاني سنتطرق فيه إلى نطاق وموضوع مسؤولية الدولة عند خرقها التفاقية‬
‫االستثمار‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫حسب الموقع الرسمي ل ‪ )Conférence des Nations Unies sur le commerce et le développement( UNCTAD‬تاريخ زيارة‬
‫الموقع ‪ 13‬أبريل ‪:1111‬‬
‫‪https://investmentpolicy.unctad.org/international-investment-agreements/countries/142/morocco‬‬
‫‪2‬‬
‫هذه االتفاقيات تتضمن تلك التي وقع عليها المغرب ولم تتم المصادقة عليها أمام البرلمان المغربي‬
‫‪3‬‬
‫‪A. Kairouani : « Aspects recents du droit marocain des investissements », Revue trimestrielle de droit‬‬
‫‪africain, Ed. Juris Africa, n° 909, octobre – décembre 2019, p. 554.‬‬
‫‪4‬‬
‫يتعلق األمر باالتفاقيات التي وقع عليها المغرب مؤخ ار خاصة مع كل من نيجريا واليابان و الب ارزيل‪.‬‬

‫‪281‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المبحث األول‪ :‬أساس مسؤولية الدولة عند خراها التفاقية االستثمار‬

‫عالقة الدولة بالمستثمر األجنبي ال تقتصر فقط على اتفاقية االستثمار المبرمة بين‬
‫هذه الدولة و البلد الذي ينتمي إليه المستثمر بل تشمل كذلك العقد الرابط بين الدولة‬
‫المستقبلة لالستثمار و المستثمر‪ ،‬و لهذا األخير الحق في متابعة الدولة عند المساس‬
‫بحقوقه‪ ،‬سواء تلك المحددة في اتفاقية االستثمار(الحقوق االتفاقية) أو في العقد (الحقوق‬
‫العقدية)‪ ،‬مما يجعل أساس مسؤولية الدولة و مسار الدعوى يختلف حسب طبيعة المطالبة‬
‫المقدمة من قبل المستثمر‪ ،‬وهو ما يدفعنا إلى التساؤل حول ما إذا كان أساس المسؤولية‬
‫يقتصر فقط على المطالبات المبينة على خرق الدولة التفاقية االستثمار أم يشمل كذلك‬
‫المساس بالحقوق العقدية؟‬

‫الجواب على هذا التساؤل يتطلب‪ ،‬بداية‪ ،‬حصر المطالبات المبنية على خرق اتفاقيات‬
‫االستثمار وتمييزها عن المطالبات المبنية على المساس بالحقوق العقدية (المطلب األول)‬
‫وتحديد الجهة الموكول لها النظر في المطالبات االتفاقية تفاديا للمخاطر التي يمكن أن‬
‫تترتب عن تعدد المساطر القضائية (المطلب الثاني)‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬نطاق المطالبة المبنية على خرق الدولة التفاقية االستثمار‬

‫يترتب عن مخالفة الدولة اللتزاماتها المنصوص عليها في اتفاقيات االستثمار قيام‬


‫مسؤوليتها الدولية‪ ،‬و ذلك نتيجة مساسها بحقوق المستثمر األجنبي‪ ،‬و هو ما يدفع هذا‬
‫األخير إلى متابعة الدولة و مطالبتها بالتعويض عن األضرار الالحقة به جراء ذلك‪ ،‬غير‬
‫أنه غالبا ما يقع الخلط بين المطالبات المبنية على خرق اتفاقية االستثمار (المطالبات‬
‫االتفاقية) و تلك المبنية على خرق بنود العقد الرابط بين الدولة المستضيفة لالستثمار و‬
‫المستثمر (المطالبات العقدية) (الفقرة األولى) وإن كانت في بعض الحاالت المطالبات‬
‫االتفاقية تشمل كذلك المطالبات العقدية و ذلك من خالل التنصيص في هذه االتفاقيات على‬
‫شرط المظلة (‪( )Clause parapluie‬الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫‪282‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الفقرة األولى‪ :‬التمييز لين المطالبات االتفاقية عن المطالبات العقدية‬


‫واآلثار المترتبة عنه‬

‫غالبا ما يقع الخلط بين المطالبات االتفاقية والمطالبات العقدية‪ ،‬األمر الذي يستوجب‬
‫التمييز بينهما (أوال) مع ما يترتب عن ذلك من آثار قانونية أمام هيئات التحكيم(ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬تمييز المطالبات االتفاقية عن المطالبات العقدية‪:‬‬

‫تختلف المطالبات االتفاقية عن المطالبات العقدية في مجموعة من النقاط‪ ،‬التي يمكن‬


‫إجمالها فيما يلي‪:‬‬

‫‪ -3‬مصدر الحق المطالب به‬


‫يعتبر مصدر الحق المطالب به أساس التمييز بين المطالبة المبنية على اتفاقية‬
‫االستثمار وتلك المبنية على أساس العقد‪ ،‬فأساس المطالبة األولى هي الحقوق المحددة في‬
‫اتفاقية االستثمار في حين أن أساس المطالبة الثانية يتمثل في الحقوق المحددة في العقد‪.‬‬
‫ويعتبر مصدر الحق المطالب به أساس التمييز بالنسبة للمطالبة األولى دون أن يكون‬
‫هناك تداخل ممكن مع المطالبة الثانية‪ ،‬فالحقوق المحددة في االتفاقية ال يمكن أن تتمدد إلى‬
‫العقد‪.‬‬

‫‪ -2‬موضوع الحق المطالب به‬

‫يختلق موضوع المطالبات االتفاقية عن المطالبات العقدية‪ ،‬فموضوع المطالبات األولى‬


‫تعتبر ذات طبيعة عامة ومحددة في القانون الدولي وهي تلك الحقوق الواردة في اتفاقيات‬
‫االستثمار‪ ،‬كالحق في المعاملة الوطنية والحق في المعاملة األكثر أفضلية والحق في‬
‫المعاملة العادلة و المنصفة و الحق في عدم مصادرة أو نزع ملكية االستثمار‪ ،‬في حين أن‬
‫موضوع المطالبات العقدية يشمل العمليات االستثمارية المنصوص عليها في العقد ومحددة‬
‫بمقتضى القانون الوطني للبلد المستقبل لالستثمار‪.‬‬

‫‪283‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وي مكن أن يتداخل موضوع المطالبات االتفاقية مع المطالبات العقدية‪ ،‬فمثال المستثمر‬
‫الذي يستفيد من الحق في التعويض نتيجة مصادرة استثماره بناء على اتفاقية االستثمار‬
‫يمكن أن يستفيد كذلك من ذات الحق في العقد المبرم مع الدولة المستضيفة لالستثمار‪،‬‬
‫فعندما مصادرة االستثمار يمكن للمستثمر المطالبة بالتعويض بناء على خرق االتفاقية وفي‬
‫ذات الوقت يمكنه تقديم نفس المطالبة لخرق حقوقه المنصوص عليها في العقد‪.‬‬

‫ويمكن للدولتين الطرفين في االتفاقية الثنائية لالستثمار االتفاق على احترام االلتزامات‬
‫المنصوص عليها في العقد المبرم مع المستثمر المنتمي للبلد اآلخر‪ ،‬وهو يطلق عليه بشرط‬
‫المظلة (‪ ،)Umbrelle clause‬ومن ثمة يمكن اعتبار الحقوق المنصوص عليها في العقد‬
‫المبرم بين المستثمر والبلد المستضيف لالستثمار بمثابة حقوق اتفاقية‪.‬‬

‫‪ -1‬أطراف المطالبة‬

‫إن طرفي المطالبة المبنية على خرق الحقوق االتفاقية هما البلد المستضيف لالستثمار‬
‫والمستثمر الذي ينتمي إلى البلد الطرف اآلخر في االتفاقية الدولية لالستثمار‪.‬‬

‫والدولة الطرف هي الدولة نفسها وليست الوالية الفدرالية أو الجهوية أو أية جهة أو‬
‫شركة الدولة‪ ،‬ويتعين في هذا الخصوص التمييز بين االختصاص الشخصي ‪ratione‬‬
‫‪ personae‬الوارد في االتفاقية الثنائية لالستثمار واالختصاص العام الوارد في الفقرتين‬
‫األولى والثالثة من المادة ‪ 15‬من اتفاقية واشنطن المنشئة ل ‪ CIRDI‬التي نصت على‬
‫التحكيم في منازعات االستثمار بين المستثمر وكل مؤسسة أو جهة مكونة للدولة الطرف في‬
‫االتفاقية ‪ .1‬كما ينط بق األمر حتى في حالة عدم وجود أي ارتباط مباشر بين المستثمر و‬
‫‪1‬‬
‫‪L’article 25 du Convention de Washington dispose que :‬‬
‫‪«1- La compétence du Centre s’étend aux différends d’ordre juridique entre un Etat contractant (ou telle‬‬
‫‪collectivité publique ou tel organisme dépendant de lui qu’il désigne au Centre) et le ressortissant d’un autre‬‬
‫‪Etat contractant qui sont en relation directe avec un investissement et que les parties ont consenti par écrit à‬‬
‫‪soumettre au Centre. Lorsque les parties ont donné leur consentement, aucune d’elles ne peut le retirer‬‬
‫…‪unilatéralement‬‬
‫‪3- Le consentement d’une collectivité publique ou d’un organisme dépendant d’un Etat contractant ne peut‬‬
‫‪être donné qu’après approbation par ledit Etat, sauf si celui-ci indique au Centre que cette approbation n’est‬‬
‫‪pas nécessaire… ».‬‬

‫‪284‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الدولة‪ ،‬إذ يمكنه متابعة هذه األخيرة‪ ،‬مثال‪ ،‬بسبب سوء المعاملة التي تعرض لها استثماره من‬
‫قبل مؤسسة تابعة للدولة‪ ،‬و في جميع األحوال‪ ،‬عندما يتقدم المستثمر األجنبي بدعوى مبنية‬
‫على خرق اتفاقية االستثمار‪ ،‬من قبل سلطة حكومية غير الدولة (كالجماعات المحلية أو‬
‫مؤسسات عمومية أو شركات الدولة) فإنه يتعين عليه تبرير أن الدولة مسؤولة عن هذا‬
‫التصرف طبقا للقانون الدولي‪ ،‬وب التالي فإن مبدأ مسؤولية الدولة‪ ،‬أو اإلجراءات المتخذة‬
‫من قبل أجهزتها الداخلية‪ ،‬التي يمكن نسبتها إلى الدولة وفقا للقانون الدولي العام‪ ،‬غالباً ما‬
‫تكون عنص ار أساسيا في تحديد المطالبة المبنية على خرق االتفاقية‪.‬‬

‫وقد كانت مبادئ مسؤولية الدولة محل جدل و نقاش أمام لجنة القانون الدولي)‪،(CDI‬‬
‫و في هذا الشأن فإن قضية‪ Maffezini‬تعتبر مثاال للسؤال المطرح حول ما إذا كانت‬
‫الدعاوى المقدمة في مواجهة وكالة جهوية تابعة للدولة يمكن أن تنسب إلى الدولة‪.1‬‬

‫وفي المقابل فإن أطراف المطالبة المبنية على خرق بنود العقد هم أطراف العقد نفسه‪،‬‬
‫وبالتالي فإذا أبرم مستثمر أجنبي عقد مع الدولة المستضيفة فإن األطراف في المطالبة‬
‫المبنية على خرق االتفاقية هم نفسهم عندما يتعلق األمر بالمطالبة المبنية على خرق العقد‪.‬‬

‫ومجمل القول‪ ،‬أن الدولة المستضيفة لالستثمار تكون‪ ،‬دائما‪ ،‬طرفا في المطالبة المبنية‬
‫على خرق االتفاقية‪ ،‬في حين ال تكون في المنازعة المبنية على خرق العقد إال في حالة ما‬
‫إذا كانت هي الطرف الموقع على العقد مع المستثمر‪.‬‬

‫‪ -0‬القانون الواجب التطبيق‬

‫يعد القانون الواجب التطبيق من بين المعايير التي تميز المطالبات االتفاقية عن‬
‫المطالبات العقدية‪ ،‬فالقانون الواجب التطبيق في المطالبات األولى هي المقتضيات‬
‫المنصوص عليها في اتفاقية االستثمار ذاتها‪ ،‬كالقانون الوطني للبلد المستقبل لالستثمار أو‬

‫‪1‬‬
‫قضية السيد ‪ Emilio Agustín Maffezini‬ضد الدولة االسبانية قضية ‪ CIRDI‬تحت عدد ‪ ،ARB/97/7‬حكم تحكيمي في االختصاص بتاريخ‬
‫‪ 15‬يناير ‪ 1111‬وحكم تحكيمي في الموضوع بتاريخ ‪ 31‬نونبر ‪.1111‬‬

‫‪285‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المبادئ العامة للقانون الدولي‪ ،1‬في حين أن القانون الواجب التطبيق في المطالبات الثانية‬
‫هو القانون الوطني للبلد المستضيف لالستثمار أو القانون الذي تحدده األطراف المتعاقدة‪.‬‬

‫وبالتالي فإن هذا التمييز يهم على الخصوص دور القانون الدولي‪ ،‬فالمطالبات االتفاقية‬
‫سيتم مناقشتها من قبل محاكم التحكيم أخذا بعين االعتبار االجتهادين الفقهي والقضائي‬
‫خاصة في ميدان القانون الدولي العام‪ ،‬في حين أن المطالبات العقدية يمكن مناقشتها وفقا‬
‫لتشريع البلد المستضيف لالستثمار والسيما القوانين المنظمة للعقود اإلدارية‪.‬‬

‫‪ -2‬أساس مسؤولية الدولة المستضيفة لالستثمار‬

‫يترتب عن تقديم دعوى بناء على خرق الدولة لبنود اتفاقية االستثمار قيام مسؤوليتها‬
‫في القانون الدولي‪ ،‬في حين أن تقديم دعوى في مواجهة الدولة بناء على خرق العقد يثير‬
‫مسؤوليتها العقدية وفقا للقانون الوطني‪.‬‬

‫ويمكن أن تتداخل طبيعة مسؤولية الدولة سواء عند خرق بنود اتفاقية االستثمار أو عند‬
‫خرق شروط العقد‪ ،‬فمسؤولية الدولة عند خرق بنود العقد وفقا للقانون الوطني يمكن أن تثير‬
‫في نفس الوقت المسؤولية الدولية للدولة عندما تكون مقرونة باستنفاد جميع طرق الطعن‬
‫الداخلية وبإنكار العدالة‪.‬‬

‫و يعتبر بعض الفقه المقارن أن خرق الدولة لبنود "عقد الدولة" يمكن أن يرتب‪ ،‬في‬
‫بعض الحاالت‪ ،‬المسؤولية الدولية المباشرة للدولة(‪.)2‬‬

‫و فيما يتعلق بما إذا كان للمستثمر الحق في االختيار بين المطالبات االتفاقية أو‬
‫المطالبات العقدية أو إمكانية اللجوء إليهما في ذات الوقت‪ ،‬فإننا نرى أنه يمكن اللجوء إلى‬
‫هاتين المطالبتين في نفس الوقت‪ ،‬بناء على الشروط المحددة في المقتضيات المنظمة‬
‫لتسوية المنازعات فيها‪ ،‬فكل من اتفاقية االستثمار و العقد يعتبران مصدرين مستقلين و‬

‫‪1‬‬
‫انظر في هذا الخصوص المادة ‪ 5‬من االتفاقية الثنائية لالستثمار المبرمة بين اسبانيا واألرجنتين والمادة ‪ 9‬من االتفاقية الثنائية لالستثمار بين‬
‫فرنسا واألرجنتين‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪R. J. Jennings : « State Contracts in International Law », 37 British Yearbook, 1961, p. 156.‬‬

‫‪286‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫منفصلين للحقوق و المستثمر يمكنه استعمال كليهما‪ ،‬و هو ما أكده الحكم التحكيمي‬
‫الصادر عن الهيئة التحكيمية في قضية ‪Vivendi‬ضد دولة األرجنتين‪.1‬‬

‫ثانيا‪ :‬األثار المترتبة عن الخلط لين المطالبات االتفاقية والمطالبات العقدية‬

‫يترتب عن الخلط بين المطالبات المبينة على خرق بنود اتفاقية االستثمار والمطالبات‬
‫المبنية على خرق العقد إلى اعتبار الحكم التحكيم باطال‪ ،‬و هو ما جسده الحكم التحكيم‬
‫الصادر في قضية الشركة الفرنسية ‪Vivendi‬ضد األرجنتين‪ ،2‬وبالرجوع إلى هذه القضية‬
‫يتبين أن الشركة المذكورة تقدمت بطلب تحكيم أمام ‪ CIRDI‬بناء على كون األرجنتين خرقت‬
‫بنود اتفاقية االستثمار الموقعة بين هذه الدولة و فرنسا (المادتين ‪ 1‬و ‪ ،)5‬كما يربط الشركة‬
‫المستثمرة عقد امتياز (‪ )Contrat de concession‬مع والية ‪ ،Tucuman‬و تمنح اتفاقية‬
‫االستثمار الحق للمستثمر في اختيار اللجوء إلى ‪ CIRDI‬من أجل تسوية المنازعات الناشئة‬
‫عن االستثمار في حين أن العقد المذكور يشترط اللجوء إلى المحاكم اإلدارية لوالية‬
‫‪ Tucuman‬للنظر في المنازعات التعاقدية‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬و لم ترتكز الجهة المدعية‪ ،‬بصفة أساسية‪ ،‬في طلبها التحكيمي على التصرفات‬
‫الصادرة عن األرجنتين من أجل تبرير خرق مقتضيات المادتين ‪ 1‬و ‪ 5‬من اتفاقية االستثمار‬
‫بين األرجنتين و فرنسا و إنما ارتكزت على التصرفات الصادرة عن والية ‪ ،Tucuman‬و‬
‫هذا ال يثير أي إشكال فيما يتعلق بمسؤولية الدولة‪ ،‬من منطلق أن في الدولة الفيدرالية‬
‫تتحمل جميع التصرفات الصادرة عن الوالية التابعة لها‪ ،‬في القانون الدولي العام‪ ،‬تتحملها‬

‫‪1‬‬
‫قضية شركة ‪ Vivendi‬ضد دولة األرجنتين‪ ،CIRDI ARB/97/3 ،‬الحكم التحكيمي الصادر عن الهيئة الحرة المكلفة بدعوى البطالن بتاريخ ‪1‬‬
‫يوليوز ‪ ،1111‬إذ جاء في الفقرتين ‪ 35‬و ‪ 31‬ما يلي‪:‬‬
‫‪«95.En ce qui concerne la relation entre la rupture de contrat et la violation du traité en l'espèce, il convient‬‬
‫‪de souligner que les articles 3 et 5 du TBI ne se rapportent pas directement à la rupture d'un contrat‬‬
‫‪municipal. Ils établissent plutôt une norme indépendante. Un État peut violer un traité sans rompre un contrat,‬‬
‫‪et vice versa….‬‬
‫‪96… la question de savoir s'il y a eu violation du TBI et s'il y a eu violation du contrat sont des questions‬‬
‫‪différentes. Chacune de ces réclamations sera déterminée par référence à sa propre loi propre ou applicable -‬‬
‫‪dans le cas du TBI par le droit international; dans le cas du contrat de concession, par le droit propre du‬‬
‫» …‪contrat‬‬
‫‪2‬‬
‫الحكم التحكيمي الصادر عن ‪ CIRDI‬بتاريخ ‪ 13‬نونبر ‪ 1111‬في القضية عدد ‪.ARB/97/3‬‬

‫‪287‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ التي تزعم أنها‬،‫ هذا باإلضافة إلى أن جميع التصرفات الصادرة عن الوالية المذكورة‬،1‫الدولة‬
‫ لدى فإن تحديد خروقات االتفاقية يستلزم تقييم‬،‫ ترتبط بعقد االمتياز‬،‫خرقت اتفاقية االستثمار‬
.‫لسلوكيات أطراف عقد االمتياز‬

‫ اعتبرت الهيئة التحكيمية أنه‬1111 ‫ نونبر‬13 ‫وفي حكمها التحكيمي الصادر بتاريخ‬
‫ فإنه من الصعوبة‬Tucuman ‫بالنظر إلى طبيعة النزاع القائم بين الشركة المدعية و والية‬
‫تحديد ماهية التصرفات الصادرة عن الوالية بصفتها السيادية وتلك الصادرة باعتبارها طرفا‬
‫ و أن المحكمة‬،‫ و اعتبرت أن جميع مزاعم الشركة الفرنسية ترتبط بالعقد‬،‫في عقد االمتياز‬
‫ و هو ما يخالف ما اتفق حوله األطراف‬،‫التحكيمية للنظ ر في النزاع يتعين عليها تفسير العقد‬
‫ في‬،‫ لتخلص الهيئة التحكيمية‬،‫بمنح هذا االختصاص للمحاكم اإلدارية للوالية المذكورة‬
‫ طبقا‬،‫ إلى أن الجهة المخول لها النظر في النزاع الناتج عن العقد المذكور‬،‫األخير‬
،‫ بصفة استثنائية‬،‫ هي‬،‫للمقتضيات المنظمة لتسوية المنازعات الواردة في العقد المذكور‬
.2Tucuman ‫المحاكم االدارية لوالية‬

‫ومن خالل استقراء الحكم التحكيمي السابق يتضح أن هيئة التحكيم كانت غير صائبة‬
‫لوقوعها في خلط بين المطالبات المرتكزة على اتفاقية االستثمار والمطالبات المبنية على‬
‫ إذ أن الشركة لم تتقدم بأية مطالب عقدية وإنما فقط مطالب ترتبط بخرق بنود االتفاقية‬،‫العقد‬

1
James Crawford : « The International Law Commission's Articles on State Responsibility: Introduction, Text
and Commentaries », Cambridge University Press, 2002, p.97.
2
:‫ من الحكم التحكيمي ما يلي‬13 ‫ و‬11 ‫جاء في الفقرتين‬
« … .11“[The] actions of the Province of Tucumán on which the Claimants rely for their position attributing
liability to the Argentine Republic are closely linked to the performance or non-performance of the parties
under the concession contract. The Tribunal concludes, accordingly, that all of the issues relevant to the legal
basis for these claims against [the Republic of Argentina] arose from disputes between Claimants and
Tucumán concerning their performance and nonperformance under the concession contract…
79. Here it is clear that, given the nature of the dispute between Claimants and the Province of Tucumán, it is
not possible for this Tribunal to determine which actions of the Province were taken in exercise of its sovereign
authority and which in the exercise of its rights as a party to the concession contract considering, in particular,
that much of the evidence presented in this case has involved detailed issues of performance and rates under
the concession contract. To make such determinations, the Tribunal would have to undertake a detailed
interpretation and application of the concession contract, a task left by the parties to that contract to the
exclusive jurisdiction of the administrative courts of Tucumán”.

288
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫والبحث عن هذه الخروقات يستوجب القيام بتفسير لبنود العقد‪ ،‬و هو ما خلصت إليه هيئة‬
‫التحكيم الحرة المكلفة بالنظر في دعوى البطالن المقدمة من قبل المستثمر في حكمها‬
‫الصادر بتاريخ ‪ 1‬يوليوز ‪ 1111‬التي قضت ببطالن الحكم التحكيمي الصادر بتاريخ ‪13‬‬
‫نونبر ‪.11111‬‬

‫ويتبين مما سبق أن قضية شركة ‪Vivendi‬تعتبر مثاال حيا للخلط الذي يمكن أن تقع‬
‫فيه هيئة التحكيم بين المطالبات االتفاقية و تلك المبنية على خرق العقد‪ ،‬فاألولى تحدد بناء‬
‫على مصدرها و موضوعها و القانون الواجب التطبيق عليها وطبيعة مسؤولية البلد المضيف‬
‫لالستثمار و التي تختلف تماما عن المطالبات الثانية‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬شمول المسؤولية الدولية للدولة المطالبات العقدية (شرط‬


‫المظلة)‬

‫ال يعتبر التمييز بين المطالبات االتفاقيات و المطالبات العقدية دائما ممكنا‪ ،‬خاصة‬
‫عند تنصيص اتفاقية االستثمار على شرط المظلة (‪ ،)Clause de parapluie‬و هو‬
‫الشرط الذي يستعمل في الغالب من أجل منح حماية إضافية للمستثمر‪ ،‬و بناء على هذا‬
‫الشرط تلتزم الدولة المستقبلة لالستثمار في اتفاقية االستثمار باحترام جميع االلتزامات الناشئة‬
‫عن العقود المبرمة مع المستثمر‪ ،2‬و من ثمة فإن مخالفة الدولة لبنود العقد يرفعها إلى‬
‫مصاف مخالفتها لبنود اتفاقية االستثمار‪ ،‬ويطلق عليها شرط المظلة ألنها تضع االلتزامات‬

‫‪1‬‬
‫جاء في الفقرتين ‪ 311‬و ‪ 315‬من الحكم التحكيمي الصادر بتاريخ ‪ 1‬يوليوز ‪ 1111‬ما يلي‪:‬‬
‫‪.311“In the Committee's view, it is not open to an ICSID tribunal having jurisdiction under a BIT in respect of a‬‬
‫‪claim based upon a substantive provision of that BIT, to dismiss the claim on the ground that it could or should‬‬
‫…‪have been dealt with by a national court‬‬
‫‪105. …[I]t is one thing to exercise contractual jurisdiction (arguably exclusively vested in the administrative‬‬
‫‪tribunals of Tucumán by virtue of the concession contract) and another to take into account the terms of a‬‬
‫‪contract in determining whether there has been a breach of a distinct standard of international law, such as‬‬
‫‪that reflected in Art.3 of the BIT”.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Anthony C. Sinclair : “The Origins of the Umbrella Clause in the International Law of Investment Protection”,‬‬
‫‪20 Arb. Int., (2004), p. 411-434‬‬

‫‪289‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫التعاقدية تحت "مظلة" الحماية التي تمنحها اتفاقية االستثمار للمستثمر و بمقتضى هذه‬
‫الشروط فإن مخالفة العقد تصبح مخالفة التفاقية االستثمار‪.1‬‬

‫ومن جملة هذه الشروط ما تضمنته الفقرة ‪ 3‬من المادة ‪ 31‬من معاهدة ميثاق الطاقة‬
‫(‪ )Traité sur la Charte de l’Énergie‬التي نصت على أنه يتعين على كل دولة‬
‫احترام جميع التزاماتها التعاقدية التي أبرمتها مع المستثمر‪.2‬‬

‫و يثير شرط المظلة مجموعة من النقاشات الناتجة عن موقف هيئات التحكيم من‬
‫تفسيره‪ ،‬فمن جهة‪ ،‬هناك بعض الهيئات التحكيمية التي تعتمد التفسير الضيق ( ‪in dubio‬‬
‫‪ )mitius‬لهذا الشرط‪ ،‬و ذلك بغية تفضيل الدولة عن المستثمر األجنبي‪ ،‬من منطلق أن‬
‫الدولة تتمتع بالسيادة‪ ،3‬و في هذا االطار فقد فسرت هيئة التحكيم في قضية شركة ‪SGS‬‬
‫ضد الباكستان شرط المظلة تفسي ار ضيقا معتبرة أنه يتعين على الجهة المدعية االدالء‬
‫بالتبريرات الواضحة و المقنعة بأن إرادة أطراف اتفاقية االستثمار اتجهت نحو رفع المنازعات‬
‫المتعلقة بالعقد موضوع النزاع إلى مصاف مخالفة االتفاقية‪ ،‬وأن شرط احترام االلتزامات‬
‫الوارد في االتفاقية ال يشير إلى العقود التي أبرمتها الباكستان و بما أن الجهة المدعية لم‬
‫تدل بمبررات واضحة و مقنعة بذلك فإن هيئة التحكيم قضت برفض طلب الشركة المستثمرة‬
‫الرامي إلى النظر في المنازعات المتعلقة بالعقد‪4‬؛‬

‫‪1‬‬
‫‪See Katia Yannaca-Small : « Improving the System of Investor-State Dispute Settlement », OECD Working‬‬
‫‪Papers on International Investment, 2006/01 (OECD Publishing 2006).‬‬
‫‪2‬‬
‫جاء في الفقرة ‪ 3‬من المادة ‪ 31‬من معاهدة ميثاق الطاقة ما يلي‪:‬‬
‫‪« … Chaque partie contractante respecte les obligations qu’elle a contractées vis-à-vis d’un investisseur ou à‬‬
‫‪l’égard des investissements d’un investisseur d’une autre partie contractante ».‬‬
‫‪3‬‬
‫‪M. Petsche : «Restrictive Interpretation of Investment Treaties: A Critical Analysis of Arbitral Case Law »,‬‬
‫‪Journal of International Arbitration, 2020, Volume 37 Issue 1, p. 1 .‬‬
‫‪4‬‬
‫جاء في الفقرتين ‪ 311‬و‪ 311‬من الحكم التحكيمي في االختصاص عن ‪ CIRDI‬في قضية شركة ‪ SGS‬ضد الباكستان بتاريخ ‪ 1‬غشت ‪1111‬‬
‫ما يلي‪:‬‬
‫‪« 166- Firstly, textually, Article 11 falls considerably short of saying what the Claimant asserts it means. The‬‬
‫‪“commitments” the observance of which a Contracting Party is to “constantly guarantee” are not limited to‬‬
‫‪contractual commitments.‬‬ ‫)‪(175‬‬
‫‪The commitments referred to may be embedded in, e.g., the municipal‬‬
‫]‪legislative or administrative or other unilateral measures of a Contracting Party. The phrase “constantly [to‬‬
‫‪guarantee the observance” of some statutory, administrative or contractual commitment simply does not to our‬‬

‫‪290‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ومن جهة أخرى فإن بعض هيئات التحكيم اعتمدت التفسير الموسع لشرط المظلة إذ‬
‫اعتبرت هذا األخير يرفع المخالفات العقدية إلى مصاف المخالفات االتفاقية وحسب هذه‬
‫الهيئة فإنه يتعين التمييز بين احترام الدولة اللتزاماتها وتنفيذها كالعقود المبرمة مع المستثمر‬
‫وبين موضوع ومحتوى هذه االلتزامات فالمسائل المتعلقة بمحتوى هذه االلتزامات تبقى ذات‬
.1‫طبيعة عقدية والتي يجب تسويتها وفقا للقانون الوطني الواجب التطبيق‬

mind, necessarily signal the creation and acceptance of a new international law obligation on the part of the
Contracting Party, where clearly there was none before. Further, the “commitments” subject matter of Article 11
may, without imposing excessive violence on the text itself, be commitments of the State itself as a legal
person, or of any office, entity or subdivision (local government units) or legal representative thereof whose
acts are, under the law on state responsibility, attributable to the State itself. As a matter of textuality therefore,
the scope of Article 11 of the BIT, while consisting in its entirety of only one sentence, appears susceptible of
almost indefinite expansion. The text itself of Article 11 does not purport to state that breaches of contract
alleged by an investor in relation to a contract it has concluded with a State (widely considered to be a matter
of municipal rather than international law) are automatically “elevated” to the level of breaches of international
treaty law. Thus, it appears to us that while the Claimant has sought to spell out the consequences or
inferences it would draw from Article 11, the Article itself does not set forth those consequences.
167.Considering the widely accepted principle with which we started, namely, that under general international
law, a violation of a contract entered into by a State with an investor of another State, is not, by itself, a
violation of international law, and considering further that the legal consequences that the Claimant would have
us attribute to Article 11 of the BIT are so far-reaching in scope, and so automatic and unqualified and
sweeping in their operation, so burdensome in their potential impact upon a Contracting Party, we believe that
clear and convincing evidence must be adduced by the Claimant. Clear and convincing evidence of what?
Clear and convincing evidence that such was indeed the shared intent of the Contracting Parties to the Swiss-
Pakistan Investment Protection Treaty in incorporating Article 11 in the BIT. We do not find such evidence in
the text itself of Article 11. We have not been pointed to any other evidence of the putative common intent of
the Contracting Parties by the Claimant.
1
ARB/02/6 ‫ ضد الفليبين في القضية عدد‬SGS ‫ في قضية شركة‬CIRDI ‫ من الحكم التحكيمي في االختصاص عن‬319 ‫جاء في الفقرة‬
:‫ ما يلي‬،1110 ‫ يناير‬13 ‫بتاريخ‬
« 128. To summarize the Tribunal's conclusions on this point, Article X(2) makes it a breach of the BIT for the
host State to fail to observe binding commitments, including contractual commitments, which it has assumed
with regard to specific investments. But it does not convert the issue of the extent or content of such
obligations into an issue of international law. That issue (in the present case, the issue of how much is payable
for services provided under the CISS Agreement) is still governed by the investment agreement. In the
absence of other factors it could be decided by a tribunal constituted pursuant to Article VIII(2). The proper law
of the CISS Agreement is the law of the Philippines, which in any event this Tribunal is directed to apply by
Article 42(1) of the ICSID Convention. On the other hand, if some other court or tribunal has exclusive
jurisdiction over the Agreement, the position may be different. »

291
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المطلب الثاني‪ :‬تعدد المساطر القضائية عند البحث عن المسؤولية الدولية‬


‫للدولة‬

‫يتولد عن تعدد الجهات المختصة للنظر في المنازعات الناتجة عن مخالفة الدولة لبنود‬
‫اتفاقية االستثمار وضعيات متناقضة ومتضاربة بين هذه الجهات القضائية‪ ،1‬مما ينعكس‬
‫سلبا على الدولة مستقبلة االستثمار‪ ،‬وبالتالي تشكل مخاطر عليها‪ ،‬األمر يتطلب البحث عن‬
‫اآلليات الكفيلة بتجاوز هذه الصعوبات‪.‬‬

‫ولتجنب هذه المخاطر حاولت مجموعة من االتفاقيات الدولية لالستثمار معالجة هذه‬
‫المسألة وذلك من خالل التنصيص على أن للجهة المدعية االختيار بين اللجوء إلى المحاكم‬
‫القضائية أو التحكيم الدولي‪ ،‬أو التنازل عن جميع الطلبات أمام أيه جهة كيفما كانت‪ ،‬كشرط‬
‫أولي‪ ،‬قبل اللجوء إلى التحكيم الدولي‪ ،‬غير أن هذه المقتضيات لم تستطع تفادي وتجاوز‬
‫هذه المخاطر المتمثلة في تعدد المساطر القضائية لكونها لم تميز بين ما إذا كان األمر‬
‫يتعلق بالمطالبات المبنية على االتفاقية أو تلك المبنية على العقد‪.‬‬

‫ونذكر من بين الشروط الواردة في اتفاقيات االستثمار‪ ،‬سواء الثنائية أو الجماعية‪،‬‬


‫شرط " ‪ 2"fork-in-the-road clause‬أو ما أطلقنا عليه باسم "شرط الشوكة" والذي‬
‫‪1‬‬
‫‪Ben Hamida Walid : « L'arbitrage Etat-investisseur face à un désordre procédural : la concurrence des‬‬
‫‪procédures et les conflits de juridictions », Annuaire Français de Droit International, volume 51, 2005. P., 564.‬‬
‫‪2‬‬
‫من بين شروط" ‪ "fork-in-the-road clause‬الواردة في اتفاقية االستثمار‪ ،‬نذكر على سبيل المثال ما يلي‪:‬‬
‫الفقرة الثانية من المادة ‪ 9‬من اتفاقية االستثمار المبرمة بين فرنسا واألرجنتين المؤرخة في‪ 1‬يوليوز ‪ ،3333‬التي جاء فيها ما يلي‪:‬‬
‫‪« 1 Tout différend relatif aux investissements, au sens du présent Accord, entre l’une des Parties‬‬
‫‪contractantes et un investisseur de l’autre Partie contractante est, autant que possible, réglé à l’amiable entre‬‬
‫‪les deux Parties concernées.‬‬
‫‪2. Si le différend n’a pu être réglé dans un délai de six mois à partir du moment où il a été soulevé par l’une‬‬
‫‪ou l’autre des Parties concernées, il et soumis, à la demande de l’investisseur :‬‬
‫; ‪- soit aux juridictions nationales de la Partie contractante impliquée dans le différend‬‬
‫‪- soit à l’arbitrage international, dans les conditions décrites au paragraphe 3 ci-dessous.‬‬
‫‪Une fois qu’un investisseur a soumis le différend soit aux juridictions de la Partie contractante concernée, soit‬‬
‫» ‪à l’arbitrage international, le choix de l’une ou de l’autre de ces procédures reste définitif.‬‬
‫المادة ‪ 3313‬من اتفاقية ‪ ELENA‬التي جاء فيها ما يلي‪:‬‬
‫‪"1. Un investisseur contestant pourra soumettre une allégation à l'arbitrage, aux termes de l'article 1116,‬‬
‫‪uniquement si:‬‬

‫‪292‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫يعرف كذلك بمبدأ (‪ ،)Electa una via‬و ينص هذا البند على أنه بمجرد قيام المستثمر‬
‫بعرض النزاع أمام المحاكم الوطنية فإنه ال يمكن له اللجوء إلى التحكيم الدولي‪ ،‬و العكس‬
‫كذلك صحيح‪ ،‬و من ثمة فإن اختيار الجهة القضائية للنظر في النزاع يجب أن يكون نهائيا‬
‫و ال يمكن للمستثمر بعد استنفاد االختيار األول اللجوء إلى االختيار الثاني‪.‬‬

‫والهدف من هذا الشرط هو تفادي وتجنب حاالت عدم القدرة على التنبؤ التي يمكن أن‬
‫تترتب عن نظام حل النزاعات‪ ،‬باإلضافة إلى هذا الشرط جاء تفعيال لمبدأ عدم جواز‬
‫المحاكمة على ذات الجرم مرتين (‪ ،)Ne bis in idem‬وما يترتب عن ذلك من صدور‬
‫أحكام متناقضة بخصوص نفس المسألة وبين نفس األطراف‪.‬‬

‫وتفعيال لهذا الشرط فإن هيئات التحكيم تعتمد على بعض المؤشرات التي تمكنها من‬
‫معرفة ما إذا كان المستثمر قد قام باختيار نهائي وملزم للمحكمة‪ ،‬من جملتها أن تكون‬
‫اإلجراءات قد اتخذت أمام المحاكم الوطنية و ليس مجرد تدابير إدارية(‪ ،)1‬و أن تكون هذه‬
‫التدابير قد اتخذت قبل تقديم طلب التحكيم‪ ،‬و أن تتعلق هذه اإلجراءات بنفس سبب الدعوى‬
‫والموضوع و بين نفس األطراف‪ ،‬و بالتالي فإذا كان المستثمر يريد تقديم مطالبة تحكيمية‬
‫بناء على خرق اتفاقية االستثمار‪ ،‬فلن يتم استبعاد هذه المطالبة بموجب الشرط إال إذا كانت‬
‫المساطر الداخلية تتعلق أيضا بانتهاك مزعوم لحق ُمنح للمستثمر في ذات اتفاقية‬
‫االستثمار‪ ،‬كما يجب أن تكون الدولة أيضا هي الجهة المدعى عليه أمام المحاكم الوطنية‪.‬‬

‫ومما سبق‪ ،‬وعلى الرغم من أن االتفاقيات الدولية من خالل الشرط المتحدث عنه‬
‫تحاول تفادي لجوء المستثمر إلى أكثر من جهة قضائية غير أن هذه المقتضيات تعد غير‬

‫‪a) l'investisseur consent à l'arbitrage conformément aux modalités établies dans le présent accord; et si‬‬
‫‪b) l'investisseur et une entreprise d'une autre Partie qui est une personne morale que l'investisseur détient ou‬‬
‫‪contrôle directement ou indirectement renoncent à leur droit d'engager ou de poursuivre, devant une juridiction‬‬
‫‪judiciaire ou administrative aux termes du droit d'une Partie, des procédures se rapportant à la mesure de la‬‬
‫‪Partie contestante que l'on allègue constituer une violation mentionnée à l'article 1116, à l'exception d'une‬‬
‫‪procédure d'injonction, d'une procédure déclaratoire ou d'un autre recours extraordinaire, ne supposant pas le‬‬
‫‪paiement de dommages-intérêts, entrepris devant une juridiction administrative ou judiciaire aux termes du‬‬
‫» ‪droit de la Partie contestante.‬‬
‫‪1‬‬
‫الحكم التحكيمي الصادر عن ‪ CIRDI‬في القضية عدد ‪ ARB/16/6‬بتاريخ ‪ 11‬غشت ‪ 1133‬في قضية شركة ‪ Glencore‬ضد كولومبيا‬
‫( ‪)Chronique des sentences arbitrales, B. Remy, JDI n°1, janvier 2020, chron, 1‬‬

‫‪293‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫كافية و مبهمة إذ لم تحدد ما إذا كان األمر يتعلق بالمطالبات االتفاقية أو جميع الدعاوى‬
‫المتعلقة بالنزاع أي كان مصدره‪ ،‬و بعبارة أخرى هل المقتضيات المتعلقة باختيار المحكمة‬
‫تطبق فقط على المطالبات المبنية على خرق االتفاقية أم يجب االختيار النهائي و بدون‬
‫رجعة بين المطالبات المبنية على خرق االتفاقية وتلك المبنية على خرق العقد؟‬

‫وبالرجوع إلى المادة ‪ 9‬من اتفاقية االستثمار المبرمة بين فرنسا واالرجنتين يتضح أن‬
‫المستثمر ملزم باالختيار بين المحاكم الوطنية أو التحكيم الدولي بالنسبة ل "جميع النزاعات‬
‫المرتبطة باالستثمار"‪ ،‬مما يفيد أن المستثمر ال يمكنه اللجوء إلى محاكم مختلفة من أجل‬
‫النظر سواء في الدعاوى المرتبطة باالتفاقية أو تلك المرتبطة بالعقد والناتجة عن نفس النزاع‬
‫المرتبط باالستثمار‪.‬‬

‫أما فيما يتعلق بالمادة ‪ 3313‬من اتفاقية ‪ALENA‬التي اشترطت قبل اللجوء إلى‬
‫التحكيم الدولي تنازل المدعي عن اللجوء إلى المحاكم الوطنية‪ ،‬تفاديا الزدواجية الدعاوى‬
‫المق دمة أمام محاكم مختلفة للنظر في ذات النزاع‪ ،‬فإن بعض محاكم التحكيم‪ ،‬في تفسيرها‬
‫لهذه المادة‪ ،‬اعتبرت أنه ال يمكن للجهة المدعية تقديم‪ ،‬في ذات الوقت‪ ،‬دعاوى لها نفس‬
‫المصدر مما قد يترتب عنه بعض المخاطر المتمثلة في استفادة المدعي من امتياز مزدوج‬
‫و هو نفس التبرير الذي اعتمدته الهيئة التحكيمية‪ ،‬الموكول‬ ‫‪1‬‬
‫بخصوص التعويض و الفوائد‬
‫لها النظر في النزاع الذي كان قائما بين شركة ‪Wast Management‬والمكسيك‪ ،2‬لما‬
‫استبعدت مطالب الجهة المدعية المرتكزة على كون مقتضيات المادة المشار إليها أعاله ال‬
‫تطبق على الدعاوى المقدمة أمام المحاكم المكسيكية بالنسبة للمطالب المرتكزة على خرق‬
‫المكسيك للحقوق المرتبطة بالقانون الوطني‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬موضوع مسؤولية الدولة عند خراها التفاقية االستثمار‬

‫يترتب عن مخالفة الدولة اللتزاماتها المحددة في اتفاقية االستثمار قيام مسؤوليتها‬


‫الدولية‪ ،‬وموضوع هذه المسؤولية يتحدد في مجموعة من الحقوق المحصورة في اتفاقية‬

‫‪1‬‬
‫‪- 15 ICSID Review-Foreign Investment Law Journal 214 (2000) at pp.235–236.‬‬
‫‪ -2‬الحكم التحكيمي الصادر عن ‪ CIRDI‬بتاريخ ‪ 1‬يونيو ‪ 1111‬في القضية عدد ‪.ARB/98/2‬‬

‫‪294‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫االستثمار (المطلب األول) مما يمكن المستثمر من اللجوء إلى الهيئات المختصة للمطالبة‬
‫بالتعويض وفق المراحل المحددة في اتفاقية االستثمار (المطلب الثاني)‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬الحقوق المطالب لها عند قيام المسؤولية الدولية للدولة‬
‫قبل تحديد المستثمر للحقوق المطالب بها عند خرق الدولة لبنود اتفاقية االستثمار‬
‫(الفقرة الثانية) يتعين عليه اثبات أن العملية االقتصادية موضوع النزاع تعتبر استثما ار وفقا‬
‫لمضامين هذه االتفاقية‪ ،‬األمر الذي يستوجب البحث عن مفهوم االستثمار (الفقرة األولى)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬مفهوم االستثمار‬


‫تضع االتفاقيات الثنائية لالستثمار اإلطار القانوني لتدبير العمليات االستثمارية‪ ،‬بما‬
‫فيه تعريف العملية االستثمارية وبالتالي تحديد طبيعة العمليات االقتصادية التي تدخل في‬
‫نطاق حماية اتفاقيات االستثمار وكذا مجال االختصاص النوعي للهيئة التحكيمية‬
‫(‪.)Compétence ratione materiae‬‬

‫وإذا كانت اتفاقيات االستثمار وضعت تعريفا شامال و عاما لالستثمار و ذلك من‬
‫خالل وضع الئحة غير حصرية لالستثمارات فإنها اختلفت في تحديد عناصره‪ ،1‬و مرد هذا‬
‫االختالف سكوت اتفاقية واشنطن في هذا الخصوص و عدم وضعها لتعريف لالستثمار‪ 2‬إذ‬
‫حصرت الفقرة األولى ‪ 3‬من المادة ‪ 15‬من االتفاقية المذكورة مجال اختصاص ‪ CIRDI‬في‬
‫كل "المنازعات ذات الطابع القانوني الناشئة مباشرة عن االستثمار"‪ ،3‬ليتضح و بالرجوع إلى‬

‫‪1‬‬
‫‪D. Carreau : « Répertoire de droit international, Investissements », Dalloz 2020, § 87.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪C. LEBEN : « Répertoire de droit international, Compétence CIRDI » Dallaz 2020, § 59.‬‬
‫‪3‬جاء في الفقرة ‪ 3‬من المادة ‪ 15‬من اتفاقية واشنطن ما يلي‪:‬‬
‫‪(1) La compétence du Centre s’étend aux différends d’ordre juridique entre un Etat contractant (ou telle‬‬
‫‪collectivité publique ou tel organisme dépendant de lui qu’il désigne au Centre) et le ressortissant d’un autre‬‬
‫‪Etat contractant qui sont en relation directe avec un investissement et que les parties ont consenti par écrit à‬‬
‫‪soumettre au Centre.‬‬
‫‪Lorsque les parties ont donné leur consentement, aucune d’elles ne peut le retirer unilatéralement‬‬

‫‪295‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫تاريخ صياغة االتفاقية المذكورة فإنه و باستثناء المعامالت التجارية العادية‪ ،‬فإن المادة ‪15‬‬
‫تشمل تقريبا جميع المجالت ذات النشاط االقتصادي‪.1‬‬

‫و في ظل غياب تعريف اتفاقي لالستثمار فإن محاكم التحكيم بما فيها المؤسسة وفقا‬
‫لنظام‪ CIRDI‬اختلفت بل تضاربت حول مفهوم االستثمار‪ ،‬معتمدة في ذلك على اتجاهين‪،‬‬
‫االتجاه األول تبنى المعيار الموضوعي أو المستقل)‪ )3( (critère objectif‬بينما االتجاه‬
‫الثاني تبنى المعيار الشخصي أو االتفاقي (‪.)1()Critère subjectif‬‬

‫‪ -3‬المعيار الموضوعي‬
‫تبنت مجموعة من هيئات التحكيم المعيار الموضوعي في تحديد مفهوم االستثمار‪،‬‬
‫وهو المعيار الذي يقوم على أساس البحث في مضمون وموضوع العملية االقتصادية‬
‫موضوع النزاع و ذلك من خالل توفر مجموعة من العناصر الموضوعية التي تفيد‬
‫"االستثمار"‪ ،‬و هو ذات المعيار الذي تبناه متصرفي البنك الدولي ( ‪Les‬‬
‫‪.2) administrateurs de la Banque Mondiale‬‬

‫ومن بين الق اررات التحكيمية التي تبنت المعيار الموضوعي‪ ،‬القرار الصادر بتاريخ ‪31‬‬
‫فبراير ‪ 3333‬في قضية شركة ‪ Antoine Goetz‬ضد جمهورية بروندي‪ ،‬والقرار الصادر‬
‫بتاريخ ‪ 31‬أبريل ‪ 1111‬في قضية شركة ‪Middle East Shipping and Handling‬‬
‫ضد الدولة المصرية‪.‬‬

‫غير أن معالم مفهوم االستثمار بدأت تتجلى‪ ،‬ابتداء من سنة ‪ 1113‬بمناسبة صدور‬
‫حكم تحكيمي في االختصاص (‪ )Décision sur la compétence‬في قضية شركة‬

‫‪1‬‬
‫‪Christoph Schreuer : « Commentary on the ICSID Convention », 11 ICSID Review–Foreign Investment Law‬‬
‫‪Journal 318 (1996) p. 358.‬‬
‫‪2‬جاء في الفقرة ‪ 11‬من التقرير الصادر عن متصرفي البنك الدولي ما يلي‪:‬‬
‫‪« Il n’a pas été jugé nécessaire de définir le terme « investissement », compte tenu du fait que le‬‬
‫‪consentement des parties constitue une condition essentielle et compte tenu du mécanisme par lequel les‬‬
‫‪Etats contractants peuvent, s’ils désirent, indiquer à l’avance les catégories de différends qu’ils seraient ou ne‬‬
‫» ))‪seraient pas prêts à soumettre au Centre (article 25(4‬‬

‫‪296‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫"ساليني" ضد الدولة المغربية بتاريخ ‪31‬يوليو‪ 11113‬إذ حددت هيئة التحكيم العملية‬
‫االستثمار عند توفر أربعة عناصر موضوعية‪ ،‬و هي كالتالي‪:‬‬

‫‪ .I‬حصص المستثمر (‪)Les apports de l’investisseur‬؛‬


‫‪ .II‬مدة تنفيذ االستثمار(‪)Une certaine durée d’exécution‬؛‬
‫‪ .III‬المساهمة في مخاطر العملية ‪(Participation aux risques de‬‬
‫)‪l’opération‬؛‬
‫‪ .IV‬المساهمة في التنمية االقتصادية للدولة المضيفة لالستثمار ( ‪La‬‬
‫‪contribution au développement économique de l’Etat d’accueil‬‬
‫‪.)de l’investissement‬‬

‫و قد تباينت محاكم التحكيم في األخذ بهذه المعايير‪ ،‬فمنها من اعتمدها في مجملها‪ ،‬و‬
‫نذكر من بينها الحكم الصادر في قضية شركة ‪ Bayindir‬ضد باكستان بتاريخ ‪ 35‬نونبر‬
‫‪ 1115‬و الحكم الصادر في قضية شركة ‪ Jan de Nul‬ضد مصر بتاريخ ‪ 31‬يونيو‬
‫‪ 1111‬و الحكم في االختصاص الصادر بتاريخ ‪ 3‬نونبر ‪ 1111‬في قضية ‪Patrick‬‬
‫‪ Mitchell‬والكونغو الديمقراطية والمقرر التحكيمي الصادر بتاريخ ‪ 31‬ماي ‪ 1111‬في‬
‫قضية ‪ MHS‬ضد ماليزيا و القرار الصادر بتاريخ ‪ 13‬يونيو ‪ 1111‬في قضية ‪Power‬‬
‫‪ Group L C‬ضد االكوادور‪ ،2‬و الحكم الصادر في قضية شركة ‪ Noble energy‬ضد‬
‫االكوادور بتاريخ ‪ 5‬مارس ‪ ،1119‬في حين أخذ البعض اآلخر بالعناصر الثالثة األولى‪،‬‬
‫من بينها الحكم التحكيمي الصادر سنة ‪ 1111‬في قضية ‪ LESI‬ضد دولة الجزائر إذ‬
‫استبعدت هيئة التحكيم العنصر المرتبط بالمساهمة في التنمية االقتصادية في البلد المضيف‬

‫‪1‬‬
‫‪Emmanuel Gaillard : « La jurisprudence du CIRDI », Volume I, Editions A. Pedone Paris, Edition Alpha‬‬
‫‪Beyrouth, 2011, p. 621.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Walid Ben Hamida : « La notion d’investissement : la notion maudite du système CIRDI ? », Gazette du‬‬
‫‪Palais, 15 novembre 2007, n° 349, p.33 (.‬‬

‫‪297‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫و كذلك الحكم التحكيمي الصادر بتاريخ ‪ 30‬يوليوز ‪ 1131‬في‬ ‫‪1‬‬


‫لالستثمار لصعوبة اثباته‬
‫قضية شركة ‪ Saba Fakes‬ضد تركيا‪.2‬‬

‫و قد صدرت مؤخ ار أحكام تحكيمية عن المركز المذكور اشترطت في االستثمار أن‬


‫يكون مشروعا و قانونيا‪ ،‬و بالتالي فإن العملية االستثمارية حتى تخضع لحماية اتفاقية‬
‫االستثمار يجب أن تتوفر فيها باإلضافة إلى العناصر السابقة عنصري احترام القانون و‬
‫التشريعات الداخلية للبلد المضيف ثم أن تتم هذه العملية بحسن نية‪ ،‬و من بين األحكام‬
‫التحكيمية الصادرة في هذا الخصوص الحكم الصادر بتاريخ ‪ 35‬أبريل ‪ 1113‬في قضية‬
‫شركة ‪ Phoenix Action‬ضد جمهورية التشيك‪.3‬‬

‫و يت ضح من خالل استقراء الحكم األخير فإن "االستثمار" حتى يصبح مشروعا‬


‫ويتمتع‪ ،‬بالتالي‪ ،‬بحماية الدولة المستقبلة له‪ ،‬يجب أن ينفذ وفق القوانين و التشريعات‬
‫الوطنية المتعلقة بهذا االستثمار‪ 4‬وبحسن نية‪ ،‬و قد اعتبرت هيئة التحكيم أنه ال يمكن قراءة‬
‫وتفسير القانون الدولي لالستثمار بمعزل عن القانون الدولي العام و مبادئه العامة‪ ،‬وبنت‬
‫تحديدها لمفهوم االستثمار طبقا التفاقية واشنطن و اتفاقية االستثمار على مبادئ القانون‬
‫الدولي‪ ،‬كما اعتبرت أن االستثمارات "الشرعية" أو "القانونية" هي التي يمكن أن تستفيد من‬
‫الحماية الدولية المخولة بمقتضى اتفاقية واشنطن‪ ،5‬و من ثمة فإنه يتعين أن تستجيب‬

‫‪1‬‬
‫‪Affaire LESI SPA et Astaldi SPA c. Algérie, dossier CIRDI n° ARB/05/3, ordonnance de compétence datée‬‬
‫‪de 12 juillet 2006, par. 72.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Affaire Saba Fakes c. Turkie, CIRDI dossier n° ARB/07/20, sentence datée de 14 juillet 2010, par. 110-‬‬
‫‪114.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Emmanuel Gaillard : « La jurisprudence du CIRDI », Volume I, Editions A. Pedone Paris, Edition Alpha‬‬
‫‪Beyrouth, 2011, p. 621‬‬
‫‪4‬‬
‫جاء في القفرة ‪ 333‬من الحكم التحكيمي ما يلي‪:‬‬
‫‪"it would run counter to the object and purpose of investment protection treaties to deny substantive protection‬‬
‫‪to those investments that would violate domestic laws that are unrelated to the very nature of investment‬‬
‫‪regulation".‬‬
‫‪5‬‬
‫(النقطة ‪ 311‬من القرار التحكيمي)‪( :‬طبقا للترجمة إلى اللغة الفرنسية الواردة في المرجع السابق)‬
‫‪« Le but du mécanisme international de protection des investissements par l’arbitrage CIRDI ne peut être de‬‬
‫‪protéger les investissements effectués en violation des lois de l’Etat d’accueil ou les investissements qui ne‬‬
‫‪sont pas réalisés de bonne foi, obtenus par exemple à la suite de fausses représentations, dissimulations ou‬‬

‫‪298‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫للبلد المضيف‬ ‫العملية االقتصادية موضوع النزاع إلى مقتضيات القانون الداخلي‬
emo " ‫ و هذا الشرط يتماشى و المقولـة القديـمة‬،)Condition de la légalité interne(
‫ التي تفيد أنه ال يمكن ألي شخص‬،1"auditur propriam turpitudinem alleagans
‫ كما أن هذا الشرط يحيلنا على نظرية في‬،‫أن يستفيد من دناءته من أجل اللجوء إلى القضاء‬
.2‫القانون الدولي و هي "نظرية األيادي النظيفة" كشرط لقبول المطالبات الدولية‬

،‫أما بخصوص الشرط الثاني المتمثل في ضرورة القيام بالعملية االقتصادية بحسن نية‬
‫ من القرار) أنه ال‬311 ‫ النقطة‬Phoenix) ‫فقد اعتبرت ذات محكمة التحكيم في قضية‬
‫ بالنسبة‬CIRDI ‫يمكن اعتبار الدول خاضعة لنظام تسوية المنازعات المعتمد من قبل‬
.3‫لالستثمارات التي لم تنجز بحسن نية‬

‫وأضافت هيئة التحكيم أن االستثمارات المنجزة طبقا للمبدأ الوارد في القانون الدولي‬
‫المتمثل في حسن نية هي التي يمكن أن تستفيد من نظام حماية االستثمارات الدولية المعتمد‬
.4CIRDI ‫من قبل‬

‫ ضد‬Hamster ‫و في نفس السياق نورد الحكم التحكيمي الصادر في قضية شركة‬


،‫ عندما قضت هيئة التحكيم برفض طلب الجهة الطالبة‬،5)ARB/07/24 ‫غانا (ملف عدد‬

par corruption ou s’analysant en un abus de système d’arbitrage international CIRDI. En d’autres termes, le
but de la protection internationale est de protéger les investissements légaux et réalisés de bonne foi ».
1
Adages du droit français, l’Hermes, 1986, p.579.
2
Des « mains propres » comme condition de recevabilité des réclamations internationales, Jean Salmon,
AFDI, vol. 10 1964, 225
3
:‫ من حكم التحكيم ما يلي‬311 ‫جاء في النقطة‬
« Les Etats ne peuvent pas être considérés comme offrant l’accès au système des différends du CIRDI aux
investissements qui ne sont pas réalisés de bonne foi, la protection de l’arbitrage international des
investissements ne peut être accordée si une telle protection est contraire aux principes généraux du droit
international, au rang desquels le principe de bonne foi est de première importance ».
:‫ من الحكم التحكيمي ما يلي‬331 ‫جاء في الفقرة‬4
« Le tribunal doit éviter l’utilisation abusive du système de protection des investissements internationaux en
application de la convention CIRDI en s’assurant que seuls les investissements réalisés en conformité avec le
principe international de bonne foi et qui ne tentent pas de faire un mauvais usage du système, sont
protégés ».
5
S. Manciaux : « Chroniques des sentences arbitrales », JDI, n°2, avril 2011, chron.5.

299
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫لعلة أن المستثمر خالف القوانين الخاصة بدولة غانا‪ ،‬المتعلقة بالقانون الجنائي و قانون‬
‫الشركات‪ ،‬و اعتبرت أن االستثمار غير شرعي‪ ،‬و بالتالي ال يمكنه االستفادة من الحماية‬
‫المنصوص عليها في اتفاقية االستثمار‪.1‬‬

‫هذا ومما تجدر اإلشارة إليه أن اتفاقية االستثمار المبرمة بين المغرب والسويد‪،‬‬
‫اشترطت لصحة االستثمار أن يكون مطابقا للقانون الوطني للبلد المستضيف له‪ ،‬إذ جاء في‬
‫الفقرة الثالثة من المادة األولى ما يلي‪:‬‬

‫" ويجب أن تتم هذه االستثمارات وفقا لقوانين وأنظمة البلد المضيف"‬

‫‪ -2‬المعيار الشخصي‬
‫يتوقف تحديد مفهوم االستثمار‪ ،‬حسب المعيار الشخصي‪ ،‬على ما اتفق عليه األطراف‬
‫في االتفاقية الدولية لالستثمار ‪ ،TBI‬ومن ثمة فإن اختصاص المركز ينعقد بمجرد ما يتفق‬
‫األطراف على اللجوء إلى التحكيم‪ ،‬صراحة أو ضمنيا‪ ،‬سواء في العقد أو في اتفاقية‬
‫االستثمار أو في القانون الوطني المتعلق باالستثمار‪ ،‬وبمقتضى هذا االتفاق يعتبر أطراف‬
‫أن العملية موضوع النزاع تشكل استثمارا‪.‬‬

‫وفي هذا اإلطار نستحضر القرار الصادر عن محكمة التحكيم في قضية شركة‬
‫‪ Biwater‬ضد دولة تانزانيا التي اعتبرت أنه ليس هناك ما يلزم التقيد بالمعايير الخمسة‬
‫المعتمدة في قضية ‪ ،Salini‬وأن هذه المعايير غير قارة وغير ملزمة وال وجود لها في اتفاقية‬
‫واشنطن‪.2‬‬

‫كما اعتبرت الهيئة التحكيمية في قضية شركة ‪ Biwater‬أن المعايير المعتمدة في‬
‫قضية ‪ Salini‬تثير مجموعة من اإلشكاالت إذ يجب العتبار عملية ما بمثابة استثمار و‬
‫بالتالي تدخل في نطاق اختصاص ‪ CIRDI‬أن تتضمن هذه المعايير‪ ،‬ما من شأنه أن يبعد‬
‫بطريقة "تعسفية" بعض المنازعات من اختصاص المركز المذكور‪ ،‬كما من شأن ذلك وضع‬

‫‪1‬‬
‫الفقرات ‪311‬و ‪ 313‬و ‪ 311‬من حكم التحكيم‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Affaire société Biwater Gauff c. Tanzanie, dossier CIRDI n° ARB/05/22, sentence de 24 juillet 2008, par.‬‬
‫‪312-314.‬‬

‫‪300‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫تعاريف لالستثمار في مخالفة لما تم االتفاق بين األطراف‪ ،‬فمن غير المفهوم أن مجموعة‬
‫من االتفاقيات الدولية الثنائية وضعت تعريفا لالستثمار أكثر شمولية من التعريف الممنوح‬
‫في قضية ‪ Salini‬و أن يتم قراءة تعريف االستثمار في اتفاقية واشنطن بشكل ضيق‬
‫ومحصور‪.‬‬

‫و قد تم تأييد هذا الموقف من قبل لجنة الطعن التابعة ل ‪ CIRDI‬سنة ‪ 1113‬في‬


‫قضية شركة ‪ Historical Salvors‬ضد دولة ماليزيا‪ ،1‬أما هيئة التحكيم في القرار الصادر‬
‫عنها بتاريخ ‪ 0‬غشت ‪ 1133‬في قضية شركة ‪ Abaclat‬ضد دولة األرجنتين فقد اعتبرت أن‬
‫المعايير المحددة من قبل هيئة التحكيم في قضية ساليني لم يتم التنصيص عليها في اتفاقية‬
‫واشنطن‪ ،‬وبالتالي فإنها ال ترى أي مصلحة في األخذ بهذه المعايير والتي ال يجب اعتمادها‬
‫من أجل حصر مفهوم االستثمار‪ ،‬و هو ما لم يحدده ال اتفاقية واشنطن و ال األطراف‬
‫المتعاقدة في االتفاقية الثنائية لالستثمار‪.2‬‬

‫ويتبين مما سبق أن بعض هيئات التحكيم استبعدت المعايير المعتمدة في قضية‬
‫‪ Salini‬من أجل تحديد مفهوم االستثمار وبالتالي استبعاد المعيار الموضوعي وفضلت‬
‫االعتماد على التعريف الوارد في االتفاقية الدولية لالستثمار المطبقة في النزاع‪.‬‬

‫وفي األخير‪ ،‬وأمام عدم وجود تعريف اتفاقي لالستثمار و تضارب هيئات التحكيم في‬
‫تحديده فإنه يقع على عاتق الجهة المدعية عبء اثبات عملية ما بمثابة استثمار‪ ،‬وبالتالي‬
‫انعقاد اختصاص هيئة التحكيم‪.3‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬موضوع حقوق المستثمر في اتفاقية االستثمار‬

‫يختلف تحكيم االستثمار عن التحكيم التجاري الدولي التقليدي بشكل كبير‪ ،‬لكون األول‬
‫يرتكز على اتفاقيات االستثمار المبرمة بين الدول‪ ،‬ثنائية كانت أو جماعية‪ ،‬أكثر من ارتكازه‬
‫‪1‬‬
‫‪Affaire société Malaysian Historical c. Malaysie, dossier CIRDI n° ARB/05/10, décision datée de 16 avril‬‬
‫‪2009, par. 79.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Affaire société Abaclat and others c.Argentine, dossier CIRDI n° ARB/07/5, décision datée de 4 aout 2011,‬‬
‫‪par. 364.‬‬
‫‪3‬‬
‫الحكم التحكيمي الصادر عن ‪ CIRDI‬بتاريخ ‪ 30‬يوليوز ‪ 1111‬في قضية شركة ‪ Azurix‬ضد األرجنتين‬

‫‪301‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫على العقود الخاصة كما هو الحال في التحكيم التجاري الدولي‪ ،‬وهذا االرتكاز االتفاقي‬
‫(اتفاقية االستثمار) ومشاركة الدولة كطرف أساسي فيه يجعل من القانون الدولي العام اللبنة‬
‫األساسية في تحكيم االستثمار‪.‬‬

‫وانطالقا من كون اتفاقيات االستثمار تهدف إلى حماية وتشجيع االستثمار فإنها تضمن‬
‫للمستثمر مجموعة من الحقوق التي تلتزم الدولة المستضيفة الستثماره باحترامها‪ ،‬وتضمن‬
‫هذه الحقوق للمستثمر المعاملة الفضلى والمثلى الستثماره ورفع جميع الصعوبات القانونية‬
‫والسياسية التي من شأنها عرقلة تدفق االستثمارات أو تعريضها للخطر‪ ،‬غير أن تحديد هذه‬
‫الحقوق وحصرها يرتبط بالمصطلحات المستعملة في اتفاقيات االستثمار‪ ،‬التي يختلف شكلها‬
‫من اتفاقية إلى أخرى‪.‬‬

‫و من خالل االطالع على اتفاقيات االستثمار الدولية‪ ،‬فإن هذه الحقوق محددة و‬
‫محصورة‪ ،‬و التي تشكل من الناحية العملية أساس المطالبات المقدمة من قبل المستثمر في‬
‫مواجهة الدولة‪ ،‬كما أن االجتهادات التحكيمية في تطور مستمر فيما يتعلق بالتوسع في‬
‫مضمون الحقوق المستمدة من اتفاقية االستثمار‪.‬‬

‫و تتحدد معظم حقوق المستثمر المستمدة من اتفاقيات االستثمار فيما يلي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬الحق في المعاملة األكثر أفضلية ‪(Le droit au traitement de la‬‬


‫)‪ nation la plus favorisée‬والحق في المعاملة الوطنية ( ‪Le droit au‬‬
‫‪)traitement national‬‬

‫نصت االتفاقيات الدولية لالستثمار على الحق في المعاملة األكثر أفضلية و الحق في‬
‫المعاملة الوطنية‪ ،‬غير أن هناك بعض االتفاقيات التي ضمنتهما في شرط واحد‪ ،‬كما هو‬
‫الحال في بعض االتفاقيات المبرمة من قبل المغرب كاالتفاقية المبرمة مع إيطاليا‪1‬و االتفاقية‬

‫‪1‬جاء في المادة ‪ 1‬المعنونة ب شرط الدولة األكثر رعاية والمعاملة الوطنية من االتفاقية المبرمة بين المغرب و إيطاليا المؤرخة في ‪ 11‬سبتمبر‬
‫‪( 3331‬ج‪.‬ر عدد ‪ 0939‬بتاريخ ‪ 1‬غشت ‪ 1111‬ص ‪ ،)1319‬ما يلي‪:‬‬
‫"‪ -3‬على كل طرف متعاقد أن يمنح فوق اقليمه استثمارات وعائدات المستثمرين من الطرف المتعاقد اآلخر معاملة ال تقل عن تلك التي يمنحها‬
‫الستثمارات و عائدات المستثمرين التابعبن له و الستثمارات و عائدات المستثمرين التابعين ألي دولة ثالثة‪.‬‬

‫‪302‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المبرمة مع السويد‪ 1‬في حين هناك اتفاقيات أخرى نصت على كل حق من هاذين في بند‬
‫مستقل‪.‬‬

‫ونظ ار لالختالف بين هاذين الحقين سنقوم بعرض كل حق على حدى‪ ،‬و ذلك وفق‬
‫الشكل التالي‪:‬‬

‫أ‪ -‬الحق في المعاملة الوطنية‬

‫يقوم هذا الحق على أساس عدم تمييز الدولة المستقبلة لالستثمار بين المستثمرين بناء‬
‫على الجنسية‪ ،‬ويقوم هذا الحق على أساس التزام الدولة المستضيفة الستثماره بمنح المستثمر‬
‫األجنبي نفس المعاملة التي يستفيد منها مستثمري هذه الدولة‪ ،‬وهذا االلتزام يمنح المستثمر‬
‫األجنبي حماية ضد بعض التصرفات التي من شأنها وضع المستثمر األجنبي في وضعية‬
‫تنافسية أقل بالمقارنة من المستثمر الوطني‪.‬‬

‫‪ -1‬على كل طرف متعاقد أن يمنح فوق إقليمه لمستثمري الطرف المتعاقد اآلخر فيما يخص اإلدارة‪ ،‬والصيانة واالنتفاع‪ ،‬والتمتع أو التصرف في‬
‫استثماراتهم‪ ،‬معاملة ال تقل رقاية عن تلك التي يمنحها للمستثمرين التابعين له أو للمستثمرين التابعين لدولة ثالثة‪.‬‬
‫‪ -1‬ال يجوز لمستثمري الطرفين المتعاقدين االستفادة من المعاملة الوطنية فيما يخص االنتفاع من اإلعانات والقروض والتأمينات والضمانات التي‬
‫تقدمها حكومة أحد الطرفين المتعاقدين حص ار إلى رعاياها أو لشركاتها في إطار أنشطة برامج التنمية الوطنية‪.‬‬
‫‪ -0‬ال يجوز لمستثمري الطرفين المتعاقدين االستفادة من المعاملة الممنوحة لمستثمري دولة ثالثة من قبل الطرفين المتعاقدين في نطاق اتحاد‬
‫جمركي أو سوق مشتركة أو منطقة للتبادل الحر أو اتفاقية جهوية أو شبه جهوية أو اتفاق اقتصادي دول ي متعدد األطراف أو اتفاق مبرم بين أحد‬
‫الطرفين‪ .‬المتعاقدين وبين دولة ثالثة من أجل تجنب االزدواج الضريبي أو من أجل تسهيل التجارة على الحدود‪".‬‬
‫‪1‬‬
‫جاء في المادة الثالثة من اتفاقية االستثمار المبرمة بين المغرب والسويد بتاريخ ‪ 11‬سبتمبر ‪( 3331‬ج‪.‬ر عدد ‪ 5101‬المؤرخة في ‪ 35‬يونيو‬
‫‪ 1113‬ص‪ ،)1110 :‬ما يلي‪:‬‬
‫"‪ -3‬ال يجب أن تخضع االستثمارات المنجزة من طرف رعايا أو شركات أحد الطرفين المتعاقدين فوق تراب الطرف المتعاقد اآلخر لمعاملة أقل‬
‫أفضلية من تلك التي تمنح لالستثمارات التي تنجز فوق تراب هذا الطرف من قبل رعايا أن شركات دول أخرى‪.‬‬
‫‪ -1‬بالرغم من مقتضيات الفقرة ‪ ، 3‬إذا أبرم طرف متعاقد معاهدة مع دولة أو عدة دول تتعلق بإنشاء اتحاد جمركي أو منطقة للتبادل الحر أو‬
‫معاهدة إلرساء اتفاق للتعاون االقتصادي الموسع قائم على اعتبارات خاصة سيكون ح ار في منح معاملة أكثر أفضلية لالستثمارات المنجزة من‬
‫طرف رعايا أو شركات الدولة أو الدول المنظمة لهذا االتفاق كذلك أو من طرف رعايا أو شركات بعض هذه الدول‪ .‬كما يكون كل طرف متعاقد ح ار‬
‫في منح معاملة أكثر أفضلية لالستثمارات المنجزة من طرف رعايا أو شركات دول أخرى‪ ،‬إذا كانت هذه المعاملة منصوصا عليها في اتفاقيات‬
‫ثنا ئية أبرمت مع هذه الدول قبل تاريخ التوقيع على هذا االتفاق‪.‬‬
‫‪ -1‬ال ينبغي أن تؤول مقتضيات الفقرة ‪ 3‬من هذه المادة بشكل يجبر أحد الطرفين المتعاقدين على تمتيع مستثمري الطرف المتعاقد اآلخر بأية‬
‫معاملة أو تفضيل أو امتياز مترتب عن اتفاقية ما أو تسوية دولية تتعلق كلي ا أو في معظمها بالضريبة أو عن تشريع وطني معين يتعلق كليا أو في‬
‫معظمه بالضريبة‪".‬‬

‫‪303‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ومراقبة ما إذا كان الحق في المعاملة الوطنية الممنوحة للمستثمر قد تمت مخالفته ام‬
‫ال‪ ،‬يمر من مرحلتين‪:‬‬

‫بداية يتعين التأكد ما إذا كان المستثمر األجنبي والمستثمر المحلي موضوع المقارنة‬
‫يمكن أن يكونا فعال موضوع المقارنة ذاتها‪ ،‬ومن أجل ذلك يتعين البحث ما إذا كان‬
‫المستثمرين يمارسان نفس النشاط أو أن مجال معامالتهما متقارب بما يكفي إلجراء هذه‬
‫المقارنة‪.‬‬

‫وبعد ذلك يتعين أن يكون التصرف الصادر عن البلد المستضيف لالستثمار قد وضع‬
‫المستثمر األجنبي في وضعية أقل أفضلية من وضعية المستثمر الوطني‪.‬‬

‫و قد اختلفت هيئات التحكم في تحديد ما إذا المستثمر ملزم باإلدالء بما يفيد نية الدولة‬
‫في اتخاذ االجراء التمييزي‪ ،‬بين مؤيد لذلك‪ 1‬و بين رافض له‪ ،2‬و في جميع األحوال يمكن‬
‫للدولة أن تبرر أن اتخاذ هذا االجراء كان ألسباب شرعية والرتباطها بالمصلحة العامة‪ ،‬وهو‬
‫ما قضت به هيئة التحكيم في قضية شركة ‪ Gami‬ضد المكسيك‪.3‬‬

‫ثانيا‪ :‬الحق في المعاملة األكثر أفضلية‬

‫يعتبر شرط المعاملة األكثر أفضلية أو شرط الدولة األكثر رعاية من الشروط التقليدية‬
‫و الكالسيكية في قانون االتفاقيات‪ ،‬و يضمن هذا الحق للمستثمر األجنبي معاملة ال تقل‬
‫أفضلية عن تلك الممنوحة من قبل البلد المستضيف لالستثمار لباقي المستثمرين األجانب‬
‫اآلخرين و إن كانوا ينتمون إلى بلد آخر ما دام أن البلد تربطه اتفاقية استثمار مع البلد‬
‫المستضيف لالستثمار‪ ،‬و بعبارة أخرى‪ ،‬في حالة ما إذا كانت اتفاقية االستثمار المبرمة بين‬
‫الدولة "أ" و الدولة "ب" (االتفاقية ‪)3‬تتضمن شرط المعاملة األكثر أفضلية و أن الدولة "أ"‬

‫‪1‬‬
‫الحكم التحكيم الصادر عن ‪ CIRDI‬في القضية عدد ‪ ARB/02/8‬بتاريخ ‪ 1‬فبراير ‪ 1111‬في قضية شركة ‪ Siemens‬ضد األرجنتين‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫الحكم التحكيمي الصادر عن ‪ CIRDI‬في القضية عدد ‪ ARB/99/2‬بتاريخ ‪ 15‬يونيو ‪ 1113‬في قضية شركة ‪ Genin‬ضد استونيا‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫الحكم التحكيمي الصادر عن الهيئة التحكيمية الحرة وفقا لقواعد اليونسترال و ‪ NAFTA‬بتاريخ ‪ 35‬نونبر ‪ 1110‬في قضية شركة ‪ Gami‬ضد‬
‫المكسيك‪ ،‬و في نفس النهج الحكم التحكيمي الصادر عن الهيئة التحكيمية الحرة وفقا لقواعد اليونسترال و ‪ NAFTA‬بتاريخ ‪ 31‬نونبر ‪ 1111‬في‬
‫قضية شركة ‪ Myers‬ضد كندا‪.‬‬

‫‪304‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫أبرمت اتفاقية استثمار مع الدولة "ج" (االتفاقية ‪ )1‬التي تتضمن مجموعة من االمتيازات‬
‫أكثر من تلك الواردة في االتفاقية ‪ ،3‬فإن المستثمرين المنتمين للدولة "ب" يمكنهم االستفادة‬
‫االمتيازات الواردة في االتفاقية‪ 1‬في مواجهة الدولة "أ"‪ ،‬و االستفادة من االمتيازات يشمل‬
‫جميع االتفاقيات التي أبرمتها الدولة "أ" بما في ذلك االتفاقية الجماعية‪.‬‬

‫وعلى خالف األمر بالنسبة للحق المتمثل في المعاملة الوطنية فإن هذا الحق يمنح‬
‫حماية للمستثمر األجنبي ضد بعض التصرفات التي من شأنها وضعه في وضعية تنافسية‬
‫أقل من باقي المستثمرين اآلخرين‪.‬‬

‫و مما سبق فإنه بناء على شرط المعاملة األكثر أفضلية يمكن للمستثمر أن يستفيد من‬
‫المعاملة العادلة و المنصفة المنصوص عليها في اتفاقية أخرى الموقعة بين البلد‬
‫المستضيف الستثماره و بلد آخر ‪ ،1‬كما يمكن بناء على هذا الشرط أن يستفيد المستثمر من‬
‫طريقة احتساب التعويض عن مصادرة استثماره األكثر أفضلية الوارد في اتفاقية استثمار‬
‫أخرى طرفها الدولة المستضيفة لالستثمار‪.2‬‬

‫ثالثا‪ :‬الحق في المعاملة العادلة والمنصفة ( ‪Le droit à un traitement juste‬‬


‫‪)et équitable‬‬

‫الحق في المعاملة العادلة و المنصفة يعتبر من الحقوق األكثر شيوعا في االتفاقيات‬


‫الدولية لالستثمار‪ ،‬و يثير هذا الحق مجموعة من النقاشات في تحكيم االستثمار تتمحور‬
‫حول حدود و نطاق المعاملة العادلة و المنصفة التي يمكن أن يستفيد منها المستثمر‬
‫األجنبي‪ ،‬إذ اعتبرت بعض هيئات التحكيم أن المقصود بهذا الشرط هو أن تتعامل الدولة مع‬
‫المستثمر بحسن نية و بكل شفافية‪ ،3‬في حين اعتبرت لجنة التبادل الحر ل ‪ALENA‬أن‬
‫الشرط المذكور يساوي المعيار األدنى لحماية األجانب في القانون الدولي‪ ،‬وهو األمر الذي‬

‫‪1‬‬
‫الحكم التحكيمي في االختصاص الصادر عن ‪ CIRDI‬بتاريخ ‪ 30‬نونبر ‪ 1115‬في القضية عدد ‪ ARB/03/29‬بين شركة ‪ Bayindir‬ضد‬
‫الباكستان‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫الحكم الحكيمي الصادر عن الهيئة التحكيمية الحرة وفقا لقواعد اليونسترال بتاريخ ‪ 30‬مارس ‪ 1111‬بين شركة ‪ CME‬ضد التشيك‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫الحكم التحكيمي الصادر عن ‪ CIRDI‬في القضية ع§دد ‪ ARB/99/2‬بتاريخ ‪ 15‬يونيو ‪ 1113‬في قضية شركة ‪ Genin‬ضد استونيا‪.‬‬

‫‪305‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫يجعل مفهوم المعاملة العادلة و المنصفة مفهوما مرنا‪ 1‬مما يسمح بإدخال مجموعة من‬
‫التصرفات الصادرة عن الدولة في سلة خرق هذا الحق‪ ،‬لذلك فال عجب أن نجده من بين‬
‫الوسائل األكثر استعماال من قبل المستثمر في دعاواه التحكيمية‪.‬‬

‫و قد تضمنت اتفاقيات االستثمار التي أبرمها المغرب هذا الشرط‪ ،‬كمثال على ذلك‬
‫المادة ‪ 1‬من اتفاقية االستثمار المبرمة مع ايطاليا بتاريخ ‪ 11‬سبتمبر ‪ ،)2( 3331‬التي جاء‬
‫فيها ما يلي‪:‬‬

‫"‪ -3‬يقوم كل طرف متعاقد بتشجيع المستثمرين التابعين للطرف المتعاقد اآلخر للقيام‬
‫باالستثمارات فوق اقليمه‪ ،‬و يرخص بهذه االستثمارات وفق قوانينه وأنظمته الجاري بها‬
‫العمل‪.‬‬

‫‪ -1‬يتعين على كل طرف متعاقد أن يضمن معاملة عادلة و منصفة الستثمارات‬


‫مستثمري الطرف المتعاقد اآلخر‪ .‬و يجب على كل طرف متعاقد أن يكفل لمستثمري الطرف‬
‫المتعاقد اآلخر فوق اقليمه إدارة استثماراته و صيانتها و االنتفاع و التمتع بها و التصرف‬
‫فيها ضد كل تدبير غير عادل أو تمييزي"‪.‬‬

‫ويتضح من خالل االطالع على األحكام التحكيمية الصادرة في هذا الشأن أن‬
‫التصرفات الصادرة عن الدولة و التي يمكن اعتبارها مخالفة للمعاملة العادلة و المنصفة‬
‫يمكن إجمالها في صنفين‪ :‬التصرفات الصادرة عن الدولة التي تمس مباشرة بأموال أو‬
‫مصالح المستثمر األجنبي (أ) و التصرفات التي تمس باالنتظارات المشروعة للمستثمر(ب)‪.‬‬

‫أ‪ -‬التصرفات التي تمس مباشرة بالمستثمر األجنبي‬

‫يتبين من خالل االطالع على مجموعة من األحكام التحكيمية‪ ،‬أن هيئات التحكيم‬
‫كيفت التصرفات الصادرة عن الدولة و الماسة مباشرة بأموال أو مصالح المستثمر تعتبر‬
‫مخالفة لشرط المعاملة العادلة والمنصفة لمساسها‪ ،‬و من لين هذه التصرفات إنكار المحاكم‬

‫‪1‬‬
‫الحكم التحكيمي الصادر عن ‪ CIRDI‬في القضية عدد ‪ ARB/00/3‬بتاريخ ‪ 11‬أبريل ‪ 1110‬في قضية شركة ‪ Waste‬ضد المكسيك‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫هذه االتفاقية منشورة في الجريدة الرسمية عدد ‪ 0939‬بتاريخ ‪ 1‬غشت ‪ 1111‬ص ‪:1319‬‬

‫‪306‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الوطنية للعدالة أو عدم احترامها لقواعد المحاكمة العادلة‪ 1‬و متابعة المستثمر في إطار‬
‫دعوى قضائية غير شفافة لعدم تبليغه بها‪ 2‬و قيام السلطات العمومية ببعض التصرفات التي‬
‫يمكن تصنيفها كأنها تحرش إداري‪ 3‬السحب غير المبرر للترخيص‪ 4‬مخالفة الدولة اللتزاماتها‬
‫التعاقدية اتجاه المستثمر‪.5‬‬

‫ب‪ -‬االنتظارات المشروعة للمستثمر‬

‫بناء على شرط المعاملة العادلة والمنصفة يمكن للمستثمر األجنبي أن يطالب الدولة‬
‫بالتعويض لمساسها بانتظاراته المشروعة‪ ،6‬وقد تعددت حاالت االنتظارات المشروعة‬
‫للمستثمر بين عدم تحقق انتظاراته المبنية على دراسات توقعية اعتمد فيها على إطار قانوني‬
‫و مؤسساتي الذي كان ساريا في البلد المستضيف لالستثمار قبل االستثمار فيه‪ 7‬وبين عدم‬
‫احترام الدولة المستضيفة لالستثمار اللتزاماتها أو تصريحاتها التي قدمتها الدولة من أجل‬
‫جلب االستثمار األجنبي‪.8‬‬

‫‪1‬‬
‫الحكم التحكيمي الصادر عن ‪ CIRDI‬في القضية عدد ‪ ARB/98/3‬بتاريخ ‪ 11‬يونيو ‪ 1111‬في قضية شركة ‪ Loewen‬ضد أمريكا‪.‬‬
‫لالطالع أكثر على مسؤولية الدولة إلنكارها العدالة المرجو االطالع على‪:‬‬
‫‪L. C. Delanoy et T. Prtwood : « La responsabilité de l’Etat pour déni de justice dans l’arbitrage‬‬
‫‪d’investissement », Rev., Arb., 2005-3, p.603.‬‬
‫‪2‬‬
‫الحكم التحكيمي الصادر عن ‪ CIRDI‬في القضية عدد ‪ ARB/99/6‬بتاريخ ‪ 31‬أبريل ‪ 1111‬في قضية شركة ‪ Cement‬ضد مصر‪.‬‬
‫الحكم التحكيمي الصادر عن ‪ CIRDI‬وفقا لقواعد ‪ NAFTA‬في القضية عدد ‪ ARB(AF)/97/1‬بتاريخ ‪ 11‬غشت ‪ 1111‬في قضية شركة‬
‫‪ Talbot‬ضد كندا‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫الحكم الحكيمي الصادر عن الهيئة التحكيمية الحرة وفقا لقواعد ‪ NAFTA‬بتاريخ ‪ 13‬ماي ‪ 1111‬بين شركة ‪ Techmad‬ضد المكسيك‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫الحكم التحكيمي الصادر عن ‪ CIRDI‬في القضية عدد ‪ ARB/00/2‬بتاريخ ‪ 31‬أبريل ‪ 1111‬في قضية شركة ‪ Cement‬ضد مصر‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫الحكم التحكيمي الصادر عن ‪ CIRDI‬وفقا لقواعد ‪ NAFTA‬في القضية عدد ‪ ARB(AF)/99/2‬بتاريخ ‪ 33‬أكتوبر ‪ 1111‬في قضية شركة‬
‫‪ Mondev‬ضد أمريكا‪.‬‬
‫الحكم التحكيمي الصادر عن ‪ CIRDI‬في القضية عدد ‪ ARB/00/6‬بتاريخ ‪ 11‬ديسمبر ‪ 1111‬في قضية شركة ‪ RFCC‬ضد المغرب‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫أول حكم تحكيمي قضى بالتعويض بناء على المساس باالنتظارات المشروعة للمستثمر الحكم الصادر عن ‪ CIRDI‬في القضية عدد‬
‫‪ ARB/00/2‬بتاريخ ‪ 13‬ماي ‪ 1111‬في قضية شركة ‪ Tecmed‬ضد المكسيك‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫الحكم التحكيمي الصادر عن ‪ CIRDI‬في القضية عدد ‪ ARB/01/8‬بتاريخ ‪ 31‬ماي ‪ 1115‬في قضية شركة ‪ CMS‬ضد األرجنتين؛‬
‫الحكم التحكيمي الصادر عن ‪ CIRDI‬في القضية عدد ‪ ARB/02/1‬بتاريخ ‪ 1‬أكتوبر ‪ 1111‬في قضية شركة ‪ LG&E‬ضد األرجنتين‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫‪W.M Reisman et M.H Arsanjani : « The question of unilateral Governmental statements as applicable law in‬‬
‫‪investmnt disputes », rev. CIRDI, 2004, p.328.‬‬

‫‪307‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫رابعا‪ :‬الحق في الحماية ضد المصادرة أو نزع الملكية ( ‪Le droit à une‬‬


‫‪:)protection contre l’expropriation‬‬

‫تتضمن اتفاقيات االستثمار بندا بمقتضاه تلتزم الدولة المستضيفة لالستثمار بحماية‬
‫المستثمر األجنبي ضد مصادرة أو نزع ملكية االستثمار‪ ،‬ومثال على هذا الشرط ذلك الوارد‬
‫في المادة ‪ 5‬من اتفاقية االستثمار المبرمة بين المغرب وإيطاليا‪ ،‬التي جاء فيها ما يلي‪:‬‬

‫"‪ -3‬ال يخضع مستثمرو الطرفين المتعاقدين ألي إجراء دائم أو مؤقت يحد من حق‬
‫الملكية أو الحيازة أو الرقابة أو االنتفاع باستثماراتهم إال إذا كانت تسمح به القوانين و‬
‫األنظمة الجاري بها العمل أو كان ذلك ناتجا عن قرار قضائي‪.‬‬
‫‪-1‬ال يمكن الستثمارات الطرفين المتعاقدين أو استثمارات مستثمريها أن تؤمم أو تنزع‬
‫ملكيتها أو تخضع لتدابير ذات أثر مماثل للتأميم أو نزع الملكية فوق إقليم الطرفين‬
‫المتعاقدين إال إذا كام ذلك‪:‬‬
‫‪ -‬من أجل المنفعة العامة؛‬
‫‪ -‬و على أساس غير تمييزي ووفق إجراء قانوني؛‬
‫‪ -‬و مقابل تعويض سريع‪ ،‬عادل و مناسب‪".‬‬
‫و المادة الرابعة من اتفاقية االستثمار المبرمة بين المغرب و السويد التي جاء فيها ما‬
‫يلي‪:‬‬

‫"‪ -3‬ال ينبغي ألي أحد من الطرفين المتعاقدين اتخاذ إجراءات التأميم أو نزع الملكية‬
‫أو أي إجراء له نفس المفعول يجرد بشكل مباشر أو غير مباشر‪ ،‬رعايا أو شركات‬
‫الطرف المتعاقد اآلخر من االستثمار أو مداخيل مرتبطة به أو ايراد ناتج عن تصفيته‬
‫راجع للمستثمر إال في حالة توفر الشروط التالية‪:‬‬
‫‪ -‬أن تتخذ هذه االجراءات في إطار المصلحة العامة و وفق الشكليات التي يتطلبها‬
‫القانون؛‬
‫‪ -‬أن تكون هذه اإلجراءات غير تمييزية؛‬

‫‪308‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪ -‬أن تكون هذه اإلجراءات مصحوبة باألداء المعجل و المناسب و الفعلي لتعويض‬
‫يكون قابال للتحويل طبقا لمقتضيات المادة ‪ 5‬الواردة أسفله‪.‬‬
‫‪ -1‬إذا تعرض مستثمر و أحد الطرفين المتعاقدين لخسارة استثمار فوق تراب الطرف‬
‫المتعاقد اآلخر من جراء حرب أو نزاع مسلح أو حالة طوارئ وطنية أو ثورة أو تمرد أو‬
‫شغب فإنهم يمنحون فيما يخص أي إرجاع أو تعويض أو مقاصة أو تسوية أخرى‪،‬‬
‫معاملة ال تقل أفضلية عن التي تمنح لمستثمري دولة ثالثة‪ .‬و ستكون األداءات المترتبة‬
‫عن ذلك قابل للتحويل طبقا لمقتضيات المادة ‪ 5‬المشار إليها أسفله‪".‬‬
‫و يتضح مما سبق أن البنود المنظمة لعدم المصادرة أو عدم نزع الملكية ال تمنع‬
‫الدولة عن اتخاذ هذه اإلجراءات بل يتعين عليها‪ ،‬فقط‪ ،‬احترام الشروط المحددة في اتفاقية‬
‫االستثمار‪ ،‬و من ثمة ففي حالة مصادرة استثمار أجنبي (مباشرة كانت أو بطريقة غير‬
‫مباشرة) أو نزع ملكيته لسبب يتعلق بالمصلحة العامة وغير تمييزي فإنه يتعين على الدولة و‬
‫الحالة هاته تعويض المستثمر تعويضا عادال و مناسبا‪.‬‬

‫و التأكد من مدى توفر المصلحة العامة من اختصاص هيئات التحكيم في إطار‬


‫سلطتها التقديرية‪.1‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مراح تسوية المنازعات الناتبة عن خرق الدولة التفاقية‬


‫االستثمار‬

‫تبين من الرجوع إلى غالبية البنود التي تحدد نظام تسوية المنازعات الناشئة عن‬
‫االستثمارات و الواردة في اتفاقية االستثمار أنها هذه التسوية تمر عبر مرحلتين أساسيتين‪،2‬‬

‫‪1‬‬
‫الحكم التحكيمي الصادر عن ‪ CIRDI‬في القضية عدد ‪ ARB/95/3‬بتاريخ ‪ 31‬فبراير ‪ 3333‬في قضية شركة ‪ Goetz‬ضد البوراندي‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫من بين هذه الشروط نجد المادة ‪ 9‬من االتفاقية المبرمة بين المغرب و إيطاليا‪ ،‬بتاريخ ‪ 39‬يونيو ‪ ،3331‬حول تشجيع و حماية االستثمارات على‬
‫وجه التبادل (ج‪.‬ر عدد ‪ 0939‬بتاريخ ‪ 1‬غشت ‪ ،)1111‬التي جاء فيها ما يلي‪:‬‬
‫"‪ -3‬كل أنواع المنازعات أو الخالفات‪ ،‬بما في ذلك المنازعات المتعلقة بمبلغ التعويض الواجب أداؤه عن نزع الملكية أو التأميم أو اإلجراءات‬
‫المماثلة‪ ،‬التي تنشأ بين أحد الطرفين المتعاقدين ومستثمر عن الطرف اآلخر فيما يتعلق باستثمار خاص بالمستثمر المذكور فوق إقليم الطرف‬
‫المتعاقد األول‪ ،‬تتم تسويتها قدر اإلمكان‪ ،‬بالتراض؛‬
‫‪ -1‬إذا لم تتم تسوية مثل هذه المنازعات بالتراضي في غضون ستة شهور من تاريخ طلب التسوية‪ ،‬يمكن للمستثمر المعني أن يعرض النزاع على‪:‬‬
‫أ) المحكمة المختصة للطرف المتعاقد المعني باألمر؛‬
‫ب) محكمة حكيم لهذا الغرض وفقا لنظام التحكيم للجنة األمم المتحدة للقانون التجاري الدولي؛‬

‫‪309‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المرحلة األولى تتمثل في التسوية الودية للنزاع عن طريق التشاور والتفاوض (الفقرة األولى)‬
‫في حين المرحلة الثانية تتمثل في اختيار الجهة التي سيعرض أمامها النزاع (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬مرحلة التسوية الودية عن طريق التشاور والتفاوض‬

‫تشترط بعض اتفاقيات االستثمار عند قيام نزاع بين المستثمر األجنبي و الدولة‬
‫المستقبلة لالستثمار أن يتم تسوية هذا النزاع عن طريق التفاوض و االستشارة‪ ،‬و ذلك في‬
‫إطار الوقاية من المنازعة‪ ،‬و تعتبر هذه المرحلة مهمة و ضرورية إذ تحاول خاللها‬
‫األطراف‪ ،‬بحسن نية‪ ،‬التفاوض فيما بينها من أجل إيجاد حل ودي للنزاع أو البحث عن‬
‫وسيلة ودية أخرى للتسوية كالتوفيق أو الصلح و تعتبر هذه المرحلة كإجراء أخير من أجل‬
‫ايجاد حل و دي للنزاع و المحافظة على العالقة فيما بين األطراف‪ 1‬قبل اللجوء إلى التحكيم‬
‫الدولي‪ ،‬وعلى الرغم من أنه في غالب األحوال ال تؤدي هذه المرحلة إلى التسوية الودية‬
‫للنزاع‪.‬‬

‫و الجدير بالتذكير أن أغلب اتفاقيات االستثمار المبرمة من قبل المغرب تنص على‬
‫ضرورة تسوية النزاع مع الدولة المستقبلة لالستثمار مباشرة بالتراضي كمرحلة تسبق اللجوء‬
‫إلى سواء إلى المحاكم الوطنية أو هيئات التحكيم ‪ ،2‬في حين أن الجيل الجديد من هذه‬
‫االتفاقيات اشترطت قبل اللجوء إلى التحكيم ضرورة المرور عبر مرحلة التفاوض و التشاور‬
‫و ذلك عن طريق لجنة مشتركة‪ ،‬و نذكر على سبيل المثال االتفاقية الموقعة مع نيجريا‬
‫بتاريخ ‪ 1‬ديسمبر ‪ ،1131‬إذ نصت في المادة ‪ 11‬منها على أنه في حالة قيام نزاع بين‬

‫ت) المركز الدولي لتسوية منازعات االستثمار من أجل تطبيق إجراءات التحكيم المنصوص عليها في اتفاقية تسوية منازعات االستثمار بين الدول‬
‫ومواطني الدول األخرى ومواطني الدول األخرى الموقع عليها في واشنطن بتاريخ ‪ 39‬مارس ‪.3315‬‬
‫‪ -1‬يمتنع الطرفان المتعاقدان عن معالجة كل مشكل يتعلق بالتحكيم أو بمسطرة قضائية جارية بالطرق الدبلوماسية‪ ،‬ما داكت هذه اإلجراءات لم تنته‬
‫بعد‪ ،‬و ما دام أحد الطرفين المعنيين لم يذعن لحكم محكمة التحكيم أو لمحكمة عادية تم اختيارها‪ ،‬ضمن آجال التنفيذ المحددة في الحكم أو ضمن‬
‫اآلجال التي يتم تحديدها على أساس نظام القانون الدولي أو الوطني المطبق في مثل هذه الحالة‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫جاء في الفقرة ‪ 3‬من المادة ‪ 9‬من اتفاقية االستثمار المبرمة بين المغرب و إيطاليا ما يلي‪:‬‬
‫"‪ -3‬كل أنواع المنازعات أو الخالفات‪ ،‬بما في ذلك المنازعات المتعلقة بمبلغ التعويض الواجب أداؤه عن نزاع الملكية أو التأميم أو اإلج ارءات‬
‫المماثلة‪ ،‬التي تنشأ بين أحد الطرفين المتعاقدين ومستثمر عن الطرف المتعاقد اآلخر فيما يتعلق باستثمار خاص بالمستثمر المذكور فوق إقليم‬
‫الطرف المتعاقد األول‪ ،‬تتم تسويتها قدر اإلمكان‪ ،‬بالتراضي؛"‬

‫‪310‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ وفق مجموعة‬،‫الطرفين يتعين حله عن طريق االستشارة و التفاوض بواسطة هيئة مشتركة‬
‫من الشكليات المحددة في هذه المادة وأن اللجوء إلى التحكيم الدولي ال يكون إال بعد مرور‬
‫ أشهر من تاريخ تقديم الطلب أمام هذه الهيئة دون حصول صلح و بعد استنفاذ جميع‬1
‫ و نفس المقتضيات نصت‬،1‫المساطر أمام المحاكم الوطنية للبلد المستضيف لالستثمار‬
9 ‫ من اتفاقية االستثمار الموقعة بين المغرب و اليابان بتاريخ‬0 ‫ و‬1 ‫ و‬1 ‫عليها الفقرات‬
.21111 ‫يناير‬

1
‫ (لإلشارة هذه االتفاقية لم يتم المصادقة عليها أمام البرلمان‬1131 ‫ من اتفاقية االستثمار المبرمة بين المغرب ونيجريا لسنة‬11 ‫جاء في المادة‬
:‫ ما يلي‬،)‫المغربي‬
«1) Before initiating an eventual arbitration procedure, any dispute between the Parties shall be assessed
through consultations and negotiations by the Joint Committee.
2) A Party may submit a specific question of interest of an investor to the Joint Committee:
a) To initiate the procedure, the Party of the interested investor shall submit, in writing, its request to the Joint
Committee, specifYing the name of the interestedinvestor and the encountered challenges and difficulties;
b) The joint Committee shall have 90 days, extendable by mutual agreement by 60 additional days, upon
justification, to submit relevant information about the presented case;
c) In order to facilitate the search for a solution between the Parties, whenever possible, the following shall
participate in the bilateral meeting:
- Representatives of the Investor;
- Representatives of the Parties or non-party entities involved in the measure or situation under consultation.
d) The procedure for dialogue and bilateral consultation ends by the initiative of any Party upon presentation of
summarized report in the subsequent Joint Committee meeting, that shall include:
- Identification of the Party;
- Identification of the Investors;
Description of the measure under consultation; and
- Position of the Parties concerning the measure.
3) The Joint Committee shall, whenever possible, call for special meetings to review the submitted matters.
4) The meeting of the Joint Committee and all documentation, as well as steps taken in the context of the
mechanism established in this Article, shall remain confidential, except for the submitted reports.
5) If the dispute cannot be resolvedwithin six (6) months from the date of the written request for consultations
and negotiations, the investor may, after the exhaustion of local remedies or the domestic courts of host State,
resort to international arbitration mechanisms. »
‫ (لإلشارة هذه االتفاقية لم يتم المصادقة‬1111 ‫ يناير‬9 ‫ من اتفاقية االستثمار المبرمة بين المغرب و اليابان بتاريخ‬0 ‫ و‬1 ‫ و‬1 ‫ جاء الفقرات‬-2
:‫ ما يلي‬،)‫عليها أمام البرلمان المغربي‬
« 1. Subject to subparagraph 6(b), nothing in this Article shall be construed so as to prevent an investor who is
a party to an investment dispute (hereinafter referred to in this Article as “disputing investor”) from seeking

311
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫و تتميز هذه المرحلة بمجموعة من الشكليات التي يتعين على الجهة الطالبة احترامها‬
‫كتوجيه كتاب إلى البلد المستضيف تعبر فيه عن رغبتها في تسوية المنازعة عن طريق‬
‫ وهو األجل الذي‬،‫التراضي طبقا لمقتضيات اتفاقية االستثمار و ذلك داخل أجل محدد‬
‫ و التبليغ يجب أن يكون بالطرق الرسمية غير أن بعض‬،‫تختلف مدته من اتفاقية إلى أخرى‬
.1‫هيئات التحكيم اعتبرت أن مجرد توجيه خطاب يكفي العتباره تبليغا‬

‫ يتعين على المستثمر انتظار مرور هذه المدة‬،‫وبتبليغ الكتاب إلى البلد المستضيف‬
‫ وخالل هذه المرحلة يمكن أن تجرى مفاوضات و مشاورات‬،‫قبل اللجوء إلى المرحلة الموالية‬
‫ ففي حالة نجاح هذه المرحلة و ذلك من خالل إيجاد حل ودي‬،‫بين الطرفين المتنازعين‬
‫للنزاع فإن هذا النزاع يوضع له حد نهائي و ال يمكن للمستثمر مباشرة أية متابعة سواء أمام‬
‫ طالما أن عقد الصلح يتضمن شرطا ينص على تنازل‬،‫المحاكم القضائية أو هيئات التحكيم‬
.‫المستثمر عن جميع المتابعات المرتبطة باالستثمار موضوع الصلح‬

‫أما في حالة عدم نجاح أو عدم التوصل إلى صلح طيلة المدة المحددة في اتفاقية‬
.‫االستثمار فإن المستثمر يمكنه اللجوء إلى المرحلة الموالية‬

administrative or judicial settlement within the Territory of the Contracting Party that is a party to the investment
dispute (hereinafter referred to in this Article as “disputing Party”).
.1Any investment dispute shall, as far as possible, be settled amicably through consultations and negotiations
conducted in good faith between the disputing investor and the disputing Party (hereinafter referred to in this
Article as “the disputing parties”). To this end, the disputing investor shall deliver to the disputing Party a
written request for consultations setting out a brief description of facts regarding the measure or measures at
issue. The consultation shall be commenced no later than thirty days after the date of its receipt by the
disputing Party. Nothing in this paragraph precludes the use of nonbinding, third party procedures, such as
good offices, conciliation or mediation.
4. If the investment dispute cannot be settled through such consultations within six months from the date of the
receipt by the disputing Party of a written request for consultations pursuant to paragraph 3, the disputing
investor may, subject to subparagraph 6(b), submit the investment dispute to one of the following international
arbitrations:.. »
1
‫ يونيو‬1 ‫ بتاريخ‬ARB/08/5 ‫ ضد االكوادور في القضية عدد‬Burlington ‫ في قضية شركة‬CIRDI ‫الحكم في االختصاص الصادر عن‬
.)111 ‫ (الفقرة‬1131

312
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬مرحلة اختيار المحامة التي سيعرض أمامها النزاع‬


‫في حالة عدم نجاح المرحلة األولى أو مرور أجلها حسب ما هو محدد في االتفاقية‬
‫فإن المرحلة التالية تتمثل في اختيار المحكمة أو الجهة التي سيلجأ إليها المستثمر لعرض‬
‫نزاعه أمامها‪ ،‬وغالبا ما تنحصر أوجه االختيار المعروضة أمام المستثمر بين المحاكم‬
‫الوطنية للبلد المستضيف لالستثمار وهيئات التحكيم‪.1‬‬

‫ومما سبق فإن ل لمستثمر الحق في االختيار الجهة التي سيعرض أمامها النزاع والذي‬
‫غالبا ما يكون االختيار في التحكيم الدولي‪ ،‬سواء كان تحكيما خاصا ‪ Ad Hoc‬أو تحكيما‬
‫مؤسساتيا‪ ،‬وفي الحالة األخيرة يتعين تحديد مركز التحكيم‪.‬‬

‫ومن الناحية العملية‪ ،‬فإن غالبية اتفاقيات االستثمار تشترط التحكيم المؤسساتي أمام‬
‫‪ ،CIRDI‬و هو ما ال يثير االستغراب ما دام أن هذا المركز انشأ خصيصا لتنظيم المنازعات‬
‫الناشئة عن االستثمار بين الدول و مواطني الدول األخرى‪ ،‬كما يمكن هذه االتفاقيات أن‬
‫تتضمن إمكانية اللجوء إلى التحكيم الحر وفقا لنظام التحكيم المعتمد لدى لجنة األمم المتحدة‬
‫للقانون التجاري الدولي المعروفة اختصا ار ب ‪ CNUDCI‬أو وفقا لقواعد التحكيم المعتمدة‬
‫من قبل غرفة التجارة الدولية بباريس ‪.CCI‬‬

‫في حين أن بعض اتفاقيات االستثمار تمنح للمستثمر االختيار بين مؤسسة التحكيم أو‬
‫قواعد التحكيم بينما البعض اآلخر فإن االختيار يكون بالتوافق بين األطراف المتنازعة‪.‬‬

‫واختيار المستثمر للتحكيم كآلية لتسوية المنازعات الناتجة عن اتفاقيات االستثمار‬


‫يتوقف على تحقق شرطين‪ ،‬األول يتمثل في عدم وجود بند في اتفاقية االستثمار يشترط‬
‫اللجوء بداية إلى المحاكم الوطنية واستنفاذ المساطر القضائية الداخلية(أ)‪ ،‬أما الشرط الثاني‬
‫‪1‬‬
‫كمثال على ذلك المادة ‪ 31‬من اتفاقية تشجيع و حماية االستثمار على وجه التبادل المبرمة بين فرنسا و األرجنتين الموقعة بتاريخ ‪ 1‬يوليوز‬
‫‪( 3333‬ج ر عدد ‪ 319‬بتاريخ ‪ 5‬يونيو ‪ 3331‬ص‪ ،)9310 .‬التي جاء فيها ما يلي‪:‬‬
‫‪"Les investissements ayant fait l’objet d’un engagement particulier de l’une des Parties contractantes à l’égard‬‬
‫‪des investisseurs de l’autre Partie contractante sont régis, sans préjudice des dispositions du présent Accord,‬‬
‫‪par les termes de cet engagement dans la mesure où celui-ci comporte des dispositions plus favorables que‬‬
‫"‪celles qui sont prévues par le présent Accord.‬‬

‫‪313‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫فيتعلق بموافقة الدولة على اللجوء إلى التحكيم‪ ،‬وهو ما يعتمد على مضامين اتفاقية‬
‫االستثمار (ب)‪.‬‬

‫أ‪ -‬اللبوء األولي إلى المحاكم الوطنية‬


‫عرفت سنوات السبعينات والثمانيات من القرن الماضي ظهور نوع جديد من البنود في‬
‫اتفاقيات االستثمار تشترط على الجهة المدعية‪ ،‬قبل اللجوء إلى التحكيم‪ ،‬تسوية المنازعات‬
‫المتعلقة باالستثمارات عن طريق المحاكم الوطنية للبلد المستضيف‪ ،1‬و ذلك تماشيا مع‬
‫المادة ‪ 11‬من اتفاقية واشنطن التي تنص على أنه يمكن للدولة أن تشترط للموافقة على‬
‫اللجوء إلى التحكيم أن يتم بداية استنفاذ جميع المساطر اإلدارية و القضائية الداخلية‪ ،2‬غير‬
‫أن هذه االمكانية لم تستعمل بشكل كبير من قبل الدول‪.3‬‬

‫و قد اختلفت اتفاقيات االستثمار في تحديد الحاالت التي يمكن فيها للجهة المدعية‬
‫عرض النزاع على المحاكم الوطنية قبل اللجوء إلى التحكيم الدولي‪ ،‬و التي يمكن تحديدها‬
‫في ثالثة حاالت‪ ،‬و هي كما يلي‪:‬‬
‫‪ -3‬بعض االتفاقيات تسمح للمستثمر اللجوء إلى التحكيم الدولي في حالة عدم صدور‬
‫حكم عن المحاكم الوطنية داخل أجل محدد‪ ،‬و من بين هذه االتفاقيات نذكر على سبيل‬
‫المثال اتفاقية االستثمار المبرمة بين األرجنتين وهوالندا المؤرخة في‪ 11‬أكتوبر ‪ ،3331‬إذ‬
‫جاء في الفقرة ‪ 1‬من المادة ‪ 31‬على أنه بعد مرور ‪ 39‬شهر من تاريخ عرض النزاع على‬

‫‪1‬‬
‫‪Joachim Pohl, Kekeletso Mashigo & Alexis Nohen : « Dispute Settlement Provisions in International‬‬
‫‪Investment Agreements: A Large Sample Survey », OECD Working Papers on International Investment,‬‬
‫‪2012/02.‬‬
‫‪2‬‬
‫جاء في المادة ‪ 11‬من اتفاقية واشنطن ما يلي‪:‬‬
‫‪« Le consentement des parties à l’arbitrage dans le cadre de la présente Convention est, sauf stipulation‬‬
‫‪contraire, considéré comme impliquant renonciation à l’exercice de tout autre recours. Comme condition à son‬‬
‫‪consentement à l’arbitrage dans le cadre de la présente Convention, un Etat contractant peut exiger que les‬‬
‫» ‪recours administratifs ou judiciaires internes soient épuisés.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪C. Schreuer, Calvo's Grandchildren : “The Return of Local Remedies in Investment Arbitration : The law and‬‬
‫‪Practice of International Courts and Tribunals”, 2005, spéc. p. 16.‬‬

‫‪314‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ و لم يصدر حكم قضائي نهائي أو أن األطراف ال زالت في‬1 ‫المحاكم الوطنية طبقا للفقرة‬
.1‫ يمكن للمستثمر اللجوء إلى التحكيم الدولي‬،‫النزاع‬
‫ بعض االتفاقيات ال تسمح للمستثمر باللجوء إلى التحكيم الدولي إال في حالة ما‬-1
‫إذا كان الحكم القضائي الصادر عن المحاكم الوطنية لم يتمكن من الفصل النهائي في‬
‫ إذ جاء‬،1111 ‫ االتفاقية المبرمة بين استراليا و الفلبين لسنة‬،‫ من بين هذه االتفاقيات‬،‫النزاع‬
‫ على أنه في حالة استمرار النزاع بين األطراف بعد مرور ستة‬3 ‫ من المادة‬1 ‫في الفقرة‬
.2‫أشهر يمكن للمستثمر أن عرضه نزاعه على التحكيم الدولي‬
‫ في حين هناك بعض اتفاقيات االستثمار التي تشترط قبل اللجوء إلى التحكيم أن‬-1
‫يكون الحكم القضائي الصادر عن المحاكم الوطنية مخالف لمبادئ القانون الدولي أو غير‬
‫ االتفاقية المبرمة‬،‫ و من جملة هذه االتفاقيات‬،‫عادل بشكل صارخ أو يشكل انكا ار للعدالة‬
3 ‫ في المادة‬1 ‫ إذ جاء في الفقرة‬،3331 ‫ فبراير‬13 ‫بين إيطاليا و األوروغواي المؤرخة في‬
‫ حكما مخالفا‬،1 ‫ المشار إليها في الفقرة‬،‫على أنه في ما إذا أصدرت المحكمة الوطنية‬

1
:‫ من اتفاقية االستثمار المبرمة بين األرجنتين و هوالندا ما يلي‬1 ‫ و‬1 ‫جاء في الفقرتين‬
« 2) If such disputes cannot be settled according to the provisions of paragraph (1) of this article within a
period of three months from the date on which either party to the dispute requested amicable settlement, either
party may submit the dispute to the administrative or judicial organs of the Contracting Party in the territory of
which the investment has been made.
3) If within a period of eighteen months from submissions of the dispute to the competent organs mentioned in
paragraph (2) above, these organs have not given a final decision or if the decision of the aforementioned
organs has been given but the parties are still in dispute, then the investor concerned may resort to
international arbitration or conciliation. Each Contracting Party hereby consents to the submission of a dispute
as referred to in paragraph (1) of this Article to international arbitration. »
:‫ من اتفاقية االستثمار المبرمة بين استراليا و الفليبين ما يلي‬3 ‫ من المادة‬1 ‫ جاء في الفقرة‬-2
« ‘If such a dispute between an investor of one Contracting Party and the other Contracting Party continues to
exist after a period of six months, the investor shall be entitled to submit the case either to:
(a) international arbitration of the International Centre for Settlement of Investment Disputes established
pursuant to the Convention on the Settlement of Investment Disputes Between States and Nationals of other
States opened for signature at Washington D.C. on 18 March 1965 (ICSID Convention), or
(b) an arbitrator or international ad hoc arbitral tribunal established under the Arbitration Rules of the United
Nations Commission on International Trade Law (UNCITRAL)’. »

315
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ ففي هذه الحاالت تكون هيئة التحكيم‬،‫للقانون الدولي أو غير عادل أو يشكل إنكا ار للعدالة‬
.1‫هي المختصة للنظر في النزاع‬

‫وبالتالي فإنه يتعين على المستثمر قبل اللجوء إلى هيئات التحكيم البحث عن تسوية‬
.‫المنازعات أمام المحاكم الوطنية وذلك داخل أجل معين‬

‫ من اتفاقية االستثمار المبرمة بين اسبانيا و األرجنتين‬5 ‫و في هذا االطار نجد المادة‬
‫التي اشترطت تسوية النزاعات التي تنشأ ضمن شروط هذه االتفاقية أمام المحكمة المختصة‬
.2‫للطرف المتعاقد الذي تم االستثمار في إقليمه و ذلك قبل اللجوء إلى التحكيم الدولي‬

:‫ من اتفاقية االستثمار المبرمة بين إيطاليا و األورغواي ما يلي‬1 ‫ و‬1 ‫ جاء في الفقرتين‬-1
"2. Se una controversia non potra' essere risolta, ai sensi del comma 1 del presente Articolo, entro il termine
di sei mesi a partire dalla data in cui una delle parti interessate l'abbia promossa, essa sara' sottoposta a
richiesta di una delle parti medesime, ai competenti Tribunali della Parte Contraente nel cui territorio
l'investimento sia stato effettuato. Qualora entro il termine di 18 mesi a partire dalla data nella quale la
controversia stessa sia stata sottoposta ai predetti Tribunali, non sia stata emessa una sentenza, l'investitore
interessato potra' ricorrere ad un tribunale arbitrale, che avra' competenza a risolvere tale controversia.
3. L'investitore interessato potra' ricorrere ad un Tribunale arbitrale nel caso che il competente Tribunale di cui
al comma 2 del presente Articolo, abbia emesso una sentenza che si consideri essere in contrasto con norme
di diritto internazionale, con i contenuti del presente Accordo, ovvero manifestamente ingiusta o configurare
ipotesi di un diniego di giustizia. In tali casi il Tribunale arbitrale sara' competente a conoscere, nella sua
globalita', della controversia insorta."
:‫ من اتفاقية االستثمار الموقعة بين اسبانيا و األرجنتين ما يلي‬5 ‫ جاء في المادة‬-2
« 1- Disputes which arise within the terms of this Agreement concerning an investment between an investor of
one Contracting Party and the other Contracting Party shall, if possible, be settled amicably by the parties to
the dispute.
2. If the dispute cannot thus be settled within six months following the date on which the dispute has been
raised by either party, it shall be submitted to the competent tribunal of the Contracting Party in whoseterritory
the investment was made.
3. The dispute may be submitted to international arbitration in any of the following circumstances:
(a) at the request of one of the parties to the dispute, if no decision has been rendered on the merits of the
claim after the expiration of a period of eighteen months from the date on which the proceedings referred to in
Para.2 of this Article have been initiated, or if such decision has been rendered, but the dispute between the
parties continues;
(b) if both parties to the dispute agree thereto.
4. In the cases foreseen in Para.3, the disputes between the parties shall be submitted, unless the parties
otherwise agree, either to international arbitration under the March 18, 1965 Convention on the Settlement of

316
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

،‫ ضد اسبانيا هذه المقتضيات‬Maffezini ‫و قد أكدت هيئة التحكيم في قضية شركة‬


‫ أن بتضمين االتفاقية هذا‬1111 ‫ يناير‬15 ‫إذ اعتبرت في حكمها التحكيمي الصادر بتاريخ‬
،‫الشرط فإن الدولتين يتوخيان منه منح محاكمهما مكنة تسوية النزاع المتعلق باالستثمار‬
.1‫ قبل عرضه على التحكيم الدولي‬،‫ شهر‬39 ‫وذلك داخل أجل‬

‫و مما تجدر اإلشارة أن المغرب اتخذ نفس اإلجراءات المتعلقة باشتراط اللجوء إلى‬
،‫ و ذلك في بعض االتفاقيات الثنائية لالستثمار‬،‫المحاكم الوطنية قبل اختيار التحكيم الدولي‬
.21131 ‫ ديسمبر‬1 ‫خاصة االتفاقية المبرمة مع نيجريا بتاريخ‬

‫و يثير الشرط المتعلق بضرورة استنفاذ جميع المساطر أمام المحاكم الوطنية قبل‬
،‫ خاصة و أن هذه المساطر قد تدوم لسنتين أو أكثر‬،‫اللجوء إلى التحكيم بعض النقاشات‬
‫وألجل ذلك فإن هيئات التحكيم حصرت آثار هذا الشرط في حالة ما إذا كان هذا الشرط ال‬
‫ و في هذا االطار نستحضر‬،‫طائل منه و أنه لن يؤدي سوى إلى تعطيل اللجوء إلى التحكيم‬
‫ إذ‬1133 ‫ غشت‬0 ‫ ضد األرجنتين بتاريخ‬Abaclat ‫الحكم التحكيمي الصادر في شركة‬
‫ يجب أن تكون هناك إرادة حقيقية من قبل‬،‫ من الناحية العملية‬،‫اعتبرت الهيئة التحكيمية أنه‬
.3‫المحاكم الوطنيةعلى أنها ستقوم بمعالجة المسألة بشكل تؤدي إلى التسوية الفعالة للنزاع‬

Investment Disputes Between States and Nationals of Other States or to an ad hoc arbitral tribunal established
under the Arbitration Rules of the United Nations Commission on International Trade Law (UNCITRAL).
If after a period of three months following the submission of the dispute to arbitration by either party, there is
no agreement to one of the above alternative procedures, the dispute shall be submitted to arbitration under
the March 18, 1965 Convention on the Settlement of Investment Disputes Between States and Nationals of
Other States, provided that both Contracting Parties have become parties to the said Convention. Otherwise,
the dispute shall be submitted to the above mentioned ad hoc tribunal.‘
1
.ARB/97/7 ‫ في القضية عدد‬CIRDI ‫الحكم التحكيمي الصادر عن‬
2
.‫هذه االتفاقية لم يتم المصادقة عليها من قبل البرلمان المغربي‬
3
:‫ ما يلي‬1133 ‫ غشت‬0 ‫ ضد األرجنتين بتاريخ‬Abaclat ‫ في قضية شركة‬CIRDI ‫ من الحكم الصادر عن‬591 ‫جاء في الفقرة‬
" This question in turn requires a weighting of the interests of the Parties, i.e., ofArgentina in being given the
opportunity to address the dispute through the frameworkof its domestic legal system, and of Claimants in
being provided with an efficient disputeresolution mechanism. Thus, the Tribunal is of the view that the
disregard of the 18 monthslitigation requirement can only be considered incompatible with the system of Article
8where it unduly deprived the Host State of a fair opportunity to address the issue throughits domestic legal

317
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ب‪ -‬موافقة الدولة على اللبوء إلى التحايم‬


‫يتطلب التحكيم المبني على اتفاقية االستثمار موافقة الدولة الطرف على اللجوء إلى‬
‫التحكيم‪ .‬وذلك ألن‪ ،‬كمبدأ عام‪ ،‬يقوم التحكيم على الموافقة المتبادلة بين أطراف التحكيم‪،‬‬
‫كما أن المادة ‪ 15‬من اتفاقية واشنطن تشترط الموافقة الكتابية لألطراف على عرض نزاعهم‬
‫أمام ‪ ، CIRDI‬هذا باإلضافة إلى أن تنفيذ ق اررات التحكيم بموجب اتفاقية نيويورك لعام‬
‫‪ 3359‬يتوقف على اتفاق تحكيم صحيح‪ .‬األمر الذي يطرح التساؤل حول شكليات قبول‬
‫وموافقة الدولة على اللجوء إلى التحكيم طبقا التفاقية االستثمار؟‬

‫إن اإلجابة على هذا التساؤل تختلف من اتفاقية إلى أخرى بحسب الصياغة المعتمدة‬
‫في كل واحدة منها‪ ،‬فمن وجهة نظر المستثمر فإن اتفاقيات االستثمار تنقسم إلى قسمين‪،‬‬
‫األولى االتفاقيات التي توافق فيها الدول مبدئيا و صراحة على اللجوء إلى التحكيم (‪ ،)I‬في‬
‫حين القسم الثاني تتعلق باالتفاقيات التي تتحفظ فيها الدول صراحة أو ضمنا على اللجوء‬
‫إلى التحكيم‪ ،‬و بما أن التحكيم يتوقف على الموافقة الصريحة للطرفين على اللجوء إلى هذه‬
‫اآللية بعد قيام النزاع (‪ ،)II‬فللمستثمر الحق في اللجوء إلى التحكيم مباشرة بالنسبة لالتفاقيات‬
‫األولى في حين في الحالة الثانية ال يمكنه ذلك ما دام أن الدولة تحفظت على اللجوء إلى‬
‫هذه الوسيلة ضمنا أو صراحة‪.‬‬

‫‪ -I‬الموافقة الصريحة للدولة‬


‫بالنسبة للفئة األولى هناك مجموعة من االتفاقيات التي تتضمن شروط تنص صراحة‬
‫على موافقة الدولة على تسوية المنازعات عن طريق التحكيم‪ ،‬من بينها مجموعة من‬
‫االتفاقيات التي وقع عليها المغرب‪.1‬‬

‫وتكون موافقة الدول األطراف في هذه االتفاقيات صريحة و مقدمة مسبقا‪ ،‬و الموافقة‬
‫المبدئية للدول ال تهم مستثمر واحد و من ثمة فإن اتفاق التحكيم يتضمن دائما موافقة‬

‫‪system. In this respect, the Tribunal considers that this opportunity mustnot only be a theoretical opportunity,‬‬
‫‪but there must be a real chance in practice that theHost State, through its courts, would address the issue in a‬‬
‫"‪way that could lead to aneffective resolution of the dispute.‬‬
‫‪ -1‬نذكر على سبيل المثال االتفاقيات الثنائية التي أبرمها المغرب مع كل من نيجريا (‪ )1131‬و اليابان (‪ )1111‬و الب ارزيل (‪.)1133‬‬

‫‪318‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المستثمر الذي يعبر عنها من خالل تقديمه طلب التحكيم‪ ،‬و قد اعتبرت الهيئة التحكيمية في‬
‫قضية الشركة األمريكية ‪ AMT‬ضد الزائير (سابقا) في حكمها التحكيمي الصادر بتاريخ ‪13‬‬
‫فبراير ‪ 13331‬أنه بعد االطالع على المادة ‪ 1‬من اتفاقية االستثمار المبرمة بين أمريكا و‬
‫الزائير فإن موافقة األطراف على اللجوء إلى تحكيم ‪ CIRDI‬تستنتج ببساطة من اتفاقية‬
‫أيضا اتفاق بين الطرفين المتنازعين‪ ،‬وبما أن‬
‫االستثمار‪ .‬لذلك فإنه يتعين تبيان أن هناك ً‬
‫شركة ‪AMT‬عرضت النزاع أمام ‪ CIRDI‬فإنها عبرت عن اختيارها دون أي لبس أو‬
‫غموض‪ ،‬و بالتالي يترتب عن موافقة الزائير المعبر عنها في المادة ‪ 1‬المشار إليها أعاله‪،‬‬
‫ينتج الموافقة المطلوبة و الضرورية لقيام اختصاص ‪.CIRDI‬‬

‫ونستحضر في هذا االطار الحكم التحكيمي في االختصاص الصادر في قضية‬


‫الشركة األمريكية‪ Lanco‬ضد األرجنتين الصادر بتاريخ ‪ 9‬ديسمبر ‪ ،23339‬التي تقدمت‬
‫بطلب التحكيم أمام ‪ CIRDI‬بناء على المادة ‪ 1‬من اتفاقية االستثمار المبرمة بين األرجنتين‬
‫وأمريكا التي تمنح للمستثمر االختيار بين اللجوء إلى المحاكم الوطنية األرجنتينية أو التحكيم‬
‫الدولي‪ ،‬و قد اختار المستثمر التحكيم‪ ،‬علما بأن الطرفان يجمعهما عقد امتياز الذي يتضمن‬
‫شرطا يمنح اختصاص النظر في النزاع للمحاكم القضائية لوالية ‪.Buenos Aires‬‬

‫وقد دفعت األرجنتين بعدم االختصاص لعدم موافقتها كتابيا على اللجوء إلى التحكيم‬
‫طبقا لمقتضيات المادة ‪ 15‬من اتفاقية واشنطن ما دام أن األطراف اتفقت على تسوية‬
‫المنازعات الناشئة عن العقد أمام المحاكم األرجنتينية‪.‬‬

‫وقد اعتبرت هيئة التحكيم أن موافقة األرجنتين على اللجوء إلى التحكيم المعبر عنه في‬
‫اتفاقية االستثمار بين األرجنتين وأمريكا بمثابة عرضا مفتوحا لفائدة مستثمري البلد اآلخر‪،‬‬
‫وأن هذا العرض قبلته الشركة األمريكية من خالل تقديمها طلب التحكيم أمام ‪.CIRDI‬‬

‫يثير الطابع الملزم لهذا النوع من العروض جدال‪ ،‬على اعتبار أن إبرام االتفاقية يكون‬
‫بين دولتين أو أكثر‪ .‬في حين أنه موافقة الدولة الواردة في تشريعها الوطني يمكن تفسيره‬
‫‪1‬‬
‫الحكم التحكيمي الصادر عن ‪ CIRDI‬في القضية عدد ‪ ARB/93/1‬بتاريخ ‪ 13‬فبراير ‪.3331‬‬
‫‪2‬‬
‫الحكم التحكيمي في االختصاص الصادر عن ‪ CIRDI‬في القضية عدد ‪.ARB/97/6‬‬

‫‪319‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ في حين أن بموجب العرض‬،‫ والذي قد ينطوي على مسؤوليتها‬،‫على أنه فعل انفرادي للدولة‬
‫الوارد في االتفاقية فإن الدول تتعهد بالتزامات متبادلة فيما بينها والتي ربما ينبغي تطبيقها‬
‫ ومن ثمة فإن المستثمر في هذا الحالة يعتبر طرفا‬1‫فقط في مواجهة الدول المتعاقدة نفسها‬
‫ بما في ذلك الحق في اللجوء إلى التحكيم في منازعات‬،‫ثالثا مستفيدا من حماية االتفاقية‬
.‫االستثمار مع الدولة المضيفة‬

‫ الموافقة المشروطة للدولة‬-II


‫أما النوع الثاني من اتفاقيات االستثمار فإنها ال تعتمد التحكيم كوسيلة للتسوية إال بعد‬
‫ للدولة أو بعد ابرام اتفاق تحكيم مستقل بين الدولة‬،‫ الصريحة أو الضمنية‬،‫الموافقة‬
‫ من اتفاقية االستثمار‬3 ‫ و في هذا الخصوص نصت الفقرة األولى من المادة‬،‫والمستثمر‬
‫المبرمة بين ماليزيا و السويد على أنه في حالة قيام نزاع بين مستثمر أحد البلدين و البلد‬
‫ و كذلك‬،2CIRDI ‫ اللجوء إلى التحكيم أمام‬،‫ بعد اتفاق أطراف النزاع‬،‫اآلخر فإنه يتعين‬
‫سبتمبر‬3 ‫ من اتفاقية الشراكة االقتصادية المبرمة بين اليابان و الفليبين بتاريخ‬311 ‫المادة‬
39 ‫ من اتفاقية التبادل الحر بين أمريكا و أستراليا المؤرخة في‬33.31 ‫والمادة‬ 3
1111
.41110 ‫ماي‬

1
Jan Paulsson : « Arbitration Without Privity », 10(2) ICSID Rev. (1995).
2
:‫ما يلي‬،3313 ‫ مارس‬1 ‫ من اتفاقية االستثمار المبرمة بين السويد و ماليزيا و المؤرخة في‬3 ‫جاء في الفقرة األولى من المادة‬
“In the event of a dispute arising between a national or a company of one Contracting Party and the other
Contracting Party in connection with an investment in the territory of that other Contracting Party, it shall upon
the agreement by both parties to the dispute be submitted for arbitration to the International Centre for
Settlement of Investment Disputes established under the Washington Convention ”…
3
:‫ من اتفاقية الشراكة االقتصادية المبرمة بين اليابان و الفليبين ما يلي‬311 ‫جاء في المادة‬
« 1. The Parties shall enter into negotiations after the date of entry into force of this Agreement to establish a
mechanism for the settlement of an investment dispute between a Party and an investor of the other Party.
2. In the absence of the mechanism for the settlement of an investment dispute between a Party and an
investor of the other Party, the resort to international conciliation or arbitration tribunal is subject to mutual
consent of the parties to the dispute. This means that the disputing Party may, at its option or discretion, grant
or deny its consent in respect of each particular investment dispute and that, in the absence of the express
written consent of the disputing Party, an international conciliation or arbitration tribunal shall have no
jurisdiction over the investment dispute involved.”
4
:‫ ما يلي‬1110 ‫ ماي‬39 ‫ من اتفاقية التبادل الحر بين أمريكا و أستراليا المؤرخة في‬33.31 ‫جاء في المادة‬

320
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫من خالل استقراء هذه الشروط يتبين أن الدولة تحتفظ لنفسها بالحرية في اتخاذ القرار‪،‬‬
‫و مسطرة التحكيم ال يمكن تفعليها إال بعد موافقة الدولة‪ ،‬و من ثمة فإن هذا الشرط ال يعتبر‬
‫موافقة تلتزم بمقتضاه الدولة على اللجوء إلى التحكيم بل إن األمر يتطلب من أجل قيام‬
‫اختصاص ‪ CIRDI‬أن يتم إبرام اتفاق تحكيم بين كل المستثمر و البلد المستقبل الستثماره‪.1‬‬

‫ويتضح‪ ،‬مما سبق‪ ،‬أن هذه الشروط و إن كانت تدعم التحكيم باعتباره الطريقة‬
‫المناسبة و المثلى لحل منازعات االستثمار‪ ،‬فإنها تحتفظ للدولة باستقاللها السيادي عند‬
‫التعامل مع منازعات االستثمار على أساس كل حالة على حدى‪ .‬ومن ثمة‪ ،‬فإن هذه‬
‫الشروط تتشابه و آلية اللجوء المسبق إلى المحاكم الوطنية المذكورة أعاله‪ ،‬باستثناء أن اآللية‬
‫ملزما في التحكيم‪ ،‬على الرغم من تأجيله و ارتباط تحققه‬
‫ً‬ ‫األخيرة تمنح للمستثمر حًقا‬
‫بمجموعة من الشروط‪ ،‬في حين أن شرط رفض الموافقة ال ينشأ أي حق في التحكيم‪ ،‬فكفة‬
‫التوازن أضحت تميل لفائدة الدولة‪ ،‬التي تتمتع بامتياز قبول أو رفض التحكيم كآلية لتسوية‬
‫نزاع االستثمار في حالة ما إذا اختار المستثمر هذا الخيار‪ ،‬ولكنها غير مجبرة على قبوله‪.‬‬

‫و في األخ ير فإن التساؤل يطرح حول مصير مسطرة التحكيم الدولي في حول لجوء‬
‫المستثمر إلى التحكيم الدولي مباشرة دون احترام الشروط المتعلقة باستنفاذ المساطر‬
‫القضائية؟ و هل هذه الشروط تعتبر تقييدا إلرادة المستثمر أم تتعلق فقط بشروط مسطرية أو‬
‫عدم القبول؟‬

‫يتبين من خالل االطالع على بعض األحكام التحكيمية أن الرأي الغالب يتجه نحو‬
‫إمكانية تجاوز مرحلة التسوية الودية‪ ،2‬و أن هذه المرحلة تعتبر بمثابة إجراء مسطري بد ً‬
‫ال‬

‫‪« If a Party considers that there has been a change in circumstances affecting the settlement of disputes on‬‬
‫‪matters within the scope of this Chapter and that, in light of such change, the Parties should consider allowing‬‬
‫‪an investor of a Party to submit to arbitration with the other Party a claim regarding a matter within the scope‬‬
‫‪of this Chapter, the Party may request consultations with the other Party on the subject, including the‬‬
‫‪development of procedures that may be appropriate ».‬‬
‫‪1‬‬
‫‪Dolzer et Stevens : « Bilateral Investment Treaties », The Hague, 1995, p.132.‬‬
‫‪2‬‬
‫من بين هذه األحكام التحكيمية نذكر على سبيل المثال ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬الحكمفي االختصاص الصادر عن ‪ CIRDI‬في قضية شركة ‪ Wena‬ضد مصرفي القضية عدد ‪ARB/98/4‬بتاريخ ‪ 9‬ديسمبر ‪1111‬؛‬
‫‪ -‬الحكم الصادر عن هيئة تحكيم حرة وفقا لقواعد اليونسترال في قضية شركة ‪ Lauder‬ضد التشيك بتاريخ ‪ 1‬سبتمبر ‪1113‬؛‬

‫‪321‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫طا‬
‫من كونها إلزامية وقضائية في طبيعتها‪ ،‬و من ثمة‪ ،‬ال يعتبر االمتثال لمثل هذا البند شر ً‬
‫أساسيا لقيام اختصاص الهيئة التحكيمية‪.1‬‬
‫ً‬

‫كما اعتبرت هيئة التحكيم في قضية شركة ‪ Abaclat‬ضد األرجنتين أن استنفاذ‬


‫المساطر الداخلية يعتبر بمثابة الزام مسطري الذي ال يهم سوى الطريقة التي يتعين من‬
‫خاللها على األرجنتين التعبير عن إرادتها‪ ،‬و بناء على ذلك فإن الشرط األولي قبل اللجوء‬
‫إلى التحكيم ال يمس السؤال الجوهري المتعلق بمعرفة ما إذا كانت الدولة قد منحت موافقتها‬
‫على اللجوء إلى ‪.2CIRDI‬‬

‫و على خالف ما سبق فقد اعتبرت هيئة التحكيم في قضية ‪ Maffezini‬ضد اسبانيا‬
‫أن التقادم المتعلق باستنفاذ المساطر الداخلية بمثابة تقادم قضائي واعتبرت كأنه شرط الزامي‬
‫قبل الموافقة‪ ،‬ففي حالة عدم احترام المستثمر لهذه اإلجراءات فإنه يتعين على محكمة‬
‫التحكيم رفض النظر في النزاع لعدم اختصاصها ولعدم وجود أساس آخر يسمح بقيام هذا‬
‫االختصاص‪.3‬‬

‫خاتمة‬
‫بعد مرور ‪ 55‬سنة على دخول اتفاقية واشنطن إلى حيز التنفيذ و وجود أكثر من‬
‫‪ 1111‬اتفاقية دولية لالستثمار في العالم و بعد االطالع على تجارب بعض الدول في‬
‫اتفاقيات االستثمار‪ ،‬من بينها التجربة األرجنتينية التي تعتبر التجربة األكثر تضر ار من هذه‬

‫‪ -‬الحكم في االختصاص الصادر عن هيئة تحكيم حرة وفقا لقواعد اليونسترال وقواعد ‪ NAFTA‬في قضية شركة ‪ Ethyl‬ضد كندا بتاريخ ‪10‬‬
‫يونيو ‪3339‬؛‬
‫‪ -‬الحكم الصادر عن ‪ CIRDI‬في قضية شركة ‪ Biwater‬ضد تانزانيا بتاريخ ‪ 10‬يوليوز ‪.1119‬‬
‫‪1‬‬
‫الحكم التحكيمي الصادر عن ‪ CIRDI‬في قضية شركة ‪ SGC‬ضد الباكستان تحت عدد ‪ ARB/01/13‬بتاريخ ‪ 1‬غشت ‪.1111‬‬
‫‪2‬‬
‫جاء في الفقرة ‪ 031‬من الحكم الصادر عن ‪ CIRDI‬في قضية شركة ‪ Abaclat‬ضد األرجنتين بتاريخ ‪ 0‬غشت ‪ 1133‬ما يلي‪:‬‬
‫‪« The Tribunal is of the opinion that the negotiation and 18 months litigationrequirements relate to the‬‬
‫‪conditions for implementation of Argentina's consent to ICSIDjurisdiction and arbitration, and not the‬‬
‫‪fundamental question of whether Argentinaconsented to ICSID jurisdiction and arbitration. Thus, any non-‬‬
‫‪compliance with suchrequirements may not lead to a lack of ICSID jurisdiction, and only – if at all – to a lack‬‬
‫‪ofadmissibility of the claim, and will thus be addressed when dealing with issues ofadmissibility (see §§ 567 et‬‬
‫‪seq. below) ».‬‬
‫‪3‬‬
‫الحكم التحكيمي في االختصاص الصادر عن ‪ CIRDI‬بتاريخ ‪ 15‬يناير ‪ 1111‬في القضية عدد ‪.ARB/97/7‬‬

‫‪322‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫االتفاقيات‪ ،‬يتضح أن األحكام التحكيمية الصادرة في المنازعات الناتجة عن االستثمارات‪ ،‬ال‬


‫سيما الصادرة عن ‪ ،CIRDI‬وسعت من نطاق مسؤولية الدولة المبنية على خرق االتفاقيات‬
‫المذكورة‪ ،‬منتجة نوع من عدم التوازن بين حقوق المستثمرين و مصالح الدولة‪ ،‬سواء تعلق‬
‫األمر بعدم التوازن الشكلي‪ ،‬إذ يحق للمستثمر اللجوء إلى التحكيم لمجرد أن الدولة المستقبلة‬
‫لالستثمار طرفا في اتفاقية االستثمار حتى في ظل غياب موافقة صريحة من قبل الدولة‪ ،‬أو‬
‫بعدم التوازن الموضوعي لوجود التزامات عامة و غير محددة لفائدة المستثمرين في مقابل‬
‫التزامات محصورة في مواجهة المستثمر و إن لم نقل التزامات غائبة‪ ،‬مما يمكن اعتبار أن‬
‫الدولة تعتبر "الطرف الضعيف" في الدعوى التحكيمية المبنية على اتفاقيات االستثمار‪ ،‬و‬
‫مرد ذلك إلى الصياغة المعتمدة في االتفاقيات المبرمة في تسعينيات القرن الماضي وفق‬
‫النموذج المحدد و المفروض من قبل الدول مصدرة رؤوس األموال و الفكر الذي كان رائجا‬
‫آنذاك القائم على اعتبار أن االتفاقيات مجرد "قطعة ورقة"‪.1‬‬

‫و بما أن القانون االقتصادي الدولي أصبح‪ ،‬في ظل التطور االقتصادي و التكنولوجي‬


‫الذي يعرفه العالم‪ ،‬األكثر فعالية‪ ،‬كقانون يساعد و يحفز على التفاوض و األكثر استعماال‬
‫في مجال تسوية المنازعات‪ ،‬بغية الوصول قدر المستطاع إلى حلول عادلة و منصفة و‬
‫سريعة‪ ،‬كما أضحى هذا القانون حاف از قويا للتجارة الدولية و عنص ار هاما لضمان التنمية‬
‫المستدامة‪ ،‬فإن اتفاقيات االستثمار‪ ،‬باعتبارها مصد ار من مصادر القانون االقتصادي‬
‫الدولي‪ ،‬تعد األداة األكثر مالءمة لحماية وتشجيع االستثمارات‪ ،‬فإننا ندعو الدول إلى تبني‬
‫نظرة أكثر واقعية لسياساتها التشريعية في أفق تحصين وضعيتها القانونية قبل إثارة‬
‫مسؤوليتها الدولية في مواجهة مجتمع تحكيمي دولي‪ ،‬محصور بين الشركات القانونية الكبرى‬
‫و محكمين محددين و محصورين‪ ،‬هدفه األول الدفاع عن مصالح الخاصة للمستثمرين قبل‬

‫‪1‬‬
‫حسب التعبير الذي منحته الحكومة األلمانية‪ ،‬على لسان مستشارها (‪ ،)Theobald von Bethmann-Hollweg‬للمعاهدة الدولية التي ضمنت‬
‫حياد بعض الدول األوروبية خالل الحرب العالمية األولى)‪ ، (1914-1918‬وذلك يوم ‪ 9‬غشت ‪ ،3330‬و الذي اعتذر الحًقا لقوله هذه الكلمات‪.‬‬
‫(حسب ما جاء في المقال التالي‪:‬‬
‫‪(Arnoldo Wald : «A New Approach to International Investment Agreements (IIAS) in Brazil », in Miguel Angel‬‬
‫‪Fernandez-Ballester and David Arias Lozano (eds), Liber Amicorum Bernardo Cremades, Wolters Kluwer‬‬
‫)‪España, La Ley 2010, p. 1183.‬‬

‫‪323‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المصلحة العامة للدولة وتشجيع إقامة الدعاوى في مواجهة البلدان التي تمر من أزمات‬
‫اقتصادية كما حدث في األرجنتين (سنتي ‪ 1113‬و ‪ )1111‬و أندونسيا و فينزويال‪.‬‬

‫و من ثمة‪ ،‬فإن من الضروري أن تكون الدول أكثر وعيا بالتزاماتها الدولية المنصوص‬
‫عليها في اتفاقيات االستثمار وذلك بغية التقليص من احتماالت المطالبات االتفاقية و‬
‫التدبير األمثل للدعاوى التحكيمية‪ ،‬إذ أبانت الممارسة التحكيمية حجم اآلثار القانونية و‬
‫المالية التي يمكن أن تترتب عن اتفاقيات االستثمار و العواقب السياسية المترتبة عن التدفق‬
‫المستمر للدعاوى التحكيمية‪ ،‬فمصلحة المستثمرين والدول على حد سواء تدعو إلى البحث‬
‫عن تحقيق توازن في العمليات االستثمارية‪ ،‬فنجاح و فعالية هذه األخيرة يتوقف على خلق‬
‫نظام مالئم وفعال ومحايد لتسوية المنازعات الناشئة عن هذه العمليات االستثمارية‪.‬‬

‫و مما سبق‪ ،‬فإننا نرى أن نظام تسوية المنازعات الناتجة عن االستثمارات وصل إلى‬
‫مرحلة األزمة‪ ،‬الناتجة عن تعدد وكثرة االتفاقيات الدولية لالستثمار(أكثر من ‪ 1111‬اتفاقية)‬
‫و ما نتج عن ذلك من صدور أحكام تحكيمية متضاربة و غير متجانسة‪ ،‬األمر الذي‬
‫يستوجب البحث عن حلول واقعية و مرنة و قابلة لالستعمال الدائم‪ ،‬و ذلك من خالل‬
‫البحث عن "آلية واحدة متعددة األطراف" (‪ ،)Instrument Multilatéral‬غير أن البحث‬
‫عن اآللية األخيرة الزالت "فكرة" مطروحة من قبل المهتمين في مجال تحكيم االستثمار و‬
‫تتطلب سنوات من الدراسة و التمعن قصد بلورتها على أرض الواقع‪ ،‬و في انتظار ذلك نرى‬
‫َّ‬
‫مسطرة‬ ‫أنه يتعين إعادة النظر في االتفاقيات الدولية لالستثمار و ذلك من خالل رسم حدود‬
‫ومحددة تبعا لموضوع االستثمار شريطة احترام هذه االتفاقيات للسياسات الداخلية للدولة و‬
‫احترام حقها السيادي في التشريع‪ ،‬خاصة في مجاالت البيئة والصحة والشغل و كذا احترام‬
‫حقوق االنسان و السياسة النقدية‪ ،‬غير أن ذلك ال يتحقق دون مشاركة المجتمع الدولي‬
‫المعني بتحكيم االستثمار كالمؤسسات الدولية‪CNUDCI‬و ‪OECD‬و مراكز التحكيم الدولية‬
‫خاصة ‪ CIRDI‬وفقه تحكيم االستثمار‪ ،‬وفي هذا الخصوص فقد فتحت مجموعة من األوراش‬
‫على المستوى الدولي تهدف إلى إصالح نظام تسوية المنازعات بين المستثمرين و الدولة‬
‫(‪ )RDIE‬و ت عديل أنظمة التحكيم بالنسبة لبعض مراكز التحكيم كما هو الشأن بالنسبة ل‬
‫‪ ،CIRDI‬وال يسعنا في األخير إال أن نشيد بقيام مجموعة من الدول بتعديل اتفاقيات‬

‫‪324‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫االستثمار التي تكون طرفا فيها بشكل يسمح بخلق توازن بين مصالحها العامة و المصلحة‬
‫الخاصة للمستثمرين‪ ،‬ومن بين هذه الدول نجد المغرب‪ 1‬والواليات المتحدة األمريكية و كندا‪،‬‬
‫و يبقى السؤال المطروح دائما هل هذه التعديالت كفيلة من أجل إعادة النظر في المسؤولية‬
‫الدولية للدولة في اتفاقيات االستثمار في ظل فقدان الثقة في تحكيم االستثمار و ارتفاع‬
‫األصوات المتسائلة حول شرعية)‪ (légitimité‬و فاعلية نظام تسوية المنازعات المعتمد لدى‬
‫‪.CIRDI‬‬

‫‪1‬‬
‫نذكر على سبيل المثال االتفاقيات الثنائية التي أبرمها المغرب مع كل من نيجريا (‪ )1131‬واليابان (‪ )1111‬و الب ارزيل (‪.)1133‬‬

‫‪325‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫أ‬
‫نظام مسؤولية المدبرين العموميين امام القاضي‬
‫أ‬
‫المالي في مجال التاديب المتعلق بالميزانية‬
‫المالية‬
‫أ‬
‫ن‬‫و‬‫والشؤ‬
‫من إعداد الستاذ ابراهيم بن به‪،‬‬
‫أ‬
‫رئيس غرفة التاديب المتعلق بالميزانية والشؤون‬
‫أ‬
‫المالية بالمجلس العلى للحسابات‬
‫تقديم‬
‫على غرار األجهزة العليا للرقابة على المالية العامة في الدول التي تعتمد النموذج‬
‫القضائي‪ ،‬أسندت إلى المحاكم المالية‪ ،‬بموجب الدستور‪ ،‬نوعين من االختصاصات‪ ،‬ينظمها‬
‫القانون رقم ‪ 11-33‬المتعلق بمدونة المحاكم المالية‪ ،‬وهما‪ :‬اختصاصات قضائية تتجلى في‬
‫التدقيق والبت في حسابات األجهزة العمومية المدلى بها من طرف المحاسبين العموميين أو‬
‫المحاسبين بحكم الواقع‪ ،‬وفي التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬واختصاصات غير‬
‫قضائية تتمثل في مراقبة تدبير مرافق الدولة والمؤسسات واألجهزة العمومية األخرى ألجل‬
‫تقديره من حيث الكيف واقتراح الوسائل الكفيلة بتحسين طرقه والزيادة في فعاليته ومردوديته‬
‫ومستوى أدائه‪ ،‬وكذا في مراقبة استخدام األموال العمومية التي تتلقاها المقاوالت أو‬
‫الجمعيات‪...‬الخ‪.‬‬

‫ومن أجل تحقيق التكامل بين هذه الثنائية في طبيعة االختصاصات‪ ،‬أرست مدونة‬
‫المحاكم المالية منهجية المراقبة المندمجة‪ 1‬التي تتيح التوفيق بين طبيعة هذه المحاكم‪،‬‬
‫كمؤسسات قضائية تعاقب على المخالفات المالية التي يرتكبها المسؤولون في مجال تنفيذ‬
‫ميزانية األجهزة العمومية وتدبير ماليتها‪ ،‬ووظيفتها في مجال التدقيق ومراقبة التدبير التي‬
‫تسعى إل ى المساهمة‪ ،‬من خالل المالحظات والتوصيات التي تسفر عنها المهمات الرقابية‪،‬‬
‫إلى تحسين تدبير وأداء األجهزة الخاضعة للمراقبة‪ .‬وتنسجم هذه المقاربة مع األهداف التي‬
‫‪1‬‬
‫تنطلق هذه المراقبة من الحساب المدلى به من طرف المحاسب العمومي‪ .‬ويشمل التحقيق جميع المتدخلين في تنفيذ العمليات المالية سواء من‬
‫خالل الوثائق المثبتة أو االنتقال إلى عين المكان‪ .‬وتنصب على جميع أوجه التدبير‪ .‬كما تقيم جسو ار بين مختلف االختصاصات القضائية وغير‬
‫القضائية الموكولة للمحاكم المالية‪.‬‬

‫‪326‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫أحدثت من أجلها األجهزة العليا للرقابة‪ ،‬والتي تنصب على "تسجيل الفوارق مقارنة بالقواعد‬
‫واالختالالت وا لخروقات بالنظر إلى القوانين واألنظمة‪ ،‬وتقييم الفعالية والكفاءة واالقتصاد في‬
‫التدبير المالي بشكل يمكن‪ ،‬بصدد كل حالة‪ ،‬من اتخاذ اإلجراءات التصحيحية وتحديد‬
‫المسؤوليات أو اتخاذ إجراءات لتفادي أو لجعل تكرار مثل هذه الممارسات غاية في‬
‫الصعوبة"‪.1‬‬

‫في هذا اإلطار‪ ،‬تع كس ثنائية االختصاصات القضائية الموكولة إلى المحاكم المالية‬
‫أهمية مبدأ الفصل بين مهام اآلمر بالصرف والمحاسب العمومي في تحديد مالمح‬
‫وخصائص نظام مسؤولية المدبرين العموميين أمام القاضي المالي‪ .‬فهي من اآلثار القانونية‬
‫المترتبة عن توزيع العمل المنبثق عن هذا المبدأ الذي تترتب عنه مسؤوليات تختلف‬
‫باختالف طبيعة المهام المسندة إلى مختلف المدبرين العموميين والمخاطر المتصلة‬
‫بممارستها‪ .‬فإذا كان البت في الحسابات يعتبر اختصاصا رقابيا ذي طبيعة قضائية‪ ،‬يهدف‬
‫إلى ضمان مبدأ حصرية مهام المحاسب العمومي في مجال قبض وحيازة األموال العمومية‪،‬‬
‫من خالل البت في المسؤولية المالية والشخصية للمحاسبين العموميين‪ ،‬والمحاسبين بحكم‬
‫الواقع‪ ،‬عند االقتضاء‪ ،‬فإن الوظيفة العقابية للمحاكم المالية‪ ،‬التي يجسدها بشكل أساسي‬
‫اختصاص التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬تسعى إلى حماية القانون العام المالي‬
‫والتسيير الجيد في تدبير الشأن العام‪ ،‬وكذا مصالح الجهاز موضوع المراقبة‪ ،‬وبالتبعية‪،‬‬
‫مصالح السلطات العمومية والمواطن من خالل إثارة المسؤولية الشخصية لمرتكبي المخالفات‬
‫والجبر الكلي أو الجزئي للضرر الذي قد يلحق جها از عموميا‪.2‬‬

‫ونظ ار لالهتمام التي يستأثر به اختصاص التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪،‬‬
‫السيما أمام تنامي المطالبة‪ ،‬خالل السنوات األخيرة‪ ،‬بتعزيز المساءلة في مجال التدبير‬
‫المالي العمومي‪ ،‬باعتباره نظاما لمسؤولية قضائية مالية يغطي " المجال ما بين المسؤولية‬

‫‪1‬‬
‫التوجيهات الخاصة بالمبادئ الرقابية التي اعتمدها المؤتمر التاسع للمنظمة الدولية لألجهزة العليا للرقابة والمحاسبة (األنتوساي) المنعقد في أكتوبر‬
‫‪ 3311‬بالبيرو (إعالن ليما)‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫النقطة ‪ 1.3.3‬من المعيار ‪ – INTOSAI P 50‬مبادئ ممارسة المهام القضائية من طرف األجهزة العليا للرقابة المعتمد خالل مؤتمر‬
‫اإلنكوساي (الثالث والعشرون) للمنظمة الدولية لألجهزة العليا للرقابة المالية العامة والمحاسبة (اإلنتوساي) في العاصمة الروسية موسكو‪ ،‬شتنبر‬
‫‪.1133‬‬

‫‪327‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫التدبيرية‪ 1‬الصاعدة والمسؤولية الجنائية التي يجب حصرها في األفعال الخطيرة "‪ ،2‬تهدف‬
‫هذه المساهمة إلى التعريف بنظام مسؤولية المدبرين العموميين أمام القاضي المالي في‬
‫إطار هذا االختصاص العقابي‪ ،‬من خالل بسط عناصره والتعريف بها من أجل تحديد نطاق‬
‫ومجال المسؤولية المترتبة عنه (المبحث األول)‪ ،‬وذلك قبل التطرق إلى آليات تفعيل هذا‬
‫النظام‪ ،‬سواء فيما يتعلق بالمسطرة المتبعة في ممارسته أو قواعد إسناد المسؤولية والعقوبات‬
‫التي يصدرها القاضي المالي في إطار هذا النظام ( المبحث الثاني)‪.‬‬

‫المبحث األول‪ -‬تحديد نطاق ومبال المساءلة في مبال التأديب المتعلق‬


‫بالميزانية والشؤون المالية‬

‫من المسلم به في إطار االجتهاد القضائي والفقه المالي أن قضاء التأديب المتعلق‬
‫بالميزانية والشؤون المالية يعتبر قضاء إداريا متخصصا‪ .3‬وال يرتكز هذا التصنيف على كون‬
‫ق اررات وأحكام المحاكم المالية التي تصدرها في هذا المجال تخضع للنقض أمام الغرفة‬
‫اإلدارية بمحكمة النقض فحسب‪ ،4‬ولكن أيضا بالنظر إلى المعيار الذي استند عليه المشرع‬
‫في تحديد نطاق اختصاص التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ( الفرع األول)‪ ،‬وكذا‬
‫إلى مجال المساءلة في إطار هذا االختصاص الذي يستهدف فئات من المدبرين العموميين‬
‫الذين يمارسون وظ ائف ومهام ذات عالقة مباشرة بالتدبير المالي لألجهزة العمومية أو‬
‫صالحيات ال يمكن فصلها عن هذه العمليات‪ ،‬وبصفة عامة السلطات اإلدارية والتدبيرية‬
‫باألجهزة الخاضعة‪ ،‬سواء اتخذت أعمالها شكل أفعال ايجابية أو جاءت في صور أخطاء‬
‫اإلهمال والتقصير في القيام بالواجبات الوظيفية الموكولة إليهم بهذه األجهزة (الفرع الثاني)‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫في إطار هذه المسؤولية‪ ،‬يتراجع دور اآلمر بالصرف كصفة التي تحيل على تطبيق القواعد القانونية التي تخضع لها األجهزة العمومية‪ ،‬وتعتبر‬
‫الرابط ما بين السلطة السياسية وتنفيذ الميزانية‪ ،‬مقابل تنامي دور المدبر العمومي الذي تنصب صفته على القدرة والكفاءة في التدبير وتحقيق النتائج‬
‫المرسومة‪.‬‬
‫‪2 Stéphane Thébault, L’ordonnateur en droit public financier, L.G.D.J, Montechrestien, 2007.p : 295‬‬
‫‪3‬‬
‫‪« Juridiction administrative spéciale », (concl A.Bernard, CE, ass, 30 juin 1961, Procureur général près la‬‬
‫‪Cour des comptes c/Mazer, Lebon, p :451‬‬
‫‪4‬‬
‫المادتان ‪ 03‬و‪ 11‬من مدونة المحاكم المالية‪.‬‬

‫‪328‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الفرع األول‪ -‬نطاق المساءلة‪ :‬معيار الصفة الوظيفية ببهاز عام‬


‫إذا كانت األشخاص المعنوية ال تخضع الختصاص المجلس في مادة التأديب المتعلق‬
‫بالميزانية والشؤون المالية‪ ،1‬فقد اعتمد المشرع المغربي في تحديد األشخاص الخاضعين لهذا‬
‫االختصاص على معيارين متكاملين‪ ،‬هما الصفة الوظيفية للشخص (الفقرة الثانية)‬
‫وممارسة هذه الوظيفة داخل جهاز معين (الفقرة األولى)‪ ،‬التي قد تتعلق بصناعة القرار‬
‫المالي أو بتنفيذه أو بمراقبته‪ .2‬وبالتالي‪ ،‬تنصب المساءلة‪ ،‬في هذا المجال‪ ،‬على وظيفة‬
‫المسؤول المتابع ومدى قيامه بواجباته المهنية‪ ،‬وبصفة عامة‪ ،‬بالمهام المنوطة به طبقا‬
‫للقوانين واألنظمة السارية على الجهاز المعني‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ -‬األجهزة الخاضعة الختصاص التأديب المتعلق بالميزانية‬


‫والشؤون المالية‬
‫خضع تحديد نطاق اختصاص التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية لتطور‬
‫تشريعي أفضى إلى حصر األجهزة المحددة للمسؤولين الخاضعين الختصاص المجلس في‬
‫‪3‬‬
‫هذا المجال في األجهزة العمومية‪ .‬فبمقتضى الفصل ‪ 51‬من القانون رقم ‪ 31-13‬المنسوخ‬
‫" يمارس المجلس مهمة قضائية في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية بالنسبة‬
‫لكل موظف أو مسؤول أو عون جهاز عام وكل مسؤول أو عون بكل جهاز آخر تجري‬
‫عليه مراقبة المجلس‪."...‬‬

‫وألن مفهوم الجهاز العام في إطار هذا القانون لم يكن يثير أي لبس‪ ،4‬فقد أفضت‬
‫الممارسة القضائية في إطار القانون رقم ‪ 31-13‬إلى أن األجهزة التي تمت متابعة‬

‫‪ 1‬عكس ما هو عليه األمر في مادة التسيير بحكم الواقع حيث اعتبر المجلس الدستوري الفرنسي في ق ارره تحت رقم ‪ DC 82-143‬بتاريخ ‪11‬‬
‫يوليوز ‪ 3391‬في قضية "‪ "Nucci‬إمكانية الحكم بغرامة على شخص معنوي‪ ،‬انظر للمزيد من التفاصيل‪:‬‬
‫‪N.Groper, Responsabilité des gestionnaires publics devant le juge financier, Dalloz, (Référence), 2010-‬‬
‫‪2011, p : 461, point : 231-08.‬‬
‫‪ 2‬محمد أشركي‪ ،‬المحاكم المالية وديوان المظالم‪ :‬الضمير المالي والضمير اإلنساني‪ ،‬مجلة ديوان المظالم‪ ،‬العدد ‪ ،1115 /1‬ص‪.11 :‬‬
‫‪3‬‬
‫المتعلق بالمجلس األعلى للحسابات‪ ،‬الصادر بشأن تنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 3-13-315‬الصادر بتاريخ ‪ 11‬شوال ‪ 30(3133‬شتنبر‬
‫‪.)3313‬‬
‫يتعلق األمر‪ ،‬بمقتضى هذا القانون‪ ،‬باألجهزة العامة التي حددتها الفقرة األخيرة من الفصل ‪ 15‬من القانون المذكور أعاله في‪ :‬الدولة والجماعات‬ ‫‪4‬‬

‫المحلية والمؤسسات العمومية التي تتوفر على محاسب عمومي‪ ،‬أي األجهزة التي تخضع لقواعد المحاسبة العمومية‪.‬‬

‫‪329‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫مسؤولين بها في إطار التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية تتعلق بمرافق الدولة‬
‫والجماعات المحلية وبعض المؤسسات العمومية‪ .1‬في حين‪ ،‬لم تتعرض المنازعة القضائية‬
‫في إطار هذا القانون للمقصود بجهاز آخر " تجري عليه مراقبة المجلس"‪ ،2‬األمر الذي لم‬
‫يكرس اجتهادات قضائية في الموضوع من شأنها التوسيع من نطاق المساءلة في إطار هذا‬
‫القانون‪ ،‬كما هو الشأن بالنسبة لالجتهاد القضائي الفرنسي‪ ،‬الذي اعتبر‪ ،‬بشأن نفس العبارة‬
‫العامة أعاله‪ ،‬أن انعقاد اختصاص محكمة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ال‬
‫يشترط " الممارسة الفعلية للمراقبة من طرف محكمة الحسابات (أو غرفة جهوية للحسابات)‪،‬‬
‫ولكن فقط بناء على أهلية هذه المحكمة للقيام بهذه المراقبة ‪.3"...‬‬

‫أما في إطار القانون رقم ‪ 11-33‬المتعلق بمدونة المحاكم المالية‪ ،‬وإن تشبت المشرع‬
‫بربط خضوع األشخاص النتسابهم إلى أجهزة يشملها االختصاص‪ ،‬فقد اتبع أسلوب الالئحة‬
‫في تحديد األجهزة الخاضعة‪ ،4‬إذ حددت المادة ‪ 53‬من هذه المدونة األجهزة المعنية في‬
‫مرافق الدولة والمؤسسات العمومية والشركات أو المقاوالت التي تملك فيها الدولة أو‬
‫المؤسسات العمومية على انفراد أو بصفة مشتركة بشكل مباشر أو غير مباشر‪ ،‬أغلبية‬
‫األسهم في الرأسمال أو سلطة مرجحة في اتخاذ القرار‪ 5‬والشركات أو المقاوالت التي تملك‬
‫فيها الدولة أو المؤسسات العمومية بصفة مشتركة مع الجماعات الترابية أغلبية األسهم في‬
‫الرأسمال أو سلطة مرجحة في اتخاذ القرار‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫التقرير السنوي للمجلس األعلى للحسابات برسم سنة ‪ ،1130‬فبراير‪ ،1131‬ص‪.31 :‬‬
‫‪2‬‬
‫مبدئيا تشمل هذه المراقبة‪ ،‬باإلضافة إلى االختصاصات القضائية‪ ،‬اختصاصات رقابية أخرى غير قضائية تخضع لها العديد من األجهزة المختلفة‬
‫والمتنوعة سواء من حيث شكلها القانوني أو طبيعة نشاطها‪ ،‬كما هو الشأن بالنسبة لمراقبة التسيير (الفصل ‪ 13‬من القانون رقم ‪ 31-13‬المذكور‬
‫أعاله) واستعمال األموال العمومية (الفصل ‪ 11‬من نفس القانون)‪.‬‬
‫‪3CDBF, 22 et 29 novembre 1985, Guitonneau .‬‬
‫‪4‬‬
‫المادة ‪ 53‬من مدونة المحاكم المالية‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫تتخذ السلطة المرجحة في اتخاذ القرار أشكاال متعددة‪ ،‬نورد منها األساسية‪ :‬تخويل الهيئة العامة التقرير في مجاالت معينة؛ ترجيح الجانب الذي‬
‫ينتمي إليه ممثل الهيئة العامة في حالة تع ادل األصوات أو عدم الحصول على األغلبية المطلوبة؛ اشتراط موافقة ممثل الهيئة العامة في ق اررات أو‬
‫إجراءات معينة؛ أهمية مندوبيها داخل الجمعية العمومية من حيث العدد أو من حيث صفتهم ومكانتهم خصوصا وأنه ال يفترض في مندوبي الدولة‬
‫أن يكونوا مساهمين أو مالكين حقيقيين لألسهم؛ تعيين رئيس المجلس اإلداري من بين ممثلي الدولة خاصة أن السلطة اإلدارية الوصية تلعب دو ار‬
‫هاما في هذا التعيين باقتراحها أو ضرورة المصادقة على التعيين إذا ما تم من طرف المجلس اإلداري أو التعيين المباشر دون تدخل المجلس‬
‫اإلداري؛ وتعيين المدير العام من طرف الدولة مباشرة ‪.‬‬

‫‪330‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وبالتالي‪ ،‬ال يشمل هذا االختصاص األجهزة األخرى الخاضعة لمراقبة التسيير‪ ،‬السيما‬
‫‪1‬‬
‫المقاوالت المخولة االمتياز في مرفق عام أو المعهود إليها بتسييره وأجهزة الضمان االجتماعي‬
‫كيفما كان شكلها واألجهزة الخاضعة لمراقبة استعمال األموال العمومية‪ ،2‬التي تتلقى من أحد‬
‫األجهزة العمومية مساعدات مالية في شكل مساهمات من أرباب العمل أو في شكل إعانات‪ ،‬وكذا‬
‫الجمعيات وكل األجهزة األخرى التي تستفيد من مساهمة في الرأسمال أو من مساعدة كيفما كان‬
‫شكلها من طرف الدولة أو مؤسسة عمومية أو من أحد األجهزة األخرى الخاضعة لمراقبة‬
‫التسيير‪.3‬‬

‫وتبعا لهذا التطور التشريعي‪ ،‬يتبين أن المشرع المغربي اعتمد‪ ،‬في تحديد نطاق‬
‫التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬المفهوم التقليدي للمرفق العام‪ ،‬من خالل تحديد‬
‫األجهزة الخاضعة في إطار مدونة المحاكم المالية على أساس معيار " األموال العمومية من‬
‫حيث المصدر" بدل معيار " تتبع المساهمات العمومية" الذي كان يحدد هذه األجهزة في‬
‫إطار القانون رقم ‪ 31-13‬سالف الذكر‪ ،‬األمر الذي يستثني مجموعة من المتدخلين في‬

‫‪1‬مقارنة بالتجربة الفرنسية‪ ،‬يبرر إخضاع أجهزة الضمان االجتماعي الختصاص محكمة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية بكون " هذه‬
‫األجهزة تضمن تدبير مرفق عام حتى عندما تتخذ شكل أجهزة القانون الخاص‪ .‬ويكون االنخراط والمساهمة فيها إلزاميا‪ .‬ومن حق هؤالء المساهمين‬
‫أن يتوفروا على الحماية وعلى هذا األساس من المناسب ومن الطبيعي أن يخضع مسيروها الختصاص المحكمة "‪.‬‬
‫‪G. Sabatier, Rapport fait au nom de la commission des Finances, de l’Economie générale et du Plan sur le‬‬
‫‪projet de loi modifiant et complétant la loi n°48-1484 du 25 septembre 1948, JORF Débats, sénat, 27 mai‬‬
‫‪1971, p : 5.‬‬
‫‪2‬‬
‫حددت المادة ‪ 11‬من مدونة المحاكم المالية األجهزة التي تخضع الختصاص المجلس في إطار مراقبة التسيير والمتمثلة في مرافق الدولة‬
‫والمؤسسات العمومية والمقاوالت المخولة االمت ياز في مرفق عام أو المعهود إليها بتسييره‪ ،‬باستثناء تلك التي تخضع لرقابة المجالس الجهوية‬
‫والشركات و المقاوالت التي تملك فيها الدولة أو مؤسسات عمومية على انفراد أو بصفة مشتركة بشكل مباشر أو غير مباشر أغلبية األسهم في‬
‫الرأسمال أو سلطة مرجحة في اتخاذ القرار وا لشركات و المقاوالت التي تملك فيها الدولة و مؤسسات عمومية بصفة مشتركة مع الجماعات المحلية‬
‫أغلبية األسهم في رأسمال أو سلطة مرجحة في اتخاذ القرار وأجهزة الضمان االجتماعي كيفما كان شكلها‪ ،‬التي تتلقى من أحد األجهزة المنصوص‬
‫عليها في الفقرات أعاله مساعدات مالية ف ي شكل مساهمات من أرباب العمل أو في شكل إعانات‪ .‬أما مراقبة استعمال األموال العمومية‪ ،‬فتخضع‬
‫له طبقا للمادة ‪ 91‬من القانون رقم ‪ 11-33‬المتعلق بمدونة المحاكم المالية المقاوالت أو الجمعيات أو كل األجهزة األخرى التي تستفيد من مساهمة‬
‫في الرأسمال أو من مساعدة كيفما كان شكلها من طرف الدولة أو مؤسسة عمومية أو من أحد األجهزة األخرى الخاضعة لرقابة المجلس (في إطار‬
‫مراقبة التسيير والواردة في المادة ‪ 11‬من المدونة)‪.‬‬
‫كما هو الشأن بالنسبة لمؤسسات األعمال االجتماعية التي تعتبر من أشخاص القانون الخاص وال تخضع‪ ،‬تبعا لذلك‪ ،‬الختصاص المجلس في‬ ‫‪3‬‬

‫ميدان التأديب المالي‪ ،‬طبقا للمادة ‪ 53‬من مدونة المحاكم المالية‪ ،‬انظر القرار عدد ‪ /1135/30‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م الصادر بتاريخ ‪ 11‬يوليوز ‪ 1135‬في‬
‫القضية عدد ‪ / 1131/311‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م المتعلقة بالتسيير المالي لمكتب الصرف‪ ،‬ق اررات صادرة عن غرفة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون‬
‫المالية‪ ،‬فبراير ‪ ،1139‬ص‪ . 11 :‬بيد أن التأكد من أن مبالغ اإلعانات المالية التي تستفيد منها هذه المؤسسات والممنوحة من طرف جهاز عمومي‬
‫قد تم صرفها في المجاالت واألهداف التي أنشئت من أجلها يندرج ضمن اختصاص المجلس في إطار مراقبة استعمال األموال العمومية‪ ،‬طبقا‬
‫للمادة ‪ 91‬من مدونة المحاكم المالية‪ .‬وقد تكون‪ ،‬عند االقتضاء‪ ،‬موضوع اختصاص التسيير بحكم الواقع (‪.)Associations transparentes‬‬

‫‪331‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫التدبير المالي العمومي‪ ،‬ويجعل هذا المجال أوسع من نطاق التأديب المتعلق بالميزانية‬
‫والشؤون المالية‪ ،‬السيما أمام التحوالت الراهنة التي يخضع لها المرفق العام‪ ،‬التي جعلت‬
‫الطريقة التقلي دية في تدبيره‪ ،‬كطريقة فريدة من طرف السلطة العامة لتحقيق الصالح العام‬
‫متجاوزة‪ ،‬حيث أضحى هذا المفهوم ال يستلزم بالضرورة‪ ،‬في الوقت الراهن‪ ،‬اإلدارة المباشرة‬
‫من طرف الدولة‪ ،‬إذ " لم يعد (يشكل) امتدادا المتيازات اإلدارة‪ ،‬ولكن كمقابل للمسؤوليات‬
‫الموكولة إليها في الحياة االجتماعية حيث يرتكز مضمونه على التزاماتها تجاه المرتفقين"‪.1‬‬

‫وبالرغم من هذا التفاوت في رسم نطاق األجهزة الخاضعة‪ ،‬إذ تشكل مدونة المحاكم‬
‫المالية تراجعا مقارنة مع المجال الواسع الذي تبناه القانون رقم ‪ 31-13‬المنسوخ‪ ،‬على األقل‬
‫نظريا‪ ،‬فإن النطاق الفعلي لألجهزة المعنية بقضايا التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‬
‫ظل ثابتا نسبيا من حيث طبيعة األجهزة‪ ،‬إذ كانت قضايا التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون‬
‫المالية المرفوعة أمام المجلس في إطار القانون رقم ‪ 31-13‬المتعلق بالمجلس األعلى‬
‫للحسابات (الفصل ‪ 51‬منه)‪ ،‬ابتداء من سنة ‪ 3330‬إلى حدود سنة ‪ ،1111‬تهم التسيير‬
‫المالي لمرافق الدولة والمؤسسات العمومية وبشكل خاص الجماعات المحلية‪ .2‬ولئن ظلت‬
‫هذه القاعدة قائمة بعد صدور مدونة المحاكم المالية‪ ،‬فقد لوحظ‪ ،‬بالمقابل‪ ،‬تصاعدا خالل‬
‫السنوات األخيرة في عدد القضايا الرائجة أمام المجلس والمتعلقة بالمؤسسات العمومية‬
‫والشركات والمقاوالت العمومية‪.3‬‬

‫الفقرة الثانية‪ -‬األشخاص الخاضعون‪ :‬لين صناعة القرار المالي وتنفيذه‬


‫حددت مدونة المحاكم المالية األشخاص الخاضعين الختصاص المجلس األعلى‬
‫للحسابات في مادة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية في اآلمر بالصرف أو اآلمر‬
‫المساعد بالصرف أو كل مسؤول‪ ،‬وكذا كل موظف أو عون يعمل تحت سلطتهم أو‬

‫‪1‬‬
‫‪J. Jacques Chevallier, Le service public, PUF, collection : « Que sais-je ? », 6ème édition, 2005, P : 21.‬‬
‫‪2‬‬
‫تسري على المجالس الجهوية للحسابات نفس المقتضيات المنظمة لهذا االختصاص من طرف المجلس األعلى للحسابات‪ ،‬مع مراعاة بعض‬
‫االستثناءات ذات صلة بطبيعة األجهزة الخاضعة لهذه المجالس‪ ،‬إذ تحيل مقتضيات الكتاب الثاني من مدونة المحاكم المالية المتعلق بالمجالس‬
‫الجهوية للحسابات على الكتاب األول من نفس القانون المتعلق بالمجلس األعلى للحسابات سواء فيما يتعلق بالمخالفات أو المسطرة أو العقوبات‪.‬‬
‫تجدر اإلشارة إلى أن البعض من القضايا المتعلقة بالجماعات المحلية المرفوعة أمام المجلس في إطار القانون رقم ‪ 31-13‬ظل رائجا بعد دخول‬
‫الكتاب األول من مدونة المحاكم المالية حيز التنفيذ في فاتح يناير ‪ . 1111‬للمزيد من التفاصيل‪ ،‬انظر‪ :‬ق اررات صادرة عن المجلس في مادة‬
‫التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬أكتوبر ‪ ،1135‬ص‪.5 :‬‬
‫‪3‬‬
‫ق اررات صادرة عن المجلس في مادة التأديب المالي‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.0 :‬‬

‫‪332‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫لحسابهم‪ .1‬كما يخضع لهذا االختصاص كل مراقب أو محاسب عمومي‪ ،‬وكذا كل موظف‬
‫أو عون يعمل تحت إمرته أو يعمل لحسابه في إطار مراقبة الوثائق المتعلقة بااللتزام‬
‫بالنفقات‪ ،‬وكذا كل موظف أو عون يعمل تحت إمرته أو يعمل لحسابه‪ ،2‬فضال عن كل‬
‫محاسب عمومي‪ ،‬وكذا كل موظف أو عون يوجد تحت إمرته أو يعمل لحسابه‪.3‬‬

‫ويستثنى من مجال المساءلة في إطار هذا االختصاص‪ ،‬طبقا للمادة ‪ 51‬من مدونة‬
‫المحاكم المالية‪ ،‬أعضاء الحكومة وأعضاء مجلس النواب ومجلس المستشارين عندما‬
‫يمارسون مهامهم بهذه الصفة‪ .‬ويبرز هذا االستثناء أهمية التمييز بين السلطة السياسية‬
‫والسلطة اإلدارية والمالية في هذا المجال‪ ،4‬اعتبا ار لكون القاضي المالي في إطار اختصاص‬
‫التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ليس قاضيا الختيارات التدبير بل محكمة انضباط‬
‫تضمن التقيد بالقواعد السارية في مجال التدبير المالي العمومي‪.5‬‬

‫وقد اعتمد المشرع المغربي في تحديد األشخاص الخاضعين على معيار طبيعة المهام‬
‫الموكولة إليهم في إطار مساطر تنفيذ المداخيل والنفقات العمومية وفقا لتوزيع العمل‪ ،‬المنبثق‬
‫عن مبدأ فصل المهام بين اآلمر بالصرف والمحاسب العمومي‪ ،‬الذي يتعين بموجبه على‬
‫اآلمر بالصرف‪ ،‬وهو كل شخص مؤهل باسم منظمة عمومية لرصد أو إثبات أو تصفية أو‬
‫األمر باستخالص دين أو أدائه‪ ،6‬تدبير شؤون الجهاز الذي يشرف عليه‪ ،‬طبقا للنصوص‬
‫القانونية الجاري بها العمل‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فإن المهام الموكولة إلى اآلمر بالصرف كمركز قانوني‬
‫‪1‬‬
‫المادة ‪ 50‬من مدونة المحاكم المالية‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫المادة ‪ 55‬من هذه المدونة‪.‬‬
‫‪ 3‬المادة ‪ 51‬من نفس المدونة‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫تجدر اإلشارة إلى أن التشريع المغربي يتميز عن نظيره الفرنسي بإخضاع رؤساء الجماعات الترابية وعمداء المدن الختصاص المجالس الجهوية‬
‫للحسابات في مادة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ .‬ففي الوقت الذي أسندت فيه الوالية الشاملة للقاضي المالي المغربي على مستوى‬
‫المجالس الجهوية للحسابات‪ ،‬في هذا المجال‪ ،‬على المدبرين المحليين بدون استثناء‪ ،‬ال يمكن مساءلة المنتخبين المحليين أمام محكمة التأديب‬
‫المتعلق بالميزانية والشؤون المالية في فرن سا إال في حاالت محدودة‪ ،‬وهي‪ :‬عدم تنفيذ المقررات القضائية أو إصدار أوامر بالتسخير ترتب عنها منح‬
‫منفعة غير مبررة للغير ألحقت ضر ار بالخزينة أو بمالية الجهاز المعني أو عندما يمارسون نشاطا غير ضروري لوظيفتهم التمثيلية‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Philipe Saunier, La faute de gestion dans la jurisprudence de la CDBF, RFDA, vol 8, n° 6, Novembre 1992,‬‬
‫‪p : 3, La CDBF « ...est une juridiction d’obéissance et non d’opportunité ... ».‬‬
‫للمزيد من التفاصيل حول مبررات استثناء الوزراء من قضاء التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬انظر كتابنا‪ :‬نظام مسؤولية المدبرين‬
‫العموميين أمام القاضي المالي‪ -‬دراسة قانونية وقضائية مقارنة‪ -‬منشورات المجلة المغربية للسياسات العمومية‪ -‬مطبعة طوب بريس‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪.311-331‬‬ ‫– ماي ‪ -1131‬صص‪:‬‬
‫‪6‬‬
‫الفقرة الثانية من الفصل ‪ 1‬من المرسوم الملكي رقم ‪ 111-11‬بتاريخ ‪ 31‬محرم ‪ 3191‬بسن نظام عام للمحاسبة العمومية‪ ،‬كما تم تغييره‬
‫وتتميمه‪.‬‬

‫‪333‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫لم تكن دائما سوى مهمة ملحقة بمهمة المتصرف أو المدبر العمومي التي تشكل وظيفته‬
‫الرئيسية‪ .1‬فاألصل أن االختصاصات المالية لآلمر بالصرف ال تعتبر سوى اختصاصات‬
‫تكميلية الختصاصاته ومهامه في تسيير وتدبير شؤون الجهاز العام الذي يشرف عليه‪،‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬ليس كل مدبر عمومي آم ار بالصرف‪ ،‬ولكن كل آمر بالصرف هو يقينا مدبر‬
‫عمومي‪.‬‬

‫في حين يعهد إلى المراقب مراقبة مقترحات االلتزام الصادرة عن اآلمر بالصرف‬
‫والتأشير عليها‪ .2‬بينما يتولى المحاسب العمومي حصريا التكفل بأوامر المداخيل الصادرة‬
‫عن اآلمرين بالصرف والديون المثبتة والقيام باستيفائها‪ ،‬وكذا استخالص الحقوق نقدا‪ ،‬وأداء‬
‫النفقات إما بأمر صادر عن اآلمرين بالصرف المعتمدين وإما بعد االطالع على السندات‬
‫التي يقدمها الدائنون وإما من تلقاء أنفسهم‪.3‬‬

‫وبالنظر إلى طبيعة مهام ووظائف مختلف األشخاص الخاضعين‪ ،‬لآلمر‬


‫بالصرف‪ ،‬والمدبر العمومي بصفة عامة‪ " ،‬دور إيجابي‪ ،‬السيما سلطة المبادرة‪ ،‬ويظل‬
‫هاجسه الرئيسي‪ ،‬في إطار المهام الموكولة إليه‪ ،‬ووفقا لإلمكانيات الموضوعة رهن إشارته‪،‬‬
‫التدبير الرشيد للمرفق العمومي‪(.‬ونظ ار ألن) أي تدبير ناجع ال يقتضي من المدبرين الحرص‬
‫على الشرعية أك ثر من حرصهم على اتخاذ المبادرات الجريئة التي قد تترتب عنها مخاطر‬
‫(‪ )...‬من الضروري أن يوكل لفئة أخرى من المسؤولين‪ ،‬أساسا المحاسبون العموميون‪،‬‬
‫مهمة التأكد من أن المدبرين يتصرفون داخل اإلطار المحدد من طرف الحكومة والبرلمان"‪.4‬‬

‫كما يمتد اختصاص التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية إلى الموظفين واألعوان‬
‫الذين يوجدون تحت إمرة اآلمر بالصرف أو المراقب أو المحاسب العمومي أو يعمل‬
‫لحسابهم‪ .‬في هذا الصدد‪ ،‬وإن لم تعرض على قضاء التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون‬
‫المالية قضايا لتحديد المقصود " بالعمل لحساب اآلمر بالصرف أو المراقب أو المحاسب‬

‫‪1‬‬
‫‪M.Bouvier, M-C.Esclassan et J-P Lassale, Finances publiques , LGDJ (Manuel), Paris, 10éme édition, 2010,‬‬
‫‪p : 322.‬‬
‫‪2‬‬
‫المرسوم رقم ‪ 1-11-3115‬الصادر في ‪ 5‬ذي القعدة ‪ 0( 3013‬نونبر ‪ )1119‬المتعلق بمراقبة نفقات الدولة‪.‬‬
‫‪ 3‬الفصل ‪ 3‬من المرسوم الملكي رقم ‪ 111-11‬المذكور أعاله‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪L’exposé des motifs du décret de 1953 sur la responsabilité des comptables publics, cité par Stéphanie‬‬
‫‪DAMAREY, Exécution et contrôle des finances publiques, Gualino éditeur, 2007, p : 72.‬‬

‫‪334‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫العمومي أو تحت سلطتهم" إلى حدود هذا التاريخ‪ ،‬فإن من شأن تكريس اجتهاد قضائي في‬
‫هذا المجال التوسيع في نطاق هذه الفئة بما يشمل باٌإلضافة إلى " كل شخص يعين في‬
‫وظيفة قارة"‪ ،1‬كل موظف أو عون أو مسؤول بجهاز آخر خاضع يعهد إليه اآلمر بالصرف‬
‫أو المراقب أو المحاسب العمومي بالجهاز المعني بمباشرة وظيفة أو مهمة ذات صلة‬
‫بالعمليات المالية المنجزة من طرف الجهاز المعني‪.‬‬

‫على صعيد آخر‪ ،‬ونظ ار ألن األجهزة الخاضعة ال تنحصر فقط في تلك التي تطبق‬
‫نظام المحاسبة العمومية‪ ،‬بل تمتد إلى األجهزة العمومية األخرى التي تلجأ في ممارسة‬
‫مهامها إلى قواعد القانون الخاص وال تخضع في تنظيمها اإلداري والمالي‪ ،‬تبعا لذلك‪ ،‬لمبدأ‬
‫فصل المهام بين اآلمر بالصرف والمحاسب العمومي‪ ،‬لم يحصر المشرع نطاق األشخاص‬
‫الخاضعين في الصفات الوظيفية المترتبة عن هذا المبدأ‪ ،‬إذ أوردت المادة ‪ 50‬من مدونة‬
‫المحاكم المالية‪ ،‬كذلك‪ ،‬شخص المسؤول‪.‬‬

‫وتكمن أهمية هذا المفهوم في كونه يتالءم مع تنظيم وتوزيع المهام باألجهزة التي تتخذ‬
‫شكل مؤسسات أو شركات أو مقاوالت عمومية لكنها ال تطبق في إطار أنظمتها المالية‬
‫والمحاسبية قواعد المحاسبة العمومية وقانون الوظيفة العمومية‪ ،‬ويتسق مع المهام‬
‫والمسؤوليات الجديدة الموكولة إلى المدبرين العموميين‪ ،‬تبعا للتحوالت التي يخضع لها مجال‬
‫التدبير العمومي في الوقت الراهن‪ ،‬والتي يمكن إجمالها في التوجه نحو اعتماد التدبير‬
‫المرتكز على النتائج بدل الوسائل‪ ،‬وذلك في سياق التقارب بين القطاع العام والقطاع‬
‫الخاص من حيث القواعد القانونية المطبقة‪ ،‬وتراجع نطاق السلطة العامة والقانون العام في‬
‫تدبير الشؤون المالية لألجهزة العمومية‪ .‬كما يتيح مفهوم المسؤول تجاوز عنصري التعيين‬
‫والعالقة النظامية في رسم نطاق والية القاضي المالي في مجال التأديب المتعلق بالميزانية‬
‫والشؤون المالية وامتدادها إلى األشخاص الذين يتولون مهاما تمثيلية بأجهزة خاضعة لهذا‬
‫االختصاص أو مسؤوليات عن طريق االنتخاب‪.2‬‬

‫‪1‬‬
‫الفصل الثاني من الظهير الشريف رقم ‪ 3.59.119‬الصادر بتاريخ ‪ 0‬شعبان ‪ 10( 3111‬فبراير ‪ )3359‬بمثابة النظام األساسي للوظيفة‬
‫العمومية (الجريدة الرسمية عدد ‪ 1111‬بتاريخ ‪ 13‬رمضان ‪ 33 -3111‬أبريل ‪ ،)3359‬كما تم تغييره وتتميمه‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫كما هو الشأن بالنسبة لم دراء الغرف المهنية بالنسبة للمجلس األعلى للحسابات ورؤساء الجماعات الترابية بالنسبة للمجالس الجهوية للحسابات‪.‬‬

‫‪335‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫أما من حيث الممارسة القضائية‪ ،1‬ومنذ شروع المجلس في ممارسة اختصاص التأديب‬
‫المتعلق بالميزانية والشؤون المالية سنة ‪ ،3330‬تأرجحت فئات األشخاص المعنيين بالقضايا‬
‫الرائجة وتلك التي تم البت فيها من طرف المجلس بين نسبة ‪ % 15‬بالنسبة لآلمرين‬
‫بالصرف‪ ،‬كالمدراء المركزيين بالو ازرات والمدراء العامين للمؤسسات العمومية‪ ،‬ونسبة ‪%39‬‬
‫تهم المدراء العامين لشركات ومقاوالت عمومية‪ .‬في حين تتراوح المستويات الوظيفية التنفيذية‬
‫مابين نسبة ‪ % 10‬بالنسبة لرؤساء األقسام والمصالح ونسبة ‪ %13‬فيما يخص الموظفين‬
‫واألعوان باألجهزة المعنية‪.‬‬

‫كما أسفرت هذه الممارسة عن محدودية الحاالت التي بت فيها المجلس في مسؤولية‬
‫المراقبين والمحاسبين العموميين‪ ،2‬التي ال تتجاوز نسبة ‪ ،%1‬ولم تحتل مسؤولية هؤالء حي از‬
‫هاما في المنازعة القضائية أمام قضاء التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬إذ لم‬
‫تتعرض الق اررات الصادرة عن المجلس لمهام ومسؤوليات هؤالء المراقبين إال بمناسبة البت‬
‫في مسؤولية اآلمر بالصرف‪ ،‬حيث كرس القاضي المالي المغربي المبدأ الذي يفيد بأن‬
‫تأشيرة المراقب والمحاسب العمومي ال تشكل سببا لعدم مساءلة اآلمر بالصرف عن‬
‫المخالفات التي يرتكبها في إطار تنفيذ النفقات العمومية‪.3‬‬

‫وتجد هذه الحصيلة مبررها في الظروف التاريخية المرتبطة بإحداث اختصاص التأديب‬
‫المتعلق بالميزانية والشؤون المالية في فرنسا‪ ،‬بلد النشأة‪ ،‬خالل فترة مابعد الحرب العالمية‬
‫الثانية‪ ،4‬وفي التغييرات التي طرأت على مبدأ فصل السلط كما اعتمدتها الثورة الفرنسية‪،1‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Présentation de la compétence de la Cour des comptes du Royaume du Maroc en matière de discipline‬‬
‫‪budgétaire et financière, Actes de séminaire de l’AISCUF sur la répression des fautes de gestion, Centre de‬‬
‫‪formation de la Cour des comptes, Rabat, 1 er au 3 juin 2016.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ibidem‬‬
‫‪3‬‬
‫ق ـرار عدد ‪ /1133/31‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م بتاريخ ‪ 39‬يناير ‪ 1133‬الصادر في القضية عدد ‪ /1113/331‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م المتعلقة بالتسيير المالي لجماعة‬
‫محلية‪ ،‬ق اررات صادرة عن المجلس في مادة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬أكتوبر ‪ 1135‬ص‪31:‬؛ق ـرار عدد ‪ /1131/13‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م‬
‫في فاتح مارس ‪ 1131‬الصادر في القضية عدد ‪ /1111/311‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م المتعلقة بالتسيير المالي لمؤسسة عمومية‪ ،‬ص‪10 :‬؛ق ـرار عدد‬
‫‪/1131/11‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م بتاريخ ‪ 11‬دجنبر ‪ 1131‬الصادر في القضية عدد ‪ /1119/311‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م المتعلقة بمؤسسة عمومية ‪ ،‬ص‪315 :‬؛قرار‬
‫عدد ‪ /1131/11‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م بتاريخ ‪ 19‬ماي ‪ 1131‬الصادر في القضية عدد ‪ /1131/313‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م المتعلقة بالتسيير المالي لمؤسسة‬
‫عمومية‪ ،‬ص‪301:‬؛ قرار عدد ‪/1135/33‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م الصادر بتاريخ ‪ 39‬ماي ‪ 1135‬في القضية عدد ‪/ 1131/313‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م المتعلقة بالتسيير‬
‫المالي للمدرسة المحمدية للمهندسين‪ ،‬ق اررات صادرة عن غرفة مادة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬فبراير ‪ ،1139‬ص‪.13:‬‬
‫‪4‬‬
‫للمزيد من التفاصيل حول الحالة العامة للتدبير المالي العمومي في ف رنسا والتجاوزات الملحوظة في أعمال اآلمرين بالصرف في إعقاب الحرب‬
‫العالمية الثانية‪ ،‬انظر‪:‬‬

‫‪336‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وبالنتيجة‪ ،‬بسبب هاجس تحقيق التوازن في المسؤولية أمام القضاء المالي بين اآلمر‬
‫بالصرف والمحاسب العمومي حتى ال تترك أخطاء التسيير التي يرتكبها اآلمرون بالصرف‬
‫بدون عقاب بينما تعاقب أخطاء المحاسبين العموميين بشدة في إطار المسؤولية المالية‬
‫والشخصية في مادة البت في الحسابات‪.2‬‬

‫على صعيد آخر‪ ،‬يعزى تركيز المساءلة على السلطات التدبيرية والتنفيذية باألجهزة‬
‫الخاضعة إلى الطابع الرئيسي لدور اآلمر بالصرف ومساعديه في تدبير شؤون األجهزة‬
‫الخاضعة‪ ،‬إذ بحكم "موقعه في قمة المرفق العمومي‪ ،‬فإن (له) هاجس أساسي يتمثل في‬
‫ضمان التسيير في أحسن الظروف(‪ )...‬ونظ ار لكون الحاجيات تتجاوز عموما اإلمكانيات‬
‫المرخص بها في الميزانية وتبدو فيها القواعد القانونية غالبا كعراقيل غير متحكم فيها‪ ،‬فإن‬
‫التوجه الطبيعي هو محاولة تجاوزها على أساس أن رؤسائهم سيتولون تقييمهم على أساس‬
‫نتائج مبادراتهم وليس بناء على مدى احترامهم للقانون"‪ .3‬في حين تنحصر مجال مسؤولية‬
‫المراقبين والمحاسبين العموميين في أعمال سلبية يمكن إجمالها في عدم القيام بالمراقبات‬
‫التي هم ملزمون بها‪ ،‬طبقا للقوانين واألنظمة الجاري بها العمل‪.‬‬

‫وبذلك‪ ،‬يحتل نطاق اختصاص التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية موقعا وسطا‬
‫مقارنة بمختلف االختصاصات الرقابية للمجلس األعلى للحسابات القضائية منها أو غير‬
‫القضائية‪ .‬فإذا كان مجاله يمتد إلى أجهزة عمومية أخرى غير تلك الخاضعة الختصاص‬
‫البت في الحسابات‪ ،‬أي األجهزة التي ال تتوفر على محاسب عمومي‪ ،‬فإن المدبرين الذين‬
‫يتولون التصرف في أموال عمومية ولكن ينتمون ألجهزة خاضعة للقانون الخاص‪ ،‬ال‬
‫يخضعون لهذا االختصاص‪ .‬ومن هذه الزاوية‪ ،‬يكتسي اختصاص التسيير بحكم الواقع‪ ،‬الذي‬
‫يعتبر في نفس اآلن مخالفة لمبدأ فصل المهام بين اآلمر بالصرف والمحاسب العمومي‬

‫‪Christophe PIERUCCI, Une responsabilité à raison de la gestion publique : La responsabilité devant la Cour‬‬
‫‪de discipline budgétaire et financière, Thèse de doctorat en Droit, Mention « Droit Public », Université Robert‬‬
‫‪Schuman-Strasbourg III, Faculté de Droit, des Sciences Politiques et de Gestion, 19 décembre 2003, p :3 et‬‬
‫‪suivantes.‬‬
‫‪1‬‬
‫يروم هذا المبدأ في صيغته األصلية تفادي عرقلة المتصرفين واآلمرين بالصرف في ممارسة مهامهم تحت طائلة حلول حكومة القضاة محل‬
‫اإلدارة‪.‬‬
‫‪2 J. Vieilleville, M. Breyton, Guide de l’élu local, Prévention des risques de gestion, Dalloz, 1997, p : 83.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪G. Montagnier, Principes de comptabilité publique, 2éme édition, Dalloz, 1981, p : 72.‬‬

‫‪337‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ومسطرة قضائية فرعية في مادة البت في الحسابات‪ ،‬وبالتبعية‪ ،‬نظام تكميلي للمسؤولية في‬
‫إطار البت في الحسابات‪ ،‬أهمية قصوى في ضمان الوالية الشاملة للقاضي المالي‪ 1‬مقارنة‬
‫بالبت في حسابات المحاسبين العموميين النظاميين والتأديب المتعلق بالميزانية والشؤون‬
‫المالية‪ ،‬إذ العبرة في انعقاد هذا االختصاص بقبض وحيازة أموال عمومية والتصرف فيها‬
‫دون أهلية‪ ،‬وليس بالصفة الوظيفية للشخص المعني والجهاز الذي ينتسب إليه‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ -‬نطاق مبدأ شرعية المخالفة في مبال التأديب المتعلق‬


‫بالميزانية والشؤون المالية‬
‫يرتبط مفهوم المخالفة‪ ،‬في إطار القانون رقم ‪ 11-33‬المتعلق بمدونة المحاكم المالية‪،‬‬
‫باالختصاصات القضائية الموكولة إلى المجلس‪ .2‬وقد دأب الفقه المالي على نعت المخالفات‬
‫المستوجبة للمسؤولية أمام ا لقاضي المالي سواء في مادة البت في الحسابات أو في مجال‬
‫التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية بالمخالفات المالية‪.3‬‬

‫وال تستمد هذا النعت من كون القواعد القانونية التي تخالفها ذات طبيعة مالية‪ ،‬ولكن‬
‫من كونها تهدف إلى حماية المال العام‪ ،‬أي الموارد المالية لألجهزة العمومية‪ ،‬وبصفة عامة‬
‫ممتلكات هذه األجهزة وضمان حسن استعمالها‪ ،4‬اعتبا ار لكون الهدف من المساءلة عن هذه‬

‫‪1‬‬
‫إال أن ممارسة هذا االختصاص ظل محدودا بسبب طول آجال البت‪ ،‬إذ تتضمن المسطرة المطبقة في هذا اإلطار مراحل متعددة ومختلفة وتشكل‬
‫فيها كل مرحلة شرطا لالنتقال إلى المرحلة الموالية ويشوبها غموض في مسطرة التصريح بحالة التسيير بحكم الواقع وعيب الخلط بين سلطة‬
‫التحقيق وسلطة المتا بعة‪ .‬للمزيد من التفاصيل‪ ،‬انظر كتابنا حول نظام مسؤولية المدبرين العموميين أمام القاضي المالي‪ -‬دراسة قانونية وقضائية‬
‫مقارنة‪ -‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 91 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫بينما يرتبط مفهوم المالحظة والتوصية باالختصاصات الرقابية غير القضائية للمجلس‪ ،‬كما هو الشأن بالنسبة لم ارقبة التسيير ومراقبة استخدام‬
‫األموال العمومية‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫يميز الفقه في إطار هذه المخالفة مابين المخالفة اإلدارية والمخالفة المالية‪ .‬فإذا كانت هذه األخيرة تنصرف إلى األفعال التي تشكل خرقا لألحكام‬
‫المتعلقة بتنفيذ العمليات المالية والمحاسبية ويترتب عنها أث ار ماليا‪ ،‬فإن المخالفة اإلدارية تعتبر أكثر شموال‪ ،‬إذ تنصرف إلى كل إخالل بواجبات‬
‫الوظيفة سواء تعلق األمر بتنفيذ العمليات المالية والمحاسبية أو غيرها من المهام الوظيفية األخرى‪ ،‬وال يترتب عنها بالضرورة أثر مالي‪ .‬ويمكن أن‬
‫تشكل بعض المخالفات اإلدارية مخالفات مالية نص عليها في القانون المحدث للجهاز الرقابي‪ .‬كما توجد سمات مشتركة بين المخالفة المالية‬
‫والمخالفة اإلدارية حيث تشكالن مخالفات تأديبية وتخالفان القانون وكلتيهما ارتكبهما مسؤول بمناسبة ممارسته للمهام المسندة إليه بحكم وظيفته‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Christophe PIERUCCI, Une responsabilité à raison de la gestion publique op, cit, p : 54.‬‬

‫‪338‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المخالفات أمام المحاكم المالية ليس بالدرجة األولى تأديب األشخاص المرتكبين لهذه‬
‫المخالفات‪ ،‬بل تحقيق االنضباط في مجال التدبير العمومي وحماية القانون العام المالي‪.1‬‬

‫وقبل تناول تطبيقات مبدأ شرعية المخالفة في المنازعة القضائية الخاصة بالتأديب‬
‫المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ونطاقها (الفقرة الثانية)‪ ،‬سنتعرض في نقطة أولى إلى‬
‫المخالفات المستوجبة للمسؤولية في هذا المجال‪ ،‬كما هي محددة في مدونة المحاكم المالية‬
‫(الفقرة األولى)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ -‬المخالفات المستوجبة للمسؤولية في مادة التأديب المتعلق‬


‫بالميزانية والشؤون المالية‬
‫ميزت مدونة المحاكم المالية بين مخالفات كل فئة من الفئات الرئيسية لألشخاص‬
‫الخاضعين الختصاص المجلس األعلى للحسابات في مادة التأديب المتعلق بالميزانية‬
‫والشؤون المالية‪ ،‬إذ تضمنت المادة ‪ 50‬من هذا القانون تلك المتعلقة باآلمر بالصرف أو‬
‫بالمسؤول بجهاز خاضع‪ ،‬وكذا كـل موظف أو عون يعمل تحت سلطتهم أو لحسابهـم في‬
‫حين تناولت المادة ‪ 55‬منه المخالفات التي قد تثير مسؤولية مراقب االلتزام بالنفقات‬
‫والمراقب المالي‪ ،‬وكذا كـل موظف أو عون يعمل تحت سلطتهم أو لحسابهـم‪ ،‬بينما تعرضت‬
‫المادة ‪ 51‬من نفس القانون للمخالفات التي قد يعاقب عليها المحاسبون العموميون‪ ،‬وكذا كـل‬
‫موظف أو عون يعمل تحت سلطتهم أو لحسابهـم من أجل ارتكابها‪.‬‬

‫ويعتبر هذا التمييزمن اآلثار القانونية المترتبة عن مبدأ الفصل بين مهام اآلمر‬
‫بالصرف والمحاسب العمومي‪ ،‬الذي ارتبط تاريخيا" بعدم ثقة السلطة التشريعية في مدبري‬
‫األموال العمومية"‪ ،2‬ويشكل تطبيقا للمبدأ السياسي والدستوري التقليدي لفصل السلط في‬
‫المجال المالي‪ .3‬ومن هذه الزاوية‪ ،‬تفيد المقارنة بين مختلف المخالفات المستوجبة للمسؤولية‬

‫‪1 A. Froment – Meurice (et autres), Observations sur la décision du Conseil constitutionnel (France), 3 mars‬‬
‫‪2005, n° 23005-198L, Nature des dispositions du CJF concernant la CDBF, Les grands Arrêts de la‬‬
‫‪jurisprudence financière (GAJF), Dalloz, 2014, p : 28.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Christian Bigaut, Finances publiques- Droit budgétaire, Economica, Paris, 1995, p :156.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Paul-Marie Gaudemet et Joël Molinier, Finances publiques, Tome 1 er : Budget-Trésor, Montchrestien, 6éme‬‬
‫‪édition, 1992, p : 348.‬‬

‫‪339‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫في مادة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬كما حددتها المواد ‪ 50‬و‪ 55‬و‪51‬‬
‫المذكورة أعاله‪ ،‬الطابع الرئيسي لمسؤولية اآلمر بالصرف الذي يتدخل في مستهل مسطرة‬
‫تنفيذ العمليات المالية والمحاسبية‪ .‬في حين تكتسي مسؤولية المراقبين والمحاسبين العموميين‬
‫طابعا تبعيا‪ ،‬وذلك نظ ار لكون مسؤوليتهم تثار بشأن أعمال سلبية تتعلق بعدم القيام‬
‫بالمراقبات التي هم ملزمون بها‪ ،‬طبقا للقوانين واألنظمة الجاري بها العمل‪.‬‬

‫في هذا الصدد‪ ،‬وبالرجوع إلى المخالفات الواردة في المادة ‪ 50‬من مدونة المحاكم‬
‫المالية‪ ،‬يمكن التمييز في إطارها بين ثالثة أصناف‪ ،1‬وهي‪:‬‬

‫‪ -‬مخالفة قواعد قانونية دون اشتراط الضرر والنية في ارتكاب المخالفة؛‬


‫‪ -‬منح امتيازات ومنافع غير مبررة؛‬
‫‪ -‬إلحاق ضرر بمالية جهاز عمومي بسبب اإلخالل أو التقصير في مهام المراقبة‬
‫واإلشراف‪.‬‬

‫وباإلضافة إلى هذه المخالفات‪ ،‬التي تتوزع بين المخالفات الشكلية ذات الطابع العام‬
‫ومخالفات النتيجة‪ ،‬تضمنت المادة ‪ 50‬أعاله‪ ،‬كذلك‪ ،‬مخالفتين يقتضي قيامهما توفر عنصر‬
‫القصد عند ارتكابهما‪ ،‬ويتعلق األمر بالتقييد غير القانوني لنفقة بهدف التمكن من تجاوز‬
‫االعتمادات وعدم الوفاء تجاهال أو خرقا لمقتضيات النصوص الضريبية الجاري بها العمل‬
‫بالواجبات المترتبة عليها قصد تقديم امتياز بصفة غير قانونية لبعض الملزمين بالضريبة‪.‬‬

‫أما من حيث الموضوع‪ ،‬فإن هذه المخالفات تستوعب‪ ،‬فضال عن حاالت خرق القواعد‬
‫القانونية‪ 2‬التي تروم ضمان شرعية التدبير العمومي‪ ،‬تلك المرتبطة بمنح امتيازات غير‬
‫مبررة‪ ،‬األمر الذي يمنح لألخالق والقيم التي يجب أن تسود في الحياة العامة أهمية كبيرة‪،‬‬
‫وهو ما يضفي على المساءلة عنها طابعا وقائيا إزاء حاالت االرتشاء والشطط في استعمال‬

‫‪1‬‬
‫وهو نفس التصنيف الذي اعتمدته محكمة النقض في قرارها رقم ‪ 3/351‬المؤرخ في ‪ 13‬يونيو ‪ 1131‬في الملف اإلداري رقم‬
‫‪ 1130/3/0/1399‬الذي نقض بموجبه القرار عدد ‪ / 1130/13‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م الصادر عن هيئة الغرف المشتركة بالمجلس األعلى للحسابات بتاريخ‬
‫‪ 11‬يوليوز ‪.1130‬‬
‫المتعلقة بااللتزام بالنفقات العمومية وتصفيتها واألمر بصرفها وبإثبات الديون العمومية وتصفيتها واألمر بصرفها وبتحصيل الديون العمومية‬ ‫‪2‬‬

‫وبتدبير ممتلكات األجهزة الخاضعة الختصاص المجلس‪ ،‬وكذا تلك المضمنة في النصوص التنظيمية المتعلقة بالصفقات العمومية والنصوص‬
‫التشريعية والتنظيمية الخاصة بتدبير شؤون الموظفين واألعوان‪.‬‬

‫‪340‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫السلطة واستغالل النفوذ‪ ،‬مما يجعلها آلية أساسية من شأن المساءلة عنها المساهمة في‬
‫تخليق التدبير العمومي‪.‬‬

‫كما يمتد مجال المساءلة في مادة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية إلى‬
‫االختالالت في نظام الرقابة الداخلية التي يترتب عنها ضرر‪ .‬وتضفي هذه المخالفة سمة‬
‫خاصة على القضاء المالي النسجامها مع المهام الرقابية لألجهزة العليا للرقابة واألهداف‬
‫التي أحدثت من أجلها هذه األجهزة‪ ،‬والتي تتجلى في مساعدة مسؤولي المنظمات العمومية‬
‫على تفادي ارتكاب المخالفات المستوجبة للمسؤولية أو جعل إمكانية تكرار ارتكابها غاية في‬
‫الصعوبة‪ ، 1‬وذلك من خالل تعزيز نظام الرقابة الداخلية‪ .‬وتجد هذه المخالفة مبررها في‬
‫األهمية ال بالغة التي تكتسيها أخطاء التدبير‪ ،‬خاصة من حيث اآلثار السلبية المترتبة عنها‬
‫على مستوى ترشيد الوسائل وتكلفة األداء‪ ،‬إذ أن « الضرر الذي يمكن أن تتعرض له المالية‬
‫العامة (‪ )...‬نتيجة أخطاء التدبير التي قد يرتكبها اآلمرون بالصرف هو أكثر خطورة من‬
‫الضرر الناجم عن األخطاء أو الجنح المرتكبة بمناسبة مسك األموال"‪.2‬‬

‫وكما يالحظ‪ ،‬وألن القواعد المطبقة على األجهزة الخاضعة الختصاص المجلس في‬
‫مادة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية تتسم بالتعدد والتنوع حسب الشكل القانوني‬
‫للجهاز المعني وطبيعته‪ ،‬وكذا مجاالت التدبير ذات الصلة‪ ،‬األمر الذي يتعذر معه تحديد‬
‫جميع األفعال التي قد يرتكبها المدبر العمومي في هذا المجال‪ ،‬والتي قد تشكل مخالفات‬
‫تستوجب المساءلة‪ ،‬فإن المشرع لم يعتمد في رسم نطاق مبدأ الشرعية في إطار هذا‬
‫االختصاص الصيغة العامة المتبعة في مجال التأديب اإلداري‪ ،‬أي اإلخالل بالواجبات‬
‫الوظيفية من طرف المدبرين العموميين‪ ،‬بل أورد المخالفات المستوجبة للمسؤولية حسب‬
‫مجاالت التدبير‪ ،‬ومن خالل اعتماد أسلوب اإلحالة على قواعد تنظم مجاالت تشمل مختلف‬
‫مناحي التدبير العمومي‪ ،‬دون تحديد األفعال المادية التي يمكن في حال ارتكابها أن تشكل‬
‫مخالفات‪ ،‬كما هو الشأن بالنسبة لوصف الجرائم في القانون الجنائي‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫إعالن ليما‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Georges VEDEL, La responsabilité des administrateurs devant la Cour de Discipline Budgétaire, R.S.L.F,‬‬
‫‪1949, p :117, cité par Jilali CHABIH, Les Finances de l’Etat au Maroc, Approche en finances publiques‬‬
‫‪comparées, l’Harmattan, 2007, p :316-317.‬‬

‫‪341‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وعليه‪ ،‬يتعلق األمر بتحديد مجاالت المساءلة أكثر من حصر مخالفات بذاتها بالمعنى‬
‫التقليدي للمصطلح‪ ،‬وهو ما يجعل المادة ‪ 50‬سالفة الذكر كفيلة باستيعاب المستجدات التي‬
‫تط أر على النظام القانوني للتدبير العمومي عند تكييف األفعال موضوع المتابعات‪ ،1‬وفي‬
‫المحصلة‪ ،‬تمنح للقاضي المالي سلطة تقديرية واسعة عند تكييف األفعال موضوع قضايا‬
‫التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية عند البت فيها‪ ،‬كما سيتم بسطه في النقطة‬
‫الموالية‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ -‬نطاق مبدأ شرعية المخالفة في مادة التأديب المتعلق‬


‫بالميزانية والشؤون المالية‬
‫‪2‬‬
‫تطبيق مبدأ االرتباط‬

‫على خالف اختصاص التدقيق والبت في الحسابات‪ ،‬كما سبقت اإلشارة إلى ذلك‬
‫أعاله‪ ،‬ال تنحصر والية القاضي المالي في مجال التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‬
‫في األجهزة العمومية التي تتوفر على محاسب عمومي وتطبق نظام المحاسبة العمومية‪ ،‬بل‬
‫تمتد إلى أجهزة عمومية أخرى تتخذ أشكاال قانونية مختلفة ومتنوعة تتجاوز الشكل اإلداري‬
‫التقليدي للمرفق العام‪ ،‬وتنشط في المجاالت التجارية والصناعية‪ ،‬وتطبق في جزء كبير ومهم‬
‫من معامالتها قواعد القانون الخاص‪.‬‬

‫وتبعا لتنوع القواعد القانونية المنظمة لنشاط مختلف هذه األجهزة العمومية‪ ،‬وامتداد‬
‫نطاق المخالفات إلى صناعة القرار المالي وتنفيذه ومراقبته‪ ،‬كما تم تبيانه أعاله‪ ،‬فإن مجال‬
‫المساءلة في مادة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ال ينحصر في عدم احترام‬
‫قواعد تنفيذ النفقات والموارد العمومية وتدبير ممتلكات األجهزة العمومية‪ ،‬وبصفة عامة قواعد‬
‫المحاسبة العمومية‪ ،‬بل ينصرف أيضا إلى األفعال المرتكبة من طرف األشخاص الخاضعين‬
‫لهذا االختصاص في إطار ممارسة مهامهم الوظيفية داخل األجهزة الخاضعة كيفما كان‬

‫كما هو الشأن بالنسبة للقواعد القانونية المضمنة في المادة ‪ 31‬من قانون المالية رقم ‪ 09.11‬للسنة المالية ‪ 1110‬الصادر بشأن تنفيذه الظهير‬ ‫‪1‬‬

‫الشريف ‪ 3.11.119‬بتاريخ ‪ 13‬ديسمبر‪( 1111‬أداء فوائد التأخير)‪ ،‬الجريدة الرسمية رقم ‪ 5310‬في فاتح يناير ‪ ،1110‬والمادة ‪ 3‬من قانون‬
‫المالية رقم ‪ 11.33‬للسنة المالية ‪ 1111‬الصادر بشأن تنفيذه الظهير الشريف ‪ 3.33.315‬بتاريخ ‪ 31‬ديسمبر‪( 1133‬تنفيذ األحكام القضائية)‪،‬‬
‫الجريدة الرسمية عدد ‪ 1919‬مكرر بتاريخ ‪ 30‬ديسمبر ‪ ،1133‬ص‪.33311 :‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Principe de Rattachabilité.‬‬

‫‪342‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫شكلها‪ ،‬وبغض النظر عن الطبيعة التجارية أو التنافسية ألنشطتها مادام أن هذه األفعال‬
‫تخالف القواعد السارية على التسيير المالي لهذه األجهزة‪.1‬‬

‫ووفقا لهذا المعنى‪ ،‬فإن قواعد تنفيذ النفقات العمومية ال تنحصر في معناها الضيق‬
‫الذي يحيل على قواعد المحاسبة العمومية (االلتزام والتصفية واألمر باألداء واألداء)‪ ،‬بل‬
‫تمتد‪ ،‬كذلك‪ ،‬إلى األعمال التي ال يمكن فصلها عن هذه القواعد‪ ،‬والتي تعتبر جزءا ال يتج أز‬
‫من مسطرة تنفيذ هذه النفقات‪.2‬‬

‫وإذا كان مصدر هذا المبدأ هو االجتهاد القضائي‪ ،‬فقد اعتمده المشرع المغربي في‬
‫مدونة المحاكم المالية من خالل مقتضيات تشريعية مباشرة‪ ،‬خالفا لما كان عليه األمر في‬
‫إطار القانون رقم ‪ 31-13‬وفي التشريع الفرنسي‪ ،‬إذ أوردت المادة ‪ 50‬من مدونة المحاكم‬
‫المالية مخالفات أخرى تتجاوز بشكل مباشر عدم احترام قواعد المحاسبة العمومية‪ .‬ويتعلق‬
‫األمر بعدم احترام النصوص التنظيمية المتعلقة بالصفقات العمومية ومخالفة النصوص‬
‫التشريعية والتنظيمية الخاصة بتدبير شؤون الموظفين واألعوان وقواعد تدبير ممتلكات‬
‫األجهزة الخاضعة لرقابة المجلس‪.‬‬

‫وقد اتجه المجلس األعلى (محكمة النقض حاليا) نحو التوسيع في تحديد مفهوم القواعد‬
‫القانونية التي قد يترتب عن عدم احترامها إثارة المسؤولية أمام القاضي المالي في مادة‬
‫التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬حيث قضى بأن " قاعدة ال جريمة وال عقوبة إال‬
‫بنص إنما تخص تطبيق القانون الجنائي وموضوع المتابعة المعروضة هو المجال التأديبي‬
‫الذي يخضع للقوانين واألنظمة والمناشير والدوريات إلى جانب خضوعه لما يعتبر من‬
‫المسلمات البديهية التي ال تحتاج إلى تنظيم أو تقعيد‪ .3"...‬وهو نفس االتجاه الذي اعتمده‬
‫مجلس الدولة الفرنسي‪ ،4‬إذ أكد على أنه "عندما يتعلق األمر بتطبيق عقوبات غير جنائية‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫‪CDBF, 24 février 2006, Sté Altus finance, 2 ème arrêt ; CDBF, 16 novembre 2012, ANPE,Ajda, 2013, p :‬‬
‫‪1621.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪CE, 7 juillet 1978, Massip.‬‬
‫‪3‬‬
‫قرار المجلس األعلى عدد ‪ 530‬المؤرخ في ‪ 33‬أكتوبر ‪ 1113‬الصادر في الملف اإلداري عدد ‪ 1111/3/0/3111‬المتعلق بالطعن بالنقض في‬
‫القرار الصادر عن المجلس األعلى في الملف عدد ‪ / 30/313‬ت‪ .‬م‪.‬ش‪.‬م بتاريخ‪ 11‬أكتوبر ‪ ،3333‬دليل الق اررات الصادرة عن المجلس األعلى‬
‫في مجال نقض ق اررات المجلس األعلى للحسابات‪ ،‬النيابة العامة لدى المجلس األعلى للحسابات‪ ،‬أكتوبر ‪ ،1111‬ص‪.303 :‬‬
‫‪4‬‬
‫‪CE, 16 janvier 2008, M.Haberer, rejet de Pourvoi en cassation dirigé contre l’arrêt de la CDBF en date du‬‬
‫‪24 Février 2006, Société « ALTUS Finance » ; CDBF, 19 avril 2000, Banque du Crédit Chimique .‬‬

‫‪343‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫فإن مبدأ شرعية المخالفات والعقوبات ال يمنع من تحديد المخالفات على أساس الواجبات‬
‫التي يخضع لها شخص بالنظر إلى النشاط الذي يمارسه والمهنة التي ينتمي إليها أو‬
‫المؤسسة التي ينتسب إليها"‪.1‬‬

‫في ذات السياق‪ ،‬اعتبرت غرفة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية بالمجلس‬
‫األعلى للحسابات‪ ،‬تطبيقا لمبدأ االرتباط‪ ،‬النصوص التنظيمية المطبقة على صفقات الدولة‬
‫من قواعد تنفيذ نفقات مؤسسة عمومية عندما تحيل صفقة مبرمة من طرف هذه المؤسسة‬
‫عليها‪ .2‬كما أن إحالة بند بصفقة مبرمة من طرف مؤسسة عمومية على كناش الشروط‬
‫اإلدارية العامة المطبق على صفقات األشغال المبرمة لحساب الدولة يجعل القواعد المضمنة‬
‫بهذا الدفتر من قواعد تنفيذ نفقات هذه المؤسسة العمومية‪ ،‬وليس نصا تنظيميا مطبقا على‬
‫الصفقات التي تبرمها ‪ .3‬وفي قضية أخرى‪ ،‬ارتكزت الهيئة على المبدأ العام المتعلق‬
‫بالمساواة في االستفادة من عروض البيع الموجهة للعموم من طرف شركة عامة العتبار "‬
‫عدم تعميم منح تسهيالت في األداء على جميع المستفيدين من برنامج سكني (للشركة)‬
‫امتيا از ممنوحا لفئة من المستفيدين دون سواهم من العموم‪ ،‬وإخالال بمبدأ المساواة في‬
‫االستفادة من نفس شروط البيع من طرف العموم‪ ،4"...‬وبالتالي‪ ،‬شكل عدم التقيد بهذا المبدأ‬
‫العام مخالفة لقواعد تدبير ممتلكات الشركة المعنية‪.‬‬

‫في نفس االتجاه‪ ،‬وبشأن أخطاء اإلهمال‪ ،‬اعتمدت الهيئة في إسناد المسؤولية بشأن‬
‫مخالفة في مجال تدبير الممتلكات على مبدأ عام يقضي بأن الرئيس التسلسلي مسؤول عن"‬

‫‪1‬‬
‫‪CE, 16 janvier 2008, Haberer, op, cit.‬‬
‫‪2‬‬
‫الق ـرار عدد ‪ /1131/01‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م بتاريخ ‪ 1‬ماي ‪ 1131‬الصادر في القضية عدد رقم ‪ /1111/315‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م المتعلقة بمكتب جهوي‬
‫لالستثمار الفالحي‪ ،‬منشورات المجلس األعلى للحسابات‪ ،‬ق اررات صادرة عن غرفة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬أكتوبر ‪ ،1135‬ص‪:‬‬
‫‪.10‬‬
‫‪3‬‬
‫الق ـرار عدد ‪/1130/13‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م بتاريخ ‪ 31‬يونيو ‪ 1130‬الصادر في القضية عدد ‪ /1131/311‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م المتعلقة بالتسيير المالي لمؤسسة‬
‫عمومية‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪ .310 :‬انظر كذلك الق اررات عدد ‪ 10‬و‪ 15‬و‪/1131/ 11‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م الصادرة بتاريخ ‪ 31‬أكتوبر ‪،1131‬‬
‫منشورات المجلس األعلى للحسابات‪ ،‬ق اررات صادرة عن غرفة التأديب‪ ،...‬شتنبر ‪ ،1139‬ص‪ 111 :‬وما بعدها؛ الق اررات عدد ‪ 19‬و‪ 13‬و‪31‬‬
‫و‪ 33‬و‪ / 1139 /31‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م الصادرة بتاريخ ‪ 13‬يونيو‪ 1139‬في القضية رقم ‪ /1131 /311‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م المتعلقة بنيابة إقليمية للتربية‬
‫والتكوين‪ ،‬الق اررات الصادرة عن غرفة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية برسم سنة ‪ ،1139‬أبريل ‪ ،1133‬ص‪ 309 :‬ومابعدها‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫قـرار عدد ‪ /1131/13‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م الصادر بتاريخ ‪ 11‬أكتوبر ‪1131‬في القضية عدد ‪ /1131/313‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م المتعلقة بشركة عامة‪ ،‬منشورات‬
‫المجلس األعلى للحسابات‪ ،‬الق اررات الصادرة عن غرفة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية برسم سنة ‪ ،1131‬شتنبر ‪ ،1139‬ص‪333 :‬‬
‫ومابعدها‪.‬‬

‫‪344‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫تنظيم المديرية واإلشراف على مصالحها بشكل يضمن تتبع مآل المعدات المعارة لألغيار‬
‫(لذلك‪ ،‬فإن) عدم اتخاذ(المتابع) لإلجراءات الالزمة السترجاع الجهازين المعارين (‪)...‬‬
‫يشكل إهماال وتقصي ار في المحافظة على ممتلكات الجهاز (ويكون بذلك) قد خالف قواعد‬
‫تدبير الممتلكات"‪ .1‬كذلك‪ ،‬يعتبر تقصير الرئيس التسلسلي في القيام بالمهام اإلشرافية‬
‫الموكولة إليه وبالواجبات الوظيفية التي تستوجبها صفته كصاحب المشروع مخالفة لقواعد‬
‫تصفية النفقات العمومية‪ ،‬اعتبا ار لكون عدم اتخاذ المعني باألمر اإلجراءات الالزمة قصد‬
‫إرساء نظام للرقابة الداخلية‪ ،‬يضمن حسن تنظيم المصالح اإلدارية والتوظيف الجيد للموارد‬
‫البشرية الموضوعة رهن إشارته وتحديد مهام مختلف المتدخلين‪ ،‬ساهم في االختالالت التي‬
‫شابت اإلشهاد على إنجاز العمل برسم الصفقات المعنية بالمتابعة‪.2‬‬

‫وفي مناسبة أخرى‪ ،‬اعتبرت غرفة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية أن‬
‫"‪...‬إبرام صفقة يتعلق موضوعها بإنجاز أشغال على أرض لم تتم تسوية وضعيتها القانونية‬
‫بعد‪ ،‬أي قبل انتقال ملكية هذه األرض إلى صاحب المشروع‪ ،‬وتوفر جميع الشروط القانونية‬
‫والموضوعية لجعل موضوع عقد االلتزام قابال للتنفيذ مخالفة لقواعد االلتزام بالنفقات‬
‫العمومية‪ .3"...‬وبالتالي‪ ،‬فإن مخالفات قواعد االلتزام بالنفقات العمومية تمتد إلى الواجبات‬
‫ال وظيفية التي يتعين على المسؤول اتخاذها ولو لم تكن موضوع قاعدة قانونية صريحة‪ ،‬وهو‬
‫االجتهاد الذي كرسه الحقا قانون المالية لسنة ‪ 1111‬في مادته ‪ 9‬المكررة‪.4‬‬

‫‪1‬‬
‫قـرار عدد‪/1131/03‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م بتاريخ ‪ 11‬يونيو ‪ 1131‬الصادر في القضية عدد ‪/1131/333‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م المتعلقة بالتسيير المالي لمرفق‬
‫للدولة‪ ،‬منشورات المجلس‪ ،...‬أكتوبر ‪ ،1135‬ص‪.33:‬‬
‫القرار عدد ‪ / 1139 /19‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م الصادر بتاريخ ‪ 13‬يونيو ‪ ،1139‬الق اررات الصادرة عن غرفة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‬ ‫‪2‬‬

‫برسم سنة ‪ ،1139‬أبريل ‪ ،1133‬ص‪.35 :‬‬


‫‪3‬‬
‫بمعنى أن عدم تسوية الوضعية القانونية لألراضي المخصصة إلنجاز األشغال موضوع الصفقة قد عرقل تنفيذ هذه األخيرة‪ ،‬إذ تم إصدار أوامر‬
‫بوقف تنفيذها‪ ،‬تبعا العتراض الساكنة المعنية على شروع المقاولة المتعاقد معها في تنفيذ األشغال‪ ،‬وهو ما يجعل الفعل موضوع المخالفة يتعلق ب‬
‫"‪...‬عدم اتخاذ اآلمر بالصرف لإلجراءات القانونية المتعلقة بنزع ملكية هذه األراضي قبل إبرام الصفقة‪ ،»...‬انظر الق ـرار عدد‪/1131/01‬‬
‫ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م بتاريخ ‪ 1‬ماي ‪ 1131‬المذكور أعاله‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫التي تنص على أنه " ال يمكن لآلمر بالصرف أو من يقوم مقامه‪ ،‬في إطار االعتمادات المفتوحة بالميزانية العامة وبميزانيات الجماعات الترابية‬
‫ومجموعاتها‪ ،‬أن يلتزم بأي نفقة أو إصدار األمر بتنفيذها إلنجاز مشاريع استثمارية على العقارات أو الحقوق العينية باعتداء المادي ودون استيفاء‬
‫المسطرة القانونية لنزع الملكية ألجل المنفعة العامة وباالحتالل المؤقت‪ ،‬الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 3.93.150‬بتاريخ ‪ 33‬من رجب‬
‫‪ 1( 3011‬مايو ‪.")3391‬‬

‫‪345‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وتأسيسا على هذه االجتهادات القضائية‪ ،‬يمنح مبدأ االرتباط مفهوما خاصا لمبدأ‬
‫الشرعية في مجال التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ 1‬ومستوى مقبوال في ضمان‬
‫األمن القانوني أكثر من مجال التأديب اإلداري وبدرجة أقل إزاء المجال الجنائي‪ .‬وهكذا‪،‬‬
‫وبالرغم من أن مبدأ الشرعية يطبق في المجال التأديبي عموما‪ ،‬فإن ذلك ال يعني وجود‬
‫تطابق بين نطاق هذا المبدأ في المجال التأديبي مقارنة بالمادة الجنائية‪ " 2‬نظ ار لطبيعة‬
‫النظام اإلداري التي تنعكس حتما على نظام التأديب اإلداري‪ ،‬وتتطلب عدم تحديد المخالفات‬
‫التأديبية على النحو المستقر والمتميز الذي حدد بمقتضاه المشرع الجرائم الجنائية‪ ،‬وذلك‬
‫حتى يواجه النظام التأديبي تعدد وتنوع واجبات الوظائف العامة وتعدد أساليب العاملين‬
‫ومخالفة هذه الواجبات وإثبات أفعال تتعارض مع مقتضياتها ولتتحقق المرونة للسلطة‬
‫التأديبية لوزن وتقدير صورة ومساحة المخالفة والجريمة التأديبية التي يتعين أن تدخل أصال‬
‫حسب تكييفها في الوصف العام الذي يحدده المشرع في القانون‪ ،‬والذي يحقق الشرعية‬
‫بالنسبة لكل األفعال والموازين التي ينطبق عليها‪ ،‬ويحقق بالتالي شرعية الجريمة‬
‫التأديبية‪.3"...‬‬

‫إال أنه‪ ،‬وبالرغم من هذا التنوع في طبيعة المخالفات المستوجبة للمسؤولية في مادة‬
‫التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬الذي يضفي عليها طابع الشمولية الرتباطها‬

‫‪1‬‬
‫اعتبر المجلس الدستوري الفرنسي أن مبدأ شرعية المخالفة خارج المادة الجنائية يتحقق فقط بإحالة النص المحدث للمخالفة لمقتضيات أخرى تحدد‬
‫مضمون االلتزام الذي يترتب عن عدم التقيد به مخالفة‪:‬‬
‫‪Con. Cons (France), Décision n°2014-423 QPC du 24 octobre 2014, alinéa 31, , Rapport annuel de La Cour‬‬
‫‪de discipline budgétaire et financière, La documentation française, 2016, p : 49. Voir aussi, Stéphane Gaillard‬‬
‫‪et Julien Goubault, Chronique de jurisprudence de la Cour des comptes et la CDBF, Ajda n° 04/2016, 8 février‬‬
‫‪2016, p: 194.‬‬
‫‪2‬‬
‫أوضحت الم حكمة اإلدارية العليا المصرية أوجه االختالف بين الجريمة التأديبية والجريمة الجنائية من ناحية اإلثبات والتكييف القانوني واألركان‬
‫والعقوبة‪ ،‬وقضت بأنه " من المسلمات في مجال المسؤولية العقابية جنائية كانت أو تأديبية ضرورة ثبوت الفعل المكون للجريمة ثبوتا يقينا بدليل‬
‫مستخلص استخالصا سائغا قبله المتهم مع سالمة تكييفه قانونا باعتباره جريمة تأديبية أو جنائية‪ -‬وجه الخالف بين الجريمتين أن المشرع حدد‬
‫األركان المادية والمعنوية والعقوبة في الجريمة الجنائية ولم يترك للقاضي حرية التقدير إال في العقوبات المحددة بحدين أدنى وأقصى‪ -‬وفي مجال‬
‫التأديب استخدم المشرع أوصافا واسعة في واجبات العامل واألفعال المحظورة عليه ولم يحدد العقوبات التأديبية لكل فعل على حدة باستثناء لوائح‬
‫الجزاءات‪ -‬يمكن تفسير االختالف بين النظامين تبعا لما تقتضيه طبيعة المرافق العامة سواء في عالقتها بموظفيها أو بجمهور المتعاملين معها وما‬
‫تحتمه أيضا من تحقيق كفالة حمايتها من اإلضراب وعدم االنتظام في أداء خدماتها من تمكين السلطة التأديبية من الحفاظ دوما على الضبط‬
‫والربط اإلداري في تلك المرافق‪ ،".‬المحكمة اإلدارية العليا (جمهورية مصر العربية)‪ ،‬الطعنان رقما ‪ 1951‬و ‪ 1953‬بتاريخ ‪ 39‬مارس ‪،3393‬‬
‫سمير عبد الله سعد‪ ،‬الجرائم التأديبية والجنائية للموظف العام‪ ،‬منشأة المعارف‪ ،‬االسكندرية‪.1130 ،‬ص‪.13 :‬‬
‫‪3‬‬
‫نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.11 :‬‬

‫‪346‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫فإنه ليس كافيا لتحقيق فعالية هذا النظام‬ ‫بمختلف مظاهر ومناحي التدبير العمومي‪،‬‬
‫العقابي نظ ار للتفاوت بين اإلطار النظري لهذه المسؤولية وإطارها العملي والتطبيقي‪ ،‬إذ لئن‬
‫كانت مدونة المحاكم المالية قد أوردت أكثر من ‪ 31‬مخالفة‪ 1‬يمكنها أن تثير المسؤولية أمام‬
‫القاضي المالي في هذا المجال‪ ،‬فإن المخالفات المتعلقة بضمان شرعية التدبير العمومي‬
‫تشكل المصدر الفعلي والرئيسي لهذه المسؤولية‪ 2‬في حين ظل حيز المخالفات األخرى‬
‫هامشيا وثانويا ويعاقب عليها‪ ،‬في واقع األمر‪ ،‬بسبب تبعيتها لهذه المخالفات الرئيسية عند‬
‫التكييف القانوني لألفعال‪ .‬وفي المحصلة‪ ،‬انحصر موضوع المساءلة في احترام الشرعية‬
‫الموضوعية‪ ،‬وقد يتولى قاضي التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬من أجل ذلك‪،‬‬
‫نفس دور القاضي اإلداري في دعوى الشطط في استعمال السلطة‪ ،‬أي مراقبة مشروعية‬
‫الق اررات اإلدارية‪.‬‬

‫نظام المسؤولية أمام ااضي التأديب المتعلق‬ ‫المبحث الثاني‪ -‬تفعي‬


‫بالميزانية والشؤون المالية‬
‫ال يستمد نظام مسؤولية المدبرين العموميين في مادة التأديب المتعلق بالميزانية‬
‫والشؤون المالية خاصياته‪ ،‬مقارنة باألنظمة األخرى للمسؤولية‪ ،‬فقط من طبيعة األشخاص‬
‫الخاضعين والمخالفات المستوجبة للمسؤولية برسم هذا االختصاص ونطاقه‪ ،‬بل أيضا‪،‬‬
‫وبشكل جلي‪ ،‬من خالل نظام تفعيل هذه المسؤولية‪ ،‬حيث ينفرد القضاء المالي بمسطرة‬
‫قضائية تقتبس جل مبادئها من مختلف المساطر القضائية والتأديبية‪ ،‬التي تضفي عليها‬
‫طابعا مختلطا وخاصا‪ ،‬وبقواعد خاصة في إثبات المخالفات وإسناد المسؤولية وتوقيع‬
‫العقوبات على مرتكبيها‪ ،‬تعكس بشكل كبير خصوصيات التدبير المالي العمومي وطبيعة‬
‫السلطة المالية داخل األجهزة العمومية وتوزيعها بين مختلف المتدخلين في تدبيرها( الفرع‬
‫األول)‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫المادة ‪ 50‬من مدونة المحاكم المالية‪.‬‬
‫‪2‬تشكل مخالفة قواعد تنفيذ النفقات العمومية نسبة ‪ % 51‬من المخالفات التي عاقب عليها القاضي المالي المغربي في إطار التأديب المالي منذ‬
‫الشروع في ممارسة هذا االختصاص سنة ‪ .3330‬بينما تمثل مخالفة منح منافع غير مبررة نسبة ‪ % 39‬ومخالفة قواعد تدبير الممتلكات نسبة‬
‫‪ .%30‬أما نسبة ‪ % 1‬المتبقية فتتوزع على المخالفات األخرى‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪Présentation de la compétence de la Cour des comptes du Royaume du Maroc en matière de discipline budgétaire‬‬
‫‪et financière, Actes de cycle de Formation de l’AISCUF, op,cit.‬‬

‫‪347‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وخالفا للطابع الموضوعي للمسؤولية المالية والشخصية للمحاسب العمومي في مادة‬


‫البت في الحسابات‪ ،‬فقد اعتمد المشرع المغربي في مادة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون‬
‫المالية مبدأ التفريد القضائي للعقوبة‪ ،‬من خالل منح القاضي المالي سلطة تقديرية واسعة في‬
‫تحديد العقوبة التي يراها مناسبة لتحقيق الردع العام والردع الخاص للعقوبة‪ ،‬حسب خطورة‬
‫المخالفة المرتكبة وتكرارها‪ ،‬وذلك من خالل مراعاة الظروف والمالبسات المحيطة بارتكاب‬
‫المخالفات التي تتسم بالتنوع الكبير كانعكاس للمجال الواسع لألجهزة العمومية الخاضعة‬
‫الختصاص التأديب المالي والمتنوعة سواء في أشكالها القانونية أو طبيعة األنشطة التي‬
‫أحدثت من أجلها وخصوصياتها‪ ،‬السيما من حيث إكراهات التسيير والمخاطر المتصلة‬
‫بالمهام الوظيفية( الفرع الثاني)‪.‬‬

‫الفرع األول ‪ -‬مسطرة تفعي نظام المسؤولية والعقوبات التي يصدرها‬


‫القاضي المالي‬
‫تشكل المخالفات المستوجبة للمسؤولية في مادة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون‬
‫المالية مصدر مسؤولية المدبرين العموميين أمام القاضي المالي‪ .‬ومن أجل تفعيل هذه‬
‫المسؤولية‪ ،‬نصت مدونة المحاكم المالية على المسطرة المتبعة من أجل ممارسة هذا‬
‫االختصاص‪ ،‬والتي تكتسي طابعا ادعائيا خالفا لدعوى البت في الحسابات التي تعتبر‬
‫دعوى تلقائية بحكم القانون (الفقرة األولى)‪.‬‬

‫كما تتميز العقوبات التي يصدرها القاضي المالي في هذا المجال بالثنائية من حيث‬
‫الطبيعة والغاية‪ ،‬إذ باإلضافة إلى الغرامة المالية التي تحدد حسب خطورة وتكرار المخالفات‬
‫وتهدف إلى الردع الخاص لمرتكبي المخالفات‪ ،‬يؤهل القاضي المالي إلصدار عقوبة أخرى‪،‬‬
‫تتشابه مع العقوبة في مجال المسؤولية المدنية‪ ،‬وتتجلى في الحكم بإرجاع األموال إذا تسببت‬
‫مخالفة مرتكبة بخسارة للجهاز المعني (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫‪348‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الفقرة األولى‪ -‬دعوى التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية دعوى‬


‫عمومية بأطياف جنائية‬
‫تناولت مدونة المحاكم المالية المسطرة المتبعة من طرف القاضي المالي في إطار‬
‫ممارسة اختصاص التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية بشكل مقتضب ومختصر‪،1‬‬
‫من خالل االقتصار على تنظيم مراحلها األساسية‪ ،‬دون التطرق لتفاصيل إجراءات تطبيقها‪،‬‬
‫واإلحالة المحدودة على بعض مواد قانون المسطرة المدنية والمسطرة الجنائية‪ ،‬وهو ما يفسح‬
‫المجال لتكريس اجتهادات قضائية في المسطرة يكفل حقوق الدفاع التي تضمنها المسطرة‬
‫التأديبية‪ ،‬وكذا المسطرة الجنائية‪ ،‬وعموما تلك المستمدة من المبادئ العامة للقانون‪ ،2‬اعتبا ار‬
‫لكون " الضمانات المقررة في المحاكمات الجنائية تسري قواعدها بالنسبة لباقي المحاكمات‬
‫التي تستدعي إجراء مداوالت واتخاذ مقررات تأديبية أو زجرية"‪ ،3‬األمر الذي يضفي على‬
‫المساءلة برسم هذا االختصاص طيفا جنائيا‪ 4‬تتقارب فيه مسطرة ممارسته مع تلك المتبعة‬
‫في المادة الجنائية أكثر من مسطرة التأديب اإلداري‪ ،‬التي ال تشبهها إال في ما يتعلق‬
‫بالمبادئ العامة لالختصاصات العقابية‪.‬‬

‫وبصفة عامة‪ ،‬تعتبر دعوى التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية دعوى عمومية‬
‫تقام أمام القضاء من طرف النيابة العامة لدى المجلس األعلى للحسابات من أجل المطالبة‬
‫بتوقيع الجزاء على األشخاص المتابعين‪ ،‬الذين يكونوا قد ارتكبوا إحدى المخالفات المستوجبة‬

‫‪1‬‬
‫تفيد المقارنة بين مختلف النصوص القانونية المتعلقة بالمساطر القضائية تفاوتا كبي ار بين قانوني المسطرة المدنية والمسطرة الجنائية ومدونة‬
‫المحاكم المالية‪ :‬عدد مواد قانون المسطرة المدنية (‪ 519‬مادة) وعدد مواد قانون المسطرة الجنائية (‪ 519‬مادة) في حين ال يتعدى عدد مواد القواعد‬
‫اإلجرائية المقررة في مدونة المحاكم المالية‪ 19 ،‬مادة تتعلق باالختصاصين القضائيين للمجلس‪ ،‬وهما البت في الحسابات والتأديب المتعلق بالميزانية‬
‫والشؤون المالية موزعة كاآلتي‪ 11 :‬مادة تتعلق بمسطرة التدقيق والبت في الحسابات ومادتان (‪ )1‬تتعلقان بالتسيير بحكم الواقع و‪ 30‬مادة تهم‬
‫اختصاص التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪.‬‬
‫‪ 2‬أكدت محكمة التأديب المالي الفرنسية في العديد من ق ارراتها أن حقوق الدفاع ال تجد مصدرها في القوانين فقط‪ ،‬بل أيضا في المبادئ العامة‬
‫للقانون التي تلزم كل محكمة‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪CDBF, 22 et 29 novembre 1985, Sté des autoroutes Rhône- Alpes ; CDBF, 28 septembre 1994, CH d’Albi,‬‬
‫‪Revue de Trésor, 1995, p : 683.‬‬
‫‪3‬‬
‫الحكم الصادر عن المحكمة اإلدارية بالدار البيضاء تحت عدد ‪ 111‬بتاريخ ‪ 11‬يونيو‪.1113‬‬
‫‪ 4‬ترجمة لعبارة (‪ )allure pénale‬التي استعملها الفقيه ‪ G.Vedel‬في مقاله الشهير‪:‬‬
‫‪La responsabilité des administrateurs devant la Cour de discipline budgétaire et financière, RSLF, 1949, p :‬‬
‫‪132, expression empruntée par Christophe Pierucci : Une responsabilité à raison de la gestion publique…, op,‬‬
‫‪cit, p : 377.‬‬

‫‪349‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫للمسؤولية في هذا المجال‪ .1‬ويعكس الدور الرئيسي للنيابة العامة‪ ،‬كسلطة مالءمة في إقامة‬
‫الدعوى‪ ،‬الطابع الزجري لهذا االختصاص‪ ،2‬وهو ما يقتضي التمييز في إطار ممارسة هذه‬
‫الدعوى بين مختلف السلطات المتدخلة في المسطرة القضائية‪ ،‬سواء في مرحلة المتابعة أو‬
‫التحقيق أو البت في القضية‪ ،‬إذ يشكل هذا التمييز من شروط المحاكمة العادلة‪ .‬كما تمنح‬
‫للمتابعين ضمانات لممارسة حقوق الدفاع خالل جميع مراحل المسطرة تراعي خاصيات‬
‫التدبير العمومي‪ ،‬وتتشابه إلى حد بعيد مع الحقوق المكفولة للمتهمين في إطار المسطرة‬
‫الجنائية‪.3‬‬

‫أوال‪ -‬مرحلة طلب رفع القضية أمام المبلس‬


‫طبقا للمادة ‪ 51‬من مدونة المحاكم المالية‪ ،‬يتولى الوكيل العام للملك رفع قضايا‬
‫التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية أمام المجلس سواء من تلقاء نفسه أو بطلب من‬
‫الرئيس األول‪ 4‬أو بطلب من إحدى الهيئات بالمجلس‪ ،‬بمناسبة مداوالتها سواء في إطار‬
‫التدقيق والبت في الحسابات ( المادة ‪ 11‬من مدونة المحاكم المالية) أو في إطار مراقبة‬
‫التسيير واستخدام األموال العمومية ( المادة ‪ 90‬من نفس المدونة)‪ ،‬خالفا للقانون رقم ‪-13‬‬
‫‪ 31‬المنسوخ‪ ،‬الذي كان يحصر السلطات الداخلية المؤهلة في رئيس المجلس األعلى‬
‫للحسابات والوكيل العام للملك به‪.5‬‬

‫كذلك‪ ،‬يؤهل لرفع القضايا إلى المجلس‪ ،‬بواسطة الوكيل العام للملك‪ ،‬رئيس الحكومة‬
‫ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين‪ ،‬وكذا الوزراء بناء على تقارير الرقابة أو‬

‫‪1‬‬
‫القـرار عدد ‪/1131/51‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م بتاريخ ‪ 13‬يونيو ‪ 1131‬الصادر في القضية عدد ‪/1111/311‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م‪ ،‬ق اررات صادرة عن المجلس في‬
‫مادة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬أكتوبر ‪ ،1135‬ص‪.11:‬‬
‫‪2‬‬
‫‪A. Froment –Meurice (et autres), commentaire sur CE, ass, 30 juin 1961, Procureur Général près la Cour des‬‬
‫‪comptes, Ministère public prés la CDBF c/ Mazer, GAJF, 2014, op, cit, p : 186.‬‬
‫تضمن مسطرة التأديب المالي جل حقوق الدفاع المطبقة في الدعوى الجنائية‪ ،‬كما هو الشأن بالنسبة لحق المتابع في تبليغه مقرر المتابعة حتى‬ ‫‪3‬‬

‫يكون على علم بالمؤاخذات المنسوبة إليه وحقه في االستعانة بمحام والمطالبة باالستماع إلى الشهود واالطالع على الملف الذي يهمه إلعداد دفاعه‬
‫وحق حضور الجلسات مؤاز ار بدفاعه‪ ،‬وتقديم توضيحاته وتبريراته أثناءها وطلب االستماع إلى الشهود وحق أخذ الكلمة األخيرة في الجلسة قبل‬
‫إدراج الملف في المداولة للبت فيه من طرف هيئة بواسطة ق اررات قضائية‪ .‬وبصفة عامة‪ ،‬حق المتابع في مسطرة عادلة تضمن توازن حقوق‬
‫األطراف المعنية بالقضية‪ .‬غير أن توفر المستشار المقرر على صوت تقريري‪ ،‬وإن كان ال يساهم في سلطة المتابعة‪ ،‬يظل من بين االنتقادات التي‬
‫توجه إلى هذه المسطرة من حيث مدى مالءمتها مع شروط المحاكمة العادلة‪.‬‬
‫‪4‬بناء على الشكايات التي يتوصل بها أو المعلومات أو التقارير التي توفرت لديه بمناسبة ممارسة االختصاصات الموكولة إليه في إطار مدونة‬
‫المحاكم المالية‪ ،‬السيما بواسطة البحث التمهيدي (المادة ‪ 31‬من المدونة)‪.‬‬
‫الفصل ‪ 13‬من القانون رقم ‪ 31-13‬المذكور أعاله‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪350‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫التفتيش مشفوعة بالوثائق المثبتة فيما يخص األفعال المنسوبة إلى الموظفين أو األعوان‬
‫العاملين تحت سلطتهم‪ ،‬وفيما يخص األفعال المنسوبة إلى المسؤولين واألعوان باألجهزة‬
‫المعهود إليهم بالوصاية عليها‪.‬‬

‫وبشأن المقصود بالسلطة المؤهلة لرفع قضية في مجال التأديب المتعلق بالميزانية‬
‫والشؤون المالية‪ ،‬كرس االجتهاد القضائي الفرنسي مبدأ أساسيا يتجلى في عدم قابلية هذه‬
‫السلطة للتفويض‪ ،‬نظ ار للطابع العقابي لالختصاص‪ .1‬كما ال تندرج طلبات رفع القضايا‬
‫ضمن األعمال ذات الطبيعة القضائية في المسطرة‪ ،2‬وبالتالي‪ ،‬ال يعتبر القاضي المالي‬
‫مختصا للنظر في مدى احترام حقوق الدفاع خالل مرحلة طلب رفع القضية‪ ،3‬إذ العبرة‬
‫بمدى تقيد المحكمة بالمسطرة القانونية منذ تاريخ توصل الشخص المتابع بمقرر المتابعة إلى‬
‫حين صدور حكم في القضية‪.4‬‬
‫‪5‬‬
‫ومن الناحية التاريخية‪ ،‬شكلت الطلبات الصادرة عن السلطات الداخلية بالمجلس‬
‫المصدر الرئيسي لقضايا التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية منذ دخول مدونة‬
‫المحاكم المالية حيز التنفيذ‪ .‬ويعزى هذا التحول‪ ،‬مقارنة بالقانون رقم ‪ 31-13‬المنسوخ‪ ،‬إلى‬
‫المقاربة الجديدة التي جاءت بها المدونة التي تروم إقامة جسور بين االختصاصات القضائية‬
‫للمجلس واختصاصاته غير القضائية‪ ،‬وأصبح اختصاص التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون‬
‫المالية‪ ،‬تبعا لذلك‪ ،‬من نتائج المهمات الرقابية للمجلس في إطار مراقبة التسيير‪ .‬في هذا‬
‫اإلطار‪ ،‬لوحظ أن جميع طلبات رفع القضايا‪ ،‬في الفترة مابين سنة ‪ 1111‬وسنة ‪،1135‬‬
‫‪1‬‬
‫‪CDB, 21 avril 1959, Direction technique et industrielle de l’aéronautique du secrétariat aux forces armées‬‬
‫‪confirmé par CE, 30 juin 1961, Mazer.‬‬
‫‪2‬‬
‫القرار عدد ‪ /1139/13‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م الصادر بتاريخ ‪ 19‬ماي ‪ 1139‬في القضية عدد ‪/ 1135/310‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م المتعلقة بالتسيير المالي لجامعة‬
‫موالي اسماعيل بمكناس‪ ،‬ق اررات صادرة عن غرفة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬ابريل ‪ ،1133‬ص‪.35 :‬‬
‫‪3‬‬
‫‪CDBF, 5 novembre 1997, Ministère des Affaires étrangères (frais de réception), Revue de Trésor, 1999, p :‬‬
‫‪194 ; CDBF, 25 juillet 2008, France Télécom, Ajda, 2008, p : 2435, note Groper et Michaut.‬‬
‫‪4‬‬
‫القرار عدد ‪ /1139/13‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م الصادر بتاريخ ‪ 19‬ماي ‪ 1139‬المذكور أعاله‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫ال تخرج التجربة الفرنسية عن هذه الحصيلة‪ ،‬إذ يتبين من خالل إحصائيات القضايا المرفوعة أمام محكمة التأديب المالي أن محكمة الحسابات‬
‫تحيل بشكل منتظم بعض القضايا‪ ،‬وأحيانا الغرف الجهوية للحسابات‪ ،‬وناد ار الوزراء‪ ،‬وأبدا رئيسي غرفتي البرلمان‪ .‬للمزيد من التفاصيل حول هذه‬
‫النقطة‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪N.Groper, Les sanctions de droit public financier et la réforme de la gestion publique ou la CDBF et la LOLF,‬‬
‫‪Revue de Trésor, 2008, p: 97.‬‬

‫‪351‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫كان مصدرها هيئات الغرف في إطار تداولها في مشاريع التقارير الخاصة التي تسفر عنها‬
‫المهمات الرقابية المنجزة من طرف المجلس في إطار مراقبة التسيير‪ .1‬وابتداء من سنة‬
‫‪ ،1135‬وعلى إثر توصل المجلس بمجموعة من تقارير التفتيش التي أنجزتها بعض‬
‫المفتشيات العامة بالو ازرات‪ ،‬في إطار المادة ‪ 313‬من مدونة المحاكم المالية‪ ،‬شكل البحث‬
‫التمهيدي مصد ار آخر لهذه القضايا‪ .‬كما اتسمت هذه الفترة بتصاعد عدد القضايا المرفوعة‬
‫أمام المجلس بطلب من هيئات بغرفة التدقيق والبت في الحسابات‪ ،‬المحدثة سنة ‪،1130‬‬
‫وذلك في إطار المادة ‪ 11‬من المدونة‪.2‬‬

‫في حين‪ ،‬وباستثناء فترة تطبيق القانون رقم ‪ 31-13‬المنسوخ‪ ،‬والذي كانت فيه‬
‫القضايا األولى التي بت فيها المجلس تمت بناء على طلبات صادرة عن وزراء‪ ،‬لم تتوصل‬
‫النيابة العامة لدى المجلس‪ ،‬منذ دخول القانون رقم ‪ 11-33‬حيز التنفيذ‪ ،‬بأي طلب من‬
‫طرف السلطات الخارجية األخرى الواردة في المادة ‪ 51‬من المدونة‪.3‬‬

‫ثانيا‪ -‬السلطة التقديرية للنيابة العامة‪ :‬المتابعة أو الحفظ‬


‫طبقا للمادة ‪ 59‬من مدونة المحاكم المالية‪ ،‬تتخذ النيابة العامة‪ ،‬بشأن طلبات رفع‬
‫القضايا الصادرة عن السلطات المؤهلة‪ ،‬مقر ار إما بالحفظ أو بالمتابعة‪ ،4‬وذلك بعد دراسة‬
‫القضية بناء على الوثائق التي تتوصل بها وعلى المعلومات والوثائق األخرى التي يمكن أن‬
‫تطلبها من الجهات المختصة‪.‬‬

‫ق اررات صادرة عن المجلس األعلى للحسابات في مجال التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬أكتوبر ‪ ،1135‬ص‪.0 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫التقرير السنوي للمجلس األعلى للحسابات برسم سنة ‪ ،1139‬شتنبر ‪ ،1133‬ص‪.35 :‬‬
‫‪3‬‬
‫نفس المرجع‪.‬‬
‫تجدر اإلشارة إلى أن مسطرة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية التي كانت متبعة في إطار القانون رقم ‪ 31-13‬تختلف جوهريا‪ ،‬السيما‬ ‫‪4‬‬

‫في مرحلة المتابعة‪ ،‬عن تلك المنصوص عليها في مدونة المحاكم المالية‪ .‬وهكذا‪ ،‬وبعد رفع القضية أمام المجلس بواسطة ملتمس الوكيل العام‬
‫للملك‪ ،‬يعين الرئيس مستشا ار مقر ار يكلف بإجراء التح قيق الذي يتتبعه الوكيل العام للملك (الفصل ‪ 11‬من القانون المذكور)‪ .‬وعلى ضوء هذا‬
‫التقرير‪ ،‬يتخذ الوكيل العام للملك مقر ار بالحفظ أو بالمتابعة (الفصل ‪ 11‬من نفس القانون)‪.‬‬

‫‪352‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ففي حالة الحفظ‪ ،‬سواء ألسباب قانونية‪ 1‬أو واقعية‪ ،2‬يتخذ الوكيل العام للملك مقر ار‬
‫يبلغ إلى الجهة التي أحالت عليه القضية‪ ،‬وذلك تجسيدا للمبدأ الذي يفيد بأن سلطة المتابعة‬
‫تعتبر‪ ،‬بالدرجة األولى‪ ،‬سلطة مالءمة‪ .‬غير أن هذا المقرر ال يعتبر نهائيا‪ ،‬إذ يمكن للوكيل‬
‫العام للملك أن يتراجع عنه إذا ظهر له من خالل الوثائق والمعلومات اإلضافية التي يتوصل‬
‫بها‪ ،‬أن هناك قرائن على ارتكاب إحدى المخالفات المستوجبة للمسؤولية‪ .3‬كما ال يعتبر هذا‬
‫المقرر ق ار ار إداريا وال يجوز‪ ،‬بالتالي‪ ،‬الطعن فيه باإللغاء‪ ،‬حيث يعتبر من قبيل األعمال‬
‫القضائية التي تتخذها النيابة العامة دون أن يعني ذلك اكتسابه صبغة الحكم القضائي‪ ،‬بل‬
‫يندرج في إطار التدبير اإلداري للملفات‪.4‬‬

‫أما في الحالة التي يقرر فيها الوكيل العام للملك المتابعة‪ ،‬فإنه يوجه ملتمسا إلى‬
‫ا لرئيس األول قصد تعيين مستشار مقرر يكلف بالتحقيق في القضية‪ ،‬ويشعر المعنيين‬
‫باألمر بأنهم متابعون أمام المجلس‪ .‬كما يخبر الوزير أو السلطة التي ينتمي إليها هؤالء‬
‫والوزير المكلف بالمالية‪ ،‬وعند االقتضاء‪ ،‬الوزير المعهود إليه بالوصاية‪ .5‬وال يعد ملتمس‬
‫تعيين مستشار مقرر بديال عن مقررات المتابعة الفردية التي توجه إلى المعنيين باألمر‪ ،‬إذ‬
‫كرس القضاء المالي القاعدة التي تفيد بأن عدم ذكر اسم المسؤول في الملتمس ال يحول‬
‫دون إمكانية معاقبته في إطار هذا االختصاص شريطة أن يكون قد وجه له قرار المتابعة‬
‫وتم احترام مبدأ التواجهية في مختلف مراحل سريان المسطرة‪.6‬‬

‫وباإلضافة إلى كونه يشكل اإلجراء الذي يتم بموجبه تحريك دعوى التأديب المتعلق‬
‫بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬فإن أهمية مقرر المتابعة تتجلى‪ ،‬كذلك‪ ،‬في كونه يعتبر اإلطار‬

‫كما هو الشأن بالنسبة لعدم ورود الجهاز المعني ضمن األجهزة الخاضعة الختصاص المجلس أو كون المعني باألمر غير خاضع لهذا‬ ‫‪1‬‬

‫االختصاص أو ألن الفعل موضوع الطلب ال يندرج ضمن المخالفات المستوجبة للمسؤولية‪ .‬كما قد تصدر النيابة العامة مقرر الحفظ في حالة الوفاة‬
‫أو التقادم‪ ،‬أو ارتكاب الشخص المعني لمخالفة بناء على أمر كتابي صادر عن رئيسه التسلسلي‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫تراعي النيا بة العامة في هذا الصدد أهمية القواعد والمبادئ التي تمت مخالفتها‪ ،‬ومدى التناسب بين كلفة المتابعة وحجم المخالفة المرتكبة‪ ،‬ودرجة‬
‫خطورة األفعال المعنية‪ ،‬ومدى تعدد ظروف التخفيف‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫الفقرة الرابعة من المادة ‪ 59‬من مدونة المحاكم المالية‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫قرار المجلس األعلى عدد ‪ 103‬بتاريخ ‪ 15‬ماي ‪ ،3313‬النيابة العامة لدى المجلس األعلى للحسابات‪ ،‬دليل الق اررات الصادرة عن المجلس‬
‫األعلى في نطاق الطعن بالنقض في ق اررات المجلس األعلى للحسابات‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬انظر كذلك‪:‬‬
‫‪CE, 9 Décembre 1977, De Grailly ;CE, 17 octobre 1984, Contensou.‬‬
‫‪5‬‬
‫المادة ‪ 59‬من مدونة المحاكم المالية‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪CE, 22 juin 1987, Dehaye.‬‬

‫‪353‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المحدد لمجال ونطاق التحقيق والبت في القضية المعروضة‪ ،‬إذ ال يجوز معاقبة متابع من‬
‫أجل أفعال لم تتابعه بشأنها النيابة العامة‪.1‬‬

‫ثالثا‪ -‬مرحلة التحقيق في القضية‬


‫في حالة ما إذا قررت النيابة العامة المتابعة‪ ،‬وبعد تعيين الرئيس األول للمستشار‬
‫المقرر المكلف بالتحقيق‪ ،‬يتولى هذا األخير إجراء التحقيق في القضية‪ .‬وقد خول له المشرع‪،‬‬
‫في هذا اإلطار‪ ،‬سلطات واسعة‪ ،‬إذ يؤهل‪ ،‬بموجب المادة ‪ 53‬من مدونة المحاكم المالية‪،‬‬
‫للقيام بجميع التحقيقات والتحريات لدى جميع األجهزة العمومية أو الخاصة واالطالع على‬
‫جميع الوثائق واالستماع إلى جميع األشخاص الذين يظهر أن مسؤوليتهم قائمة وإلى جميع‬
‫الشهود الذين يمكن أن تكون شهادتهم مفيدة‪ ،‬في إطار ضمانات حقوق الدفاع‪.‬‬

‫ويخضع اللجوء إلى هذه اإلجراءات للسلطة التقديرية للمستشار المقرر حسب طبيعة‬
‫المؤاخذات المنسوبة إلى المتابع وعناصر إثباتها‪ ،‬إذ استعمل المشرع فعل " يؤهل"‪ .‬في هذا‬
‫تقدم به دفاع متابع يتعلق بعدم احترام المستشار‬ ‫السياق‪ ،‬وجوابا على دفع‬
‫المقرر"‪...‬للضوابط القانونية للتحقيق ‪ ،‬إذ لم يكلف نفسه عناء االنتقال إلى عين المكان للقيام‬
‫بالتحريات التي يراها ضرورية‪ )...(،‬كما تم التحقيق دون االستماع إلى جميع األشخاص‬
‫المساهمين في تسيير(الجهاز المعني)‪ ،"...‬اعتبرت غرفة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون‬
‫المالية أن " هذه اإلجراءات (تندرج) ضمن سلطات التحقيق الموكولة إلى المستشار المقرر‪،‬‬
‫والتي يلجأ إليها حسب طبيعة المؤاخذات قيد التحقيق‪ ،‬وال تشكل حتما حقا من حقوق الدفاع‬
‫التي يتوجب العمل بها في جميع الحاالت"‪.2‬‬

‫‪1‬‬
‫انظر على سبيل المثال‪ :‬القرار عدد ‪/1131/13‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م في فاتح مارس ‪ 1131‬الصادر في القضية عدد ‪ /1111/311‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م المتعلقة‬
‫بالتسيير المالي لمؤسسة عمومية‪ ،‬قرار صادرة عن المجلس األعلى للحسابات في مادة التأديب المالي‪ ،‬أكتوبر ‪ ،1135‬ص‪10 :‬؛ والقرار رقم‬
‫‪ / 1133/11‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م الصادر عن نفس الغرفة في القضية عدد ‪/ 1111/311‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م المتعلقة بالتسيير المالي لمؤسسة عمومية‪ ،‬نفس‬
‫المرجع‪ ،‬ص‪ 01 :‬والقرار عدد ‪ /1135/10‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م الصادر بتاريخ ‪ 1‬يوليوز ‪ 1135‬في القضية عدد ‪/1131/311‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م المتعلقة بمكتب‬
‫الصرف‪ ،‬ق اررات صادرة عن غرفة التأديب‪ ،...‬فبراير ‪ ،1139‬ص‪ ،11 :‬والقرار عدد ‪ /1131/11‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م الصادر بتاريخ ‪ 31‬مارس ‪1131‬‬
‫في القضية عدد ‪/1131/311‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م المتعلقة بالمدرسة العليا للتكنولوجيا بسال‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ .333 :‬والق اررات عدد ‪ 13‬و‪ 11‬و‪10‬‬
‫و‪ 11‬و‪ /1131/19‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م الصادرة بتاريخ ‪ 11‬أكتوبر ‪ 1131‬في القضية عدد ‪ /1135/311‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م المتعلقة بالتسيير المالي لو ازرة‬
‫الصحة (قطاع تدبير المعدات البيوطبية)‪ ،‬ق اررات صادرة عن غرفة التأديب‪ ،...‬شتنبر ‪ ،1139‬صص‪ 30 :‬و‪11‬و ‪ 01‬و‪ 11‬و‪.13‬‬
‫‪2‬‬
‫الق ـرار عدد ‪/1131/11‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م بتاريخ ‪ 19‬يناير ‪ 1131‬الصادر في القضية عدد ‪ /1111/311‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م المتعلقة بالتسيير المالي لجماعة‬
‫قروية‪ ،‬ق اررات صادرة عن المجلس في مادة التأديب المالي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.11 :‬‬

‫‪354‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ومن أجل إجراء التحقيق داخل آجال معقولة وفي ظروف مناسبة‪ ،‬يمكن للمستشار‬
‫المقرر‪ ،‬وفي حالة عدم استجابة المتابعين أو الشهود لالستدعاءات الموجهة إليهم‪ ،‬أو‬
‫يرفضون أداء اليمين‪ ،‬أو اإلدالء بشهادتهم‪ ،‬رفع تقرير إلى الرئيس األول للمجلس الذي‬
‫يمكنه اتخاذ أمر بفرض غرامة مالية في حق المعنيين باألمر‪.1‬‬

‫تجدر اإلشارة إلى أن طبيعة مهمة المستشار المقرر تختلف عن تلك الموكولة إلى‬
‫قاضي التحقيق في المادة الجنائية‪ ،‬فمهمته تتجلى في إعداد تقرير بنتائج التحقيق سواء‬
‫بإثبات المؤاخذات أو بنفيها‪ ،‬دون أن يكون مؤهال التخاذ أي قرار قابل للطعن‪ ،‬كما هو‬
‫الشأن بالنسبة لإلحالة أو عدم االختصاص أو األمر بعدم المتابعة‪ .2‬وال يتمتع بسلطة االتهام‬
‫المباشر وال يعتبر ضابطا للشرطة القضائية‪ .3‬كما ال يضع يده على القضية إال بعد صدور‬
‫ملتمس النيابة العامة وتعيينه من طرف الرئيس األول‪ .‬كذلك‪ ،‬ال تنتهي مهمته بانتهاء‬
‫التحقيق‪ ،4‬إذ يستمر في ممارسة مهامه كمستشار مقرر ويحضر جلسات الحكم باعتباره‬
‫عضوا يتولى تالوة ملخص تقريره خاللها‪ ،‬كما يشارك في المداوالت بصوت تقريري‪ ،‬طبقا‬
‫للمادة ‪ 10‬من مدونة المحاكم المالية‪.‬‬

‫ويخضع سير التحقيق لتتبع النيابة العامة‪ 5‬الذي يطلعها عليه المستشار المقرر‪ .‬وبعد‬
‫االنتهاء من إجراء التحقيق في القضية‪ ،‬ينجز هذا األخير تقري ار‪ 6‬يتضمن النتائج التي أسفر‬
‫عنها التحقيق يوجهه إلى النيابة العامة قصد وضع مستنتجاتها‪.1‬‬

‫‪1‬‬
‫تتراوح مابين خمس مائة (‪ )511‬وألفي (‪ )1111‬درهم‪ ،‬طبقا للمادة ‪ 13‬من مدونة المحاكم المالية‪.‬‬
‫المادة ‪ 111‬من قانون المسطرة الجنائية‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫المادتان ‪ 33‬و‪ 90‬من قانون المسطرة الجنائية‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫في حين‪ ،‬وطبقا للمادة ‪ 51‬من قانون المسطرة الجنائية " ال يمكن لقضاة التحقيق‪ ،‬تحت طائلة البطالن‪ ،‬أن يشاركوا في إصدار حكم في القضايا‬ ‫‪4‬‬

‫الرائجة التي سبق أن أحيلت إليهم بصفتهم قضاة مكلفين بالتحقيق"‪.‬‬


‫‪5‬‬
‫في إطار المقارنة مع اختصاص النيابة العامة في المادة الجنائية‪ ،‬وكما هو الشأن بالنسبة لسلطات قاضي التحقيق‪ ،‬تمنح سلطة التتبع للنيابة‬
‫العامة سلطات واسعة في القضاء الجنائي حيث تنفرد النيابة العامة في إطار قانون المسطرة الجنائية باختصاصات رقابية مهمة نذكر منها‪ :‬عند‬
‫تعدد قضاة التحقيق داخل المحكمة‪ ،‬تتولى النيابة العامة تعيين القاضي المكلف بالتحقيق؛ يجوز للنيابة العامة طلب إبطال إجراءات التحقيق التي‬
‫تراها معيبة؛ يتعين على قاضي التحقيق إخبار النيابة العامة في الدائرة التي ينتقل إليها في حال انتقاله خارج دائرته القضائية لحاجيات التحقيق؛ ال‬
‫يجوز لقاضي التحقيق إصدار أوامره‪ ،‬إال بعد توجيه الملف للنيابة العامة البداء وجهة نظرها؛ ال يتخذ قاضي التحقيق األمر بانتهاء التحقيق‪ ،‬إال بعد‬
‫إرسال الملف إلى النيابة العامة و تقديم ملتمساتها؛ يتم تبليغ النيابة العامة لزوما بجميع األوامر المخالفة لملتمساتها؛ للنيابة العامة حق الطعن‬
‫باالستئناف‪ ،‬في جميع أوامر قاضي التحقيق باستئناف األمر بإجراء الخبرة‪.‬‬
‫‪6‬المادة ‪ 11‬من مدونة المحاكم المالية‪.‬‬

‫‪355‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫رابعا‪ -‬مشاركة األطراف‪ :‬وضع النيابة العامة لمستنتباتها واطالع المتابع‬


‫على ملف القضية‬
‫بعد وضع الوكيل العام للملك لمستنتجاته‪ ،‬يوجه الملف كامال إلى كتابة الضبط‪ ،‬وذلك‬
‫لوضعه رهن إشارة المتابع أو محاميه بهدف االطالع عليه‪ .‬ويجوز للمتابع‪ ،‬خالل الثالثين‬
‫(‪ ) 11‬يوما الموالية الطالعه على الملف‪ ،‬تقديم مذكرة كتابية إما شخصيا وإما بواسطة‬
‫محاميه‪ .2‬كما يجوز له‪ ،‬داخل نفس األجل‪ ،‬أن يتقدم بطلب مستقل عن المذكرة سالفة الذكر‬
‫يلتمس فيه االستماع إلى الشهود الذين يختارهم‪.3‬‬

‫وتشكل هذه المذكرة عنص ار مهما في المسطرة‪ ،‬إذ تمكن المعني باألمر من تقديم‬
‫توضيحاته وتبريراته ودفوعاته أمام المحكمة ويكون لزاما على المحكمة في حالة عدم األخذ‬
‫بوسائلها‪ ،‬الرد عليها في حيثيات القرار‪ ،‬تحت طائلة قابلية اإللغاء بسبب نقصان التعليل‪.4‬‬
‫كما تضفي على مسطرة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية طابعا مختلطا‪ ،‬من خالل‬
‫المزج بين العناصر المرتبطة بالدعوى التأديبية‪ ،‬التي يشكل الطابع الكتابي للمسطرة‬
‫خاصيتها األساسية‪ ،‬وخصائص المسطرة الجنائية التي تحظى فيها الشفوية باألولوية‪.5‬‬

‫وإذا كانت طبيعة مسطرة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية تفترض أن تتم‬
‫عملية االطالع بعد أن يصبح الملف كامال‪ ،‬أي بعد إيداع النيابة العامة لمستنتجاتها‪ ،‬فإن‬
‫طلب االطالع على الملف منذ تحريك المسطرة وخالل مرحلة التحقيق يندرج ضمن حق‬
‫الدفاع‪ ،‬الذي " ينطوي على حقوق أخرى تتفرع عنه‪ ،‬من ضمنها حق االطالع والحصول‬
‫على الوثائق المدرجة في ملف االتهام المتوفرة لدى النيابة العامة مراعاة لمبدأ التكافؤ بين‬
‫سلطتي االتهام والدفاع"‪.6‬‬

‫‪1‬‬
‫كما يمكن للوكيل العام للملك‪ ،‬على ضوء هذا التقرير والوثائق المرفقة به‪ ،‬إصدار مقررات متابعة تكميلية تتضمن مؤاخذات جديدة بالنسبة‬
‫لألشخاص المتابعين أو مقررات متابعة أشخاص جدد‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫المادة ‪ 13‬من مدونة المحاكم المالية‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫المادة ‪ 11‬من هذه المدونة‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪CE, 29 décembre 1993, Guisset.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪James Charrier, Cour de discipline budgétaire et financière, Répertoire de contentieux administratif, Dalloz, 2005,‬‬
‫‪p : 30.‬‬
‫‪6‬‬
‫قرار المجلس الدستوري رقم ‪ 313‬بتاريخ ‪ 31‬غشت ‪ ،1131‬الجامع لمبادئ وقواعد القضاء الدستوري المغربي من خالل ق اررات الغرفة الدستورية‬
‫(‪ )3330-3311‬والمجلس الدستوري (‪ ،)1135-3330‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.11 :‬‬

‫‪356‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫خامسا‪ -‬البت في القضية وطرق الطعن‬


‫بعد انصرام أجل تقديم المذكرة الكتابية وتقديم طلب االستماع إلى الشهود‪ ،‬عند‬
‫االقتضاء‪ ،‬وإذا تبين للرئيس األول بعد فحص الملفات أنها جاهزة للبت‪ ،‬أمر بإدراجها في‬
‫جدول جلسات غرفة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬إذ ُيوجه كاتب الضبط‬
‫االستدعاءات للمتابعين والمحامين والشهود لحضور الجلسات داخل أجل ‪ 35‬يوما قبل‬
‫انعقادها‪.1‬‬

‫وتعتبر جلسات التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية علنية‪ 2‬وتجرى المناقشة‬
‫شفويا حسب التسلسل الوارد في المادة ‪ 10‬من مدونة المحاكم المالية‪ .‬ويتولى رئيس الهيئة‬
‫اإلشراف على المناقشات حيث تتم التدخالت بإذن منه ويحافظ على نظام الجلسة باتخاذ أي‬
‫قرار أو األمر بأي إجراء يراه مفيدا من أجل تحقيق ذلك‪.3‬‬

‫وبعد انتهاء الجلسة‪ ،‬تنسحب الهيئة للتداول حيث يتخذ القرار بأغلبية األصوات‪ ،‬وفي‬
‫حالة تعادلها‪ ،‬يرجح الجانب الذي ينتمي إليه الرئيس‪ .4‬ويصدر القرار في جلسة يستدعى لها‬
‫المعني باألمر أو من ينوب عنه في أجل أقصاه شهران من تاريخ إدراج القضية في‬
‫المداولة‪ ،5‬أي من تاريخ آخر جلسة تم فيها حجز الملف للمداولة‪ ،‬ويتم تبليغه إلى السلطات‬
‫المؤهلة قانونا‪ .6‬وتعتبر جلسة النطق بالحكم نتيجة قانونية لعلنية الجلسات‪.7‬‬

‫‪ 1‬المادة ‪ 11‬من مدونة المحاكم المالية‪.‬‬


‫طبقا للفقرة الثانية من المادة ‪ 319‬من مدونة المحاكم المالية‪ ،‬يرتدي القضاة خالل جلسات الحكم في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون‬ ‫‪2‬‬

‫المالية بذلة نظامية يحدد شكلها بمقرر للرئيس األول‪ .‬وقد صدر هذا المقرر في‪ 11‬من جمادى اآلخرة ‪(3013‬فاتح يوليو ‪ )1119‬تحت رقم ‪-19‬‬
‫‪ ،3110‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 5153‬بتاريخ ‪ 10‬رجب ‪ 19(3013‬يونيو ‪.)1119‬‬
‫‪3‬‬
‫يحق له‪ ،‬عند االقتضاء‪ ،‬تطبيق مقتضيات المادة ‪ 311‬من المدونة التي تنص على أنه يمكن الحكم بناء على مقرر يتخذه رئيس الجلسة في حق‬
‫كل من يستخف في سلوكه أو أقواله باالحترام الواجب للمجلس خالل إحدى جلساته‪ ،‬بغرامة من ‪ 111011‬درهم إلى ‪ 1111011‬درهم ويكون هذا‬
‫المقرر غير قابل للطعن ويحرر محضر في هذا الشأن‪ .‬وإذا تعلق األمر بمحام‪ ،‬وجهت نسخة من هذا المحضر إلى نقيب الهيئة التي ينتمي إليها‪.‬‬
‫‪ 4‬المادة ‪ 10‬من مدونة المحاكم المالية‪.‬‬
‫أصدر المجلس األعلى للحسابات منذ شروعه في ممارسة اختصاص التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية سنة ‪ 3330‬إلى حدود نهاية سنة‬ ‫‪5‬‬

‫‪ 1139‬ما مجموعه ‪ 051‬ق اررا‪ .‬التقرير السنوي للمجلس برسم سنة ‪ ،1139‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.35 :‬‬
‫‪ 6‬المادة ‪ 15‬من مدونة المحاكم المالية‪ .‬وقد حد دت هذه المادة السلطات المذكورة في الوزير المكلف بالمالية والوكيل العام للملك والجهة التي رفعت‬
‫القضية إلى المجلس والممثلون القانونيون لألجهزة المعنية‪ ،‬فضال عن المعني باألمر‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪James Charrier, Cour de discipline budgétaire et financière, op, cit, p : 31.‬‬

‫‪357‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وكما هو الشأن بالنسبة للق ار ارت النهائية الصادرة عن المجلس ابتدائيا في إطار البت‬
‫في الحسابات‪ ،‬تخضع ق اررات التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية للطعن باالستئناف‬
‫أمام هيئة الغرف المشتركة‪ .1‬كما يحق لنفس السلطات التي لها حق االستئناف تقديم طلبات‬
‫بالنقض أمام محكمة النقض ضد الق اررات النهائية الصادرة استئنافيا عن المجلس وفقا لنفس‬
‫المسطرة المتعلقة بطلب النقض ضد الق اررات النهائية الصادرة عن المجلس في مادة البت‬
‫في الحسابات‪ .2‬وفي حالة اكتشاف عنصر جديد‪ ،‬يمكن للمعني باألمر بعد انصرام األجل‬
‫المحدد لطلب النقض‪ ،‬أن يطلب من المجلس مراجعة القرار المتعلق به الذي سبق أن أصدره‬
‫المجلس ‪.3‬‬

‫الفقرة الثانية‪ -‬تنوع في طبيعة ووظائف العقوبات الصادرة عن القاضي‬


‫المالي‬
‫إذا كان يقصد بالعقوبة عموما‪ ،‬بغض النظر عن المجال الذي تطبق فيه‪ ،4‬ما يعتبره‬
‫المجتمع كذلك وما يعكس لدى الرأي العام صورة سلبية‪ ،5‬فإن العقوبات التي يصدرها‬
‫القاضي المالي في مجال التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية هي عقوبات مالية‬
‫تقليدية تتميز بثنائية تكاملية‪.‬‬

‫فباإلضافة إلى ردع مرتكب المخالفات من خالل إصدار غرامات مالية في حقه (أوال)‪،‬‬
‫يهدف هذا االختصاص‪ ،‬كذلك‪ ،‬إلى جبر الضرر الذي قد تتسبب فيه المخالفة المرتكبة من‬
‫خالل عقوبة إرجاع األموال (ثانيا)‪ ،‬التي تشكل إحدى الخاصيات التي ينفرد بها القضاء‬

‫‪1‬‬
‫المواد ‪ 13‬و‪ 11‬و‪ 11‬من مدونة المحاكم المالية‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫المادة ‪ 11‬من مدونة المحاكم المالية‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫المادة ‪ 10‬من مدونة المحاكم المالية‪ .‬ويتم إجراء باقي المسطرة طبقا لمقتضيات المواد من ‪ 53‬إلى ‪ 15‬من المدونة‪ ،‬أي نفس المسطرة المتبعة‬
‫في إطار التحقيق والبت في قضايا التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ابتدائيا‪.‬‬
‫يتسم مجال الغرامات بالتعدد في الطبيعة والغاية‪ .‬فالغرامة الجنائية قررها القانون لمعاقبة الجريمة بينما قررت الغرامة المدنية من أجل أفعال ال تعد‬ ‫‪4‬‬

‫جرائم وإنما فرضت في قوانين المسطرة كجزاء خاص‪ .‬وهناك غرامات مالية تعتبر ف ي نفس الوقت عقوبة وتعويض عما لحق الخزينة من ضرر‪ ،‬كما‬
‫هو الشأن في ميدان الجمارك والقانون المنظم للتبغ‪...‬وهناك أيضا الغرامة التهديدية التي شرعت كوسيلة من وسائل التنفيذ العيني فرضت من أجل‬
‫إلزام المدين الممتنع عن تنفيذ التزاماته‪ .‬للمزيد من التفاصيل حول صفات وم ميزات هذه األنواع من الغرامات‪ ،‬انظر إدريس بلمحجوب‪ ،‬قواعد تنفيذ‬
‫العقوبات‪ ،‬الجزء األول‪ :‬العقوبات السالبة للحرية والعقوبات المالية‪ ،‬منشورات بابل‪ ،3399 ،‬ص‪ 311 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Robert Hertzog, La nécessaire réforme de la procédure de la gestion de fait, , RFFP, n°66, Juin 1999, p:‬‬
‫‪97.‬‬

‫‪358‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المالي المغربي مقارنة بنظيره الفرنسي‪ ،‬وتطرح في تطبيقاتها نقاشا واسعا يتمحور حول مدى‬
‫مالءمة المسؤولية المدنية لخاصيات المسؤولية في مجال التدبير المالي العمومي‪.‬‬

‫أوال‪ -‬العقوبة األصلية‪ :‬الغرامة المالية‬


‫طبقا للمادة ‪ 11‬من مدونة المحاكم المالية‪ ،‬يحكم المجلس األعلى للحسابات على‬
‫األشخاص الذين ارتكبوا مخالفات تستوجب المسؤولية في مجال التأديب المتعلق بالميزانية‬
‫والشؤون المالية بعقوبات شخصية تتخذ شكل غرامة يحدد مبلغها حسب خطورة وتكرار‬
‫المخالفة على أال يقل هذا المبلغ عن ألف (‪ )3111‬درهم عن كل مخالفة‪ ،‬ومن غير أن‬
‫يتجاوز مبلغ الغرامة عن كل مخالفة األجرة السنوية الصافية التي كان يتقاضاها المعني‬
‫باألمر عند تاريخ ارتكاب المخالفة‪ .‬وفي حالة ارتكاب أكثر من مخالفة‪ ،‬يجب أن ال يتجاوز‬
‫مجموع مبالغ الغرامات المحكوم بها أربع (‪ )0‬مرات مبلغ األجرة السنوية السالفة الذكر‪.1‬‬

‫ونظ ار ألن هذه الغرامة تعتبر عقوبة شخصية تهدف إلى الردع الخاص‪ ،2‬فقد ميز‬
‫المشرع المغربي من أجل تحديد مبلغها‪ ،‬بين الحالة التي يستفيد فيها مرتكب المخالفات من‬
‫أجرة غير عمومية إذ تحسب عل ى أساس أجرته السنوية الصافية‪ ،‬والحالة التي ال يتقاضى‬
‫فيها أجرة‪ ،‬حيث أجاز أن يصل مقدار الغرامة إلى ما يعادل األجرة السنوية الصافية لموظف‬
‫بدرجة متصرف باإلدارة المركزية يستفيد من أعلى رتبة في سلم األجور رقم ‪.333‬‬

‫بيد أن هذه العقوبة تثير نقاشا بشأن طبيعتها‪ ،‬إذ ال يمكن إدراجها في نطاق العقوبات‬
‫التأديبية أو الجنائية‪ ،4‬ذلك أنه‪ ،‬إذا كانت العقوبات التأديبية تطبق على الشخص بصفته‬

‫لئن تعتبر قيمة الغرامات التي أصدرها القاضي المالي في مجال التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬سواء في إطار القانون رقم ‪31-13‬‬ ‫‪1‬‬

‫أو برسم مدونة المحاكم المالية‪ ،‬ضعيفة مقارنة بالحدود القصوى التي حددها المشرع‪ ،‬فقد عرف تطور قيمتها منحى تصاعديا‪ .‬فإذا كان الحد‬
‫األقصى المحكوم به بلغ ‪ 311‬ألف درهم برسم قضية واحدة (انظر التقرير السنوي للمجلس برسم سنة ‪ ،1139‬ص‪ ،)35 :‬فإن المبالغ األخرى‬
‫تترواح بصفة عامة ما بين خمسة آالف درهم و‪ 01‬ألف درهم بنسبة ‪ %00‬ومابين مبلغ ‪ 51‬ألف درهم ومبلغ ‪ 111‬ألف درهم بنسبة ‪ .%11‬في‬
‫حين لم تتعد الغرامات التي تراوحت مبالغها ما بين مبلغ ‪ 3.111‬درهم ومبلغ ‪ 0.111‬درهم نسبة ‪ .%13‬للمزيد من التفاصيل‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪Présentation de La compétence de la Cour des comptes du Royaume du Maroc en matière de discipline‬‬
‫‪budgétaire et financière, Actes du séminaire de l’AISCUF sur la répression des fautes de gestion, 2016, op,‬‬
‫‪cit.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Christophe Pierucci, note de jurisprudence, sous CE, 20 Octobre 1999, Lorenzi, RFFP n°1999, n°66, p : 195.‬‬
‫‪3‬‬
‫المادة ‪ 11‬من مدونة المحاكم المالية‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪A. Bernard, Conclusions sur CE, ass, 30 juin 1961, Mazer, GAJF, 2014, op, cit, p : 29.‬‬

‫‪359‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫عضوا داخل نظام‪ ،1‬فهي تتخذ أشكاال مختلفة كالعقوبات األدبية والمعنوية التي هي عبارة‬
‫عن تحذير وقائي تمارسه اإلدارة في مواجهة موظفيها إذا ارتكب أحدهم خطأ بسيطا أو‬
‫ظهرت عليه بوادره حتى ال يتمادى في اإلخالل بالتزاماته المهنية‪ ،‬كاإلنذار والتوبيخ‪ .2‬أما‬
‫العقوبات المالية‪ ،‬وإن كانت تتسم بالندرة‪ ،‬فقد كانت دائما حاضرة في النظام التأديبي كآثار‬
‫مترتبة عن العقوبات التأديبية المتخذة‪ .3‬كما يمكن أن يتعلق األمر بإبعاد الموظف عن‬
‫وظيفته وإنهاء رابطة التوظيف التي تعتبر أقصى هذه العقوبات‪.4‬‬

‫ولئن كانت العقوبتان تتشابهان من حيث خضوعهما لمبدأ الشرعية‪ ،5‬فإن الغرامة في‬
‫مادة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية تختلف في خصائصها عن العقوبة التأديبية‬
‫التي تعتبر وسيلة من وسائل اإلدارة الرادعة تطبقها الجهة اإلدارية المختصة بناء على نص‬
‫في القانون من أجل ردع مرتكبي المخالفات التأديبية داخل جماعة وظيفية للمحافظة على‬
‫النظام العام فيها‪ .‬وإذن‪ ،‬فالعقوبة التأديبية " تخص التنظيم الداخلي لفئة تتكون من عدد‬
‫محدود من األعضاء (أجراء أو أعوان عموميون أو أعضاء هيئة مهنية ‪...‬الخ) وتعاقب على‬
‫مخالفات القواعد السارية على هذه المجموعة‪ ،‬أي الواجبات التي تفرضها المنظمة على‬
‫أعضائها"‪.6‬‬

‫‪1‬‬
‫حدد الفصل ‪ 11‬من النظام األساسي للوظيفة العمومية هذه العقوبات مرتبة حسب تزايد الخطورة‪ ،‬وهي‪ :‬اإلنذار والتوبيخ والحذف من الئحة الترقي‬
‫واالنحدار من الطبقة والقهقرة من الرتبة والعزل من غير توثيق حق التقاعد أو المصحوب باإلقصاء المؤقت لمدة ال تتجاوز ستة أشهر مع الحرمان‬
‫من كل أجرة باستثناء التعويضات العائلية واإلحالة الحتمية على التقاعد‪.‬‬
‫‪ 2‬جميلة عباوي‪ ،‬المسؤولية التأديبية للموظف‪ ،‬مجلة المنبر القانوني‪ ،‬العدد ‪ ،3‬أكتوبر ‪ ،1135‬ص‪.310 :‬‬
‫‪3‬‬
‫والتي يترتب عنها حرمان الموظف بصفة غير مباشرة من االمتيازات المالية والمعنوية للوظيفة‪ ،‬كما هو الشأن بالنسبة للحذف من الئحة الترقي‬
‫أو االنحدار من الطبقة أو القهقرة من الرتبة‪ ،‬وفي هذه الحالة‪ ،‬تعتبر عقوبات مالية غير مباشرة‪.‬‬
‫‪4‬التي تتجلى في عقوبة العزل سواء في نسبتها المخففة نسبيا من غير توقيف حق التقاعد‪ ،‬أو في صورتها المشددة مصحوبة بتوقيف حق التقاعد‪.‬‬
‫للمزيد من التفاصيل‪ ،‬انظر‪ :‬محمد كرامي‪ ،‬القانون اإلداري‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬طبعة ‪ ،1135‬صص‪.035-031 :‬‬
‫‪5‬‬
‫في هذا اإلطار‪ ،‬جاء في قرار للمحكمة اإلدارية العليا (جمهورية مصر العربية)‪ ،‬طعن رقم ‪ 1113‬بتاريخ ‪ 39‬مارس ‪ ،1133‬المكتب الفني‪: ،‬‬
‫"‪ ...‬وأما الشق اآلخر من مبدأ الشرعية (أنه ال عقوبة إال بنص) فإنه يطبق في مجال العقوبات التأديبية‪ ،‬وال يجوز توقيع عقوبة تأديبية لم يرد بها‬
‫نص صريح في القانون أو الالئحة‪ ،‬سيما وأن العقوبات التأد يبية محددة على سبيل الحصر وال يجوز الخروج عليها بعكس الجرائم التأديبية التي‬
‫يتعذر تحديدها على سبيل الحصر"‪ ،‬سمير عبد الله سعد‪ ،‬الجرائم التأديبية والجنائية للموظف العام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ .11 :‬للمزيد من التفاصيل‬
‫حول مبدأ الشرعية في مجال المسؤولية التأديبية‪ ،‬انظر‪ ،‬سليمان محمد الطماوي‪ ،‬الوجيز في القانون اإلداري‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،3331 ،‬ص‪:‬‬
‫‪.011‬‬
‫‪6‬‬
‫‪J. Prallus- Dupuy, Le pouvoir de sanction disciplinaire reconnu à certaines autorités administratives‬‬
‫‪indépendantes, RFDA, 2003, p : 559.‬‬

‫‪360‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫بالمقابل‪ ،‬ليست جميع المخالفات المستوجبة للتأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‬
‫أخطاء مهنية تبرر تطبيق عقوبات ت أديبية‪ ،‬إذ يتجاوز نطاق التأديب المالي حدود مهنة أو‬
‫مؤسسة اعتبا ار لكون هذا االختصاص يمتد إلى الموظفين واألعوان الخاضعين للنظام‬
‫األساسي للوظيفة العمومية‪ ،‬وكذا المسؤولين واألعوان الذي يخضعون ألنظمة أخرى مختلفة‬
‫ويعملون بأجهزة عمومية وشبه عمومية ال تعتمد نظام الوظيفة العمومية‪ .‬فاألمر ال يتعلق‬
‫بضمان االنضباط داخل أجهزة أو منظمات أو مهنة‪ ،‬بل باحترام مجموعة من القواعد التي‬
‫يلزم بها كل متدخل يساهم في تنفيذ العمليات المالية العمومية بمفهومها الواسع‪ ،1‬أي حماية‬
‫النظام العام المالي بشكل عام‪ .2‬وتبعا لذلك‪ ،‬ال تعتبر الغرامات في مجال التأديب المتعلق‬
‫بالميزانية والشؤون المالية ذات طبيعة تأديبية‪.3‬‬

‫على صعيد آخر‪ ،‬وإذا كانت الغرامة في مجال التأديب المالي تميل نحو خصائص‬
‫العقوبة الجنائية‪ 4‬ليس فقط بسبب التحديد التشريعي للمخالفات المستوجبة للمسؤولية‪ ،‬وكذا‬
‫األشخاص الخاضعين‪ ،‬بل أيضا بالنظر إلى طبيعة المسطرة القضائية المتبعة التي تعتبر‬
‫ادعائية‪ ،‬وأهمية العقوبات التي يمكن أن تسفر عنها ووظيفتي الردع العام والخاص اللتين‬
‫تتسم بهما‪ ،‬فإن هذه العقوبة تظل عقوبة صادرة عن محاكم ذات طبيعة إدارية وليست‬
‫جنائية‪.5‬‬

‫كما تختلف هذه الغرامة عن تلك التي يصدرها القاضي المالي في إطار اختصاص‬
‫التسيير بحكم الواقع‪ ،‬التي " تقدر باعتبار أهمية ومدة حيازة أو استعمال األموال والقيم دون‬
‫أن يتجاوز مبلغ(ها) مجموع المبالغ التي تمت حيازتها أو استعمالها بصفة غير قانونية"‪،6‬‬
‫وال يشكل إصدارها دائما عقوبة عن إخالل بواجبات مهنية‪ ،‬في حين أن الغرامة في مادة‬
‫التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية لها طابع زجري تعاقب على ارتكاب أفعال قد ال‬
‫يترتب عنها بالضرورة ضرر بمالية الجهاز المعني‪ ،‬وفي حالة وقوع هذا الضرر‪ ،‬ال يتم‬
‫‪1‬‬
‫‪A. Bernard, conclusions sous CE, 30 juin 1961, Mazer, op, cit, p : 855‬‬
‫‪2‬‬
‫‪A. Froment-Meurice (et autres), GAJF, 2014, op, cit, p : 28.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪CE, 7 juillet 1978, Massip, op, cit.‬‬
‫‪ 4‬الفصل ‪ 15‬من القانون الجنائي‪ ":‬الغرامة المالية هي إلزام المحكوم عليه بأن يؤدي لفائدة الخزينة العامة مبلغا معينا من النقود"‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪CE, 30 juin 1961, Procureur général près la Cour des comptes c. Mazer, op, cit ; CDBF, 4 décembre 2002,‬‬
‫‪Gallet et Avoine.‬‬
‫‪ 6‬المادة ‪ 00‬من مدونة المحاكم المالية‪.‬‬

‫‪361‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫تحديد مبلغ الغرامة على أساس الضرر المحقق بل يشكل ظرفا للتشديد تراعيه الهيئة‪ .‬ويعتبر‬
‫هذا العنصر نقطة اختالف أيضا مع الغرامات الضريبية التي تهدف ليس فقط إلى الزجر بل‬
‫أيضا إلى التعويض‪.1‬‬
‫وتبعا لذلك‪ ،‬من الواضح أن الغرامة في مجال التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون‬
‫المالية ليست لها " طبيعة العقوبة الجنائية أو العقوبة التأديبية أو المهنية"‪ .2‬إال أنه‪ ،‬وتحت‬
‫تأثير المحكمة األوروبية لحقوق اإلنسان‪ ،3‬اعتبر مجلس الدولة الفرنسي أخي ار أن محكمة‬
‫التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية تبت في اتهامات ذات طبيعة جنائية على اعتبار‬
‫أن المخالفات المستوجبة للمسؤولية ال تتعلق بمجموعة معينة ولكن تطبق على فئات مختلفة‬
‫تتدخل في تنفيذ العمليات المالية العمومية‪ ،‬وهي محددة قانونا وتتسم فيها العقوبات بدرجة‬
‫خاصة من الشدة والقساوة‪.4‬‬

‫وإذا كان هذا الموقف له ما يبرره من حيث طبيعة الضمانات الواجب منحها‬
‫للمتقاضين‪ ،5‬فقد كرست مدونة المحاكم المالية مبدأ قابلية الغرامة في مادة التأديب المتعلق‬
‫بالميزانية والشؤون المالية للتراكم مع العقوبات الجنائية والتأديبية بشأن نفس المؤاخذات‬
‫لكونها ليست من نفس الطبيعة‪ ،6‬وال تخل‪ ،‬تبعا لذلك‪ ،‬بمبدأ عدم جواز معاقبة الشخص‬
‫بشأن نفس األفعال مرتين‪ .‬ويجد هذا المبدأ أساسه في كون عناصر المسؤولية في مادة‬
‫التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية تختلف عن تلك المتعلقة بالمسؤولية الجنائية‪ ،‬إذ‬
‫تتجاوز هذه األخيرة وظيفة تدبير المال العام لكونها تهدف إلى معاقبة اإلخالل بواجب‬
‫االستقامة وحفظ األمانة‪ ،‬في حين تتسم المسؤولية في مادة التأديب المتعلق بالميزانية‬

‫‪1‬‬
‫‪James Charrier, Cour de discipline budgétaire et financière, op, cit, p : 20.‬‬
‫‪2‬‬
‫; ‪CE, 30 juin 1961, Procureur général près la Cour des comptes c/Mazer ; CE,15 novembre 2006, M. Gallet‬‬
‫‪CDBF, 23 avril 2003, Tribunal de grande instance (TGI) de Marseille ; CDBF, 24 février 2006, centre‬‬
‫‪hospitalier spécialisé (CHS) Paul-Guiraud de Villejuif, GAJF, 2014, op, cit, p : 28.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪CEDH, 26 septembre 2000, Guisset/c. France.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪CE, 30 octobre 1998, Lorenzi, RFFP n°1999, n°66, p : 189.‬‬
‫‪5‬المادة ‪ 1‬من االتفاقية األوروبية لحقوق اإلنسان (‪ 0‬نوفمبر ‪.)3351‬‬
‫اعتمد المشرع المغربي هذا المبدأ في المادة ‪ 333‬من مدونة المحاكم المالية التي تنص على أنه " ال تحول المتابعات أمام المجلس دون ممارسة‬ ‫‪6‬‬

‫الدعوى التأديبية والدعوى الجنائية‪."...‬‬

‫‪362‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫والشؤون المالية بطبيعة إدارية وعقابية ال يشترط لقيامها توفر الركن المعنوي‪ ،‬وتهدف من‬
‫خالل عقوبات مالية إلى حماية النظام المالي العمومي الذي تحكمه قواعد قانونية خاصة‪.1‬‬

‫ثانيا‪ -‬إرجاع األموال موضوع الخسارة‪ :‬عقوبة تكميلية للغرامة‬


‫باإلضافة إلى الغرام ة المالية‪ ،‬وفي حالة ما إذا تسببت المخالفات المرتكبة من طرف‬
‫المتابع في خسارة ألحد األجهزة الخاضعة لرقابته‪ ،‬يتم الحكم على المعني باألمر بإرجاع‬
‫المبالغ المطابقة لفائدة هذا الجهاز من رأسمال وفوائد تحتسب على أساس السعر القانوني‬
‫ابتداء من تاريخ ارتكاب المخالفة‪ .2‬وقد حدد المشرع نطاق اإلرجاع في الخسارة فقط دون‬
‫استعمال مصطلح الضرر الذي يعتبر أشمل من الخسارة‪ ،‬وفقا للتعريف الذي اعتمده ظهير‬
‫االلتزامات والعقود المغربي في فصله ‪ 110‬الذي اعتبر " الضرر هو ما لحق الدائن من‬
‫خسارة حقيقية وما فاته من كسب متى كانا ناتجين عن عدم الوفاء بااللتزام‪."...‬‬

‫وينفرد المشرع المغربي بهذه العقوبة التكميلية مقارنة بنظام مسؤولية المدبرين‬
‫العموميين أمام محكمة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية الفرنسية حيث لم يتضمن‬
‫القانون المحدث لهذه األخيرة في سنة ‪ 3309‬وتعديالته الالحقة هذه العقوبة‪ ،‬إذ ظل‬
‫اختصاص التأديب المالي في فرنسا اختصاصا عقابيا ال يهدف إلى التعويض عن الضرر‬
‫الذي قد يلحق بمالية األجهزة الخاضعة لهذا االختصاص‪ .‬في حين تطورت أنظمة المسؤولية‬
‫في دول أخرى‪ ،‬كالبرتغال واسبانيا وايطاليا‪ ،‬نحو إضفاء الطابع المدني على المسؤولية‬
‫المالية للمدبرين العموميين‪.3‬‬

‫ولئن كان موضوعها مدنيا‪ ،‬فإن إصدار عقوبة إرجاع األموال يتم مباشرة من طرف‬
‫القاضي المالي دون الحاجة إلى إعمال مسطرة خاصة أو اشتراط مطالبة الطرف المتضرر‬
‫(الجهاز العمومي) بالتعويض‪ ،‬كما هو الشأن في إطار المسؤولية المدنية‪ .‬كما ال يخضع‬
‫تطبيق هذه العق وبة للسلطة التقديرية للقاضي المالي إال في ما يتعلق بعناصر الحكم بها من‬

‫‪ 1‬ق اررات صادرة عن المجلس األعلى للحسابات في مادة التأديب المالي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.5 :‬‬
‫‪2‬الفقرة الثانية من المادة ‪ 11‬المذكورة أعاله‪.‬‬
‫‪3‬للمزيد من التفاصيل حول هذه األنظمة‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪S. Flizot, La responsabilité financière des gestionnaires publics en Europe, Ajda, n° 13/2005, p : 709.‬‬

‫‪363‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫قبيل ثبوت الخسارة وقيمتها ومسؤولية الشخص المعني عن إلحاقها‪ ،‬إذ يتعين عليه‪ ،‬متى‬
‫ثبتت هذه العناصر‪ ،‬الحكم بإرجاع األموال المطابقة للخسارة‪.‬‬

‫وبغض النظر عن االختالف بين هذه العقوبة وعقوبة المصادرة‪ ،1‬فإن الغاية منها ال‬
‫تختلف كثي ار عن الهدف المتوخى من الدعاوي الجنائية في الجرائم المالية" الذي ال يتحقق‬
‫فقط بعدد األشخاص المتابعة والمحالة على المحكمة‪ ،‬وال بإصدار عقوبات سالبة للحرية‬
‫بشأنها‪ ،‬ولكن بإمكانية استرجاع المبالغ المبددة والمختلسة ومالحقتها بين يدي أي شخص‬
‫كان وأيا كان المستفيد منها عن طريق مصادرتها لفائدة الدولة"‪.2‬‬

‫بيد أن هذه العقوبة‪ ،‬وإن كانت تشكل مظه ار أساسيا من مظاهر حماية األموال‬
‫العمومية‪ ،‬فإنها تثير نقاشا حول مدى مالءمتها لتنظيم العمل داخل األجهزة الخاضعة‪،‬‬
‫السيما وأن مدونة المحاكم المالية لم تعتمد في هذا المجال نظام المسؤولية التضامنية‪ ،‬على‬
‫غرار اختصاص التسيير بحكم الواقع‪ .3‬فالخسارة تتحقق في غالب األحيان داخل منظمة‬
‫بمساهمة أكثر من مسؤول ومتدخل‪ ،‬إذ تتخذ هذه األجهزة ق ارراتها التدبيرية في إطار مساطر‬
‫وأنظمة هرمية تقوم على توزيع المهام والوظائف بين بنيات مختلفة ومتنوعة تخضع لسلطات‬
‫رقابية وإشرافية متباينة وفي مراحل مختلفة‪.‬‬

‫في ذات االتجاه‪ ،‬يقتضي تطبيق هذه العقوبة مراعاة المبادئ التي كرسها القضاء‬
‫اإلداري في مجال المسؤولية اإلدارية لموظفي وأعوان الدولة من حيث التمييز بين الخطأ‬
‫الشخصي والخطأ المرف قي‪ .‬كما ال يمكن أن يتجاهل هذا التطبيق عدم التناسب بين األموال‬
‫الخاصة للمدبرين العموميين ومبالغ اإلرجاع المحكوم بها‪ ،‬خاصة عندما ال يستفيد مرتكب‬
‫المخالفة من منافع بسبب الخسارة المحققة‪ ،‬وهو ما قد يطرح إشكالية قابلية هذه العقوبة‬
‫للتطبيق‪ ،‬أو بشكل أدق‪ ،‬قدرة المسؤول المعني على أداء المبالغ المحكوم بها‪ .‬ومن شأن ذلك‬

‫‪1‬‬
‫حول التمييز بين عقوبة إرجاع األموال وعقوبة المصادرة‪ ،‬انظر كتابنا‪ :‬نظام مسؤولية المدبرين العموميين أمام القاضي المالي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪:‬‬
‫‪ 031‬ومابعدها‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫قرار صادر عن محكمة النقض تحت عدد ‪ 3/191‬المؤرخ في ‪ 31‬يونيو ‪ 1135‬في الملف الجنائي عدد ‪ ،1130/31113‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫الذي ال ينحصر في التصريح بالشخص الذي باشر من غير أن يؤهل لذلك من لدن السلطة المختصة عمليات قبض الموارد ودفع النفقات وحيازة‬
‫واستعمال أموال أو قيم في ملك أحد األجهزة العمومية الخاضعة لرقابة المجلس(الفقرة الثانية من المادة ‪ 03‬من مدونة المحاكم المالية)‪ ،‬بل أيضا‬
‫المشارك المسؤول الذي يكون بموافقته أو تشجيعه إما على المبالغة في بيانات األثمان أو الفاتورات أو على تحريف البيانات الواردة بهذه الوثائق‪ ،‬قد‬
‫عمد عن علم إلى تحرير أوامر باألداء أو حواالت أو تبريرات أو أصول صورية (الفقرة الثالثة من نفس المادة ‪.)03‬‬

‫‪364‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫جعل المدبرين العموميين يطالبون بتأسيس التأمين عن المخاطر التي قد تنشئ هذه‬
‫المسؤولية قبل شروعهم في ممارسة مهامهم في مجال التدبير‪ ،‬كما هو الشأن بالنسبة‬
‫للمحاسبين العموميين في مجال البت في الحسابات‪ ،1‬وذلك بالتحديد‪ ،‬سيفرغ هذا النظام في‬
‫المسؤولية من النجاعة والفعالية كوسيلة للردع العام والخاص‪.‬‬
‫ولهذه األسباب القانونية والعملية‪ ،‬اتجه قاضي التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون‬
‫المالية نحو حصر نطاق تطبيق هذه العقوبة في الحاالت التي يكون فيها المدبر العمومي قد‬
‫حصل عل ى أموال غير مستحقة أو قام بأداء نفقات من ميزانية الجهاز لحسابه الخاص‬
‫كامتيازات نقدية غير مبررة‪ ،‬كما تعكس ذلك الحالتين التاليتين‪:‬‬

‫‪ -‬تحميل شركة عامة المصاريف المترتبة عن مساهمات المتابع في صندوق للضمان‬


‫بدون سند قانوني أو تعاقدي‪ ،‬إذ أن العقد المبرم ما بين المعني باألمر والشركة‪ ،‬والمحدد‬
‫لوضعيته المادية اتجاه الشركة‪ ،‬ال يتضمن هذا االمتياز‪ ،‬ولم يخضع هذا العقد ألي تعديل‬
‫في شأن إمكانية تحميل الشركة لواجب انخراط المعني باألمر في صندوق الضمان المذكور‪،‬‬
‫كما لم يثبت عرض هذه المسألة على المجلس اإلداري للشركة وموافقة هذا األخير عليها‪.‬‬
‫وبذلك‪ ،‬يكون قد خالف البنود التعاقدية التي تجمعه بالشركة‪ ،‬وتجاوز االختصاصات المخولة‬
‫له من طرف رئيس المجلس اإلداري للشركة مما ترتب عنه حصوله لنفسه على منفعة نقدية‬
‫غير مبررة ألحقت خسارة بمالية الشركة‪2‬؛‬

‫‪ -‬تحمل ميزانية شركة عامة لنفقات خاصة بمدير عام خالل فترات تنقله في مهمات‬
‫زيادة على التعويضات التي استفاد منها أثناء هذه التنقالت‪ ،‬والتي كانت تغطي جميع‬
‫المصاريف التي يتحملها المستفيد‪ ،‬من أكل ومبيت وتنقل‪ ،‬خالل الفترة التي يغطيها األمر‬
‫بالقيام بمهمة‪ .‬وبذلك‪ ،‬فإن استفادة المعني باألمر من نفقات‪ ،‬خارج أرض الوطن‪ ،‬رغم عدم‬
‫توفره على األوامر بالقيام بمهمة تغطي الفترة التي أنجزت فيها هذه المصاريف ترتب عنها‬

‫المادة ‪ 3‬من القانون رقم ‪ 13-33‬المتعلق بتحديد مسؤولية اآلمرين بالصرف والمراقبين والمحاسبين العموميين الصادر بشأن تنفيذه الظهير‬ ‫‪1‬‬

‫الشريف رقم ‪ 3-11-15‬الصادر في ‪ 33‬من محرم ‪ 3011‬كما تم نسخها وتعويضها ابتداء من فاتح يناير ‪ 1133‬بالمادة ‪ 9‬من قانون المالية‬
‫رقم ‪ 31-01‬للسنة المالية ‪ 1133‬الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 3-11-111‬بتاريخ ‪ 11‬محرم ‪ 13( 3011‬دجنبر ‪ ،)1131‬الجريدة‬
‫الرسمية عدد ‪ 5310‬بتاريخ ‪ 10‬محرم ‪ 11(3011‬دجنبر ‪ ،)1131‬ص‪.3319 :‬‬
‫‪2‬‬
‫القرار عدد ‪ /1131/01‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م الصادر بتاريخ ‪ 33‬دجنبر ‪ 1131‬في إطار القضية عدد ‪ / 1113/313‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م المتعلقة بالتسيير المالي‬
‫للشركة المغربية لأللعاب والرياضة‪ ،‬ق اررات صادرة عن غرفة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬فبراير ‪ ،1139‬ص‪.19 :‬‬

‫‪365‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫تحميل المعني باألمر الجهاز العام‪ ،‬الذي كان يشرف عليه‪ ،‬لنفقات تهم تغطية مصاريف‬
‫شخصية‪ ،‬بشكل متكرر‪ ،‬رغم استفادته من التعويضات عن التنقل المستحقة‪ ،‬طبقا لألنظمة‬
‫الجاري بها العمل‪ .‬وهو ما يشكل مخالفة لقواعد االلتزام بالنفقات العمومية وتصفيتها وحصول‬
‫لنفسه على منفعة نقدية غير مبررة ألحقت خسارة بميزانية الشركة‪.1‬‬

‫وكما يالحظ من خالل هاتين الحالتين‪ ،‬فإن القاسم المشترك بين األفعال موضوعها هو‬
‫استفادة األشخاص المتابعين من أموال من ميزانية أجهزة عمومية يشرفون عليها‪ ،‬اتخذت‬
‫شكل امتيازات نقدية ال ترتكز على أسس قانونية أو تعاقدية سواء في شكل نفقات شخصية‬
‫أو تحمل واجبات االنخراط‪ .‬وفي كل هذه الحاالت‪ ،‬فإن الحكم بإرجاع األموال يتعلق بمبالغ‬
‫سبق للمعنيين باألمر أن حصلوا عليها سواء بشكل مباشر (حالة النفقات الخاصة) أو بشكل‬
‫غير مباشر (واجبات انخراط التي سيستفيد شخصيا من عائداتها ومن الحقوق التي يتيحها‬
‫هذا االنخراط‪ ،‬والتي كان يفترض أن يتحملها المعني باألمر من ماله الخاص)‪.‬‬

‫تجدر اإلشارة إلى أنه‪ ،‬وباإلضافة إلى هذه العقوبات‪ ،‬ألزم دستور المملكة‪ ،‬من أجل‬
‫منح مبدأ الشفافية معناه الكامل‪ ،‬المجلس األعلى للحسابات‪ ،‬باإلضافة إلى التقرير السنوي‬
‫الذي يرفعه إلى جاللة الملك والذي يتضمن بيانا عن جميع أعماله‪ ،‬بضرورة نشر جميع‬
‫أعماله بما فيها التقارير الخاصة والمقررات القضائية‪ .2‬وتفعيال لهذه المقتضيات‪ ،‬شرع‬
‫المجلس ابتداء من سنة ‪ 1135‬في نشر المقررات القضائية الصادرة عنه‪ ،‬إذ تم إلى حدود‬
‫اآلن نشر أربع مجموعات‪ 3‬تتضمن جميع الق اررات الصادرة عن غرفة التأديب المتعلق‬
‫بالميزانية والشؤون المالية خالل الفترة مابين ‪ 1131‬و‪.1139‬‬

‫ولئن كان النشر ال يندرج ضمن اختصاص الهيئة الحاكمة‪ ،‬وال يتخذ‪ ،‬تبعا لذلك‪ ،‬طابع‬
‫العقوبة التكميلية‪ ،‬كما هو الشأن في المادة الجنائية‪ 4‬ومدونة المحاكم المالية الفرنسية‪ ،5‬فإن‬
‫قيمة األحكام والق اررات (المقررات القضائية) التي تصدر عن الجهاز األعلى للرقابة تتجلى"‬

‫‪1‬‬
‫القرار عدد ‪/1131/15‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م الصادر بتاريخ ‪ 1‬دجنبر ‪ 1131‬في إطار القضية عدد‪/1133 /313‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م المتعلقة بالتسيير المالي‬
‫للشركة الوطنية للنقل واللوجستيك ( المكتب الوطني للنقل سابقا)‪ ،‬نفس المرجع أعاله‪ ،‬ص‪.11:‬‬
‫‪2‬الفقرة الرابعة من الفصل ‪ 309‬من دستور المملكة‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫في أكتوبر ‪ 1135‬وفبراير وشتنبر ‪ 1139‬وأبريل ‪.1133‬‬
‫الفصل ‪ 11‬من مجموعة القانون الجنائي‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪5‬‬
‫‪Article L.314-20 du Code des Juridictions Financières (France).‬‬

‫‪366‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫أساسا في طابعها الوقائي‪( .‬إذ) تتوفر األجهزة العليا للرقابة ذات المهام القضائية على‬
‫سلطات خاصة كفيلة بضمان حماية لألموال العمومية ولألموال التي في حكمها‪ ،‬وإرساء‬
‫الشفافية والنزاهة في مجال التدبير العمومي"‪.1‬‬

‫في هذا اإلطار‪ ،‬تشكل عملية النشر آلية تهدف إلى تحسين التدبير العمومي بشكل‬
‫يعزز الدور البيداغوجي للمحاكم المالية ووظيفة الردع العام‪ ،‬من خالل المساهمة في إرساء‬
‫قواعد حسن التدبير العمومي وتوضيح المقتضيات القانونية التي تسري على هذا التدبير‬
‫وإبراز اإلكراهات التي يواجهها بما من شأنه إشاعة ثقافة حسن التدبير وتدعيم مبادئ وقيم‬
‫الحكامة الجيدة سواء تعلق األمر بالمسؤولين المعنيين أو بمدبري أجهزة عمومية أخرى قد‬
‫تتشابه من حيث خصائص التدبير والقواعد التي تحكمه واكراهات التسيير‪ .‬كما تمنح‬
‫للباحثين والمهتمين والرأي العام المجال إلغناء النقاش حول إشكاليات التدبير العمومي‬
‫وطرق تجاوزها‪ ،‬وتكريس االجتهاد القضائي في مجال مسؤولية المدبرين العموميين وتدعيم‬
‫مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة‪.2‬‬

‫وبالرغم من الثنائية المتكاملة الذي تتميز بها العقوبات التي يؤهل القاضي المالي‬
‫إلصدارها في إطار اختصاص التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬فإنها تظل‬
‫محدودة‪ ،‬إذ ال يؤهل إلصدار عقوبات أخرى غير العقوبات المالية‪ ،3‬على غرار بعض‬
‫األجهزة العليا للرقابة‪ ،4‬التي تؤهل لتوقيع عقوبات تندرج عادة في مجال الجزاءات التأديبية‪،5‬‬
‫السيما تلك المتعلقة بالحوافز وسريان المسار المهني للمعني باألمر‪ ،‬والتي قد تتناسب بشكل‬
‫أكبر مع خاصيات التدبير العمومي‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫النقطة ‪ 1.3.3‬من المعيار ‪ – INTOSAI P50‬مبادئ ممارسة المهام القضائية من طرف األجهزة العليا للرقابة‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ 2‬ق اررات صادرة عن المجلس‪ ،‬أكتوبر ‪ ،1135‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.5 :‬‬
‫‪3‬بيد أن الفقرة األخيرة من المادة ‪ 11‬من مدونة المحاكم المالية‪ ،‬تمنح للهيئة الحاكمة في إطار التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬إذا‬
‫اكتشفت أفعال تستوجب اجراء تأديبيا‪ ،‬إحالة الملف على النيابة العامة لدى المجلس في إطار المادة ‪ 333‬من مدونة المحاكم المالية‪.‬‬
‫المادة ‪ 33‬من القانون االتحادي رقم ‪ 9‬لسنة ‪ 1133‬بإعادة تنظيم ديوان المحاسبة بدولة اإلمارات العربية المتحدة الذي نسخ القانون االتحادي رقم‬ ‫‪4‬‬

‫‪ 1‬لسنة ‪ 3311‬ميالدية بشأن إنش اء ديوان المحاسبة‪ ،‬كما تم تغييره وتتميمه‪ .‬انظر‪ ،‬وثائق االجتماع ‪ 51‬للمجلس التنفيذي للمنظمة العربية لألجهزة‬
‫العليا للرقابة المالية والمحاسبة‪ ،‬المملكة المغربية‪ ،‬الصخيرات‪ 13 ،‬إلى ‪ 11‬مارس ‪.1131‬‬
‫‪5‬على مستوى تجربة ديوان المحاسبة بدولة اإلمارات العربية المتحدة‪ ،‬تتس م هذه العقوبات بطابع الجزاء التأديبي وإن تعلق األمر بمخالفات مالية يبت‬
‫فيها الديوان‪ .‬وفي إطار هذا النموذج‪ ،‬تتم محاكمة الموظفين أيا كانت درجاتهم أو رواتبهم من طرف مجلس تأديب يشكل بقرار من رئيس الديوان‬
‫برئاسة أحد القضاة يختاره وزير العدل وعضو من الموظفين الف نيين بالديوان يحدده رئيس الديوان وعضو من الجهة التي وقعت فيها المخالفة يرشحه‬
‫الوزير المختص أو رئيس تلك الجهة (المادة ‪ 13‬من القانون االتحادي سالف الذكر)‪.‬‬

‫‪367‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫لذلك‪ ،‬فإن تنويع العقوبات في مجال القضاء المالي ال يعني بالضرورة النص على‬
‫عقوبات قاسية وشديدة‪ ،‬بل مالءمتها مع المخالفات المرتكبة وإعمال مبادئ العدل واإلنصاف‬
‫في توقيعها‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ -‬تقدير القاضي المالي لمسؤولية المتابعين واواعد إسنادها‬


‫عكس المسؤولية المالية والشخصية للمحاسب العمومي في مادة البت في الحسابات‬
‫التي تتسم بالطابع الموضوعي‪ ،‬يطبق القاضي المالي في مجال التأديب المتعلق بالميزانية‬
‫والشؤون المالية‪ ،‬على غرار أية محكمة زجرية‪ ،‬مبدأ شخصية العقوبات حيث تمتد واليته‪،‬‬
‫عند تقديره لمسؤولية األشخاص المتابعين الذين ارتكبوا مخالفات منشئة للمسؤولية‪ ،‬فضال‬
‫عن العناصر المادية لألفعال المكونة لها‪ ،‬إلى الظروف الذاتية والمهنية لمرتكب المخالفة‬
‫على صعيد مؤهالته وواجباته الوظيفية وموقعه في الهرم اإلداري‪ ،‬وكذا الظروف الواقعية‬
‫المرتبطة بأسباب ونتائج هذه المخالفات‪ ،‬والتي يتولى القاضي المالي على ضوئها‪ ،‬وحسب‬
‫الحالة‪ ،‬تشديد العقوبة أو تمتيع المتابع بظروف التخفيف‪.‬‬

‫ويروم هذا المبدأ تحقيق العدل واإلنصاف من خالل تحقيق التناسب ما بين المخالفة‬
‫المرتكبة والعقوبة المستحقة‪ ،‬إذ "‪ ...‬لئن كانت (بعض الجرائم) تبدو على درجة عالية من‬
‫الخطورة‪ ،‬فإن من شأن ظروف ومالبسات ارتكابها أن يحد بشكل كبير من نسبة هذه‬
‫الخطورة‪ .‬وفي مقابل ذلك‪ ،‬هناك جرائم أخرى‪ ،‬وإن كانت تبدو أقل خطورة من حيث‬
‫طبيعتها‪ ،‬فإن من شأن الظروف التي واكبت أو سبقت أو تلت ارتكابها أن تجعلها أشد‬
‫خطورة‪.1"...‬‬

‫وعالوة على اآلثار المترتبة عن تطبيق مبدأ شخصية العقوبة الفقرة الثانية)‪ ،‬هناك‬
‫حاالت أخرى تصبح فيها مسؤولية المدبرين العموميين منتفية أمام القاضي المالي‪ ،‬وذلك‬

‫‪1‬‬
‫‪Pierre –François Muyaut de Vouglans, dans ses lois criminelles de France (1783) résumait avec l’élégance‬‬
‫‪du siècle des lumières la nécessité d’individualiser les peines : «...En effet, qui ne sait qu’il y a par ailleurs‬‬
‫‪certains crimes qui, quoique graves de leur nature, peuvent devenir légers par leurs circonstances ; comme il y‬‬
‫‪en a d’autres qui, quoique réputés légers de leur nature, peuvent devenir graves par les circonstances qui les‬‬
‫‪ont accompagnés, précédés ou suivis...», cité par Olivier Villemagne et Philipe Grimaud, Responsabilités des‬‬
‫‪comptables et des ordonnateurs : quel impact des pressions subies, Ajda n° 37/2015, 9 novembre 2015, p :‬‬
‫‪2069.‬‬

‫‪368‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫متى توفرت األسباب القانونية المحدثة لهذا األثر (الفقرة األولى)‪ ،‬كما هو الشأن بالنسبة‬
‫لحالة األمر الكتابي أو تقادم األفعال موضوع المخالفات المرتكبة‪ ،‬وبصفة عامة األسباب‬
‫التي تؤدي إلى سقوط الدعوى العمومية‪ .1‬وحتى في حالة صدور حكم قضائي مكتسب لقوة‬
‫الشيء المقضي به‪ ،‬يمكن وفق مسطرة محددة قانونا إعفاء أو إبراء ذمة المحكوم عليه من‬
‫عقوبة إرجاع األموال موضوع الخسارة التي تسببت فيها المخالفات المرتكبة‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ -‬محدودية األسباب القانونية المعفية من المسؤولية‬

‫تتراوح األسباب القانونية المعفية من المسؤولية في مجال التأديب المتعلق بالميزانية‬


‫والشؤون المالية بين قواعد المسؤولية الجنائية والمسؤولية المدنية‪ ،‬وإن بشكل محدود بسبب‬
‫الخصوصيات التي يتسم بها التدبير العمومي‪ .‬فمقارنة بأسباب سقوط الدعوى العمومية في‬
‫مجال الدعوى الجنائية التي تتسم بالتعدد‪ ،2‬لم تنص مدونة المحاكم المالية منها سوى على‬
‫سببين األمر الكتابي (أوال) والتقادم (ثانيا) في حين لم تتعرض المنازعة القضائية لألسباب‬
‫األخرى‪ ،‬التي ال تتناسب مع دعوى التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬كما هو‬
‫الشأن بالنسبة للصلح والتنازل‪...‬الخ‬

‫كما يمكن لرئيس الحكومة إعفاء اآلمر بالصرف أو األعوان أو الموظفين الذين يعملون‬
‫لحسابهم أو تحت سلطتهم‪ ،‬و(أو) إبراء ذمتهم على وجه اإلحسان حتى بعد أن يكتسب‬
‫الحكم القضائي الصادر عن القاضي المالي‪ ،‬الذي قضى بإرجاع األموال‪ ،‬قوة الشيء‬
‫المقضي به‪ ،‬وهو ما يجعل هذا العنصر سببا معفيا من العقوبة وليس من المسؤولية (ثالثا)‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫جاء في قرار للمجلس األعلى للحسابات تحت رقم ‪ /1131/51‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م الصادر بتاريخ ‪ 13‬يونيو ‪ ..." :1131‬وحيث إن دعوى التأديب‬
‫المتعلق بالميزانية والشؤون المالية تقام من طرف النيابة العامة من أجل توقيع الجزاء على كل آمر بالصرف أو مراقب مالي أو محاسب عمومي‪،‬‬
‫أو مسؤول أو كل موظف أو عون يعمل تحت سلطتهم أو لحسابهم‪ ،‬الذين يكونوا قد ارتكبوا إحدى المخالفات المستوجبة للعقاب في مادة التأديب‬
‫المتعلق بالميزانية والشؤون المالية؛ وحيث إن الدعوى التي تقام أمام القضاء من أجل المطالبة بتوقيع الجزاء تعتبر دعوى عمومية ‪ ،"...‬ق اررات‬
‫صادرة عن المجلس في مادة التأديب المالي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.11 :‬‬
‫طبقا للمادة ‪ 0‬من قانون المسطرة الجنائية‪ " ،‬تسقط الدعوى العمومية بموت الشخص المتابع وبالتقادم وبالعفو الشامل وبنسخ المقتضيات الجنائية‬ ‫‪2‬‬

‫التي تجرم الفعل وبصدور مقرر اكتسب قوة الشيء المقضي به‪ .‬وتسقط بالصلح عندما ينص القانون صراحة على ذلك‪ .‬تسقط أيضا بتنازل‬
‫المشتكي عن شكايته إذا كانت الشكاية شرطا ضروريا للمتابعة مالم ينص القانون على خالف ذلك"‪.‬‬

‫‪369‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫أوال‪ -‬األمر الكتالي الموجه إلى المرؤوس مرتكب المخالفة‬


‫تشترك األجهزة الخاضعة الختصاص التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية في‬
‫كونها منظمات تمارس المهام الموكولة إليها في إطار هياكل وظيفية تقوم على أساس مبدأ‬
‫التدرج أو التسلسل الوظيفي‪ ،‬إذ يوجد في قمة الهرم الرئيس اإلداري أو السلطة المختصة‪،‬‬
‫التي يتبعها الرؤساء المباشرون في األقسام أو اإلدارات أو الفروع األقل مستوى في التدرج‬
‫الوظيفي‪ ،‬ويوجد في تل ك األقسام أو اإلدارات أو الفروع طبقة الموظفين المرؤوسين بدرجاتهم‬
‫الوظيفية المختلفة ألداء األعمال التنفيذية وأداء الخدمات العامة للمواطنين‪.1‬‬

‫في هذا اإلطار‪ ،‬وطبقا للمادة ‪ 51‬من مدونة المحاكم المالية‪ ،‬إذا أدلى مرتكبو‬
‫المخالفات المستوجبة للتأديب المتعلق بالمي ازنية والشؤون المالية بأمر كتابي صادر قبل‬
‫ارتكاب المخالفة عن رئيسهم التسلسلي أو عن أي شخص آخر مؤهل إلصدار هذا األمر‪،‬‬
‫انتقلت المسؤولية أمام المجلس في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية إلى من‬
‫أصدر هذا األمر الكتابي‪.‬‬

‫وحتى ينتج األمر الكتابي آثاره القانونية كسبب لإلعفاء من المسؤولية‪ ،‬طبقا للمادة ‪51‬‬
‫أعاله‪ ،‬يجب أن يستوفي مجموعة من الشروط الشكلية والجوهرية‪ .‬وهكذا‪ ،‬يجب أن يتخذ هذا‬
‫األمر شكل وثيقة مكتوبة مما يستثني من هذا المجال األوامر الشفوية التي يكون قد تلقاها‬
‫المتابع من مسؤولي اإلدارة المركزية‪ ،2‬وأن يكون صاد ار عن رئيس أو سلطة مؤهلة إلى‬
‫مرؤوس‪ ،‬األمر الذي يفترض وجود عالقة رئاسية‪ ،3‬وبالتالي‪ ،‬ال ينتج هذا األمر آثاره في‬
‫غياب هذه العالقة‪ ،‬كما هو الشأن بالنسبة لمصادقة سلطة الوصاية على العمل المخالف‪.4‬‬
‫كما يجب أن يتطابق موضوع هذا األمر مع موضوع المخالفة وأن يكون تاريخ إصداره سابقا‬

‫‪1‬‬
‫سمير عبد الله سعد‪ ،‬الجرائم التأديبية والجنائية للموظف العام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.115 :‬‬
‫‪2‬‬
‫الق ـرار عدد ‪ /1131/11‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م بتاريخ ‪ 11‬يونيو ‪ 1131‬الصادر في القضية رقم ‪/1131/339‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م المتعلقة بنيابة إقليمية لمرفق‬
‫للدولة‪ ،‬ق اررات صادرة عن المجلس في مادة التأديب المالي‪ ،‬أكتوبر ‪ ،1135‬ص‪19 :‬؛ ق ـرار عدد ‪ /1131/13‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م بتاريخ ‪ 11‬يونيو ‪1131‬‬
‫الصادر في القضية عدد ‪ / 1131/331‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م المتعلقة بالتسيير المالي لمرفق للدولة‪ ،‬المرجع سابق الذكر‪ ،‬ص‪.19 :‬‬
‫تقوم بمجرد وجود رئيس ومرؤوس دون الحاجة إلى نص قانوني‪ .‬وبمقتضى هذه السلطة‪ ،‬يمارس الرئيس اختصاصات وسلطات واسعة ومتعددة‬ ‫‪3‬‬

‫على مرؤوسيه‪ ،‬سواء تعلقت بش خص المرؤوس ومركزه القانوني (التعيين والنقل والترقية والحوافز والعقوبات) أو بأعماله (التعديل واإللغاء والحلول)‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪CDBF, 20 Mars 1979, Direction départementale de l'équipement (DDE) de la Savoie, Stations de sports‬‬
‫‪d’hiver.‬‬

‫‪370‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫عن تاريخ ارتكابها‪ ،‬وذلك حتى ال يتعلق األمر بتسوية المخالفة مما يستبعد اعتبار مجرد‬
‫العلم بالمخالفة من طرف السلطة المؤهلة إلصدار األمر سببا لإلعفاء من المسؤولية‪.1‬‬

‫وبالرغم من أن المشرع اشترط أن يكون األمر موضوع وثيقة مكتوبة‪ ،‬فقد عالج قضاء‬
‫التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية هذا الشرط بمرونة كبيرة ترتكز على اإلنصاف‪،‬‬
‫كما هو الشأن بالنسبة للحاالت التي يصرح فيها المتابعون بأنهم تلقوا أوامر شفوية من‬
‫رؤسائهم التسلسليين‪ ،‬الذين أكدوا بدورهم‪ ،‬خالل جلسات الحكم‪ ،‬بأنهم أصدروا فعال تلك‬
‫األوام ر الشفوية لمرؤوسيهم أو في حالة ثبوت وجود إرادة الرئيس التسلسلي في ارتكاب‬
‫المخالفة بالرغم من عدم إصدار هذا األخير ألي أمر كتابي في الموضوع‪ .2‬كما يندرج في‬
‫هذا اإلطار الطلب الذي تقدم به مرؤوس بواسطة مذكرة مرفوعة إلى رئيسه مادام أن " صيغة‬
‫المذكرة دقيقة بشكل يمكن اعتبارها أم ار بإبرام صفقة دون اللجوء إلى المنافسة "‪.3‬‬

‫على صعيد آخر‪ ،‬اعتبر المجلس الرسالة الموجهة من مسؤول باإلدارة المركزية‪ ،‬بناء‬
‫على تفويض من الوزير‪ ،‬إلى نائب إقليمي لمصلحة خارجية لو ازرة مستوفية لشروط األمر‬
‫الكتابي اعتبا ار لكونها صادرة عن السلطة الرئاسية للمعني باألمر تأمره بتسديد ديون سابقة‬
‫وجاء تاريخها سابقا لتاريخ إصدار المعني باألمر لسند الطلب موضوع المخالفة‪ .4‬كما أنزلت‬
‫قرار الو ازرة بتغيير بعض المواصفات التقنية المتعاقد بشأنها‪ ،‬دون اللجوء إلى عقد ملحق‪،‬‬
‫منزلة األمر الكتابي ويترتب عنه أثر قانوني يتمثل في إعفاء (المتابع) من مخالفة اإلشهاد‬
‫على استالم مواد ال تطابق الخصائص التقنية موضوع الصفقة‪.5‬‬

‫بالمقابل‪ ،‬رفض المجلس دفع متابع بكون توقيع مفتشي الو ازرة بمحضر تسليم المهام‬
‫الذي وردت فيه تسوية "مخلفات" بمثابة أمر كتابي صادر عن الجهة المختصة باإلدارة‬

‫‪1‬‬
‫‪N. Groper, commentaire sous CDBF, 28 Avril 1987, Association pour la formation professionnelle des adultes‬‬
‫‪(Afpa), Benoit et Souquiére, Responsabilité des gestionnaires publics…, op, cit, p : 290.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪CDBF, 11 mai 1990, Fonds d'aide et de coopération (FAC), Trillaud et Frasseto ; CDBF, 5 juillet 1977,‬‬
‫‪Moissonier et Salva.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪CDBF, 22 juin 1992, Loing et autres.‬‬
‫‪4‬‬
‫القرار رقم ‪ /1131/ 11‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م الصادر بتاريخ ‪ 11‬يونيو ‪ 1131‬المذكور أعاله‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫القرار عدد ‪ /1131/ 19‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م بتاريخ ‪ 11‬يونيو ‪ 1131‬الصادر في القضية رقم ‪ /1131/333‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م المتعلقة بالتسيير المالي لو ازرة‪،‬‬
‫ق اررات صادرة عن المجلس في مادة التأديب المالي‪ ،‬أكتوبر ‪ ،1135‬ص‪91 :‬؛ القـرار عدد ‪/1131/19‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م بتاريخ ‪ 11‬دجنبر ‪1131‬‬
‫الصادر في القضية عدد ‪ / 1131/331‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م المتعلقة بالتسيير المالي لو ازرة‪ ،‬نفس المرجع المذكور‪ ،‬ص‪.310 :‬‬

‫‪371‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المركزية‪ .1‬كما رفض المجلس دفع تقدم به متابع اعتبر ملحوظة مكتوبة بخط اليد وردت في‬
‫الهامش األسفل لمراسلة إدارية صادرة عن اإلدارة المركزية أم ار كتابيا موجها إليه‪ ،‬وذلك‬
‫لكون موضوعها ومتنها ال يتعلق بتنفيذ أمر بإصدار األوامر بأداء مبالغ مخلفات(ديون) نيابة‬
‫إقليمية أخرى‪ .‬وعليه‪ ،‬وباإلضافة إلى أن شكل الرسالة ال يمكن من إدراجها في إطار األوامر‬
‫الكتابية‪ ،‬فإن مرتكب المخالفة غير مؤهل لتلقي األوامر الكتابية التي تتعلق بنيابة إقليم ال‬
‫تخضع أصال لنفوذه الترابي‪.2‬‬

‫وقد اعتمد القضاء المالي الفرنسي عنص ار آخر يتجلى في طبيعة العالقة الرئاسية التي‬
‫تربط مرتكبي المخالفات‪ ،‬وذلك لتقييم درجة مسؤولية المرؤوسين والرؤساء اإلداريين‪ ،‬إذ‬
‫يكتسي تحديد درجة االستقاللية التي يتمتع بها المرؤوسون إزاء رؤسائهم أهمية قصوى سواء‬
‫على المستوى القانوني أو الواقعي‪ .‬في هذا اإلطار‪ ،‬لم تتم مؤاخذة مرؤوسين اقتصر دورهم‬
‫على التنفيذ فقط‪ . 3‬نفس األمر يتعلق بحالة مرؤوس الذي‪ ،‬وإن شكل فعله " مخالفة واضحة‬
‫لقواعد تنفيذ نفقات عمومية‪ ،‬فقد ارتكبها في ظروف يتعذر معها التمييز بشكل دقيق بين‬
‫مسؤوليته الشخصية المباشرة ومسؤولية مصالح اإلدارة المركزية الذين اعترفوا بدورهم‬
‫بالنقائص التي كانت تشوب تسييرهم خالل الفترة المعنية"‪ .4‬في المقابل‪ ،‬ال يندرج في إطار‬
‫األمر الكتابي الضغوط التي مارسها ديوان وزير اضطر معها المتابع (مدير مركزي)‬
‫الرتكاب مخالفات مستوجبة للمسؤولية‪ ،‬إذ كان يتعين على هذا األخير‪ ،‬بالنظر إلى وضعيته‬
‫في التسلسل اإلداري‪ ،‬عدم االستجابة لهذه الضغوط‪.5‬‬

‫وبصفة عامة‪ ،‬يمكن القول بأن التوسيع في مفهوم األمر الكتابي يحقق نسبيا العدالة‬
‫في مساءلة مختلف المدبرين العموميين‪ ،‬السيما المرؤوسين منهم‪ ،‬نظ ار لما يتسم به التدبير‬

‫‪1‬‬
‫القرار رقم ‪ / 1131/ 13‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م الصادر بتاريخ ‪11‬يونيو ‪ 1131‬في القضية رقم ‪ / 1131 /331‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م المتعلقة بالتسيير المالي لمرفق‬
‫للدولة‪ ،‬ق اررات صادرة عن المجلس في مادة التأديب المالي‪ ،‬أكتوبر ‪ ،1135‬ص‪ .13:‬ويقصد بالمخلفات في هذه الحالة ديون في ذمة جهاز‬
‫عمومي ناتجة عن استالم مواد وسلع في غياب عالقة تعاقدية‪.‬‬
‫‪2‬القرار رقم ‪ / 1131/11‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م سالف الذكر‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪CDBF, 5 juillet 1977, Moissonier et Salva ; CDBF, 5 novembre 1977, ministère des Affaires étrangères (frais‬‬
‫‪de réception), Demorand et autres ; CDBF, 26 mai 1987, Darmon et a ; CDBF, 19 juin 2002, Del Fabbro et‬‬
‫‪a ; CDBF, 16 décembre 2003, Bloch.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪CDBF, 21 juin 1977, Ponton.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪CDBF, 20 décembre 2007, Fonds Social Européen (FSE).‬‬

‫‪372‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫العمومي من خصوصيات ذات عالقة بالسوسيولوجيا اإلدارية التي تجعل من الصعب على‬
‫هؤالء اشتراط إصدار رؤسائهم لألوامر التي يوجهونها إليهم في شكل وثيقة مكتوبة‪ ،‬خاصة‬
‫عندما تتسم الحاالت التي تستدعي التصرف باالستعجال‪.‬‬

‫وفي حالة توا فر هذه الشروط‪ ،‬ينتج األمر الكتابي آثاره القانونية التي تتجلى في انتقال‬
‫المسؤولية أمام المجلس عن المخالفة المرتكبة من منفذ األمر إلى من أصدره‪ ،‬وهو ما‬
‫يضفي على هذا العنصر في اإلعفاء طابعا ذاتيا وذو آثار محدودة‪ ،1‬إذ أن قيام مسؤولية‬
‫من أصدر األمر عن المخالفة المرتكبة من طرف المرؤوس بشكل مباشر يعني أن األفعال‬
‫المرتكبة لم تفقد صفة المخالفة لكون هذا المرؤوس أطاع األمر فقط‪ ،‬ولم يستفد من هذا‬
‫اإلعفاء المساهمون والمشاركون ألنه لصيق بالفاعل المرؤوس‪.‬‬

‫ثانيا‪ -‬أحاام التقادم في مبال التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‬


‫طبقا للمادة ‪ 311‬من مدونة المحاكم المالية‪ ،‬تتقادم المخالفات التي تستوجب التأديب‬
‫المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬إذا لم يتم اكتشافها من طرف المجلس أو كل سلطة‬
‫مختصة داخل أجل خمس (‪ )5‬سنوات كاملة تبتدئ من التاريخ الذي تكون قد ارتكبت فيه‪.‬‬
‫ومقارنة بالفصل ‪ 11‬من القانون رقم ‪ 31-13‬المنسوخ‪ ،2‬يالحظ أن المدونة عدلت من تاريخ‬
‫قطع هذا األجل أو انتهائه باعتماد تاريخ اكتشاف األفعال وليس تاريخ رفع القضية إلى‬
‫المجلس‪ ،‬األمر الذي يوسع من الفترة المعنية بالمتابعة ويقلل من حاالت األفعال التي يطالها‬
‫التقادم في المرحلة الفاصلة ما بين تاريخ اكتشافها وتاريخ رفع القضية‪.‬‬

‫وتكمن أهمية تاريخ االكتشاف في تحديد نقطة شكلية وجوهرية في نفس اآلن تتعلق‬
‫باالختصاص الزمني التي تتم إثارتها تلقائيا في جميع ق اررات المجلس نظ ار لكونها تندرج في‬
‫إطار النظام العام‪ ،‬وهذا ما يفسر كون سبب التقادم يعتبر من العناصر التي يجب التأكد‬

‫وهو ما يجعله يختلف عن أمر السلطة الشرعية في المجال الجنائي حيث ينص الفصل ‪ 310‬من القانون الجنائي المغربي على أنه " ال جناية وال‬ ‫‪1‬‬

‫جنحة وال مخالفة في األحوال التالية‪ -3 :‬إذا كان الفعل قد أوجبه القانون وأمرت به السلطة الشرعية‪ ."...‬ويتسم هذا السبب بطبيعة موضوعية حيث‬
‫ينصب على الفعل المخالف للقانون دون أن يهتم بشخص الفاعل‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬فإن أثره يمتد إلى الفاعل والمساهم والشريك على حد سواء‪.‬‬
‫ينص الفصل ‪ 11‬من القانون رقم ‪ 31 -13‬المتعلق بالمجلس األعلى للحسابات (المنسوخ) على أنه " ال يمكن رفع القضية إلى المجلس بعد‬ ‫‪2‬‬

‫انصرام اجل خمس سنوات كاملة يبتدىء من اليوم الذي ارتكب فيه أحد األفعال المنصوص عليها في الفصل ‪( 51‬من القانون المذكور)‪ .‬غير أن‬
‫هذا األجل يمدد فيما يخص العمليات المرتبطة بتنفيذ قانون المالية إلى تاريخ صدور قانون التصفية المتعلق بالسنة المرتكبة المخالفات برسمها إذا‬
‫صدر هذا القانون بعد انصرام أجل الخمس سنوات السابق الذكر"‪.‬‬

‫‪373‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫منها سواء من طرف السلطات المؤهلة لطلب رفع القضايا أو النيابة العامة خالل مرحلة‬
‫المتابعة‪ .‬لذلك‪ ،‬تتناول ق اررات القضاء المالي هذا العنصر في مستهل هذه الق اررات‪ ،‬بعد‬
‫التذكير باإلجراءات المسطرية واالختصاص الموضوعي للمجلس للبت في القضية (الجهاز‬
‫واألشخاص الخاضعون)‪ ،‬وذلك قبل مناقشة األفعال موضوع المتابعة ومسؤولية مرتكبيها‪.‬‬

‫تجدر اإلشارة إلى أن األفعال التي تكون موضوع متابعات في مادة التأديب المتعلق‬
‫بالميزانية والشؤون المالية يتم اكتشافها بطرق متعددة ووفق مساطر متنوعة‪ ،‬وتخضع لتقييم‬
‫هيئات وسلطات مختلفة في مراحل معينة ومتفاوتة‪ .‬ومن الناحية العملية‪ ،‬وبالنسبة لحالة رفع‬
‫القضية من طرف الوكيل العام للملك من تلقاء نفسه‪ ،‬يعتبر تاريخ رفع الملتمس إلى الرئيس‬
‫األول من أجل إجراء التحقيق كتاريخ اكتشاف‪ ،‬علما بأن هذه العملية تنطوي على مرحلتين‬
‫غير قابلتين للتجزيء‪ ،‬وهما مرحلتي االكتشاف والمتابعة‪.1‬‬

‫أما بالنسبة لطلب الرئيس األول‪ ،‬فإن تاريخ االكتشاف ال يمكن اعتباره هو تاريخ وضع‬
‫النيابة العامة لملتمسها بإجراء التحقيق‪ ،‬وذلك ألن النيابة العامة عند إصدارها لمقررات‬
‫المتابعة تتصرف كسلطة متابعة وليس كسلطة اكتشاف‪ .‬وفي الحاالت التي كان فيها طلب‬
‫الرئيس األول مصدر القضية‪ ،‬تم اعتماد تاريخ إصدار هذا الطلب وليس تاريخ توصل النيابة‬
‫العامة به‪ ،‬ألن اعتماد هذا األخير سيجعل مقتضيات الفصل ‪ 11‬من القانون رقم ‪31.13‬‬
‫تحل ضمنيا محل تلك الواردة في المادة ‪ 311‬من مدونة المحاكم المالية‪ ،‬وهو ما ال ينطبق‬
‫سوى على الحالة التي تكون فيها النيابة العامة قد رفعت القضية أمام المجلس من تلقاء‬
‫نفسها‪ .‬نفس األمر ينطبق على السلطات الخارجية المؤهلة لرفع قضايا أمام المجلس في هذا‬
‫اإلطار‪.‬‬

‫ومن حيث الممارسة القضائية للمجلس‪ ،‬ونظ ار لكون أغلب طلبات رفع القضايا كان‬
‫مصدرها هيئات الغرف بمناسبة تداولها في مشاريع التقارير الخاصة في إطار مراقبة‬
‫التسيير‪ ،‬فقد دأب المجلس في تطبيق هذه المقتضيات على اعتماد تاريخ تداول الهيئة التي‬

‫‪1‬‬
‫‪N. Groper, Responsabilité des gestionnaires publics…, op, cit, p : 138.‬‬

‫‪374‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫طلبت رفع القضية من الوكيل العام للملك أمام المجلس في مادة التأديب المتعلق بالميزانية‬
‫والشؤون المالية وفق ما تقتضيه المادة ‪ 90‬من مدونة المحاكم المالية‪.1‬‬

‫وإذا كان تحديد تاريخ انطالق احتساب التقادم ال يطرح أي إشكال بالنسبة لألفعال‬
‫المنفصلة واآلنية حيث يعتد بالتاريخ الذي اتخذ فيه العمل المخالف شكال قانونيا‪ ،‬فإن مجال‬
‫التدبير العمومي يتميز بكونه قد يسفر عن وضعيات تتعلق بمجموعة من األفعال المترابطة‬
‫والمتصلة‪ ،‬جزء منها تم القيام به خالل المرحلة التي طالها التقادم والجزء اآلخر في الفترة‬
‫التي ال يشملها التقادم‪ .‬نفس األمر يتعلق باألفعال المتقادمة‪ ،‬ولكن ترتبت عنها آثار خالل‬
‫الفترة غير المتقادمة‪ ،‬أو تم إصدار ق اررات تطبيقية للق اررات المتقادمة خالل نفس المرحلة‪.‬‬
‫وقد أفضى تعدد هذه الحاالت إلى ظهور إشكالية المخالفات المستمرة‪ 2‬والمخالفات المركبة‪.3‬‬

‫وفي سياق متصل‪ ،‬تجدر اإلشارة إلى أن المشرع المغربي لم يخصص مقتضيات‬
‫خاصة في مدونة المحاكم المالية لموضوع انقطاع أو توقف أمد التقادم في مجال التأديب‬
‫المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬كما هو الشأن في المادتين المدنية‪ 4‬والجنائية‪ ،5‬بالرغم‬
‫من األ همية التي يكتسيها هذا العنصر في ضمان البت في القضايا داخل آجال معقولة‪.‬‬
‫ونظ ار ألهمية هذا المقتضى في تحقيق المحاكمة العادلة‪ ،6‬فإن عدم التنصيص عليه من‬

‫‪1‬‬
‫التي تنص على أن الغرفة تتداول بشأن مشروع التقرير الخاص‪ .‬وإذا اكتشفت مخالفة تندرج ضمن المخالفات المنصوص عليها في المواد ‪50‬‬
‫و‪ 55‬و‪ 51‬من مدونة المحاكم المالية‪ ،‬أشعرت بذلك الوكيل العام للملك‪ ،‬طبقا لمقتضيات المادة ‪ 51‬من القانون المذكور‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫آثار‬
‫يقصد بالمخالفة المستمرة‪ ،‬عكس المخالفة اآلنية‪ ،‬األعمال أو االغفاالت التي استمرت لفترة ألن مرحلة التنفيذ تتطلب وقتا طويال وتنتج ا‬
‫مستمرة من حيث الزمن‪ ،‬كما هو الشأن بالنسبة ل قرار منح امتياز عيني استمر في ترتيب آثاره خالل الفترة غير المشمولة بالتقادم أو إغفال تحصيل‬
‫شيكات الذي استمر في الزمن أو تقادم القرار المحدث لتعويضات غير قانونية لكن تحويل مبالغها استمر خالل الفترة غير المشمولة بالتقادم أو‬
‫قرار منح إعانة تم اتخاذه في تاريخ متقادم بينما تم إصدار أوامر األداء بمثابة تنفيذ لقرار المنح خالل الفترة التي لم يطلها التقادم‪ .‬للمزيد من‬
‫التفاصيل بشأن هذه الحاالت‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪CDBF, 8 juillet 1976, Lozère ; CDBF, 16 mars 1988, Caisse de retraite et de prévoyance de la Boucherie-‬‬
‫‪charcuterie et boucherie hippophagique française (CARBOF) ; CDBF, 4 avril 2001, OPIHLM de la région de‬‬
‫‪Creil ; CDBF, 16 décembre 2003, INPG et UJF.‬‬
‫تتكون هذه المخالفات من عدة أعمال أو أفعال متالزمة بعضها البعض ومستمرة خالل فترة من الزمن‪ .‬انظر‪:‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪CDBF, 4 octobre 1984 ; CDBF, 28 octobre 2005, min de la Défense, Direction des constructions navales,‬‬
‫‪contrat de vente de sous-marins Agosta 90 au Pakistan.‬‬
‫‪4‬‬
‫الفصول ‪ 193‬إلى ‪ 195‬من ظهير االلتزامات والعقود‪.‬‬
‫‪5‬المادة ‪ 1‬من قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬كما تم تعديلها وتتميمها بمقتضى المادة الثانية من القانون رقم ‪ 15-33‬الصادر بتاريخ ‪ 31‬أكتوبر ‪.1133‬‬
‫‪6‬النقطة الخامسة " المب ادئ العامة الخاصة بممارسة المهام القضائية‪ :‬المساطر القضائية" من المعيار ‪ – INTOSAI P50‬مبادئ ممارسة المهام‬
‫القضائية من طرف األجهزة العليا للرقابة‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬

‫‪375‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫طرف المشرع في مدونة المحاكم المالية ال يجوز أن يقف حائال دون امتداد تطبيقه في‬
‫الممارسة القضائية‪ ،‬الذي تطبق فيها مجموعة من القواعد الجوهرية واإلجرائية التي تجد‬
‫مصدرها في قانون المسطرة الجنائية كتجسيد لتقاطع المسؤولية الجنائية والمسؤولية في إطار‬
‫التأديب المالي‪ ،‬كما هو الشأن بالنسبة لتطبيق القانون من حيث الزمن‪ 1‬ومبدأ حرية اإلثبات‬
‫وقرينة البراءة‪...‬الخ‪ ،2‬وذلك بالرغم من خلو مدونة المحاكم المالية من مقتضيات صريحة في‬
‫الموضوع‪ .‬وهو نفس المبدأ الذي اعتمده المجلس بشأن حالة وفاة المتابع حيث استند في‬
‫تعليله لهذا السبب على طبيعة الدعوى في مادة التأديب المالي‪ ،‬التي تعتبر دعوى عمومية‪.3‬‬

‫ثالثا‪ -‬اإلعفاء من المسؤولية وإلراء الذمة على وجه اإلحسان‬


‫كما هو الشأن بالنسبة للمحاسب العمومي في إطار المسؤولية المالية والشخصية في‬
‫مادة البت في الحسابات‪ ،‬يمكن أن يعفى اآلمر بالصرف الذي حكم عليه بإرجاع األموال‪،‬‬
‫وكذا الموظف أو العون الذي يوجد تحت إمرته أو الذي يعمل لحسابه‪ 4‬من مسؤوليتهم بناء‬
‫على طلبهم في حالة قوة قاهرة بشرط أال يكون العمل الذي أدى إلى اتخاذ مقررات إرجاع‬
‫األموال قد عاد عليهم بمنفعة شخصية‪ ،‬ويمكن‪ ،‬عند االقتضاء‪ ،‬تقديم الطلب المذكور من‬
‫لدن ذوي حقوقهم‪ .5‬ويتولى الوزير المختص أو السلطة الوصية على الهيئة العمومية المعنية‬
‫باألمر دراسة طلب اإلعفاء ويحال إلى رئيس الحكومة‪.6‬‬

‫ويجب أن يحظى طلب اإلعفاء من المسؤولية بالموافقة المسبقة للهيئة التقريرية بالنسبة‬
‫للجماعات الترابية ومجموعاتها وللمؤسسات والمقاوالت العمومية الخاضعة للمراقبة المالية‬
‫للدولة‪ .7‬ويترتب عن اإلعفاء من المسؤولية الممنوح من لدن رئيس الحكومة‪ 1‬إعفاء صاحب‬

‫‪1‬‬
‫الق ـرار عدد ‪ / 1133/31‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م بتاريخ ‪ 39‬يناير ‪ 1133‬الصادر في القضية عدد ‪ /1113/331‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م المتعلقة بالتسيير المالي‬
‫لجماعة محلية‪ ،‬ق اررات صادرة عن المجلس في مادة التأديب المالي‪ ،‬أكتوبر ‪ ،1135‬ص‪.31 :‬‬
‫‪2‬‬
‫التقرير السنوي للمجلس األعلى للحسابات برسم سنة ‪ ،1131‬صص‪.115-111 :‬‬
‫‪3‬‬
‫القرار رقم ‪ /1131/51‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م بتاريخ ‪ 13‬يونيو ‪ ،1131‬ق اررات صادرة عن المجلس في مادة التأديب المالي‪ ،‬نفس المرجع أعاله‪ ،‬ص‪.11 :‬‬
‫طبقا للمادة ‪ 1‬من القانون رقم ‪ 13-33‬المتعلق بتحديد مسؤولية اآلمرين بالصرف والمراقبين والمحاسبين العموميين‪ " ،‬كل موظف أو عون يوجد‬ ‫‪4‬‬

‫تحت إمرة آمر بالصرف أو مراقب أو محاسب عمومي أو يعمل لحساب أحدهم‪ ،‬يمكن أن يعتبر مسؤوال بصفة شخصية محل اآلمر بالصرف أو‬
‫المراقب أو المحاسب العمومي إذا ثبت أن الخطأ المرتكب منسوب إلى الموظف أو العون المذكور"‪.‬‬
‫المادة ‪ 31‬من القانون رقم ‪ 13-33‬المذكور أعاله‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪6‬‬
‫الفقرة األولى من المادة ‪ 33‬من نفس القانون‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫الفقرة الثانية من المادة ‪ 33‬سالفة الذكر‪.‬‬

‫‪376‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الطلب كليا أو جزئيا من دفع المبلغ المستحق عليه ويخوله‪ ،‬عند االقتضاء‪ ،‬حق استرجاع‬
‫المبالغ التي سبق له أن دفعها استيفاء للمبلغ المذكور‪ .2‬وتبلغ نسخة من المقرر المذكور إلى‬
‫المحكمة المالية المختصة داخل أجل ثالثين (‪ )11‬يوما‪.3‬‬

‫كذلك‪ ،‬يجوز لآلمر بالصرف أو كل موظف أو عون يعمل تحت إمرته الذي حكم عليه‬
‫بإرجاع األموال‪ ،‬أو ذوي حقوقهم‪ ،‬أن يقدموا طلبا إلبراء ذمتهم على وجه اإلحسان من‬
‫المبالغ المستحقة عليهم أو التي الزالت في ذمتهم‪ ،‬طبقا للشروط المقررة في النظام العام‬
‫للمحاسبة العمومية‪.4‬‬

‫ويخضع هذا الطلب لنفس المقتضيات والمسطرة السارية على المحاسبين العموميين‬
‫حيث يجب على مقدم الطلب تبرير ملتمسه بالظروف المرتبطة بوضعيته المالية‪ ،‬وأال يفتعل‬
‫عسره‪ ،5‬باإلضافة إلى الموافقة المسبقة للجهاز التقريري بالنسبة للجماعات الترابية‬
‫ومجموعاتها والمؤسسات والمقاوالت العمومية الخاضعة للمراقبة المالية للدولة‪ 6‬اعتبا ار لكون‬
‫ميزانية الهيئة المعنية هي التي تتحمل المبالغ المخصصة إلبراء الذمة على وجه اإلحسان‪.7‬‬

‫وكما يتبين‪ ،‬من خالل هذه المقتضيات‪ ،‬فإن اإلعفاء من المسؤولية وإبراء الذمة على‬
‫وجه اإلحسان ال يعتبران من العناصر المعفية من المسؤولية لكونهما ال يشمالن الغرامة‬
‫المحكوم بها‪ ،‬حيث تظل المخالفة ومسؤولية مرتكبيها قائمة‪ ،‬بل ينصب أثرهما فقط على عدم‬
‫تطبيق عقوبة إرجاع األموال التي يمكن للقاضي المالي أن يحكم بها في مجال التأديب‬
‫المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬كعقوبة تكميلية وليست أصلية‪.‬‬

‫وك ما هو الشأن بالنسبة للمسؤولية المالية والشخصية للمحاسب العمومي في مادة البت‬
‫في الحسابات‪ ،‬يكرس هذا الحق‪ ،‬الممنوح للمتابع المحكوم عليه بإرجاع األموال‪ ،‬نظرية‬

‫‪1‬‬
‫تعت بر السلطة المخول لها البت في الطلب االختالف الوحيد ما بين اإلعفاء من المسؤولية في مادة البت في الحسابات والتأديب المالي على‬
‫اعتبار أن وزير المالية هو المؤهل لممارسة هذه السلطة في مادة البت في الحسابات‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫الفقرة الثالثة من المادة ‪ 33‬المذكورة أعاله‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫الفقرة الرابعة من المادة ‪ 33‬سالفة الذكر‪.‬‬
‫المادة ‪ 30‬من القانون رقم ‪ 13-33‬سالف الذكر‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪5‬حسب مدلول المادة ‪ 90‬من القانون رقم ‪ 35-31‬بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية‪.‬‬
‫المادة ‪ 35‬من القانون رقم ‪ 13-33‬المذكور أعاله‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪7‬‬
‫المادة ‪ 31‬من نفس القانون‪.‬‬

‫‪377‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الوزير القاضي في مجال التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬التي تثير انتقادات‬
‫كثيرة من حيث كونها متجاوزة تاريخيا وتشكل مساسا بمبدأ حجية الشيء المقضي به‪ ،‬بغض‬
‫النظر عن المبررات التي ترتكز عليها‪ ،‬والتي تعكس في جوهرها محدودية المسؤولية المدنية‬
‫في مجال التدبير العمومي‪.1‬‬

‫الفقرة الثانية‪ -‬الدور االيبالي للقاضي المالي في تطبيق مبدأ شخصية‬


‫العقوبة‬
‫تتعدد وتتنوع أسباب ومالبسات ارتكاب المخالفات المنشئة لمسؤولية مختلف المدبرين‬
‫العموميين أمام القاضي المالي باختالف األنظمة القانونية لألجهزة الخاضعة الختصاص‬
‫التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬واألنشطة والحاجات التي أحدثت هذه األجهزة‬
‫من أجل تحقيقها وتلبيتها‪ ،‬وكذا االكراهات والمخاطر التي تترتب عن ممارستها‪ ،‬وذلك حسب‬
‫المهام والمسؤوليات الموكولة لهؤالء المدبرين وموقعهم في هرم المسؤولية داخل هذه األجهزة‪.‬‬

‫ويعتبر مبدأ شخصية العقوبة وتفريدها عنصران متالزمان عند البت في الدعاوي‬
‫الزجرية‪ 2‬حيث يتمتع القاضي بكامل السلطة التقديرية في تحديد العقوبة التي يراها مناسبة‬
‫لتحقيق الردع العام والردع الخاص للعقوبة‪ .‬لذلك‪ ،‬اعتمد المشرع المغربي مبدأ التفريد‬
‫القضائي للعقوبة في مادة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬عكس نظام المسؤولية‬
‫الموضوعية في مادة البت في الحسابات‪ ،‬إذ حدد حدا أدنى وحدا أقصى للغرامات التي‬
‫يمكن أن يحكم بها المجلس‪ ،3‬تاركا بذلك للقاضي المالي تفريد الغرامة المناسبة حسب‬
‫مالبسات كل حالة يعتمد عليها في تقييم عاملي الخطورة والتكرار اللذين أحال إليهما المشرع‬
‫كأساس لتحديد مبالغ الغرامات التي يحكم بها‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫للمزيد من التفاصيل‪ ،‬انظر كتابنا‪ :‬نظام مسؤولية المدبرين العموميين‪ ،....‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪005 :‬ومابعدها‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫على خالف مبدأ تفريد العقوبة‪ ،‬يقصد بمبدأ شخصية العقوبة عدم جواز توقيع العقوبة إال على مرتكب المخالفة أو الجريمة‪ .‬وبالتالي‪ ،‬ال يجب أن‬
‫تمتد هذه العقوبة إلى األشخاص اآلخرين‪ .‬وقد كرس القانون الجنائي المغربي هذا المبدأ بنصه في فصله ‪ 303‬على أنه " للقاضي سلطة تقديرية في‬
‫تحديد العقوبة وتفريدها في نطاق الحدين األدنى واألعلى المقررين في القانون المعاقب على الجريمة‪ ،‬مراعيا في ذلك خطورة الجريمة المرتكبة من‬
‫ناحية وشخصية المجرم من ناحية أخرى"‪.‬‬
‫‪ 3‬المادة ‪ 11‬من مدونة المحاكم المالية‪.‬‬

‫‪378‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫أوال‪ -‬أثر إكراهات التدلير على مسؤولية المدلرين العموميين أمام القاضي‬
‫المالي‬
‫ال تهدف المنازعة القضائية في مادة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬في‬
‫جوهرها إلى معاقبة األشخاص سيئي النية الذين ارتكبوا مخالفات مستوجبة للمسؤولية‪ ،‬والتي‬
‫تجد مجالها الطبيعي في إطار المسؤولية الجنائية‪ ،‬ولكن تروم باألساس حماية النظام المالي‬
‫العمومي في إطار بنيات وهياكل إدارية وتنظيمية ال يتصرف فيها مرتكب المخالفة بمفرده‬
‫حيث تمارس جميع االختصاصات والوظائف العمومية وفقا لمساطر وقواعد متعددة وأحيانا‬
‫مركبة وتخضع ألشكال رقابية متنوعة سواء من حيث موضوعها أو من حيث توقيتها‪.‬‬

‫في هذا اإلطار‪ ،‬أسفرت الممارسة القضائية عن مراعاة القاضي المالي لمجموعة من‬
‫ظروف التخفيف عند تقديره لمبالغ الغرامات‪ .‬وهكذا‪ ،‬قد يتعلق األمر بارتباط المخالفة‬
‫بممارسة متواترة منذ زمن بعيد‪1‬أو عدم تلقي المتابع ألي تكوين في مجال المحاسبة‬
‫العمومية‪ ،‬وعموما في مجال تدبير الصفقات العمومية‪ 2‬وعدم توفر المصالح التي يشرف‬
‫عليها على الموارد البشرية الكافية‪ .3‬وقد ترجع المخالفة إلى غموض أو عدم مالءمة‬
‫النصوص القانونية المطبقة على العملية المالية المعنية‪ ،‬أو نتيجة ظروف استثنائية‬
‫استجدت‪ ،‬واضطر المدبر المعني‪ ،‬نتيجة عامل االستعجال‪ ،4‬إلى ارتكاب المخالفة من أجل‬
‫ضمان مبدأ استم اررية المرفق العام بانتظام واضطراد في تقديم الخدمات التي أحدث من‬
‫أجلها‪.5‬‬

‫‪1‬‬
‫القرار االستئنافي عدد ‪ /1131/15‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م الصادر بتاريخ ‪ 15‬شتنبر ‪ 1131‬في الملف االستئنافي عدد ‪ /1133/111‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م‪ ،‬ق اررات‬
‫صادرة عن المجلس في مجال استئناف أحكام المجالس الجهوية للحسابات‪ ،‬يونيو ‪ ،1131‬ص‪.315 :‬‬
‫‪2‬‬
‫القرار عدد ‪/1139/11‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م الصادر بتاريخ ‪ 33‬أبريل ‪ 1139‬في القضية عدد ‪/1131/313‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م المتعلقة بمندوبية و ازرة الشبيبة‬
‫والرياضة آنفا بالدار البيضاء‪ ،‬ق اررات صادرة عن غرفة التأديب‪ ،...‬أبريل ‪ ،1133‬ص‪311 :‬؛ القرار االستئنافي عدد ‪ / 1131/11‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م‬
‫الصادر بتاريخ ‪ 30‬يونيو ‪ 1131‬في الملف االستئنافي عدد ‪ /1133/115‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م‪ ،‬ق اررات صادرة عن المجلس في مجال استئناف أحكام‬
‫المجالس الجهوية للحسابات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.333 :‬‬
‫‪ 3‬القرار رقم ‪ /1131 /11‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م بتاريخ ‪ 11‬يونيو ‪ 1131‬في القضية رقم ‪ / 1131/339‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫القرار عدد ‪ /1135/31‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م الصادر بتاريخ ‪ 39‬ماي ‪ 1135‬في القضية عدد ‪ /1131/313‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م المتعلقة بالتسيير المالي للمدرسة‬
‫المحمدية للمهندسين‪ ،‬ق اررات صادرة عن غرفة التأديب‪ ،...‬فبراير ‪ ،1139‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪50 :‬؛ قرار عدد ‪ /1135/31‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م الصادر‬
‫بتاريخ ‪ 19‬يوليوز ‪ 1135‬في القضية عدد ‪/1131/331‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م المتعلقة بالمدرسة الوطنية للصناعة المعدنية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.311 :‬‬
‫‪5‬‬
‫القرار عدد ‪ /1131/01‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م بتاريخ ‪ 11‬يونيو ‪ 1131‬الصادر في القضية عدد ‪ /1131/333‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م المتعلق بالتسيير المالي لو ازرة‪،‬‬
‫ق اررات صادرة عن المجلس في مادة التأديب المالي‪ ،‬أكتوبر ‪ ،1135‬ص‪310 :‬؛ الق ـرار عدد ‪ /1131/51‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م بتاريخ ‪ 31‬نونبر ‪1131‬‬

‫‪379‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫كما يعتبر تدارك المخالفة وتسويتها ظرفا للتخفيف‪ ،1‬إذ أن " المعني باألمر وإن لم‬
‫يطبق البنود التعاقدية المتعلقة بصفقتين بشأن خصم غرامات التأخير من مبالغ كشوفات‬
‫الحساب المؤقتة الموالية مباشرة لمعاينة التأخير في اإلدالء ببعض الوثائق‪ ،‬فإنه‪ ،‬بالمقابل‪،‬‬
‫استدرك األمر بخصم مبالغ الغرامات المذكورة من مبالغ كشوفات الحساب المؤقتة الالحقة"‪.2‬‬
‫وقد يجد تخفيف العقوبة أساسه في الغرض من ارتكاب المخالفة‪ ،‬إذ أنه‪ ،‬لئن كانت طريقة‬
‫منح تسبيقات عن األجر لبعض المستخدمين "‪ ...‬تخالف (‪ )...‬المساطر الداخلية المعمول‬
‫بها بالشركة‪ ،‬فقد همت باألساس حاالت اجتماعية أو مرضية‪ ،‬كما أن جميع مبالغها قد تم‬
‫إرجاعها إلى خزينة الشركة‪ .3"...‬كما يندرج‪ ،‬في هذا اإلطار‪ ،‬عدم حصول المتابع على أية‬
‫منفعة شخصية بسبب ارتكاب المخالفة وعدم إلحاقها ضرر بمالية الجهاز المعني‪ 4‬وثبوت‬
‫حسن نية المتابع‪.5‬‬

‫في نفس السياق‪ ،‬تشكل القضايا التي بت فيها المجلس األعلى للحسابات في مادة‬
‫التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬والمتعلقة بالنيابات اإلقليمية لو ازرة الشبيبة‬
‫والرياضة‪ ،‬والتي كانت موضوع مذكرة استعجالية‪ ،6‬مثاال واضحا عن اإلكراهات القانونية‬

‫الصادر في القضية عدد ‪/ 1131/331‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م المتعلقة بالتسيير المالي لمصلحة للدولة مسيرة بطريقة مستقلة‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪331:‬؛‬
‫الق اررات عدد ‪ 11‬و‪ 11‬و‪ 10‬و‪ 15‬و ‪ /1139/ 11‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م الصادرة بتاريخ ‪ 33‬أبريل ‪ 1139‬في إطار القضية عدد ‪/1131/310‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م‬
‫المتعلقة بنيابة و ازرة الشباب والرياضة بعمالة الصخيرات تمارة‪ ،‬ق اررات صادرة عن غرفة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬أبريل ‪،1133‬‬
‫صص‪.311-93 :‬‬
‫‪1‬‬
‫الق اررات أعداد ‪ 13‬و‪ 31‬و‪ 31‬و‪ /1139/ 31‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م الصادرة بتاريخ ‪ 13‬يونيو ‪ 1139‬في القضية عدد ‪ 1131/311‬المتعلقة بالنيابة‬
‫اإلقليمية للتربية والتكوين بسال‪ ،‬ق اررات صادرة عن غرفة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬أبريل ‪ ،1133‬صص‪ 331 :‬و‪111‬و ‪111‬‬
‫و‪.110‬‬
‫‪2‬‬
‫القرار رقم‪ /1131/ 11‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م الصادر بتاريخ ‪ 19‬ماي ‪ 1131‬في إطار القضية عدد ‪ /1131/313‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م المتعلقة بالتسيير المالي‬
‫لمؤسسة عمومية‪ ،‬ق اررات صادرة عن المجلس في مادة التأديب المالي‪ ،‬أكتوبر ‪ ،1135‬ص‪.301:‬‬
‫‪3‬‬
‫القرار عدد ‪/1131/01‬ت‪.‬م‪ .‬ش‪.‬م المذكور أعاله‪.‬‬
‫الق ـرار عدد ‪ /1133/39‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م بتاريخ ‪ 1‬مارس ‪ 1133‬الصادر في القضية عدد‪ /1111/310‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م المتعلقة بالتسيير المالي للصندوق‬ ‫‪4‬‬

‫"أ" (مؤسسة عمومية)‪ .‬وقد ردت في هذا القرار القاعدة التالية‪ :‬ال تشترط المادة ‪ 50‬من القانون رقم ‪( 11.33‬المحددة للمخالفات المستوجبة للتشديد‬
‫في هذا المجال) سوء النية في الخطأ وإلحاق الضرر‪ ،‬ق اررات صادرة عن المجلس في مادة التأديب المالي‪ ،‬أكتوبر ‪ ،1135‬ص‪ .00 :‬كما اعتبر‬
‫المجلس في القرار رقم ‪ /1131/11‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م بتاريخ ‪ 19‬ماي ‪ 1131‬الصادر في القضية عدد ‪ /1131/313‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م المتعلقة بالتسيير المالي‬
‫لمؤسسة عمومية أن " من ظروف التخفيف اتسام المخالفات المرتكبة بطابع شكلي ومسطري وعدم إلحاقها لضرر بمالية المؤسسة العمومية "‪ ،‬نفس‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪.301 :‬‬
‫‪5‬‬
‫القرار عدد ‪/1131/15‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م الصادر بتاريخ ‪ 31‬أكتوبر ‪ 1131‬في القضية عدد في القضية عدد‪/1131/313‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م المتعلقة بشركة‬
‫العمران تامسنا‪ ،‬ق اررات صادرة عن غرفة التأديب‪ ،...‬شتنبر ‪ ،1139‬ص‪.111 :‬‬
‫‪6‬‬
‫التقرير السنوي للمجلس األعلى للحسابات برسم سنة ‪ ،1131‬صص‪.131- 191 :‬‬

‫‪380‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫والتنظيمية التي تشكل عرقلة للتدبير العمومي وللتقيد بالقواعد القانونية المنظمة للعمليات‬
‫المالية العمومية‪ ،‬وتتخذ ظروف التخفيف‪ ،‬في هذه الحالة‪ ،‬شكل أخطاء مرفقية تبرز أسباب‬
‫ارتكاب المخالفات أكثر من عناصرها المادية‪ ،‬وهو ما يطرح مسألة دقيقة تتعلق بإصدار‬
‫العقوبة المناسبة عن الخطأ الشخصي للمتابع‪.‬‬

‫وفي حالة تعدد ظروف التخفيف‪ ،‬يطرح التساؤل حول مدى إمكانية تحول هذه‬
‫الظروف إلى أعذار معفية من المسؤولية‪ ،‬السيما عندما يكون ارتكاب المخالفة الوسيلة‬
‫الوحيدة لضمان مبدأ االستم اررية في أداء الخدمات العمومية‪ ،‬وذلك في غياب مقتضى‬
‫صريح في مدونة المحاكم المالية‪ ،‬عكس ما هو عليه األمر في المادة الجنائية‪ ،1‬وفي‬
‫تطبيقات القضاء المالي الفرنسي الذي كرس مجموعة من الشروط لتطبيق األعذار المعفية‪.2‬‬

‫بيد أن تحديد مدونة المحاكم المالية للحد األدنى لمبلغ الغرامة التي يمكن للقاضي‬
‫المالي الحكم بها‪ ،‬ونظ ار ألن اختصاص التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬ال‬
‫يهدف بالدرجة األولى إلى تأديب األشخاص الذين ارتكبوا مخالفات مستوجبة للمسؤولية‪ ،‬بل‬
‫إلى تحقيق االنضباط في مجال التدبير العمومي وحماية القواعد السارية على المالية‬
‫العمومية‪ ،3‬تظهر فائدة وجدوى الحكم بالمبالغ المقررة للمخالفات المرتكبة في حدها األدنى‪،‬‬
‫مادام أن عناصرها ثابتة‪ ،‬في حالة تعدد ظروف التخفيف‪ ،‬بما يحقق غاية ومنتهى هذا‬
‫االختصاص‪.‬‬

‫في المادة الجنائية‪ ،‬وردت هذه األعذار في الفصل ‪ 301‬من القانون الجنائي‪ .‬ومن الفصول المقررة ألعذار معفية من العقاب‪ :‬الفصول ‪503‬‬ ‫‪1‬‬

‫و‪ 509‬و‪ 133‬و‪ 331‬و‪ 131‬و‪ 131‬و‪ 135‬من القانون المذكور‪.‬‬


‫من خالل اجتهادات محكمة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية في فرنسا‪ ،‬يشترط توافر ثالثة شروط حتى يتم تمتيع المتابع باألعذار‬ ‫‪2‬‬

‫المعفية إذا كان األمر يتعلق بالمخالفات المرتبطة بضمان استم اررية المرفق العام تتجلى في أن ال تكون المخالفة متواترة ومستمرة من حيث الزمن‪،‬‬
‫وأن يتم إخبار السلطات المعنية بها‪ ،‬كالمجلس اإلداري والهيئات التداولية وسلطة الوصاية‪ ،‬باإلضافة إلى عدم إمكانية ضمان استم اررية المرفق دون‬
‫ارتكاب هذه المخالفة نظ ار لغياب حلول قانونية‪ .‬انظر الق اررات التالية‪:‬‬
‫‪CDBF, 16 juin 2015, Le Grand Port maritime de Nantes-Saint-Nazaire ; CDBF, 5 novembre 1997, Ministère‬‬
‫‪des Affaires étrangères ; CDBF,15décembre 2006, Centre hospitalier d'Ambert. Pour plus de détail,‬‬
‫‪voir Christophe Pierucci, Une responsabilité à raison de la gestion publique…, op, cit, p : 394.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪A. Froment – Meurice (et autres), Observations sur la décision du Conseil constitutionnel (France), 3 mars‬‬
‫‪2005, n° 23005-198L, Nature des dispositions du CJF concernant la CDBF, GAJF, 2014, op, cit, p :28.‬‬

‫‪381‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ثانيا‪ -‬ظروف التشديد‪ :‬القاضي المالي والحد من تبريم الحياة العامة‬


‫واإلدارية‬
‫بصفة عامة‪ ،‬ترتبط ظروف التشديد في مادة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‬
‫بالظروف الشخصية ووضعية مرتكب المخالفة‪ ،‬وكذا الظروف المحيطة باألفعال المرتكبة‬
‫والنتائج المالية والقانوني ة التي ترتبت عنها‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬تتشابه هذه الظروف في طبيعتها مع‬
‫تلك المقررة في المادة الجنائية حيث يتم التمييز بين الظروف المشددة العينية أو المادية‬
‫والشخصية‪.1‬‬

‫في هذا اإلطار‪ ،‬تشكل المنفعة الشخصية التي حصل عليها المتابع نتيجة ارتكاب‬
‫المخالفة من ظروف التشديد‪ ،2‬إذ غالبا ما يالزمها سوء النية‪ ،‬وهو األمر الذي يجعل من‬
‫تشديد العقوبة في هذا المجال أداة ردعية تساهم في تخليق الحياة العامة اإلدارية وتتفادى و‬
‫(أو) تمنع استمرار حاالت تضارب المصالح في مجال التدبير العمومي‪ ،‬كما هو الشأن‬
‫بالنسبة لمتابع حمل ميزانية الشركة التي يشرف على شؤونها نفقات انخراطه في صندوق‬
‫للضمان دون التنصيص عليه في سند تعاقدي أو بناء على قرار المجلس اإلداري‪ ،3‬أو‬
‫عندما يتعلق األمر ب تحميل مدير عام لشركة لنفقات تهم تغطية مصاريفه الشخصية أثناء‬
‫تواجده في مهمات بالخارج‪ ،‬بشكل متكرر‪ ،‬رغم استفادته من التعويضات عن التنقل‬
‫المستحقة‪ ،‬أو في حالة توقيعه على أوامر القيام بمهمة قصد تبرير نفقات صورية عن‬
‫تنقالت لم يقم بها المعني باألمر فعليا‪.4‬‬

‫كما قد تجد خطورة األفعال المرتكبة مصدرها في طبيعة القواعد التي تم اإلخالل بها‬
‫من خالل تكريس القاضي المالي لتراتبية في القواعد تميز بين القواعد البسيطة الشكلية وتلك‬
‫التي تعكس روح النصوص القانونية والمبادئ األساسية الكبرى التي تؤطر التدبير المالي‬
‫العمومي‪ ،‬كاحترام مبدأي المنافسة والمساواة في ولوج الطلبيات العمومية‪ .‬في هذا اإلطار‪،‬‬
‫يميز القاضي المالي المغربي بشأن المخالفات المتعلقة بااللتزام بالنفقات العمومية بين الحالة‬

‫عبد الواحد العلمي‪ ،‬المبادئ العامة للقانون الجنائي المغربي‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،3333 ،‬ص‪ 11 :‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫قـرار عدد ‪/1131/15‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م الصادر بتاريخ ‪ 1‬دجنبر ‪ ،1131‬مرجع مذكور أعاله‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫القرار عدد ‪/1131/01‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م‪،‬مرجع مذكور أعاله‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫القرار عدد ‪ /1131/15‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م المشار إليه أعاله‬

‫‪382‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫التي يتم فيها الشروع في تنفيذ صفقة قبل خضوعها لتأشيرة مراقب االلتزام بالنفقات ومصادقة‬
‫سلطة الوصاية ولكن بعد تحديد المتعاقد معه وفق مسطرة طلب عروض مفتوح‪ ،1‬والحالة‬
‫التي يلجأ فيها المدبر العمومي إلى ممون بشكل مباشر قصد توريد مواد أو إنجاز أشغال‬
‫واإلعالن الحقا عن طلب العروض قصد التعاقد مع الممون المعني لتسوية ديونه‪.2‬‬

‫وقد ينصب تشديد العقوبة على خطورة الفعل في حد ذاته‪ ،‬كما هو الشأن في حالة‬
‫إصدار صاحب المشروع ألوامر بايقاف تنفيذ صفقة عمومية تحمل تاريخ لم يكن قد تولى‬
‫فيه المعني باألمر بعد مسؤولية اإلشراف على الجهاز المعني‪ ،‬وذلك قصد تمديد أجل التنفيذ‬
‫لتفادي تطبيق غرامات التأخير‪ ،‬األمر الذي يعتبر مخالفة لقواعد تصفية النفقات العمومية‬
‫واألمر بصرفها ومنفعة نقدية غير مبررة وامتيا از للمتعاقد معه‪ ،3‬نظ ار لكون "(‪ )...‬آجال تنفيذ‬
‫الصفقات العمومية تشكل عنص ار أساسيا من العناصر المحددة لعروض المتنافسين في ولوج‬
‫الطلبيات العمومية أثناء إعداد تعهداتهم في إطار طلبات العروض‪ ،‬ومن شأن عدم تطبيق‬
‫غرامات التأخير‪ ،‬وإن كانت تهم مرحلة التنفيذ‪ ،‬أن يمس باألسس التي قامت عليها المنافسة‪،‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬بفعلية المساواة أمام الطلبيات العمومية أثناء مرحلة إبرام الصفقات العمومية"‪ .4‬وقد‬
‫يتعلق األمر بتكرار توقيع متابع على محاضر التسلم المؤقت والنهائي بالرغم من عدم‬
‫استكمال المتعاقد معه تنفيذ جميع التزاماته التعاقدية وتواتر هذه الممارسة على مدى سنتين‬
‫برسم صفقات عديدة‪ ،‬ودون رجوعه إلى دفاتر الشروط الخاصة المتعلقة بهذه الصفقات‪.5‬‬

‫‪1‬‬
‫انظر على سبيل المثال‪ ،‬الق ـرار عدد ‪ /1131/10‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م بتاريخ ‪ 11‬يونيو ‪ 1131‬الصادر في القضية عدد ‪ /1131/311‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م‬
‫المتعلقة بنيابة إقليمية لو ازرة‪ ،‬ق اررات صادرة عن المجلس في مادة التأديب المالي‪ ،‬أكتوبر ‪ ،1135‬ص‪.11 :‬‬
‫‪2‬‬
‫القـرار عدد ‪ /1131/31‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م بتاريخ ‪ 11‬يونيو ‪ 1131‬الصادر في القضية عدد ‪ /1131/331‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م المتعلقة بالتسيير المالي‬
‫لمصلحة للدولة مسيرة بطريقة مستقلة‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪11:‬؛ القـرار عدد ‪ /1131/11‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م بتاريخ ‪ 11‬يونيو ‪ 1131‬الصادر في‬
‫القضية عدد ‪ /1131/330‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م المتعلقة بالتسيير المالي لمصلحة خارجية "أ" لمرفق للدولة‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪15 :‬؛ القرار عدد‬
‫‪ /1131/31‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م بتاريخ ‪ 11‬يونيو ‪ 1131‬الصادر في القضية عدد ‪ /1131/331‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م المتعلقة بمصلحة للدولة مسيرة بطريقة‬
‫مستقلة‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.11 :‬‬
‫‪3‬‬
‫القرار عدد‪ /1131/33‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م الصادر عن المجلس بتاريخ ‪ 1‬ماي ‪ 1131‬في القضية رقم ‪ /1131/315‬ت‪.‬م ‪.‬ش‪ .‬م المتعلقة بمؤسسة‬
‫عمومية‪ ،‬مرجع مذكور اعاله‪.‬‬
‫‪ 4‬القرار عدد ‪ /1131/33‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م سالف الذكر‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫القرار عدد ‪/1135/39‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م الصادر بتاريخ ‪ 39‬شتنبر ‪ 1135‬في القضية عدد ‪ 1130/313‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م المتعلقة بالتسيير المالي لمؤسسة‬
‫دار الصانع‪ ،‬قرارات صادرة عن غرفة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬فبراير ‪ ،1139‬ص‪331 :‬؛ الق ارران عدد ‪/1131/11‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م‬
‫و‪/1131/10‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م الصادران بتاريخ ‪ 3‬نونبر ‪ 1131‬في إطار القضية عدد ‪/1135/310‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م المتعلقة بجامعة موالي اسماعيل‬
‫بمكناس‪ ،‬ق اررات صادرة عن غرفة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬شتنبر ‪ ،1139‬صص‪.111-111 :‬‬

‫‪383‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫على صعيد آخر‪ ،‬قد يعتبر سوء التسيير واإلهمال والتقصير في القيام بالواجبات‬
‫الوظيفية ظرفا للتشديد‪ ،‬كما هو الشأن بالنسبة لإلشهاد على تسلم أشغال ذات مواصفات‬
‫غير تلك المتعاقد بشأنها نتيجة التغييرات التي طرأت على المشروع بسبب غياب الدراسات‬
‫القبلية الالزمة‪ ،1‬أو اإلخالل بواجب إرساء نظام للرقابة الداخلية‪ 2‬أو عدم تمكين صاحب‬
‫المشروع أعضاء لجان التسلم من دفاتر الشروط الخاصة المتعلقة بالصفقات المعنية قصد‬
‫اإللمام بالمراقبات المنوطة بهم قبل اإلشهاد على محاضر التسلم المؤقت للمعدات‪ .3‬كما‬
‫يندرج‪ ،‬في هذا اإلطار‪ ،‬تقصير المهندس‪ ،‬ممثل صاحب المشروع‪ ،‬في القيام بمهمة تتبع‬
‫تنفيذ أشغال صفقة وتوقيعه على كشوفات الحساب ومحاضر التسلم دون التأكد من اإلنجاز‬
‫الفعلي لجميع األشغال المتعاقد بشأنها‪ ،4‬وكذا اعتماد تقني مكلف بتتبع األشغال بصفة‬
‫مطلقة في عملية اإلشهاد على األشغال المنجزة على مصادقة المهندس المعماري على‬
‫عينات مختلف المواد‪ ،‬وعدم الرجوع إلى دفاتر الشروط الخاصة بالصفقات من أجل التأكد‬
‫من مطابقة األشغال المنجزة للمواصفات المتعاقد بشأنها‪ ،‬وعدم إشرافه‪ ،‬باعتباره ممثال عن‬
‫صاحب المشروع‪ ،‬على عملية أخذ تمتيرات وتحديد كميات األشغال المنجزة فعليا قبل التوقيع‬
‫على جداول المنجزات‪.5‬‬

‫في نفس السياق‪ ،‬يعتبر ظرفا للتشديد اتسام تسيير مدبر عمومي بمركزة سلطات‬
‫متنافية ترتب عن ممارستها مخالفات مستوجبة للمسؤولية من خالل انفراده بالتسيير المالي‬
‫للجهاز الذي يشرف عليه‪ ،‬كما هو األمر عندما يتولى إبرام الصفقات العمومية والمصادقة‬
‫عليها واإلشهاد على إنجاز العمل وتوقيع كشوفات الحساب وإصدار األوامر بأداء مبالغها‬
‫دون إشراك المصالح التقنية المختصة وعدم تعيين ممثلين عن صاحب المشروع من أجل‬
‫تتبع أعمال التنفيذ‪ ،‬ودون اتخاذ اإلجراءات االحت ارزية الكفيلة بضمان صحة اإلشهاد على‬

‫‪1‬‬
‫القـرار عدد ‪/ 31/1135‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م بتاريخ ‪ 19‬يوليوز ‪ 1135‬الصادر في القضية عدد ‪/1131/331‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م المتعلقة بالتسيير المالي‬
‫للمدرسة الوطنية للصناعة المعدنية‪ ،‬ق اررات صادرة عن غرفة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬فبراير ‪ ،1139‬ص‪.311:‬‬
‫‪2‬‬
‫القرار عدد ‪/1139/19‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م الصادر بتاريخ ‪ 13‬يونيو ‪ 1139‬في القضية عدد ‪/ 1131/311‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م المتعلقة بالنيابة اإلقليمية للتربية‬
‫والتكوين بسال‪ ،‬ق اررات صادرة عن غرفة التأديب ‪ ،...‬أبريل ‪ ،1133‬ص‪.351 :‬‬
‫‪3‬‬
‫القرار عدد ‪ 1139/13‬الصادر بتاريخ ‪ 19‬ماي ‪ ،1139‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫القرار عدد ‪/ 1131/33‬ت‪.‬م‪ .‬ش‪.‬م الصادر بتاريخ ‪ 31‬ماي ‪ 1131‬في القضية عدد ‪/1135/311‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م المتعلقة بالتسيير المالي لو ازرة‬
‫الصحة (مشاريع بناء وتوسعة وتهيئة المؤسسات الصحية)‪ ،‬ق اررات صادرة عن غرفة التأديب ‪ ،....‬شتنبر ‪ ،1131‬ص‪.311:‬‬
‫‪5‬‬
‫الق اررات أعداد ‪ 13‬و‪ 31‬و‪ 31‬و‪ /1139/ 31‬ت‪.‬م‪.‬ش‪.‬م المذكورة أعاله‪.‬‬

‫‪384‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫إنجاز األشغال موضوع هذه الكشوفات ومطابقتها للمواصفات المتعاقد بشأنها‪ ،‬خاصة في‬
‫حالة ثبوت علمه بكون المعطيات المضمنة في وثائق التصفية ال تعكس حقيقة العمل‬
‫المنجز‪.1‬‬

‫كذلك‪ ،‬يعتبر عدم تحقيق الفائدة من النفقة العمومية ظرفا للتشديد‪ ،‬إذ بالرغم من إبرام‬
‫صفقات عمومية بمبالغ مالية مهمة‪ ،‬لم يستفد الجهاز المعني من معظم المعدات والتجهيزات‬
‫المقتناة‪ ،‬التي ظلت متراكمة دون تركيب واستغالل معظمها ألغراض المصلحة العامة الذي‬
‫اقتنيت من أجلها‪ ،‬والتي قام المعني باألمر بتفعيل مسطرتي التسلم المؤقت والنهائي بشأنها‬
‫وتسوية هذه الصفقات‪ ،‬بالرغم من علمه بعدم تنفيذ المتعاقد معهم اللتزاماتهم التعاقدية‬
‫المتعلقة بالتركيب والتجريب والتكوين‪.2‬‬

‫ويتضح من مختلف هذه الحاالت‪ ،‬أن التشديد في العقوبة يهدف‪ ،‬باإلضافة إلى معاقبة‬
‫عدم كفاءة المدبرين العموميين‪ ،‬خاصة عندما يلحقون بفعل أخطائهم أو إهمالهم أض ار ار‬
‫باألجهزة التي يشرفون عليها‪ ،‬إلى حماية المبادئ والقواعد العامة التي يجب أن تسود التدبير‬
‫العمومي وإلى تخليق الحياة العامة بما يحقق عدم استغالل المدبرين العموميين للسلطات‬
‫الموكولة إليهم من أجل تحقيق منافع شخصية تضر بمالية هذه األجهزة‪.‬‬

‫و بالنظر إلى طبيعتها‪ ،‬تثير هذه الظروف مسألة تقاطع المسؤولية في مجال التأديب‬
‫المتعلق بالميزانية والشؤون المالية والمسؤولية الجنائية‪ ،‬إذ لئن كانت المخالفات المستوجبة‬
‫للتأديب المالي تتشابه في ركنها المادي مع الجرائم المتصلة باالعتداء على األموال‬
‫العمومية‪ ،3‬فإن ظروف التشديد التي قد تواكب ارتكاب هذه المخالفات تتقارب في واقع األمر‬
‫مع عناصر الركن المعنوي للجرائم المتصلة باالعتداء على األموال العمومية‪ ،‬لكن بمرونة‬
‫أكبر من حيث اإلثبات‪ ،‬حيث ال يشكل ثبوت هذا الركن شرطا أساسيا لقيام هذه المخالفات‪،‬‬
‫بل من مالبسات ارتكابها وظرفا لتشديد العقوبة‪ .‬وبالتالي‪ ،‬وباإلضافة إلى مرونة في قيام‬
‫أركان أغلب المخالفات المستوجبة للمسؤولية في مادة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون‬

‫‪1‬‬
‫القرار ‪ 1139/13‬المذكور أعاله‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫القرار ‪ 1139/13‬سالف الذكر‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫األمر الذي يتطلب تنسيقا بين المحاكم المالية والقضاء الجنائي‪ ،‬خاصة مع أقسام الجرائم المالية‪ ،‬في إطار تفعيل مقتضيات الفقرة الثانية من‬
‫الفصل ‪ 309‬من الدستور التي تنص على أن المجلس األعلى للحسابات يبذل مساعدته للهيئات القضائية‪.‬‬

‫‪385‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المالية‪ ،‬فإنها ال تختلف‪ ،‬جوهريا‪ ،‬عندما تتسم بخطورة كبيرة‪ ،‬عن الجرائم ذات الصلة‬
‫باألموال العمومية‪.‬‬

‫وتبعا للمحاور أعاله‪ ،‬تظهر فائدة قيام نظام لمسؤولية المدبرين العموميين أمام القاضي‬
‫المالي في كونه نظاما يروم باألساس حماية األموال العمومية ليس فقط بهدف ضمان‬
‫شرعية تدبيرها بالنظر إلى القوانين واألنظمة‪ ،‬بل‪ ،‬أيضا‪ ،‬من أجل االستعمال األمثل للموارد‬
‫العموم ية وتكريس الممارسات الجيدة في التدبير‪ .‬كما يجد أهميته في كونه قضاء متخصصا‬
‫ومهنيا يناسب في مساطره وقواعد إسناد المسؤولية في إطاره خصوصيات التدبير العمومي‬
‫بشكل يجعله نظاما ال يهدف في واقع األمر إلى معاقبة كل االختالالت التي يتسم بها‬
‫التدبير العمومي‪ ،1‬بل إلى الردع العام للمدبرين العموميين بالنظر إلى النطاق الواسع للقواعد‬
‫التي يخضع لها التدبير العمومي وطبيعة مسطرة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪،‬‬
‫التي تعتبر ادعائية تتوقف ممارستها على توافر شروط محددة‪.‬‬
‫ولئن كرست الممارسة القضائية للمجلس في مادة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون‬
‫المالية هيمنة المخالفات ذات الصلة بشرعية التدبير العمومي‪ ،‬فقد مكنت تطبيقات القاضي‬
‫المالي لمبدأ االرتباط من امتداد المساءلة إلى أخطاء وحاالت سوء التسيير‪ ،‬وهو ما يجعل‬
‫نطاق الشرعية في هذا المجال مؤهل الستيعاب المقاربة االقتصادية في التدبير الجيد بإيالء‬
‫األهمية ألخطاء التسيير التي يمكن أن يرتكبها المدبرون العموميون‪ ،‬السيما الخطيرة منها‪.‬‬
‫بيد أن المخالفات المستوجبة للمسؤولية‪ ،‬كما هي منصوص عليها حاليا في مدونة المحاكم‬
‫المالية‪ ،‬قد تحتاج إلى مالءمة مخالفات قائمة وإضافة أخرى جديدة تفرضها طبيعة المهام‬
‫الموكولة لمختلف المدبرين العموميين في الوقت الراهن‪ ،‬وظهور فئات جديدة من المدبرين‬
‫العموميين نتيجة لذلك‪ ،‬تبعا للتحوالت التي يخضع لها التدبير العمومي‪ ،‬السيما بعد صدور‬
‫القانون التنظيمي الجديد لقانون المالية‪ 2‬ووضعه أسس التدبير المرتكز على النتائج‪ ،3‬وهو ما‬

‫‪1‬‬
‫إذ ال ينفي هذا النظام وجود مخالفات خفية وهي العبارة التي تستعمل غالبا للتعبير في المجال الجنائي عن الجرائم الخفية بمعنى تلك التي لم‬
‫تصل إلى العدالة‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬لم تكن موضوع مسطرة قضائية‪.‬‬
‫القانون التنظيمي رقم ‪ 311-31‬لقانون المالية الصادر بشأن تنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 3-35-11‬الصادر في ‪ 30‬من شعبان ‪ 3011‬الموافق‬ ‫‪2‬‬

‫ل ‪ 1‬يونيو ‪( 1135‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 1111‬في فاتح رمضان ‪ 39( 3011‬يونيو ‪ ،)1135‬ص‪.5911 :‬‬
‫‪3‬‬
‫الذي يتمحور حول أربعة مظاهر متكاملة تتجلى في احترام القاعدة القانونية والتقيد بمبادئ التدبير المالي الجيد وتحقيق األهداف والنتائج‬
‫المسطرة وتقديم حسابات صحيحة وصادقة عن مؤشرات القياس المطبقة في تقييم تحقيق األهداف المبرمجة‪.‬‬

‫‪386‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫قد يجعل المساءلة برسم اختصاص التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية تمتد‪،‬‬
‫مستقبال‪ ،‬إلى أخطاء التسيير وصدقية الحسابات بشكل ينسجم مع مستلزمات وغايات التدبير‬
‫العمومي الحديث‪.‬‬

‫وفضال عن أهمية إضفاء الطابع المهني‪ ،‬كذلك‪ ،‬على العقوبات التي يصدرها القاضي‬
‫المالي في إطار اختصاص التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬تحتاج عقوبة إرجاع‬
‫كفيلة‬ ‫األموال إلى إعادة توضيح نطاق ومجال تطبيقها‪ ،‬من خالل اجتهادات قضائية‬
‫بتجاوز الغموض الذي يكتنف شروط تطبيقها في إطار النظام الحالي‪ ،‬وكذا وضع األسس‬
‫التي تحقق عدالة وفعالية هذه العقوبة‪ ،‬من خالل نظام للمسؤولية التضامنية‪ ،‬الذي لم ينص‬
‫عليه المشرع المغربي في مدونة المحاكم المالية‪ ،‬إال على سبيل االستثناء‪ ،‬وذلك في مادة‬
‫التسيير بحكم الواقع‪ ،‬إذ أثبتت الممارسة العملية‪ ،‬أنه‪ ،‬وفي أغلب الحاالت‪ ،‬قد يساهم في‬
‫ارتكاب المخالفة‪ ،‬التي تسببت في خسارة مالية للجهاز العمومي‪ ،‬عدد من المتدخلين بنسب‬
‫وأدوار متفاوتة في إطار هرمية إدارية معينة‪.‬‬

‫وألن " تقييم فعالية محكمة زجرية ال يتوقف فقط على حجم العقوبات التي تصدرها‪،‬‬
‫(ونظ ار لكون) التوجه نحو الحكم بغرامات ضعيفة من شأنه التأثير سلبا على مصداقية‬
‫المحكمة"‪ ،1‬تبرز أهمية وفائدة بلورة سياسة عقابية تروم تحقيق التوازن في تطبيق المخالفات‬
‫المستوجبة للمسؤولية في إطار القضايا المعروضة‪ ،‬وتستهدف تفادي النظر في عدد كبير‬
‫من القضايا التي قد تكون فائدتها من حيث وظيفتي الردع الخاص والعام محدودة‪ ،‬والمساءلة‬
‫عن مؤاخذات غير خطيرة أو المخالفات المتعلقة بقواعد قانونية مسطرية وشكلية ال تمس‬
‫بالمبادئ األساسية للتدبير المالي العمومي‪ ،‬أو بصفة عامة المخالفات التي تتخذ شكل‬
‫أخطاء مرفقية أكثر منها أخطاء شخصية‪ ،‬والتي يمكن تجاوزها من خالل التوصيات وتتبع‬
‫تنفيذها من طرف مسؤولي األجهزة المعنية في إطار االختصاصات الرقابية غير القضائية‬
‫للمحاكم المالية‪ 2‬أو بواسطة المذكرات االستعجالية‪ ،3‬وذلك بما يضمن فعالية نظام المسؤولية‬

‫‪1‬‬
‫‪M. Lascombe, Xavier Vandendriessche, Note sous CDBF, 4 avril 2001, Anciant et autres, Revue de Trésor,‬‬
‫‪2001, p : 803.‬‬
‫‪2‬المادة ‪ 1‬من مدونة المحاكم المالية‪ ،‬كما تم تغييرها وتتميمها بموجب القانون رقم ‪ 55-31‬الصادر بشأن تنفيذه الظهير الشريف رقم ‪3-31-351‬‬
‫الصادر في ‪ 13‬من ذي القعدة ‪ 15(3011‬أغسطس ‪ ،)1131‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 1513‬بتاريخ‪ 33‬شتنبر ‪ ،1131‬ص‪.1115-1111 :‬‬
‫‪3‬‬
‫المادة ‪ 33‬من مدونة المحاكم المالية‪.‬‬

‫‪387‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫أمام المحاكم المالية في مجال التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ويكفل تجاوز‬
‫السلبيات التي قد تترتب عن محدودية تفعيل نظام المسؤولية التأديبية ومخاطر تجريم الحياة‬
‫العامة واإلدارية‪.‬‬

‫‪388‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫أ‬
‫من إعداد الستاذ‪ ،‬مصطفى لغليمي‪،‬‬
‫أ‬
‫مستشار مشرف بغرفة التاديب المتعلق بالميزانية‬
‫أ‬
‫والشؤون المالية بالمجلس العلى للحسابات‬
‫مقدمأة‬

‫عمد المغرب‪ ،‬وعيا منه بضرورة االنخراط في عملية تحديث تدبير الشأن العام التي‬
‫انطلقت مع مسلسل اإلصالحات التي عمت مجموعة من الدول‪ ،‬ورغبة منه في اقتسام هذه‬
‫التجارب وكذا الممارسات الجيدة للتدبير‪ ،‬إلى اعتماد مجموعة من اإلصالحات قصد الرفع‬
‫من فعالية التدبير العمومي من خالل وضع نظام قانوني متكامل يرتكز على مفهوم جديد‬
‫للتدبير يستمد روحه من التدبير اإلداري للمقاوالت المبني على األداء والكفاءة‪.‬‬

‫ومن أجل إرساء هذا النموذج الجديد في التدبير‪ ،‬سلك المغرب‪ ،‬على غرار النموذج‬
‫الفرنسي‪ ،‬سياسة التغيير عبر المنظومة الميزانياتية والمحاسبية‪ ،1‬حيث تم اعتماد سلسلة من‬
‫اإلصالحات اتخذت أبعادا مختلفة يمكن تقسيمها إلى ثالثة محاور أساسية‪:‬‬

‫‪ ‬تحديث تدبير الميزانية من خالل إعادة النظر في القانون التنظيمي للمالية‪.‬‬


‫‪ ‬إرساء نظام جديد للمراقبة والمحاسبة‪ :‬من أنظمة ذات أبعاد رقابية إلى أنظمة ذات‬
‫أبعاد تدبيرية‪.‬‬
‫‪ ‬إدخال وسائل التكنولوجيا الحديثة‪ :‬من تدبير مج أز إلى تدبير مندمج للمعلومة‪.‬‬

‫وبالنظر إلى موضوعها‪ ،‬ستترتب عن هذه التعديالت آثار على مستوى نطاق‬
‫ومضمون القواعد والمبادئ األساسية التي كانت تحكم المالية العامة في إطار التدبير‬

‫‪1‬‬
‫‪Cours des comptes , la mise en œuvre de la LOLF : un bilan pour de nouvelle perspectives, rapport nov‬‬
‫‪2011, p 9.‬‬

‫‪389‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المرتكز على الوسائل‪ ،‬وكذا على منظومة الرقابة المالية‪ ،‬وبالتالي على األسس التي تقوم‬
‫عليها حاليا مسئولية المدبرين العموميين أمام المحاكم المالية في إطار االختصاصات‬
‫القضائية الموكولة إليها‪ ،‬إذ ترتكز هذه األخيرة على توزيع المهام‪ ،‬طبقا لمبدأ الفصل بين‬
‫مهام اآلمر بالصرف والمحاسب العمومي‪ ،‬وتروم المساءلة على احترام المساطر والقواعد‬
‫الشكلية في حين تقتضي المقاربة الجديدة المرتكزة على النتائج تقارب وتداخل مهام اآلمر‬
‫بالصرف مع تلك الموكولة إلى المحاسب العمومي‪ ،‬كما تحيل على معايير جديدة للمساءلة‬
‫يحظى فيها تقييم النجاعة والكفاءة باألولوية مقارنة بهاجس احترام المساطر والقواعد‪.‬‬

‫لذلك‪ ،‬قبل التعرض إلى اآلثار المترتبة عن هذه التطورات على النظام العام لمسؤولية‬
‫في مجال التدبير المالي العمومي‪ ،‬السيما صعود نظام المسؤولية التدبيرية كنظام تكميلي‬
‫وليس بديل لنظام المسؤولية القضائية أمام المحاكم المالية‪ ،‬سنتطرق في محور أول‬
‫للمستجدات التي جاء بها القانون التنظيمي لقانون المالية لسنة ‪ ،1135‬والتي تهدف إلى‬
‫وضع أسس االنتقال من التدبير المرتكز على الوسائل إلى التدبير المرتكز على النتائج‪.‬‬

‫أوال‪ :‬تطورات القانون العام المالي المغربي‬

‫على غرار العديد من دول العالم‪ ،‬يشهد المغرب تحوالت هامة في مجال التدبير‬
‫العمومي فرضتها تطورات قانونه المالي العام والمتمثلة أساسا في اعتماد قانون تنظيمي جديد‬
‫لقانون المالية‪ .1‬وستكون لهذه التطورات‪ ،‬ومن دون أدنى شك‪ ،‬تداعيات على أنظمة المراقبة‬
‫والمسؤولية المالية؛ السيما في ظل التغييرات الجوهرية التي أحدثها هذا القانون التنظيمي‬
‫الجديد سواء على مستوى تحديث تدبير ميزانية الدولة من خالل االنتقال من مقاربة مالية‬
‫ترتكز على اإلمكانات إلى مقاربة مالية تتجه صوب االهتمام باألداء وتحقيق النتائج (أ) أو‬
‫على مستوى اعتماد نظام محاسباتي الذي يتجه في جزء منه إلى اعتماد النظام المحاسباتي‬
‫المعمول به في المجال المقاوالتي (ب)‪.‬‬

‫‪1‬القانون التنظيمي رقم ‪ 311.31‬لقانون المالية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 3.35.11‬بتاريخ ‪ 1‬يونيو ‪1135‬‬

‫‪390‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫أ أأ تحديث تدلير الميزانية‪ :‬من منطق الوسائ إلى منطق النتائج‬


‫كما هو معلوم‪ ،‬عرف التدبير المالي العمومي بالمغرب تحوال مهما بإصدار قانون‬
‫تنظيمي جديد للمالية؛ تحول أملته‪ ،‬من جهة‪ ،‬التغييرات التي يعرفها المناخ االقتصادي‬
‫والمالي الدولي الناتجة عن األزمات االقتصادية والمالية المتعاقبة‪ ،‬ومن جهة ثانية‪ ،‬ضرورة‬
‫مواكبة األنظمة المالية والمحاسبية العالمية التي أصبحت تفرض معايير دولية يجب التقيد‬
‫بها في سياق ما يسمى بالعولمة المالية والمحاسبية‪.‬‬

‫بداية ال بد من اإلشارة إلى أنه من غير الممكن فهم مضامين هذه اإلصالحات التي‬
‫تخضع لها المنظومة القانونية للمالية العمومية بمعزل عن اإلطار العام الذي تندرج فيه‪ .‬إن‬
‫اعتماد القانون التنظيمي الجديد لقانون المالية ال يمكن النظر إليه فقط من الزاوية المالية‬
‫واالقتصادية البحتة‪ ،‬بعبارة أوضح لم يأت هذا القانون استجابة لضرورات اقتصادية ومالية‪،‬‬
‫بل إنه يندرج ضمن موجة اإلصالحات الكبرى التي تشهدها المالية العمومية في جل دول‬
‫العالم والتي أملتها مبادئ الحوكمة ومتطلبات التدبير العمومي الحديث التي ينادي بها‬
‫أنصار الليبرالية الجديدة‪ .‬فمن وجهة نظر هؤالء‪ ،‬فإن االنتقال من تدبير عمومي كالسيكي‬
‫يعتمد على التشبث بالقوانين واستهالك االعتمادات إلى تدبير عمومي موجه نحو الفعالية‬
‫‪la rationalité‬‬ ‫وتحقيق النتائج لن يكون ممكنا في ظل هيمنة العقالنية القانونية‬
‫‪ juridique‬على حساب العقالنية التدبيرية ‪.1 la rationalité managériale‬‬

‫فهيمنة المنطق القانوني على تدبير اإلدارات العمومية‪ ،‬وكما يدعي ذلك دعاة الليبرالية‬
‫الجديدة‪ ،‬يعتبر العائق األساس الذي يحول دون تدبير عمومي حديث لتلك اإلدارات؛ تدبير‬
‫يعتمد مبادئ الفعالية والشفافية والمحاسبة على النتائج‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فإن جعل المنظومة‬
‫القانونية أكثر مرونة‪ ،‬ومن ضمنها القانون العام المالي‪ ،‬يعتبر من المداخل األساسية لتوجيه‬
‫بوصلة التدبير العمومي نحو الكفاءة والفعالية‪ .‬وبهذا التمييز‪ ،‬ال يلبي القانون المالي العام‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Jacques CHEVALIER et D. LOSCHAK, rationalité juridique et rationalité managériale dans l’administration‬‬
‫‪française, revue française d’administration publique n°24, 1982, cité par Evina Obam , l’intégration du pilotage‬‬
‫‪des performances en finances publiques camerounaise, mémoire pour l’obtention du Master en administration‬‬
‫‪publique, ENA, 2005. Cité par Siméon Arris (SCHOUEL), la nécessaire réforme du droit budgétaire‬‬
‫‪Camerounais, mémoire pour Master en Administration publique, 2006-2008, P 18.‬‬

‫‪391‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫بالنظر إلى المبادئ والمساطر التي ينطوي عليها‪ ،‬متطلبات التدبير العمومي الحديث ألنه‬
‫مستلهم من الفكرة الكينزية‪ 1‬والتي تقوم على أساس تدخل الدولة في المجاالت االقتصادية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬وهو ما يتصادم كليا مع ما توصي به الليبرالية الجديدة ‪ :‬تدخل جد محدود‬
‫للدولة ‪.Etat minimum‬‬

‫إن الغاية من وراء هذا اإلصالح الجوهري هي إرساء أسس مقاربة موازنية جديدة‬
‫ترتكز على النتائج عوض المقاربة الكالسيكية القائمة على الوسائل‪ .‬الحديث عن هذه‬
‫المقاربة الموازنية الجديدة يتطلب منا أوال التطرق إلى نوعين من األسس التي تستند إليها‪،‬‬
‫هناك من جهة األسس الفكرية (‪ ،)3‬ومن جهة أخرى األسس القانونية والتنظيمية (‪.)1‬‬

‫‪3‬أأ األسس الفكرية‬


‫يندرج إصالح القانون العام المالي من خالل إعادة النظر في القانون التنظيمي للمالية‬
‫ضمن هذا التصور الذي يضعه أنصار الليبرالية الجديدة للدولة‪ ،‬بمعنى بلورة " دستور مالي‬
‫‪ "constitution financière‬على مقاس متطلبات التدبير العمومي الحديث (الفعالية‬
‫والنباعة واألداء البيد)‪ .‬بعبارة أخرى‪ ،‬إنها تريد لهذا الدستور المالي أن يتكلم لغة االاتصاد‬
‫والتدلير العمومي الحديث ‪ managérialisation du droit budgétaire‬وأال‬
‫ينحصر فقط في الشق القانوني‪ .‬ويرتكز هذا التوجه على مفهوم التدبير العمومي الجديد‬
‫‪ .New Managment Public‬وهو تيار إصالحي اعتمدته الدول األنجلوكسونية‪ ،2‬والذي‬
‫يرمي إلى إدارة األجهزة العمومية على طريقة المقاوالت الخاصة (استعمال أساليب ووسائل‬
‫التدبير الخاص)‪.‬‬

‫فالتدبير العمومي الجديد هو نتاج لتيارين فكريين بارزين ‪ :‬التيار الفكري األول ظهر‬
‫في علم االقتصاد تحت مسمى "نظرية الخيارات العامة ‪"théorie des choix publics‬‬
‫والتي ارتبطت بظهور ثالثة مؤلفات لمفكرين كبار‪ 3‬خالل خمسينيات وستينيات القرن‬

‫‪1‬‬
‫‪L’histoire et les fondements des finances publiques, www.editions-ellipses.fr. (23/06/2020).‬‬
‫‪2‬‬
‫‪M.Laghlimi, l’audit de la performance dans le contrôle de la cour des comptes, mémoire de fin d’études,‬‬
‫‪ISCAE, Rabat, juin 2016, p 44‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Arrow .K social choice and individual values, second edition, Cowl foundation, p56.‬‬

‫‪392‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪W.‬‬ ‫وكذلك‬ ‫الماضي ‪ K. Arow (1951) :‬و )‪J. J. Buchannan (1962‬‬


‫)‪.Niskanan (1960‬‬

‫وحسب نظرية "الخيارات العامة"‪ ،‬فإن التدبير العمومي يتميز بتضارب المصالح الذاتية‬
‫لثالث فئات من الفاعلين (المجتمع والمسيرون اإلداريون والفاعلون السياسيون) على حساب‬
‫المصلحة العامة‪ .‬وطبقا لنفس النظرية‪ ،‬فإن خير وسيلة لتحسين التدبير العمومي تتمثل في ‪:‬‬

‫‪ ‬وضع نظام تقييم شامل للنشاط اإلداري‪ ،‬يرتكز على ربط التكاليف بالعائدات؛‬
‫‪ ‬تبني هيكلة إدارية مرنة تعتمد على الالتمركز؛‬
‫‪ ‬العمل على تعديل أو إلغاء اإلجراءات الديموقراطية غير الفعالة‪.‬‬

‫أما التيار الفكري الثاني فقد ارتبط خصيصا بعالم األعمال وتدبير المقاوالت الخاصة‬
‫والذي كان من بين مهندسيه كل من ‪ P. Drucker‬صاحب نظرية اإلدارة باألهداف والتي‬
‫تم وضع مبادئها سنة ‪ 3311‬و ‪ O. Gilinier‬الذي طور هذه النظرية وقام بتطبيقها سنة‬
‫‪1‬‬
‫‪ 3311‬في فرنسا تحت تسمية اإلدارة التشاركية باألهداف‪.‬‬

‫ويمكن النظر إلى اإلدارة باألهداف على أنها نهج وفلسفة تدبيرية تعتمد الالمركزية‬
‫والحرية في اتخاذ القرار وفق تحديد أهداف محددة سلفا من طرف اإلدارة المركزية لفترة زمنية‬
‫محددة يتم على أساسها تقييم النتائج المحققة من طرف الوحدات اإلدارية الخارجية‪.‬‬

‫ويرجع الفضل في بروز التدبير العمومي الحديث إلى الباحثين اإلنجليزيين ‪C. Hood‬‬
‫و )‪ ،M. Jacson / politilogues (1969‬فيما يرجع الفضل في إشاعته وتطبيقه على‬
‫‪Gaebler‬‬ ‫نطاق واسع إلى باحثين أمريكيين متخصصين في التدبير ‪ Osborne‬و‬
‫)‪.2 (1992‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Niskanen William (1971), “Bureaucracy and Representative Government”, Chicago, AldineAtherton.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪J Bob McTeer President Federal Reserve Bank of Dallasames‬‬ ‫‪« M. Buchanan The Creation of Public‬‬
‫‪Choice Theory » federal reserve Bank of Dallas, volume 8, number 2 , p 1, Ces auteurs constituent les piliers‬‬
‫‪de l’école néo-classique des organisations.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Hood C. (1991). A public management for all seasons? Public Administration 69 (spring): p 3-19 ; Nils C.‬‬
‫‪Soguel Chaire, Finances publiques Working paper de l’IDHEAP 2008 P 25; URIO, Paolo, « La gestion‬‬

‫‪393‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫فتحت تأثير هذه التيارات الفكرية وكذا األساليب والتقنيات المستعملة في القطاع‬
‫الخاص‪ ،‬ظهر التدبير العمومي الحديث الذي صار نهجا واسع االنتشار داخل القطاع العام‬
‫في مختلف الدول المتقدمة والنامية من بينها المغرب الذي تبنى مجموعة من اإلصالحات‬
‫التي ترمي إلى وضع اللبنات األولى لهذا األسلوب الجديد من التدبير‪ ،‬منها إدخال بعض‬
‫التقنيات المستمدة من نهج التدبير بالقطاع الخاص‪ :‬التدبير على أساس النتائج وعقود‬
‫األهداف والوسائل وعقود البرامج والالتمركز في التدبير‪...‬الخ‬

‫لكن يبقى أهم وسيلة للتأسيس لهذا األسلوب الجديد هو تبني نظام مالي ومحاسبي يقود‬
‫إلى تحقيق ثورة فكرية وتقنية لتحديث التدبير العمومي ونقله من صورته الكالسيكية المرتكزة‬
‫على احترام المساطر والقواعد القانونية والوسائل إلى تدبير عمومي حديث يقوم على‬
‫األهداف والنتائج والشفافية والكفاءة‪.‬‬

‫‪ 2‬أأ األسس القانونية‬

‫تتمثل هذه األسس القانونية في دستور ‪ 1133‬والقانون التنظيمي للمالية ‪.1135‬‬

‫‪ 3.2‬دستور ‪2433‬‬

‫لقد تم تكريس هذه المقاربة الجديدة في تدبير ميزانية الدولة على مستوى أسمى وثيقة‬
‫قانونية للبالد‪ :‬دستور ‪ .1133‬فقد تضمن الفصل ‪ 305‬من هذا األخير العديد من‬
‫المقتضيات الدستورية التي يمكن اعتبارها بمثابة األساس القانوني لتعزيز قواعد التدبير‬
‫الموازني الحديث المرتكز على مبادئ الحكامة الجيدة والمساواة والشفافية وربط المسؤولية‬
‫بالمحاسبة والمراقبة في تنفيذ العمليات المالية العمومية‪.‬‬

‫كما نص الفصل ‪ 355‬من نفس الدستور على التطبيق المرن لمبدأ سنوية الميزانية‪،‬‬
‫من خالل اعتماد برامج وترخيصات على المدى الطويل متعدد السنوات‪ .‬كما كرس الدستور‬
‫مبدأ الصدقية الذي يستمد روحه من القاعدة الدستورية المنصوص عليها في الفصل ‪ 11‬من‬
‫الدستور المتعلقة بحق المواطن في الحصول على المعلومة‪.‬‬

‫‪publique au service du marché », in M. Hufty, « La pensée comptable : État, néolibéralisme, nouvelle gestion‬‬
‫‪publique », Les nouveaux Cahiers de l’IUED, PUF, Paris et Genève, 1998, 91-124, 1998‬‬

‫‪394‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫إضافة إلى ذلك‪ ،‬أسند المشرع الدستوري‪ ،‬بموجب الفصل ‪ 15‬من الدستور‪ ،‬إلى‬
‫القانون التنظيمي لقانون المالية‪ ،‬مهمة تنزيل المقتضيات الدستورية الجديدة المتعلقة بتقوية‬
‫نجاعة التدبير الحكومي وإرساء مبادئ وقواعد ترمي إلى ضمان شفافية المالية العمومية‪،‬‬
‫وتعزيز دور البرلمان في مناقشة مشاريع الميزانية ومراقبة المالية العمومية‪.‬‬

‫‪ 2.2‬القانون التنظيمي البديد لقانون المالية‪ :‬إطار اانوني جديد للتدلير‬


‫الميزانياتي المرتكز على النتائج‬

‫لمواكبة التطورات والمستجدات المالية المرتبطة بمجال التدبير العمومي الحديث‪ ،‬كان‬
‫ال بد من وضع قانون تنظيمي جديد كفيل بتنزيل المقتضيات الدستورية الجديدة خاصة فيما‬
‫يتعلق بضمان نجاعة وكفاءة التدبير العمومي‪ ،‬وتعزيز مبادئ الشفافية والحكامة والمراقبة‪.‬‬

‫وكما هو معلوم‪ ،‬فإن هذا القانون التنظيمي الجديد يندرج ضمن الدينامية التي طبعت‬
‫مسلسل اإلصالحات الدستورية السابقة؛ إصالحات ترمي باألساس إلى تحقيق هدفين‬
‫رئيسين‪:‬‬

‫‪ ‬تحسين مقروئية الميزانية وربطها لنباعة األداء‪ :‬وذلك من خالل اعتماد ثالث‬
‫آليات‪:‬‬
‫‪ ‬وضع إطار ميزانياتي متعدد السنوات بحيث يتم االستناد إلى برمجة‬
‫ميزانياتية لمدة ثالث سنوات مع مراعاة مبدأ المرونة (تحيين سنوي)‪ ،‬وذلك‬
‫من أجل التوفر على رؤية استراتيجية واستشرافية على المدى الطويل‪،‬‬
‫‪ ‬اعتماد آلية ميزانياتية تنبني على البرامج وتحديد أدق للمسئوليات‪ ،‬واستخدام‬
‫أوسع للمقاربة التدبيرية الحديثة بمنح هامش واسع التخاذ القرار من طرف‬
‫المدبرين العموميين‪،‬‬
‫‪ ‬ميزانية مرتكزة على فعالية األداء استنادا إلى ربط األهداف بتحقيق النتائج‪،‬‬
‫يتم قياسها بمؤشرات كمية واضحة‪.‬‬
‫‪ ‬تعزيز مبادئ الشفافية والصدقية (المواد ‪ 34‬و ‪ 13‬من القانون التنظيمي‬
‫للمالية)‬

‫‪395‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫لقد تضمن القانون التنظيمي لقانون المالية في هذا اإلطار العديد من المستجدات نذكر‬
‫منها‪:‬‬

‫‪ ‬تكريس مبدأ التوازن الحقيقي لمالية الدولة‪،‬‬


‫‪ ‬اعتماد مبدأ صدقية الميزانية من خالل إعداد وتقديم والمصادقة على الميزانية‬
‫بشكل صادق على مستوى تقدير اإليرادات والتكاليف وعلى مستوى التوازن‬
‫الميزانياتي (توازن حقيقي)‪،‬‬
‫‪ ‬تكريس مبدأ صدقية الحسابات‪ :‬بحيث يجب أن تكون المحاسبة صادقة‬
‫ومطابقة للقوانين واألنظمة وتعطي صورة حقيقية لذمتها المالية تحت مراقبة‬
‫المحاكم المالية‪،‬‬
‫‪ ‬إلزام الدولة باعتماد نظام محاسبي ثالثي األبعاد‪:‬‬
‫‪ ‬محاسبة ميزانياتية ‪ comptabilité budgétaire‬لتتبع تنفيذ العمليات‬
‫المالية‪.‬‬
‫‪ ‬محاسبة عامة ‪ comptabilité générale‬تقوم على الحقوق‬
‫والواجبات تقدم بيانات عن الذمة والوضعية المالية للدولة‪.‬‬
‫‪ ‬محاسبة تحليلية ‪ comptabilité analytique‬لتقييم نجاعة وأداء‬
‫تدبير األجهزة العمومية‪.‬‬

‫وكما يالحظ‪ ،‬فقد ارتكزت مراجعة القانون التنظيمي لقانون المالية على شقين‬
‫متالزمين‪ :‬الشق الميزانياتي والشق المحاسباتي‪ .‬وسيكون لهذا التحول الهيكلي في المنظومة‬
‫المالية والميزانياتية‪ ،‬ومن دون أدنى شك‪ ،‬تأثيرات عميقة على مجالي المراقبة ومسئولية‬
‫المدبرين العموميين‪ ،‬ال سيما وأنه سيؤدي إلى حلول ثقافة تدبيرية جديدة تعتمد منطق األداء‬
‫والكفاءة بدال من المنطق الذي يقوم على الوسائل واحترام المساطر والشرعية المالية‪.‬‬

‫كما ستكون للقانون التنظيمي الجديد لقانون المالية آثار أخرى‪ ،‬ال سيما على مستوى‬
‫إحداث تقارب بين المحاسب العمومي واآلمر بالصرف وإحداث تداخل في مهامهما‪،‬‬
‫وبالنتيجة تجاوز المبدأ الكالسيكي المتمثل في الفصل بين المهام الذي طالما اعتبر بمثابة‬
‫حجر الزاوية في حماية المال العام والذي يظهر أنه يصعب تطبيقه في إطار الفلسفة الجديدة‬

‫‪396‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫للتدبير المبني على النتائج‪ ،‬وسيتوجب إضفاء المرونة عليه بشكل يجعله مؤهال لمواكبة‬
‫التطورات الجديدة‪.‬‬

‫إن اعتماد قانون تنظيمي جديد لقانون المالية سيؤسس لثقافة رقابية جديدة تنسجم مع‬
‫حرية المبادرة والتصرف للمدبرين العموميين مقابل مزيد من المسئولية ومع فلسفة التدبير‬
‫القائم على النجاعة واألداء‪ .‬فتنزيل مضامين القانون التنظيمي للمالية ستكون من نتائجه‬
‫تغيير طرق اشتغال المدبرين العموميين وبالتالي تحديث المهام الموكولة لهم في ظل تخفيف‬
‫المراقبة القبلية باعتبارها مراقبة تعوق حسن أداء األجهزة العمومية وحرية المبادرة لدى هؤالء‬
‫المدبرين العموميين مقابل تعزيز مراقبة بعدية ترتكز أكثر على النتائج وبذل الجهد بدل‬
‫التصرف في الوسائل واحترام المساطر‪.‬‬

‫بموازاة مع هذه المتغيرات الجديدة ذات البعد الميزانياتي‪ ،‬شهد نظام المالية العمومية‬
‫خالل السنوات األخيرة مجموعة من اإلصالحات ارتبطت بالخصوص بمجال المحاسبة‬
‫العمومية والمراقبة‪.‬‬

‫ب أأ إطار اانوني جديد لنظام المحاسبة والمراقبة المالية‬


‫يعتبر النظام المحاسبي والرقابي رافدا من الروافد الضامنة لحسن تدبير المال العام‪،‬‬
‫كما يعتبر رافعة إلرساء مبادئ الحكامة الجيدة والتدبير القائم على النجاعة‪ .‬ولالستجابة إلى‬
‫متطلبات التدبير العمومي الجديد المرتكز على النتائج كان ال بد من القطيعة‪ ،‬أو على‬
‫األقل‪ ،‬تطوير وإعادة النظر في النظام المحاسباتي من جهة (‪ )3‬ومن جهة أخرى مراجعة‬
‫مختلف األنظمة الرقابية (‪.)1‬‬

‫‪ 3‬أأ إعادة النظر في النظام المحاسبي‬


‫من أجل تنزيل المقتضيات الدستورية على أرض الواقع‪ ،‬عمد المشرع المغربي إلى‬
‫مراجعة المنظومة المحاسبية لجعلها مؤهلة لمسايرة التطورات ومستجدات التدبير المالي‬
‫العمومي‪ ،‬خاصة فى ظل تعالي األصوات المنادية بضرورة تمكين المواطن من معلومات‬
‫صادقة وشفافة تجعله يمارس حقه في المراقبة عبر المؤسسات المنتخبة‪.‬‬

‫‪397‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫صحيح أن اإلصالح الحالي لنظام المحاسبة احتفظ بنظام المحاسبة العمومية المعمول‬
‫به وخاصة مبدأ الفصل بين مهام المحاسب العمومي واآلمر بالصرف الذي يرتبط ارتباطا‬
‫عضويا من جهة‪ ،‬بتنفيذ العمليات المالية التي تتوزع بين مرحلة إدارية توكل إلى اآلمر‬
‫بالصرف ومرحلة محاسبية تعهد إلى المحاسبي العمومي‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬بنظام المسئولية‬
‫المترتب عن تنفيذ العمليات المالية‪.1‬‬

‫لكن‪ ،‬وتحت تأثير التغييرات التي طرأت في مجال المالية العمومية التي فرضت إدخال‬
‫بعض التعديالت التقنية الطفيفة‪ ،2‬وإن كانت ال ترقى إلى المتطلبات المحلية والدولية‬
‫المتعلقة بشفافية وصدقية الحسابات العمومية‪ ،‬فإنها على األقل ستشكل مدخال لتحديث‬
‫هيكلي لنظام المحاسبة العمومية عبر إدخال مبادئ وآليات وأنواع جديدة من المحاسبة من‬
‫شأنها أن تحدث تغيي ار على مستوى المراقبة وكذلك على مستوى نظام المسئولية للمتدخلين‬
‫في تنفيذ العمليات المالية‪ ،‬وذلك بالعمل على إضفاء المرونة على مبدأ الفصل بين مهام‬
‫اآلمر بالصرف والمحاسب العمومي والزيادة في تداخل العمليات المالية بين اآلمر بالصرف‬
‫والمحاسب العمومي‪.‬‬

‫وعموما‪ ،‬يمكن القول بأن النظام المحاسبي الجديد بالمغرب شهد مجموعة من‬
‫المستجدات من خالل إدخال أصناف جديدة من المحاسبة مستمدة أساسا من القطاع‬
‫الخاص‪ ،‬مع احتفاظه بطابعه الكالسيكي المتمثل في المحاسبة الميزانياتية‪.‬‬

‫‪ 3.3‬االحتفاظ بالمحاسبة الميزانياتية‬


‫إن االستمرار بالعمل بنظام المحاسبة الميزانياتية‪ ،‬يأتي تطبيقا للمادة ‪ 13‬من القانون‬
‫التنظيمي لقانون المالية‪ ،‬وذلك لما لها من دور في تتبع تنفيذ عمليات المداخيل والنفقات‬

‫‪1‬‬
‫‪Damien Catteau, le principe de séparation structure – t – il toujours le système de comptabilité publique‬‬
‫‪français ?, in Droit et comptabilité, S. Kott, Economica, 2017, P 86.‬‬

‫‪2‬‬
‫لقد شملت هذه التعديالت التي أدخلت على المرسوم رقم ‪ 111.11‬بتاريخ ‪ 31‬محرم ‪ 13( 3191‬أبريل ‪ )3311‬بسن نظام عام للمحاسبة‬
‫العمومية يالخصوص‪ :‬الفصل ‪ 33‬المتعلق بتقليص أعمال المراقبة المتعلقة بصحة النفقة والفصول ‪ 55‬إلى ‪ 59‬و‪ 313‬إلى ‪ 311‬المتعلقة‬
‫بإصدار‬ ‫بالمحاسبة‪ ،‬السيما المقتضيات المتعلقة بإدخال المحاسبة القائمة على االستحقاق (إثبات الحقوق والواجبات)؛ و الفصل ‪ 311‬المتعلق‬
‫بيانات ختامية تعطي صورة صادقة عن الذمة المالية للدولة ؛ والفصل ‪ 311‬مكرر نزع الصفة المادية عن الوثائق المثبتة للعمليات المالية‪.‬‬

‫‪398‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫والحفاظ على مبدأ التوازن واحترام ترخيصات الميزانية وتمكين سلطات المراقبة من تتبع‬
‫استهالك االعتمادات المالية والتأكد من صحة النفقات وحصر النتيجة الميزانياتية‪.‬‬

‫فمن خصوصيات هذا النظام المحاسبي أنه يعتمد على وحدة قيد العمليات المالية وفق‬
‫قاعدة وحدة الصندوق‪ .‬لكن وبالرغم من أهميته على مستوى مراقبة تنفيذ العمليات المالية‪،‬‬
‫إال أنه يعتريه قصور حاد ال سيما على مستوى إنتاج معلومة كاملة‪ 1‬مما يحول دون تتبع‬
‫دقيق لحركية العمليات غير المرتبطة بعمليات القبض واألداء‪ ،‬بمعنى العمليات التي لها‬
‫عالقة بإثبات الحقوق والواجبات والذمة المالية‪.2‬‬

‫من جانب آخر‪ ،‬فإن المحاسبة الميزانياتية‪ ،‬باقتصارها على عمليات الصندوق‪ ،‬ال‬
‫تمكن من تتبع وضبط حركة العديد من العمليات (حركات المخزونات وعمليات الجرد‬
‫والحقوق الديون ومؤونات الخسائر واالهتالكات‪ .)...‬كما أن هذا النوع من المحاسبة ينظر‬
‫إليها‪ ،‬في إطار النظام المالي الجديد المرتكز على النتائج‪ ،‬باعتبارها وجها من األوجه‬
‫الخاصة للمحاسبة العامة‪ 3‬حيث تمثل الجانب المتعلق بعمليات الخزينة التي تختص أساسا‬
‫بتتبع حركية السيولة المالية‪.‬‬

‫كما يكرس اعتماد نظام المحاسبة الميزانياتية استقاللية الميزانية عن حسابات الدولة‪،‬‬
‫فيما تناط مهمة مسكها إلى محاسب عمومي تحت مسئوليته الشخصية والمالية إعماال للمبدأ‬
‫الكالسيكي المرتكز على الفصل بين مهام اآلمر بالصرف والمحاسب العمومي‪.‬‬

‫‪ 2.3‬نحو إرساء مبادئ اواعد محاسبة إثبات بالواجبات والحقوق‬


‫من بين األهداف التي سعى النظام الجديد للمالية العمومية إلى اعتمادها في ظل‬
‫التدبير العمومي القائم على النجاعة وتكريس الحكامة الجيدة‪ ،‬تطوير النظام المحاسبي‬
‫بإدخال محاسبة جديدة تقوم على مبدأ إثبات الحقوق وااللتزامات‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Farhana AKHOUNE, le statut du comptable public en droit public financier, LGDJ, lextenso édition Paris 2008,‬‬
‫‪P 220.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Jean-Paul MILOT, les nouvelles normes comptables de l’Etat, RDT, n° 8-9 aout-septembre 2004, P 511.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Farhana AKHOUNE, O pcité, P 229.‬‬

‫‪399‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ومن المعلوم أن هذه المحاسبة‪ ،‬التي تجد أساسها القانوني في المواد ‪ 13‬إلى ‪ 11‬من‬
‫القانون التنظيمي لقانون المالية‪ ،‬وكذا الفصل ‪ 313‬من المرسوم رقم ‪ 111.11‬بتاريخ ‪13‬‬
‫أبريل ‪ 3311‬بسن نظام عام للمحاسبة العمومية‪ ،‬تستمد قواعدها من المبادئ المطبقة على‬
‫المقاوالت الخاصة الخاضعة للقانون الخاص‪ ،‬مع األخذ بعين االعتبار خصوصيات تدخل‬
‫الدولة‪.‬‬

‫إن ما يميز هذا الصنف من المحاسبة الخاصة أنها تعتمد على تقديم حسابات صادقة‬
‫تعكس صورة حقيقية لثروة الدولة ولوضعيتها المالية من خالل تتبع وتسجيل شامل لألصول‬
‫والخصوم والتكاليف واإليرادات واحتساب نتيجة االستغالل السنوية‪ .‬فهذه المحاسبة‪ ،‬وعلى‬
‫عكس المحاسبة الميزانياتية التي يعتمد فيها على مبدأ وحدة الصندوق‪ ،‬تقوم على مبدأ‬
‫االستحقاق‪ ،‬بحيث تدرج العمليات المالية في حسابات السنة المالية التي ترتبط بها بغض‬
‫النظر عن تاريخ قبضها أو أدائها‪.‬‬

‫إن اعتماد هذا الصنف الجديد من المحاسبة المرتكز على منطق الذمة المالية سترافقه‬
‫تغييرات عميقة سيكون لها تأثير واضح في مجال المراقبة المالية‪ ،‬ال سيما على مستوى‬
‫إدخال مبادئ جديدة كانت إلى وقت قريب مرتبطة بعالم المقاوالت‪ ،‬كما هو الشأن بالنسبة‬
‫إلى المبادئ التالية‪:‬‬

‫‪ ‬مبدأ جودة الحسابات ‪Principe de la qualité des comptes‬‬


‫يجد مبدأ جودة الحسابات أساسه القانوني في المادة ‪ 11‬من القانون التنظيمي لقانون‬
‫المالية رقم ‪ ،311.31‬والتي عرفته بأنه ‪ " :‬عملية ترمي إلى تقديم حسابات مطابقة للقانون‬
‫وصادقة وتعكس صورة حقيقية لذمتها المالية وثروتها"‪.1‬‬

‫إن مراقبة جودة الحسابات ال يعتبر هدفا في حد ذاته‪ ،‬بل هو مطلب ذو بعد‬
‫ديموقراطي‪ ،‬ال سيما وأنه يمثل أداة تجعل من المحاسبة مصد ار لمعلومات متاحة لعدد كبير‬
‫من الجمهور والفاعلين مما يجعلهم على اطالع دقيق على ثروة الدولة ووضعيتها المالية‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Groupe animé par Paul HERNU (conseiller maitre honoraire à la cour des comptes, la place et le rôle du‬‬
‫‪comptable public dans le contrôle interne comptable des administrations publiques, cahiers n°23, l’académie‬‬
‫‪sciences des techniques comptables et financières, www.lacadémie.info. Consulté le 08/06/2020.‬‬

‫‪400‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وبالتالي حمايتها وحسن تدبيرها‪ .1‬ويتفرع عن مبدأ جودة الحسابات مبادئ أخرى كمبدأ‬
‫المطابقة والصورة الحقيقية ومبدأ الصدقية‪...‬‬

‫‪ ‬مبدأ المشروعية أو المطابقة للقانون ‪Principe de conformité à la loi‬‬


‫يقضي هذا المبدأ أن تكون عملية مسك الحسابات وتسجيل العمليات وفقا للمبادئ‬
‫والقواعد المنصوص عليها في القوانين واألنظمة المتعلقة بالمحاسبة‪ .‬وهذا المبدأ هو المعمول‬
‫به على مستوى المحاسبة العمومية الكالسيكية‪.‬‬

‫‪ ‬مبدأ الصورة الحقيقية ‪Principe de l’image fidèle‬‬


‫يقصد بهذا المبدأ القدرة على تزويد الشركاء‪ ،‬من خالل البيانات المالية‪ ،‬بمعلومات‬
‫منتجة ووجيهة تعكس حقيقة ثروة الدولة ووضعيتها المالية‪ ،‬ويحظى فيها البعد االقتصادي‬
‫باألولوية عن البعد القانوني‪ .‬وإذا كان أغلب خبراء المحاسبة يرون أن تقديم صورة حقيقية‬
‫عن الذمة المالية يعتبر هدفا من أهداف المحاسبة أكثر منها مبدأ‪ ،‬فإن تصنيفها ضمن‬
‫المبادئ التي تقوم عليها المحاسبة الخاصة يرجع إلى المكانة التي تحتلها على مستوى جودة‬
‫المحاسبة العامة‪.‬‬

‫‪ ‬مبدأ الصدقية ‪Principe de sincérité‬‬


‫يقضي مبدأ الصدقية بأن يعمل مدبرو األجهزة العمومية‪ ،‬انطالقا من المعلومات‬
‫المتوفرة لديهم عن الوضعية المالية لتلك األجهزة‪ ،‬على التطبيق السليم وبحسن نية للمبادئ‬
‫والقواعد والمساطر المحاسبية المعمول بها‪ .‬ولألهمية القصوى التي يكتسيها هذا المبدأ‪ ،‬فقد‬
‫كرسه القانون التنظيمي للمالية في مادتيه ‪ 13‬و ‪ ،11‬كما كرسته المادة ‪ 311‬من مرسوم‬
‫المحاسبة العمومية‪.2‬‬

‫وال ينحصر مفهوم مبدأ الصدقية فقط في صدقية "الحسابات"‪ ،‬وإنما يشمل صدقية‬
‫"المحاسبة" ككل‪ ،3‬أي جميع المعلومات والوثائق المحاسبية ذات األهمية البالغة في التدبير‬

‫‪1‬‬
‫‪A. CAUREIL, qualité comptable et contrôle interne comptable dans le cadre de la LOLF, revue de trésor, n°‬‬
‫‪2 fév 2006, P 99‬‬
‫‪2‬‬
‫مرسوم رقم ‪ 1.13.119‬الصادر في ‪ 11‬يناير ‪ 1131‬بتتميم وتغيير المرسوم الملكي بتاريخ ‪ 13‬ابريل ‪ 3311‬بسن نظام المحاسبة العمومية‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫‪L. SAIDJ, Enjeux autour d’un principe controversé, RFFP n° 111, sept 2010, p7.‬‬

‫‪401‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫من قبيل الوثائق المرتبطة بالبيانات الختامية أو تلك خارج البيان الختامي أو تلك المرتبطة‬
‫بحسابات األغيار‪.1‬‬

‫ومن زاوية أخرى‪ ،‬فإنه ينظر إلى صدقية الحسابات على أنها صدقية موضوعية بمعنى‬
‫ذات طبيعة بعدية وناتجة عن إشهاد الحق للتأكد من صحة وحقيقة الحسابات‪ .‬وهنا ال بد‬
‫من التمييز بين صدقية الحسابات أو المحاسبة ‪sincérité des comptes ou‬‬
‫‪ comptables‬وصدقية الميزانية ‪ sincérité‬و ما يسمى بالتصديق على الحسابات ‪la‬‬
‫‪.certification des comptes‬‬

‫‪ ‬مبدأ صدقية الميزانية‬


‫يعتبر مبدأ صدقية الميزانية نتاج خالص الجتهادات القضاء الدستوري الفرنسي الذي‬
‫يعود إليه الفضل في إدخاله إلى حقل قانون الميزانية من خالل ق ارره الصادر بتاريخ ‪13‬‬
‫دجنبر ‪ ،23330‬قبل تكريسه بموجب المادة ‪ 11‬من القانون التنظيمي لقانون المالية الفرنسي‬
‫الصادر بتاريخ فاتح غشت ‪.31113‬‬

‫أما على مستوى التشريع المالي المغربي‪ ،‬فقد كرست المادة ‪ 31‬من القانون التنظيمي‬
‫لقانون المالية هذا المبدأ‪ ،‬إذ أوجبت أن تقدم مشاريع قوانين المالية وبشكل صادق مجموع‬
‫موارد وتكاليف الدولة‪ ،‬وأن يتم تقييم صدقية تلك الموارد والتكاليف بناء على المعطيات‬
‫المتوفرة أثناء إعدادها والتوقعات التي يمكن أن تنتج عنها‪.‬‬

‫في هذا اإلطار‪ ،‬وفي معرض التوضيح الذي قدمه القضاء الدستوري الفرنسي‬
‫بخصوص القانون التنظيمي لقانون المالية لفاتح غشت ‪ ،1113‬عرف المجلس الدستوري‬
‫الفرنسي مبدأ الصدقية بأنه‪ " :‬غياب ألي نية في تقديم صورة مزيفة وخاطئة عن الخطوط‬
‫ويمتد هذا المبدأ‪ ،‬كذلك‪ ،‬ليشمل قوانين التصفية وكذا صحة‬ ‫الهامة للتوازن المالي‪.‬‬
‫الحسابات "‪.4‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Ibid, p7.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪DC n°94-351 du 29 décembre 1994.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪La Loi organique n° 2001-692 du 1er août 2001 relative aux lois des finances.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪DC n°2005-519 DC, LOLFSS, Rec, P 129.‬‬

‫‪402‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ويقصد بمبدأ صدقية الميزانية‪ ،‬وفقا لذلك‪ ،‬من جهة‪ ،‬وضع تقديرات حقيقية للموارد‬
‫والتكاليف لضمان توازن حقيقي وفعلي للميزانية‪ ،‬بحيث يجب على الجهات المختصة أال‬
‫تسيء إراديا تقديرات الميزانية وذلك إما بالمبالغة في التقليل من النفقات تحت ذريعة الرغبة‬
‫في ترشيدها أو المبالغة في تقدير الموارد قصد التضليل على وجود موارد كافية لتغطية‬
‫النفقات‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يقصد بهذا المبدأ تقديم حسابات صادقة وصحيحة‪ ،‬وهذه الحسابات‬
‫تكون في جزء منها مصدرها المحاسبة العامة‪ .‬وهذا ما أكده القضاء الدستوري الفرنسي في‬
‫ق ارره الصادر بتاريخ ‪ 15‬يوليوز ‪1 1113‬بشأن القانون التنظيمي لقانون المالية‪ ،‬حينما اعتبر‬
‫الفصلين ‪ 11‬و ‪ 13‬المتعلقين بحسابات الدولة تشكل كتلة لنظام غير قابل للتجزيء الغرض‬
‫منها تأمين صدقية وشفافية حسابات الدولة‪ .‬هذا النظام القانوني له ارتباط عضوي بمبدأ‬
‫صدقية قانون التصفية ويصنف ضمن القواعد التي يمكن أن يستوعبها القانون التنظيمي‬
‫لقانون المالية حسب مدلول الفصل ‪ 10‬من الدستور‪.‬‬

‫لذلك‪ ،‬فإن صدقية الميزانية أعم وأشمل من صدقية المحاسبة التي ال تمثل سوى أحد‬
‫أوجه صدقية الميزانية‪.‬‬

‫ومما ال شك فيه‪ ،‬سيكون العتماد مبدأ جودة الحسابات آثار على المراكز القانونية‬
‫للمتدخلين في تنفيذ العمليات المالية للدولة‪ ،‬خاصة اآلمر بالصرف والمحاسب العمومي‪ ،‬بل‬
‫سيطال جميع المتدخلين الذين لهم صلة بمجال المحاسبة‪ .‬من جهة أخرى‪ ،‬فإن مجال تطبيق‬
‫هذا المبدأ سيشمل جميع العمليات المالية المرتبطة بثروة الدولة ووضعيتها المالية‪ ،‬األمر‬
‫الذي يفيد بأن تداعيات هذا التحول في نظام المحاسبة ستمتد إلى نظامي المراقبة والمسئولية‬
‫الرتباطهما الوثيق بمنظومة المالية العمومية‪.‬‬

‫فالقانون التنظيمي للمالية أوكل إلى المحاسب العمومي بموجب المادة ‪ 11‬مهمة مسك‬
‫وإعداد حسابات الدولة والسهر على احترام المبادئ والقواعد المحاسبية وبخاصة التأكد من‬
‫صدقية التسجيالت المحاسبية واحترام المساطر وجودة الحسابات العمومية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪DC 448-2001 du 25/7/2001.‬‬

‫‪403‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وفي إطار المحاسبة العامة والتي تقوم على أساس ثروة الدولة ووضعيتها المالية‪،‬‬
‫يعتبر إثبات الحقوق والواجبات والتي يكون مصدرها المدبر العمومي (اآلمر بالصرف) الفعل‬
‫المنشئ للعمليات المالية‪ ،‬على عكس نظام المحاسبة العمومية القائمة على الصندوق حيث‬
‫الفعل المنشئ للعمليات يتمثل في أعمال القبض والصرف الموكولة إلى المحاسب‪ .‬صحيح‬
‫أن عمليات القبض تجد مصدرها في المحاسبة اإلدارية لآلمر بالصرف الذي يصدر األمر‬
‫باالستخالص والصرف ويحدد اإلدراج المالي‪ ،‬لكن هذه األعمال لها ارتباط أكثر بصالحيات‬
‫ميزانياتية وليست محاسبية‪.1‬‬

‫وفي إطار المحاسبة الجديدة‪ ،‬ستشهد المهام المرتبطة بالعمليات المحاسبية تحوال‬
‫جذريا‪ ،‬بحيث سيكون للمدبر العمومي دور أكبر في المنظومة المحاسبية‪ ،‬وبالتالي ستتحول‬
‫المهام المحاسبية إلى وظيفة مشتركة بين المحاسب العمومي واألمر بالصرف‪ ،‬بحيث ستكون‬
‫مهمة المحاسب العمومي مسك الحسابات وتأمين جودتها انطالقا من المعلومة المحاسبية‬
‫التي يكون مصدرها المدبر العمومي (اآلمر بالصرف) باعتباره المسئول عن موثوقيتها‬
‫والضامن لها‪.2‬‬

‫ومن مظاهر األهمية التي أوالها المشرع المالي لمبدأ جودة الحسابات تكريسه لقاعدة‬
‫التصديق على حسابات الدولة‪ ،‬كما سيتم توضيحه الحقا‪.‬‬

‫‪ 1.3‬إدخال نظام المحاسبة التحليلية‬


‫يعتبر هذا الشق من المحاسبة من أهم المستجدات التي جاء بها القانون التنظيمي‬
‫الجديد لقانون المالية‪ ،‬إذ تم تكريسه في المادة ‪ 13‬في فقرتها الثالثة التي تنص على أنه‪" :‬‬
‫يمكن للدولة أن تمسك محاسبة لتحليل كلفة مختلف المشاريع المدرجة في إطار البرامج"‪.‬‬
‫وكما يالحظ‪ ،‬فقد استعمل المشرع لفظ " يمكن " مما يفهم منه أن اعتماد هذه اآللية‬
‫المحاسبية يبقى اختياريا على غرار ما هو معمول به في المقاوالت الخاصة التي تعتبر فيها‬

‫‪1‬‬
‫‪A. CAUREIL, , opcit , p 99‬‬
‫‪2‬‬
‫‪C. DELON – DESMOULIN, la sincérité en droit budgétaire de l’union européenne : à la recherche de la‬‬
‫‪vérité budgétaire, RFFP n° 111 – septembre 2010, P82.‬‬

‫‪404‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المحاسبة التحليلية غير إجبارية ولو أنها تبقى وسيلة من الوسائل الناجعة للتدبير الداخلي‬
‫لألجهزة والمنظمات المعنية‪.‬‬

‫وتكمن أهمية المحاسبة التحليلية في توافقها مع الفلسفة الجديدة للتدبير القائم على‬
‫ستلعب دو ار مكمال للمحاسبة العامة وآلية من آليات مراقبة التسيير داخل‬ ‫النتائج‪ ،‬إذ‬
‫المؤسسات من خالل إسهامها في المساعدة في اتخاذ القرار حيث ستمكن من قياس كلفة‬
‫المشاريع وتقييم النتائج المحققة قياسا باألهداف المحددة وربطها بتكاليف وشروط اقتناء‬
‫واستخدام الوسائل المستعملة‪.‬‬

‫وبإدخال هذا النوع من المحاسبة‪ ،‬سيتم تعزيز آليات الرقابة الداخلية التي هي من‬
‫مسئولية المدبر العمومي‪ ،‬وبالتالي سيتأثر بشكل كبير وغير مباشر نظام المسئولية باالرتكاز‬
‫على أسس جديدة إلثارتها أمام األجهزة الرقابية‪.‬‬

‫‪ 0.3‬نحو تقديم حساب واحد‬


‫في ظل ال تقارب الذي ستفرضه المستجدات التي أتى بها النظام المالي والمحاسبي‬
‫الجديد بين نطاقي تدخل اآلمر بالصرف والمحاسب العمومي إلى حد التداخل في المهام‪،‬‬
‫سيصبح توحيد الحسابات أم ار ملحا‪ ،‬ذلك أن تقديم الحسابات في ظل النظام المالي المرتكز‬
‫على الفصل بين مهام اآلمر بالصرف والمحاسب العمومي يتسم بالطابع المزدوج حيث يعتبر‬
‫كل طرف ملزما بتقديم حساب منفرد‪ :‬اإلدالء بحساب التسيير من طرف المحاسب العمومي‬
‫وتقديم الحساب اإلداري من طرف اآلمر بالصرف‪.‬‬

‫ولطالما تعرض هذا األسلوب في تقديم الحسابات إلى انتقادات من قبيل التكرار في‬
‫تقديم المعلومة وتسجيل العمليات‪ ،‬وأحيانا يتم تقديم معلومات متناقضة وغير كاملة‪ .‬كما‬
‫يؤخذ عليه أنه نظام محاسبي مكلف وغير فعال‪ ،‬هذا باإلضافة إلى أن هذا النظام ليس‬
‫بمقدوره مواكبة عملية تحديث المحاسبة‪ ،‬خاصة استجابته لمتطلبات المحاسبة العامة المرتكزة‬
‫على تتبع ثروة الدولة ووضعيتها المالية والتي تستوجب مبدأ الشمولية في توثيق تقديم‬
‫المعلومة والتي ستنضاف عملياتها إلى عمليات تنفيذ النفقات والموارد المرتبطة بالمحاسبة‬
‫الميزانياتية‪.‬‬

‫‪405‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ولمواجهة التحديات المحاسبية الجديدة‪ ،‬سعت النظم المالية الحديثة إلى تجريب مبدأ‬
‫توحيد الحسابات‪ 1‬وجعله ركيزة من ركائز المحاسبة الحديثة‪ ،‬وذلك بهدف تعزيز التقارب بين‬
‫المحاسب العمومي واآلمر بالصرف وإرساء مبادئ الشفافية من خالل تسهيل مقروئية‬
‫المعلومة المحاسبية وتسريع إيصالها إلى األجهزة التداولية وإلى المواطن‪ .‬كما يروم هذا‬
‫التوحيد المحاسبي تبسيط مسطرة اإلدالء بالحسابات إلى الجهات المعنية وتأمين جودة‬
‫الحسابات وتسهيل معالجتها عبر التطبيقات المعلوماتية‪.‬‬

‫لذلك‪ ،‬فإن اعتماد الحساب المالي الواحد يقودنا إلى التساؤل مع الفقيه ‪Michel‬‬
‫‪ Bouvier‬حول عملية مسك الحسابات‪ ،‬وبالتالي حول أثرها على مبدأ الفصل بين مهام‬
‫المحاسب العمومي واآلمر بالصرف‪ ،2‬وبالتالي انعكاساتها على نظام المسؤولية أمام القاضي‬
‫المالي‪.‬‬

‫‪ 2‬أ تحديث نظام المراقبة‪ :‬من مراقبة شاملة إلى مراقبة مخففة‬
‫من بين اإلصالحات التي حملها اإلصالح المالي الجديد‪ ،‬في ظل إرساء قواعد منطق‬
‫التدبير المرتكز على النجاعة‪ ،‬مراجعة وتحديث منظومة المراقبة من خالل السعي إلى‬
‫توحيدها ودمجها على نحو يضمن تخفيف المراقبة القبلية وتعزيز الرقابة الداخلية وتقوية‬
‫الرقابة البعدية‪.‬‬

‫وتتماشى هذه الفلسفة في المراقبة مع منطق التدبير العمومي الحديث المرتكز على‬
‫النتائج الذي يرمي إلى منح المدبر العمومي مزيدا من هامش المبادرة في اتخاذ القرار على‬
‫أن تتم مساءلته ومحاسبته على النتائج المحققة استنادا إلى األهداف المسطرة والوسائل‬
‫المستعملة‪.‬‬

‫ومن أجل وضع األسس الجديدة لهذه المراقبة سعى المشرع إلى اتخاذ سلسلة من‬
‫الخطوات أهمها‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Gérard TERRIEN, compte financier unique : des apports positifs à atteindre, RFFP n° 144 – nov 2018, P 90.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Michel BOUVIER, Propos introductif : le compte financier unique, reflet d’une conception de la gouvernance‬‬
‫‪financière, RFFP n° 144 – nov 2018, P 90.‬‬

‫‪406‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪ ‬إصدار مرسوم‪ 1‬يقضي بإدماج مصالح مراقبة االلتزام بالنفقات في الخزينة العامة‬
‫للمملكة في أفق توحيد المساطر وتخفيف إجراءات المراقبة‪ .‬وقد اعتبر هذا االندماج‬
‫بين اإلدارتين من أهم االختيارات االستراتيجية التي اتخذت في مجال تدبير المالية‬
‫العمومية‪.‬‬
‫‪ ‬إصدار المرسوم‪ 2‬المتعلق بمراقبة نفقات الدولة الذي أدخل مفهوم المراقبة التراتبية‬
‫والتي وسعت من صالحيات اآلمر بالصرف بنقل بعض االختصاصات إليه‪ ،‬والتي‬
‫كانت موكولة في السابق إلى مراقب االلتزام بالنفقات‪.‬‬

‫وابتداء من سنة ‪ ،1131‬في ظل تطبيق التدبير الميزانياتي المرتكز على النتائج الذي‬
‫يتطلب تخفيف المراقبة القبلية‪ ،‬شرعت المصالح المالية في التطبيق التدريجي للمراقبة‬
‫التراتبية عبر مرحلتين‪ :‬مرحلة "المراقبة المخففة" ومرحلة " المراقبة المخففة اإلضافية" وفق‬
‫الضوابط التي حددها المرسوم السالف الذكر‪.‬‬

‫ومن بين األهداف تطوير نظام المراقبة المالية القبلية‪ ،‬باإلضافة إلى تخفيف المراقبة‬
‫القبلية وتعزيز المراقبة البعدية‪ ،‬نذكر مايلي‪:‬‬

‫‪ ‬تعزيز القدرة التدبيرية لدى اآلمر بالصرف؛‬


‫‪ ‬إشاعة ثقافة النجاعة والكفاءة في تدبير النفقات العمومية؛‬
‫‪ ‬إدراج مراقبة المطابقة والمشروعية ضمن مهام اآلمر بالصرف؛‬
‫‪ ‬توسيع نطاق مسئولية اآلمر بالصرف في تدبير المالية العامة؛‬
‫‪ ‬مالءمة نظام المراقبة مع الكفاءة والقدرة التدبيرية للمصالح اإلدارية؛‬
‫‪ ‬تأهيل المدبرين العموميين عبر نظام تقييم تقوم به مصالح و ازرة المالية بتعاون مع‬
‫المصالح التدبيرية؛‬
‫‪ ‬تعزيز الرقابة الداخلية والتدقيق الداخلي؛‬

‫‪1‬‬
‫المرسوم رقم ‪ 1.11.51‬الصادر في ‪ 30‬من محرم ‪ 31( 3011‬فبراير ‪ )1111‬يقضي بإلحاق المراقبة العامة لاللتزام بنفقات الدولة إلى الخزينة‬
‫العامة للمملكة وبتحويل اختصاصات المراقب العام لاللتزام بنفقات الدولة إلى الخازن العام للمملكة‬
‫‪2‬‬
‫المرسوم رقم ‪ 1.1.3115‬بتاريخ ‪ 0‬نونبر ‪ 1119‬المتعلق بمراقبة نفقات الدولة‬

‫‪407‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪ ‬إناطة المحاسب العمومي بدور جديد يتمثل في تقديم مهام االستشارة والدعم‬
‫والمواكبة لفائدة المدبرين العموميين‪.‬‬

‫وما تجدر مالحظته بخصوص هذه المستجدات‪ ،‬أن االتجاه الحالي صار يصب أكثر‬
‫نحو تطوير آليات المراقبة من خالل االعتماد أكثر على الرقابة بواسطة المخاطر والرقابة‬
‫االنتقائية عبر تعزيز الرقابة الداخلية‪ .‬كما أحدثت هذه المستجدات تغيي ار في األدوار الموكولة‬
‫ألجهزة المراقبة واألجهزة التدبيرية وأرست ثقافة جديدة ترتكز على مبدأي الشراكة والتعاون‬
‫بين هذه األجهزة‪ ،‬مما سيؤدي إلى مزيد من التقارب والتداخل في المهام وبالتالي سيحتم‬
‫تطوير ومالءمة نظام مسئولية هذه األجهزة أمام القضاء المالي‪.‬‬

‫‪ -1‬التدلير الرامي والمعلوماتي للعمليات الميزانياتية والمحاسبية‬


‫يقتضي تطوير أنظمة المراقبة والمحاسبة تطوير األنظمة المعلوماتية المرتبطة‬
‫بها‪ .‬ولهذا‪ ،‬فقد انخرط المغرب منذ بداية القرن ‪ 13‬في إحداث تطبيقات معلوماتية متطورة‬
‫من أجل التدبير المندمج للميزانية والعمليات المالية المرتبطة بها‪ .‬فمنذ سنة ‪ ،1131‬أطلقت‬
‫مصالح الخزينة برنامجا معلوماتيا طموحا يسمى نظام التدبير المندمج للنفقات ‪la gestion‬‬
‫‪ intégrée de la dépense‬لتجاوز التدبير الكالسيكي للعمليات المالية وتعزيز مبادئ‬
‫الشفافية والحكامة الجيدة التي تعتبر كذلك من بين أهداف التدبير الحديث المرتكز على‬
‫الكفاءة والنتائج‪.‬‬

‫ويعنى هذا البرنامج المعلوماتي بوضع نظام تشبيك معلوماتي يربط بين مختلف‬
‫المتدخلين في تنفيذ الميزانية خاصة المصالح اآلمرة بالصرف والمصالح المالية مما يعزز‬
‫إطار التشارك ويقوي مستوى المراقبة والتقويم الميزانياتي‪ ،‬وذلك من خالل‪:‬‬

‫‪ ‬تسريع معالجة العمليات المتعلقة بالنفقات؛‬


‫‪ ‬ترشيد وتبسيط المساطر واإلجراءات المرتبطة بالنفقات عبر توحيد جهة إدخال‬
‫المعلومات (‪ )Saisie unique‬وإيصالها إلى الجهات المعنية؛‬
‫‪ ‬العمل على التقارب واالتساق بين مختلف المحاسبات (محاسبة المحاسب‬
‫ومحاسبة اآلمر بالصرف)؛‬

‫‪408‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪ ‬تسريع إعداد قوانين التصفية والمؤشرات المرتبطة بتنفيذ الميزانية‪.‬‬

‫في نفس اإلطار‪ ،‬ومن أجل استكمال ورش إصالح النظام المعلوماتي لتدبير تنفيذ‬
‫العمليات المالية‪ ،‬أتبعت مصالح الخزينة العامة في ‪ 1135‬منظومة (‪ )GID‬بنظام آخر‬
‫خاص بالتدبير المندمج للموارد تحت مسمى (‪ ،)GIR‬وهو نظام مشترك بين جميع الشركاء‬
‫المتدخلين في عمليات الموارد‪ .‬وكما هو الشأن بالنسبة للنظام المندمج لتدبير النفقات‪ ،‬يسمح‬
‫هذا النظام بتبسيط مساطر تنفيذ الموارد من خالل إحداث تشبيك بين جميع الجهات المعنية‪،‬‬
‫كما أنه سيمكن من دمج الحسابات الميزانياتية الصادرة عن هذه الجهات‪.‬‬

‫وإلى جانب هذه التطبيقات المعلوماتية‪ ،‬سيطرح إدخال المحاسبة القائمة على إثبات‬
‫الحقوق والواجبات موضوع حتمية تعزيزها بنظام معلوماتي متطور على غرار ما هو معمول‬
‫به في المقاوالت الخاصة‪ .‬كما أن اعتماد هذا النظام المعلوماتي سيفرض التفكير في ربطه‬
‫وتشبيكه مع األنظمة المعلوماتية المعمول بها في أفق إدماجها في منظومة مندمجة وموحدة‬
‫تجتمع في إطارها جميع الحسابات‪ ،‬وبالتالي تشكل إطا ار ميزانياتيا ومحاسباتيا واحدا لمسك‬
‫حسابات الدولة يستجيب بشكل فعال لمتطلبات النظام المالي الجديد المرتكز على النجاعة‬
‫والكفاءة‪.‬‬

‫ومما ال شك فيه‪ ،‬فإن استعمال التكنولوجيا المعلوماتية في مسك الحسابات العمومية‬


‫ستكون له انعكاسات من شأنها أن تقود إلى مراجعة المساطر والقواعد التي تنظم العالقات‬
‫التي تربط بين مختلف المتدخلين في العمليات المالية (اآلمر بالصرف والمحاسب‬
‫العمومي)‪ ،‬مما قد يستلزم إعادة النظر في األدوار والمهام الموكولة إليهم وبالنتيجة إعادة‬
‫تحديد نطاق مسئولياتهم ومالءمته مع الواقع الجديد‪.‬‬

‫وخالصة لما سبق‪ ،‬يمكن القول أن التغييرات التي طرأت على القانون العام المالي في‬
‫شقيه الميزانياتي والمحاسباتي ستكون لها تداعيات واضحة سواء على مستوى أنظمة المراقبة‬
‫أو على الصيغة التقليدية للمبدأ الكالسيكي المتمثل في الفصل بين مهام اآلمر بالصرف‬
‫والمحاسب‪ ،‬بحيث سيؤدي إلى تداخل وإعادة توزيع المهام الموكلة إليهم‪ ،‬وهو ما سيفضي‬
‫بالنتيجة إلى التأثير على أركان وشروط ونطاق المسؤولية أمام القضاء المالي‪ .‬مما يستوجب‬

‫‪409‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫التفكير في تحديث وتطوير نظام جديد المسؤولية المالية على نحو يجعله متماشيا مع هذه‬
‫التطورات‪.‬‬

‫ثانيا – نحو وضع أسس نظام مواز لنظام المسؤولية القضائية‪ :‬نظام‬
‫المسؤولية التدليرية‬

‫يعتبر نظام المسؤولية أمام المحاكم المالية بالمغرب في شكله الحالي نتيجة وانعكاسا‬
‫منطقيا لمفهوم التدبير المالي العمومي الكالسيكي القائم على احترام القواعد والمساطر‬
‫القانونية‪ .‬فمقابل خضوع التدبير العمومي لمجموعة من القواعد والمساطر تترتب عنها‬
‫واجبات تدبيرية على عاتق المدبرين العموميين‪ ،‬كان البد من وضع نظام للمساءلة عن خرق‬
‫هذه القواعد والمساطر‪ ،‬وقد أوكلت مهمة المساءلة والمحاسبة هذه إلى جهة مستقلة تتمثل في‬
‫القاضي المالي‪ .‬من هنا يتبين أن الغاية من نظام المسؤولية المالية هو ضمان التقيد بالقواعد‬
‫والمساطر التي تحمي المال العام‪.‬‬

‫ومعلوم أن نظام المسؤولية الحالي يرتكز على مبدأ الفصل بين المحاسب العمومي‬
‫واآلمر بالصرف أي بين جهة يعهد إليها باتخاذ القرار فيما يتعلق بتنفيذ العمليات المالية‬
‫وجهة يعهد إليها بصرف أو قبض المبالغ المتأتية من هذه العمليات‪ ،‬والذين صنفهم الفقيه‬
‫‪" Florent Gaullier-Camus‬المنفذون الماليون الشكليون ‪"exécutants financiers‬‬
‫(الجهات الموكول إليها التنفيذ الشكلي للعمليات المالية)‪.1‬‬

‫هذا التمييز بين الجهات المتدخلة في تنفيذ العمليات المالية يجعل نظام المسؤولية‬
‫المالية الحالي ذا طبيعة خاصة مقارنة مع األنظمة األخرى الشائعة في القانون العادي‪ ،‬إذ‬
‫يعهد البت فيها إلى محكمة ذات طبيعة خاصة ووفق مساطر خاصة تفضي إلى عقوبات‬
‫خاصة‪ .‬من جهة أخرى‪ ،‬فإن هذا النظام (نظام المسؤولية المالية) يشمل مختلف المتدخلين‬
‫في سلسلة تنفيذ العمليات المالية والذي وضع له المشرع إطا ار خاصا به بموجب القانون‬

‫‪1‬‬
‫‪Florent GAULLIER-CAMUS, la responsabilité financière des gestionnaires publics, LGDJ Lextension, Paris,‬‬
‫‪2019, P 25.‬‬

‫‪410‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪ 113.33‬بشأن مسؤولية اآلمرين بالصرف والمراقبين والمحاسبين العموميين الذي حدد هذه‬
‫المسؤولية حسب مجال تدخلهم في تنفيذ العمليات المالية‪.‬‬

‫أ أ نظرة مقتضبة حول النظام الحالي للمسؤولية المالية القضائية‬

‫في إطار تدخالت القاضي المالي في مجال المسؤولية المالية للمدبرين العموميين‪،‬‬
‫يمكن التمييز بين نوعين من االختصاصات‪ :‬هناك من جهة االختصاصات المتعلقة بالتدقيق‬
‫والبت في الحسابات (‪ )3‬ومن جهة أخرى تلك المتعلقة بالتأديب المتعلق بالميزانية والشؤون‬
‫المالية (‪.)1‬‬

‫‪ 3‬أأ التدايق والبت في الحسابات (المواد من ‪ 22‬إلى ‪ 24‬من مدونة‬


‫المحاكم المالية)‬

‫ينعقد هذا االختصاص بالنسبة إلى األجهزة العمومية التي تتوفر على محاسب‬
‫عمومي‪ .‬ويتفرع عن هذا االختصاص شق فرعي تمتد فيه والية القاضي المالي إلى كل‬
‫شخص مارس مهمة محاسب بحكم الواقع‪ .‬ويعتبر اإلدالء بالحساب إلى القاضي المالي من‬
‫طرف المحاسب العمومي بحكم القانون أو المحاسب العمومي بحكم الواقع أم ار إلزاميا‪ ،‬ألن‬
‫ذلك يشكل أساس اختصاص القاضي المالي ومنطلق المراقبة الشاملة‪.2‬‬

‫ويقصد بالحساب موضوع اإلدالء من طرف المحاسب العمومي‪ ،‬حسب أحكام المادة‬
‫كما‬ ‫‪3‬‬
‫‪ 15‬من مدونة المحاكم المالية‪ ،‬حساب الجهاز العام وليس حساب المحاسب العمومي‬
‫كان منصوصا عليه في القانون رقم ‪ 31.13‬الذي نسخ بموجب القانون رقم ‪.11.33‬‬

‫ويجمع اختصاص التدقيق والبت في الحسابات بين الوظيفتين الرقابية والقضائية‪ ،‬إذ‬
‫تنصب مراقبة القاضي المالي على أعمال المراقبة التي على المحاسب العمومي القيام بها‬

‫القانون ‪ 13.33‬المتعلق بتحديد مسؤولية اآلمرين بالصرف والمراقبين والمحاسبين العموميين الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪3.11.15‬‬ ‫‪1‬‬

‫بتاريخ ‪ 1‬ابريل ‪.1111‬‬


‫‪2‬‬
‫ابراهيم بن به‪ ،‬م‪.‬س‪.‬ذ‪ ،‬ص ‪.03‬‬
‫القانون ‪ 31.13‬المتعلق بالمجلس األعلى للحسابات والصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 3.13.315‬بتاريخ ‪ 30‬شتنبر ‪.3313‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪411‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وفقا للقوانين واألنظمة المعمول بها‪ ،‬والتي تتعلق باألساس بأداء النفقات وتحصيل الديون‬
‫العمومية‪.‬‬

‫ونظ ار الرتباطه باألموال العمومية وبوظيفة المحاسب العمومي‪ ،‬يندرج اختصاص‬


‫القاضي المالي في مجال البت والتدقيق في الحسابات في إطار النظام العام‪ ،‬ويترتب عن‬
‫هذه الصفة مجموعة من اآلثار القانونية‪:‬‬

‫‪ ‬إلزامية اإلدالء بالحساب من طرف المحاسب العمومي أو كل شخص تدخل في مهام‬


‫المحاسب العمومي دون أن يكون مؤهال لذلك؛‬
‫‪ ‬إلزامية مراقبة جميع العمليات المرتبطة بالحساب من طرف القاضي المالي الذي‬
‫يتعين عليه رصد تلقائيا االختالالت التي تشوب هذه الحسابات‪ ،‬لكون عملية اإلدالء‬
‫بالحساب ال تنشأ عن نزاع بين المحاسب والجهاز المعني‪1‬؛‬
‫‪ ‬إلزامية التصريح بالتسيير بحكم الواقع من طرف القاضي المالي متى اكتشف‬
‫العناصر المكونة لذلك؛‬
‫‪ ‬إلزامية تنفيذ األحكام والق اررات القاضية بالعجز ‪ débet‬في حق المحاسب (سواء‬
‫باألداء أو اإلدالء بقرار إبراء الذمة)‪.‬‬

‫في هذا اإلطار‪ ،‬يجدر التذكير بأن عمل القاضي المالي‪ ،‬في مجال التدقيق والبت في‬
‫الحسابات‪ ،‬ينصب على العناصر المادية للحساب وليس على شخص المحاسب‪ ،‬وذلك‬
‫عمال بالمبدأ العام ‪ " :‬يبت القاضي في الحساب وال يقاضي المحاسب"‪ ،2‬ألن الغاية من‬
‫ممارسة هذا االختصاص تسوية الحساب ومراقبة مشروعيته المالية وليس معاقبة المحاسب‪.3‬‬

‫فحماية المال العام من خالل احترام القواعد المحاسبية التي تنظم التصرف في هذا‬
‫المال ترتبت عنها مسؤولية شخصية ومالية تجاه المحاسب العمومي‪ ،‬حيث يتولى هذا‬

‫‪1‬‬
‫‪Les grands arrêts de la jurisprudence financière, Dalloz, 20 ème édition, P 20.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Traduction de la célèbre formule du commissaire du gouvernement J. Romieu, « la cour des comptes, elle‬‬
‫‪ne juge pas les comptables », (inspirée de Laferrière) utilisée dans ses conclusions l’arrêt Nicolle, TGP de la‬‬
‫‪Corse, CE, 12 juillet 1907, Rec, P 656.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Bureau Aide et conseil aux EPLE, Académie d’Aix-Marseille, constatation de la responsabilité personnelle et‬‬
‫‪pécuniaire des comptables publics, décembre 2015, P 38.‬‬

‫‪412‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫األخير في إطار النظام المالي الكالسيكي ضمان احترام تنفيذ القواعد الميزانياتية والمحاسبية‬
‫وحسن التصرف ف ي األموال العمومية‪ ،‬من خالل التأكد من شرعية العمليات المرتبطة‬
‫بالنفقات والموارد الصادرة عن اآلمر بالصرف‪ ،‬وذلك قبل التكفل بها في حساباته وأداؤها‬
‫وتحصيلها‪ ،‬فضال عن مهمة الحفاظ على األموال والقيم الموجودة تحت يده‪.1‬‬

‫وباعتبار مسؤولية المحاسب العمومي مظه ار أساسيا لحماية المال العام وضمانا‬
‫لمشروعية التدبير العمومي‪ ،2‬فهي تكتسي طابعا شخصيا وماليا‪ :‬هي‪ ،‬أوال‪ ،‬مسؤولية‬
‫شخصية لكونها مرتبطة بالتزام فردي وشخصي لكل محاسب‪ ،‬وليس باعتبار المحاسب‬
‫كوظيفة (‪ ،3)es-qualité‬كما أنها‪ ،‬ثانيا‪ ،‬مسؤولية مالية ألن المحاسب ملزم بسد العجز‬
‫الحاصل نتيجة إخالله بواجباته الرقابية من ماله الخاص‪.‬‬

‫من جهة أخرى‪ ،‬فإن المسؤولية المالية والشخصية التي يخضع لها المحاسب العمومي‬
‫في هذا اإلطار هي مسؤولية موضوعية تثار دونما حاجة إلى إثبات الخطأ‪ .‬صفة‬
‫الموضوعية هاته تتفرع عن القاعدة المذكورة أعاله والتي تفيد بأن موضوع البت والتدقيق‬
‫الذي يمارسه القاضي المالي ليس المحاسب وإنما الحساب‪ .‬فهذه المسؤولية ال تقوم على‬
‫إثبات خطأ المحاسب وإنما على مبدأ الخطأ المفترض‪ ،‬ذلك أن القاضي المالي غير مؤهل‬
‫لتقييم سلوك المحاسب العمومي والظروف المحيطة بالمخالفات المرتكبة من قبل هذا‬
‫األخير‪ ،‬أوحدوث الضرر أو اإلثراء غير المشروع‪ ،4‬بل يكتفي بالبت في العناصر المادية‬
‫للحساب ومراقبة مدى قيام المحاسب باألعمال الرقابية الموكولة إليه واتخاذ اإلجراءات‬
‫الالزمة من أجل تنفيذ العمليات المالية المسندة إليه‪.‬‬

‫وبالتالي‪ ،‬ترتكز المسؤولية المفترضة والموضوعية للمحاسب العمومي من جهة‪ ،‬على‬


‫مالحظة وإثبات وقائع معينة (عدم استخالص دين ما‪ ،‬عدم أداء نفقة‪ ،‬عجز في‬

‫‪1‬‬
‫‪Membre de groupe de recherche sur la comptabilité publique de FONDAFIP, quel comptabilité pour les‬‬
‫‪comptables publics au XXIème siècles ?.Paris, juillet 2010, www.fondafip.org, P 6 (10/07/2020).‬‬
‫‪2‬‬
‫ابرهيم بن به‪ ،‬نظام مسؤولية المدبرين العموميين أمام القاضي المالي ـ دراسة قانونية وقضائية مقارنة‪ ،‬ص ‪.011‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Farhan Akhoun, op.cit., p 333‬‬
‫‪4‬‬
‫‪M. LACOMB et X. VANDERDIRESSCHE, sur le caractère objectif du contrôle exercé par le juge des‬‬
‫‪comptes, la Revue du Trésor, n° 10 janvier 2003, P 95.‬‬

‫‪413‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الصندوق‪ ،)...‬ومن جهة أخرى على التقدير القانوني لهذه الوقائع (صحة الدين‪.1)...‬‬
‫بمعنى آخر‪ ،‬في إطار مسؤولية المحاسب العمومي‪ ،‬يتم االكتفاء فقط برصد وإثبات وجود‬
‫إخالل من قبل المحاسب العمومي في القيام بأعمال المراقبة الموكولة إليه أو مالحظة‬
‫تقصيره في اتخاذ اإلجراءات التي يتعين عليه اتخاذها إلثارة مسئوليته المالية والشخصية‪.‬‬

‫وال بد من اإلشارة في هذا الصدد إلى أن القاضي المالي يمارس اختصاص البت‬
‫والتدقيق في الحسابات من خالل مسطرة خاصة وفريدة تتميز بعدة خصائص منها أنها‬
‫مسطرة كتابية وسرية وكذلك تواجهية وتثار تلقائيا بموجب القانون‪ ،‬وتستمد روحها من طبيعة‬
‫الوظيفة المنوطة بالمحاسب العمومي ومن طبيعة المسؤولية الملقاة على عاتقه‪ .‬كما أنها‬
‫مستمدة من طبيعة القواعد واألموال المراد حمايتها‪ ،‬وكذلك من الطابع القضائي للمراقبة التي‬
‫تخضع لها الحسابات العمومية‪.2‬‬

‫‪ 2‬أ التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‬


‫إلى جانب التدقيق والبت في الحسابات‪ ،‬أناط المشرع المغربي المجلس األعلى‬
‫للحسابات باختصاص قضائي ثان يتعلق بالتأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬والذي‬
‫ارتبط تاريخيا في نشأته بتحقيق التوازن بين مسؤولية اآلمر بالصرف ومسؤولية المحاسب‬
‫العمومي أمام القاضي المالي‪ .3‬فإذا كانت مادة التدقيق والبت في الحسابات موجهة حصريا‬
‫إلى المحاسب العمومي‪ ،‬فإن هذا االختصاص الثاني موجه إلى اآلمر بالصرف والمدبر‬
‫العمومي‪ 4‬بصفة عامة قصد مساءلته عن األخطاء في التدبير‪.‬‬

‫وقد استلهم المشرع المغربي هذا االختصاص من القضاء الفرنسي الذي شهد إحداث‬
‫أول محكمة مالية مستقلة ومختصة في هذا الميدان بموجب القانون رقم ‪ 09.3090‬بتاريخ‬
‫‪ ،3309‬وذلك بهدف تمكين القاضي المالي من بسط واليته على المدبرين العموميين‬
‫ومساءلتهم عن حاالت خرق القواعد والمساطر المؤطرة للمالية العامة‪ ،‬وذلك لسد الفراغ الذي‬

‫‪1‬‬
‫‪A. Maucour ISABELLA, la modernisation de la responsabilité des ordonnateurs et des comptables publics à‬‬
‫‪l’entrée de la nouvelle ère budgétaire et comptable, RFDA, mars-avril 2006, P 394.‬‬
‫‪2‬‬
‫ابراهيم بن به‪ ،‬م‪.‬س‪.‬ذ‪ ،‬ص ‪.191‬‬
‫‪3‬‬
‫ابراهيم بن به‪ ،‬م‪.‬س‪.‬ذ‪ ،‬ص ‪.01‬‬
‫باستثناء األشخاص الموكولة إليهم بالصفة مهام و ازرة أو برلمانية بموجب المادتين ‪ 0‬من القانون رقم ‪ 13.33‬و‪ 51‬من القانون ‪.11.33‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪414‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫كانت تشكو منه المنظومة القانونية والقضائية في هذا المجال‪ ،‬والتي كانت أنظمة المسؤولية‬
‫الكالسيكية اإلدارية والجنائية والسياسية غير كافية لسده‪.1‬‬

‫وباإلضافة إلى مقتضيات الدستور (الفصل ‪ ،)301‬تجد المسئولية المالية في ميدان‬


‫التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية أساسها القانوني في القانون رقم ‪ 13.33‬المتعلق‬
‫بمسؤولية اآلمرين بالصرف والمراقبين والمحاسبين العموميين والقانون رقم ‪ 11.33‬المتعلق‬
‫بمدونة المحاكم المالية خاصة المواد من ‪ 53‬إلى ‪ ،13‬حيث أن مبدأ المساءلة في ظل هذين‬
‫القانونين المذكورين يقوم على المعاقبة على كل مخالفة مرتبطة بتنفيذ النفقات والموارد‬
‫وبالحفاظ على الممتلكات‪.‬‬

‫وينصب االهتمام باألساس في إطار هذا االختصاص على احترام المشروعية‬


‫الموضوعية للعمليات المالية‪ 2‬دون مراعاة لعنصري الضرر والنية في قيام المخالفات‬
‫المستوجبة للمسؤولية التي تتسم بهيمنة للمخالفات الشكلية المرتبطة باإلخالل بالقواعد الشكلية‬
‫المكونة للمنظومة القانونية ذات الصلة بالمحاسبة العمومية والنظام المالي والميزانياتي‬
‫العمومي‪ ،‬أي قواعد مكتوبة‪ 3‬محددة سلفا في القوانين واألنظمة المعمول بها‪ .‬وعلى هذا‬
‫األساس‪ ،‬فإن المساءلة في إطار هذا االختصاص ال تمتد إلى كيفية تدبير األجهزة العمومية‬
‫أو إلى سوء التدبير‪ 4‬أو إلى األخطاء التدبيرية البسيطة‪. 5‬‬

‫وعلى عكس مادة البت والتدقيق في الحسابات الذي يعتبر اختصاصا مختلطا يجمع‬
‫بين الشقين الرقابي والقضائي‪ ،‬وتكون المنازعة في إطاره تلقائية بحكم القانون أو القضاء‪،‬‬
‫يعتبر التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية اختصاصا قضائيا صرفا يباشر على إثر‬

‫‪1‬‬
‫‪M.BAZEX, quel régime de responsabilité pour les gestionnaires publics ? l’évolution des juridictions‬‬
‫‪financiers, colloque de 1er et 2 décembre 2011, P 79.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ibidem, p. 79‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Nicolas GROPER, la responsabilité des gestionnaires publics devant le juge financier, Dalloz, Paris 2009, P‬‬
‫‪169.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪J. CHARRIER, Rep cont adm, Dalloz 2005, P 13.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Nicolas GROPER, la responsabilité des gestionnaires publics devant le juge financier, Dalloz, Paris 2009, P‬‬
‫‪145.‬‬

‫‪415‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫تحريك الدعوى من طرف النيابة العامة لدى المجلس سواء من تلقاء نفسها أو بناء على‬
‫طلب السلطات المؤهلة‪.‬‬

‫كما تشكل مادة التأديب المالي منظومة قضائية فريدة ذات طبيعة خاصة تستند إلى‬
‫قضاء مالي ذي طبيعة خاصة ويشتغل وفق مسطرة خاصة تفضي إلى عقوبة خاصة من‬
‫خالل فرض غرامات وعند االقتضاء الحكم بإرجاع األموال كعقوبة تكميلية في حالة ثبوت‬
‫خسارة بسبب المخالفات المرتكبة ‪ ،1‬األمر الذي يضفي على هذا النظام طابعا‬
‫مختلطا(الزجري والتعويضي) جعل بعض الفقهاء يصنفه ضمن األنظمة شبه الجنائية‬
‫أوأنظمة بصباغة جنائية‪.2‬‬

‫ولئن كان نظام المسؤولية أمام القاضي المالي في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية‬
‫والشؤون ا لمالية يروم المساءلة عن المخالفات المالية‪ ،‬فهذا ليس معناه أن القواعد موضوع‬
‫هذه المخالفات كلها ذات طبيعة مالية‪ ،3‬وإنما لكون تلك القواعد تؤمن وتضمن حماية المال‬
‫العام وبشكل عام حماية ثروة األجهزة العمومية‪ .4‬بعبارة أخرى‪ ،‬تتجلى غاية نظام المسؤولية‬
‫في ميدان الت أديب المالي في حماية القواعد التي تؤطر التدبير العمومي وتؤمن حماية المال‬
‫العام‪ .5‬وعلى هذا األساس‪ ،‬يمكن القول بأن التأديب المالي ينصب على المنظومة المالية‬
‫والميزانياتية وليس على األشخاص‪.‬‬

‫وتبعا لذلك‪ ،‬يتضح أن التأديب المالي ال يختلف كثي ار عن مادة البت والتدقيق في‬
‫الحسابات سواء من حيث األهداف‪ ،‬والتي تتمثل في تسوية الحسابات وتحقيق االنضباط في‬
‫إطار المنظومة المالية والميزانياتية من خالل المساءلة عن اإلخالل بالقواعد والمساطر‬
‫المؤطرة للمال العام‪ ،‬أو من حيث ارتباطهما بفلسفة التدبير المالي القائمة على احترام‬
‫المساطر واستعمال الوسائل والذي يلزم المدبر العمومي بالتقيد الصارم بالقواعد والمساطر‬
‫التي تنظم المالية العمومية والتأكد من سالمة العمليات المالية المنجزة‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫ابراهيم بن به‪ ،‬م‪.‬س‪.‬ذ‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Christophe PIERUCCI, une responsabilité à raison de la gestion publique : la responsabilité devant la cour‬‬
‫‪de discipline budgétaire et financière, thèse ,Strasbourg, 2003, p 303.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Mme Delmas MARTY et G. DLLAGE, droit pénal des affaires, PUF (themis), Paris, 4 ème éd 2000, p10.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Christophe PIERUCCI, op.cit., p 33.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Nicolas GROPER, la responsabilité des gestionnaires publics devant le juge financier, Dalloz, Paris 2009, p4.‬‬

‫‪416‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ب أأ نحو وضع أسس نظام المسؤولية التدليرية في مبال التدلير العمومي‬


‫يتجه العديد من المهتمين والباحثين نحو اعتبار نظام المسؤولية التدبيرية النظام األمثل‬
‫الذي بإمكانه التالؤم أكثر مع فلسفة التدبير المرتكز على النتائج‪ ،‬وبالتالي يمكنه أن يحل‬
‫محل النظام الحالي الذي يرتكز على المنطق القانوني الصرف‪ .‬فنظام المسؤولية التدبيرية‬
‫هو أوسع وأشمل من نظام المسؤولية الكالسيكي الذي يرتكز أكثر على الخطأ الشخصي‬
‫والفردي وعلى مفهوم الشخص المخالف "المذنب" وليس الشخص المسؤول عن العمل‬
‫والنشاط الجماعي‪.1‬‬

‫قبل الحديث عن دور المجلس األعلى للحسابات ونطاق تدخله في إعمال المسؤولية‬
‫التدبيرية‪ ،‬سنتطرق أوال إلى تحديد مفهوم هذه المسؤولية‪.‬‬

‫‪ -3‬مفهوم المسؤولية التدليرية‬


‫يستمد نظام المسؤولية الذي أدخله القانون التنظيمي لقانون المالية الجديد روحه‬
‫ومبادئه من نظام المسؤولية التدبيرية المعتمد في إطار تسيير المقاوالت الخاصة‪ .‬هذا النظام‬
‫(نظام المسؤولية التدبيرية) يمكن تعريفه بأنه ‪ " :‬مجموع األعمال والمهام التي يتحمل المدبر‬
‫مسؤوليتها ويقدم الحساب على نتائج هذه األعمال والمهام [‪ ]...‬فعمل المدبر ينصرف إلى‬
‫اتخاذ المبادرة ‪ :‬فهو مسؤول عن قسم محدد من المهام [‪ ]...‬وأن دوره الرئيس هو البحث‬
‫عن الكيفية المثلى لتحسين أداء هذا القسم "‪.2‬‬

‫إن ما يميز المسؤولية التدبيرية هو بساطتها من حيث التحديد‪ ،‬فهي تقوم على تجميع‬
‫األهداف والوسائل (اعتمادات مالية) في يد مسؤول واحد مع منحه حرية التصرف في األداء‬
‫مقابل تحمل عواقب ونتائج تصرفه سواء في حالة النجاح أو الفشل‪ .3‬وبشكل مبسط‪ ،‬فإن‬

‫‪1‬‬
‫‪André BARILRI, vers la réforme de la responsabilité des gestionnaires publics, AJDA, 4 avril 2005, P 698.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Rapport/cour de la compte , la mise en œuvre de la loi organique relative aux lois de finances « Bilan pour‬‬
‫‪de nouvelles perspectives », nov 2011.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪A. BARILARI, Opcit, P 698.‬‬

‫‪417‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المسؤولية التدبيرية تعني الحصول على هامش من الحرية في التدبير في مقابل تحمل‬
‫عواقب النتائج المحصلة‪.1‬‬

‫من جهة أخرى‪ ،‬فإن المسؤولية التدبيرية تتميز بكونها نظاما يقوم على مبدأ "العصا‬
‫والجزرة" الذي يستعمل فيه في آن واحد الحوافز والجزاءات وذلك حسب النتائج المحققة‪.2‬‬

‫وفي الواقع‪ ،‬فإن المسؤولية التدبيرية‪ ،‬كنظام يتحمل فيه الشخص عواقب ق ارراته‪ ،‬ليس‬
‫بمفهوم جديد‪ ،‬فرئيس مصلحة أو مدير إداري‪ ،‬في إطار منطق التدبير اإلداري القائم على‬
‫الوسائل كان يحاسب على نتائج ق ارراته‪ .‬لكن العنصر المهم في نظام المسؤولية التدبيرية في‬
‫شكله الجديد الذي يتجلى في الربط المباشر بين النتائج المحققة من طرف المدبر وعناصر‬
‫دخله‪.3‬‬

‫في هذا اإلطار‪ ،‬يتعين التمييز بين المسؤولية التدبيرية وعدد من المفاهيم المرتبطة‬
‫بوضعية المدبر العمومي كالدرجة والرتبة والموقع في السلم اإلداري أو االنتماء الوظيفي‬
‫(مصالح مركزية أو خارجية) أو الوضعية الهرمية‪ .‬فالمسؤولية التدبيرية تتحقق انطالقا من‬
‫تحديد مستويات ووضعيات إدارية تنطوي على وجود توازن بين عنصرين أساسين‪ :‬الحرية‬
‫والمساءلة" بعبارة أوضح قيام المسؤولية التدبيرية رهين بتوافر شرطين رئيسين‪ :‬من جهة‬
‫االلتزام بتحقيق أهداف محددة وفق مؤشرات قابلة للقياس اعتمادا على الوسائل المادية‬
‫والبشرية المتاحة ومن جهة ثانية توسيع هامش حرية المدبر العمومي‪.4‬‬

‫من هذا المنطلق‪ ،‬يتمحور منطق المسؤولية التدبيرية وفقا للقانون التنظيمي لقانون‬
‫المالية الجديد حول ثالثة مستويات‪ ،‬وذلك حسب تسلسل تنفيذ السياسات والبرامج العمومية‬
‫التي تتفرع إلى مشاريع وعمليات (المسؤول عن البرنامج والمسؤول عن المشروع والمسؤول‬
‫عن العملية)‪ .‬كما أن هيكلة المسؤولية وفقا لهذا التقسيم يمكن أن تكون بشكل تراتبي‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Damien CATTEAU, la LOLF et la modernisation de la gestion publique, P 245.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪N. GROPER, responsabilité des gestionnaires publiques, P 13.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Damien CATTAEU, Opcit, P 245.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪A. BARILARI, Opcit, P 698.‬‬

‫‪418‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫مسؤول العمليات يقدم الحساب لمسؤول المشروع‪ ،‬وهذا األخير يقدم الحساب لمسؤول‬
‫البرنامج الذي يقدم بدوره الحساب للسلطة السياسية التي يتبعها‪.‬‬

‫وإذا ك ان تقييم المسؤولية التدبيرية في القطاع الخاص يعتبر شأنا داخليا وسهل التحقيق‬
‫بحيث ال يتجاوز الهياكل التدبيرية للمقاولة‪ ،‬فإن تقدير المسؤولية التدبيرية وتقييمها في‬
‫القطاع العام من داخل اإلدارة يبقى محدودا لكون تصرف المدبرين العموميين ينعقد‬
‫بخصوص سياسات عمومية يترتب عنها إنفاق أموال عمومية تعود ملكيتها إلى الملزمين‬
‫بالضريبة والمواطنين وليس إلى األجهزة الحكومية المعنية‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬فإن تقييم هذه لمسؤولية‬
‫يعتبر شأنا عاما يهم األجهزة اإلدارية واألجهزة التداولية‪ ،‬وكذا المواطنين‪ .‬وعليه‪ ،‬فإلى جانب‬
‫التقييم الداخلي للمسؤولية التدبيرية‪ ،‬يستلزم وضع تقييم خارجي يوكل إلى جهة مستقلة تتوفر‬
‫على خبرة في تقييم التدبير العمومي والكيفية التي تشتغل بها الدوائر الحكومية والعمومية‪.‬‬

‫‪ -2‬مبدأ التصديق على الحسابات ‪la certification des comptes‬‬


‫‪ :‬كبسر لولوج مبال المسؤولية التدليرية‬

‫سعى المشرع المغربي من خالل القانون التنظيمي لقانون المالية إلى وضع ضمانة‬
‫إضافية لتعزيز جودة حسابات الدولة من خالل تكريس آلية رقابية جديدة توكل إلى جهة‬
‫خارجية تتمثل في المجلس األعلى للحسابات‪ .‬يتعلق األمر بمبدأ التصديق على الحسابات‬
‫الذي ورد النص عليه في المادة ‪ 13‬من القانون التنظيمي الجديد للمالية‪ " :‬يقوم المجلس‬
‫األعلى للحسابات بالتصديق على مطابقة حسابات الدولة للقانون وصدقيتها"‪.‬‬

‫ويعتبر مبدأ التصديق على الحسابات من أهم مستجدات القانون التنظيمي لقانون‬
‫المالية‪ .‬وستكون لهذا المبدأ انعكاس على اختصاصات المجلس األعلى للحسابات بشكل‬
‫عام وعلى نظام المراقبة ومسئولية المدبرين العموميين على وجه الخصوص‪ ،‬إذ سيترتب عن‬
‫هذا المبدأ الجديد‪ ،‬ليس فقط توسيع نطاق االختصاصات غير القضائية للمجلس األعلى‬
‫للحسابات‪ ،‬وإنما سيسهم أيضا في تحديث النظام المحاسبي العمومي وإرساء قواعد‬
‫الممارسات الجيدة (الف ضلى) للتدبير إضافة إلى تحقيق حكامة جيدة للمالية العمومية من‬
‫خالل ضمان موثوقية وصحة المعلومات المرتبطة بالعمليات المالية‪.‬‬

‫‪419‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫في هذا اإلطار‪ ،‬تجدر اإلشارة إلى أن عملية التصديق على الحسابات تستمد مفهومها‬
‫وقواعدها وإجراءاتها مما هو معمول به في القطاع الخاص‪ ،‬وبخاصة من عمليات المراجعة‬
‫والمصادقة التي يقوم بها الخبير المحاسباتي للمقاوالت الخاصة‪ .‬وعلى مستوى الدولة‪ ،‬فإن‬
‫هذه العملية سيضطلع بها المجلس األعلى للحسابات في إطار مهامه غير القضائية من‬
‫خالل إبداء رأيه في مدى احترام حسابات الدولة لمبادئ الصدقية والمطابقة والجودة‪ ،‬وفيما‬
‫إذا كانت تلك الحسابات تعكس صورة صادقة لثروة الدولة ووضعيتها المالية‪.‬‬

‫بيد أن التشريع المالي سواء في فرنسا أو في المغرب خال من أي تعريف لمبدأ‬


‫التصديق على الحسابات‪ .‬وهي المهمة التي سيتكفل بها القاضي المالي الفرنسي (محكمة‬
‫الحسابات بفرنسا)‪ ،‬حينما عرف عملية التصديق على الحسابات بأنها‪ " :‬إبداء رأي كتابي‬
‫ومعلل من طرف جهاز مستقل حول مدى مطابقة الوضعيات المالية لجهاز معين‪ ،‬استنادا‬
‫إلى جميع جوانبه الهامة‪ ،‬لمجموعة معينة من القواعد المحاسبية "‪.1‬‬

‫وعلى هذا األساس‪ ،‬يمكن القول بأن اختصاص التصديق على الحسابات ينضاف إلى‬
‫االختصاصات الموكولة إلى المجلس األعلى للحسابات خاصة تلك المتعلقة بالتقرير حول‬
‫تنفيذ قانون المالية والتصريح العام بالمطابقة بين الحسابات الفردية للمحاسبين العموميين‬
‫والحساب العام للمملكة المنصوص عليه في المادة ‪ 11‬من القانون التنظيمي للمالية‪.‬‬

‫وال بد هنا من التمييز بين مسطرة التصديق على حسابات الدولة التي تنصب على‬
‫المحاسبة القائمة على الحقوق والواجبات وبين التصريح العام بالمطابقة الذي يخص‬
‫المحاسبة العمومية القائمة على الصندوق والتي تعنى خصيصا بتنفيذ الميزانية وتستوجب‬
‫اإلدالء بحساب التسيير من طرف المحاسبين العموميين والحساب اإلداري من طرف‬
‫اآلمرين بالصرف في إطار هذه المحاسبة‪ .‬األكيد أن أهمية مسطرة التصريح بالمطابقة‬
‫تكمن في فحص مدى التطابق الشكلي بين الحسابات الصادرة عن نفس الشبكة اإلدارية‪،‬‬
‫لكنها‪ ،‬في مقابل ذلك‪ ،‬تظل قاصرة عن إثبات صدقية الحسابات‪.2‬‬

‫‪1‬تقرير التصديق على الحسابات الصادر عن محكمة الحسابات الفرنسية ‪.1111‬‬


‫‪2‬‬
‫‪B. HUBY, la certification des comptes de l’Etat, éd l’Harmattan, Paris 2007, P 145.‬‬

‫‪420‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وبالرغم من أهميتها في كونها أداة إخبار للبرلمان بحساب النتيجة السنوية‪ ،‬السيما على‬
‫مستوى تعزيز دوره الرقابي‪ ،‬فإن اعتماد المبادئ الجديدة للتدبير المحاسبي قد تقود مع مرور‬
‫الوقت إلى تجاوز مسطرة التصريح العام بالمطابقة المنصوص عليها في المادة ‪ 11‬من‬
‫القانون التنظيمي لقانون المالية التي لطالما كانت عرضة النتقادات شديدة من قبل طرف‬
‫الفقه الفرنسي لكونها عديمة الجدوى‪ .1‬وقد يتم االكتفاء فقط بمسطرة التصديق على‬
‫الحسابات على غرار ما تم العمل به في النظام المالي الفرنسي منذ ‪ ،1115‬بحيث حلت‬
‫مسطرة التصديق على الحسابات محل مسطرة التصريح العام بالمطابقة ‪.2‬‬

‫وتبعا لما سبق‪ ،‬فإن اعتماد مبدأ التصديق على الحسابات ستكون له حتما انعكاسات‬
‫على نظام المراقبة والمسئولية‪ ،‬السيما وأنه سيترتب عنه إرساء قواعد وحدود جديدة لهذا‬
‫النظام‪ ،‬وذلك عبر وضع إطار جديد للتقارب والشراكة بين المحاسب العمومي واآلمر‬
‫بالصرف‪ .‬وبالتالي‪ ،‬من شأن ممارسة هذا االختصاص توسيع دور ه في تقييم المسؤولية‬
‫التدبيرية‪ .‬فعلى غرار بعض التجارب الرائدة في مجال تقييم المسؤولية التدبيرية كما هو‬
‫الحال في ألمانيا والواليات المتحدة األمريكية والمحكمة المالية األوربية‪ ،3‬يمكن أن يلعب‬
‫المجلس األعلى للحسابات نفس الدور الذي يقوم به مراقب الحسابات لدى الشركات‬
‫والمقاوالت الخاصة‪ ،‬إذ إلى جانب التصديق على الحسابات‪ ،‬يمكن للمجلس أن يقوم بتقييم‬
‫نظام الرقابة الداخلية‪ ،‬بل أكثر من ذلك يمكنه اإلسهام في دراسة وضع معايير التدقيق‪،‬‬
‫وبالتالي القيام بدور استشاري وإخباري لألجهزة الحكومية المعنية‪ ،‬وكذا األجهزة البرلمانية‬
‫والتداولية‪.‬‬
‫‪ -1‬أي دور للمبلس األعلى للحسابات في مبال تقييم المسؤولية‬
‫التدليرية؟‬
‫باإلضافة إلى اختصاص التصديق على الحسابات‪ ،‬وفي إطار المساعدة التي يقدمها‬
‫للبرلمان والحكومة‪ ،‬يلعب المجلس األعلى للحسابات دو ار محوريا في تقييم المسؤولية‬

‫‪1‬‬
‫‪MUZELLEC Raymond, le rapport de la cour des comptes sur l’exécution des lors de finances, une‬‬
‫‪anticipation pour assurer la certification relative aux comptes : l’application de la lettre à la lettre, RFDA, 2004,‬‬
‫‪P2.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪D. Catteau, op.cit, P 456.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪S. FLIZOT, le contrôle des gestionnaires publics par la cour des comptes, vol 25, n° 4, 2007, P 151.‬‬

‫‪421‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫التدبيرية عبر االختصاصات غير القضائية‪ ،‬خاصة مراقبة التسيير في شقها المتعلق‬
‫بالتدقيق الموجه نحو تقييم الكفاءة ومستوى األداء‪ ،‬وكذا المساهمة في تقييم السياسات‬
‫والمشاريع العمومية‪.‬‬

‫فالمجلس‪ ،‬من خالل تقييم كيفية تدبير البرامج والمشاريع والعمليات‪ ،‬يمكنه إخبار‬
‫البرلمان والمواطن حول نجاعة وكفاءة تدبير هذه البرامج والمشاريع‪ ،1‬ومن ثم المساهمة في‬
‫تقييم المسؤولية التدبيرية للمدبرين العموميين‪ .‬كما يمكن للمجلس‪ ،‬ومن دون أن يتدخل في‬
‫تحديد األهداف أو مالءمة البرامج والمشاريع‪ ،‬أن يقوم بتقييم النتائج المحققة وفق مؤشرات‬
‫قابلة للقياس‪ .‬ومن خالل هذا التقييم‪ ،‬يتأكد من أن المؤشرات واألهداف قد تمت على أساس‬
‫علمي وتنطوي على أرقام صادقة‪ ،‬كما أن النتائج المحصلة هي نتائج حقيقية وال تعتريها أية‬
‫شائبة‪.‬‬

‫كما يمتد التقييم في هذا اإلطار إلى تحليل الفارق بين النتائج المحققة واألهداف‬
‫المسطرة والتحقق من األسباب والمسببات التي كانت وراء هذا الفارق‪ ،‬وبالتالي القيام بتحليل‬
‫موضوعي لهذا الفارق مما يمكن السلطات المختصة من القيام بتقييم موضوعي لمسؤولية‬
‫المدبرين العموميين عن اإلخفاق والنجاح وتحديد العالقة السببية بين هذا الفارق وتصرف‬
‫المدبر العمومي‪ .‬كما يمتد التقييم إلى تحليل ودراسة الترابط بين مختلف مستويات المسؤولية‬
‫للوقوف على مكامن الخلل الحقيقية التي تشوب سلم المسؤوليات التدبيرية وتحديد بدقة‬
‫المسؤول المباشر عن اإلخفاق‪.‬‬

‫إن إسهام المجلس األعلى للحسابات في تقييم المسؤولية التدبيرية يتم كذلك من خالل‬
‫مفهوم "حسن أو سوء التدبير" من طرف المسؤول المعني‪ :‬عدم دقة وصدقية التوقعات‬
‫وضعف الرقابة الداخلية وسوء تقدير المخاطر واتخاذ ق اررات طموحة ال تتناسب واألهداف‬
‫المسطرة والوسائل المادية والبشرية المتاحة‪ ،‬بحيث يمكن أن تشكل هذه األخطاء التدبيرية‬
‫مجاال للمساءلة في إطار المسؤولية التدبيرية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫إعماال لمبدأ عدم الحياد وعدم التدخل في اختيارات التسيير‪.‬‬

‫‪422‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫كذلك‪ ،‬من بين األدوار التي يمكن للمجلس األعلى االضطالع بها في مجال المسؤولية‬
‫التدبيرية‪ ،‬البحث عن سبل تطوير مراقبة األداء أو الكفاءة‪ ،‬بحيث يمكن توجيه هذه المراقبة‬
‫نحو التأكد من أن المدبرين العموميين يتوفرون على نظام لقياس النتائج المحققة وأن‬
‫الوسائل المستعملة لذلك تمكن من وضع مؤشرات صادقة؛ ألن مؤشرات قياس النتائج ينبغي‬
‫أال توضع لذاتها‪ ،‬وإنما قيمتها تقاس بقدرتها على أن تتحول إلى وسائل حقيقية للرفع من‬
‫أداء وكفاءة التدبير العمومي‪.1‬‬

‫وهناك‪ ،‬كذلك‪ ،‬مجال آخر يمكن فيه للمجلس اإلسهام في تقييم المسؤولية التدبيرية‬
‫يتمثل في تقييم شمولي ألداء وكفاءة البرامج والمشاريع بدل التقييم الجزئي حسب كل برنامج‬
‫أو مشروع على حدة‪ .‬فتقييم المجلس في هذه الحالة ينبغي أن يتجه صوب قياس وتحليل‬
‫التكلفة اإلجمالية للعمل العمومي‪ ،‬وذلك عبر افتحاص التوجه االستراتيجي العام ومدى‬
‫اتساقه مع هيكلة البرامج والمشاريع‪ .2‬ومن خالل هذه المراقبة‪ ،‬يمكن كذلك تقييم المسؤولية‬
‫التدبيرية للمدبرين العموميين‪.‬‬

‫وبما أن المدبر العمومي يتعين عليه في إطار المسؤولية التدبيرية تقديم الحساب إلى‬
‫الوزير التابع له وإلى البرلمان‪ ،‬فإن األمر يتطلب أن يكون هناك اتساق بين المعايير‬
‫المعتمدة من طرف البرلمان لقياس تحقيق األهداف المرتبطة بالسياسات العمومية وبين‬
‫المعايير المستعملة من طرف الوزير المعني لقياس األهداف المرتبطة باالعتمادات المفوضة‬
‫في إطار البرامج‪ .3‬وهذا يشكل كذلك مدخال إلسهام المجلس في تقييم المسؤولية التدبيرية‬
‫عبر مراقبة مدى توافق المعايير المعتمدة من طرف السلطة التنفيذية والمعايير المحددة من‬
‫طرف السلطة التشريعية في تقييم التدبير العمومي‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬يمكن القول بأن مالءمة دور المحاكم المالية مع منطق التدبير المرتكز على‬
‫النتائج يمر عبر جعلها أداة خارجية لتقييم المسؤولية التدبيرية‪ ،‬وذلك بتقوية وتعزيز‬

‫‪1‬‬
‫‪Ibidem, P 148.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ibidem, P 149.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Fatima YATIM, l’exercice de la responsabilité managériale dans la sphère publique, le cas des responsables‬‬
‫‪des programmes dans la LOLF, revue politique et management public 31/3 juillet-septembre 2014, P 329.‬‬

‫‪423‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫اختصاصاتها غير القضائية على حساب صالحياتها القضائية‪ ،‬خاصة مساطر مراقبة‬
‫التسيير وتقييم السياسات والبرامج العمومية والتصديق على الحسابات‪.‬‬

‫وكما يتبين‪ ،‬من خالل ما سبق‪ ،‬عرف النظام المالي الحالي مجموعة من التطورات‪،‬‬
‫خاصة مع دخول القانون التنظيمي الجديد لقانون المالية حيز التنفيذ‪ ،‬تروم االنتقال من‬
‫التدبير العمومي القائم على الوسائل والمساطر إلى تدبير يرتكز على النتائج والنجاعة‪ ،‬وهو‬
‫ما يقتضي مواكبة هذا التطور النوعي من خالل فتح مجموعة من األوراش اإلصالحية‬
‫المكملة والمتعلقة بتنفيذ العمليات المالية والمحاسبية‪ ،‬خاصة نظام المسؤولية والمراقبة الذي‬
‫يقوم على مبادئ وقواعد أصبحت تقتضي التحيين حتى تتسق مع فلسفة التدبير الحديث‪.‬‬

‫فإذا كان تعزيز وتقوية نظام المسؤولية المالية للمدبرين العموميين يعتبر نتيجة طبيعية‬
‫لتحديث القواعد والمساطر الميزانياتية والمحاسبية‪ ،‬من خالل التخفيف التدريجي للمراقبة‬
‫القبلية األمر الذي يقتضي تعزيز المساءلة البعدية‪ ،1‬فإن إقامة هذا النظام الجديد للمسؤولية‬
‫يجب أن ال يشكل مبر ار إلعفاء المدبرين العموميين من االلتزام بالقواعد القانونية‪ ،‬خاصة تلك‬
‫المتعلقة بصدقية المعلومة المالية وبمشروعية العمليات المتعلقة بها‪ ،2‬بل يتعين مالءمة‬
‫مختلف هذه األصناف من المسؤولية بما يضمن تحقيق التوازن بين احترام المساطر والقواعد‬
‫المالية وتحقيق الكفاءة والنجاعة في التدبير العمومي وينسجم مع األهداف التي أحدثت من‬
‫أجلها األجهزة العليا للرقابة التي تتجلى في تسجيل الفوارق مقارنة بالقواعد واالختالالت‬
‫والخروقات بالنظر إلى القوانين واألنظمة‪ ،‬وتقييم الفعالية والكفاءة واالقتصاد في التدبير‬
‫المالي بشكل يمكن‪ ،‬بصدد كل حالة‪ ،‬من اتخاذ اإلجراءات التصحيحية وتحديد المسؤوليات‬
‫أو اتخاذ إج ارءات لتفادي أو لجعل تكرار مثل هذه الممارسات غاية في الصعوبة"‪.3‬‬

‫‪1‬‬
‫‪N. GROPER, Op.cit, P 51.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪S. FLIZOT, op. cit,, P 153.‬‬
‫‪3‬‬
‫إعالن ليما‪ ،‬المؤتمر التاسع للمنظمة الدولية لألجهزة العليا للرقابة والمحاسبة (األنتوساي) المنعقد في أكتوبر ‪ 3311‬بالبيرو‬

‫‪424‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫أ‬
‫المسؤولية التاديبية للموظف العمومي في ضوء عمل‬
‫القضاء ا إالداري المغربي‬
‫من إعداد الستاذ محمد العلمي‪،‬‬
‫رئيس مصلحة الطعون باإللغاء للشمال‬
‫بالوكالة القضائية للمملكة‬
‫تمهيد‬

‫ان الموظف العمومي خالل مساره المهني يمكن ان يتعرض لثالث مسؤوليات هي‬
‫المسؤولية الجنائية والمسؤولية المدنية والمسؤولية التأديبية‪.‬‬

‫وهذه المسؤولية األخيرة تقوم على أساس فكرة الخطأ أو المخالفة التأديبية‪ ،‬وهي شانها‬
‫شان المسؤولية الجنائية شخصية‪ ،‬اذ ان المسؤولية التأديبية عن فعل الغير هي استثناء من‬
‫األصل العام‪ ،‬وال تتصور اال في نطاق مسؤولية الرئيس عن اعمال مرؤوسيه‪ ،‬اذ في بعض‬
‫الحاالت يكشف خطا المرؤوس عن اخالل الرئيس بواجبات المهمة المسندة اليه في االشراف‬
‫والمراقبة والذي تسبب في ارتكاب المرؤوس للمخالفة التأديبية‪.‬‬

‫وهذه المسؤولية ال يتصور قيامها بدون تمتع الموظف المتابع تأديبيا باإلدراك والتمييز‬
‫وحرية االختيار‪ ،‬والهدف منها هو محاولة اصالح وتقويم سلوك الموظف العمومي‬
‫والمحافظة على كيان الوظيفة العمومية وضمان حسن سير المرفق العام‪.‬‬

‫وتكتسي هذه المسؤولية اهمية بالغة سواء بالنسبة لسلطة التسمية او بالنسبة للموظف‬
‫العمومي‪.‬‬

‫فسلطة التسمية ال تتقبل بسهولة الغاء عقوباتها التاديبية ألن ذلك يعبر عن عدم‬
‫كفاءتها في تدبير المسطرة التاديبية ‪،‬ويسيء الى سمعتها وسمعة المرفق العام‪ ،‬كما ان‬
‫الموظف العمومي ال يتقبلها بدوره لما لها من تأثير سلبي على مساره المهني سواء من ناحية‬
‫النقطة السنوية‪ ،‬أو الترقية في الرتبة أو الدرجة‪ ،‬أو مقدار المكافأة‪ ،‬أو تحمل المسؤولية‪،‬‬
‫إضافة الى تسجيل عقوبة العزل في السجل التأديبي المركزي بالوظيفة العمومية‪ ،‬وطول‬
‫‪425‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المدة المطلوبة لرد االعتبار وهي مرور خمس سنوات بالنسبة لعقوبتي االنذار والتوبيخ‪،‬‬
‫و‪ 31‬سنوات بالنسبة للعقوبات األخرى عمال بمقتضيات الفصل ‪ 15‬من النظام األساسي‬
‫للوظيفة العمومية‪ ،‬لذا فهو يلجا في االغلب الى القضاء للمنازعة في مشروعيتها‪.‬‬

‫والعقوبات التأديبية التي يمكن اتخاذها في حق الموظف العمومي طبقا للنظام األساسي‬
‫للوظيفة العمومية هي المحددة في الفصلين ‪ 11‬و‪ 15‬مكرر‪.‬‬

‫وسأكتفي في هذه الدراسة بالتعرض للقواعد التي كرسها القضاء اإلداري المغربي في‬
‫األحكام التي اصدرها عند نظره في النزاعات المتعلقة بالعقوبات التاديبية المتخذة في حق‬
‫الموظف العمومي في إطار الفصل ‪ 11‬وذلك في مبحثين‪ ،‬األول منها سأخصصه لتحديد‬
‫مفهوم المخالفة التأديبية ووسائل اثباتها‪ ،‬اما المبحث الثاني منها فسأخصصه ألسباب‬
‫الغائها‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬مفهوم المخالفة التأديبية ووسائل اثباتها‬


‫بالرجوع الى الفصل ‪ 11‬من النظام االساسي للوظيفة العمومية يتبين بان المشرع قد‬
‫حدد على سبيل الحصر العقوبات التاديبية التي يمكن توقيعها في حق الموظف العمومي‬
‫ورتبها بحسب تزايد خطورتها في اإلنذار‪ ،‬والتوبيخ‪ ،‬والحذف من الئحة الترقي‪ ،‬واالنحدار من‬
‫الطبقة‪ ،‬والقهقرة من الرتبة‪ ،‬والعزل من غير توقيف الحق في التقاعد‪ ،‬والعزل المصحوب‬
‫بتوقيف الحق في التقاعد‪ ،‬اضافة الى عقوبتي الحرمان من االجرة لمدة ال تتجاوز ستة‬
‫أشهر‪ ،‬واالحالة الحتمية على التقاعد‪.‬‬

‫ولذلك الغى القضاء اإلداري المغربي العقوبات المتخذة في حق الموظف العمومي غير‬
‫المنصوص عليها في الفصل ‪ 111‬كالمنع من تحمل المسؤولية‪ ،‬اومن المشاركة في الحركة‬
‫االنتقالية‪ ،‬او من االستفادة من جواز سفر‪.2‬‬

‫‪1‬الحكم عدد ‪ 399‬وتاريخ ‪ 3339-33-11‬الصادر عن إدارية وجدة في الملف رقم ‪3339/53‬غ‪.‬‬


‫‪2‬الحكم عدد ‪ 100‬وتاريخ ‪ 1139-13-11‬الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم ‪.1131-1331-3313‬‬

‫‪426‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وجدير بالذكر ان القضاء اإلداري المغربي اختلف بشأن اسباغ صفة العقوبة التأديبية‬
‫على بعض االجراءات التي يمكن اتخاذها في حق الموظف العمومي كالتنبيه‪ ،‬ولفت‬
‫االنتباه‪ ،‬والمالحظة‪.‬‬

‫فالبعض منه اعتبرها مجرد اجراءات داخلة في التدبير الداخلي للمرفق العام بقصد‬
‫كفالة سيره بانتظام واضطراد وعلى وجه سليم والتي يقوم الرؤساء بتوجيهها لمرؤوسيهم بقصد‬
‫تبصيرهم الى المزالق التي قد يتعرضون لها اثناء ادائهم لمهامهم دون ان يكون الغرض منها‬
‫توقيع جزاء‪.1‬‬

‫والبعض االخر منه اعتبر بأنه وإ ن كانت هذه اإلجراءات غير منصوص عليها في‬
‫الفصل ‪ 11‬فإنها تعتبر مؤثرة في الوضعية اإلدارية والمهنية للموظف مستقبال ما دام انها‬
‫موضوعة في ملفه اإلداري‪ ،‬وانه في حالة تكرار الفعل تكون بمثابة ظرف تشديد‪.2‬‬

‫ويالحظ ان المشرع باستثناء الحالة المنصوص عليها في الفصل ‪ 15‬مكرر من النظام‬


‫األساسي للوظيفة العمومية ا لتي بين فيها نوع المخالفة والعقوبة‪ ،‬فهو لم يحدد المخالفات او‬
‫األخطاء التي تبرر اتخاذ أي من العقوبات المنصوص عليها في الفصل ‪ 11‬في حق‬
‫الموظف العمومي‪ ،‬وذلك بخالف ما هو عليه االمر في القانون الجنائي الذي يقضي في‬
‫فصله الثالث بانه ال يسوغ مؤاخذة احد على فعل ال يعد جريمة بصريح القانون وال معاقبته‬
‫بعقوبات لم يقررها القانون مكتفيا باستعمال عبارة فضفاضة في الفصل ‪ 31‬وهي ك هفوة‬
‫يرتكبها الموظف في تأدية وظيفته او عند مباشرتها‪.‬‬

‫وهو تعريف قاصر لكون الموظف العمومي يمكن متابعته تأديبيا حتى عن األخطاء‬
‫التي اقترفها ولو كانت ال عالقة لها بتأدية وظيفته او مباشرتها‪.3‬‬

‫‪1‬الحكم عدد ‪ 1111/10‬وتاريخ ‪ 1111/11/19‬الصادر عن إدارية أكادير في الملف رقم ‪1111/03‬غ‪.‬‬


‫‪2‬الحكم عدد ‪ 3111‬وتاريخ ‪ 1133-11-31‬الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم ‪.1133/1331/19‬‬
‫‪3‬القرار عدد ‪ 133‬الصادر عن المجلس األعلى (محكمة النقض حاليا ) بتاريخ ‪ 3391/33/11‬المنشور في المجلة المغربية للقانون عدد ‪ 31‬سنة‬
‫‪ 3399‬يناير ‪ -‬فبراير ‪.3399‬‬

‫‪427‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وأن كان قد تفادى ذلك ضمنا بموجب الفقرة األولى من الفصل ‪ 11‬من نفس القانون‬
‫عندما استعمل عبارة ك هفوة خطيرة يرتكبها سواء تعلق االمر بإخالل بالتزامات مهنية او‬
‫ببنحة ماسة بالحق العام‪.‬‬

‫مع اإلشارة الى ان المشرع قد نص في الفصول ‪ 31‬و‪ 30‬و‪ 35‬و‪ 31‬و‪ 31‬و‪ 39‬من‬
‫النظام االساسي للوظيفة العمومية على بعض المخالفات التأديبية وهي‪:‬‬

‫‪ ‬عدم احترام سلطة الدولة (الفصل ‪)31‬؛‬


‫‪ ‬ممارسة النشاط النقابي خالف ما هو محدد في التشريع الجاري به العمل (الفصل‬
‫‪)30‬؛‬
‫‪ ‬ممارسة نشاط مهني مدر للدخل بدون ترخيص (الفصل ‪)35‬؛‬
‫‪ ‬التوفر على مصالح في مقاولة موضوعة تحت مراقبة اإلدارة او المصلحة التي‬
‫ينتمي اليها او على اتصال بهما (الفصل ‪)31‬؛‬
‫‪ ‬عدم القيام بالمهام المسندة (الفصل) ‪)31‬؛‬
‫‪ ‬عدم االلتزام بكتمان السر المهني فيما يخص االعمال واالخبار التي علم بها اثناء‬
‫تأدية مهامه او بمناسبتها (الفصل ‪.)39‬‬
‫وهذا الموقف هو المأخوذ به في أغلب التشريعات ويبد اساسه في عدم اماان‬
‫حصر واجبات الموظف‪ ،‬وصعوبة وضع مدلول اانوني يبمع واجباته‪.‬‬

‫وقد تولى القضاء االداري المغربي في االحكام العديدة التي اصدرها (والتي مع االسف‬
‫فان االغلب منها غير منشور) سد هذا النقص معتب ار بأنه يكفي لمؤاخذة الموظف العمومي‬
‫تأديبيا أن تثبت اإلدارة قيامه بأفعال مخالفة لواجباته كموظف أو خارجة على مقتضياتها‪ ،‬أو‬
‫على المهام المناطة به‪ ،‬أو للشرف والمروءة‪ ،‬أو ارتكابه خارج الوظيفة ما ينعكس سلبا‬
‫عليها‪ ، 1‬ذلك ان غاية المشرع من تحديد العقوبات التاديبية ليس معاقبة الموظف بل ضمان‬
‫سير العمل وأداء المرفق العام لمهامه باطراد وانتظام ووفقا لمبادئ الحكامة الجيدة التي‬
‫تستهدف عموم المرتفقين ‪ ،‬اما العقاب فانه يأتي كانعكاس لمخالفة الموظف لقواعد سير‬

‫‪1‬الحكم عدد ‪ 91‬وتاريخ ‪ 1113/11/11‬الصادر عن إدارية فاس في الملف رقم ‪109‬غ‪.1111/‬‬

‫‪428‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المرفق العام جراء ارتكابه لهفوة مهنية او اقترافه لفعل يشكل جريمة معاقب عليها بمقتضى‬
‫القانون ‪.1‬‬

‫وبالرجوع إلى بعض أحكام القضاء اإلداري المغربي التي تسنى لنا االطالع عليها‬
‫يتبين بانه اعتبر أفعاال وتصرفات عدة تشكل اخطاء تبرر اتخاذ عقوبات تأديبية في حق‬
‫الموظف العمومي المقترف لها وهي على نوعين‪:‬‬

‫أوال‪ :‬االخطاء المهنية المرتكبة اثناء تأدية الوظيفة او بمناسبتها‪.‬‬

‫وكأمثلة عليها يمكن ذكر‪:‬‬

‫‪ ‬األخطاء المتعلقة بعدم احترام أواات العم ‪.‬‬

‫كمغادرة مقر العمل بدون ترخيص‪ ،2‬او كالتغيب بصورة غير قانونية‪ ،3‬او ككثرة‬
‫التغيبات‪ ،4‬او كمغادرة مقر العمل لقضاء األغراض الشخصية بدون ترخيص‪.5‬‬

‫‪ ‬األخطاء المتعلقة بعدم احترام الرؤساء‬

‫ذلك ان واجب طاعة الرؤساء هو من أبرز واجبات الموظف العمومي‪ ،‬ومنصوص‬


‫عليه في المادة ‪ 31‬من النظام األساسي للوظيفة العمومية والذي يقتضي االمتثال ألوامر‬
‫الرؤساء‪ ،‬واللباقة األدبية في التعامل معهم باالمتناع عن أي قول أو فعل يعد تحديا أو إهانة‬
‫لهم الن احترام الرؤساء ال يتصل بأشخاصهم فقط وانما بكيان المرفق العام ذاته‪.‬‬

‫ولذلك اعتبر القضاء اإلداري المغربي بعض التصرفات تشكل اخالال بهذا المبدأ‪ ،‬كعدم‬
‫االمتثال لتعليمات الرؤساء‪ ،6‬او تجاوز حدود اللباقة في التعامل معهم‪ ،7‬او عدم احترامهم‪،1‬‬

‫‪1‬الحكم عدد ‪ 1951‬وتاريخ ‪ 1133-11-31‬الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم ‪1133/1331/351‬‬


‫‪2‬‬
‫القرار عدد ‪ 113‬وتاريخ ‪ 1111/13/33‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪.5/11/11‬‬
‫‪3‬‬
‫القرار عدد ‪ 3015‬وتاريخ ‪ 1131/13/19‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪.5/31/91‬‬
‫‪4‬‬
‫القرار عدد ‪ 305‬وتاريخ ‪ 1111/1/1‬الصادر عن محكمة النقض في الملف االداري رقم ‪.1111/3/0/1113‬‬
‫‪5‬‬
‫الحكم عدد ‪ 319‬وتاريخ ‪ 1111/11/11‬الصادر عن المحكمة االدارية بالرباط في الملف رقم ‪1111/10‬غ‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫القرار عدد ‪ 139‬وتاريخ ‪ 3313/31/5‬الصادر عن محكمة النقض في الملف االداري رقم ‪.50539‬‬
‫‪7‬‬
‫القرار عدد ‪ 031‬وتاريخ ‪ 1113/15/11‬الصادر عن محكمة النقض في الملف االداري رقم ‪ ،1111/3/0/131‬الحكم عدد ‪ 115‬وتاريخ ‪-11‬‬
‫‪ 1133-31‬الصادر عن إدارية فاس ‪1133/1/333‬غ‪.‬‬

‫‪429‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫او كرفض القيام بالمهام المسندة لهم من طرفهم‪ ،2‬او كالتهجم عليهم وتوجيه السب والقذف‬
‫لهم‪.3‬‬

‫‪ ‬األخطاء المتعلقة بعدم التقيد بالواجبات المرتبطة بأخالقيات المهنة‪.‬‬

‫كالتقصير في أداء المهام المسندة‪ ،4‬او كإعطاء معلومات خاطئة لإلدارة‪ ،5‬او كمغادرة‬
‫التراب الوطني بدون ترخيص‪ ،6‬او كرفض االلتحاق بمقر العمل الجديد‪ ،7‬او كالقيام‬
‫بالتفتيش واإلجراءات بالزي المدني وبدون حمل الشارة‪ ،8‬او كالقيام بإخالالت محاسبية‪ ،9‬او‬
‫كاإلخالل بالضوابط اإلدارية بتفويض مهام للغير في غياب السند القانوني‪ ،10‬او كاإلخالل‬
‫بالواجب الوظيفي بعدم القيام باإلجراءات القانونية كتحرير محضر قانوني إلثبات واقعة‬
‫ما‪ ، 11‬او كاستعمال الوثائق الموكول امر تدبيرها في االستفادة من قروض باسم العديد من‬
‫الموظفين‪ ،12‬او كعدم تقديم المساعدة لشخص يوجد في وضعية خطرة‪.13‬‬

‫وكذلك مثل الجمع بين وظيفتين اداريتين‪ ،14‬او كترك مكان العمل المسند واالنتقال الى‬
‫مكان اخر‪ ،15‬او مغادرة المدار الحضري بدون ترخيص والتغيب عن العمل والسب والشتم‬

‫‪1‬‬
‫الحكم عدد ‪ 111‬وتاريخ ‪ 3339/11/15‬الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم ‪ 3331/150‬غ‪ ،‬الحكم عدد ‪ 3330‬وتاريخ ‪1135-15-15‬‬
‫الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم ‪ ،1135/1331/131‬الحكم عدد ‪ 0515‬وتاريخ ‪ 1135-31-11‬الصادر عن إدارية الرباط في الملف‬
‫رقم ‪ ،1135/1331/011‬الحكم عدد ‪ 0331‬وتاريخ ‪ 1139-33-11‬الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم ‪ ،1139/1331/113‬الحكم عدد‬
‫‪ 1131/1331/113‬وتاريخ ‪ 1131-31-10‬الصادر عن إدارية مكناس في الملف رقم ‪.1131/1331/355‬‬
‫‪2‬‬
‫الحكم عدد ‪ 031‬وتاريخ ‪ 1131-11-19‬الصادر عن إدارية فاس في الملف االداري رقم ‪1131/5/59‬غ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫القرار عدد ‪ 1153‬وتاريخ ‪ 1135/13/13‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪.1135/1115/011‬‬
‫‪4‬‬
‫الحكم عدد ‪ 3110‬وتاريخ ‪ 1113/11/19‬الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم ‪1119/153‬غ‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫الحكم عدد ‪ 931‬وتاريخ ‪ 1113/15/15‬الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪ 1119/301‬غ‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫الحكم عدد ‪ 111‬وتاريخ ‪ 1131/11/35‬الصادر عن إدارية وجدة في الملف رقم ‪.5/13/19‬‬
‫‪7‬‬
‫القرار عدد ‪ 3331‬وتاريخ ‪ 1119/31/13‬الصادر عن محكمة النقض في الملف االداري رقم ‪.1111/3/0/1111‬‬
‫‪8‬‬
‫القرار عدد ‪ 3115‬وتاريخ ‪ 3333/13/31‬الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري رقم ‪.3339/3/5/533‬‬
‫‪9‬‬
‫الحكم عدد ‪ 131‬وتاريخ ‪ 1111/31/33‬الصادر عن إدارية الدار البيضاء في الملف رقم ‪1113/111‬غ‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫الحكم عدد ‪ 135‬وتاريخ ‪ 1131/31/33‬الصادر عن ادارية وجدة في الملف رقم ‪.5/33/11‬‬
‫‪11‬‬
‫القرار عدد ‪ 111‬وتاريخ ‪ 3335/13/13‬الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري رقم ‪.3330/31151‬‬
‫‪12‬‬
‫الحكم عدد ‪ 331‬وتاريخ ‪ 1113-31-11‬الصادر عن ادارية مراكش في الملف رقم ‪1113/11‬غ‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫الحكم عدد ‪ 31‬وتاريخ ‪ 1111-11-31‬الصادر عن إدارية البيضاء في الملف ‪1113/330‬ع‪ ،‬الحكم عدد ‪ 1113‬وتاريخ ‪1131-13-11‬‬
‫الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم ‪.1131/1331/131‬‬
‫‪14‬‬
‫القرار عدد ‪ 33‬وتاريخ ‪ 1135-13-19‬الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري رقم ‪ ،1131/3/0/1131‬القرار عدد ‪ 3055‬وتاريخ‬
‫‪ 1131-31-11‬الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري رقم ‪.1131/3/0/311‬‬
‫‪15‬‬
‫القرار عدد ‪ 911‬وتاريخ ‪ 1135-15-30‬الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري ‪.1131/3/0/3111‬‬

‫‪430‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫في حق الزمالء والرؤساء والغير‪ ، 1‬او إعطاء دروس خصوصية‪ ،2‬او مزاولة الطب في‬
‫عيادة خاصة‪ ،3‬او التدريس بمؤسسة تعليمية خاصة‪ ،4‬او مزاولة الطب بمصحة خاصة‪ ،5‬أو‬
‫رفض القيام بالمهام المسندة‪ ،6‬او توجيه كالم نابي الحد الزمالء‪ ،7‬او االعتداء على احد‬
‫الزمالء والسماح بتحويل احدى البنايات داخل المؤسسة التعليمية الى حظيرة لتربية‬
‫المواشي‪ ،8‬او ربط عالقة غير مشروعة مع اجنبية اثمرت عن ازدياد مولودة وذلك دون اتباع‬
‫المسطرة القانونية المتعلقة بتوثيق عقد الزواج بعد الحصول على رخصة‪ ،9‬او كعدم االدالء‬
‫بالشواهد الطبية داخل االجل المحدد قانونا مقابل وصل‪ ،10‬او تبادل الضرب مع زميل في‬
‫العمل‪ ،11‬او مغادرة مقر العمل وربط االتصال بموقوف قصد تغيير اقواله‪ ،12‬او إفشاء اسرار‬
‫مهنية‪ ،13‬او التمرد والعصيان في مجال عمل شبه عسكري‪.14‬‬

‫ثانيا‪ :‬األخطاء المترتبة عن اإلدانة من أج القيام بأفعال مبرمة اانونا‬

‫ومن األمثلة على ذلك‪ ،‬اختالس أموال عمومية‪ ،15‬او اإلدالء بتصريحات لجهات دولية‬
‫ووطنية ثبت عدم صحتها والتي اساءت للدولة المغربية والتي على الموظف تقديم الوالء لها‬

‫‪1‬‬
‫القرار عدد ‪ 3001‬وتاريخ ‪ 1131-31-31‬الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري ‪.1135/3/0/1301‬‬
‫‪2‬‬
‫القرار عدد ‪ 1015‬وتاريخ ‪ 1130-11-31‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪.5/31/155‬‬
‫‪3‬‬
‫الحكم عدد ‪ 1100‬وتاريخ ‪ 1130-10-10‬الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم ‪.1131/1331/111‬‬
‫‪4‬‬
‫الحكم عدد ‪ 0191‬وتاريخ ‪ 1130-11-31‬الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم ‪.1130/1331/10‬‬
‫‪5‬‬
‫الحكم عدد ‪ 1131/1331/511‬وتاريخ ‪ 1131-13-33‬الصادر عن إدارية مكناس في الملف رقم ‪.1131/1331/55‬‬
‫‪6‬‬
‫الحكم عدد ‪ 1135/1331/31‬وتاريخ ‪ 1135-11-31‬الصادر عن إدارية مكناس في الملف رقم ‪ ،1130/1331/339‬الحكم عدد ‪3115‬‬
‫وتاريخ ‪ 1131-31-31‬الصادر عن إدارية فاس في الملف‪1131/5/59‬غ‪ ،‬الحكم عدد ‪ 013‬وتاريخ ‪ 1131-11-19‬الصادر عن إدارية فاس‬
‫في الملف رقم ‪ ،1131/5/03‬الحكم عدد ‪ 0111‬وتاريخ ‪ 1131-31-11‬الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم ‪ ،1131/1331/030‬الحكم‬
‫عدد ‪ 1131‬وتاريخ ‪ 1131-11-31‬الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم ‪ ،1131/1331/311‬الحكم عدد ‪ 101‬وتاريخ ‪1131-13-11‬‬
‫الصادر عن إدارية وجدة في الملف رقم ‪.1131/1331/311‬‬
‫‪7‬‬
‫الحكم عدد ‪ 311‬وتاريخ ‪ 1131-33-31‬الصادر عن إدارية وجدة في الملف رقم ‪.1131/1331/90‬‬
‫‪8‬‬
‫الحكم عدد ‪ 1131/1331/911‬وتاريخ ‪ 1131-31-19‬الصادر عن إدارية مكناس في الملف رقم ‪.1131/1331/393‬‬
‫‪9‬‬
‫الحكم عدد ‪ 331‬وتاريخ ‪ 1139-31-10‬الصادر عن إدارية فاس في الملف رقم ‪1139/1331/311‬‬
‫‪10‬‬
‫الحكم عدد ‪ 0319‬وتاريخ ‪ 1139-33-11‬الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم ‪.1139/1331/111‬‬
‫‪11‬‬
‫الحكم عدد ‪ 313‬وتاريخ ‪ 1133-11-31‬الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم ‪.1139/1331/911‬‬
‫‪12‬‬
‫الحكم عدد ‪ 3933‬وتاريخ ‪ 1133-15-35‬الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم ‪.1133/1331/339‬‬
‫‪13‬‬
‫الحكم عدد ‪ 3911‬وتاريخ ‪ 1133-13-35‬الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم ‪.1133/1331/311‬‬
‫‪14‬‬
‫القرار عدد ‪ 3533‬وتاريخ ‪ 1131-33-31‬الصادر عن محكمة النقض في الملف رقم ‪.1135/3/0/1513‬‬
‫‪15‬‬
‫القرار عدد ‪ 110‬وتاريخ ‪ 1133/15/15‬الصادر محكمة النقض في الملف اإلداري رقم ‪ ،1131/3/0/3511‬القرار عدد ‪ 1151‬وتاريخ‬
‫‪ 1113/33/30‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪.5/19/111‬‬

‫‪431‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫سواء داخل أو خارج الوظيفة‪ ،1‬او كالمشاركة في استهالك مادة مخدرة وإيصالها إلى‬
‫السجن‪ ،2‬او إصدار شيك بدون رصيد‪.3‬‬

‫ومن أمثلة ذلك أيضا القيام بعمل من أعمال وظيفة نظمها القانون‪ ،‬وتوزيع منشورات‬
‫هادفة إلى العنف‪ ،‬وإهانة الهيأة القضائية‪ ،‬وإهانة الضابطة القضائية‪ ،‬وتحقير مقررات‬
‫قضائية‪ ،‬وتعييب منشآت مخصصة للمنفعة العامة‪ ،‬والتجمهر بدون رخصة‪ ،4‬او كتكوين‬
‫عصابة إجرامية والقيام بعمل من أعمال وظيفة نظمها القانون والضرب والجرح بالسالح‬
‫وتوزيع منشورات هادفة إلى العنف وإهانة الهيأة القضائية وتحقير مقررات قضائية وتعييب‬
‫منشآت مخصصة للمنفعة العامة والتجمهر بدون رخصة‪ ،5‬او كالرشوة والنصب‪.6‬‬

‫او كاالرتشاء‪ ،7‬او كالنصب واالحتيال‪ ،8‬او كتلقي الرشوة‪ ،9‬او كالضرب والجرح‬
‫وااليذاء العمدي في مواجهة احدى خادمات البيوت‪ ،10‬او كالضرب والجرح العمدي بسالح‬
‫والحاق خسائر مادية بملك الغير‪ ،11‬او كاالرتشاء والوساطة في الرشوة‪ ،12‬او كاالحتيال‬
‫وتزييف وثائق معلوماتية واستعمالها والنصب‪ ،13‬او كتكوين عصابة إلعداد وارتكاب أفعال‬
‫اجرامية‪ ،14‬او كالنصب والتزوير‪ ،15‬او كتبديد أموال عمومية ومنح بدون اذن والرشوة وحذف‬

‫‪1‬‬
‫الحكم عدد ‪ 131‬وتاريخ ‪ 1131/1/3‬الصادر عن إدارية وجدة في الملف رقم ‪.1113/5/533‬‬
‫‪2‬‬
‫القرار عدد ‪ 511‬وتاريخ ‪ 1111/15/11‬الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري رقم ‪.1113/3/0/3911‬‬
‫‪3‬‬
‫الحكم عدد ‪ 1113‬وتاريخ ‪ 1113/31/11‬الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪19/133‬غ‪.‬‬
‫‪4‬القرار عدد ‪ 313‬وتاريخ ‪ 1113/3/19‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪.5/19/333‬‬
‫‪5‬الحكم عدد ‪ 1111/3119‬وتاريخ ‪ 1111/31/15‬الصادر عن المحكمة اإلدارية بفاس في الملف رقم ‪01‬غ‪.1111/‬‬
‫‪6‬القرار عدد ‪ 3/015‬وتاريخ ‪ 1133-11-19‬الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري رقم ‪. 1131/3/0/1350‬‬
‫‪7‬القرار عدد ‪ 1159‬وتاريخ ‪ 1135-31-19‬الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري رقم ‪ ، 1135/3/0/3310‬القرار عدد ‪ 131‬وتاريخ‬
‫‪ 1131-10-19‬الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري ‪ ، 1135/3/0/3313‬القرار عدد ‪ 3115‬وتاريخ ‪ 1131-31-13‬الصادر عن‬
‫محكمة النقض في الملف اإلداري رقم ‪. 1131/3/0/1051‬‬
‫‪8‬الحكم عدد ‪ 1130/1331/03‬وتاريخ ‪ 1130-11-33‬الصادر عن إدارية مكناس في الملف رقم ‪. 1131/3331/90‬‬
‫‪9‬الحكم عدد ‪ 1001‬وتاريخ ‪ 1135-11-19‬الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم ‪. 1135/1331/313‬‬
‫‪10‬الحكم عدد ‪ 33‬وتاريخ ‪ 1131-13-33‬الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم ‪.1135/1331/590‬‬
‫‪11‬الحكم عدد ‪ 1131-1331-11‬وتاريخ ‪ 1131-13-13‬الصادر عن إدارية مكناس في الملف رقم ‪.1131/1331/310‬‬
‫‪12‬الحكم عدد ‪ 513‬وتاريخ ‪ 1131-11-31‬الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم ‪1131/1331/1‬‬
‫‪13‬الحكم عدد ‪ 513‬وتاريخ ‪ 1131-11-30‬الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم ‪.1131/1331/13‬‬
‫‪14‬الحكم عدد ‪ 0553‬وتاريخ ‪ 1131-33-11‬الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم ‪.1131/1331/911‬‬
‫‪15‬الحكم عدد ‪ 5115‬وتاريخ ‪ 1131-33-13‬الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم ‪.1131/1331/911‬‬

‫‪432‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وتغيير معطيات المعالجة االلية‪ ،1‬او كربط عالقات مشبوهة مع احد تجار المخدرات‬
‫واستهالك مخدر الكوكايين‪.2‬‬

‫‪ ‬وضع الموظف نفسه موضع الشبهات‪.‬‬

‫وقد اعتبر القضاء االداري المغربي ان مجرد قيام الشبهة كاف لقيام السبب المبرر‬
‫للعقوبة التأديبية‪.‬‬
‫ذلك انه في المتابعة التأديبية يكفي وجود شبهات تحوم حول سلوك الموظف وتكون‬
‫كافية لدى اإلدارة لتكوين اقتناعها بارتكابه أخطاء تبرر التأديب ال سيما إذا كانت طبيعة‬
‫الوظيفة التي يشغلها الموظف تستوجب أن يناى بنفسه عن موضع كل الشبهات‪.3‬‬

‫ثالثا‪ :‬إثبات المخالفة التأديبية‪.‬‬

‫ان الخطأ المهني باعتباره يشكل ركن السبب في العقوبة التأديبية يتوجب اثبات ماديته‬
‫من طرف اإلدارة التي يبقى على عاتقها اثبات صحة أسباب عقوباتها التأديبية‪ 4‬مادام أن‬
‫األصل هو قرينة البراءة طبقا للفصل ‪ 333‬من الدستور‪. 5‬‬

‫وبالرجوع الى االحكام التي أصدرها القضاء اإلداري المغربي في هذا الصدد يتبين بانه‬
‫قد اعتبر وسائل عدة مثبتة للمخالفات التأديبية‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫‪ ‬اإلارار بارتكاب االخطاء موضوع المتابعة التأديبية‪6‬؛‬

‫‪1‬الحكم عدد ‪ 111‬وتاريخ ‪ 1133-13-31‬الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم ‪.1139/1331/3131‬‬


‫‪2‬الحكم عدد ‪ 1151‬وتاريخ ‪ 1139-11-15‬الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم ‪.1139/1331/099‬‬
‫‪3‬‬
‫القرار عدد ‪ 311‬وتاريخ ‪ 3311/5/10‬الصادر عن المحكمة النقض في الملف االداري رقم ‪ ، 15910‬الحكم عدد ‪ 110‬وتاريخ ‪-11-11‬‬
‫‪ 3331‬الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم ‪ 3331/13‬غ‪ ،‬الحكم عدد ‪ 111‬وتاريخ ‪ 1130/13/13‬الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم‬
‫‪.1131/5/113‬‬
‫‪4‬‬
‫القرار عدد ‪ 3113‬وتاريخ ‪ 1139-11-11‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪. 1139/1115/311‬‬
‫‪5‬‬
‫الحكم عدد ‪ 1311‬وتاريخ ‪ 1131/13/11‬الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم ‪.1133/5/095‬‬
‫‪6‬‬
‫القرار عدد ‪ 131‬وتاريخ ‪ 1111/11/19‬الصادر عن محكمة النقض في الملف االداري رقم ‪ ،33/3/0/3015‬القرار عدد ‪ 111‬وتاريخ‬
‫‪ 1111/10/11‬الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري رقم ‪ ،1115/3/0/1111‬القرار عدد ‪ 111‬وتاريخ ‪ 1111/31/10‬الصادر عن‬
‫محكمة النقض في الملف اإلداري رقم ‪ ،1111/3/0/1013‬الحكم عدد ‪ 3911‬وتاريخ ‪ 1131/15/31‬الصادر عن ادارية الرباط في الملف رقم‬
‫‪.1131/5/091‬‬

‫‪433‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪ ‬االعتراف بارتكاب األخطاء موضوع المتابعة التأديبية‪1‬؛‬


‫‪ ‬تقديم اعتذار عن ارتكاب األخطاء موضوع المتابعة التأديبية‪2‬؛‬
‫‪ ‬عدم المنازعة وعدم نفي األفعال موضوع المتابعة التأديبية‪3‬؛‬
‫‪ ‬اإلدانة من طرف القضاء الزجري بحام حائز لحبية االمر المقضي به عن األفعال‬
‫‪4‬‬
‫موضوع المتابعة التاديبية؛‬
‫‪ ‬التقارير االدارية ومحاضر اثبات الحال‪5‬؛‬
‫‪ ‬االستفسارات الموجهة الى المخالف بخصوص افعال محددة‪6‬؛‬
‫‪ ‬شاايات المرتفقين‪7‬؛‬
‫‪ ‬األبحاث المنبزة من اب لبان مختصة‪8‬؛‬
‫‪ ‬محضر االستبواب المواع من طرف الموظف والذي يثبت قيامه باألفعال‬
‫المنسوبة‪.9‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬أسباب الغاء العقوبات التأديبية‬

‫‪1‬القرار عدد ‪ 103‬وتاريخ ‪ 3311/33/31‬الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري رقم ‪ ،10111‬القرار عدد ‪ 11‬وتاريخ ‪3331/3/11‬‬
‫الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري رقم ‪ ، 3331/31113‬القرار عدد ‪ 311‬وتاريخ ‪ 1110/13/19‬الصادر عن محكمة النقض في‬
‫الملف اإلداري رقم ‪ ، 1111/3/0/3113‬الحكم عدد ‪ 331‬وتاريخ ‪ 1113/31/11‬الصادر عن إدارية مراكش في الملف رقم ‪1113/11‬غ‪.‬‬
‫‪2‬الحكم عدد ‪ 1111‬وتاريخ ‪ 3333/11/30‬الصادر عن إدارية فاس في الملف رقم ‪151‬غ‪ ،3339/‬الحكم عدد ‪ 10‬وتاريخ ‪1111/3/11‬‬
‫الصادر عن إدارية وجدة في الملف رقم ‪.1113//115‬‬
‫‪3‬القرار عدد ‪ 031‬وتاريخ ‪ 3393/31/15‬الصادر عن محكمة النقض في الملف االداري رقم ‪ ، 51113‬الحكم عدد ‪1/1113/913‬غ وتاريخ‬
‫‪ 1113/31/10‬الصادر عن المحكمة اإلدارية بمكناس في الملف رقم ‪1/1113/313‬غ‬
‫‪4‬القرار عدد ‪ 115‬وتاريخ ‪ 3393/31/31‬الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري رقم ‪ ،3393/1115‬الحكم عدد ‪ 110‬وتاريخ‬
‫‪ 1110/33/13‬الصادر عن إدارية الدار البيضاء في الملف رقم ‪11/31‬غ ‪ ،‬الحكم عدد ‪ 533‬وتاريخ ‪ 1115/31/33‬الصادر عن المحكمة‬
‫اإلدارية بفاس في الملف رقم ‪311‬غ‪ ،1115/‬الحكم عدد ‪ 113‬وتاريخ ‪ 1131/10/10‬الصادر عن إدارية وجدة في الملف رقم ‪. 5/33/09‬‬
‫‪5‬القرار عدد ‪ 3159‬وتاريخ ‪ 1119/31/31‬الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري رقم ‪ ،1115/3/0/1193‬القرار عدد ‪ 531‬وتاريخ‬
‫‪ 1111/11/13‬الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري رقم ‪ ، 1110/3/0/1911‬الحكم عدد ‪ 3110‬وتاريخ ‪ 1113/11/19‬الصادر عن‬
‫إدارية الرباط في الملف رقم ‪ 19/153‬غ ‪ ،‬الحكم عدد ‪ 13/351‬وتاريخ ‪ 1113/11/10‬الصادر عن المحكمة اإلدارية بفاس في الملف رقم‬
‫‪1113/5/01‬‬
‫‪6‬الحكم عدد ‪1/15/51‬غ وتاريخ ‪ 1115/11/13‬الصادر عن إدارية مكناس في الملف رقم ‪1/11/31‬غ‪ ،‬الحكم عدد ‪ 111‬وتاريخ‬
‫‪ 1115/15/33‬الصادر عن إدارية الدار البيضاء في الملف رقم ‪1115/131‬غ‬
‫‪7‬الحكم عدد ‪ 10/351‬وتاريخ ‪ 1110/31/10‬الصادر عن المحكمة اإلدارية بأكادير في الملف رقم ‪ 1111/330‬غ‪.‬‬
‫‪8‬القرار عدد ‪ 11‬وتاريخ ‪ 1115/13/11‬الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري رقم ‪ ، 1111/3/0/191‬الحكم عدد ‪ 331‬وتاريخ‬
‫‪ 1110/31/11‬الصادر عن المحكمة اإلدارية بأكادير في الملف رقم ‪ 1111/310‬غ ‪.‬‬
‫‪9‬القرار عدد ‪ 3553‬وتاريخ ‪ 3333/31/13‬الصادر عن محكمة النقض في الملف رقم ‪.3339/3/5/3003‬‬

‫‪434‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫إن األسباب المبررة إللغاء العقوبات التاديبية هي المنصوص عليها في الفصل ‪11‬‬
‫من القانون ‪ 03-31‬المحدث للمحاكم اإلدارية والذي جاء فيه ما يلي‪:‬‬
‫" ك ارار اداري صدر عن جهة غير مختصة‪ ،‬او لعيب في شاله‪ ،‬او النحراف في‬
‫السلطة‪ ،‬او النعدام التعلي ‪ ،‬او لمخالفة القانون يشا تباو از في استعمال السلطة يحق‬
‫للمتضرر الطعن فيه امام البهة القضائية اإلدارية المختصة "‬
‫والتي أضاف اليها االجتهاد القضائي عيب عدم التناسب او الغلو في التقدير‪.‬‬

‫أوال‪ :‬أسباب اإللغاء المحددة في الفص ‪ 24‬من القانون ‪03-74‬‬


‫أ ‪-‬صدور العقوبة التأديبية عن جهة غير مختصة‬
‫ان عيب عدم االختصاص بداية هو العيب الوحيد من أوجه اإللغاء المتعلق بالنظام‬
‫العام الذي تملك المحكمة حق اثارته تلقائيا‪.1‬‬
‫ويقصد بهذا العيب مخالفة القواعد التي تحدد الجهة اإلدارية المختصة في اصدار قرار‬
‫‪2‬‬
‫ما‬
‫وقد صرح القضاء اإلداري المغربي بإلغاء بعض العقوبات التاديبية لكونها مشوبة بهذا‬
‫العيب ومن ذلك على سبيل المثال‪:‬‬
‫‪ ‬العقوبات التأديبية التي ال تراعي كون ق اررات التفويض في االمضاء ال تكون نافذة‬
‫اال بعد نشرها في البريدة الرسمية باعتبارها ق اررات تنظيمية‪.3‬‬
‫‪ ‬العقوبات التأديبية التي ال تراعي قاعدة توازي الشكليات واالختصاص‪ ،‬كعدم‬
‫االدالء بما يفيد صدور ظهير بعزل موظف معين بظهير‪ 4‬او كتفعيل اقتراح عزل موظف‬
‫معين بظهير دون انتظار صدور الموافقة الملكية على اقتراح العزل‪.1‬‬

‫‪1‬القرار عدد ‪ 331‬وتاريخ ‪ 1131/11/33‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش في الملف رقم ‪ ، 1113/5/113‬الحكم عدد ‪19/111‬‬
‫وتاريخ ‪ 1119-31-13‬الصادر عن إدارية اكادير في الملف رقم ‪ 1119/11‬غ‪.‬‬
‫‪2‬القرار عدد ‪ 331‬وتاريخ ‪ 1131/11/33‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش في الملف رقم ‪.1113/5/113‬‬
‫‪3‬القرار عدد ‪ 3/2401‬وتاريخ ‪ 1135-31-11‬الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري رقم ‪ ،1131/3/0/3111‬الحكم عدد ‪3311‬‬
‫وتاريخ ‪ 1131-11-13‬الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪ ،1131/1331/301‬الحكم عدد ‪ 0111‬وتاريخ ‪1131-31-11‬‬
‫الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪.1131/1331/103‬‬
‫‪4‬القرار عدد ‪ 110‬وتاريخ ‪ 1131/31/13‬الصادر عن محكمة النقض في الملف االداري رقم ‪ ، 1113/3/0/3111‬القرار عدد ‪ 3911‬وتاريخ‬
‫‪ 1113/13/13‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪.5/13/313‬‬

‫‪435‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪ ‬العقوبات التأديبية الموقعة من طرف مسؤول باألصالة والحال انه ال يتوفر اال‬
‫على تفويض في االمضاء ودون االشارة الى ذلك‪.2‬‬
‫‪ ‬العقوبات التأديبية التي ال تراعي قاعدة كون المفوض له ال يملك حق تفويض‬
‫تفويضه للغير وذلك اعماال لقاعدة عدم جواز تفويض التفويض‪.3‬‬
‫‪ ‬العقوبات التأديبية التي يتجاوز فيها المفوض له مضمون او محتوى التفويض‪.4‬‬
‫‪ ‬العقوبات التأديبية الصادرة بتاريخ سابق على صدور قرار التفويض في االمضاء‪.5‬‬
‫‪6‬‬
‫‪ ‬العقوبات التأديبية الصادرة عن اإلدارة الملحق لديها الموظف‬
‫‪ ‬العقوبات التأديبية الصادرة دون االدالء بما يثبت التوفر على تفويض في‬
‫‪7‬‬
‫االمضاء‬
‫‪8‬‬
‫‪ ‬العقوبات التأديبية الصادرة عن سلطة غير مختصة بإصدارها‬
‫وتجدر اإلشارة في هذا الصدد الى ان إلغاء القرار التأديبي لصدوره عن جهة غير مختصة‬
‫ال يغل يد اإلدارة وال يسلبها حقها في اتخاذ قرار تأديبي آخر خال من هذا العيب‪.9‬‬

‫ب‪ :‬اتسام العقوبة التأديبية بعيب الشا‬

‫‪1‬القرار عدد ‪ 011‬وتاريخ ‪ 1111-10-15‬الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري رقم ‪ ، 1111/3/0/3115‬القرار عدد ‪ 515‬وتاريخ‬
‫‪ 1113-13-11‬الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري رقم ‪ ، 1111/1/0/193‬الحكم عدد ‪ 1110‬وتاريخ ‪ 1133/13/11‬الصادر عن‬
‫ادارية الرباط في الملف رقم ‪.1133/5/391‬‬
‫‪2‬القرار عدد ‪ 113‬وتاريخ ‪ 1113/11/33‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪ ،5/19/113‬الحكم عدد ‪ 551‬وتاريخ‬
‫‪ 1139-11-11‬الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪.1131/1331/311‬‬
‫‪3‬الحكم عدد ‪ 1133/11‬وتاريخ ‪ 1133/11/33‬الصادر عن إدارية أكادير في الملف رقم ‪1131/101‬غ‬
‫‪4‬القرار عدد ‪ 153‬وتاريخ ‪ 1113/31/11‬الصادر عن محكمة النقض في الملف االداري رقم ‪ ، 1111/1/0/3313‬القرار عدد ‪ 1111‬وتاريخ‬
‫‪ 1131-31-11‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملفين المضمومين رقم ‪ 1131/1115/119‬و‪ ، 1131/1115/111‬الحكم‬
‫عدد ‪ 1191‬وتاريخ ‪ 1131-15-11‬الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪ ، 1131/1331/115‬الحكم عدد ‪ 011‬وتاريخ ‪-13‬‬
‫‪ 1131-11‬الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪ ، 1131/1331/350‬الحكم عدد ‪ 93‬وتاريخ ‪ 1131-11-11‬الصادر عن‬
‫المحكمة اإلدارية بوجدة في الملف رقم ‪. 1135/1331/331‬‬
‫‪5‬القرار عدد ‪ 331‬وتاريخ ‪ 1131/11/33‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش في الملف رقم ‪.13/5/113‬‬
‫‪6‬القرار عدد ‪ 119‬وتاريخ ‪ 1131-31-13‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش في الملف رقم ‪.1131-3331-153‬‬
‫‪7‬الحكم عدد ‪ 1111‬وتاريخ ‪ 1131-11-31‬الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪ ،1131/1331/3153‬الحكم عدد ‪031‬‬
‫وتاريخ ‪ 1130-11-31‬الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪ ،1131/5/151 31‬الحكم عدد ‪ 531‬وتاريخ ‪1131-11-11‬‬
‫الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪.1131/1331/3313‬‬
‫‪8‬الحكم عدد ‪ 1111‬وتاريخ ‪ 1133-11-19‬الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪ ،1133/5/11‬الحكم عدد ‪1/1115/310‬غ‬
‫وتاريخ ‪ 1115-31-11‬الصادر عن المحكمة اإلدارية بمكناس في الملف رقم ‪1/1110/330‬غ‬
‫‪9‬القرار عدد ‪ 1511‬وتاريخ ‪ 1131-11-31‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪. 1135/1115/301‬‬

‫‪436‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫يقصد بعيب الشكل عدم مراعاة اإلدارة لقواعد الشكل الواجب افراغ العقوبة التأديبية‬
‫فيها‪ ،‬او عدم اتباع اإلجراءات المقررة إلصدارها‪.‬‬

‫وقد ألغى القضاء اإلداري المغربي عقوبات تأديبية عديدة اتخذت في حق الموظفين‬
‫التسامها بعيب الشكل ومن ذلك‪:‬‬
‫‪ ‬العقوبات التاديبية الصادرة حيادا على مقتضيات القانون ‪ 11-13‬بشان الزام‬
‫اإلدارات ا لعمومية والجماعات المحلية والمؤسسات العامة بتعليل ق ارراتها السلبية في صلبها‪،‬‬
‫وذلك الن التعليل كشرط شكلي في القرار اإلداري يمكن من التعرف على االعتبارات الواقعية‬
‫والقانونية التي كانت وراء إصداره ويشكل بالتالي ضمانة لألمن القانوني وحماية لحقوق‬
‫االفراد وحرياتهم‪ ، 1‬مع اإلشارة الى ان الزامية التعليل تنطبق على الوثيقة المجسدة للعقوبة‬
‫وليس على رسالة االخبار التي وان كانت تجسد الوجود المادي للعقوبة غير انه ال يمكن‬
‫‪2‬‬
‫مواجهة هذه الوثيقة بعيب انعدام التعليل‬
‫‪ ‬العقوبات التأديبية الصادرة عن لجنة إدارية متساوية األعضاء مشكلة خالفا‬
‫‪3‬‬
‫للقانون‪.‬‬
‫‪ ‬العقوبات التأديبية الصادرة بناء على اقتراح مجلس تأديبي تراسه المدير المباشر‬
‫للتفتيش وإلجراءات المتابعة‪ ،‬الن ذلك يجعل من هذا االخير خصما وحكما ويبعده عن‬
‫الحياد والتجرد‪ ،‬ويخل بمبادئ المحاكمة العادلة التي على رأسها حياد الهيئة اإلدارية وكفالة‬
‫حقوق الدفاع التي أرسى مبادئها الدستور الجديد في الفصل ‪ 331‬وما يليه‪ ،‬والتي وإن كانت‬
‫وردت في باب السلطة القضائية فإنها من القواعد العامة التي تطبق على سائر الهيئات‬
‫‪4‬‬
‫اإلدارية النظامية التي خولها المشرع صالحية التأديب االداري تحت رقابة القضاء‪.‬‬

‫‪1‬القرار عدد ‪ 1113‬وتاريخ ‪ 1139-31-15‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪ ،1139/1115/151‬القرار عدد‬
‫‪ 1135‬وتاريخ ‪ 1139-11-10‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪. 1139/1115/111‬‬
‫‪2‬القرار عدد ‪ 1113‬وتاريخ ‪ 1139-31-15‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪1139/1115/151‬‬
‫الحكم عدد ‪ 1113‬وتاريخ ‪ 1133-31-11‬الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم ‪19/133‬غ‪ ،‬الحكم عدد ‪ 1555‬وتاريخ ‪1131-31-31‬‬
‫الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪1131/1331/331‬‬
‫‪3‬القرار عدد ‪ 153‬وتاريخ ‪ 1113/31/11‬الصادر عن محكمة النقض في الملف االداري رقم ‪ ،1111/1/0/3313‬الحكم عدد ‪ 1191‬وتاريخ‬
‫‪ 1131-11-13‬الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪.1131/1331/109‬‬
‫‪4‬الحكم عدد ‪ 1311‬وتاريخ ‪ 1131/13/11‬الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم ‪. 1133/5/095‬‬

‫‪437‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪ ‬العقوبات التأديبية الصادرة عن لجنة إدارية متساوية األعضاء تقل درجات بعض‬
‫‪1‬‬
‫اعضائها الوظيفية عن درجة الموظف الماثل امامها‪.‬‬
‫‪ ‬العقوبة التاديبية الصادرة بناء على اقتراح مجلس تأديبي حضر اشغاله محرر‬
‫‪2‬‬
‫التقرير التأديبي وابدى رايه في المخالفة التأديبية المنسوبة للموظف المتابع تأديبيا‪.‬‬
‫‪ ‬العقوبة التأديبية الصادرة بناء على اقتراح مجلس تأديبي حضر اشغاله محام مع‬
‫‪3‬‬
‫اإلدارة‪.‬‬
‫‪ ‬العقوبات التأديبية الصادرة بناء على اقتراح مجلس تأديبي غير معلل كما يقضي‬
‫‪4‬‬
‫بذلك الفصل ‪ 13‬من قانون الوظيفة العمومية‪.‬‬
‫‪ ‬العقوبات التأديبية المخلة بمبدأ تزامن القرار اإلداري مع تعليله والذي يفرض‬
‫‪5‬‬
‫تضمين القرار األسباب التي أملت إتخاذه في صلبه في نفس تاريخ صدوره‪.‬‬
‫‪ ‬االستدالل بالحبج (شهادة الشهود) ألول مرة امام القضاء وليس امام المجلس‬
‫التأديبي لضمان مناقشتها من طرف الموظف المتابع تأديبيا في اطار احترام حقوق الدفاع‬
‫‪6‬‬
‫الذي يعتبر المجلس التأديبي بتركبته المتساوية األعضاء اهم ضمانة لتلك الحقوق‪.‬‬
‫‪ ‬العقوبات التأديبية المخلة بالضمانات التأديبية ذلك ان حق الدفاع هو مبدا عام‬
‫‪7‬‬
‫يتوجب تطبيقه ولو حتى في حالة عدم وجود نص تشريعي او تنظيمي يقرره‪.‬‬

‫وقد ألغى القضاء اإلداري المغربي العديد من العقوبات التأديبية لعدم مراعاتها‬
‫للضمانات التأديبية كعدم التمكين من حق الدفاع ‪ ،8‬أو كعدم اإلحالة على المجلس التأديبي‬
‫قبل اتخاذ العقوبة‪ ،9‬أو كعدم توجيه استدعاء للحضور امام المجلس التأديبي‪ ،1‬او توجيه‬

‫‪1‬القرار عدد ‪ 1113‬وتاريخ ‪ 1139-31-15‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪. 1139/1115/151‬‬
‫‪2‬الحكم عدد ‪ 3311‬وتاريخ ‪ 1139-11-33‬الصادر عن المحكمة اإلدارية بوجدة في الملف رقم ‪. 1139/1331/05‬‬
‫‪3‬القرار عدد ‪ 3113‬وتاريخ ‪ 1113/1/9‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪. 5/19/15‬‬
‫‪4‬الحكم عدد ‪ 313‬وتاريخ ‪ 3331-31-13‬الصادر عن إدارية الدار البيضاء في الملف رقم ‪3331/313‬غ‬
‫‪5‬القرار عدد ‪ 111‬وتاريخ ‪ 1131-11-11‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش في الملف رقم ‪.1130/1115/3319‬‬
‫‪6‬القرار عدد ‪ 199‬وتاريخ ‪ 1131-13-11‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪. 5/31/331‬‬
‫‪7‬القرار عدد ‪ 11‬وتاريخ ‪ 3331-11-31‬الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري رقم ‪10533‬‬
‫‪8‬الحكم عدد ‪ 0111‬وتاريخ ‪ 1131/31/33‬الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم ‪، ، 1133/5/513‬الحكم عدد ‪ 111‬وتاريخ ‪1131/1/1‬‬
‫الصادر عن ادارية الرباط في الملف رقم ‪1131/5/013‬‬
‫‪9‬الحكم عدد ‪ 1331‬وتاريخ ‪ 1139-15-35‬الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪ ، 1131/1331/139‬الحكم عدد ‪115‬‬
‫وتاريخ ‪ 1131-19-19‬الصادر عن المحكمة اإلدارية بوجده في الملف رقم ‪. 1131/1331/93‬‬

‫‪438‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ال يغني عن ضرورة احترام المسطرة‬ ‫االستدعاء بالهاتف للحضور على عجل‪ ،‬والذي‬
‫المتبعة في االستدعاء بشكل قانوني حرصا على مبدا حق الدفاع الواجب االحترام في‬
‫أي مسطرة تأديبية‪ ،2‬او كعدم تسليم االستدعاء للمعني باألمر شخصيا او في موطنه‪ ،3‬او‬
‫ككون المدة الفاصلة بين تاريخ االطالع على الملف التأديبي وتاريخ العرض عليه لم تتجاوز‬
‫اليوم الواحد ‪ ،‬وهي مدة جد قصيرة غير كافية إلعداد الدفاع ‪ ،‬وتحضير الوثائق التي ستعتمد‬
‫في ذلك‪ 4‬او كرفض االستجابة لطلب مهلة ألعداد الدفاع المقرونة بظرف انساني كتواجد‬
‫والد المتابع تأديبيا على فراش الموت‪ ،5‬او كعدم إدالء اإلدارة بما يفيد التمتيع بضمانات حق‬
‫الدفاع‪ ،6‬او كاستغناء المجلس التأديبي عن حضور المتابع تأديبيا بدعوى تعذر حضوره‬
‫لتواجده بالسجن‪ ، 7‬او كتوجيه االستدعاء للحضور امام المجلس التأديبي لمحل إقامة المتابع‬
‫وليس الى المؤسسة السجنية التي يقضي فيها عقوبة سالبة للحرية‪ ،8‬او كعدم االستدعاء‬
‫بدعوى وجود المتابع تأديبيا بالسجن الن التواجد رهن االعتقال ال يبرر الحرمان من‬
‫الضمانات التأديبية‪ ،9‬او كعدم علم المتابع تأديبيا بالمخالفات المهنية المنسوبة اليه إال حين‬
‫مثوله أمام المجلس التأديبي‪ ،10‬او كعدم استدعاء محامي المتابع تأديبيا‪ ،11‬او كعدم مناقشة‬
‫المخالفة المنسوبة امام المجلس التأديبي‪ ،12‬او كعدم التمكين من اجل كاف إلعداد الدفاع‪،13‬‬

‫‪1‬الحكم عدد ‪ 311‬وتاريخ ‪ 1131-11-11‬الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم ‪، 1131-1331-3311‬الحكم عدد ‪ 113‬وتاريخ ‪-31‬‬
‫‪ 1131-10‬الصادر عن إدارية وجدة في الملف رقم ‪.1131-1331-35‬‬
‫‪2‬الحكم عدد ‪ 3113‬وتاريخ ‪ 1131-10-33‬الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم ‪. 1131-1331-3311‬‬
‫‪3‬القرار عدد ‪ 1131‬وتاريخ ‪ 1133/33/13‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪. 5/31/111‬‬
‫‪4‬القرار عدد ‪ 1033‬وتاريخ ‪ 1131-11-19‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪ ، 1131/1115/33‬الحكم عدد‬
‫وتاريخ ‪ 1131-13-31‬الصادر عن إدارية ‪.1131/1331/311‬‬
‫‪5‬القرار عدد ‪ 1533‬وتاريخ ‪ 1135-11-19‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪. 1130/1115/3311‬‬
‫‪6‬القرار عدد ‪ 119‬وتاريخ ‪ 1139-11- 11‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪1131/1115/3133‬‬
‫‪7‬القرار عدد ‪ 531‬وتاريخ ‪ 1119/10/11‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪5/11/111‬‬
‫‪8‬القرار عدد ‪ 311‬وتاريخ ‪ 1113/31/13‬الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري رقم ‪1119/3/0/3101‬‬
‫‪9‬القرار عدد ‪ 0310‬وتاريخ ‪ 1131-33-11‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪. 1131/1115/135‬‬
‫‪10‬القرار عدد ‪ 1131‬وتاريخ ‪ 1133-33-13‬الصادر عن محكمة االسشتئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪. 5/31/111‬‬
‫‪11‬القرار عدد ‪ 1533‬وتاريخ ‪ 1135-11-19‬الصادر عن محكمة االسشتئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪. 1130/1115/3311‬‬
‫‪12‬القرار عدد ‪ 119‬وتاريخ ‪ 1139-11-11‬الصادر عن محكمة االسشتئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪ ، 1131/1115/3133‬الحكم عدد‬
‫‪ 1111/1331/15‬وتاريخ ‪ 1111-11-39‬الصادر عن إدارية مكناس في الملف رقم ‪.1133/1331/130‬‬
‫‪13‬الحكم عدد ‪ 1139/1331/0‬وتاريخ ‪ 1139-13-31‬الصادر عن المحكمة اإلدارية بمكناس في الملف رقم ‪1131/1331/311‬‬

‫‪439‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫أو كعدم اإلشارة في االستدعاء من اجل المثول امام المجلس التأديبي الى نوع المخالفة‬
‫المنسوبة‪.1‬‬

‫وتبدر اإلشارة في هذا الصدد الى ان إلغاء القرار التاديبي لعيب شالي – كما هو‬
‫الشأن بالنسبة اللغائه لصدوره عن جهة غير مختصة ‪ -‬ال يغ يد اإلدارة وال يسلبها حقها‬
‫في اتخاذ ارار آخر خال من هذا العيب‪.2‬‬

‫ج ‪-‬اتسام العقوبة التاديبية بعيب االنحراف في استعمال السلطة‬

‫يقصد بعيب االنحراف في استعمال السلطة ان تصدر اإلدارة عقوبة تاديبية تدخل‬
‫في اطار االختصاصات المخول لها سلطة اتخاذها لتحقيق غرض غير مشروع أو منفعة‬
‫غير إدارية بمن صدرت في حقه وهو مايشكل مخالفة لقاعدة تخصيص األهداف باستعمال‬
‫المصلحة العامة مطية لتحقيق أغراض أخرى غير هذه المصلحة ‪.‬‬

‫وعبء إثبات اتسام العقوبة التاديبية بعيب االنحراف في استعمال السلطة ملقى على‬
‫عات ق طالب اإللغاء الذي يبقى ملزما في عريضة الطعن بإثبات أن العقوبة محل الطعن ال‬
‫تستهدف تحقيق المصلحة العامة وانما غاية أخرى تماشيا مع ما استقر عليه عليه القضاء‬
‫اإلداري المغربي من أن هذا العيب يجب إقامة الدليل عليه ألنه ال يفترض‪.3‬‬

‫وعيب االنحراف في استعمال السلطة هو مجرد " وسيلة احتياطية " ال يبحث في‬
‫وجودها اذا ثبت وجود عيب اخر شاب العقوبة التاديبية وفق ما استقر على ذلك الفقه‬
‫والقضاء اإلداريين‪ ،4‬وهو ما يفسر قلة االحكام الصادرة عن القضاء اإلداري المغربي التي‬
‫قضت بإلغاء العقوبات التاديبية التسامها بهذا العيب‪ ،‬ومن ذلك على سبيل المثال ‪:‬‬
‫‪ ‬العقوبات التاديبية التي تهدف الى مصادرة الحق في العمل النقابي‪.5‬‬

‫‪ ‬العقوبات التاديبية التي تقرن بين إجراء اداري كالنقل والتاديب‪.1‬‬

‫‪1‬القرار عدد ‪ 1139‬وتاريخ ‪ 1139-11-11‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪. 1139/1115/011‬‬
‫‪2‬القرار عدد ‪ 531‬وتاريخ ‪ 3335/33/11‬الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري رقم ‪. 35/3/5/31‬‬
‫‪3‬الحكم عدد ‪ 1911‬وتاريخ ‪ 1131/31/11‬الصادر عن إدارية الدار البيضاء في الملف عدد ‪1131/1331/31‬‬
‫‪4‬الحكم عدد ‪ 3913‬وتاريخ ‪ 1131-15-11‬الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪1131/1331/111‬‬
‫‪5‬الحكم عدد ‪ 331‬وتاريخ ‪ 1131-11-13‬الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪.1131/1331/391‬‬

‫‪440‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪ ‬العقوبات التاديبية التي تقضي بتأديب أحد الموظفين المتورطين في نسج عالقات‬
‫مع مروجي المخدرات وبيع الكحول بدون رخصة دون باقي الموظفين المتورطين‪.2‬‬

‫‪ ‬العقوبات التاديبية التي تعاقب عن مخالفة لم يتم عرضها على المجلس التأديبي‬
‫والذي لم يصدر أي اقتراح بشأنها‪.3‬‬

‫‪ ‬العقوبات التاديبية الصادرة على اثر العرض على المجلس التاديبي الكثر من مرة‬
‫واحدة سعيا لتشديد العقوبة‪.4‬‬

‫‪ ‬العقوبات التاديبية التي ال تتخذها اإلدارة في وقت وزمان معقول وتستحضرها وقت‬
‫ما شاءت ووفق رغباتها ومشيئتها وهو الشيء الذي ال يتماشى والغاية التشريعية والتنظيمية‬
‫من المنظومة التدبيرية المرتبطة بالعقوبات التاديبية‪.5‬‬

‫‪ ‬العقوبات التاديبية المبنية على أفعال غير ثابته ‪ ،‬وتحريك المسطرة التاديبية بشأنها‬
‫ينم على ان الغاية من ذلك ليس المصلحة العامة وانما االنتقام‪.6‬‬

‫د – اتسام العقوبة التاديبية بعيب انعدام السبب‬

‫إ ن المسؤولية التأديبية شأنها شأن المسؤولية الجنائية شخصية لذلك يتعين إلدانة‬
‫الموظف ومعاقبته تاديبيا اثبات قيامه بفعل يستوجب التاديب‪ ، 7‬فالموظف ال يسال اال عن‬
‫اخطائه في اطار مبدا شخصية الخطأ وشخصية العقوبة‪.8‬‬

‫والسبب وفق ما استقر عليه الفقه والقضاء اإلداريين المغربين هو تلك الحالة الواقعية‬
‫والقانونية السابقة التي تبرر تدخل اإلدارة في مكان وزمان معين من اجل اتخاذ القرار المالئم‬

‫‪1‬الحكم عدد ‪ 1113‬وتاريخ ‪ 1131-15-10‬الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪. 1131/1331/015‬‬
‫‪2‬الحكم عدد ‪ 1130/111‬وتاريخ ‪ 1130-31-15‬الصادر عن ادارية اكادير في الملف رقم ‪. 1130/1331/111‬‬
‫‪3‬الحكم عدد ‪ 3111‬وتاريخ ‪ 1133/11/35‬الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم ‪. 31/5/011‬‬
‫‪4‬القرار عدد ‪ 1993‬وتاريخ ‪ 1139-19-35‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪ ، 1139/1115/333‬الحكم عدد‬
‫‪ 1051‬وتاريخ ‪ 1131-11-11‬الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم ‪. 1131-1331-339‬‬
‫‪5‬الحكم عدد ‪ 130‬وتاريخ ‪ 1131-11-11‬الصادر عن ادارسة فاس في الملف رقم ‪.1131/1331/33‬‬
‫‪6‬الحكم عدد ‪ 0111‬وتاريخ ‪ 1133-31-13‬الصادر عن ادارسة الرباط في الملف رقم ‪.1133/1331/530‬‬
‫‪7‬الحكم عدد ‪ 01‬وتاريخ ‪ 3335/11/31‬الصادر عن إدارية مراكش في الملف رقم ‪3330/11‬غ ‪.‬‬
‫‪8‬القرار عدد ‪ 391‬وتاريخ ‪ 1131-13-39‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪. 1135/1115/131‬‬

‫‪441‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الذي يمكن من خالله مواجهة تلك الحالة ‪ ،‬وتبعا لذلك فان كل قرار اداري يجب ان يبنى‬
‫على سبب مادي وقانوني صحيح ‪ ،‬واال كان فاقدا لركن أساسي يبرر إصداره ‪.‬‬

‫والخطأ المهني باعتباره يشكل ركن السبب في العقوبة يتوجب اثبات ماديته من طرف‬
‫اإلدارة كما يتوجب ان تكون االفعال المادية المكونة له قابلة الن يتم تكييفها على انها‬
‫أخطاء مهنية‪.1‬‬

‫وتجدر اإلشارة في هذا الصدد الى ان الوقائع تستقل بتقديرها محكمة الموضوع وال‬
‫‪2‬‬
‫معقب عليها في ذلك من طرف محكمة النقض اال من حيث التعليل‬

‫وقد الغى القضاء اإلداري المغربي العديد من العقوبات التاديبية لكونها مشوبة بعيب‬
‫السبب ومن ذلك ‪:‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ ‬العقوبات التاديبية المبنية على سبب غير موجود او غير صحيح‬
‫‪4‬‬
‫‪ ‬العقوبات التاديبية المبنية على مجرد القرائن واالحتمال واالفتراض‬
‫‪5‬‬
‫‪ ‬العقوبات التاديبية المبنية على وقائع مادية غير ثابتة‬

‫‪ ‬العقوبات التاديبية المبنية على أخطاء لم تدل اإلدارة المعنية بما يثبتها ليتمكن‬
‫‪6‬‬
‫القضاء االداري من مراقبتها وبالتالي التحقق من صحتها‬

‫‪1‬القرار عدد ‪ 3013‬وتاريخ ‪ 1131-11-11‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪. 1131/1115/310‬‬
‫‪2‬القرار عدد ‪ 3/311‬وتاريخ ‪ 1131-11-10‬الصادر عن محكمة النقض في الملف رقم ‪. 1135/3/0/1111‬‬
‫‪3‬الحكم عدد ‪ 1339‬وتاريخ ‪ 1131-13-30‬الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪ ، 1131-1331-113‬الحكم عدد ‪1913‬‬
‫وتاريخ ‪1133-11-31‬الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم ‪. 1133/1331/01‬‬
‫‪4‬الحكم عدد ‪ 91‬وتاريخ ‪ 1111/11/31‬الصادر عن المحكمة اإلدارية بوجدة في الملف رقم ‪1111/31‬غ ‪ ،‬الحكم عدد ‪ 1311‬وتاريخ‬
‫‪ 1133/31/11‬الصادر عن المحكمة اإلدارية الرباط في الملف رقم ‪. 1131/5/115‬‬
‫‪5‬القرار عدد ‪ 951‬وتاريخ ‪ 1111/31/31‬الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري رقم ‪ ، 1111/3/0/3359‬القرار عدد ‪ 3011‬وتاريخ‬
‫‪ 1119/31/31‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪ ، 5/11/013‬القرار عدد ‪ 031‬وتاريخ ‪ 1131/11/13‬الصادر‬
‫عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪. 5/19/11‬‬
‫‪6‬القرار عدد ‪ 5335‬وتاريخ ‪ 1131-31-11‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪ ،1131/1115/331‬الحكم عدد‬
‫‪ 1131/1331/501‬وتاريخ ‪ 1131-13-11‬الصادر عن المحكمة اإلدارية بمكناس في الملف رقم ‪، 1131-1331-311‬الحكم عدد ‪153‬‬
‫وتاريخ ‪ 1139-13-11‬الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪.1131-1331-3331‬‬

‫‪442‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪ ‬العقوبات التاديبية المبنية على العموم والتجريد واحتمال الصدق و الكذب وليس‬
‫‪1‬‬
‫على الجزم واليقين‬
‫‪2‬‬
‫‪ ‬العقوبات التاديبية المبنية على ارتكاب اخالالت عامة دون تدقيق‬

‫‪ ‬العقوبات التاديبية المتخذة بحق المسؤولين المخلين بمهام المسؤولية اما بسبب‬
‫عدم قدرتهم على تتبع اعمال المرؤوسين وضبطها او بسبب عدم الرضى عن تدبيرهم للمرفق‬
‫المسند اليهم‪ ،‬وذلك لكون هذه االخالالت تتصل أساسا بما اسند لهم من مهام اإلدارة‪ ،‬وانه‬
‫وان كانت تعطي الحق من حيث المبدأ في االعفاء من هذه المسؤولية ‪ ،‬فال يمكن اعتمادها‬
‫سببا للمؤاخذة التاديبية‪.3‬‬

‫‪ ‬العقوبات التاديبية المبنية على مجرد القرائن غير المنضبطة والتي ال تسمح بالقول‬
‫بثبوت المخالفة التاديبية‪.4‬‬

‫‪ ‬العقوبات التاديبية المبنية على االستنتاجات والخالصات غير اليقينية‪.5‬‬

‫‪ ‬العقوبات التاديبية المبنية على اسباب ال تقوم على أساس من الواقع او تم تكييف‬
‫بعضها تكييفا غير صحيح‪.6‬‬

‫‪ ‬العقوبات التأديبية المبنية على افعال تمت تبرئة المتابع منها من طرف القضاء‬
‫‪7‬‬
‫الزجري بحكم حائز لقوة الشيء المقضي به‪.‬‬

‫‪1‬القرار عدد ‪ 131‬وتاريخ ‪ 1111/11/19‬الصادر عن محكمة النقض في الملف االداري رقم ‪ ، 33/3/0/3015‬القرار عدد ‪ 1191‬وتاريخ ‪-11‬‬
‫‪ 1131-31‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪ ،1131/1115/131‬القرار عدد ‪ 3131‬وتاريخ ‪1133-31-31‬‬
‫الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش في الملف رقم ‪.1133/1115/3151‬‬
‫‪2‬الحكم عدد ‪ 311‬وتاريخ ‪ 1131-13-31‬الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪.1131-1331-303‬‬
‫‪3‬القرار عدد ‪ 1131‬وتاريخ ‪ 1130-15-33‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪ ، 5/31/101‬الحكم عدد ‪3910‬‬
‫وتاريخ ‪ 1131-15-11‬الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪ ، 1131-1331-331‬الحكم عدد ‪ 1339‬وتاريخ ‪-11-11‬‬
‫‪ 1131‬الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪. 1131-1331-111‬‬
‫‪4‬الحكم عدد ‪ 5113‬وتاريخ ‪ 1131-33-19‬الصادر عن المحكمة اإلدارية الرباط في الملف رقم ‪. 1131-1331-111‬‬
‫‪5‬الحكم عدد ‪ 1501‬وتاريخ ‪ 1133-11-10‬الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم ‪. 1133/1331/301‬‬
‫‪6‬الحكم عدد ‪ 1139/1331/0‬وتاريخ ‪ 1139-13-31‬الصادر عن المحكمة اإلدارية بمكناس في الملف رقم ‪.1131-1331-311‬‬
‫رقم ‪ ، 1119/1/0/151‬الحكم عدد‬ ‫‪7‬القرار عدد ‪ 131‬وتاريخ ‪ 1113/31/11‬الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري‬
‫‪ 1139/1331/113‬وتاريخ ‪ 31-31-1139‬الصادر عن المحكمة اإلدارية بمكناس في الملف رقم ‪. 1139/1331/131‬‬

‫‪443‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ومرد ذلك عائد الى انه وان كان األصل العام هو استقالل المسؤولية الجنائية عن‬
‫المسؤولية التأديبية فان ثمة استثناءات من بينها صدور حكم نهائي بالبراءة النتفاء الواقعة‬
‫المنسوبة للموظف‪ ،‬إذ في هذه الحالة ال يمكن لإلدارة أن تؤسس المتابعة التأديبية على ذات‬
‫الواقعة التي ثبت للقضاء الزجري عدم قيامها لما في ذلك من هدر لقوة الشيء المقضي به‪.1‬‬

‫فاألحكام التي حازت قوة الشيء المقضي به تكون حجة فيما فصلت فيه من الحقوق‬
‫أو المراكز القانونية وعنوانا للحقيقة فيما قضت به‪ ،‬ومن تم ال يجوز مساءلة الموظف تأديبيا‬
‫عن أفعال تناولها القضاء الزجري بالبت والمناقشة وانتهى إلى عدم ثبوتها‪.2‬‬

‫ولذلك فان سلطة اإلدارة في تحريك المتابعة التأديبية تكون مقيدة بحدود الوقائع الثابتة‬
‫التي انتهى إليها القضاء الزجري‪ ،‬واذا كان مبدأ استقالل المتابعة التأديبية عن المتابعة‬
‫الزجرية يسمح لها بتحريك آليات التأديب متى أمكن تكييف الوقائع في اتجاه استخراج‬
‫مخالفات إدارية وإخضاعها للعقاب‪ ،‬فإن ذلك مشروط بعدم تجاوز الحقائق والوقائع الثابتة‬
‫بموجب األحكام القضائية الزجرية النهائية‪.3‬‬

‫وال يمكن التذرع بكون وسائل اإلثبات واالدلة في الميدان الجنائي تختلف عنها في‬
‫الميدان التأديبي‪ ،‬إلنه حينما تكون األفعال التي توبع من اجلها الموظف جنائيا هي نفسها‬
‫التي توبع من اجلها تأديبيا‪ ،‬فإن الحكم النهائي الحائز لقوة الشيء المقضي به القاضي‬
‫ببراءته‪ ،‬يقتضي من اإلدارة وضع حد ألي متابعة تأديبية فباألحرى إصدار عقوبة تاديبية في‬
‫حقه‪.4‬‬

‫وقد ثار خالف في القضاء اإلداري المغربي بشأن إمكانية تحريك المتابعة التاديبية في‬
‫حق موظف عن قيامه بفعل جرمي رغم عدم تحريك المتابعة الزجرية في حقه‪.‬‬

‫‪1‬القرار عدد ‪ 51‬وتاريخ ‪ 1133/31/31‬الصادر عن محكمة النقض في الملف االداري رقم ‪.1119/1/0/111‬‬
‫‪2‬القرار عدد ‪ 3313‬وتاريخ ‪ 1111/11/11‬الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري رقم ‪.1111/3/0/301‬‬
‫‪3‬الحكم عدد ‪ 3151‬وتاريخ ‪ 1111/11/31‬الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪11/191‬غ‪.‬‬
‫‪4‬القرار عدد ‪ 511‬وتاريخ ‪ 1119/10/11‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪، 5/11/359‬القرار عدد ‪ 111‬وتاريخ‬
‫‪ 1113/11/10‬الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري رقم ‪ ،1119/3/0/119‬القرار عدد ‪ 199‬و تاريخ ‪ 3333/13/11‬الصادر عن‬
‫محكمة النقض في الملف اإلداري رقم ‪ ، 3331/31351‬القرار عدد ‪ 3111‬وتاريخ ‪ 3339/33/11‬الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري‬
‫رقم ‪، 3331/3/5/1111‬القرار عدد ‪ 131‬وتاريخ ‪ 1113/31/11‬الصادر عن محكمة النقض في الملف رقم ‪. 1119/1/0/151‬‬

‫‪444‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وهكذا فقد ذهبت الغرفة اإلدارية بالمجلس األعلى (محكمة النقض حاليا) في أحد‬
‫ق ارراتها الى ان اإلدارة وان لم تتابع الموظف جنائيا فإن من حقها رغم ذلك تحريك المسطرة‬
‫اإلدارية في حقه‪.1‬‬

‫وفي نفس السياق ذهبت إدارية الرباط في احد احكامها الى ان التكييف القانوني‬
‫للوقائع الذي انتهت إليه اإلدارة غير سليم ذلك أنه إذا كان من المقرر قانونا في قيام جريمة‬
‫الرشوة ضرورة توافر أركانها‪ ،‬ومن بينها الركن المادي الذي هو عبارة عن قيام الموظف‬
‫بطلب‪ ،‬أو قبول عرض أو وعد أو تسلم هبة أو أية فائدة كيفما كان جنسها ونوعها من‬
‫صاحب الحاجة ليؤدي له عمال أو امتناعا ضمن اختصاصاته الشخصية فان هذا الركن‬
‫يبقى غير قائم في نازلة الحال وبالتالي تنعدم المخالفة المنسوبة للمتابع تاديبيا‪.2‬‬

‫وهذا الموقف يصطدم مع كون المخالفة التاديبية هي تابعة للمخالفة الجنائية وتدور‬
‫معها وجودا وعدما‪ ،‬وتبعا لذلك ال يمكن متابعة موظف عمومي تاديبيا من اجل ارتكابه فعال‬
‫ذو طابع جرمي الن امر التثبت من وقوعه يعود للقضاء الزجري ‪.‬‬

‫وفي هذا الصدد فقد ذهبت إدارية الرباط في أحد احكامها الى ان إقدام سلطة التسمية‬
‫على اتخاذ العقوبة التأديبية بشأن فعل جرمي والجزم بثبوته اعتقادا منها باستقالل المخالفة‬
‫االدارية عن المخالفة الزجرية فيه استباق لسلطة القضاء الزجري واغتصابا لها‪.3‬‬

‫وذهبت في حكم اخر الى أن مباشرة القاضي اإلداري لرقابته على الوجود المادي للفعل‬
‫الجرمي تحتم عليه التطرق إلى العناصر المكونة للجريمة‪ ،‬والحال أن ذلك يخرج عن‬
‫اختصاصه وفيه مساس باختصاص المحاكم الزجرية‪ 4‬وفي حكم اخر الى انه اذا كان‬
‫موضوع المتابعة التأديبية متصل بفعل جرمي فان امر البت في مدى ثبوتيته ال يمكن‬

‫‪1‬القرار عدد ‪ 11‬وتاريخ ‪ 33‬مايو ‪ 3311‬الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري رقم ‪.11131‬‬
‫‪2‬الحكم عدد ‪ 01‬وتاريخ ‪ 3330/13/33‬الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم ‪3330/1‬غ ‪.‬‬
‫‪3‬الحكم عدد ‪ 3301‬وتاريخ ‪ 1111/13/30‬الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪. 1115/111‬‬
‫‪4‬الحكم عدد ‪ 019‬وتاريخ ‪ 1131/11/31‬الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪19/191‬غ‬

‫‪445‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫تحققه اال في حالة متابعة الموظف امام القضاء الزجري وادانته بمقتضى حكم قضائي‬
‫حائز لقوة الشيء المقضي به‪.1‬‬

‫كما ذهبت محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في احد ق ارراتها الى ان التسجيل‬
‫الصوتي وكذا الشكاية الالحقة عليه هي وثائق ال يمكن اعتمادها في اثبات واقعة تلقي‬
‫الرشوة في غياب وجود اية وثيقة رسمية صادرة من السلطات الضبطية والقضائية المختصة‬
‫تفيد ارتكاب هذا الفعل الجرمي الن القرص المدمج تم تسجيله بدون الحصول على اذن من‬
‫السلطات المختصة او إحالة الشكاية والقرص عليها من اجل التأكد من صحة الوقائع‬
‫المضمنة بها‪.2‬‬

‫كما ثار خالف في القضاء اإلداري المغربي أيضا بشأن إمكانية متابعة الموظف‬
‫العمومي المحال على المعاش تاديبيا من عدمه‪.‬‬

‫وهكذا فقد ذهبت إدارية الرباط في أحد احكامها الى انه يمكن متابعة الموظف العمومي‬
‫تاديبيا ولو بعد احالته على المعاش عن أخطاء ارتكبها‪ ،‬وهو في وضعية القيام بالوظيفة‬
‫وقبل ان يبلغ سن اإلحالة على المعاش‪.3‬‬

‫في حين ذهبت محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في أحد ق ارراتها الى ان صيرورة‬
‫العقوبة الجنائية نهائية في وقت بلغ فيه الموظف سن اإلحالة على التقاعد يفيد أن الرابطة‬
‫القانونية بينه وبين إدارته قد انتفت بقوة القانون بعد بلوغه هذه السن وبالتالي ال يمكن لإلدارة‬
‫أن تصدر عقوبة تأديبية في حقه‪.4‬‬

‫ه – اتسام العقوبة التاديبية بعيب مخالفة القانون‬

‫ويقصد بعيب مخالفة القانون مخالفة كل قاعدة قانونية يجب على اإلدارة احترامها‪ ،‬وقد‬
‫قضى القضاء اإلداري المغربي بالغاء بعض العقوبات التاديبية الصادرة خالفا ألحكام‬
‫القانون ومن ذلك على سبيل المثال‪:‬‬

‫‪1‬الحكم عدد ‪ 1101‬وتاريخ ‪ 1135-11-11‬الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪.1135/1331/391‬‬
‫‪2‬القرار عدد ‪ 1193‬وتاريخ ‪ 1131-31-11‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪1131/1115/115‬‬
‫‪3‬الحكم عدد ‪ 1113‬وتاريخ ‪ 1113/31/11‬الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪ 1119/133‬غ ‪.‬‬
‫‪4‬القرار عدد ‪ 3115‬وتاريخ ‪ 1113-15-31‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪. 5/19/39‬‬

‫‪446‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪ 94‬من قانون الوظيفة‬ ‫‪ ‬العقوبات التاديبية الصادرة خالفا لمقتضيات الفص‬


‫العمومية الذي يقضي بانه يجب على المجلس التأديبي ان يبدي برايه في أجل شهر واحد‬
‫من يوم رفع النازلة إليه‪ ،‬ويمتد هذا األجل إلى ثالثة أشهر عند القيام ببحث‪.1‬‬

‫‪ 91‬من ظهير‬ ‫لمقتضيات الفص‬ ‫‪ ‬العقوبات التاديبية الصادرة خالفا‬


‫‪ 3359/1/10‬كعدم إصدار قرار بتوقيف الموظف بصورة مؤقتة في انتظار فصل القضاء‬
‫الزجري في المنسوب له‪ ،2‬او كعدم تسوية وضعيته اإلدارية رغم مرور اجل أربعة اشهر‬
‫المنصوص عليها في هذا الفصل‪ ،3‬أو كعدم البت في ملفه من طرف المجلس التاديبي‬
‫خالل االجل المحدد له بموجب هذا الفصل‪ ،4‬او كحرمان الموظف الموقوف عن العمل‬
‫بسبب متابعته من طرف القضاء الزجري من استرداد راتبه رغم صدور حكم نهائي قضى‬
‫ببراءته من الفعل المنسوب اليه‪ ،‬ورغم عدم اتخاذ أي عقوبة تاديبية في حقه‪.5‬‬

‫‪ ‬العقوبات التاديبية الصادرة في حق موظف مضرب عن العمل الن ذلك فيه‬


‫اخالل بحرية ممارسة االضراب المكرسة دستوريا‪.6‬‬

‫‪ ‬العقوبات التاديبية الصادرة خالفا لمقتضيات الفصل ‪ 11‬من النظام األساسي‬


‫للوظيفة العمومية التي تستلزم توجيه استفسار قبل اتخاذ عقوبتي االنذار والتوبيخ‪.7‬‬

‫‪1‬القرار عدد ‪ 111‬وتاريخ ‪ 1119/11/11‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪ ، 5/11/301‬القرار عدد ‪ 113‬وتاريخ‬
‫‪ 1113/10/11‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪ ، 5/13/31‬الحكم عدد ‪ 5/1133/335‬وتاريخ ‪1133/1/10‬‬
‫الصادر عن المحكمة اإلدارية بمكناس في الملف رقم ‪ ، 5/1131/19‬الحكم عدد ‪ 301‬وتاريخ ‪ 1133/11/11‬الصادر عن ادارية فاس في‬
‫الملف رقم ‪. 1131/5/93‬‬
‫‪2‬القرار عدد ‪ 051‬وتاريخ ‪ 1113/11/13‬الصادر عن محكمة النقض في الملف االداري رقم ‪. 1111/3/0/311‬‬
‫‪3‬القرار عدد ‪ 0311‬وتاريخ ‪ 1131-33-19‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪ ، 1131/1115/511‬القرار عدد‬
‫‪ 1391‬وتاريخ ‪ 1139-31-13‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية في الملف رقم ‪.1139/1115/091‬‬
‫‪4‬القرار عدد ‪ 1131‬وتاريخ ‪ 1133-11-13‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪ 1133/1115/391‬الذي ضم له‬
‫الملف رقم ‪ ، 1133/1115/391‬الحكم عدد ‪ 1131/1331/110‬وتاريخ ‪ 1131-11-11‬الصادر عن إدارية مكناس في الملف رقم ‪-10‬‬
‫‪1131-1331‬‬
‫‪5‬الحكم عدد ‪ 0010‬وتاريخ ‪ 1135-31-11‬الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم ‪.1135/1331/101‬‬
‫‪6‬الحكم عدد ‪ 3105‬وتاريخ ‪ 1131-10-19‬الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم ‪. 1131-1331-011‬‬
‫‪7‬القرار عدد ‪ 5131‬وتاريخ ‪ 33-31-1139‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪، 1139/1115/3101‬الحكم عدد‬
‫‪ 1131/130‬وتاريخ ‪ 1131-11-11‬الصادر عن المحكمة اإلدارية بفاس في الملف رقم ‪ ، 1131/1331/33‬القرار عدد ‪ 0351‬وتاريخ ‪-31‬‬
‫‪ 1139-33‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪ ، 1139/1115/150‬الحكم عدد ‪ 111‬وتاريخ ‪1139-13-31‬‬
‫الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪.1131/1331/3311‬‬

‫‪447‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وجدير بالذكر في هذا الصدد ان القضاء اإلداري المغربي قد اعتبر بان محضر‬
‫االستماع ال يقوم مقام االستفسار اذ ان االستفسار المقصود من طرف المشرع يجب ان‬
‫يكون كتابة ويتم توجيهه للموظف المعني باالمر ويتوصل به‪ ،‬ويمنح له اجل لتقديم‬
‫اإليضاحات الالزمة والمؤيدات الداعمة لموقفه وذلك احتراما لحق الموظف في الدفاع عن‬
‫نفسه بخصوص المتابعة التأديبية المفتوحة في حقه‪.1‬‬

‫‪ ‬العقوبات التأديبية الصادرة خالفا لمقتضيات الفصل ‪ 05‬من قانون الوظيفة‬


‫العمومية التي تستلزم إحالة ملف الموظف المصاب بمرض اثناء او بمناسبة قيامه بعمله‬
‫على المجلس الصحي التخاذ الموقف المالئم بشان وضعيته الصحية وليس تأديبه‪.2‬‬

‫ثانيا‪ :‬الغلو في التقدير او عدم التناسب او المالءمة لين المخالفة والعقوبة‬


‫التأديبية‬

‫إذا كانت المادة ‪ 11‬من القانون رقم ‪ 3.59.119‬الصادر بتاريخ ‪ 10‬فبراير ‪3359‬‬
‫بشأن النظام األساسي للوظيفة العمومية قد حددت العقوبات التأديبية المطبقة على الموظفين‬
‫حسب تزايد الخطورة بدءا باإلنذار وانتهاء بالعزل مع توقيف الحق في التقاعد‪.‬‬

‫واذا كان لسلطة التسمية سلطة تقدير المخالفة التأديبية وما يناسبها من جزاء‪ ،‬وان لها‬
‫ان تتخذ في حق الموظف المخالف عقوبة تأديبية ولو حتى في حالة وجود اقتراح من‬
‫المجلس التأديبي باألوجه للمتابعة‪.3‬‬

‫إال أن مناط مشروعية هذه السلطة شأنها في ذلك شأن أية سلطة تقديرية أخرى‪ ،‬أال‬
‫يشوب استعمالها غلو في التقدير‪.‬‬

‫ولذلك فقد درج العمل القضائي االداري المغربي على الحكم بعدم مشروعية العقوبة‬
‫التأديبية متى بدا له عدم تناسبها مع درجة وخطورة الفعل المرتكب متجاو از بذلك رقابة‬

‫‪1‬الحكم عدد ‪ 991‬وتاريخ ‪ 1133-10-31‬الصادر عن المحكمة اإلدارية بوجدة في الملف رقم ‪. 1133-1331-11‬‬
‫‪2‬الحكم عدد ‪ 3111‬وتاريخ ‪ 1131-31-11‬الصادر عن المحكمة اإلدارية فاس في الملف رقم ‪. 1131-1331-391‬‬
‫‪3‬القرار عدد ‪ 151‬وتاريخ ‪ 1111-10-15‬الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري رقم ‪، 1115/3/0/3311‬القرار عدد ‪ 313‬وتاريخ‬
‫‪ 1133-11-33‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪.1139/1115/3131‬‬

‫‪448‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المشروعية الداخلية والخارجية للعقوبة التأديبية الى تطوير أسلوب رقابة جديد يفحص‬
‫الى جانب الشرعية الداخلية والخارجية المالءمة بين المخالفة التأديبية والعقوبة التأديبية‪ ،‬واذا‬
‫ظهر له وجود قدر من عدم التناسب البين بان كانت العقوبة المطبقة ال تتناسب بشكل جلي‬
‫وواضح مع خطورة الفعل المرتكب وانها تتسم بالغلو في التقدير‪ ،‬وذلك لكون المشرع وان قام‬
‫بالتنصيص على عدد من العقوبات فإنما قصد أن تختار السلطة التأديبية من بينها ما‬
‫يناسب ويالئم المخالفة المرتكبة‪ ،‬ودون غلو في ذلك‪.1‬‬

‫وهكذا فقد اعتبر القضاء اإلداري المغربي بان عقوبة العزل التي هي اشد عقوبة‬
‫تأديبية يمكن ان يتعرض لها الموظف العمومي لما تؤدي اليه من الحذف من اسالك اإلدارة‬
‫وفقدان مورد العيش ال تتناسب مع بعض المخالفات التأديبية‪ ،‬كسوء التفاهم والمشادة‬
‫الكالمية بين المرؤوس والرئيس‪ ،2‬أو كعدم تبليغ الموظف اإلدارة التي ينتمي إليها بوقائع‬
‫وصلت إلى علمه تضر بمصلحة المرفق العمومي الذي ينتمي إليه‪ ،3‬او كتقطيع لجام‬
‫حصان‪ ،4‬أو كالنزول من سيارة المصلحة مع ترك مفتاح التشغيل بها إضافة إلى الجهاز‬
‫الالسلكي‪ ،5‬أو كإهانة زميلة في العمل‪ ،6‬أو كاالهمال مع ثبوت سرقة لوازم العمل‪ ،7‬أو‬
‫كمغادرة مقر العمل لفترة محددة وبدون إذن مسبق‪ ،8‬أو كعدم ابراز اإلدارة وجه انعدام‬
‫االستقامة والقدوة الحسنة والمروءة والثقة واالبتعاد عن الممارسات المشبوهة واالستهتار‬
‫بالواجب المهني‪ ،9‬او كارتكاب أفعال مخالفة لصفات الوقار واالستقامة وحسن السلوك التي‬
‫ينبغي أن يتحلى بها كل موظف عمومي خارج إطار العمل و ليس أثناء القيام به‪ ،10‬او‬
‫كالتقصير غير المتعمد في مراقبة المرؤوسين‪ ،11‬او كالتقاعس في إنجاز األشغال والتغيب‬

‫‪1‬القرار عدد ‪ 1135‬وتاريخ ‪ 1139-11-10‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪ ، 1139/1115/111‬الحكم عدد‬
‫‪ 913‬وتاريخ ‪ 1133-11-15‬الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم ‪. 1139/1331/339‬‬
‫‪2‬القرار عدد ‪ 111‬وتاريخ ‪ 1111/31/11‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش في الملف رقم ‪. 3-11/5/115‬‬
‫‪3‬الحكم عدد ‪ 1113‬وتاريخ ‪ 1113/31/11‬الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪ 1119/133‬غ‬
‫‪4‬الحكم عدد ‪ 311‬وتاريخ ‪ 1111/31/11‬الصادر عن المحكمة اإلدارية بمراكش في الملف رقم ‪1111/1/339‬غ ‪.‬‬
‫‪5‬القرار عدد ‪ 1153‬وتاريخ ‪ 1133/15/11‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪. 15/31/019‬‬
‫‪6‬الحكم عدد ‪ 01‬وتاريخ ‪ 1111/15/31‬الصادر عن المحكمة اإلدارية بمراكش في الملف رقم ‪. 1111/1/300‬‬
‫‪7‬الحكم عدد ‪ 3‬وتاريخ ‪ 1111/3/31‬الصادر عن المحكمة اإلدارية بمراكش في الملف رقم ‪. 1111/1/01‬‬
‫‪8‬القرار عدد ‪ 3111‬وتاريخ ‪ 3339/33/11‬الصادر عن محكمة النقض في الملف اإلداري رقم ‪. 3331/3/5/1111‬‬
‫‪9‬القرار عدد ‪ 131‬وتاريخ ‪ 1113/11/39‬الصادر عن محكمة النقض في الملف االداري رقم ‪. 1111/3/0/1131‬‬
‫‪10‬الحكم عدد‪ 990‬و تاريخ ‪ 3339/31/13‬الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم ‪3331/3139‬غ‬
‫‪11‬الحكم عدد ‪ 999‬وتاريخ ‪ 1111/1/11‬الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم ‪ 1113/3303‬غ ‪.‬‬

‫‪449‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫بدون عذر أو إذن وعدم مالزمة المكتب‪ ،‬واستقبال العموم واستعمال الهاتف المحمول‬
‫والجواب عن استفسار بالبريد المضمون‪ ،1‬او كشبهة التعامل مع احد السجناء‪ ،2‬او كالشجار‬
‫العادي لرجل امن مع احد سائقي الطاكسيات‪.3‬‬

‫كما اعتبر القضاء اإلداري المغربي بان اإلحالة الحتمية على التقاعد ال تتناسب مع‬
‫عدم اثبات االدارة األفعال التي تنسبها للموظف باستثناء بعض التغيبات برسم احد الشهور‪.4‬‬

‫واعتبر أيضا بان عقوبة الحذف من الئحة التراي ال تتناسب مع التغيب عن العمل‬
‫بدون اذن سابق في احد األيام‪.5‬‬

‫خاتمة‬
‫لقد ابانت االحكام المرتكز عليها في هذه الدراسة وعددها (‪ ،)159‬بان القضاء اإلداري‬
‫المغربي لعب دو ار مهما في المسؤولية التأديبية للموظف العمومي سواء فيما يتعلق بتحديد‬
‫مفهوم المخالفة التأديبية‪ ،‬او وسائل اثباتها‪ ،‬او مراقبة شرعيتها الداخلية والخارجية‪ ،‬إضافة‬
‫الى مالءمتها للمخالفة التأديبية‪.‬‬

‫كما ابانت هذه االحكام بان السلطة التأديبية ترتكب هفوات في تدبير المسطرة التأديبية‬
‫مما يؤدي الى خسارة العديد من الطعون باإللغاء المرفوعة امام المحاكم االدارية من طرف‬
‫الموظفين ضد هذه العقوبات مما ينعكس سلبا على سمعة السلطة التأديبية واإلدارة بصورة‬
‫عامة‪ ،‬إضافة الى كلفتها المالية التي ال يستهان بها‪.‬‬

‫وللحد من ذلك فمن الالزم سن سياسة للتكوين المستمر لألجهزة اإلدارية المشرفة على‬
‫المسطرة التأديبية تأخذ بعين االعتبار ما انتهى اليه القضاء اإلداري المغربي في احكامه‪،‬‬
‫وتفعيل المحاسبة عن األخطاء المرتكبة من طرفها عمال بأحكام الفصل ‪ 350‬من الدستور‬
‫المغربي‪.‬‬

‫‪1‬الحكم عدد ‪ 91‬وتاريخ ‪ 1111/11/15‬الصادر عن إدارية الدار البيضاء في الملف رقم ‪1111/119‬غ‪.‬‬
‫‪2‬الحكم عدد ‪ 111‬وتاريخ ‪ 1130/13/13‬الصادر عن ادارية الرباط في الملف رقم ‪. 1131/5/113‬‬
‫‪3‬الحكم عدد ‪ 3131‬وتاريخ ‪ 1131-10-15‬الصادر عن إدارية الرباط في الملف رقم ‪.1135/1331/111‬‬
‫‪4‬القرار عدد ‪ 1131‬وتاريخ ‪ 1131/1/0‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪5/31/35‬‬
‫‪5‬الحكم عدد ‪ 1113/111‬وتاريخ ‪ 1113/15/11‬الصادر عن إدارية اكادير في الملف رقم ‪ 1119/391‬غ‪.‬‬

‫‪450‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫النظام القانوني للمسؤولية الشخصية والمالية‬


‫العمومي‬
‫أ‬
‫للمحاسب‬
‫من اعداد الستاذ الحسين كداح‪،‬‬
‫رئيس مصلحة منازعات الوضعية الفردية‬
‫والمعاشات بالوكالة القضائية للمملكة‬
‫مقدمة‬

‫تقوم مالية الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية والشركات العامة التي‬
‫تجري عليها المراقبة المالية على نظام المحاسبة العمومية‪ 1‬التي تنبني على أساسين األول‬
‫يتعلق بجانب النفقات والثاني بجانب التحصيل‪.2‬‬

‫وإذا كان نظام المحاسبة العمومية أداة لتتبع العمليات المالية المنجزة على مستوى كل‬
‫مؤسسة في إطار تدبير ميزانيتها ومصد ار للمعلومات التي تساعد في تقييم مواردها‬
‫والتزاماتها ورصد التغيرات التي تط أر على هذه الموارد وااللتزامات‪ ،‬فإن المحاسب العمومي‬
‫هو المحرك الرئيسي لهذه المنظومة باعتباره الجهة المسؤولة عن تطبيق األنظمة القانونية‬
‫الجاري بها العمل في هذا المجال‪.‬‬

‫ولضبط مجاالت تدخالت المحاسب العمومي في تدبير مالية الهيئات العمومية‪ ،‬فقد‬
‫لجأ المشرع إلى وضع إطار قانوني لمراقبتها‪ 3‬من جهة‪ ،‬ولتنظيم مسؤولية المحاسب‬
‫العمومي الشخصية والمالية بصفته تلك‪ 4‬من جهة ثانية‪ ،‬فضال عن المسؤولية التي يمكن‬
‫أن يتعرض لها أي موظف في مساره المهني‪.‬‬

‫‪1‬المرسوم رقم ‪ 66-330-‬الصادر بتاريخ ‪ 10‬محرم ‪ 13(3191‬أبريل‪ ) 1967‬بسن نظام المحاسبة العمومية كما تم تغييره وتعديله والمرسوم رقم‬
‫‪451-17-2‬صادر بتاريخ ‪ 4‬ربيع األول ‪ 11( 3013‬نونبر ‪ )1131‬بسن نظام للمحاسبة العمومية للجماعات ومؤسسات التعاون بين الجماعات‪.‬‬
‫‪2‬القانون رقم ‪ 35-31‬المتعلق بمدونة تحصيل الديون العمومية‪.‬‬
‫‪3‬المرسوم رقم ‪ 1-11-3115‬المتعلق بمراقبة نفقات الدولة‪.‬‬
‫‪4‬القانون رقم ‪ 13-33‬المتعلق بتحديد مسؤولية اآلمرين بالصرف والمراقبين والمحاسبين العموميين الذي تم تنفيذه بالظهير الشريق رقم ‪3-11-15‬‬
‫الصادر في ‪ 1‬أبريل ‪ 1111‬كما تم تعديله وتغييره‪.‬‬

‫‪451‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وإذا كانت االختصاصات المسندة إلى المحاسب العمومي تعتبر من بين المهام‬
‫اإلدارية التي تخضع للمراقبة اإلدارية من طرف الجهاز الذي ينتمي إليه‪ ،‬فإن المشرع‬
‫وضمانا للتطبيق السليم لألنظمة المالية التي تعتبر من بين أهم الشرايين التي يقوم عليها‬
‫اقتصاد الدول ة وتحقيق التوازنات المالية‪ ،‬فقد كان البد من إيجاد جهاز قضائي يتولى مراقبة‬
‫التطبيق السليم لألنظمة المالية التي يتولى المحاسبون العموميون تدبيرها وهو ما تجسد في‬
‫المجلس األعلى للحسابات‪.1‬‬

‫ونظ ار لما لهذا المجال من أهمية وسعيا من المشرع لتحقيق الشفافية في مجال تدبير‬
‫المالية العمومية‪ ،‬فقد لجأ إلى االرتقاء بالمبادئ التي تحكمها إلى مبادئ دستورية في إطار‬
‫مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة مع جعل المجلس األعلى للحسابات كرقابة عليا في هذا‬
‫المجال يتولى التحقق من سالمة العمليات المتعلقة بمداخيل ونفقات األجهزة الخاضعة‬
‫لرقابته بمقتضى القانون‪ ،‬ويقيم كيفية قيامها بتدبير شؤونها‪ ،‬ويعاقب عند االقتضاء على‬
‫كل إخالل بالقواعد السارية على العمليات المذكورة‪.‬‬

‫وتأسيسا على ما سبق‪ ،‬فإن الطبيعة القانونية لمسؤولية المحاسب العمومي إما أن‬
‫تكون مسؤولية مدنية أو تأديبية أو جنائية حسبما تنص عليه المادة األولى من القانون رقم‬
‫‪99-61‬أو شخصية ومالية وفق الفصول ‪ 5‬و‪ 1‬من نفس القانون‪.‬‬

‫وبما أن تدخل المحاسب العمومي يشمل جميع المجاالت التي يتم بموجبها تنفيذ‬
‫ميزانية الدولة أو الجماعات الترابية أو المؤسسات العمومية التي نص قانونها على تطبيق‬
‫مقتضيات القانون رقم ‪ 31-35‬بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية‪ ،‬فإن موضوعنا هذا‬
‫ٍ‬
‫عرض للنظام القانوني لمسؤولية المحاسب العمومي الشخصية والمالية‬ ‫سيقتصر فقط على‬
‫وذلك من خالل تحديد اإلطار القانوني المنظم لهذه المسؤولية في نقطة أولى‪ ،‬على أن‬
‫نتطرق لنطاقها في نقطة ثانية ثم نختم هذه الدراسة بتحديد اإلجراءات التي نص عليها‬
‫المشرع للتخفيف من هذه المسؤولية في نقطة ثالثة‪.‬‬

‫‪1‬ظهير شريف رقم ‪ 3-11-310‬صادر في فاتح ربيع اآلخر ‪ 31( 3011‬يونيو ‪ )1111‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 11-33‬المتعلق بمدونة المحاكم‬
‫ج ر عدد ‪ 5111‬بتاريخ ‪.1111/11/33‬‬ ‫المالية‪.‬‬

‫‪452‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫أوال‪ :‬اإلطار القانوني للمسؤولية الشخصية والمالية للمحاسب العمومي‪:‬‬


‫لقد عرف المشرع المغربي المحاسب العمومي في الفقرة األخيرة من المادة ‪ 2‬من‬
‫القانون رقم ‪ 33-13‬المتعلق بتحديد مسؤولية اآلمرين بالصرف والمراقبين والمحاسبين‬
‫العموميين الذي تم تنفيذه بالظهير الشريف رقم ‪ 1.02.25‬صادر في ‪ 3‬أبريل ‪1111‬؛‬
‫بأنه‪ :‬كل موظف أو عون مؤهل ألن ينفذ باسم إحدى الهيئات السالفة الذكر عمليات‬
‫المداخيل أو النفقات أو التصرف في السندات إما بواسطة أموال وقيم يتولى حراستها وإما‬
‫بتحويالت داخلية للحسابات وإما بواسطة محاسبين عموميين آخرين أو حسابات خارجية‬
‫لألموال المتوفرة التي يراقب حركتها أو يأمر بها"‪.‬‬

‫وهذا التعريف ضمنه في عدة نصوص قانونية مرتبطة بمهام المحاسب العمومية من‬
‫حيث الصياغة ومن حيث المضمون ‪.1‬‬

‫وقد حدد المشرع أصناف المحاسبين العمومين من خالل المادة ‪ 3‬من القانون رقم‬
‫‪ 15-97‬بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية إذ نصت على ما يلي‪:‬‬

‫"يكلف بتحصيل الديون العمومية المحاسبون اآلتي ذكرهم‪:‬‬

‫‪ ‬الخازن العام للمملكة؛‬


‫‪ ‬الخزنة الجهويون وخزنة العماالت والخزنة اإلقليميون؛‬
‫‪ ‬القباض وقباض الجهة والقباض الجماعيون؛‬
‫‪ ‬قباض الجمارك والضرائب غير المباشرة؛‬
‫‪ ‬قباض التسجيل؛‬

‫‪1‬الفصل ‪ 1‬من المرسوم رقم ‪ 11-111‬بسن نظام المحاسبة العمومية لسنة ‪ 3311‬كما تم تغييره وتعديله؛‬
‫ويعتبر المحاسب العمومي كل موظف أو عون مؤهل للقيام باسم منظمة عمومية بعمليات المداخل أو النفقات او تناول السندات إما بواسطة أموال‬
‫وقيم معهود إليه بها وإما بتحويل داخلي لحسابات وإما بواسطة محاسبين عموميين آخرين أو حسابات خارجية للموفرات التي يأمر بترويجه أو‬
‫مراقبتها‪".‬‬
‫الفصل ‪ 33‬من المرسوم رقم ‪ 1-31-053‬بسن نظام المحاسبة العمومية للجماعات ومؤسسات التعاون بين الجماعات الصادر بتاريخ ‪ 11‬نونبر‬
‫‪ .1131‬يراد في مدلول هذا المرسوم بالمحاسب العمومي للجماعات أو لمؤسسة من مؤسسات التعاون بين الجماعات‪ ،‬كل موظف أو عون مؤهل‬
‫لتنفيذ عمليات المداخيل أو النفقات لحساب هذه الهيئات أو التصرف في السندات إما بواسطة أموال وقيم يتولى حراستها وإما بتحويل داخلي‬
‫لحسابها وإما بواسطة محاسب عمومي آخر أو حسابات خارجية لألموال المتوفرة والتي يأمر أو يراقب حركاتها" ‪.‬‬

‫‪453‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪ ‬كتاب الضبط بمحاكم المملكة بالنسبة إلى الغرامات واإلدانات النقدية‬


‫والصوائر القضائية والرسوم القضائية؛‬
‫‪ ‬األعوان المحاسبون بالمؤسسات العمومية بالنسبة إلى ديون هذه المؤسسات‬
‫عندما يتم التنصيص صراحة على تطبيق أحكام هذا القانون في النصوص‬
‫المحدثة لها‪.‬‬

‫وبما أن مجال صالحيات المحاسب العمومي مرتبطة بتدبير المال العام الذي يعتبر‬
‫ملكا للمجتمع‪ ،‬فإن المشرع ومن أجل الحفاظ عليه وصرفه على الوجه المشروع‪ ،‬فقد أحاطه‬
‫بمجموعة من الضوابط تحكم جميع التفاصيل المتعلقة بصرفه وتحصيله‪ .‬وإثارة المسؤولية‬
‫كلما ثبت عدم احترام هذه الضوابط ‪.1‬‬

‫وهكذا حدد المشرع أساس مسؤولية المحاسب العمومي من خالل مقتضيات‬

‫المادة األولى من القانون رقم‪ 99-61‬السالف الذكربالتنصيص على ما يلي‪:‬‬

‫"يهدف هذا القانون إلى تحديد مسؤولية كل من اآلمرين بالصرف والمراقبين‬


‫والمحاسبين العموميين للدولة والجماعات المحلية وهيئاتها‪ ،‬وكذا المؤسسات والمقاوالت‬
‫العمومية الخاضعة للمراقبة المالية للدولة بالنسبة للق اررات التي يتخذونها أو يؤشرون عليها‬
‫أو ينفذونها خالل ممارسة مهامهم‪.‬‬

‫يتعرض اآلمرون بالصرف والمراقبون والمحاسبون العموميون للمسؤولية التأديبية أو‬


‫المدنية أو الجنائية بصرف النظر عن العقوبات التي يمكن أن يصدرها المجلس األعلى أو‬
‫المجالس الجهوية للحسابات في حقهم‪ ،‬ما عدا في حالة وجود قوة قاهرة أو استثناءات‬
‫منصوص عليها في القانون‪.2‬‬

‫‪1‬هذا‪ ،‬وتجدر اإلشارة إلى أنه ال يجوز معاقبة شخص في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية على أفعال لم تتابعه بسببها النيابة‬
‫العامة لدى المجلس األعلى للحسابات وفق ما أكده هذا األخير في ق ارره عدد ‪ 1131/11‬بتاريخ ‪ 1131/11/31‬في القضية ‪ 1131/311‬والقرار‬
‫عدد ‪ 1131/11‬بتاريخ ‪ 1131/11/31‬في القضية ‪ 1131/333‬منشورين في مجموعة ق اررات المجلس األعلى للحسابات سنة ‪.1139‬‬
‫‪2‬وتجدر اإلشارة إلى أنه فيما يخص التمييز بين المحاسب العمومي ومراقب نفقات الدولة لم تعد لها أية أهمية بعد صدور المرسوم رقم ‪52 -06-2‬‬
‫الصادر في ‪ 14‬محرم ‪ 1427 ( 13‬فبراير ‪ 2006‬يقضي بإلحاق المراقبة العامة لاللتزام بنفقات الدولة إلى الخزينة العامة للمملكة وبتحويل‬
‫اختصاصات المراقب العام لاللتزام بنفقات الدولة إلى الخازن العام للمملكة من جهة‪ ،‬ولكون المرسوم رقم ‪ 1235‬المتعلق بمراقبة نفقات االلتزام‬
‫يتحدث عن المحاسب العمومي سيما منذ سنة‪ 2012‬تاريخ دخول مقتضيات الفرع الثاني من هذا المرسوم المتعلق بالمراقبة التراتبية حيز التطبيق‪.‬‬

‫‪454‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وإذا كانت مقتضيات المادة األولى أعاله قد حددت الجهات المسؤولة والطبيعة‬
‫القانونية للمسؤولية التي يتعرضون إليها‪ ،‬فقد حددت في المادة ‪ 6‬من نفس القانون العمليات‬
‫التي يمكن أن تثير مسؤولية المحاسب العمومي في حدود االختصاصات المسندة إليه‬
‫بمقتضى النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل وذلك من خالل‪:‬‬

‫‪ -‬المحافظة على األموال والقيم المعهود إليهم بحراستها؛‬


‫‪ -‬وضعية الحسابات الخارجية لألموال المتوفرة التي يراقبونها أو يأمرون‬
‫بحركاتها؛‬
‫‪ -‬القبض القانوني للمداخيل المعهود إليهم بتحصيلها؛‬
‫‪ -‬مراقبة صحة النفقة فيما يتعلق بإثبات العمل المنجز وصحة حسابات‬
‫التصفية ووجود التأشيرة المسبقة لاللتزام والتقيد بقواعد التقادم وسقوط الحق‬
‫والطابع اإلبرائي للتسديد؛‬
‫‪ -‬األداءات التي يقومون بها‪.‬‬
‫‪ ‬ويعتبرون فضال عن ذلك‪ ،‬مسؤولين عن التحقق مما يلي‪:‬‬
‫‪ o‬صفة اآلمر بالصرف؛‬
‫‪ o‬توفر االعتمادات؛‬
‫‪ o‬صحة تقييد النفقات في أبواب الميزانية المتعلقة بها؛‬
‫‪ o‬تقديم الوثائق المثبتة التي يتعين عليهم طلبها قبل أداء النفقات‪،‬‬
‫تطبيقا للنصوص التنظيمية الجاري بها العمل‪.‬‬

‫كما أنه بمقتضى المادة ‪ 5‬من نفس القانون يعتبر األعوان المحاسبون للمؤسسات‬
‫والمقاوالت العمومية الخاضعة للمراقبة المالية للدولة مسؤولين شخصيا وماليا عن أعمال‬
‫المراقبة المقررة صراحة في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل أو في‬
‫التعليمات الخاصة الصادرة عن وزير المالية والتي يمارسونها على الق اررات التي أشروا‬
‫عليها‪ ،‬وذلك قصد التأكد مما يلي‪:‬‬

‫‪455‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪ -‬تقديم المستندات القانونية التي تثبت حقوق الدائن والعمل المنجز؛‬


‫‪ -‬تسديد النفقة إلى الدائن الحقيقي؛‬
‫‪ -‬التأشيرة المسبقة للمراقب المالي إذا كانت ضرورية؛‬
‫‪ -‬تحصيل المداخيل المعهود إليهم بها بمقتضى النصوص التنظيمية‬
‫الجاري بها العمل‪.‬‬

‫يتعين عليهم فضال عن ذلك وعند االقتضاء التأكد من اإلدالء بأمر تسخير صادر‬
‫بكيفية مشروعة عن إدارة الهيئة المعنية‪.‬‬

‫وقد حددت المادة ‪ 18‬من المرسوم رقم ‪ 1235 -07-2‬المتعلق بمراقبة نفقات الدولة‬
‫مجال مسؤولية المحاسب العمومي في مراقبة صحة ومطابقة نفقات الدولة للقوانين الجاري‬
‫بها العمل في إطار تنزيل مقتضيات القوانين المالية وميزانية مصالح الدولة المسيرة بطريقة‬
‫مستقلة وعند االقتضاء برامج استعمال الحسابات الخصوصية للخزينة فيما يلي‪:‬‬

‫‪ ‬صحة العمليات الحسابية للتصفية؛‬


‫‪ ‬الصفة اإلبرائية للتسديد؛‬
‫‪ o‬كما يقوم المحاسب العمومي بالتأكد من‪:‬‬
‫‪ ‬إمضاء اآلمر بالصرف المؤهل أو مفوضه؛‬
‫‪ ‬األداء بالوثائق والمستندات المثبتة للنفقة والمنصوص عليها في‬
‫القوائم المعدة من طرف الوزير المكلف بالمالية‪ 1،‬بما في ذلك تلك‬
‫التي تحمل اإلشهاد بتنفيذ الخدمة من طرف اآلمر بالصرف أو اآلمر‬
‫بالصرف المساعد المؤهل‪.‬‬

‫‪ 1‬تجدر اإلشارة إلى أن السيد وزير االقتصاد والمالية واصالح اإلدارة أصدر ق اررات تحدد قائمة هذه الوثائق يتم تعديلها أو تغييرها كلما دعت‬
‫الضرورة إلى ذلك وهي‪ ،‬القرار عدد ‪ 738-18‬بتاريخ ‪ 23‬من جمادى اآلخرة ‪ 31( ،3013‬مارس‪ )2018‬والقرار عدد ‪ 39-1519‬صادر بتاريخ‬
‫‪ 1133-1-1‬بتحديد قائمة الوثائق والمستندات المثبتة لمقترحات االلتزام وأداء نفقات الدولة الخاصة بالمعدات والخدمات‪ .‬والقرار عدد ‪39-1130‬‬
‫صادر في ‪ 3‬نونبر ‪ 1139‬بتحديد قائمة الوثائق والمستندات المثبتة بمداخيل الدولة‪.‬‬

‫‪456‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وال يجوز‪ ،‬في أية حالة من الحاالت‪ ،‬للمحاسب العمومي أن يقوم أو يعيد‬
‫القيام بمراقبة مشروعية النفقة في مرحلة األداء"‪.‬‬

‫ويتعرض المحاسب العمومي وكذا كل موظف أو عون يوجد تحت إمرته أو يعمل‬
‫لحسابه للعقوبات المنصوص عليها في مدونة المحاكم المالية عمال بمقتضيات المادة ‪51‬‬
‫من نفس القانون‪.‬‬

‫وإذا كان المشرع في مختلف النصوص السالف الذكر لم يتعرض فيها لتعريف‬
‫المسؤولية الشخصية والمالية للمحاسب العمومي‪ ،‬فإنه حدد مجالها من خالل مقتضيات‬
‫المادة ‪ 1‬من القانون رقم ‪ 33-13‬والمادة ‪ 9‬من المرسوم رقم المرسوم رقم‪1235 -07-2‬‬
‫السالفي الذكر‪ ،‬والذي يستنتج منهما أن هذه المسؤولية تتعلق بكل حالة تبوث نقص في‬
‫األموال كلف بتدبيرها لفائدة هيئة من الهيئات المنصوص عليها في المادة األولى من‬
‫القانون رقم ‪ 33-31‬السالف الذكر‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬نطاق المسؤولية الشخصية والمالية للمحاسب العمومي‬


‫يعتبر المحاسب العمومي مسؤوال مسؤولية شخصية ومالية عن كل مخالفة في تنفيذ‬
‫العمليات المالية التي أسندها له القانون في مجال الميزانية بفرعيها النفقات والمداخيل‪ ،‬وكل‬
‫عجز في الحساب يكون ملزما بتغطيته من ماله الخاص‪ ،‬وفي هذا الصدد نصت المادة ‪8‬‬
‫من القانون رقم ‪ 99-61‬السالف الذكر على ما يلي‪:‬‬

‫"يجوز لوزير المالية بناء على المعاينات التي تمت خالل أعمال المراقبة المسندة إليه‬
‫بمقتضى النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل‪ ،‬أن يقرر في حالة ثبوت‬
‫مسؤولية المحاسب العمومي بأن هذا األخير مدين بمبلغ العجز الحاصل في الصندوق‪ ،‬أو‬
‫الخصاص في القيم‪ ،‬أو بمبلغ الدين العمومي الذي أغفل تحصيله‪ ،‬أو بمبلغ النفقة العمومية‬
‫المسدد بصفة غير قانونية وذلك بصرف النظر عن اختصاصات المجلس األعلى‬
‫والمجالس الجهوية للحسابات في ميدان التحقق والبت في الحسابات المقدمة من طرف‬
‫المحاسبين العموميين‪.‬‬

‫‪457‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫تبلغ نسخة من المقرر المذكور إلى مجلس الحسابات المختص داخل أجل ثالثين‬
‫)‪ (30‬يوما‪.‬‬

‫غير أنه يجوز لوزير المالية‪ ،‬بناء على طلب المحاسب المذكور‪ ،‬أن يأمر بتأجيل‬
‫استيفاء المبالغ المستحقة عليه في حالة طلب اإلعفاء من المسؤولية أو طلب إبراء الذمة‬
‫على وجه اإلحسان‪.‬‬

‫وقد نتجت المسؤولية الشخصية والمالية للمحاسب العمومي من مبدأ الفصل بين‬
‫اآلمر بالصرف والمحاسب‪ ،‬حيث أسندت األنظمة المحاسبتية والمالية لهذا األخير مهمة‬
‫تنفيذ الميزانية‪ ،‬من تحصيل في باب االيرادات والدفع أو األداء في باب النفقات وهو‬
‫موكول إليه التحقق من مشروعية العمليات المرتبطة بهذه العمليتين تحت مسؤوليته‬
‫الشخصية وتحت مسؤولية تابعيه وحتى مسؤولية المحاسب الفعلي متى ثبت أنه على علم‬
‫بذلك وتستر عليه‪.‬‬

‫وبما أن المراقبة التي يخضع لها المحاسب العمومي في هذا المجال تتجلى في‬
‫مالحظة ما إذا كانت هناك مخالفة لضابط من الضوابط المنصوص عليه في المحاسبة‬
‫العمومية أو وجود عجز في األموال الموضوعة تحت تصرفه‪ .‬فالمالحظ أن الضوابط‬
‫المالية والمحاسبتية تعتمد في تحديد المسؤولية الشخصية والمالية للمحاسب العمومي على‬
‫المعيار الموضوعي‪ ،‬فترك عملية التحصيل تسقط بالتقادم أو الترخيص بأداء نفقة على‬
‫وجه غير صحيح ‪ ...‬دليل على ارتكابه هو أو أحد األشخاص التابعين له لمخالفة لألنظمة‬
‫القانونية التي يعمل بموجبها‪ ،‬وال يمكن له أن يدفع هذه المسؤولية بأي مبرر أو ظرف‬
‫كيفما كان نوعه‪.‬‬

‫فالمحاسب العمومي مسؤول مسؤولية شخصية ومالية عن العمليات التي يقوم بها‬
‫شخصيا وتلك التي يقوم بها األشخاص التابعين له أو الذين يعملون تحت امرأته‪ ،‬في إطار‬

‫‪458‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫مقتضيات المادة ‪ 4‬و ‪ 5‬و ‪ 6‬من القانون رقم ‪ 99-61‬بشأن تحديد مجال المسؤولية‬
‫الشخصية للمحاسب العمومي في اآلتي‪:1‬‬

‫‪ ‬تحصيل اإلرادات المعهود إليه بقبضها وفق االجراءات القانونية الجاري بها العمل؛‬
‫‪ ‬دفع النفقات بعد التثبت من مشروعيتها وذلك بالتأكد من العمل المنجز أو وجود‬
‫التأشيرة المسبقة أو التقيد بقواعد التقادم والسقوط والطابع اإلبرائي للتسديد؛‬
‫‪ ‬األداء بالوثائق والمستندات المثبتة للنفقة والمنصوص عليها في القوائم المعدة من‬
‫طرف الوزير المكلف بالمالية‪ ،‬بما في ذلك تلك التي تحمل اإلشهاد بتنفيذ الخدمة‬
‫من طرف اآلمر بالصرف أو اآلمر بالصرف المساعد المؤهل‪.‬‬
‫بالنسبة لهذا المقتضى‪ ،‬فإن الوثائق والمستندات الواجب التأكد من صحتها تختلف‬
‫باختالف موضوع النفقة‪ ،‬من مجال تدبير الموارد البشرية أو إبرام وتنفيذ الصفقات أو‬
‫‪2‬‬
‫تدبير الممتلكات ‪ ...‬إلخ ‪.‬‬
‫‪ ‬عدم التأخير باألمر بالصرف في مجال تنفيذ الصفقات العمومية للحيلولة‬
‫دون تحمل الهيئة التي يتولى تنفيذ ميزانيتها فوائد التأخير؛‪3‬‬
‫‪ ‬الحفاظ على الودائع الموجودة تحت تصرفه كاألموال والقيم وغيرها من‬
‫األشياء؛‬
‫‪ ‬التأكد من أن األوامر بالتسخير صدرت بكيفية مشروعة عن الجهات‬
‫المعنية؛‬
‫‪ ‬مسك الحسابات عن العمليات التي يقوم بها؛‬
‫‪ ‬المحافظة على سندات االثبات ووثائق المحاسبة‪.‬‬

‫‪ 31‬تجدر اإلشارة إلى أن المادتين ‪ 5‬و ‪ 1‬تم تعديلهما بموجب قانون المالية لسنة ‪ 1119‬الصادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ 5533‬بتاريخ‬
‫‪ 1111/31/13‬كما تمت إضافة المادة ‪ 1‬مكرر بمقتضى قانون المالية لسنة ‪ 1115‬التي أضافت مسؤولية المحاسب الشخصية عن فوائد التأخير‬
‫التي تتحملها الهيئة في حالة ثبت تأخره في اآلمر بالصرف‪.‬‬
‫‪2‬انظر قرار السيد وزير االقتصاد والمالية وإصالح اإلدارة عدد ‪ 39/1519‬صادر بتاريخ ‪ 11‬نونبر ‪ 1139‬ج ر ع ‪ 1151‬بتاريخ‬
‫‪1133./11/11‬‬
‫‪31‬‬
‫لقد حدد المرسوم المتعلق بفوائد التأخير عدد ‪ 1-31-100‬المدة في ‪ 11‬يوما‪ .‬منها ‪ 05‬يوم لآلمر بالصرف و‪ 35‬يوما للمحاسب العمومي‬
‫‪3‬‬
‫ألجل إصدار األمر بصرف النفقة وإال عرض الهيئة المعنية لغرامات التأخير‪ .‬مع األخذ بعين االعتبار حاالت توقف هذا األجل ‪.‬‬

‫‪459‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫فعدم تأكد المحاسب العمومي من صحة اإلجراءات القانونية لكل أمر بالنفقة يعد‬
‫مخالفة لقواعد االلتزام بالنفقة‪ ،‬وفي هذا االتجاه صدر عن المجلس األعلى للحسابات القرار‬
‫‪1‬‬
‫عدد ‪ 1135/31‬بتاريخ ‪ 39‬ماي ‪ 1135‬في القضية عدد ‪ 1131/313‬ورد فيه ما يلي‪:‬‬

‫« وحيث يعتبر‪ ،‬تبعا لذلك‪ ،‬التعويض عن التنقل الذي استفاد منه السيد ‪ ....‬برسم‬
‫شهر أكتوبر ‪ ،1111‬بمبلغ قدره ‪ 1.111011‬درهم في غياب اإلنجاز الفعلي للخدمة‪،‬‬
‫غير مستحق بالنسبة للمعني باألمر؛‬
‫وحيث إن السيد ‪ ....‬بموافقته على منح التعويض الكيلومتري عن التنقل لفائدة السيد‬
‫‪ ... ...‬واصداره األمر بأداء مبلغ هذا التعويض بواسطة الشيك رقم ‪ 111190‬بمبلغ‬
‫قدره ‪ 1.111011‬درهم بالرغم من كون المعني باألمر في حالة توقف عن العمل‬
‫بسبب االستشفاء يكون قد خالف قواعد التصفية واألمر بأداء نفقات الشركة ومنح‬
‫للغير منفعة نقدية غير مبررة« ‪.‬‬

‫يتضح من خالل قرار المجلس األعلى للحسابات أعاله‪ ،‬أن مسؤولية المحاسب ناتجة‬
‫عن عدم تحققه كما تفرضه عليه الضوابط المتعلقة بصرف النفقات العمومية‪ ،‬من األمر‬
‫بااللتزام بالنفقة المتعلق بأمر بالتنقل الذي تضمن معلومات خاطئة بشكل ال يعكس حقيقة‬
‫فترة التنقل‪ ،‬والتي كان فيها المستفيد في حالة االستشفاء‪ ،‬بمعنى أن هذا االلتزام بهذا الشكل‬
‫صادر عن اآلمر بالصرف الذي أسست األنظمة المالية على مسؤوليته لكنها معطلة في‬
‫جانب منها إما لعدم وجود نص قانوني إلثارة هذه المسؤولية وذلك لعدم تفعيل مقتضيات‬
‫المادة ‪ 11‬من القانون رقم ‪ 31-15‬المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع‬
‫القانوني ألعضائها‪ ،‬أو وجود نص صريح بعدم جواز المتابعة كما هو الشأن بالفصل‬
‫‪ 51‬من مدونة المحاكم وهو ما يشكل تحد لتجسيد مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة التي‬
‫جاء به دستور ‪ 1133‬والتدبير الجيد للمالية العمومية في إطار اإلصالحات الواردة في‬
‫القانون التنظيمي للمالية لسنة ‪. 1135‬‬

‫قررات صادرة عن غرفة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية "‪ ،‬منشورات المجلس األعلى للحسابات ‪ 1139‬ص ‪.03-09‬‬
‫" ا‬ ‫‪1‬‬

‫‪460‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫هذا‪ ،‬وقد سبق للمجلس األعلى للحسابات أن قضى بمسؤولية المحاسب العمومي‬
‫جراء التأشير على ترقية مستخدم بشركة الدولة بشكل يخالف النظام األساسي ألطر‬
‫بمقتضى القرار عدد ‪ 1131/15‬الصادر بتاريخ ‪ 1‬دجنبر‬ ‫ومستخدمي هذه الشركة‬
‫‪.1131‬‬
‫كما قضى بمسؤولية المحاسب جراء أدائه لنفقة خارج األجل المنصوص عليه في‬
‫الفصل ‪ 31‬من المرسوم المتعلق بالنظام العام للمحاسبة العمومية ‪ ،‬وقد تم الطعن بالنقض‬
‫في هذا القرار أمام محكمة النقض تمسك المحاسب بكون الفصل ‪ 31‬المذكور يتعلق‬
‫لتسهيل مهمة المحاسب لحصر حسابات آخر السنة في ظروف‬ ‫باآلمر بالصرف‬
‫مالئمة فضال عن ان أداء النفقة لم يرتب أي ضرر ما دام ان الدفع قد تم للدائن بعد‬
‫اإلنجاز الفعلي للخدمة‪ ،‬وقد صدر بشأن هذا الطعن القرار عدد ‪ 313‬بتاريخ‬
‫‪ 1111/31/31‬في الملف رقم ‪ 1111/3/0/33‬جاء فيه " لكن حيث إنه عمال بالفصل‬
‫‪ 31‬المذكور الذي ينص على أن التاريخ األقصى إلصدار األوامر بالصرف الممكن‬
‫التأشير عليه برسم سنة ما ‪ ،‬يحدد في ‪ 11‬دجنبر بخصوص النفقات المتعلقة باألدوات‬
‫وفي ‪ 15‬دجنبر بخصوص نفقات الموظفين ‪ ،‬يكون المحاسب الذي اشر على األوامر‬
‫بالصرف الصادر بعد هذا التاريخ قد خرق هذا المقتضى وبالتالي يكون قرار المجلس‬
‫‪1‬‬
‫األعلى للحسابات على صواب مما يستوجب معه األمر برفض الطلب"‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬وتجدر اإلشارة إلى أن المحاسب العمومي يمكن أن يدفع المسؤولية في هذا‬
‫المجال في حالة إدالئه بأمر كتابي صادر عن رئيسه التسلسلي أو عن أي شخص آخر‬
‫مؤهل لهذا الغرض‪ ،‬حيث تنتقل المسؤولية إلى الجهة التي أصدرت األمر عمال بمقتضيات‬
‫المادة ‪ 53‬من القانون رقم‪ 99-62‬السالف الذكر‪.‬‬

‫كما أن المحاسب يمكن أن يكون في حل من هذه المسؤولية في حالة تحقق واقعة‬


‫التقادم عمال بأحكام المادة ‪ 107‬من القانون رقم ‪ 99-62‬السالف الذكر بمضي خمس‬

‫‪1‬منشور بالمجلة الدولية لألبحاث الجنائية والحكامة األمنية عدد خاص «حماية المال العام مقاربات متعددة السنة ‪ 1133‬العددان ‪3‬و‪ 1‬الجزء‬
‫األول ص ‪ .110‬هذا وتجدر اإلشارة إلى أن المادة ‪ 31‬هذه تم نسخها بالمرسوم رقم ‪ 3-11-3111‬صادر بتاريخ ‪ 11‬ماي ‪ 1113‬تاريخ دخول‬
‫المرسوم رقم ‪ 3-11-3115‬المتعلق بمراقبة نفقات الدولة‪.‬‬

‫‪461‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫سنوات كاملة تحتسب من تاريخ ارتكاب المخالفة ‪.‬أو عدم بت المجلس في الحساب داخل‬
‫أجل خمس سنوات تسري من التاريخ الذي قدم إليه فيه الحساب‪.‬‬

‫إال أن المادة المذكورة استثنت األشخاص المذكورين في المدة ‪ 52‬من ذات القانون‬
‫وهم أعضاء الحكومة وأعضاء مجلس النواب ومجلس المستشارين عند ما يمارسون مهامهم‬
‫بهذه الصفة‪ ،‬علما أن المجلس غير مختص قضائيا في متابعتهم في مجال التأديب‬
‫المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬وهو ما يؤدي إلى إفراغ مجمل النصوص القانونية‬
‫المرتبطة بمجالي النفقات والمداخيل المتعلقة بمسؤولية اآلمر بالصرف من مضمونها وقد‬
‫تصبح هذه المنظومة بكاملها غير ذات جدوى وذلك في حالة ما إذا مارس اآلمر‬
‫بالصرف حقه في التسخير أو تجاوز التأشيرة دون أن يتعلق رفض المحاسب بعدم وجود‬
‫منصب مالي أو عدم كفاية االعتماد‪.‬‬

‫ففي مثل هذه الحاالت يكون المحاسب كذلك في منأى من المسؤولية بموجب المادة‬
‫‪ 51‬من القانون رقم ‪ 33-11‬وكذا في إطار مقتضيات المادة ‪ 9‬من القانون المالي لسنة‬
‫‪ 1133‬التي تم بموجبها تعديل المادة ‪ 3‬من القانون رقم ‪ 31-11‬المذكور مما يجعل المبدأ‬
‫الدستوري القاضي بربط المسؤولية بالمحاسبة معطل بمقتضى نصوص قانونية يجب أن‬
‫تتالءم مع جاء به دستور ‪.1133‬‬

‫ثالثا‪ :‬التأمين على مسؤولية المحاسب العمومي‬


‫ن ظ ار لتقل هذه المسؤولية على القائمين بتدبير المالية العمومية‪ ،‬فقد لجأ المشرع إلى‬
‫وضع أحكام قانونية من شأنها التخفيف من وقع هذه المسؤولية‪.‬‬

‫ذلك أنه بالرجوع إلى المادة ‪ 3‬من القانون رقم ‪ 33-13‬السالف الذكر لسنة ‪1111‬‬
‫نجد أنه ينص على ما يلي‪ " :‬يتعين على المحاسبين العموميين بمجرد استالم مهامهم‪،‬‬
‫إبرام عقد تأمين بصفة فردية أو جماعية لدى مقاولة تأمين معتمدة‪ ،‬يضمن خالل مدة‬
‫مزاولة مهامهم مسؤوليتهم الشخصية والمالية المشار إليها في المادة ‪ 1‬أعاله؛‬

‫‪462‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫يتم بموجب هذا العقد التأمين عن المخاطر التي قد ينتج عنها ضياع أو اتالف او‬
‫سرقة األموال والقيم المعهود إليهم بحراستها أو ثبوت عجز في حساباتهم أو التصريح‬
‫بمديونيتهم‪.‬‬

‫يتحمل المحاسبون العموميين أقساط التأمين السنوية‪ ،‬وتسلم لهم شهادة تأمين يتم‬
‫االدالء بها للمحكمة المالية المختصة‪.‬‬

‫تحدد بنص تنظيمي التدابير المتعلقة بتطبيق هذه المادة خصوصا الحدود الدنيا‬
‫للمبالغ الواجب التأمين عنها حسب طبيعة المخاطر وفئات المحاسبين العموميين"‪.‬‬

‫وأمام استحالة تطبيق مقتضيات المادة ‪ 3‬المذكورة أعاله‪ ،‬لكونها تحمل المحاسب‬
‫العمومي األقساط السنوية للتأمين عن مسؤوليته الشخصية والمالية التي قد تثار في‬
‫مواجهته أثناء م مارسته لمهامه ‪ ،‬فقد لجأ المشرع إلى نسخ هذه المادة ‪ 1‬وتعويضها‬
‫باألحكام المادة ‪ 9‬من قانون المالية لسنة ‪ 1133‬التي جاء فيه ما يلي‪:‬‬

‫" المادة ‪ :3‬يتعين على اإلدارات والهيئات العمومية وبمجرد استالم المحاسبين‬
‫العموميين لمهامهم إبرام عقد تأمين على نفقتها لفائدة المحاسبين العموميين الذين ينتمون‬
‫إليها لدى مقاولة تأمين معتمدة يضمن خالل مدة مزاولة مهامه مسؤوليتهم الشخصية‬
‫والمالية المشار إليها في المادة ‪ 1‬أعاله (الباقي بدون تغيير)‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬وتجدر اإلشارة إلى اإلدارة ‪ ،‬وإلبرام عقود التأمين لفائدة المحاسبين العموميين فقد‬
‫لجأت إلى استصدار قرار عن وزير االقتصاد والمالية رقم ‪ 0-0031‬بتتميم الئحة األعمال‬
‫الممكن أن تكون موضوع عقود أو اتفاقات خاضعة للقانون العادي الواردة في الملحق رقم‬
‫‪ 3‬بالمرسوم رقم ‪ 1-31-103‬المتعلق بالصفقات العمومية‪ 2‬يتعلق بإدراج هذا العقد ضمن‬
‫الئحة العقود التي يمكن إبرامها في إطار القانون العادي‪.‬‬

‫نصت المادة ‪ 9‬من قانون المالية لسنة ‪ 1133‬على نسخ المادة ‪ 3‬من القانون رقم ‪ 13-33‬ابتداء من فاتح يناير ‪. 1133‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫قرار لوزير االقتصاد والمالية رقم ‪ 0-0031‬صادر بتاريخ ‪ 35‬من صفر ‪ 39( 3011‬ديسمبر ‪ )1130‬منشور ج ر ع ‪ 1133‬بتاريخ ‪11‬‬
‫ديسمبر ‪.1130‬‬

‫‪463‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وإذا كان هذا التعديل قد أعفى المحاسب العمومي من تحمل األقساط السنوية لتأمين‬
‫مسؤوليته الشخصية والمالية وتتحملها الهيئة التي يعمل لديها‪ ،‬فإن التساؤل الذي يطرح‬
‫هو‪ ،‬هل الجماعات الترابية ومجموعاتها تدخل ضمن الهيئات العمومية المنصوص عليها‬
‫في هذه المادة ‪ 9‬من قانون المالية لسنة ‪ 1133‬من جهة؟ وهل الهيئة التي يعمل المحاسب‬
‫لفائدتها هي المعنية أم الهيئة التي ينتمي إليها كموظف من جهة ثانية؟‬

‫وقبل هذا وذاك ما الفائدة من إقرار المسؤولية الشخصية والمالية للمحاسب العمومي‬
‫بقصد حمله على المحافظة والتدبير األمثل للمالية العمومية وفق الضوابط المقرر في هذا‬
‫المجال تؤمنها اإلدارة لفائدته بتحمل أقساطها السنوية في جانب منها‪ ،‬وإمكانية االستفادة‬
‫من االعفاء من جانب آخر أي كلما تعلق األمر بقوة قاهرة ما عدا في حالة االستفادة‬
‫الشخصية وفق مقتضيات المادة ‪ 1 31‬من القانون رقم ‪ 13-33‬وما يليها من طرف وزير‬
‫المالية عمال بالمادة ‪ 31‬من نفس القانون التي تمكن وزير المالية من أعفاء المحاسب أو‬
‫األعوان التابعين له من المسؤولية وتبرئة ذممهم من دفع المبلغ المستحق عليهم‪ ،‬وعند‬
‫االقتضاء استرجاع المبلغ الذي سبق دفعه استيفاء للمبلغ المذكور‪.‬‬

‫عموما‪ ،‬فإن اغلب الحاالت المحددة في المادة ‪ 1‬من القانون رقم ‪ 13-33‬التي من‬
‫شأنها إثارة مسؤولية المحاسب العمومي قد تم تغطيتها بتأمين من طرف اإلدارة وفق‬
‫مقتضيات المرسوم رقم ‪ 1-11-111‬الصادر صادر في ‪ 1‬جمادى األولى ‪10 ( 3015‬‬
‫يونيو ‪ )1110‬المتعلق بتطبيق المادة ‪ 3‬من القانون رقم ‪ 13-33‬المتعلق بتحديد مسؤولية‬
‫اآلمر بالصرف والمراقبين والمحاسبين العموميين‪.2‬‬

‫‪1‬تنص المادة ‪ 31‬من القانون رقم ‪ 13-33‬على ما يلي‪ :‬يمكن أن يعفى اآلمر بالصرف الذي حكم عليه بإرجاع األموال أو المحاسب العمومي‬
‫الذي ثبت وجود عجز في حسابه أو المصرح بمديونيته وكذا الموظف أو العون المشار إليهما في المادة ‪ 1‬أعاله من مسؤوليتهم بناء على طلبهم‬
‫في حالة القوة القاهرة بشرط أال يكون العمل الذي أدى إلى اتخاذ مقررات إرجاع األموال أو ثبوت العجز أو التصريح بمديونية أحد منهم قد عاد‬
‫عليهم بمنفعة شخصية"‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫تنص المادة الثانية من المرسوم رقم ‪ 1-11-111‬على ما يلي‪ " :‬تؤمن بموجب العقد موضوع هذا المرسوم‪ ،‬المخاطر التي قد ينتج عنها‪:‬‬
‫‪ -‬ضياع أو اتالف أو سرقة أو إحراق األموال والقيم الموجودة داخل الصندوق الحديدي أو خارجه؛‬
‫‪ -‬االختالس أو خيانة األمانة أو األخطاء المادية أو التزوير في الحسابات أو النصب وكذا األفعال االجرامية األخرى التي قد يكون المحاسب‬
‫ضحية لها؛‬
‫‪ -‬مديونية المحاسب ومسؤوليته المدنية؛‬
‫‪ -‬نقل األموال والقيم في حالة عدم لجوء اإلدارة إلى المقاول متخصصة‪.‬‬

‫‪464‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وإذا ما أضفنا لما سبق إمكانية المحاسب العمومي االستفادة من االعفاء من‬
‫المسؤولية في إطار االحسان العمومي‪ ،‬فإن متابعة المحاسب العمومي في إطار المسؤولية‬
‫الشخصية والمالية جد محدودة‪.1‬‬

‫ذلك أن المادة ‪ 31‬من القانون رقم ‪ 13-33‬المذكور تقضي بأنه ال يحول رفض‬
‫الوزير األول – رئيس الحكومة حاليا ‪ -‬أو وزير المالية بحسب الحالة لطلب االعفاء من‬
‫المسؤولية دون تقديم طلب إبراء الذمة على وجه االحسان على شرط أن تكون الواقعة التي‬
‫ترتبت عنها المسؤولية قد عادت عليه بمنفعة شخصية وفق مقتضيات المادة ‪ 35‬من نفس‬
‫القانون ‪.2‬‬

‫هذا‪ ،‬وبالرجوع إلى المرسوم رقم ‪ 1-31-053‬صادر في ‪ 0‬ربيع األول ‪11( 3013‬‬
‫نونبر ‪ ) 1131‬بسن نظام المحاسبة العمومية للجماعات ومؤسسات التعاون بين الجماعات‬
‫نالحظ أن المادة ‪ 30‬منه تحدد المحاسبون العموميون لدى الجماعات المذكورة في الخزنة‬
‫الجهويون وخزنة العماالت واألقاليم والقباط يتم تعينهم من طرف وزير المالية في اطار‬
‫اتفاقية شراكة تبرم بين الخازن العام للمملكة و و ازرة الداخلية عمال بمقتضيات المادة ‪35‬‬
‫من المرسوم المذكور‪3.‬‬

‫وإذا كان هؤالء المحاسبون يخضعون في إطار عملهم لنظام المسؤولية المحاسبين‬
‫العمومين سواء في إطار القانون رقم ‪ 13-33‬و‪ 11-33‬السالفي الذكر فهل يحق لنا ان‬
‫نتساءل عن جدوى إدراج المادة ‪ 31‬في نظام المحاسبة للجماعات ومؤسسات التعاون بين‬
‫الجماعات حول تأمين مسؤوليتهم‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫مع أخذ بعين االعتبار سقف المبالغ المؤمنة كما هي محدد بالمرسوم رقم ‪ 1-11-111‬السالف الذكر‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫تجدر اإلشارة أيضا إلى أن الفصل ‪ 31‬من مرسوم ملكي رقم ‪ 111-11‬بتاريخ ‪ 31‬محرم ‪ 13( 3191‬أبريل ‪ )3311‬بسن نظام عام للمحاسبة‬
‫العمومية يعطي إمكانية للخازن العام النائب عن وزير المالية بأن يأذن للمحاسبين في تعويض الوثائق المسلمة إليهم في حالة ضياعها أو سرقتها‬
‫أو إتالفها‪.‬‬
‫نالحظ هنا أن مرسوم المحاسبة العمومية للجماعات الصادر سنة ‪ 1131‬نص على ان تعيين المحاسبين العموميون لدى الجماعات الترابية‬ ‫‪3‬‬

‫يكون بموجب اتفاق بين الخزينة العامة للمملكة وو ازرة الداخلية‪ ،‬مما يطرح التساؤل حول مطابقة هذا المقتضى مع المبادئ التي جاء بها دستور‬
‫‪ 1133‬بشأن رفع الوصاية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫‪465‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫فبالرجوع إلى المادة ‪ 31‬نجدها تقضي بالضرورة وبمجرد تعيين المحاسب لدى‬
‫الجماعة بإبرام عقود تأمين فردية أو جماعية من أجل تأمين مسؤوليتهم الشخصية والمالية‬
‫طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل‪ .‬وبالتالي يطرح التساؤل حول‬
‫المقصود بعبارة " النصوص التشريعية الجاري بها العمل"؟ إذا ما علمنا أن هذه المادة‬
‫نسخة طبق األصل للمادة ‪ 3‬من القانون رقم ‪ 13-33‬قبل تعديلها بموجب قانون المالية‬
‫لسنة ‪ 1133‬بمقتضى المادة ‪ 9‬منه‪ ،‬والتي تحمل اإلدارة والهيئات العمومية بموجبها‬
‫النفقات المترتبة عن أقساط التأمين عن مسؤولية المحاسبين بعد ما كان هؤالء يتحملونها‬
‫شخصيا‪ ،‬وهو ما يؤدي بنا لطرح تساؤل آخر وهو‪ ،‬هل عبارة "اإلدارات والهيئات العمومية"‬
‫الواردة في المادة ‪ 9‬من قانون المالية لسنة ‪ 1133‬يدخل ضمنها الجماعات ومؤسسات‬
‫التعاون بين الجماعات؟‬

‫وهنا تجدر اإلشارة إلى أن المرسوم المتعلق بالمحاسبة العمومية لسنة ‪ 3311‬كما وقع‬
‫تغييره وتتميمه يطلق حسب فصله األولى تسمية " المنظمات العمومية " على الدولة‬
‫والجماعات المحلية (الجماعات الترابية حاليا) ومؤسساتها وهيئاتها‪.‬‬

‫وحتى إن كان األقرب للصواب هو اعتبار الجماعات الترابية ضمن الهيئات العمومية‬
‫الواردة في المادة ‪ 9‬من قانون المالية لسنة ‪ ،1133‬فإن هناك اشكال آخر يطرح حول‬
‫جدوى إلزامية المحاسبين بإبرام عقد تأمين عن مسؤوليتهم المنصوص عليها في المادة ‪31‬‬
‫من مرسوم المحاسبة للجماعات ومؤسساتها‪ ،‬لكون المحاسب الذي سيكلف بتدبير ميزانية‬
‫الجماعات تم التامين عليه في إطار القانون رقم ‪ 13-33‬وفق المادة ‪ 9‬من قانون المالية‬
‫لسنة ‪ 1133‬من طرف اإلدارة التي ينتمي إليها "الخزينة العامة للمملكة"‪.‬‬

‫ذلك أن التسليم بكون الجماعات الترابية ومؤسساتها تدخل في حكم الهيئات العمومية‬
‫المنصوص عليها في المادة ‪ 9‬من قانون المالية السالف الذكر‪ ،‬فإن ذلك سيؤدي أيضا إلى‬
‫ترتيب آثار قانوني مهم وهو ان الجماعات الترابية ومؤسساتها هي التي يجب أن تتـحمل‬
‫أقساط التأمين لفائدة المحاسب العمومي لديها لكون التأمين يهدف إلى الحفاظ على أموال‬
‫هذه الهيئات‪.‬‬

‫‪466‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫خاتمة‬

‫يالحظ من خالل عرض للنصوص القانونية المرتبطة بمسؤولية المحاسب العمومي‬


‫أنها متناثرة بين مدونة المحاكم المالية والمرسوم المتعلق بالمراقبة المالية والقانون المتعلق‬
‫بمسؤولية اآلمرين بالصرف ومرسوم بسن نظام عام للمحاسبة العمومية ومرسوم المحاسبة‬
‫العمومية للجماعات ومجموعات الجماعات‪ ،‬األمر الذي أدى إلى وجود تكرار ألغلبية‬
‫المقتضيات‪ ،‬وهو ما يستدعي تنظيم هذا المجال في إطار قانوني موحد لتسهيل اللجوء إليه‬
‫من قبل الممارسين والباحثين ولما له من أهمية على تنزيل آليات الحكامة الجيدة في تدبير‬
‫المالية العمومية‪.‬‬

‫كما أن أهداف المشرع من خالل إقرار لمبادئ دستورية مرتبطة بالحكامة الجيدة‬
‫لتدبير المالية العمومية من خالل ربط المسؤولية بالمحاسبة وإلقرار قواعد تنظيمية من‬
‫خالل القانون التنظيمي للمالية لسنة ‪ 1135‬بقصد تكريس التدبير المرتكز على النتائج‪،‬‬
‫فإن بلوغ هذه الغاية يستوجب مالءمة النصوص القانونية المنظمة لهذا المجال وبنسخ‬
‫المتعارض منها واستصدار النصوص التنظيمية التي تتوقف عليها تفعيل بعض المقتضيات‬
‫القانونية‪ .‬سيما المادة ‪ 51‬من مدونة المحاكم المالية لتتطابق مع مقتضيات الفصل ‪ 30‬من‬
‫الدستور وتفعيل المادة ‪ 11‬من القانون التنظيمي بشأن تسيير اشغال الحكومة باستصدار‬
‫النص التنظيمي الذي يحدد مساطر المتابعة بالنسبة للوزراء كآمرين بالصرف‪ ،‬فإقرار‬
‫مسؤولية طرف دون آخر في إطار عملية تدبير المالية العمومية تنجز من كليهما يؤدي‬
‫في حقيقة األمر إلى افراغ المنظومة القانونية المرتبطة بهذا المجال من مضمونها‪.‬‬

‫‪467‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫أ‬
‫مسؤولية الدولة عن تعويض ضحايا االعمال ا إالرهابية‬
‫من إعداد الستاذ سعيد العقاوي‪،‬‬
‫رئيس مصلحة منازعات المسؤولية اإلدارية‬
‫للشمال بالوكالة القضائية للمملكة‬
‫تقديم‬

‫عرف المشرع المغربي الجريمة من خالل الفصل ‪ 331‬من مجموعة القانون الجنائي‬
‫بأنها كل "فعل أو امتناع عن فعل مخالف للقانون ومعاقب عليها بمقتضاه"‪ .‬وتتعدد الجرائم‬
‫الجنائية بحسب معيار التصنيف إلى عدة أنواع منها الجريمة اإلرهابية التي عرفها الفصل‬
‫‪ 139-3‬من القانون رقم ‪ 11.11‬المتعلق بمكافحة اإلرهاب على أنه "تعتبر الجرائم إرهابية‬
‫إذا كانت لها عالقة عمدا بمشروع فردي أو جماعي يهدف إلى المس الخطير بالنظام العام‬
‫بواسطة التخويف أو الترهيب أو العنف"‪ ،‬وقد عدد المشرع المغربي من خالل ذات الفصل‬
‫‪ 139-3-3‬بعض انواعها وقرر لها من خالل باقي الفصول عقوبات بسبب ما تخلفه من‬
‫اضطراب اجتماعي يقتضي معاقبة مرتكبها لكونها ال تشكل اعتداء على المجتمع وزعزعة‬
‫أمنه فحسب بل إنها تشكل انتهاكا لروح أو سالمة جسد الشخص المتضرر أي الضحية‪.‬‬

‫وقد عرف المشرع المغربي الضرر من خالل أحكام المادة ‪ 39‬من قانون االلتزامات‬
‫والعقود بأنه " في الجرائم وأشباه الجرائم هو الخسارة التي لحقت المدعى فعال ‪ ،"...‬لكنه لم‬
‫يقدم تعريفا دقيقا للضحية بالرغم من ورود عدة مصطلحات مرادفة له كالمجني عليه كما هو‬
‫الشأن بالنسبة للمادة ‪ 311‬و‪ 515‬من القانون الجنائي والمتضرر حسب مدلول المادة الثالثة‬
‫من قانون المسطرة الجنائية أو المطالب بالحق المدني حسب مدلول المادة السابعة من نفس‬
‫القانون‪.‬‬

‫وقد انبرى الفقه ‪ -‬على خالف المشرع المغربي ‪ -‬لتحديد مفهوم المجني عليه واعتبر‬
‫أنه كل شخص وقعت عليه أحداث الجريمة آو لحقه ضرر منها آو عرضت حقوقه المحمية‬

‫‪468‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫جنائيا للخطر‪ ،1‬كما عرف قضاء المجلس األعلى سابقا (محكمة النقض حاليا) أن المجني‬
‫عليه هو كل من وقعت عليه أحداث الجريمة سواء على شخصه أو حقوقه المادية أو‬
‫المعنوية أو ماله‪.‬‬

‫وقد عرفت األساليب اإلجرامية تطو ار ساهم في تجاوز المفهوم التقليدي للجريمة ليشمل‬
‫الفعل المنظم والمنسق‪ ،‬ومن أخطرها الجريمة اإلرهابية التي تصيب ضحايا ينبغي البحث‬
‫عن نظام لجبر األضرار الالحقة بهم‪.2‬‬

‫وبالنظر إلى خصوصية هذا الموضوع وراهنيته فإننا سنحاول التطرق لمختلف المناحي‬
‫المتعلقة به من خالل المباحث التالية‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬تطور فكرة التزام الدولة بتعويض ضحايا الجرائم اإلرهابية؛‬

‫‪ 1‬صالح السعد‪" ،‬علم المجني عليه (ضحايا الجريمة)"‪ ،‬ط‪ ،3‬دار صفاء للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ 3333 ،‬وعمرو العروسي «المركز‬
‫القانوني للضحية في الفقه الجنائي اإلسالمي –دراسة في علم المجني عليه" ‪،‬دار المطبوعات الجامعية‪،‬اإلسكندرية‪، 1131،‬ص‪35‬‬
‫‪2‬‬
‫ال تشذ الجريمة اإلرهابية عن األنواع األخرى من الجرائم من حيث أركانها‪ ،‬إذ ينبغي لقيام الجريمة اإلرهابية توافر العناصر الثالثة الواجب توافرها‬
‫لقيام كافة الجرائم‪ ،‬وهي كالتالي‪:‬‬
‫‪ -‬الركن القانوني للجريمة اإلرهابية‪ :‬للركن القانوني في الجريمة اإلرهابية يكتسي صبغة استثنائية مقارنة مع باقي األفعال الجرمية األخرى بالنظر‬
‫إلى مجموعة من االعتبارات التي تبررها خصوصية هذا الن وع من الجرائم‪ ،‬ويتمحور حول عنصرين أساسيين أولهما إلزامية تجريم الفعل اإلرهابي‬
‫بمقتضى نص جزائي خاص وثانيهما عدم إمكانية تصور خضوع الجرم اإلرهابي ألسباب اإلباحة والتبرير‪.‬‬
‫‪ -‬الركن المادي للجريمة اإلرهابية‪ ،‬إذ يعتبر الركن المادي في الجريمة اإلرهابية العنصر األ كثر عملية في قيام هذا النوع من الجرائم‪ .‬فإذا كانت‬
‫القاعدة العامة تبرر زجر الجريمة اإلرهابية لما تخلفه هذه األخيرة من اضطرابات سواء في شكل عمل كما هو الشأن بالنسبة للتعداد الوارد في‬
‫الفصل األول ‪ 139‬من قانون (‪ )11-11‬المتعلق بمكافحة اإلرهاب‪ ،‬أو في شكل امتناع كما هو الشأن بالنسبة للفصل ‪ 139– 9‬من ذات القانون‬
‫المعاقب لعدم التبليغ عن الجريمة اإلرهابية المجمع تنفيذها‪.‬‬
‫ويظل القاسم المشترك للنشاط المادي الصادر عن المجرم في الجريمة اإلرهابية متمحو ار حول عنصرين رئيسيين‪:‬‬
‫أ‪-‬تعلق الفعل اإلرهابي بمشروع فردي أو جماعي باجتم اعي صورته ترويع عامة الناس وإفزاعهم وإشاعة جو من الالطمأنينة وإلى استقرار فان هذا‬
‫االضطراب ومن باب الموازنة يتعذر قيامه أو تحققه على أرض الواقع العمل مالم يصدر نشاط مادي عن الفاعل اإلرهاب سواء بشكل خطير‬
‫بالنظام العام وزعزعة األمن العمومي‬
‫ب‪-‬ارتباط الغاية من هذا النشاط المادي بإشاعة الخوف والترهيب عن طريق اعتماد العنف أو التهديد به‪ ،‬وما دام أن القانون السابق قد عدد صور‬
‫الجرائم التي تعتبر إرهابية متى اقترنت بالعنصرين المشار إليهما أعاله فإننا سنرجئ الحديث عن تجليات الركن المادي في الجريمة اإلرهابية إلى‬
‫غاية التطرق في فقرة الحقة لهذه الصور وتناولها بالرصد والبيان والمناقشة القانونية‪.‬‬
‫‪ -‬الركن المعنوي للجريمة اإلرهابية‪ :‬ال يشترط لقيام الجريمة اإلرهابية مجرد قيام مشروع فردي أو جماعي يستهدف المس الخطير بالنظام العام‬
‫بواسطة التخويف أو التهريب أو العنف ولو تحققت الص ور اإلجرامية المنصوص عليها في هذا الشق بل يتعين وجوبا توافر عنصر العمد لدى‬
‫الفاعل اإلجرامي وهو ما يصطلح على تسميته بالركن المعنوي في الجريمة اإلرهابية ‪ ،‬فما هو مضمون هذا الركن وما هي تجلياته في نطاق‬
‫الجريمة اإلرهابية يمكن القول إن القصد الجنائي عامة‪ ،‬يتجلى مفهومه في واقع األمر كترجمة ميدانية لإلرادة التي تخالج مخيلة الفاعل اإلجرامي‬
‫وتتسخ بعقليته فتتحكم في توجيه نشاطه اإلجرامي الذي يستهدف به بصفة إدارية وتلقائية‪ ،‬قيامه ما لم يعمد الفاعل اإلجرامي إلى توجيه إرادته نحو‬
‫تحقيق الفعل المادي للجرم المزمع اقترافه‪.‬‬

‫‪469‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المبحث الثاني‪ :‬التجارب المقارنة على صعيد جبر األضرار الناجمة عن األعمال اإلرهابية؛‬

‫المبحث الثالث‪ :‬التجربة المغربية في مجال التعويض عن أضرار الجرائم اإلرهابية‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬تطور فكرة التزام الدولة لتعويض ضحايا البرائم اإلرهالية‬
‫وأساسها‬
‫لم تكن فكرة تعويض األفراد المتضررين من الجريمة بصفة عامة والجرائم اإلرهابية‬
‫بصفة خاصة فكرة حديثة برزت في العهود القليلة الماضية‪ ،‬بل كانت فكرة قديمة متجذرة في‬
‫اول قانون مكتوب عرفته البشرية‪ ،‬ومنذ ذلك تطور أساسها وعرفت وقبول متزايدا من لدن‬
‫الدول والحكومات‪.‬‬

‫ويمكن إبراز التطور التاريخي لفكرة التعويض عن األضرار الناجمة عن الجريمة‬


‫اإلرهابية وأساسها القانوني من خالل الفقرتين التاليتين‪:‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬التطور التاريخي لفكرة التعويض عن األضرار الناجمة عن‬


‫البريمة اإلرهالية‬

‫لم تكن فكرة تعويض الدولة للضحايا عن األضرار التي لحقتهم من الجرائم اإلرهابية‬
‫بالفكرة الحديثة أو الجديدة‪ ،‬إذ عرفت منذ الحضارات القديمة في َبلد النهرين‪ ،‬ففي العصور‬
‫القديمة ألزم قانون حمورابي الحاكم بدفع تعويض للمجني عليهم الذين تعرضوا للسرقة وذلك‬
‫في حالة عدم معرفة الجاني أو عدم التمكن من القبض عليه‪ ،‬وكذلك الحال بالنسبة لورثة‬
‫المجني عليه في القتل عندما ال يعرف القاتل‬

‫كما عرف الفقه اإلسالمي هذه الفكرة وأقرها‪ ،‬وذلك حين نظم حقوق ضحايا جرائم الدم‪،‬‬
‫سواء كان االعتداء عليهم عمدي أو نتيجة خطأ‪ ،‬وقرر لهم الحق في الدية التي تؤخذ من‬
‫الجاني أو من عائلته‪ ،‬أو يتحملها بيت مال المسلمين في الحالة التي يكون فيها الجاني‬
‫مجهوال أو معسرا‪ ،‬أو إذا عجزت عائلته عن دفع الدية‪ ،‬وهكذا أقرت الشريعة اإلسالمية مبدأ‬
‫التكافل االجتماعي والذي يمثل أحد صوره التزام الدولة بتعويض الدية للمضرور من الجريمة‬
‫إذا استحال عليه الحصول على التعويض من طريق آخر‪.‬‬

‫‪470‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫كما بدأت الفكرة منذ ذلك الحين في االنتشار‪ ،‬إذ تركزت العديد من الجهود الدولية على‬
‫بحث هذه الفكرة وسبل توسيع نطاقها إلى أبعد الحدود‪ ،‬وهكذا فقد تناولت المؤتمرات اإلقليمية‬
‫والدولية إشكالية تعويض ضحايا اإلرهاب وأكدت على التزام الدولة بتعويض ضحايا الجرائم‪.‬‬

‫ولقد كانت أولى هذه الجهود بالمؤتمر الدولي للسجون في باريس‪ ،‬إذ أكد تقرير الفقيه‬
‫«دولف برانز" المقدم لهذا المؤتمر على ما يلي‪:‬‬

‫" ا نه حان الوات ألن تلتفت الدولة إلى المبني عليه وان تراعي ظروفه وأحواله‬
‫أسوة بالباني الذي يلقى ك الرعاية والعناية من جانب الدولة التي تقوم بإطعامه وتوفير‬
‫المسان والملبس له‪ ،‬وتحرص على توفير الدفء واإلنارة والصحة له‪ ،‬وتشرف على‬
‫تأهيله وتدريبه على نفقتها‪ ،‬وعند خروجه من السبن تعطيه مبلغا من المال يمث أجره‬
‫عن عمله أثناء وجوده في السبن‪ ،‬لينما يترك المبني عليه وحده يقاسي من جراء‬
‫البريمة في الوات الذي يساهم هو نفسه وعن طريق غير مباشر في رد اعتبار المبرم‬
‫الذي أضر به من َخالل الضرائب التي يقوم لدفعها إلى الدولة والتي تنفقها لدورها على‬
‫البناة أثناء تواجدهم في أماكن تنفيذ العقوبات"‬

‫كما أوصى المؤتمر الدولي للسجون الذي عقد ببلجيكا قبيل الحرب العالمية األولى‬
‫بوجوب التزام الدولة بتعويض المجني عليهم‪ ،‬إال أن ظروف الحرب العالمية األولى والثانية‬
‫آنذاك حالت دون إيجاد صدى لهذه الفكرة‪.‬‬

‫ولقد توالت المؤتمرات الدولية التي بحثت هذا الموضوع‪ ،‬إذ عقد المؤتمر الدولي الثاني‬
‫لتعويض المجني عليهم في مدينة باليتمور بالواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬ثم المؤتمر الثالث‬
‫لتعويض المجني عليهم بمقاطعة اونتريو بكندا‪ ،‬اما مؤتمر" لوس أنجلس" بكاليفورنيا فقد‬
‫اختت م أعماله بالتوصية على وجوب تعويض الدولة للمجني عليهم والذي ينبغي أن ينظر إليه‬
‫على أنه حق للمجني عليهم وليس منحة‪.1‬‬

‫في الفترة الممتدة ما بين ‪ 13‬إلى ‪ 35‬سبتمبر سنة ‪ 3310‬انعقد المؤتمر الحادي عشر‬
‫لقانون العقوبات في بودابست من أجل مناقشة موضوع تعويض ضحايا الجرائم ولقد أثير‬

‫‪1‬‬
‫عقد مؤتمر لوس أنجلس بشأن تعويض الدولة لضحايا الجريمة في لوس أنجلس بوالية كاليفورنيا في ‪ 1‬ديسمبر سنة ‪3319‬‬

‫‪471‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫نقاش مهم خالل المؤتمر حول توسيع االهتمام باألشخاص الذين تقع عليهم الجريمة لتمتد‬
‫من األشخاص الذين تقع عليهم الجريمة مباشرة أي المجني عليهم إلى الذين يتضررون من‬
‫هذه الجريمة بصفة عامة‪ ،‬وهم أولئك الذين كان يعولهم ضحية الجريمة‪.‬‬

‫الوزرية في المجلس األوروبي حكومات الدول األعضاء في‬


‫ا‬ ‫كما أوصت اللجنة‬
‫المجلس أن تأخذ بعين االعتبار في الحاالت التي يتعذر فيها على المجني عليهم الحصول‬
‫على تعويض‪ ،‬أن يتم تعويض الذين أصيبوا منهم بأضرار بدنية جسيمة من الجريمة‪ ،‬وكذا‬
‫أولئك الذين يعتمدون في إعالتهم على أشخاص قتلوا ج ارء أعمال إرهابية‪.‬‬

‫وقد حثت االستراتيجية األممية لمكافحة اإلرهاب في الفقرة الثانية على ” النظر في‬
‫القيام على أساس طوعي لوضع أنظمة وطنية لتقديم المساعدة تلبي احتياجات ضحايا‬
‫اإلرهاب وأُسرهم‪ ،‬وتيسر إعادة حياتهم إلى مبراها الطبيعي‪ ،‬وفي هذا الصدد نشبع الدول‬
‫على أن تطلب إلى الكيانات المختصة التابعة لألمم المتحدة مساعدتها في إاامة نظم‬
‫وطنية من هذا القبي ‪ ،‬وسنسعى أيض ًا إلى النهوض بالتضامن الدولي لدعم الضحايا‪،‬‬
‫وتشبيع مشاركة المبتمع المدني في حملة عالمية لماافحة اإلرهاب وإدانته ويمان أن‬
‫يشم هذا القيام في البمعية العامة باستكشاف إماانية إنشاء آليات عملية لتقديم‬
‫المساعدة إلى الضحايا“‪.‬‬

‫وأكدت في الفرع الرابع من نفس الفقرة على ما يلي‪:‬‬

‫" … وإذ نؤكد ضرورة تعزيز وحماية حقوق ضحايا اإلرهاب وحمايتها"‪.‬‬

‫كما شدد المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق اإلنسان والحريات األساسية في‬
‫تقريره المقدم إلى مجلس حقوق اإلنسان بخصوص المجاالت العشرة للممارسات الفضلى في‬
‫مكافحة اإلرهاب خصوصا السادسة منها التي تقتضي ” دفع تعويضات من ميزانية الدولة‬
‫عن أي ضرر يلحق باألشأخاص الطبيعيين أو االعتباريين وبممتلكاتهم نتيبة عم إرهالي‬
‫أو نتيبة أعمأال ترتكأب باسأم ماافحة اإلرهاب‪ ،‬وذلك وفقا للقانون الدولي لحقوق‬
‫اإلنسان” كما أكد أيضا على ضرورة أن ” تقدم لألشخاص الطبيعيين الذين عانوا من‬
‫أضرار مادية أو غيرها‪ ،‬أو الذين عانوا من انتهاكات حقواهم اإلنسانية نتيبة عم من‬

‫‪472‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫أعمال اإلرهاب أو نتيبأة أعمأال ترتكب باسم ماافحة اإلرهاب‪ ،‬المساعدة القانونية والطبية‬
‫والنفسية وغيرها من المساعدات الالزمة إلعادة تأهيلهم اجتماعيا وذلك من ميزانية‬
‫الدولة"‪.‬‬

‫وتفاعال من جامعة الدول العربية مع الخطر اإلرهابي اعتبرت يوم ‪ 11‬ابريل من كل‬
‫سنة يوما للتوعية والتضامن مع الضحايا – على غرار االتحاد األوروبي الذي اعتبر يوم ‪31‬‬
‫مارس من كل سنة يوما أوروبيا لتذكر ضحايا اإلرهاب – كما دعت إلى إعداد قانون عربي‬
‫استرشادي لمساعدة ضحايا األعمال اإلرهابية‪.‬‬

‫وقد عمل المغرب كدولة منخرطة في االستراتيجية األممية على تطوير ضمان حقوق‬
‫الضحايا على غرار مجموعة من التجارب الدولية كما سنرى من خالل المبحث الثالث‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬أساس فكرة التعويض عن األضرار الناجمة عن البريمة‬


‫اإلرهالية‬

‫أثار مبدأ تعويض ضحايا الجريمة اإلرهابية خصوصا‪ ،‬جدال واسعا في األوساط الفقهية‬
‫حول األساس الذي يستند إليه‪.‬‬

‫فقد ذهب جانب من الفقه إلى إنكار الت ازم الدولة بتعويض ضحايا الجريمة بوجه عام‬
‫وبرروا ذلك بعدة حجج منها‪:‬‬

‫‪ -‬إن نظام المسؤولية الشخصية للجاني يكفي لحماية المتضرر‪ ،‬باإلضافة إلى ما‬
‫تقدمه نظم التأمينات من تعويض نقدي‪.‬‬
‫‪ -‬أن تقرير مسؤولية الدولة حسب هذا الرأي من شأنه التمييز بين الضحايا‪ ،‬فهناك‬
‫ضحايا الكوارث الطبيعية وضحايا األمراض الفتاكة‪ ،‬فال مبرر لتمييز ضحايا‬
‫الجريمة اإلرهابية بأحكام خاصة‪ ،‬فشبكة الحماية االجتماعية كفيلة بمساعدة هؤالء‬
‫المتضررين كغيرهم‪.‬‬

‫‪473‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪ -‬أن التزام الدولة التعويض من شأنه أن يؤدي إلى إهدار المسؤولية الفردية وشخصية‬
‫العقوبة‪ ،‬كما يمكن أن يقلل من حرص الضحايا لمنع الجريمة أو التعاون مع أجهزة‬
‫الدولة في التبليغ عن المجرم‪.‬‬
‫‪ -‬إثقال ميزانية الدولة بأعباء أخرى تضاف إلى تلك التي خصصتها للوقاية من‬
‫الجريمة ذاتها مما قد يجعل الدولة عاجزة عن التعامل مع الجريمة بشكل فعال‪.‬‬

‫غير أن الرد على هذه الحجج بسيط‪ ،‬فأصحاب هذا االتجاه ال يقصرون المبدأ على‬
‫الجريمة اإلرهابية‪ ،‬بل إن المسألة تتعلق بالمتضرر الذي عجز عن إصالح الضرر سواء‬
‫كان ذلك لعدم معرفة الجاني أو عدم مسؤوليته أو كان السبب كوارث طبيعية‪ .‬ثم أن الدولة‬
‫تقبض من المواطن ضريبة‪ ،‬فتدفع له على أساس مبدأ الغنم بالغرم‪.‬‬

‫أما الرأي المؤيد اللتزام الدولة بالتعويض فقد ساق الحجج التالية‪:‬‬

‫‪ -‬ال يمكن قياس أض ار ار لجريمة اإلرهابية على أضرار الجرائم األخرى نظ ار‬
‫للفارق الكبير في جسامة الضرر‪ ،‬فال مانع من وجود نظام تكميلي يتكفل‬
‫بهذا النوع من الضحايا‪.‬‬
‫‪ -‬أما القول بإضعاف اإلحساس بالمسؤولية الفردية‪ ،‬فال وجه له حيث أن بواعث‬
‫الجريمة اإلرهابية ال عالقة لها بالتعويض أو المقابل المادي‪ ،‬وفي كل‬
‫األحوال فإن تحمل الدولة للتعويض ذو طبيعية احتياطية حتى في الجريمة‬
‫اإلرهابية‪ ،‬إذا أمكن استيفاء التعويض من الجاني‪ ،‬وهذا نادر الحصول‪ ،‬علما‬
‫أنه يحقق للدولة الرجوع على الجاني بمبلغ التعويض في حالة ما إذا تم‬
‫التعرف عليه الحقا‪ .‬علما أن اإلحصائية في بعض الدول المتطورة أثبتت أن‬
‫ثالثة من بين ‪ 311‬ضحية تم تعويضهم من قبل الجناة أي بنسبة ‪%3.9‬‬
‫فقط‪.‬‬
‫‪ -‬أما القول بزيادة أعباء الميزانية العامة‪ ،‬فها أيضا مردود عليه‪ ،‬ألن الدولة‬
‫يمكنها تنويع مصادر تمويل الميزانية بما في ذلك فرض ضرائب جديدة‪.‬‬

‫‪474‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪ -‬من المسلم به أنه يقع على الدولة توفير األمن وفي حالة اإلخالل به عليها‬
‫أن تتحمل نتائج هذا التقصير بتحمل التعويض عن الضرر الذي تخلفه جرائم‬
‫اإلرهاب‪.‬‬

‫وإذا أردنا تقييم االتجاهين‪ ،‬المؤيد والمعارض‪ ،‬نجد أنه ال تعارض بين االتجاهين‪،‬‬
‫وكالهما يقر بحق الضحية في التعويض‪ ،‬فاالتجاه االول يكتفي بمبدأ المسؤولية الشخصية‬
‫على االعتبار أن الحالت التي ال يعرف فيها الجاني حاالت استثنائية وحتى الجريمة‬
‫االرهابية فهي جريمة عابرة أو غير عادية منطلقها قناعات سياسية أو دينية خاطئة‪ .‬بينما‬
‫يرى االتجاه الثاني‪ ،‬ضرورة ايجاد نظام مكمل لنظام المسؤولية الشخصية وهو نظام‬
‫احتياطي ال يمكن تحريكه إال بعد أن يعجز النظام األول على إصالح الضرر‪.‬‬

‫وسنعرض للمحاوالت الفقهية التي دعمت فكرة التزام الدولة بالتعويض‪.‬‬

‫أوال‪ :‬نظرية الدولة المؤمنة‬


‫لقد حاول بعض الفقه تجاوز أسس المسؤولية التقليدية و البحث عن أساس جديد‬
‫يغطي جميع الحاالت التي ترى الدولة أنه من واجبها التدخل للمساعدة فقالوا بنظرية الدولة‬
‫المؤمنة و رائد هذه النظرية هو موريس هوريو‪ ،‬وهي في نظره النظرية الوحيدة التي تبرر‬
‫مسؤولية الدولة عن األضرار التي تصيب األفراد من جراء أعمال الشغب و الكوارث‬
‫الطبيعية‪ ،‬ويمكن أن نظيف لها الجريمة اإلرهابية ‪..‬و أساس هذه النظرية أن هناك تأمينا‬
‫متبادال بين المواطنين و الدولة ‪،‬فالدولة هي المؤمن على نشاطها العام من األضرار التي‬
‫تصيب الغير و هذا التأمين يغطي جميع مجاالت المسؤولية‪ ،‬وال عالقة له بالخطأ أو‬
‫المخاطر‪ .‬كما يؤدي هذا التصور إلى تحميل الدولة واجب تعويض الضحايا مثل أي مؤمن‪،‬‬
‫ألنها قبضت أقساط التأمين من المؤمن لهم في شكل ضرائب مباشرة أو غير مباشرة‪.‬‬

‫ويضيف أحد أنصار هذه النظرية القول بأنه ال يمكن القول بفكرة الخطأ أو المخاطر‬
‫أو ا لخطأ المرفقي‪ ،‬واألساس الوحيد التي يبرر مسؤولية الدولة هي فكرة التأمين االجتماعي‬
‫الذي يتحمله الصندوق الجماعي لمصلحة الناس الذين تضرروا من جراء النشاط العام الذي‬
‫يتم لفائدة الجميع‪ .‬فالدولة تتصرف كمؤمن لمشروعها الخاص وأيضا كمؤمن للمخاطر التي‬

‫‪475‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ال يوجد في النظام االجتماعي أي ضمان أخر لها سوى السلطة العامة نفسها وخاصة‬
‫المخاطر غير القابلة للتأمين كما هو الحال في الكوارث الطبيعية‪.‬‬

‫وتقوم هذه النظرية على محض افتراض مؤداه أن الدولة تقيض األقساط لحسابها كما‬
‫هو الحال في مفهوم التأمين‪ ،‬والحقيقة أن أقساط الضرائب تنفق على النفع العام أي تعود‬
‫إلى الممول نفسه بطريق أخرى‪ ،‬في شكل خدامات أو مساعدات في صيغ مختلفة‪ .‬فالنظرية‬
‫ال تفسر كيف يستفيد الفرد من الخدمات وفي نفس الوقت يحصل على تعويض عند الضرر‬
‫مقابل نفس القسط‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬نظرية الضمان‬


‫تقوم هذه النظرية على أساس أن حق المواطن في األمن مقرر في الدساتير وهو‬
‫يفرض على الدولة التزاما بضمان حمايته من األضرار التي تنتج عن المساس بهذا األمن‪،‬‬
‫فالدولة ضامنة للسلم االجتماعي وعليها أن تتحمل إصالح األضرار التي تصيب أفراد‬
‫المجتمع ولو كانت غير ذات صلة بالنشاط العام‪.‬‬

‫تجد هذه النظرية سندها في نظرية العقد االجتماعي‪ ،‬فاألفراد قبل وجود الدولة كانوا‬
‫يعتمدون على أنفسهم في الدفاع عن حقوقهم ومصالحهم والقصاص من المعتدي عليهم‪،‬‬
‫وبعد ظهور الدولة تنازل األفراد لممثليهم عن جانب من حقوقهم في مقابل أن توفر الدولة‬
‫األمن واالستقرار وتعمل على منع وقوع الجريمة‪ .‬وترتب على ذلك أن حظرت عليهم‬
‫الثأر وأن يقيموا العدالة ألنفسهم‪ .‬وينبني على ما تقدم أن وقوع الجريمة وحدوث أضرار يعد‬
‫إخالال من جانب الدولة بالتزامها القانوني في توفير األمن‪ .‬ومن أشهر الذين روجوا لهذا‬
‫األساس هو بنتام في مطوله عن التشريع الجنائي‪.‬‬

‫هذه النظرية تبالغ كثي ار وتجعل من الدولة الشخص القانوني الوحيد الذي يجب أن‬
‫يتحمل التعويض‪ ،‬بصرف النظر عن مصدرها‪ .‬وهو الشيء الذي ال يمكن التسليم به فوجود‬
‫الدولة ال يلغي مسؤولية األشخاص القانونية األخرى التي يمكن أن تسبب في إحداث‬
‫الضرر‪ .‬كما أن الدولة ال تستطيع عمليا أن تأمن المواطن من كل أشكال المخاطر وال بد‬
‫من وضع ضوابط‪ ،‬ومراعاة إمكانيات الدولة المالية‪.‬‬

‫‪476‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ثالثا‪ :‬نظرية التضامن االجتماعي‬


‫كما ذكرنا أن جبر الضرر في الحاالت التي يكون الضرر ناتج عن النشاط العام‬
‫لمواجهة العمل اإلرهابي ال يثر إشكالية‪ ،‬ولكن في الحاالت التي يكون الضرر متولد من‬
‫الجريمة ذاتها‪ ،‬فمرتكب الجريمة يكون مجهوال في كثير من األحيان أو يهلك أثناء العمل‬
‫اإلجرامي بفعله (االنتحاري) أو بفعل النشاط العام المقاوم‪ ،‬فمن يساعد الضحية في مصيبته‪،‬‬
‫هل يمكن أن تكون الدولة مسؤولة؟ مع العلم أن كثي ار ما يكون ضحايا األعمال اإلرهابية من‬
‫األبرياء المدنيين‪.‬‬

‫لقد جاءت فكرة التضامن االجتماعي كمحاولة للتأسيس لمبدأ تعويض ضحية الجريمة‬
‫اإلرهابية و تستند هذه النظرية إلى مبدأ الشعور اإلنساني الذي يرتكز عليه كل إجراء يهدف‬
‫إلى مساعدة األشخاص الذين يوجدون في وضعية صعبة ‪،‬و هذا الشعور مبدؤه تضامن‬
‫أفراد المجتم ع فيما بينهم ‪،‬حتى في غياب المؤسسة الرسمية فهو نابع من الشعور باالنتماء‬
‫إلى الجماعة أو األمة و اإلنسانية قبل الدولة (المؤسسة )‪ .‬وفي هذا السياق يجب أن تكون‬
‫الدولة أول من يبادر بهذا التضامن باعتبارها ممثلة الجماعة‪ ،‬وهذا ال يمنع أفراد المجتمع من‬
‫المشاركة في هذا الواجب حتى في غياب الدولة أو مؤسساتها‪.‬‬

‫ومبدأ التضامن االجتماعي‪ ،‬ال يقتصر هذا نوع معين من الضرر وإنما يغطي كل ما‬
‫يمكن أن يواجها األفراد من مصاعب ال قبل لهم بدفعها كاألوبئة والكوارث الطبيعية‪ .‬وعندما‬
‫تتحمل الدولة التعويض فهي تفعل ذلك بموجب التزام اجتماعي وليس بموجب مسؤولية‬
‫قانونية‪.‬‬

‫لقد شكل مبدأ جماعية التعويض منطقا مبدئيا لفكرة تحمل الدولة عبء التعويض في‬
‫هذا النوع من الجرائم‪ ،‬والحقيقة أن مبدأ جماعية التعويض ليس حديثا بل يجد تطبيقاته في‬
‫مجاالت عديدة أولها كان في تقرير مسؤولية االشخاص االعتبارية عن أعمال موظفيها‪ ،‬كما‬
‫نعكس في نظام التأمين ذلك أن الفكرة الجوهرية‬

‫التي يقوم عليها التأمين بوجه عام هي توزيع المخاطر على أكبر عدد من االفراد‪ ،‬فهو‬
‫يقو على فكرة التضامن‪ ،‬فتحمل الكيان االجتماعي التعويض عن طريق الذمم الجماعية بدال‬

‫‪477‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫من المسؤول هو مظهر هام لجماعية التأمين‪ .‬وعلى هذا االساس فالتزام الذمة الجماعية أو‬
‫النظام الجماعي عبء التعويض ليس هو الخطأ أو اللوم االخالقي‪ ،‬وإنما هو لحماية‬
‫المضرور استنادا الى فكرة التضامن االجتماعي‪.‬‬

‫نبني على هذا األساس ما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬إن إصالح الضرر ليس حقا وإنما هو مساعدة من الدولة لمن هو في حاجة إليها‪،‬‬
‫وبمفهوم المخالفة ال تمنح لمن تكون ظروفه المادية جيدة وال تحدث له الجريمة‬
‫اضطرابا في ظروف المعيشة‪.‬‬
‫‪ -‬ال تتقرر المساعدة بمجرد وقع الجريمة أو الضرر كما هو الحال في قواعد‬
‫المسؤولية التقليدية‪ ،‬وإنما يقرر منحها بناء على ظروف المتضرر‬
‫‪ -‬كون التعويض هنا مجرد مساعدة اجتماعية ال ينعقد االختصاص بنظر تقريره إلى‬
‫القضاء‪ ،‬وإنما إلى اللجان اإلدارية الناظرة في طلبات المساعدات االجتماعية‪.‬‬
‫‪ -‬أن هذا النوع من التعويض ذو طبيعة احتياطية‪.‬‬

‫إن مبدأ التضامن االجتماعي يبقى واجبا أخالقيا أكثر منه قانونيا فهو ال يصلح أن‬
‫يكون أساس إللزام الدولة بالتعويض عن الجريمة اإلرهابية إال إذا تحول إلى التزام قانوني‪.‬‬
‫وهذا ما حدث بالفعل في كثير من الدول‪.‬‬

‫وفي األخير يمكنا القول أن النظر إلى الضرر على أنه مشكلة اجتماعية ‪،‬قبل أن‬
‫يكون حق خاص للمتضرر‪ ،‬غير اتجاه البحث إلى إصالح الضرر بدل من إنصاف‬
‫المتضرر من المتسبب في الضرر‪ ،‬والسبب في ذلك أن المتسبب في الضرر كثي ار ما يكون‬
‫مجهوال أو معس ار و أحيانا أخرى ليس بفعل شخص قانوني و في كل هذه الحاالت ينبغي أن‬
‫تتدخل الجماعة لمساعدة المتضرر‪ ،‬وأقصر الطرق هو إصدار تشريعات يتقرر بموجبها‬
‫مساعدة المتضررين في مجاالت محددة بشروط خاصة من ذاك المتضررين من جرائم‬
‫األشخاص في حالة عدم إمكانية حصول المتضرر على تعويض من المجرم‪ .‬ولذلك وصف‬
‫هذا التعويض الذي تدفعه الدولة بأنه احتياطي كما انه يتوقف على سلوك المتضرر‪.‬‬

‫‪478‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫و بدون مبالغة يمكن القول أن الجريمة االرهابية من أخطر الجرائم التي تستوجب‬
‫مسا عدة المتضررين منها لما تخلفه من أضرار جسدية في غالب األحيان كالقتل و كذا‬
‫جرائم األموال ونظ ار لجسامة األضرار ومحدودية إمكانية الدولة لجأت الدول إلى إنشاء‬
‫مؤسسات بتمويل خاص تتكفل بتعويض ضحايا الجريمة اإلرهابية و هو ما عرف في‬
‫النظام الفرنسي بصناديق الضمان (‪ )Fonds de garantie‬يتم تمويله من بواسطة‬
‫االشتراكات الخاصة بعقود التأمين على األموال و يتمتع هذا الصندوق بالشخصية‬
‫االعتبارية و ينص القانون على تشكيلة إدارة الصندوق (الرئيس و األعضاء)‪.‬‬

‫وفي رأينا أن مسؤولية الدولة عن تعويض ضرر الجريمة اإلرهابية يدخل في صميم‬
‫وظيفة الدولة االجتماعية‪ ،‬بل وظيفة المجتمع‪ ،‬وهي التكفل بمن هم في حاجة إلى مساعدة‬
‫أين كان مصدر الضرر على أن يكون ذلك بالقدر الممكن ووفق شروط أو ضوابط تحددها‬
‫القوانين‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬التبارب المقارنة على صعيد جبر األضرار الناجمة عن‬
‫األعمال اإلرهالية‬
‫أقدم المشرع في العديد من بقاع المعمور على إصدار قوانين خاصة تلزم الدولة‬
‫بتعويض ضحايا اإلرهاب أمام عجز أحكام النصوص العامة‪ ،‬وقد عمل في هذا اإلطار على‬
‫ابتداع أسلوب الصناديق الخاصة‪ ،‬خصوصا أن مجموعة من المؤتمرات التي أعقبت مؤتمر”‬
‫لوس أنجلس “بكاليفورنيا عام ‪ ،3319‬أكدت على أن هذا تعويض للمجني عليهم وليس‬
‫منحة‪.‬‬

‫وإلبراز األهمية التي أولتها التشريعات المقارنة لتعويض ضحايا اإلرهاب نعرض لبعض‬
‫التجارب الغربية والعربية‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬تبارب غربية‬


‫من بين القوانين التي اهتمت بجبر ضرر ضحايا األعمال اإلرهابية نجد التشريع‬
‫الفرنسي والذي أتاح لضحايا االعمال اإلرهابية الحصول على تعويض من صندوق خاص‬
‫يدعى صندوق ضمان ضحايا االعمال اإلرهابية والجرائم األخرى يجبر كامال لألضرار‬

‫‪479‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الناجمة عن الجروح الشخصية التي يصاب بها ضحايا األعمال اإلرهابية‪ ،‬ويمنح هذا‬
‫التعويض بغض النظر عن وجود إجراءات جنائية أو التعرف على هوية الجناة‪.‬‬

‫ويتولى إدارة مجلس الصندوق عضو من الجهاز القضائي الفرنسي ويضم ممثلين عن‬
‫رابطة لضحايا والو ازرات الحكومية ذات الصلة وقطاع التأمين‪ ،‬ويتم تمويل الصندوق من‬
‫االقتطاعات أو الرسوم على عقود التأمين على الممتلكات واإليرادات المتأتية من العقوبات‬
‫المالية المحكوم بها على األشخاص المدانين بارتكاب أعمال إرهابية‪ ،‬ويمكن أن يحل‬
‫الصندوق محل الضحايا في المطالبة بحقوقهم لدى الشخص المسؤول عن الضرر‪.‬‬

‫كما شهدت ايطاليا ما بين سنوات ‪ 3313‬و‪ 3315‬موجة من األحداث اإلرهابية ذهب‬
‫ضحيتها مئات األرواح مما اضطر المشرع االيطالي إلى إصدار قانون رقم ‪ 011‬بتاريخ ‪31‬‬
‫غشت ‪ ، 3391‬ونص فيه على تبرعات خاصة لصالح طائفة من الموظفين العموميين‬
‫والمواطنين المتضررين من األعمال اإلرهابية مع تحديده لنسب التعويض وعدم تمييزه بين‬
‫جنسية المتضررين‪ .‬وهكذا فقد صدر قانون رقم ‪ 111‬في ‪ 0‬دجنبر ‪ 3393‬الذي وسع من‬
‫دائرة الجرم ليشمل المتضررين من األعمال العادية‪.‬‬

‫وقد طور المشرع اإليطالي المقتضيات التشريعية مع تغير نوع الخطر و الجريمة‬
‫اإلرهابية في زمن التسعينيات و أصدر عدة تشريعات تحدد أشكال خاصة لحماية و دعم‬
‫الضحايا من الجرائم اإلرهابية والجريمة المنظمة ‪ ،‬كقانون رقم ‪ 111‬الصادر في ‪11‬‬
‫اكتوبر‪ 3331‬وقانون رقم ‪ 011‬الذي تضمن أشكاال جديدة لفائدة ضحايا اإلرهاب و‬
‫الجريمة المنظمة الصادر في ‪ 11‬نونبر ‪ 3339‬و قانون فاتح غشت ‪ 1111‬رقم ‪1010‬‬
‫لمساعدة ودعم و حماية ضحايا المخالفات‪ ،‬والذي اقر في مادته األولى تعويض ضحايا‬
‫األفعال اإلجرامية المرتكبة داخل المجال الترابي االيطالي سواء أكان الضحايا مواطنين‬
‫ايطاليين أم أجانب‪.‬‬

‫وقد نصت المادة الثالثة من هذا القانون على أن الدولة والجهات والوحدات المحلية‬
‫المستقلة تشجع وتنظم وتتحمل المساعدة السريعة والمجانية لضحايا كل الجرائم حسب طبيعة‬
‫الجرم من خالل توفير الدعم النفسي والطبي والقضائي والمالي الالزم‪.‬‬

‫‪480‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ولتكريس آلية قانونية للتعويض فقد أحدث القانون في مادته السادسة صندوقا لدعم‬
‫ضحايا األفعال اإلجرامية تحت إشراف و ازرة العدل ويمول من مساهمة ثابتة للدولة و‬
‫التحويالت المستلمة من خالل تطبيق رسوم على األعمال القضائية‪ ،‬والموارد المحصلة‬
‫نتيجة فرض غرامات من اجل تطبيق امثل لمقتضيات القانون‪ ،‬كما نص على إحداث لجنة‬
‫لمساعدة ودعم ضحايا اإلرهاب تحت رئاسة وزير العدل وعضوية ممثل عن و ازرة العدل و‬
‫الداخلية و الصحة والمالية و محامي وطبيب نفساني ومختص في علم الضحية‪ ،‬باإلضافة‬
‫إلى أستاذين احدهما مختص في القانون الجنائي واألخر في القانون اإلجرائي‪ ،‬وحدد هذا‬
‫القانون يوم ‪ 31‬دجنبر كيوم للذكرى من أجل ضمان حماية ذاكرة الضحايا ‪.‬‬

‫وفي اسبانيا انطلق التشريع في هذا المجال بإصدار القانون رقم ‪ 3‬في ‪ 11‬دجنبر‬
‫‪ 3390‬الخاص بمكافحة اإلرهاب‪ ،‬والذي تضمن باإلضافة إلى المقتضيات الزجرية قواعد‬
‫تكفل تعويض ضحايا الجرم اإلرهابي‪ ،‬عبر إرساء مسؤولية الدولة عن األعمال اإلرهابية‬
‫سواء المباشرة منها أم نتيجة قيام أجهزة إنفاذ القانون بمكافحتها وتم تحيين هذا القانون‬
‫وصوال إلى القانون رقم ‪ 1133/ 13‬المتعلق باالعتراف والحماية الشاملة لضحايا اإلرهاب‪.‬‬

‫وقد كانت الغاية من هذا القانون هو االعتراف بضحايا اإلرهاب و وضع إطار‬
‫لتعويض والشراكة واالمتيازات والضمانات والتوشيح حسب المادة األولى منه لتشمل هذه‬
‫التدابير ضحايا الجرم اإلرهاب و عائالتهم أو األشخاص الذين تعرضوا ألضرار ناجمة عن‬
‫أفعال إرهابية‪ ،‬كما أن هدا القانون أسس على مبادئ الذاكرة والكرامة والعدالة والحقيقة‪،‬‬
‫نطاق تطبيق المساعدة وفق القانون يطبق حيثما تقع األحداث داخل التراب االسباني‪ ،‬كما‬
‫ميز المشرع بين التعويضات المستحقة لألشخاص في المادة ‪ 11‬والتعويضات المادية في‬
‫المادة ‪.11‬ولم يغيب هذا النص األجانب ضحايا األفعال اإلرهابية ( المادة ‪. )03‬‬

‫وقد ذهبت التجربة االسبانية من خالل المادة ‪ 51‬من ذات القانون إلى االعتراف‬
‫بضحايا اإلرهاب في أخد حد التوشيح المدني بدرجات بين جسامة الضرر وطبيعة المستفيد‪.‬‬

‫ولم يقتصر النموذج االسباني فقط على الحل التشريعي‪ ،‬بل تم إحداث مديرية عامة‬
‫لدعم ضحايا اإلرهاب بو ازرة الداخلية مهمتها تقديم المساعدة الفورية للمتضررين بعد ارتكاب‬

‫‪481‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫اعتداء إرهابي عن طريق إعالم الضحايا وأسرهم ودعمهم‪ ،‬وعلى التعاون مع الجمعيات‬
‫والمؤسسات وغيرها من المؤسسات العامة والخاصة التي تسعى إلى التعامل مع ضحايا‬
‫اإلرهاب والحفاظ على ذاكرتهم وتوقيع شراكات مع الجمعيات والمؤسسات التي تهدف إلى‬
‫تمثيل المصالح والدفاع عنها‪ .‬ضحايا اإلرهاب‪ ،‬باإلضافة إلى التعاون مع الهيئات ذات‬
‫الصلة في اإلدارة العامة للدولة وغيرها من السلطات العامة في تقديم المساعدة والدعم‬
‫لضحايا اإلرهاب‪ ،‬وذلك من أجل توفير الحماية الشاملة للضحايا و العمل على صياغة‬
‫الدراسات والتقارير‪ ،‬وعند االقتضاء‪ ،‬مقترحات إلجراء إصالحات تنظيمية وتنظيمية من‬
‫شأنها تحسين نظام المساعدة والفوائد المنشأة أو التي يمكن وضعها لتحسين حقوق‬
‫المتضررين من اإلرهاب والتعاون مع األجهزة المختصة التابعة لإلدارة العامة للدولة‪ ،‬وتمنح‬
‫هذه المديرية مجموعة من الشواهد كاإلعفاء من الرسوم الدراسية ورسوم المحكمة و من رسوم‬
‫الفحص‪ ،‬والمساعدة على التنقل الجغرافي وتوفير المنح الدراسية مع المساعدة على الوصول‬
‫إلى السكن‪.‬‬

‫وتعد التجربة الهندية من بين التجارب المعتبرة على هذا الصعيد‪ ،‬إذ يشمل قانون‬
‫اإلجراءات الجنائية في الهند بصيغته المعدلة في عام ‪ 1113‬مخططا لتعويض الضحايا‬
‫وينص على قيام كل حكومة من حكومات الواليات‪ ،‬بالتعاون مع الحكومة المركزية‪ ،‬بإعداد‬
‫مخطط من أجل توفير األموال بغرض تعويض الضحايا أو معيليهم الذين تكبدوا خسارة أو‬
‫لحق بهم ضرر نتيجة للجريمة والذين يحتاجون إلى إعادة تأهيل‪ .‬ومتى قدمت المحكمة‬
‫توصية بالتعويض‪ ،‬تقرر سلطة الخدمات القانونية في المقاطعة أو الوالية مقدار التعويض‬
‫الذي سيمنح في إطار المخطط‪.‬‬

‫ويستحق الضحايا المصابون بعجز دائم وأفراد أسرهم باإلضافة إلى المساعدة المالية‬
‫بطاقة صحية تقدمها المعية الصحية في المقاطعة في إطار بعثة الصحة الريفية الوطنية‪،‬‬
‫ويحق لحاملي البطاقات تلقي العالج الطبي المجاني فيما يتعلق باإلصابات وجميع األمراض‬
‫الرئيسية األخرى الناجمة عن العنف‪.‬‬

‫أما في تركيا فينص قانون التعويض عن االضرار الناجمة عن اإلرهاب ومكافحته في‬
‫تركيا على تعويض الخسائر واالضرار الناشئة نتيجة االعمال اإلرهابية‪ .‬وتخصص‬

‫‪482‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المؤسسات العامة حدا أدنى بنسبة ‪1‬في المائة من الوظائف ضمن قواها العاملة لضحيا‬
‫اإلرهاب والمصابين من عناصر األمن وأقاربهم من الدرجة األولى وكذلك أقارب الدرجة‬
‫األولى ألفراد األمن الذين قتلوا جراء أعمال إرهابية‪ .‬ويتعين على جميع المؤسسات العامة‬
‫تقديم كشف بوظائفها الشاغرة المخصصة لضحايا اإلرهاب وعناصر األمن وأقاربهم من‬
‫الدرجة األولى مرتين في السنة إلى اإلدارة العامة لشؤون الموظفين المسؤولة عن تعيين‬
‫الضحايا في الوظائف التي تتفق مع تفضيالتهم من حيث محافظات معينة‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬نماذج عربية‬


‫لم تتخلف التشريعات العربية عن ركب القوانين التي سنت إجراءات محددة لتعويض‬
‫ضحايا الجرائم اإلرهابية‪ ،‬وهكذا فقد نص القانون الجزائي الكويتي في مادته ‪ 333‬على أنه‬
‫بإمكان كل شخص أصيب بضرر من جراء جريمة معينة أن يرفع دعوى للتعويض ‪ -‬سواء‬
‫أمام القضاء المدني أو الجنائي ‪ -‬ولكون مرتكب الفعل اإلرهابي قد يبقى مجهوال ما يجعل‬
‫مسالة إدخال الدولة كطرف أم ار واقعا وفق أحكام المادة ‪ 151‬من القانون المدني الكويتي‬
‫والتي تقتضي تحم ل الدولة لتكاليف التعويض عن األضرار التي تصيب شخصا ما في نفسه‬
‫تماشيا مع أحكام الشريعة اإلسالمية المجسدة في الفقرة األولى من أحكام نفس المادة التي‬
‫تنص على ما يلي‪:‬‬

‫” إذا واع ضرر على النفس مما يستوجب الدية وفقا ألحاام الشريعة اإلسالمية وما‬
‫يتضمنه جدول الديات المنصوص عليه في المادة ‪ 223‬من القانون رام ‪ 91‬في ‪39‬‬
‫أكتوبر ‪ 3798‬وتعذرت معرفة المسؤول عن تعويضه وفقا ألحاام المسؤولية عن العم‬
‫غير المشروع أو الملتزم بضمانه وجب الضمان على الدولة‪”.‬‬

‫وفي السعودية تستمد التجربة قواعدها العامة من الشريعة اإلسالمية‪ ،‬حيث عالجت‬
‫إ شكالية ضحايا اإلرهاب من خالل مقتضيات عامة أبرزها النظام األساسي للبالد الذي نص‬
‫في كل من المادة ‪ ”33‬يقوم المبتمع السعودي على أساس من اعتصام أفراده بحب الله‬
‫وتعاونهم على البر والتقوى والتكاف فيما لينهم وعدم تفراتهم” باإلضافة إلى المادة ‪11‬‬
‫التي قضت ب” تكف الدولة حق المواطن وأسرته في حالة الطوارئ …”‪.‬‬

‫‪483‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وعقب التغيرات السياسية التي عرفتها الجمهورية المصرية في زمن الحراك اإلقليمي‬
‫ونتيجة تعدد الوقائع اإلرهابية بمصر‪ ،‬أحدث صندوق تكريم ضحايا ومفقودي ومصابي‬
‫العمليات الحربية واإلرهابية واألمنية‪ ،‬من ضباط أو أفراد القوات المسلحة والشرطة والمدنيين‪،‬‬
‫وأسرهم المتمتعين بالجنسية المصرية‪ ،‬بدأ آثار سريانه ابتداء من ‪ 39‬يناير ‪ 1130‬تاريخ‬
‫العمل بالدستور المصري الذي أكد في الفصل ‪ 111‬الفقرة الثانية” وينظم القانون أحاام‬
‫وإجراءات ماافحة اإلرهاب والتعويض العادل عن األضرار الناجمة عنه وبسببه‪“.‬‬

‫وقد نص قانون إحداث الصندوق على أن يصدر مجلس إدارة الصندوق‪ ،‬بعد موافقة‬
‫مجلس الوزراء‪ ،‬ق ار اًر بتحديد مبلغ التعويض الواجب صرفه لمرة واحدة “للمصاب بعجز كلي‬
‫أو جزئي‪ ،‬أو ألسرة القتيل‪ ،‬أو المفقود”‪ ،‬وإذا نتج عن اإلصابة عجز جزئي أو كلي‪ ،‬أو وفاة‪،‬‬
‫وجب على الصندوق أن يؤدي إلى المصاب أو أسرة القتيل مبلغ التعويض المستحق‪ ،‬أو‬
‫يكمل مبلغ التعويض الذي تم صرفه‪.‬‬

‫كما أن أوجه الرعاية شملت إتاحة استخدام وسائل المواصالت المملوكة للدولة بكافة‬
‫أنواعها مجاناً‪ ،‬وتوفير االشتراك في مراكز الشباب الرياضية لغير المشتركين بأي منها‪،‬‬
‫وكذل ك الدخول المجاني لكافة المتاحف والمتنزهات والحدائق والمسارح وقصور الثقافة التابعة‬
‫للدولة‪ ،‬فضالً عن توفير فرص الحج للمصاب‪ ،‬ولوالدي وأرامل أو زوجات القتلى أو‬
‫المفقودين واإلعفاء من الضرائب لمدة عشر سنوات‪ ،‬أيضا القانون انشأ وسام من طبقتين‬
‫يسمى “تحيا مصر” يمنح لضباط وأفراد القوات المسلحة والشرطة والمدنيين‪ ،‬الذين قاموا‬
‫بأعمال تدل على التضحية في مواجهة العمليات اإلرهابية أو األمنية‪.‬‬

‫ويتم تمويل هذا الصندوق عبر فرض ضريبة عن طريق لصق طابع قيمته خمسة‬
‫جنيهات على األوراق‪ ،‬والمستندات الخاصة برخصة السالح‪ ،‬والقيادة‪ ،‬وتسيير المركبات‪،‬‬
‫واستخراج شهادة صحيفة الحالة الجنائية‪ ،‬وتذاكر المباريات الرياضية‪ ،‬والحفالت الغنائية‪،‬‬
‫وطلبات االلتحاق بالكليات والمعاهد العسكرية والشرطية إلى جانب تأشيرات اإلقامة‬
‫لألجانب‪ ،‬وتصاريح العمل للمصريين العاملين لدى جهات أجنبية سواء داخل مصر أو‬
‫خارجها‪.‬‬

‫‪484‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وقد فرض القانون عقوبة الحبس لمدة ال تقل عن شهر وال تجاوز سنة‪ ،‬وبغرامة ال تقل‬
‫عن خمسة آالف جنيه وال تجاوز عشرين ألف جنيه‪ ،‬أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من‬
‫امتنع عمدًا من دون مسوغ قانوني عن منح مصابي أو أسر ضحايا العمليات اإلرهابية‬
‫واألمنية الحقوق الواردة بالقانون‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬التبربة المغربية في مبال التعويض عن أضرار البرائم‬


‫اإلرهالية‬
‫قد عملت المملكة المغربية على االنخراط في التوجه األممي الهادف إلى إقرار نظام‬
‫عبر بوابة القانون ‪ 331.30‬المتعلق بإحداث نظام‬ ‫التعويض الكامل لضحايا اإلرهاب‬
‫لتغطية عواقب الوقائع الكارثية والذي اعتبر في المادة الثالثة منه الفعل اإلرهابي فعال عنيفا‬
‫لإلنسان يستوجب التعويض إذا ما وقع داخل تراب المملكة و أناط بلجنة التتبع المهمة‬
‫اإلدارية لنظام التغطية( المادة ‪ )3‬وإحداث صندوق التضامن ضد الوقائع الكارثية ( المادة‬
‫‪ ، ) 35‬يهدف إلى تعويض ضحايا الوقائع ومنح قروض لمقاوالت التأمين و إعادة التأمين‬
‫مع إعداد معطيات إحصائية ومالية تتعلق بعواقب الوقائع الكارثية‪.‬‬

‫وإجماال يمكن تحديد طلبات التعويض عن الضرر الناجم عن الجريمة المرتبطة‬


‫باإلرهاب من خالل ثالث قنوات قانونية أولها الهبة الخاصة وثانيها التسوية الودية وثالثها‬
‫المطالبة القضائية‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬الهبة الخاصة‬


‫أبانت أحداث ‪ 31‬ماي عن قصور المقتضيات التشريعية عن جبر الضرر الذي لحق‬
‫بضحايا الحادث وما تاله من آثار‪ ،‬خصوصا أن العالقة فيها بين الجاني والضحية مفقودة‪.‬‬

‫فقد جاءت أحكام القانون ‪ 11.11‬المتعلق بمكافحة اإلرهاب خالية من النص على‬
‫إمكانية تعويض ضحايا الجرائم اإلرهابية مكتفية بتحديد األعمال اإلرهابية وتشديد العقوبات‬
‫بخصوصها‪ ،‬وسن إجراءات مسطرية استثنائية في البحث التمهيدي والتحقيق اإلعدادي‪،‬‬
‫تاركة مسألة التعويض للقواعد العامة على عكس قانون مكافحة االرهاب الموريتاني الذي‬
‫نص في المادة ‪ 31‬منه على أنه “يخصص ناتج الغرامات المالية أو العينية المحاوم لها‬

‫‪485‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫على ِ‬
‫األشخاص المسؤولين عن األعمال اإلرهالية لصندوق تعويض لصالح ضحايا أعمال‬
‫اإلرهاب وغيرها من المخالفات‪ ،‬ويحدد نظام هذا الصندوق وطرق تسيره بموجب مرسوم”‪،‬‬
‫فكان البد من التدخل الرضائي وانتظار موقف االجتهاد القضائي من الموضوع‪.‬‬

‫وقد شكلت المبادرة الملكية السامية للملك محمد السادس صورة من صور التعويض‬
‫الرضائي‪ ،‬بإصداره ظهي ار شريفا بتخصيص منح مالية لفائدة المستحقين عن ضحايا‬
‫االعتداءات اإلرهابية التي تعرضت لها مدينة الدار البيضاء‪ ،‬بتخصيصه لمنحة مالية مقدرة‬
‫في ‪ 511.111‬درهم عن كل ضحية‪ ،‬وتوزع وفق أحكام المواد ‪ 33‬و ‪ 31‬و ‪ 31‬من‬
‫الظهير الشريف رقم ‪ 3.90.311‬الصادر في ‪ 1‬أكتوبر ‪ 3390‬المعتبر بمثابة قانون يتعلق‬
‫بتعويض المصابين في حوادث تسببت فيها عربات برية ذات محرك‪ ،‬هذه المنحة ال تعتبر‬
‫تعويض ا كامال لجبر الضرر وإنما مساعدة تقدمها الدولة على غرار مجموعة من األحداث‬
‫التي عرفت تدخال ملكيا في إطار العطف الملكي بصفته أمي ار للمؤمنين‪ ،‬غير أن تمكين‬
‫األسر من هذه المنح ال يمنع إمكانية اللجوء إلى القضاء‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬التسوية الودية‬


‫لقد منح المشرع بمقتضى المادة الرابعة من الظهير الشريف المؤرخ في ‪ 11‬مارس‬
‫‪ 3351‬المتعلق بإعادة تنظيم وظيفة الوكيل القضائي للمملكة إمكانية أن يتصالح الوكيل‬
‫القضائي بعد الحصول على موافقة لجنة المنازعات‪.‬‬

‫وتنعقد هذه اللجنة التي تنعقد تحت رئاسة السيد وزير االقتصاد المالية وإصالح اإلدارة‬
‫والذي ينوب عنه السيد رئيس هيئة التأمينات واالحتياط االجتماعي بحضور األعضاء‬
‫الدائمين ممثلين في مديرية الميزانية والخزينة العامة للمملكة واألمانة العامة للحكومة وممثل‬
‫القطاع المعني (و ازرة الداخلية في حالة االحداث اإلرهابية)‪.‬‬

‫وتتولى هذه اللجنة دراسة الطلبات المقدمة إليها من طرف المتضررين من األعمال‬
‫اإلرهابية على غرار ما يتم العمل به في حالة حوادث انفجار األلغام واألضرار الناتجة عن‬
‫القالقل االجتماعية‪ ،‬إذ بلغ مجموع الملفات التي أبدت هذه اللجنة رأيها فيها والمتعلقة‬

‫‪486‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫باألحداث اإلرهابية التي شهدتها المملكة (أحداث مراكش لسنتي ‪3330‬و ‪ ،1133‬أحداث‬
‫الدار البيضاء لسنتي ‪ 1131‬و‪ )1131‬حوالي ‪ 131‬ملفا‪.‬‬

‫وقد تراوح مبلغ التعويض الممنوح للضحايا بين ‪ 31.111‬درهم و‪ 3.1‬مليون درهم تم‬
‫تقديرها حسب نتيجة الخبرة التي أنجزتها المصالح المختصة التابعة لو ازرة الصحة بتنسيق مع‬
‫و ازرة الداخلية‪ ،‬ف ي حين رفضت منح التعويض في بعض الملفات التي سبق ألصحابها أن‬
‫حصلوا على تعويض خاص أو تعويض في إطار حوادث الشغل‪ ،‬أو التي ال تستجيب‬
‫لمعايير التعويض التي تبنتها اللجنة في هذا اإلطار ويتعلق األمر باألساس في غياب‬
‫الوثائق الضرورية خاصة محاضر المعاينة ومحاضر االستماع التي تنجزها الضابطة‬
‫القضائية‪.‬‬

‫وقد بلغت القيمة اإلجمالية للتعويضات الممنوحة مثال لضحايا التفجير اإلرهابي لمقهى‬
‫أركانة بمراكش ‪ 13.111.111،11‬استفاد منها أزيد من ‪ 13‬مصابا‪.‬‬

‫هذا وفي إطار تسهيل الوصول إلى خدمات هذه اللجنة وكذا تسهيل اإلجراءات‬
‫المسطرية‪ ،‬وضعت الوكالة القضائية للمملكة منصة إلكترونية تهدف إلى تسهيل التواصل‬
‫معها وتقديم الطلبات وتتبع مسار معالجتها‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬التعويض القضائي‬


‫ظهرت بوادر التعويض القضائي عن األعمال اإلرهابية في المغرب عقب األحداث‬
‫اإلرهابية التي عرفها فندق أطلس اسني بمراكش‪ ،‬إذ تقدم ‘زوج الضحية’ أصالة عن نفسه‬
‫ونيابة عن أبنائه في الحادث اإلرهابي الذي وقع بفندق أطلس أسني بمراكش في ‪ 10‬غشت‬
‫‪ 3330‬بدعوى يلتمس من خاللها الحكم بمسؤولية الدولة المغربية عن األضرار التي لحقتهم‬
‫من جراء العمل اإلرهابي مؤسسا طلبه على مقتضيات الفصل ‪ 13‬من قانون االلت ازمات‬
‫والعقود‪ ،‬وبالتالي الحكم بالتعويض‪.‬‬

‫وقد أصدرت المحكمة اإلدارية بالرباط حكما في الموضوع بتاريخ ‪ 33‬نونبر ‪1113‬‬
‫تحت عدد ‪ 333‬ملف رقم ‪ ،3151/33‬ومن أوراق الملف الجنائي عدد ‪ 511/30‬بتاريخ‬
‫‪ 11‬يناير ‪ 3335‬يستشف أن األعمال اإلرهابية كانت ناتجة عن تقصير الدولة ومصالحها‬

‫‪487‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المختصة في مراقبة الحدود مما أدى إلى تسريب األسلحة إلى داخل ارض الوطن‪ ،‬مما‬
‫يشكل خطأ مرفقيا تجلى في نازلة الحال في كون المرفق لم يؤد الخدمة المطلوبة منه‬
‫خصوصا حماية النظام العام بمدلوالته والتي منها األمن‪ ،‬إذ أن تقصيره مكن الجناة من‬
‫إدخال األسلحة عن طريق سيارتين إلى التراب المغربي ومحاولة زعزعة استق ارره معتب ار‬
‫التقصير خطأ جسيما وحدد تعويضا للمتضررين‪.‬‬

‫وقد تم استئناف هذا الحكم من طرف الوكالة القضائية للمملكة أمام المجلس األعلى‬
‫(محكمة النقض حاليا) الذي أصدر ق ارره رقم ‪ 315‬بتاريخ ‪ 30‬دجنبر ‪ 1115‬الملف اإلداري‬
‫رقم ‪ ،1111/11/10/013‬واضى فيه باون الدولة ال تسأل بصورة مطلقة عن ضمان و‬
‫سالمة أي متضرر فوق أراضيها ما لم يثبت في حقها خطأ جسيم معتب ار أن االعتداء على‬
‫األجنبي ليس ظرفا استثنائيا يستدعي االستنفار‪ ،‬وأن تسريب السالح الناري عبر الحدود‬
‫ال يافي وحده إلضفاء صبغة الخطأ البسيم لكن اواعد العدالة و اإلنصاف و موجبات‬
‫اإلنسانية المبنية على التضامن الوطني تقتضي صرف تعويضات لك متضرر كلما واع‬
‫مس خطير بالنظام األمني العام‪.‬‬

‫وهو نفس التوجه الذي كرسته المحكمة اإلدارية بالدار البيضاء‪ ،‬إثر أحداث الدار‬
‫البيضاء بتاريخ ‪ 31‬ابريل ‪ 1111‬إذ أصدرت حكما بتاريخ ‪ 0‬دجنبر ‪ 1119‬في الملف‬
‫‪ 3111/1111‬ق‪.‬ش‪،‬‬

‫حيث طالب الطاعن بالتعويض جراء األضرار التي لحقت به كمتطوع أراد مساعدة‬
‫رجال األمن في مطاردة اإلرهابي الفار هذا األخير فجر نفسه مما أفضى إلى موت شرطي‬
‫وإصابة الطاعن بإصابات بليغة وعللت المحكمة حكمها ب” كون مسؤولية الدولة تقوم‬
‫على أساس المخاطر التي تقتضي أن يتحم مبموع المواطنين مخاطر نشاط الدولة أي‬
‫على أساس المساواة أمام تحم األعباء و التكاليف العامة و تتمث في الحالة التي ال‬
‫يمان أن تتصف بالضرورة بارتكاب الخطأ من المرفق أو القيام بأعمال غير مشروعة‬
‫لالستناد إلى ذلك‪”.‬‬

‫‪488‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ووجد هذا االتجاه صداه في الحكم الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط بتاريخ‬
‫‪ 1131/31/13‬في الملف عدد ‪( 1131/1331/111‬أحداث مقهى أركانة) الذي جاء فيه‪:‬‬

‫"لكن ‪ ،‬حيث لئن كانت المسؤولية اإلدارية تقوم بحسب األص على أساس الخطأ ‪،‬‬
‫فإنه يمان لهذه المسؤولية أن تقوم لدون توفر ركن الخطأ إذ يافي قيام عالاة سببية لين‬
‫نشاط اإلدارة والضرر ‪ ،‬وهي المسؤولية التي تقوم على أساس المخاطر التي تبد سندها‬
‫في مبدأ التضامن االجتماعي وضرورة مساواة المواطنين أمام األعباء العامة بما مؤداه‬
‫تحم الدولة للتعويض عن األضرار الحاصلة لألفراد في حاالت معينة من ابي األضرار‬
‫الناتبة عن األشغال العامة ومخاطر البوار غير العادية واستعمال األشياء الخطيرة‪،‬‬
‫واألعمال اإلرهالية وحيث إن الثالت من وثائق الملف وخاصة محضر الشرطة القضائية‬
‫المرفق بمقال االدعاء أنه لتاريخ ‪ 28‬ألري ‪ 2433‬ارتكب عم إجرامي تمث في إحداث‬
‫انفبار اوي بمركب مقهى ومطعم أركانة المستغ من طرف المدعين ترتب عنه واوع‬
‫خسائر مادية بالمركب المذكور‪ ،‬بما يبع األضرار الحاصلة للمدعين نتيبة ذلك مؤطرة‬
‫ضمن المسؤولية اإلدارية القائمة على أساس المخاطر باعتبار أن األمر يتعلق بعم‬
‫إجرامي يندرج في إطار األعمال اإلرهالية ‪ ،‬مما ال مبال معه للتمسك بانعدام عنصر الخطأ‬
‫في جانب اإلدارة ‪ ،‬فضال على أن خطأ الغير ال يشا سببا من أسباب اإلعفاء في هذا‬
‫النوع من المسؤولية باعتبار أنه ال يمان إعفاء اإلدارة من المسؤولية في هذه الحالة إال‬
‫في حالة ثبوت خطأ المتضرر (ا لضحية) أو حالة القوة القاهرة‪ ،‬وهو األمر غير الثالت في‬
‫النازلة‪ ،‬سيما أن القوة القاهرة هي ك أمر ال يستطيع اإلنسان أن يتواعه‪ ،‬وال يعتبر من‬
‫ابي القوة القاهرة األمر الذي كان من الممان دفعه ‪ -‬الفص ‪ 217‬من اانون االلتزامات‬
‫والعقود والحال أنه كان بإماان اإلدارة دفع الحادث الوااع لتاريخ ‪ 28‬ألري ‪ 2433‬من‬
‫خالل تشديد الراابة األمنية ضمانا لسالمة األشخاص والممتلكات‪ ،‬بما يبع ما تمسك به‬
‫الوكي القضائي للمملكة غير مؤسس‪ ،‬وتكون بالتالي مسؤولية الدولة اائمة عن األضرار‬
‫الحاصلة للمدعين نتيبة الحادث المذكور"‪.‬‬

‫‪489‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الخاتمة‬
‫لقد شكل علم الضحية أو المتضرر منطلقا جديد للبحث عن أسس تكفل مساعدة‬
‫الضحايا خارج األسس التقليدية للمسؤولية اإلدارية‪ ،‬وكانت أضرار الجريمة اإلرهابية من‬
‫الموضوعات التي شغلت الباحثين لعالميتها‪.‬‬

‫ولقد عجزت األسس التقليدية عن إسناد مبدأ إصالح الضرر الناتج عن الجريمة‬
‫اإلرهابية بسبب أن المسؤولية التقليدية سواء كانت على أساس الخطأ أو المخاطر تشترط‬
‫صلة الضرر بالنشاط العامة االيجابي أو السلبي‪ ،‬إذ ال يمكن إعمال قواعد هذه المسؤولية إال‬
‫إذا كان الضرر ذا صلة بالمرفق العام‪.‬‬

‫وأمام هذا الواقع‪ ،‬سعت الدول إلى إيجاد حلول ارتكزت في معظمها على نصوص‬
‫تشريعية تحدد قواعد التكفل بضحايا الجريمة اإلرهابية والتي لم يفلح الفقه في إيجاد معيار‬
‫يسند مساعدة الضحية ويحاول توظيف مبدأ التضامن االجتماعي وبعض مبادئ حقوق‬
‫اإلنسان (الحق في األمن)‪ ،‬لكنه لم يستطيع بناء نظرية متكاملة تصلح أساسا فلسفيا لدعم‬
‫مبدأ إصالح الضرر الناجم عن الجريمة اإلرهابية‪ .‬وال زال القاضي عاج از عن منح تعويض‬
‫كامل أو تقرير أية مساعدة في غياب النص التشريعي‪.‬‬

‫وهكذا فإن مبدأ التكافل االجتماعي يتسع إلقرار مبدأ التكفل بضحايا الجريمة اإلرهابية‪،‬‬
‫ولكن ينبغي التأكيد على أن التكافل االجتماعي في مفهوم الشريعة ينهض به كل المجتمع‬
‫أفرادا ومؤسسات‪ .‬وينبغي على الجميع المساهمة في ذلك بالطرق التي يختارها المجتمع‪،‬‬
‫فيمكن أن تقوم بذلك مؤسسات أو جمعيات او صناديق تحدد طريق تمويلها مع ووضع‬
‫آليات أو قواعد تنظيمية تحدد شروط الحصول على المساعدة وكيفية تقدير التعويض وأنواعه‬
‫والجهة المختصة بالنظر في مثل هذه القضايا‪.‬‬

‫‪490‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫أ‬
‫مسؤولية المرفق العام الطبي بناء على الخطا بين‬
‫القانون وتوجهات محكمة النقض‬
‫من إعداد الستاذ خالد عالمي‪،‬‬
‫أ‬
‫استاذ باحث بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة القاضي‬
‫عياض مراكش‬
‫مقدمة‬

‫إن الخطأ شرط من الشروط التقليدية للمسؤولية اإلدارية الطبية وهو معطى مشترك‬
‫بينها وبين المسؤولية المدنية الطبية‪ ،‬إال أن هذا الخطأ يختلف من مجال القانون الخاص‬
‫إلى مجال القانون اإلداري‪ ،‬وبالتالي تأثيره على مسار تحميل المسؤولية (مدنية أو إدارية)‪،‬‬
‫وعلى الرغم من أن المشرع المغربي في الفصل ‪ 19‬من ق‪.‬إ‪.‬ع‪ ،‬قد حدد وعرف الخطأ بأنه‬
‫ترك ما كان يجب فعله‪ ،‬أو فعل ما كان يجب اإلمساك عنه‪ ،‬وذلك من غير قصد إلحداث‬
‫الضرر ‪ .‬فإن هذا التعريف ينطبق على المسؤولية التقصيرية وليس على المسؤولية اإلدارية‪،‬‬
‫إذ يهتم باألشخاص الخاصة وليس باألشخاص العامة التي تحدث عنها الفصل ‪ 13‬من‬
‫ق‪.‬إ‪.‬ع‪ ،‬وبين مسؤوليتها بطريقة عامة ومختلفة مع ما جاء في الفصل ‪ 19‬من ق‪.‬إ‪.‬ع‪،‬‬
‫وعليه فالخطأ اإلداري من منظور القانون العام يختلف عن الخطأ في مفهومه العام من‬
‫حيث التقدير الموضوعي الذي يؤسس على التسيير العادي للمرفق دون حمله أية سمة‬
‫معنوية أو شخصية‪.1‬‬

‫وعموما‪ ،‬فمسؤولية المرفق العام الطبي المبنية على الخطأ يجب أن تتوفر على ثالثة‬
‫أركان أساسية‪ :‬الخطأ‪ ،‬والضرر والعالقة السببية بينهما‪ .‬وقد قام المشرع المغربي والقضاء‬
‫اإلداري بالتمييز بين نوعين من األخطاء هما الخطأ المرفقي والخطأ الشخصي‪ ،‬فإذا كان‬
‫األول ينسب إلى المرفق العام الطبي الذي يسأل عنه ويتحمل تعويضه‪ ،‬والذي ينقسم إلى‬
‫خطأ محدد ومعروف (خطأ مرفقي أو مصلحي) ويشترط فيه أن يرتكبه الموظف داخل‬
‫المرفق وأن ال تكون له ميزة شخصية‪ ،‬و إلى خطأ مجهول وغير محدد (خطأ المرفق أو‬
‫‪1‬‬
‫تقرير الوكالة القضائية للمملكة المغربية لسنة ‪ ،1131‬ص ‪.99‬‬

‫‪491‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المصلحة)‪ ،1‬فإن الثاني ينسب إلى الموظف عندما تتحقق مسؤوليته الشخصية عن هذا‬
‫الخطأ‪ ،‬ويصبح مسؤوال عن األضرار التي تنجم عنه ويكون ملزما بالتعويض‪ .2‬إال أنه في‬
‫حالة إعساره فإن الدولة مطالبة بالتعويض بسبب هذه األضرار وذلك حسب مضمون الفصل‬
‫‪ 91‬من ق‪.‬إ‪.‬ع‪.‬‬

‫وبالرغم من كون التمييز بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي يبدو منذ الوهلة األولى‬
‫بأنه يسير وبسيط‪ ،‬فإن الصعوبة تتحقق في معرفة حدود الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي‬
‫وذلك ناتج باألساس إلى اختالف المعايير والمحددات المفرقة بينهما‪.‬‬

‫ولدراسة ذلك سنتطرق إلى الخطأ المرفقي في المحور األول‪ ،‬أما الخطأ الشخصي‬
‫فسنخصص له المحور الثاني‪.‬‬

‫المحور األول‪ :‬الخطأ المرفقي‬

‫إن أصل مصطلح الخطأ المرفقي يرجع في تسميته إلى مفوضي الحكومة لدى مجلس‬
‫الدولة الفرنسي‪ ،‬وذلك بمناسبة تقديم مذكراتهم في قضايا المسؤولية اإلدارية‪ .3‬وهذا النوع من‬
‫الخطأ يتضمنه الفصل ‪ 13‬من ق‪.‬ل‪.‬ع وذلك في جزئه الثاني " الدولة و البلديات مسؤولة‬
‫عن األضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها وعن األخطاء المصلحية لمستخدميها "‪،‬‬
‫وهناك من الفقه المغربي‪ 4‬من يعتبر أن هذا الفصل يتضمن ثنائية شكلية للخطأ المرفقي‪:‬‬
‫خطأ مصلحي (‪ )faute de service‬أي خطا الموظف العمومي‪ ،‬وخطأ المرفق‬
‫أوالمصلحة (‪ )faute du service‬أي خطأ المرفق العمومي‪ .‬إال أن هذا التأويل الفقهي‬
‫للفصل ‪ 13‬من ق‪.‬إ‪.‬ع قد يلغي نظرية المسؤولية بدون خطأ أو المسؤولية الموضوعية التي‬

‫‪1‬‬
‫‪El houssaine SERHANE, la faute du service public en droit administratif Marocain, Revue Marocaine de Droit‬‬
‫‪et d’Economie du Développement, N° 35, 1995, P 91.‬‬
‫‪2‬حماد حميدي‪ ،‬المسؤولية اإلدارية‪ ،‬أطروحة لنيل دكتوراه في القانون العام‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪ ،‬الرباط‪ 3393-3399 ،‬ص‪.31‬‬
‫‪3‬عبد القادر باينة‪ " ،‬تطبيقات القضاء اإلداري بالمغرب"‪ ،‬دار توبقال للنشر‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬سنة ‪ ،3399‬ص ‪.393‬‬
‫‪4‬‬
‫‪El houssaine SERHANE, le contentieux administratif de pleine juridiction en droit public Marocain, thèse de‬‬
‫‪doctorat d’Etat en droit, bordeaux, 1989, page 311 et 170 ; Abdellah Harsi, la responsabilité administrative,‬‬
‫‪Indépendance nationale et système juridique au Maroc, actes du colloque des 26 et 27 mars 1998, presses‬‬
‫‪universitaires de Geronoble France, 2000 p 202 et 203‬‬

‫‪492‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫تحدث عنها هذا الفصل في جزئه األول " الدولة و البلديات مسؤولة عن األضرار الناتجة‬
‫مباشرة عن تسيير إدارتها"‪ ،‬إذ رغم بروز هذا اإلشكال‪ ،‬فوجود خطأ الموظف العمومي أو‬
‫خطأ المرفق العمومي أو غيابهما ليس هو أساس المسؤولية بدون خطأ وليس محددا لها‪ ،‬بل‬
‫الضرر الذي أصاب الضحية‪ ،‬وذلك إنطالقا من أن الفصل ‪ 13‬في جزئه األول يتطلب فقط‬
‫األضرار الناتجة عن تسيير إدارتها لتحميل مسؤولية الدولة عكس األخطاء المصلحية‬
‫للمستخدمين‪ ،‬فالدولة هنا ال تكون مسؤولة عن هذه األخطاء المرتكبة من قبل موظفيها إال‬
‫إذا أثبتها المتضررون‪ ،‬حيث تكون هذه األخطاء واجبة اإلثبات وليست مفترضة أي وجب‬
‫‪1‬‬
‫فيها تحديد العالقة السببية بين الخطأ والضرر‪.‬‬

‫ويبقى خطأ المرفق العام الطبي جزء ال يتج أز من مفهوم الخطأ المرفقي بصفة عامة‪،‬‬
‫إال ما وجد من استثناءات راجعة باألساس إلى خصوصية هذا المرفق‪ ،‬ومادام أن هذا الخطأ‬
‫يجد مصدره في النشاط اإلداري وينسب إلى مرفق عام طبي‪ ،‬فإنه تطبق عليه قواعد القانون‬
‫اإلداري ويخضع في تعويضه إما للميزانية العامة للدولة أو ميزانية مستقلة تحت وصاية‬
‫الدولة وتثار مسؤوليته أمام القضاء اإلداري المختص‪.‬‬

‫وأمام غياب محدد للخطأ المفضي إلى المسؤولية اإلدارية كما هو متواجد في‬
‫المسؤولية المدنية بنص الفصل ‪ 19‬من ق‪.‬إ‪.‬ع‪ ،‬اعتبر بعض فقهاء القانون اإلداري‬
‫المغربي‪ 2‬أن الخطأ اإلداري يتمظهر غالبا في شكل خطأ مرتكب بمناسة القيام بأعمال‬
‫الوظيفة من قبل موظف محدد‪ ،‬فهو خطأ مرفقي لموظف أو لعدة موظفين ‪،‬إال أن الدولة‬
‫تظل أساسا هي الوحيدة التي تتحمل المسؤولية عن هذا الخطأ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫وبالرجوع إلى التطبيقات القضائية‪ ،‬يالحظ أن بعض أحكام المحاكم اإلدارية بالمغرب‬
‫التزال وفية لتعريف الخطأ اإلداري انطالقا من مقتضيات الفصل ‪ 19‬من ق‪.‬إ‪.‬ع ‪ ،‬رغم أن‬

‫‪1‬‬
‫الحسن سيمو‪ ،‬المسؤولية اإلدارية من خالل ق اررات المجلس األعلى‪ ،‬منشورات المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية‪،‬سلسلة مواضيع الساعة‬
‫عدد ‪ 30‬سنة ‪ 3331‬ص ‪. 13‬‬
‫‪2‬‬
‫‪El houssaine SERHANE, la faute du service public en droit administratif Marocain, op cit, P33 .‬‬
‫‪3‬حيث جاء في حكم للمحكمة اإلدارية بالرباط " أن الخطأ الموجب للمسؤولية حسب مضمون المادة ‪ 19‬من ق‪.‬إ‪.‬ع هو ترك ماكان يجب فعله أو‬
‫فعل ماكان يجب اإلمساك عنه‪ ،‬ومؤدى ذلك أن مساءلة الجهة اإلدارية بالتعويض تتحقق كلما ثبت تقصيرها في أداء الوظيفة المنوطة بهاعلى‬
‫الوجه المطلوب‪ ،‬أوكلما تسببت بفعلها اإليجابي بإلحاق ضرر بالغير" حكم رقم ‪ 331‬بتاريخ ‪ 1111-11-39‬في الملف رقم ‪ 059-13‬أشار إليه‬

‫‪493‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫قضاء الغرفة اإلدارية بالمجلس األعلى سابقا‪ ،1‬كان في مجمله دقيقا في تحديد الخطأ‬
‫المفضي إلى المسؤولية اإلدارية‪ ،‬إذ ال يجوز تطبيق قواعد المسؤولية المدنية على المسؤولية‬
‫اإلدارية وتجاهل مقتضيات الفصلين ‪ 13‬و‪ 91‬من ق‪.‬إ‪.‬ع اللذين يشكالن أساس المسؤولية‬
‫اإلدارية‪ .‬ولعل اعتماد بعض اجتهادات القضاء اإلداري المغربي على تفسير الخطأ اإلداري‬
‫تفسي ار مدنيا يرجع إلى كون أغلب قضاة المحاكم اإلدارية هم في األصل قضاة من المحاكم‬
‫المدنية ‪ ،‬لكن بعض أحكام المحاكم اإلدارية المغربية‪ 2‬تراجعت عن هذا التفسير وانتقلت إلى‬
‫تعريف الخطأ اإلداري‪ (3‬المرفقي) وفقا للفصل ‪ 13‬من ق ‪.‬إ‪.‬ع‪.‬‬

‫و من محدادات الخطأ المرفقي أن ينسب إلى المرفق العام مباشرة وتقع المسؤولية عليه‬
‫من المال العمومي‪ ،‬وفي حالة تعويض اإلدارة للمتضرر بسبب خطأ مرفقي فإن هذه األخيرة‬
‫ال يمكنها الرجوع على الموظف‪ 4‬الذي ارتكب الخطأ لتستعيد المبلغ الذي دفعته كتعويض‬

‫محمد لطرش ‪ ،‬مسؤولية مرافق الصحة العمومية عن األضرار التي تتسبب فيها بين الواقع بين الواقع التشريعي و العمل القضائي‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم‬
‫السلك العالي في التدبير اإلداري‪ ،‬المدرسة الوطنية لإلدارة الرباط ‪ ،‬السنة الجامعية ‪.1111 -1111‬ص ‪. 39‬‬
‫‪1‬‬
‫‪Consort Filex, 4 décembre 1958, Chambre administrative, R .A.C.S, 1957- 1960, p 164 ; Cie d’assurances‬‬
‫‪générales, 24 mars 1960, C.A, R .A.C.S, 1957- 1960‬‬
‫‪2‬حيث جاء في الحكم الصادر عن المحكمة اإلدارية بفاس تحت عدد ‪ 11‬صادر بتاريخ ‪ 1131-13-11‬في الملف رقم ‪ 153‬ت‪ 11-‬غير‬
‫منشور‪ ،‬بأن الخطأ اإلداري أو المرفقي هو " فعل غير مشروع تقوم به اإلدارة وقد ينتج عن عمل قانوني كإصدار ق اررات إدارية غير مشروعة أو‬
‫عمل مادي ينتج عن تصرف ملموس لإلدارة أثناء قياميها بنشاطاتها المتنوعة " أورده عبد الكبير العلوي الصوصي ‪ ،‬العمل القضائي في قضايا‬
‫المسؤولية الطبية‪ ،‬دار القلم الرباط‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1130‬ص ‪ 11‬إلى ‪.11‬‬
‫‪3‬‬
‫و قد ذهب األستاذ محمد اليعكوبي إلى القول» إن مفهوم الخطأ في القانونين اإلداري والمدني لهما نفس الفلسفة و نفس الموضوع‪ ،‬إال أن نظرية‬
‫الخطأ المدني غير مستساغة التطبيق على الخطأ اإلداري‪ ،‬فتكوين الخطأ في مجال القانون اإلداري مختلف عن مجال القانون الخاص‪ ،‬كما أن هذا‬
‫المفهوم المشترك للخطأ ال يستعمل بنفس الطريقة من القاضي اإلداري و القاضي المدني‪ .‬ويفسر ذلك بأن الخطأ المدني غالبا مايتعلق بخطأ‬
‫اإلنسان‪ ،‬رغم أن هناك شخصا معن ويا وراء ذلك‪ ،‬ويضرب مثال ذلك بشركة تجارية‪ ،‬فاإلنسان هو الذي سيتحمل خطأ هذه الشركة انطالقا من مقولة‬
‫األب الجيد للعائلة)‪.(Bon pére de famille‬أما الخطأ في القانون اإلداري فهو ال يعترف بفكرة المرفق العمومي أو العام "الجيد" ‪(bon service‬‬
‫)‪ ،public‬حيث إن القاضي اإلداري ‪ -‬وهو يبت إداريا‪ -‬يكون أكثر واقعية في استدالله ومنطقه وذلك بمقارنته بين السلوك الحقيقي لإلدارة ليس مع‬
‫اإلدارة االفتراضية لكن مع ما ُينتظر من هذه اإلدارة‪ « .‬للمزيد الرجوع إلى مقالته‪:‬‬
‫‪Mohammed EL YAAGOUBI, remarques critiques sur les prétendus fondements de la responsabilité au Maroc‬‬
‫‪remald n° 17 octobre- décembre 1996 page 34‬‬
‫‪4‬هذه القاعدة ليست عامة في القانون المغربي‪ ،‬حيث عكس الفصل ‪ 91‬من ق‪.‬إ‪.‬ع قد يضع المشرع مبدأ الرجوع على الموظف في عدة حاالت‪:‬‬
‫المسؤولية الشخصية للمحافظ العقاري‪،‬المسؤوية الشخصية للقضاة‪ ،‬المسؤولية الشخصية للمعلمين وموظفي الشبيبة والرياضة و المسؤولية الشخصية‬
‫للمحاسبين العموميين التي هي من اختصاص المحاكم المالية‪ ،‬علما كذلك أن قانون الوظيفة العمومية لسنة‪ 3359‬كما تم تعديله و تتميمه في مادته‬
‫‪ 31‬يضع إمكانية الرجوع على الموظف المخطئ‪ ،‬كما أنه في مشروع قانون المسطرة المدنية الجديد يضع مبدأ الرجوع ( تأديبيا) على الموظف‬
‫المخطئ في حالة عدم تنفيذ األحكام القضائية‪.‬‬

‫‪494‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫عن الضرر‪ ،1‬ألن تحديد من ارتكب الخطأ المصلحي‪ :‬الموظف أو المرفق ليس له أي أثر‬
‫على مسؤولية المرفق العام أي أنه في األخير سينسب إليه ‪ ،‬لكن مايهم هنا هو تحديد مفهوم‬
‫الخطأ المرفقي ( أوال) و معاييره (ثانيا)‬

‫أوال‪ :‬مفهوم الخطأ المرفقي‬

‫إن أبرز تعريفات الخطأ المرفقي‪ ،‬ما جاء به الفقه الكالسيكي الفرنسي واعتبره بأنه‬
‫" خلل في السير العادي للمرفق يرجع إلى أحد أو عدة موظفين‪ ،‬ولكن ال ينسب إليهم‬
‫شخصيا"‪ ،2‬حيث إن الخطأ ال يتخذ شكال واحدا‪ ،‬فقد ينسب إلى موظف محدد‪ ،‬أو إلى خطأ‬
‫مرفقي مجهول ينسب لإلدارة ويصعب فيه معرفة فاعله‪ ،‬لهذا فالمسؤولية فيه تعود مباشرة‬
‫إلى الشخص العمومي الذي ينتمي إليه الموظف‪ ،3‬دونما تحميله أية مسؤولية‪.‬‬

‫ونظ ار لصعوبة وضع تعريف دقيق وواضح للخطأ المرفقي‪ ،‬فهناك من يعرفه بطريق‬
‫المخالفة أي أن كل خطأ غير شخصي هو خطأ مرفقي‪ ،4‬لكن حتى هذا التعريف يثير‬
‫إشكاالت متعددة ناتجة أساسا عن معرفة حدود الخطأ بين ما هو شخصي وما هو مرفقي‪،‬‬
‫حيث إن الخطأ الشخصي قد يعتبر كذلك خطأ مرفقيا‪ ،‬ألنه يحدث أثناء القيام بالوظيفة‪ .‬إال‬
‫أنه يمكن القول إن الخطأ المرفقي هو الخطأ الواقع من لدن عون المرفق أثناء القيام‬
‫بالوظيفة‪.‬‬

‫أما محكمة النقض فقد تأثرت بالتقسيمات التي أعطاها الفقه الفرنسي للخطأ المرفقي‪،‬‬
‫وعرفته إما بعدم أداء اإلدارة للخدمة أو بطئها في أدائها أو إن كان عملها سيئا في تسيير‬

‫‪ 1‬جميلة بونيت‪ ،‬مسؤولية الدولة عن الخطأ الطبي في ضوء االجتهاد القضائي‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المتخصصة في المهن القضائية‬
‫والقانونية‪ ،‬كلية الحقوق الرباط السويسي‪ ،‬السنة الدراسة ‪ ،1119-1111‬ص ‪.10‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Jean Rivero, droit administratif, Dalloz, 7 éditions, 1975 p 174.‬‬
‫‪ 3‬إبراهيم زعيم " المسؤولية اإلدارية بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي"‪ ،‬منشورات المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية‪ ،‬سلسلة مواضيع‬
‫الساعة‪ ،‬عدد ‪ 1‬سنة ‪ ،3331‬ص ‪.35‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Amine Ben ABDALLAH, « la responsabilité médicale », Rapport de thème principale de 7 ème congrès médical‬‬
‫‪national, société marocaine des sciences médicales, 1989, p 100.‬‬

‫‪495‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المرفق‪ 1‬من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى‪ ،‬فإن تمييزه عن الخطأ الشخصي يرتبط بمدى تحقق‬
‫النية العمدية لمرتكب الخطأ‪ ،‬حيث تعتبر أن األخطاء المرتكبة من قبل الموظفين والتي‬
‫ليست ذات طابع عمدي هي أخطاء مرفقية تتحمل اإلدارة مسؤوليتها‪. 2‬‬

‫وقد ذهب بعض الفقهاء إلى تعريف خطأ المرفق العام الطبي‪ ،‬بأنه " ذلك الخطأ الذي‬
‫يرتكبه الموظف التابع للمرفق الصحي وهو إما أن يكون طبيبا أو ممرضا أو غيرهما من‬
‫المستخدمين أثناء قيامه بوظيفته‪ ،‬لكنه ال ينسب إليه وإنما ينسب إلى المرفق العام الطبي"‪.3‬‬
‫ويمكن كذلك تعريفه اقتباسا من المفهوم الذي أعطاه الفقيه دولو بادير لعبارة الخطأ اإلداري‪،‬‬
‫فالخطأ المرفقي الطبي إما أن يكون خطأ منفرد أي من فعل موظف معروف أو مجموعة من‬
‫الموظفين التابعين للمرفق الطبي‪ ،‬أو بشكل مجهول وجماعي وهو خطأ المرفق العام‬
‫الطبي‪.4‬‬

‫‪1‬‬
‫أنظر في هذا الصدد ق اررات منشورة عند خالد ع المي و عبد الغني بامو‪ ،‬التوجهات الحديثة لمحكمة النقض في مسؤولية المرفق العام الطبي‪،‬‬
‫الجزء األول ‪ ،‬دار اآلفاق المغربية للنشر و التوزيع‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ، 1131‬تطرقت إلى تقسيمات الخطأ الطبي المرفقي وتبنت‬
‫نفس الحيثياث‪:‬‬
‫‪ -‬قرار عدد ‪ 1 -13‬بتاريخ ‪ 1130 -13 -31‬في الملف اإلداري عدد ‪( 1131 -1-0 -3353‬الوكيل القضائي للمملكة ضد عبد العزيز‬
‫جبرون) " لكن حيث إن المستقر عليه في قضاء هذه المحكمة أن الخطأ الطبي المرفقي يكون قائما متى لم يتم تقديم الخدمة الطبية أو تم اإلبطاء‬
‫أكثر من الالزم في أدائها أو تمت تأديتها على وجه سيء‪ ،‬ويكون أداء الخدمة بشكل سيء إذا تم اإلخالل بواب تقديم العناية الالزمة للمريض وفق‬
‫ما تقتضيه ظروفه الصحية‪ ،‬وفي إطار مراعاة األصول واالخالقيات الثابتة لمهنة الطب ومقتضيات التطور العلمي‪ ،".....‬ص ‪. 313‬‬
‫‪ -‬قرار عدد ‪ 1 -131‬بتاريخ ‪ 1131 -33 -19‬في الملف اإلداري عدد ‪ ( 1131 -1 -0 -951‬الوكيل القضائي للمملكة ضد عماد رمزي‬
‫ومن معه)" لكن حيث إن المستقر عليه في قضاء هذه المحكمة أن الخطأ الطبي المرفقي يكون قائما متى لم يتم تقديم الخدمة الطبية أو تم اإلبطاء‬
‫أكثر من الالزم في أدائها أو تمت تأديتها على وجه سيء‪ ،‬ويكون أداء الخدمة بشكل سيء إذا تم اإلخالل بواجب تقديم العناية الالزمة للمريض‬
‫وفق ما تقتضيه ظروفه الصحية‪ ،‬وفي إطار مراعاة األصول و االخالقيات الثابتة لمهنة الطب ومقتضيات التطور العلمي‪ ، ".....‬ص ‪.59‬‬
‫‪ -‬قرار عدد ‪ 111‬بتاريخ ‪ 1131 -10 -31‬في الملف اإلداري عدد ‪ ( 1133 -1 -0 -911‬الوكيل القضائي للمملكة ضد رشيد بوولجة) "‬
‫لكن حيث إن الخطأ المرفقي يتجلى في عدم أداء اإلدارة للخدمة أو بطئها في أدائها أو أدائها من طرفها على وجه سيء‪ .‬و أن فتح ابواب‬
‫المستشفى أمام المطلوب بإعتباره زائ ار ألحد المرضى قبل موعد الزيارة وفي وقت تنظيف أرضية المستشفى يشكل أداء للخدمة على وجه سيء مما‬
‫نتج عنه انزالق المطلوب في النقض وبالتالي إصابته باألضرار التي لحقت به من جراء ذلك االنزالق‪ .‬ومن ثم يكون الخطأ المرفقي قائما في حق‬
‫إدارة المستشفى ‪ ، "....‬ص ‪.11‬‬
‫‪2‬قرار عدد ‪ 1 -330‬بتاريخ ‪ 1131 -11 -13‬في الملف اإلداري عدد ‪ ( 1131-1-0 -151‬المركز اإلستشفائي ابن رشد ضد العوني الحسين‬
‫ومن معه) " لكن حيث إن األصل أن األخطاء المرتكبة من طرف الموظفين والتي ليست ذات طابع عمدي هي أخطاء مرفقية تتحمل اإلدارة‬
‫مسؤوليتها ‪ ".....‬منشور في المرجع أعاله ص ‪.13‬‬
‫‪ 3‬أحمد أدريوش‪ ،‬مسؤولية مرافق الصحة العمومية‪ ،‬سلسلة المعرفة القانونية‪ ،‬البوكبلي للطباعة والنشر‪ ،‬الطبعة ‪ ،3333‬ص ‪.11‬‬
‫‪4‬‬
‫‪André de LAUBADERE, Traité de droit administratif, », T .L, LGDJ, Paris 1984,9e édition. p 747 ; voir aussi‬‬
‫‪El houssaine SERHANE, la faute du service public en droit administratif Marocain, op cit, P 91 et suiv.‬‬

‫‪496‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ثانيا‪ :‬معايير الخطأ المرفقي‬


‫إن مسألة تحديد معيار أو معايير للخطأ المرفقي تبقى من اختصاص القضاء‪ ،1‬لكن‬
‫األمر لم يقتصر على الق ضاء بل تعداه إلى الفقه الذي تناول هذا الموضوع من عدة زوايا‬
‫مختلفة‪ .‬وفيما بعد‪ ،‬رجح القضاء جانبا فقهيا على آخر‪ .‬إذ ففيما يخص هذه النقطة‪ ،‬يالحظ‬
‫أن القضاء المغربي لم يتميز بأية خصوصية تذكر‪ ،‬وظل وفيا للقضاء الفرنسي الذي ميز‬
‫منذ أمد طويل بين األخطاء البسيطة واألخطاء الجسيمة لتقرير مسؤولية المرفق‪.2‬‬

‫وقد اعتمد القضاء اإلداري المغربي‪ 3‬على قاعدة عامة للفصل في بعض قضايا‬
‫المسؤولية المبنية على شرط الخطأ المصلحي‪ ،‬وذلك بالنظر إلى تنفيذ الطبيب اللتزامه ببذل‬
‫العناية ومدى مطابقته لقواعد المهنة وبناء على هذا قضت بالمسؤولية أو بعدمها‪ ،4‬إال أن‬
‫هذه الفكرة تراجعت في اآلونة األخيرة‪ ،‬نظ ار لتطور الطب بصفة خاصة والمرفق الصحي‬
‫بصفة عامة‪ ،‬إذ إ ن األخطاء المصلحية الطبية‪ ،‬بدأت تعتمد على قاعدة التزام الطبيب أو‬
‫المرفق العام الطبي ببذل نتيجة وليس عناية كما هو الشأن في بعض العمليات الطبية التي‬
‫فيها التزام الطبيب أو المرفق العام الطبي هو شفاء المريض وليس بذل الجهد الالزم‪.5‬‬

‫إذن‪ ،‬فخطأ المرفق العام الطبي إما مرتبط بسوء عمله أو تنظيمه (‪ )3‬أم بالتميز فيه‬
‫بين الخطأ المرفقي المنفرد و بين الخطأ المرفقي المغفول (‪.)1‬‬

‫‪1‬حسن صحيب‪ ،‬القضاء اإلداري المغربي‪ ،‬سلسلة دراسات وأبحاث في اإلدارة و القانون‪ ،‬العدد ‪، 1‬المطبعة والوراقة الوطنية مراكش‪ ،‬الطبعة الثانية‬
‫مايو ‪ ،1133‬ص ‪.01‬‬
‫‪2‬عبد القادر باينة‪ ،‬دعاوي المسؤولية اإلدارية‪ :‬حاالت المسؤولية اإلدارية‪ ،‬المحاكم اإلدارية دعامة من دعائم دولة القانون‪ ،‬الندوة األولى للقضاء‬
‫اإلداري ‪ 33 – 39‬مايو ‪ 3335‬ص ‪.11‬‬
‫‪3‬حكم المحكمة اإلدارية ألكادير عدد‪ 1111-391‬بتاريخ ‪ 1111 -15 -10‬في الملف رقم ‪ 1111-191‬ش غير منشور(امح المعلومة ضد‬
‫الدول ة المغربية ومن معها) القاعدة " إن االلتزام ببذل العناية المفروض على عاتق الطبيب يقتضي بذل العناية الضرورية و التي تتفق مع قواعد و‬
‫أصول مهنة الطب "‪.‬‬
‫‪ -‬حكم المحكمة اإلدارية لمكناس عدد‪ 31 -39-5‬ش بتاريخ ‪ 3339-10 -11‬في الملف رقم ‪31/30/15‬ت منشور بالمجلة المغربية‬
‫والتنمية عدد ‪ ،15‬أكتوبر‪ -‬دجنبر ‪ 3339‬ص ‪ 333‬إلى ‪.335‬‬
‫‪ -‬حكم المحكمة اإلدارية لوجدة عدد ‪ 1111 -35‬بتاريخ ‪ 1111-11-33‬الصادر في الملف رقم ‪ 11 -315‬ت منشور بالمجلة المغربية‬
‫لإلدارة المحلية و التنمية ‪ ،‬عدد مزدوج ‪ 51 -53‬يوليوز – أكتوبر ‪ 1111‬ص ‪ 331‬إلى ‪.331‬‬
‫‪4‬‬
‫أحمد ادريوش‪ ،‬مسؤولية مرافق الصحة العمومية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.15‬‬
‫‪5‬تقرير النشاط السنوي للوكالة القضائية للمملكة لسنة ‪ 1130‬ص ‪ 31‬و ‪.30‬‬

‫‪497‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪ -3‬معيار سوء عم المرفق العام الطبي‬


‫إن معيار سوء عمل المرفق العام الطبي يتمثل في اإلغفال الناتج عن عدم قيام اإلدارة‬
‫بالعمل الذي كان يجب عليها القيام به واعتباره خطأ مرفقيا‪( 1‬العمل اإليجابي ‪action‬‬
‫‪ ،)positive‬وذلك حتى بالنسبة لتباطئها أو تأخرها في أداء الخدمة أو العمل المنوط بها من‬
‫أجل تحقيق المنفعة العامة (العمل السلبي‪.2)action négative‬‬

‫فهنا سوء عمل المرفق العام الطبي مرتبط بنظرية االلتزام بالعمل أو الجهد‪ ،‬فإذا اختل‬
‫هذا العمل سواء بالتوقف أم التباطؤ أم تكرار هذا االختالل يتحقق الخطأ المرفقي الطبي‪،‬‬
‫وهذا هو توجه محكمة النقض إذ وضحت في قرار حديث لها‪ 3‬أن الخطأ الطبي المرفقي‬
‫يكون متوف ار إذا لم يتم تقديم الخدمة المطلوبة أو تم اإلبطاء أكثر من الالزم في أدائها اوتم‬
‫تأديتها على وجه سيء‪ ،‬ويكون أداء الخدمة بشكل سيء متواجدا في مرفق الصحة كلما تم‬
‫اإلخالل بواجب تقديم العناية للمريض‪.‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أن الفقه الفرنسي‪ 4‬هو الذي وضع تقسيما لمختلف األعمال التي‬
‫يمكن أن تشكل الخطأ المرفقي الطبي وذلك انطالقا من تجميع اجتهادات القضاء وتقسيمها‬
‫أوال في سوء أداء المرفق للخدمة‪ ،‬وثانيا في عدم قيام المرفق بأداء هذه الخدمة‪ ،‬أما ثالثا ففي‬
‫بطء المرفق أو تأخره في الخدمة‪.‬‬

‫‪ -2‬معيار التمييز لين الخطأ المرفقي المشخص والخطأ المرفقي المبهول‬


‫إن معيار التقسيم الفقهي الذي تناوله القضاء المغربي‪ ،‬خاصة في الق اررات الصادرة‬
‫عنه مند إنشاء المحاكم اإلدارية و المتمثل أوال في سوء أداء المرفق للخدمة‪ ،‬وثانيا في عدم‬

‫‪1‬‬
‫‪Jaque MOREAU, la responsabilité administrative, que sais-je ? C.E 27/1/1998, A.J.D.A, p 352.‬‬
‫‪2‬جاء في حيثية للمحكمة اإلدارية بوجدة أن " كل األعمال السلبية من جانب المستشفى تشكل خطأ مرفقيا يتنافى مع مبدأ بذل العناية الالزمة‬
‫وتوفير األطر الطبية و العالجية الضرورية لكل مريض أو مصاب تمت إحالته على المستشفى " حكم رقم ‪ 300‬بتاريخ ‪ 1111 -15 – 13‬في‬
‫الملف عدد ‪ 1110/31‬ش‪.‬ت منشور بمجلة فقه المنازعات اإلدارية العدد ‪ 1‬سنة ‪ ، 1131‬داراألفاق المغربية للنشر و التوزيع بالدارالبيضاء ‪،‬ص‬
‫‪.015‬‬
‫‪3‬قرار عدد ‪ 1 -131‬بتاريخ ‪ 1131-33-19‬في الملف اإلداري عدد ‪ ( 1131-1-0-951‬الوكيل القضائي للمملكة ضد عماد رمزي ومن معه)‬
‫منشور عند خالد عالمي و عبد الغني بامو‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.59‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Georges VEDEL et Delvolve, « droit administratif » 9 édition.Thémis, p.u.f.1984 page 492- 493‬‬

‫‪498‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫قيام المرفق بأداء هذه الخدمة‪ ،‬وثالثا في بطء المرفق أو تأخره في الخدمة ينطبق كذلك حتى‬
‫على المرافق الطبية‪ ،‬إذ ليس هو الوحيد بل هناك تقسيم آخر يتطرق إلى خطأ المرفق العام‬
‫الطبي انطالقا من تحديد مجال التدخل والتمييز بين العمل المادي والعمل القانوني وكذلك‬
‫بالنظر إلى جسامة خطأ المرفق العام الطبي والتمييز منه بين البسيط و الجسيم‪ . 1‬لهذا‬
‫ذهب جانب من الفقه‪ 2‬إلى تطبيق المفاهيم األساسية للمسؤولية اإلدارية انطالقا من مفهوم‬
‫الخطأ اإلداري عند األستاذ دولو بادير‪ ،‬وتفسير سوء عمل المرفق العام الطبي‪ ،‬بأنه يتخذ‬
‫شكلين عمليين إما فردي أي ناتج عن فعل موظف معين ومحدد بذاته وهو خطأ مرفقي‬
‫للموظف(أ) أو مغفول وهو خطأ المصلحة أو المرفق العام الطبي(ب)‪.‬‬

‫أ‪ :‬الخطأ المشخص أو غير المبهول‬

‫هو خطأ فردي ناتج عن تصرف الموظف‬ ‫‪3‬‬


‫فالخطأ المشخص ‪la faute signée‬‬
‫داخل المرفق العام الطبي‪ ،‬إذ يكون الموظف الذي اقترف هذا الخطأ معروفا ومحددا وغير‬
‫مجهول‪ ،‬ولكن يتحمل المرفق العام الطبي مسؤولية هذا الخطأ‪ ،‬وهذا ما يفهم من الفصل ‪13‬‬

‫‪1‬‬
‫‪El houssaine SERHANE, L’illégalité fautive dans le contentieux administratif, REMALD, serie « thèmes‬‬
‫‪actuels », N° 6, 1996 Page 213.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪El houssaine SERHANE, thèse précitée. Page 170.‬‬
‫‪ 3‬استقر المجلس األعلى مند أمد على أن االتجاه الصائب و المؤسس للمسؤولية اإلدارية هو خطا أحد الموظفين و عندما تستحيل معرفة الموظف‬
‫أو الموظفين ‪ ،‬فنظرية المخاطر هي الواجبة التطبيق تأث ار بالفقه الفرنسي الذي كان يؤكد أن =الشخص المعنوي العام اليمكن له ان يرتكب الخطأ‬
‫وإنما الذي يرتكبه هو الموظف ‪ ،‬انظر قرار الغرفة المدنية للمجلس األعلى تحت عدد ‪ 1115‬بتاريخ ‪ 3391/13/31‬شكير محمد‪ ،‬منشور بمجلة‬
‫القضاء و القانون عدد ‪ 319‬سنة ‪ 3399‬ص ‪.301‬‬
‫تعتبر قضية محمد شكير من القضايا األصلية للحديث عن المسؤولية اإلدارية وذلك لتعلقها أوال بإشكالية التطبيق السليم للفصل ‪ 13‬من ق ل ع‬
‫من طرف القضاء وثانيا الرتباطها بالتفسيرات الفقهية لنفس هذا الفصل‪ ،‬حيث بالرجوع إلى قضية محمد شكير فهي تتعلق بقيام أحد مستخدمي‬
‫اإلدارة في احد المستشفيات بفاس بعملية إعذار إبن السيد محمد شكير حيث جاء في حيثياث قرار المجلس بخصوص هذه القضية " ‪ .....‬وحيث‬
‫إن المحكمة ملزمة بأ ن تكيف الدعوى‪ ،‬حسب الوقائع الثابتة أمامها‪ ،‬وتطبق عليها النص الواجب التطبيق كان عليها أن تبحث و تميز بين ما إذ‬
‫كان صدر من " الضحاك" بصفته أحد مستخدمي اإلدارة في أحد المستشفيات بفاس الذي قام بعملية إعذار إبن الطاعن بالمعنى المنصوص عليه‬
‫في الفصل ‪ ، 13‬فتقضي بمسؤولية الدولة‪ ،‬أم أنه خطأ شخصي ال عالقة له إطالقا بعمله فتقضي بعدم مسؤولية الدولة‪ ،‬وتبت في الدعوى في‬
‫مواجهة الضحاك وحده ‪ ......‬في حين أن هذا التعليل غير كاف لتبرير ما انتهت إليه المحكمة في قضائها "‪.‬‬
‫وبمقارنة قضية محمد شكير بقضيتي ارملة اعبدو و الزونيد حمو يتضح أنها صدرت بشأنها ق اررات من رؤساء أوليين مختلفين للمجلس األعلى‪،‬‬
‫لكن الجامع المشترك بينها هو إبرازها لتطبيقات الفصل ‪ 13‬من ق ل ع التي هي في األصل تأويالت فقهية متعاقبة ومختلفة للفصل ‪ 13‬من ق ل‬
‫ع وال شيء يميز تطبيقاتها على المجال الطبي‪.‬‬

‫‪499‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫من ق‪.‬إ‪.‬ع‪ 1‬إذ يتحدث عن مسؤولية الدولة والبلديات عن األضرار الناتجة مباشرة عن تسيير‬
‫مرافقها وعن األخطاء المصلحية لموظفيها‪.2‬‬

‫وإذا كان االجتهاد القضائي‪ 3‬أخذ بالمفهوم الواسع للموظف أو العون اإلداري‪ ،‬حيث‬
‫يشمل هذا المفهوم باإلضافة إلى الموظفين العموميين بالمعنى الدقيق‪ ،‬كل شخص يوجد في‬
‫حالة تبعية للمرفق أثناء ارتكاب الخطأ‪ ،4‬والنظر إلى مفهوم الموظف العمومي من جانب‬
‫المسؤولية اإلدارية وليس التطبيق الضيق للفصل ‪ 1‬من قانون الوظيفة العمومية لسنة‬
‫‪ .53359‬فإن هذه الفكرة تم التراجع عنها في قرار للمجلس األعلى) محكمة النقض حاليا)‬
‫بقوله" لكن حيث إن المعني باألمر مجرد عون مياوم وليست له صفة موظف عمومي حتى‬
‫يخضع للقانون الخاص بالوظيفة العمومية الصادر في ‪ 10‬يبراير ‪ ،3359‬والذي عبر فصله‬
‫الثاني عند تعريف ا لموظف يصرح بأنه "يعد موظفا كل شخص يعين في وظيفة قارة ويرسم‬
‫في إحدى رتب السلم الخاص بأسالك اإلدارة التابعة للدولة"‪.6‬‬

‫كما أن الخطأ المشخص يجب أن يرتكبه الموظف داخل المرفق العام الطبي‪ ،‬فمن‬
‫غير المنطقي اعتبار أعماله التي يقوم بها في حياته الخاصة أخطاء مرفقية‪ .‬إذ أكد المجلس‬
‫األعلى (محكمة النقض حاليا) على القضاة عند تحديدهم لمسؤولية المرفق العام الطبي‪،‬‬
‫ب البحث عما إذا كانت األفعال المنسوبة إليه تشكل خطأ شخصيا غير متصل بالوظيفة أو‬
‫خطأ المرفق العام الطبي‪ ،‬والحكم حسب الحاالت إما بتحمل المرفق العام الطبي المسؤولية‬

‫‪1‬يجب دائما أن نستحضر عند تحليل الفصل ‪ 13‬من ق‪.‬إ‪.‬ع أنه قد دون من طرف جورج تسيي الذي كان آنداك قاضيا بمجلس الدولة الفرنسي‬
‫وهو الوحيد من بين األعضاء القانونيين واضعي قوانين ‪ (3331‬الفصل ‪ 91‬من ق‪.‬إ‪.‬ع ‪ ،‬الفصل ‪ 9‬من التنظيم القضائي‪ ،‬الفصول ‪-31 – 31‬‬
‫‪ 311 -39‬من التحفيظ العقاري قبل تعديله بالقانون رقم ‪ )30.11‬ينتمي للقانون العام أم باقي األعضاء دون أي استثناء ينتمون للقانون الخاص‪.‬‬
‫‪2‬عبد الله حارسي‪ ،‬حول المسؤولية اإلدارية‪ ،‬تطبيق الفصل ‪ 13‬من ق‪.‬ل‪.‬ع من طرف المجلس األعلى‪ 01 ،‬سنة من القضاء اإلداري بالمغرب "‬
‫مواضيع الساعة " منشورارت المجلة المغربية لإلدارة المحلية و التنمية ‪ ،‬العدد ‪ 30‬سنة ‪ 3339‬ص ‪.19‬‬
‫‪3‬قرار المجلس األعلى عدد ‪ 130‬بتاريخ ‪ 31‬يوليوز ‪ ( 3311‬الدولة المغربية ضد علي بن عمر) غير منشور أورده األستاذ الحسين سرحان في‬
‫مقاله‪:‬‬
‫; ‪La faute du service public en droit administratif Marocain, op. Cit page 96‬‬
‫‪4‬‬
‫‪El houssaine SERHANE, thèse précitée, page 159.‬‬
‫‪5‬الصادر بظهير شريف رقم ‪ 3.59.119‬بتاريخ ‪ 0‬شعبان ‪ 10 ( 3111‬فبراير ‪ )3359‬في الجريدة الرسمية عدد ‪ 1111‬بتاريخ ‪ 33‬أبريل ‪3359‬‬
‫ص ‪.330‬‬
‫‪6‬‬
‫قرار الغرفة اإلدارية للمجلس األعلى عدد ‪ 333‬بتاريخ ‪ 3313/11/35‬في الملف اإلداري عدد ‪ 11315‬منشور بمجلة قضاء المجلس األعلى‬
‫عدد ‪ 11‬دجنبر ‪ 1111‬ص ‪311.‬‬

‫‪500‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫م تى كان الضرر ناتجا عن خطأ مصلحي ألحد موظفيها أو مستخدميها‪ ،‬أو عدم تحميل‬
‫ال مسؤولية إن كان الخطأ المرتكب خطأ شخصيا وال عالقة له بعمله في المرفق العام‬
‫الطبي‪ ،1‬إذ أكد كذلك في قرار له بأنه "يجب على المحكمة أن تكيف الدعوى حسب الوقائع‬
‫الثابتة أمامها‪ ،‬فتلتزم بالمعنى المنصوص عليه في الفصل ‪ 13‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ ،‬حيث تقضي‬
‫بمسؤولية الدولة متى كان الضرر ناجما عن خطأ مصلحي ألحد موظفيها أو مستخدميها أو‬
‫تقضي بعدم مسؤوليتها متى ثبت لها أن الخطأ خطأ شخصي للمستخدم وال عالقة له إطالقا‬
‫بعمله اإلداري"‪.2‬‬

‫ولقد أكد المجلس األعلى (محكمة النقض حاليا) على أهمية الخطأ المرفقي المشخص‪،‬‬
‫إذ كان متشددا في تحديد الموظف المرتكب للخطأ والمسؤول عنه عبر ق اررين‪:‬‬

‫‪ -‬القرار األول‪ 3‬ارتكز في تعليله على أن مسؤولية الدولة عن األضرار الناتجة مباشرة‬
‫عن تسيير إدارتها أو عن األخطاء المصلحية لمستخدميها ال يمكن افتراضها‪ ،‬أي‬
‫البد من إثبات الخطأ المصلحي المنسوب إلى أحد موظفيها‪ ،‬والملف الحالي خال‬
‫من نسبة الخطأ المصلحي إلى الهيئة الطبية لمستشفى ابن زهير بمراكش التابع‬
‫للدولة‪.‬‬

‫‪39‬قرار عدد ‪ 395‬بتاريخ ‪ 1‬ماي ‪ ( 3311‬قضية علي وعمر أوعشا ضد الدولة المغربية) منشور بمجموعة ق اررات المجلس األعلى ‪-3313‬‬
‫‪ 3315‬ص ‪.11‬‬
‫قرار رقم ‪ 1115‬بتاريخ ‪ ،3391/13/31‬شكير محمد ضد الدولة المغربية‪ ،‬منشور بمجلة القضاء و القانون عدد ‪ 319‬سنة ‪ 3399‬ص ‪301‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫قرار عدد ‪ 1133‬بتاريخ ‪ 3330/15/11‬في الملف المدني‪( 311910‬الوكيل القضائي للمملكة ضد أحمد بن عمر) منشور بمجلة قضاء‬
‫المجلس األعلى عدد ‪ 09‬دجنبر‪ 1111‬ص ‪ ، 53‬يتعلق األمر بقضية السيد أحمد بن عمر الذي ذهب إلى مستشفى ابن زهير بمراكش ألجل عالج‬
‫أصبعه الذي تكسر نتيجة سقوطه من فوق جدار منزل وبعد مدة شهر من العالج على يد الدكتور المنصوري عبد اإلله الذي هو طبيب متمرن‬
‫بالمستشفى‪ ،‬شفي أصبعه إال أن الطبيب المذكور أجرى له عملية بتر يديه اليمنى بأكملها دون موافقته‪ ،‬وبعدها اشتكى إلى مدير المستشفى الذي‬
‫نصح بتقديم دعوى أمام القضاء ‪.‬وجاء في إحدى حيثياث هذا القرار " ‪ ....‬فإن اعتماد المحكمة المصدرة للقرار المطعون فيه في تحميل الدولة‬
‫مسؤولية ماحدث = للمطلوب من ضرر على مجرد ان إدارة المستشفى المذكور امتنعت من تمكين الخبير المعين من طرف المحكمة من االطالع‬
‫على الملف الطبي للمتضرر المطلوب و أن ذلك يشكل قرينة على ثبوث الخطأ المصلحي ألطباء المستشفى المذكور غير كاف وكان على‬
‫المحكمة في هذه الحالة أن تجبر إدارة المستشفى بشتى الوسائل حتى ولو اقتضى األمر انتقالها شخصيا رفقة الخبير المعين من طرفها إلى‬
‫المستشفى المذكور قصد اإلطالع على الملف الطبي المذكور لتقف على الحق يقة وبالتالي التأكد من ثبوث الخطأ المصلحي للدولة أو عدم ثبوته‬
‫ودون ذلك يبقى قرارها ناقص التعليل يوازي عدمه ويعرضه بالتالي للنقض"‪.‬‬

‫‪501‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪ -‬القرار الثاني‪ 1‬ربط فيه بين وجود عالقة سببية بين الضرر وعمل أحد أطر و ازرة‬
‫الصحة العمومية التي هي شخص من أشخاص القانون العام وبالتالي أسس مسؤولة‬
‫الدولة عن تعويض الضرر المذكور وفق مقتضيات الفصل ‪ 13‬من قانون‬
‫اإللتزامات و العقود والفصل ‪ 9‬من القانون المحدث للمحاكم اإلدارية‪.‬‬

‫إذن يتضح من خالل االجتهاد القضائي اإلداري المغربي أنه يحدد المسؤول عن‬
‫الضرر في الخطأ المرفقي الطبي بشكل منفرد سواء كان موظفا أم طبيبا أم مجموعة من‬
‫الموظفين أو فريقا طبيا‪ ،2‬رغم أن المرفق هو الذي سيتحمل في األخير التعويض عن‬
‫الضرر‪ ،‬األمر الذي يفسر كذلك األهمية التي يوليها القضاء في تحديد مرتكب الخطأ‬
‫المرفقي المشخص وتمييزه عن الخطأ المرفقي المغفول أو المجهول في نظام المسؤولية‬
‫اإلدارية الطبية‪.‬‬

‫ب‪ :‬الخطأ المرفقي المغفول‬

‫إن الخطأ المرفقي المجهول أو المغفول يتمثل في السير السيء للمرفق وإخالله‬
‫بالتزاماته‪ ،‬دون إلزامية البحث عن الموظف أو الموظفين التابعين للمرفق‪ ،‬حيث تختزل‬
‫دعوى التعويض في طرفين أساسيين هما الضحية والمرفق‪ .3‬ويتبين من خالل هذا التوضيح‬
‫أن خاصية السير السيء للمرفق تشترك مع التقسيم الثالثي والتقيلدي الذي أعطاه الفقه‬

‫‪1‬‬
‫قرار الغرفة اإلدارية عدد ‪ 191‬بتاريخ ‪ 1111/15/19‬في الملف اإلداري عدد ‪ 1113/3/0/0‬غير منشور أوردته جميلة بونيت‪ ،‬مسؤولية الدولة‬
‫عن الخطأ الطبي في ضوء االجتهاد القضائي المغربي‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المتخصصة في المهن القضائية والقانونية‪ ،‬كلية الحقوق‬
‫الرباط السويسي‪ ،‬السنة الدراسة ‪ ، .1119-1111‬الملحق ص‪ 311‬ومابعدها‪.‬‬
‫جاء في إحدى حيثياث هذا القرار" وحيث تبين مما ذكر أن المدعي أثبت حصول الضرر البنه القاصر و العالقة السببية بين هذا الضرر وعمل‬
‫أطر و ازرة الصحة العمومية التي هي شخص من أشخاص القانون العام‪ ،‬الشيء الذي تكون معه الدولة المغربية مسؤولة عن تعويض الضرر‬
‫المذكور وفق مقتضيات المادة ‪ 9‬من القانون ‪."31 -03‬‬
‫‪2‬جاء في حكم المحكمة اإلدارية بالرباط عدد ‪ 3113‬الصادر بتاريخ ‪ 1111/31/19‬في الملف عدد ‪ 11/313‬س ت‪ ،‬غير منشور " وحيث يتبين‬
‫بجالء مدى ثبوت الخطأ المرفقي الناتج عن إهمال الفريق الطبي لعملية إجراء كشوفات أولية على الضحية القاصر‪ ،‬قبل إخضاعه للعملية الجراحية‬
‫الذي ال يعدو أن يكون إال خطأ مصلحيا" أورده عمر بومزوغ‪ ،‬قضايا و ازرة الصحة أمام المحاكم المغربية قضايا و ازرة الصحة أمام المحاكم المغربية‪،‬‬
‫رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا للجامعة في المهن القضائية و القانونية‪ ،‬جامعة محمد الخامس السويسي الرباط السنة الجامعية ‪-1131‬‬
‫‪1133‬ص ‪.393‬‬
‫‪3‬‬
‫‪EL houssaine SERHANE, la faute du service public en droit administratif Marocain, op. Cit. Page 96.‬‬

‫‪502‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الفرنسي للخطأ المرفقي في حصره إما في عدم تقديم الخدمة بالشكل المطلوب أو تقديمها‬
‫بشكل سيء أوبطيء‪.‬‬

‫ولقد تذبذب االجتهاد القضائي في األخذ بفكرة الخطأ المرفقي المغفول‪ ،‬وهذا راجع‬
‫باألساس إلى عدم استحضار القضاة لمبدأ الخطأ اإلداري واالقتصار فقط على التقسيم‬
‫الثالثي للخطأ المرفقي‪ ،‬وهذا التأويل نفسه سايره قديما كل من الفقيهين بوسكت‬
‫‪ BUSQUET1‬وريفيير‪ RIVIERE2‬بتأكيدهما على أن المسؤولية اإلدارية التي وضعها‬
‫المشرع المغربي تعتمد على الخطأ المرفقي للموظفين‪ ،‬أما خارج هذا النطاق فتوجد نظرية‬
‫المخاطر‪ ،‬حيث يتضح من خالل الفصل ‪ 13‬من ق‪.‬إ‪.‬ع أن مسؤولية المرفق العام تقرر في‬
‫حالتين‪:‬‬

‫‪ -‬مسؤولية بدون خطأ أي األضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها؛‬


‫‪ -‬مسؤولية بناء على الخطأ المرفقي للموظفين‪.‬‬

‫لكن سابقا‪ ،‬تراجع المجلس األعلى (محكمة النقض حاليا) ومعه المحاكم المغربية في‬
‫بعض االجتهادات عن هذا الموقف الفقهي وتم تكريس الخطأ المرفقي المغفول‪ 3‬وذلك‬
‫بمناسبة بتهم في المسؤولية اإلدارية‪ ،‬إذ في نازلة أكد فيها صحة اإلتجاه الذي سلكته محكمة‬
‫االستئناف بالرباط في قرار لها قضى بالحكم على الدولة من أجل سوء سير المرفق العام‬
‫الصحي‪ ،‬وذلك في ملف كان باإلمكان فيه التعرف بسهولة على الموظف المسؤول كما‬
‫زعمت بذلك اإلدارة‪.4‬‬

‫أما حاليا‪ ،‬فاالجتهاد القضائي سواء للمحاكم اإلدارية‪ 5‬أومحاكم االستئناف اإلدارية‪،1‬‬
‫وكذلك لمحكمة النقض ( الغرفة اإلدارية )‪ 2‬يعتمد بالدرجة األولى في تحديده للخطأ المرفقي‬

‫‪1‬‬
‫‪Busquet (R), la responsabilité de l’Etat et des municipalités, G.T.M, 1925 n° 179.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Riviére (P .L), Précis de législation Marocaine, paris 1927 page 229.‬‬
‫‪47‬‬
‫‪C.A .R, 17 déc 1929 ; R.A.C.A.R, p 376- C.A .R, 29 juin 1962 ; R .M.D, 1962 ; p 13C.S.A, N° 345, du 4‬‬
‫‪Aout 1978 ; R .M.D, 1962, P 514.‬‬
‫‪4‬قرار المجلس األعلى بتاريخ ‪ 13‬فبراير ‪ ، 3315‬لمريني محمد‪ ،‬مجلة كلية الحقوق بالرباط عدد ‪ 3313‬ص ‪.311‬‬
‫‪5‬‬
‫حكم رقم ‪ 11‬الصادر بتاريخ ‪ 1131-13-11‬عن المحكمة اإلدارية بفاس في الملف رقم ‪ 153‬ت‪ 11-‬حكم رقم ‪ 0001‬الصادر بتاريخ ‪-0‬‬
‫‪ 1131-31‬عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪ 13-31-3035‬منشور عند عبد الكبير العلوي الصوصي‪ ،‬العمل القضائي في قضايا‬

‫‪503‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المغفول أو المجهول على مدى تحقق سوء أداء الخدمة من عدمه‪ ،‬رغم أنه ال يعطيه اسم‬
‫الخطأ المرفقي المغفول‪ ،‬لكن يمكن استنتاج ذلك من خالل تغييبه للمسؤول عن الخطأ‬
‫(موظف بالمرفق) في صلب الحكم أو القرار القضائي وربطه بالمرفق العام الطبي مباشرة‪،‬‬
‫إذ في قرار لمحكمة النقض‪ 3‬أيدت فيه ما استندت إليه محكمة االستئناف بالرباط في تعليلها‬
‫للخطأ المرفقي الطبي على أساس سوء التسيير دون ربطه بالشخص المسؤول عن الضرر‪،‬‬
‫واصفة تعليلها بالتعليل السليم وغير المنتقد الذي ارتكز إلى أن " مسؤولية المرفق الصحي‬
‫الذي خضعت فيه ابنة المستأنف عليه للعالج قائمة وثابثة بأدائه الخدمة المنوطة به بشكل‬
‫سيء‪ ،‬وتسبب في إصابتها بعاهة لها آثار نفسية ومعنوية جسيمة ‪."....‬‬

‫إال أن نظرة الغرفة المدنية لمحكمة النقض التزال تكرس في بعض ق ارراتها اإلتجاه‬
‫الفقهي القديم الذي يستبعد الخطأ المرفقي المجهول ويقتصر فقط على نظرية المخاطر في‬
‫حالة عدم نسبة الضرر إلى فرد أو أفراد معينين‪ ،‬إذ ارتكزت في قرار‪ 4‬لها على أن "‬
‫مسؤولية الدولة تقوم في حالتين‪ :‬أوالهما عدم إمكان نسبة الضرر إلى شخص أو أشخاص‬
‫م عينين أي أن الضرر نشأ مباشرة من تسيير مرفق الدولة‪ ،‬فالمسؤولية لذلك قائمة على‬
‫المخاطر‪ ،‬واليشترط لقيامها وجود خطأ بل يكفي حدوث الضرر وقيام العالقة السببية بينه‬
‫وبين مرفق الدولة‪ ،‬وثانيهما تسبب الضرر عن خطأ مصلحي ألحد موظفيها أو مستخدميها‬
‫‪."...‬‬

‫المسؤولية الطبية‪ ،‬مرجع سابق ص ‪ 53‬إلى ‪11‬؛ حكم رقم ‪ 1111‬الصادر بتاريخ ‪ 13‬ماي ‪ 1131‬عن المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف رقم‬
‫‪ 13-31-3131‬منشور عند عبد الكبير العلوي الصوصي‪ ،‬مرجع سابق ص ‪ 10‬إلى ‪.15‬‬
‫‪1‬‬
‫قرار رقم ‪ 3011‬الصادر بتاريخ ‪1131 -13 -11‬عن محكمة االستئناف اإلدارية في الملف رقم ‪1 -19 -031‬؛ قرار رقم ‪ 1111‬الصادر‬
‫بتاريخ ‪ 1131-13 -31‬عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف رقم ‪ 1- 1-011‬؛‬
‫‪2‬‬
‫قرار عدد ‪ 1-931‬بتاريخ ‪ 1131 -31-33‬في الملف اإلداري عدد ‪ ( 1131 -1-0-1010‬الوكيل القضائي للمملكة ضد وردة بنقدور) غير‬
‫منشور؛ أنظر كذلك الق اررين المنشورين عند خالد عالمي و عبد الغني بامو‪ ،‬مرجع سابق‪ :‬قرار عدد ‪ 111‬بتاريخ ‪ 1131 -10 -31‬في الملف‬
‫اإلداري عدد ‪ ( 1133 -1 -0 -911‬الوكيل القضائي للمملكة ضد رشيد بوولجة) ص ‪11‬؛ قرار عدد ‪ 331‬بتاريخ ‪ 1131 -11 -11‬في‬
‫الملف اإلداري عدد ‪ (1131-3-0-001‬الوكيل القضائي ضد ميمون التيجاني) ص ‪. 13‬‬
‫‪3‬قرار عدد ‪ 1 – 513‬بتاريخ ‪ 1131 – 31-11‬في الملف اإلداري عدد ‪ ( 1131 -1 -0 -3311‬الوكيل القضائي للمملكة ضد أحمد بن‬
‫العياشي الوردي) غير منشور‪.‬‬
‫‪4‬قرار عدد ‪ 1351‬الصادر بتاريخ ‪ 1113-33-10‬في الملف المدني عدد ‪ ( 1119-1-3-135‬الوكيل القضائي للمملكة ومن معه ضد بوعزة)‬
‫منشور عند عبد الكبير العلوي الصوصي‪ ،‬مرجع مشار إليه أعاله ص ‪ 11‬إلى ‪11‬؛‬

‫‪504‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المحور الثاني‪ :‬الخطأ الشخصي‬


‫نظم المشرع المغربي فكرة الخطأ الشخصي في الفصل ‪ 91‬من ق‪.‬إ‪.‬ع‪ ،‬إذ نص فيه‬
‫أن"مستخدموا الدولة والبلديات مسؤولون شخصيا عن األضرار الناتجة عن تدليسهم أوعن‬
‫األخطاء الجسيمة الواقعة منهم في أداء وظائفهم‪.‬‬

‫والتجوز مطالبة الدولة والبلديات بسبب األضرار‪ ،‬إال عند إعسار الموظفين المسؤولين‬
‫عنها"‪.‬‬

‫ويبدو من خالل هذا الفصل أن المشرع المغربي لم يعط تعريفا محددا للخطأ الشخصي‬
‫بل نظم فقط أسباب قيام المسؤولية الشخصية للموظف العمومي وأكد أيضا على أنه ال‬
‫يمكن له (أي الموظف) أن يختبأ وراء المرفق العام في جميع الحاالت لتأمين مسؤوليته في‬
‫مواجهة الغير‪ ،‬ألن هذا المرفق وإن كان شخصا معنويا عاما فإن نشاطه يسير من قبل‬
‫أشخاص ذاتيين يحتم القانون عليهم التقيد بسلوك معين وقواعد محددة بمناسبة ممارسة‬
‫مهامهم‪ ،‬وكل تجاوز لها أو عدم احترامها يكون سببا في إثارة مسؤوليتهم الشخصية وفق ما‬
‫نص عليه الفصل ‪ 91‬من ق ‪.‬إ‪.‬ع ‪.‬‬

‫ورغم أن القضاء العادي هو المختص في التعويض عن المسؤولية الشخصية‬


‫للموظف‪ ،‬إال أن أغلب اجتهادات القضاء اإلداري المغربي التي تم اإلطالع عليها‪ 1‬تخلط‬
‫بين حاالت المسؤولية الشخصية للموظف العمومي طبقا للفصل ‪ 91‬والمسؤولية اإلدارية‬
‫القائمة على أساس الفصل ‪ 13‬من ق‪.‬إ‪.‬ع‪ ،‬حيث يرجع أحد الباحثين هذا الخلط إلى حجم‬
‫التأثر باالجتهاد القضائي اإلداري الفرنسي والرغبة في إلصاق المسؤولية للشخص المعنوي‬
‫العام كلما ثبتت العالقة بين الخطأ الشخصي و نشاط المرفق العام الطبي وهذا حسب رأيه‬
‫يضيق من مجال تطبيق المسؤولية الشخصية‪.2‬‬

‫‪1‬أنظر على سبيل المثال ال الحصر‪ :‬حكم المحكمة اإلدارية بالدار البيضاء عدد ‪ 3511‬الصادر بتاريخ ‪ 1133 -1 -13‬في الملف رقم ‪-019‬‬
‫‪ 1119 -31‬منشور عند عبد الكبير العلوي الصوصي‪ ،‬العمل القضائي في قضايا المسؤولية الطبية ‪،‬مرجع سابق ص ‪ 51‬إلى ‪59‬‬
‫‪2‬‬
‫صالح لمزوغي‪ ،‬المسؤولية المدنية الشخصية للموظف‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية و االجتماعية‪ ،‬أكدال الرباط‪،‬‬
‫السنة الجامعية ‪ ، 1131-1133‬ص ‪.311‬‬

‫‪505‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫اختلف الفقه في األخذ بمعيار واحد وشامل لتحديد الخطأ الشخصي‪ ،‬نظ ار لتعدد وتنوع‬
‫الحلول القضائية التي اختارها االجتهاد القضائي في هذا المجال‪ .‬لكن سيتم حصرها في‬
‫محددين اتفق عليهما غالبية الفقه والقضاء‪ :‬الخطأ المنفصل عن المصلحة اإلدارية (ثانيا)‬
‫الجسيم أو الخطأ التدليسي(ثالثا) لكن قبل التطرق إلى هذين المحددين يجب التطرق إلى‬
‫مفهوم الخطأ الشخصي سواء من الجانب الفقهي أم القضائي (أوال)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬مفهوم الخطأ الشخصي‬

‫إذا كان المشرع قد أغفل تعريف الخطأ الشخصي‪ ،‬فإن بعض الفقه عرفه ( أي الخطأ‬
‫الشخصي) بكونه "خطأ مجرد م ن أي عالقة مع المرفق العمومي و مثال ذلك الطبيب الذي‬
‫يعطي عالجاته لجيرانه أو لشخص تعرض لحادثة سير فهو خطأ متعمد أو خطأ ذا جسامة‬
‫استثنائية"‪ ،1‬كما أنه خطأ ينسب إلى الموظف العمومي شخصيا‪ 2‬ومن اختصاص القضاء‬
‫العادي تبعا لقواعد القانون الخاص المنصوص عليها في الفصل ‪ 11‬من ق‪.‬إ‪.‬ع‪ ،‬لكن‬
‫اإلشكال ليس في تعريف الخطأ الشخصي الواقع من طرف الموظف العمومي‪ ،‬بل في‬
‫تحديده وتميزه عن الخطأ المرفقي‪ ،‬حيث أصبح وجود أو غياب الخطأ الشخصي محددا‬
‫لمعرفة وجود الخطأ المرفقي‪.‬‬

‫ويتضح هذا من خالل االجتهاد القضائي لمحكمة النقض الذي تطرق لمسألة توضيح‬
‫مفهوم الخطأ الشخصي عبر عدة ق اررات حديثة‪ 3‬صادرة عنها‪ ،‬تناقش المسؤولية اإلدارية‬
‫الطبية وتدور حول قاعدة عامة تحدد الخطأ الشخصي بأنه تصرف جد خطير يرتبط‬
‫باإلهمال وعدم االحتياط في أداء المهمة بشكل ينبئ عن تهور على درجة من الخطورة ما‬
‫كان للموظف متوسط الكفاءة الوقوع فيه"‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Jean PANNEAU « la responsabilité du médecin »,2éme édition dalloz,3331 , page 51.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪El houssaine SERHANE, le contentieux administratif de pleine juridiction en droit public Marocain, thèse‬‬
‫‪précitée. Page 230.‬‬
‫‪3‬‬
‫أنظر في هذا الصدد ق اررات منشورة عند خالد عالمي و عبد الغني بامو مرجع سابق‪ :‬قرار عدد ‪ 1 -330‬بتاريخ ‪ 1131 -11 -13‬في الملف‬
‫اإلداري عدد ‪ ( 1131-1-0 -151‬المركز اإلستشفائي ابن رشد ضد العوني الحسين ومن معه) ص ‪13‬؛ قرار عدد‪ 310‬بتاريخ ‪-31 -11‬‬
‫‪ 1131‬في الملف اإلداري عدد ‪ ( 1131 -1 -0-315‬الدولة ومن معها ضد مبارك الكامل ومن معه) ص ‪10‬؛ قرار عدد ‪ 011‬بتاريخ ‪– 11‬‬
‫‪ 1131 -13‬في الملف اإلداري عدد ‪ ( 1133 -1-0 -951‬الوكيل القضائي للمملكة ضد لحسن بوقسيم ومن معه) ص ‪. 19‬‬

‫‪506‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫كما أن العمل القضائي سواء للمحاكم اإلدارية‪ 1‬أو لمحاكم االستئناف اإلدارية‪ 2‬ال‬
‫يحيد عن هذه القاعدة‪ ،‬رغم أنها في بعض اجتهاداتها‪ 3‬ال تزال متشبثة بالتعريف الذي تواتر‬
‫عليه المجلس األعلى للخطأ الشخصي‪ ،‬أي أنه خطأ ينفصل بقدر كاف عن المرفق العمومي‬
‫الذي يشتغل به الموظف‪.4‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أن الخطأ المرتكب من قبل موظفي وأعوان المرفق العام الطبي إذا كان‬
‫شخصيا منفصال عن أداء الخدمة الصحية للمكلفين بأدائها وغريبا عن عملهم داخل المرفق‬
‫العام الطبي‪ ،‬فإنهم يسألون من مالهم الخاص طبقا لمقتضيات الفصل ‪ 91‬من ق‪ .‬إ‪.‬ع‬
‫وي ختص القضاء العادي في تعويض الضرر المترتب عن خطئهم طبقا لقواعد المسؤولية‬
‫التقصيرية‪ ،‬وال يكون المرفق العام الطبي مسؤوال هنا إال في حالة تحقق إعسار الموظف‬
‫المرتكب للخطأ الشخصي وذلك بعد تحقق الشروط المنصوص عليها في الفصل ‪ 91‬من‬
‫ق‪.‬إ‪.‬ع‪.5‬‬

‫ولقد اشترط المشرع المغربي من خالل الفصل‪ 91‬من ق‪.‬إ‪.‬ع في الخطأ الشخصي‬
‫للعون أو موظف المرفق العام الطبي أن يكون خطأ جسيما أو تدليسيا وقع بمناسبة القيام‬
‫بأعمال الوظيفة‪ ،‬وأضاف له القضاء شرطا آخر وهو أن يكون منفصال عن الوظيفة‪ ،‬حيث‬
‫جاء في قرار للمجلس األعلى( محكمة النقض حاليا)‪ 6‬يصف فيه الخطأ الشخصي بأنه"‬
‫خطأ غير مطبوع بطابع الموظف أو المستخدم الشخصي وبأن ال تكون له عالقة إطالقا‬
‫بعمله الوظيفي أو يكون مندرجا في مهامه الوظيفية‪ ،‬ولكنه مع ذلك يكتسي قد ار من‬

‫‪1‬‬
‫حكم المحكمة اإلدارية بفاس عدد ‪ 35 -110‬الصادر بتاريخ ‪ 3335 -31 -1‬في الملف رقم ‪ 35 -51‬ت منشور عند صالح لمزوغي‪،‬‬
‫المسؤولية المدنية الشخصية للموظف‪ ،‬مرجع سابق ص ‪ 319‬و‪.313‬‬
‫‪2‬‬
‫قرار رقم ‪ 111‬صادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش بتاريخ ‪ 1111 -33-11‬في الملف عدد ‪ - 3-1111 – 1-11‬انظر كذلك‬
‫الق اررين التالين‪ :‬قرار رقم ‪ 3311‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش بتاريخ ‪ 1133 -31 -35‬في الملفين عدد ‪1133 -1 -111‬‬
‫و‪1133-1 -111‬؛ قرار رقم ‪ 3335‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط بتاريخ ‪ 1131-1 -13‬في الملف رقم ‪.1 -19 -531‬‬
‫‪3‬‬
‫حكم المحكمة اإلدارية بالرباط عدد ‪ 011‬بتاريخ ‪ 3333 -11 -11‬منشور بالمجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية عدد ‪ 11‬ص ‪.391‬‬
‫قرار ‪ 1115‬بتاريخ ‪ 3391-3-31‬ملف مدني‪ ،‬الغرفة المدنية بالمجلس األعلى‪ ،‬منشور بمجلة القضاء و القانون عدد ‪ 319‬ص‪.301‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪5‬‬
‫أحمد أدريوش‪ ،‬مسؤولية الطبيب المدنية‪ ،‬عرض مقدم لندوة المسؤولية الطبية في الفقه و القضاء و القانون‪ ،‬الندوات الشهرية لمحكمة االستئناف‬
‫بالرباط‪ ،‬يوم الجمعة ‪ ،1113-3-13‬ص ‪.30‬‬
‫‪6‬قرار عدد ‪ 1351‬بتاريخ ‪ 1113/33/10‬في الملف المدني عدد ‪ ( 1119/1/3/135‬الوكيل القضائي للمملكة ومن معه ضد بوعزة) منشور عند‬
‫عبد الكبير العلوي الصوصي ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪ 11‬إلى ‪.11‬‬

‫‪507‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الجسامة‪ ،‬أو ينطوي على عمد أو نية اإلضرار‪ ،‬وفي هذه الحالة يقيم الفصل ‪ 91‬من ق‪.‬‬
‫إ‪.‬ع مسؤولية الموظف عن الضرر الذي تسبب فيه وال تسأل الدولة إال في حالة إعساره "‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الخطأ المنفص عن المصلحة اإلدارية‬

‫إن القضاء هو الذي وضع هذا المعيار‪ ،1‬ويطلق عليه كثي ار من الفقه اسم الخطأ‬
‫المنفصل عن الوظيفة‪ ،‬ويشمل الخطأ الشخصي المنفصل عن المصلحة اإلدارية جميع‬
‫األعمال التي يقوم بها الموظف دون أن تدخل في اختصاصه‪ ،‬فيعتبر خطأ شخصيا إذا‬
‫أمكن فصله عن الوظيفة بينما يعتبر خطأ مرفقيا إذا كان عمل الموظف العامل بالمرفق‬
‫العام الطبي ال ينفصل عن الوظيفة‪ .2‬فالحالة هنا كما عبر عنها األستاذ سرحان بأن المرفق‬
‫العام يتخلى عن جداره الذي يختبأ وراءه الموظف أو العون العمومي‪ ،‬فالخطأ المرتكب من‬
‫طرفه يبقى مسؤوال عنه بالدرجة األولى اتجاه الضحية‪ ،3‬كما يكون الخطأ الشخصي للموظف‬
‫منفصال عن وظيفته بالمرفق العام الطبي إذا كان مستقال عن عمله الفني المرتبط به‪.4‬‬

‫وال يثير الخطأ الشخصي المنفصل الذي يرتكبه الموظف التابع للمرفق العام الطبي أي‬
‫إشكال‪ ،‬على اعتبار وجود نصوص قانونية تحدد مجال الموظف أو العون التابع للمرفق‬
‫العام الطبي‪ ،‬بل المشرع نفسه حدد األعمال التي ال يمكن أن يقوم بها مثال إال الطبيب أو‬
‫الجراح‪ ،‬واألعمال التي يقوم بها غيرهم من المساعدين إما تحت إشراف ومراقبة الطبيب أو‬
‫الجراح أو بأمر من أحدهما و دون حضوره‪.5‬‬

‫‪ 1‬وردت تسمية الخطأ المنفصل عن المصلحة اإلدارية قديما في قرار الغرفة المؤقتة لمحكمة النقض بتاريخ‪3300/1/1‬في قضية أحمد بن‬
‫مبارك‪/‬هيمير وردت عند األستاذ إبراهيم زعيم الماسي‪ ،‬المرجع العملي في االجتهاد القضائي االداري ‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة الدارالبيضاء سنة‬
‫‪ 3331‬ص ‪ 013‬وكذلك قرار للمجلس األعلى عدد ‪ 339‬بتاريخ ‪ 3311-15-11‬ق‪.‬م‪.‬ع عدد ‪ 15‬ماي ‪ 3391‬ص ‪. 331‬‬
‫‪2‬حكم المحكمة اإلدارية بفاس عدد ‪ 35 -110‬الصادر بتاريخ ‪ 3335 -31 -1‬في الملف رقم ‪ 35 -51‬ت ورد عند صالح لمزوغي‪ ،‬المسؤولية‬
‫المدنية الشخصية للموظف‪ ،‬مرجع سابق ص ‪ 319‬و ‪.313‬‬
‫‪3‬‬
‫‪El houssaine SERHANE" la problématique de la faute personnelle aux agents publics en droit administratif‬‬
‫‪Marocain" op cit page 146.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Cyril CLEMENT, L’évolution de la responsabilité médicale de l’hôpital public, les‬‬ ‫‪Grans arrêts de la‬‬
‫‪jurisprudence, Edition les études Hospitalières ,1995 page 41-42.‬‬
‫‪5‬أحمد أدريوش‪ ،‬مسؤولية مرافق الصحة العمومية‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪ 03‬و‪.01‬‬

‫‪508‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ومن التطبيقات القضائية للخطأ الشخصي المنفصل عن المصلحة اإلدارية ما جاء في‬
‫قرار المجلس األعلى‪" 1‬حيث إن المحكمة االبتدائية التي تبنت عللها محكمة االستئناف‬
‫أثبتت من خالل تقرير الخبير ومحضر الشرطة القضائية أن الوفاة ناتجة عن مفعول دواء‬
‫غرز في جسم الضحية من طرف الممرض وقد صرحت المحكمة في هذا الشأن بأنه جاء‬
‫في تقرير الطبيب أن الموت كانت نتيجة صدمة ناتجة عن مفعول دواء مغروز في الجسم‬
‫وهذا هو الفعل المرتكب والمؤدي إلى وفاة الضحية‪.‬‬

‫وحيث يستخلص من محضر الضابطة القضائية أن الممرض يشتغل مرشدا للمرضى‬


‫يوجههم إلى األقسام المختصة‪ ،‬وبالتالي تكون اإلبرة التي غرزها في جسم الضحية لم تعط‬
‫لها من طرف الطبيب المعالج‪.‬‬

‫وحيث والحالة هذه تكون مسؤولية الممرض كاملة فتكون المحكمة بذلك قد أبرزت من‬
‫جهة خطأ الممرض في عدم أخده االحتياطات والعناية الالزمة بغرز اإلبرة للضحية بعد‬
‫التأكد أن بحوزتها وصفة الطبيب أو بعد استشارة هذا األخير‪ ،‬ومن جهة أخرى العالقة‬
‫السببية بين الخطأ والضرر وهو الوفاة مما يكون معه القرار المطعون فيه معلل بما فيه‬
‫الكفاية وتكون الوسيلة غير مرتكزة على أساس"‪.‬‬

‫كما تجدر اإلشارة إلى أن األخطاء الشخصية التي يرتكبها الطبيب أو موظفي المرفق‬
‫العام الطبي خارج مزاولتهم لوظيفتهم‪ ،‬ال يشترط فيها نفس المعايير والضوابط المذكورة في‬
‫الخطأ الشخصي المنفصل عن الوظيفة في الحاالت العادية‪ ،‬على اعتبار أن الطبيب في‬
‫هذه الحالة يكون قد أخل بالتزام رتب عليه العقد الطبي طبقا للفص ‪ 113‬من ق‪.‬إ‪.‬ع‪ ،‬ويكون‬
‫القضاء العادي هو صاحب االختصاص و ليس القضاء اإلداري‪.2‬‬

‫‪1‬قرار الغرفة اإلدارية رقم ‪ 111‬بتاريخ ‪ 91-33-0‬ملف إداري غير منشور أورده األستاذ أحمد أدريوش‪ ،‬مسؤولية المرافق الصحية العمومية‪،‬‬
‫مرجع سابق ص ‪.03‬‬
‫‪ 2‬جميلة بونيت‪ ،‬مسؤولية الدولة عن الخطأ الطبي في ضوء االجتهاد القضائي‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.39‬‬

‫‪509‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ثالثا‪ :‬الخطأ البسيم أو الخطأ التدليسي‬


‫إن الخطأ الجسيم حسب تحديد محكمة النقض‪ 1‬هو ذلك الخطأ الذي يتحمل معه‬
‫مرتكب المسؤولية بصفة شخصية و يصل إلى درجة العمد أو شبه العمد في إرتكاب الفعل‬
‫الضار‪ .‬أما الخطأ التدليسي ف هو استعمال وسائل احتيالية بهدف اإلضرار بالغير‪ ،‬إذ يظل‬
‫سواء الخطأ الجسيم أو التدليسي خطأ شخصيا حتى ولو ارتكب داخل نطاق أعمال الوظيفة‪،‬‬
‫مادام أن هذا الخطأ تم بسوء نية أو عن طريق غش أو تدليس من الموظف‪.‬‬

‫ذلك أن الخطأ في هذه الحالة ينفصل ذهنيا عن نطاق الوظيفة ومن تم يظل شخصيا‪،‬‬
‫كما يشترط في هذا الخطأ حتى يمكن اعتباره شخصيا أن يكون العون بالمرفق أو الموظف‬
‫بالمرفق العام الطبي قد ارتكبه بسوء نية‪ ،‬أي أن يكون من الجسامة لدرجة ال يمكن اعتباره‬
‫من المخاطر العادية التي يتعرض لها العون أو الموظف في أداء عمله اليومي‪.2‬‬

‫ومن التطبيقات التي اجتمع عليها الفقه و القضاء في مجال الخطأ الجسيم‪:3‬‬

‫‪ -‬نسيان جسم غريب في جسد المريض‪ ،‬وإهمال تنظيف البطن بعد إخراج الجسم الغريب‬
‫من جسد المريض إذ جاء في قرار للمجلس األعلى ( محكمة النقض حاليا) "إن الدكتور‪....‬‬
‫بنسيانه للجسم الغريب في جسد المدعية أثناء القيام بالعملية الجراحية يكون قد ارتكب خطأ‬
‫جسيما أخل بالمقتضيات العامة التي تفرضها عليه مهنة الطب‪ ،‬والتي تستوجب بذل عناية‬
‫وجهد جاد يقظ تتفق والمسلك الطبي الذي يفترض في كل طبيب يقظ في مستواه المهني وجد‬
‫في نفس الظروف الخارجية التي أحاطت به‪ ،‬فهو يسأل عن خطئه العادي أيا كانت‬
‫جسامته"‪.4‬‬

‫‪ 11‬قرار عدد ‪ 1/310‬بتاريخ ‪ 1131 /31/11‬في الملف اإلداري عدد ‪ (1131/1/0/315‬الدولة ومن معها ضد مبارك الكامل ومن معه) منشور‬
‫عند خالد عالمي و عبد الغني بامو ‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.10‬‬
‫مليكة الصروخ‪ ،‬القانون اإلداري‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة سنة ‪ 3335‬ص ‪.551‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫أحمد أدريوش‪ ،‬مسؤولية المرافق الصحية العمومية‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.00-01-01‬‬
‫‪4‬‬
‫قرار صادر عن المجلس األعلى (محكمة النقض حاليا) تحت عدد ‪ 191‬بتاريخ ‪3333/11/30‬غير منشور أورده محمد أوغريس‪ ،‬مسؤولية‬
‫الطبيب في التشريع الجنائي‪ ،‬دراسة مقارنة ط‪ ،3330 ،3‬دار قرطبة الدار البيضاء‪ ،‬ص ‪. 15‬‬

‫‪510‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪ -‬الجهل بأصول الطب وبمعطياته الثابتة ومن أمثلة ذلك ماجاء في اجتهاد للغرفة المدنية‬
‫بالمجلس األعلى‪ ( 1‬محكمة النقض حاليا) بأن " مسؤولية الطبيب ال تنعقد إال بثبوت إهمال‬
‫من طرفه يستخلص من وقائع قاطعة وواضحة تتنافى مع األصول العلمية الثابتة في علم‬
‫الطب"‪.‬‬

‫ويخضع تقدير جسامة الخطأ الذي يقترفه الموظف لتقدير قضاة الموضوع بناء على‬
‫معطيات محددة‪ ،‬ترتكز خصوصا على نوعية نشاط المرفق اإلداري والمخاطر التي تواجه‬
‫الموظف في مزاولة مهامه‪ ،‬كما أن تطبيق معيار الجسامة خاصة من طرف القضاء اإلداري‬
‫المغربي يختلف حسب الدرجة القضائية ونوعية القضايا المعروضة‪ ،2‬وال أدل على ذلك‬
‫وصف بعض المحاكم اإلدارية‪ 3‬واالستئناف اإلدارية‪ 4‬الخطأ المرتكب من قبل الطبيب بأنه‬
‫خطأ جسيم‪ ،‬لكنها ال ترتب عليه النتيجة التي رتبها الفصل ‪ 91‬من ق‪ .‬إ‪.‬ع أي أن هذا‬
‫الخطأ يرتب المسؤولية الشخصية‪ ،‬بل تحمل المرفق المسؤولية اإلدارية طبقا للفصل ‪،13‬‬
‫‪5‬‬
‫كما أن هذا اإلشكال ال يقف عند هذه النقطة‪ ،‬بل حتى بعض ق اررات محكمة النقض‬
‫تشاطر هذا االتجاه الذي سلكته هذه المحاكم‪ ،‬موضحة أن الخطأ الجسيم الذي يتحمل معه‬
‫مرتكب المسؤولية بصفة شخصية هو ذلك الذي يصل إلى درجة العمد أو شبه العمد في‬
‫ارتكاب الفعل الضار‪ ،‬أما إذا كان ذلك الخطأ ناتجا عن المزاولة العادية للعمل المنوط‬

‫‪1‬‬
‫قرار عدد ‪ 1303‬صادر عن المجلس األعلى (محكمة النقض حاليا) بتاريخ ‪ 1113/15/13‬في الملف المدني عدد ‪ 11/3193‬منشور في مجلة‬
‫التواصل القضائي‪ ،‬عدد مزدوج ‪ 1/1‬دجنبر ‪ -1131‬فبراير ‪ 1130‬ص ‪.51‬‬
‫‪2‬صالح لمزوغي‪ ،‬المسؤولية الشخصية للموظف العمومي‪ ،‬مرجع سابق ص ‪331‬‬
‫‪3‬‬
‫أنظر في هذا الصدد‪ :‬حكم المحكمة اإلدارية بالدار البيضاء عدد ‪ 3511‬الصادر بتاريخ ‪ 1133 -1 -13‬في الملف رقم ‪1119 -31 -019‬‬
‫منشور عند عبد الكبير العلوي الصوصي‪ ،‬مرجع سابق ص ‪ 51‬إلى ‪59‬؛ حكم المحكمة اإلدارية بوجدة عدد ‪ 1‬الصادر بتاريخ ‪ 1115/13/10‬في‬
‫الملف رقم ‪ 1111/111‬ش‪.‬ت منشور في مجلة فقه المنازعات مرجع سابق ص ‪ 051‬إلى ‪013‬؛ حكم المحكمة اإلدارية بمراكش عدد ‪ 31‬بتاريخ‬
‫‪ 1115/11/31‬في الملف ‪ 1115/31/10‬منشور بالمجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية عدد مزدوج ‪ 11 -11‬ماي غشت ‪ 1115‬ص ‪.111‬‬
‫‪ 4‬أنظر في هذا الصدد ق اررات عن محكمة االستئناف اإلدارية ذكرت وأيدت من طرف ق اررات محكمة النقض المشار إليه أسفال‪ :‬قرار محكمة‬
‫االستئناف اإلدارية بمراكش رقم ‪ 3311‬الصادر بتاريخ ‪ 1133 -31 -35‬في الملفين عدد ‪ 1133 -1 -111‬و‪1133 -1-111‬؛ قرار محكمة‬
‫االستئناف اإلدارية بالرباط رقم ‪ 913‬الصادر بتاريخ ‪ 1133 -11 -10‬في الملف عدد ‪1 -19 -515‬؛ قرار محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط‬
‫رقم ‪ 1111‬الصادر بتاريخ ‪ 1133 -11 -11‬في الملف عدد ‪.1 -19 -119‬‬
‫‪5‬أنظر في هذا الصدد ق اررات منشورة عند خال د عالمي و عبد الغني بامو ‪ ،‬مرجع سابق‪ :‬قرار عدد‪ 310‬بتاريخ ‪ 1131 -31 -11‬في الملف‬
‫اإلداري عدد ‪ ( 1131 -1 -0-315‬الدولة ومن معها ضد مبارك الكامل ومن معه) ص ‪10‬؛ قرار عدد ‪ 1 -330‬بتاريخ ‪ 1131 -11 -13‬في‬
‫الملف اإلداري عدد ‪ ( 1131-1-0 -151‬المركز اإلستشفائي ابن رشد ضد العوني الحسين ومن معه) ص ‪13‬؛ قرار عدد ‪ 1 -13‬بتاريخ ‪-31‬‬
‫‪ 1130 -13‬في الملف اإلداري عدد ‪ ( 1131 -1-0 -3353‬الوكيل القضائي ضد عبد العزيزجبرون) ص ‪.313‬‬

‫‪511‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫بالموظف فإنه ال يصل إلى درجة الخطأ الجسيم‪ ،‬كما أن وصف المحاكم للخطأ بأنه جسيم‬
‫فإن ذلك ال يخرجه عن دائرة الخطأ المصلحي مادام أن جسامته لم تصل إلى درجة الخطورة‬
‫المبررة لتحميله للموظف‪.‬‬

‫ويبدو أن بعض أحكام القضاء العادي‪ 1‬وق اررات الغرفة المدنية لمحكمة النقض‪ 2‬عند‬
‫بتها في المسؤولية اإلدارية الطبية تطبق الفصلين ‪ 13‬و‪ 91‬من ق ‪.‬إ‪.‬ع تطبيقا سليما‪ ،‬على‬
‫عكس اتجاه القضاء اإلداري الذي تمت اإلشارة إليه سابقا‪.‬‬

‫ومن بين التطبيقات القضائية التي سايرت هذا المنحى ما جاء في حكم المحكمة‬
‫االبتدائية لوجدة الذي وضح بشكل صريح أن الخطأ الجسيم يندرج ضمن األخطاء الشخصية‬
‫بقولها" وحيث إن المحكمة بعد دراستها لملف النازلة وخاصة نتيجة الخبرة المأمور بها ‪ ..‬وقد‬
‫تبين لها أن ما أصاب المدعي من أضرار تمثلت في شلل وجهه يرجع باألساس إلى العملية‬
‫الجراحية التي أجراها الدكتور‪.‬‬

‫وحيث يظهر أن العالقة السببية بين فعل الدكتور وبين الضرر ثابتة‪ ،‬وأن المحكمة‬
‫وبما تتوفر عليه من سلطة تقديرية قد قررت اعتبار فعل الدكتور من قبيل األخطاء الجسيمة‬
‫عمال بمقتضيات الفصل ‪ 91‬من ق‪.‬إ‪.‬ع"‪.3‬‬

‫وتقوم كذلك فكرة الخطأ التدليسي على القيام بأعمال تدليسية يستعمل فيها العون أو‬
‫الموظف بالمرفق العام الطبي نزاوت شخصية موسومة بأعمال غير مشروعة هدفها اإلضرار‬
‫بالغير ويتحمل وحده نتائج فعله الضار‪ ،4‬ومن التطبيقات القضائية لهذه الحالة ما جاء في‬
‫قرار للمجلس األعلى‪ ( 5‬محكمة النقض حاليا) في تحديده للخطأ الشخصي بأنه خطأ غير‬

‫‪1‬‬
‫حكم المحكمة اإلبتدائية للقنيطرة بتاريخ ‪ 1131/31/39‬في الملف الجنحي رقم ‪ 1313/1111‬غير منشور؛‬
‫‪2‬‬
‫أنظر في هذا الصدد القرار عدد ‪ 1351‬الصادر بتاريخ ‪ 1113-33-10‬في الملف المدني عدد ‪( 1119-1-3-135‬الوكيل القضائي للمملكة‬
‫ومن معه ضد بوعزة) منشور عند عبد الكبير العلوي الصوصي‪ ،‬مرجع سابق ص ‪ 11‬إلى ‪11‬؛‬
‫‪3‬‬
‫حكم المحكمة اإلبتدائية بوجدة رقم ‪ 95 -1531‬بتاريخ ‪ 3393 -31-3‬في الملف رقم ‪ 93 -1311‬ورد عند جميلة بونيت‪ ،‬مسؤولية الدولة عن‬
‫الخطأ الطبي في ضوء االجتهاد القضائي‪ ،‬مرجع سابق ص ‪33‬؛‬
‫‪4‬محمد الحضري‪ ،‬أساس مسؤولية المتبوع في التشريع المدني المغربي‪ ،‬بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص‪ ،‬جامعة محمد‬
‫الخامس‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالجتماعية واالقتصادية‪ ،‬الرباط السنة الجامعية ‪ 3333-3331‬ص‪113‬؛‬
‫‪5‬‬
‫قرار عدد ‪ 1351‬بتاريخ ‪ 1113/33/10‬في الملف المدني عدد ‪ ( 1119/1/3/135‬الوكيل القضائي للمملكة ومن معه ضد بوعزة) منشور عند‬
‫عبد الكبير العلوي اللصوصي ‪ ،‬العمل القضائي في قضايا المسؤولية الطبية‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪ 11‬إلى ‪11‬؛‬

‫‪512‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫مطبوع بطابع الموظف أو المستخدم الشخصي وبأن ال تكون له عالقة إطالقا بعمله‬
‫الوظيفي أو يكون مندرجا في مهامه الوظيفية‪ ،‬ولكنه مع ذلك يكتسي قد ار من الجسامة‪ ،‬أو‬
‫ينطوي على عمد أو نية اإلضرار"‪.‬‬

‫ويشترط إذن في الخطأ الشخصي الناتج عن التدليس والمرتكب من قبل الموظف‬


‫بالمرفق العام الطبي‪ ،‬أن ينطوي على قصد سيء يخفيه لتحقيق أهداف شخصية ال عالقة‬
‫لها بالمجال الوظيفي‪ .‬وأمام إشكال كشف هذا النوع من الخطأ أو على األقل إثباته بأدلة‬
‫مادية وجيهة‪ .‬فإن السلطة التقديرية للقضاء اإلداري‪ 1‬تبقى مفتوحة لتحديد النية الحسنة أو‬
‫السيئة الموظف وذلك من خالل وقائع ومالبسات كل قضية عبر استحضار عالقة الفعل‬
‫المرتكب بطبيعة النشاط اإلداري وحدود خروجه عن واجبات الوظيفة‪.2‬‬

‫وقد يندرج الخطأ المبني على التدليس تحت طائلة القانون الجنائي‪ ،‬حيث كان العمل‬
‫القضائي المغربي في بداية األمر يربط وجود المتابعة الجرمية بتحقق المسؤولية‬
‫الشخصية‪ 3‬وبالتالي وجود الخطأ الشخصي التلقائي‪ .‬والعكس صحيح‪ ،‬أي أنه كان يربط‬
‫تواجد الخطأ الشخصي بقيام مسطرة جرمية‪ ،4‬ولعل هذه القاعدة تم اقتباسها من اجتهادات‬

‫‪1‬أنظر في هذا الصدد ق اررات منشورة لمحكمة النقض سبق التطرق إليها تعتمد على هذا االتجاه‪ :‬قرار عدد‪ 310‬بتاريخ ‪ 1131 -31 -11‬في‬
‫الملف اإلداري عدد ‪( 1131 -1 -0-315‬الدولة ومن معها ضد مبارك الكامل ومن معه)؛ قرار عدد ‪ 1 -330‬بتاريخ ‪ 1131 -11 -13‬في‬
‫الملف اإلداري عدد ‪( 1131-1-0 -151‬المركز اإلستشفائي ابن رشد ضد العوني الحسين ومن معه)؛ قرار عدد ‪ 1 -13‬بتاريخ ‪-13 -31‬‬
‫‪ 1130‬في الملف اإلداري عدد ‪( 1131 -1-0 -3353‬الوكيل القضائي ضد عبد العزيزجبرون )‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫صالح لمزوغي‪ ،‬المسؤولية المدنية الشخصية للموظف العمومي‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.331‬‬
‫‪3‬‬
‫‪« La condamnation prononcée par le juge pénal n’implique pas à elle seule que l’agent incriminé ait commis‬‬
‫‪une faute détachable de l’exercice de ses fonctions et susceptible d’engager sa responsabilité‬‬
‫‪personnelle »C.S.A 2 mai 1962, Mallogra ; RMD, 1962 p 858.‬‬
‫‪4‬‬
‫حيث جاء في إحدى حيثيات قرار الغرفة اإلدارية للمجلس األعلى عدد ‪ 350‬بتاريخ ‪ 1111-11-30‬منشور في بالمجلة المغربية لإلدارة المحلية‬
‫‪ 11-11‬شتنبر‪ -‬دجنبر ‪ ،1111‬ص ‪ " 311‬وحيث إن القرار اإلستئنافي الجنحي الصادر بتاريخ ‪ 1111-11 -33‬عن‬ ‫والتنمية‪ ،‬عدد مزدوج‬
‫محكمة اإلستئناف بمراكش في الملف رقم ‪ 0511‬أيد الحكم اإلبتدائي القاضي بإدانة كل من الممرض والطبيب من أجل القتل الخطأ الناتج عن‬
‫حقن الضحية بدم ليس من فصيلة دمها بسبب عدم تبصرهما وعدم احتياطهما وهو خطأ مادي جسيم وصل إلى حد ارتكابهما لجريمة تقع تحت‬
‫طائلة القانون الجنائي وال يندرج ضمن المخاطر العادية التي يتعرض لها الموظف في أداء عمله اليومي "‪ .‬هنا المجلس األعلى ألغى حكم‬
‫المحكمة اإلدارية بمراكش عدد‪ 31‬بتاريخ ‪ 1115/11/31‬سبق اإلشارة إليه والذي ورد في تعليلها " وحيث إن وفاة الهالكة ناجمة عن نفس الخطأ و‬
‫ذل ك في ظروف انعدمت فيها المراقبة وتدنت فيها الخدمات واختل فيها تسيير المرفق الصحي‪ ،‬وهي ظروف أتاحت بسهولة وسير ارتكاب مثل هذا‬
‫الخطأ‪ ،‬وحيث إنه والحالة هذه ‪ ،‬فإن الفعل الضار وإن كان يكتسي طابعا شخصيا كما جاء في الحكم الجنحي الذي حاز قوة الشيء المقضي به‪،‬‬
‫فإنه في نفس الوقت يشكل خطأ طبيا‪،‬ينسب أيضا إلى المستشفى‪ ،‬وتلزم اإلدارة بالتعويض عنه وحيث إنه نظ ار لطبيعة الفعل الضار‪ ،‬ومدى مساهمة‬
‫المرفق في إحداثه‪ ،‬ومراعاة ظروف الطرف المدعي‪ ،‬ومدى تأثير ذلك سلبيا على نفسيته وإعماال لسلتطها التقديرية ارتأت المحكمة أن تحكم على‬

‫‪513‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫القاضي الفرنسي الذي وضع معيا ار أساسيا للقول بأن الخطأ الجرمي هو خطأ شخصي‬
‫وذلك في حالتين‪:‬‬

‫‪ -‬الحالة األولى‪ :‬إذا ارتكب هذا الخطأ خارج المرفق؛‬


‫‪ -‬الحالة الثانية‪ :‬إذا ارتكب الخطأ داخل المرفق‪ ،‬وأن يظهر مرتكب هذا الخطأ نيته‬
‫في اإليذاء أو أن يكون هذا الخطأ جسيما وغير قصدي‪.‬‬

‫ولعل هذا المعيار حسب رأي األستاذ عبد الله حارسي‪ ،1‬قد تم تطبيقه بدون إشكاالت‬
‫في القانون المغربي‪ ،‬ألنه يتوافق مع المصطلحات التي استعملها المشرع المغربي في الفصل‬
‫‪ 91‬من ق‪.‬إ‪.‬ع للحديث عن الخطأ الشخصي ( التدليس‪ ،‬الخطأ الجسيم) وبالتالي ال يطبق‬
‫هذا الخطأ على كل حاالت األخطاء الجرمية‪.‬‬

‫إال أن القضاء المغربي تراجع عن اتجاهه القديم‪ ،‬حيث اعتبر أن تواجد أو غياب‬
‫الخطأ الجرمي ليس دائما دليال على تحقق المسؤولية الشخصية وبالتالي إعفاء مسؤولية‬
‫المرفق العام الطبي‪ ،‬حيث جاء في قرار حديث‪ 2‬صادر عن محكمة النقض " حيث استندت‬
‫المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه فيما انتهت إليه من إلغاء الحكم المستأنف القاضي‬
‫بالتعويض و الحكم تصديا برفض الطلب إلى علة مفادها أن (‪ )...‬ال يمكن القول بوجود‬

‫الدولة المغربية في شخص و ازرة الصحة بأن تؤدي للمدعي ‪ ..‬أصالة عن نفسه تعويضا معنويا قدره خمسون ألف درهم ‪ ،‬ونيابة عن ابنه القاصر‪،‬‬
‫تعويض معنويا مماثال"‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪Abdellah HARSI, la responsabilité administrative en droit Marocain, thèse de doctorat d’Etat en droit public,‬‬
‫‪faculté des sciences juridiques économiques et sociales à Fes, 1993 p 64.‬‬
‫‪2‬قرار عدد‪ 311‬بتاريخ ‪ 1131 -31 -11‬في الملف اإلداري عدد ‪ ( 1131 -1 -0-3113‬ورثة محمد العبوبي ضد مستشفى محمد الخامس‬
‫ومن معه) منشور عند خالد عالمي و عبد الغني بامو‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪53‬؛ نفس هذا التوجه سايره القرار رقم ‪ 93/155‬الصادر عن محكمة‬
‫االستئناف االدارية بالرباط بتاريخ ‪ 11‬أكتوبر ‪ 1113‬في الملف رقم ‪ ، 59/33/1119‬حيث جاء فيه " وحيث كان الثابت من معطيات النازلة أن‬
‫مؤدى دعوى المستأنف عليهم وأساسا الخطأ المبني على الجريمة ‪ ،‬على اعتبار أن الم مرضين المنسوب إليهم ما حدث للضحية وتسبب في ارتكاب‬
‫خطأ شخصي مبني على جريمة تتمثل في عدم تقديم مساعدة لشخص في حالة خطر‪ ،‬في قتل غير عمدي نتيجة إهمال‪ ،‬وأن ذلك تم بمستشفى‬
‫عمومي فإنه ال يعتبر خطأ شخصي منفصل عن الوظيفة‪ ،‬لذلك فهو يختلط بالخطأ المرفقي‪ ،‬مما تكون معه المسؤولية إدارية وليست مسؤولية‬
‫مدنية‪ ،‬ويبقى االختصاص نوعيا للبت في الدعوى منعقدا لجهة المحكمة اإلدارية ‪ "....‬قرار غير منشور أورده يونس الشامخي‪ ،‬تطور أسس‬
‫المسؤولية اإلدارية في ضوء االجتهاد القضائي اإلداري‪ -‬دراسة مقارنة‪ ، -‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية سال‪ ،‬السنة الجامعية ‪ 1135/1130‬ص‪15‬‬

‫‪514‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫خطأ جسيم من طرف المرفق الصحي في غياب ما يفيد أو يثبت أن إخراج المريض تم من‬
‫قبل الممرض (‪ )...‬السيما أنه لم يكن موضوع متابعة جنائية‪.‬‬

‫في حين أنه بالرجوع إلى وثائق الملف وخاصة محضر الضابطة القضائية يتبين بأنه‬
‫عند اإلستماع إلى الممرض (‪ )...‬فإنه صرح بأنه هو من سلم المريض الهالك إلى أخته‬
‫وأخيه لنقله والحال أنه كان في غيبوبة حسب تصريح سائق سيارة اإلسعاف ودون أخد رأي‬
‫الطبيب المعالج حسب شهادة الطبيبة (‪ )...‬وهي عناصر لم تتم مناقشتها للقول بوجود خطأ‬
‫من طرف الممرض المذكور أم ال‪ ،‬مدام أن مجرد عدم متابعته جنائيا فال ينفي حدوث خطأ‬
‫وظيفي أو شخصي في جانبه األمر الذي يجعل القرار ناقص التعليل وعرضة للنقض"‪.‬‬

‫وعموما‪ ،‬فإن القضاء اإلداري المغربي وضع ثالث قواعد أساسية لتحديد الخطأ الجسيم‬
‫أو الخطأ التدليسي وهي كاآلتي‪:‬‬

‫‪ -‬أن تقدير جسامة الخطأ ينبني على معرفة نشاط المرفق اإلداري والمخاطر التي‬
‫تواجه الموظف في مزاولة مهامه؛‬
‫‪ -‬الخطأ التدليسي هو الخطأ الذي يستعمل فيه العون نزوات شخصية غير‬
‫مشروعة الهدف منها اإلضرار بالغير؛‬
‫‪ -‬أن تواجد أو غياب الخطأ الجرمي ليس دائما دليال على تحقق المسؤولية‬
‫الشخصية وبالتالي إعفاء مسؤولية المرفق العام الطبي‪.‬‬

‫خاتمة‬

‫يشكل الخطأ الركيزة األولى للحديث عن مسؤولية المرفق العام الطبي‪ ،‬إال أن التمييز‬
‫الذي وضعه المشرع المغربي للتفرقة بين الخطأ المرفقي و الخطأ الشخصي‪ ،‬باعتبار األول‬
‫يرتبط بالمرفق والثاني ينسب للموظف‪ ،‬يبقى غير كاف من الناحية العملية والتطبيقية‪،‬‬
‫خاصة عند اجتماع الخطأ الشخصي و الخطا المرفقي‪ ،‬وهذا يرجع باألساس إلى عدم تحديد‬
‫معايير محددة وواضحة تفرق بين الخطأين من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى غياب تفعيل‬
‫مقتضيات المسؤولية الشخصية تطبيقا للفصل ‪ 91‬من ق إ ع‪ ،‬الشيء الذي يؤدي إلى‬

‫‪515‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫اللجوء إلى المسؤولية المرفقية المنصوص عليها في الفصل ‪ 13‬من ق إ ع أكثر من‬
‫المسؤولية الشخصية‪ ،‬وهذا المعطى االخير يتضح في اجتهادات القضاء اإلداري المغربي‪،‬‬
‫وينم كذلك عن تكريس حماية الموظف العمومي من إثارة مسؤوليته الشخصية‪.‬‬

‫لكن هذا التوجه األخير فيه إضرار بمالية الدولة على اعتبار أن جل التعويضات‬
‫المطالب بها والتي هي في األصل عبارة عن أضرار مرتكبة من قبل الموظفين بصفتهم‬
‫الشخصية سيتحملها المرفق‪ ،‬وعليه فالعبرة التي وضع من أجلها التمييز بين الخطأ المرفقي‬
‫والخطأ الشخصي من طرف المشرع المغربي في الفصلين ‪ 13‬و‪ 91‬من ق إ ع ستبقى بدون‬
‫جدوى أو فائدة تذكر‪.‬‬

‫‪516‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المسؤولية ا إالدارية لمرفق ك تابة الضبط بالمحاكم‬


‫في ضوء عمل القضاء ا إالداري‬
‫من إعداد الستاذ لحسن الزيتوني‪،‬‬
‫إطار بالوكالة القضائية للمملكة‬
‫تقديم‬
‫يقصد بالمسؤولية بشكل عام تحمل الشخص أو من يتولى رقابته واإلشراف عليه نتائج‬
‫وعواقب تصرفاته التي يأتيها بإرادة واعية منه‪ ،‬تكون السبب في إلحاق األذى بالغير‪ ،‬وبشكل‬
‫أدق فهي تعني‪ :‬المؤاخذ ة عن األخطاء والتصرفات التي تضر بالغير تجعل المخطئ مجب ار‬
‫على أداء التعويض للطرف المضرور وفق الشروط والضوابط التي يحددها القانون‪.‬‬

‫ويخضع مصطلح المسؤولية لعدة تقسيمات تختلف باختالف ميادين توظيفه فيها‪،‬‬
‫وبذلك‪ ،‬فهي تتخذ أكثر من داللة لغوية تتباين بحسب األوصاف التي تم إلحاقها بها‪ ،‬إال انه‬
‫يمكن اختزال هذه اإلطالقات في ثالثة أنواع‪ ،‬يتعلق أولها بالمسؤولية األخالقية التي ترتبط‬
‫بالقيم المجتمعية‪ ،‬ويكون جزاء مخالفتها استنكار الناس وعدم رضاهم على هذا التصرف بما‬
‫يؤثر ال محالة على نفسية المخالف ويجعله يحس بالخجل والندم على ما اقترف‪ .‬أما النوع‬
‫الثاني فيتعلق بالمسؤولية الجنائية التي تحدد جزاءات زجرية نتيجة تصرفات الشخص التي‬
‫يجرمها القانون كالقتل والسرقة‪ ،‬وبالتالي فهذه المسؤولية ترتبط بالعقاب وال تنفصل عنه‪،‬‬
‫وذلك لخطورة األفعال الجنائية ومساسها بالنظام العام‪ .‬أما النوع الثالث فهو ما تعلق‬
‫بالمسؤولية المدنية‪ ،‬هذه األخيرة وعكس الجنائية تهدف إلي حماية مصلحة خاصة يملك‬
‫المتضرر إمكانيات واسعة للتنازل عن حقه في التعويض عنها كال أو جزءا‪ ،‬وهي المسؤولية‬
‫التي نظمها المشرع المغربي بموجب الفصل ‪ 11‬من قانون االلتزامات والعقود وما يليه‪.1‬‬

‫‪1‬ينص الفصل ‪ 11‬من ق ل ع على ما يلي‪( :‬كل فعل ارتكبه اإلنسان عن بينة واختيار ومن غير أن يسمح به القانون فأحدث ضر ار ماديا أو‬
‫معنويا للغير التزم مرتكبه بتعويض هذا الضرر)‪.‬‬

‫‪517‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ومن خالل هذا الموضوع سأتطرق لموضوع المسؤولية المدنية‪ ،‬وخاصة ما تعلق منها‬
‫بمسؤولية موظفي هيئة كتابة الضبط الموضوعية (اإلدارية) بمناسبة القيام بمهامهم ووظائفهم‬
‫واستجالء موقف القضاء اإلداري منها‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬أساس المسؤولية اإلدارية لموظفي هيئة كتابة الضبط‬


‫الناتبة عن ممارسة وظائفهم أو بمناسبتها وشروط قيامها‬
‫يعتبر تحديد المهام الخاصة بكل قطاع وبكل إدارة أو مرفق عام‪ ،‬من أهم المرتكزات‬
‫التي يقوم عليها مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة‪ ،‬فكلما كانت المهام المنوطة بقطاع معين‬
‫على درجة عالية من الدقة والوضوح‪ ،‬إال وكان تحديد المسؤولية عن الجهة المخلة بالتزامها‬
‫أم ار سهال‪ ،‬وكلما كانت حدود هذه المهام واالختصاصات غير واضحة أو متشعبة ومتداخلة‪،‬‬
‫إال وكان تحديد الجهة المسؤولة عنه أم ار صعبا‪ ،‬بل قد يكون مبر ار للتملص من المسؤولية‬
‫واإلفالت من العقاب‪.‬‬

‫ومن خالل االطالع على المهام والوظائف المتنوعة والمتشعبة التي يتولى موظفو هيئة‬
‫كتابة الضبط القيام بها‪ ،‬يمكن الوقوف على حجم المسؤوليات التي يتحملها هؤالء الموظفون‬
‫بمناسبة القيام بوظائفهم أو بسببها‪ .‬وتنقسم هذه المسؤولية إلى قسمين رئيسيين فهي إما‬
‫مسؤولية شخصية يكون الموظف المخل بالتزاماته المهنية عرضة للمتابعة التأديبية‪ ،‬المدنية‬
‫في أحد شقيها إما المالي أو التقصيري‪ ،‬بل إن مسؤولية الموظف التابع لهيئة كتابة الضبط‬
‫قد تصل إلى حد المسؤولية الجنائية في بعض األحوال‪ ،‬أو مسؤولية موضوعية (إدارية)‬
‫تتحمل الدولة المسؤولية المدنية عنها طبقا لمقتضيات الفصل ‪ 13‬من ق ل ع بحكم تبعية‬
‫هذه الهيئة للقطاع الوزاري المكلف بالعدل‪ .‬وسنقتصر في هذا الموضوع على الشق المتعلق‬
‫بالمسؤولية اإلدارية لموظفي هذه الهيئة على أن نتطرق للمسؤولية الشخصية لهؤالء‬
‫الموظفين في موضوع الحق‪.‬‬

‫‪518‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الفقرة األولى‪ :‬أساس المسؤولية اإلدارية لمرفق كتابة الضبط‬

‫ال تشكل جميع األخطاء أو التصرفات المنافية للقانون التي قد يأتيها الموظف‬
‫العمومي بشكل عام‪ ،‬وموظفو هيئة كتابة الضبط بشكل خاص‪ ،‬أخطاء شخصية يتحملون‬
‫وحدهم تبعاتها وأثارها الضارة‪ ،‬بل إن من بين هذه األخطاء ما يكون لها طابع موضوعي‪،‬‬
‫يتحمل المرفق العام المسؤولية عنها‪ ،‬فما هو مفهوم هذه المسؤولية؟ وما هي أسسها؟ وهل‬
‫يمكن تمييز المسؤولية اإلدارية لموظفي هيئة كتابة الضبط عن مسؤولية موظفي باقي‬
‫المرافق التابعة للدولة؟‬

‫تلك مجموعة من التساؤالت التي سنحاول اإلجابة عنها من خالل ما يلي‪:‬‬

‫اتفق بعض الفقه على أن أساس المسؤولية اإلدارية هو حكم بالنكو الشهير الذي‬
‫أصدرته محكمة النزاعات بفرنسا بتاريخ ‪ 9‬فبراير ‪ ،3911‬وأسسوا لموقفهم بهذا الخصوص‬
‫على أساس أن المسؤولية التي يمكن أن تلقى على الدولة بخصوص أضرار الحقة بالخواص‬
‫من جراء عمل أشخاص تستخدمهم في المرفق العمومي ال يمكن أن تطبق عليها المبادئ‬
‫المنصوص عليها في القانون المدني بالنسبة لعالقات الخواص فيما بينهم‪ ،‬وهي الفكرة التي‬
‫تم تكريسها بشكل أكثر وضوحا بفضل االجتهاد القضائي الليبرالي لمجلس الدولة خالل سنة‬
‫‪ 3315‬في قرار توماس كريكو ‪ Tomas Brecco‬حيث أصبحت مسؤولية الدولة أم ار‬
‫مقبوال بسبب أخطائها الجسيمة التي يمكن أن تنتج عن األنشطة اإلدارية التي تطورت مع‬
‫الوقت‪ ،‬كما أن إقرار هذه المسؤولية مر بمرحلتين أساسيتين‪ ،‬مرحلة أولى استندت على شرط‬
‫الخطأ واجب اإلثبات‪ ،‬لتعقبها بعد ذلك مرحلة االعتراف بهذه المسؤولية اإلدارية وإقرارها حتى‬
‫بدون خطأ في صور وحاالت معينة‪ ،‬وبناء على نظريات قانونية مختلفة‪.‬‬

‫وبالنسبة للمغرب شكل قانون االلتزامات والعقود الصادر في عهد الحماية وبالضبط‬
‫سنة ‪ 3331‬أساس هذه المسؤولية اإلدارية استنادا إلى مقتضيات الفصل ‪ 13‬منه الذي‬
‫ينص على أن "الدولة والبلديات مسؤولة عن األضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها‪،‬‬
‫وعن األخطاء المصلحية لمستخدميها"‪.‬‬

‫‪519‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫واعتبا ار لكون هيئة كتابة الضبط تعتبر جها از إداريا تابعا للسلطة الحكومية المكلفة‬
‫بالعدل‪ ،‬فإن األخطاء المصلحية لموظفيها تخضع بدورها لنفس الشروط واألركان التي تشكل‬
‫أساس المسؤولية اإلدارية التقصيرية‪ ،‬غير أن موضوع مسؤولية موظفي كتابة الضبط‬
‫اإلدارية قد يعرف تحوال مهما في المستقبل وخاصة فيما يتعلق بالمهام غير اإلدارية التي‬
‫ترتبط ارتباطا وثيقا بالعمل ذو الطابع القضائي‪ ،‬وذلك على إثر تصريح المحكمة الدستورية‬
‫بموجب قرارها عدد ‪ 93/33‬بعدم دستورية بعض المقتضيات القانونية الواردة بمشروع قانون‬
‫التنظيم القضائي الجديد بموجب قرار صادر عنها‪.‬‬

‫وقد شكل هذا القرار مناسبة للمحكمة الدستورية من أجل تسليط الضوء على الموقع‬
‫المتميز الذي يحتله جهاز كتابة الضبط داخل منظومة العدالة‪ ،‬باعتباره جها از مساعدا‬
‫للقضاء‪ ،‬إذ خلصت في إحدى حيثيات هذا القرار أنه إلى جانب األعمال اإلدارية والمالية‬
‫لإلدارة القضائية‪ ،‬فإن هذه األخيرة (هيئة كتابة الضبط) تتميز عن باقي اإلدارات العمومية‬
‫في أدائها لعم موسوم بالطبيعة القضائية‪ ،‬وأن هذا الوضع يضفي خصوصية على نشاط‬
‫مرفق العدالة قياسا بباقي المرافق اإلدارية األخرى‪ ،‬مؤكدة أن قيامها بمجموعة من المهام من‬
‫قبيل تلقي الشكايات والمحاضر والمقاالت‪ ،‬تحرير االستدعاءات‪ ،‬حضور االستنطاق‪،‬‬
‫تحصيل الرسوم القضائية‪ ،‬أداء مهام التبليغ‪ ،‬المشاركة في هيئة الحكم‪ ،‬تحرير محاضر‬
‫الجلسات وعمل التنفيذ‪ ،‬أنها أعمال تندرج في خانة الولوج إلى العدالة وإجراءات التقاضي‪،‬‬
‫مما يسبغ صفة مساعدي القضاء على هيئة كتابة الضبط المشكلة للمورد البشري لإلدارة‬
‫القضائية‪.‬‬

‫وزيادة في بيان الدور المنوط بهيئة كتابة الضبط في الولوج للعدالة وعالقتها باإلدارة‬
‫القضائية‪ ،‬صرحت المحكمة الدستورية في حيثية أخرى من هذا القرار على أن العم‬
‫القضائ ي للنيابة العامة‪ ،‬يتوقف على عم كتابة الضبط لتدلير الشاايات الواردة عليها‬
‫ولتحرير محاضرها‪ ،‬ولتنفيذ األوامر الصادرة عنها‪ ،‬وهو عم يقتضي‪ ،‬من جهة‪ ،‬مراعاة‬
‫طبيعة عم كتابة الضبط لدى النيابة العامة المستمدة من خصوصية عم هذه األخيرة‪،‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬تبعية موظفي النيابة العامة للمسؤولين القضائيين‪ ،‬بحكم أن تنفيذ‬
‫السياسة الجنائية وسير النيابة العامة موكول طبقا للمادة ‪ 331‬من القانون التنظيمي المتعلق‬

‫‪520‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫بالمجلس األعلى للسلطة القضائية‪ ،‬لجهة قضائية تتمثل في الوكيل العام لدى محكمة النقض‬
‫رئيس النيابة العامة‪.‬‬

‫وأكثر من ذلك‪ ،‬وبشأ ن النقطة المتعلقة بتبعية جهاز كتابة الضبط لو ازرة العدل‬
‫باعتبارها جهة إدارية وسلطة مستقلة عن السلطة القضائية (المادة ‪ ،11‬الفقرتين الثالثة‬
‫واألخيرة من مشروع قانون التنظيم القضائي الذي أحيل على المحكمة الدستورية)‪ ،‬اعتبرت‬
‫المحكمة الدستورية أن المقتضيات المذكورة ستجعل من أحد أعضاء كتابة الضبط‪( ،‬الكاتب‬
‫العام) في أدائه لعمل ذي طبيعة قضائية‪ ،‬موضوع تحت سلطة ومراقبة السلطة التنفيذية‪،‬‬
‫وليس السلطة القضائية‪ ،‬وهو ما يشكل مسا باستقالل السلطة القضائية‪ ،‬وانتهاكا لمبدأ فصل‬
‫السلط‪ ،‬معتبرة وضعه تحت سلطة ومراقبة الوزير المكلف بالعدل‪ ،‬دون إخضاعه لسلطة‬
‫ومراقبة المسؤول القضائي خالل أداء مهام كتابة الضبط المندرجة في الشأن القضائي‪،‬‬
‫ومزاولته تلك المهام‪ ،‬مخالف للدستور‪.1‬‬

‫واعتمادا على ما تضمنه قرار المجلس الدستوري بشأن طبيعة المهام المسندة لهيئة‬
‫كتابة الضبط والعالقة العضوية لهذا الجهاز بمرفق القضاء وحق الولوج للعدالة‪ ،‬فإن‬
‫مسؤولية هذه الهيئة عن األخطاء المصلحية لموظفيها في هذا الشق قد تعرف تحوال مهما‬
‫في المستقبل من خالل إخضاعها لمقتضيات الفصل ‪ 311‬من الدستور الذي يستلزم قيامها‬
‫توفر كافة شروط المسؤولية التقصيرية‪ ،‬بدال عن الفصل ‪ 13‬من قانون االلتزامات والعقود‬
‫الذي يعتبر األساس العام المؤطر لمسؤولية الدولة عن تصرفاتها الضارة الذي والذي يجمع‬
‫بين المسؤولية بناء على الخطأ واجب اإلثبات والمسؤولية الموضوعية أو المفترضة التي‬
‫يمكن إقرارها ولو في غياب الخطأ من جانب المرفق العام‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬شروط قيام المسؤولية التقصيرية لموظفي كتابة الضبط‪:‬‬


‫يتفق الفقه والقضاء إلى جانب معظم التشريعات على تحديد الشروط التي يتعين توفرها‬
‫من أجل إقرار مسؤولية الدولة عن األخطاء المصلحية لموظفيها في ثالث‪ ،‬وهي الشروط‬
‫ذاتها التي تحدد من خاللها مسؤولية موظفي هيئة كتابة الضبط سواء باعتماد مقتضيات‬

‫‪1‬‬
‫قرار المحكمة الدستورية عدد ‪ 93/33‬م‪.‬د الصادر بتاريخ ‪ 1133/11/19‬في الملف ‪.103/33‬‬

‫‪521‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الفصل ‪ 13‬من قانون االلتزامات والعقود أو المادة ‪ 311‬من الدستور في حالة اعتبار‬
‫تصرفات هؤالء الموظفين متصلة باختصاص مرتبط بحق الولوج للعدالة أي التصرفات التي‬
‫يمكن أن تدخل في خانة األخطاء القضائية‪ ،‬والمتجلية في الخطأ واجب اإلثبات‪ ،‬والضرر‬
‫المحقق والقابل للتعويض إلى جانب قيام عالقة سببية مباشرة بين الشرطين األوليين‪،‬‬
‫وسنتناول هذه الشروط في النقط التالية‪:‬‬
‫أ‪ -‬شرط الخطأ‬
‫يشكل الخطأ أول شروط قيام المسؤولية التقصيرية اإلدارية‪ ،‬وقد عرفه المشرع المغربي‬
‫بموجب الفصل ‪ 19‬من قانون االلتزامات والعقود‪ .1‬وهو بذلك يتشكل من عنصرين األول‬
‫مادي يتمثل في حصول الفعل الموجب لتحمل المسؤولية‪ ،‬والثاني معنوي وهو إمكانية نسبة‬
‫فعل التعدي إلى جهة مسؤولة في نظر القانون‪ ،‬وهذا يعني أن المخطئ ال يحاسب عن فعله‬
‫إال إذا كان مدركا تمام اإلدراك لعواقب الفعل الذي أقبل على ارتكابه‪.2‬‬

‫هذا العنصر المادي للخطأ يمكن أن يكون إيجابيا أو سلبيا‪ ،‬وال يكون الشخص متعديا‬
‫حسب القانون‪ ،‬إال إذا أخل بااللتزامات التي يفرضها عليه القانون أو العرف‪ ،‬وتسبب ذلك‬
‫في ضرر‪ ،‬وقد أشار المشرع المغربي إلى الركن المادي للفعل الضار في الفصلين ‪ 11‬و‬
‫‪ 19‬من قانون االلتزامات والعقود‪.3‬‬

‫من خالل الربط بين الفصلين السابقين يتبين لنا أن شرط اإلخالل بااللتزامات القانونية‬
‫هو الذي يشكل العنصر المادي للخطأ‪ ،‬سواء كان هذا األخير مقصودا في ذاته (التعدي) أو‬
‫حصل عن طريق اإلهمال أو التقصير‪ ،‬فمهما تسببت هذه األفعال في حصول ضرر للغير‪،‬‬
‫إال ويلزم مرتكبها بأداء التعويض للطرف المضرور‪ ،‬كما يلزم في الشخص المخطئ أن‬
‫يكون مدركا لنتائج أفعاله‪ ،‬وال فرق في ذلك بين أن يكون الفعل مقصودا في ذاته بأن يصدر‬
‫عن بينة واختيار من صاحبه‪ ،‬أو أن يكون قد حصل عن طريق اإلهمال والتقصير‬

‫‪ 1‬الخطأ حسب الفصل ‪ 19‬من ق ل ع هو‪ :‬ترك ما كان يجب فعله أو فعل ما كان يجب اإلمساك عنه وذلك من غير قصد إلحداث الضرر‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫عبد القادر العرعاري‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.10‬‬
‫‪3‬ينص الفصل ‪ 11‬من ق ل ع علىأن "كل فعل ارتكبه اإلنسان عن بينة واختيار ومن غير أن يسمح له به القانون فأحدث ضر ار ماديا أو معنويا‬
‫للغير التزم مرتكبه بتعويض هذا الضرر‪ .‬أما الفصل ‪ 19‬فقد جاء فيه ما يلي‪" :‬كل شخص مسئول عن الضرر المعنوي أو المادي الذي أحدثه ال‬
‫بفعله فقط ولكن بخطئه وذلك عندما يثبت أن هذا الخطأ هو السبب المباشر في ذلك الضرر‪.‬‬

‫‪522‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المتسببين في وقوع النتيجة الضارة‪ ،‬وذلك لصعوبة تحديد أي من هذين الوصفين بمناسبة‬
‫تكييف هذا الخطأ‪ ،‬ولكون النتيجة المترتبة عن ذلك واحدة‪.‬‬

‫أما بخصوص نسبة الخطأ للشخص المعنوي‪ ،‬فقد تم التسليم بأن األشخاص المعنوية‬
‫العامة تسأل مدنيا عن األضرار التي يتسبب فيها األشخاص الطبيعيون الذين يشتغلون‬
‫لحسابها‪ ،‬ذلك أن اإلدارة ال تخطئ إال بواسطة العاملين بها‪ ،‬والخطأ الذي يقع ال يمكن‬
‫توصيفه بهذا الوصف إال بتحقق جملة من الشروط‪ ،‬وبتوفرها ينسب الخطأ إلى المرفق‬
‫مباشرة‪ ،‬ألنه يفترض أنه هو الذي قام بنشاط يخالف القانون‪ ،‬لكون مسؤولية المرفق العام‬
‫هنا تعتبر مسؤولية أصلية غير تبعية‪ ،‬وبالتالي تقع الدعوى مباشرة على المرفق أمام القضاء‬
‫اإلداري دون حاجة إلى توجيهها ضد الموظف مرتكب الخطأ‪ ،‬ويكون التعويض من األموال‬
‫العامة‪ ،‬أي أن المرفق ذاته هو الذي يعتبر متسببا في الضرر حتى لو قام به أحد الموظفين‪،‬‬
‫ألنه لم يؤد الخدمة العامة على الوجه المطلوب وتتمثل أهم الشروط التي ينبغي أن تتوفر‬
‫فيها العتباره خطأ مرفقيا في‪:‬‬

‫‪ -‬أن يكون الخطأ ثابتا بناء على الوسائل والكيفيات التي يحددها القانون؛‬
‫‪ -‬أن يصدر الخطأ عن موظف تابع لمرفق عمومي معين أثناء مباشرة مهامه أو‬
‫بسببها ولو كان موظفا فعليا؛‬
‫‪ -‬أن ينسب الخطأ إلى المرفق العمومي‪ ،‬وليس إلى جهة أجنبية عنه‪ ،‬أو إلى‬
‫الموظف الذي ارتكبه (إذا كان خطؤه في هذا الباب جسيما يسأل عنه بناء على‬
‫مقتضيات الفصل ‪ 91‬من ق ل ع)؛‬
‫‪ -‬أن يكون التصرف المعتبر خطأ مرتبطا بنشاط يدخل ضمن اختصاص تدبير‬
‫المرفق العمومي؛‬
‫‪ -‬أن تكون قواعد المسؤولية الناجمة عنه مستقلة عن قواعد المسؤولية المدنية‬
‫المعروفة في القانون الخاص‪.‬‬

‫وبذلك فإن األخطاء التي تصدر عن الموظفين والعاملين بالمرافق التابعة للدولة والتي‬
‫يختل فيها أحد هذه الشروط تعتبر الدولة غير مسؤولة عنها‪.‬‬

‫‪523‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ويقسم الفقه والقضاء صور الخطأ المرفقي في ثالث وهي‪ ،‬أداء المرفق للخدمة على‬
‫وجه سيء‪ ،‬عدم أدائه لها بالمرة‪ ،‬وإما التباطؤ والتراخي في أداء الخدمة‪.‬‬

‫ب‪ -‬شرط الضأأأأأأأأأرر‬


‫‪ ‬مفهومه‬

‫إذا كان الخطأ شرطا أساسيا لقيام المسؤولية التقصيرية‪ ،‬فإن شرط الضرر المترتب‬
‫عنه ال يقل أهمية عنه‪ ،‬وأساس هذا الطرح أنه حتى مع قيام شرط الخطأ من جانب اإلدارة‪،‬‬
‫فإذا لم يترتب عنه أي ضرر‪ ،‬فإنه ال مجال للحديث عن مسؤولية الدولة عن أخطائها بشأنه‪.‬‬

‫وفي سبيل تحديد معالم هذا الشرط واألمور التي يتعين أخذها بعين االعتبار بمناسبة‬
‫تقدير التعويض الناتج عنه‪ ،‬فقد أفرده المشرع بمقتضيين قانونيين غاية في األهمية‪ ،‬تولى في‬
‫أحدهما تعريف الضرر‪ ،‬وفي الفصل اآلخر بيان األمور التي يتعين أخذها بعين االعتبار‬
‫بمناسبة تقديره‪ ،‬وهما الفصلين ‪ 11‬و‪ 39‬من ق ل ع‪.1‬‬

‫وبقراءة متأنية لهذين الفصلين‪ ،‬نجد المشرع قد حدد تعريفا للضرر الذي يتسبب فيه‬
‫الشخص الطبيعي دون المعنوي سواء كان خاصا أو عاما‪،2‬‬

‫ويق سم الضرر إلى نوعين‪ ،‬فهو إما ضرر مادي يصيب الشخص في بدنه أو ملكه أو‬
‫مركز قانوني يحميه القانون‪ ،‬وعموما كل أمر ذو طابع مادي يمكن أن يكون محال‬
‫للتعويض‪ ،‬وإما ضرر معنوي يصيب المضرور في أمور ليست لها طابع مادي كاألحاسيس‬
‫والسسمعة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫عرف الفصل ‪ 39‬الضرر بما يلي‪ :‬الضرر في الجرائم وأشباه الجرائم هو الخسارة التي لحقت المدعى فعال والمصروفات الضرورية التي اضطر‬
‫وسيضطر إلى إنفاقها إلصالح نتائج الفعل الذي ارتكب أض ار ار به‪ ،‬وكذلك ما حرم منه من نفع في دائرة الحدود العادية لنتائج هذا الفعل ويجب‬
‫على المحكمة أن تقدر األضرار بكيفية مختلفة حسبما تكون ناتجة عن خطأ المدين أو تدليسه‪.‬‬
‫‪2‬لعل هذا األمر راجع باألساس إلى كون المشرع لم يهتم أصال بموضوع الضرر في حد ذاته‪ ،‬أو للجهة المتسبب فيه‪ ،‬بل أعطى األولوية فقط لقيام‬
‫ركن العالقة السببية بين هذا الضرر والخطأ المتسبب فيه‪ ،‬من أجل تحديد قيمة التعويض المناسب لجبره‪.‬‬

‫‪524‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪ ‬شروطه‬
‫كيفما كان الضرر ماديا أو معنويا‪ ،‬فإنه ال يكون قابال للتعويض إال إذا توفرت فيه‬
‫شروط معينة‪ ،‬وهي الشروط التي تحتل مكانة أساسية في تكييف الضرر وفي دفع المسؤولية‬
‫عن اإلدارة أو إقرارها‪ ،‬وأهمها‪:‬‬

‫* أن ياون الضرر محققا‬

‫يعني أن يكون مؤكدا وأن يؤسس على أساس الضرر الواقع فعال‪ ،‬أما الضرر المحتمل‬
‫أو المفترض فال يعوض عنه‪ .1‬غير أن هذا الشرط يدفعنا للتساؤل عن مصير الضرر‬
‫المستقبلي‪ ،‬وما إذا كان من الممكن التعويض عنه إذا ثبت للمحكمة ما يؤكد أن هذا الضرر‬
‫كان له اتصال مباشر بفعل التعدي‪ ،‬وأهم ما يتمثل في الضرر المستقبلي هو حالة تفاقم‬
‫الضرر‪ ،‬بحيث يتولد للمضرور عجز الحق بعد صدور الحكم الفاصل في جوهر‬
‫التعويضات األصلية‪ ،‬وهو لهذا السبب يختلف عن الضرر االحتمالي الذي يكون وقوعه‬
‫محال للشك‪ ،‬ال يكون موجبا للتعويض‪ ،‬وال يعطي الحق في اقتضاء التعويض وال يمكن أن‬
‫يؤسس على الخشية أو الشك والخطر والتهديد‪.2‬‬

‫* أن ياون الضرر مباش ار‬

‫إن الضرر الذي يؤخذ بعين االعتبار عند تقدير التعويض هو الذي يتولد بصورة‬
‫مباشرة عن الفعل الضار‪ ،‬أي أن يكون النتيجة الطبيعية للفعل‪ ،‬ويترتب على مخالفة ذلك‬
‫عدم استحقاق التعويض‪ ،‬وقد نص المشرع المغربي على ذلك صراحة في الفصل ‪ 11‬ق ل‬
‫ع‪.‬‬

‫* أن ياون الضرر شخصيا‬

‫سواء كان الضرر ماديا أو معنويا‪ ،‬فإنه يشترط فيه أن يكون شخصيا‪ ،‬وهذا يعني أن‬
‫المطالبة بالتعويض حق للمضرور عن الضرر المباشر وحده الرتباط ذلك بمصلحته‪ ،‬إذ كما‬

‫‪1‬ماجد راغب الحلو‪ :‬الدعاوي االدارية‪ :‬دعوي االلغاء والتعويض والتاديب‪ ،‬طرق الطعن في االحكام االدارية (‪ ،)1110‬ص ‪.193‬‬
‫‪2‬شريف احمد الطباخ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.110‬‬

‫‪525‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫هو معلوم فإن المصلحة هي مناط الدعوى‪ ،‬وال يشترط في المضرور أن يكون شخصا‬
‫طبيعيا فهو قد يكون شخصا اعتباريا أيضا كالشركات والجمعيات والمؤسسات العمومية‪.‬‬

‫وإذا كانت القاعدة العامة تنص على اقتصار التعويض على الشخص المضرور بكيفية‬
‫مباشرة‪ ،‬إال أنه ليس هناك ما يمنع من تمديد نطاق التعويض ليشمل أشخاصا آخرين‬
‫يرتبطون بالمصاب بمقتضى عالقات قانونية كالزواج أو االلتزام بالنفقة على شخص معين‬
‫خاصة عندما يتوفى هذا المنفق‪.‬‬

‫* أن ينصب على مركز اانوني جدير بالحماية‬


‫إن مجرد االعتداء على الحقوق ال يترتب عليه دائما وبشكل آلي ضرر يقتضي‬
‫التعويض‪ ،‬بل يجب أن يكون الضرر قد وقع على حق مقرر شرعا‪ ،‬أو على مركز مشمول‬
‫بالحماية القانونية‪ ،‬وال يمكن أن يمتد هذا التعويض إلى األضرار التي تنصب على الحقوق‬
‫التي ال يشملها القانون بالحماية‪.‬‬

‫ج‪ -‬العالاة السببية لين الخطأ والضرر‬


‫تعد العالقة السببية من الشروط األساسية لقيام المسؤولية التقصيرية‪ ،‬والتي يلزم توفرها‬
‫وجود خطأ وضرر‪ ،‬أي أنه يتوجب على مدعي قيام أركان هذه المسؤولية إقامة الدليل على‬
‫كون الضرر المطلوب التعويض عنه متولدا عن الخطأ المنسوب للشخص المسؤول مباشرة‪.‬‬

‫ويعد موضوع العالقة السببية بين الخطأ والضرر من المواضيع المعقدة‪ ،‬وذلك ألن‬
‫الضرر الواحد قد ينشأ عن عدة أسباب ساهمت من قريب أو من بعيد في حصوله‪ ،‬إذ منها‬
‫ما يستغرق فيها مفعول أحد هذه األسباب لبعضها اآلخر‪ ،‬ومنها ما يتعادل فيها تأثير هذه‬
‫األسباب على نشوء الضرر الواحد‪ ،‬وبالمقابل نجد أن السبب الواحد قد يؤدي إلى تسلسل‬
‫األضرار المترتبة عنه وهي معطيات لها تأثير على قيمة التعويض وعلى تحمله من مختلف‬
‫المتسببين في الضرر كل على قدر مساهمته فيه‪.‬‬

‫د‪ -‬أسباب اإلعفاء من المسؤولية اإلدارية ودفعها‬


‫إن تحقق شروط المسؤولية اإلدارية التقصيرية ال يؤدي دائما وبالضرورة إلى تحميل‬
‫المرفق العام المعني بها المسؤولية كال أو جزء من طرف القضاء‪ ،‬بل قد تقوم أساب يمكن‬

‫‪526‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫أن تستند عليها اإلدارة إما لنفي المسؤولية عنها وهي األسباب التي تتعلق إما بالقوة القاهرة‬
‫والحادث الفجائي أو دفعها إما بثبوت خطأ المضرور أو خطأ الغير‪ ،‬وإما المطالبة بتشطيرها‬
‫بين مختلف المتسببين في الضرر والمطالبة بتحميل كل مساهم فيه التعويض عنه على قدر‬
‫مساهمته فيه‪.‬‬

‫وبذلك يشكل موضوع دفع المسؤولية اإلدارية التقصيرية عن اإلدارة محو ار مهما ومنفذا‬
‫إلعفائها من أداء التعويض الالزم لجبره‪ ،‬أو على األقل التخفيف من حجم التعويضات التي‬
‫يمكن الحكم عليها بها‪.‬‬

‫بعد مناقشة مختلف صور المسؤولية لموظفي هيئة كتابة الضبط اإلدارية‪ ،‬وبيان‬
‫شروطها قيامها‪ ،‬وحاالت اإلعفاء منها ودفعها‪ ،‬في الشق األول من هذا الموضوع‪ ،‬سنتناول‬
‫في الشطر الثاني منه موقف القضاء من المسؤولية اإلدارية لموظفي كتابة الضبط‪ ،‬متخذين‬
‫من موضوع المسؤولية عن أعمال التنفيذ نموذجا لذلك وذلك بالنظر لما لهذه المرحلة من‬
‫مراحل التقاضي من أثر على حقوق المتقاضين‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬موقف القضاء من المسؤولية اإلدارية لموظفي كتابة‬


‫الضبط (المسؤولية عن أعمال التنفيذ نموذجا)‬
‫يباشر موظفو هيئة كتابة الضبط مجموعة من المهام التي تكتسي في غالبها طابع‬
‫التشعب إلى حد التداخل في بعض األحيان بين ما كان منها ذو طابع إداري بما يكتسي‬
‫الصبغة القضائية‪ ،‬وبهذه المناسبة قد يكون هؤالء الموظفون عرضة الرتكاب أخطاء مهنية‬
‫يجعل الدولة محال للمساءلة عنها‪ ،‬وسنقتصر في هذا الشق من الموضوع على التطرق‬
‫لمسؤولية موظفي هذه الهيئة المرتبطة بأعمال التنفيذ بالنظر ألهميتها الخاصة ولما أثير‬
‫بشأنها من نقاش ومن ازعات أمام القضاء المختص‪ ،‬على أن نناقش في وقت الحق جوانب‬
‫أخرى من المهام الموكلة لهذه الهيئة‪.‬‬

‫تعد مرحلة تنفيذ األحكام القضائية من أهم المراحل التي يعرفها سير الدعاوى‪ ،‬إن لم‬
‫نقل الغاية من اللجوء للقضاء واستصدار األحكام‪ ،‬وتلعب هيئة كتابة الضبط دو ار مهما في‬

‫‪527‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫تنفيذ األحكام القضائية‪ ،‬وخاصة غير الزجرية منها أي الصادرة في القضايا المدنية‪ ،‬التجارية‬
‫واإلدارية‪.‬‬

‫وأثناء قيامها بهذه المهمة (هيئة كتابة الضبط)‪ ،‬قد يرتكب الموظفون التابعون لها‬
‫أخطاء مهنية تدفع المتضررين منها إلى مقاضاة اإلدارة من أجل جبر مختلف األضرار التي‬
‫قد يتعرضون لها بسبب هذه األخطاء‪ ،‬وسنتولى في هذا الشق استجالء موقف القضاء من‬
‫األخطاء الصادرة عن موظفي هيئة كتابة الضبط بمناسبة مباشرتهم المهام المتعلقة بالتنفيذ‬
‫باعتماد صور الخطأ المرفقي كما حددناها سابقا‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬موقف القضاء من األخطاء المتعلقة بسوء التنفيذ (أداء‬


‫الخدمة على وجه سيء)‬
‫تناولنا في المبحث السابق ركن الخطأ وأوضحنا أنه يصنف إلى ثالثة أصناف يشكل‬
‫سوء أداء المرفق للخدمات أهم صنف منها‪ ،‬وبذلك فإن جل المنازعات القضائية تتعلق به‪،‬‬
‫وتعد األخطاء اإلدارية المتصلة بتنفيذ األحكام من بين هذا الصنف وسنتطرق لموقف‬
‫القضاء منه اعتمادا على نموذج (التنفيذ عن طريق البيع بالمزاد العلني) وقبل ذلك سنتناول‬
‫أهم المقتضيات القانونية المنظمة لمسطرة البيع بالمزاد العلني واألمور التي ينبغي على هيئة‬
‫كتابة الضبط احترامها والتقيد بها بهذه المناسبة‪ ،‬والوقوف على أهم األخطاء التي تعتري‬
‫تطبيق هذه المسطرة‪.‬‬

‫أ‪ -‬المقتضيات المنظمة لمسطرة البيع عن طريق المزاد العلني‬


‫تعد مسطرة البيع بالمزاد العلني للعقارات في إطار التنفيذ الجبري مسطرة دقيقة ومتعددة‬
‫اإلجراءات‪ ،‬ولذلك حدد المشرع المغربي إجراءاتها وشروطها استنادا إلى الفصول ‪،013‬‬
‫‪ 003 ،001 ،013‬و‪ 011‬من ق م م والفصل الثاني من ظهير ‪ 3310/11/35‬المتعلق‬
‫بالتنظيم القضائي‪ ،‬وأناط بكتابة الضبط بالمحكمة االبتدائية التي أصدرت الحكم‪ ،‬القيام‬

‫‪528‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫بإجراءات التنفيذ بطلب من المحكوم له‪ ،‬أو من ينوب عنه في كل قرار أصبح نهائيا‪ ،‬وأعطاه‬
‫المشرع حق التنفيذ‪.1‬‬

‫واستنادا إلى المقتضيات المتعلقة بمسطرة تنفيذ األحكام‪ ،‬يتم إشعار المنفذ عليه من‬
‫طرف العون المكلف بالتنفيذ بالحكم موضوع التنفيذ‪ ،‬ويتعين عليه بناء على هذا اإلخطار إما‬
‫القيام بالتنفيذ مباشرة بشكل طوعي‪ ،‬وإال فإنه يتم إمهاله للقيام بالتنفيذ أو التعبير عن نواياه‬
‫داخل أجل يحدده ال مكلف بالتنفيذ‪ ،‬وفي حالة امتناعه يمكنه اللجوء إلى مساطر التنفيذ‬
‫الجبري‪ ،‬ومن ضمنها مسطرة بيع عقارات المدين عن طريق المزاد العلني‪ ،‬وهي المكنة‬
‫القانونية التي يشترط من أجل اللجوء إليها سلوك مجموعة من اإلجراءات والمساطر‬
‫القضائية‪ ،‬وفي مقدمتها تحرير محضر باالمتناع عن التنفيذ‪ ،‬وبعدم وجود ما يمكن حجزه من‬
‫منقوالت أو عدم كفايتها لتغطية الدين موضوع التنفيذ‪ ،‬ما عدا إذا كان المدين مستفيدا من‬
‫ضمان عيني‪ ،‬يليه إجراء حجز تحفظي على العقار‪ ،‬وتحويله بعد ذلك إلى حجز تنفيذي بناء‬
‫على أوامر قضائية‪،‬وتتم جميع هذه اإلجراءات وفق الفصل ‪ 013‬وما يليه من ق م م‪.‬‬

‫بعد إيقاع الحجز العقاري أو انصرام أجل الشهر المنصوص عليه في الفقرة األخيرة من‬
‫الفصل ‪ 013‬من ق م م‪ ،‬يقوم عون التنفيذ بتهييء دفتر التحمالت بإجراء اإلشهار على نفقة‬
‫الدائن وبناء على إعالن عن المزاد يحدد بموجبه تاريخ افتتاحه وإيداع محضر الحجز ووثائق‬
‫الملكية وشروط البيع بكتابة الضبط‪.‬‬

‫بعد استنفاذ جميع هذه اإلجراءات القانونية والقضائية‪ ،‬يتم بيع العقار عن طريق‬
‫السمسرة العمومية بعد سلوك المراحل التالية‪:‬‬

‫مرحلة إعداد العقار للبيع‬

‫خالل هذه المرحلة‪ ،‬يتولى عون التنفيذ تهييء العقار للبيع بتحرير دفتر التحمالت‬
‫الذي يحدد من خالله‪ ،‬أسماء األطراف‪ ،‬السند التنفيذي والتبليغات السابقة‪ ،‬تاريخ الشروع في‬
‫تلقي العروض‪ ،‬تاريخ إجراء السمسرة العلنية‪ ،‬ما يوضح من خالله العقار موضوع مسطرة‬

‫‪1‬‬
‫مس طرة البيع بالمزاد العلني ومسطرة التوزيع بالمحاصة‪ ،‬ذان عبد العاطي الدربالي وعبد المنعم الشاكي‪ ،‬مجلة الملحق القضائي‪ ،‬العدد ‪ ،19‬مارس‬
‫‪ ،1115‬ص ‪.0‬‬

‫‪529‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫البيع ومشتمالته وما له من حقوق وما عليه من أعباء وفق ما هو مدون برسمه العقاري إذا‬
‫كان محفظا أو وفق ما هو مدون في رسم الملكية إذا كان غير محفظ‪.‬‬

‫ومن بين اإلجراءات المهمة التي يتعين على عون التنفيذ الحرص على القيام بها‪،‬‬
‫وهي الخبرة التقييمية التي يتم بواسطتها تحديد الثمن االفتتاحي للعقار‪ ،‬ويشترط فيها أن‬
‫تنصب على العقار موضوع البيع بالسمسرة العمومية‪ ،‬وأن يتم اعتماد الخصائص التي يتمتع‬
‫بها العقار من موقع ومساحة ومواصفاته الخاصة به (قطعة أرضية عارية‪ ،‬عقار مستقل‪،‬‬
‫فيال‪ ،‬شقة‪ ،‬بمنطقة تجارية أو سكنية ‪ )...‬في التقييم وذلك بالنظر لتأثيرها البين على الثمن‬
‫االفتتاحي وعلى إقبال المتنافسين عليه من عدمه‪.‬‬

‫مرحلة اإلعالن عن البيع‬

‫بعد أن يتم تبليغ المحضر التنفيذي العقاري إلى المنفذ عليه المالك للعقار وشركائه إن‬
‫وجدوا والمؤجرين والمزارعين والحائزين وكل من له حق امتياز أو رهن على العقار يهيئ‬
‫عون التنفيذ اإلعالن عن المزاد ويبلغ للعموم بالتعليق‪ 1‬باألماكن والشكل الذي حدده المشرع‬
‫بموجب الفصل ‪ 010‬من ق م م‪.‬‬

‫مرحلة تلقي العروض‬

‫طبقا للفقرة األخيرة من الفصل ‪ 010‬من ق م م يتولى عون التنفيذ تلقي العروض‬
‫بالشراء إلى حين إقفال محضر المزاد‪ ،‬ويتولى تثبيتها حسب ترتيبها التاريخي في أسفل‬
‫محضر الحجز‪ .‬غير أن قيام عون التنفيذ بجميع هذه اإلجراءات ال يمكن في جميع األحوال‬
‫أن يحول دون قيام المنفذ عليه بأداء ما بذمته من دين قبل بداية عملية السمسرة‪ ،‬وألجل‬
‫ذلك‪ ،‬ومن باب حماية حقوقه بهذا الشأن فقد أوجب المشرع بمقتضى الفقرة الثانية من الفصل‬
‫‪ 011‬من ق م م على ضرورة إشعار عون التنفيذ المنفذ عليه ومن يقوم مقامه بالموعد‬
‫المحدد إلجراء السمسرة العمومية واستدعاءه لحضورها داخل أجل محدد‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫مسطرة البيع بالمزاد العلني ومسطرة التوزيع بالمحاصة مرجع سابق ص ‪.330-331‬‬

‫‪530‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫مرحلة السمسرة العمومية‬

‫نظم المشرع هذه المرحلة بموجب الفصلين ‪ 011‬و‪ 019‬من ق م م‪ ،‬وقبل الشروع فيها‬
‫يتأكد عون التنفيذ مما إذا كان المنفذ عليه قد بادر إلى أداء ما بذمته‪ ،‬وفي حالة عدم تحقق‬
‫هذا األمر يفتتح المزاد بناء على الثمن األساسي المحدد للسمسرة بدفتر التحمالت وتقفل بعد‬
‫تقديم أعلى عرض من طرف المتنافسين يعلن خاللها الراسي عليه المزاد‪ .‬ويحرر محضر‬
‫هذا اإلرساء‪ ،‬وبعد أداء هذا األخير لقيمة العقار إضافة إلى مصاريف البيع يعتبر محضر‬
‫رسو المزاد بمثابة سند الملكية يقوم على ضوئه بكافة اإلجراءات القانونية الناقلة للملكية‪.‬‬

‫ب‪ -‬موقف القضاء من المنازعات المتعلقة لبيع العقارات عن طريق‬


‫السمسرة العمومية‬
‫وإن كانت المسطرة التي حددها المشرع من أجل بيع العقارات عن طريق المزاد العلني‬
‫واإلجراءات التي نص عليها المشرع محددة بشكل واضح ودقيق‪ ،‬إال أن التعامل الواقعي مع‬
‫هذه اإلجراءات أفرز جملة من المنازعات في هذه المسطرة مما جعلها مختلة من الناحية‬
‫القانونية في بعض األحيان لعدم تقيد عون التنفيذ ببعض اإلجراءات التي حددها القانون‪،‬‬

‫وقد عرضت على القضاء مجموعة من النوازل تتعلق بالطعن في مسطرة البيع بالمزاد‬
‫العلني‪ ،‬واستصدر أصحابها أحكاما ببطالن هذه المسطرة وإلغاء البيوع التي تمت‪ ،‬مما أثر‬
‫سلبا على حقوق الراسية عليهم هذه المزايدات وذلك لتضرر بعضهم من هذه المساطر بسبب‬
‫خروج العقارات من أيديهم‪ ،‬أو لعدم توصلهم بمقابل االقتناء أو المصاريف التي تم إنفاقها‬
‫من أجل نقل الملكية أو إصالح هذه العقارات‪ ،‬وإما لعدم وضع يدهم على مجموع العقار‬
‫موضوع االقتناء‪ ،‬وما إلى ذلك من األضرار التي قد تتصل بهذا الموضوع‪ .‬وبسبب هذه‬
‫األضرار عمدوا إلى مقاضاة اإلدارة في إطار المطالبة بالتعويض عنها‪ ،‬على اعتبار أن هذه‬
‫األضرار مردها باألساس ارتكاب عون التنفيذ لخطأ مصلحي‪.‬‬

‫وسنقف على صور الخطأ التي تمسك بها المتضررون منها‪ ،‬واستندوا إليها في‬
‫المطالبة بالتعويض ومن بينها ما يتعلق بعدم القيام بخبرة تقويمية أو اعتماد خبرة تقويمية ال‬
‫تتحقق فيها المواصفات المطلوبة‪ ،‬ومن صور هذا الخطأ ما تعلق بعدم إشعار المنفذ عليه‬

‫‪531‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫بتاريخ إجراء السمسرة العمومية وعدم استدعائه من أجل حضورها‪ ،‬ومنها ما ارتكز على‬
‫اعتماد حكم غير قابل للتنفيذ في القيام بعملية البيع عن طريق السمسرة العمومية‪ ،‬ومن‬
‫صور هذا الخطأ كذلك التقصير في حماية حقوق طلبي التنفيذ واإلقدام على عملية البيع عن‬
‫طريق السمسرة العمومية دون التحقق من الوضعية القانونية للعقار‪.‬‬

‫فبخصوص موقف القضاء اإلداري من المطالبة بالتعويض بسبب اعتماد خبرة تقويمية‬
‫مغلوطة أو غير مطابقة لمواصفات العقار موضوع البيع بالمزاد العلني‪ ،‬فإن القضاء اإلداري‬
‫ال يعتبر هذ ه الخبرة التقويمية ذات أهمية خاصة أو مؤثرة بشكل كبير على نتيجة المزايدة‬
‫أثناء عملية السمسرة –أي أن هذا التصرف الينطوي في حقيقته على ارتكاب خطأ من‬
‫جانب اإلدارة يمكن اعتماده في المطالبة بالتعويض‪ ،‬بل يعتبره القضاء اإلداري مجر إجراء‬
‫أولي الفتتاح مسطرة البيع بالمزاد العلني‪ ،‬وإجراء ذو طابع خاص تحكمه جبرية البيع‪ ،‬ورغبة‬
‫المتزايدين وتنافسهم‪ ،‬وأن هذه المنافسة هي التي تنعكس إما سلبا أو إيجابا على قيمة العقار‬
‫المتزايد عليه‪ ،‬وأنه تبعا لذلك فإن نتيجة البيع قد ال تعكس القيمة الحقيقية للعقار‪1.‬‬

‫أما فيما يخص الصورة الثانية المتمثلة في عدم إشعار مالك العقار بالموعد المحدد‬
‫إلجراء السمسرة العمومية وعدم استدعائه لها‪ ،‬فقد ذهب العمل القضائي في عدة مناسبات‬
‫إلى اعتبار هذا التصرف منطويا على ارتكاب عون التنفيذ لخطئ مرفقي تتحمل الدولة‬
‫األضرار المترتبة عن إبطال محضر البيع بسببه‪ ،‬وقضى بشأنها لفائدة الجهة المتضررة من‬

‫‪1‬‬
‫حكم عدد ‪390‬صادر بتاريخ ‪ 1131/31/11‬في الملف عدد ‪( 1135/1331/10‬غير منشور)‪ ،‬وللمزيد من الفائدة فإن هذا الحكم تم الطعن فيه‬
‫باالستئناف من طرف المدعي وصدر على أثره القرار عدد ‪ 019‬بتاريخ ‪ 1111/11/11‬عن محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش في الملف‬
‫‪ 1133/1111/3151‬قضى بتأييده مؤكدا وجاهة وصواب الحكم المستأنف فيما استند عليه من علل وأسس قانونية‪ ،‬وقد استندت محكمة أول درجة‬
‫في التأسيس لمنطوق حكمها على العلل التالية‪ " :‬لكن حيث إنه على الرغم من ثبوت خطأ كتابة الضبط في اعتماده خبرة مغلوطة في تحديد الثمن‬
‫االفتتاحي للعقار موضوع الدعوى‪ ،‬فإنها تبقى ‪-‬أي الخبرة‪ -‬مجرد إجراء أولي الفتتاح مسطرة البيع بالمزاد العلني الخاضعة للمزايدة‪ ،‬والتي تعتبر‬
‫مسطرة خاصة تحكمها جبرية البيع ورغبة المتزايدين وتنافسهم‪ ،‬مما قد ينعكس سلبا أو إيجابا على القيمة الحقيقية للعقار المتزايد عليه‪ ،‬وبالتالي‬
‫فنتيجة البيع‪ ،‬في جميع األحوال‪ ،‬قد ال تعكس القيمة الحقيقية للعقار‪ .‬وهي المعطيات التي يعتبر المدعي على علم بها من قبل‪ ،‬ما دام منح عقاره‬
‫موضوع الدعوى كضمانة عن طريق الرهن الرسمي رضائيا‪ ".‬وزيادة في التعليل فقد توصلت المحكمة بمناسبة تحقيق الدعوى إلى انتفاء ركن الضرر‬
‫كذلك الذي يعد ركنا أساسيا من أركان المسؤولي ة التقصيرية والذي بدونه تنتفي المصلحة في المطالبة بالتعويض وذلك بناء على الحيثية التالية‪" :‬‬
‫وحيث إنه بالرجوع إلى خالصات تقرير الخبرة المنجزة بالملف بأمر من هذه المحكمة‪ ،‬يتضح بأن عنصر الضرر المدعى به في النازلة غير ثابت‬
‫بالملف‪ ،‬ذلك أن القيمة الحقيقية للعقار موضوع الدعوى بتاريخ بيعه بالمزاد العلني سنة ‪ 1111‬كما حددها الخبير هي ‪ 111.111‬درهم‪ ،‬في حين‬
‫تم بيعه بمبلغ أكبر منه وصل إلى ‪ 151.111‬درهم حسب الثابت من محضر البيع‪ .‬كما أن األضرار المدعى بها والمتعلقة بتعرض المدعي للتشرد‬
‫وعدم االستقرار هو وأسرته منذ تفويت العق ار موضوع النزاع والمس بسمعته وإبعاده عن المحيط الذي عاش فيه وأسرته‪ ،‬كلها تفتقر إلى اإلثبات‪ ،‬مما‬
‫يجعلها غير مؤسسة قانونا"‬

‫‪532‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫هذا الخطأ بالتعويض الذي من شأنه جبر هذا الضرر‪ ،‬ومن ذلك الحكم رقم ‪ 031‬الصادر‬
‫عن المحكمة اإلدارية بفاس بتاريخ ‪ 1131/15/13‬في الملف رقم ‪ 1131/1/311‬القاضي‬
‫بإرجاع الدولة المغربية في شخص رئيس الحكومة (و ازرة العدل والحريات) لفائدة المدعي‬
‫(مقتني العقار عن طريق السمسرة العمومية) مبلغا إجماليا قدره ‪ 3.111513.13‬درهما‬
‫شامال لقيمة اقتناء العقار ذي الرسم عدد ‪/31193‬ف ومصاريف تسجيله وتحفيظه‪ ،‬مع‬
‫أدائها لفائدته مبلغ ‪ 11.111.11‬درهم كتعويض عن الضرر الالحق به وبتحميلها الصائر‪،‬‬
‫ورفض باقي الطلب‪.1‬‬

‫والمالحظة التي يمكن إثارتها بشأن دعوى المطالبة ببطالن محضر البيع بالمزاد‬
‫العلني المنصب على هذا العقار‪ ،‬أن جلسة السمسرة العمومية تم عقدها عدة مرات وكانت‬
‫تؤجل بسبب عدم حضور المتنافسين‪ ،‬وأن مالك العقار تم استدعاؤه من طرف عون التنفيذ‬
‫في أكثر من مناسبة لحضور هذه الجلسة غير أنه لم يحضر‪ ،‬وأن عدم استدعائه انحصر‬
‫في آخر مرة عقدت بها جلسة السمسرة العمومية‪ ،‬مما يشكل معه تصرف مالك العقار على‬
‫هذا النحو (رفض الحضور) تنازال من جانبه عن حقه في اإلشعار بالحضور للجلسات‬
‫الالحقة‪ ،‬وفي نظري يعتبر إلغاء هذه السمسرة في غير محله لكون إشعار مالك العقار‬
‫بالتاريخ المحدد لعملية البيع عن طريق المزاد العلني واستدعاؤه لها ألول مرة يكون من باب‬
‫إتاحة الفرصة له من أجل أداء ما بذمته من ديون قبل بدأ جلسة البيع عن طريق المزاد ليس‬
‫إال‪ .‬وأنه في جميع األحوال وحتى إذا اعتبرنا أن هذا الحق يمتد بامتداد التواريخ الخاصة‬
‫بإجراء هذه السمسرة العمومية‪ ،‬فإن التمسك بعدم االستدعاء لها ال يكفي وحده للتصريح‬
‫ببطالن محضر البيع لعدم إرفاق طلب التصريح بالبطالن بما يفيد إيداع المدعي مجموع‬
‫الديون التي كانت بذمته بصندوق المحكمة والتي كانت أساس المطالبة بالتنفيذ الجبري على‬

‫‪1‬‬
‫حكم غير منشور‪ ،.‬وتتلخص وقائع هذه القضية في تقديم السيد (ع ل أ ح) لمقال افتتاحي للدعوى عرض فيه أنه اقتنى عن طريق المزاد العلني‬
‫بواسطة سمرة عمومية تمت عن طريق مصلحة كتابة الضبط بالمحكمة التجارية بفاس العقار المدعى فيه وأنه بعد أدائه كافة التكاليف المترتبة عن‬
‫هذا البيع بما فيها مصاريف نقل الملكية من تسجيل وتحفيظ‪ ،‬وصرف مبالغ مهمة من أجل إصالحه وجعله معدا للسكن فوجئ بصدور حكم نهائي‬
‫قضى ببطال ن محضر البيع بسبب عدم احترام مصلحة كتابة الضبط ممثلة في مأمور إجراءات التنفيذ الشكلية المتعلقة باستدعاء مالك العقار لجلسة‬
‫المزايدة‪ ،‬مما أدى إلى خروج هذا العقار من يده وإفراغه منه دون إرجاعه قيمة االقتناء إلى جانب مجموع المصاريف التي أنفقها على هذا العقار‪.‬‬

‫‪533‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫عقاره‪ ،‬وأنه بعدم احترام طالب التصريح بالبطالن لهذا اإلجراء الجوهري تكون مطالبه بإبطال‬
‫محضر البيع مفتقدة ألساسها القانوني‪.‬‬

‫ومن صور الخطأ المرفقي التي وقف عليها القضاء اإلداري في موضوع بيع العقارات‬
‫عن طريق المزاد العلني‪ ،‬المنازعة موضوع الملف عدد ‪ 1131/1331/113‬المتعلقة بمبادرة‬
‫عون التنفيذ إلى بيع عقار عن طريق المزايدة اعتمادا على حكم غير حائز لقوة الشيء‬
‫المقضي به مما أدى إلى التصريح ببطالن محضر البيع بالمزاد العلني‪ ،‬بل واعتبره القضاء‬
‫خطأ جسيما من جانب عون التنفيذ‪ ،‬ورتب عليه مسؤولية الدولة التقصيرية عنه مصرحا‬
‫لفائدة المتضرر منه بالتعويض الذي من شأنه جبر هذا الضرر‪.1‬‬

‫ومن بين الحاالت ذات الصلة بالبيوع عن طريق السمسرة العمومية التي تقدم بسببها‬
‫أحد المتقاضين بدعوى المطالبة بالتعويض استنادا إلى مقتضيات الفصل ‪ 13‬من ق ل ع‬
‫بعض القضايا المتعلقة بتقصير عون التنفيذ في اتخاذ اإلجراءات التي من شأنها حماية‬
‫حقوق طالب التنفيذ الجبري على عقار من خالل التحقق من الوضعية القانونية للعقار قبل‬
‫اإلعالن على البيع عن طريق السمسرة العمومية‪ ،‬ويتعلق األمر بالدعوى التي تقدم بها السيد‬
‫(ح ف) ضد الدولة المغربية ومن معها على أنظار المحكمة اإلدارية بالرباط مطالبا‬
‫بالتعويض عن األضرار المادية التي لحقت به بسبب إبطال محضر بيعه عقا ار اقتناه عن‬

‫‪1‬‬
‫حكم عدد ‪ 1391‬صادر عن المحكمة اإلدارية بالدار البيضاء بتاريخ ‪( 1131/13/39‬غير منشور)‪ ،‬وهو الحكم الذي تم تأييده من طرف محكمة‬
‫االستئناف اإلدارية بالرباط من حيث ثبوت أركان المسؤولية الموجبة للحكم بالتعويض مع تعديله بخفض التعويض المحكوم به بما يتناسب وحجم‬
‫الضرر الالحق بالمعني باألمر بمقتضى القرار عدد ‪ 0135‬الصادر بتاريخ ‪ 1139/31/31‬في الملف عدد ‪ ،1139/1111/301‬واستند الحكم‬
‫االبتدائي في إقار مسؤولية الدولة عن هذا الخطأ استنادا إلى الحيثية التالية‪ " :‬وحيث إنه بعد دراسة المحكمة لكافة معطيات القضية ووثائقها تبين‬
‫لها أن جهاز كتابة الضبط بالمحكمة االبتدائية المدنية بالدار البيضاء باشر إجراءات تنفيذ الحكم االبتدائي الصادر عن المحكمة االبتدائية الفداء‬
‫درب السلطان تحت عدد ‪ 1111‬بتاريخ ‪ 3330/31/11‬في الملف عدد‪ 31/1155‬عن طريق البيع بالمزاد العلني للعقار موضوع الرسم العقاري‬
‫عدد ‪/13903‬س بتاريخ ‪ 1130/11/11‬حيث رسا المزاد على المدعي وبادر إلى أداء ثمن البيع والمصاريف المترتبة عن المزاد من واجب الخزينة‬
‫العامة الذي يمثل ‪ 1‬بالمائة (‪ 31.311.11‬درهم) وواجب التنفيذ في مبلغ ‪ 1111‬درهم إال أن المدعى عليهم ‪ ....‬بادروا إلى الطعن في إجراءات‬
‫التنفيذ لكون التنفيذ انصب على حكم ابتدائي تم استئنافه وصدر فيه قرار استئنافي بتاريخ ‪ 1111/11/31‬تحت عدد ‪ 3/1151‬في الملف‬
‫‪ 31/9511‬قضى بتعديله بضرورة بيع العقارات األربعة موضوع الرسوم العقارية ‪ ...‬بثمن افتتاحي واحد محدد في مبلغ ‪ 399.111.11‬درهم بدل‬
‫بيع كل عقار على حدة وثمن مستقل‪ .....‬وحيث إن األضرار الالحقة بالمدعي كانت نتيجة خطأ كتابة الضبط التي باشرت إجراءات البيع دون أن‬
‫تتحرى بدقة وثائق الملف والسجالت الممسوكة لديها إلثبات عملية التبليغ وانصرام أجل الطعن ومباشرة عملية التنفيذ"‪.‬‬

‫‪534‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫طريق المزاد العلني بسبب خطأ منسوب لمأمور إجراءات التنفيذ أثناء قيامه بالمهمة‬
‫المذكور‪.1‬‬

‫وفي نازلة مشابهة قضت محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط بالتعويض لفائدة مت ازيد‬
‫أسس عرضه المالي من أجل اقتناء عقار كان موضوع بيع عن طريق سمسرة عمومية على‬
‫أساس أن هذا البيع يتعلق بالطابق األول منه استنادا إلى اإلعالن الصادر عن المحكمة‬
‫بهذا الشأن‪ ،‬ليتفاجأ فيما بعد بتعلقه بحصة مشاعة للمحجوز عليه في هذا العقار وليست‬
‫حصة مفرزة معتبرة تص رف اإلدارة على النحو المذكور أعاله يشكل خطأ من جانبها وأضر‬
‫بحقوق المتزايد نتيجة تقصيرها في تحديد وضعية العقار بشكل دقيق قبل إصدار اإلعالن‬
‫عن البيع معتبرة تصرفها على هذا النحو يجعل المتضرر منه محقا في التعويض عنه بما‬
‫‪2‬‬
‫يجبر كافة األضرار الالحقة به بسببه‪.‬‬

‫وال جدير بالذكر أن هذا القرار قضى بإلغاء الحكم االبتدائي الصادر عن المحكمة‬
‫اإلدارية بالدار البيضاء عدد ‪ 3533‬بتاريخ ‪ 1139/11/15‬في الملف ‪1131/1331/533‬‬

‫‪1‬‬
‫حكم عدد‪ 1131‬الصادر بتاريخ ‪ 1130/31/11‬في الملف عدد ‪( 1130/1331/103‬غير منشور)‪ ،‬وهو الحكم الذي تم تأييده من حيث المبدأ‬
‫بخصوص تحقق شروط المسؤولية التقصيرية اإلدارية‪ ،‬والتعويض عن مجموع المصاريف المتعلقة بالبيع عن طريق السمسرة العمومية مع خفض‬
‫مبلغ التعويض عن الضرر إلى حدود مبلغ ‪ 31.111.11‬درهم بمقتضى القرار عدد ‪ 111‬الصادر بتاريخ ‪ 1131/11/19‬في الملف‬
‫‪ .1131/1111/311‬وتتلخص وقائع هذه القضية في اقتناء المدعي لعقار عن طريق السمسرة العمومية بتاريخ ‪ 1113/11/11‬المعلن عنها من‬
‫طرف المحكمة المركزية بعرباوة التابعة للمحكمة االبتدائية لسوق أربعاء الغرب‪ ،‬ليتفاجأ فيما بعد أنه تم تطهيره وتسجيله من طرف الغير وأنه لم‬
‫يتمكن من التشطيب عليه من الرسم العقاري بعد سلوكه المسطرة القانونية الواجبة لكون عون التنفيذ لم يقم بتسجيل محضري الحجز التحفظي‬
‫والتنفيذي بمطلب التحفيظ لصيانة حقوق مشتري العقار‪ ،‬ولكون العون المذكور بادر إلى القيام بعملية البيع بالمزاد العلني دون التحري عن الوضعية‬
‫القانونية للعقار مؤكدا أن المزايدة تمت بتاريخ الحق على تملك الغير للعقار وتطهيره‪ .‬وبعد تحقيق المحكمة المعروض عليها النزاع الدعوى تأكد لها‬
‫صحة الوقائع المدعى بها واعتبرتها منطوية على ارتكاب عون التنفيذ لخطأ مصلحي يتجلى في التقصير في حماية حقوق طالبي التنفيذ والمتزايد‬
‫الذي رسا عليه المزاد‪ ،‬باإلضافة إلى التقصير المتجلي في عدم التحقق من وضعية العقار قبل القيام بعملية البيع‪ ،‬وأصدرت على إثره حكما قضى‬
‫بإرجاع المعني باألمر مبلغ االقتناء عن طريق السمسرة ال عمومية باإلضافة إلى المصاريف القانونية المتصلة بهذه العملية بما مجموعه‬
‫‪ 10.311.11‬درهم وبتعويض عن األضرار الالحقة بهذا المتزايد بسبب ذلك قدره ‪ 11.111.11‬درهم"‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫قرار عدد ‪ 1511‬صادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط بتاريخ ‪ 1133/11/11‬في الملف ‪( 1133/1111/3115‬قرار غير منشور)‪.‬‬
‫ومن خالل الرجوع إلى حيثيات القرار الصادر عن هذه المحكمة نجدها قد عللت ما قضت به بما يلي‪ " :‬لكن حيث إنه فإن الثابت من وثائق الملف‬
‫ومستنداته إقدام كتابة الضبط بالمحكمة االبتدائية على بيع بالمزاد العلني بشكل معيب دون التحقق من نسبة تملك المحجوز عليه المملوك على‬
‫الشياع يجعل ذلك المرفق قد أدى الخدمة على وجه سيئ‪ ،‬وتبقى الدولة بالتالي مسؤولة عن الخطأ في تسيير مرافقها‪ ،‬إذ أن البين من صيغة‬
‫اإلعالن عن بيع العقار المحجوز (وهو المعتمد في عملية البيع بالمزاد العلني) أن البيع سينصب على الطابق األول من المنزل موضوع الحجز‬
‫عوض اإلشارة إلى أن البيع سينصب على الحصة المشاعة للمحجوز عليه‪ ،‬وهو ما ترتب عنه وضع المستأنف مبلغ البيع بصندوق المحكمة إضافة‬
‫إلى واجب الخزينة العامة‪ ،‬مما يظل معه المستأنف محقا في المطالبة بإرجاعها لفائدته المبلغ موضوع البيع بالمزاد العلني وواجب الخزينة وواجب‬
‫التسجيل وتعويض عن الضرر الذي تحدده المحكمة في مبلغ إجمالي قدره ‪ 199.019،50‬درهم"‪.‬‬

‫‪535‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫القاضي برفض الطلب استنادا إلى الحيثية التالية (وحيث إنه لما كانت إجراءات التنفيذ‬
‫الجبري لألحكام القضائية على الحقوق العينية العقارية محل التنفيذ ضمانا لدين ثابت طبقا‬
‫لمقتضيات الفصل ‪ 019‬من قانون المسطرة المدنية‪ ،‬وأن بيع العقا بالمزاد العلني يستلزم‬
‫إجراءات أولية ضامنة لحقوق الدفاع المكفولة للمنفذ عليه والراسي عليه المزاد العلني على‬
‫حد سواء‪ ،‬ولهذه الغاية فإن تحرير كناش التحمالت ومحاضر الحجز التحفظي والحجز‬
‫التنفيذي والمحضر الوصفي للعقار المبيع يعتبر من الضمانات األساسية بمسطرة التنفيذ‬
‫على العقار‪ ،‬وأن عدم إجراء استشكال كصعوبة قانونية وواقعية حول ما أنجز من اإلجراءات‬
‫القبلية عن اإلعالن رسو المزاد‪ ،‬يكون بذلك ما أنجز من مساطر إجرائية خاضعة لرقابة‬
‫قاضي التنفيذ لدى محكمة التنفيذ)‪.‬‬

‫وفي وجهة نظري المتواضعة فإنه بحكم مشاركة الراسي عليه المزاد في عملية‬
‫السمسرة‪ ،‬يكون على اطالع بكافة الوثائق المكونة لملف المزايدة وخاصة عقد ملكية العقار‬
‫وتقرير الخبرة التقييمية التي يتم اعتمادها في تحديد الثمن االفتتاحي باإلضافة إلى تصريحه‬
‫بمعاينة العقار موضوع البيع وقبوله على الحالة التي عليها‪ ،‬وهي وثائق كان لها تأثير بين‬
‫على معطيات النزاع‪ ،‬وأن استبعاد محكمة االستئناف اإلدارية جميع هذه الوثائق من المناقشة‬
‫واعتبرها اإلعالن بالبيع السند المعتمد في عملية البيع لم يكن في محله‪ ،‬مما يجعل ما انتهت‬
‫إليه هذه المحكمة بموجب هذا القرار غير مرتكز على أساس‪.‬‬

‫وإلى جانب موضوع المسؤولية اإلدارية لهيئة كتابة الضبط المتصلة بموضوع البيوع‬
‫عن طريق المزاد العلني‪ ،‬هناك عرضت على المحاكم اإلدارية بعض القضايا ذات طابع‬
‫خاص تتصل بتصرف هذه الهيئة خاصة على مستوى قسم اإللغاء لدى المحاكم اإلدارية‬
‫كمرحلة أولى من أجل إثبات عدم مشروعيته في أفق المطالبة بالتعويض عنه في حالة‬
‫اقتناع القضاء بعدم مشروعية هذا التصرف‪.‬‬

‫ويتعلق األمر بهذا الشأن بمبادرة كتابة الضبط لدى بعض المحاكم إلى إحالة ملفات‬
‫ص در بشأنها حكم بعدم االختصاص النوعي للمحكمة االبتدائية المصدرة له على المحكمة‬
‫المختصة من أجل البت فيه طبقا للقانون ولو في ظل عدم تنصيص منطوق الحكم على‬
‫القيام بهذه اإلحالة‪.‬‬
‫‪536‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وفي هذا الصدد قدمت مجموعة من الطعون باإللغاء أمام بعض المحاكم اإلدارية في‬
‫مواجهة رؤسا ء كتابة الضبط باعتبار أن تصرفاتهم على هذا النحو تشكل ق اررات إدارية‬
‫يمكن الطعن فيها باإللغاء‪ ،‬والمطالبة بالتعويض عنها بشكل الحق على إثر صيرورة األحكام‬
‫القاضية بإلغائها نهائية‪.‬‬

‫غير أن هذه المحاكم وبمناسبة التحقق من طبيعة هذا التصرف اهتدت إلى أنه ال‬
‫تتوافر فيه مقومات وشروط القرار اإلداري القابل الطعن باإللغاء وإلى أنه يعد بحكم طبيعته‬
‫مجرد قرار تنفيذي لمقتضى نص عليه القانون‪.‬‬

‫وكمثال على هذه الطعون‪ ،‬الملف عدد ‪ 1131/1331/111‬الصادر بشأنه الحكم‬


‫‪ 1190‬عن المحكمة اإلدارية بالرباط بتاريخ ‪ 1131/11/11‬بمناسبة الطعن باإللغاء في‬
‫تصرف السيد رئيس كتابة الضبط بالمحكمة االبتدائية بالقنيطرة الذي قام بمناسبته بإحالة‬
‫الملف ‪ 35/113/511‬الصادر بشأنه الحكم عدد ‪ 515‬بتاريخ ‪ 1135/31/11‬بعدم‬
‫االختصاص النوعي لهذه المحكمة لفائدة المحكمة التجارية بالرباط على هذه األخيرة‪ ،‬معتب ار‬
‫تصرفه على النحو المذكور ق ار ار إداريا غير مشروع والتمس التصريح بإلغائه مع ما يترتب‬
‫‪1‬‬
‫عن ذلك من آثار قانونية‪.‬‬

‫وحيث من خالل منطوق وحيثيات هذا الحكم يمكن القول أن تصرفات موظفي هيئة‬
‫كتابة الضبط التي تتم تنفيذا لمقتضيات قانونية واضحة ال يمكن أن تثير مسؤوليتهم سواء‬
‫المهنية أو الشخصية ما دامت ال تخرج عن التطبيق السليم لها‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫حكم منشور بمجلة الوكالة القضائية للمملكة (العدد األول) ص ‪.103 – 113‬‬
‫وبمناسبة تعليل المحكمة اإلدارية بالرباط لمنطوق حكمها القاضي بعدم قبول الطعن المذكور صرحت في إحدى حيثياته بما يلي‪" :‬وحيث إنه فضال‬
‫عن ذلك‪ .... ،‬ولما كان الثابت من الفصل ‪ 31‬من قانون المسطرة المدنية أن الحكم بعدم االختصاص الصادر عن المحاكم اإلدارية يترتب عنه‬
‫إحالة الملف بقوة القانون إلى المحكمة المختصة‪ ،‬فإن تنفيذ اإلجراءات التي تتم بها اإلحال ة من قبل كتابة الضبط في هذه الحالة‪ ،‬ال تتوقف على‬
‫وجوب التنصيص عليها سلفا في منطوق الحكم القاضي بعدم االختصاص‪ ،‬طالما أن هذا األخير مقرر بحكم القانون‪ ،‬وال يستلزم القيام به لزوم‬
‫التصريح به من قبل المحكمة‪ .‬األمر الذي يجعل اإلحالة المنفذة من طرف رئيس كتابة الضب ط في النازلة مجرد عمل مادي صدر تنفيذا لحكم‬
‫القانون وال يترتب عنه تغيير في المراكز القانونية لألطراف‪ ،‬وهو بذلك غير مستجمع ألركان القرار اإلداري مما يجعله غير قابل للطعن باإللغاء"‪.‬‬

‫‪537‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬بشأن األخطاء المتصلة بالتباطؤ في التنفيذ‬


‫يشكل التباطؤ والتراخي غير المبرر في القيام بعمل يقتضي من جهاز كتابة الضبط‬
‫القيام به في إطار الصالحيات المنوطة به طبقا للقانون إحدى صور الخطأ التي ينص‬
‫عليها الفصل ‪ 19‬من ق ل ع‪ ،‬وقد شكل هذا األساس القانوني مدخال لمجموعة من المدعين‬
‫من أجل المطالبة بالتعويض في مواجهة كتابة الضبط عن الضرر الذي لحقهم بسبب تراخي‬
‫شركات التأمين عن أداء التعويضات المحكوم لهم بها وعدم تنفيذها األحكام الصادرة لفائدتهم‬
‫داخل أجل معقول‪ ،‬وخاصة تلك الصادرة في جنح السير‪ ،‬استنادا إلى كون كتابة الضبط‬
‫باعتبارها الجهة المشرفة على التنفيذ لم تتخذ اإلجراءات التي يتطلبها القانون في مواجهة‬
‫المنفذ عليهم بغية حملهم على التنفيذ‪.‬‬

‫وقبل أن نستعرض موقف القضاء من هذه المطالب يبدو من الفائدة التذكير‬


‫بالمقتضي ات القانونية التي تؤطر عمل مصلحة كتابة الضبط باعتبارها الجهاز الذي يتم تنفيذ‬
‫األحكام المدنية ومن بينها تلك المتعلقة بجنح السير بواسطته فيما تعلق منها بالتعويضات‬
‫المحكوم بها في مواجهة شركات التأمين‪.‬‬

‫فبمراجعة المقتضيات القانونية التي نص عليها المشرع بشأن بيان المسطرة واإلجراءات‬
‫التي يتعين اتباعها من أجل تنفيذ األحكام القضائية والسيما الفصل ‪ 013‬من ق م م وما‬
‫يليه‪ ،‬نجدها تشير إلى أن تنفيذ هذه األحكام يتم بواسطة كتابة ضبط المحكمة التي أصدرت‬
‫الحكم‪ ،‬وأن هذا االختصاص يتم تحت مراقبة قاض يتم تعيينه من طرف رئيس المحكمة‬
‫االبتدائية باقتراح من الجمعية العامة الذي يكلف بمتابعة إجراءات التنفيذ‪.‬‬

‫كما أن التنفيذ ال يتم بصفة تلقائية وإنما يكون بمسعى من الطرف المستفيد من الحكم‬
‫بعد تقديمه لطلب يرفق وجوبا بجملة من الوثائق المحددة بدقة من طرف المشرع‪ .‬يعقبه فتح‬
‫ملف التنفيذ‪ ،‬يتولى في إطاره العون المكلف بهذه المهمة تبليغ الطرف المحكوم عليه الحكم‬
‫المكلف بتنفيذه‪ ،‬ويعذره بأن يفي بما قضى به الحكم حاال أو بتعريفه بنواياه داخل أجل ال‬
‫يتعدى عشرة أيام من تاريخ تقديم طلب التنفيذ‪.‬‬

‫‪538‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وفي حالة قيام أية صعوبة في التنفيذ‪ ،‬أو دفع الطرف المنفذ عليه بقيام هذه الصعوبة‪،‬‬
‫وجب على العون المكلف بالتنفيذ رفع األمر إلى السيد رئيس المحكمة من أجل التقرير‬
‫بشأنها‪ ،‬أما إذا رفض المدين (المنفذ عليه) الوفاء أو صرح بعسره عن ذلك‪ ،‬اتخذ عون‬
‫التنفيذ اإلجراءات المقررة في الباب المتعلق بطرق التنفيذ‪.‬‬

‫انطالقا من المقتضيات القانونية التي تؤطر عملية تنفيذ األحكام المدنية‪ ،‬يتضح أن‬
‫مصلحة كتابة الضبط تتولى القيام بجميع اإلجراءات التي من شأنها أن تؤدي إلى تنفيذ‬
‫األحكام واقتضاء المستفيدين منها حقوقهم‪.‬‬

‫فما هو موقف القضاء اإلداري من تراخي شركات التأمين في تنفيذ األحكام الصادرة‬
‫ضدها (باعتبارها تحل محل المتسبب في الحادثة في أداء التعويض المحكوم به عليه)‬
‫وتباطؤها في ذلك من طلبات التعويض المقدمة في مواجهة الدولة المغربية ومصلحة كتابة‬
‫الضبط ما دامت هذه األخيرة هي التي أسند لها المشرع القيام بكافة اإلجراءات من أجل‬
‫تنفيذ األحكام الصادرة في مواجهة شركات التأمين في جنح السير؟‬

‫في هذا الصدد عرضت مجموعة من القضايا على مختلف المحاكم اإلدارية بالمملكة‪،‬‬
‫وبهذه المناسبة خلصت مجموعة من المحاكم بمناسبة تعليلها األحكام الصادرة عنها بهذا‬
‫الخصوص إلى أن المشرع لم يحدد أجال لتنفيذ األحكام ما عدى ما نصت عليه الفصل‬
‫‪ 019‬من ق م م‪ ،‬وكون التنفيذ يتم بمسعى من طالبه‪ ،‬وأن التراخي في التنفيذ إنما تسأل عنه‬
‫الجهة المنفذ عليها‪ ،‬باإلضافة إلى كون التمسك فقط بطول المدة بين تاريخ تقديم طلب‬
‫التنفيذ وتاريخ مباشرته ال يكفي وحده في إثبات أي تقصير من جانب مصلحة كتابة الضبط‬
‫في القيام بالمهمة المسندة إليها بهذا الخصوص‪ .‬بل ذهبت أكثر من ذلك إلى تحميل‬
‫المدعي المسؤولية عن الضرر المدعى به من خالل عدم إدالئه بما يفيد تتبعه إجراءات‬
‫تنفيذ ملفه‪ ،‬وكمثال على ذلك ما عللت به المحكمة اإلدارية بالدار البيضاء حكمها عدد‬
‫‪.1111‬‬

‫‪1‬‬
‫حكم صادر بتاريخ ‪ 1139/11/31‬في الملف عدد ‪( 1139/1331/19‬غير منشور)‪ ،‬وقد أضحى هذا الحكم نهائيا على إثر الطعن فيه‬
‫باالستئناف من طرف المتضرر منه أمام محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط‪ ،‬هذه األخيرة التي أصدرت ق ار ار تحت عدد ‪ 1119‬بتاريخ‬
‫‪ 1139/31/13‬في الملف عدد ‪ 1139/1111/3501‬قضت بتأييده‪ .‬وقد أكدت محكمة أول درجة بمناسبة تعليلها لهذا الحكم على ما يلي‪" :‬وحيث‬

‫‪539‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫هذا التوجه سبق لمحكمة االستئناف اإلدارية بالرباط إق ارره بموجب قرارها عدد‬
‫‪.10095‬‬

‫ومن بين اإلشكاالت القانونية والواقعية التي يثيرها هذا الموضوع‪ ،‬ما تعلق منه بمسألة‬
‫تحويل األموال بالحساب الخاص لكتابات الضبط بمناسبة تنفيذ بعض األحكام‪ ،‬إذ في بعض‬
‫األحيان تط أر بعض الصعوبات في التعرف على الجهة المستفيدة منها‪ ،‬مما يبقى مصير‬
‫هذه األموال مجهوال ويدفع بمصلحة كتابة الضبط إلى بذل مجهود استثنائي من أجل تحديد‬
‫صاحب الحق فيه واتخاذ اإلجراء الواجب على ضوئه‪ ،‬وهو ما يستغرق وقتا مهما‪.‬‬

‫وفي هذا الصدد تقدم السيد (ع أ) بدعوى أمام المحكمة اإلدارية بالدار البيضاء تقدم‬
‫السيد (ع أ) بدعوى أمام المحكمة اإلدارية بالدار البيضاء ملتمسا الحكم لفائدته بالتعويض‬
‫عن الضرر الذي أصابه نتيجة عدم تحويل مبالغ منفذة لفائدته لمدة تزيد عن عشرة أشهر‬
‫ابتداء من تاريخ توصلها بها فتح لها الملف عدد ‪ .1139/1331/111‬وقد كانت هذه‬
‫القضية منسبة لمراقبة المحكمة عمل مصلحة كتابة الضبط في هذا الشأن‪.‬‬

‫وعلى إثر تحقيق الدعوى‪ ،‬صرحت هذه المحكمة برفض طلب التعويض عن الضرر‬
‫المذكور مستندة في ذلك على الحيثية التالية‪:‬‬

‫" وحيث تمسك كل من رئيس كتابة هذه المحكمة والوكيل القضائي للمملكة في معرض‬
‫جوابهما بقيام مصلحة كتابة الضبط باحترام جميع اإلجراءات اإلدارية سواء على مستوى‬

‫إنه خالفا لما أورده المدعي فإن التنفيذ يتم بمسعى من طالب التنفيذ وأن التراخي في التنفيذ إنما تسأل عنه الجهة المنفذ عليها في غياب إثبات أي‬
‫تقصير من طرف الجهة المباشرة للتنفيذ وفي انتظار طالب التنفيذ مبادرة المنفذ عليها في التنفيذ وعدم سلوكه المساطر التي أوجبها القانون لحمل‬
‫المنفذ عليها وإجبارها على التنفيذ‪ ..‬وفي غياب أي مبادرة من طرف طالب التنفيذ لتتبع إجراءات تنفيذ ملفه‪ ،‬وعدم إثبات أي خطأ من جانب المرفق‬
‫المدعى عليه في مباشرة مسطرة التنفيذ يكون الخطأ المزعوم غير ثابت والضرر يعزى إلى المدعي ناهيك عن االدعاء بعدم تحرير محضر االمتناع‬
‫يبقى بدوره عديم األساس ما دام قانون المسطرة المدنية قد نص على أن التنفيذ يتم بمسعى طالب التنفيذ مما تكون معه أركان وشروط مسؤولية‬
‫الدولة والمرفق العمومي غير قائمة وبالتالي تنتفي موجبات التعويض في مواجهته‪.‬‬
‫‪ 1‬قرار عدد ‪ 0095‬صادربتاريخ ‪ 1131/31/11‬في الملف عدد ‪( 1/31/11‬غير منشور)‪ .‬وقد جاء في إحدى حيثيات هذا القرار‪ ..... " :‬وأنه إذا‬
‫كانت شركة التأمين قد تأخرت في التنفيذ‪ ،‬فإن ذلك ال يمكن أن يتحمل المسؤولية عنه رئيس مصلحة كتابة الضبط أو يعتبر كونه ارتكب خطأ‬
‫مرفقيا مرتب لهذه المسؤولية‪ ،‬سيما وأن قانون المسطرة المدنية الذي يتمسك به دفاع المستأنفين لم يحدد آجاال معينة للتنفيذ عدا ما تم النص عليه‬
‫في الفصل ‪ 019‬منه كون األحكام تكون قابلة للتنفيذ خالل ثالثين سنة من تاريخ صدورها‪ ،‬وبالتالي فإن المحكمة اإلدارية عندما قضت برفض‬
‫طلب التعويض فإنها تكون قد نحت منحا صحيحا‪ ،‬وحكمها المستأنف يبقى لذلك مؤسس قانونا وحري بالتأييد لهذه العلل‪.:‬‬

‫‪540‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الخزينة الجهوية للدار البيضاء أو صندوق اإليداع والتدبير بالرباط دون انتظار أي تشك من‬
‫أصحابها أو وضع شكايات بشأنها‪....‬‬

‫وحيث بخصوص عنصر الخطأ‪ ،‬فإنه من الثابت من معطيات النزاع ‪ ...‬أن توصيل‬
‫الدفع لم يتم اإل شارة فيه إلى أي مرجع او رقم ملف تنفيذي أو هوية لألطراف الشيء الذي‬
‫يتعذر معه معرفة الجهة المستفيدة من هذا المبلغ في حينه‪ ،‬وما يؤكد ذلك هو الكتاب‬
‫الموجه من طرف رئيس كتابة ضبط هذه المحكمة بتاريخ ‪ 1139/11/11‬إلى الخازن‬
‫الجهوي للدار البيضاء بشأن منتوج التنفيذ والتي يخبره من خاللها أن تحويل التعويضات‬
‫المحكوم بها يتعين أال يتم إال بعد التأكد من وجود ملف تنفيذي متكامل وأن المبالغ المحولة‬
‫لصندوق المحكمة يجب أن تحمل جميع المعلومات المسهلة للتعريف بها‪ ،‬وبخاصة رقم‬
‫الملف التنفيذي‪ ،‬إذ بدون ذلك يبقى مصير هذه المبالغ مجهوال‪ ،‬ناهيك عن التردد وبشكل‬
‫يومي إلى صندوق اإليداع والتدبير من أجل ضبطها ومعرفة أصحابها‪ ،‬وقد قام مأمور‬
‫إجراءات هذه المحكمة باالنتقال إلى الجماعة الحضرية للمحمدية بناء على إعذار الجماعة‬
‫وتبليغها أصل النسخة التنفيذية وشهادة بعدم االستئناف وتبليغ وصوالت مصاريف قضائية‬
‫للجماعة وتبليغ بيان المبالغ للجماعة ليصرح له القسم القانوني للجماعة الحضرية للمحمدية‬
‫أن األمر باألداء تم بتاريخ ‪ 1131/19/11‬وأن تاريخ الدفع والتحويل لحساب هذه المحكمة‬
‫تم بتاريخ ‪ 1131/13/19‬مع عدم مده بأي وثيقة تثبت ذلك بدعوى أن المراسالت تبقى‬
‫داخلية لينتقل بعد ذلك بتاريخ ‪ 1139/11/11‬إلى الخزينة اإلقليمية بالمحمدية التي مكنته‬
‫من صورة لسند األمر بالصرف حيث تم تحويل مبلغ قدره ‪ 50.311،11‬درهم لصندوق هذه‬
‫المحكمة خصم منه واجب الخزينة العامة وقدره ‪ 191.11‬درهم‪ ،‬وبتاريخ ‪1139/11/19‬‬
‫تمت عملية اقتطاعه ولم يحل إلى صندوق األداءات إال بعد تحرير محضر تنفيذ بشأنه‬
‫وتصفيته وتضمينه بالسجل العام والسجالت المحاسباتية‪.‬‬

‫وحيث تبعا للمعطيات أعاله فإنه يتضح أن مصلحة كتابة ضبط هذه المحكمة لم‬
‫ترتكب أي خطأ موجب للتعويض أثناء القيام بمهامها خاصة وأنه ثبت قيامها بمجموعة من‬
‫اإلجراءات من أجل البحث عن المبالغ المحكوم بها لفائدة المدعي إلى جانب مبالغ أخرى‬

‫‪541‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫لدى جميع اإلدارات المعنية مما يجعل شروط قيام المسؤولية غير قائمة ويتعين الحكم‬
‫برفض الطلب"‪.1‬‬

‫وفي حقيقة األمر فقد أعطى هذا الحكم وصفا دقيقا لجانب من المعاناة اليومية التي‬
‫يالقيها موظفو هيئة كت ابة الضبط بمناسبة القيام بمهامهم‪ ،‬وأثبت بشكل واضح على أن‬
‫التراخي والتباطؤ الذي يمكن اعتماده سببا وأساسا للمطالبة بالتعويض ال يقوم في جميع‬
‫الحاالت التي يمكن أن يقف خاللها المستفيدون من مبالغ محكومة ومنفذة لصالهم على عدم‬
‫تحويلها لصندوق الودائع واألداءات داخل أجل معقول كما تقضي بذلك المادة ‪ 51‬من قانون‬
‫المحاماة‪ .‬وبذلك ال يمكن اعتماد هذا األساس في جميع الحاالت في المطالبة بالتعويض‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬موقف القضاء من ادعاء تنفيذ األحاام بشا معيب من‬
‫جانب كتابة الضبط‬
‫من صور األخطاء المنسوبة لكتابة الضبط التنفيذ المعيب لألحكام‪ .‬ومن األمثلة على‬
‫النوازل التي عرضت على القضاء اإلداري التي تمسك بعض المدعين بالتنفيذ المعيب لهذه‬
‫األحكام بشكل أضر بمصالحكم ومراكزهم القانونية‪ ،‬الدعوى التي تقدم بها السيد (ج ر) أمام‬
‫المحكمة اإلدارية بمراكش ادعى من خاللها أنه صدر في مواجهته حكم نهائي قضى بإزالة‬
‫مطحنة من محل كان يتولى استغاللها به‪ ،‬مدعيا أن تنفيذ هذا الحكم تم بشكل معيب بحيث‬
‫تم تكسير هذه المطحنة بالكامل مما أصبحت معه غير قابلة لالستعمال أو البيع ملتمسا‬
‫الحكم لفائدته بالتعويض عن هذا الضرر‪.‬‬

‫وأثناء تحقيق الدعوى‪ ،‬انتبهت المحكمة المعروض عليها النزاع من خالل اطالعها‬
‫على محضر تنفيذ الحكم القاضي بإزالة المطحنه أن هذا المحضر يوضح تفاصيل إزالة هذه‬
‫المطحنة بما لم يثبت معه تعرضها للضرر المدعى به‪ ،‬وأنه ورد بالمحضر المذكور أن‬
‫المعني باألمر عبر عن استعداده نقل المطحنة بعد تفكيكها إلى محل آخر دون أن يبدي أي‬
‫تحفظ بخصوص سير إجراءات التنفيذ‪ ،‬لتقرر ‪-‬على ضوء الصبغة الرسمية لمحضر التنفيذ‬
‫الذي ال يمكن استبعاد مضمونه إال بالطعن فيه بالزور واستصدار حكم نهائي بذلك‪-‬‬

‫‪1‬‬
‫حكم عدد ‪ 951‬صادر عن المحكمة اإلدارية بالدار البيضاء بتاريخ ‪ 1133/10/11‬في الملف عدد ‪( 1139/1331/111‬غير منشور)‪.‬‬

‫‪542‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫التصريح برفض الطلب بمقتضى الحكم عدد ‪ 591‬الصادر بتاريخ ‪ 1131/15/13‬في‬


‫الملف ‪.11131/1331/300‬‬

‫خاتمة‬

‫من خالل الرجوع إلى المقتضيات القانونية المحددة الختصاصات موظفي هيئة كتابة‬
‫الضبط ومجموع األحكام والق اررات التي أوردناها في هذا الموضوع يتضح بجالء مدى تنوع‬
‫وتشعب المهام الموكلة لموظفي كتابة الضبط لدى مختلف محاكم المملكة‪ ،‬وخاصة بمناسبة‬
‫تنفيذ األحكام المدنية التي تصدرها هذه المحاكم‪ ،‬مما قد يؤدي إلى ارتكابهم أخطاء مهنية‬
‫منها ما يكتسي الطابع الشخصي مما يجعلهم يتحملون المسؤولية الشخصية عنها والتي قد‬
‫تصل إلى حد المسؤولية الجنائية‪ ،‬ومنها ما يتحمل المرفق العام تبعاته وآثاره الضارة‪.‬‬

‫ومراعاة من القضاء اإلداري لهذا التشعب والتعقيد في المهام المنوطة بموظفي هذه‬
‫الهيئة‪ ،‬فإن المالحظ أنه يشترط لقيام المسؤولية اإلدارية لجهاز كتابة الضبط بمناسبة قيام‬
‫الموظفين التابعين له بمهامهم أو بمناسبتها تحقق كافة شروطها من خطأ واجب اإلثبات‪،‬‬
‫وضرر محقق ومباشر‪ ،‬باإلضافة إلى شرط العالقة السببية بين الشرطين األوليين‪ ،‬وبحسب‬
‫ما اطلعت عليه من أحكام‪ ،‬فإن العمل القضائي ببالدنا لم يسبق له اعتبار مسؤولية هذا‬
‫المرفق قائمة على أساس نظرية المسؤولية بدون خطأ‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬فإنه ولئن كان توجه القضاء اإلداري بهذا الشأن محمود‪ ،‬غير أنه ينبغي التشدد‬
‫في التعامل مع شرط الخطأ بمراعاة حجم األعباء الملقاة على عاتق مرفق القضاء‪ ،‬وذلك‬

‫‪1‬‬
‫قرار ‪ 3311‬صادر بتاريخ ‪ 1131/31/11‬في الملف عدد ‪ ،1131/1111/3135‬غير منشور‪ ،‬ومن خالل االطالع على حيثيات القرار‬
‫الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش بمناسبة البت في الطعن باالستئناف الذي تقدم به المتضرر من هذا الحكم‪ ،‬نجدها تؤكد على عدم‬
‫إمكانية استبعاد محضر التنفيذ من المناقشة بالنظر لطابعه الرسمي واالستماع لشهادة الشهود المنافية لما تضمنه المحضر المذكور‪ ،‬وقد عللت‬
‫المحكمة المذكورة موقفها بهذا الشأن بموجب العلة التالية‪ " :‬لكن حيث إنه بالرجوع إلى محضر التنفيذ المنجز من طرف المفوض القضائي عز‬
‫الدين ماجد بتاريخ ‪ 1131/13/13‬في إطار تنفيذ القرار رقم ‪ 1331‬الصادر عن محكمة االستئناف بمراكش بتاريخ ‪ 1131/31/30‬يتبين أنه‬
‫تضمن ما يفيد إزالة مطحنة المستأنف بعد تفكيكها‪ ،‬وما دام المحضر المذكور خال من أي إشارة إلى تعرض المطحنة للتكسير‪ ،‬فإن ما أثاره‬
‫المستأنف بخصوص إثبات مادية تلك الواقعة باالستماع إلى شهادة الشهود يبقى غير جدير باالعتبار طالما أن المحضر المذكور وكما الحظ الحكم‬
‫المستأنف عن صواب‪ ،‬وثيقة رسمية ال تقبل الطعن إال بالزور‪ ،‬وأنه يستفاد منه أن المستأنف أعرب عن استعداده لنقل المطحنة بعد تفكيكها إلى‬
‫محل آخر دون أن يبدي أي تحفظ بخصوص سير إجراءات التنفيذ مما يكون معه الحكم المستأنف قد صادف الصواب فيما انتهى إليه وحريا‬
‫بالتأييد"‪.‬‬

‫‪543‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫بعدم االعتداد بمجرد الخطأ اليسير في تحميل الدولة المسؤولية عنه‪ ،‬واالقتصار في هذا‬
‫المقام على األخطاء غير اليسيرة والتي تكون لها آثار سلبية على حقوق المرتفقين ومراكزهم‬
‫القانونية‪.‬‬

‫‪544‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫مسؤولية الخبير القضائي في ظل القانون المغربي‬


‫القضائي‬
‫أ‬
‫والعمل‬ ‫ن‬‫والمقار‬
‫من إعداد الستاذة ليلى قدوري‪،‬‬
‫إطار بالوكالة القضائية للمملكة‬
‫مقدمة‬

‫الخبير هو مفرد لكلمة خبراء‪ ،‬والخبير لغة هو "العالم بالشيء"‪ ،1‬وقد ورد ذكر الخبير‬
‫في القرآن الكريم في قوله سبحانه وتعالى‪ " :‬فاسأل به خبيرا"‪ 2‬وكذلك في قوله تعالى‪" :‬وال‬
‫وبيان ِه‪ ،‬وتجرَبِت ِه وامتحانه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫بمعالجت ِه‬
‫ِ‬ ‫وقام‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫الخبير بالشيء َم ْن َعل َمه َ‬
‫ينبئك مثل خبير" ‪ .‬و ُ‬
‫‪3‬‬

‫ِ‬
‫الحقيقة‪.4‬‬ ‫وصف ِه على‬
‫ِ‬ ‫ألم بكيفي ِ‬
‫َّة‬ ‫ِ‬
‫الدقيقة‪ ،‬و َّ‬ ‫ط بتفاصيلِ ِه‬
‫فأحا َ‬

‫كما يمكن تعريف الخبيربأنه شخص ذو دراية عالية‪ ،‬له إلمام بموضوع فني أو علمي‬
‫أو عملي‪ ،‬يستعين به القضاء في أمور تدخل في اختصاصه‪ ،‬وال يجوز للخبير أن يتجاوز‬
‫المهمة المعهود له بها‪ ،‬ويشترط فيه أن يكون إنسانيا واجتماعيا‪.5‬‬

‫وقد عرف المشرع المغربي الخبير القضائي بموجب القانون رقم ‪ 05.11‬المتعلق‬
‫بالخبراء القضائيين‪ ،6‬بحيث جاء في مادته األولى ما يلي‪" :‬يعتبر الخبراء القضائيون من‬
‫مساعدي القضاء ويمارسون مهامهم وفق الشروط المنصوص عليها في هذا القانون وفي‬
‫النصوص الصادرة تطبيقا له" كما جاء في مادته الثانية‪" :‬الخبير القضائي هو المختص‬
‫الذي يتولى لتكليف من المحامة التحقيق في نقط تقنية وفنية‪ ،‬ويمنع عليه أن يبدي أي‬
‫رأي في البوانب القانونية"‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫الفيروز آبادي‪ ،‬القاموس المحيط‪ ،‬الصفحة ‪ . 093‬مأخوذ عنإبراهيم سليمان زامل القطاونة‪" ،‬المسؤولية الجزائية للخبير القضائي في نطاق خبرته‬
‫دراسة مقارنة (األردن‪ -‬اإلمارات العربية المتحدة)"‪ ،‬الصفحة ‪ .313‬دراسات‪ ،‬علوم الشريعة والقانون‪ ،‬المجلد ‪ ،03‬ملحق ‪.1130 ،1‬‬
‫‪2‬‬
‫سورة الفرقان‪ ،‬اآلية ‪.53‬‬
‫‪3‬‬
‫سورة فاطر‪ ،‬اآلية ‪.30‬‬
‫انظر بتصرف‪ :‬الفروق اللغوية ألبي الهالل العسكري (ص‪ ،)10 :‬مأخوذ من شبكة األنترنيت‪ ،‬رابط الموضوع ‪:‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪https://www.alukah.net/sharia/0/123004/#ixzz6b2Kjh6KE‬‬
‫عبد العزيز توفيق‪ ،‬شرح قانون المسطرة المدنية و التنظيم القضائي‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ 3335 ،‬ص ‪.391‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪6‬‬
‫الجريدة الرسمية عدد ‪ 0339‬بتاريخ ‪ 11‬ربيع اآلخر ‪ 33( 3011‬يوليو ‪ ،)1113‬ص ‪.3919‬‬

‫‪545‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬وفقد عرف الفصل ‪ 55‬من قانون المسطرة المدنية الخبرة القضائية‬
‫بأنها إجراء من إجراءات التحقيق في الدعوى التي يمان أنتأمر بها المحكمة بناء على طلب‬
‫األطراف أو أحدهم أو تلقائيا‪.‬‬

‫وتجدر اإلش ارة إلى أن النظام التشريعيلمهنة الخبير القضائي عرف تطو ار مهما‪ ،‬إذ في‬
‫بداية األمر نظم المشرع المغربي مهنة الخبير القضائي بموجب ظهير ‪ 31‬غشت ‪3331‬‬
‫المتعلق بقانون المسطرة المدنية و تحديدا في الفصول ‪ 05‬و ‪ 01‬و ‪ 01‬و ‪ 191‬و ‪،1191‬‬
‫ثم بعد ذلكبموجب ظهير ‪ 11‬مارس ‪ 3311‬المتعلق بوضع جدول الخبراء و التراجمة‬
‫العدليينالذي جاء بعدما بينت الممارسة العملية بعد مرور ‪ 01‬سنة عن تطبيق القانون السابق‬
‫عن ضرورة إعادة تنظيم مهنة الخبير القضائي باعتبارها مهنة حرةتساعد في تحقيق العدالة‪،‬‬
‫و انتهاء بالظهير الشريف رقم ‪ 3.13.311‬الصادر بتاريخ ‪ 13‬ربيع األول ‪11(3011‬‬
‫يونيو ‪)1113‬بتنفيذ القانون ‪ 05.11‬المتعلق بالخبراء القضائيين‪.2‬‬

‫وكسائة األنشطة التي يقوم بها المهنيين‪ ،‬فإن النشاط المبذول من جانب الخبراء هو‬
‫أيضا عمل منسوبإلنسان بالدرجة األولى‪ ،‬وبالتالي فقد يرد عليه الخطأ والنسيان‪ ،‬و ربما‬

‫نظم ظهير ‪ 31‬غشت ‪ 3331‬المتعلق بقانون المسطرة المدنيةشروط اكتساب صفة خبير قضائي و كيفية وضع جداول الخبراء المقبولين لدى‬ ‫‪1‬‬

‫محاكم الموضوع و ذلك في الفصول ‪ 05‬و ‪ 01‬و ‪ 01‬و ‪.191 191‬‬


‫‐ نظم الخبرة القضائية و الخبير القضائي في قانون واحد‪.‬‬
‫‐ لم يحدد شروط اكتساب صفة خبير قضائي‪.‬‬
‫‐ سمح للقاضي و عند عدم وجود خبراء مسجلين بالجدول أن يعين خبراء من خارج الجدول‪.‬‬
‫‐ لم يتطرق إلى مسطرة التأديب‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫الجريدة الرسمية عدد ‪ 0339‬بتاريخ ‪ 11‬ربيع الثاني ‪ 33( 3011‬يوليو ‪ ،)1113‬الصفحة ‪.3919‬‬
‫‐ عرف القانون ‪ 05.11‬المتعلق بالخبراء القضائيين الخبير القضائي و ميز بين الشخص الطبيعي و الشخص المعنوي‪ ،‬و حدد مجال‬
‫االستعانة به باالقتصار على الجانب التقني دون القانوني‪ ،‬كما حدد كيفية وضع جداول الخبراء و شروط التسجل فيها‪ ،‬و ميز بين‬
‫الجدول الوطني و جدول الخبراء المسجلين لدى محاكم االستئناف‪.‬‬
‫‐ حدد شروط اكتساب ص فة خبير قضائي كتوفر المترشح على مقاييس علمية تراعى فيها مؤهالته الجامعية و عناصر التخصص‪ ،‬مع تجربة‬
‫ميدانية‪.‬‬
‫‐ حدد حقوق و واجبات الخبراء‪ ،‬و وضع آليات لمراقبة الخبراء القضائيين‪.‬‬
‫‐ حدد أنواع العقوبات التأديبية و بين مسطرة المتابعة و الجهة المختصة‪ ،‬و أورد مقتضيات زجرية‪.‬‬

‫‪546‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫التحيز في بعض األحيان‪ ،‬و النتيجة الحتمية المترتبة على ذلك أن الخبير قد يكون محال‬
‫للمسائلة سواء منها التأديبية‪ ،‬أو المدنية‪ ،‬أو الجنائية‪ ،‬حسب الظروف و األحوال‪.1‬‬

‫وهنا تظهر أهمية هذا الموضوع الذي سنتطرق له‪ ،‬في كونه يتطرق لمناقشة مسؤولية‬
‫الخبير القضائي باعتباره شخصامن أهم مساعدي القضاء‪،‬بل األكثر من ذلك فإن العديد من‬
‫األحكام و الق اررات القضائية تبنى على نتائج تقريره و على الخالصات التي ينتهي إليها هذا‬
‫من جهة أولى‪ ،‬و من جهة ثانية نظ ار لكون لجوء القضاء في اآلونة األخيرة إلى الخبراء في‬
‫العديد من القضايا ذات الطابع التقني أو الفنيأو العلمي أضحى ملحوظابشكل كبير‪.‬‬

‫و حتى نتمكن من اإلحاطة بأهم جوانب هذا الموضوع‪ ،‬سنقسمهإلى المحاور التالية ‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬المسؤولية التأديبية أو األدبية للخبير القضائي‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬المسؤولية المدنية للخبير القضائي‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬المسؤولية الجنائية للخبير القضائي‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬المسؤولية التأديبية أو األدلية للخبير القضائي‬

‫كل خبير يخل بالتزاماته المرتبطة بصفته كخبير و بااللتزامات الناتجة عن أدائه لمهته‬
‫يكون محل متابعة تأديبية‪.‬‬

‫وتعرف المسؤولية التأديبية للخبير القضائي بأنها اإلجراءات المترتبة على إخالل‬
‫الخبير بواجب مهني مرتبط بمزاولة الخبرة القضائية والتي تنتهي بثبوت خطئه وتوقيع جزاء‬
‫تأديبي عليه من قبل السلطة التأديبية المختصة‪.2‬‬

‫محمد الكشبور‪ ،‬الخبرة القضائية في قانون المسطرة المدنية‪-‬دراسة مقارنة‪ -‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬سنة ‪،1111‬‬ ‫‪1‬‬

‫ص ‪.301‬‬
‫‪2‬‬
‫عبد السالم بوهوش دكتور‪ ،‬قاض ملحق بو ازرة العدل‪ ،‬المسؤولية التأديبية للخبير القضائي –دراسة مقارنة‪ -‬الصفحة ‪ .311‬مأخوذ من شبكة‬
‫األنترنيت‪ ،‬رابط الموضوع ‪.https://www.cnej.ma/uploads/documentActualite/59615e8bebc99702533465.pdf :‬‬

‫‪547‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫كما تتمثل المسؤولية األدبية للخبير في اإلخالل بواجب أخالقي تفرضه عليه العادات‬
‫المهنية‪ ،‬مثل التحلي ببعض الصفات الخاصة كالصدق والجدية في العمل واحترام المواعيد‬
‫المضروبة للخصوم واالبتعاد عن كل ما يضع الشخص عادة موضع شبهة أمام الناس ‪.1...‬‬

‫وفي هذا اإلطار فقد ألزم المشرع المغربي الخبير بأخالقيات المهنةو هو ما نستخلصه‬
‫من خالل ما جاء مضمنا لليمينالذي يؤديه عند تسجيله في الجدول ألول مرةالمتمثل في ما‬
‫يلي‪:‬‬

‫"أاسم بالله العظيم أن أؤدي مهام الخبرة التي يعهد لها إلي بأمانة و إخالص و‬
‫نزاهة‪ ،‬و أن ألدي رأيي با تبرد و استقالل و أن أحافظ على السر المهني "‪.2‬‬

‫وتعد اللجنة المشار إليها في المادة ‪3 9‬من القانون رقم ‪ 05.11‬المتعلق بالخبراء‬
‫القضائيين صاحبة االختصاص في إجراء المتابعات في حق الخبراء االقضائيين‪ ،‬و تتخذ‬
‫العقوبات التأديبية ضد كل خبير ارتكب مخالفة للنصوص القانونية أو التنظيمية المتعلقة‬
‫بالخبرة أو أخل بواجباته المهنية أو بخصال المروءة و الشرف و النزاهة‪.4‬‬

‫ذاك أنه بالرجوع إلى مقتضيات المادة ‪ 9‬من القانون المذكور‪ ،‬نجدها تنص على أنه‬
‫تحدث بو ازرة العدل لجنة يعهد إليها بمهمة ممارسة السلطة التأديبية تجاه الخبراء القضائيين‪،‬‬
‫و بحسب المادة ‪ 3‬من نفس القانون فإن هذه اللجنة تتألف من ممثل لوزير العدل بصفته‬
‫رئيسا و ثالثة رؤساء أولين لمحاكم استئناف‪ ،‬ثالثة وكالء عامين للملك لدى محاكم‬
‫االستئناف و كذا خبيران قضائيان من بينهما رئيس الهيئة أو من ينتدب لهذه الغاية‪ ،‬و تتخذ‬
‫ق اررات اللجنة باألغلبية المطلقة ألعضائها ‪.5‬‬

‫محمد الكشبور‪ ،‬الخبرة القضائية في قانون المسطرة المدنية‪-‬دراسة مقارنة‪ -‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬سنة ‪،1111‬‬ ‫‪1‬‬

‫ص ‪.303‬‬
‫المادة ‪ 39‬من من القانون رقم ‪ 05.11‬المتعلق بالخبراء القضائيين‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫تنص المادة ‪ 9‬من القانون رقم ‪ 05.11‬المتعلق بالخبراء القضائيينعلى ما يلي ‪" :‬تحدث بو ازرة العدل لجنة يعهد إليها بما يلي ‪:‬‬ ‫‪3‬‬

‫‐ دراسة طلبات التسجيل في جدول الخبراء القضائيين و اتخاذ الق اررات المتعلقة بالتسجيل المذكور؛‬
‫‐ إعداد جداول الخبراء القضائيية و مراجعتها؛‬
‫‐ ممارسة السلطة التأديبية تجاه الخبراء القضائيين‪".‬‬
‫المادة ‪ 13‬من القانون رقم ‪ 05.11‬المتعلق بالخبراء القضائيين‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫المادة ‪ 31‬من القانون رقم ‪ 05.11‬المتعلق بالخبراء القضائيين‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪548‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫و لقد حددت المادة ‪ 10‬من القانون المذكور العقوبات التأديبية فيما يلي ‪:‬‬

‫‪ -‬اإلنذار؛‬

‫‪ -‬التوبيخ؛‬

‫‪ -‬المنع المؤقت من مزاولة الخبرة القضائية لمدة ال تزيد على سنة؛‬

‫‪ -‬التشطيب من الجدول‪.‬‬

‫وتجدر اإلشارة في هذا المقام إلى أنه فيما يخص مقتضياتالمادة المذكورة المتعلقة‬
‫بالعقوبات التأديبية الصادرة في حق الخبراء‪ ،‬أنه بالنسبة للمنع من ممارسة الخبرة القضائية‬
‫لمدة ال تزيد عن سنة‪ ،‬فالخبير يمكنه ممارسة الخبرة االتفاقية أو الحرة خالل مدة المنع‪ ،‬أما‬
‫التشطيب من الجدول فال يمكن أن يتم دون متابعة تأديبية من أجل األفعال المذكورة سابقا‪.1‬‬

‫و حرصا من المشرع المغربي على حماية الخبير من تعسف اإلدارة‪ K‬و على عكس‬
‫ما سارت عليه بعض التشريعات المقارنة‪ ،‬فقد جعل ق اررات السلطة المكلفة بالتأديب خاضعة‬
‫للرقابة القضائية‪ ،‬إذ بالرجوع إلى مقتضيات المادة ‪ 03‬من القانون المذكورنجدها تنص على‬
‫أنه تكون المقررات التأديبية قابلة للطعن فيها أمام المحاكم اإلدارية بسبب التجاوز في‬
‫استعمال السلطة‪ ،‬طبقا للقواعد و اإلجراءات المنصوص عليها في القانون رقم ‪31.03‬‬
‫المحدثة بموجبه المحاكم اإلدارية‪ ،‬و يروم هذا الطعن إلى إلغاء القرار اإلداري التأديبي لكونه‬
‫متسما بعيب من عيوب عدم المشروعية‪.‬‬

‫و في هذا اإلطار نذكر على سبيل المثال ما جاء في إحدى حيثيات حكم صادر عن‬
‫المحكمة اإلدارية بالدار البيضاء ‪":‬إن قاضي اإللغاء ينحصر دوره في مراقبة مدى شرعية‬
‫الق اررات اإلدارية المطعون فيها أمامه باإللغاء دون أن يتعدى ذلك إلى توجيه أوامر لإلدارة‬
‫اعتبا ار لكونه يقضي و ال يدير‪ ،‬لذا يكون الطلب الرامي إلى توجيه أمر لإلدارة غير مقبول"‪.2‬‬

‫رضا الجداوي‪" ،‬الخبرة القضائية في ضوء القانون المغربي"‪ ،‬بحث لنيل اإلجازة في القانون الخاص تحت إشراف األستاذ محمد سليم الورياكلي‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫جامعة الحسن الثاني المحمدية كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،1110/1111 :‬الصفحة ‪.13‬‬
‫‪2‬‬
‫حكم غير منشور صادر بتاريخ ‪ 33‬أكتوبر ‪ 1111‬عن المحكمة اإلدارية بالدار البيضاء في الملف عدد ‪.1111/15‬‬

‫‪549‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫و باستقراء مقتضيات الفقرتين األولى و األخيرة من المادة ‪ 11‬من نفس القانون‪،‬‬


‫نجد هما تنصان على أنه يستدعي رئيس اللجنة المكلفة بالتأديب الخبير للمثول أمامها‬
‫بواسطة رسالة مضمونة مع اإلشعار بالتوصل أو عن طريق النيابة العامة‪ .‬و يجب أن‬
‫يفصل بين تاريخ الجلسة و تاريخ التوصل باالستدعاء أجل ال يقل عن خمسة عشر يوما‪ .‬و‬
‫يصرف النظر عن حضور الخبير الذي تغيب رغم توصله قانونا باالستدعاء‪.‬‬

‫و في هذا الصدد فقد جاء في إحدى حيثيات حكم صادر عن المحكمة اإلدارية بالدار‬
‫البيضاء ما يلي ‪" :‬إن المحاكمات التأديبية يجب أن تجرى على أصول و ضوابط تكفل‬
‫سالمة الق اررات التي تصدرها الهيئات المنوط بها إجراء المحاكمة‪ ،‬و من مقومات‬
‫المحاكمات التأديبية إشعار المتابع تأديبيا باألفعال المنسوبة إليه قبل انعقاد المجلس التأديبي‬
‫و تمكينه من الدفاع عن نفسه‪.....‬إخالل المجلس التأديبي بهذه اإلجراءات األساسية يؤدي‬
‫إلى بطالن القرار التأديبي للشطط في استعمال السلطة‪"1.‬‬

‫و نذكر كذلك حكم حديث صادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط قضى برفض الطلبفي‬
‫دعوى تقدم بها خبير قضائي التمس بموجبها إلغاء القرار التأديبي الصادر عن السيد وزير‬
‫العدل و القاضي بالتشطيب عليه من جدول الخبراء القضائيين‪ ،2‬مؤاخذا على هذا القرار‬
‫كونه جاء مشوبا بعيبي خرق القانون و انعدام التعليل و السبب‪ ،‬معلال مؤاخذاته تلك بكون‬
‫اللجنة التأديبية خرقت مقتضيات المادتين ‪ 11‬و ‪ 11‬من القانون ‪ 05.11‬نتيجة عدم‬
‫اطالعه على وثائق الملف التأديبي مما شكل مسا بحقه في الدفاع‪ ،‬إضافة إلى عدم سالمة‬
‫ما نحاه القرار باعتماده على تقرير المفتشية العامة و ازرة العدل لكونه يعمل بصفة حرة و ال‬
‫يخضع لو ازرة العدل و ال ألي جهة إدارية‪ ،‬ونظ ار ألهمية هذا الحكم نورد حيثياته التي جاء‬
‫فيها‪:‬‬

‫بخصوص عيب الشكل ‪:‬‬

‫"حيث استند الطاعن في تأسيس وسيلته على مخالفة القرار المطعون فيه لقاعدة إلزامية‬
‫التعليل نظ ار لعدم وضوح و تفصيل التعليل التي ارتكز عليها القرار‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫حكم غير منشور صادر بتاريخ ‪ 13‬شتنبر ‪ 1110‬عن المحكمة اإلدارية بالدار البيضاء في الملف عدد ‪.1111/3151‬‬
‫‪2‬‬
‫حكم عدد ‪ 1113‬صادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط بتاريخ ‪ 1131/11/30‬في الملف عدد ‪.1131/1331/153‬‬

‫‪550‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫و حيث إن القانون رقم ‪ 11.13‬جعل التعليل تاما باإلفصاح كتابة في صلب الق اررات‬
‫اإلدارية السلبية عن األسباب الداعية إلصدارها‪.‬‬

‫و حيث إنه بالرجوع للقرار المطعون فيه المدلى به في الملف يتبين أنه جاء متضمنا‬
‫للعناصر الواقعية و القانونية التي ارتكز عليها‪ ،‬عن طريق التنصيص في صلبه على كون‬
‫سبب إصداره يرجع إلخالل الطاعن بالتزاماته المهنية كخبير قضائي عن طريق إفشائه للسر‬
‫المهني ألحد أطراف الخبرة المسمى ‪ ،......‬و موضحا ألوجه إثبات هذه المخالفة من خالل‬
‫تقرير المفتشية العامة لو ازرة العدل و التقرير المشترك المنجز من طرف الرئيس األول‬
‫لمحكمة االستئناف بمراكش و الوكيل العام بها‪ ،‬و مفصال للنصوص القانونية و التنظيمية‬
‫المطبقة‪ ،‬مما يتبين معه أن الجهة المطلوبة في الطعن قد عملت على اإلفصاح كتابة في‬
‫صلب القرار ذاته عن األسباب الداعية إلصداره‪ ،‬و هو ما يجعله معلال تعليال كافيا و محققا‬
‫للغاية منه بإعالم المعني باألمر باألسباب التي تم االرتكاز عليها في القرار‪ ،‬و لذلك تكون‬
‫وسيلة الطعن غير ذات أساس‪".‬‬

‫بخصوص عيب مخالفة القانون ‪:‬‬

‫"حيث أسس الطاعن وسيلة طعنه على خرق اللجنة التأديبية للفصلين ‪ 11‬و ‪ 1‬من‬
‫القانون رقم ‪ 05.11‬نتيجة عدم اطالعه على وثائق الملف التأديبي مما يشكل مسا بحق‬
‫الدفاع و كذا على عدم سالمة ما نحاه القرار باعتماده على تقرير المفتشية العامة و ازرة‬
‫العدل لكونه يعمل بصفة حرة و ال يخضع لو ازرة العدل و ال ألي جهة إدارية أخرى‪.‬‬

‫لكن حيث إنه من جهة أولى‪ ،‬و بخصوص ما أثير من عدم إخبار الطاعن بحقه في‬
‫االطالع على وثائق الملف التأديبي طبقا للمادة ‪ 11‬من القانون ‪ ،05.11‬فإن البين من‬
‫نص المادة المستدل بها أنها قررت حقوق الدفاع التي يتمتع بها الخبير أثناء المسطرة‬
‫التأديبية دون أن تنص على ما يلزم اللجنة التأديبية بإخبار الموظف بها‪ ،‬ألنها حقوق‬
‫منصوص عليها في القانون و العلم بها مفترض و ممارستها غير متوقفة على اإلخبار بها‬
‫من اللجنة المذكورة‪ ،‬و لذلك ال تكون هذه األخيرة في وضعية خرق للقانون إال إذا تمسك‬
‫المعني باألمر بهذه الضمانات و رفضت تمكينه منها‪ ،‬و هو األمر الذي لم يثبت في‬

‫‪551‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫النازلة‪ ،‬لعدم قيام الدليل على توجيه طلب الطاعن للجنة قصد االطالع على وثائق الملف‬
‫التأديبي‪ ،‬و تحقق رفضها بعد ذلك‪ ،‬و فضال عن ذلك فإن البين في الملف عدم ثبوت خرق‬
‫القرار ألي من حقوق الدفاع المنصوص عليها قانونا‪ ،‬طالما أن المسطرة التأديبية تمت وفقا‬
‫لقاعدة التواجهية‪ ،‬و تم تمكين الطاعن من إبداء أوجه دفاعه عن طريق االستماع إليه سواء‬
‫أمام المفتشية العامة لو ازرة العدل أو أمام اللجنة التأديبية‪ ،‬مما يجعل الوسيلة المثارة غير‬
‫ذات أساس‪.‬‬

‫و حيث إنه من جهة ثانية‪ ،‬و بخصوص ما تمسك الطاعن من عدم صحة االعتماد‬
‫في القرار التأديبي على تقرير المفتشية العامة لو ازرة العدل لكونه يعمل بصفة حرة و ال‬
‫يخضع لو ازرة العدل و ال ألي جهة إدراية أخرى‪ ،‬فإنه يبقى غير مؤسس‪ ،‬ذلك أنه قطاع‬
‫الخبراء القضائيين يظل خاضعا لمراقبة و ازرة العدل‪ ،‬إذ أن التسجيل بداية في الجدول يكون‬
‫بقرار لوزير العدل وفقا للمادة السادسة من القانون ‪ 05.11‬المتعلق بالخبراء القضائيين‪ ،‬كما‬
‫أن اللجنة التي تختص بتنظيم كل ما يتصل بالخبراء القضائيين نص القانون على إحداثها‬
‫بو ازرة العدل و يترأسها وزير العدل حسب المادة الثامنة من نفس القانون‪ ،‬و هي الجهة نفسها‬
‫تختص بتنظيم الحلقات الدراسية لفائدة الخبراء القضائيين إعماال للمادة ‪ 11‬من القانون‬
‫المستدل به آنفا‪ ،‬و فضال عن ذلك فإن المادة ‪ 11‬منه ألزمت كل خبير قضائي بتوجيه‬
‫تقرير لوزير العدل عند نهاية كل سنة تحت طائلة عدم تجديد تسجيله في الجدول يتضمن‬
‫عدد الخبرات المنجزة و المحكمة التي أصدرت مقرر الخبرة و تاريخ التبليغ بالخبرة و األجل‬
‫المحدد لإلنجاز و تاريخ إيداع التقرير بكتابة الضبط‪ ،‬األمر الذي يثبت معه أن القانون أسند‬
‫بوضوح لو ازرة العدل مهمة اإلشراف على تنظيم قطاع الخبراء القضائيين‪ ،‬مما يكون ما‬
‫تمسك به الطاعن من عدم خضوعه لو ازرة العدل غير مؤسس‪ ،‬و فضال عن ذلك‪ ،‬فإن تقرير‬
‫المفتشية العامة لو ازرة العدل الذي استند عليه القرار يعد وثيقة رسمية ال يطعن فيها إال‬
‫بالزور و بذلك فهي وسيلة إثبات مقبولة بخصوص الوقائع المنسوبة للطاعن بصرف النظر‬
‫عن خضوعه للمفتشية المذكورة‪.................‬و حيث إنه استنادا إلى ذلك تكون وسيلة‬
‫الطعن غير مؤسسة‪".‬‬

‫‪552‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫بخصوص عيب السبب ‪:‬‬

‫"حيث أسس الطاعن وسيلة طعنه على عدم ثبوت المخالفة التي تمت مؤاخذته من‬
‫أجلها و عدم صحة تكييف الوقائع المنسوبة إليه ضمن مجال المخالفات التأديبية‪ ،‬متمسكا‬
‫بكون إفشاء السر المهني هي مخالفة لم تكن محل شكاية من المتضرر بعلة أن المشتكي‬
‫وجه شكايته على أساس قيام الخبير باالتفاق على نتيجة الخبرة مع الهيئة القضائية و ليس‬
‫إفشاء السر المهني‪.‬‬

‫لكن حيث إن البين من تقرير المفتشية العامة لو ازرة العدل الذي اعتمد على شريط‬
‫صوتي محمل على قرص مدمج‪ ،‬أن الطاعن بصفته خبي ار قضائيا جالس أحد أطراف النزاع‬
‫بأحد مطاعم مراكش و تحدث له عن بعض جوانب المهمة التي كلف بها من طرف محكمة‬
‫االستئناف التجارية بمراكش في إطار نفس النزاع‪ ،‬بالقول أن رئيس الهيئة القضائية المكلفة‬
‫بالبت في النزاع استدعى الخبراء المعنيين في الملف و أعطاهم تعليمات حول الخبرة و‬
‫متهما إياه "بجمع المال قبل إحالته على التقاعد السنة المقبلة" و تلقيه تعليمات من الرئيس‬
‫األول‪ ،‬و هو ما يثبت معه أن الوقائع المنسوبة إليه ثابتة في حقه‪ ،‬و هي وقائع تشكل‬
‫مخالفة إفشاء السر المهني خالفا لاللتزامات الملقاة على عاتقه بموجب اليمين التي يؤديها‬
‫كل خبير عند تسجيله بجدول الخبراء القضائيي ن و التي يقسم من خاللها على كتمان السر‬
‫المهني‪ ،‬لكون المعلومات التي أفشاها الطاعن للمشتكي إنما تتصل بصالحيات المراقبة أثناء‬
‫إنجاز الخبير للخبرة التي أقرتها المادة ‪ 11‬من القانون ‪ 05.11‬للمستشار المقرر‪ ،‬إذ أن‬
‫البين من تصريحات الطاعن كما نقلها تقريرالمفتشية العامة أن رئيس الهيئة استدعى الخبراء‬
‫المعينين في الملف‪ ،‬و طلب منهم "يحاولو يوازيو" وفقا للصيغة التي صرح بها المعني‬
‫باألمر‪ ،‬و هو قول يشكل توجيها للخبراء في إطار القانون قصد مراعاة التوازن بين الحقوق‬
‫المشروعة لألطراف وفقا لما تقتضيه النصوص الجاري بها العمل من حياد و تجرد للخبير‬
‫أثناء إنجاز مهامه‪ ،‬و توظيفها ينبغي أن يظل محصو ار في مجال هذه المهام‪ ،‬و من ثم فإن‬
‫المخالفة المهنية موضوع الملف تكون ثابتة في مواجهة الطاعن‪ ،‬و وسيلة الطعن في هذا‬
‫الشق غير ذات أساس‪.‬‬

‫‪553‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫و فضال عن ذلك‪ ،‬فإن ما أثاره الطاعن من كون إفشاء السر المهني هي مخالفة لم‬
‫تكن محل شكاية من المتضرر بعلة أن المشتكي وجه شكايته على أساس قيام الخبير‬
‫باالتفاق على نتيجة الخبرة مع الهيئة القضائية و ليس إفشاء السر المهني‪ ،‬فإنه يبقى غير‬
‫ذي أساس‪ ،‬ذلك أنه من جهة أولى‪ ،‬فإن التزام الخبير بكتمان السر المهني هو التزام من‬
‫النظام العام مقرر بنص القانون‪ ،‬و من ثم فإثارة خرق هذا االلتزام المهني يظل غير متوقف‬
‫على وجوب تقديم شكاية من األغيار‪ ،‬و من ثم يمكن إثارته تلقائيا من الجهات التي لها‬
‫صالحية المراقبة على الخبراء‪ ،‬و من جهة ثانية‪ ،‬فإن وزير العدل عند إصدار قرار‬
‫التشطيب من جدول الخب ارء القضائيين في حق الطاعن على أساس ثبوت مخالفة إفشار‬
‫السر المهني‪ ،‬إنما اعتمد على نفس الوقائع التي كانت موضوع شكاية من طرف المتضرر و‬
‫نفس وسائل اإلثبات التي أدلى بها‪ ،‬و لم يثر أي وقائع جديدة لم تعرض على الطاعن أثناء‬
‫المسطرة التأديبية‪ ،‬و هي وقائع يبقى للجنة التأديبية إدراجها ضمن التكييف القانوني السليم‪،‬‬
‫بغض النظر عن العبارات التي استعملها المشتكي في شكايته‪ ،‬األمر الذي يجعل القرار‬
‫المطعون فيه لما كيف الوقائع المذكورة في إطار مخالفة إفشاء السر المهني األمر غير‬
‫خارق ألي نص قانوني‪ ،‬مما يكون معه هذا الشق من وسيلة الطعن غير مؤسس‪".‬‬

‫و حيث فضال عما ذكر و استنادا إلى مقتضيات الفصل ‪ 13‬من قانون المسطرة‬
‫المدنية‪ ،‬نجد المشرع المغربي قد مكن القاضي من الحكم على الخبير بغض النظر عن‬
‫العقوبة التأديبية بالمصاريف و التعويضات المترتبة عن تأخره غير المبرر في إنجاز المهمة‬
‫الموكولة إليه داخل األجل المحدد لها لفائدة الطرف المتضرر‪ ،‬إضافة إلى إمكانية الحكم‬
‫عليه بغرامة يؤديها لفائدة الخزينة‪ .1‬غير أنه تجدر اإلشارة إلى أن هاته العقوبة تبقى‬
‫اختيارية و ليست إلزامية‪.‬‬

‫باإلضافة إلى المخالفات التأديبية السالفة الذكر نجد أيضا امتناع الخبير عن القيام‬
‫بالمهمة الموكولة إليه من لدن المحكمة بدون عذر أو مبرر‪ .‬و لقد تم التنصيص على هذا‬
‫‪1‬‬
‫ينص الفصل ‪ 13‬من ق‪.‬م‪.‬م على ما يلي ‪" :‬إذا لم يقم الخبير بالمهمة المسندة إليه داخل األجل المحدد له أو لم يقبل القيام بها‪ ،‬عين القاضي‬
‫بدون استدعاء األطراف خبي ار آخر بدال منه وأشعر األطراف فو ار بهذا التغيير‪ .‬بصرف النظر عن الجزاءات التأديبية‪ ،‬يمكن الحكم على الخبير‬
‫الذي لم يقم بالمهمة المسندة إليه أو رفضها بدون عذر مقبول بالمصاريف والتعويضات المترتبة عن تأخير إنجازالخبرة للطرف المتضرر كما يمكن‬
‫الحكم عليه بغرامة لفائدة الخزينة"‪ .‬و قد تم تعديل الفصل ‪13‬المذكور بموجب القانون رقم ‪ 95.11‬الصادر األمر بتنفيذه بمقتضى الظهير الشريف‬
‫رقم ‪3.11.105‬بتاريخ ‪ 13‬رمضان ‪ 11 (3013‬ديسمبر ‪.)1111‬‬

‫‪554‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫االلتزام من طرف المشرع بمقتضى الفصل ‪ 13‬من قانون المسطرة المدنية إضافة إلى‬
‫المادتين ‪ 15‬و ‪ 15‬من القانون رقم ‪ 05.11‬المتعلق بالخبراء القضائيين‪ .‬إذ باستقراء المادة‬
‫‪ 15‬المذكورة نجدها تنص على أنه ال يجوز للخبير أن يمتنع عن إنجاز الخبرة عند تعيينه‬
‫في إطار المساعدة القضائية أو في الحالة التي يعتبر فيها أن األتعاب المحددة له غير‬
‫كافية‪ ،‬و يمكن له بعد اإلنجاز طلب أتعاب إضافية وفق النصوص القانونية المتعلقة‬
‫بالمصاريف القضائية‪.‬‬

‫و فضال عما سبق و كما هو معلوم‪ ،‬فإن الخبرة القضائية يجب أن تتسم بالتواجهية و‬
‫الحضورية‪ ،‬و هو أمر يجب على الخبير االلتزام به و يقع على عاتق المحكمة مهمة التأكد‬
‫من مدى مراعاته احتراما لحقوق الدفاع‪،‬و في حالة عدم تقيد الخبير بمبدأ الحضورية‪،‬فإنه‬
‫يترتب عن ذلك قيام مسؤوليته التأديبية إلخالله بالتزام قانوني و مهني‪ ،‬و هو ما يتأكد من‬
‫خالل مقتضيات الفصل ‪ 11‬من قانون المسطرة المدنية الذي ينص على ما يلي ‪:‬‬

‫"يجب على الخبير تحت طائلة البطالن‪ ،‬أن يستدعي األطراف و وكالئهم لحضور‬
‫إنجاز الخبرة‪ ،‬مع إمكانية استعانة األطراف بأي شخص يرون فائدة في حضوره‪.‬‬

‫يجب عليه أن ال يقوم بمهمته إال بحضور أطراف النزاع و وكالئهم أو بعد التأكد من‬
‫توصلهم باالستدعاء بصفة قانونية ما لم تأمر المحكمة بخالف ذلك إذا تبين لها أن‬
‫هناك حالة استعجال‪".‬‬

‫و في هذا اإلطار‪ ،‬فإن محكمة النقض استقرت على نقض أي حكم أو قرار قضائيين‬
‫تبين خرقهما لمقتضيات الفصل ‪ 11‬من ق‪.‬م‪.‬م‪ ،‬مشددة في ذات اآلن على أن األمر يتعلق‬
‫بخرق جوهري‪ ،‬وهو ما يتضح في عدة ق اررات نذكر منها على سبيل المثال ال الحصر ‪:‬‬

‫‪ -‬القرار الصادر بتاريخ ‪1 1135/11/11‬و الذي جاء فيه ما يلي‪:‬‬

‫" ‪ ...‬و الحال أن القرار المطعون فيه قضى بتأييد الحكم المستأنف القاضي بأداء‬
‫الدولة المغربية في شخص رئيس الحكومة لفائدة المطلوب في النقض التعويض المحكوم به‬
‫بما يعنيه ذلك من أنها هي المعنية مباشرة بالنزاع و أن عدم استدعائها أو الوكيل القضائي‬

‫‪ -1‬القرار عدد ‪ 1/511‬الصادر عن محكمة النقض بتاريخ ‪ 1135/11/11‬في الملف عدد ‪.1311/0/1/1130‬‬

‫‪555‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الذي ينوب عنها لحضور الخبرة‪ ،‬يعتبر خرقا لمقتضيات الفصل ‪ 11‬من ق‪.‬م‪.‬م مما يجعل‬
‫قرارها معلال تعليال فاسدا ينزل منزلة انعدامه وعرضة للنقض"‪.‬‬

‫وعموما‪ ،‬يمكن القول أن إخضاع ق اررات السلطة التأديبية للخبراء القضائيين يشكل‬
‫ضمانة قوية لحماية حقوقهم ضد أي تجاوز منسوب لإلدرة‪ ،‬وإذا كان القضاء اإلداري يسلط‬
‫رقابته على هذه الق اررات‪ ،‬فإن ذلك يشكل أيضا مساهمة منه في تخليق عمل الخبراء‬
‫القضائيين وجعلها في مستوى التطالعات المنشودة‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬المسؤولية المدنية للخبير القضائي‬

‫المسؤولية المدنية هي المسؤولية التي تهدف إلى جبر الضرر (التعويض) الذي يصيب‬
‫المضرور‪ ،‬و المسؤولية المدنية نوعان‪ ،‬إما مسؤولية عقدية و التي هي جزاء إخالل المدين‬
‫بإلتزام عقدي و إما مسؤولية تقصيرية و هي جزاء إخالل الشخص بإلتزام قانوني مفروض‬
‫عليه‪.1‬‬

‫بالنسبة لتكييف المسؤولية المدنية للخبير‪ ،‬فالرأي الذي ساد قديما هو أن الخبير الذي‬
‫عينته المحكمة لمساعدتها يعتبر في الحقيقة وكيل عن جميع الخصوم في الدعوى لذلك‬
‫كانت مسؤوليته تعتبر مسؤولية مدنية تعاقدية‪ ،‬لكن سرعان ما اتضح فساد هذا التكييف و‬
‫خاصة بعدما قررت محكمة النقض الفرنسية أن الخبراء القضائيين المعينين من طرف‬
‫المحكمة ال يعتبرون وكالء عن الخصوم‪.2‬‬

‫و انطالقا من هذا التكييف األخير استقر الفقه و القضاء سواء الفرنسي أو المغربي‬
‫على أن الخبير القضائي متى ارتكب خطأ مهنيا أضر بأحد الخصوم‪ ،‬فإنه تترتب عليه‬
‫مسؤولية تقصيرية‪.3‬‬

‫و في نفس السياق‪ ،‬نشيرإلى التوجه الذي كان يقر بخضوع الخبير ألحكام مسؤولية‬
‫القضاة‪ ،‬إذ ذهبت بعض األحكام الصادرة عن القضاء الفرنسي إلى أن الخبير يتمتع‬
‫‪1‬‬
‫‪:‬‬ ‫الرابط‬ ‫االنترنيت‬ ‫من‬ ‫مأخوذ‬ ‫المدنية"‪،1135/31/13‬‬ ‫"المسؤولية‬ ‫القانونية‪،‬‬ ‫الثقافة‬ ‫مدونة‬
‫‪.http://lawbuseness.blogspot.com/2015/12/blog-post_25.html‬‬
‫‪2‬‬
‫علي الحديدي‪" ،‬الخبرة في المسائل المدنية و التجارية" دار النهضة بالمنصورة ‪ 3331‬الصفحة ‪ ،013‬مأخوذ عن رضا الجداوي‪ ،‬مرجع سابق ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫رضا الجداوي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬الصفحة ‪.01‬‬

‫‪556‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫بحصانة القاضي وذلك إذا ما اعتمد تقرير الخبرة المعد من قبله في صلب الحكم القضائي‪،‬‬
‫حيث يصبح هذا التقرير جزء من الحكم و يستعير منه خصائصه و يصبح بالتالي بمنأى‬
‫عن الطعن‪ ،1‬و قد ذهب الفقيه ‪ Demogue‬في نفس االتجاه‪ ،‬حيث رأى أن الخبير يتمتع‬
‫بحصانة القاضي في صورة اعتماد تقريره بحكم نهائي و بالتالي فال يسأل إال في حدود‬
‫مسؤولية القاضي‪ .‬إال أن هذا الرأي غير مستساغ و ذلك لسببين اثنين على األقل‪:‬‬

‫‪ .3‬أن الفصل ‪ 030‬من قانون المرافعات المدنية الفرنسي و المتعلق بمخاصمة‬


‫القضاة نص استثنائي خاص بالقضاة و أعضاء النيابة دون غيرهم و ما به‬
‫استثناء ال يمكن التوسع فيه‪.‬‬
‫‪ .1‬أن الدعوى التي يرفعها الطرف المتضرر جراء خطأ الخبير ال يبغي من ورائها‬
‫طلب إعادة النظر فيما قضى به الحكم‪ ،‬و إنما فقط يطالب بالتعويض عن‬
‫الضرر الذي لحقه نتيجة خطأ الخبير‪.2‬‬

‫بل األكثر من ذلك‪ ،‬و بتاريخ ‪ 1133/13/11‬فقد أصدرت محكمة االستئناف الفرنسية‬
‫بنانسي ‪ Nancy‬ق ار ار اعتبرت بموجبه أن الضرر ال يتعلق بتقرير الخبرة و لكنه يتعلق بقرار‬
‫المحكمة الصادر ضد الطرف المعني معللة ما انتهت إليه بمصادقة القاضي على خالصات‬
‫الخبير‪.3‬غير أنهبتاريخ ‪ 31‬شتنبر ‪ 1131‬أصدرت محكمة النقض الفرنسيةق ار ار قضى بنقض‬
‫قرار محكمة االستئناف المذكور معللة ما خلصت إليه بكون محكمة الدرجة الثانية حين‬
‫اعتبرت أن تقرير الخبرة معيب و ال يمكن االعتماد عليه‪ ،‬فإن ذلك يعني أن مراجعة الطالب‬
‫لهذه المحكمة و أمر هذه األخيرة بإجراء وسيلة من وسائل التحقيق لها عالقة السببية‬
‫باألخطاء المرتكبة من طرف الخبير‪.4‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Denis Garreau : L’expert‬و ‪COUR d’appel de Lyon : 14-1-1931 – D.1931. P.158- note M.Mincielle‬‬
‫‪judiciaire et le service public de la justice.D. S 1988 Chron XV. p .108).‬‬
‫‪2‬‬
‫الموضوع‬ ‫رابط‬ ‫األنترنيت‪،‬‬ ‫شبكة‬ ‫من‬ ‫مأخوذ‬ ‫‪،1131‬‬ ‫أكتوبر‬ ‫‪11‬‬ ‫التونسي‬ ‫المثقف‬ ‫الخبير"‪-‬‬ ‫خطأ‬
‫‪https://www.facebook.com/permalink.php?id=219456091550177&story_fbid=225683547594098 :‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Arrêt n°03/01074 rendu le 27 Janvier 2011 par la Cour d’Appel de Nancy.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Arrêt n° 11-16216 rendu le 13 Septembre 2012 par la Cour de Cassation Française, chambre civile.La Cour‬‬
‫‪de cassation a cassé l’arrêt au motif que « dès lors que la cour d’appel avait retenu que le rapport d’expertise‬‬
‫‪était critiquable et inexploitable, il en résultait que la saisie de la cour d’appel par le demandeur et les‬‬

‫‪557‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫كما ذهبت بعض األحكام في القضاء الفرنسي إلى اعتبار مسؤولية الخبير أنها‬
‫مسؤولية تعاقدية‪ ،‬على أساس أن الخبير الذي ينتدبه القـاضي من تلقـاء نفسه يعد وكيال‬
‫مشتركا للخصوم‪ ،‬و من ثم يسأل مسؤولية الوكيل أي مسؤولية عقدية‪ .‬غير أن هذا التكييف‬
‫لم يعمر كثي ار ذلك ألنه ال توجـد أي عالقـة تعاقديـة بيـن الخبير و الخصوم‪ ،‬و ال يمارس‬
‫األطراف أية رقابة أو سلطة كتلك التي يمارسها الموكل تجاه وكيله‪ ،‬و إنما يباشر الخبير‬
‫مهمته تحت إشراف و رقابة القاضي‪ ،‬عالوة على ذلك فالخبير ال يعتبر وكيال لألطراف و‬
‫إنما مساعدا للقضاء‪.1‬‬

‫وحيث إن محكمة النقض المصرية ذهبت إلى اعتبار مسؤولية الخبير القضائي ذات‬
‫طبيعة تقصيرية وذلك في صلب قرارها الصادر بتاريخ ‪ 3330/33/11‬الذي ورد به ما يلي‪:‬‬
‫{ ‪ ...‬و حسبه (أي رأي الخبير) أن يقوم بما ندب له على النحو الذي يراه محققا للغاية من‬
‫ندبه دون خروج عن حدود المأمورية الموكولة إليه أو انحراف بها في أدائها عن الغاية منها‬
‫و إال كان مسؤوال عن خطئه متى سبب ضر ار للغير }‪.2‬‬

‫و هذه الطبيعة يبدو أن المشرع التونسي تبناها بصفة جلية وهو ما يبرز من خالل‬
‫أحكام الفصل ‪ 31‬من القانون عدد ‪ 13‬لسنة ‪ 3331‬المؤرخ في ‪ 11‬جوان ‪ 3331‬و‬
‫المتعلق بالخبراء العدليين‪.3‬‬

‫وعموما‪ ،‬فإن المتقر عليه فقها وقضاء‪ ،‬هو قيام مسؤولية الخبير القضائي إذا ما‬
‫توفرت شروطها‪ ،‬سواء منها التقصيرية (‪ ،)3‬أو العقدية (‪.)1‬‬

‫‪nouvelles mesures d’instruction ordonnées par cette juridiction étaient en relation de causalité avec les fautes‬‬
‫» ‪de l’expert‬‬
‫‪1‬‬
‫"خطأ الخبير" المثقف التونسي ‪ 11‬أكتوبر ‪ 1131‬مصدر سابق‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫"خطأ الخبير" المثقف التونسي ‪ 11‬أكتوبر ‪ 1131‬مصدر سابق‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫خطأ الخبير" المثقف التونسي ‪ 11‬أكتوبر ‪ 1131‬مصدر سابق‪.‬‬

‫‪558‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪ -3‬المسؤولية التقصيرية للخبير القضائي‬

‫أ‪ -‬عنصر الخطأ‬

‫عرف الدكتور أحمد عبد الدائم في كتابه شرح القانون المدني أن الخطأ عبارة عن‬
‫"انحراف الشخص عن السلوك المعتاد مع إدراكه لهذا االنحراف"‪ ،‬ويعرفه الدكتور سليمان‬
‫مرقص في كتابه موجز أصول االلتزام بأنه " إخالل بواجب قانوني مقترن بإدراك المخل إياه"‬
‫وهذا يعني أن الفقيه مرقصاعتمدعلى الركن المعنوي في تعريفه للخطـأ‪.‬‬

‫وترجع األخطاء التقصيرية التي تترتب عنها مسؤولية الخبير القضائي إلى إخالله‬
‫بااللتزامات التي تقع على عاتقه و انحرافه عن المبادئ األخالقية التي تفرضها عليه المهنة‬
‫من حياد و نزاهة و موضوعية‪ ،‬أو خروج الخبير القضائي عن األصول الفنية و التقنية‬
‫لنطاق تخصصه‪ ،‬ثم كذلك إغفاله للقواعد و المبادئ القانونية المنظمة للخبرة القضائية و‬
‫نذكر على سبيل المثال تأخره في إيداع تقريره المنجز على ضوء الخبرة‪ ،‬عدم احترامه لمبدأ‬
‫التواجهية أو تلقيه لألتعاب مباشرة من األطراف‪....‬‬

‫و في هذا اإلطار نستدل بمجموعة من الق اررات الصادرة عن القضاء الفرنسي بشأن‬
‫إخالل الخبير القضائي بالتزاماته التي يترتب عنها قيام مسؤوليته ‪:‬‬

‫‪ -‬القرار الصادرعن الغرفة المدنية الثانية بمحكمة النقض الفرنسية‪ ،‬إذ في هذه القضية‬
‫أودع الخبير القضائي تقريره دون مراجعته و كان قد تسرب لخالصته خطأ مطبعيا أدى إلى‬
‫رفع نسبة العجز الدائم الجزئي للضحية إلى ‪ 30 %‬عوض ‪ 3 %‬مما ترتب عنه ارتفاع مهم‬
‫في مبلغ التعويض المؤدى من طرف شركة التأمين التي بدورها رفعت دعوى في إطار‬
‫المسؤولية في مواجهة الخبير‪.1‬‬

‫‐ القرار الصادر عن محكمة االستئناف ببو» ‪ « Pau‬الذي أقر قيام مسؤولية‬


‫الخبير القضائي بسبب إضاعته ألصول الوثائق التي سلمت له من طرف‬
‫قاضي التحقيق من أجل تحليل و تدقيق الحسابات‪.2‬‬
‫‪1‬‬
‫‪- Arrêt n° 30.113-95 rendu le 08 Octobre 1986 par la Cour de Cassation Française, 2 èmechambre civile.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Arrêt n° 02933/98 rendu le 20Avril2000 par la Cour d’Appel de Pau.‬‬

‫‪559‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ « الذي أقر مسؤولية‬Bourges » ‫‐ القرار الصادر عن محكمة االستئناف ببورج‬


‫الخبير القضائي عن ضياع فرصة حسن سير الدعوى لفائدة الطرف المدعي‬
: ‫بسبب تأخره في إيداع تقريره المنجز على ضوء الخبرة‬

« Le retard de l’expert dans le dépôt du rapport d’expertise a


fait perdre au demandeur une chance de mener à bien son procès»1.

‫ «تحت عدد‬Amiens »‫‐ القرار الصادر عن محكمة االستئناف بأميان‬


‫ إذ تمكن أحد أطراف الدعوى في هذه‬،1131 ‫ أبريل‬31 ‫ بتاريخ‬3111019
‫القضية من عزل الخبير و استبداله بعد إثبات عدم التزامه بمبدأ الحياد في آرائه‬
.2‫و مواقفه و كتاباته‬
‫‐ الق اررالصادر عن الغرفة المدنية الثالثة لمحكمة النقض الفرنسية الذي خلص‬
‫إلى قيام المسؤولية التقصيرية للخبير القضائي على اعتبار أن هذا األخير حدد‬
‫مصدر الخلل المبدئي جزئيا فقط كما أنه لم يتخذ اإلجراءات والتدابير الالزمة‬
.3‫لتقدير خطورته ودرجة تطوره و تفاقمه‬

« Des désordres liés à la mauvaiseconception d’une piscine


avaient entraîné la responsabilité décennale du constructeur et la
mise en cause de son assureur de responsabilité. L’expert judiciaire
désigné, concluant à une erreur de conception, avait préconisé des
travaux réparatoires. Cependant, les désordres étaient réapparus
donnant lieu à la réalisation de nouveaux travaux de reprise,
recommandés par le même expert judiciaire qui devait également
surveiller la réalisation de ces travaux par l’entreprise choisie par le
maître d’ouvrage.

1
Arrêt n° 01116/09 rendu le 11 Février 2010 par la Cour d’Appel de Bourges.
2
Arrêt n° 1200428 rendu le 10 Avril 2012 par la Cour d’Appel d’Amiens.
3
Arrêt n° 13.28.351 et 14.14.275 rendu le 21Mai2015 par la Cour de Cassation Française, 3 ème chambre
civile.

560
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

Les réparations étant toujours inefficaces, une troisième


expertise était diligentée et confiée à un autre expert.

Le maître d’ouvrage a alors assigné l’assureur, le premier


expert judiciaire désigné et l’entrepreneur, en indemnisation de son
préjudice.

La cour de Cassation a fait droit au pourvoi introduit par le


maître d’ouvrage. Elle a conclut :

1- ……………..

2- La responsabilité – délictuelle – de l’expert judiciaire,


considérant qu’il avait partiellement identifié l’origine du
désordre initial et n’avait pas pris les mesures nécessaires pour
apprécier sa gravité et son degré évolutif.

3- ………….. »1.

‫هذا و تجدر اإلشارة إلى أن صدور هذا القرار جاء بعدما أعادت محكمة النقض‬
Le ‫الفرنسية تأكيد اجتهادها بشأن قيام مسؤولية الخبير القضائيبسبب الخلل المتطور‬
‫هذا فضال عن كون أهمية هذا القرار تكمن في تسليط الضوء على‬.désordre évolutif
.‫المسؤولية المدنية للخبير القضائي التي ناد ار ماتتم إثارتها‬

‫ثم القرار الصادر عن الغرفة المدنية الثالثة لمحكمة النقض الفرنسية الذي أقر‬-
‫مسؤولية الخبير التقني المكلف من طرف شركة التأمين بسبب عيب في التشخيص و عيب‬
.2‫في الوصف‬

1
« Responsabilité de l’expert judiciaire et devoir de conseil de l’entreprise », article vu et lu le 20/07/2020 sur
le site internet : https://www.lettredesreseaux.com/P-1150-453-A1-responsabilite-de-l-expert-judiciaire-et-
devoir-de-conseil-de-l-entreprise.html.
2
Arrêt n°16385-18 rendu le 17 Octobre 2019 par la Cour de Cassation Française, 3 ème chambre civile.

561
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وبالنسبة لتقدير خطأ الخبير في المسؤولية المدنية‪ ،‬فـإنه في الوقت الراهن يجمع الفقه‬
‫سواء في فرنسا أو في باقي البلدان كمصر على تبني وجهة نظر تقضي بمسائلة الخبير عن‬
‫كل خطأ يرتكبه أثناء ممارسته لعمله سواء كان جسيما أو يسي ار ناتجا عن إهمال أو عدم‬
‫تبصر سواء قبل المصادقة على تقرير الخبرة أو بعده‪ ،‬فإن مسؤولية الخبير تقوم في جميع‬
‫األحوال‪.1‬‬

‫أما فيما يخص المعيار المعتمد في تقدير خطأ الخبير القضائي‪ ،‬فقد ثار جدال فقهي‬
‫بهذا الشأن‪ ،‬إذ تتم مقارنة ما يقع من الشخص بتصرفاته العادية من حيث إمكان تجنبه‬
‫للفعل الضار فإن لم يفعل عد أو اعتبر مقصرا‪ ،‬في حين نجد اتجاها آخر يقول بالتقدير‬
‫الموضوعي حيث يقارن ما وقع من الشخص بتصرف مجرد بتصور على أنه مثال الرجل‬
‫العاقل المتبصر الذي يفترض أنه ال عيب في أعماله وتصرفاته‪.‬‬

‫و نرى أنه من األنسب األخذ بمعيار الخطأ الموضوعي الذي يقتضي اعتماد نموذج‬
‫عملي مماثل لقياس خطأ الخبير المدعى عليه عن اعتماد نموذج خبير آخر من أوسط‬
‫الخبراء كفاءة و تبص ار ودقة و هذا الرأي هو السائد حاليا في الفقه الفرنسي المعاصر‪.2‬‬

‫و تجدر اإلشارة في األخير‪ ،‬أنارتفاع عدد الطعون المقدمة ضد الخبرات و الخبراء في‬
‫فرنساأدى إلى تزايد ملحوظ في اللجوء إلى اكتتاب عقود تأمين تغطي و تشمل المسؤولية‬
‫المدنية المهنية من أجل ضمان المالءة المالية تجاه الغير‪.3‬‬

‫ب‪-‬عنصر الضرر‬

‫يعتبر الضرر ثاني عنصر في المسؤولية التقصيرية و هو نوعان ‪ :‬ضرر مادي أو‬
‫معنوي‪ ،‬يكون ماديا إذا ألحق ضر ار بمال المضرور‪ ،‬و يكون معنويا إذا تسبب بضرر نفسي‬

‫محمد الكشبور‪ ،‬الخبرة القضائية في قانون المسطرة المدنية‪-‬دراسة مقارنة‪ -‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬سنة ‪،1111‬‬ ‫‪1‬‬

‫ص ‪.310‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد الكشبور‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.310‬‬
‫‪3‬‬
‫‪UCEJAM « La responsabilité civile de l’expert judiciaire ». Exposé du Mardi 17 Juin 2014 de Anne‬‬
‫‪TRESCASES, Maître de conférences, Université Nice Sophia-Antipolis, GREDEG-CREDECO, UMR 7321,‬‬
‫‪page :‬‬ ‫‪23-vu‬‬ ‫‪et‬‬ ‫‪lu‬‬ ‫‪le‬‬ ‫‪15/08/2020‬‬ ‫‪surle‬‬ ‫‪site‬‬ ‫‪internet :‬‬
‫‪https://www.petitesaffiches.fr/actualites,069/droit,044/ucejam-la-responsabilite-civile-de,4762.html.‬‬

‫‪562‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫أو عاطفي للمتضرر‪،‬و قد عرف المشرع المغربي الضرر بمقتضى الفصل ‪ 39‬من قانون‬
‫االلتزامات و العقود‪.‬‬

‫و باالستنادإلى مقتضيات الفصل المذكور‪ ،‬فإن الخبير يكون ملزما بتعويض الضرر‬
‫الذي تسبب فيه للمتقاضي و المتمثل في المصاريف التي أنفقت في إنجاز خبرة ثانية و‬
‫الجهد المبذول بسببتأخر البت في الدعوى‪ ،‬وغيرها من األضرار شريطة أن تكون ثابتة‬
‫ومقدرة حجما ونوعا‪ ،‬وتقدير قيمة التعويض مما يدخل في إطار السلطة التقديرية لقضاء‬
‫الموضوع المعروض عليه النزاع‪ ،‬وال رقابة عليه من طرف محكمة النقض إال من حيث‬
‫التعليل الذي يجب أن يكون سائغا ومطابقا للواقع والقانون ومبينا لعناصر التقويم المعتمد‬
‫عليها ‪....‬‬

‫ت‪ -‬العالاة السببية‬

‫تعني أن تكون هناك رابطة وعالقة بين الخطأ المرتكب من طرف الخبير القضائي‬
‫وبين الضرر الذي ألحق بالمتقاضي‪ .‬وبالرجوع إلى الفصل ‪ 11‬من قانون االلتزامات والعقود‬
‫نجده ينص على ما يلي‪:‬‬

‫"كل فعل ارتكبهاإلنسان عن بينة واختيار‪ ،‬ومن غير أن يسمح له به القانون‪ ،‬فأحدث‬
‫ضر ار ماديا أو معنويا للغير‪ ،‬ألزم مرتكبه بتعويض هذا الضرر‪ ،‬إذا ثبت أن ذلك الفعل‬
‫هو السبب المباشر في حصول الضرر‪.‬‬

‫وكل شرط مخالف لذلك يكون عديم األثر"‪.‬‬

‫بالنسبة للخبرة القضائية تتحقق العالقة السببية بين الخطأ الصادر عن الخبير القضائي‬
‫و بين الضرر الذي ألحق بالمتقاضي‪،‬لكنه يصعب على المتقاضي أحيانا إثبات هذه العالقة‬
‫السببية بين الخطأ و الضرر‪ ،‬ذلك ألن تقرير الخبير القضائي ال يقيد و ال يلزم القاضي فله‬
‫أن يأخذ به كال أو بعضا أو ال يأخذ به مطلقا‪ ،‬و كذلك حتى إن أخذ القاضي بتقرير الخبير‬
‫فإنه ال يبني حكمه عليه وحده بل هناك عناصر أخرى تتضافر مع التقرير هي التي تقود‬
‫غالبا إلى الحكم النهائي للقاضي‪ ،‬و في كافة األحوال متى أثبت المتقاضي خطأ الخبير‬

‫‪563‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫والضرر الذي أصابه من جراء هذا الخطأ‪ ،‬قامت قرينة بسيطة قابلة إلثبات العكس على‬
‫عالقة السببية‪.1‬‬

‫إن جزاء المسؤولية المدنية التقصيرية يتمثل في جبر األضرار التي أصابت المتقاضي‬
‫في دعوى المسؤولية‪ .‬إن الدعوى القضائية الرامية إلى مساءلة الخبير تخضع ألحكام‬
‫المسطرة المدنية‪ ،‬هذه الدعوى التي يجب رفعها قبل تقادمها طبقا لمقتضيات الفصل ‪311‬‬
‫من قانون االلتزامات والعقود المغربي‪ .2‬إذا ثبتت مسؤولية الخبير فالتعويض المحكوم به‬
‫يجب أن يغطي جميع األضرار المادية والمعنوية والربح الضائع الذي ُفوت على المدعي‪،‬‬
‫وللمحكمة كامل النظر في أن تقدر األضرار حسبما إذا كانت األضرار قد نتجت عن سهو‬
‫أو إغفال بسيط أم جاءت نتيجة غش أو تدليس‪.3‬‬

‫‪ -2‬المسؤولية العقدية للخبير القضائي‬

‫في النقطة األولى تم التطرق للمسؤولية التقصيرية للخبير القضائي الذي يتم تعيينه من‬
‫لدن المحكمة ليساعدها برأيه الفني و العلمي و التقني في العديد من القضايا المختلفة التي‬
‫تعرض عليها‪.‬‬

‫غير أنه و في حاالت عديدة قد تكون هذه المسؤولية عقدية ال تقصيرية و ذلك في‬
‫إطار ما يسمى بالخبرة االتفاقية أو الرضائية‪ ،‬و هذه الخبرة االتفاقية يمكنها أن تأخذ شكلين‬
‫اثنين ‪ :‬الحالة األولى إما أن تكون عبارة عن اتفاق بين شخصين من أجل اللجوء إلى خبير‬
‫متخصص في مجال ما للفصل في نزاع بينهما‪ ،‬و الحالة الثانية هي التي بموجبها يتم‬
‫االتفا ق بين شخص معين و بين خبير من أجل إنجاز خبرة ليستعين بها عند تقديمهلدعواه‬
‫ألول مرة و قد تكون عبارة عن اتفاق بين أحد أطراف دعوى رائجة أمام إحدى المحاكم و‬
‫خبير ما من أجل القيام بخبرة يستعين بنتائجها و خالصاتها لتدعيم موقفه‪ ،‬و في هذه الحالة‬
‫يسمى بالخبير االستشاري‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫رضا الجداوي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬الصفحة ‪.03‬‬
‫‪2‬‬
‫تنص المادة ‪ 311‬من ق‪.‬ل‪.‬ع على ما يلي ‪" :‬إن دعوى التعويض من جراء جريمة أو شبه جريمة تتقادم بمضي خمس سنوات تبتدئ من الوقت‬
‫الذي بلغ فيه إلى علم الفريق المتضرر الضرر ومن هو المسؤول عنه‪ .‬وتتقادم في جميع األحوال بمضي عشرين سنة تبتدئ من وقت حدوث‬
‫الضرر‪".‬‬
‫‪3‬‬
‫رضا الجداوي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬الصفحة ‪.03‬‬

‫‪564‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫و في إطار الخبرة االتفاقية أو الرضائية‪ ،‬فقد أكدت محكمة النقض الفرنسية بموجب‬
‫قرارها الصادر عن الغرفة المدنية الثانية على أن الخبير ملزم بتقديم النصيحة لموكله‪.1‬‬

‫‪La Cour de cassation a déjà pu indiquer que l’expert amiable est‬‬


‫‪tenu d’un devoir de conseil vis-à-vis de son client maître d’ouvrage,‬‬
‫‪au sujet du régime de la prescription et de ses conséquences.‬‬

‫إضافة إلى ذلك‪ ،‬تجدر اإلشارة إلى أن المسؤولية العقدية للخبير القضائي تخضع‬
‫للمبادئ العامة للمسؤولية المنصوص عليها بموجب مقتضيات الفصلين ‪ 111‬و ‪ 110‬من‬
‫قانون االلتزامات و العقود‪.‬‬

‫هذا و تنشأ المسؤولية العقدية للخبير القضائي في الحالتين المذكورتين كلما ارتكب هذا‬
‫الخبير خطأ نتج عنه ضرر أضر بمصالح الشخص الذي أنجزت الخبرة لصالحه و أثبت‬
‫هذا األخيرعالقة السببية بين الخطأ الصادر عن الخبير و الضرر الذي لحق به‪.‬‬

‫وهكذا‪ ،‬يتبين أن المسؤوليـة المدنية للخبير القضائي تتفرع إلـى مسؤوليـة تقصيريـة‪ ،‬و‬
‫أخرى تعـاقديـة أساس األولى الخطأ التقصيري‪ ،‬أما الثانية فتستند إلى الخطأ التعاقدي‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬المسؤولية البنائية للخبير القضائي‬

‫الخبير القضائي كما سبق اإلشارة إليه هو إنسان يمكن أن يصيب كما يمكن أن‬
‫يخطئ‪ ،‬يمكن أن ينجز تقري ار موضوعيا بكل أمانة و مصداقية كما يمكن أن ينجز تقري ار‬
‫يتضمن رأيا كاذبا أو وقائع مغلوطةو معطيات مخالفة للحقيقة و الواقع و هو ما يعتبر‬
‫شهادة زور‪ ،‬إضافة إلى ذلك يمكن للخبير أن يقبل رشوة أو يرفضها كما يمكنه أن يفشي س ار‬
‫أو أس ارراعلم بها خالل إنجازه لمهام الخبرة الموكولة إليه‪.‬‬

‫و بناء عليه‪ ،‬فإن الخبير القضائي قد يرتكب أثناء ممارسته لمهمته المحددة من طرف‬
‫المحكمة أفعاال خطيرة قد تصل أحيانا إلى درجة الجريمة التي تستوجب تطبيق أحكام القانون‬
‫الجنائي‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪-Arrêt n° 08-20059 rendu le 17 Décembre 2009 par la Cour de Cassation Française, 2ème chambre civile.‬‬

‫‪565‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫يترتب على قيام المسؤولية الجنائية للخبير أن تمارس في حقه دعوى عمومية تحركها‬
‫ضده النيابة العامة‪ ،‬كما أنه يمكن للطرف المتضرر من تلك األفعال تقديم دعوى مدنية‬
‫للمطالبة بتعويض عن الضرر الذي لحق به و هو ما يصطلح عليه بالدعوى المدنية‬
‫التابعة‪ ،‬و قد نظم المشرع أحكام الدعوى المدنية بالرجوع إلىالفصول من ‪ 1‬إلى ‪ 30‬من‬
‫قانون المسطرة الجنائية‪.‬‬

‫إذ باالستناد إلى أحكام القانون الجنائي و كذا طبيعة المهامو األعمال التي تسند إلى‬
‫الخبير القضائي‪ ،‬فإن المسؤولية الجنائية للخبير تتخذ ثالث صور رئيسية هي ‪ :‬جريمة‬
‫الرشوة‪ ،‬جريمة التزوير و جريمة إفشاء أسرار المهنة‪ ،‬كما ينضاف إليها جريمة انتحال صفة‬
‫نظمها القانون‪.‬‬

‫‪-3‬جريمة الرشوة‬

‫كما هو معلوم‪ ،‬فإن الخبير القضائي و إن لم يكن موظفا عموميا بمفهوم القانون‬
‫اإلداري المغربي ما دام يمارس مهنة حرة‪ ،‬فإن المهام التي توكل إليه من طرف المحكمة‬
‫رغم أنها عرضية و مؤقتة فإنها تجعله موظفا عموميا حسب الفصل ‪ 110‬من القانون‬
‫الجنائي‪ 1‬ألنه يساهم في مد يد المساعدة للسلطة القضائية‪ ،‬و بذلك يمكن متابعته من أجل‬
‫جريمة الرشوة‪.2‬‬

‫نظ ار ألهمية عمل الخبير القضائي و دوره في مساعدة القضاء‪ ،‬و من أجل ضمان‬
‫أدائه لمهمة الخبرةبكل مصداقية و أمانة و نزاهة‪ ،‬نجد المشرع المغربي ينص صراحة على‬
‫معاقبة الخبير القضائي الذي يقبل على نفسه قبول رشوة من أحد أطراف الخصومة بهدف‬
‫تغيير أقواله سواء كانت شفوية أو كتابية مضمنة في تقريره لفائدة الجهة أو الطرف الراشي‪.‬‬

‫و في هذا اإلطار‪ ،‬نجد المادة ‪ 01‬من القانون رقم ‪ 05.11‬المتعلق بالخبراء‬


‫القضائيينتنصعلى ما يلي ‪" :‬يعد مرتكبا لجريمة الرشوة و يعاقب عليها بالعقوبات المقررة لها‬

‫ينص الفصل ‪ 110‬من القانون الجنائي على ما يلي ‪" :‬يعد موظفا عموميا في تطبيق أحكام التشريع الجنائي كل شخص كيفما كانت صفته يعهد‬ ‫‪1‬‬

‫إليه في حدود معينة بمباشرة وظيفة أو مهمة و لو مؤقتة بأجر أو بدون أجر و يساهم بذلك في خدمة الدولة أو المصالح العمومية أو الهيئات‬
‫البلدية أو المؤسسات العمومية أو مصلحة ذات نفع عام"‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫رضا الجداوي‪ ،‬مرجع سابق الصفحة ‪.01‬‬

‫‪566‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫في مجموعة القانون الجنائي كل خبير تسلم باإلضافة إلى األتعاب و المصاريف المستحقة‬
‫مبالغ مالية أو منافع كيفما كان نوعها‪ ،‬بمناسبة قيامه بالمهمة المنوطة به"‪.‬‬

‫كما نص القانون الجنائي على العقوبة المقررة لمرتكب جريمة الرشوة في الفقرة الثانية‬
‫من المادة ‪ 109‬حيث جاء فيها ما يلي ‪" :‬يعد مرتكبا لجريمة الرشوة و يعاقب بالحبس من‬
‫سنتين إلى خمس و بغرامة من ألفي درهم إلى خمسين ألف درهم من طلب أو قبل عرضا أو‬
‫وعدا أو طلب أو تسلم هبة أو هدية أوأية فائدة أخرى من أجل‪."......................... :‬‬

‫أمااالجتهاد القضائي المغربي فقد دأب على أنه لقيام جريمة الرشوة في حق الخبير‬
‫القضائي ال بد من أن يكون الطلب أو قبول العرض أو الوعد أو تسلم الهبة أو الهدية أو‬
‫غيرها من الفوائد قبل القيام بالعمل أو االمتناع عنه‪ ،‬و هذا هو التوجه الذي أكده القرار‬
‫الصادر عن المجلس األعلى سابقا محكمة النقض حاليا تحت عدد ‪ 053‬بتاريخ ‪ 35‬مارس‬
‫‪ 3313‬في الملف الجنائي عدد ‪ .103130‬و نفس التوجه سار عليه القرار الصادر عن‬
‫محكمة النقض تحت عدد ‪ 3/331‬بتاريخ ‪ 31‬فبراير ‪ 1131‬في الملف الجنحي رقم‬
‫‪ ،1135/31115‬إذ قضت برفض طلب النقض المرفوع من طرف السيد نائب الوكيل العام‬
‫للملك لدى محكمة االستئناف بوجدة في مواجهة القرار الصادر حضوريا عن غرفة الجنح‬
‫بها بتاريخ ‪ 1‬يوليوز ‪ 1135‬في الملف عدد ‪ ،35/155‬و القاضي بتأييد الحكم المستأنف‬
‫القاضي ببراءة المطلوب"خبير قضائي" من جنحة تسلم مبالغ مالية كرشوة إلنجاز خبرة‬
‫قضائية‪ ،‬و ذلك على أساس أن اإلثبات غير قائم طبقا لمقتضيات الفصلين ‪ 3‬و ‪ 191‬من‬
‫قانون المسطرة الجنائية‪.2‬‬

‫‪ -2‬جريمة التزوير‬

‫لقد اعتبر المشرع المغربي تضمين الخبير القضائي تقرير الخبرة موقفا مخالفا للحقيقة‬
‫أو أريا كاذبا بمثابة شهادة زور و ذلك طبقا لما جاءت به مقتضيات الفصل ‪ 115‬من‬
‫القانون الجنائي إذ نجدها تنص على ما يلي ‪" :‬الخبير الذي تعينه السلطة القضائية إذا قدم‬
‫شفويا أو كتابيا‪ ،‬في أية مرحلة من مراحل الدعوى‪ ،‬رأيا كاذبا أو قرر وقائع يعلم أنها مخالفة‬
‫‪1‬‬
‫قرار منشور بمجلة المحاماة‪ ،‬العدد ‪.33‬‬
‫‪2‬‬
‫القرار عدد ‪ 3/331‬الصادر عن محكمة النقض بتاريخ ‪ 31‬فبراير ‪ 1131‬في الملف الجنحي رقم ‪.1135/31115‬‬

‫‪567‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫للحقيقة‪ ،‬يعاق ب بعقوبة شهادة الزور حسب التفصيالت المشار إليها في الفصول ‪ 113‬إلى‬
‫‪ 1111‬من نفس القانون‪.‬‬

‫هذا و قد تم تأكيد مقتضيات هذا النص القانوني بموجب المادة ‪ 01‬من القانون‬
‫‪ 05.11‬المتعلق بالخبراء القضائيين حيث جاء فيها ما يلي ‪" :‬كل خبير منتدب إلنجاز خبرة‬
‫بمقتضى مقرر قضائي‪ ،‬قدم رأيا كاذبا أو ضمن تقريره وقائع يعلم أنها مخالفة للحقيقة أو‬
‫أخفاها عمدا‪ ،‬و من شأنها أن تضلل العدالة‪ ،‬يعتبر مرتكبا لجريمة شهادة الزور و يعاقب‬
‫عليها بالعقوبات المقررة لها في مجموعة القانون الجنائي"‪.‬‬

‫و حيث بعد قراءة متأنية للمقتضيات القانونية المذكورة يستنتج أن جريمة التزوير التي‬
‫يقوم بها الخبير القضائي تكون عمدية بالنظر لكون الخبير يكون على دراية و علم تام‬
‫بزورية ما جاء مضمنا في تقريره المنجز على ضوء الخبرة القضائية و المودع لدى‬
‫المحكمة‪.‬‬

‫و تتكون هذه الجريمة من ركنين ‪ :‬المادي و المعنوي‪.‬‬

‫الركن المادي ‪:‬‬

‫يت مثل الركن المادي لجريمة التزوير في تعمد الخبير القضائي تقديم معطيات و‬
‫وجهات نظر أو آراء مخالفة تماما للواقع أو اإلدالء بشهادة كاذبة غير حقيقية‪ ،‬و هو ما‬
‫سيؤثر حتما على ما سينتهي إليه الحكم القضائي في حالة األخذ بتلك التصريحات و اآلراء‬
‫سواء جزئيا أو كليا‪.‬‬

‫ينص الفصل ‪ 111‬من القانون الجنائي على ما يلي ‪" :‬من شهد زو ار في قضية مدنية أو إدارية يعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات و‬ ‫‪1‬‬

‫غرامة مائة و عشرين إلى ألفي درهم‪.‬‬


‫فإذا ثبت أن شاهد الزور تسلم نقودا أو مكافأة من أي نوع كانت‪ ،‬أو حصل على وعد‪ ،‬فإن عقوبة الحبس يمكن أن تصل إلى عشر سنين و الغرامة‬
‫إلى أربعة آالف درهم‪.‬‬
‫ويطبق هذا النص على شهادة الزور في قضية مدنية مرفوعة أمام القضاء الزجري تبعا لدعوى عمومية‪".‬‬

‫‪568‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الركن المعنوي‪:‬‬

‫يتحقق هذا الركن باتجاه إرادة الخبير القضائي إلى تحقيق النتيجة المقصودة و هي‬
‫تضليل العدالة‪ ،‬أي انصراف إرادته نحو تحقيق الفعل اإلجرامي المتمثل في تعمد تغيير‬
‫الحقيقة بقصد تضليل العدالة‪.1‬‬

‫بل األكثر من ذلك‪ ،‬تجدر اإلشارة إلى أن جريمة التزوير ال تشمل فقط تصريحات‬
‫الخبير القضائي الكتابية المضمنة في تقريره بل إنها تشمل و تطال أيضا كل ما أدلى و‬
‫صرح به الخبير من معطيات و آراء و شهادات شفوية‪.‬‬

‫وفي األخير‪ ،‬فإن المتقاضي المتضرر في جريمة الزور يمكنه أن ينصب نفسه‬
‫كمطالب بالحق المدني عن الضرر الذي أصابه نتيجة هذه الجريمة‪ ،‬غير أن المسؤولية‬
‫الجنائية للخبير تنتفي كلية كلما كان تغيير الحقيقة في التقرير قد جاء نتيجة مجرد خطأ‬
‫بسيط في التقرير من طرفه على الرغم أنه قد يظل مسؤوال من الناحية المدنية‪.2‬‬

‫‪ -1‬جريمة إفشاء السر‬

‫إن طبيعة مهمة الخبير القضائي تجعله يطلع على أسرار عديدة‪ ،‬مختلفة و أحيانا‬
‫خطيرة تختلف باختالف نوع الخبرة أو مجال تخصص الخبير‪،‬و الخبير في هذه الحالة يكون‬
‫ملزما بالحفاظ على أسرار األطراف المتنازعة و ال يمكنهاإلفصاح عنها إال للمحكمة التي‬
‫كلفته للقيام بمهام خبرته‪.‬‬

‫و بذلك ينضاف إلى التزامات الخبير القضائي التزام كتمان األسرار التي قد يعرفها‬
‫بصفته خبيرا‪ ،‬أو بعدم إطالع الغير عليها أو استعمالها خارج الخصومة التي أنجزت الخبرة‬
‫في إطارها‪ ،‬بحيث يترتب على مخالفة هذا االلتزام قيام مسؤوليته الجنائية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫إبراهيم سليمان زامل القطاونة‪ ،‬المسؤولية الجزائية للخبير القضائي في نطاق خبرته دراسة مقارنة (األردن‪ -‬اإلمارات العربية المتحدة)‪ ،‬الصفحة‬
‫‪ .311‬دراسات‪ ،‬علوم الشريعة و القانون‪ ،‬المجلد ‪ ،03‬ملحق ‪ . 1130 ،1‬مأخوذ من شبكة األنترنيت‪ ،‬رابط الموضوع ‪:‬‬
‫‪file:///C:/Users/Ahmed/Downloads/4398-20444-1-PB.pdf‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد الكشبور‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬الصفحة ‪.319‬‬

‫‪569‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫و في هذا المقام‪ ،‬تجدر اإلشارة إلى أنه و على الرغم من أن المشرع المغربي لم‬
‫ينص صراحة على هذه المسؤولية‪ ،‬إال أنه يمكن االستناد على مقتضيات الفصل ‪ 001‬من‬
‫القانون الجنائي للقول بإمكانية معاقبة الخبير القضائي على جريمة إفشاء السر المهنيو ذلك‬
‫بالنظر إلى عمومية النص‪ ،‬هذا فضال عن كونه أي الخبير القضائي يعتبر من أمناء‬
‫األسرار ‪ -‬كما جاء في الفصل المذكور‪ -‬عند تكليفه من لدن المحكمة لمساعدتها في‬
‫مجاالت تقنية‪ ،‬فنية و علمية تخرج عن نطاق القانون‪.‬‬

‫و قد نص الفصل ‪ 001‬المذكور على ما يلي ‪" :‬األطباء و الجراحون و مالحظو‬


‫الصحة‪ ،‬و كذلك الصيادلة و المولدات و كل شخص يعتبر من األمناء على األسرار‪ ،‬بحكم‬
‫مهنته أو وظيفته الدائمة أو المؤقتة‪ ،‬إذا أفشى س ار أودع لديه‪ ،‬و ذلك في غير األحوال التي‬
‫يجيز له فيها القانون أو يوجب عليه فيها التبليغ عنه‪ ،‬يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة‬
‫أشهر و غرامة من ألف و مائتين إلى عشرين ألف درهم‪".‬‬

‫‪ -0‬جريمة انتحال صفة منظمة اانونا‬

‫فضال عن الجرائم المذكورة أعاله‪ ،‬تنضاف أيضا جريمة انتحال صفة نظمها القانون‪،‬‬
‫إذ يمكن أن نصادف في الواقع شخصا قد يدعي أو ينتحل صفة خبير قضائي لسبب من‬
‫األسباب‪ ،‬و حيث إن جريمة انتحال صفة منظمة قانونا كيف ما كان نوعهاأو مجالها يعاقب‬
‫عليها قانونا‪.‬‬

‫و عالقة بموضوع بحثنا‪ ،‬فإنه باستقراء مقتضيات المادة ‪ 00‬من القانون ‪05.11‬‬
‫المتعلق بالخبراء القضائيين نجدها تنص على ما يلي ‪" :‬كل من استعمل صفة خبير‬
‫قضائي‪ ،‬دون أن يكون مسجال بجدول الخبراء بإحدى محاكم االستئناف أو بالجدول الوطني‪،‬‬
‫يعتبر منتحال لصفة نظمها القانون‪ ،‬و يعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في الفصل ‪193‬‬
‫من مجموعة القانون الجنائي"‪.‬‬

‫إذ بمراجعة مقتضيات الفصل ‪ 193‬المذكور نجده ينص على ما يلي ‪" :‬من استعمل‬
‫أو ادعى لقبا متعلقا بمهنة نظمها القانون‪ ،‬أو شهادة رسمية أو صفة حددت السلطة العامة‬
‫شروط اكتسابها‪ ،‬دون أن يستوفي الشروط الالزمة لحمل ذلك اللقب أو تلك الشهادة أو تلك‬

‫‪570‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الصفة‪ ،‬يعاقب بالحبس من ثالثة أشهر إلى سنتين و غرامة من مائة و عشرين إلى خمسة‬
‫آالف درهم‪ ،‬أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط‪ ،‬ما لم يوجد نص خاص يقرر عقوبة أشد"‪.‬‬

‫خاتمة‬

‫استنادا إلى ما ورد في هاته الدراسة‪ ،‬فإن الخبير هو صاحب مهنة أو علم أو فن‪...‬‬
‫يلجأ إليه القاضي في نقطة من النقاط التقنية التي يتوقف البت أو الفصل في الدعوى عليها‬
‫و ال يمكن للقاضي إدراكهاو معرفتها لخروجها عن نطاق تكوينه‪،‬وأن االلتجاء إلى الخبرة‬
‫القضائية له فائدتين مزدوجتين ‪ :‬فمن جهة أولىيمكن لتقرير الخبرة أن يشكل وسيلة إثبات‬
‫إضافية ألطراف الدعوى‪ ،‬و من جهة ثانية فإن اللجوء إلى الخبرة قد ينتج عنه في بعض‬
‫الحاالتالتوصل إلى اتفاق ودي بيناألطرافالمتنازعة تحت إشراف الخبير القضائي‪.‬و في هذا‬
‫السياق‪ ،‬نشير بأن هناك نقاش مطروح من لدن الخبراء القضائيين في فرنسا من خالل‬
‫الندوات و المؤتمرات التي يعقدونها حول السماح قانونا للخبير القضائي بتنظيم محاوالت‬
‫التوفيق بين األطراف و هو ما يصطلح عليه بمساعد القاضي الموفق ‪« l’auxiliaire du‬‬
‫»‪.1juge conciliateur‬‬

‫من ناحية أخرى يالحظ أنه و بالرغم من كون المنظومة التشريعية المغربية تتميز‬
‫بتشريع خاص للخبرة القضائية غير أنه يبقى غير كاف‪ ،‬إذ بالنظر إلى أهمية عمل الخبير‬
‫القضائي في تنوير المحاكم و مساعدتها في جالء الحقائق التقنية‪ ،‬العلمية و الفنية التي‬
‫تخرج عن نطاق تكوين واختصاص القاضي‪ ...‬وبالنظر ألهمية الدور الذي يلعبه‬
‫الخبيرالقضائي في تحديد مآل دعاوى كثيرة سيما في حال اعتماد خالصات تقريره للفصل‬
‫فيها‪ ،‬وبالنظر كذلك لخطورة الجرائم والمخالفات الممكن ارتكابها من قبله عند إنجازه لمهامه‬
‫والتي يترتب عنها قيام مسؤوليته سواء األدبية أو المدنية أو الجنائية‪ ،‬فقد أضحى ضروريا‬
‫إيجاد تشريع خاص شامل و جامع لكل هاته األمور‪،‬كما أنه لم يعد من الممكن اللجوء إلى‬
‫‪1‬‬
‫‪Maxime BAYART, « La finalité de l’expertise judiciaire civile » mémoire préparé sous la direction de Mme‬‬
‫‪Annie BOTTIAU, Master recherche mention « Droit privé approfondi », année universitaire 2016-2017. Vu et‬‬
‫‪lu le 10/09/2020 sur le site internet : https://pepite-depot.univ-lille2.fr/nuxeo/site/esupversions/6041e5e2-‬‬
‫‪9d7a-465b-86a6-7e0dac52eb89‬‬

‫‪571‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫القواعد القانونية العامة التي و إن كانت تسعف في حاالت كثيرة فإنها تبقى غير كافية‪.‬‬
‫لذلك‪ ،‬فإنه من الالزم إثارة انتباه المشرع لضرورة التدخل لسن قانون ينظم الخبرة القضائية‬
‫بجميع جوانبها‪.‬‬

‫‪572‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫أ‬
‫السلطة التشريعية‬
‫أ‬
‫مسؤولية الدولة عن اعمال‬
‫من إعداد الستاذ مصطفى بوهرو‪،‬‬
‫إطار بالوكالة القضائية للمملكة‬
‫مقدمة‬

‫تمتع المشرع في المجتمعات القديمة بمكانة أساسية حتى ُشبه أحياناً كثيرة كأنه إله‬
‫بشري معصوم من الخطأ ال يسأل عما يفعل‪ ،1‬غير أن تطور هذه المجتمعات أفرز نشأة‬
‫الج ْغ َرِافي‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫االمتداد ُ‬
‫ائص تحكمت في بْل َوَرت َها َع َوام ُل م ْن َقبيل ْ‬
‫ص َ‬ ‫طبعها بعدة َخ َ‬
‫القوانين و َ‬
‫اخ َل ُكل ُم ْجتَ َمع على حدة‪ .2‬كما تغير شكل الدولة على‬ ‫ات اإليديولوجية و ِ‬
‫اسية د ِ‬ ‫واألوَل ِوي ِ‬
‫السي َ َ‬
‫َ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫نحو جعل المشرع مضط ار ألن يتخلى عن مكانته في سبيل بلوغ الدولة القانونية‪ ،3‬فصارت‬
‫قدسيته رهين ًة الحترامه لضوابط وقواعد قياسية فوق ‪ -‬تشريعية‪ 4‬ولتصاعد قيمة الحقوق‬
‫جعل المشرع في أحايين استثنائية مسؤوال عما يصدر عنه‬
‫والحريات ‪ ،‬بل تطور األمر َحد ْ‬
‫‪5‬‬

‫من عمل‪.‬‬

‫ولقد تم ميالد فكرة المسؤولية عن ممارسة وظيفة التشريع على يد سلطة القضاء‪،‬‬
‫طف داخل دولة القانون‪ ،‬وهكذا أصبحت الدولة‬ ‫تحول إيديولوجي م ٍ‬
‫لفت ومَل ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫نتاج‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫وكان ذلك َ‬
‫ملزم ًة يقيناً باحترام القواعد القانونية تحت طائلة ترتيب مسؤوليتها عن كل مساس‬
‫المشرعة َ‬
‫بالقواعد المذكورة وبما نظمته من موضوعات‪ .6‬لذا فإن الموضوع ُيغري بالبحث بما له من‬
‫يعكسه من داللة جراء دراسة السياق التاريخي لتقرير‬
‫ُ‬ ‫أهمية علمية وتطبيقية‪ ،‬وبما‬
‫بحث في مدى كفاية أسس‬‫المسؤولية المترتبة عن ممارسة وظيفة التشريع‪ ،‬وما يتطلبه من ٍ‬
‫المسؤولية واحتماالت توافر شروط قيامها‪.‬‬

‫‪ 1‬نعمان الهيتي " تشريع القوانين"‪ ،‬دار رسالن‪ ،‬دمشق‪ ،1111 ،‬ص ‪.9‬‬
‫‪ 2‬صوفي حسن أبو طالب "تاريخ النظم القانونية واالجتماعية"‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،1111 ،‬ص ‪.19‬‬
‫‪ 3‬عمان أحمد الخطيب " الوسيط في النظم الدستورية والقانون الدستوري"‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬عمان‪ ،1133 ،‬ص ‪.310‬‬
‫‪ 4‬وتتجلى على سبيل المثال في القواعد المضمنة في االتفاقيات الدولية والتي تسمو على القانون الداخلي‪.‬‬
‫‪ 5‬عمان أحمد الخطيب " الوسيط في النظم الدستورية والقانون الدستوري"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.393‬‬
‫‪ 6‬رأفت فودة " دروس في اضاء المسؤولية اإلدارية"‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،3330 ،‬ص ‪.11‬‬

‫‪573‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ينضح بالتساؤالت العميقة‬


‫ُ‬ ‫إن موضوع مسؤولية الدولة عن ممارسة وظيفة التشريع‬
‫التي تتناسل لتكشف أهميته قياساً على مسؤولية الدولة عن ممارسة باقي السلطات لوظائفها‬
‫األخرى‪ ،‬ويمكن استهالل هذه التساؤالت باالستفهام عما إذا كان القبول بفكرة المسؤولية‬
‫وإقرار نظام عام لمسؤولية الدولة في مجال التشريع يعد بحق أهم وأدق مرحلة من مراحل‬
‫المأسسة التامة لدولة القانون؟ كما ينبغي التساؤل أيضا عن مدى النطاق الذي تبسطه فكرة‬
‫المسؤولية للقضاء ‪ -‬في ظل مبدأ الفصل الذي يحكم العالقة بين السلط داخل الدولة ‪-‬‬
‫للبت الشامل في مختلف الجوانب المرتبطة بوظيفة الدولة في مجال التشريع بال استثناء‪،‬‬
‫دون أن يكون لذلك تأثير على استقرار الدولة نفسها؟ ويمكن التساؤل على صعيد آخر عما‬
‫إذا كنا فعال ‪ -‬وبملء ما للتعبير من حمولة ‪ -‬أمام نهاية فكرة سمو التشريع؟ وما إذا كانت‬
‫هذه النهاية بداية تحييد إرادة المشرع وإهمالها كمعيار الستنباط قيام المسؤولية من انتفائها؟‬
‫وهل سيكون ذلك مدخال لمساءلة الدولة في مواضع كثيرة كعدم تنظيم مسألة ما أو ُبطئها‬
‫في تنظيم وضعية أو مراكز معينة على اعتبار أن ذلك يشكل تأخ ار في أداء الخدمة كما‬
‫ذهب إلى ذلك بعض القضاء المقارن؟ أو كوضع نص قانوني قد يوصف من قبل القضاء‬
‫والفقه ب"الجائر" لعدم استحضار روحه لبعض القيم اإلنسانية القصوى‪1‬؟‬

‫يبدو حريا قبل اإلجابة عن مختلف هذه التساؤالت تعيين مناط المسؤولية وتحديد‬
‫مفرداتها المفتاحية من قبيل اصطالح الوظيفية التشريعية باعتبارها أهم وظائف الدولة التي‬
‫تُعنى بسن القوانين‪ ،‬وقبل ذلك بوضع المبادئ األساسية التي ينبغي على سلطات الدولة‬
‫قاطبة احترامها‪ .2‬ويقصد بالسلطة التشريعية كاصطالح ثان تلك السلطة العامة ذات‬
‫اإلرادة الواعية التي تستمد صالحيتها وسلطتها وحقها في التشريع من الدستور والتي‬
‫يتقاسمها في النموذج المغربي كل من جاللة الملك والبرلمان‪ 3‬ثم الحكومة‪.4‬‬

‫‪ 1‬أحمد إبراهيم حسن " غاية القانون "‪ ،‬دار المطبوعات الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬طبعة سنة ‪ ،1111‬ص ‪.9‬‬
‫‪ 2‬تقوم السلطة التنفيذية باقتراح مشروع قانون ما‪ ،‬ثم تقدمه إلى البرلمان‪ ،‬الذي يحيله بدوره إلى لجانه المتخصصة لدراسته‪ ،‬وبعدها يعرض على‬
‫الهيئة التشريعية مجتمعة لمناقشته‪ ،‬وفي حال إق ارره ثم إصداره بقانون يوضع موضع التنفيذ بعد نشره في الجريدة الرسمية‪.‬‬
‫‪ 3‬أسندت جميع الدساتير المغربية في كل صيغها اختصاص إصدار القانون إلى السلطة التشريعية بمختلف مكوناتها وعدد غرفها‪ .‬إذ نص الفصل‬
‫‪ 11‬من الدستور المغربي على ما يلي‪" :‬يمارس البرلمان السلطة التشريعية‪ .‬يصوت البرلمان على القوانين‪ ،‬ويراقب عمل الحكومة‪ ،‬ويقيم السياسات‬
‫العمومية"‪.‬‬
‫‪ 4‬تتم ممارسة السلطة التنفيذية للوظيفية التشريعية للدولة بموجب نصوص دستورية صريحة‪ ،‬مما يطبع أعمالها ويجعل لها قوة التشريعات األصلية‬
‫وتأخذ قوة التشريع العادي‪ .‬وتتجلى حاالت التفويض التشريعي فيما يلي‪ :‬الحالة األولى ‪ :‬وهي حالة اإلذن المنصوص عليها في الفصل ‪ 11‬من‬

‫‪574‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وهكذا ينقسم التشريع تبعا الختالف السلطات التي تتولى عملية وضعه إلى تشريع‬
‫عادي هو القانون بمفهومه الضيق‪ ،‬أي مجموع القواعد القانونية الصادرة في شكل وثيقة‬
‫مكتوبة عن سلطة أو هيئة تشريعية أصلية طبقا الدستور ‪ .1‬ويوجد إلى جانب التشريع‬
‫العادي التشريع بالالئحة الذي يعني مجموع القواعد القانونية الصادرة عن السلطة التنفيذية‬
‫في إطار ممارسة صالحياتها التنظيمية باعتبارها سلطة تشريعية فرعية‪ .2‬وإذا ما وسعنا من‬
‫مفهوم التشريع أكثر‪ ،‬شاء لنا القياس أن ندرج اجتهاد القاضي في غياب النص ضمن‬
‫التشريع‪ ،‬أو حين يصير القاضي بدوره مشرعا‪.3‬‬

‫دستور ‪ ، 1133‬حيث تنص هذه المقتضيات‪ ،‬استثناء من القاعدة التي تخص البرلمان بالتشريع‪ ،‬على أن للبرلمان أن يأذن للحكومة بأن تقوم‬
‫بالتشريع عوضه عن طريق مراسيم‪ ،‬في ميادين هي في األصل من اختصاص البرلمان‪ ،‬ويتم منح اإلذن عن طريق مشروع قانون تتقدم به الحكومة‬
‫إلى البرلمان لكي تحصل على اإلذن بالتشريع في ميادين من اختصاصه‪ ،‬كما قد يبادر البرلمان من تلقاء نفسه فيأذن للحكومة بذلك دون طلب‬
‫سابق في الموضوع‪ .‬وفي هذه الحالة‪ ،‬تقوم الحكومة بالتشريع بموجب مراسيم ذات طبيعة تشريعية‪ ،‬وبالتالي لها نفس القيمة القانونية التي يتمتع بها‬
‫القانون‪ .‬ولكي يتم هذا التأهيل يجب التقيد بأربعة شروط أساسية هي كالتالي ‪-‬أن يمنح التأهيل لفترة زمنية محدودة؛ ‪-‬أن يكون الغرض منه تحقيق‬
‫غايات معينة؛ ‪-‬أن تقوم الحكومة بالتشريع عن طريق مراسيم؛ ‪ -‬أن تعرض تلك المراسيم على البرلمان قصد المصادقة عليها عند انتهاء األجل‪.‬‬
‫الحالة الثانية ‪ :‬حالة الضرورة وهي أقرب من الحالة االولى لكنها تتعلق بفترة قصيرة زمنيا‪ ،‬حيث يمكن للحكومة استنادا إلى الفصل ‪ 55‬من دستور‬
‫‪ 3331‬والفصل ‪ 93‬من أن تشرع خالل الفترة الفاصلة بين دورات البرلمان‪ ،‬بمقتضى الدستور الحالي ‪ ،1133‬مراسيم– قوانين ‪.‬ويشترط للجوء إلى‬
‫هذه اإلمكانية ما يلي‪ - :‬أن تتفق الحكومة مع اللجان التي يعنيها األمر بكال المجلسين؛ ‪-‬أن تشرع خالل الفترة الفاصلة بين دورات البرلمان؛ ‪-‬‬
‫أن تشرع عن طريق مراسيم ‪-‬قوانين؛ ‪-‬أن تقوم بعرض تلك المراسيم على البرلمان قصد المصادقة عليها في أول دورة عادية الموالية‪ .‬وتجدر‬
‫اإلشارة إلى أنه إذا لم يصوت البرلمان بالموافقة على المرسوم بقانون خالل تلك الدورة الموالية‪ ،‬وجب إعادة األمور إلى نصابها‪ ،‬وكمثال على ذلك‬
‫الضريبة التي فرضت بموجب مرسوم بقانون‪ ،‬منتصف التسعينات‪ ،‬على "التقاط اإلشارات اإلذاعية والتلفزيونية عبر األقمار االصطناعية" أو ما‬
‫عرف بالضريبة على الصحون المقعرة‪.‬‬
‫‪ 1‬عمان أحمد الخطيب " الوسيط في النظم الدستورية والقانون الدستوري"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 011‬وخالد أمهيراي " المدخ لدراسة العلوم‬
‫القانونية"‪ ،‬محاضرات جامعية‪ ،‬الموسم ‪ ،1131/1139‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬أكدال‪ ،‬الرباط‪ ،‬ص ‪13‬‬
‫‪ 2‬حدد مجال التشريع الفرعي من خالل الفصل ‪ 11‬من الدستور والذي ي كشف على أن اختصاصات الحكومة في مجال التشريع هي اختصاصات‬
‫واسعة وغير محصورة مقارنة مع اختصاصات البرلمان المحددة والمحصورة‪ .‬وقد جاء في الفصل ‪ 11‬من دستور ‪ 1133‬ما يلي‪" :‬يختص المجال‬
‫التنظيمي بالمواد التي ال يشملها اختصاص القانون ‪".‬وإذا كانت ممارسة السلطة التنظيم ية من اختصاص الحكومة‪ ،‬فإن الملك يمارس هذه السلطة‬
‫كذلك بموجب الدستور‪ .‬وتختلف المراسيم التنظيمية عن المراسيم التطبيقية‪ .‬ذلك أنه عن طريق هذه األخيرة تقوم الحكومة بوضع تدابير تطبيقية‬
‫لقوانين صدرت عن السلطة التشريعية ‪.‬أما بالنسبة للمراسيم التنظيمية أو المراسيم المستقلة األصلية‪ ،‬فإن الحكومة تقوم عن طريقها بممارسة السلطة‬
‫التنظيمية التي يخولها لها الدستور صراحة‪ ،‬في إطار الفصل بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية أو التنظيمية‪.‬‬
‫‪3Hans-Albrecht SCHWARZ-LIEBERMANN VON WAHLENDORF «LE JUGE LÉGISLATEUR, L'APPROCHE‬‬
‫‪ANGLAISE»، revue international de droit comparé, n 4, 1999, p 1109, M. Cappelletti, «Des juges‬‬
‫‪législateurs?»، in Le pouvoir des juges, Economica, PUAM, coll. «Droit public positif» , 1990, pp. 23-113.‬‬
‫‪Delphine Lanzara « Les méthodes de la Cour de cassation dans la création du droit : étude à la lumière‬‬
‫‪du droit des obligations », thèse, FACULTE DE DROIT DE NICE SOPHIA ANTIPOLIS, 2014, p 3‬‬
‫كما يمكننا أن ندرج تحت مفهوم الجهة أو الهيئة التي لها صالحية المساهمة في وضع قواعد عامة ومجردة القضاء الدستوري الذي يعتبر مصدر‬
‫للسلطة التقديرية للمشرع األمر الذي يجعل القاضي الدستوري يعتبر بمثابة مساهم حقيقي في مجال التشريع إلى جانب المشرع العادي وهو ما‬
‫يجعلنا أمام الدور اإلنشائي للقاضي الدستوري‪.‬‬

‫‪575‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وتبرز أهمية تحديد مدلوالت كل من السلطة التشريعية والعمل التشريعي ثم الوظيفة‬


‫التشريعية في كون المسؤولية عن ممارسة هذه األخيرة تتطلب على صعيد القانون المغربي‬
‫معالجة خاصة نوعا ما تأخذ في الحسبان الخصوصية التي تطبع مسطرة التشريع خاصة‬
‫على صعيد مرحلتها األخيرة المتعلقة باألمر بتنفيذ القوانين‪ ،‬كما تراعي أيضا تعدد صيغ سن‬
‫القوانين بحسب السلطة التي تنتجها‪.‬‬

‫وقد اهتدت الدراسة إلى بحث موضوع مسؤولية الدولة عن ممارسة سلطاتها لوظيفة‬
‫التشريع على صعيد القانون المغربي‪ ،‬عبر تناوله من زاوية الصعوبات التي ترافق تحديد‬
‫القضاء المغربي ‪ -‬بوصفه سلطة من سلطات الدولة تمارس وظيفة تطبيق القانون وتحقيق‬
‫العدالة وتخضع في ذلك لألحكام الموضوعة من قبل السلطة التشريعية ‪ -‬لموقفه من‬
‫مختلف الحاالت المثارة بهذا الصدد‪ ،‬مستثنين من ذلك األعمال الصادرة عن المؤسسة‬
‫التشريعية والمتعلقة بتدبير وضعيات موظفي البرلمان ومالية هذا األخير‪ .1‬كما سيطرح‬
‫البحث جانب ا مطالبة المضرور المتعاقد مع اإلدارة بالتعويض نتيجة سن قوانين تؤثر في‬
‫مركز القانوني‪ .2‬وستسقط الدراسة أيضا بحث المسؤولية عن عيب االنحراف التشريعي الذي‬
‫يثبت بصدور قانون يحكم بأنه غير دستوري بالنسبة للنظم التي تأخذ بذلك‪.‬‬

‫‪ 1‬غير أنه قبل ذلك‪ ،‬تجدر اإلشارة إلى أن الجهاز التشريعي يقوم بمجموعة من األعمال ذ ات الطبيعة اإلدارية التدبيرية‪ ،‬و هي تخضع كقاعدة‬
‫عامة لرقابة القضاء تبعا لطبيعة هذه الق اررات‪ ،‬وكمثال على ذلك‪ ،‬ما يتعلق بالوضعية الفردية لموظفي البرلمان (بغرفتيه األولى و الثانية)‪ ،‬حيث‬
‫كرس المشرع المغربي في المادة ‪ 9‬من القانون رقم ‪ 03/31‬اختصاص المحاكم اإلدارية للنظر في النزاعات الناشئة عن تطبيق النصوص التشريعية‬
‫والتنظيمية المتعلقة بالمعاشات و منح الوفاة المستحقة لموظفي إدارة مجلس النواب و إدارة مجلس المستشارين‪ ،‬وعلة ذلك أن الجهاز التشريعي ال‬
‫يتعامل في هذه المجاالت وفق نظرية السيادة التي تقتضي أن أعمال السيادة ال تخضع للمراقبة القضائية‪ ،‬و إنما يتعامل باعتباره جهة إدارية تخضع‬
‫ق ارراتها إلمكانية الطعن فيها أمام القضاء اإلداري‪ ،‬باإللغاء والتعويض‪ .‬وقد كرس المشرع الفرنسي نفس التوجه وذلك بمقتضى المرسوم الصادر‬
‫بتاريخ ‪ 31‬نونبر ‪ 3359‬كما وقع تعديله بتاريخ ‪ 35‬يونيو ‪ 3391‬الذي أقر مبدأ اختصاص القضاء اإلداري للنظر في الدعاوى المتعلقة بالوضعية‬
‫الفردية لموظفي الجهاز التشريعي‪ .‬ونفس الشيء يمكن قوله بالنسبة للعقود والصفقات التي يبرمها البرلمان والتي تخضع الختصاص القضاء سواء‬
‫العادي أو اإلداري تبعا لطبيعة العقد أو الخدمة‪.‬‬
‫‪ 2‬إذ إن ا لمتعاقد مع الدولة الذي أضرت به إحدى القوانين يمكنه المطالبة بالتعويض في إطار فعل األمير أو نظرية الظروف الطارئة بحسب‬
‫األحوال‪ .‬وفي ق اررات الحقة قبل مجلس الدولة الفرنسي تعويض المتعاقدين مع الدولة عن األضرار الناجمة عن فعل القوانين دون أن يكون هناك‬
‫نص يسمح با لتعويض داخل أحكام هذه القوانين‪ ،‬ولكن في هذه الحالة استند مجلس الدولة لتبرير التعويض ليس على مبدأ مسؤولية الدولة عن فعل‬
‫القوانين‪ ،‬ولكن على نظرية فعل األمير أو نظرية الظروف الطارئة‪ ،‬حيث أقر مجلس الدولة الفرنسي في ق ارره المؤرخ في ‪ 3311/11/11‬بحق‬
‫التعويض لفائدة المتعاقدين مع الدولة والذين بفعل أحكام تشريعية جديدة تكبدوا أعباء جديدة وغير متوقعة‪.‬‬
‫‪- CEf, 27/07/1906, compagnie PLM, Rec. 702‬‬

‫‪576‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وهكذا سنتناول موضوع الدراسة من خالل مبحثين اثنين هما‪:‬‬

‫المبحث األول – تردد القضاء المغربي في اعتناق فكرة مسؤولية الدولة عن ممارسة‬
‫وظيفة التشريع؛‬

‫المبحث الثاني ‪ -‬تعدد األسباب المانعة من تبني فكرة مسؤولية الدولة عن ممارسة‬
‫وظيفة التشريع على صعيد القانون المغربي‬

‫المبحث األول‪ :‬تردد القضاء المغربي في اعتناق فكرة مسؤولية الدولة عن‬
‫ممارسة وظيفة التشريع‬

‫ظلت الدولة ردحا من الزمن في منآى من تحمل أية مسؤولية قانونية عن ممارسة‬
‫وظائفها الرئيسية الثالث‪ ،‬خاصة وظيفة التشريع‪ .1‬وقد بلور هذا الوضع على صعيد القانون‬
‫المقارن مبدأ ترسخ كثي اًر وبني على فلسفة كشفها قرار محكمة النقض الفرنسية الصادر‬
‫بتاريخ ‪ 11‬يونيو ‪ 3905‬في قضية ‪ Duchâtellier‬الذي رفضت من خالله المحكمة‬
‫المذكورة تقرير مسؤولية الدولة في مجال التشريع بناء على عدة تعليالت في مقدمتها‬
‫حصانة السلطة العامة‪.2‬‬

‫ولقد كان من الصعب مع بداية القرن العشرين تقرير مسؤولية الدولة على هذا الصعيد‬
‫‪ -‬خاصة على صورتها الشائعة المرتبطة بسن القوانين ‪ -‬إال ضمن نطاق جد ضيق‬
‫وبتطلب شروط صارمة‪ ،‬إلى أن وضع مجلس الدولة الفرنسي سنة ‪ 3310‬من خالل قرار‬

‫كما صدرت عن ذات القضاء أحكام اعترفت لمؤسسات منجمية صاحبة عقود امتياز من الدولة بالحق في التعويض عن األضرار التي لحقت بها‬
‫من ج ارء ممارسة الوالة للسلطات الممنوحة لهم بموجب قانون ‪ 3991/11/11‬والتي تخولهم الحق في منع األشغال التي تتم تحت األرض بالقرب‬
‫من خط السكة الحديدية‬
‫‪- CEf, 02/03/1932, société mines de joudreville, Lebon, 246.‬‬
‫وقد ذهب القضاء المغربي في نفس االتجاه في بعض األحكام كما هو الحال مع القرار غير المنشور الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية‬
‫بالرباط تحت عدد ‪ 3131‬والمؤرخ في ‪ 11‬مارس ‪ 1130‬في الملف عدد ‪ 1/31/310‬جاء فيه‪ ":‬إنه لئن كانت الدولة تتمتع بسلطة تعديل‬
‫النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بتحديد نسب الضرائب باعتبارها سلطة ذا ت سيادة وكانت تلك السلطة تخرج عن نطاق كونها طرفا في‬
‫العقد‪ ،‬فإنها مع ذلك تبقى ملزمة بتعويض المقاول في إطار نظرية فعل األمير فكان الحكم المستأنف بهذه العلل صائبا"‪.‬‬
‫‪1 Georges MORANGE, « L'irresponsabilité de l'État législateur », D. 1962 Chr. P 166 .‬‬
‫‪2 Marceau Long et autres, Les grands arrêts de la jurisprudence administrative, 18è édition, 2011, actu.‬‬
‫‪Dalloz- etudiant.fr. CE 11 janv. 1838, Duchâtellier, Lebon7.‬‬

‫‪577‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ومن بعده قرار ‪ La Fleurette‬سنة ‪ 23319‬أولى لبنات نظام‬ ‫‪1‬‬


‫‪Ste Amann firmery‬‬
‫قانوني تجلت من خالله بوضوح فكرة مسؤولية الدولة عن ممارسة وظيفة التشريع‪ ،‬فلم يعد‬
‫قضاء بمسؤولية الدولة عن فعل السلطة التشريعية ألن مبدأ المساواة بين‬
‫ً‬ ‫الحكم‬
‫ُ‬ ‫غريباً‬
‫السلطات يقتضي االعتراف بهذه المسؤولية في ظل إقرار المسؤولية عن أخطاء كل من‬
‫السلطة التنفيذية والسلطة القضائية‪ .‬كما ال يفيد مبدأ الفصل بين السلطات ومبدأ استقاللية‬
‫السلطة التشريعية كون هذه األخيرة ستبقى أبداً في ٍ‬
‫حل من الخضوع لرقابة سلطة أخرى‪،‬‬
‫كما ال يعني بالتبعية أن تصير الدولة وبصفة عامة متحررة من التزامها بتعويض الضرر‬
‫ِ‬
‫ب"خطأ" المشرع‪.3‬‬ ‫الذي قد ينجم عما يمكن تسميته تجاو اًز‬

‫وهكذا سنسعى إلى بسط وتحديد موقف القانون والقضاء اإلداري المغربيين من فكرة‬
‫المسؤولية عن ممارسة وظيفة التشريع في مطلبين على النحو التالي‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬مسؤولية الدولة عن بعض أوجه ممارسة وظيفة التشريع ذات طبيعة‬
‫موضوعية وأساس منتقد‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬صعوبة توافر شروط قيام المسؤولية عن ممارسة وظيفة التشريع‬
‫ومحدودية تطبيقاتها‪.‬‬

‫‪1 CEF, 14/01/1934, Ste Amann firmery, Lebon, p 354‬‬


‫‪ 2‬تعود حيثيات قرار ‪ La Fleurette‬إلى أنه بتاريخ ‪ 3310/11/13‬صدر قانون في فرنسا متعلق بحماية منتجات األلبان‪ ،‬نص على منع بيع‬
‫وصناعة كل منتجات األلبان التي ال تكون فيها مادة الكريمة مستخلصة مباشرة من الحليب‪ ،‬حيث وجدت شركة ‪ La Fleurette‬نفسها مضطرة‬
‫لوقف منتجها المسمى ‪ Gradine‬والذي كان يدخل في مكوناته كل من الحليب وزيت الفستق وصفار البيض‪ .‬رفعت شركة ‪ La Fleurette‬دعوى‬
‫تعويض أمام القضاء اإلداري عن األضرار التي سببها لها هذا القانون‪ ،‬حيث قرر مجلس الدولة بتاريخ ‪ 3319/13/30‬منح الشركة تعويضا عن‬
‫الضرر غير العادي الذي تكبدته من جراء قانون ‪ ،3310/11/13‬وفي تحليله لموقف ه هذا صرح مجلس الدولة الفرنسي بأنه ال يوجد في النص‬
‫القانوني وال في األعمال التحضيرية الخاصة به أو في ظروف القضية ما يسمح بالقول أن المشرع قد قصد تحميل المدعية عبئا غير عادي‪ ،‬إذ أن‬
‫من المفروض أن هذا العبء يتحمله الجميع وعلى قدر المساواة‪ .‬كما أن النشاط الذي كانت تمارسه المدعية لم يكن نشاطا مشينا أو مض ار‬
‫بالمجتمع‪ ،‬وبالتالي فإن من حق المدعية الحصول على التعويض استنادا لمبدأ مساواة المواطنين أمام األعباء العامة‪.‬‬
‫‪3 Pierre Van Ommeslaghe et Johan Verbist, « Responsabilité de l'Etat pour les actes du législateur »,‬‬
‫‪chambre des représentants de Belgique, 19/09/2008, 3e session de la 52e législature, doc. 52 1627/001, p 5‬‬
‫‪.‬‬

‫‪578‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المطلب األول‪ :‬مسؤولية الدولة عن بعض أوجه ممارسة وظيفة التشريع‬


‫مسؤولية ذات طبيعة موضوعية وأساس منتقد‬

‫يمكن باالطالع على التطور التاريخي الذي أعقب ميالد فكرة مسؤولية الدولة عن‬
‫اك أنها أسست في الظاهر على خرق مبدأ المساواة أمام األعباء‬ ‫ممارسة وظيفة التشريع إدر ُ‬
‫العامة وعلى التمييز في ذلك بين القوانين األصولية وبين القوانين المكملة‪ ،‬األمر الذي جعل‬
‫المسؤولية على هذا الصعيد ذات طبيعة موضوعية من حيث األصل‪ .‬وهذا ما سنبينه من‬
‫خالل الفقرتين التاليتين‪:‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬أساس المسؤولية عن األضرار الناجمة عن ممارسة وظيفة التشريع‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬طبيعة المسؤولية عن األضرار الناجمة عن ممارسة وظيفة التشريع‬

‫الفقرة األولى‪ :‬أساس المسؤولية عن األضرار الناجمة عن ممارسة وظيفة‬


‫التشريع‬

‫ُيمكن القول ‪ -‬رغم قلة األحكام التي صدرت عن القضاء المغربي بشأن مسؤولية‬
‫الدولة عن األضرار المترتبة عن ممارسة ُمختلف سلطات الدولة لوظيفة التشريع ‪ -‬أن هذا‬
‫األخير لم يتخذ موقفا صريحا ومتوات ار إزاء فكرة مسؤولية الدولة عن التشريع سواء بالقبول أو‬
‫بالرفض‪ .‬فقد انضم أحيانا إلى بعض التشريعات المقارنة واستبعد إمكانية تقرير المسؤولية‬
‫عن ضرر التشريع‪ ،‬إال أنه اعتنق أحيانا أخرى فكرة المسؤولية وفق أساس مشترك هو خرق‬
‫مبدأ المساواة أمام األعباء العامة المشتق من مبدأ عام هو مبدأ سيادة القانون‪ ،‬مع اعتماده‬
‫قبل ذلك على التمييز بين القوانين األساسية والقوانين التكميلية‪ ،‬األمر الذي طبع المسؤولية‬
‫على هذا الصعيد بكونها مسؤولية موضوعية‪ ،‬على الرغم من أن بعض الفقه والقضاء‬
‫المقارنين بدءا يتجهان على استحياء إلى االستعانة بمفهوم الخطأ إلدراج صور أخرى من‬
‫الفعل التشريعي تحت دائرة المسؤولية‪.‬‬

‫فكيف اعتمد القضاء المغربي التمييز بين كل من القوانين األصلية والقوانين التكميلية‬
‫أساسا أوليا للمسؤولية؟ وكيف جعل من خرق مبدأ المساواة أمام األعباء العامة مبر ار معلناً‬

‫‪579‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫لفكرة المسؤولية؟ وهل يشكل كال المبررين ٍ‬


‫بحق أساسين‪ 1‬متينين ومدخال سليماً لبسط الرقابة‬
‫على ممارسة الوظيفة التشريعية للدولة؟ وإلى أي مدى اقتحم القضاء بهذين األساسين‬
‫مجاالت ال زالت مشمولة بمبدأ عدم المسؤولية؟‬

‫هذا ما سنحاول اإلجابة عنه من خالل ما يلي‪:‬‬

‫القضاء المغربي للقول‬ ‫أوال‪ :‬عدم كفاية األسس المعتمدة من اب‬


‫بمسؤولية الدولة عن األضرار الناجمة عن ممارسة وظيفة التشريع‬

‫اعتمد القضاء المغربي إلقرار مسؤولية الدولة عن بعض أوجه ممارسة وظيفة التشريع‬
‫‪ -‬وفي حاالت معدودة ‪ -‬أساسين اثنين‪ ،‬أولهما نظرية التمييز بين القوانين األساسية‬
‫والقوانين التكميلية‪ ،‬ثم المساس بمبدأ المساواة أمام األعباء العامة‪.‬‬

‫وال يتمتع كال األساسين بأية كفاية تجعالنهما مقبولين للقول بمسؤولية محتملة على‬
‫هذا الصعيد‪ ،‬وهذا ما سيتجلى من خالل ما يلي‪:‬‬

‫‪ 1‬شهد الخالف الفقهي بشأن أساس مسؤولية الدولة عن ممارسة وظيفة التشريع بروز العديد من النظريات الفقهية كنظرية الضمان ونظرية فالين‬
‫ونظرية جيز‪ ،‬ويمكن عرض أبرزها كالتالي‪:‬‬
‫نظرية المخاطر‪ :‬نادي العميد ‪ Léon Duguit‬بمسئولية الدولة عن أعمالها ليس فقط على أساس الخطأ‪ ،‬بل على أساس الخطر ‪ Risque‬الذي يعد‬
‫تحقيقاً لمبدأ المساواة أمام التكاليف واألعباء العامة‪ ،‬ويفرق بين نوعين من القوانين يشمل أولها يشمل القوانين التي تحرم أعماالً أو نشاطاً مخالفاً‬
‫لآلداب أو ضا اًر بالصالح العام أو الصحة العامة‪ ،‬مثال ذلك صدور قانون بتحريم استخدام الفوسفور في صناعة الكبريت أو صدور قانون بتحريم‬
‫صناعة وبيع كلورات الرصاص‪ .‬فيما يشمل النوع الثاني القوانين التي تحرم أعماالً أو نشاط ًا غير ضار بالمجتمعات وليس منافي ًا لألخالق‪ ،‬مثل‬
‫صدور قانون باحتكار الدولة للتأمين أو النقل أو صناعة الدخان‪ .‬في مثل هذه الحاالت تلزم الدولة بتعويض األضرار التي تسببها مثل هذه القوانين‪،‬‬
‫وذلك تحقيقاً لمبدأ المساواة أمام التكاليف واألعباء العامة‪ .‬وقد انتقد البعض هذه النظرية‪ ،‬وذلك على أساس أن المساواة أمر نسبي ومرن‪ ،‬وذلك‬
‫فضالً عن أن ذلك يؤدي إلى فتح باب التحكم واالختيار أمام القضاة‪ .‬كما انتقدت ألن المسا واه التي تسعى إلها ليست مساواة مطلقة وإنما نسبية‬
‫وهذا األمر يؤدي إلى تحكم القاضي في مقدار التعويض ‪ .‬ومع ذلك فإنها مع ذلك من أفضل وأهم النظريات التي قيلت لتقرير مسئولية الدولة عن‬
‫أعمال التشريع‪.‬‬
‫نظرية اإلثراء بال سبب‪ :‬تفادي ًا لالنتقادات الموجهة للنظرية السابقة‪ ،‬استمد ‪ Maurice Hauriou‬من مجال القانون المدني نظرية اإلثراء بال سبب‪،‬‬
‫للقول إنه ليس هناك ما يمنع من انطباق هذه النظرية على الدولة في مجال المسئولية عن القوانين عندما تثري الدولة على حساب الغير‪ ،‬كما هو‬
‫الحال في قيام الدولة باحتكار صناعة معينة مما يسبب ضر ار للعاملين فيها‪ .‬وق د قام بتحرير قواعد نظرية اإلثراء بال سبب لتتالءم مع متطلبات‬
‫القانون العام‪ ،‬فأدخل عليها تعديلين تمثل األول في أنه ال يصح اعتبار القانون سبباً لإلثراء ألنه من صنع الدولة‪ ،‬ومن ثم تنطبق النظرية حتى ولو‬
‫كان اإلثراء سببه القانون‪ ،‬بينما تمثل التعديل الثاني في عدم اشتراط إثراء الدولة لتطبيق النظرية‪ ،‬بل يكفي لتحقيق هذا الشرط أن يتم االقتصاد في‬
‫النفقات‪ ،‬أي اإلثراء عن طريق تقليل المصروفات‪ ،‬هذه النظرية غير سليمة ألن التعديل جعلها نظرية غامضة إذ ال يمكن تشبيه الدولة باألفراد‪ .‬كما‬
‫أن هذه النظرية تضيق من نطاق مسئولية الدولة‪.‬‬

‫‪580‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪ -3‬اصور التمييز لين القوانين األساسية وبين القوانين التكميلية كأساس‬


‫للمسؤولية‬

‫ذهبت المحكمة اإلدارية بالرباط في حكمين صادرين عنها بخصوص طلب بعض‬
‫األفراد التعويض عن األضرار التي ألحقها بهم إقرار قانون المالية لسنة ‪ 1131‬إلى‬
‫االعتماد الضمني على نظرية فقهية قديمة لتبرير اعتناق مسؤولية الدولة في مجال التشريع‪.‬‬
‫وتقيم هذه النظرية التمييز بين القوانين األساسية وبين القوانين التكميلية لتقرير مسؤولية‬
‫الدولة عن سن المتأخرة منها‪ .‬فما هو موقع هذه النظرية ضمن النظريات الفقهية التي‬
‫استهدفت تبرير فكرة المسؤولية؟ وماهي أوجه النقد الموجهة لها والتي تجعل اعتماد القضاء‬
‫المغربي عليها مسألة محل نظر؟‬

‫لقد دعا الفقيه الفرنسي جورج سيل ‪ - George Scelle‬حين البحث عن مبرر لقيام‬
‫مسؤولية الدولة في مجال التشريع‪ -‬إلى ضرورة التمييز بين نوعين من هذا األخير‪ ،‬أولهما‬
‫صادر عن السلطة المختصة دستوريا بالتشريع وهي القوانين األصولية ‪Lois‬‬
‫‪ Normatives‬وتسمى أيضا بالقوانين األساسية التي ال تُنشأ حسب نفس الفقيه قاعدة‬
‫جديدة‪ ،‬بل تضع قواعد عامة يعبر بواسطتها المشرع عما يكمن في ضمير الجماعة ليكشف‬
‫عنها فقط ألنها موجودة أصالً‪ ،‬مثل القاعدة األخالقية التي تحرم صناعة ضارة على صحة‬
‫األفراد‪ ،‬إذ يعتبر قيام المشرع بإصدار قانون يحرم إقامة هذه الصناعة كشفا لهذه القاعدة‬
‫إنشاء لها‪ ،‬وبالتالي ال ينبغي أن تسأل الدولة عن‬
‫ً‬ ‫الموجودة أصال في ضمير الجماعة وليس‬
‫األضرار التي ترتبها مثل هذه القوانين‪.‬‬

‫ويوصف النوع الثاني حسب جورج سيل بأنه قوانين مكملة ‪Lois constructives‬‬
‫تنظم مسألة معينة تنظيماً جديداً‪ ،‬ومن ثم تكون الدولة مسؤولة عن األضرار المترتبة عن‬
‫إقرارها ألن هذه القوانين تكون من صنع الدولة‪.‬‬

‫وقد انتقد العديد من الفقه عن حق هذا الرأي‪ ،1‬وذلك نظ اًر لصعوبة التمييز بين‬
‫ماهيتي كل من القوانين األصولية والقوانين المكملة‪ ،‬إذ ال يوجد معيار واضح ودقيق يمكن‬

‫‪1 DUEZ Paul «La responsabilité de la puissance publique»، Dalloz, Paris, 1938, p 218‬‬

‫‪581‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫من معرفة كليهما‪ ،‬علما أن هناك بعض القوانين األصولية يمكن منطقاً التعويض عنها‬
‫والعكس صحيح‪ ،‬كالقانون الصادر بخصوص صناعة غير ضارة‪ .‬كما أن هناك ‪ -‬في‬
‫المقابل ‪ -‬من القوانين التكميلية ما ال يمكن التعويض عنها أبداً كالقوانين الصادرة بفرض‬
‫التجنيد اإلجباري‪.‬‬

‫ويظل تحديد موقف القضاء المغربي من هذه النظرية صعبا لندرة المنازعات المتعلقة‬
‫بالموضوع‪ ،‬ومع ذلك فإن االطالع على حكمين صادرين عن المحكمة اإلدارية بالرباط في‬
‫دعويين كانتا ترومان المطالبة بالتعويض عن األضرار التي رتبها سن قانون المالية لسنة‬
‫‪ 1131‬على بعض المخاطبين بأحكامه يقود إلى القول بأن القضاء المغربي اعتمد في‬
‫المنازعات التي عرضت عليه نظرية الفقيه جورج سيل ‪ George Scelle‬التي ميز من‬
‫خاللها بين نوعين من القوانين على صعيد المسؤولية عن اآلثار التي قد تعقب سنها‪ .‬فقد‬
‫ذهبت المحكمة اإلدارية بالرباط من خالل الحكم عدد ‪ 5111‬الصادر بتاريخ ‪ 19‬نونبر‬
‫‪ 1139‬في الملف عدد ‪ 1139/1310/11‬إلى ما يلي‪:‬‬

‫"وحيث إن الدولة تعد مسؤولة عن األضرار الناتجة عن األعمال التشريعية الصادرة‬


‫عن البرلمان‪ ،‬إما استنادا إلى ثبوت الخطأ في التشريع أو استنادا إلى نظرية المخاطر أو‬
‫على أساس مبدأ المساواة أمام األعباء العامة‪.....‬‬

‫وحيث إنه استنادا إلى ذلك‪ ،‬فإن تعديل المادة ‪ 11.3‬من المدونة العامة للضرائب‬
‫بموجب قانون المالية لسنة ‪ 1131‬ترتب عنه إضرار بالمدعي عن طريق سن مقتضيات‬
‫ترتب عنها تخفيض قيمة معاشه الشهري بالمقارنة مع زمالئه الذين احيلوا على التقاعد قبله‬
‫سنة ‪ 1131‬أو بعد سنة ‪......... ،1130‬وهو ما يمس بمبدأ المساواة مادام أن هذا التأثير‬
‫جعله يتقاضى وإياهم معاشا تقل قيمته عما يتقاضاه باقي زمالئهم المتقاعدين الذي قضوا‬
‫نفس المدة في ممارسة المهام القضائية أو أقل منها‪ ،‬وهو ما يعد مبر ار لترتيب المسؤولية‬
‫عن األضرار الالحقة بالمدعي جراء سن قانون المالية لسنة ‪ 1131‬في شقه القاضي بتعديل‬
‫المادة ‪ 3/11‬من المدونة العامة للضرائب بصيغتها التي وردت بها‪ ،‬سيما أن األضرار‬
‫الالحقة بالمدعي جراء سن قانون المالية لسنة ‪ 1131‬في شقه القاضي بتعديل المادة‪11/3‬‬

‫سليمان محمد الطماوي " القضاء االداري وراالته على اعمال االدارة" دار الفكر العربي‪ ،3355 ،‬ص ‪513‬‬

‫‪582‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫من المدونة العامة للضرائب بصيغتها التي وردت بها‪ ،‬سيما أن مقتضيات هذه المادة‬
‫تتعلق بقواعد فرعية تتضمن اآلليات التقنية الحتساب الضريبة‪ ،‬وتهم فئة محدودة ومعزولة‬
‫من المواطنين وفق ما تقدم‪ ،‬وهي بذلك تبقى قابلة لترتيب المسؤولية عنها في الحاالت‬
‫المذكورة أعاله‪ ،‬ألنها ال تتعلق بالقواعد القانونية األصلية التي تنصب على تنزي المبادئ‬
‫والقيم الكبرى للمبتمع أو تهم فئات عريضة منه‪ ،‬إذ بالنسبة لهذه األخيرة ياون البرلمان‬
‫مبرد كاشف عن هذ ه القواعد التي تبسدها‪ ،‬بما يرجح معه تعذر التعويض عن األضرار‬
‫التي يمان أن تنتج عنها‪ ،‬وهي المبررات غير المتحققة في النازلة‪ ،‬بالنظر للطبيعة‬
‫التكميلية غير األصلية وغير الشمولية للقاعدة القانونية منتبة الضرر في الملف‪ ،‬األمر‬
‫الذي يبع طلب التعويض مؤسسا"‪.‬‬

‫ويمكن ل نا بعرض حيثية الحكم المستدل به التساؤل عما إذا كان ما ذهبت إليه‬
‫المحكمة اإلدارية بالرباط مؤيدا أم أنها لم تعتمد أساسا مقنعا لتبرير الحكم بالتعويض؟ فهل‬
‫تعتبر نظرية الفقيه جورج سل راجحة ومبنية على أسس منطقية معقولة تبرر اعتمادها‬
‫قضاء للحكم بالتعويض؟ وهل يمكن بإسقاطها على واقع المنازعة ‪ -‬كما فعلت المحكمة‬ ‫ً‬
‫اإلدارية بالرباط‪ -‬اعتبار قانون المالية من القوانين الفرعية المكملة التي ال ضير في إقرار‬
‫المسؤولية عن األضرار التي قد يتسبب فيها؟‬

‫يتجلى بداية أن النظرية المعتمدة ‪ -‬على فرض القبول بها كأساس للمسؤولية ‪ -‬تعاني‬
‫من غموض وإبهام كبيرين في المبنى الفتقادها لمعيار منضبط وواضح يعين على التمييز‬
‫بين القوانين األصولية أو التقريرية وبين القوانين التكميلية اإلنشائية‪ .‬ولعل ذلك راجع إلى‬
‫اللبس الحاصل في تحديد المفهومين والذي ينجم عن صعوبة تحديد متى ينتهي اإلنشاء‬
‫ومتى يبتدئ التقرير‪ .‬كما انتقد الفقه الفرنسي هذه النظرية على اعتبار أن أغلب القوانين‬
‫ذهب عن النظرية جدواها‪.1‬‬
‫الفرنسية ذات طابع إنشائي‪ ،‬األمر الذي ُي ُ‬
‫ولعل مما يزيد األمر غموضا الكيفي ُة التي اعتمدت بها المحكمة اإلدارية بالرباط‬
‫النظرية‪ ،‬إذ اعتبرت أن القوانين التكميلية تتضمن قواعد فرعية وأدخلت في حكمها مقتضيات‬
‫قانون المالية‪ ،‬علما أن التشريع الفرعي يطلق في األصل على مجموع القواعد القانونية التي‬

‫‪ 1‬محمد البراك" مسؤولية الدولة عن أعمالها غير المشروعة"‪ ،‬ط ‪ ،3‬الرياض‪ ،‬مكتبة القانون واالقتصاد‪ ،3331 ،‬ص ‪.115‬‬

‫‪583‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫قامت السلطة التنفيذية بوضعها وفقا للمقتضيات الدستورية التي تنص على ذلك‪ ،1‬وذلك في‬
‫شكل مراسيم أو ق اررات تنظيمية‪ .‬بل إن اعتبار قانون المالية قانونا فرعيا يتعارض بشكل‬
‫واضح مع طبيعته كقانون عادي يصدر عن البرلمان ويتم األمر بتنفيذه بناء على ظهير‬
‫ملكي‪ ،‬وهذا في حد ذاته مانع من قيام مسؤولية الدولة عن األضرار التي قد يرتبها هذا‬
‫القانون كما سنرى الحقا‪.‬‬

‫وهكذا فإن اعتبار قانون المالية تشريعا فرعيا يتعارض مع الدستور الذي نص في‬
‫الفصل ‪ 15‬منه المتعلق بسلطات البرلمان على أن قانون المالية يصدر عن هذا األخير‪،‬‬
‫وهذا ما يجعله طبقا للصيغة التي يرد عليها قانونا عاديا‪.‬‬

‫كما يظل من الصعب الجزم ‪ -‬بغض النظر عن كيفية سن قانون المالية والجهة التي‬
‫يصدر عنها ‪ -‬بكون هذا األخير هو في حقيقته قانونا تكميليا‪ ،‬على اعتبار أنه يمس مجرد‬
‫قواعد احتساب الضريبة‪ ،‬والحال أنه يحدد ويسطر السياسة االقتصادية واالجتماعية المنتظر‬
‫تنفيذها وتطبيقها خالل السنة المالية المقبلة‪ ،‬كما يحدد الموارد المالية الالزمة لتمويل النفقات‬
‫الواردة في الميزانية‪ ،‬فضال على أنه يرخص لإلدارة الضريبية جباية مختلف الضرائب‬
‫المقررة أو المنصوص عليها في الميزانية‪ .‬ومن هذا المنطلق يكون القانون المالي محتضنا‬
‫للقانون الضريبي وإطا ار له يتعرف من خالله المكلفون في المجال الجبائي والمهتمون على‬
‫المستجدات الضريبية التي تتسم بعدم االستقرار والتحول الدائم‪ ،‬وهي إحدى خصائص‬
‫القانون الجبائي‪.2‬‬

‫وبإرجاع النظر في النظرية المعتمدة‪ ،‬سنجد أن االضطراب في مبناها قد جعل‬


‫حيثيات حكم المحكمة اإلدارية بالرباط بدوره مضطربا‪ ،‬فإذا كانت القوانين التكميلية أو‬
‫الفرعية بحسب الفقيه جورج سل تتضمن قواعد جديدة‪ ،‬فإن هذه حجة على أن قانون المالية‬
‫ليس بقانون تكميلي‪ ،‬ألنه في حقيقته ال يقر أحكاما قانونية مستحدثة تخالف قواعد القانون‬
‫الجبائي‪ ،‬ومن ثم فإن نفي المسؤولية عن سنه نتيجة منطقية إلعمال النظرية‪ ،‬غير أن‬

‫‪ 1‬تنص المادة ‪ 31‬من الدستور على ما يلي‪ " :‬يعين رئيس الحكومة في الوظائف المدنية في اإلدارات العمومية‪ ،‬وفي الوظائف السامية في‬
‫المؤسسات والمقاوالت العمومية‪ ،‬دون إخالل بأحكام الفصل ‪ 03‬من هذا الدستور‪ .‬يمكن لرئيس الحكومة تفويض هذه السلطة"‪.‬‬
‫‪ 2‬مدني أحميدوش "القانون الببائي المغربي على ضوء المدونة العامة للضرائب ‪ "2449‬دروس جامعية‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬فاس‪ ،‬ص ‪31‬‬

‫‪584‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المحكمة اإلدارية بالرباط انتهت إلى نتيجة مخالفة لمقدمة النظرية التي تبنتها حين قضت‬
‫بالمسؤولية عن اآلثار التي نجمت عن سن قانون المالية‪.‬‬

‫‪ .2‬اصور معيار خرق مبدأ المساواة أمام األعباء العامة كأساس لفكرة‬
‫مسؤولية الدولة عن ممارسة وظيفة التشريع‬

‫وجد القضاء اإلداري المغربي والمقارن على السواء ضالتهما في نظرية الفقيه‬
‫‪ Georges Teissier‬ليتخذانها أساسا استثنائيا من أجل القبول بفكرة مسؤولية الدولة عن‬
‫ممارسة إحدى سلطاتها لوظيفة التشريع جراء المساس بمبدأ المساواة أمام األعباء العامة‪.‬‬

‫وعلى الرغم من أن المبدأ الذي قال به‪ Georges Teissier‬ذو قيمة دستورية‬
‫ويرتقي في أصله ليرتد إلى مبدأ أشمل هو مبدأ سيادة القانون الذي يعد بدوره من شروط‬
‫خضوع الدولة للقانون‪ ،‬إال أن مضمون النظرية ال يسعف في تبرير المسؤولية أمام ما عابته‬
‫طائفة كبيرة من فقه القانون اإلداري على مبدأ المساواة من سلبيات‪ .‬فما هي حمولة مبدأ‬
‫المساواة أمام األعباء العامة؟ وما هي مآخذه؟‬

‫أ‪-‬خرق مبدأ المساواة أمام األعباء العامة كأساس ظاهر للمسؤولية عن‬
‫التشريع الضار‬

‫تعد المادة ‪ 13‬من إعالن حقوق اإلنسان الصادر في ‪ 11‬شتنبر ‪ 3193‬عن الثورة‬
‫الفرنسية المصدر التاريخي لمبدأ المساواة أمام األعباء العامة رغم أن مجلس الدولة الفرنسي‬
‫لم يشر إلى مصدر هذا المبدأ عند اعتماده‪ ،1‬في حين سبق للمجلس الدستوري الفرنسي أن‬
‫اعتبر بأن هذا اإلعالن يحظر على القوانين استبعاد التعويض عن األضرار التي يمكن أن‬
‫تنجم عنها في حال ما إذا تميزت بالخصوصية والجسامة غير العادية‪.2‬‬

‫‪1 DELVOLVE Pierre «Le principe d’égalité devant les charge public»، L.G.D.J, 1969, Paris, p 238‬‬
‫‪2 Fabrice Lemaire, « La responsabilité de l’Etat en cas de violation de la convention européenne des‬‬
‫‪droits de l’homme par une loi », Revu. trim. Dr. h. 71/2007, p. 911.‬‬

‫‪585‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ولقد أكد القضاء المقارن أن المسؤولية عن سن التشريعات مبنية على خرق مبدأ‬
‫المساواة أمام األعباء العامة‪ ،‬وهكذا جاء في الحكم المتعلق بقضية ‪ La Fleurette‬أولى‬
‫المنازعات في هذا الشأن ما يلي‪:‬‬

‫"‪ ...‬وحيث إنه لم يحتج بأن الشيء المصنوع مما تنتجه الشركة المدعية خطر على‬
‫الصحة العامة‪ ،‬وحيث إنه ال يوجد نص في القانون أو في األعمال التحضيرية يستفاد‬
‫منه أن المشرع أراد أن يحم هذه الشركة بعبء ال تحتمله‪ .‬ومن حيث أن هذا العبء‬
‫كان لمقتضى الصالح العام فيبب أن يتحمله البميع‪ ،‬ومن ثم تكون الشركة محقة في‬
‫طلبها التعويض"‪.1‬‬

‫وقد تم التنصيص على هذا المبدأ في المغرب بموجب الفصل ‪ 39‬من دستور ‪29‬‬
‫يوليوز ‪ 2011‬الذي فرض على جميع المواطنين أن يتحملوا كل على قدر استطاعته‬
‫التكاليف العمومية ‪ .‬كما وجد هذا المبدأ صداه لدى القضاء اإلداري المغربي قبل ذلك في‬
‫عدة أحكام من بينها حكم المحكمة اإلدارية بالدار البيضاء عدد ‪ 315‬المؤرخ في ‪ 31‬دجنبر‬
‫‪ 1111‬والذي جاء فيه ما يلي‪ ":‬إن القوانين والق اررات اإلدارية المشروعة ال تحول دون‬
‫إارار مسؤولية الدولة عن األضرار الالحقة بالغير تطبيقا لمبدأ المساواة أمام األعباء‬
‫العامة‪.2".‬‬

‫كما اعتمد القضاء المغربي هذا األساس من خالل أحكام حديثة من بينها الحكم‬
‫الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط تحت عدد ‪ 35111‬السالف الذكر والذي جاء فيه ما‬

‫‪1 CE, 8 févr. 2007, n° 279522, Gardedieu, au Lebon 78, concl. Derepas ; AJDA 2007. 585, chron. F. Lenica‬‬
‫; ‪et J. Boucher ; ibid. 1097, tribune P. Cassia ; D. 2007. 659, et les obs. ; ibid. 1214, chron. G. Clamour‬‬
‫‪Mélanges Jégouzo 2009. 489, étude F. Melleray ; RFDA 2007. 361, concl. L. Derepas ; ibid. 525, note D.‬‬
‫‪Pouyaud ; ibid. 789, note M. Canedo-Paris ; RTD civ. 2007. 297, obs. J.-P. Marguénaud ; LPA 7 août 2007,‬‬
‫‪note Canedo-Paris ; JCP Adm. 2007.2083, note Broyelle ; D. 2007.1214, chr. Clamour ; DA mai 2007,‬‬
‫; ‪comm. Gautier et F. Melleray ; JCP Adm. 2007.I.166, n° 7, obs. Plessix ; RGDIP 2007.488, note Poirat‬‬
‫‪RTDH 2007.907, note Lemaire.‬‬
‫‪ 2‬حكم منشور بالمجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية‪ ،‬عدد مزدوج ‪ 55/50‬يناير ‪ -‬أبريل‪ ،1110 ،‬ص ‪ 101‬علما أن هذا الحكم الذي يورد‬
‫الكثيرون في باب التدليل على قبول القضاء المغربي بفكرة مسؤولية الدولة عن أعمال التشريع قد وقع إلغائه بموجب قرار المجلس األعلى (محكمة‬
‫النقض حاليا) عدد ‪ 001‬الصادر بتاريخ ‪ 13‬ماي ‪ 1111‬في الملف عدد ‪ 1110/1/0/313‬والقاضي بإلغاء الحكم وبعد التصدي برفض الطلب‪.‬‬
‫‪ 3‬حكم غير منشور صادر بتاريخ ‪ 19‬نونبر ‪ 1139‬في الملف عدد ‪.1139/1310/11‬‬

‫‪586‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫يلي‪":‬وحيث إن الدولة تعد مسؤولة عن األضرار الناتجة عن األعمال التشريعية الصادرة عن‬
‫البرلمان‪ ،‬إما استنادا إلى ثبوت الخطأ في التشريع أو استنادا إلى نظرية المخاطر أو على‬
‫أساس مبدأ المساواة أمام األعباء العامة‪.....‬‬

‫وحيث إنه استنادا إلى ذلك‪ ،‬فإن تعديل المادة ‪ 11.3‬من المدونة العامة للضرائب‬
‫بموجب قانون المالية لسنة ‪ 1131‬ترتب عنه إضرار بالمدعي عن طريق سن مقتضيات‬
‫ترتب عنها تخفيض قيمة معاشه الشهري بالمقارنة مع زمالئه الذين احيلوا على التقاعد قبله‬
‫سنة ‪ 1131‬أو بعد سنة ‪......... ،1130‬وهو ما يمس بمبدأ المساواة مادام أن هذا‬
‫التأثير جعله يتقاضى وإياهم معاشا تقل قيمته عما يتقاضاه باقي زمالئهم المتقاعدين الذي‬
‫قضوا نفس المدة في ممارسة المهام القضائية أو أقل منها‪ ،‬وهو ما يعد مبر ار لترتيب‬
‫المسؤولية عن األضرار الالحقة بالمدعي جراء سن قانون المالية ‪"...1131‬‬

‫وقد تبنت المحكمة اإلدارية بالرباط نفس التوجه في ملف آخر‪ ،1‬كما أن محكمة‬
‫الدرجة الثانية وإن بتت في الدعويين من زاوية مختلفة على صعيد الطعن باالستئناف‬
‫وانتهت إلى إلغاء الحكم القاضي بالتعويض‪ ،‬فقد وافقت بشكل عام محكمة الدرجة األولى‬
‫في إقرار المسؤولية عن ممارسة وظيفة التشريع وجعلت من خرق مبدأ المساواة أمام األعباء‬
‫العامة أساس المطالبة بالتعويض عن التشريع الضار‪ ،‬وهذا ما يتبين من خالل القرار عدد‬
‫‪ 1131‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط بتاريخ ‪ 13‬أبريل ‪ 1133‬في الملف‬
‫عدد ‪ ،1133/1131/1‬وأيضا القرار الصادر عن ذات المحكمة تحت عدد ‪ 1131‬بتاريخ‬
‫‪ 13‬أبريل ‪ 1133‬في الملف عدد ‪ 1133/1131/9‬الذي جاء من بين حيثياته ما يلي‪:‬‬
‫"وحيث من جهة ثانية‪ ،‬لئن كان االتباه السائد حاليا في الفقه والقضاء اإلداريين وعلى‬
‫صعيد مختلف األنظمة القانونية‪ ،‬هو إارار مبدأ مسؤولية الدولة عن اوانينها‪ ،‬إال إنه مع‬
‫ذلك لم يرجع قيام هذه المسؤولية إلى خطأ السلطة التشريعية عند سنها لمقتضيات قانونية‬
‫معينة أو خرقها للقواعد الدستورية التي تؤطر عملها‪ ،‬وإنما تأسيسا على مبدأ المساواة أمام‬
‫التكاليف العامة"‪.‬‬

‫‪ 1‬حكم صادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط تحت عدد ‪ 0333‬صادر بتاريخ ‪ 31‬نونبر ‪ 1139‬في الملف عدد ‪ ،1139/1310/15‬غير‬
‫منشور‪.‬‬

‫‪587‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫بل اعتبرت بعض األحكام الصادرة عن القضاء المغربي ‪ -‬في توجه غير منطقي ‪-‬‬
‫بأن مبدأ المساواة هو خيط ناظم لكافة أسس المسؤولية‪ ،‬وهكذا جاء في الحكم عدد ‪3901‬‬
‫الصادر عن المحكمة اإلدارية بالدار البيضاء في الملف عدد ‪ 2006/460‬ت بتاريخ ‪17‬‬
‫دجنبر ‪ 12008‬ما يلي‪ " :‬وحيث إن المسؤولية الطبية شأنها في ذلك شأن المسؤولية‬
‫اإلدارية بصفة عامة وماتزال محكومة بتراوح فكرتي الخطأ والمخاطر كأساس لمسؤولية‬
‫المرفق الطبي العام بمراعاة أن األولى – فكرة الخطأ – هي المبدأ العام والثانية – المخاطر‬
‫– هي االستثناء على أنه وفي كل األحوال يجمع بين أنظمة المسؤولية هذه وبمختلف‬
‫صورها مبدأ عام هو مبدأ مساواة جميع المواطنين أمام األعباء والتكاليف العامة والذي‬
‫يجد مصدره في نص المادة ‪ 31‬من إعالن حقوق اإلنسان والمواطن الصادر في ‪62‬‬
‫عشت ‪ 3871‬ومقتضى هذا المبدأ في خصوص نشاط المرافق العامة‪ ،‬أن هذه المرافق إذ‬
‫تنشأ لخدمة جميع المواطنين وجميعهم مساهم في نفقاتها وتكاليفها‪ ،‬فليس من العدل أن‬
‫يتحمل بعضهم فقط تبعات النتائج الضارة لهذا النشاط في غياب أي خطأ من جانبهم‪".‬‬

‫ويستند األساس المتبنى من قبل القضاء المغربي على العموم إلى فكرة أنه لم يعد‬
‫مسموحا أن يتحمل قليل من األفراد وحدهم وزر األضرار التي تسببها أعمال السلطة‬
‫التشريعية حتى ولو كانت أنشطة مشروعة‪ ،‬ذلك أن األضرار الخاصة التي تجد مصدرها في‬
‫النشاط العام لإلدارة تؤدي إلى إخالل تام بالتوازن بين حقوق األفراد ومصالحهم وإلى ما‬
‫يعرف ب " جور النص القانوني"‪ ،‬ألنها تحدث مساساً بمبدأ مساواة جميع المواطنين أمام‬
‫األعباء العامة‪ ،2‬إذ إن الدولة تصدر العديد من القوانين بواسطة سلطتها التشريعية بهدف‬
‫تحقيق المصلحة العامة وصالح األفراد معا‪ ،‬إال أن بعض هذه القوانين يؤدي أحياناً إلى‬
‫إحداث أضرار غير عادية بالبعض‪ ،‬مما يوجب تعويضه لتحقيق اعتبارات العدالة‪.‬‬

‫جسد تحول موقف القضاء على هذا الصعيد في استخدامه لمفهوم المصلحة‬ ‫وهكذا تَ َ‬
‫العامة بحديها المتناقضين‪ ،‬فبعد أن كان تحقيق هذه األخيرة أساساً لمنع الحكم بالتعويض‬
‫عن الضرر الذي يلحق باألفراد جراء سن القوانين‪ ،‬عادت بحدها اآلخر لتكون أساساً للحكم‬

‫‪ 1‬حكم غير منشور‪.‬‬


‫‪ 2‬هشام عبد المنعم عكاشة‪" ،‬مسؤولية اإلدارة عن أعمال الضرورة "‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،1998،‬ص ‪.131‬‬

‫‪588‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫بالتعويض عند بلوغ العبء الذي تحمله البعض لتحقيق هذه المصلحة درجة غير مألوفة‬
‫تخل بقاعدة المساواة في تحمل األعباء العامة‪ ،‬كما هو الحال بالتدقيق في القضية التي‬
‫أصدرت بشأنها المحكمة اإلدارية بمكناس حكما تحت عدد ‪ 10/39/31‬المؤرخ في ‪11‬‬
‫دجنبر ‪ 13339‬والذي استجاب لطلب التعويض جب ار للضرر الناجم عن سن المادة ‪ 19‬من‬
‫القانون عدد ‪ 31/31‬المتعلق بالتعمير والتي تمنع المالك من إنجاز أشغال على عقاره طيلة‬
‫مدة سريان تصميم التهيئة‪.‬‬

‫كما نحت المحكمة اإلدارية بالرباط نفس المنحى من خالل الحكم عدد ‪ 153‬الصادر‬
‫بتاريخ ‪ 1130/13/11‬في الملف عدد ‪ 1131/31/911‬جاء فيه ما يلي‪ ":‬انطالاا من‬
‫المبدأ الدستوري القاضي للزوم تحم الدولة والمواطنين بصفة تضامنية‪ ،‬وبشا يتناسب‬
‫مع الوسائ التي يتوفرون عليها‪ ،‬التكاليف التي تتطلبها تنمية البالد‪ ،‬وكذا تلك الناتبة‬
‫عن األعباء الناجمة عن اآلفات والكوارث الطبيعية التي تصيب البالد" الفصل ‪ 01‬من‬
‫الدستور‪ ،‬ورعيا لما للمحكمة من سلطة تقديرية في تحديد التعويض استنادا إلى األضرار‬
‫المادية الالحقة بالمدعي‪ ،‬وتبعا لتقرير الخبرة وإعماال لتشطير المسؤولية التي تفرضها قواعد‬
‫التضامن قررت تحديد التعويض المستحق له في القدر الوارد بمنطوق الحكم"‪.‬‬

‫وجاء أيضا في القرار عدد ‪ 1103‬المؤرخ في ‪ 31‬أكتوبر ‪ 1133‬الصادر عن‬


‫محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في الملف عدد ‪ 1/19/91‬ما يلي‪..." :‬وبالتالي فإن‬
‫طلب تعويضه عن مختلف األضرار المترتبة عن ذلك يبقى مبر ار في إطار تكريس مبدأ‬
‫التكاف والمساواة المبردة لين كافة األفراد والمواطنين في تحم األعباء العامة مهما كان‬
‫مصدر الضرر ومن أج الحفاظ كذلك على التوازن لين حقوق األفراد وامتيازات اإلدارة‪،‬‬
‫خاصة إذا كان الضرر المترتب عن ذلك مما ال يمان للمتضرر أن يتحمله لوحده أمام‬
‫جسامة المهام التي كان مالفا وهي السهر على أمن وسالمة الحدود المغربية من أي‬
‫تسرب أجنبي‪".‬‬

‫‪ 1‬منشور من طرف األستاذ أحمد أجعون" الدلي القانوني والقضائي للتعمير والبناء"‪ ،‬منشورات مجلة الحقوق المغربية‪ ،‬سلسلة األعداد الخاصة‪،‬‬
‫رقم ‪ ،5‬السنة ‪ ،31‬ص ‪.191‬‬

‫‪589‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وهكذا ذهب القضاء المغربي في بعض ق ارراته إلى أن أحكام القانون قد تخالف المبدأ‬
‫الدستوري القاضي بمساواة األفراد في تحمل األعباء العامة المشتق من مبدأ أكثر عمومية‬
‫هو مبدأ سيادة القانون الذي ال يجوز أن تعلو عليه سلطة من سلطات الدولة ألنه الركن‬
‫الركين إلدارة الدولة الحديثة‪.‬‬

‫ويتجلى من هذا التحليل أن خرق مبدأ المساواة أمام األعباء العامة ليس إال أساسا‬
‫ظاه ار لتبرير فكرة مسؤولية الدولة عن ممارسة وظيفة التشريع‪ ،‬ذلك أن هذا المبدأ متفرع في‬
‫األصل عن مبدأ آخر هو مساواة األفراد أمام القانون المشتق بدوره من مبدأ أكثر شموال هو‬
‫مبدأ سيادة القانون الذي يعتبر التبرير العميق لفكرة المسؤولية‪ ،‬إذ ينتج مبدأ المساواة أمام‬
‫القانون بالضرورة عن مفهوم سيادة القانون‪.‬‬

‫اعد المطبقة على الكافة بصرف النظر عن مصدرها‪ ،‬سواء كانت‬ ‫ويقصد بالقانون القو ُ‬
‫قواعد الدستور أم قواعد القانون أم قواعد الالئحة‪ ،‬إذ إن جوهر الخضوع يعني اعتراف األفراد‬
‫‪ -‬وقبلهم سلطات الدولة كافة ‪ -‬بأن هناك مبادئ وقيماً متجسدة في تلك القوانين يجب‬
‫احترامها واالمتثال لها في كل الظروف‪ .‬وهكذا يجب تطبيق مبدأ سيادة القانون على جميع‬
‫مستويات السلطة العامة بما فيها السلطة التشريعية كما ذهب إلى ذلك القاضي البريطاني‬
‫الشهير اللورد توم بينغهام‪.1‬‬

‫ويفيد خضوع الدولة لمبدأ سيادة القانون ‪ -‬حين مباشرتها لوظيفة التشريع ‪ -‬التزامها‬
‫ُ‬
‫في ذلك بأحكام الدستور الذي يسمو على كل القوانين‪ ،‬وهذا ما يجعل مبدأ سيادة القانون‬
‫مرادفا أيضا لمفهوم الشرعية‪ ،‬وهذا ما يعني ضرورة االلت ازم لحظة سن القاعدة األدنى بحكم‬
‫القاعدة األعلى‪ ،‬فالقانون العادي في مرتبة أقل من الدستور‪ ،‬ومن ثم وجب أال يخرج األول‬
‫عند سنه على حكم الثاني‪ ،‬كما أن النصوص التنظيمية هي في مرتبة أدنى من القانون‬
‫العادي‪ ،‬ومن ثم ال يجوز لها مخالفته‪ ،‬ووفق هذا المنطق تخلق سيادة القانون معيا اًر لجودة‬
‫القوانين التي يجب أن تكون واضحة الصياغة‪ ،‬آمنة التطبيق وممكنة التوقع‪.‬‬

‫‪ 1‬لورد توم بنتغام" حام القانون"‪ ،‬ترجمة عثمان نصيري‪ ،‬مركز عبد الكريم ميرغني للنشر‪ ،‬السودان‪ ،‬دون ذكر مكان وسنة النشر‬
‫‪PORTELLE.H "Droit constitutionnel", 7 ème édition, Dalloz, Paris, 2007, p.28.‬‬

‫‪590‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ويتجلى الرابط بين مبدأ المساواة أمام التكاليف العامة ومبدأ سيادة القانون في اعتبار‬
‫المساس بهما مناط فكرة المسؤولية‪ ،‬ذلك أن مفهوم المساواة بواسطة قاعدة القانون ال يختلف‬
‫بعمق عن المساواة ضمن القانون‪ ،‬فهو يطرح المفهوم األخير كما يتعلق بمحتوى القاعدة‬
‫ويجد مصدره ضمن ضرورات تدخل الدولة عن طريق القانون لحفظ مبدأ المساواة‪ .‬ويختلف‬
‫المفهومان عن بعضهما في أن مفهوم المساواة بواسطة قاعدة القانون يفترض موقفاً إيجابي ًا‬
‫من القائمين على سن قاعدة القانون‪.‬‬

‫ففي حين يمتنع على السلطة التشريعية بموجب المساواة ضمن قاعدة القانون أن تدرج‬
‫عند سن القاعدة القانونية أي نمط من أنماط التمييز أو المحاباة أو أن تعامل أصحاب‬
‫المراكز المتساوية معاملة مختلفة‪ ،‬فإن المساواة بواسطة قاعدة القانون تفرض على السلطة‬
‫القائمة على سن القاعدة القانونية في نفس الوقت أن تعامل المراكز المختلفة معاملة متباينة‪،‬‬
‫وهذا ما يجعل المساواة غاية نسبية كما يتبين من خالل الحكم‪ 1‬عدد ‪ 1395‬الصادر عن‬
‫المحكمة اإلدارية بالرباط في الملف عدد ‪ 1131/1315/030‬بتاريخ ‪ 13‬دجنبر ‪1131‬‬
‫جاء فيه‪ " :‬وحيث إن نطاق تطبيق مبدأ المساواة في نازلة الحال ينصرف فقط على من‬
‫توفرت فيه الشروط التي يتطلبها القانون أي ذوي المراكز المتماثلة"‪.‬‬

‫ويمكن القول بناء على ما سبق إن مفهوم المساواة ضمن قاعدة القانون يعني طرح‬
‫مبدأ المساواة ضمن محتوى القاعدة القانونية إبان سنها من قبل سلطة التشريع بغض النظر‬
‫ويطرُح مفهوم المساواة بواسطة القانون مبدأ المساواة ضمن‬
‫عن تنوع المراكز الواقعية لألفراد‪َ ،‬‬
‫محتوى القاعدة القانونية آخذين في الحسبان تنوع المراكز الواقعية وتعددها وعدم انتظامها‬
‫في أنماط واحدة‪ ،‬وهذا التمايز في المراكز الواقعية هو الذي يرخص للقاعدة القانونية أن‬
‫فرد أحكاماً مختلف ًة للمراكز المتنوعة‪.‬‬
‫تُ َ‬
‫وهكذا تفرض المساواة بواسطة قاعدة القانون على عاتق المشرع التزاماً بعمل يوجب‬
‫عليه التدخل إلصالح التمايز في المراكز القانونية الذي يحدث بالضرورة في الحياة‬
‫االجتماعية‪ ،‬وعلى هذا الصعيد تكمن محاذي ر وظيفة التشريع واحتمال ترتيبها آثار قد تمهد‬
‫لقيام المسؤولية عنها‪.‬‬

‫‪ 1‬حكم غير منشور‪.‬‬

‫‪591‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وعليه‪ ،‬تكون السلطة التشريعية ملزمة ‪ -‬حسب النظرية المعتمدة من قبل القضاء‬
‫المغربي‪ -‬بتعويض األضرار المترتبة عن القانون الذي تصدره حتى ولو كان هذا األخير‬
‫دستوريا من باب أولى وال تشوبه أية انح ارفات‪ ،‬طالما أن سلطة التشريع ملزمة باحترام‬
‫المبادئ األساسية التي تقوم عليها الدولة الحديثة‪ .‬ويتضح ذلك أكثر من خالل جبرها‬
‫لألضرار على أساس المساس بمبدأ مساواة األفراد أمام األعباء العامة‪ ،‬والذي ُيحرم على‬
‫السلطة التشريعية إصدار أي قانون تمنح به مزايا لبعض األفراد على حساب البعض‬
‫اآلخر‪ .‬فإذا صدر قانون يضر بمصلحة البعض دون البعض اآلخر‪ ،‬اختل مبدأ المساواة‬
‫أمام األعباء العامة‪ ،‬وأصبح لزاما على سلطة التشريع أن تعيد لهذا المبدأ توازنه المطلوب‬
‫بتعويض األفراد المضرورين نتيجة لذلك القانون‪.‬‬

‫وقد ذهب بعض القضاء المقارن ‪ -‬إمعانا في إبراز درجة الضرر الذي قد يلحق‬
‫األفراد على إثر سن تشريع معين ‪ -‬إلى اعتبار أن المساس بالمساواة قد يصل إلى حد‬
‫اعتباره "جو ار قانونيا"‪ ،‬فقد صدر عن المحكمة الدستورية األلمانية قرار مرجعي سنة ‪3319‬‬
‫ناقش مشكلة "جور النص القانوني" بعد صدور الالئحة رقم ‪ 33‬من القانون المدني للرايخ‬
‫بتاريخ ‪ 15‬نونبر ‪ 3303‬يسقط الجنسية األلمانية عن كل يهودي هاجر خارج ألمانيا‪ ،‬وقد‬
‫كان األمر يتعلق في الظاهر بنزاع حول تركة يهودي ألماني هاجر إلى هولندا سنة ‪3301‬‬
‫فطرح مشكل أولي على صعيد تنازع القوانين يتعلق بتحديد جنسيته‪ ،‬وقد خلصت المحكمة‬
‫الدستورية العليا بكون الالئحة المذكورة تظل معدومة معللة قرارها بما يلي‪ " :‬ال القانون وال‬
‫العدالة توجدان تحت تصرف المشرع‪ ،‬فالتصور الذي يقضي بأن المشرع الدستوري‬
‫يستطيع أن ينظم ك شيء وفقا إلرادته كأنها ارتداد إلى عقلية المذهب الوضعي التقديري‬
‫الحر والذي ُهبر منذ زمن بعيد‪ ،‬سواء في علم القانون أو على صعيد الواقع‪ .‬فمن عظات‬
‫النظام القومي االجتماعي في ألمانيا أن المشرع يمان أن يضع اوانين جائرة أيضا‪ ....‬وال‬
‫يمكن التسليم بأن الالئحة المذكورة قد اكتسب قوة النفاذ باعتبار أنه جرى العمل بموجبها‬
‫لبعض السنين أو كان بعض الذي حرموا من الجنسية قبلوا من جهتهم بالتدابير المتخذة من‬

‫‪592‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫قبيل النظام االجتماعي القومي في حالة خاصة أو وافقوا عليها‪ .‬ذلك أن النص القانوني‬
‫الظالم الذي يخرق المبادئ األساسية للحق ال يصبح اانونا لمبرد أنه طبق أو اتبع" ‪.1‬‬

‫بل كشف هذا التوجه أيضا ارتباط مبدأ المساواة بالعدل في المعاملة القانونية‪ ،‬إذ‬
‫اعتبر أن القانون الذي يطبَّق على الجميع من دون تمييز هو تجسيد للعدل أو ما يعرف‬
‫بعدالة القانون‪ ،2‬وأن هذا األخير يكون ظالما وفق ِ‬
‫أي معيار قانوني قيمي الختبار جوهر‬
‫يها وفًقا لمضمونه ومحتواه‪.‬‬
‫العدالة في القاعدة القانونية‪ ،‬على الرغم من تطبيقه تطبيًقا نز ً‬
‫ات إنسان دون دفع‬
‫تصادر عقار ُ‬
‫َ‬ ‫فعندما يحجب قانون ما عن المواطن َّ‬
‫حق التقاضي‪ ،‬وعندما‬
‫تعويض عادل عنها ‪ -‬من دون مراعاة لمبادئ المساواة وتكافؤ الفرص ‪ -‬فإن ذلك يؤدي‬
‫المتعارف عليها وينتهي به‬ ‫ذلك إلى تعارض القانون مع َّ‬
‫سلم القيم األخالقية واالجتماعية‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫األمر إلى أن يصير إلى "قانونا جائرا"‪.‬‬

‫‪ 1‬روبرت ألكسي‪" ،‬فلسفة القانون" تعريب كامل فريد السالك‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،‬بيروت‪ 1131 ،‬ص ‪.11‬‬
‫المَثل األعلى‪ .‬وإذا كانت خصائص الحياة االجتماعية هي األساس الذي تُبنى عليه القواعد‬‫‪ 2‬تعتبر فكرة العدل في القانون هي العنصر المثالي أو َ‬
‫القانونية‪ ،‬فإن هذا ال يكفي وحده لتكوين القاعدة القانونية‪ ،‬بل ال َّبد لحقائق الحياة االجتماعية من االهتداء َ‬
‫بمَثل أعلى يفرضه العقل‪ .‬ولهذا فإن‬
‫قانونا لكن ما هو المثل األعلى للعدل‪ ،‬أو‬
‫المَثل األعلى ‪ -‬وهو العدل – وموافقته عليه هو الذي يعطيه صفة الواجب‪ ،‬أي يجعله ً‬ ‫إخضاع الواقع إلى َ‬
‫ما هي فكرة العدل في ذاته؟ وإذا كان العدل هو أساس القاعدة القانونية والعنصر األهم في تكوين جوهرها‪ ،‬أفال يكون من مقتضى ذلك أنه ينبغي‬
‫مشرع القانون ِ‬
‫ومنفذه‬ ‫يقرر من تكاليف‪ ،‬فال يجاوز حدودها‪ ،‬وأن على ِ‬ ‫على القانون أن يستلهم أحكام العدل ومبادئه في نصوصه‪ ،‬وأن يتقيد بها فيما ِ‬
‫ناقض‬‫كثير ما يحدث‪ ،‬في العمل‪ ،‬أن يتضمن القانون أحكاما ظالمة تُ ِ‬
‫أيضا ًا‬
‫ً‬ ‫أن يستلهم مبدأ العدل الذي استقر في ضمير المجتمع أنه عدل؟ لكنه ً‬
‫ظالما في فترة أخرى اقتضاها التطور‪ .‬وهنا‬
‫ال في فترة ما‪ ،‬إذ يتفق مع مصلحة المجتمع‪ ،‬ثم يصبح ً‬ ‫وكثير ما يكون القانون عاد ً‬
‫ًا‬ ‫المَثل األعلى للعدل‪.‬‬
‫َ‬
‫المَثل األعلى للعدل‪.‬‬ ‫طاعة‬ ‫ب‬ ‫تتنازع األفراد قوتان‪ :‬قوة الدولة‪ ،‬أو قوة الجماعة المادية التي تفرض طاعة القانون‪ ،‬وقوة العقل المعنوية‪ ،‬التي ِ‬
‫توج‬
‫َ‬
‫يغلب قوة العدل على قوة السلطان‪ ،‬فيبيح تحدي قوى الدولة فيما تفرضه‬ ‫القوتين تتوزع آراء الفالسفة والكتاب والفقهاء وتتراوح‪ .‬فمنهم من ِ‬
‫وبين هاتين َّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫أعلنته من حقوق اإلنسان؛ إذ اعتبر أحد‬
‫ْ‬ ‫من قوانين ظالمة‪ .‬ويتدرج ذلك من مجرَّد العصيان إلى الثورة‪ .‬وهذا ما أخذت به الثورة الفرنسية فيما‬
‫منسجما مع هيمنة فكرة العدل‬
‫ً‬ ‫الدساتير التي تمخضت عنها أن الثورة على الظلم ومقاومته هو من ضمن هذه الحقوق‪ .‬لكن هذا الحل‪ ،‬وإن يكن‬
‫كل من الناس العدل على هواه‪ .‬ومن هنا يتجه الفقه الحديث‬
‫فسر ٌّ‬
‫ويقوض الدولة‪ ،‬السيما إذا َّ‬ ‫على القانون‪ ،‬إال أن االعتراف به ٍ‬
‫كحل يخلق الفوضى ِ‬
‫ظر‬
‫وينت َ‬ ‫ٍ‬
‫إلى البحث عن حل داخل نطاق المنظومات القانونية الوضعية ذاتها‪ ،‬فيضع أمله في القضاء‪ ،‬كما أكد على ذلك بعض الفقهاء في أمريكا‪ُ .‬‬
‫كثير من القيم العليا‬
‫شل القوانين الظالمة عن طريق رقابته الواسعة على دستوريتها‪ ،‬أي البحث في مدى موافقتها للدستور‪ ،‬الذي يتضمن عادة ًا‬‫بذلك ُّ‬
‫ظر من هذا القضاء ُّ‬
‫الحد من مدى هذه القوانين الظالمة‪ ،‬بما يمتلك من حرية واسعة في‬ ‫ومبادئ العدل وقواعده وحقوق اإلنسان؛ أو على األقل ُينت َ‬
‫التفسير‪ .‬وهذا ما َد َرَج عليه القضاء األمريكي في قضايا بارزة‪ ،‬وبصورة خاصة في مجال حقوق اإلنسان‪ ،‬حيث أصبحت األحكام في هذه القضايا‬
‫من السوابق القضائية التي لها قوة القانون‪ .‬أنظر دينيس لويد" فكرة القانون "‪ ،‬تعريب سليم الصويص وسليم بسيو‪ ،‬عالم المعرفة‪ 3393 ،‬الكويت‪،‬‬
‫ص ‪.339‬‬

‫‪593‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ب – عدم كفاية المساس بمبدأ المساواة في تحم األعباء العامة أساسا‬


‫للمسؤولية عن التشريع الضار‬

‫ال يصلح مبدأ المساواة في تحمل األعباء العامة ‪ -‬رغم كونه امتداداً لمبادئ قانونية‬
‫كبرى وسبيال لبلوغ قيم إنسانية قصوى كقيمة العدل ‪ -‬مرتك از نظريا أو واقعيا للقبول بفكرة‬
‫مسؤولية الدولة عن ممارسة إحدى سلطاتها لوظيفة التشريع ألنه ذو مضمون نسبي يبرز‬
‫اع َتب ِ‬
‫ار المبدأ أساسا لفكرة المسؤولية‪ ،‬وهذا ما يتبين من خالل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اء ْ‬
‫الم ْرتكب َجر َ‬
‫التعسف ُ‬ ‫درجة َ‬
‫العيوب التالية‪:‬‬

‫‪ .3‬مبدأ المساواة أمام األعباء العامة مبدأ غير مطلق‬


‫يعتبر مبدأ المساواة أمام األعباء العامة ذا مضمون غير مطلق وال يصلح أساسا‬
‫لدعوى المطالبة بالتعويض عن ضرر التشريع الستحالة وجود مساواة تامة وحقيقية سواء‬
‫ضمن قاعدة القانون أو بواسطتها كما سبق الذكر‪ ،‬بل هي مساواة نسبية تراعي ظروف‬
‫المواطنين المختلفة وأحوالهم المتباينة‪ ،‬ألن القانون قد يتضمن شروطا ال تتوافر في جميع‬
‫أفراد الجماعة‪ .1‬ومن ثم ال تتحقق المساواة إال بالنسبة للمراكز المتماثلة ألن مبدأ المساواة‬
‫أمام القانون يستند إلى خاصيتين من خصائص القاعدة القانونية هما العمومية والتجريد‪ ،‬وال‬
‫يمكن تحقيق المساواة بين األفراد إال بتوافرهما‪ ،2‬وهذا ما يتعارض مع مفهوم الضرر الخاص‬
‫كشرط لقيام المسؤولية في مجال التشريع‪.‬‬

‫كما تؤدي مقتضيات العدالة المبنية على المساواة في تبادل الحقوق والواجبات إلى‬
‫تكوين سلطة م ٍ‬
‫طالبة بتقديم الخدمات وتراعي ناحية العدالة في توزيع األعباء‪ ،‬غير أن‬ ‫ُ‬
‫المساواة الحسابية ال تكفي قط‪ ،‬إذ يجب توزيع األعباء بما يتناسب مع الوسائل المرصودة‬
‫لذلك‪.3‬‬

‫‪ 1‬صالح أحمد الفرجاني‪ "،‬مبدأ المساواة أمام القانون وتطبيقاته "مجلة العلوم القانونية والشرعية‪ ،‬العدد‪ ، 6‬ص‪.232‬‬
‫‪ 2‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.234‬‬
‫‪ 3‬هنري باتيفول " فلسفة القانون"‪ ،‬ترجمة سموحي فوق العادة‪ ،‬منشورات عويدات‪ ،‬بيروت باريس‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،3390 ،‬ص ‪.30‬‬

‫‪594‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وقد أكدت مجموعة من االتفاقيات الدولة ‪ -‬باعتبارها مراجع كونية ‪ -‬على المعنى‬
‫السابق وعلى أن المساواة ليست مجرد معيار رسمي‪ ،‬بل ينبغي أن تؤدي إلى معاملة‬
‫متساوية إلى أقصى مدى‪ ،‬وأن تقبل التساهل مع التفرقة التي قد تكون مطلوبة لضمان‬
‫المساواة الحقيقية ضمن ظروف محددة‪ .1‬ومنها على سبيل المثال ما ورد في المادتين ‪1.4‬‬
‫و ‪ 2.2‬من االتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري والمادة الرابعة من‬
‫اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة وأيضا المادة ‪ 5.4‬من اتفاقية حقوق‬
‫األشخاص ذوي اإلعاقة‪.‬‬

‫وقد هاجم العديد من الفقهاء المبدأ على هذا الصعيد‪ ،‬إذ يرى ‪Charles Eisen‬‬
‫‪Mann‬أن مبدأ المساواة أمام األعباء العامة ال يصلح أساسا للمسؤولية اإلدارية ألن‬
‫المبالغة فيه ليست سليمة طالما أن الخطورة الناتجة عن التوسع في اعتماده ال تتناسب مع‬
‫ضآلة النتائج المحققة‪.‬‬

‫كما يربط ‪ HAURIOU Maurice‬المبدأ بالعدالة االجتماعية دون أن يجعل له‬


‫قيمة ملزمة في القانون الوضعي‪ ،‬بل إنه يرى أن طبيعته العامة مبالغ فيها‪ .‬في حين يرى‬
‫‪ALLBERT Einstein‬أن هذا المبدأ يقوم على العدالة وليس له أساس قانوني‪ ،‬وأنه ال‬
‫يمكن جبر كل ضرر في دولة تدير فيها السلطة العامة مرافق عديدة وضخمة‪.‬‬

‫‪ 1‬تنص الفقرة الرابعة من المادة األولى من االتفاقية الدولية للقضاء علي جميع أشكال التمييز العنصري على ما يلي‪ " :‬ال تعتبر من قبيل التمييز‬
‫العنصري أية تدابير خاصة يكون الغرض الوحيد من اتخاذها تأمين التقدم الكافي لبعض الجماعات العرقية أو االثنية المحتاجة أو لبعض األفراد‬
‫المحتاجين إلي الحماية التي قد تكون الزمة لتلك الجماعات وهؤالء األفراد لتضمن لها ولهم المساواة في التمتع بحقوق اإلنسان والحريات األساسية‬
‫أو ممارساتها‪ ،‬شرط عدم تأدية تلك التدابير‪ ،‬كنتيجة لذلك‪ ،‬إلي إدامة قيام حقوق منفصلة تختلف باختالف الجماعات العرقية‪ ،‬وشرط عدم استمرارها‬
‫بعد بلوغ األهداف التي اتخذت من أجله‪ .‬كما تنص الفقرة الثانية من المادة الثانية منها على ما يلي‪« :‬تقوم الدول األطراف‪ ،‬عند اقتضاء الظروف‬
‫ذلك‪ ،‬باتخاذ التدابير الخاصة والملموسة الالزمة‪ ،‬في الميدان االجتماعي والميدان االقتصادي والميدان الثقافي والميادين األخرى‪ ،‬لتأمين النماء‬
‫الكافي والحماية الكافية لبعض الجماعات العرقية أو لألفراد المنتمين إليها‪ ،‬علي قصد ضمان تمتعها وتمتعهم التام المتساوي بحقوق اإلنسان‬
‫والحريات األساسية‪ .‬وال يجوز في أية حال أن يترتب على هذه التدابير‪ ،‬كنتيجة لذلك‪ ،‬إدامة أية حقوق متفاوتة أو مستقلة تختلف باختالف‬
‫الجماعات العرقية بعد بلوغ األهداف التي اتخذت من أجلها"‪ .‬كما تنص الفقرة األولى من المادة الرابعة من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز‬
‫ضد المرأة على ما يلي" ‪ 1.‬ال يعتبر اتخاذ الدول األطراف تدابير خاصة مؤقتة تسته دف التعجيل بالمساواة الفعلية بين الرجل والمرأة تميي از بالمعنى‬
‫الذي تأخذ به هذه االتفاقية‪ ،‬ولكنه يجب أال يستتبع‪ ،‬على أي نحو‪ ،‬اإلبقاء على معايير غير متكافئة أو منفصلة‪ ،‬كما يجب وقف العمل بهذه‬
‫التدابير متى تحققت أهداف التكافؤ في الفرص والمعاملة"‪ .‬وتنص في نفس السياق المادة ‪5.4‬من اتفاقية حقوق األشخاص ذوي اإلعاقة على ما‬
‫يلي‪« :‬ال تعتبر التدابير المحددة الضرورية للتعجيل بالمساواة الفعلية لألشخاص ذوي اإلعاقة أو تحقيقها تميي از بمقتضى أحكام هذه االتفاقية‪.‬‬

‫‪595‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ويرى ‪ MASTRE de Vigny‬بدوره انعدام أية قيمة واقعية للمبدأ قد تستدعي‬


‫إعماله‪ ،‬بل يعتبر أنه مبدأ غامض وال يمكن من وضع نظرية قانونية محددة‪ ،‬فهو مجرد‬
‫فكرة نموذجية ال يمكن الوصول إليها‪ ،‬في حين ينفي " ‪ GUYENOT C. Dclaruc‬عن‬
‫المبدأ كل قيمة قانونية عندما ال يراه صالحا كأساس للمسؤولية اإلدارية عامة‪ ،‬ألنه ال يمكن‬
‫االستناد إليه للحكم بالتعويض ‪.1‬‬

‫وهاجم ‪ chapus René‬بدوره مبدأ المساواة فرأى أن تنصيص إعالن حقوق االنسان‬
‫على المبدأ كان بهدف إدانة عدم المساواة في توزيع األعباء المالية وحدها‪ ،‬وأن اعتباره‬
‫أساسا للمسؤولية اإلدارية يتطلب تقرير ذلك بنص خاص‪ .‬ومن ثم ال يرى ‪chapus‬‬
‫‪René‬أية قيمة دستورية للمبدأ في مجال المسؤولية اإلدارية الختالف الموضوع محل‬
‫البحث في الحالتين اختالفا أساسيا ال يمكن معه الربط بينهما‪ .‬بل إن مؤدى المبدأ ‪ -‬وهو‬
‫تعويض كل ما يصيب المواطنين من أضرار نتيجة سير المرافق العامة ‪ -‬يعد إخالال بفكرة‬
‫المساواة أمام التكاليف العامة ذاتها ‪ -‬إذ ال يكفي اإلخالل بهذا المبدأ فقط لمنح التعويض‬
‫بل ال بد من شروط أخرى‪.2‬‬

‫وحيث يتجلى من صلب التحليل السابق‪ ،‬أن مبدأ المساواة امام األعباء العامة ال يفي‬
‫بغرض تبرير فكرة المسؤولية عن ممارسة وظيفة التشريع‪.‬‬

‫‪ .2‬القول بمساس التشريعات بمبدأ مساواة األفراد أمام األعباء العامة‬


‫يتباه الغاية من التشريع وهي تحقيق المصلحة العامة‬
‫يعد اختصاص المشرع بوضع القواعد القانونية المنظمة للعالقات االجتماعية ضرورة‬
‫تفرضها طبيعة األشياء‪ ،‬كما يفرضها تنظيم المجتمع تنظيما قانونيا يتيح تحقيق المصلحة‬
‫العامة‪ ،‬ذلك أن أساس فكرة التدخل التشريعي في مجال الحقوق والحريات العامة تقوم على‬
‫نسبية هذه األخيرة بمختلف أنواعها والتي تحتاج إلى تنظيم وضبط وإعادة تنظيم باعتبار أن‬
‫الحرية في حد ذاتها تستوجب التنظيم الذي يعد شرطا ضروريا لممارستها‪.‬‬

‫‪ 1‬مذكور من طرف حاتم لبيب جبر " نظرية الخطأ المرفقي " رسالة دكتوراه‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،‬سنة ‪ ،3319‬ص‪. 404‬‬
‫‪ 2‬حاتم لبيب جبر " نظرية الخطأ المرفقي "‪ ،‬نفس المرجع السابق ص‪.011‬‬

‫‪596‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ومن ثم إذا كان المشرع ال ُيطالب إال بالحد الكافي لتنظيم العالقات االجتماعية‪ ،‬فإنه‬
‫ال يفرض إال ما هو في مصلحة الجميع‪ .‬ويبدو أن فكرة الخير العام أو المصلحة العامة‬
‫يمكن أن تكون عامل اشتراك حين تتفرق المصالح‪ 1‬ألن المشرع ينظم التصرفات اإلنسانية‬
‫باسم مجتمع معين في سبيل وجوده ومنفعته‪.2‬‬

‫وتقتضي فكرة الخير العام أو المصلحة العامة وضع توازن بين نشاط الفرد وحريته‬
‫وحقوقه وبين مصالح وحرية اآلخرين‪ ،‬خاصة الحقوق ذات الطابع االقتصادي التي قد تشمل‬
‫حرية التملك وحرية االستثمار والتجارة والصناعة‪ .‬ولقد نصت معظم الدساتير على الحقوق‬
‫والحريات ذات الطابع االقتصادي‪ ،‬فإذا كانت حرية التجارة والصناعة تعتبر مثال ذات قيمة‬
‫دستورية ملزمة لكافة السلطات العامة بما فيها السلطة التشريعية طالما مورست في إطار‬
‫القانون‪ ،‬فإن مسألة تنظيم هذه الحرية ال تزال تعتبر من أهم االختصاصات التي تمارسها‬
‫الدولة كسلطة عامة‪ ،‬وذلك من خالل اإلجراءات والتدابير الوقائية أو الردعية الالزمة لإلبقاء‬
‫على النظام العام في المجتمع‪.3‬‬

‫وقد أقر المجلس األعلى (محكمة النقض حاليا) مشروعية تدخل الدولة على هذا‬
‫الصعيد حين ألغى بموجب ق ارره عدد ‪ 4 001‬حكما ابتدائيا اعتُمد ويعتمد خالفا للواقع‪- 5‬‬
‫وعلى نطاق واسع وإلى غاية اآلن‪ -‬في التدليل على اعتماد القضاء المغربي لفكرة مسؤولية‬
‫الدولة عن مضار التشريع‪ ،‬وقد جاء في القرار ما يلي‪" :‬حيث إنه لما كانت الدولة هي‬
‫المسؤولة عن صحة وسالمة المواطنين فهي ملزمة باتخاذ جميع اإلجراءات والتدابير‬
‫االحت ارزية الالزمة لهذا الغرض‪ ،‬ومن ثم فإن فلها الحق في منع دخول أية مادة اد يشك‬
‫في احتمال إضرارها بصحة المواطنين وهو ما اامت به وزارة الفالحة حينما أصدرت القرار‬
‫رام ‪".79.3420‬‬

‫‪ 1‬هنري باتيفول " فلسفة القانون"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.311‬‬


‫‪ 2‬هنري باتيفول " فلسفة القانون"‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.333‬‬
‫‪ 3‬عادل أبو الخير " الضبط اإلداري"‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬مصر‪ ، 1995،‬ص‪. 155‬‬
‫‪ 4‬قرار عدد ‪ 001‬مؤرخ في ‪ 13‬ماي ‪ 1111‬في الملف عدد ‪ ،1110/1/0/313‬غير منشور‪.‬‬
‫‪ 5‬يتعلق بالحكم الصادر عن المحكمة اإلدارية بالدار البيضاء تحت عدد ‪ 319‬مؤرخ في ‪ 31‬دجنبر ‪( 1111‬منشور في المجلة المغربية لإلدارة‬
‫المحلية والتنمية‪ ،‬عدد مزدوج ‪ ،55/50‬يناير ‪ 1110‬ص ‪.)101‬‬

‫‪597‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ويملك المشرع طبقا لما سبق‪ ،‬سلطة تقديرية واسعة في هذا المجال تشمل تنظيم‬
‫وإعادة تنظيم الحقوق والحريات بالتحديد والتقييد‪ ،‬بل االنتقاص منها في بعض الحاالت‬
‫لضرورات المصلحة العامة وذلك لتنظيم العالقات االجتماعية والنشاطات الفردية‪ .‬كما‬
‫تفرض حرية االستثمار وحرية ممارسة التجارة أو الصناعة ‪ -‬باعتبارهما من الحريات‬
‫األساسية ‪ -‬على المشرع االلتزام بضرورة التدخل إلقامة نوع من التوازن والمالءمة بين‬
‫ممارسة هذه الحرية أو التمتع بها وبين حقوق األفراد اآلخرين‪ ،‬أي ضرورة توفير حماية‬
‫فعالة لممارسة هذا الحق أو الحرية دون المساس بحقوق األفراد اآلخرين وحرياتهم الفردية‪،‬‬
‫األمر الذي يثير في بعض الحاالت إشكالية تتعلق بالحق في طلب التعويض عن األضرار‬
‫التي تلحق األفراد‪. 1‬‬

‫ويتبين بالعطف على االجتهاد القضائي المقارن المشار إليه سابقا والمتعلق بقضية‬
‫‪ La Fleurette‬أن تدخل المشرع جاء من أجل الحد من نشاط مضر بالصحة العامة‬
‫وبالحق في بيئة سليمة‪ ،‬إذ صرح مجلس الدولة الفرنسي بأنه ال يوجد في النص القانوني وال‬
‫في األعمال التحضيرية الخاصة به أو في ظروف القضية ما يسمح بالقول إن المشرع قصد‬
‫تحميل المدعية عبئا غير عادي‪ ،‬إذ من المفروض أن هذا العبء يتحمله الجميع وعلى قدر‬
‫المساواة‪ .2‬كما أن النشاط الذي كانت تمارسه لم يكن نشاطا مشينا أو مض ار بالمجتمع‪،‬‬
‫وبالتالي فقد كان من حق المدعية ‪ -‬حسب مجلس الدولة ‪ -‬الحصول على التعويض‬
‫استنادا لمبدأ مساواة المواطنين أمام األعباء العامة‪ .3‬وقد تأثر مجلس الدولة الفرنسي في‬
‫قضية ‪ La Fleurette‬برأي العميد ديكي الذي اعتبر أن الدولة غير مسؤولة عن األضرار‬
‫التي تصيب األفراد جراء تحريم نشاط أو صناعة ضارة بالمجتمع حماية للنظام العام‪.‬‬

‫وفي قضية أخرى طالبت مؤسسة تسمى ‪ Premier et Henry‬لصناعة الشراب‬


‫المسكر بجبر الضرر الذي لحقها بصدور قرار يمنع صناعتها‪ ،‬غير أن مجلس الدولة رفض‬

‫»‪1 CMPOT Pierre «La protection constitutionnelle de la liberté individuelle en France et en Espagne‬‬
‫‪LGDJ, Paris, 1998, p 267‬‬
‫‪ 2‬عبد الملك يونس محمد " أساس مسؤولية اإلدارة واواعدها "دار الكتب القانونية‪ ،‬ط‪ 1999 ، 1‬ص‪ 190‬ورشيد خلوفي‪" ،‬اانون المسؤولية‬
‫اإلدارية " ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪ ،3330 ،‬ص ‪11‬‬
‫‪3 Marceau Long et autres," Les grands arrêts de la jurisprudence administrative", Dalloz, Paris, 18e‬‬
‫‪édition, 2011, p. 312.‬‬

‫‪598‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الطلب بعلة أن المشرع ال يقيم فكرة المسؤولية عن التشريع مستنتجا أن القانون الذي كان‬
‫محل المنازعة عبارة عن إجراء عام اتخذ ألجل منع الصناعة الخطرة المضرة بالصحة‪ ،‬ولم‬
‫يتضمن أي مقتضى يتيح إمكانية منح التعويض لمن تأثرت مراكزهم بسنه‪.1‬‬

‫وهكذا اعتبر مجلس الدولة الفرنسي أن كل قانون يستهدف تحقيق المصلحة العامة‬
‫بمفهومها الشامل يؤدي ضمنا إلى استبعاد الحق في التعويض عن األضرار الناجمة عنه‪،‬‬
‫إذ رفض المجلس المذكور الحكم بالتعويض ألن النشاط الممنوع قانونا كان نشاطا غير‬
‫مشروع أو فيه مساس باألخالق أو الصحة العامة‪ .‬كما قرر ذلك أيضا من خالل قضية‬
‫‪ .2 Société Stambouli‬ورفض ذات المجلس طلب التعويض إذا كان القانون يستهدف‬
‫تحقيق غايات اقتصادية واجتماعية عامة كمحاربة بعض الممارسات التدليسية أو منع بعض‬
‫األنشطة الضارة بالصحة العامة أو تلك التي من شأنها تهديد األمن العام‪.3‬‬

‫وقد عرضت للقضاء المغربي مجموعة من القضايا التي رامت من خاللها مجموعة‬
‫من الشركات الحكم لفائدتها بالتعويض عن الضرر الذي زعمت أنه لحقها بدخول القانون‬
‫‪ 35/11‬القاضي بمنع صنع األكياس من مادة البالستيك واستيرادها وتصديرها وتسويقها‬
‫واستعمالها حيز التنفيذ‪ ،‬ذلك أن هذا القانون فرض على هذه الشركات ‪ -‬بحسب ما ادعته ‪-‬‬
‫التوقف عن مزاولة نشاط اقتصادي يدر عليها أرباحا مادية‪ ،‬ومن هذه القضايا ما صدرت‬
‫بشأنه األحكام التالية‪:‬‬

‫‪ -‬الحكم عدد ‪ 1001‬الصادر بتاريخ ‪ 33‬يونيو ‪ 1133‬في الملف عدد‬


‫‪ 1139/1331/3911‬والقاضي برفض طلب التعويض عن القانون المتعلق بمنع‬
‫إنتاج وتسويق وتداول األكياس البالستيكية‪.‬‬
‫‪ -‬الحكم عدد ‪ 1001‬الصادر بتاريخ ‪ 33‬يونيو ‪ 1133‬في الملف عدد‬
‫‪ 1139/1331/3911‬والقاضي برفض طلب التعويض عن القانون المتعلق بمنع‬
‫إنتاج وتسويق وتداول األكياس البالستيكية‪.‬‬

‫‪1 CE 29 avr. 1921, Société Premier et Henry, Lebon 424 ; S. 1923.3.14, note Hauriou.‬‬
‫‪2 CE 11 juillet 1990, Société Stambouli. Frères, Lebon p. 214.‬‬
‫‪ 3‬زكريا خليل " مسؤولية الدولة عن اعمال التشريع لين المقتضيات القانونية واالجتهاد القضائي ‪:‬دراسة في فرنسا والمغرب"‪ ،‬مجلة كلية‬
‫القانون الكويتية العالمية‪ ،‬العدد ‪ ،11‬السنة السابعة‪ ،‬شتنبر ‪ ،1133‬ص ‪.195‬‬

‫‪599‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪ -‬الحكم عدد ‪ 1051‬الصادر بتاريخ ‪ 33‬يونيو ‪ 1133‬في الملف عدد‬


‫‪ 1139/1331/3919‬والقاضي برفض طلب التعويض عن القانون المتعلق بمنع‬
‫إنتاج وتسويق وتداول األكياس البالستيكية‪.‬‬

‫وقد كانت أحكام القضاء على هذا الصعيد في منطوقها صائبة ألن مضار اللدائن‬
‫الصناعي ة على الصحة العامة وعلى الحق في بيئة سليمة ال تخفى على أحد‪ ،1‬ومن ثم كان‬
‫إصدار القانون ‪ 35/11‬القاضي بمنع صنع األكياس من مادة البالستيك واستيرادها‬
‫وتصديرها وتسويقها واستعمالها دفعا لضرر عام يصيب المجتمع قاطبة‪ ،‬ومادام أن دفع‬
‫الضرر أولى من اإلبقاء على مصلحة فئة معينة‪ ،‬فإنه ال حق بتطبيقه في طلب التعويض‬
‫طبقا لما استقر عليه القضاء المقارن‪.‬‬

‫كما لم يتضمن القانون ‪ 35/11‬أي تمييز تحكمي بين المواطنين مستند إلى أسس‬
‫غير موضوعية قد توقعه في مخالفة مبدأي المساواة وتكافؤ الفرص ذوي القيمة الدستورية‬
‫والعالمية‪ .2‬بل إن القانون المذكور جاء ليضمن لكافة أفراد المجتمع تمتعهم بالحق في بيئة‬
‫سليمة المنصوص عليه في الفصل ‪ 13‬من الدستور‪ .3‬ولضمان التمتع بهذا الحق‪ ،‬فقد كان‬
‫لمشرع القانون ‪ 35/11‬سلطة تقديرية واسعة تشمل التنظيم وإعادة التنظيم بالتحديد والتقييد‪،‬‬
‫بل االنتقاص بشكل مشروع من الحقوق األخرى في بعض الحاالت لضرورات المصلحة‬
‫العامة وذلك لتنظيم العالقات االجتماعية والنشاطات الفردية والحرية‪.‬‬

‫بل إن الفصل ‪ 13‬من الدستور يخول للبرلمان حق التشريع في هذا مجال البيئة‬
‫وحماية الموارد الطبيعية والتنمية المستدامة‪ ،‬إذ جاء في الفصل المذكور ما يلي‪" :‬باإلضافة‬
‫إلى المواد المسندة إليه صراحة بفصول أخرى من الدستور‪ ،‬بالتشريع في الميادين التالية ‪:‬‬
‫‪ .......‬القواعد المتعلقة بتدبير البيئة وحماية الموارد الطبيعية والتنمية المستدامة‪." ........‬‬

‫كبير على البيئة ألنها غير قابلة للتحلل‪ ،‬كما تحتوي أكياس البالستيك على نسب عالية من‬
‫عبئا ًا‬
‫‪ 1‬تمثل مخلفات صناعة األكياس البالستيكية ً‬
‫الرصاص‪ ،‬وعند رميها تحت أشعة الشمس تخرج غازات ضارة جدا على صحة اإلنس ان‪ ،‬فضال على أن األكياس البالستيكية الملقاة على األرض‬
‫تشكل وعاء لتكاثر الجراثيم وتجمع المياه ما يسبب التلوث البيئي‪.‬‬
‫‪2 Eisenmann (Charles) "L'es.prit des lois et la séparation des pouvoirs", in Mélanges R. Carré de Malberg,‬‬
‫‪Paris, L. R. Sirey, 1933, p 163‬‬
‫‪ 3‬جاء في هذا الفصل ما يلي‪ " :‬تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية‪ ،‬على تعبئة كل الوسائل المتاحة‪ ،‬لتيسير أسباب استفادة‬
‫المواطنات والمواطنين‪ ،‬على قدم المساواة‪ ،‬من الحق في‪ -" :‬الحصول على الماء والعيش في بيئة سليمة؛"‬

‫‪600‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وقد ذهب القضاء المغربي إلى اعتبار دور الدولة على هذا الصعيد واجبا يرتب‬
‫تخلفها عن القيام به مسؤوليتها‪ ،‬فقد جاء في القرار عدد ‪ 5191‬الصادر عن محكمة‬
‫ُ‬
‫االستئناف اإلدارية بالرباط بتاريخ ‪33‬نونبر ‪ 1130‬في الملف عدد ‪ 1/33/591‬جاء فيه‪:‬‬
‫" ومن ثم فإن مسؤولية اإلدارة في هذه الحالة هي مسؤولية أخالقية وأدلية تبد أساسها‬
‫في التزام الدولة لتوفير الحماية والسالمة الصحية للمستهلكين من ك ما من شأنه‬
‫المساس لها‪ ،‬ومن ثم فإنها تبقى لدورها متحملة لقدر من المسؤولية اإلدارية الموجبة‬
‫للتعويض إلخاللها بالتزاماتها الوظيفية اتباه مواطنيها‪ ،‬وهو المعطى الذي أارت به ضمنا‬
‫من خالل سنها لقوانين استهدفت من خاللها منح ضحايا هذه الزيوت بعض من‬
‫التعويضات واإلعانات"‪.‬‬

‫ولعل نفس األسباب ينبغي أن تحيط بمناقشة المسؤولية التي تثيرها رزنامة القوانين‬
‫والق اررات التي اتخذتها الدولة للحد من انتشار جائحة فيروس كورونا والمتخذة في أعقاب‬
‫إصدار المرسوم بقانون المتعلق بسن أحكام حالة الطوارئ‪ ،‬ألن مسؤولية الدولة تفرض عليها‬
‫تفعيل آليات الضبط اإلدارية المخولة لها بما يتأتى لها من اإلمكانية في تحمل تكاليف‬
‫تأهيل اآلليات والوسائل الصحية‪ ،‬سواء فيما يتعلق بتوفير البنية التحتية المالئمة والمعدات‬
‫والوسائل اإلضافية التي يتعين اقتناؤها بكل استعجال من أجل عالج األشخاص المصابين‬
‫بالفيروس في ظروف جيدة طبقا لما ألزمها به الفصل ‪ 40‬من الدستور الذي حث جميع‬
‫مؤسسات الدولة على أن تتحمل بصفة تضامنية‪ ،‬وبشكل يتناسب مع الوسائل التي تتوفر‬
‫عليها‪ ،‬التكاليف التي تتطلبها تنمية البالد‪ ،‬وكذا تلك الناتجة عن األعباء الناجمة عن‬
‫اآلفات‪ ،‬األوبئة والكوارث الطبيعية التي تصيب البالد ‪ .‬ومن ثم ال ينبغي أن تسأل الدولة‬
‫عن األضرار التي اد تنبم عن إارار القوانين والق اررات الموضوعة في هذا السياق‪.‬‬

‫‪ 57-150‬يتعلق بتحديد‬ ‫وقد جاء في قرار للجمعية العامة لألمم المتحدة رقم‬
‫المسؤوليات األساسية للدول المتضررة من الكوارث الطبيعية على أن الدول يقع عليها ‪-‬‬
‫قبل كل شيء ‪ -‬مسؤولية االعتناء بضحايا الكوارث الطبيعية وغيرها من الطوارئ التي تقع‬
‫في إقليمه‪ .‬كما أن حق اإلنسان في الصحة مسلم به في العديد من الصكوك الدولية‪ ،‬إذ إن‬
‫الفقرة األولى من المادة ‪15‬من اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان تؤكد أن لكل شخص الحق‬

‫‪601‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة له وألسرته‪ ،‬ويشمل المأكل والملبس والمسكن‬
‫والرعاية الطبية والخدمات االجتماعية الضرورية‪ .‬وهو نفس االتجاه الذي كرسه العهد الدولي‬
‫الخاص بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية على أشمل مادة تتعلق بالحق في الصحة‬
‫في القانون الدولي لحقوق اإلنسان‪ .‬كما أن المادة ‪ 31/3‬من ذات العهد ألزمت الدول‬
‫األطراف بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن‬
‫بلوغه ‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬طبيعة المسؤولية عن األضرار الناجمة عن ممارسة وظيفة‬


‫التشريع‬

‫قد يؤدي تقرير مسؤولية الدولة بناء على عنصر الخطأ في بعض الحاالت إلى‬
‫استحالة استيفاء التعويض عن الضرر بسبب عدم قدرة المتضرر على إثبات وجود الخطأ‪،1‬‬
‫وقد تتحقق هذه الحالة إما ألن إثبات الخطأ يكون أم ار ُمستحيال‪ ،‬وإما ألن إثبات الخطأ‬
‫يمكن أن يكون في غير محله كأن يكون الضرر ناجما عن أحد أعمال السيادة كما هو حال‬
‫أعمال التشريع‪.‬‬

‫وإذا كان المبدأ الراسخ قديما هو عدم مسؤولية الدولة عن ممارسة وظيفة التشريع على‬
‫أساس أن المشرع ال يخطئ‪ ،‬فإن نظرية المسؤولية بدون خطأ تظل ذات طبيعة استثنائية‬
‫ألن القضاء يحجبها عندما يتضمن النص التشريعي أو االتفاقية الدولية حكما أو بنداً ُيسقط‬
‫حلت المسؤولية‬ ‫حق المطالبة بجبر الضرر الناجم عن وضعهما‪ .2‬ومع ذلك فقد‬
‫الموضوعية إشكال مساءلة الدولة عن األضرار التي تترتب عن القوانين رغم أن عدد‬
‫المنازعات ذات الصلة يظل محدودا‪ ،3‬غير أن بقاء العديد من أوجه ممارسة وظيفة التشريع‬
‫خارج نطاق تطبيق فكرة المسؤولية والتشدد في أسباب قيامها خاصة على صعيد شروط‬

‫‪ 1‬ميشيل روسي‪ ،‬المنازعات اإلدارية بالمغرب‪ ،‬ترجمة‪ :‬محمد هيري‪ ،‬الجياللي أمزيد‪ ،‬مطبعة المعارف الجديدة‪ ،‬الرباط‪ ،‬السنة ‪ ،3335‬ص ‪.196‬‬
‫‪ 2‬نظرية المسؤولية بدون خطأ نظرية قضائية من ابتداع القضاء اإلداري وهي نظرية استثنائية مكملة أو احتياطية‪ ،‬إذ األصل في المسؤولية قيامها‬
‫على أساس الخطأ يتم اللجوء إليها وتطبيقها لحفظ التوازن ما بين امتيازات اإلدارة وحقوق االفراد وحرياتهم‪ .‬كما أنها نظرية حيادية وموضوعية‪ ،‬إذ ال‬
‫يستلزم قيامها إدانة اإلدارة بارتكاب خطأ معين ويشترط للتعويض فيها أن يكون الضرر قد بلغ حد الجسامة والخطورة غير االعتيادية باإلضافة‬
‫لصفة الخصوصية للمتضرر‪ .‬فضال على انها نظرية تقوم على ركني الضرر والعالقة السببية‪.‬‬
‫‪ 3‬عوابدي عمار‪ ،‬نظرية المسؤولية اإلدارية‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪ ،1110 ،‬ص ‪.103‬‬

‫‪602‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ جعل بعض القضاء المقارن يتجه نحو االستعانة بنظرية الخطأ لتوسيع‬،‫عنصر الضرر‬
‫ ويمكن االستشهاد في هذا الصدد بقرار لمحكمة النقض‬.‫نطاق المسؤولية على هذا الصعيد‬
‫ " يحق للمحاكم الوطنية مراقبة‬:‫ جاء فيه ما يلي‬11111 ‫ شتنبر‬19 ‫البلجيكية مؤرخ في‬
2
"....‫مدى قيام السلطة التشريعية بسن قوانين بكيفية مالئمة وكافية‬

‫وقد قضت محكمة النقض البلجيكية في هذا السياق بالتعويض بناء على خطأ قوامه‬
‫بطء وتيرة التشريع وعدم مالئمته مع االتفاقية األوروبية لحقوق االنسان في منازعة تتعلق‬
‫ األمر الذي اعتبرته ذات‬،‫بالتعويض عن خطأ طبي لم يتم البت فيها داخل أجل معقول‬
.3‫ من االتفاقية األوروبية لحقوق االنسان‬31 ‫المحكمة مخالفة واضحة للفصل‬

‫ فقد فتح هذا االجتهاد القضائي الباب أمام الفقه للبحث في إمكانية‬،‫ومهما يكن‬
‫ إذ‬،‫االستعانة بنظرية المسؤولية الخطئية إلقرار مسؤولية الدولة عن ممارسة وظيفة التشريع‬
‫برزت عدة آراء أولية تحاول اإلحاطة بمفهوم خطأ السلطة التشريعية والذي يتجلى حسب‬
‫ تشريعي سواء كان وطنيا أو أي‬- ‫الفقه في عدة حاالت من بينها مخالفة ضابط فوق‬
‫ كما قد يتجلى الخطأ في مخالفة‬.5‫ أو أي ضابط عام آخر‬،4‫ضابط دولي ذي أثر مباشر‬

1 Cass. (1re ch.), 28 sept. 2006, Pas., 2006 Arrêt n°C.02. 0570.F, www.cass.be
2 «Un tribunal de l’ordre judiciaire a le pouvoir de contrôler si le pouvoir législatif a légiféré de manière
adéquate ou suffisante pour permettre à l’Etat de respecter un droit consacré par une norme supérieure, en
l’espèce le droit d’être jugé dans un délai raisonnable en vertu de l’article 6.1 de la Convention européenne
des droits de l’homme.
3 B. DUBUISSON et S. VAN DROOGHENBROECK, «Responsabilité de l’Etat-législateur: la dernière
pièce du puzzle ?»، J.T., 2011, p. 802
4 R. ERGEC, « La responsabilité du fait de la carence législative », in Mélanges Philippe Gérard,
Bruxelles, Bruylant, 2002, p. 298 ; M. LEROY, « Responsabilité des pouvoirs publics du chef de
méconnaissance de normes supérieures de droit national par un pouvoir législatif », in La responsabilité
des pouvoirs publics, Actes du colloque organisé les 14 er 15 mars 1991 par la Faculté de droit de
l’Université catholique de Louvain et la Faculté de droit de l’Université Libre de Bruxelles, Bruxelles, Bruylant
1991, p. 331 et s
5 Une décision de 1984 avait ainsi condamné l’Etat pour une carence législativo-budgétaire219.Dans le
même esprit, une décision de la Cour d’appel de Bruxelles (Bruxelles, 3 mai 2005, J.L.M.B., 2005, J.L.M.B.,
pp. 1380 et s( et Voy. Civ. Bruxelles (33e ch.), 16 février 2001, R.G.D.C., 2003, p. 211, note K. MUYLLE,
R.W., et (CAA Paris, 1/07/1992, Soc. Jacques Dangeville). Dans cette affaire, une disposition législative
incompatible avec les objectifs d’une directive avait été appliquée. La cour condamna, alors, l’Etat à réparer le
préjudice résultant de la situation illicite créée par la non transposition de la directive.

603
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫االنتظارات المشروعة للمواطنين‪ 1‬طالما أن تجاوز أجل البت في الدعوى داخل أجل معقول‬
‫مثال هو دليل جيد على إمكانية االستعانة بنظرية الخطأ‪ .‬وقد يتمثل هذا األخير أيضا في‬
‫عدم التعامل بحذر واحتياط أو التعامل بتعجل خالل عملية التشريع مقارنة بمشرع آخر وجد‬
‫في نفس الظروف‪.‬‬

‫واعتبر الفقه المذكور انطالقا من تعداد بعض صور الخطأ التشريعي أن مفهوم هذا‬
‫األخير مرتبط بمفهوم آخر هو عدم المشروعية معتب ار أن محكمة النقض البلجيكية ألمحت‬
‫إلى هذا االرتباط في مجموعة من ق ارراتها الصادرة سنة‪ ،21111‬غير أن المحكمة المذكورة‬
‫ما فتئت تتراجع عن موقفها في قرار آخر‪ 3‬مؤكدة بأن تراكب أو تطابق الخطأ وعدم‬
‫المشروعية ليس كافيا لقيام مسؤولية الدولة في مجال التشريع‪ ،‬وأن معيار الخطأ على هذا‬
‫الصعيد هو معيار تكميلي فقط‪ ،‬وأن خرق ضابط دستوري ال يؤدي بالضرورة إلى مسؤولية‬
‫المشرع‪ .‬وقد خلق هذا القرار بعض اللبس وجعل موقف محكمة النقض غامضا وغير‬
‫واضح‪.‬‬

‫وقد أكد مجلس الدولة الفرنسي ‪ -‬في المقابل ‪ -‬من خالل قرار ‪ Gardedieu‬قيام‬
‫مسؤولية الدولة عن األضرار التي تسببها القوانين التي تتجاهل مقتضيات االتفاقيات الدولية‬
‫التي صادقت عليها فرنسا السيما االتفاقيات والتوجيهات األوروبية‪ .‬ورغم أن مجلس الدولة‬
‫الفرنسي قد أقر بهذه المسؤولية‪ ،‬إال أنه لم يقمها صراحة على خطأ المشرع‪ ،‬إذ لم يقم‬
‫بتكييف خرق المشرع لهذه االتفاقيات على أنه خطأ يستوجب التعويض‪ ،‬وإنما كان دائما ما‬
‫يحكم بالتعويض بناء على خطأ الجهات اإلدارية التي تصدر أعمال إدارية تبعا ألحكام تلك‬
‫القوانين‪ ،‬فيكون التعويض مبنيا على علة أن اإلدارة سببت للفرد الضرر بسبب تطبيقها‬

‫‪1 Civ. Bruxelles (7e ch.) , 17 mars 1997, R.W., 1997-2002-2003, p/ 306 et 1998, p. 257, note P.‬‬
‫‪POPELIER, J.L.M.B., 1998, p. 438‬‬
‫‪2 Samuelle De Ketelaere «La responsabilité civile de l’Etat-législateur» Université catholique de Louvain,‬‬
‫‪Année académique 2012-2013, p 29‬‬
‫‪3 Cassa. (1re ch.), 10 sept. 2010, Pas., 9/2010, p. 2228 ; C.D.P.K., 2/2011, p. 291.‬‬

‫‪604‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫لقانون مخالف للمعاهدات الدولية وليس ألن المشرع أخطأ بإصدار قانون مخالف للمعاهدات‬
‫الدولية‪.1‬‬

‫ولم يسبق للقضاء المغربي ‪ -‬حسب علمي ‪ -‬أن نظر في منازعة ترمي إلى إقرار‬
‫المسؤولية عن ممارسة وظيفة التشريع باعتماد نظرية الخطأ لوحدها‪ ،‬لذلك لم تتح له فرصة‬
‫إبداء موقفه منها‪ ،‬اللهم ما شهدته الدعاوى التي أقامتها بعض الشركات التي كانت معنية‬
‫بتطبيق أحكام القانون رقم ‪ 11.35‬القاضي بمنع صنع األكياس من مادة البالستيك‬
‫واستيرادها وتصديرها وتسويقها واستعمالها والتي زعمت من خاللها ‪ -‬إلى جانب خرق مبدأ‬
‫المساواة أمام األعباء العامة ‪ -‬ارتكاب المشرع لخطأ مرفقي يتجلى في إصدار نص تشريعي‬
‫يقضي بإيقاف نشاطها االقتصادي‪ .‬وعلى الرغم من أن المحكمة اإلدارية بالرباط التي‬
‫أقيمت الدعاوى أمامها لم تناقش أوجه الخطأ في التشريع المنعي على القانون المذكور‬
‫واكتفت بمناقشة جانب مخالفته لمبدأ المساواة في تحمل األعباء العامة لتنتهي إلى إصدار‬
‫عدة أحكام تقضي برفض الطلب‪ ،‬فإن ذلك ال يمنع من تمحيص االدعاء واستجالء أوجه‬
‫الخطأ المنعية على القانون ‪ 35/11‬من عدمها‪.‬‬

‫فقد اعتبرت بعض الشركات أن صدور القانون ‪ 35/11‬أدى إلى توقف نشاطها‬
‫االقتصادي بشكل كلي على الرغم من أن المنع ال يشملها كافة‪ ،2‬لذا يمكن القول على أن‬
‫المنع لم يؤد منطقيا إلى توقف كلي للنشاط ألن القانون سمح بمتابعة جل أوجه نشاط صنع‬
‫وتسويق باقي األكياس البالستيكية المباحة وباقي المنتوجات البالستيكية من أواني وغيرها‪.3‬‬

‫‪1 François Gilbert, « le conseil d'Etat consacre la responsabilité de l'Etat du fait des lois contraires aux‬‬
‫‪engagements internationaux ». www.blogdroitadministratif.net, le 33/11/1111 à 31h00.‬‬
‫‪ 2‬بدليل أن المادة الثانية من القانون ‪ 35/11‬تنص على ما يلي‪ :‬يمنع ابتداء من فاتح يوليوز ‪ 1131‬صنع األكياس من مادة البالستيك‪،‬‬
‫المنصوص عليها في البند ‪ 1‬من المادة ‪ 3‬أعاله وكذا استيرادها أو تصديرها أو حيازتها بغرض البيع أو عرضها للبيع أو بيعها او توزيعها ولو بدون‬
‫عوض‪ .‬وبالرجوع إلى البند الثاني من المادة األولى ستجد محكمتكم الموقرة أن األكياس الممنوع صنعها هي‪ -1 :‬األكياس من مادة البالستيك‪:‬‬
‫أكياس بمقايض أو بدونها مكونة من البالستيك‪ ،‬تمنح بعوض أو بدون عوض للمستهلكين في نقط بيع السلع أو المواد أو تقديم الخدمات‪ ،‬وذلك‬
‫بغرض تلفيف بضائعهم؛ وقد كان المشرع في القانون المذكور صريحا جدا حين نص في المادة الثالثة من نفس القانون على ما يلي‪ :‬تستثنى من‬
‫نطاق المنع المنصوص عليه في المادة ‪ 1‬أعاله‪ ،‬األكياس من مادة البالستيك ذات االستعمال الصناعي أو الفالحي واألكياس من مادة البالستيك‬
‫المسماة "األكياس الكاظمة للح اررة" وأكياس التجميد وتلك المستعملة في جمع النفايات‪ ،‬كما تم تعريفها في البنود ‪ 1‬و‪ 0‬و‪ 5‬و‪ 1‬و‪ 1‬و‪ 9‬من المادة ‪3‬‬
‫أعاله‪.‬‬
‫‪ 3‬وعددها في اإلجمال ثمانية وهي كاآلتي‪ :‬األكياس من مادة البالستيك ذات االستعمال الصناعي‪ :‬األكياس من البالستيك المستعملة حصريا‬
‫لتلفيف أو توضيب المواد المصنعة داخل مكان التصنيع أو التوضيب؛ ‪-‬األكياس من مادة البالستيك ذات االستعمال الفالحي‪ :‬األكياس الموجهة‬

‫‪605‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وهكذا حاولت الشركات جاهدات تصوير الخطأ في المنازعة على أنه يتعلق بإرغامها‬
‫في ظرف وجيز بموجب نص تشريعي على التوقف النهائي والكلي عن مزاولة نشاط‬
‫اقتصادي مشروع‪ ،‬والحال أن األمر مخالف تماما‪ ،‬ألن المنع من صنع بعض أنواع األكياس‬
‫البالستيكية وتسويقها سبق وأن قرر بموجب القانون رقم ‪ 11.31‬المتعلق باستعمال األكياس‬
‫واللفيفات من البالستيك القابل للتحلل أو القابل للتحلل بيولوجيا الصادر بتنفيذه الظهير‬
‫الشريف رقم ‪ 3.31.305‬بتاريخ ‪ 1‬شعبان ‪ 31( 3013‬يوليو ‪ )1131‬الذي منع في مادته‬
‫األولى صنع ذات األكياس محل المنع المنصوص عليه بموجب القانون ‪ 35/11‬الذي‬
‫نسخه‪.‬‬

‫ومن ثم فإن المنع قرر بشكل تدريجي تمت من خالله مصاحبة الشركات بدعم تقني‬
‫ومالي مهمين‪ ،‬علما أن دخول القانون حيز التنفيذ شجع انبثاق أنشطة جديدة مدعوة لتلبية‬
‫الحاجيات المتنامية للسوق على مستوى الحلول البديلة ‪. 1‬‬

‫حصريا الستعماالت فالحية متعلقة بإنتاج المواد الفالحية وتخزينها وتوضيبها ونقلها؛ ‪-‬األكياس من مادة البالستيك المسماة "أكياس كاظمة للح اررة"‪:‬‬
‫األكياس التي تمكن من نقل األغذية المجمدة دون التعرض لخطر انقطاع سلسلة التبريد‪ .‬وتعمل هذه األكياس بواسطة عوازل ح اررية تقوم بإبطاء‬
‫عمليات التبادل الحراري؛ ‪-‬أكياس التجميد من مادة البالستيك‪ :‬األكياس المستعملة حصري ا لتلفيف األغذية من أجل حفظها عن طريق التجميد؛ ‪-‬‬
‫أكياس من مادة البالستيك لجمع النفايات المنزلية‪ :‬األكياس المستعملة حصريا الحتواء ونقل النفايات المنزلية أو ما شابهها كما تم تعريفها في‬
‫القانون رقم ‪ 19.11‬المتعلق بتدبير النفايات والتخلص منها والنصوص المتخذة لتطبيقه؛ ‪-‬أكياس من مادة البالستيك لجمع النفايات األخرى‪:‬‬
‫األكياس المستعملة حصريا الحتواء ونقل النفايات غير النفايات المنزلية أو ما شابهها‪ ،‬كما تم تعريفها في القانون السالف الذكر رقم ‪19.11‬‬
‫والنصوص المتخذة لتطبيقه‪.‬‬
‫‪ 1‬واكبت الدولة الشركات المعنية بإصدار القانون ‪ 35/11‬من خالل إحداث إبرام اتفاقية شراكة من أجل مواكبة تحول المقاوالت المعنية بتطبيق‬
‫القانون رقم ‪ 77/15‬بتاريخ ‪ 25‬يونيو ‪ 2016‬بين و ازرة االقتصاد والمالية وو ازرة الصناعة والتجارة واالستثمار واالقتصاد الرقمي والوكالة الوطنية‬
‫لتنمية المقاوالت الصغرى والمتوسطة‪ .‬وتم بموجب االتفاقية المذكورة إنشاء صندوق باحتياطي قدره ‪ 111‬لدعم المقاوالت التي تُحقق أزيد من ‪30‬‬
‫في المائة من رقم معامالتها في إنتاج األكياس الممنوعة من طرف القانون‪ ،‬وإلى المقاوالت التي تنتج أكياسا غير ممنوعة الصنع والتي تتطلع إلى‬
‫االنخراط في مسلسل امتثال وحداتها للمتطلبات المعيارية الجديدة‪ ،‬عالوة على المقاوالت التي يمثل نشاطها اإلنتاجي الخاص باألكياس البالستيكية‬
‫أقل من ‪ 30‬في المائة من رقم المعامالت الذي تنجزه‪ .‬وذلك بسقف دعم حدد في ‪ 30‬مليون درهم‪ .‬وتُواكب المقاوالت المذكورة في إطار برامج دعم‬
‫مؤسسة" مغرب المقاوالت الصغرى والمتوسطة‪ ".‬مع دعم االستثمار أو تعويض التجهيزات بأخرى جديدة بنسبة ‪ 50‬بالمائة وفي حدود سقف ‪10‬‬
‫مليون درهم للمقاولة الواحدة‪ .‬كما تم دعم تصميم وتصور المنتوجات الجديدة المرتبطة بالتحويل بنسبة ‪ 50‬بالمائة في حدود مبلغ مليونا درهم‪ .‬وقد‬
‫استجابت ‪ 72‬مقاولة لطلب إبداء االهتمام الذي أُعلن عنه خالل شهر ماي‪ ، 2016‬حيث أصبحت مؤهلة لالستفادة من دعم الصندوق ‪.‬لكن ‪16‬‬
‫مقاولة منها فقط هي التي أودعت ملفاتها االستثمارية حتى اليوم‪ ،‬وأصبحت بالتالي تستفيد من دعم الدولة ‪.‬وتُشغل هذه المقاوالت ‪ 475‬شخصا‬
‫وستُحدث ‪ 509‬فرصة عمل جديدة ‪ .‬كما تم اقتناء قطعة أرضية مكونة من ‪ 13‬هكتا ار مخصصة الحتضان القطاع غير المهيكل مع إنشاء لجنة‬ ‫َ‬
‫تضم كل المتدخلين‪.‬‬
‫‪-‬الدعم التقني‪ :‬وتجلى الدعم التقني الذي قدمته الدولة للشركات المعنية بالقانون ‪ 35/11‬في التحمل الكلي إلعداد مخطط التحويل وتقديم خبرة‬
‫تسمح بإعداد برامج استثمارية‪ ،‬وتحسيس المصارف حتى تمنح شروطا تفضيلية للفاعلين فيما يخص نسبة الضمان‪ ،‬ومن خالل تحسيس الصندوق‬
‫الوطني للضمان االجتماعي بأهمية تفعيل مسلسل التعويض عن البطالة ‪ .‬وبالنسبة للدعم والمواكبة اللذان حظيت بهما الشركات المدعية فقد تجلى‬

‫‪606‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وحيث إن عين هذا التعليل المقنع هو ما ذيلت به المحكمة اإلدارية بالرباط حكمها‬
‫عدد ‪ 1001‬الصادر بتاريخ ‪ 33‬يونيو ‪ 1133‬في الملف عدد ‪ ،1139/1331/3911‬إذ‬
‫جاء فيه ما يلي‪" :‬وحيث تأسيسا على ما ذكر أعاله وبالنظر على اإلجراءات المواكبة لسن‬
‫قانون منع صنع األكياس البالستيكية وبالنظر إلى اتفاقية إطار الموقعة في أبريل ‪1131‬‬
‫واتفاقية الشراكة الموقعة بيونيو ‪ 1131‬واستنادا إلى محضر دعم الشركة المدعية وتحويل‬
‫مبالغ التمويل إلى الجهات الوصية وعدم منازعة المدعية في ذلك بمقبول وبانعدام تحقق‬
‫عنصر الخطأ وعدم تحقق عنصر الضرر المباشر والحال والمحقق المرتبط مباشرة بالتشريع‬
‫يكون الطلب قد استند على أسس غير قانونية وغير سليمة ويتعين رفضه‪".‬‬

‫ونجد ‪ -‬بالرجوع إلى أحكام القضاء المغربي بشأن مسؤولية الدولة عن ممارسة‬
‫وظيفة التشريع ‪ -‬أن الم حكمة اإلدارية بالرباط لجأت خالل بتها في نازلة تتعلق بالتعويض‬
‫عن األضرار الناجمة عن سن قانون المالية لسنة ‪ 1131‬إلى االستئناس بمفهوم الخطأ‬
‫واعتبرت من خالل الحكم عدد ‪ 0333‬الصادر بتاريخ ‪ 19‬نونبر ‪ 1139‬في الملف عدد‬
‫‪ 1139/1310/15‬أن المسؤولية عن التشريع يمكن أن تكون مسؤولية خطئية في شق‬
‫منها‪ ،‬إذ جاء في حكما ما يلي‪ " :‬وحيث إن الدولة تعد مسؤولة عن األضرار الناتبة عن‬
‫األعمال التشريعية الصادرة عن البرلمان‪ ،‬إما استنادا إلى ثبوت الخطأ في التشريع أو‬
‫استنادا إلى نظرية المخاطر أو على أساس مبدأ المساواة أمام األعباء العامة"‪.‬‬

‫غير أن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط اعتبرت من جهتها أن هذه المسؤولية ذات‬
‫طبيعة موضوعية ونفت اعتمادها على عنصر الخطأ للبت في إحدى المنازعات ذات‬
‫الصلة‪ ،‬إذ جاء في قرارها عدد ‪ 1131‬الصادر بتاريخ ‪ 13‬أبريل ‪ 1133‬في الملف عدد‬

‫في عقد اجتماع مع مسيرها بتاريخ ‪ 07‬يونيو ‪ 2017‬من أجل معالجة الصعوبات التي زعم أن شركاته تعانيها خاصة وأنها كانت مؤهلة لالستفادة‬
‫من الدعم المالي المخصص في إطار برنامج التحويل‪ .‬ويجدر التذكير في هذا الشأن بأن دخول القانون حيز التنفيذ شجع انبثاق أنشطة جديدة‬
‫مدعوة لتلبية الحاجيات المتنامية للسوق على مستوى الحلول البديلة ‪ .‬وتُقدر الطاقة اإلنتاجية السنوية للمنتوجات البديلة بـ ‪ 4,6‬مليار كيس ورقي‪،‬‬
‫و ‪100‬مليون كيس منسوج و‪120‬مليون كيس غير منسوج ‪.‬وبفضل انخراط جماعي مؤكد‪ ،‬فإن المغرب الذي كان من بين أبرز البلدان المستهلكة‬
‫لألكياس البالستيكية في العالم‪ ،‬تمكن من تقليص استعمال هذه األكياس بشكل ملموس‪ ،‬وهو اآلن في طريق التخلص منها نهائيا‪ .‬خاصة وأن‬
‫حوالي ‪ 57‬مقاولة أضحت اليوم تنتج حلوال بديلة بطاقة إنتاج سنوية تصل إلى مليار كيس منسوج‪ ،‬و ‪1,8‬مليار من األكياس غير المنسوجة‪ ،‬و‪9‬‬
‫ماليير من األكياس الورقية وألف طن من منتوجات التعبئة‪ .‬كما أن تنامي الحاجة إلى حلول بديلة واكبه بروز فروع جديدة‪ ،‬مضيفا أن صندوق‬
‫إعادة التحويل الذي تم إنشاؤه‪ ،‬بميزانية ‪ 200‬مليون درهم‪ ،‬مكن‪ ،‬حتى اليوم‪ ،‬من المواكبة المالية للمشاريع االستثمارية لـ ‪ 24‬مقاولة معنية بالقانون‬
‫تمكنت بالتالي من الحفاظ على مستخدميها وإحداث ‪ 640‬منصب شغل جديد‪.‬‬

‫‪607‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪ 1133/1131/1‬ما يلي‪" :‬وحيث من جهة ثانية‪ ،‬لئن كان االتجاه السائد حاليا في الفقه‬
‫والقضاء اإلداريين وعلى صعيد مختلف األنظمة القانونية‪ ،‬هو إقرار مبدأ مسؤولية الدولة‬
‫عن قوانينها‪ ،‬إال إنه مع ذلك لم يرجع قيام هذه المسؤولية إلى خطأ السلطة التشريعية‬
‫عند سنها لمقتضيات اانونية معينة أو خراها للقواعد الدستورية التي تؤطر عملها‪ ،‬وإنما‬
‫تأسيسا على مبدأ المساواة أمام التكاليف العامة"‪.‬‬

‫وقضت المحكمة اإلدارية بفاس على نفس الصعيد وبشكل صريح من خالل عدد‬
‫‪ 1130/335‬في الملف االداري رقم ‪ 1130 /1310/5‬بما يلي‪...." :‬لكن حيث إنه‪ ،‬لئن‬
‫كانت صور الخطأ المرفقي تتمث في عدم أداء المرفق العام للخدمة المطلوبة‪ ،‬أو أدائها‬
‫على نحو سيئ‪ ،‬أو التباطؤ والتأخير في األداء‪ ،‬فإن عدم صدور المرسوم التنظيمي‬
‫الخاص بايفية تحديد نسق التراي موضوع الوظيفة االدارية التي كان ينتمي إليها الطاعن‬
‫اب إحالته على التقاعد‪ ،‬ال يندرج ضمن هذه الصور‪ ،‬ألن األمر في ماهيته ينصرف إلى‬
‫العم التشريعي المرتبط بآليات أوضحتها الوثيقة الدستورية من خالل الفص ‪ 98‬وما‬
‫بعده‪ ،‬والذي ال تمتد إليه راابة السلطة القضائية االدارية‪ ،‬ضمانا لمبدأ الفص لين‬
‫السلط‪".‬‬

‫وقد اعتبر بعض الفقه أن الخطأ الذي تقوم عليه مسؤولية الدولة في مجال التشريع قد‬
‫يكون خطأ مفترضا وساق مثاال على ذلك األضرار التي قد تترتب عن تطبيق أحكام المادة‬
‫الثانية من مدونة الحقوق العينية‪ .1‬غير أن مثل هذا الرأي يبقى قابال للنقاش ألن اشتراط‬
‫القضاء إلقامة هذه المسؤولية أن يكون الضرر غير عاديا وخاصا يجعل من الصعب جدا‬
‫ربطها بالمسؤولية الخطئية‪.‬‬

‫وبالتالي يمكن االستنتاج أننا أمام نوع جديد من المسؤولية ال يقبل فيها القضاء وصف‬
‫المشرع بالمخطئ وفي نفس الوقت يحاول التملص من شروط المسؤولية بدون خطأ‪ .‬و هذا‬
‫النظام المختلط الذي يقترب من المسؤولية على أساس الخطأ يعد مصد ار للتعقيد القانوني‬
‫رغم أنه قد يكون حال أفضل يمكن المواطن من حماية جديدة وحسنة دون أن يؤدي إلى‬

‫‪ 1‬العربي مياد " مسؤولية الدولة عن أعمالها التشريعية‪ -‬المادة ‪2‬من مدونة الحقوق العينية نموذجا"‪ ،‬مغرب القانون‪ 19 ،‬ماي ‪ 1111‬على‬
‫الساعة ‪ 31‬و‪ 35‬دقيقة‪.‬‬

‫‪608‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫التشكيك في التردد التاريخي للقاضي اإلداري في مواجهة السلطة التشريعية وفي معاينة‬
‫أخطائها المحتملة‪ ،1‬رغم أن التردد في مواقف القضاء المقارن يطرح التساؤل بقوة حول‬
‫موانع وضع نظام مسؤولية بأسس وشروط واضحين ال يتركان للقضاء أمر تقرير المسؤولية‬
‫من عدمها؟‬

‫لقد سمح لنا هذا المسح بإجراء قراءة لتطبيقات القضاء المغربي والمقارن المتعلقة‬
‫بطبيعة بالمسؤولية عن ممارسة وظيفة التشريع‪ ،‬ليتبين أن القضاء المغربي أقام ‪ -‬في ظل‬
‫احترام مبدأ الفصل بين السلطات ‪ -‬نظام مسؤولية موضوعية عن األضرار الناجمة عن‬
‫القوانين التي تصدرها السلطة التشريعية‪ ،‬مع المالحظة أنه بقي متحفظا مثله في ذلك مثل‬
‫القضاء الفرنسي ‪ -‬خالفا للقضاء البلجيكي ‪ -‬ولم يستطع الوصول إلى درجة تخطئة‬
‫المشرع‪ ،‬إذ بقي دائما يحافظ على موقفه المتشدد من شروط منح التعويض عن أضرار‬
‫القوانين كما سنرى الحقا‪ .‬فقد اعتبر التعويض دائما مقابال للضرر الناجم عن تطبيق اإلدارة‬
‫للقانون‪ ،‬وليس مقابال للضرر الناجم عن سن القانون مباشرة‪ ،‬بل إن القضاء المغربي ومن‬
‫خالل الحكم عدد ‪ 0333‬الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط حاول دفع المسؤولية عن‬
‫السلطة التشريعية األصلية حين استعان بمفهوم التشريعات الفرعية أو المكملة ليعتبر أن‪:‬‬
‫"األضرار الالحقة بالمدعي جراء سن قانون المالية لسنة ‪ 1131‬في شقه القاضي بتعديل‬
‫المادة‪ 14/3‬من المدونة العامة للضرائب بصيغتها التي وردت بها‪ ،‬سيما أن مقتضيات هذه‬
‫المادة تتعلق بقواعد فرعية تتضمن اآلليات التقنية الحتساب الضريبة‪ ،‬وتهم فئة محدودة‬
‫ومعزولة من المواطنين وفق ما تقدم‪ ،‬وهي بذلك تبقى قابلة لترتيب المسؤولية عنها في‬
‫الحاالت المذكورة أعاله‪ ،‬ألنها ال تتعلق بالقواعد القانونية األصلية التي تنصب على تنزي‬
‫المبادئ والقيم الكبرى للمبتمع أو تهم فئات عريضة منه‪ ،‬إذ بالنسبة لهذه األخيرة ياون‬
‫البرلمان مبرد كاشف عن هذه القواعد التي تبسدها"‪.‬‬

‫وهكذا يتبين أن القضاء المغربي لم يؤسس المسؤولية على الخطأ المباشر للسلطة‬
‫التشريعية‪ ،‬األمر الذي يجعل التفكير في الوصول إلى بناء مسؤولية الدولة عن أخطاء‬

‫‪1 Jean‬‬ ‫‪Sirinelli,‬‬ ‫‪« responsabilité‬‬ ‫‪pour‬‬ ‫‪faute‬‬ ‫‪du‬‬ ‫‪fait‬‬ ‫‪des‬‬ ‫‪lois ?,‬‬ ‫‪commentaire‬‬ ‫‪sous‬‬ ‫‪l'arrêt‬‬
‫‪CE.ASS.08/02/2007, Gardedieu, n°27522 », www.revuegeneraledudroit.eu, le 49/41/2424 à 15h 40.‬‬

‫‪609‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫السلطة التشريعية مسألة تحتاج إلى تحول كبير في نظرة الفقه والقضاء لمبدأ الفصل بين‬
‫السلطات وعالقة هذا المبدأ بحق المواطن في الحماية من القوانين الماسة بتوقعاته‬
‫المشروعة وبأمنه القانوني‪ ،‬وفي المقابل الحفاظ على قيمة المجتمع التي ال ينبغي أن تفوقها‬
‫حماية حقوق األفراد نتيجة وضع نظام يعالج مسؤولية المشرع‪.‬‬

‫وتجدر اإلشارة في باب محاولة تعيين طبيعة أو خصائص المسؤولية عن أعمال‬


‫التشريع إلى أن هذه األخيرة هي مسؤولية ذاتية لعاملين اثنين‪ ،‬أولهما كونها تسري على‬
‫حاالت ال يرجع فيها الضرر إلى وقوع حوادث معينة ‪ -‬بخالف المسؤولية على أساس‬
‫المخاطر ‪ -‬إذ ال يتعلق األمر على صعيد المسؤولية هاهنا بجبر ضرر وقع نتيجة حادث‬
‫معين‪ ،‬بل بضرر يعتبر نتيجة طبيعية وضرورية ومتوقعة بصورة أكيدة من جراء بعض‬
‫المواقف أو بعض اإلجراءات التي تتخذ باسم الصالح العام‪.‬‬

‫كما ترجع خاصية الذاتية المتعلقة بالمسؤولية على هذا الصعيد إلى أن تحقق الضرر‬
‫وحده ال يكفي لقيام هذه المسؤولية‪ ،‬بل ينبغي أو يوصف بأوصاف أكثر حدة منها أن يكون‬
‫ضر ار خاصا وغير عادي على منوال شروط الضرر المتطلبة في ظل المسؤولية بناء على‬
‫نظرية المخاطر‪.1‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬صعوبة توافر شروط قيام المسؤولية عن ممارسة وظيفة‬


‫التشريع ومحدودية تطبيقاتها‬

‫أقر كل من الفقه والقضاء سواء المغربي أو المقارن مسؤولية الدولة عن ممارسة‬


‫بعض أوجه وظيفة التشريع‪ .‬ويمكن بمطالعة األحكام القضائية المتوفرة االستنتاج بأن شروط‬
‫هذه المسؤولية هي أكثر تشدداً مما هو عليه الحال في المسؤولية الخطئية‪ ،‬فضال على أن‬
‫تطبيقاتها على صعيد القانون المغربي والمقارن محدودة جداً وال تشمل كافة أوجه ممارسة‬
‫وظيفة التشريع مما يجعلها ذات طابع استثنائي‪ .‬وهذا ما سنستعرضه من خالل الفقرتين‬
‫التاليتين‪:‬‬

‫‪ 1‬رأفت فودة " دروس في اضاء المسؤولية اإلدارية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.110‬‬

‫‪610‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الفقرة األولى ‪ -‬صعوبة توافر شروط المسؤولية عن األضرار الناجمة عن ممارسة‬


‫وظيفة التشريع‬

‫الفقرة الثانية ‪ -‬محدودية تطبيقات المسؤولية عن األضرار الناجمة عن ممارسة وظيفة‬


‫التشريع‬

‫الفقرة األولى‪ :‬صعوبة توافر شروط المسؤولية عن األضرار الناجمة عن‬


‫ممارسة وظيفة التشريع‬

‫إذا كان االتجاه المتنامي حاليا في الفقه والقضاء اإلداريين وعلى صعيد العديد من‬
‫األنظمة القانونية هو إقرار مبدأ مسؤولية الدولة عن أعمال التشريع‪ ،‬فإنه مع ذلك لم ُيرجع‬
‫قيام هذه المسؤولية إلى خطأ السلطة التشريعية عند سنها ألحكام قانونية معينة أو مخالفتها‬
‫للقواعد الدستورية التي تؤطر عملها‪ ،‬وإنما قصرها على القوانين المكملة وأسسها كما سبق‬
‫الذكر على المساس بمبدأ المساواة أمام التكاليف العامة وتطلب مجموعة من الشروط التي‬
‫أجملها القضاء المغربي‪ ،‬بل جعل عدم توافرها أساسا للحكم بانتفاء المسؤولية كما جاء في‬
‫القرار الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط تحت عدد ‪ 1131‬بتاريخ ‪ 13‬أبريل‬
‫‪ 1133‬في الملف عدد ‪ 1133/1131/1‬وأيضا القرار الصادر عن ذات المحكمة تحت‬
‫عدد ‪ 1131‬بتاريخ ‪ 13‬أبريل ‪ 1133‬في الملف عدد ‪ 1133/1131/9‬الذي جاء من بين‬
‫حيثياته ما يلي‪:‬‬

‫"وحيث من جهة ثانية‪ ،‬لئن كان االتجاه السائد حاليا في الفقه والقضاء اإلداريين‬
‫وعلى صعيد مختلف األنظم ة القانونية‪ ،‬هو إقرار مبدأ مسؤولية الدولة عن قوانينها‪ ،‬إال إنه‬
‫مع ذلك لم يرجع قيام هذه المسؤولية إلى خطأ السلطة التشريعية عند سنها لمقتضيات‬
‫قانونية معينة أو خرقها للقواعد الدستورية التي تؤطر عملها‪ ،‬وإنما تأسيسا على مبدأ المساواة‬
‫أمام التكاليف العامة والذي يحتم تعويض المتضرر من العم التشريعي إذا توافرت لذلك‬
‫ضوابط وشروطا معينة تتمث في عدم وجود النص القانوني الذي يمنع التعويض عن‬
‫التشريع من أساسه‪ ،‬وأن تكون المصالح التي لحقها الضرر مشروعة وجديرة بحماية‬
‫القانون‪ ،‬وكان تضررها نتيبة مباشرة لتطبيق القانون‪ ،‬ثم أن ياون ذلك الضرر خاصا‬

‫‪611‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫بحيث يمتد أثره إلى فرد واحد أو عدد محدود من األفراد مما يعد خروجا عن األص في‬
‫عمومية القانون و انعااساته اإليبالية أو السلبية على الكافة‪ ،‬و أن ياون في نفس‬
‫الوات ضر ار جسيما غير معتاد أو مألوف فيما يترتب عن القوانين من أضرار ومخاطر في‬
‫العادة ياون على أفراد المبتمع تحملها سواء جميعا أو من خالل فئات عريضة وغير‬
‫محدودة من المتضررين‪.‬‬

‫ويتبين من هذه الحيثية أن شروط قيام المسؤولية عن الضرر الناتج عن ممارسة‬


‫وظيفة التشريع هي كاآلتي‪:‬‬

‫‪ -‬أال يكون التشريع قد حجب صراحة الحق في التعويض؛‬


‫‪ -‬أن يكون الضرر خاصا‪ ،‬غير عادي وجسيما بدرجة معينة؛‬
‫‪ -‬أن تتوافر عالقة السببية بين الضرر وبين التشريع الذي تم سنه‪ ،‬وهذا‬
‫شرط عام للمسؤولية‪.‬‬

‫وهكذا سنتولى بحث الشرطين األوليين على النحو التالي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬الشرط األول المتعلق بإرادة المشرع الصريحة أو المستخلصة من‬


‫روح القانون‬

‫من القواعد المتعارف عليها فقها وقضاء في مجال مسؤولية الدولة عن القوانين‬
‫ضرورة إعمال إرادة المشرع من خالل تفحص النصوص القانونية‪ ،‬فإن نص على مبدأ‬
‫التعويض ُحكم به‪ ،‬وإذا منعه ال ُيقضى به اعتبا ار لكون القاضي ملزما باحترام إرادة المشرع‬
‫حيث ال يملك رقابة دستورية القوانين بصريح تنصيص المشرع على ذلك في الفصل ‪15‬‬
‫من قانون المسطرة المدنية‪.‬‬

‫وقد يتضمن القانون أحيانا موقف المشرع ذاته من مبدأ المسؤولية فينص على الحق‬
‫في التعويض‪ ،‬بينما ينص أحياناً أخرى على استبعاد الحق فيه‪ ،‬فقد استبعد المشرع صراحة‬

‫‪612‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫في الظهير الصادر بتاريخ ‪ 11‬شتنبر ‪ 3311‬التعويض عن استرجاع األراضي الفالحية‬


‫التي كانت بيد المستعمرين‪ ،‬ما دام أن هذه األراضي كانت في األصل في ملكية الدولة‪.1‬‬

‫ويتأثر المشرع في موقفه من مبدأ التعويض باعتبارات عديدة مالية واجتماعية‬


‫وسياسية‪ ،‬إذ يوازن بين النفقات المالية التي يمكن أن تتحملها ميزانية الدولة في حالة تقرير‬
‫مبدأ التعويض واآلثار االجتماعية التي تتولد عن تقرير مبدأ التعويض أو رفضه‪،‬‬
‫وانعكاسات كل ذلك من الناحية السياسية‪ ،‬ومن ثم يقرر أو يرفض مبدأ التعويض بناء على‬
‫الموازنة بين كل هذه االعتبارات‪.‬‬

‫ويلتزم القاضي في المقابل بتطبيق القانون سواء تضمن تقرير مبدأ التعويض أو لم‬
‫يتضمن شيئاً من ذلك‪ ،2‬ألن مهمة القاضي هي تطبيق القانون دون الحلول محل المشرع‪،‬‬
‫وهذا مبدأ يسري على القاضي اإلداري أيضاً‪ ،‬حيث ال تكون له سلطة إنشاء القواعد القانونية‬
‫إال في حالة عدم وجود النص القانوني‪.‬‬

‫وسواء استبعد المشرع التعويض عن األضرار التي سببها القانون أو قرر مبدأ‬
‫التعويض كما يحدث في قوانين التأميم‪ ،‬فإنه يكفي تطبيق النص نزوالً عند إرادة المشرع‪.‬‬
‫غير إنه قد يحدث في كثير من الحاالت أال يفصح المشرع عن إرادته فيما يتعلق بالحق في‬
‫التعويض‪ ،‬فما هو الحل الواجب االتباع في مثل هذه الحاالت‪ ،‬هل ُيحمل سكوت المشرع‬
‫على أنه رفض من جانبه لمبدأ التعويض أم يفسر بخالف ذلك؟‬

‫لقد اختلف القضاء المقارن في الترجيح بين التفسيرين‪ ،‬وهكذا مر قضاء مجلس الدولة‬
‫الفرنسي مثال بمرحلتين فسر خالل أولهما السكوت بالرغبة في عدم إقرار التعويض‪ ،‬إذ أخذ‬
‫المجلس المذكور في هذه المرحلة بقاعدة مؤداها أنه ال تعويض عن األضرار التي يسببها‬
‫القانون إال إذا نص القانون صراحة على مبدأ التعويض‪ ،‬سواء ورد ذلك النص القانوني ذاته‬

‫‪ 1‬من أجل التوسع في اإلشكاليات التي تثيرها مسألة استرجاع األراضي الفالحية من يد المستعمر‪ ،‬يمكن الرجوع إلى أشغال اليوم الدراسي الذي‬
‫نظمته الوكالة القضائية للمملكة بشراكة مع مديرية أمالك الدولة‪ ،‬يوم ‪ 31‬يونيو ‪ ،1133‬حول موضوع "اإلشااالت القانونية التي يثيرها ظهير ‪2‬‬
‫مارس ‪ 3791‬المنقولة بموجبه إلى الدولة ملكية العقارات الفالحية أو القاللة للفالحة التي يملكها أشخاص ذاتيون أجانب أو أشخاص‬
‫معنويون"‪.‬‬
‫‪ 2‬سليمان محمد الطماوي " القضاء االداري وراالته على اعمال االدارة‪ ،"-‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.511‬‬

‫‪613‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫أو في قانون الحق‪ .‬أما إذا سكت المشرع‪ ،‬فإن ذلك يعد رفضاً لمبدأ التعويض‪ ،‬ومن ثم كان‬
‫مجلس الدولة الفرنسي يحكم برفض التعويض‪.‬‬

‫وقد استقر مجلس الدولة الفرنسي على هذه القاعدة لسنوات طويلة‪ ،‬وفي أحكام‬
‫متتالية‪ ،‬في مقدمتها حكمه الصادر بتاريخ ‪33‬يناير‪ 3319‬قضية‪ ،Ducharelier‬حيث‬
‫رفض المجلس طلب الحكم بالتعويض استناداً على أن القانون الصادر بتاريخ‬
‫‪31‬فبراير‪ 3915‬المحرم للتبغ الصناعي لم ينص على منح أي تعويض للصناع الذين‬
‫أضرهم هذا التحريم‪ .‬وقد طبق مجلس الدولة الفرنسي هذا المبدأ الجديد في أحكام الحقة‪،‬‬
‫نذكر منها حكم المجلس المؤرخ في ‪30‬يناير‪ 3300‬في قضية ‪Catcheteux et‬‬
‫‪ .1Dasmont‬كما أكد باألسبقية صراحة على شرط البحث عن التعويض من خالل تتبع‬
‫إرادة المشرع عند غياب إشارة صريحة عن استبعاد المشرع للتعويض‪ .‬فأوجب على القاضي‬
‫أن يبحث عن نية المشرع في منح التعويض من عدمه‪ ،‬وذلك من خالل تفسير القانون في‬
‫حد ذاته أو بالرجوع إلى األعمال التحضيرية‪ .‬وقد أكد محافظ الدولة السيد ‪ Dérapas‬في‬
‫تقريره بمناسبة صدور قرار ‪ Gardedieu‬بأنه ال مجال للحكم بالتعويض إذا ما نص‬
‫القانون صراحة أو ضمنا على استبعاد إمكانية التعويض عن األضرار التي يمكن أن تنجم‬
‫عن التشريع‪.‬‬

‫وقد تم ترسيخ هذا الشرط بصرامة أكبر بموجب قرار ‪société coopérative‬‬
‫‪ agricole Ax’ion‬إذ تم استبعاد التعويض ألن غاية المشرع كانت تحقيق مصلحة عامة‬
‫عليا تبرر المساس بمبدأ المساواة أمام األعباء العامة‪ .‬ويستخلص في المقابل من النص‬
‫القانوني أو من األعمال التحضيرية للقانون أن المشرع لم يرغب في تحميل المضرور من‬
‫القانون وزر الضرر الناتج عن هذا األخير‪ ،‬وخاصة عندما يكون النشاط الذي يمارسه‬
‫المتضرر غير مشين أو متعارض مع النظام العام واآلداب العامة‪.‬‬

‫‪ 1‬وتتلخص وقائع النزاع في أن القانون الصادر بتاريخ ‪/3‬يوليو‪ 3310/‬قد خفض النسبة المئوية لبعض المنتجات الداخلية في صناعة البيرة األمر‬
‫الذي ضيق على صانعي الجلوكوز‪ ،‬ونظ اًر ألن الضرر كان جسيم ًا بالنسبة للمدعى حيث أنه قد اضطر إلى وقف إنتاج مصنعه نظ اًر لقصر نشاطه‬
‫على هذا اإلنتاج من ناحية‪ ،‬وألن آالت المصنع ال تنتج إال هذا النوع فقط‪ ،‬من ناحية أخرى‪ .‬وقد استجاب المجلس لطلب المدعي‪ ،‬وحكم بحقه في‬
‫التعويض‪.‬‬

‫‪614‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ولقد مال االجتهاد القضائي إلى اعتبار أن غاية كل عمل تشريعي‪ -‬وهي حماية‬
‫المصلحة العامة العليا ‪ -‬تبرر ضمنيا استبعاد الحق في التعويض عن الضرر الذي يمكن‬
‫أن ينجم عن هذا العمل‪ ،‬إذ رفض القضاء اإلداري الفرنسي الحكم بالتعويض بعدما عاين أن‬
‫سن القانون كان بهدف قمع نشاط ذو طابع تدليسي أو ذو طابع مشين‪ .1‬كما رفض أيضا‬
‫االستجابة لطلب التعويض عندما تبين أن القانون جاء ليضع حدا لنشاط خطير أو مضر‬
‫بالصحة العمومية‪ . 2‬وفي نفس االتجاه تم رفض التعويض عندما يكون القانون قد اتخذ في‬
‫إطار تحقيق مصلحة اقتصادية واجتماعية ذات طابع نظامي عام‪ ،‬وكذلك عندما يكون‬
‫القانون قد تدخل من أجل الحد من ارتفاع األسعار‪ ،3‬أو تحديد كيفية حساب التعويض عن‬
‫نزع الملكية‪ ،4‬أو ضبط السوق وتنظيم المنتجات‪.5‬‬

‫وقد تبنت محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط نفس الموقف وأكدت أنه ال مجال للحكم‬
‫بالتعويض عن ضرر التشريع إذا وجد نص صريح يمنع منحه في حاالت معينة‪ .‬ومن ثم‬
‫جعلت إلرادة المشرع دو ار محوريا على هذا الصعيد‪ ،‬بل إن غياب النص المذكور ال يقوم‬
‫دليال على إمكانية قبول طلب التعويض ألن على القاضي استجالء إرادة المشرع قبل كل‬
‫شيء‪.‬‬

‫وهكذا يتبين من خالل قرار محكمة االستئناف المستدل بحيثيته أعاله ومن أحكام‬
‫القضاء المقارن على أنه ال يزال إلرادة المشرع دو ار محوريا في قبول طلب التعويض عن‬
‫األضرار التي ترتبها ممارسة إحدى سلطات الدولة لوظيفة التشريع على خالف بعض‬
‫القضاء المقارن الذي بدأ يتجه نحو تحييد إرادة المشرع ذاته وعدم اعتبارها مرجعا في قبول‬
‫طلب التعويض من عدمه‪.6‬‬

‫‪1 CE, 14 janv. 1938, Compagnie générale de grande pêche, rec. 23, 25-03-1938; CE, 1er mars 1940,‬‬
‫‪Société Chardon et Cie.‬‬
‫‪2 CE, 6 janv. 1956, Manufacture française d'armes et de cycles.‬‬
‫‪3 CE 15 juill. 1949, Ville d'Elbeuf, Lebon, 359: blocage du prix du gaz.‬‬
‫‪4 14 mars 1975, n° 93217, SCI de la Vallée de Chevreuse, au Lebon 197, conclu. Dondoux; JCP, 1975,‬‬
‫‪II.18077, note Homont, AJDA, 1975, 224, Chr. Franc et Boyon.‬‬
‫‪5 CE, 21 juin 1957, Société d'exploitation des Établissements Pathé-Cinéma, Lebon, 415.‬‬
‫‪6 Samuelle De Ketelaere «La responsabilité civile de l’Etat-législateur»، op. cit p 28‬‬
‫سليمان محمد الطماوي« القضاء االداري وراالته على اعمال االدارة " مرجع سابق ص ‪.515‬‬

‫‪615‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وقد تبنى القضاء المصري نفس االتجاه التقليدي القائل بعدم مسؤولية الدولة عن‬
‫القوانين‪ ،‬فقد جاء في حكم صادر عن محكمة القضاء اإلداري المصري ما يلي‪" :‬إن المبدأ‬
‫المسلم به كقاعدة عامة‪ :‬عدم مساءلة الدولة عن أعمالها التشريعية ألن التشريع يجب أن‬
‫تكون له الكلمة العليا في تنظيم المجتمع عن طريق وضع القواعد العامة المجردة فإذا ما‬
‫ترتب عن التشريع ضرر لبعض المواطنين فإن الصالح العام يقتضي أن يتحملوا عبء‬
‫ذلك‪.‬‬

‫ومبدأ عدم مسؤولية الدولة عن النشاط التشريعي وما قد تسببه القوانين من أضرار هو‬
‫مبدأ تقليدي يقوم على مبدأ سيادة الدولة ومن خصائص السيادة أنها تفرض سلطاتها على‬
‫الجميع دون أن يكون ألحد أي حق في التعويض عنها‪.‬‬

‫إذ إن الضرر الذي تبنته القوانين ال تتوفر فيه الشروط الالزمة للحكم بالتعويض‬
‫وأهمها الخصوصية أو ألن القوانين هي قواعد عامة ومجردة يقتصر أثرها على تغيير‬
‫المراكز العامة أما إذا ترتب عنها ضرر عام لما يصيب أشخاصا بدواتهم فإن مث هذا‬
‫الضرر ال يعوض عنه ما لم يان القانون صراحة منح تعويضا لمن يضار من صدوره‪،‬‬
‫فإذا سات المشرع عن تقرير هذا التعويض كان ذلك ارينة على أنه ال ترتب على التشريع‬
‫أي تعويض"‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬صعوبة توافر الشروط المتعلقة بعنصر الضرر الالزم لقيام مسؤولية‬
‫الدولة عن أعمال التشريع‬

‫ينبغي أن يكون الضرر الواجب إلقرار المسؤولية عن فعل القوانين إضافة إلى‬
‫الشروط العامة التي يضعها االجتهاد القضائي‪ 1‬ضر ار غير عادي وضر ار خاصا‪ .‬ويكون‬
‫الضرر غير عادي عندما يتجاوز في حسبانه القدر الذي يجعله من مخاطر المجتمع‬

‫‪1 CE, 2 juin 2010, n° 307814, Abolivier, au Lebon, AJDA, 2010, 2071.‬‬

‫‪616‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫العادية التي يتحتم على األفراد تحملها نتيجة اعتبارهم أعضاء في هذه الجماعة‪ ،‬فإذا تخلف‬
‫هذا الشرط لم تقم المسؤولية اإلدارية للدولة‪ .1‬وهذا ما سنتعرف عليه مما يلي‪:‬‬

‫أ‪ -‬خصوصية الضرر كشرط أولي واجب وصعب التوافر‬

‫يعرف الضرر الخاص بأنه الذي يصيب فردا واحدا أو عددا محدودا من األفراد‬
‫معينين بذواتهم‪ ،‬أما إذا أصاب الضرر عدد غير محدود من األفراد‪ ،‬فإن الضرر يصبح‬
‫حينها عاما ويفقد صفة الخصوصية‪ .2‬وبالنظر إلى أن أساس إقامة المسؤولية عن فعل‬
‫القوانين هو المساس بمبدأ المساواة أمام األعباء العامة‪ ،‬فإن ذلك يفترض أن هناك شخصا‬
‫معينا قد وضع في مركز خاص تجاه عبء عام تحمله وحده بصفة منفردة‪ ،‬وبالتالي تستمد‬
‫صفة الخصوصية في الضرر من أن العبء الواقع على المضرور ال يقع على عاتقه عادة‪،‬‬
‫حيث يتحمل عبئا إضافيا ال يتحمله اآلخرون ممن هم في مثل مركزه‪ .‬ولهذا تبدو أهمية‬
‫صفة الخصوصية في المسؤولية دون خطأ ألنها تفترض حدوث إخالل غير عادي بمبدأ‬
‫المساواة أمام األعباء العامة‪.3‬‬

‫ومن ثم يشترط في الضرر الموجب للتعويض أن يكون خاصا بفرد معين أو بعدد‬
‫محدود من األشخاص‪ ،‬وهو أمر يقرره القضاء بحسب وقائع المنازعة المعروضة عليه‪ ،‬إذ‬
‫ليس كل ضرر ولو تعدد األشخاص المصابون به يعوض عليه إال إذا كان ذا طبيعة‬
‫خاصة‪ ،‬فإغالق ميناء مثال ال يعتبر مبر ار للمطالبة بالتعويض لكل من يجري معامالت‬
‫تجارية عن طريق البحر إال إذا كان هذا اإلغالق قد أدى إلى خسائر كبيرة بالنسبة لمن كان‬
‫من الالزم أن يحصل على بضاعته في تاريخ اإلغالق‪ .‬كما ال يمكن لكل من يوجد بجوار‬

‫‪ 1‬محمد األعرج " مسؤولية الدولة والبماعات الترالية في تطبيقات القضاء اإلداري المغربي"‪ ،‬سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية‪ ،‬العدد ‪،1131/33‬‬
‫منشورات المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية‪ ،‬مطبعة المعارف الجديدة‪ ،‬الرباط‪ ،‬ص ‪91‬‬
‫‪ 2‬زكريا خليل " مسؤولية الدولة عن اعمال التشريع لين المقتضيات القانونية واالجتهاد القضائي ‪:‬دراسة في فرنسا والمغرب"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‬
‫‪.387‬‬
‫‪Olivier Gohin « La responsabilité de l'Etat en tant que législateur" Revue internationale de droit‬‬
‫‪comparé Année 1998 50-2, p 603.‬‬
‫‪Camille broyelle « La Responsabilité de l'Etat du fait des lois », LGDJ, Paris, 2003, p 72.‬‬
‫‪ 3‬هشام عبد المنعم عكاشة‪" ،‬مسؤولية اإلدارة عن أعمال الضرورة»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪. 335‬‬

‫‪617‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫محوالت كهربائية أن يطالب بالتعويض عن األضرار التي قد تكون ترتبت عن هذه‬


‫المحوالت إال إذا كان مالكا للعقار الذي أقيمت فوقه‪.‬‬

‫ويبدو أن هذا الشرط صعب التحقق من الناحية العملية ألن القانون دائما ما يصدر‬
‫عاما ومجرد الصياغة ال يشمل نطاق تطبيقه من حيث األشخاص أفرادا بذواتهم‪ ،‬وهكذا‬
‫فالقانون بصفة عامة ‪ -‬والمثال في السابق هو القانون ‪ 35/11‬الذي سبق التقاضي بشأنه‬
‫وقانون المالية لسنة ‪ -1131‬ال يستهدف فردا بعينه‪ ،‬بل إنه يستهدف بتجريد وعمومية‬
‫بالغين كل من تحققت فيه شروط تطبيقه‪ ،‬خاصة إذا علمنا أن المخاطب بالقانون األول هو‬
‫القطاع المهيكل إلنتاج األكياس البالستيكية الممنوعة الذي يتكون حسب فيدرالية منتجي‬
‫البالستيك من عدد كبير من الوحدات الصناعية المقدر ب ‪ 133‬وحدة‪ ،‬مما ينفي عن‬
‫الضرر المدعى بها صفة الخصوصية‪.‬‬

‫وقد تطلب القضاء المغربي شرط خصوصية الضرر للقبول بالمسؤولية الموضوعية‬
‫للدولة في العديد من المنازعات‪ ،‬فقد جاء في قرار لمحكمة النقض صادر تحت عدد‬
‫‪ 1/131‬بتاريخ ‪ 10‬أبريل ‪ 1130‬في الملف عدد ‪ 31/1/0/115‬ما يلي‪ " :‬إن مسؤولية‬
‫اإلدارة في مث نازلة الحال تقوم لدون خطأ إال أن الضرر الموجب للتعويض يبب أن‬
‫ياون ضر ار غير عادي وخاص يتباوز الحد الذي يمان تحمله في سبي المصلحة‬
‫العامة‪ ،‬والمحامة مصدرة القرار المطعون فيه بقولها أن الحق في التعويض ال ينشأ إذا‬
‫أغلقت جميع المنافذ المؤدية إلى المقهى‪ ،‬وأن إماانية الوصول إليها بقطع مسافة ‪394‬‬
‫مت ار ال تعد ضر ار بالمفهوم القانوني للضرر الموجب للتعويض‪ ،‬دون أن تحقق في الضرر‬
‫وتبرز عناصره المذكورة ( ضرر غير عادي وخاص)‪ ،‬فإنها لم تبع لقرارها أساسا من‬
‫القانون‪ ،‬ولم تمان بالتالي محامة النقض من بسط راالتها"‪.1‬‬

‫‪ 1‬قرار منشور من طرف محمد بفقير " العم القضائي للغرفة اإلدارية بمحامة النقض خالل سنتي ‪ 2430‬و‪ ،"2432‬الجزء األول‪ ،‬منشورات‬
‫دراسات قضائية‪ ،‬سلسة عمل قضاء المحاكم المغربية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،1131 ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬ص ‪.133‬‬

‫‪618‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ب ‪ -‬الضرر غير المألوف كشرط ثان‬

‫يوصف الضرر بكونه غير عادي عندما يتجاوز في حسبانه وتقديره الحد الذي يجعله‬
‫من مخاطر المجتمع العادية التي يتحتم على األفراد تحملها نتيجة لوجودهم كأعضاء في‬
‫هذه الجماعة‪ .‬فإذا تخلف هذا الشرط لم تقم لمسؤولية للدولة في مجال التشريع قائمة‪ .1‬وهذا‬
‫ما جرى عليه قضاء مجلس الدولة الفرنسي في عديد من أحكامه‪ ،‬حيث كان دائما ما يعلل‬
‫رفض طلبات التعويض بعدم جسامة الضرر وعدم خروجه عن الحد المألوف‪ .‬فقد رفض‬
‫مثال في حكمه الصادر بتاريخ ‪ 11‬يناير‪ 3313‬في قضية‪ Vannier‬الحكم بالتعويض‬
‫مؤسسا ذلك على أن الضرر لم يكن جسيما‪ ،‬بل مجرد ضرر عادي ال يؤدي إلى قيام‬
‫مسؤولية الدولة‪ .2‬وقد اتخذ نفس الموقف في حكمه الصادر في ‪ 11‬نونبر ‪ 3305‬في قضية‬
‫اشترط من خاللها أن يكون الضرر جسيما واستثنائيا‪ ،‬حيث رفض في هذا الحكم تعويض‬
‫المدعي عن األضرار التي لحقته من جراء إغالق محله الخاص بتصليح األحذية نتيجة‬
‫صدور قانون بتاريخ ‪ 11‬أبريل ‪ 3311‬الخاص بمصانع األحذية‪ ،‬وبرر مجلس الدولة‬
‫الفرنسي هذا الحكم بأن اضطرار المدعي إلى إغالق محله ال يعد من قبيل األضرار‬
‫الجسيمة وغير العادية التي تسمح له بالحصول على التعويض‪.‬‬

‫وبالرجوع إلى قرار مجلس الدولة الفرنسي المؤرخ في ‪ 11‬نونبر ‪ 1115‬والمعروف‬


‫بقرار‪ ،société coopérative agricole Ax’ion‬نجده قد صرح بأن الضرر الذي‬
‫لحق بالضحية ينبغي أن يكون من األضرار التي ال يمكنه أن يتوقاها أو يأخذ احتياطاته‬
‫منها في الظروف العادية‪.3‬‬

‫ويعتبر تقدير جسامة الضرر وخروجه عن الحد المألوف من المسائل التقديرية التي‬
‫ترجع إلى سلطة القاضي اإلداري‪ ،‬ذلك أن قضاء مجلس الدولة الفرنسي هو الذي تحمل‬

‫‪1 Camille broyelle «La Responsabilité de l'Etat du fait des lois» op.cit p 74.‬‬
‫‪2 CE 22 oct. 1943, Société des Établissements La Caussade, précité n° 51.3 ; CE. 27 janv. 1961, Vannier,‬‬
‫‪précité n° 50.3.‬‬
‫‪3 CE, 2 novembre 2005, Société coopérative agricole Ax’ion, A.J.D.A., 2006, p. 142, chron.‬‬

‫‪619‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫عبء وضع المعايير المناسبة الستخالص هذا العنصر‪ ،‬وهذا ما جعل البعض يؤكد أن هذه‬
‫مهمة صعبة يعول في حلها على جرأة القاضي‪.1‬‬

‫ورغم اعتراف القضاء اإلداري الفرنسي بمسؤولية الدولة عن فعل القوانين إال أنه لم يقم‬
‫بالحكم على الدولة وفق هذه المسؤولية إال في حاالت نادرة‪ ،‬إذ كان مصير غالبية الدعاوى‬
‫الرفض ألن تشدد مجلس الدولة في إحاطة هذه المسؤولية بقيود صارمة أدى إلى تحطم‬
‫أغلب الدعاوى على صخرة هذه الشروط‪ .‬فلم يقبل مجلس الدولة مثال إقرار مسؤولية الدولة‬
‫عن فعل القوانين ورفض بناء على ذلك طلب التعويض المؤسس على عدم توقع الطاعن‬
‫لتفسير القضاة لقانون معين‪ ،‬حيث انتهى قضاة مجلس الدولة إلى أن الطاعن لم ينسب‬
‫الضرر إلى القانون نفسه‪ ،‬بل إلى التفسير الذي أعطاه قضاة الموضوع لهذا القانون‪ ،‬وأنه ال‬
‫يمكن أن تقام المسؤولية عن هذا التفسير حتى ولو سبب ضر ار خاصا وغير مألوف‪.2‬‬
‫‪3‬‬
‫ونشير على هذا الصعيد إلى حيثيات حكم صادر عن المحكمة االبتدائية بالرباط‬
‫وهي تق ضي بالتعويض عن األضرار الناتجة للفالحين من جراء إفساد محصوالتهم الزراعية‬
‫من الخنازير على إثر تكاثرها نتيجة صدور قرار يمنع صيدها‪ ،‬و الذي جاء فيه ما يلي‪" :‬‬
‫إن دعوى المسؤولية ضد الدولة تجد مستندها في الفصل ‪ 13‬من ق ل ع‪ ،‬هذا الفصل الذي‬
‫ينص في جزئه األول على مسؤوليتها ولو في حالة انعدام أي خطأ من جهتها إذ ليس من‬
‫الضروري أن ياون العم اإلداري الذي يحدث ضر ار اد أنبز بغير حق فليس للمحاكم‬
‫سوى البحث عما إذا كان الضرر الذي أصاب المشتكي من جراء عم إداري يعد ضر ار‬
‫خاصا‪ ،‬وغير عادي بمعنى أنه يتباوز العبء العام الذي يبب أن يتحمله ك المتعاملين‬
‫مع اإلدارة‪.‬‬

‫إن منع الصيد الذي أدى إلى تكاثر الخنازير وإلى خسارات مهمة من المحصوالت‬
‫الزراعية ليس سوى تدبير إداري ال يمكن ولئن وصف بكونه عمال من أعمال السلطة العامة‬
‫أن يحول دون رفع دعوى المسؤولية"‪.‬‬

‫‪ 1‬هشام عبد المنعم عكاشة‪ "،‬مسؤولية اإلدارة عن أعمال الضرورة"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫‪2 CEF, 23/07/2014, www.legifrance.gouv.fr.‬‬
‫‪ 3‬حكم صادر عن المحكمة االبتدائية بالرباط بتاريخ ‪31‬فبراير ‪.3301‬‬

‫‪620‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬محدودية تطبيقات المسؤولية عن األضرار الناجمة عن‬


‫ممارسة وظيفة التشريع‬

‫يعد التشريع الجيد أداة لدعم اإلدارة الرشيدة وتعزيزها من خالل ترسيخ القواعد القانونية‬
‫كأداة للوصول إلى التنمية المستدامة والمحافظة على مبدأ المشروعية ومبدأ سيادة القانون‪،‬‬
‫لذا تكون اإلدارة مستندة في الق اررات التي تصدر عنها إلى قواعد قانونية محددة وواضحة‬
‫المعالم‪ .‬وال تكتسب القواعد القانونية هذه الصفات إال إذا صدرت بشكل منهجي واضح يفي‬
‫بالغرض الذي من أجله تم إصدارها والمتمثل في المحافظة على المصلحة العامة‪.‬‬

‫غير أنه قد تعتري عملية سن التشريعات رغم ذلك مجموعة من الصعوبات المرتبطة‬
‫بعنصر الزمن وبالغاية من التشريع وبمدى احترامها لمبدأ تدرج القوانين‪ ،1‬األمر الذي ينتج‬
‫عنه بعض المآخذ كالبطء في سن القوانين أو التعجل في ذلك‪ .‬إذ اتجه البعض إلى انتقاد‬
‫سرعة سن السلطة التشريعية للقوانين‪ ،‬كما انتقد البعض اآلخر بطء وضعها‪ ،‬علما أن عملية‬
‫أحيانا‪ ،‬أو مناسبة‬
‫ً‬ ‫صناعة التشريع تحدد زمنها بنفسها‪ ،‬بحيث تكون اإلطالة الزمنية مفيدة‬
‫أحيانا أخرى‪ ،‬أو ضارة بحسب األحوال‪ .‬كما أن األمر يتعلق بمسطرة تضبط إيقاع الحياة‬ ‫ً‬
‫التشريعية فتسمها بالبطء أحيانا وتطبعها بالسرعة أحيانا أخرى‪ .‬وهذا ما يجعل مهمة تحديد‬
‫حلقاتها ومراحلها بشكل يوفق بين السرعة والعقالنية مهمة جد صعبة‪.‬‬

‫غير أن تأثير عامل الزمن على أداء وظيفة التشريع وما قد يؤدي إليه من إثارة‬
‫لمسؤولية الدولة عن البدء في ممارستها أو التسرع في ذلك ليس أبرز ما يعاب على كيفية‬
‫ممارسة سلطات الدولة لهذه الوظيفة‪ ،‬فقد تخالف أثناء ذلك بعض الضوابط فوق ‪ -‬تشريعية‬
‫سواء كانت دولية أو وطنية‪ ،‬األمر الذي قد يثير مسؤولية الدولة على هذا الصعيد‪.‬‬

‫وسنتطرق على هذا الصعيد لصورتين من صور المسؤولية عن ممارسة وظيفة‬


‫التشريع وذلك على النحو التالي‪:‬‬

‫‪1 ROMANA Panait « Le temps comme facteur de qualité du droit », Jurisdoctoria n° 3, 2009, p 48.‬‬

‫‪621‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫أوال‪ :‬الساوت عن التنظيم والبطء فيه‬

‫ال يمكن أن تختزل جودة القوانين في احترافية الصياغة والدقة والوضوح والشمولية‬
‫وسهولة الوصول إليها وفهمها‪ ،‬بل في اعتمادها على الواقعية وإمكانية قبولها وتطبيقها من‬
‫قبل المخاطبين بها‪ ،‬ومن ثم فإن أي نقص أو قصور في هذه التشريعات من شأنه أن يجعل‬
‫هذه القوانين بعيدة عن الواقع قد يترتب عنها تخلخل المراكز وعدم استقرار العالقات القانونية‬
‫في المجتمع‪ .‬فالقوانين الجيدة إذن هي التي تحقق العدالة االجتماعية وثبات المراكز‬
‫والعالقات االجتماعية لمدة معقولة مع إمكانية التوقع المشروع ألي تغييرات أو تعديالت‪،‬‬
‫وهنا يظهر دور رقابة اإلغفال التشريعي التي يمارسها القضاء الدستوري في العديد من‬
‫األنظمة في معالجة النقص والقصور التشريعي وتنبيه السلطة التشريعية لحاالت اإلغفال‬
‫وقصور التنظيم لتالفيها والحد من آثارها االجتماعية التي قد تكون سببا في إثارة مسؤوليتها‪.‬‬

‫وهكذا إذا نظم المشرع كل حق من الحقوق أو حرية من الحريات تنظيماً قاص اًر أو‬
‫منقوصا بأن أغفل أو أهمل جانباً من النصوص القانونية التي ال يكتمل هذا التنظيم إال بها‪،‬‬
‫ً‬
‫ال بضماناتها التي هيأها الدستور‪ ،‬وفي ذلك مخالفة للدستور يتعين إخضاعها‬ ‫كان ذلك إخال ً‬
‫للرقابة القضائية على دستورية القوانين‪ .‬هذا القصور في التنظيم التشريعي اصطلح على‬
‫تسميته فقهاً " باإلغفال التشريعي " هو مصطلح غير دقيق ألنه يطلق على عدم التنظيم‬
‫الجزئي والكلي‪ ،‬أما عدم التدخل التشريعي لتنظيم الموضوع فهو لفظ مطلق والمصطلح‬
‫األدق هو "قصور التنظيم التشريعي"‪.‬‬

‫ويتحقق القصور في التنظيم التشريعي أو ما يسمى " باإلغفال التشريعي " ‪ -‬الـذى‬
‫يكون محالً للرقابة من القضاء الدستوري ‪ -‬بأن يتناول المشرع أحد الموضوعـات التي‬
‫يختص بها بالتنظيم فيأتي هذا األخير ‪ -‬سواء عن عمد أو إهمـال ‪ -‬غير مكتمل أو قاص اًر‬
‫عن أن يحيط بكافة جوانبه بما يؤدى إلى اإلخالل بالضمانة الدستورية للحق محل التنظيم‪.‬‬
‫كما أن السكوت عن تنظيم مسألة ما أو عدم التدخل بالتشريع في موضوع معين هو ما‬
‫يسميه الفقه باإلغفال الكلي ويخضعونه في بعض النظم لرقابة القاضي الدستوري لمعالجات‬
‫مختلفة‪.‬‬

‫‪622‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ونجد في المقابل أن تقرير الحاجة إلى التشريع ومن ثم التدخل لتنظيم الموضوع محل‬
‫التشريع أو عدم الحاجة إليه ومن ثم السكوت يعتبران من أهم خصائص السلطة التقديرية‬
‫للمشرع ما لم يطلب منه الدستور هذا التدخل‪ ،‬ومن ثم فإن السكوت عن التنظيم لمسألة ما‬
‫ال تعد من قبيل اإلغفال التشريعي وليست مدعاة لرقابة المشرع في هذه الجزئية‪ ،‬إذ ال توجد‬
‫صلة بين الحاجة إلى التشريع وبين دستوريته‪.‬‬

‫خالصة األمر أن السكوت عن التنظيم أو ما قد يسمى باإلغفال الكلي ليس محالً‬


‫لرقابة الدستورية من جانب القضاء في الكثير من النظم‪ ،‬وحتى أن النظم التي تراقبه ال‬
‫تفعل ذلك بكيفية جادة‪ ،‬إذ ال تصل في مداها إلى ما هو أكثر من المناشدة أو الدعوة إلى‬
‫ملء الفراغ التشريعي باستثناء القلة النادرة التي يعتبر فيها القاضي الدستوري شريكاً للسلطة‬
‫التشريعية في مباشرة اختصاصها كما هو الحال بالنسبة للمحكمة الدستورية بجنوب أفريقيا‪.‬‬

‫لكن كيف تعالج مسألة السكوت عن التنظيم؟ إذا لم يوجب الدستور التنظيم‪ ،‬فإن ذلك‬
‫يكون رخصة من حق المشرع أن يستخدمها أو أال يستخدمها‪ ،‬وله أن يتخير الوقت المناسب‬
‫لذلك‪ ،‬وهذه مسألة سياسية وليست قانونية وال يسأل عنها المشرع أمام القاضي الدستوري‪،‬‬
‫وإنما يسأل عنها سياسياً في ضوء توجهات الرأي العام الذي يستطيع ممارسة الضغط عليه‬
‫عندما يرى حاجة المجتمع إلى تشريع ما‪.‬‬

‫ويتجلى من خالل ما سبق‪ ،‬أن سكوت المشرع عن التنظيم والذي قد يثير التساؤل‬
‫بشأن إمكانية مساءلة الدولة عنه‪ ،‬يفترض صدور قانون عن البرلمان إال أن تطبيقه كليا أو‬
‫جزئيا يكون معلقا على صدور نص تنظيمي يحدد كيفيات تطبيقه‪ ،‬فهل يعتبر عدم إصدار‬
‫هذا النص التنظيمي أو البطء في إصداره خطأ موجبا للتعويض؟‬

‫لقد تطرق القضاء اإلداري المغربي لمثل هذه الفرضية وكانت إحدى المنازعات‬
‫موضوع حكم صادر عن المحكمة اإلدارية بفاس قضت فيه بعدم اختصاصها للنظر في‬
‫األضرار المترتبة عن عدم صدور مرسوم تنظيمي يحدد نسق الترقي بالوظيفة العمومية‪ ،‬وقد‬
‫جاء في حيثيات هذا الحكم الصادر تحت عدد ‪ 1130/335‬وتاريخ ‪35‬أكتوبر‪ 1130‬في‬
‫الملف اإلداري رقم ‪ 1130 /1310/5‬ما يلي‪" :‬حيث أسس المدعي دعواه على أن عدم‬

‫‪623‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫صدور المرسوم التنظيمي المتعلق بنسق الترقي موضوع الوظيفة التي ينتمي إليها‪ ،‬يشكل‬
‫خطأ مرفقيا موجبا للتعويض‪.‬‬

‫لكن حيث إنه‪ ،‬لئن كانت صور الخطأ المرفقي تتمثل في عدم أداء المرفق العام‬
‫للخدمة المطلوبة‪ ،‬أو أدائها على نحو سيئ‪ ،‬أو التباطؤ والتأخير في األداء‪ ،‬فإن عدم‬
‫صدور المرسوم التنظيمي الخاص بكيفية تحديد نسق الترقي موضوع الوظيفة اإلدارية التي‬
‫كان ينتمي إل يها الطاعن قبل إحالته على التقاعد‪ ،‬ال يندرج ضمن هذه الصور‪ ،‬ألن األمر‬
‫في ماهيته ينصرف إلى العمل التشريعي المرتبط بآليات أوضحتها الوثيقة الدستورية من‬
‫خالل الفصل ‪ 19‬وما بعده‪ ،‬والذي ال تمتد إليه رقابة السلطة القضائية اإلدارية‪ ،‬ضمانا‬
‫لمبدأ الفصل بين السلط‪.‬‬

‫وحيث إنه واستنادا لهذه المعطيات‪ ،‬وفي غياب التنصيص دستوريا على مسؤولية‬
‫الدولة عن األعمال التشريعية‪ ،‬فإن التباطؤ في إصدار النصوص والمراسيم التنظيمية‪ ،‬ال‬
‫يشا خطأ مرفقيا‪ ،‬يخول للمتضرر حق المطالبة بالتعويض‪ ،‬فضال على أن التنصيص‬
‫على إخراجها إلى حيز الوجود‪ ،‬غير مرتبط بآجال معينة ومحددة موجبة لذلك‪ ،‬مما ياون‬
‫معه طلب الطاعن غير مبني على أساس‪ ،‬وحليفه الرفض"‪.‬‬

‫وهكذا يتبين أن المحكمة اإلدارية بفاس قد استقرت على أن التباطؤ في إصدار‬


‫النصوص والمراسيم التنظيمية ال يشكل خطأ مرفقيا ألن إخراجها إلى حيز الوجود غير‬
‫مرتبط بآجال محددة يترتب على انقضائها إمكانية مساءلة الدولة عن ذلك‪.‬‬

‫وقد أقر القضاء اإلداري في فرنسا في المقابل ومنذ مدة طويلة إمكانية مساءلة الدولة‬
‫عن عدم اتخاذ اإلجراءات الالزمة لتطبيق القانون‪ ،‬فقد صدر قرار عن مجلس الدولة‬
‫الفرنسي بتاريخ ‪ 15‬يوليوز ‪ 3311‬اعتبر فيه أن عدم تدخل و ازرة الفالحة لتطبيق مقتضيات‬
‫قانون معين يشكل "خطأ جسيما من شأنه أن يثير مسؤولية الدولة"‪ ،1‬وقد يؤدي إلى الحكم‬
‫عليها بتعويضات مالية مرتفعة‪ .‬فقد قضت المحكمة اإلدارية بليون على سبيل المثال بأداء‬
‫الدولة مبلغ ‪ 311111‬أورو كتعويض عن الضرر الالحق بأحد األشخاص نتيجة للتصرف‬

‫‪1 Arrêt CE. Syndicat de défense des grands Vins de le coté d’or.Rec.p.861 et sui.‬‬

‫‪624‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫السلبي الخاطئ لإلدارة الذي أثر سلبا على مساره المهني‪ ،‬حيث استغرقت اإلدارة مدة ‪35‬‬
‫سنة إلصدار مرسوم ينظم كيفيات ولوج األعوان غير المرسمين لدى و ازرة التجهيز لسلك‬
‫الصنف )أ( للوظيفة العمومية‪ ،‬طبقا لمبدأ اإلدماج المحدد بمقتضى قانون ‪ 33‬يناير‬
‫‪.1"3390‬‬

‫وقضى مجلس الدولة في منازعة أخرى بإلغاء القرار الضمني الصادر عن اإلدارة‬
‫بعدم إصدار مراسيم تطبيقية بشأن صناديق حماية الطفولة تطبيقا للمادة ‪ 11‬من القانون رقم‬
‫‪ 1111-131‬الصادر بتاريخ ‪ 5‬مارس ‪ ،1111‬مع إصدار أمر لها بإخراج هذا المرسوم‬
‫إلى حيز الوجود تحت طائلة غرامة تهديدية‪ ،‬إضافة إلى الحكم على الدولة بأداء تعويض‬
‫عن الضرر الناتج عن عدم وجود هذه الصناديق‪ .2‬كما قضى بمسؤولية الدولة عن‬
‫‪3‬‬
‫تشريعاتها المخالفة لالتفاقيات الدولية التي صادقت عليها فرنسا‪.‬‬

‫وقد يذهب بعض الفقه الفرنسي إلى أنه يمكن الطعن باإللغاء للشطط في استعمال‬
‫السلطة في مواجهة القرار الضمني برفض سن وإصدار المراسيم التطبيقية للقوانين‪ ،‬كما‬
‫يمكن المطالبة بالتعويض عن ذلك‪ .4‬بينما عارض البعض اآلخر هذه المسألة و اعتبر بأن‬
‫القول بمسؤولية الدولة عن عمل الجهاز التشريعي هو مجرد ترف فكري‪.5‬‬

‫وتجدر اإلشارة هاهنا إلى ما سار عليه االجتهاد القضائي في فرنسا فيما يتعلق‬
‫بتحديد مفهوم األج المعقول الواجب االلتزام به إلصدار المراسيم التطبيقية والذي ربطه‬
‫بظروف الحال التي تختلف من منازعة على أخرى‪.‬‬

‫‪1 CAA.Lyon. 5juin2007.n°03LY01989.‬‬


‫‪2 C E, 1 et 6eme sous-section réunies, Département de Seine-Saint-Denis et Département de Saone- et-‬‬
‫‪Loire; n 325824.‬‬
‫‪ 3‬قرار مجلس الدولة الفرنسي رقم ‪ 113551‬وتاريخ ‪ 9‬فبراير ‪.Arrét Gradieu 1119‬‬
‫‪4 Xavier Catroux « Les risques contentieux de la non-édiction d’un décret » Le courrier juridique des finances‬‬
‫‪et de l’Industrie, n°63 premier trimestre 2011, p.29.‬‬
‫‪5 R. Chapus « Droit administrative général »; Tome 1; Montchrestien;2001; p 1380.‬‬

‫‪625‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ثانيا‪ :‬إصدار تشريعات تخالف ضوابط فوق ‪ -‬تشريعية دولية كالمعاهدات‬


‫واالتفاقيا‬

‫كان القضاء اإلداري الفرنسي قبل الثالثين من مارس ‪ 3311‬يعتبر أن االتفاقيات‬


‫الدولية وتدابير تطبيقها هي طائفة من أعمال السلطة التنفيذية التي تخرج من عن رقابته‪،1‬‬
‫غير إنه مع اندحار نظرية األعمال الحكومية بدأت تبرز عالمة استفهام كبيرة حول جدوى‬
‫استم اررية التمسك بهذا الموقف‪ ،‬سيما وأن السلطة العامة كانت قد أصبحت مسؤولة عن‬
‫كثير من نشاطاتها المرفقية األخرى خاصة المرتبطة بوظيفة التشريع في أعقاب صدور قرار‬
‫‪.la fleurette‬‬

‫وقد تأخر التحول في موقف القضاء الفرنسي إلى سنة ‪ 3311‬عندما أصدر قرار‬
‫مبدئيا شهي ار كسر به جدار ال مسؤولية السلطة التشريعية على هذا الصعيد والمعروف بقرار‬
‫الشركة العامة للطاقة الراديو كهربائية‪ ،‬إذ جعل بالقرار المذكور من شروط قيام المسؤولية‬
‫عدم تضمن االتفاقية التي وقعت مخالفتها أي مقتضى يستبعد الحق في التعويض‪ ،‬وأن‬
‫يكون الضرر المترتب عن الخرق ذا خطورة بالغة وطابع خاص‪ .2‬وهكذا تحققت بهذا القرار‬
‫المساواة بين خرق القانون الداخلي وخرق االتفاقية الدولية على صعيد المسؤولية عن‬
‫األضرار المترتبة عن مخالفة األول للثانية ولو كانت الحقة زمنيا لصدوره‪.‬‬

‫وقد تعددت فيما بعد تطبيقات القضاء المقارن المنصبة على مسؤولية الدولة عن‬
‫مخالفة القوانين لضابط فوق ‪ -‬تشريعي تتضمنه معاهدة دولية تمت المصادقة عليها‪ .‬ويمكن‬
‫‪3‬‬
‫االستشهاد في هذا الصدد بقرار لمحكمة النقض البلجيكية مؤرخ في ‪ 19‬شتنبر ‪1111‬‬
‫الذي قضت من خالله بالمسؤولية بناء على خطأ يتجلى في وتيرة السلطة التشريعية البطيئة‬
‫في اصدار القوانين وعدم مالئمتها مع االتفاقية األوروبية لحقوق االنسان في دعوى تتعلق‬

‫‪1 CEF, 23/07/2014, SNCF , p 738 .‬‬


‫‪2 Revue de droit , 1966, p 774.‬‬
‫‪3 Cass. (1re ch.), 28 sept. 2006, Pas., 2006 Arrêt n°C.02. 0570.F, www.cass.be .‬‬

‫‪626‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫بالتعويض عن خطأ طبي لم يتم البت فيها داخل أجل معقول‪ ،‬األمر الذي شكل مخالفة‬
‫واضحة للفصل ‪ 31‬من االتفاقية األوروبية لحقوق االنسان‪.1‬‬

‫كما أقر مجلس الدولة الفرنسي ‪ -‬في تطبيق آخر لمسؤولية الدولة عن فعل القوانين‬
‫ولكن وفق أساس قانوني مختلف‪ -‬مسؤولية الدولة عن فعل القوانين التي تخرق المعاهدات‬
‫الدولية السيما المعاهدات التي تبرمها فرنسا مع دول االتحاد األوروبي‪ ،‬وذلك بمناسبة فصله‬
‫في قضية ‪ .2 Gardedieu‬إذ أقر مجلس الدولة الفرنسي مسؤولية الدولة عن األضرار‬
‫التي تنجم عن سن قوانين تتجاهل مقتضيات االتفاقيات الدولية التي صادقت عليها فرنسا‬
‫السيما االتفاقيات والتوجيهات األوروبية‪.‬‬

‫ورغم أن مجلس الدولة الفرنسي قد أقر بهذه المسؤولية‪ ،‬إال أنه لم يؤسسها صراحة‬
‫على خطأ المشرع‪ ،‬إذ لم يقم بتكييف خرق المشرع لهذه االتفاقيات على أنه خطأ يستوجب‬
‫التعويض‪ ،3‬وإنما كان دائما يحكم بالتعويض بناء على خطأ الجهات اإلدارية التي تصدر‬
‫أعمال إدارية بناء على تلك القوانين‪ ،‬فيكون التعويض مبني على أن اإلدارة قد سببت ضر ار‬

‫‪1 B. DUBUISSON et S. VAN DROOGHENBROECK, «Responsabilité de l’Etat-législateur: la dernière‬‬


‫‪pièce du puzzle ?». Op cit, p. 802 .‬‬
‫‪ 2‬تتلخص وقائع هذا القرار أنه بتاريخ ‪ 3395/11/11‬صدر مرسوم تقرر بموجبه الزيادة في االشتراك األدنى اإلجباري لمنتسبي صندوق التقاعد‬
‫المستقل لجراحي األسنان‪ ،‬والذي كان السيد ‪ Gardedieu‬منخرطا فيه‪ .‬اعتبر هذا األخير أن هذه الزيادة غير قانونية‪ ،‬وبناء على ذلك استمر في‬
‫دفع االشتراكات بناء على النظام القديم‪ .‬طرح النزاع على محكمة شؤون التأمين االجتماعي لـ ‪ ،Beauvais‬والتي بناء على دفع أولي مثار من‬
‫طرف السيد ‪ Gardedieu‬متعلق بعدم قانونية مرسوم ‪ 3395/11/11‬رفعت مسألة الفصل في هذه المسألة األولية إلى الجهة المختصة وهي‬
‫مجلس الدولة الفرنسي والذي قضى بتاريخ ‪ 3330/11/39‬بعدم قانونية هذا المرسوم بسبب أنه لم يكن قد حظي بموافقة أغلبية المشتركين خرقا‬
‫ألحكام قانون التأمين االجتماعي‪ ،‬غير أنه صدر قانون مؤرخ في ‪ 3330/11/15‬متعلق بالتأمين االجتماعي والذي قرر بنص المادة ‪ 03‬بأنه ومع‬
‫مراعاة األحكام القضائية النهائية تصبح سارية المفعول االشتراكات المحددة بالمرسوم ‪ .3395/11/11‬على إثر هذا القانون صرفت محكمة شؤون‬
‫التأمين االجتماعي النظر عن الدفع األولي المتعلق بعدم قانونية المرسوم المؤرخ في ‪ 3395/11/11‬وقضت بإلزام السيد ‪ Gardedieu‬بدفع مبلغ‬
‫الفرق في االشتراكات الواجبة عليه‪ .‬قام السيد ‪ Gardedieu‬برفع دعوى تعويض ضد الوزير األول أمام محكمة باريس اإلدارية مؤسسا دعواه على‬
‫أنه قد أصابه ضرر من تدخل قانون ‪ 3330‬وأن مسؤولية الدولة قائمة على مبدأ المساواة أمام األعباء العامة وفقا الجتهاد ‪ La Fleurette‬الشهير‪.‬‬
‫رفضت هذه الدعوى‪ ،‬وتم استئناف الحكم أمام محكمة االستئناف اإلدارية بباريس‪ ،‬حيث غير المدعي أساس الدعوى مستندا في االستئناف على‬
‫إقامة مسؤولية الدولة على أساس الخطأ والمتمثل في تجاهل قانون ‪ 3330‬لمبدأ المحاكمة العادلة المنصوص عليه في المادة ‪ 11‬من االتفاقية‬
‫األوروبية لحقوق اإلنسان‪ ،‬لكن هذا االستئناف تم رفضه‪ .‬وفي النقض أمام مجلس الدولة الفرنسي تم إلغاء كل من حكم محكمة الدرجة األولى‬
‫ومحكمة االستئناف وتصدت الغرف المجتمعة لمجلس الدولة للموضوع وفصلت فيه بإقرار مسؤولية الدولة والحكم عليها بالتعويض‪ ،‬استناد إلى‬
‫تجاهل قانون ‪ 3330‬للمادة ‪ 11‬من االتفاقية األوروبية لحقوق اإلنسان‪ ،‬حيث اعتبر مجلس الدولة أن تدخل المشرع من أجل المصادقة على مرسوم‬
‫بأثر رجعي رغم أن هذا المرسوم هو محل منازعة قضائية يشكل تعد على مبدأ المحاكمة العادلة المكرس بالمادة ‪ 11‬من االتفاقية األوروبية لحقوق‬
‫اإلنسان‪ ،‬طالما أن هذا التدخل التشريعي لم يكن مبر ار بتحقيق المصلحة العامة‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪Ahmad Kodmani «La responsabilité de l’Etat sans faute du fait des engagements internationaux:‬‬
‫‪Devant le juge administratif français»، Thèse de Doctorat, Université d'Angers, 2015, p 267‬‬

‫‪627‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫للفرد بسبب تطبيقها لقانون مخالف للمعاهدات الدولية وليس ألن المشرع أخطأ في إصدار‬
‫قانون مخالف للمعاهدات الدولية‪.1‬‬

‫وقد أكدت المحكمة الدستورية العليا في مصر أن تنظيـم الحقـوق منوط بالمشرع‪،‬‬
‫وكان استعماله لسلطته في هذا الشأن رخصة يباشرها كلما تطلب الصالح العام ذلك وفي‬
‫الوقت الذي يراه مناسباً‪ ،‬إال أن تدخله يغدو عزيمة إذا ما دعاه الدستور إلى تنظيم حق من‬
‫الحقوق‪ ،‬فإن أدى مسلكه إلى اإلخالل بهذا الحق كان ذلك مخالفاً للدستور‪.‬‬

‫ويشترط القضاء اإلداري المقارن بالنسبة للمسؤولية عن فعل القوانين بسبب خرق‬
‫المعاهدات الدولية أن يكون هناك خرق واضح وجسيم من طرف المشرع لمعاهدة دولية‪ ،‬وأن‬
‫تكون هناك عالقة سببية مباشرة بين الضرر وتلك المخالفة ومالحظة أن هذا الشرط مستمد‬
‫من القواعد العامة المقررة في المسؤولية عن طريق الخطأ‪.2‬‬

‫ثالثا‪ :‬إصدار تشريعات مخالفة لضابط فوق ‪ -‬تشريعي وطني كالدستور‬

‫تتجلى نتيجة مساس القانون بالحقوق والحريات في اعتبار ذلك في حد ذاته مساسا‬
‫بالدستور‪ ،3‬حتى إذا توصلت المحكمة الدستورية إلى تقرير عدم دستوريته لم يكن ممكنا‬
‫تقرير التعويض بسبب عدم دستورية القانون بشكل آلي‪ ،‬إذ ال وجود لمثل هذا اإلقرار‬
‫بالتعويض حتى في الدول التي تأخذ بالرقابة القضائية على دستورية القوانين‪ .‬ألن الدول‬
‫التي تعترف بفكرة خطأ المشرع كالواليات المتحدة األمريكية ومصر ال تتبنى نظام المسؤولية‬
‫عن التشريع في إطار النظام القضائي الدستوري‪ ،‬بل ترتب على خطأ المشرع مجرد إبطال‬
‫العمل التشريعي المخالف للدستور أو االمتناع عن تطبيقه‪ ،‬فهي بذلك ال تعرف مسؤولية‬
‫الدولة عن أعمال السلطة التشريعية بالرغم من اعتناقها فكرة خطأ المشرع‪.4‬‬

‫‪1 François Gilbert, « le conseil d'Etat consacre la responsabilité de l'Etat du fait des lois contraires aux‬‬
‫‪engagements internationaux ».، le 33/11/1111 à 31h00‬‬
‫‪2 Stéphanie JUAN «LA RESPONSABILITE DE L'ETAT DU FAIT DE L'ACTION NORMATIVE EN DROIT‬‬
‫‪ADMINISTRATIF FRANÇAIS «Thèse de doctorat en Droit public, 2004, UNIVERSITE DE METZ, p 127 .‬‬
‫‪ 3‬نهى الزي‪ ،‬مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة التشريعية‪ - ،‬دراسة مقارنة ‪ -‬رسالة دكتوراه‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ، 1985.،‬ص‬
‫‪.311‬‬
‫‪ 4‬مها بهجت الصالحي " الحام بعدم دستورية نص تشريعي ودوره في لناء دولة القانون"‪ ،‬مكتبة ودار مخطوطات العتبة‪ ،‬بغداد‪ 1111 ،‬ص‬
‫‪.111‬‬

‫‪628‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ويفرض ثبوت عدم دستورية القانون على السلطة التشريعية مراجعة ما صدر عنها‬
‫من قوانين‪ ،‬فإذا ما كان القانون قبل تقرير عدم دستوريته‪ ،‬ال ينص على التعويض للمضرور‬
‫في حالة وقوع الضرر‪ ،‬فإن عدم الدستورية سيكون له حتما األثر البالغ على مسألة إعادة‬
‫النظر في ذلك القانون‪ .‬وبتعبير أدق‪ ،‬قد يتقرر التعويض‪ ،‬ومن ثم تقرر مسؤولية السلطة‬
‫وأيده الفقه في‬ ‫‪1‬‬
‫التشريعية كما ذهب إلى ذلك القضاء الفرنسي في العديد من الحاالت‬
‫ذلك‪.2‬‬

‫ويظهر خطأ السلطة التشريعية بمخالفتها للدستور نتيجة سنها تشريعات غير دستورية‬
‫بشكل أو بآخر‪ ،‬بل وتظهر تلك المخالفة الدستورية المشكلة لخطأ السلطة التشريعية بشكل‬
‫أكثر وضوحا من خالل التشريعات االستثنائية غير العادية ألن السبب في ذلك يرجع إلى‬
‫االحتمال الوارد في مساس هذه التشريعات بالحقوق والحريات‪.‬‬

‫ولم يساير القضاء المغربي هذه الفكرة واعتبر أن تأسيس دعوى المطالبة بالتعويض‬
‫عن ضرر التشريع تبقى غير مسموعة أمام القضاء اإلداري لألسباب التي تبينها حيثيات‬
‫القرار عدد ‪ 1131‬بتاريخ ‪ 13‬أبريل ‪ 1133‬في الملف عدد ‪ 1133/1131/1‬التي جاء‬
‫فيها ما يلي‪" :‬وحيث يستنتج مما سبق‪ ،‬أنه لئن كان المستأنف عليه قد أشار في مقاله‬
‫االفتتاحي إلى كون الدعوى مؤطرة في نطاق المسؤولية عن ضرر التشريع الذي اعتبره غير‬
‫منصف وعادل‪ ،‬وانطالقا من نص المادة ‪11‬من القانون ‪ 03/31‬المحدثة بموجبه محاكم‬
‫إدارية‪ ،‬إال أن األسباب التي اعتمدها في تبرير الدعوى تستوجب التداء محاكمة عدم‬
‫دستورية اانون المالية لسنة ‪ 2431‬فيما نص عليه من تعدي للمادة ‪ 3.14‬من المدونة‬
‫العامة للضرائب‪ ،‬وذلك من خالل نعيه عليه كونه خرق مبدأ المساواة‪ ....‬وكذا عدم‬
‫انضباطه لمبدأ االمن القانوني‪.....‬‬

‫‪1 CAA de Paris, 5 oct. 2018, Société Hôtelière Paris Eiffel Suffren et Société Paris Clichy, nos 17PA01180 et‬‬
‫‪31PA01188. 4 CE, Ass., 8 fév. 2007, Gardedieu, n° 279522, Lebon p. 78, concl. L. Derepas. 5, DISANT M.,‬‬
‫‪« La responsabilité de l’État du fait de la loi inconstitutionnelle, prolégomènes et perspectives », RFD‬‬
‫‪adm., 2011, p. 1181.‬‬
‫‪2 E JURIDIYann Aguilla, Bredin Prat Guillaume Forger -Responsabilité du fait des lois Inconstitutionnelle,‬‬
‫‪la semaine juridique édition générale no 7-8, 17/02/2020‬‬

‫‪629‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وحيث إن جميع هذه الخروقات الدستورية التي عابها المستأنف عليه على قانون المالية‬
‫السالف الذكر مما ال تستوعبه دعوى المسؤولية اإلدارية حتى ولو كان أساسها ضرر‬
‫التشريع وبدون إثبات الخطأ‪ ،‬سواء من حيث إنه ذلك فيه خرق جلي ألص ثالت في‬
‫النظام الدستوري للمملكة وهو مبدأ فص السلط الذي أاره دستور يوليوز ‪ 2433‬في‬
‫فصله األول‪ ،‬ومن تبلياته عدم جواز إخضاع أعمال السلطة التشريعية لراابة السلطة‬
‫القضائية إال في نطاق الحدود التي تقررها الوثيقة الدستورية ذاتها‪ ،‬أو من حيث تطاوله‬
‫على اختصاصات المحامة الدستورية التي أسندت لها مهمة هذه الراابة بمقتضى الفص‬
‫‪ 321‬من الدستور‪ ،‬أو من جهة أن ما يطالب به المستأنف عليه فيه تعطي صريح لنص‬
‫تشريعي‪ .......‬وبالتالي تكون المنااشة التي أثارها حول عدم دستورية التعدي الدستوري‬
‫المومأ إليه أعاله في غير محلها وال يمان تأطيرها لدعوى المسؤولية‪ ،‬وهي بذلك غير‬
‫جديرة باالعتبار‪".‬‬

‫وهكذا اعتبر القضاء المغربي بأنه ال ينبغي إخضاع أعمال السلطة التشريعية لرقابة السلطة‬
‫القضائية إال في نطاق الحدود التي تقررها الوثيقة الدستورية ذاتها‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬تعدد األسباب المانعة من تبني فكرة مسؤولية الدولة عن‬
‫ممارسة وظيفة التشريع على صعيد القانون المغربي‬

‫تحولت بعض القوانين المقارنة بعد تطور جريء ر َام تحقيق دولة القانون إلى اعتماد‬
‫فكرة مسؤولية الدولة عن ممارسة إحدى سلطاتها لوظيفة التشريع‪ ،‬غير أن هذا التحول لم‬
‫يصل مداه كما رأينا ألنه لم ينته بتخطئة المشرع أو بجعله مسؤوال عن األضرار التي تترتب‬
‫عن كافة أوجه ممارسة وظيفة التشريع‪ ،‬سواء تعلق األمر بالتراخي في تقنين وضعية معينة‬
‫تتطلب تدخال تشريعيا عاجال‪ ،‬أو تعلق بمخالفة ضوابط فوق ‪ -‬تشريعية تجعل من فعل‬
‫التشريع خطا جسيما يستوجب التعويض‪ ،‬أو تعلق األمر ‪ -‬على الشائع مما تعرفه الدعاوى‬
‫على هذا الصعيد‪ -‬بمخالفة مبدأ المساواة أمام تحمل األعباء العامة نتيجة سن تشريعات‬
‫تمنع أو تقيد التمتع ببعض الحقوق المكفولة لألفراد دستوريا‪.‬‬

‫‪630‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ويبدو من مختلف صور فعل التشريع التي عرض لها القضاء المغربي بالنظر‪ ،‬أنها‬
‫ال تكاد تثير من وجهة نظر بسيطة أية مسؤولية على صعيد القانون المغربي‪ -‬على خالف‬
‫الوضع في القانون المقارن ‪ -‬وذلك الصطدامها بمجموعة من الموانع التي تجعل فكرة‬
‫المسؤولية حبيسة الرفض ومستعصية على اقتباس تجارب مقارنة‪.‬‬

‫ويمكن بسط موانع تبني فكرة مسؤولية الدولة عن ممارسة وظيفة التشريع وفق ما‬
‫كشف عنه تطور القانون المقارن من خالل المطلبين التاليين‪:‬‬

‫المطلب األول ‪ -‬المبررات العامة الستبعاد فكرة المسؤولية الدولة عن ممارسة وظيفة‬
‫التشريع‬

‫المطلب الثاني ‪ -‬األسباب الخاصة بمسطرة التشريع في القانون المغربي‬

‫المطلب األول‪ :‬المبررات العامة الستبعاد فكرة مسؤولية الدولة عن‬


‫ممارسة وظيفة التشريع‬

‫ال زال مبدأ عدم مسؤولية الدولة عن التشريع المبدأ سائدا في العديد من الدول‪ ،‬وال‬
‫يزال يجد تبريره من جانب الفقه والقضاء اإلداريين في عصمة المشرع من الخطأ‪ ،1‬ومن ثم‬
‫لم تكن الدولة مسؤولة عن األضرار الناجمة عن ممارسة وظيفة التشريع من قبل إحدى‬
‫سلطاتها‪ .2‬وقد وجدت لتبرير فكرة عدم المسؤولية عدة حجج ال يزال بعضها وجيها في‬
‫مبناه بحسب النظم القانونية التي يثار على صعيدها مشكل المسؤولية عن ممارسة الدولة‬
‫لوظيفة التشريع‪.‬‬

‫ولقد تم تبرير التوجه القار والراسخ المعتنق لمبدأ عدم المسؤولية بمجموعة من الحجج‬
‫التي تجد مصدرها في الفكرة المطلقة لسيادة الدولة ومبدأ الفصل بين السلطات‪ ،‬فضال عن‬
‫أخرى تتمثل في كون الشروط الالزمة للحكم بالتعويض والتي من أهمها الشرط المتعلق‬

‫‪ 1‬محمد ماهر أبو العينين‪ ":‬التعويض عن اعمال السلطات العامة‪ :‬التعويض عن اعمال السلطة التشريعية والسلطة القضائية"‪ ،‬المركز القومي‬
‫لإلصدارات القانونية‪ ،1130 ،‬القاهرة‪ ،‬ص‪.311‬‬
‫‪ 2‬محمد المدني " مسؤولية الدولة عن أعمالها المشرعة"‪ ،‬دكتوراه‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،‬طبعة ‪ ،3351‬ص ‪.31‬‬

‫‪631‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫بالصفة الخاصة بالضرر الذي يلحق األفراد ال يتوفر في ذلك الذي ينجم عن ممارسة‬
‫وظيفة التشريع‪.1‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬عدم مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة التشريعية ال يزال‬


‫مبدأ معتب ار من لدن القوانين المقارنة‬

‫يعتبر مبدأ عدم مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة التشريعية مبدأ سائدا بين‬
‫التشريعات المقارنة‪ ،‬ذلك أن أغلبها خالية من أية نصوص قانونية صريحة تقر مسؤولية‬
‫الدولة عن أعمالها التشريعية‪ ،‬وهذا شأن بعض التشريعات األوروبية المعاصرة وكذا بعض‬
‫التشريعات العربية‪.2‬‬

‫ويمكن أن نعطي المثال عن التشريعات التي ال تقبل مساءلة الدولة عن نشاطها‬


‫التشريعي بالقانون اإلنجليزي حيث يبلغ سمو التشريع درجاته القصوى‪ ،‬إذ ال زال مبال‬
‫النص التشريعي منذ إارار العهد األعظم أو الماكناكرتا سنة ‪ 3232‬ميالدية غير محدود‪،‬‬
‫كما أنه ال يقب أية مراقبة دستورية أو اضائية‪.‬‬

‫ويبدو سمو التشريع في إحدى أعرق ديمقراطيات العالم بديهيا بالتأكيد ألن القانون هو‬
‫التعبير األسمى عن إرادة األمة‪ ،‬بل إن المحكمة الفيدرالية األلمانية اعتبرت أن سمو‬
‫التشريع يتأتى أيضا من كونه يرتب التزامات وحقوق تهدف لتحقيق المنفعة العامة وال‬
‫يمان أن يرتب سنه تبعا لذلك أي حق في المطالبة بالتعويض‪ ،‬أما في مصر فقد ذهبت‬
‫المحكمة اإلدارية باإلسكندرية في الدعوى رقم ‪ 331‬لسنة ‪ 19‬قضائية جلسة‬
‫‪ 3391/19/11‬إلى ما يلي‪" :‬ومن حيث إن المبدأ المسلم به – كقاعدة عامة – هو عدم‬
‫مساءلة الدولة عن أعمالها التشريعية ألن التشريع يجب أن تكون له الكلمة العليا في تنظيم‬
‫المجتمع عن طريق وضع القواعد العامة المجردة‪ ،‬فإذا ما ترتب على التشريع ضرر لبعض‬
‫المواطنين فإن الصالح العام يقتضي أن يتحملوا عبء ذلك و مبدأ عدم مسؤولية الدولة‬

‫‪1 Paul Duez «la responsabilité de la puissance public en dehors du contrat»، Op cit, p 21 et Camille‬‬
‫‪BROYELLE «La responsabilité de l’état du fait des lois op.cit p 31 et “4” et André De Laubadere- Traite‬‬
‫‪de droit administrative. Vol 1er.8e`dit. 1980.p 739.‬‬
‫‪ 2‬العربي مياد " مسؤولية الدولة عن اعمالها التشريعية"‪ ،‬سلسلة إعالم وتبصير المستهلك‪ ،10 ،‬الطبعة األولى‪ ،1135 ،‬ص ‪.5‬‬

‫‪632‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫عن النشاط التشريعي و ما اد تسببه القوانين من اضرار هو مبدأ تقليدي يقوم على مبدأ‬
‫سيادة الدولة و من خصائصها أنها تفرض سلطتها على المبتمع دون أن ياون ألحد أي‬
‫حق في التعويض عنها‪ ،‬إذ إن الضرر الذي تسببه القوانين ال تتوافر فيه الشروط الالزمة‬
‫للحام بالتعويض و أهمها الخصوصية وألن القوانين وهي اواعد عامة مبردة يقتصر أثرها‬
‫على تغيير المراكز العامة‪ ،‬فإذا ترتب عليها ضرر عام ال يصيب شخصا لذاته فإن مث‬
‫هذا الضرر ال يعوض عنه"‪.‬‬

‫ولم تطلق ‪ -‬النظم التي قبلت على تردد بإمكانية مساءلة الدولة عن نشاطها التشريعي‬
‫خاصة في فرنسا ‪ -‬اإلمكانية المذكورة على مصراعيها‪ ،‬بل علقتها على تحقق شروط مشددة‬
‫أبرزها توجه إرادة المشرع الصريحة في صلب كل قانون على حدة إلى تعويض من ستتأثر‬
‫مراكزهم القانونية بصدوره‪.‬‬

‫ولقد مال االجتهاد القضائي إلى اعتبار كل تدخل قانوني غايته تحقيق المصلحة‬
‫العامة العليا يتضمن في صلبه استبعاد التعويض عن الضرر الذي يمكن أن ينجم عن هذا‬
‫التدخل‪ ،‬لهذا رفض القضاء اإلداري في فرنسا الحكم بالتعويض بعدما عاين أن وضع بعض‬
‫القوانين كان يرمي إلى وضع حد لنشاط ذو طابع تدليسي أو ذو طابع مشين‪ .‬كما رفض‬
‫الحام بالتعويض أيضا عندما الحظ أن القانون اد جاء ليضع حدا لنشاط خطير أو مضر‬
‫بالصحة العمومية‪ .‬وفي نفس االتجاه تم رفض الحكم بالتعويض ألن القانون قد اتخذ في‬
‫إطار مصلحة اقتصادية واجتماعية ذات طابع نظامي عام أو من أجل الحد من ارتفاع‬
‫األسعار‪ ،‬أو تحديد كيفية حساب التعويض عن نزع الملكية‪ ،‬أو ضبط السوق وتنظيم‬
‫المنتجات‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬ممارسة وظيفة التشريع تبسيد لسيادة الدولة‬

‫تعتبر ممارسة وظيفة التشريع من أهم تجليات ممارسة الدولة لسيادتها التي تتنافى مع‬
‫المسؤولية‪ ،‬على اعتبار أن السيادة ملزمة بطبيعتها للجميع دون أن تتوفر لألفراد إمكانية‬
‫المطالبة بالتعويض عن آثار ممارستها‪ .‬هذا فضال على أن السلطة التشريعية هي سلطة‬
‫منتخبة من الشعب‪ ،‬لذا فهي تمثل السيادة الوطنية‪ ،‬والتشريع الذي تصدره تعبير عن اإلرادة‬

‫‪633‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫العامة‪ ،‬وهذا ما جسد المظهر المثالي للسيادة الذي حال قطعا دون مساءلة السلطة‬
‫التشريعية ‪ -‬سواء كانت أصلية أو فرعية ‪ -‬عن األضرار التي يمكن أن تنجم عن نشاطها‬
‫المتعلق في إصدار التشريعات‪ ،‬فالبرلمان هو صاحب السيادة العامة‪ ،‬ومن ثم تكون أعماله‬
‫خارجة عن الرقابة القضائية ألن السيادة تتنافى مع المسؤولية‪.1‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬تقرير المسؤولية عن ممارسة وظيفة التشريع خرق للمبدأ‬


‫الدستوري القاضي بالفص لين السلط‬

‫لقد اعتبر القضاء الفرنسي تحديدا أن القول بإمكانية مساءلة الدولة عن ممارستها‬
‫لوظيفة التشريع ينطوي على مخالفة صريحة للمبدأ الدستوري القاضي بالفصل بين السلط‪،‬‬
‫والذي يشكل أساس الدفع بعدم مسؤولية الدولة عن أعمال التشريع‪ ،‬ذلك أن تطبيق هذا‬
‫المبدأ يحول دون بسط رقابة القضاء على أعمال السلطة التشريعية‪ ،‬بل إن إقرار المسؤولية‬
‫من جانب القضاء يعد تعديا على هذا المبدأ جراء تدخل من السلطة القضائية في أعمال‬
‫السلطة التشريعية‪ .2‬ومن ثم فإن احترام مقتضى مبدأ الفصل بين السلطات يحول دون بسط‬
‫القضاء لرقابته على أعمال السلطة التشريعية‪.3‬‬

‫وقد أولى القضاء اإلداري المغربي لهذا المبدأ احتراما شديدا إذ اعتبر في بعض‬
‫المنازعات التي همت المطالبة بالتعويض عن الضرر الناجم عن اعتماد قانون المالية لسنة‬
‫‪ ،1131‬أن تأسيس االدعاء على مخالفة القانون ألحكام الدستور ينطوي على مساس بمبدأ‬
‫فصل السلط ومن تجلياته عدم جواز إخضاع أعمال السلطة التشريعية لرقابة السلطة‬
‫القضائية إال في نطاق الحدود التي تقررها الوثيقة الدستورية ذاتها‪ ،‬أو من حيث تطاوله على‬
‫اختصاصات المحكمة الدستورية التي أسندت لها مهمة هذه الرقابة بمقتضى الفصل ‪311‬‬
‫من الدستور‪ .‬وهكذا فقد جاء في القرار عدد ‪ 1131‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية‬
‫بالرباط تحت عدد ‪ 1131‬بتاريخ ‪ 13‬أبريل ‪ 1133‬في الملف عدد ‪1133/1131/1‬‬

‫‪ 1‬هشام عبد المنعم عكاشة‪" ،‬مسؤولية اإلدارة عن أعمال الضرورة "‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 166.‬ومحمد مفضي معاقبة وأسامة احمد النعيمات "‬
‫التعويض اإلداري لين القانونين المدني واإلداري (دراسة تطبيقية على النظام األردني)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 130‬ونهى الزي‪ ،‬مسؤولية الدولة عن‬
‫أعمال السلطة التشريعية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪. 03‬‬
‫‪2 Olivier Gohin « La responsabilité de l'Etat en tant que législateur « op cit, p 598 et 600.‬‬
‫‪ 3‬هشام عبد المنعم عكاشة‪" ،‬مسؤولية اإلدارة عن أعمال الضرورة "‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪. 165‬‬

‫‪634‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وأيضا القرار الصادر عن ذات المحكمة تحت عدد ‪ 1131‬بتاريخ ‪ 13‬أبريل ‪ 1133‬في‬
‫الملف عدد ‪ 1133/1131/9‬جاء من بين حيثياته ما يلي‪ ...." :‬وحيث يستنتج مما سبق‪،‬‬
‫أنه لئن كان المستأنف عليه قد أشار في مقاله االفتتاحي إلى كون الدعوى مؤطرة في نطاق‬
‫المسؤولية عن ضرر التشريع الذي اعتبره غير منصف وعادل‪ ،‬وانطالقا من نص المادة‬
‫‪11‬من القانون ‪ 03/31‬المحدثة بموجبه محاكم إدارية‪ ،‬إال أن األسباب التي اعتمدها في‬
‫تبرير الدعوى تستوجب ابتداء محاكمة عدم دستورية قانون المالية لسنة ‪ 1131‬فيما نص‬
‫عليه من تعديل للمادة ‪ 3.11‬من المدونة العامة للضرائب‪ ،‬وذلك من خالل نعيه عليه كونه‬
‫خرق مبدأ المساواة‪ ....‬وكذا عدم انضباطه لمبدأ االمن القانوني‪.....‬‬

‫وحيث إن جميع هذه الخرواات الدستورية التي عالها المستأنف عليه على اانون المالية‬
‫السالف الذكر مما ال تستوعبه دعوى المسؤولية اإلدارية حتى ولو كان أساسها ضرر‬
‫التشريع وبدون إثبات الخطأ‪ ،‬سواء من حيث إنه ذلك فيه خرق جلي ألص ثالت في‬
‫النظام الدستوري للمملكة وهو مبدأ فص السلط الذي أاره دستور يوليوز ‪ 2433‬في‬
‫فصله األول‪ ،‬ومن تبلياته عدم جواز إخضاع أعمال السلطة التشريعية لراابة السلطة‬
‫القضائية إال في نطاق الحدود التي تقررها الوثيقة الدستورية ذاتها‪ ،‬أو من حيث تطاوله‬
‫على اختصاصات المحكمة الدستورية التي أسندت لها مهمة هذه الرقابة بمقتضى الفصل‬
‫‪ 311‬من الدستور‪ ،‬أو من جهة أن ما يطالب به المستأنف عليه فيه تعطيل صريح لنص‬
‫تشريعي‪ .......‬وبالتالي تكون المناقشة التي أثارها حول عدم دستورية التعديل الدستوري‬
‫المومأ إليه أعاله في غير محلها وال يمكن تأطيرها بدعوى المسؤولية‪ ،‬وهي بذلك غير جديرة‬
‫باالعتبار‪".‬‬

‫الفقرة الرابعة‪ :‬تعذر مساءلة الدولة عن ممارسة وظيفة التشريع مشتق من‬
‫حصانة أعضاء البرلمان الذين اعتمدوه لناء على منهبية تشاركية‬

‫يصدر التشريع في األحوال العادية عن السلطة التشريعية األصلية ممثلة في البرلمان‬


‫بمجلسيه واألعضاء الذين يشكلونهما‪ .‬كما أن عمل هؤالء مصان بمبدأ الحصانة المنصوص‬

‫‪635‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫عليها دستوريا‪ ،‬إذ ال يسأل عضو البرلمان عن األعمال التي يقوم بها في نطاق ممارسته‬
‫لمهامه كنائب برلماني والتي تتجلى أساسا في سن القوانين‪.‬‬

‫وحيث إن الحصانة المذكورة تلحق بالتبعية محل العمل البرلماني‪ ،‬ومن ثم ال يمكن‬
‫الحديث عن مسؤولية الدولة عن نشاط المؤسسة البرلمانية المتعلقة بسن التشريعات متى‬
‫تمت دسترة مبدأ عدم المسؤولية البرلمانية بما يعنيه من وجود سند دستوري يرفض المسؤولية‬
‫عن ممارسة وظيفة التشريع‪.1‬‬

‫وفضال عما سبق‪ ،‬يعتمد سن التشريعات كوجه شائع لممارسة وظيفة التشريع مقاربة‬
‫تشاركية يجد أساسه أصال في كون هذه األخيرة تجسد قيم الديمقراطية التي تكفل لكل‬
‫المواطنين حرية المشاركة من خالل وجود هيئة تقوم بدور النيابة عنهم في تقرير أمور‬
‫حياتهم‪ .‬ومن ثم فإن القوانين ليست مجرد رخص وعقوبات يصدرها المشرع‪ ،‬وإنما هي تعبير‬
‫عن إرادة المجتمع وأولوياته التي يجسدها المشرع في صورة قواعد عامة تحكم العالقات بين‬
‫األفراد والجماعات وتنظم العمل والعيش المشترك بينهم‪.‬‬

‫وحيث إن الفرد باعتباره مواطنا يسهم ويشارك في صناعة التشريع ما دام أن الذي‬
‫يتولى هذه العملية ما هو إال ممثل هذا المواطن في البرلمان‪ ،‬فهو إذن غير أجنبي على‬
‫التشريع ومسؤول عن إصداره‪ ،‬ومن ثم ال يحق له المطالبة بالتعويض عن ضرر يدعي أنه‬
‫لحقه نتيجة تشريع شارك في شنه بشكل غير مباشر‪.‬‬

‫وتجدر اإلشارة في هذا السياق إلى أن مجال التشريع يمتد إلى مؤسسات أخرى حددها‬
‫الدستور الحالي في حق المواطنين والمواطنات في تقديم ملتمسات في مجال التشريع وذلك‬
‫من خالل الفصل ‪ 14‬من الدستور‪.‬‬

‫كما خول الدستور المعارضة البرلمانية بموجب الفصل العاشر منه حق المشاركة‬
‫الفعلية في مسطرة التشريع السيما عن طريق تقديم مقترحات قوانين بجدول أعمال مجلسي‬
‫البرلمان‪ ،‬كما ضمن لها كذلك في الفصل الستين منه المشاركة في وظيفتي التشريع‬
‫والمراقبة‪.‬‬

‫‪ 1‬محمد المدني " مسؤولية الدولة عن أعمالها المشرعة"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 31‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪636‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الفقرة الخامسة‪ :‬استحالة تصور تحقق عناصر المسؤولية عن التشريع‬


‫وتحديدا عنصر الضرر‬

‫يتأسس هذا المبرر على صعوبة تصور قيام أركان المسؤولية في حالة تسبب تشريع‬
‫معين في إلحاق ضرر ببعض األفراد الستحالة صدور خطأ عن المؤسسة التشريعية‪ ،‬علما‬
‫أن األحكام القانونية تتسم بالعمومية وهذا ما يميزها عن الق اررات اإلدارية مثال‪ ،‬وبالتالي فإنه‬
‫وحتى في حال إض اررها باألفراد‪ ،‬فإن هذا الضرر يتوزع عبء تحمله على الكافة‪. 1‬‬

‫التشريع‬ ‫الفقرة السادسة‪ :‬إارار الحق في التعويض عقبة في سبي‬


‫واإلصالح وإثقال لكاه الدولة بأعباء مالية إضافية تخ لتوازنها المالي‬

‫ال بد وأن تقرير مسئولية الدولة عن القوانين التي يصدرها المشرع سيكون عقبة في‬
‫سبيل التشريع واإلصالح‪ ،‬إذ لو أجبرنا الدولة على أن تعوض األفراد عن كل ضرر تلحقه‬
‫التشريعات بهم‪ ،‬خاصة أمام عموميتها‪ ،‬كما هو الحال مع القانون ‪ 35/11‬والقانون بمرسوم‬
‫المتعلق بسن أحكام حالة الطوارئ ألدى ذلك إلى عرقلة كل إصالح وإلى إهدار العديد من‬
‫الحقوق‪ ،‬وإ لى تردد الدولة كثي ار في سن القوانين أو في تعديلها على الرغم من أن غايتها في‬
‫ذلك غاية سليمة‪ .‬كما أن إقرار الحق في التعويض ينطوي كذلك على إضافة أعباء مالية‬
‫كبيرة على ميزانية الدولة قد ترهقها وتخل بتوازنها المالي‪.‬‬

‫الفقرة السابعة‪ :‬إارار المسؤولية عن التشريع تباه لغاياته‬

‫تضطلع الدولة بعدة أدوار وتتحمل مجموعة من االلتزامات يؤطرها الدستور المغربي‪،‬‬
‫ويقتضي وجود وباء ما إلى أن تبادر الدولة إلى اتخاذ مجموعة من اإلجراءات والق اررات في‬
‫إطار حماية الصحة العامة وفقا للفصل ‪ 13‬من الدستور المغربي‪.‬‬

‫وفي هذا اإلطار وعلى إثر تفشي وباء كورونا «كوفيد ‪"-33-‬وضعت السلطات‬
‫المغربية خطة للرصد والتصدي لهذه الجائحة اتخذت على إثرها مجموعة من الق اررات‬
‫كإغالق مجموعة من المحالت وتوقيف الدراسة بجميع مؤسسات التربية والتكوين العمومية‬

‫‪ 1‬رشيد خلوفي‪" ،‬اانون المسؤولية اإلدارية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.13‬‬

‫‪637‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫والخاصة وتعليق الرحالت الجوية والبحرية من وإلى مجموعة من الدول وتجميد كافة‬
‫النشاطات والتظاهرات العامة وتدبير كيفية استعمال وسائل النقل العمومي‪.‬‬

‫كما أن المرسوم بقانون الصادر بتاريخ ‪ 10‬مارس ‪ 1111‬والمتعلق بسن أحكام‬


‫خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات اإلعالن عنها يمنع التنقل إال في حاالت استثنائية‬
‫وألسباب محصورة‪ ،‬مما سينعكس وال شك على العديد من القطاعات االقتصادية والشركات‬
‫والمقاوالت‪ ،‬وهو ما قد يجعل هؤالء يثيرون مسؤولية الدولة عن تلك الق اررات من أجل‬
‫مطالبتها بتعويضهم عن تلك األضرار‪ ،‬مما يقتضي منا تدارس شروط اإلعفاء من‬
‫المسؤولية عن ق اررات اإلدارة المتخذة في هذا اإلطار على ضوء توصيف جائحة كرونا‬
‫المستجد كقوة قاهرة وحادثا فجائيا‪.‬‬

‫إن من المعلوم أن المسؤولية ال تترتب عن العمل المشروع الذي يجيزه القانون كأصل‬
‫عام‪ ،‬وبالتالي فإن اتخاذ اإلدارة لق اررات في إطار ما لها من سلطة إدارية ومن أجل حماية‬
‫الصحة العامة في مواجهة وباء خطير ومستشر ال يجب أن يرتب أية مسؤولية إذا ما‬
‫اعتمدنا المبادئ العامة للمسؤولية القائمة على خطأ وضرر وعالقة سببية‪ .‬إال أن القضاء‬
‫اإلداري استقر على مساءلة الدولة حتى على الق اررات المشروعة في إطار نظرية المساواة‬
‫في تحمل األعباء العامة عندما يكون أثر هذا القرار وقع على مجموعة دون أخرى ويكون‬
‫ضر ار خاصا واستثنائيا‪.‬‬

‫غير أن هذه الشروط ال تتوفر في االثار المترتبة عن الق اررات التي اتخذت في إطار‬
‫مكافحة جائحة كورونا المستجد ما دام أنها تشمل جميع المواطنين‪ ،‬وإن كان تأثيرها يختلف‬
‫من قطاع آلخر إال أن مفهوم التضامن يقتضي أن تتوزع األعباء على المواطنين كل‬
‫بحسب قدرته‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فإن التباين في التأثر هو معطى وارد في جميع الحاالت‪.‬‬

‫ولقد درج القضاء االداري الفرنسي على رفض التعويض في إطار مبدأ تحمل األعباء‬
‫العامة كلما تبين له أن الضرر المدعى به كان شامال ولم يكن خاصا بالمدعي‪ ،‬فالمقصود‬
‫بمفهوم الشمولية هنا هو أن يكون شامال لقطاع معين أو صنف معين أو فئة معينة‪.‬‬

‫‪638‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وإذا كانت بعض التوجهات القضائية قد أثارت المسؤولية اإلدارية على أساس التكافل‬
‫االجتماعي فإنها كانت تقر هذه المسؤولية في حاالت معزولة وليس عندما يكون هناك‬
‫إجراء عام وشامل‪ .‬ويعزز هذا الرأي ما تضمنه الفصل ‪ 01‬من الدستور‪ .‬ذلك أن وجود‬
‫الدولة في وضعية استثنائية يفرض تضامن جميع المواطنين‪ ،‬كما هو الشأن عند مواجهة‬
‫وباء مستشر لم تستطع كافة الدول دفعه أو الحد منه إال من خالل إجراءات احت ارزية‬
‫ووقائية يجعل مساءلتها عن هذه الق اررات غير ذي أساس‪ ،‬ولو في إطار مفهوم المساواة في‬
‫تحمل األعباء العامة ألن هذه النظرية تعتمد في الحاالت العادية وليس الحاالت االستثنائية‬
‫التي يتوجب فيها إعمال مقتضى الفصل ‪ 01‬من الدستور الذي ينص على ما يلي‪" :‬على‬
‫الجميع أن يتحمل‪ ،‬بصفة تضامنية‪ ،‬وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها‪،‬‬
‫التكا ليف التي تتطلبها تنمية البالد‪ ،‬وكذا تلك الناتجة عن األعباء الناجمة عن اآلفات‬
‫والكوارث الطبيعية التي تصيب البالد"‪.‬‬

‫وقد تجد هذه القراءة سندها في أن الظروف االستثنائية تفرض إجراءات استثنائية وأن‬
‫على الجميع أن يتحمل األعباء الناجمة عن اآلفات والكوارث التي تصيب البالد بما فيها‬
‫األعباء المترتبة عن الق اررات المتخذة في إطار مكافحة تلك اآلفات‪ .‬سيما أن الدولة قد‬
‫رصدت حسابا خصوصيا يتم من خالله تدبير التضامن بين المواطنين لمواجهة األعباء‬
‫المترتبة عن هذه اآلفة‪ .‬إذ ال يمكن أن تعلو سيادة القانون إال في بلد يشعر مواطنوه‬
‫بالمسؤولية التضامنية عن تنفيذ هذا المفهوم‪ ،‬ما يجعله جزًءا ال يتج أز من ثقافتهم القانونية‬
‫والسياسية واالجتماعية‪.‬‬

‫وفي هذا اإلطار‪ ،‬فإن إحداث حساب مرصود ألمور خصوصية يحمل اسم الصندوق‬
‫الخاص بتدبير جائحة كورونا "كوفيد ‪ "33‬بموجب المرسوم عدد ‪ 1.11.113‬الصادر‬
‫بتاريخ ‪ 31‬مارس ‪ 1111‬يجعل المطالبة بالتعويض عن اآلثار المترتبة عن الق اررات‬
‫المذكورة غير جائزة في إطار المبادئ العامة للتعويض ما دام أنه رصد لتجاوز آثار هذه‬
‫الجائحة صندوق خاص رصد جانبه المدين للنفقات المتعلقة بتأهيل المنظومة الصحية‪،‬‬
‫وكذا لدعم االقتصاد الوطني من أجل مواجهة آثار انتشار جائحة فيروس كورونا "‬

‫‪639‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫كوفيد‪ " 33‬والنفقات المتعلقة بالحفاظ على مناصب الشغل والتخفيف من تداعياتها‬
‫االجتماعية‪.‬‬

‫ومؤدى ذلك أن أية مطالبة بالتعويض ال يمكن أن تكون في إطار المسؤولية المرفقية‬
‫وأن ترفع أمام القضاء‪ ،‬خصوصا وأن جائحة كورونا وما اقتضته من اجراءات تصنف على‬
‫أنها قوة قاهرة وحادثا فجائيا‪ ،‬أي أنه سبب من أسباب إعفاء الدولة من المسؤولية‪.‬‬

‫إال أن التساؤل الذي يظل مطروحا هو أنه بعد إعالن حالة الطوارئ الصحية وصدور‬
‫المرسوم بقانون رقم ‪ 1.11.131‬و تاريخ ‪ 1111/11/11‬يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة‬
‫الطوارئ الصحية و اجراءات االعالن عنها‪ ،‬فإن الق اررات المتخذة في إطاره تكون تنفيذا لهذا‬
‫النص القانوني ومن ثم سندخل في مجال الحديث عن المسؤولية عن التشريع وليس في‬
‫مجال المسؤولية عن الق اررات اإلدارية والتي نسجل أنها مسؤولية ما تزال حديثة في العمل‬
‫القضائي بل ال يزال القضاء العربي ينكر مسؤولية الدولة عن القوانين وال يقرر التعويض‬
‫من األضرار الناجمة عنها إال إذا نص المشرع صراحة على ذلك‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬األسباب الخاصة بمسطرة التشريع في القانون المغربي‬

‫إن أي قول بإمكانية تقرير مسؤولية الدولة عن ممارسة إحدى سلطاتها لوظيفة‬
‫التشريع خاصة التشريع العادي يتجاهل توافر العديد من األسباب التي تقف حائال دون‬
‫اقتباس تجارب مقارنة في سبيل ذلك‪ ،‬وتأتي في مقدمة هذه األسباب خصوصية مسطرة‬
‫التشريع العادي على صعيد القانون المغربي باإلضافة إلى أسباب أخرى‪ ،‬وهذا ما سنتعرف‬
‫عليه من خالل ما يلي‪:‬‬

‫الفقرة األولى ‪ -‬خصوصية مسطرة التشريع في القانون المغربي؛‬

‫الفقرة الثانية ‪ -‬عدم وجود حكم قانوني عام وصريح يجيز مساءلة الدولة عن‬
‫ممارستها لوظيفة التشريع إسوة بمسؤوليتها عن ممارسة بباقي السلطات؛‬

‫الفقرة الثالثة ‪ -‬عدم تحديد الجهة القضائية المختصة بالنظر في طلب التعويض‪.‬‬

‫‪640‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الفقرة األولى‪ :‬خصوصية مسطرة التشريع في القانون المغربي‬

‫ال يتضمن القانون المغربي أي حكم صريح يقرر مسؤولية الدولة في مجال التشريع‪،‬‬
‫ومن ثم فإن ذلك مانع من إثارة مسؤولية الدولة في هذا اإلطار‪ .‬غير إنه قد يقول قائل بأن‬
‫عدم وجود مثل هذا الحكم القانوني ليس مانعا أمام القضاء من االجتهاد على هذا الصعيد‬
‫وتقرير المسؤولية‪ ،1‬ألن هذا األخير يحتك ‪ -‬خاصة إذا كان إداريا ‪ -‬بالواقع ويتفاعل معه‬
‫بسرعة مع سيرورة الزمن‪ ،‬لذلك يرى أحد الفقهاء أن القاعدة القانونية بالنسبة للقاضي ليست‬
‫إرثا من الماضي يطبقها حرفيا على الحاضر‪ ،‬وإنما هي آلية يتولى القاضي بعث الحياة‬
‫فيها لتستمر في المستقبل عن طريق ما يسمى بالتفسير القضائي اإلنشائي‪.2‬‬

‫غير أن مثل هذا القول ليس دقيقا ألن ذلك يفترض حرية مطلقة في االجتهاد‪ ،‬والحال‬
‫أن باب هذا األخير ليس مفتوحا على مصراعيه‪ ،‬بل إن له ضوابط من أهمها مراعاة‬
‫الخصوصيات‪ ،3‬إذ ال يمكن االستئناس كلية بالقوانين المقارنة أو بالفقه والقضاء المقارنين‬
‫وتبني مواقف أو آراء للقول بمسؤولية الدولة في مجال التشريع ما لم يأخذ لزوما في‬
‫الحسبان خصوصية مسطرة التشريع العادي في القانون المغربي وما يترتب عنها وجوبا من‬
‫غياب مطلق ألية إمكانية لمساءلة الدولة في مجال التشريع‪.‬‬

‫وتتجلى الخصوصية المذكورة من خالل دور المؤسسة الملكية في مجال التشريع‬


‫وعلى امتداد مراحل مسطرته‪ ،‬إذ نجد أن الفصل ‪ 15‬من دستور‪ 13‬يوليوز ‪ 1133‬ينص‬
‫على افتتاح جاللة الملك للدورات التشريعية وعلى ترأسه لها بما تتضمنه خطبه من توجيهات‬
‫تؤطر عمل البرلمان خالل الدورات التشريعية المتعاقبة‪ ،‬إضافة إلى حق الملك في طلب‬
‫القراءة الثانية للنصوص التي صوت عليها البرلمان‪.4‬‬

‫‪ 1‬أحمد محمد حشيش‪“ ،‬نظرية وظيفة القضاء” دار الفكر الجامعي ‪ ،1111،‬ص‪.391:‬‬
‫‪ 2‬الحالبي الكتاني‪“ :‬مدى مساهمة السلطة القضائية في خلق القاعدة القانونية”‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬أكدال‪ ،3390 ،‬ص‪.313‬‬
‫‪ 3‬شريفي محمد أمين "اعتبار المآالت ومراعاة الخصوصيات في االجتهاد واالفتراءات"‪ ،‬جامعة وهران‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫‪ 4‬جاء في الفصل ‪ 15‬من الدستور ما يلي‪ " :‬يعقد البرلمان جلساته أثناء دورتين في السنة‪ ،‬ويرأس الملك افتتاح الدورة األولى‪ ،‬التي تبتدئ يوم‬
‫الجمعة الثانية من شهر أكتوبر‪ ،‬وتُفتتح الدورة الثانية يوم الجمعة الثانية من شهر أبريل‪ .‬إذا استمرت جلسات البرلمان أربعة أشهر على األقل في‬
‫كل دورة‪ ،‬جاز ختم الدورة بمرسوم"‪.‬‬

‫‪641‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ويمكن للملك أن يعرض على البرلمان كل معاهدة أو اتفاقية قبل المصادقة عليها قد‬
‫تلزم مالية الدولة‪ .‬وحيث فضال عن هذا تعتبر رئاسة المجلس الوزاري من بين‬
‫االختصاصات المؤطرة دستوريا لجاللة الملك‪ ،‬مع امكانية تفويض رئيس الحكومة طبقا‬
‫للفصل ‪ 09‬من الدستور‪ ،1‬كما يحل الملك محل البرلمان في تشريع القوانين حتى في‬
‫األحوال العادية‪.‬‬

‫ونجد من الصالحيات التي يتمتع بها جاللة الملك تجاه السلطة التشريعية سلطته في‬
‫المحطة النهائية للتشريع أي من خالل مسطرة األمر بتنفيذ القانون‪ ،‬حيث يصدر جاللة‬
‫الملك األمر بتنفيذ القانون خالل الثالثين يوما التالية إلحالته على الحكومة بعد تمام الموافقة‬
‫عليه وهذا ما نص عليه نص عليه الفصل ‪ 51‬من الدستور‪.2‬‬

‫ويستتبع ذلك أن إصدار أمر بتنفيذ القانون بواسطة الظهير يعتبر عمال تشريعيا‪،‬‬
‫لكونه يرمي إلى إصدار قواعد عامة ومجردة‪ .‬ومن ثم فإن '' الظهير الملكي''‪ 3‬هو ''الشكل‬
‫أو المعيار الشكلي المندرج ضمن مسطرة التشريع والذي يعبر عن الصالحيات الدستورية‬
‫لجاللة الملك في المجال التشريعي باعتباره رئيس الدولة‪ ،‬وممثلها األسمى‪ ،‬وباعتباره أمير‬
‫المؤمنين‪ ،‬وحامي حمى الملة والدين‪ .‬وعليه فإن ''الظهير الملكي '' يفرض احترام سمو‬
‫المؤسسة الملكية‪ ،4‬ومن ثم فإن إصدار األمر لتنفيذ القانون يشا جزء من مسطرة‬
‫التشريع‪ ،‬كما أن اتخاذ صورة األمر بالتنفيذ شا ظهير يحي على حصانة هذا األخير‬
‫ضد أي طعن أو دعوى للمطالبة بالتعويض‪.‬‬

‫‪ 1‬ينص الفصل ‪ 09‬من الدستور على ما يلي‪ ”:‬يرأس الملك المجلس الوزاري الذي يتألف من رئيس الحكومة والوزراء‪ ،‬كما ينعقد المجلس الوزاري‬
‫بمبادرة الملك‪ ،‬أو بطلب من رئيس الحكومة‪ ،‬للملكـ أن يفوض لرئيس الحكومة‪ ،‬بناء على جدول أعمال محدد‪ ،‬رئاسة مجلس وزاري”‬
‫‪ 2‬يصدر الملك األمر بتنفيذ القانون خالل الثالثين يوما التالية إلحالته إلى الحكومة بعد تمام الموافقة عليه‪ .‬ينشر القانون الذي صدر األمر‬
‫بتنفيذه‪ ،‬بالجريدة الرسمية للمملكة‪ ،‬خالل أجل أقصاه شهر ابتداء من تاريخ ظهير إصداره‪.‬‬
‫‪ 3‬بشرى النية "المدخ لدراسة العلوم القانونية"‪ ،‬محاضرات جامعية‪ ،‬الموسم الجامعي ‪ 1131/1131‬ص ‪. 13‬‬
‫‪ 4‬إن مسألة الطبيعة القانونية للظهائر الملكية قد أثارت نقاشا فقهيا منذ منتصف األربعينات بعد قضية جماعة تامسكلفت بتاريخ ‪ 0‬ماي ‪3300‬‬
‫مع دولوبدير في مقاله إصالحات السلطات العمومية بالمغرب في ‪ 3309‬ومع راسين في مقاله التدابير التشريعية والتنظيمية المتخذة من طرف‬
‫السلطات الحاكمة بالمغرب في ‪ 3351‬ومحمد لحبابي في كتابه الحكومة المغربية في فجر القرن العشرين سنة ‪ 3351‬وألفيي رونار في كتابه‬
‫التجربة المغربية حول وحدة المحاكم وثنائية المنازعات سنة ‪ 3310‬ومع مشال روسي في مقاله تأمالت في االختصاصات اإلدارية للملك من خالل‬
‫الدستور المغربي لسنة ‪ 3311‬وديكرو في مقاله ملك المغرب‪ ،‬مشرع‪ ،‬سنة ‪ 3311‬؛ وقد واصل النقاش فيما بعد بكل اهتمام وﺇفادة عدد من‬
‫المفكرين المغاربة واألجانب المختصين في المادة اإلدارية من أمثال روسي نفسه وبنجلون وبن صالح وأحمد العلمي والعنتري وبن عبد الله ومرغني‬
‫و نجاسي وبن حلمة وسرحان وآخرون‪.‬‬

‫‪642‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫بل إن من تجليات المركز الذي تحتله المؤسسة الملكية في النظام القانوني المغربي‪،‬‬
‫تكريس القضاء لحصانة الظهير الصادر عن الملك‪ ،‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬مكانة السلطان‬
‫بالمغرب التي تتحدد في جانب منها انطالقا من ''نظرية اإلمامة'' التي تخول لجاللة الملك‬
‫مركز ''القاضي األعظم'' كنتيجة مترتبة عنها‪.‬‬

‫وقد راعى المشرع الدستوري‪ ،‬عند اختياره نموذجه القضائي وضعية '' السمو'' التي‬
‫تحتلها '' المؤسسة الملكية '' في النظام المغربي‪ ،1‬فالمركز القانوني والسياسي والديني‬
‫والتاريخي لجاللة الملك يجعل من الرقابة القضائية غير منسجمة مع الخصوصية المغربية‪،‬‬
‫وذلك من منطلق أن طبيعة تلك الرقابة البعدية تثير مجموعة من اإلشكاالت‪ ،‬من بينها مدى‬
‫أحقية إعادة النظر في '' الظهير الملكي '' الذي يصدر بموجبه القانون‪ ،‬فجاللة الملك يراقب‬
‫دستورية القانون‪ ،‬ويعد فوق ذلك قاضيا‪ ،‬إضافة إلى المرتبة التي يحتلها الظهير الملكي في‬
‫النظام القانوني المغربي‪.‬‬

‫إن '' الظهير الملكي'' يستمد ''سموه القانوني الكامل" و"حصانته القضائية الكاملة'' من‬
‫منزلة السلطة المصدرة له‪ .‬وهكذا‪ ،‬يستخلص من أحكام الدستور ومن العمل القضائي بأن‬
‫الق اررات الملكية غير قابلة ألي طعن‪ ،‬وبذلك فهي أعمال تتصف بالحصانة المطلقة‪،‬‬
‫لكونها‪ ،‬أوال‪ ،‬تدخل فيما يسمى ب'' أعمال السيادة ''‪.‬‬

‫فقد اعتبر القضاء اإلداري المغربي نفسه غير مختص أو غير مؤهل لممارسة رقابة‬
‫الحقة على ق اررات جاللة الملك‪ ،‬علما أن التصديق على القوانين هو اختصاص مقرر‬
‫لجال لته‪ ،‬ذلك أن إقرار القوانين من جانب البرلمان يستوجب التصديق الملكي لنفاذ أحكام‬
‫القانون عن طريق مسطرة اإلصدار‪ ،‬كما هو الحال مع القانون ‪ 35/11‬الذي كان موضوع‬
‫دعوى قضائية إلقرار المسؤولية عن سنه‪.‬‬

‫وهكذا‪ ،‬تنسحب حصانة الظهير الملكي ومركزه ليس فقط على المعايير التي يضعها‬
‫جاللة الملك فحسب‪ ،‬بل حتى على تلك التي تقررها األجهزة األدنى بما فيها البرلمان إذا‬

‫‪ 1‬حسن الرفاعي‪" ،‬وضعية الظهير الشريف أمام القضاء اإلداري على ضوء دستور ‪ ،"2433‬رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون العام سنة‬
‫‪ 1131 – 1133‬جامعة محمد الخامس السويسي سال‪ ،‬ص ‪.13‬‬

‫‪643‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫تمت المصادقة عليها وإصدارها بظهير‪ ،‬وهذا حال القوانين‪ ،‬وهذه هي الخصوصية التي‬
‫ُيمتنع معها إسقاط التجارب القضائية المقارنة التي تقر مسؤولية الدولة في مجال التشريع‪.‬‬

‫وينطوي ظهير األمر لتنفيذ القانون أيضا على معنى الراابة على دستورية القوانين‪،‬‬
‫بحيث إن الفص ‪ 02‬من الدستور ينص على أن جاللة الملك هو الساهر على احترام‬
‫الدستور‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فإن ظهير تنفيذ القانون هو داللة على أن القانون مطالق للدستور‪.‬‬

‫وحيث استقر القضاء المغربي منذ القديم على رفض الدعاوى المنصبة على الظهائر‬
‫والمراسيم الملكية واعتبر أنها غير صادرة عن سلطة إدارية‪ ،‬بل إن القضايا المعروفة في‬
‫هذا اإلطار بلغت حد التواتر‪ 1‬كان الطعن موجها من خاللها ضد ظهائر ملكية‪ ،‬باستثناء‬
‫قضية مزرعة عبد العزيز التي كان الطعن فيها موجها ضد مرسوم ملكي صدر أثناء حالة‬
‫االستثناء‪ .‬وفي كل هذه القضايا كان المجلس األعلى (محكمة النقض حاليا) يصرح دائما‬
‫بعدم اختصاصه‪ ،‬أو يرفض تشبيه الظهائر الملكية بالق اررات اإلدارية‪ ،‬أو يبين أن الظهير‬
‫المطعون فيه غير صادر عن سلطة إدارية‪ .‬وقد اعتبر أحمد باحنيني في تعليقه على أحد‬
‫األحكام القضائية أن الحصانة واجبة للظهائر الملكية ولكل مقرر ملكي سواء كان ذا صبغة‬
‫تنظيمية أو فردية‪.2‬‬

‫كما أكد األستاذ مجيد بنجلون خالل مرافعته أمام محكمة العدل الدولية بالهاي أثناء‬
‫نظرها في قضية الصحراء المغربية أن الظهير كلمة تعني في الواقع القانون‪ ،‬إذ إن كل قرار‬
‫تشريعي يتخذ في المغرب منذ ‪ 31‬قرنا في شكل ظهير‪ .‬كما عبر األستاذ فؤاد عمون عن‬
‫رأي مشابه فالسلطان كان في نظره يبمع السلط التشريعية والتنفيذية والروحية وكان‬
‫يمارسها لواسطة ظهائر‪.3‬‬

‫‪ 1‬قضية عبد الحميد روندا بتاريخ ‪ 39‬يونيو ‪3311‬؛ قضية السيدة ماضلين بتاريخ ‪ 39‬ماي ‪3313‬؛ قضية عبد الله بنسودة بتاريخ ‪ 35‬يوليوز‬
‫‪3311‬؛ قضية رزق التجاني في ‪ 35‬يوليوز ‪3311‬؛ قضية مزرعة عبد العزيز في ‪ 11‬مارس ‪3311‬؛ قضية التباري بن خديم في ‪ 9‬يناير ‪3313‬؛‬
‫قضية البهالي العمراني بتاريخ ‪ 31‬فبراير ‪3311‬؛ قضية عبد العزيز االزموري في ‪ 1‬ماي ‪3311‬؛ قضية أفقير مصطفى بتاريخ ‪ 11‬أكتوبر‬
‫‪3313‬؛ قضية الحسين مصلي بتاريخ ‪ 1‬دجنبر ‪3335‬؛‬
‫‪ 2‬مجموعة قضاء المجلس األعلى العدد ‪ 39‬أكتوبر ‪ 3311‬ومجلة المحاكم المغربية العدد ‪ 31‬سنة ‪.3313‬‬
‫‪ 3‬محمد أشركي "الظهير في القانون العام المغربي"‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،3393 ،‬ص ‪.351‬‬

‫‪644‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫واد استند القضاء في ك أحاامه السالف اإلشارة إليها الى أن جاللة الملك رمز‬
‫السيادة‪ ،‬ومن ثم ينسحب ذلك على ك الظهائر التي تصدر عن جاللته كيفما كانت‬
‫صورها سواء كانت ''ظهير‪ -‬مرسوم'' أو '' ظهير‪ -‬اانون''؛ أو '' أمر'' أو خطاب‪ ،‬أو‬
‫رسالة‪ ،‬إذ إن لها نفس الدرجة في التشريع المغربي‪ ،‬منذ أن تحددت سلطات مؤسسات‬
‫الدولة دستوريا‪ ،‬وهي ال تقب الطعن أمام القضاء وال المراجعة‪.‬‬

‫وحيث تبعا لكل ما سبق‪ ،‬فإن تقرير المسؤولية عن التشريع على إثر صدور القانون‬
‫غير ممكن لكونه صدر طبقا لمسطرة تشريعية تتميز بالخصوصية التي تمنع ذلك بالنظر‬
‫إلى الدور الذي تلعبه المؤسسة الملكية سواء على صعيد عرض القانون المذكور على‬
‫أنظار المجلس الوزاري أو على صعيد إصدار األمر بتنفيذه بواسطة ظهير ملكي يتمتع‬
‫بحصانة مطلقة ضد أي طعن أو دعوى تعويض‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬عدم وجود حام اانوني عام وصريح يبيز مساءلة الدولة‬
‫عن ممارستها لوظيفة التشريع إسوة بمسؤوليتها عن ممارسة لبااي السلطات‬

‫لم يخص المشرع المغربي كما هو معلوم مسؤولية الدولة في مجال التشريع بحكم‬
‫خاص يقرها بشكل عام‪ ،‬ويمكن حمل سكوت المشرع على هذا الصعيد على أنه اعتناق‬
‫لفكرة عدم مسؤولية الدولة عن ممارسة سلطاتها لوظيفة التشريع‪.1‬‬

‫وقد يقول قائل إنه ال غرابة في إقرار مسؤولية السلطة التشريعية في الدولة‪ ،‬على‬
‫غرار باقي السلطات األخرى‪ .‬وبتعبير آخر‪ ،‬فإن سلطة القضاء في الدولة‪ ،‬وعلى قدسيتها‬
‫ودورها البالغ في بناء دولة القانون‪ ،‬قد تقررت مسؤوليتها دستوريا عن أخطائها المرتبة‬
‫ألضرار‪ .‬فإذا تقررت مسؤولية السلطة القضائية على النحو السابق‪ ،‬فإنه من باب أولى أن‬
‫تتقرر مسؤولية السلطة التشريعية عن القوانين المرتبة ألضرار تلحق بحقوق المواطن‬
‫وحرياته‪ ،‬غير إن مثل هذا القول ال يرتكز على أساس سليم إذ ال َيرجح استنتاج هذا المعنى‬
‫من خالل استحضار موقف المشرع المغربي من مسؤولية الدولة عن ممارسة السلطة‬

‫‪ 1‬زكريا خليل " مسؤولية الدولة عن اعمال التشريع لين المقتضيات القانونية واالجتهاد القضائي ‪:‬دراسة في فرنسا والمغرب "أبحاث المؤتمر‬
‫السنوي الرابع تحت عنوان " القانون أداة لإلصالح والتطوير« ماي‪ ، 2017‬الملحق الخاص‪ ،‬العدد الثاني‪ ،‬نونبر ‪ 2017‬ص‪. 371‬‬

‫‪645‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫القضائية لوظيفة تحقيق العدالة والفصل في المنازعات التي تم إقرارها من خالل نص‬
‫دستوري هو الفصل‪.1 311‬‬

‫وطالما أن السلطة التشريعية تختص بالجوانب القانونية المتعلقة بشؤون الدولة ‪ -‬إذ‬
‫توكل لها مهمة سن القوانين والتشريعات التي يشتغل عليها القضاء ‪ -‬فإن إقرار المسؤولية‬
‫عن أعمال هذه السلطة من المفروض أن يتم بنص دستوري اعتبا ار لمكانتها بين سلط‬
‫الدولة‪.‬‬

‫وقد جاء في حيثيات الحكم الصادر عن المحكمة اإلدارية بفاس تحت عدد‬
‫‪ 1130/335‬وتاريخ ‪ 1130/31/35‬في الملف اإلداري رقم ‪ 1130 /1310/5‬ما يلي‪:‬‬
‫"‪ .....‬وحيث إنه واستنادا لهذه المعطيات‪ ،‬وفي غياب التنصيص دستوريا على مسؤولية‬
‫الدولة عن األعمال التشريعية‪ ،‬فإن التباطؤ في إصدار النصوص والمراسيم التنظيمية‪ ،‬ال‬
‫يشا خطأ مرفقيا‪ ،‬يخول للمتضرر حق المطالبة بالتعويض‪ ،‬فضال على أن التنصيص‬
‫على إخراجها إلى حيز الوجود‪ ،‬غير مرتبط بآجال معينة ومحددة موجبة لذلك‪ ،‬مما ياون‬
‫معه طلب الطاعن غير مبني على أساس‪ ،‬وحليفه الرفض"‪.‬‬

‫وهكذا يتبين أن المحكمة اإلدارية بفاس قد بررت عدم اختصاص القضاء اإلداري‬
‫للنظر في مثل هذه الدعاوى بمجموعة من المبررات أهمها غياب نص دستوري يقر مسؤولية‬
‫الدولة عن العمل التشريعي‪.‬‬

‫وإذا كانت مسؤولية الدولة عن أعمال ونشاطات السلطة التنفيذية ‪ -‬وهي المكون‬
‫لسلطات الدول الديمقراطية‪ ،‬إذ يأتي ترتيبها بعد السلطة التشريعية والسلطة القضائية‬
‫الثالث ُ‬
‫‪ -‬قد تم إقرارها بحكم قانوني تضمنه الفصالن ‪ 13‬و‪ 91‬من قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬فإن‬
‫أي قول بإمكانية تقرير مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة التشريعية على صعيد القانون‬
‫المغربي دون الحاجة إلى نص قانوني صريح أمر ال يستقيم وما عليه وضع مسؤولية باقي‬
‫سلطات الدولة‪.‬‬

‫‪ 1‬نص هذا الفصل على ما يلي‪« :‬يحق لكل من تضرر من خطا قضائي الحصول على تعويض تتحمله الدولة‪".‬‬

‫‪646‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ويرى أغلب الفقه أن التعويض عن خطأ التشريع ينبغي أن يتم بنص خاص وليس‬
‫بناء على أساس قواعد المسؤولية التقصيرية أو القواعد العامة‪ .1‬وقد ذهب بعض فقه القانون‬
‫اإلداري المقارن إلى أن إصدار تشريع معين مطابقا للدستور ال يجعل هذا اإلصدار خطأ‬
‫يستوجب مسؤولية الدولة‪ .2‬وقد رسخ القضاء المقارن في هذا اإلطار ‪ -‬خاصة مجلس‬
‫الدولة الفرنسي حسب ما جاء في ق ارراته حين مناقشة قضايا مسؤولية الدولة في مجال‬
‫التشريع ‪ -‬على أن المبدأ المستقر هو عدم مسؤولية الدولة عن أعمال التشريع‪ .‬وقد كان‬
‫القرار المبدئي الصادر في سنة ‪ 1838‬والمسمى بقرار‪ Duchatellier‬أول قرار يستهل به‬
‫مجلس الدولة الفرنسي اجتهاده القضائي في هذا الصدد‪ ،‬والذي انتهى من خالله إلى عدم‬
‫مسؤولية الدولة عن الضرر الناجم عن فعل القوانين في غياب أي حكم قانوني خاص يسمح‬
‫بتعويض األضرار التي قد لحقت المخاطبين‪ .3‬كما واصل مجلس الدولة الفرنسي السير‬
‫على نفس المنوال حين رفض طلب مؤسسة احتكار أعواد الثقاب الرامي التعويض عن‬
‫الضرر الالحق بها من جراء صدور قانون بتاريخ ‪ 11‬غشت ‪ 3911‬يمنع النشاط الذي‬
‫تمارسه‪ ،‬إذ انتهى مجلس الدولة إلى أن هذه األخيرة غير مسؤولة عن إقرار القوانين التي‬
‫تمنع في إطار المصلحة العامة ممارسة صناعة معينة‪ ،‬إال إذا كانت هناك أحكام قانونية‬
‫خاصة تقر بهذه المسؤولية‪.‬‬

‫وقد رسخ مجلس الدولة على نفس التوجه وتشبت بموقفه الرافض إلقرار مسؤولية‬
‫الدولة عن التشريع فرفض في غير ما مناسبة تعويض المدعين الذين تمسكوا بوقوع أضرار‬
‫عليهم جراء صدور القوانين‪ .‬ففي سنة ‪ 1921‬طالبت مؤسسة "‪"Premier et Henry‬‬
‫لصناعة الشراب المسكر بالتعويض عن الضرر الذي لحق بها من جراء صدور قانون‬
‫بتاريخ ‪ 31‬مارس ‪ 3335‬منع صناعة الشراب المسكر‪ ،‬إال أن مجلس الدولة رفض الدعوى‬
‫مؤسسا رفضه على إرادة المشرع الرافضة للمسؤولية والمستمدة من كون قانون ‪31‬مارس‬
‫‪ 3335‬هو عبارة عن إجراء عام اتخذ فقط من أجل منع صناعة المواد الخطرة المضرة‬

‫‪ 1‬غازي فيصل " المحامة االتحادية العليا واختصاصها بالراابة على دستورية القوانين"‪ ،‬بيت الحكمة‪ ،‬بغداد‪ ،‬ص ‪.13‬‬
‫‪2 JOHIN Olivier « La responsabilité de l'Etat en tant que législateur », op. cit p 600.‬‬
‫محمد مفضي معاقبة وأسامة احمد النعيمات‪" ،‬التعويض اإلداري لين القانونين المدني واإلداري "‪ ،‬مجلة دراسات‪ ،‬المجلد ‪ ،03‬العدد األول‪1130 ،‬‬
‫ص ‪.130‬‬
‫‪3 Marceau Long et autres, Les grands arrêts de la jurisprudence administrative", actu.dalloz-etudiant.fr.‬‬

‫‪647‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫بالصحة العمومية ولم ينص على أي تعويض‪ ،‬فاستخلص مجلس الدولة من إرادة المشرع‬
‫عدم رغبته تعويض المدعية‪.1‬‬

‫وهكذا فإن تحليل هذا االجتهاد المقارن يسمح بمالحظة أنه اشترط لقيام المسؤولية‬
‫اعتراف المشرع بها وإقرارها إما بحكم قانوني عام وصريح‪ ،‬وإما بنص خاص يدرج في‬
‫صلب أحكام القوانين بحسب األحوال‪ ،‬أي أنه أرجع سلطة تقرير هذه المسؤولية إلى المشرع‬
‫نفسه‪ ،‬خوفا من وضع نظام لمسؤولية الدولة عن فعل القوانين ذي أصول قضائية ينطوي‬
‫على مخالفة كبيرة لمبدأ فصل السلط يفضي إلى تخطئة المشرع بالنحو الذي يؤثر على مبدأ‬
‫االمن القانوني ويخل بمبدأ استقرار المراكز القانونية‪.‬‬

‫كما اعتبر الفقه أن المشرع هو الذي يمكنه وحده أن يقدر هذا التعويض بنص صريح‬
‫يأخذ في الحسبان طبيعة وجسامة الضرر وحاجات الدولة الضرورية ومصادرها فيما إذا كان‬
‫يقبل فرض هذا التعويض‪ ،‬وذلك على اعتبار أن الجهات القضائية ال يمكنها الحلول محل‬
‫‪.2‬‬
‫المشرع ألن األصل هو احترم إرادة المشرع سواء عبر عنها صراحة أو ضمنا‬

‫وحيث من ثم فإن المشرع هو الذي يحدد مدى وجود إمكانية لتعويض الضرر الذي‬
‫قد ينجم عن عملية التشريع‪ ،‬بل بإمكانه رفض وإنكار وجود هذه اإلمكانية مطلقا أيا كان‬
‫حجم وجسامة تلك األضرار‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬عدم تحديد البهة القضائية المختصة بالنظر في طلب‬


‫التعويض‬

‫أسند الدستور المغربي للبرلمان بغرفتيه اختصاص سن التشريع‪ ،‬كما حدد مدى‬
‫ونطاق هذه السلطة على سبيل الحصر من خالل الفصلين ‪ 11‬و‪ 13‬من الدستور‪ ،‬واعتبر‬
‫أن المجال التنظيمي يختص بالمواد التي ال يشملها اختصاص القانون وهي تحديدا تلك التي‬
‫عددها الفصل ‪ 11‬من الدستور‪.‬‬

‫‪1 Pierre BRUNET, «De la responsabilité de l’Etat législateur, Thèse, paris, 1936, p. 331.‬‬
‫‪2 Marceau Long et autres Les grands arrêts de la jurisprudence administrative", actu.dalloz-etudiant.fr.‬‬
‫رأفت فودة " دروس في اضاء المسؤولية اإلدارية" مرجع سابق‪ ،‬ص‪.119‬‬

‫‪648‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ويالحظ من خالل الرجوع إلى الدستور المغربي أنه يخول للمحكمة الدستورية سلطة‬
‫مراقبة العمل التشريعي‪ ،‬حيث ينص الفصل ‪ 311‬على إلزام رئيس الحكومة بإحالة القوانين‬
‫التنظيمية على هذه المحكمة قصد البت في دستوريتها قبل إصدار األمر بتنفيذها‪ ،‬وتبت‬
‫المحكمة الدستورية في مطابقة القانون التنظيمي للدستور داخل أجل ‪ 11‬يوما من تاريخ‬
‫اإلحالة‪ ،‬أو في غضون ثمانية أيام في حالة االستعجال‪ ،‬وفي حالة نشر قرار المحكمة بعدم‬
‫دستورية مادة من مواد القانون التنظيمي أو هذا القانون برمته‪ ،‬ال يصدر األمر بتنفيذه‪.‬‬

‫كما ينص الفصل ‪ 311‬على اختصاص المحكمة الدستورية بالنظر في كل دفع‬


‫متعلق بعدم دستورية قانون أثير أثناء النظر في قضية‪ ،‬وذلك إذا دفع أحد األطراف بأن‬
‫القانون الذي سيطبق على النزاع يمس بالحقوق والحريات التي يضمنها الدستور‪ ،‬على أن‬
‫يصدر قانون تنظيمي يحدد شروط وإجراءات تطبيق هذا الفصل‪.‬‬

‫وإذا كان الدستور قد خول للمحكمة الدستورية إمكانية مراقبة دستورية القوانين الصادرة‬
‫عن البرلمان‪ ،‬فإن التساؤل يثار حول الحالة التي يحكم فيها بعدم دستورية قانون معين‪ ،‬فهل‬
‫يمكن أن يتم االستناد على حكم المحكمة الدستورية إلثبات خطأ الدولة والمطالبة‬
‫بالتعويض؟ وما هي المحكمة المختصة بذلك؟‬

‫جوابا على هذا السؤال‪ ،‬يمكن مالحظة أن القانون المغربي خال من أي نص يجيز‬
‫ذلك‪ .‬لذا يمكن القول‪ ،‬وتطبيقا للمبادئ العامة للمسؤولية‪ ،‬أنه يمكن من الناحية النظرية‬
‫المطالبة أمام القضاء بالتعويض عن الضرر الخاص والجسيم الناتج عن تطبيق القانون‬
‫الذي حك م بعدم دستوريته‪ ،‬ما دام أن األصل هو إمكانية الرجوع إلى القضاء للمطالبة‬
‫بالتعويض عن أي فعل ضار‪ ،‬كما أنه واستنادا إلى قواعد المسؤولية يمكن القول باختصاص‬
‫القضاء اإلداري في هذا المجال‪.‬‬

‫غير أنه‪ ،‬وفي غياب نص صريح يفصل في هذه المسألة‪ ،‬يبقى األمر مرتبطا بأحكام‬
‫الق وانين المنظمة للدفع بعدم الدستورية‪ ،‬وبالنوازل المستقبلية التي ستعرض على القضاء‬
‫ليقول فيها كلمته ويحدد توجهه بشأنها‪ .‬أما بالنسبة لعدم سن قانون معين ترتب عنه ضرر‬

‫‪649‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫أصاب األفراد‪ ،‬فيظل التساؤل مطروحا بحدة بشأن إمكانية المطالبة بالتعويض عن هذا‬
‫الفعل السلبي أمام القضاء اإلداري؟‬

‫ويبدو ‪ -‬جوابا على هذا السؤال ‪ -‬أن البرلمان غير مقيد في عمله التشريعي بإصدار‬
‫قوانين بعينها‪ ،‬ومن ثم ال يمكن الحديث عن إمكانية مساءلته قضائيا عن ذلك‪ ،‬إال ما تعلق‬
‫بالمساءلة السياسية‪ ،‬غير أنه في بعض الحاالت ينص الدستور على ضرورة إصدار بعض‬
‫القوانين وداخل أجل محدد‪ ،‬كما ينص على تخويل بعض الحقوق والحريات ويحدد أجال‬
‫لصدور قانون تنظيمي يحدد كيفيات ممارسة هذه الحقوق‪ ،‬فهل يعتبر عدم إصدار هذه‬
‫القوانين خطأ موجبا للمطالبة بالتعويض أمام القضاء اإلداري؟‬

‫سعيا للتوصل إلى جواب منصف‪ ،‬ينبغي االستعانة ببعض المنازعات التي سبق‬
‫وأثيرت أمام المحكمة اإلدارية بالرباط حول الطعن في ق اررات االقتطاع من األجور التي‬
‫قامت بها الدولة في مواجهة المضربين عن العمل‪ ،‬والتي دفع المضربون خاللها بأن تغيبهم‬
‫كان مشروعا ألن المشاركة في اإلضراب ‪ -‬باعتباره حقا دستوريا ‪ -‬ال يعتبر عمال غير‬
‫مشروع‪ ،‬وأن الدولة هي من تتحم مسؤولية عدم إصدارها نصا تنظيميا يحدد كفيات‬
‫ممارسة هذا الحق‪ ،‬غير أن المحكمة لم تساير هذا الدفع‪ ،‬واعتبرت بأن االقتطاع مشروع‬
‫وذلك تفعيال لقواعد قانون المحاسبة العمومية التي تنص على أن األجر يؤدى مقابل العمل‪.‬‬

‫ويبدو أن موقف المحكمة اإلدارية بالرباط ينطوي على جواب بالنفي على التساؤل‬
‫المطروح آنفا‪ ،‬ومن ثم فإن الدفع بمسؤولية الدولة عن عدم إصدار القانون التنظيمي المتعلق‬
‫باإلضراب ليس معتب ار ومقبوال أمام القضاء اإلداري‪.‬‬

‫أوال‪ :‬عدم وجود حام اانوني صريح يسمح بمساءلة الدولة عن األضرار‬
‫المنسوبة ألحد سلطاتها حين ممارسة وظيفة التشريع‬

‫يعتبر البحث في مسألة تحديد الجهة القضائية المختصة بالنظر في الدعاوى التي‬
‫تروم كشف مسؤولية الدولة في مجال التشريع مسألة سابقة ألوانها على اعتبار أن هذه‬
‫األخيرة لم تقرر أصال في ظل عدم وجود أي حكم قانوني يسن هذه المسؤولية على خالف‬
‫اإلقرار الصريح بالمسؤولية عن األخطاء القضائية المقرر من خالل أحكام الفصل ‪ 311‬من‬

‫‪650‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الدستور‪ ،‬أو على صعيد التشريع العادي كما هو الشأن مع أحكام المادتين ‪ 13‬و‪ 91‬من‬
‫قانون االلتزامات والعقود اللتان تقران المسؤولية عن أعمال ونشاطات السلطة التنفيذية‪.‬‬

‫ويظل ‪ -‬باستحضار هذا المعطى ‪ -‬قبول المحاكم اإلدارية النظر في دعوى‬


‫المسؤولية عن األضرار الناجمة عن ممارسة وظيفة التشريع إسوة ببعض مواقف القضاء‬
‫المقارن‪ 1‬منطويا على تأكيد انعقاد اختصاصها النوعي للبت في المنازعة في الوقت الذي ال‬
‫يوجد فيه أي حكم قانوني ‪ -‬كيفما كانت تراتبية النص الذي يتضمنه ‪ -‬يقر فيه المشرع‬
‫بشكل واضح وصريح بجواز مساءلة الدولة في مجال التشريع‪ .‬بل إن البت في المنازعات‬
‫على هذه الحال ينطوي على محذور يتجلى في ممارسة االختصاص التشريعي الذي يعد‬
‫اختصاصا أصيال وحصريا للسلطة التشريعية‪.‬‬

‫وقد يوقع هذا األمر القضاء في مخالفة مزدوجة لمبدأ الفصل بين السلط تتجلى على‬
‫صعيدين أولهما التصريح بدل المشرع بإمكانية مساءلة الدولة عن التشريع‪ ،‬أما ثانيهما‬
‫فيتجلى في تحديد الجهة القضائية المختصة دون أن يتضمن القانون أحكاما خاصة في هذا‬
‫الصدد‪ .‬بل إن عدم سن حكم قانوني يعين القضاء المختص بالبت في الدعاوى الرامية إلى‬
‫التصريح بمسؤولية الدولة في مجال التشريع يعتبر أحد المبررات القوية للقول بعدم تقرير‬
‫هذه المسؤولية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬عدم وجود حام اانوني صريح يحدد البهة القضائية المختصة‬
‫بالبت في طلبات التعويض عن أضرار ناجمة عن ممارسة وظيفة التشريع على‬
‫فرض التسليم لوجود حام اانوني يقر المسؤولية عن هذه الوظيفة‬

‫على فرض التسليم بوجود حكم قانوني صريح يجيز مساءلة الدولة عن أعمال السلطة‬
‫التشريعية‪ ،‬فإن أحكام قانون المسطرة المدنية خالية كما سبق الذكر من أي حكم يعين أو‬
‫يساعد على التحديد المباشر للجهة القضائية المختصة بالنظر في هذا النوع من الدعاوى‪.‬‬
‫بل حتى مع افتراض قبول المشرع بإمكانية مساءلة الدولة عن فعل القوانين‪ ،‬فإن بعض‬

‫‪1 T. conflit., 31 mars 2008, n° 3631, Société Boiron c/ Direction générale des douanes et droits indirects, au‬‬
‫‪Lebon 553 ; RJEP août-sept. 2008, p. 18, note M. Collet.‬‬

‫‪651‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫اآلراء الفقهية تعتبر أن الحل األفضل على صعيد تحديد الجهة المختصة بالبت في مثل‬
‫هذه الدعوى يظل هو إسناد االختصاص القضائي إلى المحاكم الدستورية‪ ،‬بل اعتبرت ذات‬
‫اآلراء أن قوانين المحاكم المذكورة ينبغي أن تتضمن التنصيص صراحة على اختصاص‬
‫البت في طلبات التعويض عن أعمال السلطة التشريعية باعتبارها المحكمة المختصة‬
‫بالرقابة على دستورية القوانين‪.‬‬

‫وقد استقت هذا اآلراء حجتها من كون المحاكم المذكورة هي التي تتولى البت في‬
‫القوانين المعروضة عليها‪ ،‬فإن أصدرت قرارها بمطابقة القوانين المذكورة للدستور كان طلب‬
‫التعويض في غير محله‪ .‬وعلى هذا األساس فإن إصدار تشريع معين مطابقا للدستور ال‬
‫يجعل هذا اإلصدار خطأ يستوجب مسؤولية الدولة‪ .1‬أما إن بتت المحكمة بعدم دستورية‬
‫القانون المعروض عليها‪ ،‬فإنها تنتقل حينها إلى البت في طلب التعويض لكونها الجهة التي‬
‫تضطلع على أوجه مخالفة القانون المطعون فيه للدستور واألقدر على تقدير وجه الضرر‬
‫الذي أصاب الجهة الطاعنة‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬عدم استيعاب حام المادة الثامنة من القانون ‪ 03-74‬المحدثة‬


‫بموجبه محاكم إدارية ألي اول مفترض باختصاص المحاكم اإلدارية بالبت في‬
‫النازلة‬

‫على فرض القبول باختصاص محتمل للقضاء اإلداري للبت في الطلبات الرامية إلى‬
‫التعويض عن ضرر التشريع‪ ،‬فإن الصعوبة التي قد تثور على هذا الصعيد هي عدم‬
‫إمكانية إدراج الطلب الحالي ضمن نطاق تطبيق المادة الثامنة من القانون ‪ 03/31‬المحدثة‬
‫بموجبه المحاكم اإلدارية‪ 2‬التي يتبين من مقتضاها أن المحاكم اإلدارية تختص نوعيا بالبت‬
‫في قضايا محددة على سبيل الحصر ومن بينها دعاوى التعويض عن األضرار التي تسببها‬
‫أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام‪.‬‬

‫‪1 Gohin, Olivier «La responsabilité de l'Etat en tant que législateur", op cit, p 600.‬‬
‫‪ -2‬جاء في هذه المادة ما يلي‪ " :‬تختص المحاكم اإلدارية‪ ،‬مع مراعاة أحكام المادتين ‪ 3‬و‪ 33‬من هذا القانون‪ ،‬بالبت ابتدائيا في طلبات إلغاء‬
‫قرارات السلطات اإلدارية بسبب تجاوز السلطة وفي النزاعات المتعلقة بالعقود اإلدارية ودعاوي التعويض عن األضرار التي تسببها أعمال ونشاطات‬
‫أشخاص القانون العام‪ ،‬ماعدا األضرار التي تسببها في الطريق العام مركبات أيا كان نوعها يملكها شخص من أشخاص القانون العام…"‪.‬‬

‫‪652‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وبما إن الدعاوى التي رفعت أمام القضاء المغربي كانت ترمي كما سبق الذكر إلى‬
‫التعويض عن ضرر ناجم عن اعتماد نص تشريعي‪ ،‬فإن التساؤل يطرح بعمق األمر عن‬
‫طبيعة هذا القانون‪ .‬فهل يمكن تكييف النصوص القانونية ‪ -‬باعتبارها تشريعا‪ -‬على أنها‬
‫عمل ونشاط صادر عن المؤسسة النيابية تختص المحاكم اإلدارية بالنظر في الدعاوى‬
‫المتعلقة به؟ أم أنه ذو طبيعة خاصة تستوجب القول بخالف ذلك‪.‬‬

‫الستجالء موقف القضاء من هذه اإلشكالية نورد بعض حيثيات الحكم عدد ‪111‬‬
‫الصادر بتاريخ‪ 19 :‬مارس‪ 1131‬في الملف عدد‪ 13-31-151 :‬عن المحكمة االدارية‬
‫بالرباط‪ ،‬جاء فيه ما يلي‪ " :‬في االختصاص النوعي‪ :‬حيث إن االختصاص النوعي يعتبر‬
‫من النظام العام وعلى المحكمة المعروض عليها النزاع أن تبث فيه بحكم مستقل‪.‬‬

‫حيث يهدف الطلب إلى الحكم بمسؤولية الدولة المغربية في شخص الوزير األول عن عدم‬
‫إصداره مرسوما يحدد أجرة العدول ضمن االختصاصات الممنوحة له في إطار المادة ‪11‬‬
‫من الدستور‪.‬‬
‫وحيث تمسكت المدخلة في الدعوى المسماة لطيفة الدريج بعدم االختصاص النوعي الموجب‬
‫لهذه المحكمة البت في الطلب‪.‬‬
‫وحيث تنص المادة ‪ 8‬من القانون ‪ 03-74‬المحدثة بموجبه محاكم إدارية على أن‬
‫المحامة اإلدارية مختصة في التعويض عن األضرار المترتبة عن نشاطات أشخاص‬
‫القانون العام‪ ،‬وأن عدم إصدار المراسيم التنظيمية التي تبقى من صميم اختصاص الوزير‬
‫األول‪ ،‬باعتباره أحد أشخاص القانون العام‪ ،‬ومن ثم إحبامه عن إصدار المرسوم المذكور‬
‫يعتبر نشاطا سلبيا من جانبه واألضرار المترتبة عن ذلك يبقى التعويض عنها من صميم‬
‫اختصاص هذه المحامة للبت فيها مما يتبعن التصريح بانعقاد اختصاصها‪" .‬‬

‫وقد أكدت محكمة النقض موقف المحكمة اإلدارية بالرباط من خالل قرارها عدد‬
‫‪ 3/59‬الصادر بتاريخ ‪ 11‬يناير ‪ 1133‬في الملف االداري عدد ‪ ،1133/3/0/31‬الذي‬
‫جاء في حيثياته ما يلي‪ " :‬لكن حيث إن الدعوى الماثلة تدخ في خانة االختصاصات‬
‫الموكولة لبهة القضاء االداري‪ ،‬ذلك أنها ترمي إلى تعويض الضرر الحاص للمدعين من‬
‫جراء عدم تفعي نص اانوني عن طريق إصدار مرسوم تنظيمي يبين كيفيات تحديد أجور‬
‫‪653‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫العدول طبقا للنصوص التي أوردها الطالبون بمقالهم‪ ،‬األمر الذي يمان أن ياون له‬
‫تأثير على مسار الدعوى التي ادمها المدعون للمطالبة بشفعة البزء الذي باعه شرياهم‬
‫األمر الذي يبع االختصاص موكوال للقضاء االداري‪".‬‬

‫وقبل مناقشة موقف القضاء على هذا الصعيد ينبغي فهم طبيعة التشريع والتأكيد بداية‬
‫على أن الدولة تمارس وفقاً لمبدأ الفصل بين السلطات ثالث مهام أو وظائف هي الوظيفة‬
‫التشريعية والوظيفة القضائية والوظيفة التنفيذية‪.‬‬

‫وهكذا إذا كانت الوظيفة التنفيذية أو النشاط اإلداري للدولة يتمثل في أعمال اإلدارة‬
‫اليومية للمرافق العامة التي تستهدف الحاجات العامة اليومية المتكررة للجمهور‪ ،‬فإن‬
‫الوظيفة التشريعية للدولة أو النشاط التشريعي تتجلى في وضع القواعد العامة المجردة التي‬
‫تحكم النشاط الفردي والنشاط العام للمجتمع على حد سواء كما سبق الذكر‪ ،‬من ثم يتميز‬
‫النشاط اإلداري عن التشريع في أنه يتسم باالستم اررية والتجدد‪.1‬‬

‫ويترتب على المقارنة أعاله‪ ،‬أن لفظتي "أعمال ونشاطات" الواردتين في متن المادة‬
‫الثامنة ال تستوعبان التشريع بمختلف مراتبه‪ ،‬األمر الذي يعني أن أحكام المادة المذكورة من‬
‫القانون المحدث للمحاكم اإلدارية ال تنطبق على دعاوى المسؤولية عن األضرار التي قد‬
‫تنجم عنه علما أن بعض التشريعات ذهب أبعد من هذا كالتشريع العراقي مثال الذي يجعل‬
‫من المحاكم الدستورية الجهة المختصة بالبت في الدعاوى المتعلقة بالمسؤولية عن التشريع‬
‫الفرعي‪ ،‬كما تعكس ذلك المادة ‪ 31‬من الدستور االتحادي لسنة ‪ ،1115‬بل إن القضاء‬
‫العراقي أعمل حكم هذه المادة م ار ار حين قضى برفض دعاوى التعويض عن األضرار‬
‫الناجمة عن الق اررات اإلدارية معتب ار إياها عمال تشريعيا يخرج عن اختصاص القضاء‬
‫اإلداري‪.2‬‬

‫وانطالقا مما سبق‪ ،‬فإن القضاء اإلداري ال يمكن أن يبسط واليته للنظر في المنازعة‬
‫التي ترمي إلى المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي رتبه التشريع وذلك لالعتبارين التاليين‪:‬‬

‫‪ 1‬عبد الرحمان رحيم عبد الله " التمييز لين القرار اإلداري والعم التشريعي" دراسة ضمن مجموعة بحوث قانونية من منشورات مركز أبحاث‬
‫القانون المقارن‪ ،‬أربيل‪ 1113 ،‬ص ‪.351‬‬
‫‪ 2‬وسام صبار العاني " االختصاص التشريعي لإلدارة في األحوال العادية"‪ ،‬دار الميناء للطباعة‪ ،1111 ،‬ص ‪.11‬‬

‫‪654‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫اتتصا‬ ‫التي يستند إليها لتحديد مد‬ ‫االعتبار األول‪ :‬أن من بين أهم األس‬
‫القضاء اإلداري هو الوقوف على طبيعة النشاط موضوع المساءلة‪ .‬وأن القراءة السليمة‬
‫للمادة الثامنة السابقة الذكر واستحضار مبادئ القانون اإلداري والدستوري عند تحديد مفهوم‬
‫النشاط الخاضع لرقابة القضاء اإلداري يحيلنا إلى نقطتين أساسيتين وجوهريتين هما‪:‬‬
‫القضاء اإلداري دون‬ ‫‪ ‬أن النشاط اإلداري هو ما يدتل فقط ضمن اتتصا‬
‫غيره من األنشطة غير اإلدارية للحكومة والتي تظل مستثناة من مراقبة القضاء‬
‫اإلداري‪ ،‬كما هو الشأن بالنسبة للنشاطات التي تدتل ضمن مفهوم الوظيفة‬
‫التشريعية والوظيفة القضائية‪.‬‬
‫القضاء‬ ‫‪ ‬أن جزء يسي ار فقط من نشاط اإلدارة هو الذي يدتل ضمن اتتصا‬
‫اإلداري‪ ،‬على اعتبار أن األنشطة اإلدارية ليست كلها بطبيعتها تاضعة لقواعد‬
‫التي ينبني عليها القانون اإلداري‪.‬‬ ‫القانون العام ولألس‬
‫‪ ‬أن االعتماد على المعيار الشكلي أو العضوي أمر أضحى متجاو از عند تحديد‬
‫القانون العام‪ ،‬إذ أن العبرة بالمعيار‬ ‫طبيعة النشاط الصادر عن أشخا‬
‫الوظيفي أي بماهية النشاط وطبيعته‪ .‬ومن ثم فإن هناك بعض األنشطة التي قد‬
‫القضاء اإلداري‬ ‫السلطات العامة والتي تخرج عن اتتصا‬ ‫تمارسها إحد‬
‫وعلى رأسها أعمال الحكومة »‪ ،«actes de gouvernements‬التي أكد فقه‬
‫القضاء اإلداري لكونها ال تحمل‬ ‫القانون اإلداري أنها ال تدتل ضمن اتتصا‬
‫طابع النشاطات اإلدارية‪ .‬وقد ميز الفقه بين صنفين من هذه األعمال أولها‬
‫تمارسها الحكومة في عالقتها الدولية وثانيها والتي تعتبر ذات وظيفة تشريعية‬
‫القضاء اإلداري‪،‬‬ ‫استقر القضاء الفرنسي على أنها ال تدتل ضمن اتتصا‬
‫الدولة‬ ‫وهو ما نجده مجسدا من تالل القراءة في القرار الصادر عن مجل‬
‫الفرنسي بتاريخ ‪ 29‬نوفمبر ‪ 1968‬قضية » ‪ « Tallagrand‬والذي من تالله‬
‫تحاسب الدولة على عدم‬ ‫أكد القاضي عدم اتتصاصه للنظر في دعو‬
‫إصدارها مشروعا للقانون يحدد قيمة وإجراءات التعويض وفقا لما ينص عليه‬

‫‪655‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫القانون المؤرخ في ‪ 1961/12/26‬المتعلق باستقبال وإعادة إسكان الفرنسيين‬


‫العائدين من أراضي وراء البحار‪. 1‬‬

‫االعتبار الثاني‪ :‬أن الرقابة التي تخضع لها أعمال الحكومة هي رقابة جاللة الملك‬
‫ورقابة البرلمان وفقا ألحكام الفصل ‪ 60‬من الدستور‪ ،‬كما أن القراءة في الفصل ‪ 66‬من‬
‫الوزاري أي‬ ‫الدستور تؤكد أن إصدار المراسيم التنظيمية ال يتم إال بعد إحالتها على المجل‬
‫على أنظار الجناب الشريف‪.‬‬

‫الخأأاتمة‬

‫لقد أتاح لنا هذا البحث االطالع على موقف القضاء المغربي من مسؤولية الدولة عن‬
‫ممارسة وظيفة التشريع وب عض تطبيقاته في هذا السياق‪ ،‬وقد تبين لنا أنه لم يستطع إلى حد‬
‫ما أن يقيم نظاما لمساءلة الدولة عن األضرار الناجمة عن القوانين التي تصدرها السلطة‬
‫التشريعية‪ ،‬بل بقي متحفظا وظل دائما يحافظ على تشبته الصارم بشروط منح التعويض‬
‫عن أضرار القوانين من جهة‪ ،‬إذ لم يستطع القضاء أبدا على بناء المسؤولية على الخطأ‬
‫المباشر للسلطة التشريعية إسوة بمحاوالت القضاء المقارن في هذا الصدد‪.‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪«si le requérant soutient que sa demande en réparation trouve son fondement dans l’abstention du‬‬
‫‪Gouvernement qui n’a pas déposé le projet de loi annoncé en ce qui concerne les Français rapatriés d’Algérie‬‬
‫‪, la question ainsi soulevée qui se rattache aux rapports du pouvoir exécutif avec le parlement n’est pas‬‬
‫‪susceptible par sa nature d’être portée devant le juge administratif » .‬‬

‫‪656‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫مسؤولية الدولة عن الحوادث المدرسية في ضوء‬


‫القضاء و إاشكالية االختصاص أالنوعي‬
‫من إعداد الستاذ عبد الله اوبها‪،‬‬
‫إطار بالوكالة القضائية للمملكة‬
‫مقدمة‬

‫يقصد بالحوادث المدرسية كل اإلصابات الجسدية التي تلحق التلميذ بفعل غير إرادي‬
‫من طرفه‪ ،‬أو الناتجة عن فعل فجائي أو بسبب خارجي‪ ،‬أثناء وجوده في عهدة األطر‬
‫التربوية للمؤسسة التعليمية من رجال تعليم وغيرهم‪ ،‬ويكون هؤالء على هذا األساس مسؤولون‬
‫عن الضرر الحاصل لألشخاص اللذين تحت عهدتهم‪ ،‬والذي يتعرضون له خالل الوقت‬
‫الذين يوجدون فيه تحت رقابتهم وإشرافهم‪.‬‬

‫وتندرج مسؤولية الدولة عن الحوادث المدرسية في إطار المسؤولية التقصيرية عن فعل‬


‫الغير‪ ،1‬وهذه المسؤولية مقررة بمقتضى الظهير الشريف الصادر بتاريخ ‪ 11‬أكتوبر‬
‫‪ ،23301‬وكذا بمقتضى الفصل ‪ 95‬مكرر من قانون االلتزامات و العقود‪.‬‬

‫غير أنه برجوعنا إلى الظهائر الشريفة الصادرة بتاريخ ‪ 33‬غشت ‪ ، 3301‬و ‪ 31‬مايو‬
‫‪ ،3351‬و ‪ 33‬مايو ‪ ،3350‬و ‪ 19‬مارس ‪ 3359‬و ‪ 31‬يونيو ‪ 3313‬و ‪ 33‬شتنبر‬
‫‪ ،3311‬أضحى ضمان الدولة عن الحوادث المدرسية يشمل كذلك طلبة الكليات و مؤسسات‬
‫التعليم العالي و التقني ومؤسسات التعليم الفني في الوقت الذي يتواجدون فيه تحت الحراسة‬
‫‪3‬‬
‫الفعلية لمسؤوليهم التربويين‪.‬‬

‫‪ 1‬وتعتبر المسؤولية عن فعل الغير استثناء من القاعدة العامة األصيلة‪ ،‬مفادها أن اإلنسان ال يسأل إال عن فعله الشخصي‪.‬‬
‫‪2‬ويتعلق األمر بالظهير الشريف المؤرخ في ‪ 3301/31/11‬والمتعلق بالتعويض عن الحوادث المدرسية‪ ،‬وبموجبه تم إضافة الفصل ‪ 95‬مكرر إلى‬
‫قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬ودخل هذا الظهير حيز التنفيذ بعد صدوره في الجريدة الرسمية بتاريخ ‪ 0‬دجنبر ‪.3301‬‬
‫‪3‬المختار بن أحمد عطار‪ :‬الوسيط في القانون المدني‪ ،‬مصادر االلتزامات‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ ،1111‬ص ‪.111‬‬

‫‪657‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫فالحوادث المدرسية إذن‪ ،‬تكتسي أهمية قصوى بالنظر الرتباطها بمسؤولية اإلدارة في‬
‫الحوادث التي يكون ضحيتها التالميذ والطلبة داخل المؤسسة التعليمية وتحت الحراسة الفعلية‬
‫للمكلفين بهذه المهمة‪.‬‬

‫ويثير موضوع مسؤولية الدولة عن الحوادث المدرسية جملة من اإلشكاالت القانونية‬


‫سنعمل على مناقشتها بموجب هذه الدراسة ولعل أبرزها إشكال التضارب القضائي بشأن‬
‫الجهة القضائية المختصة نوعيا للبث في منازعات المسؤولية عن الحوادث المدرسية‪ ،‬بين‬
‫من يعتبر من المحاكم الوطنية أن االختصاص ينعقد للمحاكم العادية‪ ،‬وتوجه قضائي آخر‬
‫يسند االختصاص في مثل هذه الحوادث للقضاء اإلداري؟‬

‫فما سبب هذا التضارب القضائي في االختصاص؟ وبماذا يعلل كل توجه قضائي‬
‫موقفه في االختصاص النوعي بشأن مسؤولية الدولة عن الحوادث المدرسية؟‬

‫ومن بين النقط القانونية التي يثيرها موضوع الحوادث المدرسية كذلك‪ ،‬تلك المتعلق‬
‫بمدى إمكانية مساءلة الدولة عن الحوادث المدرسية في التعليم عن بعد‪ ،‬سيما بعد إقرار‬
‫الو ازرة الوصية عن قطاع التربية والتعليم لمنظومة للتعليم عن بعد محل التعليم الحضوري في‬
‫ظل الوضع الصحي الراهن المتسم بتفشي جائحة كورونا؟‬

‫وإلحاطة بمعظم النقط القانونية التي يثيرها موضوع مسؤولية الدولة عن الحوادث‬
‫المدرسية على ضوء القضاء المغربي‪ ،‬ارتأينا معالجة هذا الموضوع وفق الخطة اآلتية‪:‬‬

‫المحور األول‪ :‬األساس القانوني لمسؤولية الدولة عن الحوادث المدرسية وشروط‬


‫قيامها؛‬

‫المحور الثانية‪ :‬مدى إمكانية مساءلة الدولة عن الحوادث المدرسية في نظام التعليم عن بعد؛‬

‫المحور الثالث‪ :‬التضارب القضائي بشأن االختصاص النوعي في دعاوي المسؤولية عن‬
‫الحوادث المدرسية‪.‬‬

‫المحور األول‪ :‬األساس القانوني لمسؤولية الدولة عن الحوادث المدرسية‬


‫وشروط قيامها‬
‫‪658‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫تعتبر المسؤولية اإلدارية عن الحوادث المدرسية من أهم أنواع المسؤولية عن فعل الغير‬
‫والتي نظمها المشرع المغربي بشكل محكم سواء في إطار القواعد العامة‪ ،‬أو إطار نصوص‬
‫خاصة‪.‬‬

‫وعلى هذا األساس سنعمل خالل هذا المحور على التطرق لإلطار القانوني لمسؤولية‬
‫الدولة عن الحوادث المدرسية (أوال)‪ ،‬على أساس أن نتناول للشروط والضوابط القانونية‬
‫الالزمة لقيام هذه المسؤولية (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬اإلطار القانوني لمسؤولية الدولة عن الحوادث المدرسية‬

‫تتأطر مسؤولية الدولة عن الحوادث المدرسية بموجب مجموعة من النصوص القانونية‪،‬‬


‫منها ما هو وارد في إطار القواعد العامة المضمنة في قانون االلتزامات والعقود ونخص‬
‫بالذكر مقتضيات الفصل ‪ 95‬مكرر (الفقرة األولى)‪ ،‬ومنها ما هو مضمن في نصوص‬
‫خاصة‪ ،‬ونتحدث هنا على الخصوص عن مقتضيات ظهير ‪ 11‬أكتوبر ‪( 3301‬الفقرة‬
‫الثانية)‪.‬‬

‫‪ -3‬المسؤولية عن الحوادث المدرسية في إطار مقتضيات الفص ‪82‬‬


‫مارر من الع‬

‫تناول المشرع المغربي المسؤولية المدنية في واقعة الحوادث المدرسية بشكل مباشر من‬
‫خالل الفصل ‪ 95‬مكرر من قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬والذي خص بالصفة المعلمين‬
‫وموظفي الشبيبة والرياضة كمسؤولين عن الضرر الحاصل من الشبان واألطفال‪ ،‬أو عن‬
‫الضرر الذي يتعرضون له خالل الوقت الذي يوجدون فيه تحت رقابتهم‪.‬‬

‫وتقوم مسؤولية اإلطار التربوي المدنية على أساس خطأ مرتكب من جانبه يجب إقامة‬
‫الدليل عليه وفقا لمبادئ المسؤولية الشخصية‪.‬‬

‫وفي هذا اإلطار تنص المادة ‪ 95‬مكرر من قانون االلتزامات والعقود على ما يلي‪:‬‬

‫‪659‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫" يسأل المعلمون وموظفو الشبيبة والرياضة عن الضرر الحاصل من األطفال والشبان خالل‬
‫الوقت اللذين يوجدون تحت رقابتهم‪.‬‬

‫والخطأ أو عدم الحيطة أو اإلهمال الذي يحتج به عليهم‪ ،‬باعتباره السبب في حصول الفعل‬
‫الضار‪ ،‬يلزم المدعي إثباته وفقا للقواعد القانونية العامة‪.‬‬

‫وفي جميع الحاالت التي تقوم فيها مسؤولية رجال التعليم العام وموظفي إدارة الشبيبة نتيجة‬
‫ارتكاب فعل ضار أو بمناسبته إما من األطفال أو من الشبان الذين عهد بهم إليهم بسبب‬
‫وظائفهم وإما ضدهم في نفس األحوال‪ ،‬وتحل مسؤولية الدولة محل مسؤولية الموظفين‬
‫السابقين‪ ،‬الذين ال تجوز مقاضاتهم أبدا أمام المحاكم المدنية من المتضرر أو من‬
‫ممثله‪."....‬‬

‫وعند استقرائنا ألغلب األحكام والق اررات القضائية الصادر في إطار مسؤولية الدولة‬
‫عن الحوادث المدرسية‪ ،‬نجدها تؤطر هذه المسؤولية على أساس مقتضيات الفصل ‪95‬‬
‫مكرر‪ ،‬ونذكر على سبيل المثال الق اررات القضائية التالية‪:‬‬

‫‪ ‬قرار محكمة النقض (المجلس األعلى سابقا) عدد ‪ 111‬الصادر بتاريخ ‪-11‬‬
‫‪ 3339-10‬والذي جاء من بين حيثياته ما يلي‪ " :‬وحيث إن مسؤولية الدولة عن‬
‫الحوادث المدرسية ينظمها الفصل ‪ 95‬مكرر من قلع الذي ينص في فقرته الثانية‬
‫على أن الخطأ وعدم الحيطة واإلهمال الذي يحتج به عليهم ‪...‬باعتباره السبب‬
‫‪1‬‬
‫في حصول الفعل الضار يلزم المدعي إثباته حسب نص الفصل المذكور‪."....‬‬
‫‪ ‬حكم المحكمة اإلدارية بالرباط عدد ‪ 3005‬الصادر بتاريخ ‪ ،1111/11/11‬ومن‬
‫بين ما جاء فيه ما يلي ‪ " :‬لكن حيث استقر االجتهاد القضائي بهذه المحكمة و‬
‫استنادا إلى الفصل ‪ 95‬مكرر من قلع أن المؤسسة التعليمية مسؤولة عن‬

‫‪1‬األمر يتعلق بالقرار عدد ‪ 111‬الصادر عن المجلس األعلى (محكمة النقض حاليا) بتاريخ ‪ 3339/10/11‬في الملف اإلداري عدد‬
‫‪ ،3111/5/3/31‬منشور بمجلة قضاء المجلس األعلى عدد ‪ ،50-51‬ص ‪.133‬‬

‫‪660‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫األضرار الالحقة بالتالميذ المسجلين استنادا إلى تقصيرها في الرقابة المفروضة‬


‫‪1‬‬
‫في األساتذة و المعلمين تجاه التالميذ‪. "...‬‬
‫‪ ‬قرار محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش عدد ‪ 1011‬بتاريخ ‪، 1135/11/11‬‬
‫ومن بين ما جاء فيه ما يلي ‪ " :‬وحيث ومن جهة أخرى ‪ ،‬ولما كان الثابت من‬
‫خالل عناصر المنازعة و معطياتها كون ابنة المستأنف عليه قد تعرضت لحادثة‬
‫سقوط داخا إعدادية لالمريم نتج عنها إصابتها بكسر على مستوى أنفها و جروح‬
‫أخرى مما يجعل النزاع الحالي يندرج في إطار التعويض عن األضرار التي‬
‫تتسبب فيها أشخاص القانون العام طبقا لمقتضيات المادة ‪ 9‬من القانون ‪-03‬‬
‫‪ 31‬المحدث للمحاكم اإلدارية ‪ ،‬وكانت مسؤولية اإلدارة عن الحوادث المدرسية‬
‫في أصلها العام تؤطرها مقتضيات الفصل ‪ 95‬مكرر من قلع والذي ينص على‬
‫‪2‬‬
‫ما يلي ‪."...:‬‬

‫غير أن مقتضيات الفصل ‪ 95‬مكرر من قلع ال تؤطر كل الحوادث المدرسية‪ ،‬وإنما‬


‫تؤطر فقط األضرار الحاصلة للتالميذ أو من التالميذ بفعل األخطاء الشخصية و ذلك بفعل‬
‫األخطاء المصلحية لرجال التعليم و موظفي الشبيبة و الرياضة‪ ،‬عندما يكون هؤالء التالميذ‬
‫تحت رقابتهم‪ ،‬ومعلوم أن الحوادث المدرسية ال تنحصر فقط في الحاالت التي تنتج عن‬
‫خطأ اإلطار التربوي في اإلهمال و الرقابة‪ ،‬بل تتعداها إلى ما دون ذلك من األخطار التي‬
‫تلحق بالتالميذ‪ ،‬ولو في غياب الخطأ و التقصير من جانب اإلطار التربوي‪ ،‬و هذه الحاالت‬
‫ترتب مسؤولية الدولة عن الحوادث المدرسية بناء على مقتضيات الظهير ‪ 11‬أكتوبر‬
‫‪ ،3301‬وهو موضوع فقرتنا الموالية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫األمر يتعلق بالحكم عدد ‪ 3005‬الصادر بتاريخ ‪ 1111/11/11‬عن المحكمة اإلدارية بالرباط‪ ،‬أورده‪ :‬محمد باهي‪ :‬التعويض عن الحوادث‬
‫المدرسية الناجمة عن األضرار المرتبطة بنمظيم وتسيير مرفق التعليم وانعدام الصيانة العادية للمنشأة العمومية‪ ،‬مقال منشور بالمجلة المغربية‬
‫لإلدارة المحلية والتنمية‪ ،‬العدد ‪ ،31‬يناير‪-‬فبراير ‪ ،1133‬ص ‪.11‬‬
‫‪2‬األمر يتعلق بقرار محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط عدد ‪ 1011‬الصادر بتاريخ ‪ ،1135/11/11‬موضوع الملف اإلداري عدد‬
‫‪ ،1135/1111/113‬قرار غير منشور‪.‬‬

‫‪661‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪ -2‬المسؤولية عن الحوادث المدرسية في إطار ظهير ‪ 21‬أكتوبر ‪3702‬‬

‫باإلضافة إلى ما تم إق ارره في المادة ‪ 95‬مكرر السالفة الذكر‪ ،‬فإن المشرع المغربي‬
‫يقر بمسؤولية الدولة عن الحوادث المدرسية في نص خاص‪ ،‬ويتعلق األمر بالظهير المتعلق‬
‫‪ 11‬أكتوبر‬ ‫في ‪ 31‬شوال ‪ 3113‬الموافق ل‬ ‫والصادر بتاريخ‬ ‫بالحوادث المدرسية‬
‫‪ ،13301‬والمتعلق بالتعويض عن الحوادث التي يتعرض لها تالميذ المؤسسات المدرسية‬
‫العمومية‪ ،‬والذي أكد على ضمان الدولة لتعويض الحوادث التي يتعرض لها التالميذ‬
‫المسجلة أسماؤهم بانتظام بالمـ ــؤسسات التعليمية العمومية‪ ،‬و ذلك أثناء الوقت الذي يوجدون‬
‫فيه تحت رقابة المكلفين بهذه المهمة‪ ،‬و كذا األمر بالنسبة لتالميذ المدارس المتنقلة المسجلة‬
‫أسماؤهم لدى السلطة المحلية في األماكن المعينة لهذا الغرض‪.‬‬

‫وبذلك فقد أوجد المشرع المغربي بمقتضى هذا الظهير نظاما احتياطيا يضمن بموجبه‬
‫للتلميذ ضحية الحادثة المدرسية الحصول على حد أدنى من التعويض في كافة األحوال‪.‬‬

‫وعليه فإذا كان ظهير ‪ 11‬أكتوبر ‪ 3301‬ال يمنح للمستفيدين إال تعويضا جزافيا‪ ،‬فإن‬
‫ذلك ال يعني أنه على ضحايا الحوادث المدرسية أن يكتفوا بذلك‪ ،‬بل إن مقتضيات الظهير‬
‫المذكور قد فتحت لهم إمكانية رفع دعوى المسؤولية المدنية عن فعل الغير المنصوص‬
‫‪2‬‬
‫عليها في الفصل ‪ 95‬مكرر من قلع‪.‬‬

‫وحيث إن هذا األمر يؤكده قرار محكمة النقض (المجلس األعلى سابقا) في قرارها‬
‫الصادر عنها بتاريخ ‪ 3330/15/11‬والذي جاء فيه ما يلي‪:‬‬

‫" ثم إن محكمة االستئناف قضت عن صواب بكون الفصل ‪ 95‬مكرر من قانون االلتزامات‬
‫والعقود يشترط للقول بمسؤولية الدولة إثبات الخطأ ‪ ،‬وهو أمر لم يثبته المضرور مع العلم أن‬

‫‪1‬‬
‫ويتعلق األمر بالظهير الشريف المؤرخ في ‪ 3301/31/11‬والمتعلق بالتعويض عن الحوادث المدرسية‪ ،‬دخل حيز التنفيذ بعد صدوره في الجريدة‬
‫الرسمية بتاريخ ‪ 0‬دجنبر ‪.3301‬‬
‫‪2‬وتجدر اإلشارة أن الظهير المذكور يحيل في فصله الثامن على مقتضيات الفصل ‪ 95‬مكرر من قانون االلتزامات والعقود‪.‬‬

‫‪662‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫االستفاءة من ظهير ‪ 3301/31/11‬هي استفادة تلقائية طبق الفصل ‪ 1‬منه‪ ،‬وال تتوقف‬
‫‪1‬‬
‫على إثبات الخطأ بل يكفي أن تقع الحادثة داخل المؤسسة‪."...‬‬

‫ومن خالل حيثيات هذا القرار‪ ،‬نستشف أن التعويض في ظل مقتضيات الظهير‬


‫المذكور‪ ،‬ما هو إال تعويض جزافي يسعى من خالله المشرع إلى ضمان التعويض لكافة‬
‫التالميذ المصابين بضرر بدني نتيجة حادثة مدرسية‪ ،‬ذلك أن التلميذ المصاب في حادثة‬
‫مدرسية‪ ،‬يمكنه اللجوء أوال إلى مسطرة التعويض المقررة بمقتضى هذا الظهير‪ ،‬كما يمكنه أن‬
‫يطالب بتعويض تكميلي في إطار المقتضيات العامة للمسؤولية المدنية وفقا لما جاء في‬
‫الفصل ‪ 95‬مكرر من قلع‪ ،‬وذلك في حالة رجوع تـلك الحادثة إلى خطأ أحد المعـلمين‪ ،‬أو‬
‫إلى خـلل في س ــير المؤسسة العمومية المعنية‪ ،‬أو إذا نتجت الحادثة مباشرة عن تسيير هذه‬
‫األخيرة أو عن األشغال العمومية التي تنجز بها‪.‬‬

‫ويتميز التعويض الذي أقره ظهير ‪ 11‬أكتوبر ‪ 3301‬بأنه تعويض جزئي فقط‪ ،‬ال يأخذ‬
‫بعين االعتبار كافة الضرر الالحق بضحية الحادثة المدرسية‪ ،‬بل بعض عناصر ذلك‬
‫الضرر‪ .‬وذلك خالفا للقواعد العامة التي تقضي بأن يشمل التعويض كافة الخسارة التي‬
‫أصابت المتضرر والمصروفات التي اضطر أو سيضطر إلى إنفاقها‪ ،‬وذلك لكسب الذي‬
‫فاته‪.‬‬

‫والجدير بالذكر‪ ،‬أن التعويضات التي يقررها الظهير تختلف باختالف نوع اإلصابة‬
‫التي تلحق التلميذ نتيجة الحادثة المدرسية‪ ،‬فإذا كانت تلك اإلصابة ال تصل إلى نسبة‬
‫‪ % 31‬من العجز البدني الدائم‪ ،‬فإن الدولة تتكفل بمصاريف العالج فقط‪ ،‬أما إذا تجاوزت‬
‫هذه النسبة‪ ،‬فباإلضافة إلى مصاريف العالج تتكفل الدولة كذلك بمنح التلميذ المصاب إيرادا‬
‫عمريا‪.‬‬

‫وهذا األمر أكده كذلك قرار محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط عدد ‪ 1011‬بتاريخ‬
‫‪ ،1135/1111/151‬موضوع الملف اإلداري عدد ‪ ،1135/1111/113‬وم ـ ــن بين ما جاء‬
‫فيه ما يلي‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫ويتعلق األمر بالقرار عدد ‪ 3993‬الصادر عن المجلس األعلى بتاريخ ‪ 3330/15/11‬في الملف المدني عدد ‪ ،31111/93‬منشور بمجلة قضاء‬
‫المجلس األعلى‪ ،‬عدد ‪ ،09‬ص ‪.01‬‬

‫‪663‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫" وحيث إنه من جهة أخرى‪ ،‬وفيما يخص مبلغ التعويض المحكوم به‪ ،‬فإن ما يجب‬
‫اإلشارة إليه في هذا الصدد ان التعويض الذي أقره ظهير ‪ 11‬أكتوبر ‪ 3301‬يتميز بأنه‬
‫تعويض جزافي أي جزئي فقط‪ ،‬ال يأخذ بعين االعتبار كافة الضرر الالحق بضحية الحادثة‬
‫المدرسية‪ ،‬بل ببعض عناصر ذلك الضرر‪ ،‬وذلك خالفا للقواعد العامة التي تقضي بأن‬
‫يشمل التعويض كافة الخسارة التي أصابت المتضرر والمصروفات التي اضطر أو سيضطر‬
‫إلى إنفاقها‪ ،‬وذلك لكسب الذي فاته‪.‬‬

‫وحيث إن التعويضات التي يقرها الظهير المذكور‪ ،‬تختلف باختالف نوع اإلصابة التي‬
‫تلحق التلميذ نتيجة الحادثة المدرسية‪ ،‬فإذا كانت تلك اإلصابة ال تصل نسبة ‪ 31‬في المائة‬
‫من العجز البدني المؤقت‪ ،‬فإن الدولة تتكفل بمصاريف العالج فقط‪ ،‬أما إذا كانت تصل إلى‬
‫تلك النسبة أو تفوقها‪ ،‬فباإلضافة إلى مصاريف العالج تتكفل الدولة بمنح المصاب إيرادا‬
‫‪1‬‬
‫يختلف حسب نوع اإلصابة ‪."...‬‬

‫وتجدر اإلشارة كذلك‪ ،‬إلى أن النفقات و المصاريف التي تدفعها الدولة بمناسبة‬
‫الحادثة المدرسية سواء للضحية أو لذوي حقوقه‪ ،‬يمكن أن ترجع بها على الغير المتسبب‬
‫في الحادثة المدرسية في حالة وجوده‪ ،‬وذلك تماشيا مع ما يقتضي به الفصل ‪ 3‬من هذا‬
‫الظهير ‪ ،2‬كما أنه في حالة وجود التلميذ المصاب بالحادثة مؤمنا ضد الحوادث‪ ،‬فإن مؤمنه‬
‫يحل محل الدولة في حدود ضمانته ألداء النفقات والتعويضات ما عدا إذا كان للتأمين‬
‫المتعاقد عليه صبغة تكميلية مخصصة لتغطية النفقات التي تفوق المصاريف المضمونة من‬
‫طرف الدولة‪.‬‬

‫وعموما‪ ،‬ومن أجل ثبوت مسؤولية الدولة عن الحوادث المدرسية سواء في إطار ظهير‬
‫‪ 11‬أكتوبر ‪ ،3301‬أو في إطار الفصل ‪ 95‬مكرر من قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬يتعين‬
‫توفر مجموعة من الضوابط ومجموعة من الشروط‪ ،‬وإال تتعذر معه مساءلة الدولة‬

‫‪1‬‬
‫األمر يتعلق بقرار محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط عدد ‪ 1011‬الصادر بتاريخ ‪ ،1135/1111/151‬موضوع الملف اإلداري عدد‬
‫‪ ،1135/1111/113‬قرار غير منشور‪.‬‬
‫‪2‬وينص الفصل ‪ 3‬من ظهير ‪ 11‬أكتوبر ‪ 3301‬على ما يلي ‪ ...:‬تتولى الدولة التي دفعت الصوائر والتعويضات المتحدث عنها‬
‫في ظهيرنا الشريف هذا ما للمصابين من الحقوق على الغير المسؤول بالحادثة إلى غاية المبالغ التي أديت‪. "...‬‬

‫‪664‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫بخصوص هذه الحوادث‪ ،‬فماهي هذه الشروط القانونية الالزم توفرها في الحادثة المدرسية‬
‫لإلقرار بمسؤولية الدولة؟‬

‫ثانيا‪ :‬شروط قيام مسؤولية الدولة عن الحوادث المدرسية‪:‬‬

‫باعتبار المسؤولية عن الحوادث المدرسية تعتبر نوعا من أنواع المسؤولية التقصيرية‬


‫عن فعل الغير‪ ،‬فيشترط إلقرار مسؤولية الدولة عن هذه الحوادث توفر مجموعة من الشروط‬
‫والضوابط (الفقرة األولى)‪ ،‬ويعتبر ثبوت الخطأ في المراقبة واإلهمال من جانب اإلطار‬
‫التربوي أهم شرط يركز عليه القضاء (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫‪ -3‬توفر الشروط القانونية إلارار المسؤولية التقصيرية عن فع الغير‬

‫باستقرائنا للمقتضيات القانونية السالفة الذكر‪ ،‬نستشف أن قيام المسؤولية التقصيرية‬


‫لألطر التربوية تتوقف على توفر مجموعة من الشروط األساسية مجسدة في الخطأ والضرر‬
‫والعالقة السببية بين الخطأ والضرر‪.‬‬

‫‪-3‬الخطأ أو التقصير في التأطير التربوي‪ :‬يشترط لقيام مسؤولية المدرسين وموظفي‬


‫ومسيري الشبيبة والرياضة ومن ثمة مسؤولية الدولة عن الحوادث المدرسية إثبات الخطأ أو‬
‫التقصير من هؤالء‪ ،‬وهذا ما عبر عنه المشرع المغربي في الفصل ‪ 95‬مكرر بقوله‬
‫"‪...‬والخطأ أو عدم الحيطة واإلهمال الذي يحتج به عليهم‪ ،‬باعتباره السبب في حصول‬
‫الفعل الضار‪."...‬‬

‫ويبدو أن المشرع المغربي حرص على استعمال الفعل الضار ولم يستعمل وصف‬
‫العمل الغير المشروع‪ ،‬على اعتبار أن التلميذ يكون في بعض األحيان غير مميز وال يفرق‬
‫بين العمل المشروع والغير المشروع‪ ،‬وبالتالي يكفي أن يرتكب الطفل أو التلميذ فعال ضا ار‬
‫أثناء تواجده بالمدرسة حتى تنعقد مسؤولية من يتولى رقبته‪.‬‬

‫وتجدر اإلشارة في هذا الصدد أن المشرع المغربي إذا اشترط بموجب الفصل ‪95‬‬
‫مكرر ضرورة توفر الخطأ والتقصير في التأطير والمراقبة إلقرار مسؤولية الدولة‪ ،‬فإن األمر‬
‫يختلف بموجب مقتضيات ظهير ‪ 11‬أكتوبر ‪ 3301‬والتي ال تشترط توفر هذا الخطأ إلقرار‬

‫‪665‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫التعويض لضحايا الحوادث المدرسية‪ ،‬على اعتبار أن المشرع يكتفي فقط بمجرد حصول‬
‫الضرر داخل الوسط المدرسي بغض النظر عن إثبات توفر تقصير أو إهمال أو خطأ في‬
‫المراقبة من اإلطار التربوي‪.‬‬

‫‪-1‬حصول الضرر‪ :‬فال يكفي لقيام المسؤولية عن فعل الغير وجود خطأ فحسب‪ ،‬بل‬
‫يتعين كذاك أن يترتب ضرر من جراء هذا الخطأ‪ ،‬ويقصد بالضرر في المسؤولية التقصيرية‬
‫‪1‬‬
‫"ذلك األدى الذي يصيب الشخص نتيجة المساس بمصلحة مشروعة له أو حق من حقوقه"‪.‬‬

‫وقد أورد المشرع هذا الشرط في الفصل ‪ 95‬مكرر من خالل مايلي‪:‬‬

‫"‪...‬وفي جميع الحاالت التي تقوم فيها مسؤولية رجال التعليم العام‪ ،‬وموظفي إدارة‬
‫الشبيبة نتيبة ارتكاب فع ضار أو بمناسبته إما من األطفال أو من الشبان الذين عهد بهم‬
‫إليهم بسبب وظائفهم‪."...‬‬

‫وعلى هذا األساس فإن المشرع المغربي سواء في إطار الفصل ‪ 95‬مكرر من قلع أو‬
‫في إطار ظهير ‪ 11‬أكتوبر ‪ 3301‬يشترط إلقرار مسؤولية الدولة عن الحوادث المدرسية‬
‫ضرورة حصول الضرر للتلميذ‪ ،‬أي أنه وبمفهوم المخالفة ال يمكن تصور مسؤولية اإلطار‬
‫التربوي ومن ثم مسؤولية الدولية في حالة عدم حصول هذا الضرر‪ ،‬ولو تبث اإلهمال أو‬
‫التقصير من جانب اإلطار التربوي مادام هذا التقصير لم يصل درجة حدوث ضرر لألطفال‬
‫أو الشبان الذين تحت عهدته ومراقبته‪.‬‬

‫‪-1‬وجود صلة لين الخطأ والضرر‪ :‬ويقصد بهذا الشرط ضرورة توافر عالقة سببية بين‬
‫الخطأ في المراقبة والتأطير والحراسة من جانب اإلطار التربوي‪ ،‬والضرر الناتج عن هذا‬
‫التقصير واإلهمال‪.‬‬

‫وقد أقر المشرع المغربي هذا الشرط عندما نص في الفصل ‪ 95‬مكرر من قلع على ما‬
‫يلي‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫للمزيد في موضوع الضرر في المسؤولية التقصيرية‪ ،‬أنظر‪ :‬المختار بن أحمد عطار‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 199‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪666‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫"‪...‬والخطأ أو عدم الحيطة أو اإلهمال الذي يحتج به عليهم‪ ،‬باعتباره السبب في‬
‫حصول الفع الضار‪ ،‬يلزم المدعي إثباته وفق القواعد العامة ‪."...‬‬

‫ونعتقد أن هذا الشرط إذا كان أساسيا لترتيب مسؤولية الدولة عن الحوادث المدرسية‬
‫وفق الفصل ‪ 95‬مكرر‪ ،‬فإنه ال يعتبر كذلك بالنسبة لترتيب التعويضات عن الحوادث‬
‫المدرسية في إطار ظهير ‪ 11‬أكتوبر ‪ ،3301‬وذلك تماشيا مع ما سلفنا ذكره بخصوص‬
‫للخطأ التقصيري لترتيب مسؤولية الدولة عن الحوادث‬ ‫عدم اشتراط الظهير المذكور‬
‫المدرسية‪ ،‬مادام مجرد حصول الضرر للتالميذ و األطفال داخا الوسط المدرسي يعد كافيا‬
‫إلقرار هذه المسؤولية‪ ،‬بل أكثر من ذلك فيستنج من خالل الفصل ‪ 3‬التاسع من الظهير‬
‫المذكور أن يتم تعويض ضحية الحادثة المدرسية ولوكان الضرر ناتج عن خطأ الغير‪ ،‬هذا‬
‫مع حفظ حق الدولة في الرجوع على هذا الغير‪.‬‬

‫‪ -3‬تركيز القضاء على تبوث الخطأ كأهم شرط إلارار مسؤولية الدولة‬

‫يترتب على قيام مسؤولية الدولة عن الحوادث المدرسية بداهة أن يكون التلميذ في‬
‫عهدة ا لمشرفين على المؤسسة التعليمية وتحت رقابتهم‪ ،‬حتى يمكن مساءلتهم عن األضرار‬
‫الالحقة به عند تقصيرهم في هذه المراقبة‪.‬‬

‫ويكون المدعي والحالة هذه‪ ،‬ملزما بإثبات الخطأ أو عدم الحيطة أو اإلهمال الذي‬
‫يحتج به على المعلمين أو اطر الشبيبة والرياضة‪ ،‬باعتباره السبب في حصول الفعل الضار‪،‬‬
‫وفقا للقواعد القانونية العامة‪.‬‬

‫وفي هذا الصدد صدرت العديد من األحكام والق اررات القضائية وأغلبها يسير في اتجاه‬
‫في وجوب إثبات الخطأ أو عدم الحيطة أو اإلهمال من جانب المسؤول التربوي إلقرار‬
‫مسؤولية الدولة عن هذه الحوادث المدرسية‪.‬‬

‫ومن بين هذه االجتهادات القضائية نذكر على سبيل المثال ما يلي‪:‬‬

‫قرار المجلس األعلى (محكمة النقض حاليا) عدد ‪ 3993‬الصادر بتاريخ‬


‫‪ 3330/15/11‬والذي جاء فيه ما يلي‪:‬‬

‫‪667‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫" ثم إن محكمة االستئناف قضت عن صواب بكون الفصل ‪ 95‬مكرر من قانون‬


‫االلتزامات و العقود يشترط للقول بمسؤولية الدولة إثبات الخطأ‪ ،‬وهو أمر لم يثبته المضرور‬
‫مع العلم أن االستفادة من ظهير ‪ 3301/31/11‬هي استفادة تلقائية طبق الفصل ‪ 1‬منه‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫وال تتوقف على إثبات الخطأ بل يكفي أن تقع الحادثة داخل المؤسسة ‪."...‬‬

‫‪ -‬قرار المجلس األعلى عدد ‪ 915‬الصادر بتاريخ ‪ ،1111/33/31‬وقد جاء فيه‬


‫مايلي‪:‬‬

‫"‪...‬إن القرار المطعون فيه الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط لم يبين من‬
‫أين استخلص خطأ الدولة لتحميلها مسؤولية الحادث المدرسي موضوع ادعاء المطالب‪،‬‬
‫وخلط بين مجال مسؤولية الدولة عن الحوادث المدرسية في إطار الفصل ‪ 95‬مكرر من قلع‬
‫المبنية على إثبات خطأ اإلدارة المدرسية والمغطية لكافة األضرار‪ ،‬والتغطية الخاصة‬
‫‪2‬‬
‫والمحدودة التي يكفلها ظهير ‪ 3301/31/11‬لألضرار الناتجة عن الحوادث المدرسية‪.‬‬

‫‪ -‬قرار محكمة النقض عدد ‪ 131‬الصادر بتاريخ ‪ ،1119/10/11‬موضوع الملف‬


‫اإلداري عدد ‪ ،1111/1/131‬والذي جاء فيه ما يلي‪:‬‬

‫" يتضح من خالل ا لتصريح بالحادثة المحرر من طرف المكلفين بحراسة التالميذ في‬
‫مدرسة عبد العزيز الورياغلي أن التلميذ محمد أصيب بحادثة بالساحة المدرسية حيث كان‬
‫التالميذ يلعبون تحت حراسة معليمهم‪ ،‬وبالتالي مسؤولية الدولة تبقى قائمة على الخطأ‬
‫المرفقي المرتكب من طرف الموظفين الذين كان الضحية في حراستهم ولطلب التعويض ما‬
‫‪3‬‬
‫يبرره "‪.‬‬

‫من خالل هذه االجتهادات القضائية‪ ،‬سنستخلص أن المشرع المغربي ال يقرر‬


‫بمسؤولية الدولة عن الحوادث المدرسية إال إذا ثبت الخطأ من المسؤول التربوي والذي يكون‬

‫‪1‬يتعلق األمر بالقرار عدد ‪ 3993‬الصادر عن المجلس األعلى بتاريخ ‪ 3330/15/11‬في الملف المدني عدد ‪ ،31111/93‬منشور بمجلة قضاء‬
‫المجلس األعلى‪ ،‬عدد ‪ ،09‬ص ‪.01‬‬
‫‪2‬‬
‫يتعلق األمر بالقرار عدد ‪ 915‬الصادر عن المجلس األعلى بتاريخ ‪ 1111/33/31‬في الملف اإلداري عدد ‪ ،1111/3/0/3310‬قرار أورده‪ ،‬ذ‪.‬‬
‫محمد باهي‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.13‬‬
‫‪ 3‬أشير إلى هذا القرار في صلب القرار االستئنافي الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط عدد الصادر ‪ 1011‬بتاريخ ‪ ،1135/11/11‬في‬
‫الملف عدد ‪ ،1135/1111/151‬ص ‪ 1-5‬من القرار‪.‬‬

‫‪668‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫على صورة إهمال أو تقصير أو عدم الحيطة والمراقبة بالشكل الذي يفضي بإلحاق الضرر‬
‫للتالميذ واألطفال اللذين تحت عهدتهم‪.‬‬

‫وعليه ومن كل ما سلف ذكره يتضح أنه لقيام المسؤولية عن الحوادث المدرسية يتعين‬
‫أن يكون التلميذ في عهدة المشرفين على المؤسسة التعليمية وتحت رقابتهم‪ ،‬كما يتعين توفر‬
‫جميع األركان األساسية لثبوت المسؤولية التقصيرية عما ذكرنا بتفصيل‪ ،‬غير أنه يطرح‬
‫تساؤل بخصوص إمكانية مساءلة الدولة عن الحوادث المدرسية التي تقع خارج أسوار‬
‫المؤسسات التعليمية سيما بعد اعتماد الدولة لنظام التعليم عن بعد بدل التعليم الحضوري‪،‬‬
‫بعد إقرار هذا النظام ظل األوضاع الصحية الراهنة المتسمة بتفشي وفاء كورونا؟‬

‫المحور الثاني‪ :‬مدى قيام مسؤولية الدولة عن الحوادث المدرسية الناتبة‬


‫عن التعليم عن بعد‬

‫للحديث عن هذه النقطة القانونية‪ ،‬سنعمل بداية في التعريف بالحادثة المدرسية عن بعد‬
‫(أوال)‪ ،‬على أساس أن نتناول بعده مسألة إمكانية مساءلة اإلدارة التربوية عما قد يحدث‬
‫للتالميذ من حوادث مترتبة عن نظام التعليم عن بعد‪ ،‬وما مدى مالئمة النصوص القانونية‬
‫الحالية لهذه الظاهرة الحديثة في منظومتنا التعليمية (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬مفهوم الحوادث المدرسية عن بعد‬

‫إلى وقت قريب كانت الرؤية واضحة في الحوادث المدرسية‪ ،‬حيث كانت النصوص‬
‫القانونية المتعلقة بالحوادث المدرسية شاملة وكافية الحتواء كل صور الحوادث المدرسية التي‬
‫يمكن أن يتعرض لها التالميذ داخل المؤسسات التعليمية‪ ،‬والتي تتيح لهم الحق في الحصول‬
‫على تعويض مناسب ومتناسب مع درجة اإلصابات التي تعرض لها من جراء تلك الحادثة‬
‫المدرسية‪.‬‬

‫لكن سرعان ما أصبح الوضع غير واضح في غضون زمن قصير جدا‪ ،‬وكان ذلك‬
‫بمناسبة اعتماد تقنية التعليم عن بعد بدل التعليم الحضوري‪ ،‬مما أدى إلى ظهور صور‬
‫جديدة للحوادث المدرسية التي يمكن نعتها بحوادث التمدرس عن بعد‪ ،‬حيث كان لنظام‬

‫‪669‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫التعليم عن بعد دو ار بار از في إفراز هذه الحوادث‪ ،‬و الذي وجدت فيه الدول غاياتها في انقاذ‬
‫التعليم وتجنب الفراغ التعليمي داخل أوساط التالميذ‪ ،‬في ظل الوضع الصحي المتسم بتفشي‬
‫وباء كورونا‪ ،‬ذلك أنه وحفاظا على حياة وصحة التالميذ واألساتذة بادرت الو ازرة الوصية‬
‫على قطاع التعليم إلى توقيف نظام التعليم الحضوري واالعتماد على نظام التعليم عن بعد‪،‬‬
‫و الذي ال يلزم لتفعيله حضور التالميذ إلى المؤسسة التعليمية‪.1‬‬

‫ومن هذا المنطلق يمكن تعريف حوادث التمدرس عن بعد بأنها” تلك االصابات‬
‫البسدية أو األضرار الصحية التي تلحق التلميذ بفع غير ارادي من طرفه أو الناتبة عن‬
‫فع فبا ئي وبسبب خارجي أثناء تلقيه لدرس عن بعد من رجال التعليم والتي تتسبب فيها‬
‫البهاز االلكتروني الذي باشر به عملية تلقي الدرس عن بعد‪“.‬‬

‫وعليه‪ ،‬ومن خالل التعريف أع ـ ــاله‪ ،‬يمكن القول بأن األمر هنا يتعلق بحادثة ذات‬
‫طبيعة خاصة‪ ،‬حيث أنها وإن كانت تحتفظ ببعض مالمح الحادثة المدرسية الكالسيكية من‬
‫حيث األشخاص المعرضين لها‪ ،‬إال أنها تجعل من وسائل تكنولوجيا االتصال واإلعالم‬
‫‪2‬‬
‫مرك از ومصد ار لظهورها‪.‬‬

‫وألجل تلقي التالميذ دروسهم عن بعد استلزمت عليهم الضرورة استعمال وسائل‬
‫الكترونية تكون هي الوسيط بينهم وبين أساتذتهم‪ ،‬كالهاتف النقال و الحواسيب واللوحات‬
‫اإلليكترونية وأجهزة التلفاز كذلك‪ ،‬وكل هذه األجهزة يمكن للتالميذ االستعانة بها من أجل‬
‫تلقي دروسهم عن بعد‪ ،‬غير أن هذه األجهزة يمكن أن تشكل خط ار على صحة و سالمة‬
‫التالميذ‪ ،‬حيث تأكد بالملموس جسامة المخاطر التي يمكن أن تتسبب فيها األجهزة‬
‫اإللكترونية السالفة الذكر‪ ،‬سيما بعد وقوع حادثة انفجار بطارية الهاتف المحمول على وجه‬

‫‪1‬‬
‫انطلق العمل بنظام التعليم عن بعد بالنسبة للمؤسسات التعليمية المغربية بعد صدور قرار من طرف و ازرة التربية الوطنية بتاريخ ‪ 31‬مارس‬
‫‪ ،1111‬يقضي بتوقيف الدراسة كإجراء احترازي ضمن اإلجراءات التي اتخذتها السلطات لمنع انتشار مرض فيروس كورونا كوفيد ‪ 33‬المستجد‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫والجدير بالذكر أن و ازرة التربية الوطنية قد قامت بتفعيل نظام التعليم عن بعد يوم ‪ 31‬مارس ‪ ،1111‬وقد اعتمدت الو ازرة على ثالثة أنظمة لتفعيل‬
‫تقنية التعليم عن بعد‪ ،‬حيث كانت البوبة االلكترونية تلميذ تيس[]‪ TelmidTice‬من أول األنظمة التي اعتمدت عليها الو ازرة من أجل تفعيل هذا‬
‫النظام‪ ،‬فهذه البوابة تقوم على تقديم دروس مصنفة حسب األسالك والمستويات التعليمية وكذا المواد الدراسية‪ ،‬كما اعتمدت الو ازرة على نظام البث‬
‫التلفزيوني فحددت أوقات يتم من خاللها بث برامج ودروس تعليمية ‪ ،‬وألجل تمكين األساتذة من التواصل المباشر مع تالميذهم وكذا تنظيم دورات‬
‫لتعليم عن بعد أعطت الو ازرة يوم ‪ 11‬مارس ‪ 1111‬الحق في انشاء األقسام االفتراضية من خالل الخدمة التشاركية ‪ Teams‬المدمجة في منظومة‬
‫مسار‪.‬‬

‫‪670‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫أحد التالمذة كان بين يديه وذلك بمناسبة تلقيه لدرس عن بعد‪ ،‬حيث أصيب على اثرها‬
‫بإصابات جسدية خطيرة على مستوى عينه‪ ،‬فطرح السؤال عن الجهة المسؤولة عن التعويض‬
‫‪1‬‬
‫عن هذه الحادثة‪.‬‬

‫وزيادة على واقعة االنفجار هاته‪ ،‬قد يكون لهذه األجهزة خط ار على صحة التالميذ –‬
‫خصوصا الذين هم في صف التعليم االبتدائي – وهذا لما يصدر عن هذه األجهزة من‬
‫اشعاعات قد تؤدي إلى اإلضرار بصحة القلب واألوعية الدموية وما يمكن أن تسببه من‬
‫اضطرابات بالجهاز العصبي‪ ،‬كما أن االستخدام المستمر لهذه األجهزة يحدث مشاكل على‬
‫مستوى التركيز وعلى مستوى الرؤية‪.‬‬

‫وهذه المخاطر وغيرها يمكن أن نكيفها بكونها حوادث مدرسية بمفهومها الحديث‪،‬‬
‫ليطرح التساؤل عن الجهة المسؤولة عن هذه الحوادث؟‬

‫ثانيا‪ :‬التأسيس القانوني للمسؤولية عن حوادث التمدرس عن بعد‬

‫كما نعلم أن من المسلم به في إطار الحوادث المدرسية الكالسيكية هو أن المسؤولية‬


‫عنها تأسس على نظام المسؤولية التقصيرية عن فعل الغير‪ ،‬والقائمة على خطأ واجب‬
‫اإلثبات‪ ،‬التي يحكمها نص الفصل ‪ 95‬مكرر من ظهير االلتزامات والعقود‪ ،‬وأنه إلعمال‬
‫هذه المسؤولية البد من توفر شرطين أساسين متمثلين في وجود التلميذ تحت رقابة وإشراف‬
‫المعلم وضرورة تواجده كذلك داخل المؤسسة التعليمية أثناء وقوع الحادثة المدرسية‪ ،‬ليطرح‬
‫التساؤل حول انطباق هذ ا األمر على حوادث التمدرس عن بعد؟‬

‫وكما سبق القول‪ ،‬فإذا لم يقم المشرع المغربي بتنظيم المسؤولية عن حوادث التمدرس‬
‫عن بعد بشكل صريح‪ ،‬فهل نجد نصوص قانونية كفيلة ألن تكون أساسا قانونيا لمثل هذا‬
‫النوع من المسؤولية؟‬

‫‪ 1‬طرح السؤول عن الجهة المسؤولة عن هذا الحادث‪ ،‬وكذا التكييف القانوني لهذه المس ؤولية‪ ،‬هل سيتم إدراجها في مسؤولية اإلدارة على اعتبار أن‬
‫نظام التعليم عن بعد تم بإشراف من الوزراة الوصية عن قطاع التربية الوطنية‪ ،‬أم أن هذه المسؤولية ترجع إلى المنتوج في حد ذاته ومدى جودته‬
‫وبالتالي في هذه الحالة سنكون امام مسؤولية المصنع‪ ،‬أم أن االمر يتعلق بمسؤولية شخصية للمستعمل من جراء سوء استعماله للجهاز‪.‬‬

‫‪671‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫إن المقتضيات القانونية التي تأسس لمسؤولية األطر التربوية عن الحوادث المدرسية‬
‫التي تحصل للتالميذ خالل الوقت الذي يوجدون فيه تحت رقابتهم‪ ،‬وكما فصلنا في ذلك‬
‫تشترط ما يلي‪:‬‬

‫‪ ‬تواجد التلميذ أثناء وقوع الحادثة داخل المؤسسة التعليمية وكون التلميذ مسجل في‬
‫اللوائح الدراسية لتلك المؤسسة؛‬
‫‪ ‬وجود التلميذ تحت رقابة وإشراف المعلم؛‬
‫‪ ‬إخالل المعلم بواجب الرقابة والتوجيه‪.‬‬

‫فإذا تمعنا في هذه الشروط نجد أنها ال يمكن إعمالها في إطار المسؤولية عن حوادث‬
‫التمدرس عن بعد‪ ،‬ومرد ذلك إلى الخصوصية التي تتميز بها الحوادث المدرسية عن بعد‪،‬‬
‫فمن حيث الشرط األول فهو منعدم تماما في هذه الحادثة نظ ار ألن التعليم يتم هنا عن بعد‪،‬‬
‫الشيء الذي ال يمكن أن تحصل معه واقعة التواجد الفعلي للتلميذ بالمؤسسة التعليمية‪.‬‬

‫أما فيما يتعلق بالشرط الثاني والثالث فهما نتيجة حتمية لتواجد الشرط األول‪ ،‬فغياب‬
‫هذا األخير يؤدي مباشرة إلى غيابهما‪ ،‬حيث أن المعلم ال يمكن أن يباشر الرقابة والتوجيه‬
‫على التلميذ وهو ليس في حضرته‪ ،‬زيادة على ذلك أن المتسبب في الحادثة هو جهاز‬
‫إلكتروني ال دخل للمسؤول التربوي في ذلك‪.‬‬

‫استنادا إلى ما ذكرناه‪ ،‬نجد أن مقتضيات الفصل ‪ 95‬مكرر من ظهير االلتزامات‬


‫والعقود ال تسعفنا في معالجة إشكالية المسؤولية عن حوادث التمدرس عن بعد‪ ،‬لذلك نتساءل‬
‫عن إمكانية معالجة هذا اإلشكال على ضوء ظهير ‪26‬أكتوبر‪ ،1942‬المتعلق بالتعويض‬
‫عن الحوادث التي يتعرض لها تالميذ المؤسسات العمومية؟‬

‫سيما إذا استحضرنا أن التعويض عن الحوادث المدرسية بموجب هذا الظهير ال تشترط‬
‫وجود خطأ من جانب المسؤول التربوي بقدر ما يتوقف هذا التعويض على مجرد حصول‬
‫الضرر للتلميذ‪ ،‬هذا مع األخذ بعين االعتبار أن الو ازرة الوصية عن قطاع التعليم لما‬
‫انتقلت بالتعليم من نظام التعليم الحضوري إلى نظام التعليم عن بعد تكون قد تخلت مباشرة‬
‫عن شرط تواجد التلميذ داخل المؤسسة التعليمة أثناء وقوع الحادثة‪ ،‬واستبدلته بشرط وقوع‬

‫‪672‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الحادثة أثناء تلقى التلميذ لدروسه عن بعد‪ ،‬وذلك انسجاما مع الوضع الصحي الحالي وما‬
‫يقتضي هذا الوضع من استحالة التواجد الفعلي للتلميذ بالمؤسسة التعليمية مع إقرار نظام‬
‫التعليم عن بعد‪.‬‬

‫وعلى العموم فإن الحوادث المدرسية عن بعد أصبحت أم ار واقعيا ال يمكن التغاضي‬
‫عنه‪ ،‬خصوصا بعد واقعة حادثة مدرسية عن بعد إلحدى تالميذ المؤسسات العمومية بتازة‪،‬‬
‫مما يحتم على المشرع ضرورة معالجة هذه اإلشكالية في نصوص قانونية حديثة تتالءم‬
‫وخصوصيات التعليم عن بعد‪ ،‬سيما وأن منظومة التعليم عن بعد وإن كانت في الوضع‬
‫الصحي الراهن حال مؤقتا إلنقاذ السنة الدراسية‪ ،‬فإن الجهات المعنية تعتبره من بين إحدى‬
‫الحلول الناجعة إلصالح المنظومة التعليمية في المستقبل‪.‬‬

‫المحور الثالث‪ :‬التضارب القضائي بشأن البهة المختصة نوعيا بالبث في‬
‫منازعات الحوادث المدرسية‬

‫لقد اختلف االجتهاد القضائي المغربي في شأن التكييف القانوني المتعلق بدعاوى‬
‫التعويض عن األضرار الناتجة عن الحوادث المدرسية‪ ،‬بين من يعتبرها من اختصاص‬
‫القضاء العادي ممثلة في المحاكم االبتدائية (أوال)‪ ،‬وبين من يعتبرها من اختصاص القضاء‬
‫اإلداري ممثال في المحاكم اإلدارية (ثانيا)‪ ،‬بل إن المجلس األعلى (محكمة النقض حاليا)‬
‫اعتبره في بعض ق ارراته أن الجهة المختصة بالبث في دعاوي المسؤولية والتعويض عن‬
‫الحوادث المدرسية من اختصاص اللجنة اإلدارية المنصوص عليها في ظهير ‪ 11‬أكتوبر‬
‫‪( 3301‬ثالثا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬التوجه القضائي الذي يسند االختصاص للقضاء العادي‬

‫يعتبر هذا التوجه القضائي أن التعويض عن الحوادث المدرسية يخضع للمسطرة‬


‫اإلدارية المنصوص عليها في ظهير ‪ 3301/31/11‬والذي يحيل بدوره على الفصل ‪95‬‬
‫مكرر من قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬والذي ينص على كون المعلمين وموظفي الشبيبة‬
‫والرياضة مسؤولون عن الضرر الحاصل من األطفال والشباب خالل الوقت الذي يوجدون‬
‫فيه تحت رقابتهم‪ ،‬وترفع دعوى المسؤولية التي يقيمها المتضرر أو أقاربه أو ذوي الحقوق‬
‫‪673‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ضد الدولة‪ ،‬باعتبارها مسؤولة عن الضرر‪ ،‬أمام المحكمة االبتدائية الموجودة في دائرة‬
‫المكان الذي وقع فيه الضرر‪.‬‬

‫وقد سارت في هذا االتجاه مجموعة من محاكم المملكة التي اعتبرت أن االختصاص‬
‫في منازعات المسؤولية عن الحوادث المدرسية من اختصاص المحاكم االبتدائية وليس‬
‫القضاء اإلداري‪ ،‬ومن هذه األحكام القضائية نذكر على سبيل المثال ما يلي‪:‬‬

‫*حام المحامة االلتدائية لبني مالل تحت عدد ‪ 133‬الصادر بتاريخ‬


‫‪ ،1135/31/13‬في الملف عدد ‪ ،35/3111/35‬ومن بين ما جاء فيه ما يلي‪ " :‬في الدفع‬
‫بعدم اإلختصاص النوعي‪ :‬حيث دفع كل من الوكيل القضائي للملكة وشركة التأمين بأن‬
‫اإلختصاص للبت في هذه الدعوى منعقد للمحكمة اإلدارية ملتمسين التصريح بعدم‬
‫‪1‬‬
‫االختصاص النوعي واإلحالة على المحكمة اإلدارية بالدار البيضاء‪.‬‬

‫وحيث لما كان من الثابت بالملف بأن النزاع يروم المطالبة بالتعويض عن الضرر‬
‫الالحق بالعارض الناتج عن تعرضه لحادثة مدرسية ساعة تلقيه لحصة رياضية‪ ،‬فإن طبيعة‬
‫هذا النزاع ال تندرج ضمن الحاالت التي ينعقد فيها االختصاص للقضاء اإلداري وفقا لما‬
‫نص عليه الفصل الثامن من القانون المحدث للمحاكم اإلدارية فيكون الدفع المثار غير‬
‫مؤسس ووجب رده "‬
‫*وتبنت نفس المحامة هذا التعليل في حكمها الصادر عنها بتاريخ ‪1135/31/11‬‬
‫‪2‬‬
‫تحت عدد ‪ 111‬في الملف عدد ‪.35/3111/31‬‬
‫*حام المحامة اإللتدائية لوادي الذهب عدد ‪ 1130/311‬والصادر بتاريخ‬
‫‪ ،1130/33/15‬ومن بين ما جاء فيه ما يلي‪ " :‬في الدفع بعدم اإلختصاص النوعي‪:‬‬
‫‪ ...‬وحيث إنه خالفا للدفع المثار فإن قضايا الحوادث المدرسية يعود اإلختصاص فيها‬
‫للمحاكم اإلبتدائية عمال بمقتضيات الفصل ‪ 95‬مكرر من قانون اإللتزامات والعقود‪ ،‬وأن‬

‫‪1‬األمر يتعلق بحكم المحكمة االبتدائية ببني مالل تحت عدد ‪ 133‬الصادر بتاريخ ‪ ،1135/31/13‬في الملف عدد ‪ ،35/3111/35‬حكم غير‬
‫منشور‪.‬‬
‫‪2‬األمر يتعلق بحكم المحكمة االبتدائية ببني مالل عدد ‪ 111‬والصادر بتاريخ ‪ 1135/31/11‬الملف عدد ‪ ،35/3111/31‬حكم غير منشور‪.‬‬

‫‪674‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الدولة تحل فقط محل المعلم أو المشرف على األنشطة الرياضية‪ ،‬في مسؤولية الحادثة مما‬
‫‪1‬‬
‫يتعين معه رد الدفع المثار بهذا الشأن "‪.‬‬

‫*حام المحامة االلتدائية بسيدي ااسم صادر بتاريخ ‪ 1135/33/31‬في الملف‬


‫عدد ‪ ، 1130/3111/01‬ومن بين ما جاء فيه ما يلي ‪" :‬في الدفع بعدم اإلختصاص‬
‫‪...:‬لكن حيث إن الدفع المثار غير جدير باإلعتبار و غير مؤسس قانونا إذ أن المراد‬
‫بالن ازعات التي يكون اإلختصاص في البت فيها منعقدا للمحكمة اإلدارية بالرباط‪ ،‬هي تلك‬
‫النزاعات التي تنشأ بين محرري اإلتفاقية المذكورة بمناسبة تنفيذ اإللتزامات المتبادلة بينهما‬
‫نتيجة اإلتفاقية المبرمة بينهما‪ ،‬وليس النزاعات التي تؤسس على دعاوي التعويض من طرف‬
‫التالميذ ضحايا الحوادث المدرسية التي يبقى االختصاص فيها منعقدا للقضاء العادي حسب‬
‫‪2‬‬
‫قواعد التقاضي العادية"‪.‬‬

‫‪-‬حام المحامة اإللتدائية بالعيون عدد ‪ 311‬بتاريخ ‪ 1131 /15/13‬والقاضي‬


‫بانعقاد اإلختصاص النوعي لهذه المحكمة للبث في طلب التعويض عن الحادثة المدرسية‬
‫التي وقعت البنة المدعي بمؤسسة أم البنين بالعيون نتيجة اصطدامها بزميلة لها في‬
‫‪3‬‬
‫المؤسسة‪.‬‬

‫ومن خالل هذه األحكام القضائية نستشف أن هذا التوجه القضائي الذي يسند‬
‫اإلختصاص النوعي للبت في قضايا و منازعات الحوادث المدرسية للقضاء العادي سندهم‬
‫في ذلك مقتضيات الفصل ‪ 95‬مكرر من قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬والتي تنص بشكل‬
‫‪4‬‬
‫صريح في فقرتها السادسة على أن هذه القضايا يجب ان ترفع أمام المحاكم اإلبتدائية ‪.‬‬

‫وعلى خالف هذا التوجه القضائي والذي يعتبر‪ ،‬كما رأينا‪ ،‬االختصاص في البث في‬
‫قضايا المسؤولية في الحوادث المدرسية من اختصاص القضاء العادي‪ ،‬هناك توجه قضائي‬
‫‪1‬‬
‫األمر يتعلق بحكم المحكمة االبتدائية بوادي الذهب عدد ‪ 1130/311‬والصادر بتاريخ ‪1130/33/15‬في الملف عدد ‪ ،1131/11‬حكم غير‬
‫منشور‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫األمر يتعلق بحكم المحكمة االبتدائية بسيدي قاسم صادر بتاريخ ‪ 1135/33/31‬في الملف عدد ‪ ،1130/3111/01‬حكم غير منشور‪.‬‬
‫‪3‬وهذا ما يستشف من حيثيات القرار عدد ‪ 103‬الصادر عن محكمة االستئناف بالعيون بتاريخ ‪ 1135/31/11‬في الملف عدد‬
‫‪ ،1135/3111/110‬قرار غير منشور‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫وتنص الفقرة السادسة من الفصل ‪ 95‬مكرر على ما يلي‪... " :‬وترفع دعوى المسؤولية التي يقيمها المتضرر أو أقاربه أو ضد الدولة باعتبارها‬
‫مسؤولة عن الضرر وفقا لما تقدم‪ ،‬أمام المحكمة االبتدائية ‪."...‬‬

‫‪675‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫آخر يرى خالف ذلك‪ ،‬ويعتبر أن االختصاص في البث في مثل هذه القضايا ينعقد للمحاكم‬
‫اإلدارية بدل القضاء العادي‪ ،‬فبماذا يعلل هذا التوجه القضائي موقفهم؟‬

‫ثانيا‪ :‬التوجه القضائي الذي يسند االختصاص للقضاء اإلداري‬

‫خالفا لما رأيناه في الفقرة السابقة‪ ،‬فهناك توجه قضائي ثان يرى أن الجهة القضائية‬
‫المختصة نوعيا للبت في طلبات المسؤولية والتعويض عن الحوادث المدرسية هي القضاء‬
‫بعدم‬ ‫للدفع‬ ‫عن هذه المحاكم استجابت‬ ‫اإلداري‪ ،‬ذلك أن بعض األحكام الصادرة‬
‫االختصاص المثار أمامها‪ ،‬مع إحالتها لهذه القضايا على القضاء اإلداري‪ ،‬كما أن المحاكم‬
‫اإلدارية نفسها اعتبرت هذا النوع من المنازعات يندرج ضمن األضرار التي تتسبب فيها‬
‫أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام‪ ،‬وبالتالي إخضاعها لمقتضيات المادة ‪ 9‬من القانون‬
‫رقم ‪ ،03.31‬الشيء الذي يعني عقد االختصاص بشأنها للمحاكم اإلدارية‪.‬‬

‫ومن األحكام القضائية التي تبنت هذا التوجه نذكر على سبيل المثال ما يلي‪:‬‬

‫*حام المحامة اإللتدائية بطنبة عدد ‪ 1131‬الصادر بتاريخ ‪ 1135/13/9‬والذي‬


‫جاء فيه ما يلي‪:‬‬

‫" في االختصاص‪ :‬وحيث دفعت المؤمنة المدعى عليها بعدم االختصاص النوعي لهذه‬
‫المحكمة وانعقاد االختصاص للمحكمة اإلدارية لتعلق التعويض بضرر مرتبط بتسيير مرفق‬
‫عمومي‪...‬‬

‫وحيث إن الضرر المدعى فيه ناتج عن حادث تعرض له القاصر خالل ساعات‬
‫الدراسة للمدرسة العمومية التي يزاول تعليمه فيها وهي حادثة مرتبطة بسير أعمال ونشاطات‬
‫المرفق العمومي المحددة له قانونا‪ ،‬مما يتعين معه التصريح بعدم االختصاص النوعي لهذه‬
‫المحكمة واختصاص المحكمة اإلدارية بالبث في الطلب‪...‬‬

‫‪676‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫حكمت المحكمة علنيا ابتدائيا وحضوريا بعدم اإلختصاص النوعي لهذه المحكمة وإبقاء‬
‫‪1‬‬
‫الصائر على المدعي "‪.‬‬

‫*حام المحامة االلتدائية بالصويرة عدد ‪ 013‬بتاريخ ‪ ،1135/31/11‬ومن بين ما‬


‫جاء فيه ما يلي‪:‬‬

‫" في الدفع بعدم االختصاص النوعي‪ :‬حيث دفع نائب المؤمنة بعدم االختصاص‬
‫النوعي للمحكمة االبتدائية بالصويرة وإحالة الملف على المحكمة اإلدارية بمراكش‬
‫لالختصاص‪.‬‬

‫وحيث إنه بالرجوع إلى المادة ‪ 9‬من القانون ‪ 03-31‬المحدث للمحاكم اإلدارية نجدها‬
‫تنص على أنه تختص المحاكم اإلدارية بالبث في دعاوي التعويض عن األضرار التي‬
‫تتسبب فيها أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام ما عدا األضرار التي تتسبب فيها في‬
‫الطريق العام مركبات أيا كان نوعها يملكها شخص من أشخاص القانون العام ‪...‬‬

‫لهذه األسباب‪ :‬حكمت المحكمة علنيا ابتدائيا وحضوريا بعدم االختصاص النوعي‬
‫‪2‬‬
‫للمحكمة االبتدائية بالصويرة وإحالة الملف على المحكمة اإلدارية بمراكش‪".‬‬

‫*حام المحامة اإللتدائية بطنبة عدد ‪ 1311‬الصادر بتاريخ ‪ ،1135/11/10‬ومن‬


‫بين ما جاء فيه ما يلي‪:‬‬

‫" وحيث إن الدعاوى المنصوص عليها في الفصل ‪ 95‬مكرر من قلع والمتعلقة بدعاوي‬
‫مسؤولية الدولة عن الضرر الحاصل لألطفال والشبان خالل الوقت الذين يوجدون فيه تحت‬
‫رقابة المعلمين وموظفي الشبيبة والرياضة بسبب الخطأ واإلهمال أو عدم الحيطة الذي يحتج‬
‫به على هؤالء الموظفين‪ ،‬تندرج ضمن دعاوي التعويض عن األضرار التي تتسبب فيها‬
‫اعمال ونشاطات القانون العام‪ ،‬والتي تختص المحاكم اإلدارية بالنظر فيها طبقا لمقتضيات‬
‫المادة الثامنة من القانون المحدث لها‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫يتعلق األمر بالحكم عدد ‪ 1131‬الصادر بتاريخ ‪ 1135/13/19‬عن المحكمة االبتدائية بطنجة‪ ،‬في الملف عدد ‪ ،131/30/3113‬حكم غير‬
‫منشور‪.‬‬
‫‪2‬يتعلق األمر بالحكم الصادر المحكمة االبتدائية بالصويرة عدد ‪ 013‬بتاريخ ‪ ،1135/31/11‬موضوع الملف عدد ‪ ،1130/311‬غير منشور‪.‬‬

‫‪677‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وحيث تبعا لذلك يتعين التصريح بعدم اختصاص هذه المحكمة نوعيا للبت في موضوع‬
‫‪1‬‬
‫هذه الدعوى لفائدة المحكمة اإلدارية " ‪.‬‬

‫*حام المحامة اإلدارية بالدار البيضاء عدد ‪ 1031‬بتاريخ ‪ ،1130/33/33‬والذي‬


‫قضى بقبول الدعوى شكال مما يفيد بانعقاد االختصاص النوعي للمحكمة اإلدارية للدار‬
‫البيضاء بالبت في طلب المدعي بالتعويض عن الحادثة المدرسية التي وقعت البنته نتيجة‬
‫سقوطها من درج اعدادية لالمريم بابن سليمان‪ ،‬واستجابت لطلب التعويض بتحميل الدولة‬
‫المغربية في شخص و ازرة التربية الوطنية مسؤوليتها في الحادث مع أداء تعويض يقدر ب‬
‫‪ 11111‬درهم ‪.2‬‬

‫*حام المحامة اإلدارية بماناس عدد ‪ 31/1110/55‬ش‪ ،‬والصادر بتاريخ‬


‫‪ ،1113/11/19‬ومن بين ما جاء في الحكم ما يلي‪:‬‬

‫” في الدفع بعدم االختصاص النوعي‪ :‬حيث إن الطلب يرمي إلى الحكم لفائدة المدعي‬
‫نيابة عن ابنه القاصر بتعويض مسبق محدد في مبلغ عشرة آالف درهم عن األضرار التي‬
‫لحقته من جراء الحادثة المدرسية التي وقعت بتاريخ ‪… 3333/31/1‬‬

‫وحيث دفعت الجهة المدعى عليها بعدم اختصاص المحكمة اإلدارية نوعيا للبت في‬
‫الطلب لكونه ال يندرج ضمن مقتضيات المادة ‪ 9‬من قانون رقم ‪.03.31‬‬

‫وحيث يتبين بالرجوع إلى معطيات النازلة فإن األمر يتعلق بالتعويض عن حادثة‬
‫مدرسية‪ ،‬أي التعويض عن أضرار مرتبطة بتسيير مرفق من طرف شخص من أشخاص‬
‫القانون العام‪ ،‬لذلك وتطبيقا لمقتضيات المادة ‪ 9‬من قانون رقم ‪ 03.31‬فإن الدعاوى المتعلقة‬
‫بالتعويض عن األضرار التي تتسبب فيها أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام ينعقد‬
‫االختصاص بشأنها للمحاكم اإلدارية‪ ،‬وإن كانت مقتضيات المادة ‪ 95‬مكررة من قانون‬
‫االلتزامات والعقود تسند االختصاص سابقا للمحاكم اإلقليمية التي حلت محلها المحاكم‬

‫‪1‬حكم المحكمة االبتدائية بطنجة عدد ‪ 1311‬الصادر بتاريخ ‪ ،1135/11/10‬في الملف عدد ‪ ،3111/30/1113‬حكم غير منشور‪.‬‬
‫‪2‬يتعلق األمر بحكم المحكمة اإلدارية بالدار البيضاء عدد ‪ 1031‬الصادر بتاريخ ‪ ،1130/33/33‬موضوع الملف اإلداري عدد‬
‫‪ ،1131/1331/11‬حكم غير منشور‪.‬‬

‫‪678‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫االبتدائية‪ ،‬فإن هذا المقتضى تم نسخه بعموم المادة الثامنة من قانون رقم ‪ ،03.31‬ومن ثم‬
‫فإن هذه المادة تستوعب بعمومتيها التعويض عن الحوادث المدرسية أيضا …‬
‫‪1‬‬
‫وتبعا لذلك صرحت باختصاص المحكمة اإلدارية نوعيا للبت في الطلب "‪.‬‬

‫*حام المحامة اإلدارية بفاس عدد‪ ،293/2006‬الصادر بتاريخ ‪،1111/15/11‬‬


‫ومن بين ما جاء فيه ما يلي‪:‬‬

‫” حيث دفعت الجهة المدعى عليها بعدم اختصاص المحكمة اإلدارية نوعيا للبت في‬
‫الطلب لكونه ال يندرج ضمن مقتضيات المادة ‪ 9‬من قانون رقم ‪ 03.31‬المحدث للمحاكم‬
‫اإلدارية‪.‬‬

‫وحيث يتبين بالرجوع إلى معطيات النازلة أن األمر يتعلق بالتعويض عن حادثة مدرسية‬
‫أي التعويض عن أضرار مرتبطة بتسيير مرفق عمومي من طرف شخص من أشخاص‬
‫القانون العام‪ ،‬وأنه وحسب المادة ‪ 9‬من قانون رقم ‪ 03.31‬المشار إليه المحددة لالختصاص‬
‫النوعي للمحاكم اإلدارية أدرجت ضمن مجال هذا االختصاص طلبات التعويض عن أعمال‬
‫ونشاطات أشخاص القانون العام‪ ،‬مما يبق ـ ـ ـ ـ ــى معه الدفع بعدم االختصاص النوعي للبت في‬
‫‪2‬‬
‫النازلة غير مؤسس ويتعين رده "‪.‬‬

‫ومن خالل هذه األحكام القضائية نستخلص أن هذا التوجه القضائي الذي يسند‬
‫االختصاص للمحاكم اإلدارية للبث في دعاوى الحوادث المدرسية سنده في ذلك‪ ،‬اعتبار‬
‫التعويض عن األضرار الناتجة عن الحادثة المدرسية‪ ،‬بمثابة تعويض عن أضرار مرتبطة‬
‫بتسيير مرفق من طرف شخص من أشخاص القانون العام‪ ،‬لذلك اعتبرت مقتضيات المادة ‪9‬‬
‫من قانون رقم ‪ 03.31‬هي الواجبة التطبيق‪ ،‬ومن تم فاالختصاص النوعي في الدعاوى‬
‫المتعلقة بالتعويض عن األضرار التي تتسبب فيها أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام‪،‬‬
‫بما فيها األضرار الناتجة عن الحوادث المدرسية ينعقد للمحاكم اإلدارية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫حكم إدارية مكناس عدد ‪ 31/1110/55‬ش‪ ،‬الصادر بتاريخ ‪ ،1113/11/19‬أشار إليه محمد خربوش في مقاله‪ :‬المنازعات المتعلقة‬
‫بالتعويضات عن الحوادث المدرسية‪ ،‬منشور بموقع المركز المغربي للتنمية الفكرية‪.www.cmdi.ma‬‬
‫‪2‬األمر يتعلق بحكم إدارية فاس عدد ‪ 1111/131‬الصادر بتاريخ ‪ ،1111/15/11‬في الملف اإلداري عدد ‪/310‬ت‪ ،1110/‬غير منشور‪.‬‬

‫‪679‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ثالثا‪ :‬توجه محامة النقض بخصوص البهة المختصة بالبث في منازعات‬


‫الحوادث المدرسية‬

‫إذا كان التضارب القضائي بشأن االختصاص النوعي في قضايا ومنازعات الحوادث‬
‫المدرسية ينحصر بين توجهين‪ ،‬األول يعتبر االختصاص في هذه الحوادث منعقدا للقضاء‬
‫العادي ممثال في المحاكم االبتدائية‪ ،‬وتوجه ثان يعتبر االختصاص النوعي منعقدا للقضاء‬
‫اإلداري ممثال في المحاكم اإلدارية‪ ،‬فهناك موقف ثالث يرى خالف هاذين التوجهين‬
‫القضائيين‪ ،‬ويعتبر أن االختصاص للبث في الحوادث المدرسية موكول لجهات إدارية بدل‬
‫‪1‬‬
‫القضاء‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬وقد اعتبرت الغرفة اإلدارية للمجلس األعلى (محكمة النقض حاليا) في قرارها‬
‫الصادر بتاريخ ‪ ،3339/1/0‬أن التع ــويض عـ ــن الح ـ ـوادث المدرسية (سيما ال ـ ــدعوى‬
‫المقـ ــامة في إطـ ــار ظ ــهير ‪ 11‬أكتوبر ‪ )3301‬من اختصاص اللجنة اإلدارية المنصوص‬
‫عليها بموجب الظهير‪ ،‬وليس من اختصاص القضاء‪.‬‬

‫وقد جاء في منطوق هذا القرار‪:‬‬

‫” … حيث إن جوهر النزاع هو تحديد طبيعة الدعوى القائمة من طرف المستأنف‬


‫عليها ضد المستأنفة‪ ،‬وهل األمر يتعلق بطلب تعويض عن أضرار ناتجة عن نشاط شخص‬
‫من أشخاص القانون العام في شخص و ازرة التربية الوطنية‪ ،‬أم أن األمر يتعلق بدعوى في‬
‫إطار ظهير ‪ 3301/31/11‬المتعلق بضمان الدولة لتعويض األضرار الناتجة عن الحوادث‬
‫المدرسية‪.‬‬

‫وحيث إنه من الثابت أن األمر يتعلق فعال بحادث مدرسي وأن المدعية أقامت دعواها‬
‫في إطار ظهير ‪ 3301/31/11‬المشار إليه‪ ،‬والذي نص على المسطرة الواجب اتباعها‬
‫للحصول على التعويضات المحددة في التشريع المذكور قد جعله المشرع من اختصاص‬

‫‪1‬وفي هذا اإلطار ينص الفصل الرابع من ظهير ‪ 11‬أكتوبر ‪ 3301‬والمعدل بموجب ظهير ‪ 3350/15/33‬على ما يلي‪ " :‬إن الحوادث التي تترك‬
‫لمن أصيب بها عج از دائما يقدر ‪ %31‬على األقل‪ ،‬تمنح له الحق في تقاضي تعويض على شكل إيراد عمري تحدد لبنة خصوصية مبلغه مؤقتا‬
‫عن سنة واحدة ويجدد اإليراد ضمنيا عند رأس كل سنة وذلك طيلة خمس سنوات وبعد استشارة طبيب يثبت أن مقدار العجز لم يتغير بعد "‪.‬‬

‫‪680‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫لبنة إدارية‪ ،‬وأن الطلب كان من المفروض أن يقدم إلى الوزارة المعنية لطلب الحصول‬
‫على التعويض المنصوص عليه في الظهير المذكور‪.‬‬

‫الشيء الذي يعني أن التعويض في هذه الحالة يخضع لمسطرة إدارية خاصة‬
‫وال يمكن طلبه مباشرة عن طرق القضاء‪ .‬وفي الحالة التي يكون فيها التعويض الممنوح من‬
‫طرف اإلدارة غير كاف في نظر المتضرر في إمكانه أن يتوجه إلى القضاء في نطاق‬
‫الفصل ‪ 95‬مكرر من قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬مما كان معه على المدعية أن تتقدم‬
‫بدعواها أمام المحكمة االبتدائية ذات االختصاص الشامل ال أمام المحكمة اإلدارية في نطاق‬
‫الفصل ‪ 9‬من قانون ‪ 03.31‬الغير القابل للتطبيق على النازلة الحالية …‬

‫‪ ...‬لهذه األسباب قضى المجلس األعلى بإلغاء الحكم المستأنف وتصديا بعدم‬
‫‪1‬‬
‫اختصاص المحكمة اإلدارية للبت في الطلب "‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬يتضح لنا بجالء مدى التضارب القضائي بخصوص الجهات المختصة نوعيا‬
‫بالبث في طلبات و دعاوى المسؤولية و التعويض عن الحوادث المدرسية‪ ،‬الشيء الذي‬
‫كان‬ ‫يعني ضرورة التدخل التشريعي لتحديد االختصاص أصبحت ضرورة ملحة‪ ،‬وإن‬
‫االجتهاد القضائي الحديث يسير نحو توحيد موقفه من االختصاص النوعي في المنازعات‬
‫المتعلقة بالتعويض عن الحوادث المدرسية‪ ،‬وذلك بإدراجه ضمن والية المحاكم اإلدارية وفقا‬
‫لمقتضيات المادة ‪ 9‬من قانون رقم ‪ ،03.31‬غير التدخل التشريعي في هذا المجال سنهي‬
‫النقاش بالجملة بين محاكم المملكة من جهة‪ ،‬ومن جهة ثانية فإن من شأن توحيد االجتهاد‬
‫القضائي في مجال المسؤولية عن الحوادث المدرسية‪ ،‬توضيح الرؤية لدى المتقاضين‬
‫وتخفيف العبء عنهم‪.‬‬

‫ومجمل القول فقد حاولنا خالل هذه الدراسة اإللمام بأهم النقط القانونية المرتبطة‬
‫بمجال الحوادث المدرسية‪ ،‬كما حاولنا اإللمام بأهم اإلشكاالت القانونية التي تثيرها مسؤولية‬

‫‪1‬قرار محكمة النقض عدد ‪ 533‬بتاريخ ‪ ،3339/11/10‬أشار إليه محمد خربوش في مقاله‪ :‬المنازعات المتعلقة بالتعويضات عن الحوادث‬
‫المدرسية‪ ،‬منشور بموقع المركز المغربي للتنمية الفكرية ‪.www.cmdi.ma‬‬

‫‪681‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الدولة عن الحوادث المدرسية معززين ذلك بأحكام وق اررات صادرة عن محاكم المملكة‬
‫بمختلف درجاتها‪ ،‬سائلين الله أن يوفقنا في هذا العمل المتواضع‪.‬‬

‫‪682‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المسؤولية المهنية للمحامي في ضوء االجتهاد‬


‫أ‬
‫القضائي‬
‫من إعداد الستاذة وصال شرقي‬
‫إطار بالوكالة القضائية للمملكة‪ ،‬باحثة في سلك الدك توراه‬
‫بجامعة محمد الخامس‪-‬السويسي‬
‫تقديم‬

‫تشكل المحاماة الدعامة األساسية لتحقيق العدل وهي الحماية‪ ،‬فهي مهنة مستقلة تشكل‬
‫مع ا لقضاء سلطة العدل‪ ،‬فال تنعقد المحكمة تحت طائلة البطالن إال بوجود محام‪ ،‬وهي‬
‫تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدل وتأكيد سيادة القانون‪ ،‬وترتبط المحاماة بالحياة‬
‫القانونية‪ ،‬كما تقع على المحامي مجموعة من الواجبات‪ 1‬كما أن هذا األخير يبقى معرض‬
‫الرتكاب األخطاء التي قد تختلف حسب جسامتها وآثارها على الغير‪ .‬لذلك قد يرتكب‬
‫المحامي خطأ مهنيا‪ ،‬جنائيا‪ ،‬أو مخالفة مهنية قد تعرضه لعقوبات تأديبية‪.‬‬

‫بالفعل‪ ،‬تعتبر مهنة المحاماة من أهم المهن القانونية‪ ،‬التي قد تترتب عن ممارستها‬
‫أخطاء مهنية يمكن أن يتحمل مسؤوليتها المحامي‪ ،‬وهو ما يعرف بالمسؤولية المهنية‬
‫للمحامي والتي عرفت المقاربة القانونية لمختلف اوجه تنظيمها تطو ار مهما في السنوات‬
‫األخيرة‪.‬‬

‫هذا التطور ساهمت فيه العديد من العوامل‪ ،‬سيما رفع الحصانة أو القداسة التي كانت‬
‫تمتاز بها مهنة المحاماة‪ ،‬كما أن مسؤولية المحامي أصبحت موضوعا له راهنيته أمام تعقد‬
‫وتشعب المهام القانونية والشبه القانونية التي أصبح مطالبا بالقيام بها وهو ما أدى إلى كثرة‬

‫‪1‬دور المحامي والقاضي في تحقيق المحاكمة العادلة‪ :1133 ،‬مقال منشور في‪ ،/https://universitylifestyle.net :‬آخر زيارة بتاريخ‬
‫‪.1111/31/35‬‬

‫‪683‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫أخطائه والبحث عن اآلليات الكفيلة بمواجهة المخاطر القانونية المرتبطة بمهامه بما فيها‬
‫‪1‬‬
‫اللجوء إلى التأمين‪.‬‬

‫وكغيره من المهنيين‪ ،‬يمكن أن تتخذ المسؤولية المهنية للمحامي شكل مسؤولية جنائية‬
‫في حالة ارتكابه جريمة أثناء أداء مهامه‪ ،‬أو مسؤولية تأديبية عندما يخالف المحامي‬
‫المبادئ األساسية للمهنة دون أن تتوفر العناصر المكونة للجريمة التي يعاقب عليها القانون‬
‫الجنائي‪ ،2‬أو مسؤولية مدنية إذا ارتكب المحامي خطأ يتسبب في ضرر لآلخرين‪.‬‬

‫وعلى الرغم من أننا سنتطرق إلى كافة أوجه مساءلة المحامي‪ ،‬إال أن إشكالية تحديد‬
‫طبيعة التزام المحامي تثار بشكل عام‪ ،‬هل يتعلق األمر بالتزام بتحقيق غاية أم يقتصر على‬
‫التزام ببذل العناية فقط؟ كما أن لهذا األمر أهميته في تحديد طبيعة مسؤولية المحامي عندما‬
‫يتعلق األمر بشركة مدنية للمحامين‪ ،‬وبااللتزام بحفظ السر المهني والعديد من القضايا‬
‫األخرى كمسألة حفظ الشكايات المقدمة ضد المحامين‪ ،‬وكذا امكانية الطعن في مقررات‬
‫الحفظ المذكورة‪.‬‬

‫ولإلجابة على هذه التساؤالت القانونية ولإللمام بكافة أوجه المسؤولية المهنية للمحامي‬
‫سنقسم هذا الموضوع إلى مطلبين‪ ،‬سنخصص األول لعرض المسؤولية الجنائية والتأديبية‬
‫للمحامي والثاني لمقاربة المسؤولية المدنية للمحامي‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬المسؤولية البنائية والتأديبية للمحامي‬

‫قبل التطرق للمسؤولية التأديبية للمحامي (الفقرة الثانية) سنحاول التطرق لمسؤولية‬
‫المحامي من الجانب الجنائي (الفقرة األولى)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬المسؤولية البنائية للمحامي‬

‫من المفيد التذكير بأن المحامي ال يتمتع بالحصانة من العقوبات الجنائية‪ ،‬باإلضافة‬
‫إلى ذلك‪ ،‬تميل المحاكم الجنائية إلى أن تكون أكثر شدة عندما يكون المتهم محاميا لكونه قد‬
‫‪1‬‬
‫‪M.Demeester, Avocat : responsabilité, Rép. Civ. Dalloz, ouvrage numérique, janvier 2009 (actualisation faite‬‬
‫‪en Février 2020), Paris.‬‬
‫ظهير شريف رقم ‪ 3.53.031‬صادر في ‪ 19‬جمادى الثانية ‪ 11( 3191‬نونبر ‪ )3311‬بالمصادقة على مجموعة القانون الجنائي‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪684‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫أدى قسم النزاهة ويفترض فيه المعرفة الجيدة بالقانون وبااللتزامات الملقاة على عاتقه‪ ،‬ناهيك‬
‫‪1‬‬
‫عن أنه من مساعدي القضاء وبالتالي ال يقبل منه أي عذر يبرر ارتكابه لخطأ جنائي‪.‬‬

‫وبما أن الحاالت التي يمكن أن يسائل فيها المحامي جنائيا متعددة ومتنوعة‪ ،‬فأننا‬
‫سنقتصر على الوقوف عند بعضها‪ ،‬وذلك على الشكل التالي‪:‬‬

‫أ‪ -‬إفشاء السر المهني‬

‫تعتبر جنحة افشاء السر المهني من بين الجرائم الشائعة في مجال مهنة المحاماة‪ .‬وقد‬
‫قنن المشرع المغربي هذه الجريمة في الفصل ‪ 001‬من القانون الجنائي‪ ،‬ورغم أن القانون‬
‫المنظم لمهنة المحاماة‪ 2‬لم يتطرق لهذا االلتزام إال أن القاضي يعتمد على مواد القانون‬
‫الجنائي أثناء معالجته لمسؤولية المحامي‪.‬‬

‫ولقيام المسؤولية الجنائية للمحامي يتعين إثبات العناصر المادية والمعنوية الرتكاب‬
‫جريمة إفشاء السر المهني‪ ،‬فالعقاب دون اثبات وقوع االفشاء يقينا‪ 3،‬ولقد وسعت محكمة‬
‫االستئناف بالرباط مفهوم هذه الجريمة حيث قضت بأنه يدخل في نطاق السر المهني كتمان‬
‫ما قد يكون المحامي سمعه أو شاهده أو أدلى فيه استشارة أثناء ممارسته لمهنته كما يمكن‬
‫‪4‬‬
‫إثارة مسؤوليته وإن كان موكله لم يتعرض ألي ضرر‪.‬‬

‫إضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن الفصل ‪ 001‬من القانون الجنائي يعفي المحامين من وجوب‬
‫االبالغ عن جنحة أو جريمة‪ ،‬تفاديا النتهاك أسرار المهنة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ال بد من اإلشارة إلى‬

‫‪1‬‬
‫‪http://www.maitre-eolas.fr/post/2006/01/02/262-la-responsabilite-des-avocats.‬‬ ‫‪Dernière‬‬ ‫‪visite,‬‬
‫‪le :30/04/2020.‬‬
‫‪2‬ظهير شريف رقم ‪ 3-19- 313‬صادر في ‪ 11‬من شوال ‪ 11 )3013‬أكتوبر ‪( 1119‬بتنفيذ القانون رقم‪ 28-08‬المتعلق بتعديل القانون المنظم‬
‫لمهنة المحاماة‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫خالد خالص‪ ،‬مهنة المحاماة في المغرب‪ ،‬مقال منشور في‪ ، jurisblogger.canalblog.com:‬تاريخ آخر زيارة‪.1111/13/11 :‬‬
‫‪4‬قرار صادر عن محكمة االستئناف بالرباط بتاريخ ‪ ،1119/1/10‬منشور في مجلة المحاماة عدد مزدوج ‪ 13 – 11‬ص ‪.101‬‬

‫‪685‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫أن هذا االعفاء ال يخص مكافحة غسل األموال‪ ،1‬أو في حالة مساعدة شخص في خطر‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫أو االبالغ عن الجرائم المتعلقة بتمويل اإلرهاب‪.‬‬

‫وينص القانون رقم ‪ 15-01‬بشأن مكافحة غسل األموال في مادته التاسعة على‬
‫عضوا في مهنة‬
‫ً‬ ‫وجوب االبالغ عن المعامالت المشبوهة‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فإن المحامي‪ ،‬لكونه‬
‫قانونية مستقلة‪ ،‬يخضع لهذا االلتزام باإلبالغ‪ .‬وتنص المادة ‪ 15‬من نفس القانون على ما‬
‫يلي‪ '' :‬ال يجوز‪ ،‬فيما يتعلق بالمبالغ أو العمليات التي كانت محل التصريح باالشتباه المشار‬
‫إليه في المادة ‪ 3‬من هذا الباب أن تجرى أية متابعة على أساس الفصل ‪ 001‬من مجموعة‬
‫القانون الجنائي أو على أساس أحكام خاصة تتعلق بكتمان السر المهني ضد الشخص‬
‫الخاضع أو مسيريه أو أعوانه الذين قدموا التصريح المذكور عن حسن نية''‪.‬‬

‫كما تنص المادة ‪ 9-139‬من القانون رقم ‪ 11-11‬المتعلق بمكافحة اإلرهاب على‬
‫أن‪" :‬يؤاخذ بعدم التبليغ عن جريمة إرهابية ويعاقب بالسجن من خمس إلى عشر سنوات كل‬
‫من كان على علم بمخطط أو أفعال تهدف إلى ارتكاب أعمال معاقب عليها بوصفها جريمة‬
‫إرهابية ولم يبلغ عنها فو ار بمجرد علمه بها الجهات القضائية أو األمنية أو اإلدارية‬
‫أو العسكرية"‪.‬‬

‫وبناء عليه االلتزام باحترام السر المهني الذي يلتزم به المحامي يتراجع عندما يتعلق‬
‫األمر بجرائم اإلرهاب‪.‬‬

‫ب‪ -‬خرق القواعد المنضمة لسير البلسات في المحاكم‬

‫التزام المحامي أثناء ممارسة مهامه بـأن يتقيد بالضوابط القانونية المتعلقة بسير‬
‫الجلسات في المحكمة واحترام الهيئة القضائية وفضال عن ذلك التزام المحامي بعدم استعمال‬
‫المناورة أو التحايل لحمل الغير على االدالء بشهادة أو تصريحات أو تقديم إق اررات كاذبة‪،‬‬
‫في أية مرحلة كانت عليها الدعوى‪ ،‬أو بقصد إعداد طلبات أو دفوع قضائية‪ ،‬بموجب الفصل‬
‫‪ 111‬من القانون الجنائي‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪M. Demeester, Avocat : responsabilité, op cit.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪S. Naoui, Obligations et responsabilités de l’avocat, Thèse pour l’obtention de grade de docteur, Université‬‬
‫‪de Grenoble, 2014, p : 291.‬‬

‫‪686‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ج‪ -‬جنحة القذف وانتهاك سلطة العدالة‬

‫أيضا متابعة المحامي بتهمة التشهير ضد قاض أو خبير أو شاهد على الرغم‬‫يمكن ً‬
‫من تمتع المحامي بحصانة الدفاع التي تغطي ما يرد في مرافعاته الشفوية أو في مذكراته‬
‫مما يستلزم حق الدفاع‪ .‬كما أنه ال يمكن اعتقال المحامي بسبب ما قد ينسب إليه من قذف‬
‫‪1‬‬
‫أو سب أو إهانة‪ ،‬من خالل أقوال أو كتابات صدرت عنه أثناء ممارسته المهنة أو بسببها‪.‬‬

‫وفي المقابل يمكن متابعة المحامي في إطار مقتضيات الفصل ‪ 111‬من القانون‬
‫الجنائي في حالة ارتكابه جريمة انتهاك سلطة العدالة فيما يتعلق باألفعال أو األقوال أو‬
‫الكتابات العلنية‪ ،‬التي يقصد منها التأثير على ق اررات رجال القضاء‪ .‬ولقد أكد الدستور‬
‫‪2‬‬
‫المغربي على هذا المبدأ في الفصل ‪.109‬‬

‫هذا فضال عن الجرائم األخرى الخارجة عن الحياة المهنية للمحامي والتي يمكن أن‬
‫‪3‬‬
‫تؤدي إلى عقوبات تأديبية في حقة‪.‬‬

‫وال يمكن أيضا أن نغفل الجرائم التي تتقاطع مع األنشطة المهنية للمحامي‪ ،‬ال سيما‬
‫االحتيال الضريبي والتزوير‪ ،4‬وتلك المتعلقة بتدخل المحامي في أعمال غير قانونية‬
‫كالتواطئ وإخفاء معالم الجريمة وإساءة استعمال أموال الشركات وهو ما يشكل جريمة خيانة‬
‫األمانة‪ ،5‬واختالس األموال المودعة‪ ،‬والسرقة‪ ،‬واالحتيال‪ ،‬والفساد‪ ،‬واستغالل النفوذ وغيرها‪.‬‬

‫ولعل من بين القضايا الشائعة نجد متابعة المحامي من أجل القيام باختالس األموال‬
‫المودعة لديه‪ ،‬فقد ذهبت محكمة النقض‪ ،‬مثال إلى أن‪" :‬استيفاء المحامي لمبلغ التنفيذ‬
‫واحتفاظه به أكثر من شهرين من غير إيداعه أو تمكين صاحب الحق منه يشكل مخالفة‬

‫المادة ‪ 59‬من القانون ‪ 19-19‬المنظم لمهنة المحاماة‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬ينص الفصل ‪ 313‬من الدستور المغربي على ما يلي‪ :‬يمنع كل تدخل في القضايا المعروضة على القضاء؛ وال يتلقى القاضي بشأن مهمته‬
‫القض ائية أي أوامر أو تعليمات وال يخضع ألي ضغط‪ .‬يجب على القاضي‪ ،‬كلما اعتبر أن استقالله مهدد‪ ،‬أن يحيل األمر إلى المجلس األعلى‬
‫للسلطة القضائية‪ .‬يعد كل إخالل من القاضي بواجب االستقالل والتجرد خطأ مهنيا جسيما‪ ،‬بصرف النظر عن المتابعات القضائية المحتملة‪ .‬يعاقب‬
‫القانون كل من حاول التأثير على القاضي بكيفية غير مشروعة‪.‬‬
‫‪3 M. Demeester, Avocat : responsabilité, op cit.‬‬
‫‪4‬الفصل ‪ 111‬و ‪ 113‬من القانون الجنائي‪ .‬انظر القرار رقم ‪ 11‬بتاريخ ‪ 11/11/35‬الذي يعاقب المحامي بالتشطيب بتهمة التزوير‪.‬‬
‫‪ 5‬الفصل ‪ 501‬من القانون الجنائي ‪.‬‬

‫‪687‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫للمادة ‪ 1‬من قانون المهنة المتمثلة في عدم التقيد بالسلوك المهني وبمبادئ التجرد والنزاهة‬
‫والكرامة‪ ،‬كما أن عدم جوابه على مراسلة النقيب بشأن الشكاية يعد مخالفة مهنية بمقتضى‬
‫‪1‬‬
‫النظام الداخلي للهيئة المنتمي إليها"‪.‬‬

‫كما جاء في قرار آخر لنفس المحكمة أن‪" :‬مخالفة االحتفاظ بالوديعة من المخالفات‬
‫‪2‬‬
‫المستمرة التي ال تتقادم إال من تاريخ اكتشافها ال من تاريخ ارتكابها"‪.‬‬

‫وقد أضاف القانون ‪ 19-19‬المتعلق بتنظيم المهنة جنحة سـمـس ـرة الـزبـنــاء أو جلبهم‬
‫والتي قد يعاقب عليها المحـامي بـصـفـته فـاعال أصـلـيـا أو مشـاركـا بعقوبة الحبس من سنتين‬
‫إلى أربع سنوات مـا لم تـكن األفـعـال معـاقـب علـيـها بعقوبة أشد‪.3‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬المسؤولية التأديبية للمحامي‬

‫يتعين على المحامي حين القيام بمهامه أن يحترم مجموعة من المبادئ األساسية والتي‬
‫في حالة انتهاكها قد يتعرض إلى المتابعة التأديبية‪.‬‬

‫يختلف القانون الجنائي عن مجال التأديب لكون هذا األخير يستند إلى نصوص مبدئية‬
‫عامة تترك سلطة تقديرية كبيرة للسلطة التأديبية‪ ،‬في حين يجب تفسير القانون الجنائي بدقة‬
‫وأن الشك يفسر لفائدة المتهم‪ .‬وللتمييز بين الخطأ المدني والتأديبي‪ ،‬فاالجتهاد القضائي‬
‫أشار إلى أنه من الضروري اإلشارة إلى المعايير الفردية والشخصية المتعلقة بالشخص الذي‬
‫‪4‬‬
‫ارتكب الخطأ‪.‬‬

‫ويمكن تحميل المسؤولية التأديبية ألي محام خالف أحكام القانون أو قواعد المهنة أو‬
‫ما يطلق عليها أعراف المهنة‪ 5،‬أو الذي خرق قواعد النزاهة أو الشرف حتى عند ارتكاب هذه‬

‫‪1‬قرار محكمة النقض رقم ‪ 313‬بتاريخ ‪ ،1130/13/11‬ملف اداري رقم ‪.1131/3/0/53‬‬


‫‪2‬قرار محكمة النقض عدد ‪ 111‬بتاريخ ‪ 15‬فبراير ‪1130‬ة ملف إداري عدد ‪.1131/3/0/1111‬‬
‫المادة ‪ 311‬من القانون ‪ 19-19‬المنظم لمهنة المحاماة‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪4‬‬
‫قرار محكمة االستئناف بمراكش عدد ‪ 533‬بتاريخ ‪ ،1113/11/15‬ملف عدد ‪ 1193/31/19‬والذي جاء فيه‪" :‬وحيث أنه للتفريق بين الخطأ‬
‫المدني الصرف والخطأ التأديبي يتعين الرجوع إلى المعايير الذاتية والشخصية لمرتكبي الخطأ"‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫قرار المجلس األعلى (حاليا محكمة النقض) عدد ‪ 910‬بتاريخ ‪ ،1111/33/35‬ملف اداري عدد ‪ 1115/0/3/3315‬والذي جاء فيه‪" :‬إن‬
‫تفريط المحامي في وثيقة لزبونه التي أمنه عليها يشكل إخالال بواجب حفظ ما أمن عليه حسبما تفتضيه األخالق الحميدة والشرف المقيد بها‬
‫بمقتضى المادة ‪ 1‬من القانون المنظم لمهنة المحاماة‪".‬‬

‫‪688‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫األفعال خارج اإلطار المهني‪ .‬واألمر متروك لمجلس النقابة الذي له الحق في المتابعة‬
‫أيضا أن المسؤولية التأديبية للمحامي هي مسؤولية‬
‫وفرض العقوبات التأديبية‪ .‬نالحظ ً‬
‫‪1‬‬
‫شخصية كما أكدته االجتهادات القضائية‪.‬‬

‫وسنتناول في هذه الفقرة لماهية العقوبات التأديبية التي يمكن أن يتعرض لها المحامي‬
‫قبل التطرق لإلجراءات التأديبية‪.‬‬

‫أ‪ -‬ماهية العقوبات التأديبية‬

‫ترد العقوبات التأديبية وتطبيقاتها في المادة ‪ 11‬من القانون ‪ 19-19‬السالف الذكر‪.‬‬


‫والعقوبات التي يجوز تطبيقها على المحامي فهي حسب جسامة الخطأ‪:‬‬

‫‪ -‬اإلنذار؛‬
‫‪ -‬التوبيخ؛‬
‫‪ -‬اإليقاف‪ 2‬عن ممارسة المهنة لمدة ال تزيد عن ثالث سنوات؛‬
‫‪ -‬الـت ـشـطــيب من الجــدول أو من الئ ـحـة ال ـتـم ـرين؛‬
‫‪ -‬أو ســحب الـص ـفـة الشرفية‪.‬‬

‫ويتعين أن يتم التدرج في فرض العقوبات التأديبية حسب جسامة الخطأ المرتكب‪.‬‬

‫يجوز للمحامي الذي صدر بحقه قرار تأديبي نهائي باإلنذار أو التوبيخ او االيقاف أن‬
‫يقدم لمجلس الهيأة التماسا برد االعتبار يبت فيه المجلس داخل أجل شهر من تاريخ‬
‫التوصل به‪.‬‬

‫قرار المجلس االعلى (حاليا محكمة النقض) رقم ‪ 311‬بتاريخ ‪ ،1115/11/11‬ملف اداري عدد‪2003/1/4/3773‬‬
‫‪1‬‬
‫قرار المجلس االعلى (حاليا محكمة النقض) رقم ‪ 111‬بتاريخ ‪ ،1115/15/10‬ملف اداري عدد ‪ 1301/0/3/1111‬والذي جاء فيه باالعتماد‬
‫على أن مجرد ارتكاب المحامي الشريك مخالفة تأديبية لقانون أو أعراف أو أخالق المهنة يستوجب المسؤولية الشخصية المباشرة لشريكه عن نفس‬
‫تلك المخالفة يكون القرار قد أساء تطبيق المادتين ‪ 11‬و‪53‬من ظهير ‪ 31/3/3331‬المتعلق بتنظيم مهنة المحاماة‪.‬‬
‫‪2‬قرار المجلس األعلى (حاليا محكمة النقض) عدد ‪ 910‬بتاريخ ‪ ،1111/33/35‬ملف اداري عدد ‪ 1115/0/3/3315‬يحق لغرفة المشورة أن‬
‫تعدل العقوبة الت أديبية للمحامي من ثالث سنوات إلى سنة واحدة لما لها من سلطة تقديرية لتناسب العقوبة والمخالفة المهنية‪.‬‬

‫‪689‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ويمكن لمجلس الهيأة أن يأمر بالتنفيذ المعجل لقرار اإليقاف عن الممارسة‪ ،‬أو‬
‫التشطيب في حالة اإلخالل الخطير بقواعد المهنة‪ .‬كما يمكن للمحامي المعني التقدم بطلب‬
‫لوقف التنفيذ أمام محكمة االستئناف التي قدم طعنه لديها‪.‬‬

‫وتتقادم المتابعة التأديبية بمرور ثالث سنوات ابتداء من تاريخ ارتكاب المخالفة أو‬
‫بتقادم الدعوى العمومية إذا كان الفعل المرتكب يشكل عمال جرميا‪ .‬كما ينقطع التقادم بكل‬
‫إجراء من اجراءات المتابعة أو التحقيق‪ .‬وال تحول المتابعة التأديبية دون تحريك الدعوى‬
‫العمومية من طرف النيابة العامة أو المتضررين‪ ،‬زج ار لألفعال التي تكون جنحا أو جنايات‪.‬‬

‫في حالة الضرورة المطلقة‪ ،‬يجوز لمجلس الهيأة األمر باتخاذ قرار مسبب لإليقاف‬
‫ويتخذ هذا القرار إما‬
‫المؤقت ضد أي محام يخضع لمتابعة زجرية تتعلق بممارسة المهنة‪ُ .‬‬
‫تلقائيا أو بطلب من النقيب أو الوكيل العام للملك أو باألغلبية المطلقة ألعضاء الهيئة‪،‬‬
‫ويمكنه بموجب نفس الشروط‪ ،‬إما تلقائيا أو بطلب من المعني باألمر‪ ،‬رفع المنع المؤقت‪.‬‬
‫ينتهي مفعول هذا المنع المؤقت بقوة القانون بمجرد التصريح ببراءة المحامي المتابع‪.‬‬

‫ب‪ -‬اإلجراءات التأديبية‬

‫تبدأ اإلجراءات التأديبية باستالم الشكاية من قبل النقيب والتي تكون قد تم تقديمها‬
‫مباشرة أو تم إحالتها من طرف الوكيل العام للملك‪ .‬ثم يقرر متابعة المعني باألمر أو حفظ‬
‫‪1‬‬
‫الشكاية في غضون ثالثة أشهر‪.‬‬

‫ونشير هنا إلى أن النقيب ال يمكنه من تلقاء نفسه‪ ،‬تحريك المتابعة التأديبية األمر‬
‫الذي أكدته محكمة النقض حيث قضت بأنه‪" :‬ال يمكن للنقيب تحريك أية متابعة ضد محام‬
‫إال إذا تلقى شكاية مباشرة من مشتكي معلوم أو من الوكيل العام للملك‪ .‬ولما كان تحريك‬
‫المتابعة قد تم بناء على مجرد معلومات دون بيان مصدرها‪ ،‬فإن المحكمة عندما قضت بعدم‬
‫قبول المتابعة بعلة أنه ال يمكن تصور إحالة الوشاية على النقيب‪ ،‬يكون قرارها غير خارق‬
‫للقانون"‪.2‬‬

‫المادة ‪ 11‬من القانون ‪ 19-19‬المنظم لمهنة المحاماة‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫قرار محكمة النقض‪ ،‬غرفة ادارية‪ ،‬رقم ‪ 150‬بتاريخ ‪ ،1135/11/15‬ملف اداري عدد ‪.1131/3/0/1113‬‬

‫‪690‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وعند البت في الدعوى‪ ،‬يتحفظ مجلس النقابة على الوقائع ويصدر أم ار باستدعاء‬
‫المحامي للمثول أمامه يتضمن تاريخ اجتماع المجلس التأديبي‪ ،‬ويجب إخطار المحامي بذلك‬
‫يوما على األقل قبل اجتماع المجلس التأديبي‪ ،‬وإبالغه بإمكانية اختيار زميل لمساعدته‬
‫‪ً 35‬‬
‫وكذلك حقه في االطالع على جميع المستندات الموجودة في الملف‪.‬‬

‫ومن حيث المبدأ‪ ،‬يمثل المحامي المتابع شخصيا أمام المجلس لالستماع إليه مؤاز ار‬
‫بمحاميه المختار عند االقتضاء‪ .‬وفي حالة عدم رده على االستدعاء الذي أرسل إليه‪ ،‬يبت‬

‫المجلس في الدعوى باتخاذ قرار يعتبر حضوريا‪ ،‬ويبلغ المقرر التأديبي خالل ‪ً 35‬‬
‫يوما من‬
‫النطق به إلى المحامي المعني وإلى الوكيل العام للملك ويشعر به المشتكي‪.‬‬

‫وإذا تم التشطيب على المحامي أو إيقافه عن العمل‪ ،‬يتعين عليه التوقف عن تولي‬
‫صفة المحامي بمجرد أن يصبح القرار قابالً للتنفيذ وهذا‪ ،‬وفًقا لـلمادة ‪ 13‬من القانون رقم‬
‫‪.19-19‬‬

‫غير أن هناك مسألة هامة يتعين الوقوف لديها وهي مسألة الشكايات المحفوظة‪ ،‬التي‬
‫وصلت نسبتها ‪ %99‬من مجموع الشكايات المقدمة في سنة ‪ ،11139‬والتي تثير مجموعة‬
‫من االشكاليات كمسألة الطعن في هذه األخيرة‪ ،‬وكذا طبيعة هذه المقررات التي تكون إما‬
‫ضمنية أو صريحة‪.‬‬

‫وفيما يخص المقررات الضمنية‪ ،‬فهذه األخيرة تتجلى في كون الشكاية لم يتم البت فيها‬
‫في اآلجال المحددة في القانون أما المقررات الصريحة فهي تلك التي يكون قد تم تعليلها‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أن هذه المقررات تبقى قابلة للطعن من طرف الوكيل العام للملك وحده‬
‫وذلك بعد تبليغه بالقرار‪.‬‬

‫ويطرح تعامل النقابة مع الشكايات الموجهة ضد المحامي مجموعة من اإلشكاليات‬


‫وعلى وجه الخصوص التي أمر النقيب بحفظها‪ .‬فقد ترد الشكاية على النقيب وال يقوم‬
‫بإحالتها على مجلس الهيأة وبعد مرور اآلجال القانونية اعتبر القضاء بأن ذلك يشكل ق ار ار‬

‫‪1‬‬
‫‪https://assabah.ma/446825.html. Dernière visite le : 15/11/2020.‬‬

‫‪691‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ضمنيا بالحفظ لكون النقيب يملك سلطة اإلحالة وأن مجلس الهيأة هو الذي يملك سلطة‬
‫‪1‬‬
‫الحفظ‪.‬‬

‫ويطرح أيضا التسا ؤل حول إمكانية إحالة الوكيل العام للملك نفس القرار على مجلس‬
‫الهيأة مرتين بهدف فتح أجل جديد؟‬

‫والحال أن الوكيل العام للملك ال يحق له إعادة االحالة في حين أن أجل متابعة‬
‫إجراءات التأديب لم يكتمل وذلك كما جاء في قرار قضائي لغرفة المشورة بمحكمة االستئناف‬
‫بالدار البيضاء‪ 2‬والذي كان قد تم بموجبه عرض ملف تأديبي يتعلق بأحد المحامين على‬
‫مجلس الهيأة الذي قام بدوره بالبت في الملف بحفظه وذلك داخل اآلجال القانونية‪ .‬تم بعد‬
‫ذلك تم الطعن في قرار الحفظ وإحالة الملف على مجلس الهيأة من طرف الوكيل العام للملك‬
‫من أجل إعادة البت مع إرفاق قرار غرفة المشورة بالوثائق الخاصة بالملف‪.‬‬

‫ولم يقم المجلس بالبت في هذا الملف داخل أجل ستة أشهر‪ ،‬وهو األجل المحدد‬
‫بموجب المادة ‪ 11‬من القانون المنظم للمحاماة‪ ،‬ويعتبر عدم إصدار قرار في هذه الحالة‬
‫بمثابة مقرر بعدم مؤاخذة المحامي المتابع‪ ،‬إال أن الوكيل العام للملك قام بإعادة إحالة نفس‬
‫القرار الصادر عن غرفة المشورة على المجلس وذلك من أجل البت فيه من جديد‪ ،‬وقضى‬
‫القرار القضائي األخير بتأييد مقرر مجلس الهيأة‪.‬‬

‫وفي األخير البد أن نوضح بأن مجرد مقرر عدم المؤاخذة الصادر عن مجلس الهيأة‬
‫ال يمنع غرفة المشورة من التصدي وتقرير عقوبة مناسبة وهو ما أكدته مجموعة من الق اررات‬
‫القضائية‪ 3.‬ونذكر منها على سبيل المثال قرار لمحكمة االستئناف بالقنيطرة الذي قضى‬
‫"بإلغاء المقرر بعدم المؤاخذة المتخذ من طرف مجلس هيأة المحامين بالقنيطرة لفائدة‪،...‬‬
‫والحكم تصديا بالتصريح بأن المخالفة المهنية المنسوبة لهذا األخير ثابتة في حقه وبمعاقبته‬

‫العمل القضائي وقانون مهنة المحاماة‪ ،‬ندوة ‪ 31‬يونيو ‪ ،1111‬دفاتر المجلس األعلى‪ ،‬العدد‪ ،1110 ،1‬ص‪.5:‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫قرار محكمة االستئناف بالدار البيضاء رقم ‪ ،311‬الملف عدد ‪ ،1139/3310/311‬بتاريخ ‪.1139/31/33‬‬
‫العمل القضائي وقانون مهنة المحاماة‪ ،‬ندوة ‪ 31‬يونيو ‪ ،1111‬دفاتر المجلس األعلى‪ ،‬العدد‪ ،1110 ،1‬ص‪.00:‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪692‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫من أجلها بعقوبة اإليقاف عن ممارسة المهنة لمدة ستة أشهر مع تحميل المطعون ضده‬
‫‪1‬‬
‫المصاريف"‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬المسؤولية المدنية للمحامي‬


‫‪2‬‬
‫يمكن أن يسأل المحامي مدنيا في إطار قواعد المسؤولية العقدية أو التقصيرية‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬المسؤولية على أساس الخطأ‬

‫بالنسبة للمسؤولية التقصيرية للمحامي فقد صرح أندريه دامين بأن "مسؤولية المحامي‬
‫تكمن في أخطائه ولو كانت طفيفة وإهماله في ممارسة مهامه‪ ،‬باإلضافة إلى أن تقدير خطأ‬
‫المحامي يتم من خالل قياس سلوكه على نموذج مقدم على أنه مثالي '' ‪bon‬‬
‫‪ ،'' professionnel‬و"يمكن للمحامي ً‬
‫أيضا أن يسأل عن مسؤوليته بصفته وكيال‪ ،‬وفي هذه‬ ‫‪3‬‬

‫الحالة‪ ،‬يتم تحديد مسؤوليته إما بالرجوع ألحكام المادة ‪ 3390‬من القانون المدني الفرنسي‪،‬‬
‫أي ما إذا كان يتصرف بحكم تفويض خاص‪ ،‬وإما أنه يستفيد من تفويض ضمني يعترف به‬
‫القانون في ممارسة نشاطه القضائي كما يتم تحديد مسؤولية المحامي بصفته وكيال في‬
‫القانون المغربي بالرجوع إلى مقتضيات الفصل ‪ 931‬من قانون االلتزامات والعقود‪.‬‬

‫وفي هذا الصدد سبق للمحكمة التجارية بفاس‪ 4‬أن قضت بأن قيام مسؤولية المحامي‬
‫مشروطة بثبوت تكليف الموكل للمحامي للترافع عنه والدفاع عنه أمام القضاء وموافقة هذا‬
‫األخير على ذلك‪ .‬وفيما يخص إثبات هذا التكليف‪ ،‬فقد جاء في قرار لمحكمة النقض‪ 5‬أنه‪:‬‬
‫" يجب على من يدعي تكليف محامي بالنيابة عنه أو مؤازرته إثبات ذلك طبقا للقانون‪،‬‬
‫ويكفي المحامي ادعاء عدم التكليف"‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫قرار محكمة االستئناف بالقنيطرة عدد ‪ ،33‬بتاريخ ‪ ،1133/13/31‬ملف رقم ‪( 331/3310/31‬غير منشور)؛ انظر ‪ :‬ذ المعطي الجبجوبي‪،‬‬
‫الدليل في شرح قانون المحاماة على ضوء التحليل الفقهي والعمل القضائي‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،1133‬ص‪.110 :‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Y. Avril, La responsabilité de l'avocat, paru chez Dalloz en 1981 : «La responsabilité civile de l'avocat est‬‬
‫‪contractuelle à l'égard de ses clients et délictuelle à l'égard des tiers. » ; Voir également sur cette question :‬‬
‫‪R. Martin, La déontologie de l’avocat, édition LITEC.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Voir : Les Règles de la Profession d'Avocat d'Hamelin et Damien, édition Dalloz N° 309.‬‬
‫‪4‬حكم رقم ‪ ،091‬المحكمة التجارية بفاس‪ ،‬ملف رقم ‪1131/9115/3113‬بتاريخ ‪.1139/11/35‬‬
‫‪5‬‬
‫قرار محكمة النقض رقم ‪ 11‬ملف إداري رقم ‪ 1131/3/0/3113‬المؤرخ في ‪.1130/13/13‬‬

‫‪693‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ويتوجب إلقرار المسؤولية المدنية للمحامي ارتكابه لخطأ ما قد يأخذ شكل اخالل بأحد‬
‫التزاماته‪ .‬وقد تم التأكيد على أن خطأ المحامي قد يكمن في عدم سلوكه لإلجراءات‬
‫المسطرية الضرورية‪ .‬في هذه الحالة‪ ،‬تم رفع دعوى التعويض ضد ورثة أحد المحامين من‬
‫طرف أحد االشخاص يدعي فيها بأنه أودع وثائق الملف باإلضافة إلى مبلغ من المال يمثل‬
‫أتعاب المحامي في مكتبه‪ ،‬ونظ ار لمرض المحامي فلم يستطع القيام باإلجراءات الضرورية‬
‫نيابة عن موكله وهو ما استجاب له القضاء عندما قضى على الورثة بدفع تعويض قدره‬
‫‪1‬‬
‫‪ 151.111،11‬درهم‪.‬‬

‫ولقد أكدت مجموعة من الق اررات القضائية هذا التوجه‪ ،2‬فقد جاء في قضية أخرى‪،‬‬
‫أثيرت أمام محكمة االستئناف بالدار البيضاء بأن مسؤولية المحامي قائمة لعدم ذكره الوقائع‬
‫في مقاله‪ ،‬مما يشكل إخالال لقواعد المسطرة المدنية وخاصة الفصل ‪ 3301‬ويكون نتج عن‬
‫‪4‬‬
‫ذلك ضرر أدى إلى تفويت فرصة الدفاع عن مصالح الموكل خالل المرحلة االستئنافية‪.‬‬

‫أيضا إثارة مسؤولية المحامي عندما يقدم نصيحة غير صحيحة وعندما ال يأخذ‬
‫ويمكن ً‬
‫بعين االعتبار التوجهات الجديدة لالجتهادات القضائية إال أنه ال يؤخذ على ذلك إذا كانت‬
‫‪6 5‬‬
‫القضية موضوع جدل أو اختالف قضائي‪.‬‬

‫‪1‬حكم رقم ‪ ،091‬المحكمة التجارية بفاس‪ ،‬ملف رقم ‪1131/9115/3113‬بتاريخ ‪.1139/11/35‬‬


‫‪2‬‬
‫قرار محكمة االستئناف بالقنيطرة رقم ‪ 391‬بتاريخ ‪ ،1111/33/11‬ملف رقم ‪31/3310/311‬؛ قرار محكمة االستئناف بمراكش رقم ‪ 191‬بتاريخ‬
‫‪ ،1131/10/10‬ملف رقم ‪01/3310/1131‬؛ قرار محكمة االستئناف بمراكش رقم ‪ 3131‬بتاريخ ‪ ،1119/11/33‬ملف رقم ‪19/31/1110‬؛‬
‫انظر‪ :‬مقاربة قانونية وقضائية حول طبيعة التزام المحامي اتجاه موكله اثناء الترافع عنه امام القضاء‪ ،‬مقال منشور في‪Marocdroit.com :‬‬
‫تاريخ اخر زيارة‪.1111/31/11 ،‬‬
‫قرار محكمة النقض رقم ‪ 311‬بتاريخ ‪ 1131/11/31‬ملف تجاري عدد ‪ 33683/3/2/20‬؛‬ ‫‪-‬‬
‫قرار محكمة النقض رقم ‪ 10‬بتاريخ ‪ 1119/13/31‬ملف عدد ‪ 3003/1/1/1111‬والذي جاء فيه بأن‪" :‬إهمال المحامي القيام بإجراء‬ ‫‪-‬‬
‫أفضى إلى فقدان المالك ألصله التجاري‪ ،‬وإدانة المحامي من أجل ذلك تجعله مسؤوال تجاه موكله‪ ،‬ومن حق هذا األخير مطالبته بالتعويض"‪.‬‬
‫ينص الفصل ‪ 301‬من قانون المسطرة المدنية‪" :‬يجب أن يتضمن المقال األسماء الشخصية والعائلية وصفة أو مهنة وموطن أو محل إقامة كل‬ ‫‪3‬‬

‫من المستأن ف والمستأنف عليه وكذا اسم وصفة وموطن الوكيل عند االقتضاء وأن يبين إذا تعلق األمر بشركة اسمها الكامل ونوعها ومركزها وأن‬
‫يتضمن كذلك موضوع الطلب والوقائع والوسائل المثارة وترفق المستندات التي يريد الطالب استعمالها بالمقال"‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫قرار محكمة االستئناف بالدار البيضاء رقم ‪ 113‬بتاريخ ‪ 3330/11/13‬ملف تجاري رقم ‪.235/93-1740/91‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Ph. Le Tourneau, l cadiet, Droit de la responsabilité, Dalloz, 1996, p : 557.‬‬
‫ظا ويجب عليه التأكد من صحة الوثائق القرار عدد ‪ 10‬المؤرخ في ‪ 1111/13/31‬الملف اإلداري عدد ‪3110‬‬ ‫‪6‬ويجب أن يكون المحامي ًا‬
‫حذر ويق ً‬
‫بتاريخ ‪ 1110-13-10‬منشور بمرجع محمد مياوم المحاماة والعلم الميداني‪ ،‬ص ‪.113‬‬

‫‪694‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وقد سبق أن تمت مساءلة محامي لتجاهله بشكل خطير لقواعد المهنة وإخالله للمروءة‬
‫مستندا عرفيا يعلن‬
‫ً‬ ‫والشرف وذلك لتقديمه استشارة زائفة لموكليه لدفع زوجين لالعتقاد بأن‬
‫انفصالهما بإمكانه أن تترتب عنه آثار قانونية وذلك حتى وإن لم يكن المحامي هو من حرر‬
‫‪1‬‬
‫هذه الوثيقة‪.‬‬

‫ومن المهم توضيح أن مسؤولية المحامي تكون مسؤولية تقصيرية في العالقات مع‬
‫أطراف ثالثة‪ ،‬على سبيل المثال عندما يعمل المحامي كبديل لمحامي بناء على قرار للنقيب‬
‫‪2‬‬
‫وال يختاره الموكل‪.‬‬

‫وتطبق نفس القاعدة حالة حدوث ضرر ال عالقة له بالنشاط المهني كالتشهير خارج‬
‫قاعة المحكمة على سبيل المثال‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬تعترف محكمة النقض الفرنسية اآلن أنه‬
‫‪3‬‬
‫يمكن للطرف الثالث التذرع بالخطأ الذي ارتكبه المحامي في تنفيذ الوكالة‪.‬‬

‫وفي األخير ورغم أن طبيعة التزام المحامي في مواجهة موكله فيها شبه اجماع على‬
‫أنه التزام ببذل العناية‪ 4،‬االمر الذي أكدته مجموعة من الق اررات القضائية‪ ،‬كقرار محكمة‬
‫االستئناف بالقنيطرة‪ 5‬والذي جاء فيه ما يلي‪ ":‬وحيث‪ ،‬إنه إذا كان التزام المحامي هم التزام‬
‫بالوسيلة وليس التزاما بالنتيجة‪ ،"...‬غير أن المحامي قد يكون ملزما بتحقيق نتيجة أو غاية‬
‫‪6‬‬
‫في بعض الحاالت خصوصا فيما يتعلق باحترام اآلجال القانونية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Cour d’appel de Rabat, 18 juin 1921, R.A.C.R, t. I, 1921-1922, p. 91.‬‬
‫‪2‬‬
‫« ‪Civ. 1ère, 5 mai 2004, n° 01-15.925, Bull. civ. I, n°124. Dans cette affaire, la Haute Cour a considéré que‬‬
‫‪la cour d'appel, ayant justement retenu que l'action en responsabilité introduite par Mme X... à l'encontre des‬‬
‫‪avocats suppléant son propre avocat, empêché, dans la gestion de son cabinet était, en l'espèce, de nature‬‬
‫‪extra-contractuelle et se trouvait ainsi soumise à la prescription édictée par l'article 2270-1 du Code civil, issu‬‬
‫» ‪de la loi du 5 juillet 1985‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Civ. 1ère , 18 mai 2004, n°01-13.844, Bull. civ. I, n°141, D. 2005. 194, RLDC 2004, n°322 ; Cass.,‬‬
‫‪ass.plén., 6 oct. 2006, n°05-13.255, D.255, D.2006. 2825, note G. Viney, JCP 2007. I. 115, chron. Ph.‬‬
‫‪Stoffel-Munck et JCP 2006. II, avis A. Gariazzo, note M. Biliau; Civ. 1ère , 15 mai 2007, n°05-16.926, Bull.‬‬
‫‪civ. I, n°193, D. 2007. 1594.‬‬
‫‪4‬‬
‫قرار محكمة االستئناف بالقنيطرة رقم ‪ 391‬بتاريخ ‪ ،1131/33/11‬ملف عدد ‪.31/3310/311‬‬
‫‪5‬قرار محكمة االستئناف بالقنيطرة الصادر بتاريخ ‪ 1131/33/11‬في الملف رقم ‪.1131/3310/311‬‬
‫‪6‬‬
‫‪S. Naoui, Obligations et responsabilités de l’avocat, thèse pour l’obtention de grade de docteur, Université‬‬
‫‪de Grenoble, 2014, p : 82.‬‬

‫‪695‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬المسؤولية التعاادية للمحامي‬

‫كما سبقت اإلشارة إلى ذلك فإن العالقة التي تربط المحامي بزبنائه عالقة تعاقدية‬
‫ماعدا فيما يتعلق بالتعيين التلقائي والتي الزال فيها نقاش‪ ،1‬هذا التوجه أكدته مجموعة من‬
‫األحكام القضائية‪ .2‬نفس األمر بالنسبة لاللتزام باإلعالم الذي يقع على عاتق المحامي عند‬
‫‪3‬‬
‫تحرير العقود أو الوثائق‪.‬‬

‫وبما أن قواعد المسؤولية التعاقدية هي التي تحكم عالقة المحامي بزبونه فالبد من‬
‫تحديد طبيعة هذا العقد (أ) وإمكانية التأمين عن المسؤولية المدنية للمحامي في هذا اإلطار‬
‫(ب)‪.‬‬

‫أ‪ -‬الطبيعة القانونية للعقد‬

‫الرأي السائد هو أن المحامي‪ ،‬يتصرف في إطار عقد وكالة أو عقد شركة‪ ،‬وهي‬
‫ازدواجية ال تثير الدهشة وذلك لقيامه بأنشطة عديدة منها القضائية والقانونية‪.‬‬

‫هذان العقدان لهما أوجه تشابه من حيث غرضهما المتمثل في أداء مهمة محددة‪،‬‬
‫بأكبر قدر من االستقالل‪ ،‬غير أن التعامل مع مسؤولية المحامي يختلف حسب طبيعة كل‬
‫عقد على حدة‪ ،‬فالمحامي يقوم بأداء جزء مهم من عمله في إطار وكالة خاصة‬
‫» ‪« mandat ad litem‬أو تفويض خارج نطاق القضاء ‪«mandat extra-‬‬
‫» ‪.judiciaire‬‬

‫ونظ ار لغياب عقد خاص "‪ "sui generis‬يحدد طيبعة العالقة التي تجمع المحامي‬
‫نسبيا في الواقع‪ ،‬ويتم تكييف هذه‬
‫بزبونه يضل اإلطار التعاقدي ألنشطة المحامي متباينا ً‬
‫العالقة التعاقدية بحسب طبيعة الخدمة المقدمة كالدفاع والتمثيل واالستشارة وصياغة العقود‬
‫وغيرها‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪P. Cassuto-tetaud, La responsabilité des professions juridiques devant la première chambre civile, Rapport‬‬
‫‪de la cour de cassation de 2002, p. 175.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪V. not. Civ. 1ère , 21 mars 2006, n°05-14.136 ; civ. 1ère , 12 mars 2002, JCPE 2002. 1335, note F.‬‬
‫‪Pasqualini .‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Civ. 2e , 2 oct. 2007, n°06-16.936, RCA 2007. 357.‬‬

‫‪696‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وفيما يخص التمثيل القانوني فيقوم به المحامي في إطار وكالة خاصة‪ ،‬ويجب التمييز‬
‫بين أنشطة المحامي غير القضائية والتي تتم في إطار عقد الوكالة وفق أحكام ظهير‬
‫االلتزامات والعقود والقانون المنظمة للمهنة‪ ،‬واألنشطة التي تتم في إطار عقد الشركة‬
‫خصوصا عندما تقدم خدمة دون تمثيل المحامي للزبون‪.‬‬

‫وفيما يتعلق بأنشطة المحامي األخرى‪ ،‬كقيامه بمهمة المحكم أو الوسيط في المنازعات‬
‫أو إبداء الخبرة القانونية أو القيام بالمفاوضات وغيرها من المهام أو الخدمات األخرى فإن‬
‫نظام المسؤولية تحدده طبيعة كل مهمة يقوم بها المحامي على حدة‪.‬‬

‫ب‪ -‬التأمين عن المسؤولية بالنسبة للمحامي‬

‫يفرض المشرع على المحامي اكتتاب بوليصة تأمين تؤمن مسؤوليته المدنية في حالة‬
‫ارتكابه خطأ أو إهمال الذي قد يقع فيه أثناء ممارسة أنشطته المهنية المختلفة‪.‬‬

‫وعمليا تقوم النقابة باكتتاب عقد تأمين يهم كافة المحامين األعضاء فيها وفق أحكام‬
‫المادة ‪ 33‬من القانون المنظم للمهنة‪ .‬األمر عينه على مستوى القانون المقارن‪ ،‬حيث تقوم‬
‫كل نقابة للمحامين إلزاميا بتأمين جميع أعضائها في فرنسا‪ ،‬مثال ويمكن للمحامي الذي يجد‬
‫نفسه يدافع عن مصالح أكثر أهمية أن يكتتب تأمينا إضافيا األمر الذي توصي به النقابة‪.‬‬
‫ويشمل التأمين في فرنسا األخطاء العمدية للمحامي كقيامه باختالس األموال التي حولها له‬
‫‪1‬‬
‫الموكل‪ ،‬على سبيل المثال‪.‬‬

‫ويقدم القانون الفرنسي نموذجا لكيفية تبسيط المساطر فيما يخص تفعيل مساءلة‬
‫المحامي مدنيا‪ ،‬حيث يكفي أن يكتب الموكل إلى محاميه ويخبره أنه يعتبر أنه ارتكب خطأ‬
‫عند قيامه بمهمة الدفاع مع بيان أوجه الخطأ‪ ،‬فيقوم المحامي جراء ذلك بإخبار شركة‬
‫وديا على المدعي إذا ثبت لديها فعال وجود خطأ‪ ،‬وفي حالة‬
‫تعويضا ً‬
‫ً‬ ‫التأمين والتي تقترح‬
‫النزاع‪ ،‬يرجع األمر إلى المحكمة وال يتولى المحامي مهمة الدفاع عن نفسه‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Environ trois millions et demi d'euros à Paris. http://www.maitre-eolas.fr/post/2006/01/02/262-la-‬‬
‫‪responsabilite-des-avocats, dernière visite le 30/04/2020.‬‬

‫‪697‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫كما تقوم جريدة النقابة ‪ Bulletin du Barreau‬بشكل منتظم بنشر ق اررات ووثائق‬
‫شيوعا مع أمثلة عن التكاليف‪ ،‬وذلك لتنوير المحامين وتحسيسهم بكيفية‬
‫ً‬ ‫باألخطاء األكثر‬
‫تجنب هذه االخطاء مستقبال‪.‬‬

‫وختاما ال يمكننا إال القول أن المحامي يعتبر حامل شعلة الحرية‪ ،‬المدافع عن الحقوق‪،‬‬
‫الضامن للعدالة‪ ،‬وهو الذي ينير طريق المتقاضين‪ ،‬إال أنه يبقى إنسانا واإلنسان معرض‬
‫للخطأ وذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم‪'' :‬كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين‬
‫التوابون''‪.‬‬

‫‪698‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

La responsabilité du notaire dans le droit marocain : entre


la doctrine et la jurisprudence
Préparé par Riham Alami El Idrissi,
Cadre à l’Agence Judiciaire du Royaume

Introduction
Le notariat est une profession étendue, dotée d’un statut particulier et de
fonctions qui la différencient clairement de toutes les autres professions
juridiques.
En outre, le notaire est un professionnel qui a le pouvoir d'authentifier les
actes en apposant son sceau et sa propre signature. Il constate ainsi
officiellement la volonté exprimée par les personnes qui les signent et s'engage
personnellement sur le contenu et sur la date de l'acte. Ce dernier s'impose alors
avec la même force qu'un jugement définitif, sauf que ces actes authentiques ne
sont pas susceptibles de soulever des contestations ultérieures ou des
interprétations diverses1.Il est à ce titre le magistrat de l'amiable, et l’acteur
d'une justice non contentieuse.
Le notaire exerce ses fonctions dans un cadre libéral2 conformément aux
conditions et attributions prévues par la loi 32-093 et par les autres textes
particuliers régissant la profession. Il est nommé par arrêté 4 du chef du
gouvernement pris sur proposition du ministre de la justice après avis de la
commission prévu à l’article 11 de la loi 32-095. Tandis qu’auparavant, il était
nommé par Dahir.

1
Saad Lahrichi, la responsabilité du notaire en droit français et en droit marocain, édition la porte, 2008, page
87.
2
L’article 35 de la loi 32-09 relative à l’organisation du notariat au Maroc dispose que : « Le notaire, sauf
dispositions contraires de la loi, reçoit les actes auxquels la loi impose le caractère d'authenticité attachée aux
actes de l'autorité publique, ou auxquels les parties veulent donner ce caractère. Il constate la date des actes
et assure la conservation des minutes et en délivre exemplaires et copies ».
3
La loi 32-09 relative à l'organisation de la profession de notaire est promulguée par le Dahir n° 1- 11-179
du 25 hija 1432. (B.O. n° 6062 du 5 juillet 2012).
4
L’article 10 de la loi 32-09 dispose que l’arrêté fixe le lieu d'exercice de la profession de notaire.
5
La commission est prévue par l’article 11 de la loi 32-09 qui dispose que : « La commission chargée de
donner son avis sur les nominations, mutations, dispenses, nominations à nouveau et poursuites disciplinaires
des notaires et des stagiaires est composée du : - Ministre de la justice, président ou son représentant ; -

699
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

Au-delà d’un simple rédacteur d’acte, le notaire intervient en qualité de


conseiller impartial et de garant de la sécurité juridique, d’où son rôle dans la
prévention des conflits.
En remontant à l’antiquité, le notaire était assimilé à un écrivain public
auquel avaient recours les illettrés pour établir les conventions passées entre
citoyens. Au Maroc, le notariat a fait son apparition en 1913 dans le cadre de la
modernisation des institutions du pays et dans le respect de ses traditions
séculaires. Il était au départ une fonction exercée par les secrétaires greffiers
près des tribunaux de paix, avant d’être exercé par les notaires ; suite à la
publication du Dahir du 04 mai 19251, jusqu’à la mise en place de la loi 32.09
relative à l’organisation de la profession de notaire en 20112.
L’adoption de la loi 32-09, s’inscrit dans le cadre du processus de la
réforme de la justice visant la modernisation des institutions juridiques et
judiciaires du Royaume. L’adoption de cette loi répond également à la
dynamique que connait le Maroc marquée par une forte volonté politique
d’engager des réformes structurelles et réaffirmée par l’adoption, en juillet 2011
d’une nouvelle constitution.
Et eu égard de la difficulté du travail qui incombe aux notaires, les
occasions de fautes professionnelles ne sont pas rares, il s’en suit que le nombre
de recours engagés contre eux est de plus en plus grand, car le notaire est
responsable civilement pour avoir causé un dommage à son client, pénalement
pour avoir transgressé une loi pénale et disciplinairement pour avoir désobéit à
la déontologie notariale3. C’est pourquoi, il est nécessaire de se demander quelle
est la nature de la responsabilité civile du notaire ? Et de savoir, dans quels cas
la responsabilité civile, pénale et disciplinaire du notaire pourront être
engagées ?
Ainsi, ce travail s’inscrit dans l’objectif de décortiquer toutes les formes de
responsabilités du notaire, tout en ressortant, au fur et à mesure, les innovations
apportées par la loi n°32.09 relative à l’organisation de la profession de notariat

Ministre chargé des finances ou son représentant ; - Secrétaire général du gouvernement ou son
représentant».
1
Dahir relatif à l'organisation du notariat (B.O. 23 juin 1925, rectifié le 29décembre 1925).
2
La loi 32-09 est entrée en vigueur le 24 Novembre 2012.
3
Article 77 du D.O.C dispose que : «Tout fait quelconque de l’homme qui, sans l’autorité de la loi cause
sciemment ou volontairement à autrui un dommage matériel ou moral, oblige son auteur à réparer le dit
dommage lorsqu'il est établi que ce fait en est la cause direct ».
Ce grand principe est bien entendu applicable au notaire dans l’exercice de ses fonctions, la responsabilité
notariale constituant une des branches de la responsabilité professionnelle.

700
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

en ce qui concerne la responsabilité du notaire, et les règles impératives qui


ressortent du code pénal et qui le sanctionnent en cas de commission d’une
infraction, sans oublier l’apport de la doctrine et la jurisprudence au sujet de la
responsabilité du notaire.
Pour cela, il serait judicieux d’analyser le volet de la responsabilité civile
du notaire dans le cadre de la première section, pour ensuite traiter tour à tour,
chacune des responsabilités disciplinaire et pénale dans la seconde section.

Section I : Le particularisme de la responsabilité civile du


notaire
Dans cette première section, il sera question d’étudier la nature de la
responsabilité civile du notaire (paragraphe 1), la trinité des conditions
d’exercice de l’action en responsabilité (paragraphe 2) et l’assurance
responsabilité civile professionnelle et le Fonds d’assurance des notaires
(paragraphe 3).

Paragraphe 1 : La nature de la responsabilité civile du notaire


La responsabilité civile se fond sur le principe selon lequel le dommage
causé à une personne oblige son auteur à le réparer. Cette notion cardinale de
droit s’applique aussi à la profession de notariat. On distingue alors la
responsabilité contractuelle et la responsabilité délictuelle. Il convient alors de
se demander quelle est la nature de la responsabilité civile du notaire ?

1. La responsabilité civile du notaire a un caractère


contractuel
A première vue, on peut considérer l’intervention du notaire relevant de la
responsabilité contractuelle, comme un simple contrat de prestation de service.
Ainsi, le litige intervenu à l’occasion de cette intervention ne pourrait avoir
comme cadre que ce contrat dont les parties seraient "le notaire et son client".
Or, en regardant ceci d’un autre angle, il convient de réfuter cette analyse hâtive
de la situation. Car les deux parties ne concluent aucun contrat d’entreprise. Dès
lors, le caractère contractuel de la responsabilité peut être écarté.
Sauf que, ce qui appui la théorie considérant l’intervention du notaire
relevant de la responsabilité contractuelle est que, le notaire ne peut pas
librement refuser d’exécuter ses fonctions. Effectivement, si le notaire refuse
sans motif légitime, il répond du préjudice qui en est causé1. Egalement, il n’est
pas libre de fixer sa rémunération à l’occasion de l’exercice de ses fonctions. Le

1
Article 29 de la loi n° 32.09.

701
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

montant et les modalités de perception des honoraires sont fixés par voie
réglementaire1.
De plus, la partie de la doctrine2 soutenant que la responsabilité civile du
notaire est de nature contractuelle s’est basée dans sa théorie sur la possibilité de
rattacher l’intervention du notaire aux "contrats de mandat", ou sur "les quasis
contrats de gestion d’affaires". C’est le cas par exemple lorsqu’il est chargé de
renouveler une inscription hypothécaire, de procéder à des liquidations et
partages, d’effectuer une négociation, etc.
Cependant, de nombreux arguments viennent s’opposer à la qualification
contractuelle par rapport au "mandat" et "la gestion d’affaire". En effet, la
spécificité du mandat réside dans la représentation. Le mandataire s’engage à
accomplir un acte juridique au nom et pour le compte de son mandant ; le
notaire intervient à l’acte pour le mandant. Or, la représentation n’est pas une
fonction naturelle du notaire.

2. La responsabilité civile a un caractère délictuel


L’application des règles de la responsabilité délictuelle serait justifiée car la
responsabilité du notaire est en réalité engendrée par une faute professionnelle
de celui-ci, constituée pas la transgression d’une règle qui lui est impérativement
imposée par sa profession. C'est probablement pour cette raison que dans une
grande partie des décisions juridiques, la jurisprudence retient la responsabilité
du notaire sur le fondement de la responsabilité civile délictuelle. A titre
d’exemple, la cour de cassation a présumé que les notaires sont tenus d'effectuer
les procédures liées à la garantie de l'efficacité des contrats, telles que la
publicité, les notifications, les inscriptions hypothécaires ou autres. Ils sont
également responsables des dommages résultant de leurs fautes professionnelles,
et suivant les dispositions de l'article 78 du D.O.C : « La faute consiste, soit à
omettre ce qu'on était tenu de faire soit à faire ce dont on était tenu de
s'abstenir…3».
L’un des principaux arguments avancés par les adhérents de la théorie
délictuelle de la responsabilité civile du notaire, est l’effet protecteur de ce type
de responsabilité qui serait en effet plus favorable au client que ne l’est la
responsabilité contractuelle. Surtout que, la responsabilité contractuelle admet la

1
Article 15 de la loi n° 32.09.
.202‫ و‬201 .‫ الرباط الطبعة الثانية ص‬،‫ مكتبة دار السالم‬،‫ التوثيق العصري المغربي‬،‫عبد المجيد بوكبر‬2
‫ من ظهير‬3 ‫لكن عمال بالفصل‬..." :‫ ما يلي‬1133/33/13 ‫ بتاريخ‬1113/0111/3/1 ‫ ملف مدني عدد‬،5178 ‫نصت حيثيات القرار عدد‬3
‫ المتعلق بتنظيم التوثيق فان الموثقين ملزمون بالقيام باإلجراءات المتعلقة بتأمين فعالية العقود مثل االشهار أو التبليغات أو‬3315-15-10
‫ من نفس الظهير فانهم مسؤولون عن األضرار الناتجة عن اخطائهم‬13 ‫التقييدات أو التشطيبات عن التقييدات الرهنية أو غيرها …وعمال بالفصل‬
."‫ع فإنه يعد خطأ فعل ما كان يجب اإلمساك عنه‬.‫ل‬.‫ من ق‬19 ‫المهنية وحسب الفصل‬

702
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

validité des clauses limitatives ou exonératoires de responsabilité. A l’inverse, le


caractère d’ordre public qui s’attache à la responsabilité délictuelle, interdit
qu’elle puisse être modelée au gré de la volonté des parties. La responsabilité
délictuelle exige la réparation intégrale du préjudice subi, et elle considère nulles
les clauses limitant la responsabilité de leur auteur.
In fine, notre tradition juridique insiste jusqu’à présent sur l’opposition
entre la responsabilité contractuelle et la responsabilité délictuelle. La
responsabilité civile n’a pas pu échapper à ce débat.
La controverse concernant la nature contractuelle et délictuelle étant ainsi
traitée, il convient désormais d’analyser les conditions d’exercice de l’action en
responsabilité.

Paragraphe 2: La trinité des conditions d’exercice de l’action


en responsabilité
Il est à préciser que la responsabilité civile notariale est soumise à la trinité
du droit commun laquelle n’est autre que la faute (1), le préjudice (2) et le lien
de causalité entre la faute et le préjudice (3).

1. La faute
Le législateur marocain a organisé la faute contractuelle dans l’article 263
du D.O.C, et la faute délictuelle dans l’article 78 du D.O.C. Sauf que, d’une
manière générale, la faute du notaire suppose toujours l’existence d’une
obligation, d’un devoir, qui lui incombe du fait de sa profession. Elle s’apprécie
donc par référence aux diverses obligations ; que son statut lui impose ; pour la
sauvegarde tant des intérêts de ses clients que des droits des tiers et de ses
confrères.
Dans l’article 491 de la loi 32-09, le législateur a différencié les fautes
causant la nullité des actes auxquelles le tribunal peut prononcer la nullité à la
1
L’article 49 de la loi 32-09 dispose que : «Tout acte reçu en la forme authentique et dressé en violation des
dispositions des articles 30, 31, 32, 37, 39 et 40 de la présente loi est nul s'il n'est pas émargé de la
signature de toutes les parties. S'il est revêtu de la signature de toutes les parties, il est seulement considéré
comme un acte sous-seing privé et donne lieu au paiement des indemnités par le notaire dans les deux cas et
la possibilité d'appliquer les sanctions disciplinaires et pénales à son encontre. Les mêmes dispositions sont
applicables lorsqu'un notaire reçoit un acte en dehors de son étude contrairement aux dispositions de l'article
12 ci-dessus ou lorsqu'il le reçoit alors qu'il est suspendu ou révoqué. Le tribunal prononce la nullité à la
demande de toute personne intéressée ou du ministère public. La nullité des actes qui ne respectent pas les
dispositions des articles 38 et 46 de la présente loi peut être invoquée, avant toute défense sur le fond, par
toute personne concernée et donne lieu au paiement d'indemnités et à la possibilité d'appliquer les sanctions
disciplinaires et pénales à l'encontre du notaire ».

703
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

demande de toute personne intéressée ou du ministère public, et les fautes dont


la nullité du contrat doit être évoquée par toute personne concernée avant toute
défense sur le fond du litige en question1.
Dans la première situation, les cas concernés sont: "la réception des actes
lorsqu'il détient ou lorsque son conjoint, ses ascendants ou descendants
détiennent un intérêt personnel direct ou indirect dans l'acte; lorsqu'il existe un
lien de parenté ou d'alliance jusqu'au quatrième degré inclus entre lui ou son
conjoint, ses ascendants ou descendants et l'une des parties à l'acte " 2, "la non
vérification de l'identité et de la qualité des parties, de leur capacité de disposer
et de la conformité à la loi des documents produits3 ", "la non présentation des
conseils aux parties, leur révéler ce qu'il a appris relativement à l'objet de leurs
actes et les éclairer sur la portée et les conséquences des actes qu'il reçoit"4.
Quant-aux fautes qui nécessitent l’évocation de la nullité du contrat avant
toute défense sur le fond sont : "ne pas avoir annexé à l'acte les documents ayant
servi au notaire pour son établissement. Ces documents portent une mention
indiquant cette annexion et sont émargés par les signatures du notaire et des
parties le cas échéant"5, et "la non-assistance du notaire par un interprète agréé
près les juridictions en cas de difficulté dans la réception d'un acte"6 .
Concernant ce dernier cas de figure, c’est à dire la non-assistance du
notaire par un interprète agréé, la cour de cassation a rejeté le pourvoi fait par le
notaire (partie demanderesse) considérant qu’il a failli à son rôle relatif à la
protection des intérêts respectifs des contractants. Dans cet arrêt, le notaire n’a
pas vérifié la prestation du serment de la personne qui était chargée de traduire
l’acte, ni le désistement écrit rédigé par la partie pour laquelle la traduction
devait être faite7.

1
:‫اإللكتروني‬ ‫الموقع‬ ‫أنظر‬ ،1133 ‫غشت‬ 13 ،‫للموثق‬ ‫المدنية‬ ‫المسؤولية‬ ‫حول‬ ‫قانوني‬ ‫بحث‬ ،‫بوي‬ ‫المهدي‬ .‫ذ‬
https://www.a7wallaw.com/11196
2
Articles 30 et 31 de la loi 32-09.
3
Premier aliéna de l’article 37 relatif à la loi 32-09.
4
Second aliéna de l’article 37 relatif à la loi 32-09.
5
Article 46 de la loi 32-09.
6
Article 38 de la loi 32-09.
7
‫"…لكن حيث إن الوقائع المتمسك بها من‬:‫ ما يلي‬1130/11/11 ‫ بتاريخ‬،1131/3/0/1311 ‫ ملف إداري عدد‬،190 ‫نصت حيثيات القرار عدد‬
‫قبل الطالب ال تعفيه من تطبيق القانون باستيفاء اليمين عن كل شخص يكلف أمامه بالترجمة لفائدة الغير متى كان ال يتوفر على صفة ترجمان‬
‫ في غياب تنازل كتابي صريح من الطرف الذي تتم الترجمة لفائدته وأن ذلك يندرج في إطار االلتزامات المهنية الملقاة على عاتقه بحكم‬،‫محلف‬
‫ ومن جهة ثانية فإن سقوط الدعوى العمومية لم يمنع محكمة االستئناف الجنحية من‬،‫مهامه التي تستلزم الحرص على حقوق جميع المتعاقدين‬
‫معاينة ثبوت األفعال التي كانت منسوبة إليه و ترتيب اآلثار القانوني على ذلك بإلزام ورثة الهالك بأداء تعويض لفائدة المشتكية في إطار الدعوى‬
‫ مما يجعل ما تمسك به الطالب في هذا اإلطار من تجريد القرار المذكور من أية حجة بالنسبة للوقائع موضوع المتابعة التأديبية التي‬،‫المدنية التابعة‬
." ... ‫تم تحريكها في حقه منعدم األساس وما بالوسيلتين معا غير جدير باالعتبار‬

704
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

Dès lors, la réalisation de la faute notariale ne peut être constituée que par
le manquement à une obligation professionnelle (1.1), et elle peut être soit du
fait du notaire, soit du fait d’autrui (1.2). La preuve de la faute notariale est
également à envisager dans ce cadre (1.3).

1.1 Le manquement à une obligation professionnelle


La faute notariale s’apprécie par rapport aux obligations professionnelles
du notaire. En effet, le notaire est fautif dès qu’il méconnait ses obligations
d’authentificateur et de conseiller ou l’une de ces deux obligations, ou s’il
méconnait une autre obligation connexe indispensable à la parfaite exécution de
ses autres obligations statutaires.
Il s’avère donc crucial de parcourir succinctement chacune des obligations
les plus importantes de la fonction notariale. A savoir, le devoir
d’authentification et le devoir de conseil.

1.1.1 Le devoir d’authentification


Dans un effort de définir l’acte authentique, le Dahir des Obligations et des
Contrats dispose dans son article 418 que : « l’acte authentique est celui qui a
été reçu avec les solennités requises par des officiers publics ayant le droit
d’instrumenter dans le lieu où l’acte a été rédigé… ».
Il convient de remarquer que les actes notariés ne sont pas les seuls actes
authentiques, vu que l’article 418 ajoute les actes reçus officiellement par les
cadis en leur tribunal, ainsi que les jugements rendus par les tribunaux
marocains et étrangers, en ce sens que ces derniers peuvent faire foi des faits
qu’ils constatent même avant d’avoir été rendus exécutoire.
En outre, si la vente peut se faire en principe uniquement avec l'accord des
parties1, la vente qui porte sur "des immeubles, des droits immobiliers ou autres
choses susceptibles d’hypothèque" est soumise à une exigence de forme
supplémentaire et doit être faite par écriture ayant date certaine2. L'écrit exigé ici
par la loi joue le rôle d'un élément constitutif du contrat.
De même, si l'échange se présente comme un contrat consensuel qui se
suffit du consentement des parties3, l'échange qui a pour objet des immeubles ou

1
Il suffit pour s’en convaincre de se référer à l’article 488 du D.O.C qui dispose que: « la vente est parfaite
entre les parties dès qu’il y a consentement entre les parties, l’un pour vendre, l’autre pour acheter, et qu’ils
sont d’accord sur la chose, le prix et les autres clauses du contrat ».
2
Article 489 du Dahir (9 ramadan 1331) formant Code des obligations et des contrats (B.O. 12 septembre
1913).
3
Article 620 du D.O.C.

705
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

autres objets susceptibles d'hypothèque se trouve soumis à la même exigence de


forme que la vente portant sur des immeubles. D’ailleurs, le deuxième alinéa de
l'article 620 du D.O.C. renvoie aux dispositions de l'article 489 relatif à la vente
d'immeubles, on retrouve donc ici la même exigence d'un écrit "notarié,
adoulaire ou sous-seing privé" qui vient s'ajouter à la volonté des parties pour
conditionner la validité du contrat.
Effectivement, la cour de cassation s’est basée sur les dispositions de
l’article 489 du D.O.C1 pour approuver que la vente de l’immeuble immatriculé
doit être faite par écriture ayant date certaine. Dans cet arrêt en question, les
éléments du dossier ne contiennent aucun détail qui prouve la conclusion de la
vente selon les conditions prévues par cet article. De plus, le certificat émis par
le notaire ne constitue pas une preuve tangible de la réalisation de la vente, tant
que les deux parties n'ont pas signé de contrat devant lui, qui rétablie noir sur
blanc leur accord sur le prix, l’objet de la vente et les autres conditions du
contrat2.

1.1.2 Le devoir de conseil


Contrairement à la législation française qui exprime de façon sous-jacente,
la mission de conseil, la loi n° 32.09 régissant la profession du notariat le prévoit
expressément dans son article 37.
Le notaire n’est donc pas un simple rédacteur d’acte, il a le devoir
d’éclairer les parties, de vérifier si leurs intérêts sont sauvegardés, de les
instruire de leurs droits et de leurs obligations respectifs, de leur expliquer tous
les effets des engagements qu’elles contractent, de leur exposer les chances et
les périls auxquels elles s’exposent, et aussi de leur indiquer les précautions que
la loi met à leur disposition pour garantir l’exécution de leurs volontés.
D’ailleurs, ce rôle de conseil a été confirmé par plusieurs arrêts de la cour
de cassation. Dans l’une de ses décisions, la cour a considéré que la mission du
notaire n’est pas seulement d’authentifier des accords conclus entre les parties.
Mais le notaire est un conseiller fiable qui veille à la bonne conclusion du

1
Cet article dispose que: « Lorsque la vente a pour objet des immeubles, des droits immobiliers ou autres
choses susceptibles d'hypothèques, elle doit être faite par écriture ayant date certaine …».
2
‫حيث إنه لما كانت مقتضيات الفصل‬،.." :‫ ما يلي‬1133/31/11 ‫ بتاريخ‬1131/1/3/1133 ‫ ملف عدد‬،5101 ‫نصت حيثيات القرار عدد‬
‫ وكانت وثائق الملف ال تتوفر على أي‬،‫ تنص على أن البيع الواقع على عقار محفظ يجب أن يجري في محرر ثابت التاريخ‬،‫ع‬.‫ل‬.‫ من ق‬093
‫ لما لم‬،‫ وهي على صواب‬،‫ تكون قد أصابت صحيح القانون‬،‫ فإن المحكمة لما ردت الدعوى‬،‫مستند يفيد وقوع البيع بالشكل المقرر في هذا الفصل‬
‫ يتضمن إتفاقهما على الثمن‬،‫ مادام الطرفان لم يوقعا أمامه عقد مكتوب‬،‫ التي ال تعتبر حجة في وقوع البيع‬،‫تلتفت إلى الشهادة الصادرة على الموثق‬
." ...‫ وبقية الشروط‬،‫والمثمن‬

706
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

contrat, empêchant ainsi tous les défauts qui pourrait nuire aux parties et
provoquer des conflits1.
Dans un autre arrêt de la cour de cassation, cette dernière a jugé que la
conclusion par le notaire de la promesse de vente concernant un appartement qui
s’est avéré par la suite greffé d’une hypothèque au profit d’une banque,
constitue une violation aux obligations professionnelles qui lui incombe, vu
qu’il est obligé de s’assurer de la sécurité de l’état de la chose vendue, et qu’elle
ne comporte aucune inscription qui pourrait porter atteinte aux intérêts de
l’acquéreur. La cour a justifié sa position par le fait que les notaires ou leurs
substituts ont l’obligation de conseiller les contractants, et de leur révéler tout ce
qui peut résulter de l’objet du contrat, sans faire la distinction si le contrat reçu
par le notaire est authentique ou sous seing privé2.
Ainsi, plusieurs qualités sont exigées du notaire à savoir, la loyauté qui
signifie que le notaire ne doit rien cacher à son client, aussi bien les éléments
favorables que ceux défavorables, le conseil doit être donné non seulement eu
égard aux circonstances présentes, mais également en fonction de ce qui pourra
se produire dans l’avenir.
Le désintéressement qui prône que l’intérêt du notaire doit toujours céder
le pas à l’intérêt du client, la défense fiscale du client par exemple est un devoir
pour le notaire qui devra conseiller la solution la plus économique. Dans cette
même logique, le notaire devra aussi s’abstenir d’établir des actes qui ne sont
pas absolument indispensables dont les frais sont dits frustratoires.
Ensuite, la compétence technique et intellectuelle est une autre qualité
exigée du notaire. En effet, ce professionnel du droit doit être dynamique dans
ses conseils. S’il veut bien pouvoir conseiller utilement, il doit être au courant de
la législation, non seulement celle apprise au cours de ses études dans
l’université et au cours des stages de formation, mais de la législation la plus
récente qui évolue avec une si grande célérité. On constate donc que l’exercice
de cette profession exige une mise à jour continuelle des connaissances du

1
‫حيث إن مهمة الموثق عمال بأحكام‬..." :‫ ما يلي‬1133/31/11 ‫ بتاريخ‬1131/1/3/1133 ‫ ملف عدد‬،5101 ‫نصت حيثيات القرار عدد‬
‫ فإنه‬،‫ بل أبعد من ذلك‬،‫ ال تقف عند حد إضفاء الصبغة الرسمية على االتفاقات بين األطراف‬،‫ المحتج به‬3315/1/11 ‫الفصل األول من ظهير‬
‫ دون أن تشوبه أي شائبة من شأنها اإلضرار باألطراف وإثارة‬،‫ وأمينا وحريصا على أن يتم التعاقد في أحسن الظروف‬،‫يعتبر مستشا ار ومرشدا لزبنائه‬
."...‫النزاعات‬
3315 ‫ ماي‬10 ‫ لكن حيث إن مقتضيات الفصل االول من ظهير‬..." :‫ ما يلي‬1131/1/3/3993 ‫ ملف عدد‬،310 ‫جاء في القرار عدد‬2
‫المتعلق بتنظيم مهنة التوثيق العصري سواء في شقه األول أو الثاني يلزم الموثقين العصريين أو نوابهم بأن ينصحوا المتعاقدين وأن يكشفوا لهم ما‬
‫ فإن المحكمة لما اعتمدت في‬... ،‫ دون تمييز ما إذا كان العقد الذي يتلقاه الموثق رسميا أو عرفيا‬،‫قد يعترضهم فيما يرجع لموضوع عقودهم‬
‫ وإعتبرت أن الموثق ملزم بالتأكد من سالمة وضعيه المبيع وخلوه من أي تقييد من‬،3315 ‫ ماي‬5 ‫تعليالتها مقتضيات الفصل االول من ظهير‬
‫ تكون قد طبقت مقتضيات الفصل المذكور تطبيقا سليما ولم تخرق طبيعة العقد موضوع‬،‫شأنه أن يضر بالمشتري واعتبرته بالتالي مخال بواجبه‬
."... ‫ فعللت بذلك قرارها تعليال سائغا وما بالوسيلة بفرعيها األول والثاني على غير أساس‬،‫النزاع‬

707
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

notaire, les points de droit doivent être vérifiés et les notaires ne doivent point
hésiter à s’entourer de tous les renseignements nécessaires, c’est ce qu’on
appelle "la veille juridique".

1.2 Fait personnel et fait d’autrui dans la faute notariale


Le principe précédemment posé de la nature délictuelle de la responsabilité
notariale justifie l’application à ce professionnel de la présomption de l’article
85 du D.O.C1 telle qu’elle a été reprise par l’article 26 de la loi n°32.09. Dès
lors, tout notaire se trouve soumis à la responsabilité de plein droit, que
supportent les commettants, pour les dommages causés par ses clercs et autres
salariés.
Mais bien entendu, cet automatisme de la responsabilité du commettant
impose, pour qu’elle soit engagée, qu’il existe un lien entre la faute
dommageable que le préposé a commise, et l’exercice de ses fonctions. En effet,
le commettant ne répond pas de toutes les fautes de son préposé, mais
uniquement de celles qui apparaissent dans le cadre de l’activité fonctionnelle de
celui-ci. C’est-à-dire, dans le cas où l’acte commis par le préposé se situe hors
de ses fonctions, et lorsqu’il n’a pas été autorisé par le commettant et que le
préposé ait agit à des fins étrangères à ses attributions.

1.3. La preuve de la faute notariale


Il incombe au demandeur de démontrer la faute du défendeur. Cette règle
joue différemment selon qu’il s’agit d’une obligation de moyen ou de résultat.

1
L’article 85 du D.O.C dispose que: « On est responsable non seulement du dommage que l'on cause par
son propre fait, mais encore de celui qui est causé par le fait des personnes dont on doit répondre.
Le père et la mère après le décès du mari sont responsables du dommage causé par leurs enfants mineurs
habitant avec eux ; Les maîtres et les commettants, du dommage causé par leurs domestiques et préposés
dans les fonctions auxquelles ils les ont employés ; Les artisans, du dommage causé par leurs apprentis
pendant le temps qu'ils sont sous leur surveillance ; La responsabilité ci-dessus a lieu à moins que les père et
mère et artisans ne prouvent qu'ils n'ont pu empêcher le fait qui donne lieu à cette responsabilité. Le père, la
mère et les autres parents ou conjoints répondent des dommages causés par les insensés et autres infirmes
d'esprit, même majeurs, habitant avec eux, s'ils ne prouvent:
1. Qu'ils ont exercé sur ces personnes toute la surveillance nécessaire;
2. Ou qu'ils ignoraient le caractère dangereux de la maladie de l'insensé;
3. Ou que l'accident a eu lieu par la faute de celui qui en a été la victime. La même règle s'applique à ceux
qui se chargent, par contrat, de l'entretien ou de la surveillance de ces personnes.

708
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

En effet, s’agissant d’une obligation de moyen, selon les dispositions de


l’article 4001 du D.O.C la preuve de la faute commise incombe à la victime qui
doit prouver que le notaire n’a pas été suffisamment diligent et qu’il ne s’est pas
comporté comme l’aurait fait "un bon père de famille".
Ainsi, dans un arrêt de la cour de cassation, cette dernière a noté que l'arrêt
attaqué est sans fondement, car la cour d’appel avait négligé un ensemble
d'éléments de preuve ou un ensemble de faits importants qui ont été prouvé au
cours de la procédure d’appel. Comme elle a inversé la charge de la preuve et a
confié au notaire (la partie demanderesse) de prouver que le montant du chèque
ne lui a pas déboursé mais vérsé à quelqu'un d'autre. Tandis que, selon les
dispositions de l’article 400 du D.OC. C’est la partie défenderesse (la victime)
qui était tenu de prouver que le montant du chèque a été retiré de son compte, et
de démontrer le compte auquel l’argent a été transféré2.
Dans le cadre d’une obligation de résultat, la faute est établie dès que le
résultat escompté n’a pas été atteint. Ainsi, en appliquant ce principe à la
fonction notariale, la jurisprudence a considéré que l’ensemble du devoir
d’authentification, exercé par le notaire, constitue une obligation de résultat. Dès
lors, sa seule inexécution suffit à prouver la faute commise par le notaire3.
En tout état de cause la preuve notariale est libre, et de nombreux éléments
peuvent être pris en compte. Il s’agit d’éléments essentiels pour asseoir la
conviction du juge. A savoir, le contenu des actes, la correspondance échangée
avec l’étude, la chronologie des actes, comme la nature des opérations
effectuées.
Enfin, il est à rappeler, que l’engagement de la responsabilité civile du
notaire suscite, en plus de la commission d’une faute, la réalisation d’un
dommage et un lien de causalité entre cette faute et ce dommage.

1
L’article 400 du D.O.C dispose que : « Lorsque le demandeur a prouvé l'existence de l'obligation, celui qui
affirme qu'elle est éteinte ou qu'elle ne lui est pas opposable doit le prouver ».
2
‫محكمة االستئنا ف قلبت عبء اإلثبات وكلفت الموثق بإثبات أن مبلغ الشيك‬..." :‫ ما يلي‬1130/11/39 ‫ بتاريخ‬310 ‫نصت حيثيات القرار عدد‬
‫ في حين أنه كان على المطلوب أن يثبت أن مبلغ الشيك وإن كان قد سحب من حسابه‬،‫ من ق ل ع‬011 ‫صرف لغيره عمال بمقتضيات الفصل‬
‫ ولم يتم صرفه وال يزال‬...‫ بل تسلم الشيك رقم‬... ‫ والموثق لم يتسلم أصال الشيك رقم‬،‫فإن عليه أن يثبت الحساب الذي حوله إليه مبلغ الشيك‬
‫ وأن الحكم المطعون فيه يتسم بعدم االرتكاز على أساس عندما أغفل تقييم مجموعة عناصر إثباتية أو لمجموعة من الوقائع‬،‫بحوزته لعدم إتمام البيع‬
."...‫أثبتت في الحكم‬
3
‫ " …إن مهمة الموثق تتمثل‬:‫ المذكور آنفا ما يلي‬1133/33/13 ‫ بتاريخ‬1113/0111/3/1 ‫ ملف مدني عدد‬،5178 ‫نصت حيثيات القرار عدد‬
‫في تحقيق نتيجة المعاملة الحاصلة بكل تحيد والقيام باإلجراءات الكفيلة بإبرام العقد وبذلك تكون اعتمدت ذلك في اعتبار الطالب مسؤوال على ما‬
‫سبق بغض النظر عن عدم توجيه االنذار للبائعة وأجابت عن دفوع الطالب فركزت قضائها على أساس وجاء قرارها معلال و يبقى ما استدل به على‬
."…‫غير أساس‬

709
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

2. Le dommage
Assurément, le notaire ne saurait être responsable que si sa faute a causé un
dommage. Le mot dommage vise tout préjudice subi par la personne (client ou
tiers). Il est constitué, non seulement par la perte effective que la victime a
éprouvée, mais également du gain dont elle a été privée et des dépenses qu’elle a
dû ou devrait faire afin de réparer les suites de l’acte commis à son préjudice.
Par ailleurs et conformément au droit commun de la responsabilité, pour
ouvrir droit à réparation, le dommage doit réunir trois caractères :

2.1 Le dommage doit être certain et actuel


Ce type de préjudice doit être présent au moment où le juge devra statuer.
S’il apparait qu’il doit nécessairement se produire dans l’avenir, selon des
modalités déjà véritables, on parlera de préjudice certain mais futur, car destiné
à se prolonger.

2.2 Le dommage doit être direct


Cela signifie que le préjudice ne résulte que de la faute du notaire. Pour
cela, il faut établir un lien direct de causalité entre le préjudice invoqué et la
faute notariale.

3. Le lien de causalité entre la faute et le dommage


C’est le lien qui doit exister entre la faute commise par le notaire et le
dommage subi par le client et sans lequel le notaire ne saurait être obligé de
réparer le préjudice1.
Précisons qu’en la matière, les juges ne se penchent pas catégoriquement
sur le principe de l’équivalence des conditions ou sur celui de la causalité, mais
se basent plutôt, au cas par cas, sur les circonstances de la cause pour en déduire
les différents cas de concours de fautes accompagnant celle du notaire et
déterminer un partage équitable de responsabilité entre les coauteurs du
dommage.
D’ailleurs, la cour de cassation avait reconnu la responsabilité du notaire au
même titre que le vendeur du bien objet de la transaction. La cour avait jugé
qu’ils devaient tous les deux compenser le dommage subi par l’acquéreur, étant
donné que d’un côté, le notaire n’avait pas procédé aux formalités de
l’inscription au niveau de la conservation foncière. Et d’un autre côté,
l’immeuble était grevé d’une saisie conservatoire ce qui a empêché l’inscription
foncière. La cour de cassation a considéré que la remise de la clé de l’immeuble
1
Cette règle est consacrée par le droit commun, plus précisément par l’article 77 du D.O.C.

710
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

à l’acheteur lors de la conclusion de l’acte, n’est pas suffisante pour prouver sa


possession de l’immeuble. L’acquéreur a continué à payer les traites et les
intérêts bancaires pendant une année sans avoir la possibilité de revendre le
bien1.

Paragraphe 3: L’assurance responsabilité civile


professionnelle et le Fonds d’assurance des notaires
Un système de garantie a été mis en place, il est constitué d’une assurance
privée et d’un Fonds d’assurance des notaires.

1. La souscription d’une assurance privée


Lorsque le notaire reçoit une mission, il bénéficie de la plus grande liberté
dans le choix et l’appréciation des moyens de l’accomplir. La conséquence en
est que sa responsabilité effective et pécuniaire garantit la sécurité des
conventions dans la mesure où cette sécurité peut être compromise soit par sa
faute ou celle de ses employés. Soit à cause de la forme des actes, soit à cause de
leur contenu ou bien de la gestion du processus d’authentification. C’est en quoi,
le notariat se différencie essentiellement des autres métiers juridiques.
De surcroît, nul notaire quelles que soient ses capacités, sa prudence et son
exactitude, n’est à l’abri des conséquences pécuniaires d’un oubli, d’une faute
commise par lui ou par un stagiaire travaillant dans l’étude du notaire. Le
résultat d’un long exercice, peut se trouver anéanti par un instant de distraction
ou une erreur involontaire.
Ainsi, selon l’article 26 de la loi 32-09, le notaire est responsable des
préjudices occasionnés par ses fautes professionnelles, celles de ses stagiaires ou
de ses salariés, conformément aux règles de la responsabilité civile. Le notaire
doit souscrire un contrat d’assurance couvrant cette responsabilité avant
d'entamer l'exercice de son activité. Il est tenu de produire chaque année un
document attestant de la continuité de cette souscription, sous peine de
poursuites disciplinaires. La prime minimale d'assurance est fixée par voie
réglementaire.

‫تكون المحكمة قد بنت قرارها على‬... " :‫ ما يلي‬1131/11/11 ‫ بتاريخ‬1119/5/3/1391 ‫ ملف إداري عدد‬911 ‫نصت حيثيات القرار عدد‬ 1

‫أساس لما ثبت لها أن الموثق الذي أنجز عقد بيع العقار لم يقم بتسجيله بالمحافظة العقارية لكونه كان مثقال بحجز تحفظي لفائدة الغير وقضت في‬
‫ أدى خاللها‬،‫ المتمثل في حرمانه من الحيازة القانونية للعقار مدة سنة‬،‫مواجهته شخصيا وكذلك البائع بالتعويض عن الضرر الالحق بالمشتري‬
‫ معتبرة بما لها من سلطة تقديرية أن الحيازة الفعلية للعقار من طرف المشتري بتسلم مفاتيحه من‬،‫أقساط قرض وفوائد بنكية وتعرض لخسائر مادية‬
‫ إذ أن تعذر الحيازة القانونية للعقار بسبب الحجز يحرم المشتري من‬،‫البائع فور إبرام العقد التوثيقي غير كافية وحدها للقول بعدم وجود الضرر‬
.… " ‫التصرف فيه بالبيع‬

711
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

L'article 94 de la même loi sus indiquée dispose que le fonds d’assurance


des notaires est destiné à garantir le paiement des sommes à verser aux parties
lésées en vertu d’une décision judiciaire, en cas d’insolvabilité d’un notaire ou
de son suppléant, et d’insuffisance des sommes versées par la compagnie
d’assurance au titre de dommages et intérêts, ou de défaut d’assurance.
Ceci dit, à la lecture des articles 26 et 94 de la loi 32-09, on a pu constater
que les fautes professionnelles émanant du notaire, sont assurées par la société
d’assurance. Alors que les fautes non professionnelles, les fautes intentionnelles
et celles ayant un caractère criminel, sont indemnisées par le fonds d’assurance
des notaires1.
La cour de cassation a appuyé cette analyse et a tranché le débat portant sur
l’indemnisation du fonds d’assurance des notaires des fautes professionnelles ou
bien des fautes non professionnelles. Dans ce sens, dans un arrêt, la cour de
cassation avait reconnu que l’objectif de la création du Fonds d’assurance des
notaires, est d’indemniser les victimes des fautes commises par les notaires, en
dépit de leur caractère. La cour a considéré que les fautes intentionnelles ont la
priorité dans la poursuite du Fonds, car les notaires sont des fonctionnaires
publics qui n’auraient pas pu commettre ces fautes s’ils n’avaient pas tiré profit
de leur statut professionnel au détriment des victimes, ce qui donne le caractère
professionnel à ces fautes2.
Vu que les critères de distinction entre les fautes professionnelles et les
fautes non personnelles, et les fautes intentionnelles ou criminelles, sont
difficiles à cerner et imprécis, ce qui pourrait certainement créer une controverse
judiciaire. Et les tribunaux auront le dernier mot pour donner une définition de la
faute professionnelle

،‫ مقال منشور بمجلة الوكالة القضائية للمملكة‬،‫ الطبيعة القانونية لصندوق ضمان الموثقين وآثارها على المنازعات القضائية‬:‫عبد الرحيم أزغودي‬ 1

.1139 ‫ ماي‬،‫العدد االول‬


2
‫ وإن لم تعط‬،‫وحيث ان المحكمة‬..." :‫ ما يلي‬1111/1/19 ‫ بتاريخ‬33/39100 ‫ في الملف الجنحي عدد‬1/3113 ‫نصت حيثيات القرار عدد‬
0 ‫ من ظهير‬13 ‫ فإنها لم تكن على صواب حينما أعطت تفسي ار للمادة‬،‫االعتبار للجانب الشكلي فيما يخص إدخال صندوق التأمين في الدعوى‬
‫ في حين أن االخطاء‬،‫ باعتبار أن االخطاء المهنية للموثق هي غير الفعل اإلجرامي بإصدار شيكات بدون رصيد المتابع به الطاعن‬3315 ‫مايو‬
‫المهنية قد يترتب عليها فعل إجرامي فإصدار الشيكات كان نتيجة خطأ عمدي تجسم في تبديد أموال المتعاقدين وبطبيعة الحال عسر الموثق عن‬
‫إرجاع االموال أتبع جريمة خيانة االمانة بجريمة إصدار شيكات بدون رصيد وأن األخطاء المهنية العمدية تعطى لها االولوية في إحالل صندوق‬
‫ وألجل أن تبقى األطراف‬،‫التأمين للموثقين الذين هم موظفون عموميون بنص القانون حسب مقتضيات الفصل األول من الظهير المشار إليه أعاله‬
‫المتضررة في مأمن من تصرفات موثق قد يستغل وضعة القانوني لغير صالح من وضعوا فيه ثقتهم مما يكون معه القرار المطعون فيه قد جاء‬
."...‫ناقص التعليل ومعرضا للنقض بخصوص الضمان‬

712
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

2. Le Fonds d’assurance et la problématique de fuite des


notaires avec les montants versés par les clients vers l’étranger
Le Fonds d’assurance des notaires protège les clients des risques
d’insolvabilité du notaire défaillant1. Il s’agit d’un Fonds qui existe depuis 1925.
Dans sa nouvelle formule, le Fonds d’assurance des notaires gagne en
transparence aussi bien sur le plan organisationnel que fonctionnel. Doté de la
personnalité morale, il est administré par un Conseil d’Administration et géré
par la Caisse de Dépôt et Gestion (CDG). Son conseil est composé de
représentants de l’État et de ceux de la profession notariale. Ses ressources sont
constituées du montant des intérêts de rémunération des comptes des notaires
auprès de la CDG et d’une contribution versée par les notaires pour tout acte
reçu. Quant à ses charges, elles portent sur les frais résultant de l’exécution des
décisions judiciaires exécutoires à l’encontre du Fonds, et les frais au titre des
actions engagées. L’intervention du Fonds de garantie n’est envisagée qu’en cas
d’insolvabilité du notaire et en cas d’insuffisance des sommes versées par la
compagnie d’assurance.
La nature du Fonds d’assurance des notaires est restée longtemps
controversée. En effet, une partie de la doctrine considère qu’il fait partie des
personnes de droit privé. Car, selon eux, le budget du Fonds est composé des
contributions versées par les notaires sur les contrats qu’ils établissent. Aussi,
d’après eux, si le législateur voulait conférer le caractère public au Fonds, il
aurait pu l’exprimer de façon claire et explicite.
Le deuxième courant de la doctrine, suppose que le Fonds de garantie a un
caractère de droit public, étant donné que le premier article de l’ancienne loi du
04 mai 1925 relative à l’organisation du notariat, considère que le notaire est un
fonctionnaire public. Et nonobstant le caractère libéral de ce métier, il est
organisé par une loi spéciale, qui régit aussi le montant des contributions des
notaires et les modalités de leurs versements. Sans oublier la nomination des
notaires, qui est une procédure purement administrative.
Le caractère public du fonds d’assurance, s’exprime aussi par rapport à ses
ressources financières, qui sont régies par la Caisse de Dépôt et de Gestion, qui
est une institution publique financière.

Ceci étant, la cour de cassation a tranché sur la question relative à la nature


juridique du Fonds de garantie des notaires, et a reconnu qu’il fait partie des

1
Conformément aux dispositions de l’article 26 de la loi n° 32-09 qui réglemente la profession du notariat.

713
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

personnes de droit public1 et qu’il faut à ce titre appliquer les dispositions de


l’article 9 de la procédure pénale2.

Ce texte de loi reconnait que le seul cas où il serait possible de poursuivre


une personne de droit public devant les juridictions répressives est quand celle-
ci est responsable du dommage causé à la victime par un moyen de transport
appartenant à la personne morale de droit public. Ceci a été d’ailleurs confirmé
par plusieurs arrêts de la cour de cassation3.

Or, en pratique, malgré l'intervention de la Cour de cassation à plusieurs


reprises pour conclure ce débat, les justiciables ne sont toujours pas convaincus
par le fait que le Fonds de garantie soit une personne morale de droit public,
qu’il ne faut pas poursuivre devant les tribunaux répressifs mais devant les
juridictions civiles sauf dans cas su dommage causé à la victime par un moyen
de transport. D’ailleurs, cette démarche erronée leur coûte des sommes
exorbitantes et leur fait perdre beaucoup de temps parce qu'ils n'ont pas choisi la
bonne procédure depuis le départ.
Reste que les demandes d’indemnisation à l’encontre du Fonds de garantie
ne sont recevables que si l’insolvabilité du notaire est établie. D’ailleurs, dans un
arrêt de la cour de cassation, celle-ci a considéré que le Fonds de garantie
n’assure le paiement des sommes auxquelles le notaire est condamné, qu’en cas
d’insolvabilité de ce dernier.
D’un côté, le concept de l’insolvabilité a soulevé plusieurs interprétations,
surtout en ce qui concerne la preuve de l’insolvabilité du notaire. Le législateur
est resté vague dans les propos de l’article 944 de la loi 32-09, la jurisprudence a
1
‫وحيث إن القرار‬..." :‫ ما يلي‬1131/13/10 ‫ بتاريخ‬1133/31/1/31111-11 ‫ في الملف الجنائي عدد‬31/19 ‫نصت حيثيات القرار عدد‬
‫المطعون فيه قضى على الطاعنين بإحاللهم في األداء بعد مناقشة المسؤولية المدنية الناتجة عن األفعال المجرمة في حق المطلوب بمناسبة قيامه‬
‫بأشغال مهنة التوثيق الذي يضمنها صندوق تأمينات الموثقين وهو من أشخاص القانون العام الذي ال يمكن مقاضاته إال أمام القضاء المدني‬
."...3315/5/0 ‫بشروط نصت عليها مقتضيات الظهير المؤرخ في‬
2
L’article 9 de la procédure pénale marocaine dispose que : « L'action civile peut être exercée en même
temps que l'action publique, devant la juridiction répressive saisie de cette dernière.
Cette juridiction est compétente quelle que soit la personne physique ou la personne morale de droit civil ou de
droit public responsable du dommage. Elle l’est également à l’égard des personnes de droit public dans le cas
où l’action en responsabilité tend à la réparation de dommage causé par l’un des moyens de transport ».
‫ وحيث إن الصندوق‬..." :‫ ما يلي‬1131/13/10 ‫ بتاريخ‬1133/31/1/31119-69 ‫ في الملف الجنائي عدد‬31/27 ‫نصت حيثيات القرار عدد‬3
‫المحكوم عليه باألداء من أشخاص القانون العام الذين ال تقام عليهم الدعوى العمومية إال في حالة واحدة هي المسؤولية في الدعوى المقامة بسبب‬
."...‫ضرر تسببت فيه وسيلة النقل طبقا للمقتضيات المشار إليها‬
4
L’article 94 de la loi 32-09 dispose : « … Ce fonds est destiné à garantir le paiement des sommes à verser
aux parties lésées en vertu d'une décision judiciaire, en cas d'insolvabilité d'un notaire ou de son suppléant,
et d'insuffisance des sommes versées par la compagnie d'assurance au titre de dommages et intérêts, ou de
défaut d'assurance ».

714
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪donc été libre dans l’interprétation de ce terme. D’ailleurs, c’est ce qu’on a pu‬‬
‫‪constater lors de la lecture de quelques arrêts de la cour de cassation. Celle-ci a‬‬
‫‪considéré dans plusieurs occasions que la fermeture du bureau du notaire et sa‬‬
‫‪fuite vers l’étranger est une preuve de son insolvabilité. En effet, dans un arrêt,‬‬
‫‪la cour de cassation a jugé que le cas du notaire ayant détourné les fonds de son‬‬
‫‪client et s’est enfuit vers un pays étranger, constitue une preuve de son‬‬
‫‪insolvabilité ce qui oblige le Fonds d’assurance à remplacer le notaire dans le‬‬
‫‪remboursement des sommes dues1.‬‬
‫‪Dans un autre arrêt de la cour de cassation, celle-ci a jugé nécessaire de‬‬
‫‪chercher dans le patrimoine du notaire avant d’engager la responsabilité du‬‬
‫‪Fonds d’assurance des notaires et de se prononcer sur l’insolvabilité du notaire 2.‬‬
‫‪Par Exemple le procès-verbal fait par l’huissier et mentionnant la fermeture de‬‬
‫‪l’étude du notaire, et son absence de son lieu de travail, n’est pas une preuve‬‬
‫‪suffisante pour prononcer l’insolvabilité du notaire. Aussi, le procès-verbal‬‬
‫‪indiquant l'absence de biens à saisir, ne peut pas être pris en compte, car il a été‬‬
‫‪fait dans le domicile de la mère du notaire. Selon la cour de cassation, il aurait‬‬
‫‪fallu rechercher les biens appartenant au notaire par tous les moyens juridiques‬‬
‫‪possibles. La charge de la preuve de l’insolvabilité du notaire incombe au‬‬
‫‪demandeur3.‬‬
‫‪D’un autre côté, la jurisprudence marocaine démontre la problématique‬‬
‫‪relative à la fuite vers l’étranger des notaires après le détournement des sommes‬‬
‫‪dues à leurs clients. Plusieurs vas et viens des notaires entre le Maroc et‬‬
‫‪l’étranger sont constatés, les justiciables dénoncent des complicités aux‬‬

‫‪1‬‬
‫نصت حيثيات القرار عدد ‪ 11/3‬في الملف المدني عدد ‪ 1131/3/3/1911‬بتاريخ ‪ 1139/11/13‬ما يلي‪ ..." :‬المحكمة لما اعتبرت بأن‬
‫العجز عن الوفاء الموجب لمقاضاة صندوق الضمان المالي للموثقين ليس العجز عن الوفاء با لتزام تعاقدي كاالحتفاظ بمخلف ثمن بيع عقار وإنما‬
‫العجز عن تسديد التعويضات المترتبة عن األخطاء المهنية المترتبة من الموثقين وأن الصندوق يعد في حقيقته صندوقا للتأمين والحال أنه من جهة‬
‫أولى فإن ما قام به الموثق فيه مساس بقواعد وأصول المهنة ألن األموال التي كانت مودعة بين يديه كانت في إطار وديعة قصد تسليمها للطاعنين‬
‫في إطار مسؤوليته المهنية الصرفة ومن جهة أخرى فإن عدم وجود أموال لدى الموثق يمكن استيفاء الديون منها وف ارره خارج الوطن يجعله في حالة‬
‫عسر يستوجب إحالل صندوق الموثقين في الدعوى‪ ...‬تكون قد عللت قرارها تعليال كافيا‪."...‬‬
‫‪2‬‬
‫نصت حيثيات القرار عدد ‪ 0001‬في الملف المدني عدد ‪ 1131/1/3/1530‬بتاريخ ‪ 1133/31/39‬ما يلي‪..." :‬اعتبرت محكمة االستئناف أن‬
‫عسر الموثق ثابت لكونه لم يعثر عليه وأن ف ارره يؤكد عسره ولم يثبت الطاعن عمارة ذمته بممتلكات للحجز عليها‪ ،‬في حين أن ما اعتمده القرار‬
‫مجرد قرينة ال يمكن اعتمادها في إثبات عسر الموثق‪ .‬ما دام البحث عن أمالك الموثق يكون بالحجج الرسمية ويقع عبء إثبات ذلك على المدعي‬
‫وليس الطاعن خالف لما اعتبره القرار المطعون فيه‪." ...‬‬
‫‪3‬‬
‫نصت حيثيات القرار عدد ‪ 93‬في الملف المدني عدد ‪ 1119/1/3/1115‬بتاريخ ‪ 1131/13/11‬ما يلي‪..." :‬محكمة االستئناف اعتمدت فيما‬
‫قضت به على محضر إخباري يفيد أن مكتب الموثق مغلق في حين أن عدم العثور عليه بمكتبه ال يعد قرينة على اإلعسار كما أن محضر‬
‫إخباري يفيد ان مكتب الموثق مغلق في حين ان عدم العثور عليه بمكتبه ال يعد قرينة على اإلعسار كما أن محضر عدم وجود ما يحجز والذي لم‬
‫يطلع عليه الطاعن ال يمكن االعتداد به ألنه تم إنجازه باالنتقال إلى مسكن والدة الموثق وال يعقل أال يجد به أي منقول‪ .‬وألنه من جهة أخرى كان‬
‫ينبغي البحث عن ممتلكات الموثق بشتى الوسائل المتاحة قانونا وواقعا وألن عبء اإلثبات يقع على من يدعي وليس كما إرتأت محكمة اإلستئناف‬
‫في مطالبة الطاعن بإثبات عكس ما ورد بمقال الدعوى تطبيق للفصل ‪ 011‬من ق‪.‬ل‪.‬ع ‪ .‬ما دام أن هذا الفصل ال ينطبق على النازلة‪."...‬‬

‫‪715‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

frontières. Enormément de plaintes en justice concernent aussi bien les maitres


notaires, que les notaires stagiaires. On constate ici qu’il est temps pour le
législateur marocain de revoir les textes juridiques relatifs aux sanctions pénales
du notaire.

Section 2 : La responsabilité disciplinaire et pénale du notaire


Le notaire étant un technicien de droit incontestable et un conseiller
privilégié des citoyens à leur diversité voir même un anticipateur de la
conjoncture sociale et économique de la société, voit de plus en plus sa
responsabilité disciplinaire vivement engagée (paragraphe1) à l’instar de celle
pénale (paragraphe 2).

Paragraphe 1 : la responsabilité disciplinaire du notaire


Les notaires sont soumis, tant en ce qui concerne leur comptabilité, les
fonds et valeurs dont ils sont dépositaires ou comptables qu'au regard de la
régularité de leurs actes et de leurs opérations et le respect de la loi régissant la
profession, au double contrôle du Procureur Général du Roi près de la cour
d'appel dans le ressort duquel se situe leurs études, ou leurs représentants, et du
Ministère chargé des finances conformément aux textes législatifs et
réglementaires en vigueur. Ce contrôle est effectué en présence du président du
conseil régional des notaires ou de son représentant1.
Le procureur général du Roi près la cour d'appel ou son substitut a le droit
de contrôler et viser les archives, les registres réglementaires et les registres de
comptabilité en y indiquant la date du contrôle2, comme il procède au moins une
fois par an au contrôle des caisses et de la situation des dépôts des notaires. Il
appose son visa sur les registres y afférents avec indication de la date de
contrôle3. Il peut procéder également à un contrôle inopiné de n'importe quelle
étude de notaire. Il peut se faire assister par les personnes de son choix.
Le procureur général du Roi et les représentants du ministère chargé des
finances ont le droit de procéder à la recherche, à l'inspection et à la consultation
approfondie des minutes, registres, titres, valeurs, montants en numéraires,
comptes bancaires et postaux, documents comptables et tous documents dont la
présentation peut être utile à l'accomplissement de leur mission. Le notaire est

1
Article 65 de la loi 32-09.
2
Article 67 de la loi 32-09.
3
Article 68 de la loi 32-09.

716
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪tenu de répondre aux questions qui lui sont adressées et aux exigences de‬‬
‫‪l'inspection1.‬‬
‫‪En ce qui concerne les stagiaires de la profession, en cas de manquement à‬‬
‫‪leurs obligations de stage ou d'un acte portant atteinte à la dignité de la‬‬
‫‪profession, ils encourent l'une des sanctions disciplinaires suivantes :‬‬
‫; ‪‐ L'avertissement‬‬
‫; ‪‐ Le blâme‬‬
‫‪‐ Mettre un terme au stage2.‬‬
‫‪En sus, tout notaire qui enfreint les textes législatifs régissant la profession,‬‬
‫‪manque à ses obligations professionnelles, commet des actes portant atteinte à‬‬
‫‪l'honneur, à l'intégrité, à l'impartialité, aux bonnes mœurs ou aux coutumes et‬‬
‫‪traditions de la profession3, est passible de sanctions disciplinaires prévues à‬‬
‫‪l’Article 75. On y trouve ainsi :‬‬
‫; ‪‐ L'avertissement‬‬
‫; ‪‐ Le blâme‬‬
‫‪‐ La suspension de l'exercice de la profession pour une durée‬‬
‫; ‪n'excédant pas douze mois‬‬
‫‪‐ La révocation.‬‬
‫‪D’ailleurs, la cour de cassation avait condamné un notaire à une suspension‬‬
‫‪de l’exercice de la profession pour une durée de 3 mois, parce qu’il n’a pas‬‬
‫‪informé les parties de l’état réel de l’immeuble, ce qui constitue selon la cour un‬‬
‫‪manquement aux obligations professionnelles4.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Article 69 de la loi 32-09.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Article 72 de la loi 32-09.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Article 73 de la loi 32-09.‬‬
‫‪4‬‬
‫نصت حيثيات القرار عدد ‪ 191‬في الملف عدد ‪ 1131/3/0/1930‬بتاريخ ‪ 1135/11/33‬ما يلي‪..." :‬لكن‪ ،‬حيث لما كان الموثق الموكولة‬
‫إليه قانونا مهمة توثيق العقود وإضفاء طابع الرسمية عليها ملزمة بالتقيد في سلوكه المهني بمبادئ التجرد والنزاهة والشرف والحفاظ على حقوق‬
‫ومصالح طرف العقد‪ ،‬فإن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه بما جاءت بعد إلغاء الحكم المستأنف والتصدي من كون الفقرة الخامسة من الفصل‬
‫‪ 11‬من ظهير ‪ 3315/15/10‬تمنع ع لى الموثق االحتفاظ لديه ألكثر من شهر بالمبلغ المودع لديه لحساب الغير‪ ،‬وأن الطالبة خالفت ذلك‬
‫المقتضى القانوني وبررته بالسهو مع طلب االعتذار‪ ،‬مما يجعل المخالفة المتعلقة باالحتفاظ بوديعة لمدة تفوق الشهر ثابتة في حقها وأنه يتعين‬
‫مؤاخذتها من أجلها‪ ،‬وبخصوص مخالف تي القيام باإلجراءات الخاصة لضمان حجية العقد والمساس بالثقة التي يتعين على الموثق بعثها في النفوس‪،‬‬
‫من كون الطالبة التي عرض عليها طرفا العقد مشروع عقدهما المتمثل في بيع أحدهما لآلخر العقار المحفظ ‪ ...‬والذي تقيد شهادة المحافظة‬
‫العقارية كونه عقا ار عاريا‪ ،‬في ح ين أنهما رغبا في التعامل في مسكن من سفلي وطابقين‪ ،‬كان عليها أن ال تقدم على تحرير عقد نهائي إال بعد‬
‫مراجعة المحافظة العقارية لمعرفة آخر وضعية عليها العقار بتاريخ إرادة كتابة العقد بشأنه للتأكد من مدى إمكانية التعاقد بشأنه دون مشاكل‪ ،‬أو أن‬
‫مشاكل تنتظر حلها‪ ،‬وبالتالي إمكانية التعامل فيه من عدمه‪ ،‬وإخبار الطرفين بذلك ليكونا على بينة منه وليتحمال مسؤولية بعد تضمين ذلك في‬
‫العقد‪ ،‬وهو ما تساهلت فيه الموثقة الطالبة فكانت بذلك مقصرة خاصة وأنه تم تقييد حجز تحفظي على العقار المبيع قبل إنجازها ملحقا لعقد البيع‬
‫النهائي المحرر لتصحح به وضعية المبيع‪ ،‬واعتبرت المحكمة كون المخالفتين المنسوبتين للطالبة‪ ،‬والمشار إليهما أعاله‪ ،‬ثابتتين في حقها أيضا‪،‬‬
‫وأخذتها من أجلهما باإليقاف عن مزاولة المهنة مؤقتا لمدة ثالثة أشهر وتحميلها الصائر‪ ،‬فإنها تكون قد عللت قرارها تعليال سائغا وكافيا وبنته على‬
‫أساس قانوني صحيح وسليم ‪." ...‬‬

‫‪717‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

Enfin, l’article 79 de la loi 32-09 a conféré au conseil régional des notaires


la possibilité d’examiner les plaintes sur saisie par le procureur général du Roi
près la cour d'appel dans le ressort de laquelle le notaire, objet de la plainte, est
nommé et ce, dans un délai d'un mois à compter de la réception de la plainte. A
défaut de présentation du rapport dans le délai imparti, le procureur général du
Roi peut, après enquête, prendre toute mesure appropriée. Toutes les plaintes
adressées au Conseil national des notaires ou au conseil régional sont consignées
dans un registre particulier, dont la forme, le contenu et les modalités de sa tenue
sont fixés par le Conseil national.

Paragraphe 2: la responsabilité pénale du notaire


Engager la responsabilité civile du notaire a pour finalité le versement
d’une indemnité à la personne lésée. Tandis que, la responsabilité pénale vise à
sanctionner le notaire et à protéger la société.
Le notaire est avant tout un citoyen qui est soumis aux dispositions de la loi
pénale chaque fois qu’il commet une infraction. Mais ce qui nous intéresse au
niveau de cette étude est d’analyser les infractions qu’il peut commettre à
l’occasion de l’exercice de sa profession. A l’instar de : La concussion, la
corruption, l’escroquerie et l’abus de confiance, le faux en écriture, le
détournement et la rétention indue des fonds.

1. La concussion

Tout notaire est amené dans l’exercice de ses fonctions en sa qualité de


dépositaire de fonds, à percevoir des sommes d’argent qui lui sont remises par
ses clients, afin de leur permettre de payer toutes sortes de droits, taxes,
contributions ou impôts.
La concussion c’est quand le notaire exige de recevoir ou d’ordonner de
percevoir à titre de taxes ou droit fiscaux, des sommes qu’il sait ne pas être dues,
ou excède ce qui est due.
Tout coupable de concussion est puni d’un emprisonnement de deux à cinq
ans et d’une amende de 5000 à 100 000 Dirhams, la peine est portée au double
lorsque la somme est supérieure à 100 000 Dirhams 1.
L’article 16 de la loi 32-09 organisant la profession de notaire réitère
l’interdiction faite au notaire de percevoir des sommes excédant les frais
justifiés engagés par les parties à l’acte qu’il reçoit. Il stipule expressément que :
« Le notaire ne peut, sous peine de poursuites disciplinaires et pénales, percevoir

1
Article 243 du code pénal marocain.

718
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

que les honoraires qui lui sont dus et les frais justifiés engagés pour les parties à
l'acte».

2. La corruption
La corruption est un comportement par lequel une personne "le corrompu"
sollicite, agrée ou accepte un don, une offre ou une promesse, des présents ou
des avantages quelconques en vue d'accomplir, de retarder ou d'omettre
d'accomplir un acte entrant d'une façon directe ou indirecte dans le cadre de ses
fonctions1.
Tout notaire qui détourne, dissipe, retient indûment ou soustrait des deniers
publics ou privés, des effets en tenant lieu ou des pièces, titres, actes, effets
mobiliers qui étaient entre ses mains, soit en vertu, soit à raison de ses fonctions,
est puni de la réclusion de cinq ans à vingt ans et d’une amende de 5.000 à
100.000 dirhams. Si les choses détournées, dissipées, retenues ou soustraites
sont d'une valeur inférieure à 100.000 dirhams, il est puni d'un emprisonnement
de deux ans à cinq ans et d’une amende de 2.000 à 50.000 dirhams 2.

3. Abus de confiance

On parle d’abus de confiance, lorsqu’une personne porte atteinte à la


fortune d’autrui en détournant ou détruisant tout bien susceptible d’être soustrait
et qu’elle a reçu à charge de conserver, de rendre, ou d’en faire un usage
déterminé. D’ailleurs, l’article 547 code pénal dispose à ce sujet que:
«Quiconque de mauvaise foi détourne ou dissipe au préjudice des propriétaires,
possesseurs ou détenteurs, soit des effets, des deniers ou marchandises, soit des
billets, quittances, écrits de toute nature contenant ou opérant obligations ou
décharges et qui lui avaient été remis à la condition de les rendre ou d'en faire
un usage ou un emploi déterminé, est coupable d'abus de confiance ».
La caractéristique essentielle de l’abus de confiance apparait ainsi comme
étant l’existence préalable d’un accord conclu entre le futur coupable et la
victime.
La cour de cassation a considéré que le notaire qui a fui sans remettre à son
client le reste du prix de l’immeuble qu’il lui a été confié, constitue une
infraction pénale qualifiée par la cour de l’abus de droit. C’est également une
faute professionnelle, étant donné que l’argent de l’immeuble est un fond remis

1
Article 248 du code pénal marocain.
2
Article 241 du code pénal marocain.

719
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

par le client au notaire. Ce dernier n’a donc pas le droit de l’utiliser ou bien de le
retenir1.

4. Escroquerie
L’escroquerie est définie par l’article 540 du code pénal comme suit :
« Quiconque, en vue de se procurer ou de procurer à un tiers, un profit
pécuniaire illégitime, induit astucieusement en erreur une personne par des
affirmations fallacieuses, ou par la dissimulation de faits vrais, ou exploite
astucieusement l'erreur où se trouvait une personne et la détermine ainsi à des
actes préjudiciables à ses intérêts pécuniaires ou à ceux d'un tiers ».
Comme toute infraction pénale, l'escroquerie suppose une intention
frauduleuse, c’est-à-dire que le notaire ait agit de mauvaise foi, en sachant que
les moyens auxquels il a eu recourt sont répréhensibles.
Dans la pratique, le notaire reçoit le montant de la vente. Dans le cas où il
garde cet argent pour son intérêt personnel et ne le présente pas à la Caisse de
Dépôt et de Gestion, on considère qu’il commet une escroquerie.
Tout notaire jugé coupable d’escroquerie est puni de l’emprisonnement de
1 à 5 ans et d’une amende de 500 à 5000 Dirhams. Il peut aussi faire face à des
peines complémentaires à savoir être inculpé pour cinq ans au moins et dix ans
au plus et de l’interdiction d’un ou plusieurs des droits mentionnés à l’article 40
du code pénal et de l’interdiction de séjour2. Toute tentative est punissable
comme si l’infraction a été consommée.

5. Le faux en écriture

Le faux en écritures est l'altération frauduleuse de la vérité, de nature à


causer un préjudice et accomplie dans un écrit par un des moyens déterminés par
la loi3. De cette définition ressortent deux éléments : D’abord une intention
frauduleuse de modifier la réalité, et ensuite un préjudice.
Le faux peut être fait par une fausse signature qui consiste à ce que le
souscripteur usurpe un nom ou un prénom qui n’est pas le sien, même s’il s’agit
du nom d’une personne imaginaire ou inconnue. Mais, le fait par un individu de

1
‫لكن من جهة فإن خيانة‬... " :‫ ما يلي‬1133/31/39 ‫ بتاريخ‬1131/1/3/1530 ‫ في الملف المدني عدد‬0001 ‫نصت حيثيات القرار عدد‬
‫الموثق لألمانة بف ارره دون تمكين زبونه من باقي ثمن العقار المودع بين يديه وإن كان يشكل جريمة في إطار القانون الجنائي فإنه يندرج ضمن‬
‫) التصرف فيها أو‬3315 ‫ ماي‬0( ‫ بما ان ما احتفظ به هو وديعة لديه ال يمكنه وحسب القانون المنظم لمهنة الموثقين‬،‫االخطاء المهنية للموثق‬
."... ‫االحتفاظ بها‬
2
Article 546 du code pénal marocain.
3
Article 351 du code pénal marocain.

720
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

prendre le nom d’emprunt dans lequel il est notoirement connu ne constitue par
une fausse signature. A moins, qu’il n’ait eu l’intention et la possibilité de
causer un préjudice.
En outre, le notaire commet un faux si, profitant des signatures véritables
des parties, il insère des écritures et constate des faits et conventions non
consentis par les parties, ou fait figurer comme présent à un acte une personne
autre que celle qui s’est effectivement présentée.
Cette infraction qui paraît faiblarde, est en réalité un crime passible de la
réclusion perpétuelle1.

6. Le détournement et la rétention indue des fonds

D’autres actes accomplis par le notaire dans l’exercice de sa fonction


peuvent le conduire aussi à subir des sanctions pénales. Il s’agit principalement
du détournement et de la rétention indue des fonds qui lui sont remis par ses
clients à quelque titre que ce soit.
Le code pénal dans son article 2412, et la loi 32-09 dans son article 33
interdisent expressément au notaire d'employer, même temporairement, des
sommes ou valeurs dont il est constitué détenteur, à un titre quelconque, à un
usage auquel elles ne seraient pas destinées ; et de conserver les sommes qu'il
détient pour le compte d'autrui, à quelque titre que ce soit.

1
Article 352 du code pénal marocain dispose que: «est puni de la réclusion perpétuelle tout magistrat, tout
fonctionnaire public, tout notaire ou adel qui, dans l'exercice de ses fonctions, a commis un faux: soit par
fausses signatures; soit par altération des actes, écritures ou signatures; soit par supposition ou substitution de
personnes; soit par des écritures faites ou intercalées sur des registres ou sur d'autres actes publics, depuis
leur confection ou clôture».
*L’Article 353 du code pénal marocain dispose que: « Est puni de la réclusion perpétuelle tout fonctionnaire
public qui, rédigeant des actes de sa fonction, en dénature frauduleusement la substance ou les circonstances,
soit en écrivant des conventions autres que celles qui ont été tracées ou dictées par les parties, soit en
constatant comme vrais des faits qu'il savait faux, soit en attestant comme ayant été avoués ou s'étant passés
en sa présence des faits qui ne l'étaient pas, soit en omettant ou modifiant volontairement des déclarations
reçues par lui».
2
L’article 241 dispose que :«Tout magistrat, tout fonctionnaire public qui détourne, dissipe, retient indûment ou
soustrait des deniers publics ou privés, des effets en tenant lieu ou des pièces, titres, actes, effets mobiliers
qui étaient entre ses mains, soit en vertu, soit à raison de ses fonctions, est puni de la réclusion de cinq ans à
vingt ans et d’une amende de 5.000 à 100.000 dirhams.
Si les choses détournées, dissipées, retenues ou soustraites sont d'une valeur inférieure à 100.000 dirhams,
le coupable est puni d'un emprisonnement de deux ans à cinq ans et d’une amende de 2.000 à 50.000
dirhams».

721
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

Dans un arrêt de la cour de cassation, la cour a rejeté le pourvoi en


cassation fait par le notaire et a confirmé l’arrêt de la cour d’appel condamnant
le notaire à restituer la somme de 2400.000 Dirhams en plus de 15.000 Dirhams
de dommages et intérêts. Dans cet arrêt en question, la cour de cassation a
considéré que le notaire qui était chargé par la partie défenderesse des opérations
d’acquisition du bien et d’inscrire les hypothèques sur les titres fonciers pour
garantir le crédit accordé, a conservé les sommes sans exécuter ses engagement.
De plus, il s’est engagé à procéder à cette inscription dans les 30 jours de la date
de déblocage du crédit ce qui n’a d’ailleurs pas été fait1.
Ainsi, le notaire est autorisé à recevoir provisoirement les fonds des parties
dont il est constitué détenteur. Notamment le prix de la vente, le temps
nécessaire pour régulariser la situation fiscale de l’immeuble et procéder aux
formalités administratives nécessaires à l’inscription de la vente sur le titre
foncier.
Pour mener à bien cette mission, l’article 33 de la loi 32-09, impose au
notaire un certain nombre d’obligations. Entre autres, l’interdiction d’obtenir des
intérêts des fonds qu’il reçoit des clients à n’importe quel autre usage qui leur a
été destiné et il doit les déposer à la Caisse de Dépôt et de Gestion dans un délai
d’un mois de leur réception.
En définitive, la cour de cassation étant consciente du rôle important du
notaire dans la sécurisation des transactions immobilières, elle retient le fait que
la remise du prix de la vente au notaire ne constitue pas un dépôt volontaire tel
qu’il est prévu par le Dahir des obligations et des contrats, mais un dépôt qui se
fait dans le cadre des attributions du notaire2. Ainsi, le recours au notaire écarte
l’application des dispositions de l’article 275 du D.O.C3.

Conclusion
La responsabilité encourue par un notaire ne peut pas se comparer à celle
qui pèse sur un avocat ou un conseiller juridique, à la fois professionnellement
proches, mais statutairement éloignés et en tout cas différemment
responsabilisés.
1
Arrêt de la cour de cassation n° 35/6 dossier civil n° 2947/1/6/2017 en date du 16/1/2018.
2
Arrêt de la cour de cassation n° 3078, dossier n°4631/1/7/2009, en date du 28/06/2011.
3
L’article 275 du D.O.C dispose que : « La demeure du créancier ne suffit pas pour libérer le débiteur. Si
l'objet de l'obligation est une somme d'argent, le débiteur doit faire des offres réelles et, au refus du créancier
de les accepter, il se libère en consignant la somme offerte dans le dépôt indiqué par le tribunal ; si l'objet de
l'obligation est une quantité de choses qui se consomment par l'usage ou un corps déterminé par son
individualité, le débiteur doit inviter le créancier à la recevoir au lieu déterminé par le contrat ou par la nature
de l'obligation et, faute par le créancier de le recevoir, il se libère en le consignant dans le dépôt indiqué par le
tribunal du lieu de l'exécution, lorsque la chose est susceptible de consignation ».

722
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

De toutes les professions juridiques, la responsabilité du notaire apparait


comme celle qui est la plus fréquemment recherchée, la plus facilement engagée
et la plus lourdement sanctionnée.
Rédacteurs d’actes authentiques, conseillers privilégiés et permanents de
leurs clients, interlocuteurs directs de leur clientèle auprès des institutions
financières mais aussi mandataires de celles-ci et gestionnaires des sommes
détenues en leur office, garants de secrets familiaux ou professionnels, les
notaires engagent leur responsabilité en de multiples occasions et à l’égard
d’une multitude de personnes.
Cette inflation de la responsabilité, pendant la quasi-omniprésence du
notaire dans le monde moderne des affaires, explique que le législateur, en lui
reconnaissant la faculté non plus d’être le simple confident des parties mais un
acteur efficace de la pratique juridique dans tous les domaines, l’ait soumis pour
rassurer ses multiples interlocuteurs à un régime de responsabilité aussi lourd.
Bien plus clair pour résumer la lourde tâche du notaire, que les mots
prononcés par Maître MASSE, ancien notaire à Paris, qui a dit dans un discours
prononcé à l'académie de législation, à l’occasion de l'ouverture du cours de
notariat en Septembre 1989 que : « …Plus le notariat exerce d’influence sur la
société, plus ses devoirs sont rigoureux. Au nombre de ces devoirs est surtout la
probité, non celle qui suffit à l’homme privé, chargé du seul soin de ses affaires,
mais celle qui convient à l’homme public, constitué pour guider et éclairer les
citoyens sur leurs intérêts et leurs droits civils…1 ».

1
Quelques aspects de la doctrine juridique à l'académie de législation : revue d'histoire des facultés de droit, p
50, 51. https://univ-droit.fr/docs/recherche/rhfd/pdf/09-1989/09-1989-p045-068.pdf

723
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪724‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪725‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫تعمل الوكالة القضائية للمملكة باعتبارها فاعال مؤسسيا مرجعيا في الميدان القانوني‬
‫والقضائي على إغناء النقاش أمام جميع محاكم المملكة‪ ،‬والمساهمة في تطوير االجتهاد‬
‫القضائي‪ ،‬وتتمظهر هذه اإلسهامات أساسا في التوجهات الجديدة التي تبناها القضاء‬
‫بخصوص نقط قانونية معينة‪.‬‬

‫ويخصص هذا المحور من المجلة إلبراز بعض أوجه تطور العمل واالجتهاد‬
‫القضائيين في مجال اختصاص ونشاط المؤسسة‪ .‬وفي هذا اإلطار نورد بعض القواعد‬
‫القانونية التي إستقر عليها االجتهاد والعمل القضائيين فيما يتعلق بالمنازعات المرتبطة‬
‫بمسؤولية أشخاص القانون العام وأصحاب المهن القانونية والقضائية‪ ،‬وعلى سبيل المثال‬
‫نذكر‪:‬‬

‫االختصاص‪:‬‬
‫‪ .3‬ارار محامة النقض عدد ‪ 900‬والمؤرخ في ‪ 27‬ماي ‪ 2430‬والصادر في الملف‬
‫اإلداري رام ‪2430/3/0/3142‬‬

‫القاعدة‪:‬‬

‫على الرغم من تمتع المؤسسة العالجية المؤسسة بالشخصية المعنوية واالستقالل المالي‪،‬‬
‫وتعيين مديرها بظهير شريف وإعفائها من الضرائب والرسوم عن األنشطة التي تقوم لها‬
‫والمتبلية في تقديم خدمات طبية للمرضى وإنشاء إدارة مؤسسات عالجية فإنها تندرج‬
‫ضمن أشخاص القانون الخاص‪ ،‬ما دامت تخضع للقوانين السارية على المؤسسات‬
‫العالجية الخاصة‪ ،‬ولقواعد المحاسبة التبارية‪ .‬وما دام األمر يتعلق فقط بامتيازات‬
‫ااتضتها طبيعة نشاط المؤسسة‪ ،‬وظروف إنشائها وهي غير كافية للقول لتبعيتها للدولة‬
‫أو اعتبارها من أشخاص القانون العام‪ ،‬وترتيب اختصاص القضاء اإلداري للبت في‬
‫دعاوى التعويض عن األضرار المنسوبة إليها على ذلك‪.‬‬
‫االختصاص النوعي للمحامة اإلدارية ‪........‬ال‪.‬‬

‫‪726‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وبعد المداولة طبقا للقانون‬


‫حيث يستفاد من وثائق الملف ومن ضمنها الحكم المستأنف أن عبد السالم الطويل تقدم‬
‫نيابة عن ابنته القاصرة سامية‪ ،‬بمقال لدى المحكمة اإلدارية بالرباط عرض فيه أن ابنته‬
‫المذكورة المزدادة بتاريخ ‪ 1115/33/33‬بالمستشفى الجامعي الشيخ زايد بالرباط‪ ،‬كانت‬
‫ضحية خطأ طبي اقترفته الطبيبة أمينة بناني‪ ،‬أثناء والدتها تسبب في الخلع الكامل للشبكة‬
‫العصبية ليدها اليسرى من النخاع الشوكي‪ ،‬مما أدى إلى إصابتها بعاهة مستديمة‪ ،‬إذ أن‬
‫الطبيبة لم تلتزم بالقواعد الفنية والمهارات الطبية الضرورية والمطلوبة عند عملية إخراج‬
‫الجنين من بطن أمه‪ ،‬ألنها جذبته بقوة و انفعال وعصبية‪ ،‬بل إنها عند تعذر التوليد الطبيعي‬
‫كان عليها أن تلجأ للعملية الجراحية والتي تمكن من تجنب الخطأ وتفادي الضرر‪ .‬وأضاف‬
‫المدعي أن هذا الخطأ الطبي ألحق بابنته أض ار ار جسدية ونفيسة بليغة‪ ،‬وكلفه إخضاعها‬
‫لعدة فحوصات طبية وعمليات جراحية وتداريب ترويضية للتخفيف من معاناتها‪ ،‬ملتمسا‬
‫الحكم بتحميل المدعى عليهم كامل مسؤولية الخطأ الطبي المهني المصلحي والمرفقي‬
‫وبأدائهم له تعويضا مؤقتا قدره ( ‪ 311.111‬درهم ) وبإخضاع ابنته لخبرة طبية لتحديد‬
‫األضرار الالحقة بها‪ ،‬فأجابت شركة التأمين الوفاء أن المستشفى الدولي الشيخ زايد ليس من‬
‫أشخاص القانون العام‪ ،‬وغير تابع للمركز االستشفائي ابن سينا وهو يتمتع بالشخصية‬
‫المعن وية واالستقالل المالي‪ ،‬وال عالقة له بو ازرة الصحة‪ ،‬ملتمسة التصريح بعدم اختصاص‬
‫القضاء اإلداري للبت في الطلب‪.‬‬
‫وبعد استيفاء المناقشة قضت المحكمة اإلدارية بالرباط باختصاصها نوعيا للبت في الطلب‪،‬‬
‫وهو الحكم المستأنف من طرف شركة التأمين الوفاء في االختصاص النوعي‪.‬‬
‫حيث عابت الطاعنة الحكم المستأنف بخرقه لمقتضيات القانون رقم ‪ 03-31‬المحدث‬
‫للمحاكم اإلدارية الذي حصر اختصاصها في النزاعات المتعلقة بالعقود اإلدارية ودعاوي‬
‫التعويض عن األضرار التي تسببها إعمال ونشاطات أشخاص القانون العام‪ ،‬ذلك أن القانون‬
‫الصادر بتاريخ ‪ 31‬شتنبر ‪ 3331‬الذي بموجبه تم إنشاء مؤسسة الشيخ زايد بن سلطان نص‬
‫على أن هذه المؤسسة تتمتع بالشخصية المعنوية واالستقالل المالي‪ ،‬وأن الغرض منها هو‬
‫تقديم الخدمات الطبية وإنشاء وإدارة مؤسسات عالجية من بينها مستشفى الشيخ زايد الذي‬
‫يخضع للقوانين السارية على المؤسسات العالجية الخاصة‪ ،‬ويتمتع بالشخصية المعنوية‬

‫‪727‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫واالستقالل المالي ويسيره مجلس إدارة ويطبق قواعد المحاسبة التجارية‪ ،‬وال يخضع للمراقبة‬
‫المالية للدولة‪ ،‬إضافة إلى أن الطبيبة المنسوب لها الخطأ موضوع االدعاء لم تكن تتوفر‬
‫على صفة موظفة عمومية‪ ،‬مما يجعل الدولة المغربية أجنبية عن هذا النزاع‪ ،‬لذلك طلبت‬
‫المستأنفة إلغاء الحكم المطعون فيه والتصريح بعدم اختصاص المحكمة اإلدارية للرباط نوعيا‬
‫للبت في الطلب‪ ،‬وإحالة الملف على المحكمة االبتدائية بالرباط لالختصاص‪.‬‬
‫حيث صح ماعابته الطاعنة على الحكم المستأنف ذلك أنه يستخلص من مقتضيات الظهير‬
‫الشريف المعتبر بمثابة قانون رقم ‪ 3.31.119‬الصادر في ‪ 11‬من ربيع األول ‪31( 3030‬‬
‫شتنبر ‪ ) 3331‬الذي بموجبه تم إنشاء مؤسسة الشيخ زايد ابن سلطان الكائن مقرها بالرباط‪،‬‬
‫(منشور بالجريدة الرسمية عدد ‪ 0111‬بتاريخ ‪ 3331/3/35‬الصفحة ‪ ،)3135‬أن المؤسسة‬
‫المذكورة تتمتع بالشخصية المعنوية واالستقالل المالي‪ ،‬وأن الغرض منها تقديم الخدمات‬
‫الطبية للمرضى وإنشاء إدارة مؤسسات عالجية من بينها "مستشفى الشيخ زايد" الذي‬
‫سيخضع للقوانين السارية على المؤسسات العالجية الخاصة‪ ،‬كما نصت المادة ‪ 31‬من ذات‬
‫القانون على خضوع محاسبة مؤسسة الشيخ زايد بن سلطان والمؤسسات التابعة لها لقواعد‬
‫المحاسبة التجارية‪ ،‬فضال على أن مقتضيات القانون الصادر بتاريخ ( ‪ 30‬ابريل ‪( 3311‬‬
‫المتعلق بتنظيم مراقبة الدولة المالية على المكاتب والمؤسسات العامة والشركات ذات‬
‫االمتياز وعلى الشركات والهيئات التي تحصل على مساعدة مالية من الدولة أو شخص من‬
‫أشخاص القانون العام ال تسري على المؤسسة المذكورة‪ ،‬مما يؤكد كونها تندرج ضمن‬
‫أشخاص القانون الخاص‪ ،‬وال ينفي عنها ما اعتمده الحكم المستأنف من أنها تتمتع‬
‫بالشخصية المعنوية واالستقالل المالي وأن مدير المستشفى يتم تعيينه بظهير شريف وإعفاء‬
‫المؤسسة المذكورة من الضرائب والرسوم عن األنشطة التي تقوم بها؛ إذ أن األمر هنا يتعلق‬
‫فقط بامتيازات اقتضتها طبيعة نشاط المؤسسة‪ ،‬وظروف إنشائها وهي غير كافية للقول‬
‫بتبعيتها للدولة أو اعتبارها من أشخاص القانون العام‪ ،‬وترتيب اختصاص القضاء اإلداري‬
‫للبت في دعاوى التعويض عن األضرار المنسوبة إليها على ذلك‪ ،‬وعليه يكون ما نحى إليه‬
‫الحكم المستأنف مخالفا للمقتضيات القانونية المشار إليها أعاله‪ ،‬وال سيما ما نصت عليه‬
‫صراحة من أن " مستشفى الشيخ زايد " يخضع للقوانين السارية على المؤسسات العالجية‬
‫الخاصة‪.‬‬

‫‪728‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫لهذه األسباب‬
‫قضت محكمة النقض بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم اختصاص القضاء اإلداري للبت في‬
‫الطلب‪ ،‬وبإحالة الملف على المحكمة االبتدائية بالرباط للبت فيه طبقا للقانون‪.‬‬
‫وبه صدر القرار وتلي في الجلسة العلنية المنعقدة بالتاريخ المذكور أعاله بقاعة الجلسات‬
‫العادية بمحكمة النقض بالرباط‪ ،‬وكانت الهيئة الحاكمة متركبة من رئيسة الغرفة اإلدارية‬
‫(القسم األول) السيدة عائشة بن الراضي والمستشارين السادة‪ :‬محمد وزاني طيبي مقر ار‬
‫واحمد دينية وعبد المجيد بابا أعلي وعبد العتاق فكير‪ ،‬وبمحضر المحامي العام السيد سابق‬
‫الشرقاوي‪ ،‬وبمساعدة كاتبة الضبط السيدة نفيسة الحراق‪.‬‬

‫‪ .2‬ارار محامة النقض عدد ‪ ،3329‬المؤرخ في ‪ 33‬يونيو ‪ 2432‬والصادر في‬


‫الملف اإلداري رام ‪3283/0/3/2432‬‬

‫القاعدة‪:‬‬

‫على المحامة البت في حدود طلبات األطراف وعدم تحويرها؛ إعادة تكييف المحامة‬
‫للدعوى المعروضة أمامها على أنها دعوى أساسها المسؤولية العقدية فيه خرق‬
‫لمقتضيات الفص ‪ 1‬من اانون المسطرة المدنية‪.‬‬
‫وبعد المداولة طبقا للقانون‬
‫حيث يستفاد من أوراق القضية ومن القرار المطعون فيه الصادر بتاريخ ‪ 2014/07/09‬في‬
‫الملف رقم ‪ 2013/1914/1011‬تحت رقم ‪ 111‬عن محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش‪،‬‬
‫أن الطاعنين تقدموا بتاريخ ‪ 2012/03/22‬أمام المحكمة اإلدارية بأكادير بمقال افتتاحي‬
‫عرضوا فيه أن موروثهم … استفاد قيد حياته من قطعة أرضية صالحة للبناء تقع بتجزئة‬
‫…المنجزة من طرف بلدية … رقمها … ومساحتها ‪ 111‬متر مربع أدى ثمنها البالغ‬
‫‪ 311.111011‬درهم کامال قبل إبرام العقد المتعلق ببيعها بين الطرفين‪ ،‬وأن البلدية المدعى‬
‫عليها ماطلته في إتمام البيع بدعوى عدم جاهزية الرسوم العقارية للتجزئة إلى أن وافت المنية‬
‫موروثهم‪ ،‬وتم بتاريخ ‪ 2010/02/16‬إبرام العقد المذكور مع الطاعنين ورثة … المذكور‪.‬‬
‫إال أن هؤالء الورثة فوجئوا‪ ،‬عند محاولتهم تسجيل البيع المذكور بالمحافظة العقارية ب…‬
‫‪729‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫بالرسم العقاري رقم ‪ 09/65166‬المخصص له‪ ،‬بتفويت هذه البقعة من طرف الجماعة‬
‫الحضرية إلى التعاونية السكنية "‪ "...‬؛ وبعد االتصال بالجماعة تذرعت هذه األخيرة بوقوع‬
‫خطأ في رقم البقعة ناتج عن تغيير وقع في ترقيم بقع التجزئة‪ ،‬ليتم إبرام ملحق للعقد المذكور‬
‫بتاريخ‪ 2010/07/04‬يبين أن البقعة المقصودة بالبيع المذكور هي الحاملة لرقم ‪،...‬‬
‫مساحتها ‪ 119‬متر مربع؛ إال أنه تبين لهم بعد ذلك أن البقعة الثانية الحاملة لرقم ‪ ...‬تم‬
‫تفويتها كذلك إلى أحد المالك المشتركين‪ ،‬وأنه منذ ذلك التاريخ والجماعة تماطل الطاعنين‪،‬‬
‫مما التمس معه من المحكمة الحكم بإجراء خبرة لتحديد التعويضات المستحقة لهم عن فقدان‬
‫حق ملكية القطعة األرضية‪ ،‬موضوع عقد الشراء‪ ،‬وكذا عن كافة األضرار الالحقة بهم‪.‬‬
‫أجابت الجماعة ملتمسة عدم قبول الدعوى لكون ملتمس إجراء الخبرة كطلب أصلي غير‬
‫مقبول‪ ،‬وبعد إجراء خبرة حدد فيها الخبير قيمة البقعة رقم ‪ ...‬بتجزئة ‪ ...‬في ‪2.310.000‬‬
‫درهم وقيمة البقعة رقم ‪ ...‬بنفس التجزئة في ‪ 0.011.111‬درهم‪ ،‬صدر الحكم بأداء‬
‫الجماعة الحضرية ل‪ ...‬مبلغ ‪ 331.111011‬درهم تعويضا لفائدة الطاعنين وبرفض باقي‬
‫الطلبات‪ ،‬استأنفته الجماعة مثيرة دفوعات في الموضوع وبعد ذلك مثيرة في مذكرة جواب‬
‫دفعا بعدم االختصاص النوعي للمحكمة اإلدارية بالبت في الدعوى‪ ،‬فأصدرت محكمة‬
‫االستئناف اإلدارية بمراكش قرارها المطعون فيه القاضي بإلغاء الحكم المستأنف والحكم‬
‫تصديا بعدم اختصاص المحكمة اإلدارية نوعيا بالبت في الدعوى وهو القرار موضوع الطعن‬
‫بالنقض الحالي‪.‬‬

‫حيث يعيب الطاعنون القرار المطعون فيه بعدم االرتكاز على أساس قانوني ونقصان التعليل‬
‫الموازي انعدامه‪ ،‬ذلك أنه بخصوص الفرع األول من الوسيلة فإنه بالرجوع إلى المقال‬
‫االفتتاحي للطاعنين فإن هؤالء أسسوا دعواهم على المسؤولية اإلدارية للجماعة الحضرية‬
‫ل‪ ...‬عن الضرر لحقهم جراء قيام مستخدمي هذه الجماعة بتفويت القطعة األرضية رقم‬
‫‪ ...‬إلى "التعاونية السكنية ‪ "...‬بمقتضى ما سمي ب ملحق رقم ‪ 3‬لعقد البيع العرفي المؤرخ‬
‫في ‪ 1994/02/15‬المسجل في ‪ ،1997/11/20‬والذي (التفويت) شكل الخطأ الذي ألحق‬
‫الضرر بالعارضين طالما أن هذا الملك (القطعة رقم ‪...‬بمساحة ‪ 111‬متر مربع) قد وقع‬
‫تفويته لموروث الطاعنين الذي أدى ثمنه کامال ناج از منه سنة ‪ 3331‬لفائدة الجماعة‬
‫الحضرية المدعى عليها كما تبين ذلك الشهادة اإلدارية رقم ‪ ...‬بتاريخ ‪1992/10/14‬‬
‫‪730‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المسلمة لموروث الطاعنين والمتعلقة بالبقعة رقم ‪ ...‬المذكورة‪ ،‬ولما كان الحكم االبتدائي‬
‫الصادر المحكمة اإلدارية بأكادير قد اعتبر عن حق تصرف ممثل الجماعة الحضرية‬
‫ألكادير يدخل ضمن ما هو منصوص عليه في الفصلين ‪ 19‬و‪ 13‬من قانون االلتزامات‬
‫والعقود‪ ،‬فإن ما ذهبت إليه محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش في قرارها المطعون فيه‪،‬‬
‫بكون األمر يتعلق بمسؤولية عقدية خاضعة للقانون الخاص‪ ،‬ال يساير الوقائع على الشكل‬
‫الحقيقي للنزاع والذي أسهب الطاعنون في شرحه ابتدائيا واستئنافيا إلى حد القول بأنهم في‬
‫الواقع أمام أفعال جنائية تنطبق عليها جنحة التصرف في مال مملوك للغير كما هو‬
‫منصوص عليه في الفصل ‪ 501‬من القانون الجنائي المغربي‪ ،‬والمعاقب عليها بالعقوبة‬
‫المنصوص عليها في الفصل ‪ 501‬من نفس القانون‪ ،‬مما يكون معه ما عللت به المحكمة‬
‫قرارها من كون دعوى العارضين تهدف إلى الحكم على الجماعة الحضرية ل‪ ...‬بالتعويض‬
‫المستحق لهم جراء عدم تنفيذها اللتزاماتها المتفرعة عن عدم تنفيذ عقد البيع المبرم بينهم‬
‫بتاريخ ‪ 2010/02/16‬وذلك بتمكينهم من الحيازة الفعلية للقطعة األرضية رقم ‪ ...‬بتجزئة‪...‬‬
‫ب‪ " ...‬فيه تحريف لمضمون مقالهم االفتتاحي ولمطالبهم المختصرة في أنه بعد اكتشافهم‬
‫لكون البقعة المبيعة لموروثهم قد وقع تفويتها إلى الغير الذي بناها وحفظها باسمه‪ ،‬لم يبق‬
‫لهم سوى المطالبة بالتعويضات المستحقة لهم عن هذا التصرف المندرج ضمن األخطاء‬
‫المرفقة المرتكبة من طرف مستخدمي الجماعة الحضرية بأكادير المدعى عليها‪ ،‬وهو ما‬
‫أكده الحكم االبتدائي الصادر عن المحكمة اإلدارية بأكادير‪.‬‬
‫حيث صح ما عاب به الطاعنون القرار المطعون فيه‪ ،‬ذلك أن طلبات المدعين ترمي إلى‬
‫الحكم بتعويض عن كافة األضرار الالحقة بهم جراء حرمانهم وفقدان حق ملكية القطعة‬
‫األرضية موضوع شراء موروثهم‪ ،‬وهو الحرمان الناجم عن تصرفات خاطئة صادرة عن‬
‫موظفي وأعوان البلدية المدعى عليها أدت إلى تفويت بقعة أرضية كانت من نصيب موروث‬
‫المدعين بعد أدائه لثمنها كامال وتسليمه شهادة إدارية بذلك من هذه البلدية نفسها‪ .‬ولما كان‬
‫أن تماطلت الطالبة في تنفيذ التزامها بإتمام إجراءات البيع للبقعة المذكورة‪ ،‬تجاه موروث‬
‫المدعيين وبعده تجاه ورثته ؛ ولما كان أن قد ثبت بعد إنجاز عقد البيع للبقعة المؤدى ثمنها‪،‬‬
‫أن هذه األخيرة تمت إعادة تفويتها إلى شخص آخر ما حال دون تسجيل عقد البيع المنجز‬
‫بالمحافظة العقارية لنقل ملكية القطعة المتعاقد بشأنها وكذا لنقل ملكية بقعة ثانية تم بها‬

‫‪731‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫استبدال األولى باللفيف بعقد البيع األول ما تضرر معه الطالبون وألحق بهم أض ار ار سببها‬
‫تقصير أعوان البلدية في اتخاذ اإلجراءات الالزمة لتمكين موروث المدعين ومن بعده ورثته‬
‫من البقعة المفوته له بموجب تواصيل األداء لثمنها والشهادة اإلدارية به‪ ،‬الصادرة عن البلدية‬
‫المدعي عليها‪ ،‬فإن ما ذهبت إليه المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه في تكييف الدعوى‬
‫المعروضة أمامها على أنها دعوى أساسها المسؤولية العقدية منعدم األساس وفيه تحريف‬
‫للطلبات الصادرة عن الطالبين عبر مقالهم االفتتاحي‪ ،‬والمحكمة لما قضت بعدم اختصاص‬
‫القضاء اإلداري نوعيا بالبت في الدعوى على أساس ذلك تكون قد خرقت مقتضيات المادة‬
‫‪ 1‬من قانون المسطرة المدنية التي توجب عليها البت في حدود طلبات األطراف وتلزمها‬
‫بعدم تحوير هذه الطلبات ما يتعين معه نقض قرارها وإحالته من جديد عليها للبت فيه طبقا‬
‫للقانون‪.‬‬
‫لهذه األسباب‬
‫قضت محكمة النقض بنقض القرار وبإحالة القضية على نفس المحكمة للبت فيها من جديد‬
‫وبتحميل المطلوب في النقض الصائر‪.‬‬
‫وبه صدر القرار وتلي في الجلسة العلنية المنعقدة بالتاريخ المذكور أعاله بقاعة الجلسات‬
‫العادية بمحكمة النقض بالرباط‪ ،‬وكانت الهيئة الحاكمة متركبة من رئيس الغرفة اإلدارية‬
‫(القسم األول) السيد محمد منقار بنيس والمستشارين السادة‪ :‬عبد الرحمان بن امحمد مزوز‬
‫مقررا‪ ،‬احمد دينية‪ ،‬عبد العتاق فكير‪ ،‬المصطفى الدجاني وبمحضر المحامي العام السيد‬
‫سابق الشرقاوي‪.‬‬

‫‪732‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪ .1‬ارار محامة النقض عدد ‪ ،1159‬المؤرخ في ‪ 33‬يونيو ‪ 2432‬والصادر في‬


‫الملف إداري رام ‪2015/1/4/1396‬‬

‫القاعدة‪:‬‬
‫القضاء اإلداري هو المختص للبت في القضايا المتعلقة باألضرار الناتبة عن نشاطات‬
‫أشخاص القانون العام‬

‫وبعد المداولة طبقا للقانون‬


‫حيث يستفاد من وثائق الملف وفحوى الحكم المستأنف ‪ -‬المشار إلى مراجعة أعاله‪ ،‬أنه‬
‫بتاريخ ‪ ،1130/33/11‬تقدمت المدعية (المستأنفة) بمقال أمام المحكمة اإلدارية بالرباط‬
‫عرضت فيه أنها تملك أرضا فالحية كائنة بمزارع …المسماة "…"‪ ،‬مساحتها ستة خداديم‬
‫تقريبا‪ ،‬وأنه تم استغالل جزء من عقارها‪ ،‬تقدر مساحته ب ‪ 577‬مت ار مربعا‪ ،‬وذلك لشق ومد‬
‫قنوات الصرف الصحي في إطار االتفاقية المبرمة بين المجلس البلدي لمدينة ‪ ...‬والمكتب‬
‫الوطني للماء الصالح للشرب حول التدبير المفوض المرفق التطهير السائل بمدينة ‪،...‬‬
‫وتعهد المجلس البلدي لمدينة ‪ ...‬بتعويضها عن أرضها مقابل ذلك‪ ،‬غير أنه بعد إنجازه‬
‫مشروعه لم يف بالتزامه من حيث التعويض بالرغم من مساعيها الحبية في هذا الشأن‪،‬‬
‫موضحة أنها وجهت إشعا ار إلى عامل إقليم ‪ ...‬وإلى رئيس المجلس البلدي لمدينة ‪ ،...‬وأن‬
‫االرتفاق المحدث بعقارها الحق بها ضر ار كبي ار وحرمها من االستفادة من أرضها‪ ،‬ملتمسة‬
‫الحكم لها بتعويض لجبر الضرر الالحق بها من جراء فقدانها ألرضها تحدده في ‪11‬‬
‫‪ 511.111،‬درهم‪ ،‬أجاب المجلس البلدي ل‪ ...‬بمذكرة التمس فيها عدم قبول الطلب شكال‬
‫لعدم إدخال المكتب الوطني للكهرباء و الماء الصالح للشرب ولعدم إدخال المساعد القضائي‬
‫وبرفض الطلب موضوعا لعدم وجود ما يفيد أن المكتب المذكور عمد فعال إلى استغالل جزء‬
‫من عقارها )المدعية)‪ ،‬وما هي النسبة التي استفاد منها مع حفظ حقه في الرد في حالة‬
‫إثبات مسؤوليته‪ ،‬وبعد تمام اإلجراءات‪ ،‬صدر الحكم بعدم انعقاد االختصاص النوعي‬
‫للمحكمة اإلدارية للبت في الطلب‪ ،‬استأنفته المدعية متمسكة بعدم ارتكاز الحكم على أساس‬
‫قانوني لخرقه لمقتضيات المادة ‪ 9‬من القانون رقم ‪ 90/41‬المحدث للمحاكم اإلدارية‬
‫وبنقصان التعليل‪ ،‬ذلك أنه لم يستحضر األضرار التي تسببها أعمال ونشاطات القانون العام‬
‫‪733‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫مكتفيا باعتماد أن االلتزام الحاصل بين المدعية والمدعى عليه لم يستكمل شروط العقد‬
‫اإلداري‪ ،‬وأنه (االلتزام) ال يتوفر على شروط غير مألوفة‪ ،‬وأن الدعوى موجهة ضد المجلس‬
‫البلدي للجماعة الحضرية لمدينة … (باعتباره وحدة ترابية داخلة في حكم القانون العام‬
‫وتتمتع بالشخصية المعنوية) من أجل أداء تعويض عن أضرار ناجمة عن اتفاقية تم إبرامها‬
‫بينه والمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب‪ ،‬استهدفت عقار المدعية‪.‬‬
‫حيث صح ما عابته المستأنفة على الحكم المطعون فيه باالستئناف‪ ،‬ذلك أن الدعوى وجهت‬
‫أساسا ضد المجلس البلدي لمدينة … من أجل أداء تعويض عن أضرار ناجمة عن اتفاقية‬
‫تم إبرامها بينه والمكتب الوطني للكهرباء و الماء الصالح للشرب حول التدبير المفوض‬
‫لمرفق التطهير السائل بمدينة ‪ ،...‬استهدفت عقار المدعية دون مقابل‪ ،‬وأنه إعماال‬
‫لمقتضيات المادة ‪ 9‬من القانون رقم ‪ 90/41‬المحدث للمحاكم اإلدارية‪ ،‬فان األضرار الناتجة‬
‫عن نشاطات أشخاص القانون العام‪ ،‬يكون القضاء اإلداري هو المختص بالبت فيها‪ ،‬والحكم‬
‫المستأنف لما نحا خالف ذلك يكون قد بنى قضاءه على غير أساس‪ ،‬ويتعين إلغاؤه‪.‬‬
‫لهذه األسباب‬
‫قضت محكمة النقض بإلغاء الحكم المستأنف والتصريح باختصاص القضاء اإلداري وإرجاع‬
‫الملف إلى المحكمة اإلدارية بالرباط للبت فيه طبقا للقانون ‪.‬وبه صدر القرار وتلي في‬
‫الجلسة العلنية المنعقدة بالتاريخ المذكور أعاله بقاعة الجلسات العادية بمحكمة النقض‬
‫بالرباط‪ ،‬وكانت الهيئة الحاكمة متركبة من رئيس الغرفة اإلدارية (القسم األول) السيد محمد‬
‫منقار بنيس والمستشارين السادة‪ :‬نادية للوسي مقررة‪ ،‬احمد دينية‪ ،‬عبد العتاق فكير‪ ،‬محمد‬
‫وزاني طيبي‪ ،‬وبمحضر المحامي العام السيد سابق الشرقاوي‪ ،‬وبمساعدة كاتبة الضبط السيدة‬
‫نفيسة الحراق‪.‬‬

‫‪734‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪ .4‬ارار محامة النقض عدد ‪ 1619‬والمؤرخ في ‪ 22‬دجنبر ‪ 2430‬والصادر في‬


‫الملف اإلداري عدد ‪2014/1/4/3268‬‬

‫القاعدة‪:‬‬
‫المحامة اإلدارية مختصة بالبت في دعاوى التعويض عن األضرار التي تسببها أعمال‬
‫ونشاطات اشخاص القانون العام‬

‫وبعد المداولة طبقا للقانون‬


‫حيث يستفاد من مستندات الملف‪ ،‬ومن الحكم المطعون فيه باالستئناف الصادر عن‬
‫المحكمة اإلدارية بالرباط بتاريخ ‪ 2014/08/19‬في الملف ‪ 2014/7112/54‬تحت رقم‬
‫‪ 0130‬أن المستأنف عليه األول السيد ‪ ..‬تقدم بمقال أمام المحكمة اإلدارية بالرباط عرض‬
‫فيه انه مالك على الشياع للملك الفالحي الواردة مراجعه بمقال وانه قام بزرع تلك األرض‬
‫للموسم الفالحي ‪ 2013/2012‬وانه قبل جني المحصول اتت الفيضانات على منتوجها‬
‫بكامله‪ ،‬وانه مؤمن لدى شركة التأمين ضد المخاطر المناخية (مرفقة بوليصة التأمين) وانه‬
‫يلتمس الحكم له بتعويض مسبق واجراء خبرة لتحديد مبلغ الخسائر النهائي مع حقه في‬
‫التعقيب عليها أجابت المستأنفة مثيرة الدفع بعدم االختصاص النوعي بالمحكمة بالبت في‬
‫الدعوى‪ ،‬وبعد المناقشة أصدرت المحكمة حكمها عدد ‪ 0130‬المذكور أعاله‪ ،‬قضى برد‬
‫الدفع المثار وبالتصريح بانعقاد االختصاص لها بالبت في الدعوى وهو الحكم الذي استأنفته‬
‫(العارضة) لسببين ‪ :‬اولهما أن األمر يتعلق بتفعيل بنود التأمين ضد المخاطر المناخية‬
‫المبرم بين المدعي والعارضة (المستأنفة) وهو عقد تجاري صرف تختص بالنظر في‬
‫النزاعات الناشئة عنه المحكمة التجارية ‪ ،‬وثانيهما أن عقد التحكيم المبرم ينص على شرط‬
‫التحكيم المنصوص عليه في الفصل ‪ 33‬من الشروط العامة ‪ ،‬ملتمسة الحكم بإلغاء الحكم‬
‫المستأنف وبالتصريح بعدم اختصاص المحكمة اإلدارية بالرباط بالبت في النزاع لألسباب‬
‫المسطرة أعاله‪ .‬لكن حيث أن طلبات المستأنف عليه (المدعي) كما هي محددة بمقاله‬
‫اال فتتاحي ترمي إلى الحكم على المدعى عليهم كل من الدولة المغربية في شخص الحكومة‬
‫والوكيل القضائي وو ازرة التجهيز وو ازرة الفالحة (وهي أطراف إدارية) والمستأنف وشركة‬
‫القرض الفالحي‪ ،‬بادائهم للمدعي تعويضا عن األضرار الالحقة به من جراء الفيضانات‬

‫‪735‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫التي شهدتها منطقة الغرب‪ ،‬والتي اتت على منتوج ضيعته الفالحية‪ .‬مما يكون معه الطلب‬
‫منصبا على التعويض عن األضرار المترتبة عن مسؤولية االطراف اإلدارية على تلك‬
‫االضرار وتكون معه المحكمة وفق مقتضيات المادة ‪ 9‬من القانون ‪ 03/31‬مختصة بالبت‬
‫في دعاوى التعويض عن األضرار التي تسببها أعمال ونشاطات اشخاص القانون العام‪،‬‬
‫وحكمها مطابق للصواب فيما قضى به من اختصاصها النوعي بالبت في الدعوى ومستوجب‬
‫التأييد‪.‬‬
‫لهذه األسباب‬
‫قضت محكمة النقض بتأييد الحكم المستأنف وإرجاع الملف إلى نفس المحكمة لمواصلة‬
‫النظر‪ .‬وبه صدر القرار وتلي في الجلسة العلنية المنعقدة بالتاريخ المذكور أعاله بقاعة‬
‫الجلسات العادية بمحكمة النقض بالرباط‪ ،‬وكانت الهيئة الحاكمة متركبة من رئيس الغرفة‬
‫اإلدارية (القسم األول) السيد محمد منقار بنيس والمستشارين السادة‪ :‬عبد الرحمان مزوز‬
‫مقررا‪ ،‬احمد دينية‪ ،‬عبد المجيد بابا اعلي‪ ،‬عبد العتاق فكير‪ ،‬وبمحضر المحامي العام السيد‬
‫احمد بودالية‪ ،‬وبمساعدة كاتبة الضبط السيدة نفيسة الحراق‪.‬‬

‫‪ .2‬ا ارر محامة النقض عدد‪ 1971‬والمؤرخ في ‪ 39‬شتنبر ‪ 2432‬والصادر في‬


‫الملف اإلداري رام ‪2015/1/4/3181‬‬

‫القاعدة‪:‬‬
‫مديرية أمالك الدولة وإن كانت تعتبر من أشخاص القانون العام‪ ،‬فان عقود الكراء التي‬
‫تبرمها مع الخواص بشأن امالكها تعتبر عقودا مدنية تخضع النزاعات المتعلقة بإلرامها‬
‫وتنفيذها وفسخها لمقتضيات القانون الخاص‪-‬اختصاص القضاء العادي نعم‪.‬‬
‫وبعد المداولة طبقا للقانون‬
‫حيث يستفاد من أوراق الملف ومن ضمنها الحكم المستأنف المشار إلى مراجعه أعاله أن‬
‫الشركة المدعية ‪ -‬المستأنف عليها‪ -‬تقدمت بتاريخ ‪ 2014/09/29‬بمقال أمام المحكمة‬
‫اإلدارية بالدار البيضاء عرضت فيه انه بتاريخ ‪ 2009/12/08‬رسی عليها المزاد العلني‬
‫لكراء العقار ذي الرسم العقاري عدد ‪ ...‬س رقم ‪ ،...‬المسمى "…" بعمالة اقليم ‪ ،...‬وأنها‬
‫أدت بتاريخ ‪ 2009/12/17‬مبلغ ‪ 311.111011‬درهم‪ ،‬إضافة إلى مبلغ ‪31.111011‬‬

‫‪736‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫درهم‪ ،‬الذي يشكل ‪ % 31‬من ثمن رسو المزاد المدفوع للمحاسب حسب التصريح باألداء رقم‬
‫‪ ،311331‬وانها قامت بالمصادقة على العقد وتسجيله أمام السلطة المختصة بتاريخ‬
‫‪ ،2010/02/16‬والذي ينص على مدته بخصوص السنة الفالحية ‪ ،1113-1131‬أي ‪:‬‬
‫من ‪ 2009/10/01‬إلی ‪ ،2010/09/30‬بتاريخ ‪ 2010/02/18‬توجه ممثلها رفقة مندوب‬
‫دائرة أمالك الدولة ببني مالل من اجل استيالم الضيعة‪ ،‬اال انه فوجئ باحتالل جميع‬
‫المباني المقامة فوق العقار المذكور من طرف المسمين … و‪ ...‬فضال عن قيامهما بجني‬
‫غلة الزيتون واستغالل األخشاب‪ ،‬رغم كون الموظف المكلف التابع لدائرة الدولة صرح بان‬
‫الضيعة فارغة ‪ ،‬وقد وجهت المدعية عدة تظلمات بهذا الشأن لكن بدون جدوى‪ ،‬كما صرح‬
‫الشخصان المحتالن أنهما كان يشتغالن مع المكتري السابق للضيعة‪ ،‬وظال بها بعد إفراغه‪،‬‬
‫مضيفة أنها تقدمت بدعوى استعجالية أمام رئيس المحكمة االبتدائية ب‪ ...‬اإلفراغ المحتلين‬
‫اال ان طلبها تم رده ‪ ،‬وأنها لم تتسلم العين المكراة ولم تستغلها بسبب ذلك االحتالل‪ ،‬وقد‬
‫توصلت برسالة تنذرها بإفراغ الضيعة بتاريخ ‪ 2010/09/30‬ورغم مطالبتها بتجديد العقد‬
‫فوجئت بكراء الضيعة للغير‪ ،‬والتمست الحكم أساسا على المدعى عليهما بأدائهما لفائدتها‬
‫تعويضا إجماليا عما لحقها من أضرار وقدره ‪ 1.000.000,00‬درهم مع الفوائد القانونية‬
‫وشمول الحكم بالنفاذ المعجل‪ ،‬واحتياطيا األمر تمهيديا بإجراء خبرة في الميدان الفالحي‬
‫لتحديد كافة الخسائر الالحقة بها‪ ،‬وحفظ الحق في اإلدالء بمطالبها النهائية بعد إجراء الخبرة‬
‫أجاب مدير مديرية أمالك الدولة بالدفع أساسا بعدم اختصاص المحكمة اإلدارية نوعيا بالبت‬
‫في الطلب لكون األمر يتعلق بعقد كراء مدني تختص بالبت فيه المحاكم العادية‪ ،‬واحتياطيا‬
‫التمس الحكم برفض الطلب‪ ،‬وبعد استنفاذ اإلجراءات‪ ،‬أصدرت المحكمة اإلدارية حكما‬
‫قضى باختصاصها نوعيا بالبت في الطلب مع إرجاع الملف إلى القاضي المقرر الستكمال‬
‫اإلجراءات وهو الحكم المستأنف‪.‬‬
‫أسباب االستئناف‬
‫حيث تعيب الطاعنة الحكم المستأنف بسوء التعليل الموازي النعدامه‪ ،‬ذلك انه استند على‬
‫كون دفتر الكلف والشروط المنظمة لكراء األمالك المخزنية الفالحية عن طريق سمسرة‬
‫عمومية وافتتاح الكراء بالمزاد العلني للعقارات التابعة ألمالك الدولة يتضمن شروطا غير‬
‫مألوفة في العقود العادية‪ ،‬والحال أن الدفتر المذكور هو عبارة عن سرد لبنود عقد الكراء‬

‫‪737‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المنظم للعالقة الكرائية بين الطرفين والتي تحكمها قواعد القانون الخاص‪ ،‬مما يجعل العقد‬
‫يندرج ضمن العقود العادية‪ ،‬إذ ال يتسم بسمات العقد اإلداري‪ ،‬وال يتصل بتسيير مرفق عام‬
‫بل بكراء مال مملوك للدولة ملكا خاصا تتصرف فيه على نحو ما يتصرف األفراد في‬
‫أموالهم ‪ ،‬وطبقا للقانون المدني‪ ،‬وان اللجوء إلى السمسرة العمومية ال يعدو أن يكون مجرد‬
‫إجراء يفرضه القانون المنظم لتسيير األمالك الخاصة وكراء العقارات الفالحية‪ ،‬أن موضوع‬
‫الطلب حسب المقال االفتتاحي‪ ،‬هو أداء تعويض اجمالي عن األضرار والخسائر الناتجة‬
‫عن عدم التمكن من استغالل العقار المكتري‪ ،‬مما ال يمكن تصنيفه ضمن االختصاصات‬
‫المسندة للمحاكم اإلدارية بمقتضى الفصل ‪ 9‬من القانون رقم ‪ 31-03‬المحدث لها‪ ،‬فيكون‬
‫الحكم عرضة لإللغاء‪.‬‬
‫حيث صح ما عابت به الطاعنة الحكم المستأنف‪ ،‬ذلك أن الدولة الملك الخاص وان كان‬
‫تعتبر من أشخاص القانون العام‪ ،‬فان عقود الكراء التي تبرمها مع الخواص بشأن امالكها‬
‫تعتبر عقودا مدنية تخضع " النزاعات المتعلقة بإبرامها وتنفيذها وفسخها لمقتضيات القانون‬
‫الخاص‪ ،‬إذ ال تظهر فيها جهة اإلدارة بمظهر السلطة العامة‪ ،‬كما أنها ال تتصل بتسيير‬
‫مرفق عام‪ ،‬وال تعدو مسطرة كرائها المحددة بمقتضى دفتر الكلف والشروط وعن طريق‬
‫السمسرة العمومية مجرد إجراءات تنظيمية يفرضها القانون‪ ،‬وليس من شأنها تغيير طبيعة‬
‫عقد الكراء وإضفاء طابع العقد اإلداري عليه ‪ ،‬فيكون الحكم المستأنف بما نحاه مجانبا‬
‫للصواب وواجب اإللغاء‪.‬‬
‫لهذه األسباب‬
‫قضت محكمة النقض بإلغاء الحكم المستأنف والتصريح باختصاص القضاء العادي واحالة‬
‫الملف على المحكمة االبتدائية بالفقيه بن صالح‪ .‬وبه صدر القرار وتلي في الجلسة العلنية‬
‫المنعقدة بالتاريخ المذكور أعاله بقاعة الجلسات العادية بمحكمة النقض بالرباط‪ ،‬وكانت‬
‫الهيئة الحاكمة متركبة من رئيس الغرفة اإلدارية (القسم األول) السيد محمد منقار بنيس‬
‫والمستشارين السادة‪ :‬عبد العتاق فکير مقررا‪ ،‬احمد دينية‪ ،‬المصطفى الدجاني نادية للوسي‬
‫وبمحضر المحامي العام السيد سابق الشرقاوي‪ ،‬وبمساعدة كاتبة الضبط السيدة نفيسة‬
‫الحراق‪.‬‬

‫‪738‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الحوادث المدرسية‪:‬‬
‫‪ .3‬ارار محامة النقض عدد ‪ 1/101‬المؤرخ في ‪ 27‬مارس ‪ 2438‬والصادر في‬
‫الملف اإلداري رام ‪2439/1/0/293‬‬
‫القاعدة‪:‬‬
‫دعاوى التعويض في مبال الحوادث المدرسية تتقادم بمضي ثالث سنوات من تاريخ‬
‫ارتكاب الفع الضار‪ ،‬عدم منااشة محامة للوسيلة المتعلقة بالتقادم يبع ارارها عديم‬
‫التعلي وعرضة للنقض‪.‬‬

‫وبعد المداولة طبقا للقانون‬


‫حيث يؤخد من وثائق الملف ومحتوى القرار المطعون فيه أنه بتاريخ ‪ 11‬دجنبر ‪ 1130‬تقدم‬
‫السيد عبد الرحيم صهيري بمقال أمام المحكمة االدارية بالرباط‪ ،‬عرض فيه أن ابنه المهدي‬
‫تعرض لحادث أثناء تواجده بالمؤسسة التعليمية‪ ،‬وتحطمت أسنانه‪ ،‬ملتمسا الحكم له بتعويض‬
‫مسبق قدره ‪ 5111011‬درهم‪ ،‬واألمر تمهيديا بإجراء خبرة طبية لتحديد مبلغ التعويض‪ .‬وبعد‬
‫تمام اإلجراءات‪ ،‬أمرت المحكمة بخبرة طبية أنجزت من طرف الدكتور عبد العالي الجيراري‪،‬‬
‫فأصدرت حكمها بأداء الدولة المغربية لفائدة المدعي تعويضا اجماليا قدره ‪11.111011‬‬
‫درهم وإحالل شركة التأمين سهام محلها في األداء‪ .‬استأنفه الوكيل القضائي للمملكة وشركة‬
‫التأمين سهام فأصدرت محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط قرارها المطعون فيه‪ ،‬قضى بتأييد‬
‫الحكم المستأنف‪.‬‬
‫في الوسيلة األولى للطعن‬
‫حيث عاب الطالب القرار المطعون فيه بخرق القانون بدعوى أن الطلب سقط بالتقادم بالنظر‬
‫إلى أن الحادث وقع بتاريخ ‪ 1119/33/11‬في حين أن الطلب لم يقدم إال بتاريخ‬
‫‪ 1130/31/11‬وأنه طبقا لمقتضيات الفقرة األخيرة من الفصل ‪ 95‬مكرر من قانون‬
‫االلتزامات والعقود فان دعاوى التعويض في مجال الحوادث المدرسية تتقادم بمضي ثالث‬
‫سنوات من تاريخ ارتكاب الفعل الضار والمحكمة بعدم مراعاة ما ذكر عرضت قرارها‬
‫للنقض‪.‬‬

‫‪739‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫حيث صح ما عاب به الطالب القرار المطعون فيه‪ ،‬ذلك أن الثابت من مقاله االستئنافي أنه‬
‫تمسك بتقادم حق المطلوب وفقا للمقتضيات أعاله‪ ،‬اال أن محكمة االستئناف لم تجب عن‬
‫الوسيلة المذكورة مما جعل قرارها عديم التعليل وعرضة للنقض‪.‬‬
‫لهذه األسباب‬
‫وبصرف النظر عن الوسيلة الثانية بفروعها؛‬
‫قضت محكمة النقض بنقض القرار المطعون فيه‪ ،‬وإرجاع الملف إلى المحكمة التي أصدرته‬
‫للبت فيه من جديد طبقا للقانون وتحميل المطلوب الصائر؛‬
‫وبه صدر القرار‪ ،‬وتلي في الجلسة العلنية المنعقدة بالتاريخ المذكور أعاله بقاعة الجلسات‬
‫العادية بمحكمة النقض بالرباط‪ ،‬وكانت الهيئة الحاكمة متركبة من السيد المصطفى لوب‬
‫رئيس الغرفة اإلدارية (القسم الثالث) والسادة المستشارين‪ :‬عبد الغني يفوت مقررا‪ ،‬ونزيهة‬
‫الحراق‪ ،‬ومحمد الناصري‪ ،‬والحسين اندجار‪ ،‬وبمحضر المحامي العام السيد عبد العالي‬
‫المصباحي‪ ،‬وبمساعدة كاتبة الضبط السيدة يامنة بتكميل‪.‬‬

‫‪ .2‬ارار محامة النقض عدد ‪ 1004‬المؤرخ في ‪ 20‬غشت ‪ 2434‬والصادر في‬


‫الملف المدني رام ‪2447/9/3/1411‬‬

‫القاعدة‪:‬‬
‫‐ اتفاقية الضمان المدرسي تشم حتى الحوادث الطارئة على التالميذ المؤمنين خالل‬
‫المسافة الفاصلة لين ساناهم والمؤسسة؛‬
‫‐ إن التصريح بالحادثة موكول إلى رئيس المؤسسة وليس للضحية المستفاد من‬
‫البروتوكول التطبيقي التفاقية الضمان المدرسي والرياضة‪ ،‬وعن المصاداة عن‬
‫الشهادة الطبية ال يد للضحية فيه؛‬
‫‐ ما دام أن اتفاقية الضمان المدرسي تحدد سقف الضمان في حدود مبلغ ‪14.444‬‬
‫درهم عن العبز الدائم‪ ،‬وتكاليف التطبيب والبراحة والصيدلة في مبلغ ‪2444‬‬
‫درهم‪ ،‬فإن تحديد مبلغ الضمان عن العبز الدائم في ‪ 14.444‬درهم والمصاريف‬
‫الطبية في ‪ 3444‬درهم يبع المحامة اد اضت في حدود ما ورد في هذه‬
‫االتفاقية‪.‬‬

‫‪740‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وبعد المداولة طبقا للقانون‬


‫حيث يستفاد من أوراق الملف ومن القرار المطعون فيه الصادر عن محكمة االستئناف‬
‫بمكناس بتاريخ ‪ 1119/31/31‬في الملف عدد ‪ 3/9/3531‬أن المطلوبة تقدمت بمقال‬
‫افتتاحي وإصالحي أمام المحكمة االبتدائية بمكناس عرضت فيه أنها بتاريخ ‪1111/5/5‬‬
‫تعرضت لحادثة سير في طريقها إلى ثانوية موالي إسماعيل‪ ،‬وبالضبط بشارع األمير موالي‬
‫عبد الله تسببت فيها سيارة من نوع رونو طرافيك الحاملة لرقم ‪/11‬أ‪ 51191/‬التي كان‬
‫يسوقها محمد هوشي‪ ،‬أصيبت من جرائها بجروح جد خطيرة‪ ،‬كما تثبت ذلك الشهادة الطبية‬
‫ملتمسة الحكم باعتبار الدولة في شخص الوزير األول ووزير التربية الوطنية مسؤولين مدنيا‬
‫وبأدائهم لفائدتها تعويضا قدره ‪ 315.511‬درهم مع إحالل شركة التأمين سينيا محلها في‬
‫األداء مع النفاذ المعجل‪ ،‬واحتياطيا إجراء خبرة طبية للتحقق من األضرار الجسمانية الالحقة‬
‫بها‪ ،‬وبعد إجراء الخبرة وتمام اإلجراءات صدر حكم يقضي بالحكم على الدولة المغربية في‬
‫شخص الوزير األول بأدائها لفائدة الضحية تعويضا مدنيا إجماليا قدره ‪ 313.111‬درهم مع‬
‫الفوائد القانونية من تاريخ الحكم‪ ،‬مع الحكم بالنفاذ المعجل في حدود النصف‪ ،‬وبإحالل‬
‫شركة التأمين المدخلة في الدعوى محل مؤمنها في األداء أصال وفائدة‪ ،‬وبرفض باقي‬
‫الطلبات‪ .‬استأنفته الشركة أمام محكمة االستئناف المذكورة التي أيدت الحكم المستأنف مع‬
‫تعديله بتخفيض التعويض المطالب به إلى ‪ 13.111‬درهم وهو القرار المطعون فيه‪.‬‬
‫في وسائ النقض‬
‫في الوسيلة األولى‬
‫حيث تعيب الطاعنة القرار المطعون فيه بخرق مقتضيات الفصل ‪ 95‬من قانون االلتزامات‬
‫والعقود؛ ذلك أن المطلوبة رفضت دعواها في إطار الفصل المذكور الذي يستوجب إثبات‬
‫الخط والضرر والعالقة من أن الحادثة التي تعرضت لها خارج الحرم المدرسي‪ ،‬وأن‬
‫المحكمة لما اعتبرتها من الحوادث التي تقع خالل فترة التنقل في غير حاجة إلثبات ذلك‬
‫يجعل قرارها معرضا للنقض‪.‬‬
‫لكن حيث إنه بمقتضى البند الثاني عشر في فقرته الثانية‪ ،‬فإن الضمان يشمل حتى‬
‫الحوادث الجدية الطارئة على التالميذ المؤمنين خالل المسافة الفاصلة بين سكنى الضحية‬
‫والمؤسسة دون اعتب ار المسؤولية الموضوعية المتمسك بها ذهابا وإيابا ولذلك فإن المحكمة‬

‫‪741‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫لما اعتبرت أنه ما دام التأمين يضمن حتی الحوادث خالل فترة التنقل‪ ،‬وبالتالي ال يحتاج إلى‬
‫إثبات خطأ أو إهمال أو تقصير اإلدارة التعليمية لم تخرق بذلك المقتضيات القانونية‬
‫المذكورة‪.‬‬
‫في الوسيلة الثانية‬
‫حيث تنعى الطاعنة القرار المطعون فيه بخرق الفصل ‪ 111‬من قانون االلتزامات والعقود؛‬
‫ذلك أن المطلوبة قدمت دعواها في إطار التأمين المدرسي‪ ،‬و أنها من خالل مذكرتها‬
‫ومقالها االستئنافي دفعت بسقوط الحق في التعويض لعدم التصريح بالحادثة أمام الجهات‬
‫التعليمية الم ختصة‪ ،‬وأن الشهادة الطبية لم تتم المصادقة عليها من طرف اللجنة الطبية‬
‫اإلقليمية‪ ،‬وأن البند الرابع عشر من الضمان المدرسي ينص على تحديد سقف حدد في مبلغ‬
‫‪ 11111‬درهم‪ ،‬وأن المحكمة لما شملت بالضمان جميع مبلغ التعويض المحكوم به‪ ،‬دون أن‬
‫تعتد بما ورد في اتفاقية الضمان يجعل قرارها معرضا للنقض‪.‬‬
‫لكن فيما يخص الفرع األول فإن التصريح بالحادثة موكول إلى رئيس المؤسسة وليس‬
‫الضحية المستفاد من الفصل الثاني من البروتوكول التطبيقي التفاقية الضمان المدرسي‬
‫والرياضة فإن التواني عن المصادقة عن الشهادة إن وجد ال يد للضحية فيه‪.‬‬
‫فيما ي خص الفرع الثاني من الوسيلة فإن البند الرابع عشر ينص على تحديد سقف الضمان‬
‫في حدود مبلغ ‪ 11.111‬درهم عن العجز الدائم‪ ،‬وتكاليف التطبيب والجراحة والصيدلة في‬
‫مبلغ ‪ 5111‬درهم‪ ،‬وأن المحكمة لما حددت مبلغ الضمان عن العجز الدائم في ‪11.111‬‬
‫درهم والمصاريف الطبية في ‪ 3111‬درهم تكون قضت في حدود ما ورد في البند الرابع‬
‫عشر من اتفاقية الضمان المذكورة ولم تخرق بذلك الفصل ‪ 111‬المحتج به وما بالوسيلة‬
‫غير جدير باالعتبار‪.‬‬
‫لهذه األسباب‬
‫اضى المبلس األعلى لرفض الطلب وإبقاء الصائر على رافعه‪.‬‬
‫وبه صدر القرار وتلي في الجلسة العلنية المنعقدة بالتاريخ المذكور أعاله بقاعة الجلسات‬
‫العادية بالمجلس األعلى بالرباط‪ ،‬وكانت الهيئة الحاكمة مترکبة من رئيس الغرفة المدنية‬
‫القسم السابع السيد بوشعيب البو عمري والمستشارين السادة‪ :‬الحسن بو مريم مقررا‪ ،‬عائشة‬

‫‪742‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫بن الراضي‪ ،‬وسعد غزيول برادة‪ ،‬ومحمد محجوبي‪ ،‬وبمحضر المحامي العام السيد سابق‬
‫الشرقاوي‪ ،‬وبمساعدة كاتبة الضبط السيدة‪ :‬سميرة المنيني‪.‬‬

‫‪ .1‬ارار محامة النقض عدد ‪ 2/1230‬المؤرخ في ‪ 22‬دجنبر ‪ 2430‬والصادر في‬


‫الملف إداري رام ‪2432/2/0/3779‬‬

‫القاعدة‪:‬‬
‫إن البند ‪ 30‬من االتفاقية الضمان المدرسي المبرمة لين وزارة التربية الوطنية وشركة‬
‫التأمين سينا يحدد سقف الضمان في مبلغ ‪ 14.444‬درهم ونطاق حلول شركة التأمين‬
‫مح مؤمنها المسؤول عن الضرر وال عالاة له لنسبة العبز الذي اد يصاب به الضحية‪،‬‬
‫والمحامة بعدم مراعاتها لما ذكر رغم ما اد ياون له من تأثير على نتيبة اضائها جعلت‬
‫اضاءها غير مرتكز على أساس اانوني سليم عرضة للنقض البزئي بخصوص هذه‬
‫النقطة‪.‬‬

‫وبعد المداولة طبقا للقانون‬


‫حيث يستفاد من أوراق الملف ومن القرار المطلوب نقضه الصادر عن محكمة االستئناف‬
‫اإلدارية بمراكش بتاريخ ‪ 1133/1/31‬تحت عدد ‪ 391‬في الملف ‪ 1131/1/111‬أن سعيد‬
‫وهبي تقدم بمقال أمام المحكمة اإلدارية بمراكش عرض فيه أن ابنه نصر الدين تعرض‬
‫بتاريخ ‪ 1115/31/0‬لحادث مدرسي أثناء اللعب وقت االستراحة بساحة مدرسة ابن طفيل‬
‫مما تسبب له في حدوث إصابة على مستوى يده‪ ،‬والتمس تحميل الدولة المغربية (و ازرة‬
‫التربية الوطنية) مسؤولية الحادث المذكور والحكم عليها بأدائها له التعويضات المستحقة‬
‫جب ار لألضرار الالحقة بابنه‪ ،‬وبعد المناقشة وإجراء خبرة‪ ،‬والتماس المدعي الحكم له بتعويض‬
‫قدره ‪ 01.111‬درهم‪ ،‬صدر الحكم بأداء الدولة المغربية في شخص الوزير األول (و ازرة‬
‫التربية الوطنية) لفائدة المدعي تعويضا إجماليا قدره ‪ 31.111‬درهم مع إحالل شركة التأمين‬
‫سينا في األداء في حدود مبلغ ‪ 1011‬درهم‪ ،‬استأنفه الوكيل القضائي فأيدته محكمة‬
‫االستئناف اإلدارية بمراكش بقرارها المطعون فيه بالنقض‪.‬‬
‫في شأن الفرع األول من الوسيلة األولى ‪:‬‬

‫‪743‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫حيث يعيب الطالب القرار المطعون فيه بفساد التعليل القاضي برد وسيلته المتمثلة في انعدام‬
‫الخطأ من جانب اإلدارة‪ ،‬ذلك أن المحكمة مصدرته أسست للقول بالخطأ في جانب اإلدارة‬
‫إلهمالها في تجنب التدافع بين التالميذ دون أن تبين كيف يمكن لألطر التربوية تنظيم‬
‫عملية لعب التالميذ خالل فترة االستراحة بشكل يمنع التدافع واالحتكاك بينهم‪ ،‬وأن الخطأ‬
‫المنسوب إلى اإلدارة غير تابت مما يعني عدم توافر أركان المسؤولية التقصيرية المشترطة‬
‫في الفصل ‪ 95‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬‬
‫لكن حيث إن تحصيل فهم الواقع في الدعوى وتقدير اإلدارة فيها هو مما تستقل به محكمة‬
‫الموضوع متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة لها أصلها إثبات ضمن (وثائق الملف وال‬
‫رقابة عليها من طرف محكمة النفق ضاال بخصوص التعليل والمحكمة مصدرة القرار‬
‫المطعون فيه التي ثبت لها أن الضرر الالحق باب المطلوب كان بسبب إهمال وتقصير‬
‫المكلفين بالمؤسسة التعليمية المعنية باألمر ورتبت على ذلك القول بقيام المسؤولية في‬
‫مواجهة اإلدارة الطالبة تكون قد أوردت تعليالت سائغة لها أصلها الثابت ضمن وثائق الملف‬
‫الذي بالرجوع إليه وخاصة التصريح بالحادث المنجز من قبل مدير مدرسة أبو بكر الصديق‬
‫يتبين أن ابن المطلوب أصيب في يده أثناء تواجده داخل حرم المدرسة وبفعل اعتداء من‬
‫طرف التالميذ مما يفيد قيام الخطأ المنسوب إلى اإلدارة الطالبة بفعل اإلهمال والتقصير‬
‫وعدم اتخاذ االحتياطات الالزمة لمنع وقوع إصابات التالميذ أثناء تواجدهم داخل المدرسة‬
‫والفرع من الوسيلة على غير أساس‪.‬‬
‫حيث يعيب الطالب القرار المطعون فيه بفساد التعليل فيما يتعلق باألخذ بخبرة معيبة وفي‬
‫تقدير التعويض‪ ،‬ذلك أن المحكمة مصدرته اعتمدت خبرة معيبة لم يوضح فيها الخبير‬
‫األسس التي استند عليها في الوصول إلى العجز الذي حدده واعتمد الملف الطبي فقط‬
‫وتجاوز حدود المهمة التي أوكلت له عندما خاض في أمور قانونية‪ ،‬والمحكمة في تحديد‬
‫التعويض على سلطتها التقديرية المجردة‪.‬‬
‫لكن حيث إن تقدير التعويض هو من سلطة محكمة الموضوع وال رقابة عليها في ذلك إال‬
‫من حيث التعليل والمحكمة مصدرة لقرار المطعون فيه لما عللت قضاءها بما جاءت به فان‬
‫الثابت من تقرر الخبرة أم تقتصر فقط على االطالع على الملف الطبي للمدعي بل حدد‬
‫نس بة العجز بعد أن قام بفحص الضحية وخلص إلى أن الحادث خلفت له عدة أضرار من‬

‫‪744‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫بينها اعوجاج في الجهة الخارجية لمعصم اليد اليسرى مع إحساس بألم‪ ،‬كما أن المحكمة‬
‫اعتمدت في تحديد التعويض المحكوم به على ما خلفته الحادث من أضرار وما نتج للضحية‬
‫من عجز وذلك استنادا إلى سلطتها التقديرية المستمدة من العناصر الواردة بتقرير الخبرة‪.‬‬
‫تكون قد ردت الدفع المشار بتعليالت سائغة فال رقابة عليها من طرف محكمة النقض والفرع‬
‫من الوسيلة على غير أساس‪.‬‬
‫في شأن الوسيلة الثانية ‪:‬‬
‫حيث يعيب الطالب القرار المطعون فيه بعدم االرتكاز على أساس‪ ،‬ذلك أن المحكمة‬
‫مصدرته قضت بإحالل شركة التأمين سينا في األداء في حدود مبلغ ‪ 1011‬درهم عوض‬
‫إحاللها في أداء جميع المبلغ المحكوم با استنادا إلى اتفاقية الضمان المبرمة بينها وبين و ازرة‬
‫التربية الوطنية‪.‬‬
‫حيث استندت المحكمة مصدرة القرار المطعون في إحالل شركة التأمين سينا في األداء في‬
‫حدود مبلغ ‪ 1011‬درهم على ما جاءت به‪ ،‬وأن اتفاقية الضمان المبرمة بين و ازرة التربية‬
‫الوطنية وشركة التأمين سينا حددت نسبة التأمين التي تغطيها هذه األخيرة في مبلغ ‪111‬‬
‫درهم عن كل نقطة عجز‪ ،‬وطالما أن نسبة العجز التي أسفرت عنها الخبرة ‪ "...‬رغم أن البند‬
‫‪ 30‬من االتفاقية يحدد سقف الضمان في مبلغ ‪ 11.111‬درهم ونطاق حلول شركة التأمين‬
‫محل مؤمنها المسؤول عن الضرر وال عالقة له بنسبة العجز الذي قد يصاب به الضحية‪،‬‬
‫والمحكمة بعدم مراعاتها لما ذكر رغم ما قد يكون له من تأثير على نتيجة قضائها جعلت‬
‫قضاءها غير مرتكز على أساس قانوني سليم عرضة للنقض الجزئي بخصوص هذه النقطة‪.‬‬
‫وحيث أن حسن سر العدالة ومصلحة الطرفين يقتضيان الحالة القضية على نفس المحمكة‬
‫للبت فيها طبقا للقانون وهي متركبة من هيئة أخرى‪.‬‬
‫لأأهذه األسبأأاب‬
‫قضت محكمة النقص بنقض القرار المطعون فيه جزئيا بخصوص عدم إحالل شركة التأمين‬
‫في أداء كامل التعويض المحكوم به وبرفض الطلب فيما عدا ذلك وبإحالة الملف على نفس‬
‫المحكمة للبت فيه من جديد طبقا للقانون وبهيأة أخرى وتحميل الطرفين الصائر مناصفة‪.‬‬
‫وبه صدر القرار وتلي في الجلسة العلنية المنعقدة بالتاريخ المذكور أعاله بقاعة الجلسات‬
‫العادية بمحكمة النقض بالرباط‪ ،‬وكانت الهيئة الحاكمة متركبة من رئيس الجلسة للغرفة‬

‫‪745‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫اإلدارية (القسم الثاني ) السيد عبد السالم الوهابي رئيسا‪ ،‬والمستشارين السادة ‪ :‬محمد‬
‫بوغالب مقر ار وسعد غزيول برادة وسعاد المديني وسلوى الفاسي الفهري أعضاء‪ ،‬وبمحضر‬
‫المحامي العام السيد حسن تايب‪ ،‬وبمساعدة كاتب الضبط السيد منير العفاط‪.‬‬

‫‪ .0‬ارار محامة النقض عدد ‪ 2/283‬المؤرخ في ‪ 22‬فبراير ‪ 2431‬والصادر في‬


‫الملف إداري عدد ‪2431/1/0/1921‬‬

‫القاعدة‪:‬‬
‫‐ مسؤولية الدولة عن الحوادث المدرسية تنظمها الفقرة الثانية من الفص ‪ 82‬مارر‬
‫من اانون االلتزامات وا لعقود الذي يوجب على من يحتج به أن يثبت الخطأ وعدم‬
‫الحيطة واإلهمال‪.‬‬
‫‐ عدم ثبوت نوع اإلهمال في الراابة والتوجيه الذي يدخ ضمن صلب األعمال‬
‫الملقاة على عاتق المؤسسة التعليمية لتحميلها المسؤولية والمتسبب في األضرار‬
‫البسمانية التي تعرضت لها المطلوبة‪ ،‬يبع شروط قيام مسؤولية اإلدارة غير‬
‫اائمة تطبيقا لمقتضيات الفقرة الثانية من الفص ‪ 82‬مارر‪.‬‬
‫وبعد المداولة طبقا للقانون‬
‫حيث يستفاد من أوراق الملف ومن فحوى القرار المطعون فيه أن المدعية (المطلوبة) تقدمت‬
‫بتاريخ ‪ 1119/10/31‬بمقال افتتاحي للدعوى تعرض فيه أنها تعرضت لحادثة أثناء‬
‫التمارين الرياضية تسببت لها في إضرار جسمانية أثناء ممارستها للتربية البدنية بمؤسسة‬
‫الشهيد البناي التي تدرس فيها نقلت على إثرها إلى مستشفى ابن سيناء حيث سلمت لها‬
‫شهادة طبية أولية حددت أمدا لعجزها في ثالثين يوما‪ ،‬وأن المؤسسة التعليمية قامت‬
‫بالتصريح بالحاث ة‪ ،‬لذلك نلتمس تحميل كامل مسؤولية الحادثة للمؤسسة التعليمية والحكم‬
‫بإجراء خبرة طبية على المطلوبة والحكم بإحالل شركة التأمين سينا محل مؤمنها في األداء‪.‬‬
‫وبعد الخبرة صدر الحكم بتاريخ ‪ 1131/11/11‬قضى على الدولة (و ازرة التربية الوطنية)‬
‫(الطالبة) بأدائها لفائدة المدعية (المطلوبة) تعويضا قدره ‪30 000,00‬درهما وإحالل شركة‬
‫التأمين سينا محل مؤمنها في األداء مع الصائر ورفض باقي الطلبات‪ ،‬استأنفته (المطلوبة)‬

‫‪746‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫شركة التأمين سينا أمام محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط التي أيدته مع إحالل شركة‬
‫التأمين سينا السعادة للتأمين في حدود مبلغ الضمان‪ ،‬وهو القرار المطعون فيه بالنقض‪.‬‬
‫في شأن الفرع األول من الوسيلة األولى‬
‫حيث تعيب الطالبة القرار المطعون فيه بفساد لتعليل الموازي النعدامه‪ ،‬بدعوى أن المحكمة‬
‫مصدرته قضت بتأييد الحكم المستأنف القاضي بتحميل الطالبة مسؤولة الحادثة التي‬
‫تعرضت لها المطلوبة بمؤسسة (المدرسة) الشهيد البناي خالل ممارسة التمارين الرياضية‬
‫بالرغم من غياب أي خطأ من جانب اإلدارة أو ثبوت أي إهمال أو عدم حيطة من جانبها‬
‫(اإلدارة) على اعتبار أن الفصل ‪ 95‬مكرر من قانون االلتزامات والعقود يشترط لقيام‬
‫المسؤولية توافر العناصر المشار إليها‪ ،‬وبالتالي فان مقتضياته واضحة وال تحتاج إلى أي‬
‫تفسير أو تأويل ألنه يرتب مسؤولية اإلدارة على أساس خطأ واجب اإلثبات وليس على‬
‫أساس افتراض الخطأ الذي اعتمده القرار الذي حاول إيجاد تبرير أو صلة بين نشأة المرفق‬
‫العمومي وبين الحادثة وهو مجرد بحث عن إلقاء المسؤولية دون إثبات خطأ من طرف‬
‫اإلدارة‪ ،‬وأن الحادث الذي تعرضت له المطلوبة أثناء ممارستها للتمارين الرياضية نتج عن‬
‫سقوطها المفاجئ والذي ال يمكن توقعه أو تالقيه من طرف األستاذ المكلف بالتربية البدنية‪،‬‬
‫لذلك فمن العبث أن وقوع الحادث دليل على التقصير في العناية فيصبح الخطأ المنسوب‬
‫لإلدارة غير ثابت مما يعني عدم توافر أركان المسؤولية التقصيرية المنصوص عليها في‬
‫الفصل ‪ 95‬مكرر المشار إليه‪ ،‬مما يعرض القرار المطعون فيه للنقض‪.‬‬
‫وحيث ان مسؤولية الدولة عن الحوادث المدرسية تنظمها الفقرة الثانية من الفصل ‪ 95‬مكرر‬
‫من قانون االلتزامات والعقود الذي يوجب على من يحتج به أن يثبت الخطأ وعدم الحيطة‬
‫واإلهمال باعتبارها من أسباب حصول األضرار الجسمانية الالحقة بالمطلوبة أثناء ممارستها‬
‫للتربية البدنية داخل المؤسسة التعليمية التي تتابع بها دراستها‪ ،‬وما دامت المحكمة مصدرة‬
‫القرار المطعون فيه ليس لديه ا ما يثبت نوع اإلهمال في الرقابة والتوجيه الذي يدخل ضمن‬
‫صلب األعمال الملقاة على عاتق المؤسسة التعليمية لتحميلها المسؤولية والمتسبب في‬
‫األضرار الجسمانية التي تعرضت لها المطلوبة‪ ،‬واعتبرت (المحكمة) أن مجرد تواجد‬
‫المطلوبة داخل المؤسسة التعليمية وتعرضها ألضرار جسمانية كاف لقيام مسؤوليتها وهو ما‬

‫‪747‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫يعتبر خرقا لمقتضيات الفقرة الثانية من الفصل ‪ 95‬مكرر المشار إليه‪ ،‬ويتعين بسبب ذلك‬
‫نقضه‪.‬‬
‫وحيث إن حسن سير العدالة ومصلحة الطرفين يقضيان إحالة الدعوى على نفس المحكمة‬
‫لأأهذه األسبأأاب‬
‫وبصرف النظر عن البحث في بقية الوسائل األخرى المستدل بها على النقض‪.‬‬
‫قضت المحكمة بنقض وإبطال القرار المطعون فيه المشار إليه أعاله‪ ،‬وإحالة الدعوى على‬
‫نفس المحكمة للبت فيها من جديد بهيئة أخرى طبقا للقانون‪ ،‬وبتحميل المطلوبة في النقض‬
‫الصائر‪.‬‬
‫كما قررت إثبات قرارها هذا بسجالت المحكمة المصدرة له اثر القرار المطعون فيه أو‬
‫بطرته‪.‬‬
‫وبه صدر القرار وتلي بالجلسة العلنية المنعقدة بالتاريخ المذكور أعاله بقاعة الجلسات‬
‫العادية بمحكمة النقض بالرباط‪ ،‬وكانت الهيئة الحاكمة متركبة من السادة ‪ :‬مصطفى لوب‬
‫رئيس الغرفة اإلدارية (القسم الثلث ) رئيسا‪ -‬والمستشارين ‪ :‬الحسين اندجار – عضوا مقر ار‬
‫ومحمد الناصري‪ ،‬ونزيهة الحراق‪ ،‬وعبد الغني بفوت‪ ،‬أعضاء وبمحضر المحامي العام السيد‬
‫محمد صادق‪ ،‬وبمساعدة كاتب الضبط السيد يونس السعيدي‪.‬‬

‫‪748‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المسؤولية عن التشريع‪:‬‬
‫‪ .3‬ارار محامة االستئناف اإلدارية بالرباط عدد ‪ 2171‬والمؤرخ في ‪ 27‬ألري‬
‫‪ 2437‬والصادر في الملف عدد ‪2437/9234/9‬‬
‫القاعدة‪:‬‬

‫‪ -‬على الرغم من تأطير الدعوى في نطاق المسؤولية اإلدارية عن ضرر التشريع‪ ،‬إال‬
‫أن األسباب المعتمدة في تبرير هذه الدعوى‪ ،‬تستوجب التداء محاكمة عدم دستورية‬
‫القانون‪ ،‬الذي عاب عليه المدعي خراه لمبدأ المساواة وعدم انضباطه لمبدأ األمن‬
‫القانوني من خالل التغييرات المتوالية التي طالت مقتضياته؛‬
‫‪ -‬إن هذه الخرواات الدستورية هو مما ال تستوعبه دعوى المسؤولية اإلدارية أمام‬
‫المحاكم اإلدارية‪ ،‬حتى ولو كان أساسها ضرر التشريع‪ ،‬وبدون إثبات الخطأ‪ ،‬سواء‬
‫من حيث أن ذلك فيه خرق لمبدأ فص السلط الذي أاره دستور يوليو ‪ 2433‬في‬
‫فصله األول‪ ،‬ومن تبلياته عدم إخضاع أعمال السلطة التشريعية لراابة السلطة‬
‫القضائية‪ ،‬أو من حيث تطاوله على اختصاصات المحامة الدستورية التي أسندت‬
‫إليها مهمة هذه الراابة بمقتضى الفص ‪ 321‬من الدستور‪ ،‬أو من جهة أن ما‬
‫يطالب به المدعي فيه تعطي صريح لنص تشريعي؛‬
‫‪ -‬لئن كان االتباه السائد حاليا في الفقه والقضاء اإلداريين‪ ،‬هو إارار مبدأ مسؤولية‬
‫الدولة عن اوانينها‪ ،‬إال أنه مع ذلك لم يرجع قيام هذه المسؤولية إلى خطأ السلطة‬
‫التشريعية عند سنها لمقتضيات اانونية أو خراها للقواعد الدستورية التي تؤطر‬
‫عملها‪ ،‬وإنما ت أسيسا على مبدأ المساواة أمام التكاليف العامة والذي يتحتم تعويض‬
‫المتضرر من العم التشريعي؛‬
‫‪ -‬إارار مسؤولية الدولة عن اوانينها تتوقف على عدم وجود النص القانوني الذي‬
‫يمنع التعويض عن التشريع من أساسه‪ ،‬وأن تكون المصالح التي لحقها الضرر‬
‫مشروعة وجديرة بحماية القانون‪ ،‬وكان تضررها نتيبة مباشرة لتطبيق القانون‪ ،‬ثم‬
‫أن ياون ذلك الضرر خاصا‪ ،‬بحيث يمتد أثره إلى فرد واحد أو عدد محدود من‬

‫‪749‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫األفراد‪ ،‬مما يعد خروجا عن األص في عمومية القانون وانعااساته اإليبالية أو‬
‫السلبية على الكافة‪ ،‬وأن ياون في نفس الوات ضر ار جسيما غير معتاد أو مألوف‬
‫فيما يترتب عن القوانين من أضرار ومخاطر في العادة ياون على أفراد المبتمع‬
‫تحملها سواء جميعا‪ ،‬أو من خالل فئات عريضة وغير محدودة من المتضررين‪.‬‬

‫وبعد المداولة طبقا للقانون‬


‫في الشا ‪:‬‬
‫حيث إن الوكيل القضائي للمملكة تبلغ بالحكم المستأنف بتاريخ ‪ 31‬دجنبر ‪ ،1139‬حسب‬
‫الثابت من طي التبليغ المرفق بالمقال‪ ،‬في حين ال دليل على تبليغ باقي المستأنفين أصليا‪،‬‬
‫فيكون استئنافهم المقدم بتاريخ ‪ 31‬يناير ‪ 1133‬واقعا داخل األجل القانوني‪ ،‬كما استوفى‬
‫الشروط الشكلية المتطلبة قانونا‪ ،‬مما يتعين التصريح بقبوله‪.‬‬
‫وحيث إن االستئناف الفرعي مع طلب إضافي المقدم من طرف السيد موالي إدريس‬
‫اإلدريسي بشر بواسطة نائبه األستاذ إدريس بلمحجوب بتاريخ ‪ 13‬فبراير ‪ ،1133‬جاء بدوره‬
‫وفق الشكل المتطلب قانونا‪ ،‬فهو لذلك مقبول‪.‬‬
‫وفي الموضوع‪:‬‬
‫حيث يستفاد من أوراق الملق ومحتوى الحكم المستأنف أنه بتاريخ ‪ 11‬أكتوبر ‪ 1139‬تقدم‬
‫المدعي (المستأنف عليه) بمقال افتتاحي‪ ،‬بواسطة نائبه إلى المحكمة اإلدارية بالرباط‪،‬‬
‫عرض فيه أنه أحيل على المعاش ابتداء من فاتح دجنبر ‪ ،1131‬بعد مدة ‪ 01‬سنة من‬
‫العمل قضاها في سلك القضاء بين مهام ومسؤوليات قضائية‪ ،‬وأنه توصل من الصندوق‬
‫المغربي للتقاعد بوثيقة بتحديد معاشه التقاعدي الصافي في مبلغ ‪ 19.053019‬درهم‪ ،‬ليتبين‬
‫بعد تصفية معاشه أنه حدد فقط في مبلغ ‪ 11.111019‬درهم‪ ،‬علما بأن زمالء له أحيلوا‬
‫على التقاعد قبله بسنة يتقاضون على التوالي معاشا شهريا قدره ‪ 19.919051‬درهم‪ ،‬أو‬
‫مبلغ ‪ 13.111051‬درهم‪ ،‬مع أن مدة خدمتهم أقل من المدة التي قضاها هو في الممارسة‪،‬‬
‫مما دفعه إلى استصدار أمر قضائي عن رئيس المحكمة اإلدارية‪ ،‬في إطار ملف مختلف‬
‫قضى بإجراء خبرة على يد الخبير خالد الفيزازي المستبدل بالخبير محمد امعالي‪ ،‬والذي‬
‫أودع تقريره في الملف‪ ،‬خلص فيه إلى انتفاء التبرير المنطقي في فلسفة تشريع نسبة الخصم‬

‫‪750‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الجزافي بموجب قوانين المالية التي تغيرت ابتداء من سنة ‪ 1131‬و‪ 1130‬و ‪ ،1135‬دون‬
‫مراعاة لمبدأ المعاملة بالمماثلة في الوضعية اإلدارية والمساواة‪ ،‬مما أثر على الوضعية‬
‫المعاشية الخاصة به‪ ،‬بحكم إحالته على التقاعد سنة ‪ 1131‬وتم تدارك هذا الحيف سنة‬
‫‪ ،1130‬وأن الصندوق المغربي للتقاعد يعتمد في تصفية المعاشات على رسالة الوزير‬
‫المنتدب لدى الوزير األول المكلف بتحديث القطاعات العامة المؤرخة في ‪ 11‬يناير ‪1113‬‬
‫بشأن تطبيق الضريبة على الدخل بالنسبة للمحالين على التقاعد في متم دجنبر ‪،1119‬‬
‫والتي تنص في فقرتها الثانية على اعتماد النظام الضريبي المعمول به في تاريخ حذف‬
‫المعنيين باألمر من األسالك‪ ،‬األمر الذي يجعل موقفه مشوبا بعيب مخالفة القانون طبقا‬
‫للمادة ‪ 11‬من قانون إحداث المحاكم اإلدارية‪ ،‬بسبب تبنيه لتفسير خاطئ ومعيب ومخالف‬
‫للمبادئ الدستورية‪ ،‬وهو ما يتجلى في خرق قانون المالية لسنة ‪ 1131‬فيما نص عليه من‬
‫تعديل المادة ‪ 3.11‬من المدونة العامة للضرائب‪ ،‬لألسس الدستورية ومبدأ المساواة المكرس‬
‫في تصدير الدستور‪ ،‬وكذا الفصلين ‪ 33‬و ‪ 13‬منه‪ ،‬وذلك عندما عمد إلى رفع نسبة الخصم‬
‫الجزافي إلى ‪ % 55‬بالنسبة الحتساب جميع المعاشات واإليرادات السنوية المكتسبة في فاتح‬
‫يناير ‪ ،1131‬في حين أن قانون المالية لسنة ‪ 1131‬كان يحدد تلك النسبة في ‪% 01‬‬
‫فقط‪ ،‬وهي نفس النسبة التي أقرها قانون المالية لسنة ‪ ،1130‬مما أضر بمصالحه مقارنة‬
‫بزمالئه المحالين على التقاعد سنة ‪ 1131‬و سنة ‪ 1130‬وما بعدها‪ ،‬وأنه لئن كان المبدأ‬
‫المسلم به كقاعدة عامة هو عدم مسؤولية الدولة عن أعمالها التشريعية‪ ،‬ما دام الضرر الذي‬
‫تسببه القوانين ال يتوفر فيه شرط الخصوصية الذي يبرر التعويض‪ ،‬فإن ذلك ينسحب على‬
‫القوانين التشريعية العامة المتقيدة باألسس الدستورية‪ ،‬وليست القوانين التشريعية ذات الطبيعة‬
‫اإلد ارية‪ ،‬في حين أن سلطة التشريع ينبغي أن تجد حدودها في احترام المساواة‪ ،‬ولذلك لم‬
‫يكن من القول خلق نص تشريعي يتعارض مع هذا المبدأ تحت طائلة سقوطه في حمأة‬
‫المخالفة الدستورية‪ ،‬باإلضافة إلى أن قانون المالية لسنة ‪ 1131‬بالتعديل الذي أدخله على‬
‫المادة‪ 3.11‬من المدونة العامة للضرائب قد خرق مبدأ األمن القانوني الذي هو من إنتاج‬
‫القانون الدستوري األلماني‪ ،‬ويتوق في المغرب إلى االلتحاق بالدستور من خالل نماء مفهوم‬
‫دولة القانون‪ ،‬كما أنه من جهة أخرى فالصندوق المغربي للتقاعد لم يستعمل مفهوم‬
‫"الرجحان" بين النصوص التشريعية‪ ،‬استعماال جيدا‪ ،‬عندما استبعد استفادة المتقاعدين خالل‬

‫‪751‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫سنة ‪ ، 1131‬من تفسير لم يثر له أي إشكال مقارنة مع المتقاعدين في هذه السنة وما‬
‫بعدها‪ ،‬بحيث أن التفسير الذي نهجه لم يعتمد على إلغاء قاعدة قانونية ‪ ،‬وإنما أبعدها عن‬
‫المتقاعدين في سنة ‪ ،1131‬مما أدى به إلى االبتعاد عن المشروعية من خالل تطبيق‬
‫كتاب الوزير المنتدب لدى الوزير األول المكلف بتحديث القطاعات العامة المشار إليه‬
‫أعاله ‪ ،‬مع التذكير بأن مبدأ المشروعية له امتداد أوسع من الشرعية‪ ،‬ويسمح بمحاكمة‬
‫القانون والحق في مجموعه‪ ،‬وبالتالي كان عليه اعتماد خطاب المشروعية عوض اعتماد‬
‫قواعد يعلم مسبقا بأنها تلحق أض ار ار صادمة لمجموعة من المتعاقدين‪ ،‬وأضاف – المدعي‪-‬‬
‫بأن أساس مطالبته بالتعويض هو دعوى المسؤولية اإلدارية عما أصابه من ضرر نتيجة‬
‫تصرف اإلدارة الخاطئ من خالل التفسير غير السليم للقاعدة القانونية التي اعتمدها في‬
‫تصفية معاشه‪ ،‬وهو ما ال يستلزم إثبات الخطأ من جانبها‪ ،‬وأن ذلك الضرر يتمثل في‬
‫الفرق بين رابت المعاش الذي يتقاضاه حاليا ‪ 10.119019‬درهم وبين ما كان ينبغي أن‬
‫يتقاضاه بالمقارنة مع زمالئه سب تقرير الخبرة(‪ 13.111051‬درهم)‪ ،‬أي بفارق شهري قدره‬
‫‪ 3919030‬درهم‪ ،‬يمتد من تاريخ اإلحالة على المعاش في فاتح دجنبر ‪ 1131‬إلى تاريخ‬
‫تقديم الدعوى في أكتوبر ‪ ،1139‬أي ما مجموعه ‪ 331.111011‬درهم عن فترة ‪ 53‬شهرا‪،‬‬
‫والتمس ألجله الحكم على الدولة المغربية في شخص رئيس الحكومة‪ ،‬ووزير االقتصاد‬
‫والمالية‪ ،‬والمدير العام للصندوق المغربي للتقاعد‪ ،‬بأدائهم له تضامنا فيما بينهم مبلغ‬
‫‪ 331.111011‬درهم مع الصائر‪ .‬وبعد تخلف اإلدارة المدعى عليها عن الجواب رغم‬
‫التوصل‪ ،‬وتمام اإلجراءات‪ ،‬صدر الحكم باالستجابة للطلب‪ ،‬وذلك بأداء الدولة المغربية في‬
‫شخص رئيس الحكومة تعويضا لفائدة المدعي وقدره ‪ 331.111،11‬درهم وتحميلها‬
‫الصائر‪ ،‬وهو الحكم المستأنف استئنافا أصليا من طرف الوكيل القضائي للمملكة‪ ،‬بصفته‬
‫هذه ونائبا عن الدولة المغربية في شخص رئيس الحكومة‪ ،‬وعن وزير االقتصاد والمالية‬
‫ومدير الصندوق المغربي للتقاعد‪ ،‬واستئنافا فرعيا من طرف السيد موالي إدريس اإلدريسي‬
‫بشر‪.‬‬
‫في أسباب االستئناف‬
‫حيث يعيب المستأنفون أصليا على الحكم المستأنف خرق مقتضيات الفصل ‪ 311‬من‬
‫الدستور‪ ،‬لما قضى باالستجابة لطلب المدعي‪ ،‬رغم كونه أسس على الدفع بعدم دستورية‬

‫‪752‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫نص قانوني ال تختص محكمة الدرجة األولى بالنظر فيه‪ ،‬وهو األمر الذي يخالف‬
‫مقتضيات الفصل المذكور التي تقضي بأن الدفع بعدم دستورية القوانين يفترض وجوبا وجود‬
‫دعوى رائجة أمام إحدى المحاكم‪ ،‬وال يمكن أن يأتي في صورة دعوى أصلية‪ ،‬مما كان يتعين‬
‫معه على المحكمة أن تصرح بعد اختصاصها للبت فيها‪ ،‬وأن هذه األخيرة خرقت الفصل‬
‫الثالث من قانون المسطرة المدنية عندما لم تتقيد بطلبات المستأنف عليه الرامية إلى الحكم‬
‫على المدعى عليهم تضامنا فيما بينهم بأدائهم له مبلغ ‪ 331.111011‬درهم‪ ،‬كما أنها‬
‫خرقت حقوق الدفاع نتيجة البت في القضية في وقت قياسي‪ ،‬ومن غير تمكين اإلدارة من‬
‫الوقت الكافي لالطالع على اإلجراءات المتخذة في مواجهتها‪ ،‬والحصول على المعطيات‬
‫المتعلقة بموضوع الدعوى‪ ،‬إلى جانب عدم استنفاذ المحكمة إلجراءات التحقيق للتأكد من‬
‫مزاعم المستأنف عليه‪ ،‬عوض االكتفاء فقط بالوثائق التي أدلى بها‪ ،‬ومن ضمنها ارتكازه‬
‫على وقائع مغلوطة بخصوص استصداره ألمر قضائي بإجراء خبرة لتحديد األسس القانونية‬
‫لتصفية معاشه‪ ،‬في حين أن لجوءه إلى رئيس المحكمة اإلدارية كان قصد انتداب أحد‬
‫المفوضين القضائيين إلجراء استجواب مع مدير الصندوق المغربي للتقاعد‪ ،‬وال يتعلق األمر‬
‫بخبرة قضائية‪ ،‬وكذا تقديمه لنسبة مغلوطة بخصوص التخفيض من الخصم الجزافي‬
‫والمحتسبة عند تحديد صافي الدخل المفروضة عليه الضريبة المتعلقة بالمعاشات‪ ،‬مما كان‬
‫له تأثير على احتساب مبلغ التعويض الذي يطالب به‪ .‬كما يعيب المستأنفون على الحكم‬
‫المستأنف من جهة أخرى فساد التعليل من زاوية عدم وجود أي حكم قانوني يقر مسؤولية‬
‫الدولة عن أعمال السلطة التشريعية على عكس ما ذهبت إليه المحكمة اإلدارية في حيثيات‬
‫حكمها‪ ،‬وذلك باعتبار أن مبدأ الفصل بين السلطات يحول دون رقابة القضاء على أعمال‬
‫هذه السلطة‪ ،‬وحتى لو جاز ذلك فإن أسباب تقرير هذه المسؤولية تظل منتفية النعدام شرط‬
‫الخطأ الموجب لتحقق المسؤولية المرفقية وعنصر الضرر الذي يتعين أن يكون غير عادي‬
‫وخا ص يجعله مخال بمبدأ المساواة أمام األعباء العامة‪ ،‬في حين أن تعديل المادة ‪3.11‬‬
‫من المدونة العامة للضرائب يتسم بصفة العمومية والتجريد ولم يوجه إلى شخص بعينه أو‬
‫واقعة بذاتها‪ .‬ومن ناحية أخرى فإن اإلدارة المختصة لم ترتكب أي خطأ في احتساب معاش‬
‫المستأنف عليه وتقيدت بالقواعد المطبقة في هذا الشأن‪ ،‬وال سيما الفصلين ‪ 31‬و ‪ 33‬من‬
‫القانون رقم ‪ 13.133‬المحدثة بموجبه نظام المعاشات المدنية‪ ،‬وأخذا بعين االعتبار وضعيته‬

‫‪753‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫النظامية التي أحيل بموجبها على التقاعد مع تطبيق مبدأ السقف المنصوص عليه في‬
‫الفصل ‪ 31‬من نفس القانون الذي قضى بأنه ال يجوز بأي حال من األحوال أن يزيد مبلغ‬
‫المعاش بعد طرح الضريبة العامة على الدخل المتأتية من األجور والدخول المعتبرة في‬
‫حكمها على مبلغ آخر أجرة نظامية عن مزاولة النشاط‪ ،‬خالصة من الضريبة المذكورة‪ ،‬مما‬
‫يترتب عنه إعادة احتساب المبلغ الخام للمعاش‪ ،‬انطالقا من المبلغ الصافي المرجعي‬
‫مطروحا منه المبلغ الواجب خصمه مع ارتفاع مبلغ الضريبة على الدخل الذي يخصم من‬
‫المبلغ الخام للمعاش خالل سنتي ‪ 1131‬و ‪ ،1130‬وأن مقارنة وضعية المستأنف عليه مع‬
‫حاالت مماثلة أحيل أصحابها على التقاعد خالل سنتي ‪ 1131‬و ‪ 1130‬تبين بأن المبلغ‬
‫الصافي المخول عند التصفية ألول مرة هو نفسه تقريبا بالنسبة لجميع هذه السنوات‪ ،‬رغم‬
‫اختالف المبلغ الخام‪ ،‬وأن تغييره خالل السنوات الموالية لسنة اإلحالة على التقاعد يرجع إلى‬
‫تغير نسبة الخصم الجزافي المطبق‪ ،‬وأخي ار فإن المحكمة لم تعلل سلطتها التقديرية في تحديد‬
‫التعويض المحكوم به‪ ،‬ولجميع هذه األسباب يلتمسون إلغاء الحكم المستأنف وبعد التصدي‬
‫الحكم من جديد برفض الطلب‪.‬‬
‫وحيث من جهة بالنسبة للسبب األول لالستئناف المتصل بعدم اختصاص المحكمة اإلدارية‬
‫بالبت في الطلب تأسيسا على مقتضيات الفصل ‪ 311‬من الدستور‪ ،‬فإنه ما ينبغي اإلشارة‬
‫إليه في هذا الصدد وجوب التمييز بين موضوع الطلب أو المبتغى منه والذي يظل هو‬
‫المرجع في تحديد والية القضاء بالبت في الدعوى أو مناط اختصاص جهة قضائية معينة‬
‫داخل هذه الوالية‪ ،‬وبين األسباب والمرتكزات التي يعتمدها واقع الدعوى في تبرير الحق‬
‫المطالب به‪ ،‬وهذه باعتبارها فقط وسائل تستهدف الوصول إلى النتيجة المتوخاة من الدعوى‪،‬‬
‫فإنها تكون غير مؤثرة بذاتها على االختصاص النوعي للمحكمة بالبت في القضية برمتها‪،‬‬
‫وأنه في نازلة الحال‪ ،‬فالمستأنف عليه لئن أثار في أسباب دعواه بعض العوار الذي شاب‬
‫قانون المالية لسنة ‪ 1131‬فيما جاء به من تعديل لمقتضيات المادة ‪ 3.11‬من المدونة‬
‫العامة للضرائب‪ ،‬وتعارضه مع العديد من المبادئ الدستورية التي يجب أن يكون منسجما‬
‫معها‪ ،‬إال أن ذلك كان فقط بغرض تبرير طلباته بالتعويض عن األضرار الالحقة به جراء‬
‫تطبيق هذه المقتضيات المعدلة عند تصفية معاشه بمناسبة إحالته على التقاعد خالل نفس‬
‫السنة التي صادفت اعتماد القانون المذكور وإسوة بزمالئه الذين أحيلوا على المعاش خالل‬

‫‪754‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫السنوات السابقة أو الالحقة‪ ،‬أي أن األمر في نهاية المطاف يتعلق بطلب تعويض عن‬
‫ضرر في مواجهة الدولة المغربية يبقى القضاء اإلداري هو المختص بالنظر فيه استنادا إلى‬
‫مقتضيات المادة الثامنة من القانون ‪ 31.03‬المحدثة بموجبه محاكم إدارية‪ ،‬وبصرف النظر‬
‫عن األسباب التي قدمها الطالب إلجازة استحقاقه للتعويض وفق التفصيل الذي سيأتي بيانه‬
‫أدناه‪ ،‬وبالتالي لم يكن يستهدف التصريح بعدم دستورية قانون المالية المومأ إليه أعاله‬
‫استنادا إلى مقتضيات الفصل ‪ 311‬من الدستور المحتج بخرقه‪ ،‬وما أثير في االستئناف بهذا‬
‫الخصوص يكون غير ذي أساس‪.‬‬
‫وحيث من جهة ثانية بالنسبة لسبب االستئناف ذي الصلة بخرق مقتضيات الفصل األول من‬
‫قانون المسطرة المدنية والناتج عن تحوير طلبات المدعي وعدم التقيد بها‪ ،‬فإنه باالطالع‬
‫على المقال االفتتاحي للدعوى والملتمس النهائي للطلب يتضح بأنه يروم إلى الحكم على‬
‫اإلدارة المدعى عليها تضامنا فيما بينهم بأدائهم للمدعي( المستأنف عليه)مبلغ‬
‫‪ 331.111،11‬درهم مع الصائر‪ ،‬وهو نفس ما قصت به المحكمة تماما‪ ،‬مع جعل اإلدارة‬
‫ا لمحكوم عليها باألداء هي الدولة المغربية في شخص رئيس الحكومة‪ ،‬في الوقت الذي لم‬
‫تبرز فيه الجهة المستأنفة وجه عدم تقيد المحكمة بطلبات المدعي‪ ،‬وأين يكمن تحريفها أو‬
‫تجاوزها‪ ،‬وجاء دفعها عبارة عن عموميات وكالم مرسل يفتقد إلى الدقة والجدية الالزمة‪،‬‬
‫ويكون معه سبب االستئناف المثار بهذا الشأن غير مسموع ‪.‬‬
‫وحيث من جهة ثالثة‪ ،‬فيما يخص سبب االستئناف المتصل بخرق حقوق الدفاع الناتج عن‬
‫عدم تمكين اإلدارة من األجل الكافي للجواب‪ ،‬وخالفا لما أثير في السبب؛ فالثابت من خالل‬
‫اإلجراءات المتخذة في الملف االبتدائي‪ ،‬أنه تم تبليغ المستأنفين جميعا بنسخة من مقال‬
‫الدعوى وذلك بتاريخ ‪ 11‬أكتوبر ‪ 1139‬بالنسبة لمدير الصندوق المغربي للتقاعد‪ ،‬وبتاريخ‬
‫‪ 10‬أكتوبر ‪ 1139‬لوزير االقتصاد والمالية والوكيل القضائي للمملكة‪ ،‬وبتاريخ ‪ 10‬أكتوبر‬
‫‪ 1139‬بالنسبة لرئيس الحكومة‪ ،‬وذلك من أجل الجواب لجلسة ‪ 1‬نونبر ‪ ،1139‬إال أنهم‬
‫تخلفوا عن الحضور والجواب كما لم يتقدم أيا منهم بطلب إضافي يبرر تأخير النظر في‬
‫القضية ما دام أن استدعاءهم احترم األجل القانوني‪ ،‬وبالتالي فهم من فوتوا على أنفسهم‬
‫فرصة إبداء موقفهم من النزاع والدفاع عن مصالحهم خالل المرحلة االبتدائية‪ ،‬في حين ليس‬

‫‪755‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫هناك أي مقتضى قانوني يلزم تمتيع إدارات الدولة وغيرها من أشخاص القانون العام من‬
‫آجاالت استثنائية للجواب والفصل في النزاعات التي تكون طرفا فيها‪.‬‬
‫كما أنه من ناحية أخرى‪ ،‬فإجراء تحقيق في الدعوى من عدمه يظل مسألة جوازية تستقل‬
‫بتقديرها المحكمة في ضوء معطيات النزاع المبسوطة أمامها‪ ،‬وما إذا كانت تستدعي األمر‬
‫بتحقيق معين يتوقف عليه البت في القضية‪ ،‬وال وجود ألي مقتضى قانوني في الفصل ‪100‬‬
‫من قانون المسطرة المدنية أو غيرها‪ ،‬يلزم المحكمة بإجراء بحث في الدعوى لمجرد تخلف‬
‫المدعى عليه عن الجواب‪ ،‬طالما أنها رأت بكون العناصر الكافية للفصل في القضية قد‬
‫توافرت وليس هناك نقطة غامضة تستدعي اإليضاح أو التحقق منها‪ ،‬فكان ما أثير في‬
‫االستئناف بهذا الخصوص غير ذي أساس ومردودا عليه‪.‬‬
‫لكن‪ ،‬حيث من جهة أخرى فيما يخص باقي األسباب مجتمعة الرتباطها بموضوع الحق في‬
‫التعويض المطالب به وأساسه القانوني‪ ،‬فإن هذه المحكمة وبعد دراستها لمعطيات القضية‬
‫واطالعها على مستندات الدعوى في إطار األثر الناشر لالستئناف‪ ،‬تبين لها بأن المستأنف‬
‫عليه طالب ابتداء أمام المحكمة اإلدارية بتعويضه عما أسماه بالضرر الالحق به بسبب‬
‫التعديل التشريعي الذي طال البند األول من المادة ‪ 11‬من المدونة العامة للضرائب بمقتضى‬
‫قانون المالية لسنة ‪ 1131‬رقم ‪ 31.335‬الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪3.31.51‬‬
‫بتاريخ ‪ 19‬دجنبر ‪ ،1131‬وهو التعديل الذي صادف فترة سريانه مع تاريخ إحالته على‬
‫التقاعد ابتداء من فاتح دجنبر ‪ ،1131‬محددا مبلغ التعويض في ‪ 331.111011‬درهم‪،‬‬
‫قبل أن يلتمس أمام المحكمة ومن خالل مذكرة استئنافه الفرعي المؤشر عليها بتاريخ ‪13‬‬
‫فبراير ‪ ،1133‬بالحكم لفائدته بمبلغ ‪ 3919030‬درهم يضاف في كل شهر إلى راتب تقاعده‪،‬‬
‫ابتداء من أكتوبر من سنة ‪ 1139‬إلى تاريخ صدور القرار االستئنافي‪ ،‬مع تصحيح وضعيته‬
‫المعاشية في ضوء هذا المعطى‪ ،‬وذلك استنادا إلى نفس األسباب والوسائل المعتمدة في‬
‫طلبه األصلي المقدم أمام المحكمة اإلدارية‪ ،‬والتي لخصها في كون قانون المالية المشار‬
‫إليه أعاله جاء خارقا لمجموعة من األسس والمبادئ الدستورية‪ ،‬وال سيما مبدأي المساواة‬
‫واألمن القانوني نتيجة تمييزه في المعاملة بين من أحيلوا على التقاعد سنة ‪ 1131‬وزمالئهم‬
‫ممن أحيلوا خالل سنتي ‪ 1131‬و‪ ، 1130‬وذلك فيما يتعلق بنسبة الخصم الجزافي‬
‫المطبقة برسم الضريبة على الدخل‪ ،‬والتي تم تعديلها طوال هذه السنوات بما يتنافى مع‬

‫‪756‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫أسلوب الثبات واالستقرار الذي يجب أن يطبع عمل السلطة التشريعية‪ ،‬باإلضافة إلى خرق‬
‫الصندوق المغربي للتقاعد لما أسماه مفهوم الرجحان الذي يقتضي منه إعمال قواعد‬
‫المشروعية التي تسمح بمحاكمة القانون والحق في مجموعه‪ ،‬وبالتبعية عدم االرتكاز على‬
‫قواعد قانونية هي في نهايتها مضرة بفئات المتقاعدين لسنة ‪.1131‬‬
‫وحيث يستنتج مما سبق‪ ،‬أنه لئن كان المستأنف عليه قد أشار في مقاله االفتتاحي إلى كون‬
‫دعواه مؤطرة في نطاق المسؤولية اإلدارية عن ضرر التشريع الذي اعتبره غير منصف وغير‬
‫عادل‪ ،‬وانطالقا من نص المادة ‪ 11‬من القانون رقم ‪ 31.03‬المحدثة بموجبه محاكم إدارية‪،‬‬
‫إال أن األسباب التي اعتمدها في تبرير دعواه‪ ،‬تستوجب ابتداء محاكمة عدم دستورية قانون‬
‫المالية لسنة ‪ 1131‬فيما نص عليه من تعديل للمادة ‪ 3.11‬من المدونة العامة للضرائب‪،‬‬
‫وذلك من خالل نعيه عليه كونه خرق مبدأ المساواة عندما حدد نسبة الخصم الجزافي بشأن‬
‫الضريبة على دخول المعاشات واإليرادات التي في حكمها‪ ،‬في ‪ %55‬عوضا عن نسبة‬
‫‪ %01‬التي كانت مطبقة بمقتضى قانون المالية لسنة ‪ 1131‬وأعيد تطبيقها مرة أخرى‬
‫بمقتضى قانون المالية لسنة ‪ ،1130‬وكذا عدم انضباطه لمبدأ األمن القانوني من خالل‬
‫التغييرات الم توالية التي طالت نسبة الخصم المذكور‪ ،‬معتب ار إياها غير مقبولة في منطق‬
‫وفلسفة التشريع‪.‬‬
‫وحيث إن جميع هذه الخروقات الدستورية التي عابها المستأنف عليه على قانون المالية‬
‫السالف الذكر هو مما ال تستوعبه دعوى المسؤولية اإلدارية أمام المحاكم اإلدارية‪ ،‬حتى ولو‬
‫كان أساسها ضرر التشريع وبدون إثبات الخطأ‪ ،‬سواء من حيث أن ذلك فيه خرق جلي‬
‫ألصل ثابت في النظام الدستوري للمملكة وهو مبدأ فصل السلط الذي أقره دستور يوليو‬
‫‪ 1133‬في فصله األول‪ ،‬ومن تجلياته عدم إخضاع أعمال السلطة التشريعية لرقابة السلطة‬
‫القضائية إال في نطاق الحدود التي تقررها الوثيقة الدستورية ذاتها‪ ،‬أو من حيث تطاوله على‬
‫اختصاصات المحكمة الدستورية التي أسندت إليها مهمة هذه الرقابة بمقتضى الفصل ‪311‬‬
‫من الدستور‪ ،‬أو من جهة أن ما يطالب به المستأنف عليه فيه تعطيل صريح لنص‬
‫تشريعي‪ ،‬كما يتأكد ذلك من خالل طلبه اإلضافي الذي تضمنته مذكرة االستئناف الفرعي‪،‬‬
‫والتمس فيه تسوية وضعيته المعاشية بدون إعمال نسبة الخصم الجزافي التي أقرها قانون‬
‫المالية لسنة ‪ ،1131‬وعوضا عنها تطبيق النسبة التي كانت قائمة سنة ‪ ،1131‬أو التي‬

‫‪757‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫أقرها الحقا قانون المالية لسنة ‪ ،1130‬أي استفادته من هذا القانون األخير بأثر رجعي‪،‬‬
‫وهو وجه آخر لمخالفة دعواه ألحكام الدستور والذي يقضي في الفقرة األخيرة في فصله‬
‫السادس على أنه ليس للقانون أثر رجعي‪ ،‬وبالتالي تكون المناقشة التي أثارها حول عدم‬
‫دستورية التعديل التشريعي المومأ إليه أعاله في غير محلها وال يمكن تأطيرها بدعوى‬
‫المسؤولية اإلدارية‪ ،‬وهي بذلك غير جديرة باالعتبار‪.‬‬
‫وحيث من جهة ثانية‪ ،‬لئن كان االتجاه السائد حاليا في الفقه والقضاء اإلداريين وعلى صعيد‬
‫مختلف األنظمة القانونية‪ ،‬هو إقرار مبدأ مسؤولية الدولة عن قوانينها‪ ،‬إال أنه مع ذلك لم‬
‫يرجع قيام هذه المسؤولية إلى خطأ السلطة التشريعية عند سنها لمقتضيات قانونية أو خرقها‬
‫للقواعد الدستورية التي تؤطر عملها‪ ،‬وإنما تأسيسا على مبدأ المساواة أمام التكاليف العامة‬
‫والذي يتحتم تعويض المتضرر من العمل التشريعي إذا توافرت لذلك ضوابط وشروط معينة؛‬
‫تتمثل في عدم وجود النص القانوني الذي يمنع التعويض عن التشريع من أساسه‪ ،‬وأن تكون‬
‫المصالح التي لحقها الضرر مشروعة وجديرة بحماية القانون‪ ،‬وكان تضررها نتيجة مباشرة‬
‫لتطبيق القانون‪ ،‬ثم أن يكون ذلك الضرر خاصا‪ ،‬بحيث يمتد أثره إلى فرد واحد أو عدد‬
‫محدود من األفراد‪ ،‬مما يعد خروجا عن األصل في عمومية القانون وانعكاساته اإليجابية أو‬
‫السلبية على الكافة‪ ،‬وأن يكون في نفس الوقت ضر ار جسيما غير معتاد أو مألوف‪ ،‬فيما‬
‫يترتب عن القوانين من أضرار ومخاطر في العادة يكون على أفراد المجتمع تحملها سواء‬
‫جميعا‪ ،‬أو من خالل فئات عريضة وغير محدودة من المتضررين‪.‬‬
‫وحيث إنه بتنزيل هذه القيود والشروط الضابطة للمسؤولية عن ضرر التشريع على حالة‬
‫المستأنف عليه‪ ،‬يتضح أنه وباستثناء أولها فإن باقي الشروط األخرى تظل غير متحققة‪،‬‬
‫بحيث إن الضرر الذي يتمسك لحوقه به ويطالب بتعويضه عنه‪ ،‬لم يكن نتيجة مباشرة‬
‫التعديل الذي طال نسبة الخصم الجزافي من الضريبة على الدخل‪ ،‬التي أتى بها قانون‬
‫المالية لسنة ‪ 1131‬المحددة في ‪ %55‬وإنفاذها في حقه‪ ،‬وهو ما يقتضي أن يكون في‬
‫وضعية معينة ثم أصبح في وضعية دونها بعد تطبيق القانون الجديد عليه‪ ،‬والحال أن األمر‬
‫كما يستفاد من راتب المعاش الذي كان يتوصل به خالل السنة وقدره‬ ‫خالف ذلك‪،‬‬
‫‪ 19.933031‬درهم‪ ،‬ثم أصبح خالل سنة ‪ 11.399039 ،1130‬درهم‪ ،‬وكان سيكون هو‬
‫نفسه تقريبا (‪ )19.919011‬درهم لو أحيل على التقاعد سنة ‪ ،1131‬علما بأن نسبة الخصم‬

‫‪758‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫التي أقرها قانون المالية الخاص بهاتين السنتين (‪ 1131‬و ‪ )1130‬هي اللتين يتمسك‬
‫بتصفية معاشه على أساسها‪ ،‬وبالتالي فالضرر المحتج به لم يكن نتيجة مباشرة للتأثير الذي‬
‫مس حقوقه المعاشية‪ ،‬وإنما يحاول إثباته من خالل مقارنة وضعيته مع األشخاص الذين‬
‫أحيلوا على التقاعد خالل السنتين السابقة والالحقة على سنة ‪ 1131‬التي أحيل فيها هو‬
‫على التقاعد‪ ،‬وذلك عن طريق المرور من نافذة محاكمة دستورية القانون المالي لسنة‬
‫‪ ، 1131‬بعلة خرقه مبدأي المساواة واألمن القانوني‪ ،‬وهو ما ال يجوز للمحكمة اإلدارية أن‬
‫تمتد رقابتها عليه وفق التفصيل المبين أعاله‪ ،‬إذ أن خرق مبدأ المساواة الذي يرجع إليها‬
‫القضاء اإلداري النظر فيها هو الذي تأتيه اإلدارة في تطبيقها للمقتضيات القانونية وتمييزها‬
‫بين الوضعيات المتماثلة للمرتفقين‪ ،‬وليس الخرق المنسوب للقانون الذي يصدره البرلمان في‬
‫حد ذاته‪ ،‬مما حاصله أن شرط الضرر المباشر يظل غير قائم من هذه الناحية‪ ،‬وذلك على‬
‫غرار شرطي الخصوصية والجسامة باعتبار أن التعديل الجبائي الذي طال المادة ‪ 11‬من‬
‫المدونة العامة للضرائب خالل سنة ‪ ،1131‬يسري نفاذه على جميع فئات المتقاعدين‬
‫المنخرطين في الصندوق المغربي للتقاعد‪ ،‬والذين أحيلوا على المعاش خالل هذه السنة من‬
‫شتى قطاعات الوظيفة العمومية‪ ،‬وال يتعلق األمر بضرر استثنائي أصاب المستأنف عليه‬
‫بمفرده أو أ فرادا محدودي العدد‪ ،‬وبالتالي فهو يدخل في خانة األضرار العادية والمتوقعة‬
‫الناتجة عن مخاطر األعمال التشريعية‪.‬‬
‫وحيث ترتيبا على ما تقدم‪ ،‬تكون شروط القول بمسؤولية الدولة عن أعمال السلطة التشريعية‬
‫غير قائمة في ظروف النازلة‪ ،‬والحكم المستأنف لما قضى بتعويض المستأنف عليه يكون‬
‫بذلك قد جانب الصواب ويتعين إلغاؤه‪ ،‬وتصديا برفض الطلب وبإبقاء الصائر على رافعه‪.‬‬
‫وحيث إن ما انتهت إليه مناقشة االستئناف األصلي من عدم وجاهة دعوى المسؤولية‬
‫اإلدارية عن ضرر التشريع‪ ،‬المرفوعة من طرف المستأنف عليه النعدام مرتكزاتها وأساسها‬
‫القانوني‪ ،‬يعتبر في نفس الوقت بمثابة جواب على ما أثير في استئناف الفرعي‪ ،‬وأضحى‬
‫معه متجاو از وغير ذي موضوع‪.‬‬
‫لهذه األسباب‬
‫قضت محكمة االستئناف اإلدارية علنا انتهائيا حضوريا‪:‬‬
‫في الشا ‪:‬‬

‫‪759‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫بقبول االستئنافين األصلي والفرعي‪.‬‬


‫في الموضوع‪:‬‬
‫بإلغاء الحكم المستأنف وتصديا برفض الطلب‪ ،‬وبإبقاء الصائر على رافعه‪.‬‬
‫وبه صدر القرار وتلي في الجلسة العلنية المنعقدة بالتاريخ المذكور أعاله‪ ،‬بقاعة الجلسات‬
‫العادية بمحكمة االستئناف اإلدارية بالرباط وكانت الهيئة متركبة من‪:‬‬
‫رئيسا ومقررا؛‬ ‫السيد رضا التايدي‬
‫عضوا؛‬ ‫السيد حسن اليحياوي‬
‫عضوا؛‬ ‫السيد هشام الوازيكي‬
‫بحضور المفوض الملكي للدفاع عن القانون والحق السيد عبد الله األندلسي؛‬
‫وبمساعدة كاتبة الضبط السيدة سهام الوافي‪.‬‬

‫‪760‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المسؤولية عن االعتداء المادي‪:‬‬


‫‪ .3‬ارار محامة النقض عدد ‪ 321‬المؤرخ في ‪ 14‬يناير ‪ 2430‬والصادر في الملف‬
‫اإلداري رام ‪2432/3/0/211‬‬
‫القاعدة‪:‬‬

‫‐ هدم المح الماترى من طرف جماعة ترالية‪ ،‬دون سلوك المسطرة التي يفرضها‬
‫القانون‪ ،‬تكون اد اعتدت ماديا على ملك الغير‪ ،‬وهو ما يستوجب أداءها تعويضا‬
‫عن األضرار الالحقة بالطالبين؛‬
‫‐ اضاة الموضوع يتوفرون على سلطة تقديرية في تحديد التعويض لناء على خبرة‬
‫حسالية لم يطعن فيها بمطعن جدي‪.‬‬

‫وبعد المداولة طبقا للقانون‪:‬‬


‫حيث إن الطالبين مغفور عبد الرحمان وعبد الرزاق‪ ،‬وبواسطة مقال قدم بتاريخ‬
‫‪ ،1131/13/10‬طلبا نقض القرار عدد ‪ 133‬الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية‬
‫بتاريخ ‪ 33/11/31‬في الملف عدد ‪ ،1/11/010‬ذلك أنه يؤخذ من وثائق الملف وفحوى‬
‫القرار المطعون فيه‪ ،‬أن السيدين مغفور عبد الرحمان وعبد الرزاق‪ ،‬وبواسطة مقال قدم أمام‬
‫المحكمة اإلدارية بالرباط بتاريخ ‪ ،13/11/13‬عرضا فيه أنهما يملكان نصف األصل‬
‫التجاري المعروف باسم البركة‪ ،‬المتواجد بشاطئ تمارة‪ ،‬والمتكون من مقهى ومطعم وحانة‬
‫ونادي ليلى‪ ،‬وأن بلدية الهرهورة ( تمارة ) قامت بهدم المحل التجاري وبعض المحالت‬
‫المجاورة دون إخطارهما‪ ،‬وبما أن عملية الهدم قد تمت دون أن يسبقها أي إجراء قانوني‪ ،‬مما‬
‫اعتبراه اعتداء ماديا من طرف اإلدارة ومسؤوليتها عن األضرار التي لحقت بهما‪ ،‬لذا التمسا‬
‫منحهما تعويضا مسبقا قدره ‪ 51.111‬درهم مع األمر بإجراء خبرة لتحديد األضرار الالحقة‬
‫بهما والتعويض عنها‪ ،‬سواء ما تعلق باألدوات والسلع أو ما يتعلق بضياع األصل التجاري‬
‫الذي اندثر من جراء عملية الهدم‪ ،‬وبعد تبليغ المقال االفتتاحي للدعوى للطرف المدعى عليه‬
‫وإنذاره بالجواب‪ ،‬وبعد إجراء خبرة في النازلة صدر الحكم بأداء بلدية الهرهورة لفائدة مغفور‬
‫عبد الرحمان تعويضا إجماليا قدره ‪ 15‬ألف درهم‪ ،‬وللمتدخل في الدعوى الطاهر السماعلي‬

‫‪761‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫مبلغ ( ‪ )51.111‬درهما مع الفوائد القانونية والصائر بالنسبة‪ ،‬استأنفه المجلس البلدي‬


‫للهرهورة والطاهر السماعلي أصليا ومغفور عبد الرحمان وعبد الرزاق فرعيا‪ ،‬وبعد تمام‬
‫اإلجراءات أصدرت محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط قرارها القاضي بتأييد الحكم المستأنف‬
‫في مبدئه مع تعديله جزئيا وذلك برفع قيمة التعويض المحكوم به إلى مبلغ ( ‪) 111.111‬‬
‫درهما بحسب النصف للطاهر السماعلي والباقي مناصفة بين مغفور عبد الرحمان ومغفور‬
‫عبد الرزاق ‪ ،‬وهو القرار المطعون فيه بالنقض من طرف هذين األخيرين ‪.‬‬
‫في وسيلتي النقض مبتمعتين الرتباطها‪:‬‬
‫حيث يعيب الطالبان القرار المطعون فيه بفساد التعليل وخرق مقتضيات آمرة والمساس‬
‫بحقوق الدفاع؛ ذلك أنهما أدليا أمام المحكمة بوصوالت أداء الضرائب‪ ،‬وأن قيام اإلدارة بهدم‬
‫محلهما يعتبر اعتداء ماديا وخطأ مرفقيا‪ ،‬وأنه كان على المحكمة أثناء تقديرها للتعويض أن‬
‫تأخذ بعين االعتبار جميع عناصر الخسارة التي لحقت بهما‪ ،‬وأن اإلدارة من جهة لم تحترم‬
‫مقتضيات قانون نزع الملكية وكذلك قانون ‪ 10‬ماي ‪ 55‬المتعلق بالمحالت التجارية‪ ،‬ومن‬
‫جهة أخيرة فإن اعتمادها على خبرة غير موضوعية يجعل قرارها غير معلل بكيفية سليمة‪،‬‬
‫مما ينبغي معه نقض القرار‪.‬‬
‫لكن حيث أنه وكما أشار إلى ذلك القرار المطعون فيه وعن صواب‪ ،‬فإن اإلدارة لما قامت‬
‫بهدم المحل المكترى دون سلوك المسطرة التي يفرضها القانون‪ ،‬تكون قد اعتدت ماديا على‬
‫ملك الغير‪ ،‬وهو ما يستوجب تعويضها عن األضرار الالحقة بالطالبين‪ ،‬ومن جهة ثانية فان‬
‫محكمة الموضوع وللتحقق من حجم األضرار الالحقة بالمتضررين من جراء عملية الهدم‪،‬‬
‫قامت بإجراء خبرة حسابية‪ ،‬ونظ ار لما يتوفر عليه قضاة الموضوع من سلطة تقديرية وتأسيسا‬
‫على ما عرض ونوقش أمامهم‪ ،‬ولعدم إبداء األطراف ألي طعن جدي في الخبرة‪ ،‬ارتأى نظر‬
‫المحكمة تحديد قيمة التعويض في مبلغ ( ‪ ) 111.111‬درهما‪ ،‬واعتبارها ذلك التعويض‬
‫مناسبا لجبر الضرر الالحق بالطالبين‪ ،‬وهي تعليالت سليمة ومطابقة للقانون والواقع‪ ،‬وما‬
‫تمسك به طالبا النقض ضمن وسائلهما يبقى من غير أساس‪.‬‬
‫لهذه األسباب‬
‫قضت محكمة النقض برفض الطلب ومع إبقاء الصائر على رافعيه‪.‬‬

‫‪762‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وبه صدر القرار وتلي في الجلسة العلنية المنعقدة بالتاريخ المذكور أعاله بقاعة الجلسات‬
‫العادية بمحكمة النقض بالرباط‪ ،‬وكانت الهيئة الحاكمة متركبة من رئيس الغرفة اإلدارية‬
‫(القسم األول) السيدة عائشة بن الراضي والمستشارين السادة‪ :‬عبد الحميد سبيال مقررا‪ ،‬احمد‬
‫دينية‪ ،‬عبد المجيد بابا اعلي‪ ،‬عبد العتاق فكير وبمحضر المحامي العام السيد سابق‬
‫الشرقاوي‪ ،‬وبمساعدة كاتبة الضبط السيدة نفيسة الحراق‪.‬‬

‫‪763‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المسؤولية المهنية‪:‬‬
‫‪ .3‬ارار محامة النقض عدد ‪ 3/941‬المؤرخ في ‪ 21‬ألري ‪ 2432‬والصادر في‬
‫الملف اإلداري رام ‪2431/3/0/3122‬‬
‫القاعدة‪:‬‬

‫مخالفة مهنية ‪ -‬تأديب ‪ -‬حبز سيارة وبيعها ليست في ملك المنفذ عليه ‪ -‬عدم تحرير‬
‫محضر إضافي يستثني السيارة‪.‬‬
‫المحامة مصدرة القرار لما ثبت لها أن المفوض القضائي حبز سيارة الشركة المشتكية‬
‫في إطار ملف الحبز التنفيذي‪ ،‬وأنه بعد انتقاله لتبليغ الحبز المذكور لمركز تسبي‬
‫السيارات علم أن السيارة ليست ملكا للمنفذ عليه‪ ،‬فاكتفى لتضمين ذلك في شهادة التبليغ‬
‫دون أن يحرر محض ار إضافيا‪ ،‬أو ملحقا لمحضر الحبز السالق فنتج عن ذلك ليع السيارة‬
‫بالمزاد العلني‪ ،‬تكون اد لينت التقصير واإلخالل بالواجب المهني الذي ارتكبه‪ ،‬أما تمساه‬
‫باون القانون ال يلزمه ‪ -‬في هذه الحالة ‪ -‬لتحرير أي محضر إضافي أو ملحق فال يؤخذ‬
‫به ألن عملية الحبز على السيارة تستوجب تقييد الحبز لدى مركز التسبي ‪ ،‬وذلك بالنظر‬
‫لطبيعتها كمنقول من نوع خاص ال يتأتى تحديد البهة المالكة له ومنع تفويته إال بالرجوع‬
‫لإلدارة المختصة بمس ك ليانات تسبي السيارات‪ ،‬وبالتالي فإن تضمين رام السيارة بمحضر‬
‫الحبز ال يتعين أن يتم إال بعد االطالع على الوراة الرمادية‪ ،‬وبعد الرجوع لمركز التسبي‬
‫للتأكد من هوية مالكها وليس العاس‪ ،‬وطالما أن المفوض القضائي تصرف على خالف‬
‫ذلك فال وجود ألي مقتضى اانوني يمنعه من تحرير محضر إضافي أو ملحق لضمان‬
‫حقوق كافة األطراف‪.‬‬
‫باسم جاللة الملك وطبقا للقانون‬
‫حيث يؤخذ من وثائق الملف‪ ،‬ومن القرار المطلوب نقضه المشار لمراجعه أعاله أنه بتاريخ‬
‫‪ 1131/33/30‬تقدم السيد وكيل الملك لدى المحكمة االبتدائية بمراكش بملتمس لنفس‬
‫المحكمة عرض فيه أن المشتكية " شركة‪ " ....‬تقدمت بشكاية ضد المفوض القضائي " ‪....‬‬
‫" من أجل التزوير مفادها أنه زور عليها شهادة التسليم موضوع ملف التنفيذ عدد ‪15/351‬‬

‫‪764‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫إذ عوض أن يسلم االستدعاء المتعلق بالملف المذكور ألصحابه سلمه إليها من أجل تضليل‬
‫العدالة‪ ،‬كما استغل شهادة التسليم التي وقعت عليها باعتبارها استدعاء بالحضور أمام رئيس‬
‫المحكمة في حين أنها بإجراء بيع عقاري على منقوالتها في إطار الملف التنفيذي رقم‬
‫‪ 15/519‬المضموم إليه الملف التنفيذي عدد ‪ 15/3315‬وأن المشتکی به عمد إلى الحجز‬
‫على السيارة نوع ( رونو برلينكو ) رقم ‪ .......‬على الرغم من اطالعه على ورقتها الرمادية‬
‫وتأكد بأنها ملك الشركة ورفض رئيس مرکز تسجيل السيارات الحجز عليها لذلك طلبت‬
‫متابعة المفوض القضائي " ‪ " ... ...‬من أجل التزوير‪ ،‬وبعد إجراء البحث التمهيدي أسفر‬
‫على الوثائق المتعلقة باإلجراءات التي قام بها المفوض القضائي في إطار ملف التنفيذ‬
‫موضوع الشكاية لم ترفق بما يفيد انتقاله فعال إلى مصلحة تسجيل السيارات لتحديد مالك‬
‫السيارة موضوع الحجز‪ ،‬وأن ذلك يعد إخالال منه بالتزاماته المهنية‪ ،‬ملتمسا إحالته على غرفة‬
‫المشورة إلصدار عقوبة تأديبية في حقه طبقا لمقتضيات المادة ‪ 11‬من القانون رقم ‪93-11‬‬
‫وبعد استنفاد اإلجراءات قضت المحكمة االبتدائية بمراكش ( غرفة المشورة ) بعدم مؤاخذة‬
‫المفوض القضائي " ‪ " .......‬من أجل ما نسب إليه وتحميله الصائر بحکم استأنفه السيد‬
‫وكيل الملك لدى المحكمة االبتدائية بمراكش وبعد استنفاد المناقشة قضت محكمة االستئناف‬
‫بمراكش بإلغاء الحكم المستأنف والحكم من جديد بعد التصدي بمؤاخذة المفوض القضائي‬
‫من أجل ما نسب إليه ومعاقبته باإلنذار وتحميله الصائر وهو القرار المطلوب نقضه ‪.‬‬
‫في وسيلتي النقض مبتمعتين لالرتباط‪ ،‬حيث يعيب الطالب القرار بنقصان التعليل‬
‫وانعدامه وتحريف الوقائع‪ ،‬ذلك أن المحكمة اعتبرت أنه ارتكب مخالفة مهنية لعدم تحريره‬
‫لمحضر أو محضر إضافي يستثني السيارة من الحجز مما نتج عنه ضرر للمشتكية ببيع‬
‫سيارتها بالمزاد العلني‪ ،‬دون أن يبين سند هذه المخالفة التي ال وجود لها ألنه بعدما حرر‬
‫محضر الحجز حاول تبليغه لمركز تسجيل السيا ارت والقرار المطعون فيه اعتباره لذلك يكون‬
‫ناقص التعليل‪.‬‬
‫ومن جهة ثانية ‪ ،‬فإن المحكمة حملته مسؤولية بيع السيارة بالمزاد العلني مع أنه ليس هو‬
‫من قام بإجراءات البيع المذكور الذي اسند المفوض قضائي آخر وهو الذي كان ملزما‬
‫باالطالع على جميع وثائق ملف التنفيذ بما فيها شهادة التسليم الخاصة بتبليغ مركز تسجيل‬
‫السيارات‪ ،‬وأضاف أن المشتكية لم يلحقها أي ضرر ألن السيارة المعنية لم تخرج من ملكيتها‬

‫‪765‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫والزالت بحوزتها‪ ،‬وأنه لم يرتكب أي مخالفة مهنية طالما أنه أودع شهادة التبليغ التي‬
‫تضمنت مالحظاته حول عدم إمكانية بيع السيارة بملف التنفيذ‪ ،‬وأن عدم اعتبار ذلك يجعل‬
‫القرار غير معلل ‪ .‬لكن ‪ ،‬حيث لما ثبت للمحكمة مصدرة القرار المطلوب نقضه أن الطالب‬
‫حجز سيارة الشركة المشتكية في إطار ملف الحجز التنفيذي عدد ‪ 15/519‬المؤرخ في‬
‫‪ 1115/15/31‬وأنه بعد انتقاله لتبليغ الحجز المذكور لمركز تسجيل السيارات علم أن‬
‫السيارة التي سبق أن دون رقمها في محضر الحجز ليست ملكا للمنفذ عليه‪ ،‬فاکتفی‬
‫بتضمين ذلك في شهادة التبليغ ‪ ،‬دون أن يحرر محض ار إضافيا أو ملحقا لمحضر الحجز‬
‫فنتج عن ذلك بيع السيارة بالمزاد العلني بتاريخ ‪ 1111/11/19‬تكون بهذا التعليل قد بينت‬
‫التقصير واإلخالل بالواجب المهني الذي ارتكبه الطالب‪ ،‬أما تمسكه بكون القانون ال يلزمه –‬
‫في هذه الحالة ‪ -‬بتحرير أي محضر إضافي أو ملحق فال يؤخذ به‪ ،‬ألن عملية الحجز على‬
‫السيارة تستوجب بالضرورة تقييد الحجز لدى مركز التسجيل‪ ،‬وذلك بالنظر لطبيعتها كمنقول‬
‫من نوع خاص ال يتأتى تحديد الجهة المالكة له ومنع تفويته إال بالرجوع لإلدارة المختصة‬
‫بمسك بيانات تسجيل السيارات‪ ،‬وبالتالي فإن تضمين رقم السيارة بمحضر الحجز ال يتعين‬
‫أن يتم إال بعد االطالع على الورقة الرمادية‪ ،‬وبعد الرجوع لمركز التسجيل للتأكد من هوية‬
‫مالكها وليس العكس‪ ،‬وطالما أن الطالب تصرف على خالف ذلك‪ ،‬فال وجود ألي مقتضى‬
‫قانوني يمنعه من تحرير محضر إضافي وملحق لضمان حقوق كافة األطراف وهو ما ذهبت‬
‫إليه محكمة االستئناف عن صواب‪.‬‬
‫ومن جهة ثانية‪ ،‬فإن المحكمة إنما آخذت الطالب على اإلخالل الذي شاب اإلجراءات التي‬
‫قام بها شخصيا‪ ،‬ولم تنسب إليه أي خطأ قد يكون صدر عن المفوض الذي باشر إجراءات‬
‫البيع الالحقة ألنها أجنبية عن موضوع مسطرة التأديب المعروضة عليها التي تنحصر في‬
‫المخالفة المهنية من عدمه وتوقيع الجزاء المناسب عند االقتضاء في إطار المقتضيات‬
‫القانونية الواجبة التطبيق على النازلة‪ ،‬والسلطة التقديرية المخولة لها قانونا‪ ،‬بصرف النظر‬
‫عن تدارك المشتكية لألثر الناتج عن البيع القضائي لسيارتها في إطار مسطرة تخص الغير‬
‫باستصدارها ق ار ار قضائيا الحقا باستحقاقها الذي يشكل واقعة عن المتابعة التأديبية ال تفند‬
‫المخالفة المهنية الثابتة في إطارها‪ ،‬لذلك فالمحكمة لم تكن ملزمة بالجواب عن دفع ال تأثير‬
‫له على قضائها‪ .‬ومن جهة أخيرة ‪ ،‬فإن ما عاب به الطالب القرار من تحريف للوقائع جاء‬

‫‪766‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫مبهما لعدم بيان وجه هذا التحريف ومظهره‪ ،‬الشيء الذي يجعل وسيلتي الطعن معا غير‬
‫جديرتين باالعتبار باستثناء ما كان غامضا فهو غير مقبول‪.‬‬
‫لهذه األسباب‬
‫قضت محكمة النقض برفض الطلب وتحميل رافعه الصائر‪ .‬وبه صدر القرار وتلي في‬
‫الجلسة العلنية المنعقدة بالتاريخ المذكور أعاله بقاعة الجلسات العادية بمحكمة النقض‬
‫وكانت الهيئة الحاكمة متركبة من رئيس الغرفة اإلدارية (القسم األول) السيد محمد منقار‬
‫بنيس والمستشارين السادة‪ :‬محمد وزاني طيبي مقر ار واحمد دينية وعبد العتاق فكير‬
‫والمصطفى الدجاني أعضاء‪ ،‬وبمحضر المحامي العام السيد سابق الشرقاوي‪ ،‬وبمساعدة‬
‫كاتبة الضبط السيدة نفيسة الحراق‪.‬‬
‫(منشور في سلسلة إصدارات المكتب الفني لمحكمة النقض عدد خاص بمهنة المفوض‬
‫قررات محكمة النقض العدد الخامس ‪ 1139‬ص ‪.)359‬‬
‫القضائي في ضوء ا‬

‫‪ .2‬ارار محامة النقض عدد ‪ 1/193‬المؤرخ في ‪ 34‬فبراير ‪ 2431‬والصادر في‬


‫الملف البنحي رام ‪2432/39422‬‬
‫القاعدة‪:‬‬
‫خبير اضائي ‪-‬قيام جريمة الرشوة ‪ -‬شروطها ‪ -‬عدم اإلثبات – التصريح بعدم اإلدانة‪.‬‬
‫لقيام جريمة الرشوة ال لد من أن ياون الطلب أو ابول العرض أو الوعد أو تسلم الهبة أو‬
‫الهدية أو غيرها من الفوائد اب القيام بالعم أو االمتناع عنه‪ ،‬والمحامة لما ارتأت أن‬
‫اإلثبات غير اائم وصرحت بعدم إدانة الخبير القضائي بقوة الفصلين ‪ 3‬و‪ 281‬من‬
‫ق‪ .‬م‪ .‬ج‪ ،‬تكون عللت ارارها تعليال كافيا وااعا واانونا‪ ،‬وبينت وجه ااتناعها بشأن ذلك‬
‫طبقا لما تقتضيه المادة ‪ 281‬من اانون المسطرة البنائية‪.‬‬
‫باسم جاللة الملك وطبقا للقانون‬
‫بناء على طلب النقض المرفوع من طرف السيد نائب الوكيل العام للملك لدى محكمة‬
‫االستئناف بوجدة‪ ،‬بمقتضى تصريح أفضى به بتاريخ سادس يوليوز ‪ 1135‬أمام كاتب‬
‫الضبط بها‪ ،‬والرامي إلى نقض القرار الصادر حضوريا عن غرفة الجنح االستئنافية بها‬
‫بتاريخ ثاني يوليوز ‪ 1135‬في القضية ذات العدد ‪ ،35/155‬والقاضي بتأييد الحكم‬

‫‪767‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المستأنف القاضي ببراءة المطلوب (مولود) من جنحة تسلم مبالغ مالية كرشوة إلنجاز خبرة‬
‫قضائية‪.‬‬
‫إن محكمة النقض؛‬
‫بعد أن تال السيد المستشار محمد لحفيا التقرير المكلف به في القضية؛‬
‫وبعد اإلنصات إلى السيد الحسن حراش المحامي العام في مستنتجاته؛‬
‫وبعد المداولة طبقا للقانون؛‬
‫نظ ار لمذكرة بيان وسائل النقض المدلى بها من طرف الطاعن بإمضائه؛‬
‫في شأن وسيلة النقض الفريدة المستدل بها المتخذة من انعدام األساس القانوني وانعدام‬
‫التعليل‪ ،‬ذلك أنه‪ ،‬طبقا للفصل ‪ 191‬من قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬ال يمكن للمحكمة أن تبني‬
‫مقررها إال على حجج عرضت أثناء الجلسة ونوقشت شفاهيا وحضوريا أمامها‪ .‬والقرار‬
‫االستئنافي أيد الحكم االبتدائي فيما قضى به من براءة المطلوب بعلة ردت به المحكمة طلب‬
‫النيابة العامة إجراء خبرة مضادة رغم تمسكها بهذا اإلجراء كنقطة قانونية حاسمة في‬
‫الموضوع‪ ،‬وبالرجوع إلى وثائق الملف و مستنداته يتبين أن الخازن األصلي للشريط سبق أن‬
‫أدلي به بالدرجة االبتدائية‪ ،‬وأن التاريخ المحدد في الشريط المصور كتاريخ للتعديل هو أصال‬
‫تاريخ نقل المقطع من المصدر إلى النسخ‪ ،‬وهي تقنية بسيطة ال تعني تاريخ تصوير‬
‫الشريط‪ ،‬ويؤكد هذا تصريح المتهم الذي ورد به " فعال تسلمت مبلغا ماليا في الشريط إال أني‬
‫ال أعرف موضوع التسليم "‪ ،‬كما أن المشتكي سبق له خالل جلسة ‪ 13‬دجنبر ‪ 1130‬أمام‬
‫محكمة الدرجة األولى أن أكد أنه من قام بتسجيل القرص بمكتب الخبير بواسطة هاتفه‬
‫الشخصي‪ ،‬وأنه من قام بتسليم مبالغ مالية للمتهم‪ ،‬فهذه قرائن قاطعة ناطقة بإدانة المطلوب‪،‬‬
‫فضال عن أن هذا األخير حاول طمس الحقيقة وأدلى بصور توضح أن مكان تصوير‬
‫الشريط ال يهم مكتبه بعد أن قام بتغيير أثاثه بعد الواقعة‪ ،‬وأن ما عللت به المحكمة قرارها‬
‫حول طلب الخبرة المضادة التي طالبت بها النيابة العامة‪ ،‬لم تجب عليه ال إيجابا وال سلبا‪،‬‬
‫خاصة وأن الطرف المدني أدلى خالل المرحلة االبتدائية بالقرص المطلوب إجراء الخبرة‬
‫عليه‪ ،‬وطالب بدوره بإجرائها‪ ،‬غير أن المحكمة لم تستجب للطلب‪ ،‬وقضت بالبراءة بناء على‬
‫إنكار المطلوب فقط‪ ،‬فجاء تعليلها بذلك ناقصا عندما أغفلت الفصل في نقطة قانونية في‬

‫‪768‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الموضوع وجاء قرارها مشوبا بالعيب في التعليل الموازي النعدامه‪ ،‬ومعرضا للنقض‬
‫واإلبطال‪.‬‬
‫حيث علل القرار المطعون فيه تأييده للحكم االبتدائي بما يلي‪:‬‬
‫في الموضوع‪:‬‬
‫" حيث توبع المتهم بجنحة تسلم مبالغ مالية كرشوة إلنجاز خبرة قضائية طبقا لنص الفصل‬
‫‪ 109‬من القانون الجنائي والمادة ‪ 01‬من القانون المتعلق بالخبراء القضائيين‪.‬‬
‫وحيث استند الحكم المستأنف فيما قضى به أن المتهم ينكر المنسوب إليه عند االستماع إليه‬
‫تمهيديا من طرف السيد وكيل الملك وأمام هذه المحكمة‪ ،‬مؤكدا أن ما جاء في الشريط‬
‫المفرغ في القرص المدمج مفبرك وال يعترف بمحتواه وأنه يتضمن معطيات خطيرة ومجهولة‬
‫المصدر والهدف وأنه يجهل مکان وزمان تسجيل الشريط واألشخاص اللذين قاموا بفبركته‬
‫وأنه يتضمن لقطات وأصوات غريبة وال تربط أية عالقة بينه وبين الخبرة المنجزة لفائدة‬
‫الشاكي‪ ،‬كما جدد طعنه في صحة الشريط أمام المحكمة‪.‬‬
‫وحيث خلصت الخبرة المنجزة على الشريط المصور بأنه يحتوي على مقطع واحد مصور‬
‫على فيلم على األرجح بواسطة كامي ار هاتف خلوي‪ ،‬وأن آخر تعديل على الفيديو أجري‬
‫بتاريخ ‪ 11‬نونبر ‪ ،1131‬وأنه ال وجود ألي أثر تركيب على شريط الفيديو‪ ،‬إال أنه من‬
‫الضروري إجراء خبرة على الخازن األصلي للتحقق من صحته‪.‬‬
‫وحيث إنه لقيام جريمة الرشوة ال بد من أن يكون الطلب أو قبول العرض أو الوعد أو تسلم‬
‫الهبة أو الهدية أو غيرها من الفوائد قبل القيام بالعمل أو االمتناع عنه ( حسب ما جاء في‬
‫قرار المجلس األعلى بتاريخ ‪ 35‬مارس ‪ 3313‬تحت عدد ‪ 053 :‬في الملف الجنائي عدد‬
‫‪ 03130‬منشور بمجلة المحاماة عدد ‪ ) 33‬وأن الملف خالي مما يثبت ذلك خاصة وأن‬
‫الشكاية قدمت بتاريخ ‪ 11‬دجنبر ‪ 1131‬وأن الحكم في الملف موضوع الخبرة حسب ما‬
‫جاء في شكاية المشتكي كان بتاريخ ‪ 31‬نونبر ‪ 1131‬وأن الخبرة المنجزة على الشريط‬
‫المصور لم تكن جازمة ومتوقفة على إجراء خبرة على الخازن األصلي والذي لم تقم النيابة‬
‫العامة محركة الدعوى بتوفيره‪.‬‬
‫وحيث إن األحكام تبنى على الجزم واليقين ال على الشك والتخمين وأن الشك يفسر لصالح‬
‫المتهم‪ ،‬وأن المحكمة ارتأت أن اإلثبات غير قائم تصرح بعدم إدانة المتهم بقوة الفصلين ‪3‬‬

‫‪769‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫و‪ 191‬من ق م ج مما يتعين معه التصريح ببراءة المتهم من أجل ما نسب إليه ويستتبع‬
‫ذلك عدم ا االختصاص في الطلبات المدنية المقدمة في مواجهة المتهم‪.‬‬
‫وحيث إن النيابة العامة أمام هذه الدرجة التمست إجراء خبرة مضادة‪.‬‬
‫وحيث إنه بعد تفحص وثائق الملف و مستنداته تبين أنه فعال ‪ -‬ما أثير أشير إليه آنفا لم‬
‫تدل بالهاتف الخلوي الذي يدعي المشتكي أنه قام بتصوير شريط الفيديو په وأن ما أدلت به‬
‫هو مجرد قرص مدمج وبطاقة ذاكرة نوع (سان ديسك ميکرو اس د سعة ‪ 1‬جيكا ) وهي‬
‫ذاكرة خارجية غير مدمجة في جهاز التلفون‪ ،‬مما يكون طلبه غير مؤسس ويتعين معه رده ‪.‬‬
‫وحيث إن المحكمة على مستوى هذه الدرجة لم يثبت لديها أن ما ذكر في القرص كان قبل‬
‫إنجاز الخبرة وبمناسبتها‪.‬‬
‫وحيث إن المحكمة بعد اطالعها على وثائق الملف ومحتوياته ودراستها لعلل الحكم‬
‫المستأنف وما أثير بشأنه من أسباب تبين أن ما عابه المستأنف ليس من شأنه تغيير وجهة‬
‫نظر هذه المحكمة فيما انتهى إليه قضاء أول درجة‪.‬‬
‫وحيث إنه وتأسيسا على ما ذكر وبعد تبن ي حيثيات الحكم المستأنف يتعين التصريح بتأييده‬
‫في جميع مقتضياته تعليال ومنطوقا "‪.‬‬
‫وحيث يتجلى من هذا التعليل أن المحكمة أبرزت ما استندت إليه في قضائها ببراءة‬
‫المطلوب بعد رفضها طلب إجراء خبرة مضادة‪ ،‬وعللت قرارها بذلك تعليال کافيا واقعا وقانونا‪،‬‬
‫وبينت وجه اقتناعها بشأن ذلك طبقا لما تقتضيه المادة ‪ 191‬من قانون المسطرة الجنائية‪.‬‬
‫أما باقي ما احتج به العارض فإنما هو مناقشة في الواقع ومجادلة في قيمة أدلة اإلثبات‬
‫التي حظيت بقبول قضاة الموضوع في حدود سلطتهم التقديرية التي ال تمتد إليها رقابة‬
‫محكمة النقض‪ ،‬عمال بالفقرة الثانية من المادة ‪ 539‬من نفس القانون‪ ،‬فالوسيلة غير مرتكزة‬
‫على أساس‪.‬‬
‫من أجله‬
‫قضت برفض الطلب المقدم من السيد نائب الوكيل العام للملك لدى محكمة االستئناف‬
‫بوجدة‪.‬‬
‫وبتحميل الحزينة العامة المصاريف القضائية‪.‬‬

‫‪770‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وبه صدر القرار وتلي بالجلسة العلنية المنعقدة بالتاريخ المذكور أعاله بقاعة الجلسات‬
‫العادية بمحكمة النقض بشارع النخيل بحي الرياض بالرباط‪ .‬وكانت الهيئة الحاكمة متركبة‬
‫من السادة‪ :‬الطيب أنجار رئيسا والمستشارين محمد لحفيا مقر ار وبوشعيب بوطربوش‬
‫والمصطفى هميد وجمال سرحان أعضاء‪ ،‬وبمحضر المحامي العام السيد الحسن حراش الذي‬
‫كان يمثل النيابة العامة‪ ،‬وبمساعدة كاتبة الضبط السيدة فاطمة اليماني‪.‬‬
‫(منشور في سلسلة إصدارات المكتب الفني بمحكمة النقض‪ ،‬عدد خاص بالخبرة والخبراء من‬
‫خالل اجتهادات محكمة النقض ن العدد الثالث ‪ 1131‬الصفحة ‪)013‬‬

‫‪ .3‬ارار محامة النقض عدد ‪ 347‬المؤرخ في ‪ 21‬يناير ‪ 2430‬والصادر في الملف‬


‫اإلداري رام ‪2431/3/0/27‬‬
‫ااعدة‪:‬‬
‫مخالفة مهنية ‪-‬االحتفاظ بمستحقات الزبون‪ -‬عدم البواب على مراسلة النقيب‪.‬‬
‫استيفاء المحامي لمبلغ التنفيذ واحتفاظه به أكثر من شهرين من غير إيداعه أو تماين‬
‫صاحب الحق منه يشا مخالفة للمادة ‪ 1‬من اانون المهنة المتمثلة في عدم التقيد‬
‫بالسلوك المهني وبمبادئ التبرد والنزاهة والكرامة‪ ،‬كما أن عدم جوابه على مراسلة النقيب‬
‫بشأن الشااية يعد مخالفة مهنية بمقتضى النظام الداخلي للهيئة المنتمي إليها‪.‬‬
‫باسم جاللة الملك وطبقا للقانون‬
‫حيث يستفاد من أوراق الملف‪ ،‬ومحتوى القرار المطعون فيه أن السيد ( عبد العزيز ‪ .‬ش )‬
‫تقدم بشكاية إلى نقيب هيئة المحامين بمراكش يعرض فيها أن ( األستاذ حسن ‪.‬خ )‬
‫المحامي بهيئة مراكش ناب عنه في إطار ملف حادثة سير عدد ‪ ، 1111 / 131‬صدر‬
‫فيها حكم ابتدائي قضى لفائدته بتعويض قدره ‪ 110113011‬ولفائدة ابنته ( رجاء ) بمبلغ‬
‫‪ 11.591011‬درهم والبنه ( مروان ) بمبلغ ‪ 13.131 ، 11‬درهم ‪ ،‬أي ما مجموعه‬
‫‪ 310.901091‬وقد تم تأييد الحكم من طرف محكمة االستئناف بسطات ‪ ،‬وأن المشتکی به‬
‫قام بسحب مبلغ ‪ 59.115 ، 95‬درهم من المحكمة االبتدائية ببرشيد بتاريخ ‪ 19‬غشت‬
‫الوصل الصادر عنه إال أنه رفض تمكينه من مستحقاته ‪ ،‬ملتمسا إجراء بحث في الموضوع‪.‬‬
‫وبعد دراسة الشكاية من قبل النقيب ‪ ،‬أصدر هذا األخير ق ار ار تحت عدد ‪ 93/93‬بتاريخ ‪11‬‬

‫‪771‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫يوليوز ‪ 1131‬في نطاق المادة ‪ 11‬من قانون المحاماة بمتابعة المحامي المشتکی به من‬
‫أجل مخالفتي ‪:‬‬
‫‪ - 3‬عدم التقيد في السلوك المهني بها تفرضه أخالقيات المهنة من نزاهة واستقامة ؛‬
‫‪ -1‬عدم الجواب المنصوص عليها في المادة ‪ 1‬من نفس القانون والمادة ‪ 31‬في فقرتيها‬
‫األولى والثانية من النظام الداخلي مع إحالة الملف على المجلس قصد إجراء تحقيق‬
‫حضوري معه إعماال للمادة ‪ 19‬من نفس القانون ‪.‬‬
‫وبعد إحالة ا لقضية على المجلس التأديبي لم يصدر في النازلة أي قرار رغم مرور مدة ستة‬
‫أشهر المنصوص عليها في المادة ‪ 11‬من نفس القانون ‪ ،‬مما اعتبر معه الوكيل العام للملك‬
‫أن مجلس الهيئة قد اتخذ ق ار ار ضمنيا بعدم المؤاخذة طبقا لنفس المادة المذكورة ‪ ،‬حيث طعن‬
‫فيه باالستئناف أمام غرفة المشورة بمحكمة االستئناف بمراکش قضت بعد استيفاء‬
‫اإلجراءات‪ :‬بإلغاء المقرر المطعون فيه‪ ،‬وبعد التصدي بمؤاخذة األستاذ حسن ‪.‬خ ) من أجل‬
‫ما نسب إليه ومعاقبته باإليقاف عن مزاولة المهنة لمدة سنة واحدة و تحميله الصائر ‪ ،‬وهو‬
‫القرار موضوع الطعن بالنقض‪.‬‬
‫النقض مبتمعة لالرتباط‪ ،‬حيث ينعى الطاعن القرار المطعون فيه بخرق‬ ‫في وسائ‬
‫الفصول ‪ 11‬و ‪ 19‬و ‪ 13‬من قانون المسطرة المدنية وخرق حقوق الدفاع وعدم االرتكاز‬
‫على أساس قانوني‪ ،‬ذلك أن القرار المطعون فيه أشار إلى كونه قد استدعي لجلسة المناقشة‬
‫المنعقدة بتاريخ ‪ 39‬أبريل ‪ 1131‬و تخلف عن الحضور رغم التوصل شخصيا‪ ،‬معتمدا في‬
‫ذلك على صورة من شهادة التسليم تم إرسالها بالفاكس‪ ،‬وهو تبليغ غير قانوني ومخالف‬
‫للفصول المشار إليها أعاله نتج عنه خرق لحقوق الدفاع‪ ،‬ومن جهة أخرى فإن المحكمة‬
‫اكتفت في تعليل قرار مؤاخذتها له بالمخالفات المنسوبة إليه بكونه توصل بالشكاية ولم يجب‬
‫عليها أمام النقيب ولم يثبت تمكين المشتكي من المبالغ المطلوبة‪ ،‬في حين أنه دفع أمام‬
‫مجلس الهيئة وهو يحقق في الشكاية بأنه تقدم بتنفيذ جزئي فقط للجزء المشمول بالنفاذ‬
‫المعجل ولم ينفذ كل الحكم‪ ،‬وأنه تقدم بطلب أمام النقيب لتحديد مبلغ أتعابه‪ ،‬وأنه كان على‬
‫المحكمة إجراء بحث للتأكد من ذلك وبذلك جاء القرار المطعون فيه غير مؤسس ومنعدم‬
‫التعليل مما يعرضه للنقض‪.‬‬

‫‪772‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫لكن ‪ ،‬فمن جهة ‪ ،‬حيث لما كان الثابت من شهادة التسليم المدلى بها أن المحامي المشتکی‬
‫به قد توصل شخصيا بتاريخ ‪ 31‬مارس ‪ 1131‬ووقعها شخصيا هو والعون المكلف بالتبليغ‬
‫السيد عبد الكبير ‪.‬س) لحضور جلسة المناقشة المنعقدة بتاريخ ‪ 39‬أبريل ‪ ،1131‬ودون أن‬
‫ينازع في ذلك بشيء ثابت‪ ،‬فإن محكمة االستئناف حينما اعتبرت من ذلك أن المحامي‬
‫المعني باألمر قد تخلف عن جلسة المناقشة رغم توصله شخصيا ورتبت على ذلك اآلثار‬
‫القانونية‪ ،‬لم تخرق مقتضيات الفصول ‪ 11‬و ‪ 19‬و ‪ 13‬من قانون المسطرة المدنية في‬
‫شيء‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬حيث إن استيفاء المحامي لمبلغ التنفيذ واحتفاظه به أكثر من شهرين من‬
‫غير إيداعه أو تمكين صاحب الحق فيه يشكل مخالفة للمادة ‪ 1‬من قانون المهنة المتمثل في‬
‫عدم التقيد بالسلوك المهني وبمبادئ التجرد والنزاهة والكرامة‪ ،‬كما أن عدم جوابه على مراسلة‬
‫النقيب بشأن الشكاية يعد مخالفة مهنية بمقتضى النظام الداخلي للهيئة‪ ،‬وما دام قد ثبت من‬
‫أوراق الملف أن المحامي المشتکی به قد توصل بمناسبة تنفيذ التعويض موضوع الشكاية‬
‫بمبلغ ‪ 59.315095‬درهم حسب وصل كتابة الضبط المدلى به ولم يمكن الطرف المشتكي‬
‫من مستحقاته داخل األجل القانوني‪ ،‬وأن النقيب أحال عليه الشكاية للجواب إال أنه رفض‬
‫التسلم کما تؤكد ذلك مالحظة المفوض القضائي بشهادة التسليم‪ ،‬فإن محكمة االستئناف لما‬
‫قضت بعد تخلفه عن جلسة المناقشة رغم توصله شخصيا‪ ،‬بمؤاخذته من أجل ما نسب إليه‬
‫استنادا إلى ذلك‪ ،‬وعاقبته بما لها من سلطة تقديرية باإليقاف عن مزاولة المهنة لمدة سنة‬
‫واحدة‪ ،‬تكون قد وجدت في عناصر الملف ما يكفيها للبت في الملف ولم تكن في حاجة إلى‬
‫إجراء بحث‪ ،‬وبالتالي تكون قد بنت قضاءها على أساس سليم من القانون وما بالوسيلتين‬
‫على غير أساس‪.‬‬
‫لهذه األسباب‬
‫قضت محكمة النقض برفض الطلب‪.‬‬
‫الرئيس‪ :‬السيدة عائشة بن الراضي ‪ -‬المقرر ‪ :‬السيد عبد المجيد بابا علي ‪ -‬المحامي‬
‫العام‪ :‬السيد سابق الشرقاوي‪.‬‬
‫(منشور في سلسلة إصدرات المكتب الفني بمحكمة النقض‪ ،‬عدد خاص بمهنة المحاماة في‬
‫ضوء ق اررات محكمة النقض‪ ،‬العدد الرابع ‪ 1131‬الصفحة ‪)110‬‬

‫‪773‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪ .0‬ارار محامة النقض عدد ‪ 1/021‬المؤرخ في ‪ 0‬يونير ‪ 2431‬والصادر في‬


‫الملف المدني رام ‪2012/6/1/3001‬‬
‫ااعدة‪:‬‬
‫مخالفة مهنية ‪ -‬عناصرها ‪ -‬شااية الموكلين ‪ -‬ارار الحق الضمني ‪-‬إلغاؤه ‪ -‬أفعال‬
‫تبرر المتابعة‪.‬‬
‫إحبام المحامي عن رفع طلب موكليه إلى القضاء بعدما اب التوكي عنهم وتوصله‬
‫بحببهم يشا لداية حبة على قيام مخالفة مهنية يتطلب إجراء تحقيق بشأنها‪.‬‬
‫لما استخلصت المحامة المصدرة للقرار المطعون فيه من وثائق الملف أن ارار النقيب‬
‫بحفظ الشااية المتعلقة بالمخالفة المهنية للمحامي ضمنيا‪ ،‬لم يان في محله لقيام عناصر‬
‫کافية تبرر المتابعة ألن األفعال التي اام لها المحامي ومنها ربط االتصال بخصوم موكليه‬
‫دون إذنهم واالمتناع عن استقبالهم تشا مخالفة مهنية‪ ،‬مما يبع المقرر الضمني‬
‫المتخذ في شااية الموكلين معرضا لإللغاء‪ ،‬تكون لذلك اد لينت العناصر المبررة لتعلي‬
‫ارارها وجاء معلال بما فيه الكفاية‪.‬‬
‫باسم جاللة الملك وطبقا للقانون‬
‫حيث يستفاد من مستندات الملف‪ ،‬ومن القرار المطعون فيه الصادر عن محكمة االستئناف‬
‫بأكادير غرفة المشورة بتاريخ ‪04‬مايو ‪ 1133‬في الملف عدد ‪ 11/26‬تحت رقم ‪ 999‬أنه‬
‫بناء على مقال الطعن المقدم من السيد الوكيل العام للملك بتاريخ ‪ 31‬مارس ‪ 1133‬الذي‬
‫يستفاد منه أن السيد (حسن‪.‬ع) نيابة عن ورثة (أحمد‪.‬ع) تقدم بشكاية مفادها أنه سبق أن‬
‫أناب عنهم األستاذ (عبد المنعم ‪ .‬ط) للدفاع عن مصالحهم في قضية إجراء تحقيق في‬
‫ظروف ومالبسات وفاة موروثهم وكذا إجراء محاسبة مع شركائه في األعمال التجارية وقاموا‬
‫بتسليمه جميع الوثائق األصلية ومبلغ ‪ 3911‬درهم كأتعاب اال أنهم فوجئوا بتالعباته عندما‬
‫ربط االتصال بخصومهم دون إذن منهم وأصبح يمتنع عن استقبالهم إلى أن سلمهم أخي ار‬
‫ورقة مكتوبة بخط يده تتضمن مراجع ملف تجاري ال يمت لقضيتهم بصلة إدعى أنها تخص‬
‫ملفهم‪ .‬وبعد إحالة الشكاية على السيد النقيب وتوصل بها بتاريخ ‪ 31‬دجنبر ‪ 1131‬لم يبادر‬
‫إلى اتخاذ أي مقرر في الموضوع مما يعني حفظ الشكاية ضمنيا ونظ ار إلى أن األفعال‬
‫موضوع الشكاية تشكل مخالفة لمقتضيات المواد ‪ 01‬و‪ 13‬من القانون المنظم لمهنة المحاماة‬
‫‪774‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫التمس السيد الوكيل العام للملك في إطار مقتضيات المواد ‪ 11‬و ‪ 30‬من نفس القانون‬
‫الحكم بإلغاء القرار الضمني بحفظ الشكاية المذكورة وإحالة الملف على مجلس هيئة‬
‫المحامين بأكادير والعيون لمواصلة إجراءات المتابعة في حق المشتکی به األستاذ (عبد‬
‫المنعم ‪ .‬ط ) طبق الفقرة األخيرة من المادة ‪ 11‬من قانون المهنة ‪ .‬وبعد عرض القضية‬
‫بغرفة المشورة بجلسة سرية بتاريخ ‪ 11‬أبريل ‪ 1133‬تخلف عن الحضور السيد النقيب رغم‬
‫توصله باالستدعاء وحضرها األستاذ (م ) عن األستاذ (عبد المنعم ‪ .‬ط ) وأدلى بمذكرة‬
‫جوابية أقر فيها باستيال مه مبلغ التسبيق عن األتعاب إال أن ذلك كان من أجل دراسة كمية‬
‫هائلة من الوثائق التي أحضرها له المشتكي ‪ ،‬وقد فتح ملف بغرض تقديم شكاية ضد إخوة‬
‫والدهم الذين يتهمونهم بكونهم كانوا سبب وفاته ورفض تقديم أي إجراء أمام القضاء إال بعد‬
‫اإلدالء بالحجج الكافية ملتمسا رفض الطلب ‪ .‬وبعد تمام اإلجراءات أصدرت الغرفة القرار‬
‫المشار إلى مراجعة القاضي بإلغاء مقرر الحفظ الضمني المتخذ من طرف السيد نقيب هيئة‬
‫المحامين بأكادير والعيون في شأن شكاية السيد ( حسن‪.‬ع ) في مواجهة األستاذ ( عبد ط )‬
‫والتصدي واألمر بإحالة ملف الشكاية على مجلس الهيئة المذكورة لمواصلة إجراءات المتابعة‬
‫وفق المادة ‪ 19‬من قانون المحاماة ‪ ،‬وهو القرار المطعون فيه بالنقض بسبب فريد‪.‬‬
‫الوسيلة الفريدة حيث يعيب الطاعن القرار المطعون فيه اعتماده ضمن تعليله على وقائع‬
‫الشكاية المقدمة من ( حسن‪.‬ع ) نيابة عن ورثة ( أحمد‪.‬ع ) تفيد بأنهم كلفوا العارض للدفاع‬
‫عن مصالحهم وسلموه مبلغ ‪ 3911‬درهم كأتعاب وعلى هذا األساس اعتبر القرار بأن قرار‬
‫الحفظ لم يكن في محله لقيام عناصر کافية تبرر المتابعة لكون األفعال التي قام بها‬
‫المشتکی به تشكل مخالفة مهنية ‪ ،‬وأن القرار المطعون فيه لم يبين العناصر الكافية التي‬
‫تجعل المنسوب للعارض يشكل مخالفة ألن العناصر المقدمة من النيابة العامة في طعنها‬
‫تبقى مجرد ادعاءات غير مؤسسة على أسس سليمة من الناحية الواقعية والقانونية‪ ،‬كما أن‬
‫القرار لم يبين كيف أنه اعتمد على مجرد ادعاءات يكون العارض اتصل بخصوم المشتكين‬
‫دون إذنهم‪ ،‬أما بخصوص مبلغ ‪ 3911‬درهم كتسبيق األتعاب فإن العارض سبق له أن أدلى‬
‫للسيد النقيب ما يفيد إرجاع باقي المبلغ بعد خصم أتعاب مسطرة تتعلق بملف جنحي عادي‬
‫يخص أحد الورثة‪ ،‬وأن االدعاء بكون المشتکين توصلوا بورقة صادرة عن العارض تحمل‬
‫بيانات ملف تجاري ال يخصهم لم تأت على شاكلة الورق الرأسي لمكتب العارض وتأشيرة‬

‫‪775‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫مكتبه وأن المبدأ القانوني يفرض على المدعي أن يثبت ادعاءه وإال سقط ادعاؤه ‪ ،‬والقرار‬
‫المطعون فيه اعتمد فقط على تلك االدعاءات المقدمة من طرف المشتكي حول اتصال‬
‫العارض بخصومه أما فيها يخص عدم تقديم دعوى المحاسبة وفتح التحقيق حول مالبسات‬
‫وفاة الموروث فإن العارض اعتبر بأن ما قدم له من وثائق لم تكن لتسعفهم في ادعائهم‬
‫وعلى هذا األساس أرجعت لهم كافة وثائقهم وتم احتساب أتعاب الدفاع على أساس ما قام‬
‫به من دراسة للملف‪ .‬والقرار المطعون فيه يكون بذلك ناقص التعليل الموازي النعدامه مما‬
‫يناسب التصريح بنقضه وإبطاله‪.‬‬
‫لكن ‪ ،‬ردا على الوسيلة فإن المحكمة المقررة للقرار المطعون فيه لما استخلصت من وثائق‬
‫الملف بأن قبول الطاعن التوكيل عن المطلوبين و توصله بحججهم وإحجامه عن رفع طلبهم‬
‫إلى القضاء يشكل بداية حجة على قيام المخالفة المهنية يتطلب إجراء تحقيق بشأنها وعللت‬
‫قضاءها ‪ " :‬بأن وقائع الشكاية المذكورة تفيد أن المشتكين قد كلفوا المشتکی به للدفاع عن‬
‫مصالحهم في المطالبة بإجراء تحقيق حول ظروف ومالبسات وفاة موروثهم وإجراء محاسبة‬
‫مع شركائه في األعمال التجارية وسلموه مبلغ ‪ 3911‬درهم كأتعاب ‪ ،‬إال أنه ربط االتصال‬
‫بخصومهم دون إذنهم وأصبح يمتنع عن استقبالهم وسلمهم ورقة بخط يده تتضمن مراجع‬
‫ملف تجاري ادعى أنه يخصهم مع أنهم ال عالقة لهم به ‪ ،‬وأنه رفض تقديم الدعوى ( ‪) ...‬‬
‫وأنه اقتطع مقابل أتعابه وأرجع الباقي للمشتكين دون إدالئه بما يفيد اإلرجاع و مستند‬
‫االقتطاع وذلك بإق ارره في معرض جوابه ‪ ،‬وأن الغرفة ترى بذلك أن قرار الحفظ لم يكن في‬
‫محله لقيام عناصر کافية تبرر المتابعة لكون األفعال التي قام بها المشتکی به تشكل‬
‫مخالفة مهنية مما يجعل المقرر الضمني المتخذ في شكاية المشتكي معرضا لإللغاء " تكون‬
‫بذلك قد بينت العناصر المبررة لتعليل قرارها و جاء بذلك معلال بما فيه الكفاية و ما بالوسيلة‬
‫على غير أساس‪.‬‬
‫لهذه األسباب‬
‫قضت محكمة النقض برفض الطلب وبتحميل الطالب الصائر‪.‬‬
‫وبه صدر القرار وتلي بالجلسة العلنية المنعقدة بالتاريخ المذكور أعاله‪ ،‬في قاعة الجلسات‬
‫العادية بمحكمة النقض بالرباط‪ .‬وكانت الهيئة الحاكمة متركبة من السيد أحمد البكري رئيسا‬
‫والسادة المستشارين‪ :‬محمد عثماني مقر ار والمصطفى لزرق والطاهرة سليم والطيبي تاكوتي‬

‫‪776‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫أعضاء‪ ،‬وبحضور المحامي العام السيد عبد الله أبلق وبمساعدة كاتبة الضبط السيدة وفاء‬
‫سليطان‪.‬‬
‫(منشور في سلسلة إصدارات المكتب الفني بمحكمة النقض عدد خاص بمهنة المحاماة في‬
‫ضوء ق اررات محكمة النقض‪ ،‬العدد الرابع ‪ 1131‬الصفحة ‪.)101‬‬

‫‪777‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المسؤولية الطبية‪:‬‬
‫‪ .3‬ارار محامة النقض عدد ‪ 2/211‬المؤرخ في ‪ 33‬ألري ‪ 2431‬والصادر في‬
‫الملف اإلداري عدد‪2432/2/0/902‬‬
‫ااعدة‪:‬‬
‫مسؤولية المرفق الصحي اائمة لسوء تدلير عملية الوالدة بعد اإلادام على جر العضو‬
‫األعلى األيسر للبنين أثناء عملية الوالدة من أج إخراجه من الرحم‪ ،‬حيث نتج عن ذلك‬
‫شل للذراع والساعد األيسر‪.‬‬

‫وبعد المداولة طبقا للقانون‪:‬‬


‫حيث يستفاد من وثائق الملف ومن القرار المطعون فيه الصادر عن محكمة االستئناف‬
‫اإلدارية بالرباط بتاريخ ‪ 13/13/1133‬في الملفين المضمومين ‪ 1/31/31‬و ‪1/13/503‬‬
‫ان المطلوب بنمزوارة نور الدين نيابة عن ابنه القاصر کريم تقدم بمقال إلى إدارية البيضاء‬
‫عرض فيه أن أبنه تم تلقيحه والتالميذ الذين معه بالمدرسة‪ ،‬وعلى إثر ذلك أحس بارتعاش‬
‫حاد في كافة جسمه واصبح عاج از على الوقوف ليتبين بعد فحصه انه فقد حاسة السمع‬
‫مباشرة بعد التلقيح‪ ،‬مما يجعل إقدام الطبيبة على تلقيح الضحية دون التأكد من حساسيته‬
‫للمادة موضوعه يبرر مسؤولية الدولة‪ ،‬ملتمسا الحكم له بتعويض مؤقت قدره ‪ 11.111‬درهم‬
‫وإجراء خبرة لتحديد األضرار الالحقة بابنه‪ ،‬وبعد إجراء خبرتين وتقديم األطراف لمستنتجاتهم‬
‫أصدرت المحكمة اإلدارية حكما قضى بتحميل الدولة المغربية ( و ازرة الصحة المسؤولية‬
‫كاملة عن األضرار التي لحقت بابن المدعي قدره ‪ 311.111011‬درهم استأنفه الطرفان‬
‫وبعد ضم الملفين أيدته محكمة االستئناف اإلدارية بمقتضى قرارها المطعون فيه مع تخفيض‬
‫التعويض المحكوم به إلى مبلغ ‪ 111.111011‬درهم)‪.‬‬
‫في شان الوسيلة األولى‪:‬‬
‫حيث ينعى الطاعنون على القرار المطعون فيه خرق قاعدة مسطرية أضر بأحد األطراف‬
‫بخرق مقتضيات الفصلين ‪ 115‬و‪ 119‬من قانون المسطرة المدنية بدعوى أنه لم يتم تبليغهم‬
‫باألمر بالتخلي من أجل تنبيههم إلى أن الملف أصبح جاه از وأنه إذا كانت لديهم مستنتجات‬

‫‪778‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫يجب تقديمها قبل تاريخ الجلسة كما أنه لم يتم تبليغهم بتاريخ إدراج الملف بالجلسة للنطق‬
‫بالحكم مما يجعل القرار عرضة للنقض‪.‬‬
‫لكن حيث ان الخرق المسطري الذي يعتبر سببا للنقض بحسب الفصل ‪ 153‬من قانون‬
‫المسطرة المدنية هو ذلك الذي يكون ترتب عنه ضرر ألحد األطراف ‪ ،‬وفي النازلة فإنه‬
‫ولئن كان الطالبون قد نعوا على المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه عدم تبليغهم باألمر‬
‫بالتخلي إال أنهم لم يبينوا الضرر الالحق بهم من جراء ذلك بإبراز أنه كانت لهم ملتمسات او‬
‫دفوع أو مستندات كانوا يودون اإلدالء بها وحرموا من ذلك لعدم تبليغهم باألمر المذكور ‪،‬‬
‫وبخصوص عدم تبليغهم باالستدعاء فباإلضافة إلى عدم بيان الضرر الناتج لهم مما ذكر‬
‫فإن الطالبين وبصفتهم طرفا مستأنفا حاضرون بطعنهم فما يجعل النعي غير منتج و الوسيلة‬
‫بدون أثر ‪.‬‬
‫في شان الفرع األول من الوسيلة الثانية‬
‫حيث ينعى الطاعنون على القرار المطعون فيه فساد التعليل الموازي النعدامه بدعوى أنه‬
‫سبق لهم أن أثاروا أمام المحكمة مصدرته كون المحكمة اإلدارية لم تعمد إلى تبليغهم باألمر‬
‫بالتخلي و الحكم التمهيدي األمر بإجراء خبرة وتقريري الخبرة المنجزتين في الملف‬
‫ومستنتجات المطلوب بعد إنجازهما رغم تضمنها للطلبات النهائية التي احتفظوا بحقهم في‬
‫اإلدالء بها بعد الخبرة ‪ ،‬فردت ذلك بوجود شهادتي توصل تؤكدان التوصل باألمر بالتخلي‬
‫وهو ما لم يحصل وبكون عدم تبليغهم باألمر بإجراء خبرة لم يترتب عليه لهم أي ضرر‬
‫والحال أن الجزاء المترتب على ذلك هو بطالن الخبرة ألن األمر يتعلق بخرق لحقوق‬
‫الدفاع‪ ،‬كما أن عدم تبليغ األمر المذكور يحول دون ممارسة التجريح في الخبير ‪ ،‬إضافة‬
‫إلى أن الهدف من ذلك هو االطالع على مهمة الخبير ومعرفة حدودها لرصد تجاوزاته فيها‬
‫وللطعن في الحكم التمهيدي‪ ،‬وبخصوص الدفع بعدم تبليغهم بالخبرتين والمطالب المقدمة في‬
‫أعقابهما فقد ردته باالستناد إلى أن األثر الناشر لالستئناف يجب الخطأ المرتكب من محكمة‬
‫أول درجة وهو تعليل يترتب على القول به حرمانهم من درجة من درجات التقاضي مما‬
‫يجعل القرار عرضة للنقض‪.‬‬
‫لكن حيث إنه وبصرف النظر عن كون تبليغ المقرر القاضي بتعيين خبير قد ورد في الفقرة‬
‫األخيرة من الفصل ‪ 11‬من قانون المسطرة المدنية بمناسبة تقرير حق األطراف في التجريح‬

‫‪779‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫في الخبير مما يجعل اإلجراء المذكور مقر ار من أجل تلك الغاية والتي لم يتمسك بها‬
‫الطالبون ولم يقدموا أي تجريح في الخبراء‪ ،‬فإن قواعد المسطرة التي ال تكون مفروضة تحت‬
‫طائلة البطالن ال تكون سببا لبطالن الحكم أو القرار إال إذا ترتب عن فرقها ضرر للطرف‬
‫أو األطراف‪ ،‬المتمسكين بها‪ ،‬والمحكمة مصدرة القرار المطعون فيه التي ردت الدفع موضوع‬
‫النعي بعلة أن (عدم تبليغ الحكم التمهيدي يترتب عليه أن يبقى للطالبين أجل التجريح‬
‫مفتوحا ‪ ..‬وأن ليس هناك ضرر من جراء عدم التبليغ أصابهم ‪ )..‬تكون قد سايرت مجمل‬
‫ما ذكر سيما وأن خبرة الخبير قد حضرها ممثل و ازرة الصحة مما يفيد أنه اطلع على النقط‬
‫التي ستجري عليها وبالتالي فإنه لم يترتب على عدم التبليغ أي ضرر للطالبين‪ ،‬وبخصوص‬
‫األمر بالتخلي وعدم توصلهم به ابتدائيا فقد ردته المحكمة بعلة أنه (الوكيل القضائي والوزير‬
‫األول توصال به بتاريخ ‪ .. 1119/33/19‬حسب شهادتي التبليغ المضافتين للملف‪ ).‬وهو‬
‫تعليل مطابق لوا قع الملف الذي بالرجوع إليه وخاصة شواهد التسليم ومحاضر الجلسات يلفي‬
‫أن محضر جلسة ‪ 1119-31-11‬يتضمن تبليغ األطراف باألمر بالتخلي و هو ما تؤكده‬
‫شهادتي التسليم المدرجتين بالملف واللتين تثبتان توصل كل من الوزير األول و الوكيل‬
‫القضائي باالستدعاء بتاريخ ‪ 1119/33/19‬لجلسة ‪ 1119/31/11‬التي تم فيها إدراج‬
‫الملف بالمداولة‪ ،‬وفيما يخص الدفع بعدم تبليغهم بتقريري الخبرة والمطالب المقدمة في‬
‫أعقابهما فإنه ولئن كانت القاعدة العامة أن مبدأ التواجهية يقتضي تبليغ الطلبات و الوثائق‬
‫المتضمنة بالملف إلى الطرف الخصم لمناقشتها و إبداء الرأي فيها‪ ،‬إال أن عدم احترام المبدأ‬
‫المذكور ال يؤثر في صحة الحكم إال إذا كانت تلك الطلبات أو الوثائق هي التي تم تأسيس‬
‫تعليالت الحكم ومنطوقه عليها أما إذا كانت مجرد تأكيد لوثائق أخرى موجودة بالملف واطلع‬
‫عليها الخصم وناقشها مبديا وجهة نظره فيها او دعي لذلك فلم يفعل فإن عدم تبليغه بها ال‬
‫يؤثر في صحة الحكم ‪ ،‬لما كان ذلك وكان تقري ار الخبرة المدرجين بالملف إنما أكدا ما أثبتته‬
‫الشواهد الطبية التي كانت موجودة ضمن وثائق الملف والتي لم يتمسك الطالبون بانها لم‬
‫تعرض عليهم‪ ،‬من كون الضحية نتج له عن التلقيح صمم وهو ما أكدته الخبرتان‪ ،‬فإن‬
‫المحكمة اإلدارية وان كانت لم تبلغ الخبرتين إلى الطالبين فإن ذلك لم يكن له تأثير على‬
‫اطالعهم على الضرر المدعي به و الثابت من خالل الشواهد المدرجة بالملف والتي أكدت‬
‫الخبرتان مضمونها‪ ،‬والمحكمة مصدرة القرار المطعون فيه التي اعتبرت بان عدم تبليغ‬

‫‪780‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الطالبين بتقريري الخبرة غير مشوب بأي خرق لحقوق الدفاع تكون قد راعت مجمل ما ذكر‪،‬‬
‫وفي شان الطلبات الختامية وعدم تبليغها لهم‪ ،‬فإنه وما دام أن المقال االفتتاحي قد تمحور‬
‫حول طلب التعويض عن الضرر الناتج عن فقد الضحية لحاسة السمع فإنه يكون هو‬
‫الطلب األساسي أما تحديد المبلغ المطالب به فإنه ولما كانت المحكمة قد أعملت بشأنه‬
‫سلطتها التقديرية وخفضته من ‪ 3‬ماليين درهم المطالب بها إلى ‪ 111.111011‬درهم فإن‬
‫عدم التبليغ بالمذكرة المذكورة لم يكن له أي تأثير على نتيجة الحكم االبتدائي سيما وأن‬
‫القرار المطعون فيه عدله بالتخفيض مما يكون معه الطالبون قد استنفذوا حقهم في مناقشة‬
‫طلبات الخصم ويكون بالتالي القرار معلال تعليال سليما و الوسيلة والفرع على غير أساس‪.‬‬
‫في شان الفرع الثاني من الوسيلة الثانية بشقيه‪:‬‬
‫حيث ينعى الطاعنون على القرار المطعون فيه فساد التعليل الموازي النعدامه بدعوى أنه‬
‫استند في تعويض الضحية على نظرية المخاطر والخطأ المفترض في حين أن المسؤولية‬
‫في المجال الطبي ال تقوم إال على الخطأ الواجب اإلثبات بل وان يكون الخطأ جسيما وغير‬
‫عادي كما أن فكرة الخطأ المفترض ال يمكن ان تقوم إال إذا ثبت أن الضرر ناتج مباشرة‬
‫عن نشاط من أنشطة اإلدارة بمعنى ثبوت العالقة السببية بين النشاط المذكور والضرر وهو‬
‫ما لم يثبت في النازلة ألن الصمم ال عالقة له إطالقا بعملية التلقيح وهو ما أكدته الخبرات‬
‫التي نفت بشكل قطعي وجود تلك العالقة خاصة وأن الدراسات المعمقة التي أجريت على‬
‫مستوى المعلومات المتوفرة بالمركز العالمي لمحاربة التسمم واليقظة الدوائية لمنظمة الصحة‬
‫العالمية بينت بأن التلقيح ضد داء الحصبة والحميراء ليست له أية أثار جانبية أو اعراض‬
‫سلبية تنتهي بالصمم الذي له أسباب متعددة منها ما هو مرتبط بحادث معين ومنها ما هو‬
‫جيني وراثي تظهر عوارضه بصفة تدري جية ‪ :‬مما يجعل القرار بما ذهب إليه فاسد التعليل‬
‫عرضة للنقض‪.‬‬
‫لكن حيث إنه لما كان الثابت للمحكمة مصدرة القرار المطعون فيه أن الضرر الذي تعرض‬
‫له الضحية كان بمناسبة خضوعه لعملية التلقيح اإلجباري ( وهو فهم للواقع غير مناقش من‬
‫الطالبين) وكان التلقيح المذكور يدخل فعال ضمن األعمال الطبية إال أن خصوصيته‬
‫المتمثلة في كون من يتم تلقيحه في اإلطار المذكور ال يستشار في الخضوع لعملية التلقيح‬
‫ما دام أن الهدف منه ( التلقيح ) هو حماية الصحة العامة من مخاطر األوبئة أساسا‪ ،‬وأنه‬

‫‪781‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫بالنظر لما ذكر فان الملقح ال يطلب منه إبداء رأيه هو أو ولي أمره إذا كان قاص ار في‬
‫القبول طواعية بالمخاطر المترتبة على تلك العملية فإن كل ذلك يجعل أساس تعويض من‬
‫تضرر هو التضامن بين أفراد المجتمع في تحمل األخطار االجتماعية بصرف النظر عن‬
‫قيام الخطأ من عدمه‪ ،‬والمحكمة مصدرة القرار المطعون فيه التي ثبت لها أن الضحية‬
‫أصابه صمم بعد خضوعه لعملية تلقيح إجباري بلقاح من صنف (‪ )R - R‬ورتبت على‬
‫ذلك القول بأحقيته في التعويض في إطار فكرة المساواة والمشاركة في تحمل األعباء العامة‬
‫تكون قد راعت مجمل ما ذكر‪ ،‬وبخصوص ما اثير من عدم قيام عالقة السببية بين الضرر‬
‫ونشاط المرفق العمومي فإنه لما كان تحصيل فهم الواقع في الدعوي وتقدير األدلة فيها‬
‫واستخالص توافر عالقة السببية بين الفعل والضرر من سلطة محكمة الموضوع متی کان‬
‫استخالصها سائغا يكفي لحمل قضائها وله أصله الثابت ضمن وثائق الملف‪ ،‬وكانت‬
‫المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه قد عللت قيام العالقة السببية بين نشاط المرفق‬
‫العمومي الذي قام بتلقيح الضحية والضرر الالحق به بما جاءت به من أنه (باالطالع‬
‫القرار على معطيات النازلة والوثائق والمستندات المدلى بها يتبين أن الضحية خضع بتاريخ‬
‫‪ .. 1110/31/11‬لعملية تلقيح إجباري بلقاح من صنف (‪ )R - R‬بواسطة أحد األطباء‬
‫العاملين بمستوصف األمل بإقليم النواصر‪ ،‬وأنه عقب ذلك التلقيح أصيب بمضاعفات‬
‫صحية تجلت علی الخصوص في ارتفاع درجة ح اررة جسمه مع ارتعاش حاد‪ ،‬أعقبها بعد‬
‫ذلك فقدانه لحاسة السمع ‪ ..‬دون أن يقترن ذلك بما يفيد انه كان يعاني من قبل من أعراض‬
‫مرضية واضحة في ح اسة السمع في كلتا أذنيه أو إحداهما‪ ،‬وبالنظر إلى ما أوضحه تقرير‬
‫الخبير المنتدب عبد الرحيم قرموشي من کون الصمم هو من اآلثار واألعراض االحتمالية‬
‫النادرة المترتبة عن التلقيح الذي خضع له المتضرر (حسب موسوعة ميديكا الطبية في‬
‫صفحتها ‪ )...3313‬تكون قد أوردت تعليالت سائغة في تبرير استخالصها لقيام عالقة‬
‫السببية بين التلقيح الذي خضع له الضحية والصمم الالحق به تدعمها وثائق الملف الذي‬
‫بالرجوع إليه وخاصة الشواهد الطبية المدلى بها يتضح أن الضحية المذكور تعرض عقب‬
‫تلقيحه بلقاح ( ‪ ) R - R‬لمضاعفات صحية أعقبها إصابته بصمم لم يكن يعاني منه من‬
‫قبل‪ ،‬وأن الصمم المذكور يعتبر حسب خبرة الخبير عبد الرحيم قرموشي من األعراض‬

‫‪782‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫االحتمالية النادرة المترتبة عن التلقيح حسب موسوعة ميديكا مما يجعل القرار معلال تعليال‬
‫سليما و القرع على غير أساس‪.‬‬
‫في شان الفرع الثالث من الوسيلة الثانية‪:‬‬
‫حيث ينعى الطاعنون على القرار المطعون فيه نقصان التعليق بدعوى أنه على ما قضي به‬
‫من ‪ 111.111011‬درهم باالعتماد على السلطة التقديرية وتكلفة العملية الجراحية واآلالت‬
‫الطبية الالزمة لعالج الضحية مما يكون معه قد خرج عن الغاية المقررة من التعويض الذي‬
‫يرجع فيه إلى طبيعة الضرر واتسامه بالموضوعية المطلقة ألنه يرد على جسم اإلنسان الذي‬
‫يتساوى فيه جميع األفراد وال يختلف باختالف ظروفهم الخاصة وحاالتهم الذاتية مما يجعل‬
‫تحديد التعويض مرتبط بنسبة العجز‪.‬‬
‫لكن حيث إنه لما كانت القاعدة أن التعويض يجب أن يغطي كامل الضرر بما يعني مراعاة‬
‫ما ف ات المضر ما لحقه من خسارة ‪ ،‬وكان تحديد ذلك التعويض بما يكفي لجبر الضرر هو‬
‫من مسائل الواقع التي تستقل بتقديرها محكمة الموضوع ما لم يكن المشرع قد تدخل لوضع‬
‫معايير معينة في التقدير وال رقابة علي قضاة الموضوع من طرف محكمة النقض إال‬
‫بخصوص التعليل ‪ ،‬فإن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه التي استندت فيما ذهبت إليه‬
‫من الحكم للضحية بتعويض قدره ‪ 111.111011‬درهم إلى ما جانت به من أنه (اعتبار‬
‫لسنه التي لم يكن يتجاوز الست سنوات بتاريخ وقوع الضرر وكذا حجم ونوعية األضرار‬
‫المتمثلة في إصابته بصمم مع ما لذلك من آثار نفسية ومضاعفات عليه ولكون تحسن‬
‫وضعه الصحي بتطلب مصاريف بمبلغ ‪ 133.111‬درهم لتركيب آلة السمع ‪ ..‬إضافة إلى‬
‫مبلغ ‪ 11.111‬درهم عن العملية الجراحية لتركيبها ‪ ..‬ارتأت خفض التعويض المحكوم به‬
‫إلى ‪ 111.111011‬درهم تكون قد أوردت تعليالت سائغة فيما ذهبت إليه بإبرازها للخسائر‬
‫المت رتبة عن الضرر والمتمثلة في شراء آلة السمع ومصاريف العملية الجراحية إضافة إلى‬
‫المعاناة النفسية الناتجة عن فقدان حاسة السمع وهي كلها عناصر موضوعية بالنظر إلى‬
‫من هم في مثل وضعية الضحية مما يجعل القرار معلال بما فيه الكفاية والفرع على غير‬
‫أساس‪.‬‬
‫لهذه األسباب‬
‫قضت محكمة النقض برفض الطلب وبإبقاء الصائر على رافعه‪.‬‬

‫‪783‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وبه صدر القرار وتلي في الجلسة العلنية المنعقدة بالتاريخ المذكور أعاله بقاعة الجلسات‬
‫العادية بمحكمة النقض بالرباط‪ ،‬وكانت الهيئة الحاكمة متركبة عمن رئيسية الغرفة اإلدارية‬
‫(القسم الثاني) السيدة عائشة بن ال ارضي‪ ،‬والمستشارين السادة‪ :‬عبد السالم الوهابي مقر ار‬
‫وحسن مرشان وسعد غزيول برادة وسعاد المديني وبمحضر المحامي العام السيد حسن تايب‪،‬‬
‫وبمساعدة كاتب الضبط السيد منير العقاط‪.‬‬

‫‪784‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫المسؤولية ا إالدارية عن حوادث الطريق‪:‬‬


‫‪ .3‬ارار محامة النقض عدد ‪ 002‬المؤرخ في ‪ 7‬ماي ‪ 2431‬والصادر في الملف‬
‫اإلداري عدد ‪2433/2/0/3291‬‬
‫القاعدة‬
‫تنعدم مسؤولية اإلدارة عن واوع حادثة بالطريق إذا ما ثبت خطأ الضحية المتمث في‬
‫سيااته بسرعة مفرطة ال تتالءم وظروف الماان والزمان‪ .‬وعدم اتخاذه الحيطة والحذر في‬
‫مث هذه ظروف تتميز لتسااط األمطار والرياح‬
‫وبعد المداولة طبقا للقانون‬
‫في االختصاص النوعي‬
‫حيث يستفاد من أوراق الملف والقرار المطعون فيه الصادر عن محكمة االستئناف بالرباط‬
‫بتاريخ ‪ 1119/11/11‬تحت عدد ‪ 359‬في الملف عدد ‪ 1/11/511‬أنه بتاريخ‬
‫‪ 1111/1/10‬تقدم الطالبون أمام المحكمة االبتدائية بالدار البيضاء بمقال افتتاحي يعرضون‬
‫من خالله أن موروثهم الحسين العروشي تعرض بتاريخ ‪ 1110/33/11‬لحادثة سير عندما‬
‫كان يسير على متن سيارته بالطريق الوطنية رقم ‪ 3‬الرابطة بين طنجة والكويرة على بعد‬
‫حوالي ‪ 39‬كيلومتر من مدينة بالدار البيضاء وبعد نقله إلى مستشفى ابن رشد بالدار‬
‫البيضاء لتلقي العالج وافته المنية‪ ،‬وان سبب الحادث هو وجود شجرة ساقطة في طريق سيره‬
‫على الطريق العام وعندما حاول تفادي االصطدام فوجئ بشاحنة كانت قادمة من االتجاه‬
‫المعاكس التي اصطدمت به وأنه تأسيسا على مقتضيات المادة ‪ 99‬من قانون االلتزامات‬
‫والعقود فإنهم يلتمسون أساسا تحميل و ازرة األشغال العمومية كامل المسؤولية وأدائها مبلغ‬
‫‪ 11.111‬درهم مع إحالل شركة التأمين الملكية الوطنية من األداء وبعد استيفاء اإلجراءات‬
‫قضت المحكمة االبتدائية بتاريخ ‪ 1111/11/31‬بمقتضى حكمها عدد ‪ 1113‬بعدم‬
‫اختصاصها للبت في القضية مع إحالة الملف واألطراف على المحكمة اإلدارية بالدار‬
‫البيضاء وبدون صائر وبعد اإلحالة على المحكمة اإلدارية واستنفاد أوجه الدفاع قضت‬
‫برفض الطلب استأنف هذا الحكم من طرف ورثة الحسين العروشي أمام محكمة االستئناف‬
‫اإلدارية بالرباط التي أيدته وهو القرار المطعون فيه بالنقض‪.‬‬
‫‪785‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وسائ النقض‪:‬‬
‫حيث يعيب الطاعن القرار المطعون فيه بتحريف وقائع النزاع والتعليل الفاسد وقلب عبء‬
‫اإلثبات على الضحية ونقصان التعليل المنزل منزلة انعدامه ذلك بدعوى أن الحكم المستأنف‬
‫قد اعتمدت تعليالت خاطئة شكلت سندا أساسها لمنظوقه وخالف ما جاء في محضر‬
‫الضابطة ا لقضائية الذي ينص على ما يلي "جهاز ضبط الشرعة والزمان في الشاحنة موجود‬
‫قبل وقوع الحادثة كان سائق الشاحنة يسير بسرعة ال تتعدى ‪ 55‬كلم في الساعة‪ ،‬أما عنوان‬
‫ذراع تغير السرعة كان بالنقطة الرابعة عند الشاحنة كون الهالك يسير بسرعة مفرطة وقت‬
‫الحادثة بينما الحقيقة ا لثابتة في محضر الضابطة القضائية فان سائق الشاحنة هو الذي كان‬
‫يسير بسرعة ال تتناسب وظروف ألنه كان يسير بسرعة ‪ 55‬كلم في الساعة ‪ ...‬كما أن قلب‬
‫عبئ اإلثبات في نقطة مسؤولية الحادثة خالفا للقانون فالمسؤولية تتجلى في عدم اتخاذ‬
‫الحيطة من صاحب الشاحنة فانه كان يجب أن يطالب بأنه قد فعل ما كان ضروريا لتالقي‬
‫وقوع الحادثة ال العكس والقرار المطعون فيه لم يعطي أي تعليل على هذا الرفض الضمني‬
‫لطلب توزيع المسؤولية بين أطراف الدعوى وجاء ناقصا في تعليله ومعرضا للنقض‪.‬‬
‫لكن حيث يتجلى من القرار المطعون فيه أنه بنى قضاءه برفض دعوى الطالبين"‪ ...‬بأنه‬
‫بالرجوع إلى محضر الضابطة القضائية يتبين أن الحادثة وقعت على مسافة ‪ 39‬كيلومتر‬
‫جنوب غرب مدينة الدار البيضاء ‪ ...‬في وقت كانت فيه الرياح قوية والسماء ممطرة وقد‬
‫كان وقتها الهالك يسير بسرعة مفرطة ال تتالئم وظروف المكان والزمان‪ .‬وأنه عندما حاول‬
‫تفادي االصطدام بشجرة كانت ساقطة وسط الطريق اصطدم بشاحنة كانت قادمة من االتجاه‬
‫المعاكس ‪ ...‬وأنه لم يتخذ الحيطة والحذر في مثل هذه الظروف وأن احتمال سقوط الشجرة‬
‫في تلك اللحظة في غياب ما يفيد ـأنه مر على سقوطها وقت طويل مما جعل مسؤولية‬
‫األشغال العمومية منتفية في النازلة ‪ "...‬فتكون المحكمة قد أجابت عما أثير وما جاء في‬
‫الوسائل غير جدير باعتبار‪.‬‬
‫لأأهذه األسبأأاب‬
‫قضت محكمة النقض برفض الطلب وتحميل رافعه الصائر‪.‬‬
‫وبه صدر القرار وتلي في الجلسة العلنية المنعقدة بالتاريخ المذكور أعاله بقاعة الجلسات‬
‫العادية بمحكمة النق ض بالرباط‪ ،‬وكانت الهيئة الحاكمة متركبة من رئيس الغرفة اإلدارية‬

‫‪786‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫(القسم األول) السيد أحمد حنين‪ ،‬والمستشارين السادة‪ :‬أحمد دينية‪ ،‬سلوى الفاسي الفهري‬
‫مقررة‪ ،‬عبد الحميد سبيال‪ ،‬عبد المجيد بابا اعلي‪ ،‬وبمحضر المحامي العام السيد سابق‬
‫الشرقاوي‪ ،‬وبمساعدة كاتبة الضبط السيدة نفسية الحراق‪.‬‬

‫‪787‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الغرامة التهديدية‪:‬‬
‫‪ .3‬ارار محامة النقض عدد ‪ 3/72‬المؤرخ في ‪ 21‬يناير ‪ 2430‬والصادر في‬
‫الملف اإلداري عدد ‪2431/3/0/91‬‬
‫القاعدة‬
‫إن محضر االمتناع المدلى به كأساس للحام بالغرامة التهديدية يتضح منه أن اإلدارة لم‬
‫تعبر عن اعتراضها المبرد عن نفس الحام القضائي بإعفاء الطالب من مهامه دون أي‬
‫مسوغ معقول لتعطي مبدأ اوة الشيء المقضي به وإنما اصرت ذلك على الصعوبة التي‬
‫تعترضها في تنفيذ الحام اعتبا ار لوضعيته البديدة الناتبة عن تعيين مدير جديد خلفا‬
‫للطالب مع ما يترتب عن ذلك من حقوق ماتسبة للمدير البديد‪.‬‬
‫شروط الحام بالغرامة غير متوفرة لوجود مبرر مشروع يستحي معه تنفيذ الحام لها‪.‬‬

‫وبعد المداولة طبقا للقانون‬


‫حيث يؤخذ من أوراق الملف ومن بينها القرار المطلوب نقضه الصادر عن محكمة‬
‫االستئناف اإلدارية بالرباط بتاريخ ‪ 15‬يونيه ‪ 1131‬في الملف رقم ‪ 1111/31/95‬أن‬
‫طالب ا لنقض السيد العيد الرفاعي تقدم بمقال أمام رئيس المحكمة اإلدارية بالرباط بتاريخ‬
‫‪ 11‬يناير ‪ 1131‬عرض فيه أنه استصدر حكما من المحكمة اإلدارية بالرباط بتاريخ ‪11‬‬
‫نونبر ‪ 1110‬في الملف ‪ 11/133‬قضى بإلغاء المقرر اإلداري بإعفائه من منصب مدير‬
‫مدرسة أحمد القاسمي بالرباط وهو الحكم الذي أيد استئنافيا بالقرار الصادر عن الغرفة‬
‫اإلدارية بمحكمة النقض (المجلس األعلى) كدرجة استئنافية بتاريخ ‪ 11‬نونبر ‪ 1115‬تحت‬
‫رقم ‪ 133‬وأن الجهة المحكوم عليها امتنعت من تنفيذ الحكم على مقتضاه ملتمسا األمر‬
‫بتحديد غرامة يومية تهديدية في مبلغ ألف درهم وبعد المناقشة صدر األمر باالستجابة‬
‫للطلب استأنفه الوكيل القضائي للمملكة نيابة عن السادة رئيس الحكومة ووزير التربية‬
‫الوطنية واالقتصاد والمالية والتكوين بالرباط سال زمور زعير ومدير الموارد البشرية بو ازرة‬
‫االقتصاد والمالية وبعد المناقشة صدر القرار بإلغاء األمر المستأنف وتصديا برفض الطلب‬
‫وهذا هو القرار المطلوب نقضه‪.‬‬

‫‪788‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫فيما يخص وسيلة النقض األولى المتخذة من انعدام التعليل ذلك أن رئيس المحكمة لم يسبق‬
‫له أن أصدر أم ار بوجود صعوبة قانونية وواقعية في ملف التنفيذ‪ ،‬وأن المحكمة أنذرت‬
‫المطلوب في النقض بالدالء بمال الطعن بقي دون جواب وهو ما يقضي حتما إلى التصريح‬
‫بنقض القرار وأن االستئناف ال يقبل إال ممن كان طرفا في الدعوى وله مصلحة في إثارته‪.‬‬
‫لكن من جهة‪ ،‬حيث يتعين من األمر االبتدائي انه صدر في مواجهة و ازرة التربية الوطنية‬
‫وتكوين األطر والبحث العلمي بأن تؤدى للطرف الطاعن غرامة يومية تهديدية والثابت من‬
‫المقال االستئنافي أن الوكيل القضائي للمملكة نيابة عن وزير التربية الوطنية هو من قام‬
‫باستئناف األمر المذكور مما يكون معه ذا صفة ومصلحة في الطعن مادام المنطوق وهو‬
‫المعول عليه قضى عليه بأداء غرامة يومية ومن جهة أخرى فان هذا األخير تمسك أمام‬
‫قضاة الموضوع ال يعاد كل مسؤولية عنه في تنفيذ الحكم القضائي بإلغاء مقرر إداري صادر‬
‫عن و ازرة التربية الوطنية – يكون هذا المرفق يتعذر عليه تنفيذه مادامت إدارة المؤسسة‬
‫التعليمية – لضمان تسيير المرفق العام قد عهدت بإدارة المؤسسة إلى أحد االغيار وأن ذلك‬
‫يشكل بداهة عقبة في وجه تنفيذ الحكم بإرجاع الطالب إلى نفس المؤسسة التي كان يديرها‬
‫بغض النظر عن صدور أمر بالصعوبة من عدمه الن هذا األمر إنما هو كاشف ال منشى‬
‫للصعوبة فتكون الوسيلة غير مؤثرة‪.‬‬
‫في وسيلة النقض الثانية‬
‫حيث يعيب الطالب خرق الفصل ‪ 535‬من قانون المسطرة المدنية ذلك أن مقال االستئناف‬
‫الذي قدم من طرف الوكيل القضائي للمملكة عبر مقبول شكال لكونه بنى على تعويض من‬
‫الوزير األول مع أنه ال حق في التاريخ على دستور ‪ 1133‬الذي ألغى مؤسسة الوزير األول‬
‫وحل محله رئيس الحكومة‪.‬‬
‫لكن حيث يتضح من الرجوع إلى مقال استئناف المطلوب في النقض أن الوكيل القضائي‬
‫رفع استئنافه عن رئيس الحكومة ومن جهة ثانية فانه يصرف النظر عما أثير بخصوص‬
‫نيابة الوكيل القضائي للمملكة عن رئيس الحكومة فانه مادامت نيابة الوكيل القضائي عن‬
‫وزير التربية الوطنية ثابتة وغير مناقش فيها وهو الطرف المحكوم عليه ابتدائيا فان صدور‬
‫االستئناف عن رئيس الحكومة ومطابقته للقانون يعتبر علة زائدة يستقيم مقال االستئناف‬
‫بدونها وتكون الوسيلة على غير أساس‪.‬‬

‫‪789‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫في بااي وسائ النقض لالرتباط‪:‬‬


‫حيث يعيب الطالب القرار المطعون فيه بفساد التعليل ذلك أن األحكام الصادرة بإلغاء‬
‫المقررات اإلدارية كغيرها من األحكام تتطلب التنفيذ العيني واالمتناع من التنفيذ بشكل‬
‫مساسا بالنظام العام وال يمكن تصور امتناع اإلدارة عن تنفيذ حكم قضائي علما بأنها‬
‫تعاملت مع الطاعنين وأقدمت على تصرفات أضرت به‪ ،‬مع إحالته على المجلس التأديبي‬
‫واقتطاع أجوره والغرامة اإلجبارية في وسيلة إجبار على التنفيذ تؤول في حالة االمتناع إلى‬
‫تعويض‪.‬‬
‫لكن حيث أن الوسيلة ال تنصب على مجادلة ما انتهى إليه قضاة الموضوع في تعليل قرارهم‬
‫المطلوب نقضه الذي ورد فيه أن محضر االمتناع المدلى به كأساس للحكم بالغرامة‬
‫التهديدية يتضح منه أن اإلدارة لم تعبر عن اعتراضها المجرد عن نفس الحكم القضائي‬
‫بإعفاء الطالب من مهامه دون أي مسوغ معقول لتعطيل مبدأ قوة الشيء المقضى به وإنما‬
‫قصرت ذلك على الصعوبة التي تعترضها في تنفيذ الحكم اعتبا ار لوضعيته الجديدة الناتجة‬
‫عن تعيين مدير جديد خلفا للطالب مع ما يترتب عن ذلك من حقوق مكتسبة للمدير الجديد‬
‫مستخلصة من ذلك أن شروط الحكم بالغرامة غير متوفرة لوجود مبرر مشروع يستحيل معه‬
‫تنفيذ الحكم بها وهي تعليالت ال يناقشها طالب النقض مما يجعل باقي الوسائل غير مجدية‪.‬‬
‫لأأهذه األسبأأاب‬
‫اضت محامة النقض لرفض الطالب مع إبقاء الصادر على رافعه‪.‬‬
‫وبه صدر القرار وتلي في الجلسة العلنية المنعقدة بالتاريخ المذكور أعاله بقاعة الجلسات‬
‫العادية بمحكمة النقض بالرباط‪ ،‬وكانت الهيئة الحاكمة متركبة من رئيس الغرفة اإلدارية‬
‫(القسم األول) السيدة عائشة بن الراضي‪ ،‬والمستشارين السادة ‪ :‬أحمد دينية مقررا‪ ،‬عبد‬
‫الحميد سبيال‪ ،‬عبد المجيد بابا اعلى‪ ،‬عبد العتاق فكير‪ ،‬وبمحضر المحامي العام السيد‬
‫سابق الشرقاوي‪ ،‬وبمساعدة كاتبة الضبط السيدة حبيبة لبصير‪.‬‬

‫‪790‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫أ‬
‫المسؤولية عن الخطا القضائي‪:‬‬
‫‪ .3‬ارار محامة النقض عدد ‪ 1/179‬المؤرخ في ‪ 40‬أكتوبر ‪ 2438‬والصادر في‬
‫الملف اإلداري عدد ‪2431/1/0/2929‬‬
‫القاعدة‪:‬‬
‫‐ إارار مسؤولية الدولة المغربية عن الخطأ القضائي يقتضي البحث عن أركان‬
‫المسؤولية وهي ثبوت خطأ من جانب القاضي وضرر لحق بالطالب وعالاة سببية لين‬
‫هذا الخطأ والضرر‪.‬‬
‫‐ تدلير االعتقال االحتياطي هو سلطة خولها المشرع لقاضي التحقيق تبعا للمعطيات‬
‫الواردة في وثائق الملف‪.‬‬
‫‐ صدور حام لبراءة الطالب ال يمان اعتباره كشفا عن عدم مشروعية اإلجراءات التي‬
‫باشرها ااضي التحقيق وثبوت خطأ من جانبه‪.‬‬
‫وبعد المداولة وطبقا للقانون‬
‫حيث يستفاذ من أوراق الملف ومحتوى القرار المطعون فيه أنه بتاريخ ‪ 1130/10/10‬تقدم‬
‫السيد عبد القادر اليونسي بمقال أمام المحكمة اإلدارية بالرباط عرض فيه أن السيد وزير‬
‫العدل أعطى أم ار كتابيا إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة العدل الخاص بفتح تحقيق ضده‬
‫مع ايداعه السجن وبالنظر لعدم االستماع إليه وعدم ورود اسمه في محاضر الشرطة‬
‫القضائية تم اعتقاله بتاريخ ‪1111/19/15‬‬
‫وبعدما تبين لقاضي التحقيق إن وثائق الملف لم يرد بها اسمه قرر االنتقال لمحكمة‬
‫االستئناف بتطوان بتاريخ ‪ 31‬أكتوبر ‪ 1111‬ليتقمص دور مفتش بو ازرة العدل للبحث في‬
‫المخالفات المهنية المنسوبة إليه رافضا رفع حالة االعتقال ومدد فترتها مرتين ثم أحاله على‬
‫المحكمة في حالة إعتقال ليتم منحه السراح المؤقت بتاريخ ‪ 19‬يناير ‪ 1110‬بعدما قضى‬
‫خمسة أشهر وثالثة أيام رهن االعتقال وبتاريخ ‪ 13‬أبريل ‪ 1110‬صدر قرار ببرائته وتطبيقا‬
‫لمقتضيات الفصل ‪11‬و‪ 311‬من الدستور ولجسامة الضرر الحاصل له نتيجة االعتقال‬
‫االحتياطي فانه يلتمس الحكم على الدولة المغربية بأدائها له تعويضا قدره مليون درهم مع‬
‫النفاذ المعجل والصائر وبعد جواب الوكيل القضائي وتمام اإلجراءات أصدرت المحكمة‬

‫‪791‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫حكمها برفض الطلب ‪،‬استأنفه الطالب فأصدرت محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط قرارها‬
‫المطعون فيه قضى بتأييد الحكم المستأنف‪.‬‬
‫حيث يعيب الطالب على القرار المطعون فيه بخرق قاعدة مسطرية أضرت بمصالحه وعدم‬
‫االرتكاز على أساس قانوني وانعدام التعليل وفساد بدعوى أنه خالل جلسة البحث في‬
‫المرحلة االبتدائية تقدم بملتمس يرمي الستدعاء قاضي التحقيق لم تستجيب إليه المحكمة وأن‬
‫الطالب أسس طلبه على كون مدة االعتقال تشكل خطأ قضائيا موجبا للتعويض ذلك أن‬
‫قاضي التحقيق اعتمد في اعتقاله شبهة ارتكاب فعل جرمي مرتبط ببعض الملفات ذات‬
‫الصلة باالتجار في المخدرات والتي اتخذت فيها إجراءات معينة إال أن ما ذهبت إليه‬
‫المحكمة ينطوي على تضليل صارخ وتحريف للوقائع ذلك أن محضر الفرقة الوطنية لم‬
‫يتضمن اسم الطالب ولم يتم ذكره من طرف المتهمين االخرين في حين أن قاضي التحقيق‬
‫أمر باعتقاله علما أن مقتضيات المادة ‪ 351‬من قانون المسطرة الجنائية وضعت معايير‬
‫وضوابط يتعين ع لى قاضي التحقيق احترامها قبل إيداع المتهم بالسجن وهي أمور لم‬
‫تناقشها المحكمة اإلدارية خالل البت في الطلب وأضفت الشرعية على قرار قاضي التحقيق‬
‫مقتضيات الفصل ‪ 311‬من الدستور‬ ‫رغم مخالفته للقانون ‪،‬علما أنه اعتمد في طلبه‬
‫والفصل ‪ 13‬من قانون االلتزامات والعقود بالنظر لعدم احترام قاضي التحقيق الضوابط‬
‫المحددة في قانون المسطرة الجنائية باعتقاله الطالب واالنتقال بعد ذلك لمدينة تطوان قصد‬
‫البحث المحددة في قانون المسطرة الجنائية باعتقاله الطالب واالنتقال بعد ذلك لمدينة تطوان‬
‫قصد البحث عن مبررات االعتقال من خالل المخالفات المهنية ‪،‬وهو أمر يرجع االختصاص‬
‫بشأنه للمفتشية العامة لو ازرة العدل‪ ،‬والمحكمة مصدرة القرار المطعون فيه بعدم مراعاة ما‬
‫ذكر عرضت قرارها للنقض‪.‬‬
‫حيث إنه‪ ،‬كما ذهبت إلى ذلك محكمة االستئناف اإلدارية عن صواب‪ ،‬فإن إقرار مسؤولية‬
‫الدولة المغربية عن الخطأ القضائي يقتضي البحث عن أركان المسؤولية وهي ثبوت خطأ‬
‫من جانب قاضي التحقيق وضرر لحق بالطالب وعالقة سببية بين هذا الخطأ والضرر‪،‬‬
‫والمحكمة من خالل إسقاط هذه الوقائع على المقتضيات المنظمة ألعمال قاضي التحقيق‬
‫وفقا لمقتضيات الظهير الشريف رقم ‪ 3.11.351‬بتاريخ ‪ 1‬أكتوبر ‪ 3311‬المنظم لمحكمة‬
‫العدل الخاصة ثبت لها أن قاضي التحقيق بالمحكمة باشر عمله بناء على أمر كتابي من‬

‫‪792‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وزير العدل‪ ،‬وأن كافة اإلجراءات التي باشرها قاضي التحقيق في النازلة مستمدة من‬
‫مقتضيات الفصول ‪ 3‬و ‪ 33‬و ‪ 31‬من الظهير المذكور أعاله مشي ار عن صواب إلى أن‬
‫تدبير االعتقال االحتياطي هو سلطة خولها المشرع لقاضي التحقيق تبعا للمعطيات الواردة‬
‫في وثائق الملف لتنتهي بحق إلى أن صدور حكم ببراءة الطالب ال يمكن اعتباره كشفا عن‬
‫عدم مشروعية اإلجراءات التي باشرها قاضي التحقيق وثبوت خطأ من جانبه ‪ ،‬وهي‬
‫(المحكمة) باعتمادها المعطيات القانونية والواقعية أعاله تكون قد عللت قضاءها بما فيه‬
‫الكفاية والوسائل على غير أساس‪.‬‬
‫لأأهذه األسبأأاب‬
‫اضت محامة النقض لرفض الطالب مع إبقاء الصادر على رافعه‪.‬‬
‫وبه صدر القرار وتلي في الجلسة العلنية المنعقدة بالتاريخ المذكور أعاله بقاعة الجلسات‬
‫العادية بمحكمة النقض ب الرباط‪ ،‬وكانت الهيئة الحاكمة متركبة من رئيس الغرفة اإلدارية‬
‫(القسم الثالث) السيد المصطفى لوب‪ ،‬والمستشارين السادة‪ :‬عبد الغني يفوت مقررا‪ ،‬ومحمد‬
‫الناصري‪ ،‬وحميد ولد البالد‪ ،‬ومحمد المنور‪ ،‬وبمحضر المحامي العام السيد محمد الجعفري‪،‬‬
‫وبمساعدة كاتبة الضبط السيدة يامنة بنكميل‪.‬‬

‫‪793‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪ .2‬حام المحامة اإلدارية بالرباط عدد ‪ 714‬والمؤرخ في ‪ 22‬نونبر ‪2431‬‬


‫والصادر في الملف رام ‪30/9332/381‬‬
‫القاعدة‪:‬‬
‫إن عبارة يقب التعويض في سائر مراح مسطرة المراجعة الواردة في الفقرة ‪ 1‬من الفص‬
‫‪ 291‬من اانون المسطرة البنائية ال تفيد حتما أن اختصاص القضاء البنائي للبت في‬
‫طلب التعويض عن الضرر الناتج عن الخطأ القضائي المقدم من اب من صدر ارار‬
‫المراجعة لفائدته هو اختصاص مانع ال يزاحمه فيه القضاء اإلداري‪ ،‬ل يمان للمتضرر‬
‫طلب التعويض أمام المحامة اإلدارية استنادا إلى المادة ‪ 8‬من القانون ‪ 03/74‬والتي لم‬
‫نستثن األخطاء الناتبة عن الخطأ القضائي‪.‬‬
‫إنه لما كانت نازلة الحال وحسب ما يستشف من واائعها ومن الوثائق المدلى لها أن‬
‫الخطأ المنسوب لبهاز النيابة العامة كان نتيبة التطبيق الخاطئ للقانون المنظم لبنحة‬
‫عدم توفير مؤونة شيك‪ ،‬مما تنتفي معه المسؤولية الشخصية للقاضي ويرتب مسؤولية‬
‫جهاز النيابة العامة جراء التطبيق غير السليم للقانون‪.‬‬
‫الواائع‬
‫بناء على المقال االفتتاحي للدعوى المسجل بصندوق هذه المحكمة بتاريخ ‪ 11‬أكتوبر‬
‫‪ 1130‬يعرض فيه المدعي بواسطة نائبه أنه سبق له تقديم شكاية أمام النيابة العامة لدى‬
‫المحكمة االبتدائية بالناظور في مواجهة المسمى ‪ ......‬من أجل إصدار شيك بدون رصيد‬
‫وبعد تقديم الساحب أمامها بتاريخ ‪ 1131/1/15‬تقرر حفظ المسطرة لتقادم الجنحة رغم أنه‬
‫بقي على تقادمها ‪ 1‬أيام كاملة وبمقتضى القرار المؤرخ في ‪ 1131/19/13‬أقرت النيابة‬
‫العامة بوجود خطأ في احتساب مدة التقادم مما قررت معه إخراج الشكاية من الحفظ‬
‫وإحالتها من جديد على الضابطة القضائية‪ ،‬وبما أن هذا اإلجراء ليس من شأنه قطع التقادم‬
‫وأنه عند صدوره فإن الجنحة تقادمت فعال وهو ما أضر بمصالح المدعي وأمام هذا الخطأ‬
‫القضائي المرتكب من طرف النيابة العامة فهو يلتمس الحكم لفائدته بتعويض قدره ‪:‬‬
‫‪ 31.111.11‬درهم مع النفاذ المعجل وتحميل المدعى عليهم الصائر‪.‬‬

‫‪794‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وبناء على المذكرة الجوابية التي تقدم بها الوكيل القضائي للمملكة باألصالة والنيابة عن‬
‫المدعى عليهم بتاريخ ‪ 1130/11/33‬الرامية أساسا إلى التصريح بعدم االختصاص النوعي‬
‫للبت في الطلب واحتياطيا إرجاء مناقشة الموضوع إلى حين الحسم في الدفع المثار‪.‬‬
‫وبناء على المذكرة التعقبية التي تقدم بها المدعى بتاريخ ‪ 1135/13/11‬بواسطة نائبه‬
‫الرامية إلى رد الدفع المثار والحكم وفق مقاله‪.‬‬
‫وبناء على الحكم العارض القاضي بانعقاد االختصاص النوعي للمحكمة للبت في هذا‬
‫الطلب‪.‬‬
‫وبناء على االستئناف المقدم من طرف الوكيل القضائي للمملكة ضد الحكم العارض‪.‬‬
‫وبناء على قرار هذه المحكمة القاضي بإيقاف البت في النازلة إلى حين البت في الطعن‬
‫المقدم ضد الحكم العارض‪.‬‬
‫وبناء على قرار محكمة النقض بتأييد الحكم القاضي بانعقاد االختصاص النوعي لهذه‬
‫المحكمة‪.‬‬
‫وبناء على إشعار األطراف لإلدالء بمستنتجاتهم على ضوء قرار محكمة النقض واستنكافهم‬
‫عن ذلك‪.‬‬
‫وبناء على اإلعالم بإدراج القضية بالجلسة العلنية المنعقدة بتاريخ ‪ 1131/33/11‬وبها‬
‫تخلفت األطراف‪ ،‬ثم قررت المحكمة اعتبار القضية جاهزة وبعد أن أعطيت الكلمة للسيد‬
‫المفوض الملكي الذي اقترح االستجابة للطلب‪ ،‬تم حجز القضية للمداولة آلخر الجلسة‪.‬‬

‫في الدفع بعدم االختصاص النوعي‪:‬‬


‫حيث سبق لهذه المحكمة وأن بتت في الدفع المثار من طرف الوكيل القضائي للمملكة‬
‫بموجب حكم مستقل قضت فيه بانعقاد اختصاصها النوعي للبت في الطلب وهو الحكم الذي‬
‫تم تأييده من طرف محكمة النقض‪.‬‬
‫في الشا ‪:‬‬
‫حيث قدم الطلب مستوفيا للشروط المتطلبة قانونا فهو لذلك مقبول‪.‬‬
‫في الموضوع ‪:‬‬

‫‪795‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫حيث إن مؤدى الطلب هو الحكم على المدعى عليهم بأدائهم لفائدة المدعى تعويضا عن‬
‫الضرر الالحق به وقدره ‪ 31.111‬درهم مع إقران الحكم بالنفاذ المعجل‪.‬‬
‫وحيث استنكف نائب المدعي والوكيل القضائي عن اإلدالء بمستنتجاتهما على ضوء الحكم‬
‫العارض رغم إشعارهما بذلك‪.‬‬
‫وحيث إن المحكمة وبعد دراستها لمعطيات النزاع تبين لها أن الطلب يروم الحكم لفائدة‬
‫المدعي بتعويض عن الخطأ القضائي المرتكب من طرف النيابة العامة لدى المحكمة‬
‫االبتدائية بالناظور باعتبارها أحد أجهزة المنظومة القضائية‪.‬‬
‫وحيث إن تحديد مفهوم الخطأ القضائي يقتضي تكييف طبيعة الخطأ المرتكب ونوعية‬
‫المرفق موضوع المساءلة والجهة المسؤولة عنه وما إذا كان يشكل خطأ شخصيا يسأل عنه‬
‫القاضي مدنيا في إطار حاالت المخاصمة أم خطأ مرفقيا تسأل عنه الدولة في إطار قواعد‬
‫المسؤولية اإلدارية‪.‬‬
‫وحيث إن الخطأ المدعى به صدر بمناسبة تقديم المدعي لشكاية أمام النيابة العامة لدى‬
‫المحكمة االبتدائية بالناظور بشأن عدم توفير مؤونة سجل تحت عدد ‪ 1133/511‬في‬
‫مواجهة الساحب ‪ .....‬الذي سلمه شيكا بقيمة ‪ 11.111‬درهم مسحوب على مؤسسة القرض‬
‫الفالحي تبين يوم تقديمه للوفاء بتاريخ ‪ 1119/11/19‬أنه ال يتوفر على مؤونة وبعد ضبط‬
‫الساحب وتقديمه أمام النيابة العامة بتاريخ ‪ 1131/11/15‬تقرر حفظ المسطرة للتقادم‬
‫وتسريح الساحب رغم عدم تحقق واقعة التقادم والتي بقي لها ثالثة أيام كاملة (‪ 0‬سنوات‬
‫ابتداء من تاريخ تقديم الشيك للوفاء) وبتاريخ ‪ 1131/9/3‬أقرت النيابة العامة بوجود خطأ‬
‫في احتساب المدة وقررت إخراج الشكاية من الحفظ قصد إحالتها من جديد على الضابطة‬
‫القضائية إال أن ذلك لم يكن كفيال بقطع التقادم مما تقرر معه بتاريخ ‪ 1130/10/11‬حفظ‬
‫الشكاية من جديد للتقادم‪.‬‬
‫وحيث إنه تبعا لسلطة المحكمة في تكييف طبيعة الخطأ والتزاما بمقتضيات الدستور التي‬
‫أوجبت التطبيق السليم والعادل للقانون وبصرف النظر عن اإلطار القانوني الذي أطر فيه‬
‫المدعى دعواه فقد تبين للمحكمة أنه ال يوجد ما يثبت كون الخطأ المنسوب للنيابة العامة‬
‫صدر عن غش أو تدليس أو غدر أو محاباة من القاضيألخذاألطراف وبالتالي ال يندرج‬
‫ضمن حاالت المخاصمة المقررة بموجب الفصل ‪ 133‬من قانون المسطرة المدنية التي‬

‫‪796‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫توجب عند تحققها تحميل القاضي المخل بموجبات منصبه المسؤولية المدنية عن الخطأ‬
‫المرتكب من طرفه طبقا الفصل ‪ 93‬من قانون االلتزامات والعقود على اعتبار أن دعوى‬
‫المخاصمة هي دعوى مسؤولية مدنية ترمي إلى جبر الضرر عن طريق التعويض‪.‬‬
‫حيث إن المادة ‪ 511‬من قانون المسطرة الجنائية نصت على ما يلي ‪:‬‬
‫"استنادا إلى المقرر الجديد‪ :‬المترتبة عنه براءة المحكوم عليه وبناء على طلبه الحكم له‬
‫بتعويض عن الضرر الذي لحقه بسبب اإلدانة‪.‬‬
‫إذا كان ضحية الخطأ القضائي قد توفي انتقل الحق في رفع الطلب للتعويض إلى زوجه‬
‫وأصوله وفروعه وال يمكن أن يؤول هذا الحق ألقارب آخرين أبعد صلة إال إذا أدلوا بما يبرر‬
‫أن ضر ار ماديا لحقهم من العقوبة المحكوم بها‪.‬‬
‫يقبل طلب التعويض في سائر مراحل مسطرة المراجعة‪.‬‬
‫تتحمل الدولة ما يحكم به من تعويضات على أنه يحق لها الرجوع على الطرف المدني أو‬
‫الواشي أو شاهد الزور الذين تسببوا بخطئهم في صدور العقوبة وتؤدى التعويضات كما‬
‫تؤدى مصاريف القضائي الجنائي"‪.‬‬
‫ويشكل هذا النوع من األخطاء الصورة المثلى والواضحة للخطأ القضائي المطلوب التعويض‬
‫عنه أيا كان مرتكب الخطأ والمرحلة التي تم خاللها ارتكابه إذ أن العملية القضائية مركبة‬
‫بدءا من مرحلة البحث التمهيدي أو التحقيق اإلعدادي إلى غاية إصدار الحكم ويمكن القول‬
‫أن أساس هذه المسؤولية هو نص القانون من خالل قانون المسطرة الجنائية‪.‬‬
‫وحيث إن عبارة يقبل التعويض في سائر مراحل مسطرة المراجعة الواردة في الفقرة ‪ 1‬من‬
‫الفصل ‪ 511‬من ق‪.‬م‪.‬ج ال تفيد حتما أن اختصاص القضاء الجنائي للبت في طلب‬
‫التعويض عن الضرر الناتج عن الخطأ القضائي المقدم من قبل من صدر قرار المراجعة‬
‫لفائدته هو اختصاص مانع ال يزاحمه فيه القضاء اإلداري بل يمكن للمتضرر طلب‬
‫التعويض أمام المحكمة اإلدارية استنادا إلى المادة ‪ 9‬من القانون ‪ 03/31‬والتي لم نستثن‬
‫األخطاء الناتجة عن الخطأ القضائي‪.‬‬
‫وحيث أسس المدعي دعواه على القرار الخاطئ للنيابة العامة لما قررت حفظ المسطرة للتقادم‬
‫مما يشكل خطأ قضائيا في تطبيق القانون يستحق معه تعويضا على الضرر الالحق به‬
‫جراء ذلك‪.‬‬

‫‪797‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وحيث أقر دستور المملكة في الفصل ‪ 311‬منه حق التعويض عن الخطأ إذ نص على أنه‬
‫"يحق لكل من تضرر من خطأ قضائي الحصول على تعويض تتحمله الدولة"‪.‬‬
‫وحيث إنه وإن كان تقرير الحق لمن تضرر من خطأ قضائي يعتبر وسيلة فعالة لحماية‬
‫حقوق األفراد من خالل تمكين المتضرر من الحصول على تعويض جابر للضرر المادي‬
‫والمعنوي الذي أصابه جراء ذلك تتحمله الدولة فان ذلكمقرون في إطار دعوى المسؤولية عن‬
‫نشاط مرفق القضاء بإثبات توفر شروط قيام هذه المسؤولية في غياب تشريع خاص ينظم‬
‫هذا التعويض‪.‬‬
‫وحيث ينبغي التمييز بين األخطاء التي تترتب عن تطبيق مقتضيات القانون أو عن تأويله‬
‫أو تفسيره أو حاالت الطعن بالمراجعة إذ تبقى مسؤولية تعويض المتضرر أو ذوي حقوقه‬
‫كاملة على الدولة وفقا للمادة ‪ 311‬من الدستور وبين األخطاء القضائية عن تقصير أو‬
‫إهمال أو تهاون من طرف األجهزة القضائية في أدائها لمهامها‪.‬‬
‫وحيث إنه لما كانت نازلة الحال وحسب ما يستشف من وقائعها ومن الوثائق المدلى بها أن‬
‫الخطأ المنسوب لجهاز النيابة العامة كان نتيجة التطبيق الخاطئ للقانون المنظم لجنحة عدم‬
‫توفير مؤونة شيك مما تنتفي معه المسؤولية الشخصية للقاضي ويرتب مسؤولية جهاز النيابة‬
‫العامة جراء التطبيق الغير السليم للقانون وبالتالي نكون أمام حالة من حاالت الخطأ‬
‫القضائي المجرد‪.‬‬
‫وحيث إن المحكمة وهي بصدد تحديد التعويض الجابر للضرر وبما لها من سلطة تقديرية‬
‫وبالنظر إلى قيمة الشيك قررت الحكم لفائدة المدعي بمبلغ ‪ 91.111‬درهم تؤديها الدولة‬
‫المغربية في شخص رئيس الحكومة مع تحميل خاسر الدعوى صائرها ورفض الطلب فيما‬
‫عدا ذلك‪.‬‬
‫المنطوق‬
‫وتطبيقا لمقتضيات الفصول ‪ 9-1-5-0-1‬من القانون ‪ 31/03‬المحدث للمحاكم اإلدارية‬
‫والفصل ‪ 311‬من الدستور‪.‬‬
‫لأأهذه األسبأأاب‬
‫حكمت المحكمة اإلدارية علنيا ابتدائيا وحضوريا‪.‬‬
‫في الشكل ‪ :‬بقبول الطلب‪.‬‬

‫‪798‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫في الموضوع ‪ :‬بأداء الدولة المغربية في شخص رئيس الحكومة تعويضا لفائدة المدعى وقدره‬
‫‪ 91.111‬درهم (هكذا ثمانون ألف درهم )‪ ،‬مع تحميل خاسر الدعوى صائرها ورفض الطلب‬
‫فيما عدا ذلك‪.‬‬

‫‪ .1‬حام المحامة اإلدارية بالرباط رام ‪ 218‬المؤرخ في ‪ 32‬فبراير ‪ 2437‬والصادر‬


‫في الملف رام ‪.2438/9332/3902‬‬
‫القاعدة‪:‬‬
‫إن الخطأ القضائي الموجب لتحقق مسؤولية الدولة يتطلب أن ياون خطأ جسيما ألحق‬
‫بشخص المضرور ضر ار لليغا بشا يتعذر معه تدارك هذا الخطأ أو جبر الضرر الناجم عنه‬
‫الستنفاذ كافة المساطر القضائية واإلدارية الاتضاء الحق موضوعه‪ ،‬اعتبا ار لطبيعة نشاط‬
‫مرفق القضاء وخصوصيته‪.‬‬
‫إن عدم إشعار الضحية بالحق في تقديم المطالب المدنية ال يشا مانعا من حق التقاضي‬
‫بسلوك مساطر أخرى تحقق ذات النتيبة‪ ،‬فهو ال يعتبر تفويتا للفرصة‪ ،‬ما دامت إماانية‬
‫ااتضاء الحق متاحة اضائيا بالطريق المدني استقالال عن الدعوى العمومية‪ ،‬وال يعتبر بالتالي‬
‫إخالال جسيما بالحق يمان أن يرتب الحق في التعويض‪.‬‬
‫الواائع‪:‬‬
‫بناء على المقال االفتتاحي المسجل والمؤدى عنه الرسم القضائي بصندوق هذه المحكمة بتاريخ‬
‫‪ 31‬نونبر ‪ 1139‬عرضت فيه المدعية بواسطة نائبتها أنه سبق لها أن تقدمت بشكايات تتعلق‬
‫بإصدار شيك بدون مؤونة في مواجهة شركة‪ ....‬في شخص مسيرها أمام السيد وكيل الملك‬
‫بالمحكمة االبتدائية بسال‪ ،‬وتمت متابعة الساحب أحد ممثليها في حالة اعتقال من أجل جنحة‬
‫عدم توفير مؤونة شيك عند تقديمه لألداء‪ ،‬طبقا لمقتضيات الفصل ‪ 131‬من مدونة التجارة‪،‬‬
‫وبعد صدور حكم ببراءته تم استئنافه من طرف النيابة العامة وصدر قرار استئنافي بتاريخ‬
‫‪ 2017/11/13‬تحت عدد ‪ 111‬بإلغاء الحكم المستأنف وبإدانة المتهم من أجل ما نسب إليه‬
‫والحكم عليه بستة أشهر حبسا موقوفة التنفيذ وغرامة نافذة قدرها ‪ 11.339050‬درهم وتحميله‬
‫الصائر مجب ار في األدنى‪ ،‬وبالرغم من صدور قرار نهائي في حق المتهم فإن مصالحها تضررت‬
‫ناتجة عن الخطأ المرتكب من قبل‬ ‫ضر ار بليغا‪ ،‬وأن المسؤولية اإلدارية عن هذا الضرر‬

‫‪799‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫الضابطة القضائية وكذا النيابة العامة لدى المحكمة االبتدائية بسال المتمثل في خرقها للمادة‬
‫‪ 91-0‬من قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬بعدم إشعارها بصفتها المشتكية والمتضررة من الجريمة‪ ،‬في‬
‫االنتصاب كمطالبة بالحق المدني‪ ،‬مما يشكل خرقا ساف ار لحق من حقوق الدفاع المخولة دستوريا‬
‫وخاصة الفصلين ‪ 331‬و‪ 339‬منه‪ ،‬وأن عدم إشعارها للحضور للمسطرة لم يمكنها من حقها في‬
‫التقاضي وضيع عليها المطالبة بمطالبها المدنية واستخالص قيمة الشيكات موضوع الشكاية‪،‬‬
‫وفوت عليها بذلك الطعن باالستئناف في الحكم االبتدائي كما لم يسمح لها من الناحية القانونية‬
‫برفع دعوى جنحية أخرى في مواجهة المشتكى بها‪ ،‬وستحرم بالتالي من سلوك المسطرة الجنحية‬
‫باعتبارها األنجع إلجبار المشتكى به في جرائم الشيك على تسوية وضعيتهم وهو الشيء غير‬
‫المتوفر في المسطرة المدنية‪ ،‬كما أنها ستتكبد أداء رسوم قضائية مكلفة في المجال المدني‪،‬‬
‫ألجله تلتمس الحكم على و ازرة العدل في شخص وزيرها بأدائها لفائدة المدعية ‪51.111011‬‬
‫درهم تعويضا عن الضرر المادي والمعنوي‪ ،‬مع الفوائد القانونية من تاريخ النطق بالحكم مع‬
‫النفاذ المعجل وتحميل المدعى عليها الصائر وأرفق المقال بوثائق‪.‬‬
‫وبناء على المذكرة الجوابية المدلى بها من الوكيل القضائي للمملكة بتاريخ ‪ 19‬يناير ‪1133‬‬
‫الرامية إلى الحكم بعدم قبول الطلب لعدم توجيه الدعوى ضد من يجب قانونا لكون و ازرة العدل لم‬
‫تعد مختصة بتدبير هذا النوع من النزاعات بعد صدور القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس‬
‫األعلى للسلطة القضائية الذي يتمتع بالشخصية المعنوية واالستقالل اإلداري والمالي ولرئيسه‬
‫المنتدب حق تمثيله أمام القضاء‪ ،‬كما لم يتم توجيه الدعوى ضد رئاسة النيابة العامة‪ ،‬بعد نقل‬
‫اختصاصات و ازرة العدل إليها مادام الخطأ منسوبا للنيابة العامة‪ ،‬وفي الموضوع برفضه النتفاء‬
‫ركن الخطأ‪ ،‬ألن اإلشعار ال يعد من الشكليات الجوهرية التي ال يمكن بدونها تقديم المطالب‬
‫المدنية أمام القضاء الزجري ولم يرتب عنها المشرع أي جزاء‪ ،‬وسبق للقضاء اإلداري في نازلة‬
‫مماثلة أن قضى برفض الطلب‪ ،‬فضال عن انتفاء ركن الضرر‪.‬‬
‫وبناء على تعقيب نائبة المدعية بتاريخ ‪ 11‬يناير ‪ 1133‬مع مقال إصالحي مؤدى عنه الرسم‬
‫ا لقضائي يرمي إلى رد الدفوع المثارة وبإصالح المقال بإدخال كل من المجلس األعلى للسلطة‬
‫القضائية في شخص رئيسه المنتدب بالرباط ورئاسة النيابة العامة في شخص الوكيل العام للملك‬
‫لدى محكمة النقض بالرباط ووكيل الملك لدى المحكمة االبتدائية بسال ورئيس المحكمة االبتدائية‬
‫بسال والحكم وفق الطلب‪.‬‬

‫‪800‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وبناء على إدراج القضية بعدة جلسات آخرها بتاريخ ‪ 15‬فبراير ‪ 1133‬اعتبرت خاللها المحكمة‬
‫القضية جاهزة‪ ،‬وأعطيت الكلمة إلى السيد المفوض الملكي الذي أكد تقريره‪ ،‬فتقرر حجز القضية‬
‫للمداولة قصد النطق بالحكم اآلتي بعده‪.‬‬
‫وبعد المداولة طبقا للقانون‬
‫في الشا ‪:‬‬
‫حيث قدم الطلب من ذات صفة ومصلحة ومستوفيا لباقي شروطه الشكلية المتطلبة قانونا‪ ،‬مما‬
‫يتعين معه قبوله من هذه الناحية‪.‬‬
‫في الموضوع‪:‬‬
‫حيث يهدف الطلب إلى الحكم بمسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي المنسوب لمرفق النيابة‬
‫العامة وبأداء تعويض لفائدة المدعية قدره ‪ 51.111011‬درهم مع الفوائد القانونية من تاريخ‬
‫النطق بالحكم مع النفاذ المعجل وتحميل المدعى عليا الصائر‪.‬‬
‫وحيث أسست الدعوى على قيام مسؤولية الجهة المدعى عليها‪ ،‬استنادا لخرق المادة ‪91-0‬‬
‫من قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬بعدم إشعارها من طرف الضابطة القضائية والنيابة العامة بصفتها‬
‫المشتكية والمتضررة من الجريمة‪ ،‬بالحق في تنصيب نفسها كمطالب بالحق المدني‪ ،‬مما يشكل‬
‫خرقا ساف ار لحق من حقوق الدفاع المخولة دستوريا وخاصة الفصلين ‪ 331‬و ‪ 339‬منه‪ ،‬وأن‬
‫عدم إشعارها للحضور للمسطرة لم يمكنها من حقها في التقاضي وضيع عليها مزايا هذه المسطرة‬
‫والمطالبة بمطالبها المدنية واستخالص قيمة الشيكات موضوع الشكاية دون االضطرار ألداء‬
‫الرسوم القضائية في إطار دعوى مدنية مستقلة‪.‬‬
‫وحيث دفعت الجهة المدعى عليها بانتفاء ركن الخطأ ألن اإلشعار ال يعد من الشكليات الجوهرية‬
‫التي ال يمكن بدونها تقديم المطالب المدنية أمام القضاء الزجري‪ ،‬ولم يرتب عليها المشرع أي‬
‫جزاء‪ ،‬وسبق للقضاء اإلداري في نازلة مماثلة أن قضى برفض الطلب‪ ،‬فضال عن انتفاء ركن‬
‫الضرر‪.‬‬
‫وحيث إنه بعد دراسة المحكمة لكافة معطيات القضية تبين لها أن جوهر النزاع يتعلق بمدى قيام‬
‫أركان المسؤولية اإلدارية للدولة عن الخطأ القضائي في حالة عدم إشعار النيابة العامة أو‬
‫الضابطة القضائية للمشتكي بالحق في تقديم مطالبه المدنية في إطار الدعوى المدنية التابعة‪.‬‬

‫‪801‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫وحيث أقر الدستور المغربي المسؤولية عن الخطأ القضائي بموجب الفصل ‪ 311‬الذي نص‬
‫على أن لكل شخص تضرر من خطأ قضائي حق الحصول على تعويض تتحمله الدولة‪.‬‬
‫وحيث تتوزع صور الخطأ القضائي بين الخطأ المرتكب من طرف المرفق اإلداري القضائي أي‬
‫المرتبط بعمل جهاز كتابة الضبط‪ ،‬أو الخطأ الصادر عن قضاة الحكم بمناسبة البت في‬
‫الخصومات‪ ،‬أو الخطأ المرتكب من جهاز النيابة العامة بمناسبة اإلشراف على الدعوى العمومية‬
‫وتسييرها‪.‬‬
‫وحيث إنه في نازلة الحال فإن دعوى المسؤولية عن الخطأ القضائي مؤسسة على الخطأ‬
‫المنسوب لجهاز النيابة العامة في إطار إشرافها على سير الدعوى العمومية‪ ،‬بعلة عدم إشعار‬
‫المدعية بصفتها المشتكية بشأن إصدار شيك بدون مؤونة‪ ،‬بالحق في تقديم المطالب المدنية في‬
‫إطار الدعوى المدنية التابعة‪.‬‬
‫وحيث نصت المادة ‪ 091‬من قانون المسطرة الجنائية على ما يلي‪:‬‬
‫"يتعين إشعار الضحية المتضرر من جريمة بحقه في االنتصاب كمطالب بالحق المدني أمام‬
‫قاضي التحقيق وأمام هيئة المحكمة كما يتعين إشعاره بالحقوق التي يخولها له القانون‪.‬‬
‫يشار إلى هذا اإلشعار بالمحضر المنجز من طرف الشرطة القضائية أو من النيابة العامة في‬
‫الحالة التي يمثل فيها الضحية أمامها‪".‬‬
‫وحيث يتعين تبعا لمدلول هذه المادة التمييز بين إشعار الضحية بالحق في االنتصاب كمطالب‬
‫بالحق المدني وبين اإلشعار بالحقوق التي يخولها القانون في إطار الحق في المعلومة أو ما‬
‫يعرق بالحق في الولوج للقانون‪ ،‬كما يتعين التمييز بخصوص صيغة الوجوب بين الجهات‬
‫القضائية المختلفة المعنية بالمسطرة القضائية الجارية وآثارها القانونية؛‬
‫وحيث إن إقرار المشرع لوجوب إشعار الضحايا بحقوقهم يرتبط بالحماية القانونية المقررة لهم‪،‬‬
‫والتي من غاياتها توفير الحق في المعلومة لتعريفهم بهذه الحقوق وكيفية الدفاع عنها ومنها تتبع‬
‫مختلف اإلجراءات المسطرية ‪ ،‬والحماية من كل ما من شأنه المساس بشخصهم أو صورتهم في‬
‫المجتمع‪ ،‬والمشاركة في الدعوى العمومية وتدعيم مكانتهم فيها‪ ،‬عالوة على ضمان حقهم في‬
‫التعويض‪ ،‬بالشكل الذي ييسر تتبعهم ألطوارها في جميع مراحلها وحقهم في التعويض أثناءها‪،‬‬
‫وهي المكانة التي يتولى المشرع الجنائي في كل دولة تحديد كيفية ضمانها وآجال ممارستها‪،‬‬
‫ومدى اجباريتها وآثارها من خالل محددات السياسة الجنائية التي تنعكس بوضوح في نصوص‬

‫‪802‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬ووجوب التقيد بهذا االلتزام‪ ،‬لئن كان واجبا قانونيا ومهنيا يقع على‬
‫الجهات القضائية الموكول لها اإلشراف على الدعوى العمومية‪ ،‬فإن إهماله في حال تعلقه‬
‫باإلشعار بتقديم المطالب المدنية‪ ،‬يستوجب لتقدير آثاره القانونية تحديد طبيعة هذا االلتزام تجاه‬
‫الضحية بحسب وضعها القانوني والجهة القضائية المعنية به‪ ،‬ونوع الجزاء الذي أقره المشرع في‬
‫حال تركه‪.‬‬
‫وحيث إنه تقيدا بما أسست عليه المدعية دعواها أي الخطأ المنسوب للنيابة العامة في اإلشراف‬
‫على الضابطة القضائية وعدم تضمين المحضر المستدل به اإلشعار المنصوص عليه في المادة‬
‫السالفة الذكر‪ ،‬فمن جهة بالرجوع إلى هذا المحضر تبين أنه عبارة عن محضر استماع للساحب‬
‫بخصوص جريمة إصدار شيك بدون رصيد على إثر شكاية الشركة المدعية ضد ممثلي شركة‬
‫تجارية بصدد معامالت تجارية بينهما‪ ،‬وأنه بعد إيقاف أحد المشتكى بهما على مستوى الصعيد‬
‫الوطني من أجل الجريمة المذكورة‪ ،‬تمت إحالته على النيابة العامة في حالة اعتقال لمتابعته‬
‫بالمنسوب إليه‪ ،‬فصدر قرار قضائي بإدانته‪.‬‬
‫وحيث إنه اعتبا ار لكون الضحية شخص معنوي خاص لم يكن ممثله القانوني حاض ار أثناء إنجاز‬
‫محضر الضابطة القضائية المستدل ب ه‪ ،‬وال دليل على مثوله أمام النيابة العامة‪ ،‬مما يجعل‬
‫فرضية إشعار الضحية حضوريا أثناء إنجاز المحضر المذكور غير متحققة‪ ،‬كما أنه نظ ار لكون‬
‫المشرع لم يقرن اإلخالل بهذا اإلجراء بأي جزاء قانوني‪ ،‬فإن ركن الخطأ المنسوب لمرفق النيابة‬
‫العامة على أساس خرق مقتضيات المادة ‪ 91-0‬من قانون المسطرة الجنائية المحتج بها تأسيسا‬
‫على المحضر المذكور‪ ،‬يكون غير قائم النعدام سنده القانوني‪.‬‬
‫وحيث إنه من جهة ثانية فإن الخطأ القضائي الموجب لتحقق مسؤولية الدولة يتطلب أن يكون‬
‫خطأ جسيما ألحق بشخص المتضرر ضر ار بليغا بشكل يتعذر معه تدارك هذا الخطأ أو جبر‬
‫الضرر الناجم عنه الستنفاذ كافة المساطر القضائية واإلدارية القتضاء الحق موضوعه‪ ،‬اعتبا ار‬
‫لطبيعة نشاط مرفق القضاء وخصوصيته‪.‬‬
‫وحيث إن عدم إشعار الضحية أثناء المسطرة القضائية بالحق في تقديم المطالب المدنية في ظل‬
‫ما ذكر‪ ،‬ال يشكل مانعا من حق التقاضي بسلوك مساطر أخرى تحقق ذات النتيجة‪ ،‬فهو ال‬
‫يعتبر تفويتا للفرصة‪ ،‬ما دامت إمكانية اقتضاء الحق متاحة قضائيا بالطريق المدني استقالال عن‬
‫الدعوى العمومية‪ ،‬وال يعتبر بالتالي إخالال جسيما بالحق في الدفاع يمكن أن يرتب الحق في‬

‫‪803‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫التعويض‪ ،‬إذ يبقى بإمكان الجهة المعنية إقامة دعوى مدنية مستقلة للمطالبة به‪ ،‬ويكون الحكم‬
‫الصادر في الدعوى العمومية داعما لمركزها القانوني بحيث تستفيد منه لتأسيس طلب التعويض‬
‫وتظل بالتالي المزية التي توفرها الدعوى العمومية قائمة في هذا الشق‪ ،‬كما أن الدعوى المدنية‬
‫تكفل الحق في جبر الضرر المدعى به واستحقاق التعويض العادل من الجهة المتسببة فيه‬
‫ابتداء‪ ،‬فال تكون من موجب لمساءلة الدولة في مثل هذه الحاالت‪ ،‬إال عند تعذر تدارك تداعيات‬
‫الخطأ المرتكب وفق المساطر القضائية المعمول بها قانونا‪.‬‬
‫وحيث إنه بخصوص ركن الضرر الناجم عن تفويت فرصة تقديم المطالب المدنية في إطار‬
‫الدعوى العمومية‪ ،‬فإنه لئن كانت مزايا الدعوى المدنية التابعة تمكن الضحية من اإلعفاء من‬
‫أداء الرسوم القضائية عن المطالب النهائية بأداء رسم محدد‪ ،‬فإنه يبقى بإمكان المعنية باألمر‬
‫تقديم طلب اإلعفاء من أدائها عند تحقق شروطه‪ ،‬كما أن أداءها يتحمله خاسر الدعوى ويتم‬
‫تصفيتها في إطار المصاريف القضائية‪ ،‬والحق في التعويض الكامل الشامل لسائر األضرار‬
‫يبقى قائما‪ ،‬مما ال يتحقق معه موجبات تطبيق التعويض عن تفويت فرصة‪ .‬فيبقى ركن الضرر‬
‫غير قائم أيضا بالمفهوم المبرر للمسؤولية عن الخطأ القضائي‪.‬‬
‫وحيث إنه بانتفاء أركان المسؤولية اإلدارية عن الخطأ القضائي‪ ،‬واعتبا ار لسبق صدور قرار عن‬
‫محكمة االستئناف بالرباط قضى بانعدام المسؤولية عن الخطأ القضائي في حالة عدم التقيد‬
‫بشكلية اإلشعار‪ ،‬يكون الطلب غير مرتكز على أساس قانوني ويتعين الحكم برفضه‪.‬‬
‫المنطوق‬
‫وتطبيقا لمقتضيات الدستور‪ ،‬والقانون رقم ‪ 31.03‬المحدثة بموجبه محاكم إدارية وقانون المسطرة‬
‫الجنائية؛‬
‫لهذه األسباب‬
‫حكمت المحكمة اإلدارية علنيا ابتدائيا حضوريا‪:‬‬
‫في الشكل بقبول الطلب‪ ،‬وفي الموضوع برفضه وتحميل رافعه الصائر‪.‬‬
‫بهذا صدر الحكم في اليوم والشهر والسنة أعاله‪.‬‬

‫‪804‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪805‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫ونظ ار لتخصيص هذا العدد من مجلة الوكالة القضائية للمملكة لموضوع المنازعات‬
‫المتعلقة "بمسؤولية أشخاص القانون العام وأصحاب المهن القانونية والقضائية عن تدبير‬
‫المرافق العمومية"‪ ،‬ولكي تعم الفائدة وتسهيال على الدارسين والممارسين لمعرفة النصوص‬
‫القانونية المنظمة لهذا المجال‪ ،‬سيتم تقديم جرد لبعض النصوص القانونية المتعلقة بقضايا‬
‫المسؤولية مع مراجعها ومراجع نشرها بالجريدة الرسمية‪.‬‬
‫فهرس بالنصوص القانونية المرتبطة بقضايا المسؤولية في المغرب‬
‫القوانين‪:‬‬
‫‪ ‬الفصــل ‪ 311‬و‪ 301‬مــن الدســتور المغربــي (ظهيــر ش ـريف رقــم ‪ 3.33.33‬صــادر فــي‬
‫‪ 11‬من شـعبان ‪ 13( 3011‬يوليـوز ‪ 1133‬بتنفيـذ نـص الدسـتور)‪( ،‬الجريـدة اسـمية عـدد‬
‫‪ 5310‬مكرر بتاريخ ‪ 11‬يوليو ‪)1133‬؛‬
‫‪ ‬الظهي ــر الشـ ـريف رق ــم ‪ 3.11.15‬ص ــادر بت ــاريخ ‪ 11‬ابري ــل ‪ 1111‬بتنفي ــذ الق ــانون رق ــم‬
‫‪ 13.33‬المتعلــق بتحديــد مســؤولية اآلم ـرين بالصــرف والم ـراقبين والمحاســبين العمــوميين‪،‬‬
‫(الجريدة الرسمية عدد ‪ 0333‬بتاريخ ‪ 13‬اريل ‪)1111‬؛‬
‫‪ ‬الظهيـ ـ ـ ــر الش ـ ـ ـ ـريف رقـ ـ ـ ــم ‪ 3.11.310‬صـ ـ ـ ــادر فـ ـ ـ ــي فـ ـ ـ ــاتح ربيـ ـ ـ ــع ال آخـ ـ ـ ــر‪31(3011‬‬
‫يونيـ ــو‪ )1111‬بتنفيـ ــذ القـ ــانون رقـ ــم ‪ 11.33‬المتعلـ ــق بمدونـ ــة المحـ ــاكم الماليـ ــة‪( ،‬الجريـ ــدة‬
‫الرسمية عدد ‪ 5111‬بتاريخ ‪ 35‬اغسطس ‪)1111‬؛‬
‫‪ ‬الظهي ــر الشـ ـريف رق ــم ‪ 3.59.119‬بت ــاريخ ‪ 0‬ش ــعبان ‪ 10(3111‬فب اري ــر ‪ )3359‬بش ــأن‬
‫النظام األساسي العام للوظيفة العموميـة‪( ،‬الجريـدة الرسـمية رقـم ‪ 1111‬بتـاريخ ‪ 33‬ابريـل‬
‫‪.)3359‬‬
‫‪ ‬الفصول ‪ 13‬و‪ 91‬و‪ 93‬و‪ 95‬مكرر من قانون االلتزامات والعقود؛‬
‫‪ ‬الفصـ ــول ‪ 10‬و‪ 11‬و‪ 31‬و‪ 311‬م ـ ـن قـ ــانون التحفـ ــيظ العقـ ــاري كمـ ــا تـ ــم تغيي ـ ـره وتتميمـ ــه‬
‫بمقتضــى الش ـريف رقــم ‪ 3.33.311‬صــادر فــي ‪ 15‬مــن ذي الحجــة ‪ 11( 3011‬نــونبر‬

‫‪806‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪ )1133‬بتنفي ــذ الق ــانون رق ــم ‪( 30.11‬الجري ــدة الرس ــمية ع ــدد ‪ 5339‬وت ــاريخ ‪ 10‬ن ــونبر‬
‫‪.)1133‬‬
‫‪ ‬ظهي ــر شـ ـريف رق ــم ‪ 3.33.313‬صـ ــادر ف ــي ‪ 15‬م ــن ذي الحج ــة ‪ 11( 3011‬نـ ــوفمبر‬
‫‪ )1133‬بتنفيــذ القــانون رقــم ‪ 11.13‬المتعلــق بتنظــيم مهنــة التوثيــق (منشــور فــي الجريــدة‬
‫الرسمية عدد ‪ 5339‬بتاريخ ‪ 10‬نونبر ‪)1133‬؛‬
‫‪ ‬ظهيــر شـريف رقــم ‪ 3.11.11‬صــادر فــي ‪ 35‬مــن محــرم ‪ 30( 3011‬فب اريــر ‪)1111‬‬
‫بتنفي ــذ الق ــانون رق ــم ‪ 93.11‬بتنظ ــيم مهن ــة المفوض ــين القض ــائيين (منش ــور ف ــي الجري ــدة‬
‫الرسمية عدد ‪ 5011‬بتاريخ فاتح صفر ‪ 1( 3011‬مارس ‪ ،)1111‬ص ‪.553‬‬
‫‪ ‬ظهي ـ ــر شـ ـ ـريف رق ـ ــم ‪ 3.19.313‬ص ـ ــادر بت ـ ــاريخ ‪ 11‬م ـ ــن شـ ـ ـوال ‪ 11( 3013‬أكت ـ ــوبر‬
‫‪ )1119‬بتنفي ــذ الق ــانون رق ــم ‪ 19.19‬المتعل ــق بتع ــديل الق ــانون الم ــنظم لمهن ــة المحام ــاة؛‬
‫(الجريدة الرسمية عدد ‪ 5191‬وتاريخ ‪ 1‬نونبر ‪.)1119‬‬
‫‪ ‬ظهير شريف رقم ‪ 3.31.313‬صادر في فـاتح ربيعـا ل آخـر‪ 31( 3011‬يونيـو ‪)1111‬‬
‫بتنفيذ القانون رقم ‪ 11.33‬المتعلق بمدونة المحاكم المالية‪( ،‬لجريدة الرسمية عـدد ‪5111‬‬
‫وتاريخ ‪ 35‬أغسطس ‪.)1111‬‬
‫‪ ‬ظهيـ ــر ش ـ ـريف رقـ ــم ‪ 3.13.311‬صـ ــادر فـ ــي ‪ 13‬مـ ــن ربيـ ــع األول ‪ 11( 3011‬يونيـ ــو‬
‫‪ )1113‬بتنفيــذ القــانون رقــم ‪ 51.11‬المتعلــق بالتراجمــة المقبــولين لــدى المحــاكم (الجريــدة‬
‫الرسمية عدد ‪ 0339‬بتاريخ ‪ 11‬ربيع اآلخر ‪ 33( 3011‬يوليو ‪.)1113‬‬
‫‪ ‬ظهي ــر شـ ـريف رق ــم ‪ 3.11.51‬ص ــادر ف ــي ‪ 35‬م ــن مح ــرم ‪ 30( 3011‬فب اري ــر ‪)1111‬‬
‫بتنفيــذ القــانون رقــم ‪ 31.11‬المتعلــق بخطــة العدالــة (الجريــدة الرســمية عــدد ‪ 5011‬بتــاريخ‬
‫فاتح صفر ‪ 1( 3011‬مارس ‪.)1111‬‬
‫‪ ‬ظهيـ ــر ش ـ ـريف رقـ ــم ‪ 3.13.311‬صـ ــادر فـ ــي ‪ 13‬مـ ــن ربيـ ــع األول ‪ 11( 3011‬يونيـ ــو‬
‫‪ )1113‬بتنفيـذ القــانون رقــم ‪45.00‬المتعلــق بــالخبراء القضـائيين (الجريــدة الرســمية عــدد‬
‫‪ 0339‬بتاريخ ‪ 11‬ربيع اآلخر ‪ 33( 3011‬يوليو ‪.)1113‬‬
‫‪807‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪ ‬ظهير شريف رقم ‪ 3.11.15‬صادر في ‪ 33‬من محرم ‪ 1( 3011‬أبريل ‪ )1111‬بتنفيذ‬


‫القانون رقم ‪ 13.33‬المتعلق بتحديد مسؤولية اآلمرين بالصرف والمراقبين والمحاسبين‬
‫العموميين (الجريدة الرسمية عدد ‪ 0333‬بتاريخ ‪ 13‬ابريل ‪.)1111‬‬

‫‪808‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫شروط النشر في مجلة "الوكالة القضائية للمملكة"‬


‫‪ -‬مجلة "الوكالة القضائية للمملكة" مجلة محكمة سنوية؛‬
‫‪ -‬تختص بنشر األبحاث في العلوم القانونية والمنازعات القضائية وخاصة المرتبطة‬
‫بأشخاص القانون العام؛‬
‫‪ -‬تقرر المجلة صالحية البحث للنشر فيها استناداً إلى رأي محكمين متخصصين؛‬
‫‪ -‬تخضع كافة األبحاث التي تنشر للتحكيم؛‬
‫‪ -‬تحتفظ المجلة بكافة حقوق النشر؛‬
‫‪ -‬ال تلتزم المجلة برد أصول البحوث أو المواد التي ترد عليها‪ ،‬سواء نشرت‪ ،‬أو لم‬
‫تنشر؛‬
‫‪ -‬ما يطرح في المجلة من آراء يعد تعبي اًر عن وجهة نظر المؤلف‪ ،‬وال تعتبر المجلة‬
‫مسؤولة عنها؛‬
‫‪ -‬يشترط في األبحاث التي تنشر بالمجلة‪ ،‬أن ال يكون قد سبق نشرها؛‬
‫‪ -‬يلتزم صاحب المادة أو البحث المعروض للنشر بعدم إرسال بحثه إلى أية جهة أخرى‬
‫بغرض النشر‪ ،‬حتى يصله رد المجلة بصالحية بحثه للنشر‪ ،‬أو ال‪ ،‬ويسري هذا‬
‫الشرط لمدة ثالثة أشهر‪ ،‬تبدأ من تاريخ استالم هيئة تحرير المجلة للمادة العلمية؛‬
‫‪ -‬يجوز للمجلة أن تنشر موج اًز للرسائل العلمية التي تناقش بالجامعات المغربية أو‬
‫األجنبية‪ ،‬أو المؤلفات العلمية التي تصدرها هذه الجامعات أو مراكز البحث األخرى؛‬
‫‪ -‬يجوز أن يتقدم عدة باحثين ببحث مشترك واحد؛‬
‫‪ -‬تنشر األبحاث في المجلة باللغات العربية أو اإلنجليزية أو الفرنسية؛‬
‫‪ -‬يتعين أال يتجاوز حجم البحث ‪ 15‬صفحة‪ ،‬الفرق بين األسطر ‪ ،3.1‬ويرفق بالبحث‬
‫ملخص باللغة اإلنجليزية أو الفرنسية في حدود صفحة واحدة إن كان مكتوبا باللغة‬
‫العربية‪ ،‬إن كان مكتوباً باإلنجليزية أو الفرنسية فيرفق بملخص باللغة العربية؛‬
‫‪ -‬إذا كان البحث باللغة العربية يستخدم الخط "‪ "Simplified Arabic‬حجم ‪ 31‬بالنسبة‬
‫لمتن البحث وفيما يخص الهوامش فتكون بالخط "‪ "Simplified Arabic‬الحجم ‪31‬؛‬

‫‪809‬‬
‫العدد الرابع‬ ‫مجلة الوكالة القضائية للمملكة‬

‫‪ -‬إذا كان البحث باللغة الفرنسية أو االنجليزية يستخدم الخط "‪Times New‬‬
‫‪ "Roman‬حجم ‪ 30‬بالنسبة لمتن البحث وفيما يخص الهوامش فتكون بالخط‬
‫"‪ "Roman Times New‬الحجم ‪31‬؛‬
‫‪ -‬يعتمد الباحث نظام "شيكاغو" في التهميش ويشار إلى المراجع في أسفل كل صفحة‪.‬‬

‫‪810‬‬

You might also like