You are on page 1of 262

See discussions, stats, and author profiles for this publication at: https://www.researchgate.

net/publication/331843154

‫م‬238-81 ‫ﻣﻌﺴﻜﺮ اﻟﻔﻴﻠﻖ اﻷوﻏﺴﻄﻲ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻓﻲ ﻟﻤﺒﺎز‬

Thesis · March 2019


DOI: 10.13140/RG.2.2.16875.80164

CITATIONS READS

0 1,283

1 author:

Oussama Bagar ‫ﺑﻘﺎر أﺳﺎﻣﺔ‬


Université de Biskra
13 PUBLICATIONS 0 CITATIONS

SEE PROFILE

Some of the authors of this publication are also working on these related projects:

Roman army in Africa Proconsularis and Numidia ‫ اﻟﺠﻴﺶ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻲ ﻓﻲ إﻓﺮﻳﻘﻴﺎ اﻟﺒﺮوﻗﻨﺼﻠﻴﺔ وﻧﻮﻣﻴﺪﻳﺎ‬View project

punic language in ancient Maghreb View project

All content following this page was uploaded by Oussama Bagar ‫ ﺑﻘﺎر أﺳﺎﻣﺔ‬on 18 March 2019.

The user has requested enhancement of the downloaded file.


‫جامعة اجلزائر ‪2‬‬

‫أبو القاسم سعد هللا‬


‫كلية العلوم اإلنسانية واالجتاعية‪.‬‬
‫قسم‪ :‬التاريخ‪.‬‬

‫معسكر الفرقة األوغسطية الثالثة ي ملباز‬


‫(‪238 – 81‬م)‬

‫مذكرة مقدمة لنيل شهادة املاجست ر ي التاريخ القدم‪.‬‬

‫قائمة أعضاء جلنة املناقشة‪:‬‬


‫‪-‬أ‪.‬د ‪ .....................................‬رمحاين بلقاسـم‪ .........................‬رئيس ـا‬
‫‪-‬أ‪.‬د‪ ...................................... .‬إبراهيم العيد بشي‪ ....................‬مقـررا‬
‫‪ -‬د ‪ ......................................‬مهنتـل محي ـدة‪ ........................‬عضـوا‬
‫‪ -‬د ‪ ......................................‬آيت عمارة ويـزة ‪ ....................‬عضـوا‬
‫إشراف األستاذ الدكتور‪ :‬إبراهيم العيد بشي‪.‬‬
‫من إعداد الطالب‪ :‬بقار أسامة‪.‬‬
‫السنة اجلامعية ‪.4102/4102‬‬
‫اإلهداء‬

‫إىل كل من أهدى لنا احلرية والكرامة‪ ....‬وطلب املوت ليهب لنا احلياة‪...‬‬
‫أهديه حيب وعملي واحرتامي وإجاللي‪.‬‬
‫إىل كل من أضاء لنا درب احلياة باألخالق وحب العمل واحرتام اآلخرين والرتبية‬
‫واألسوة احلسنة‪.‬‬
‫إىل كل من علمنا التواضع والصرب واملثابرة‪.‬‬
‫إىل "الوالدين الكرميني" اللذان لوالهما ملا مت إجناز هذا العمل‪ ،‬فشكرا هلما على‬
‫صربهما ووقوفهما معي طيلة هذه الفرتة‪ ،‬إىل أصدقائي وزمالئي األعزاء سواء يف الدفعة‬
‫وأخص بالذكر أخي "نور الدين" و "ليندة" و"ياسينة" أو يف جامعة اجلزائر وجامعة‬
‫هواري بومدين للعلوم والتكنولوجيا‪.‬‬
‫إىل كل من علمين حرفا أو أهداني نصيحة‪ ،‬إىل كل أفراد العائلة واألقارب‬
‫أهــــــدي عــــــــــــمـــــــلي هــــــــــذا‪.‬‬
‫شكر وتقدير‪:‬‬

‫الشكر واحلمد هلل الذي أعانين على إجناز هذا العمل املتواضع‪ ،‬نسأله أن يعلمنا ما‬
‫ينفعنا وينفعنا مبا علمنا‪ ،‬وإىل كل الذين قدموا لي يد املساعدة والعون من قريب أو‬
‫بعيد إلمتام وإعداد هذه الرسالة‪.‬‬
‫يذهب شكري كذلك إىل أعضاء اللجـــــنــــــة املــــوقــــــرة اليت ستتفضّل مبناقشيت‬
‫وإفادتي بنقدها ومالحظاتها‪ ،‬واليت ستساهم طبعا يف إثراء وتصويب هذه الدراسة‬
‫املتواضعة‪.‬‬
‫تقديري اخلاص أوجّــــــــــــهـــــه لألستاذ املــــشــــرف الدكـــــتــــور"إبراهـــيم العـــيد‬
‫بشي" الذي مل يبخل عل ّي مبتابـــــــــــــــعـــــــــــة عملي مبالحــــظـــاته‬
‫الوجيــــــــــــهـــــــة وتوجـــيهاتــــه السديدة واليت على ضــــــــــــوئــــــــــهــا‬
‫أجنــــــــــــــــزت هــــــــــــذه املـــــــــــــــــــــــذكـــــــــــــــــرة‪.‬‬
-‫قائــــمــة املـــختـــصـــــرات‬-
A.E.S.C : Annales. Économie, Sociétés, Civilisations.
A.E.S.C : Annales. Économie, Sociétés, Civilisations.
A.I.B.L : Académie des inscriptions et belles-lettres.
A.R : Africa Romana.
Ant.Af : Antiquités Africaines.
D.A : Dossiers d’Archéologie.
D.H.A : Dialogues d'histoire ancienne.
E.P.H.E ; école pratique des hautes études
H.A.A.N : Histoire ancienne de l’Afrique du Nord.
M.A.H : Mélanges d’archéologie et d’histoire.
M.E.F.R.A : Mélanges de l'école française de Rome, Antiquité.
R.S.A.C : Recueil des notices et mémoires de la Société Archéologique
du Département de Constantine.
S.A, A et T H : Syria. Archéologie, Art et Histoire.
S.H.P : Sciences Historiques et philosophiques
V.L : Vita Latina.
‫مقدمــــــــــــــــة‬
‫مقدمــــــــــــــــة‬

‫إن الدارس لفرتة التواجد الروماين يف املغرب القدمي يالحظ حرص الرومان واهتمامهم بتكوين وإنشاء وتطوير‬
‫اجلوانب العسكرية واحلربية‪ ،‬وابألخص تكوين وإنشاء فيالق وكتائب عسكرية اضطلعت مبها وأدوار دفاعية‬
‫وتوسعية‪ ،‬واليت مت توزيعها على خمتلف املقاطعات الرومانية أين أقامت وأنشأت جمموعة من التحصينات العسكرية‬
‫على رأسها املعسكرات )‪ (Castra‬والقالع )‪ (Castella‬واحلصون )‪ (Burgi‬واألبراج )‪ (Turres‬وهذا‬
‫هبدف تثبيت التواجد الروماين واستغالل األرض وتوسيع االستيطان والرومنة‪ ،‬ومن أبرز الفيالق الرومانية يف املغرب‬
‫القدمي جند الفيلق األوغسطي الثالث‪ ،‬الذي يعد الفيلق الوحيد املرابط يف املغرب القدمي بصفة دائمة‪ ،‬أشارت‬
‫وحتدثت عنه املصادر والنقوش أبمساء خمتلفة أبرزها "اجليش اإلفريقي" و"جيش مقاطعة أفريكا" وغريها‪ ،‬هذا الفيلق‬
‫مت إنشائه يف أغلب الظن سنة ‪ 34‬ق‪ .‬من قبل اإلمرباطور "أغسطس" زمن احلرب األهلية‪ ،‬والذي بعد مشاركته‬
‫يف عديد املعارك انتقل إىل جزيرة صقلية مث إىل إفريقيا ليقيم يف مدينة "دوقَّة"‪ ،‬ليربز بوضوح مع ثورة "اتكفاريناس"‪،‬‬
‫وأثناء تواجده أقا عدة معسكرات له يف مشال إفريقيا ابتدءا من "لبدة" مث "حيدرة" وصوال إىل معسكره األهم‬
‫واألشهر يف "ملباز" اليت أصب املقر الدائم للفرقة منذ حوايل‪ 121-111‬إىل غاية القرن الرابع أين أقامت هبا ثالثة‬
‫معسكرات واحد منها يعد أشهر املعسكرات يف إفريقيا واتريخ اإلمرباطورية الرومانية‪ ،‬وأقامت هلا عديد املعسكرات‬
‫واحلصون والقالع واألبراج يف مشال إفريقيا نشرت فيها فرقها وكتائبها مع عمليات قمع التمردات والثورات املعادية‬
‫للمصاحل الرومانية‪ ،‬لذلك حظي هذا الفيلق بعناية واهتما األابطرة ودعموه حىت أضحى أحد عوامل جناح روما يف‬
‫منظومتها الدفاعية قي املغرب القدمي ونوميداي على وجه اخلصوص‪.‬‬
‫تكمن أمهية هذه الدراسة التارخيية العسكرية يف التعرف على أحد أهم الفيالق الرومانية يف مشال إفريقيا‬
‫وأدواره يف املنظومة الدفاعية أو الليمس‪ ،‬أي جمموعة التحصينات املقامة للحراسة والدفاع عن أراضي وجمال‬
‫السيطرة الرومانية‪ ،‬ففهم نشاط هذه الفرقة واجليش الروماين انطالقا من معسكرها الكبري ومقرها يف "ملباز"‬
‫سيساعدان يف فهم وتفسري عوامل اهلدوء النسيب الذي عم إفريقيا خصوصا بعد القضاء على ثورة "اتكفاريناس" من‬
‫قبل الفرقة‪ ،‬وتتبع مراحل التوسع الروماين يف العمق اإلفريقي وابألخص النوميدي وصوال إىل الصحراء‪ ،‬هذا التوسع‬
‫والتوغل أتبع إبقامة منشآت دفاعية واستحكامات عسكرية سيكون هلا ابلغ األثر يف حتقيق التطور والرخاء‬
‫االقتصادي واالجتماعي‪ ،‬فساد السلم واألمن ربوع البالد‪.‬‬
‫إن تفسري أسباب التعمري والتواجد الروماين الطويل إبفريقيا الذي جتاوز مخسة قرون لن يكون إال عرب فهم‬
‫اسرتاتيجيات وتكتيكات روما العسكرية والدفاعية وتشري خصائص ومميزات اجليش الروماين القوي واملنظم بل‬
‫واحملرتف‪ ،‬والذي ال يزال يثري اهتما الدارسني والباحثني ابلتاريخ الروماين‪ ،‬كل هذا جيعل من دراسة الفيلق‬
‫ومعسكراته ذو أمهية ليس فقط عسكرية بل متعددة اجلوانب والتفرعات‪.‬‬

‫أ‬
‫مقدمــــــــــــــــة‬

‫‪-4‬أسباب اختيار املوضوع‪:‬‬


‫إن وقوع اختياران على موضوع "الفرقة األوغسطية الثالثة" ومقرها يف املدينة العسكرية "ملباز" جاءت بعد‬
‫مالحظات متعلقة مبحاولة فهم اآلليات العسكرية الرومانية للسيطرة والتوسع يف إفريقيا عموما و"نوميداي" على‬
‫وجه اخلصوص‪ ،‬وعليه يعود وقوعنا واختياران هلذا املوضوع لعوامل عديدة أمهها‪:‬‬
‫‪ -‬لكوهنا الفرقة النظامية الوحيدة املعسكرة يف إفريقيا بصفة دائمة‪ ،‬فالرومان اعتمدوا يف دفاعاهتم بصفة‬
‫خاصة على جمموعة من الفرق والكتائب املساعدة اجملندة حمليا‪-‬إفريقيا‪-‬أو من املقاطعات األخر‪ ،،‬فلم تكن هناك‬
‫قوات نظامية ودائمة ابستثناء هذا الفيلق‪ ،‬أي أن سبب االختيار هو حماولة تسليط الضوء على إحد‪ ،‬أهم الفيالق‬
‫الرومانية ليس يف إفريقيا فحسب بل يف اتريخ اإلمرباطورية‪ ،‬خصوصا أن الدراسات احمللية حوهلا قليل إن مل نقل‬
‫منعد ‪.‬‬
‫‪ -‬حماولة إبراز مكانة وأمهية وأدوار هذا الفيلق يف عمليات التوسع يف الربوقنصلية ونوميداي وصوال إىل صحراء‬
‫نوميداي وإقليم طرابلس الشرقية والغربية‪ ،‬متحدية هبذا اتساع املنطقة وتضاريسها الصعبة وقسوة طبيعتها وقبائلها‬
‫املنتشرة واملقاومة هلا‪ ،‬فوصلت بتوسعاهتا حىت بالد األثيوبيني وغزت الصحراء وحتكمت يف جمال واسع من األراضي‬
‫اإلفريقية وصل إىل بعد ‪1111‬كلم عن مقرها يف ملباز‪.‬‬
‫‪ -‬حماولة تتبع دور الفرقة يف القضاء على عديد الثورات اإلفريقية يف خمتلف املقاطعات منذ اتريخ تواجدها يف‬
‫إفريقيا سنة ‪41‬ق‪ .‬إىل غاية سنة ‪ 242‬اتريخ حل الفرقة‪ ،‬وانعكاسات عملياهتا على القبائل احمللية وعلى جمال‬
‫تواجدها وانتشارها‪.‬‬
‫‪ -‬حماولة كشف دور الفرقة يف توسع عملية الرومنة يف إفريقيا عرب احتالهلا ومصادرهتا ألراضي األفارقة‬
‫ومنحها للمستوطنني الرومان من جهة‪ ،‬مع توفري األمن واحلماية للمستوطنني ونشر الثقافة الرومانية يف صفوف‬
‫األهايل من خالل عمليات التجنيد احمللي من جهة أخر‪.،‬‬
‫‪ -‬إبراز دور الفرقة يف تطوير االقتصاد الروماين من خالل استغالل األرض من قبل اجلنود املتقاعدين التابعني‬
‫هلا أو اجلنود املسرحني الذين أقاموا مزارع ومستوطنات ومستثمرات ابلقرب من معسكرات الفرقة‪ ،‬وكيف سامهوا‬
‫يف تنويع اإلنتاج الزراعي من قم وزيتون وغريها‪ ،‬دون أن ننسى دور الفرقة يف عمليات جباية الضرائب ومراقبة‬
‫وأتمني سري القوافل التجارية وهي أدوار ال تقل أمهية عن األدوار العسكرية‪.‬‬
‫‪ -‬حماولة إبراز دور "الفرقة األوغسطية الثالثة" يف املنظومة الدفاعية الرومانية يف مشال إفريقيا‪ ،‬فالفرقة جسدت‬
‫عدة أنظمة دفاعية وكان هلا دور ابرز يف محاية التخو وتكوين الليمس عرب اجناز شبكة من الطرق واملعسكرات‬
‫والقالع واحلصون وأبراج املراقبة املقامة على امتداد واسع‪.‬‬

‫ب‬
‫مقدمــــــــــــــــة‬

‫قلنا أن اتريخ الفرقة األوغسطية الثالثة يف إفريقيا بدأ منذ سنة ‪41‬ق‪ .‬أين أقامت يف "لبدة" مث انتقلت‬
‫إىل "حيدرة" مث "تبسة" لتستقر بصفة هنائية يف "ملباز"‪ ،‬فإىل جانب اختياران هلذه الفرقة فإننا ركزان على فرتة‬
‫تواجدها يف هذه املدينة العسكرية واختياران هلا هي ابلذات يعود إىل مجلة من العوامل هي‪:‬‬
‫‪ -‬رغم أن "ملباز" هي مدينة رومانية قدمية وذات أمهية كبرية‪ ،‬إال أهنا مل حتظى ابلدراسة والبحث من قبل‬
‫مؤرخينا على غرار مدن أخر‪" ،‬كتيمقاد" أو "مجيلة" )‪ (Cuicul‬أو "شرشال" أو "قرطاج"‪ ،‬وهو ما حفزين وأاثر‬
‫الرغبة لدي للبحث يف اتريخ املدينة مع حماولة تقدمي صورة عن اترخيها وملختلف مرافقها‪.‬‬
‫‪ -‬ملباز هذه املدينة كان منشأها عسكري لكن فيما بعد أقيمت فيها مرافق متنوعة من بينها "الكابتول"‬
‫والبناايت واملعابد الدينية املتنوعة واألحياء واألكواخ احمليطة ابملعسكر الكبري وهو ما يؤكد لنا وجود خصائص‬
‫حضرية للمدينة من خالل انتشار جتمعات بشرية حوهلا‪ ،‬وابلتايل فهي حماولة لتقدمي املدينة من منظور جتمع‬
‫حضري وليس عسكري فقط‪.‬‬
‫‪ -‬حماولة فهم وإبراز دور هذه املدينة يف جناح سياسة الرومنة يف نوميداي اجلنوبية ابعتبارها مدينة جذبت‬
‫السكان وقسمتهم إىل مدنيني وعسكريني‪ ،‬أي إبراز كيفية مسامهتها يف نشر الثقافة الرومانية يف هذا القطر‪.‬‬
‫‪ -‬هتدف دراستنا إىل تقدمي صورة جديدة عن "ملباز" كمدينة وكمعسكر للفرقة األوغسطية الثالثة‪ ،‬خصوصا‬
‫يف ظل التخريب والزحف العمراين على حساب املدينة األثرية حاليا‪ ،‬فهي حماولة لتأريخ وحفظ الذاكرة اجلماعية‬
‫للمدينة واملعسكر والعاصمة العسكرية إلفريقيا الرومانية‪.‬‬
‫‪-3‬إشكالية وفرضيات الدراسة‪:‬‬
‫تبلورت اإلشكالية العامة ملوضوع البحث حول تتبع دور "الفرقة األوغسطية الثالثة" يف عمليات التوسع‬
‫والدفاع عرب إنشاء مجلة التحصينات واالستحكامات املصاحبة بقمع الثورات احمللية يف مشال إفريقيا انطالقا من‬
‫مقر معسكرها الدائم يف "ملباز"؟‪.‬‬
‫ولإلجابة وتوضي هذه اإلشكالية أكثر ميكن أن نطرح جمموعة من التساؤالت سنحاول اإلجابة عليها‪:‬‬
‫‪ -‬ما هو السياق التارخيي إلنشاء الفرقة األوغسطية من قبل اإلمرباطور "أغسطس" ومالبسات انتقاهلا إىل‬
‫إفريقيا؟‪.‬‬
‫‪ -‬ما هي األدوار العسكرية واحلربية للفرقة من عهد األسرة "اليوليوكالودية" إىل غاية عهد األسرة "الفالفية"؟‪.‬‬
‫‪ -‬ما دور الفرقة األوغسطية يف إمخاد عديد الثورات اإلفريقية منذ عهد "أغسطس" مرورا بثورة "اتكفاريناس"‬
‫ومترد "كالوديوس ماسر" ومشكلة إقليم طرابلس وموريطانيا وغريها؟‪.‬‬
‫‪ -‬كيف كان التنظيم العسكري للفرقة وآليات التجنيد يف صفوفها؟‪.‬‬

‫ج‬
‫مقدمــــــــــــــــة‬

‫‪ -‬مالبسات ودواعي انتقال الفرقة إىل ملباز؟‪.‬‬


‫‪ -‬ما أدوارها ومهامها يف إطار املنظومة الدفاعية الرومانية يف العهد "األنتوين" و"السيفريي"؟‪.‬‬
‫‪ -‬ما أتثريات تواجدها يف "ملباز" على منطقة األوراس وجنوب نوميداي واملناطق اجملاورة؟‬
‫‪ -‬ملاذا مت حل الفرقة سنة ‪ 242‬وانعكاسات هذا القرار؟‪ .‬والعديد من التساؤالت اليت حتتاج إىل إجاابت‪.‬‬
‫‪-2‬اإلطار الزماني واملكاني للدراسة‪:‬‬
‫إن اإلطار املكاين للدراسة هو جد شاسع ألنه يتتبع معسكرات الفرقة وأنظمتها الدفاعية انطالقا من مكان‬
‫تواجدها األول يف "لبدة" )‪ (Lépide‬الواقعة على بعد ‪121‬كلم شرق مدينة طرابلس‪ ،‬لتنتقل فيما بعد إىل‬
‫"حيدرة" )‪ (Ammaedara‬الواقعة غرب الظهري التونسي‪ ،‬الذي هو عبارة عن منطقة تقع يف الوسط الغريب‬
‫لتونس احلالية واليت مسيت هبذا االسم الحتوائها على سلسلة جبال الظهرية أو جبال الظاهر وهي امتداد لسلسلة‬
‫جبال األطلس املمتدة من املغرب األقصى إىل البالد التونسية‪ ،‬أين أقامت الفرقة هبا أول نظا دفاعي هلا‪ ،‬وبعد‬
‫ثورة "اتكفاريناس" أقامت النظا الدفاعي القسنطيين جنوب قسنطينة حاليا‪ ،‬لتنتقل مرة أخر‪ ،‬إىل تبسة‬
‫)‪ (Theveste‬الواقعة على احلدود اجلزائرية‪-‬التونسية احلالية‪ ،‬مث إىل "ملباز" كمقر ومعسكر هنائي هلا‪ ،‬وجغرافيا‬
‫ملباز وتبسة ينتميان إىل نفس املنطقة اليت تعرف جغرافيا "ابألوراس" اليت تتخذ شكل مضلع رابعي يضم حاليا‬
‫والايت "ابتنة‪ -‬بسكرة‪ -‬خنشلة‪ -‬وتبسة"‪ ،‬أي املناطق الواقعة مشال شرق اجلزائر احلالية‪ ،‬لتوسع الفرقة من جماهلا‬
‫اجلغرايف وصوال إىل جنوب نوميداي وصحراءها‪ ،‬أين وصلت إىل مسعد ‪67-‬كلم جنوب اجللفة‪ ،-‬إضافة إىل‬
‫تواجدها يف إقليم طرابلس يف الشمال الغريب لليبيا احلالية‪ ،‬وابلتايل فإن اإلطار املكاين للدراسة مرتبط مبناطق تواجد‬
‫الفرقة وانتشار فرقها وكتائبها‪ ،‬ففي البداية كانت يف "الربوقنصلية" لتنتقل إىل الظهري التونسي وصوال إىل "سريات"‬
‫وضواحيها مث توغلت يف "األوراس" وجنوب نوميداي ووصلت إىل إقليم طرابلس‪ ،‬وهو امتداد جغرايف جد واسع‪،‬‬
‫أي ما يشمل حاليا تونس واألجزاء الشرقية للجزائر والشمال الغريب لليبيا‪.‬‬
‫ومتتاز طبيعة هذه املناطق املشار إليها ابلتنوع‪ ،‬فالشمال عبارة عن سالسل جبلية مرتفعة تتخللها سهول‬
‫ضيقة وهضاب وأودية متنوعة املنبع واملصب‪ ،‬أما اإلقليم اجلنويب فهو أكثر اتساعا وأقل تعقيدا وأقد تكوينا‪،‬‬
‫والذي جند به سلسليت األطلس التلي الداخلي والصحراوي‪ ،‬هذا األخرية تندرج ضمنها كتلة جبال "األوراس" أين‬
‫توجد واحدة من أعلى القمم اجلبلية يف اجلزائر وهي جبل "شيليا" يف "ايبوس" بوالية خنشلة ابرتفاع يصل إىل‬
‫‪ ، 2422‬فجبال "األوراس" تصنف ضمن أكرب السالسل اجلبلية يف مشال إفريقيا‪ ،‬وينفت بني األوراس من‬
‫جهة و"بلزمة"وجبال"الزيبان" من جهة أخر‪ ،‬ممر إىل اجلنوب عرب وادي القنطرة يربط بني اهلضاب العليا والصحراء‬
‫كان طريقا يسلكه البدو الرعاة‪ ،‬وجند هبذه املنطقة نوعني من السهول‪ ،‬سهول داخلية تتوسط اجلبال وهي أقل‬
‫خصوبة‪ ،‬إضافة إىل السهول العليا واليت تسمى كذلك ابلسهوب‪ ،‬وهي عبارة عن هضاب وجنود يرتاوح ارتفاعها‬

‫د‬
‫مقدمــــــــــــــــة‬

‫ما بني ‪ ، 1111-611‬هذه السهول يف أغلبها عبارة عن مراعي مشرتكة بني الرعاة جيوبوهنا متنقلني بقطعاهنم حبثا‬
‫عن الكأل‪ ،‬تتخللها جمموعة من الشطوط أمهها شط "احلضنة" وشط "ملغيغ" جنوب نوميداي الذي يعد أخفض‬
‫منطقة يف اجلزائر ب‪ 41-‬عن مستو‪ ،‬سط البحر‪ ،‬إضافة إىل شط "اجلريد" الذي يقع جزء منه يف الربوقنصلية‪،‬‬
‫أما إقليم طرابلس وجنوب نوميداي فيغلب عليهما الطابع الصحراوي مع وجود بعض الواحات‪.‬‬
‫هذا اجملال اجلغرايف يف نوميداي وإقليم طرابلس ميتاز ابلتنوع املناخي‪ ،‬فنجد املناخ املتوسطي الرطب ذو احلرارة‬
‫املعتدلة واألمطار الغزيرة اليت تصل إىل ‪ 1111‬ملم يف بعض األحيان يف اجلزء الشمايل‪ ،‬لكن املناخ القاري أو شبه‬
‫اجلاف هو األكثر انتشارا‪ ،‬والذي ميتاز ابلربودة وقلة األمطار يف الشتاء واحلرارة واجلفاف يف الصيف‪ ،‬نضيف هلم‬
‫املناخ الصحراوي املتميز ابجلفاف وارتفاع املد‪ ،‬احلراري وندرة التساقط‪ ،‬هذا حول اإلطار املكاين املمثل يف‬
‫نوميداي وجنوهبا وإقليم طرابلس‪.‬‬
‫أما اإلطار الزماين للدراسة فهو معنون على أنه يبدأ من سنة ‪ 21‬اتريخ إقامة الفرقة األوغسطية الثالثة ألول‬
‫معسكر هلا يف "ملباز" والذي يسجل بداية التوغل الروماين يف منطقة "األوراس" إىل غاية سنة ‪ 242‬اتريخ حل‬
‫هذه الفرقة من قبل اإلمرباطور "جورداينوس الثالث" يف أعقاب املوقف الذي تبنته الفرقة من ثورة ‪ 242‬املعارض‬
‫هلا واملتسبب يف مقتل أفراد عائلته‪ ،‬لكن هذا ال يعين أن دراستنا بدأت من سنة ‪ 21‬بل كانت منذ ظهور الفرقة‬
‫األوغسطية الثالثة يف إفريقيا حوايل سنة ‪41‬ق‪ ، .‬متتبعني خمتلف نشاطاهتا احلربية وأدوارها‪ ،‬مع دراسة تنظيمها‬
‫الداخلي وعناصر أخر‪ ،‬مرتبطة هبا‪.‬‬
‫وابلتايل فإن اإلطار املكاين والزماين لدراستنا مرتبط بظهور الفرقة األوغسطية الثالثة يف إفريقيا متتبعني خمتلف‬
‫تنقالت معسكراهتا يف الربوقنصلية وصوال إىل نوميداي وجنوهبا وإقليم طرابلس‪ ،‬واليت توسع الرومان فيها العتبارات‬
‫عسكرية متمثلة يف حماصرة سكان جبال األوراس الذين حاربوا الوجود الروماين‪ ،‬وملراقبة حركة السكان خاصة البدو‬
‫الرعاة من خالل نشر جمموعة من القالع واحلصون وأبراج املراقبة‪ ،‬وهو األمر الذي سيشجع على االستيطان يف‬
‫هذه املناطق اليت تتوفر على أراضي زراعية خصبة وظروف مناخية تساعد على زراعة عديد املنتجات الزراعية‬
‫خاصة القم و الزيتون‪ ،‬فدراستنا هذه يتمحور إطارها املكاين و الزماين على حمور عمل ونشاط الفرقة األوغسطية‬
‫الثالثة من إ قليم طرابلس شرقا وصوال إىل نوميداي غراب وصحراءها جنواب‪ ،‬انطالقا من مقرها الدائم يف ملباز خالل‬
‫الفرتة املمتدة من ‪. 242-21‬‬
‫‪-2‬املناهـــــــــج املعتمـــــــــــدة‪:‬‬
‫لدراسة هذا املوضوع ولإلجابة على إشكاليته وفرضياته اتبعت كل املناهج اليت تقتضيها طبيعة هذا املوضوع‬
‫مثل‪:‬‬

‫ه‬
‫مقدمــــــــــــــــة‬

‫أوال‪ :‬املنهج التارخيي الوصفي‪:‬‬


‫الذي يهتم بوصف األحداث وتسلسلها تسلسال كرونولوجيا يف الزمان واملكان‪ ،‬ألن موضوع هذه الدراسة‬
‫هو مجلة من األحداث يف اتريخ الفرقة األوغسطية الثالثة‪ ،‬واليت ال تتض معاملها إال ابستكمال مجيع عناصرها‬
‫كوصف بعض املعارك والكتائب واألحداث واملواقع واملعسكرات اليت أقامت فيها الفرقة وأساليب التوسع‬
‫والسيطرة وقمع الثورات‪ ،‬مع إبراز نتائج وأتثريات كل هذا‪.‬‬
‫ثانيــــا‪ :‬املنهج التحليلي النقدي‪:‬‬
‫والذي اعتمدته يف دراسة املادة العلمية ونقدها وحتليليها حبثا عن تفسريات ألحداث واسرتاتيجيات مطبقة‬
‫من قبل قادة الفرقة‪ ،‬مع استنتاج عوامل اختيارات معينة للفرقة أو نتائج وانعكاسات مرتتبة عن مجلة التحركات‬
‫والنشاطات اليت قامت هبا الفرقة يف مناطق تواجدها‪.‬‬
‫‪-6‬خطــــــــة الدراســـــــــة‪:‬‬
‫تتكون هذه الرسالة من مقدمة ومدخل وثالثة فصول وخامتة وجمموعة مالحق وفهارس لألعال واألماكن‬
‫فجاءت اخلطة ابلشكل التايل‪:‬‬
‫املقدمة‪ :‬اشتملت على التعريف ابملوضوع وأسباب اختياره وإشكالية املذكرة ومناهج البحث وصعوابت‬
‫العمل‪ ،‬ووصف أهم املصادر واملراجع وخطة املذكرة مع الصعوابت والعراقيل اليت واجهتنا‪.‬‬
‫أما املدخل‪ :‬الذي جاء بعنوان املعسكرات الرومانية منشآت عسكرية ودفاعية‪ ،‬فتطرقنا فيه ابختصار إىل‬
‫األوضاع السياسية والعسكرية ملنطقة مشال إفريقيا من سقوط قرطاجة سنة ‪137‬ق‪ .‬إىل غاية سنة ‪ ، 31‬مث تطرقنا‬
‫لذكر خمتلف التفاصيل املتعلقة ابملعسكر‪ ،‬شروط إقامته وشكله وتوجيهه وحتصيناته وتنظيمه الداخلي وخمتلف‬
‫املصطلحات املتعلقة به‪ ،‬وصوال إىل املصطلحات العسكرية للمعسكر فعرفنا خمتلف الوحدات والفرق والكتائب‬
‫الرومانية وطريقة تنظيمها‪.‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تضمن اتريخ الفرقة األوغسطية الثالثة من اتريخ أتسيسها إىل غاية هناية حكم األسرة الفالفية‬
‫سنة ‪ 67‬والذي جاء يف ثالثة مباحث‪:‬‬
‫‪ -‬املبحث األول‪ :‬بعنوان اتريخ الفرقة احلريب‪ ،‬فذكران السياق العا لظهور الفرقة يف إفريقيا مث إقامتها ملعسكرها‬
‫األول يف "حيدرة" وأدوارها الدفاعية فيها مع إبراز مسامهتها يف قمع ثورة "اتكفاريناس"‪ ،‬وصوال إىل اإلصالحات‬
‫اليت عرفتها مع اإلمرباطور "كاليقوال" وموقفها من حركة "كالوديوس ماسر" االنفصالية‪ ،‬مث انتقاهلا إىل "تبسة" مع‬
‫التطرق إىل توغل الفرقة واكتشافاهتا يف عمق القارة اإلفريقية‪.‬‬
‫‪ -‬املبحث الثاني‪ :‬بعنوان الوظائف العسكرية داخل الفرقة‪ ،‬فاألكيد أن هذا الفيلق كان له تنظيم داخلي‬
‫جعله يقو أبدواره وبكيفية احرتافية‪ ،‬فعرفنا بقائد الفرقة واملسؤول األول يف الفيلق وهو "الليقاتوس"‪ ،‬وبعده القضاة‬

‫و‬
‫مقدمــــــــــــــــة‬

‫العسكريني وحكا املعسكر وقادة املائة وقادة العشرة وخمتلف الضباط وضباط الصف واإلداريني واحملاسبني‬
‫ووظائف أخر‪ ،‬عديدة مع إبراز شروط تقلد أي منصب ووظائف ومها كل موظف‪.‬‬
‫‪ -‬املبحث الثالـث‪ :‬بعنوان آليات التجنيد والفرق املساعدة داخل الفرقة‪ ،‬فأبرزان املعايري املعتمدة من قبل‬
‫الرومان للدخول يف صفوف الفرقة سواء كجنود نظاميني أو كفرق مساعدة مث أبرزان خمتلف الفرق املساعدة للفرقة‬
‫ومناطق انتشارها‪.‬‬
‫أما الفصل الثاني‪ :‬فخصصناه ملدينة "ملباز" ومعسكراهتا فقسم إىل‪:‬‬
‫املبحث األول‪ :‬بعنوان اإلطار التارخيي والطبيعي للمدينة‪ ،‬فأبرزان اتريخ املنطقة وأسباب اختيار الرومان هلا‬
‫كمقر للفرقة وعاصمة للجيش الروماين يف إفريقيا‪.‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬تطرقنا فيه إىل خمتلف مرافق ومباين املدينة‪ ،‬واليت تقد إحياءات وإشارت واضحة على وجود‬
‫مظاهر مدنية للمدينة وقطب ها انتشرت عربه الثقافة الرومانية‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬حول معسكرات "ملباز" الثالثة فأبرزان مواقعها وخمتلف خصائصها املعمارية والعسكرية‬
‫ومرافقها مع خمططاهتا‪ ،‬ابخلصوص املعسكر الكبري الذي ميثل املقر املركزي لقادة الفرقة‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دور ونشاط الفرقة انطالقا من مقر تواجدها يف ملباز إىل غاية اتريخ حلها سنة ‪ 242‬والذي‬
‫قسم بدوره إىل ثالثة مباحث‪:‬‬
‫املبحث األول‪ :‬حول نشاط الفرقة يف عهد األسرة األنتونية ودورها يف املنظومة الدفاعية ويف إنشاء عديد‬
‫املعسكرات واحلصون والقالع مع أد‪ ،‬إىل ظهور الليمس األوراس‪.‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬حول اتريخ الفرقة يف العهد السيفريي‪ ،‬تطرقنا فيه إىل املنظومة الدفاعية اليت أقامتها يف‬
‫نوميداي وإقليم طرابلس عرب جمموعة من املعسكرات والقالع واحلصون‪ ،‬واسهامات الفرقة يف وصول الرومان إىل‬
‫أوج توسعاهتم يف مشال إفريقيا‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬حول حل الفرقة سنة ‪ 242‬مع إبراز أسبابه‪ ،‬مع الرتكيز على أتثريات نشاطات الفرقة على‬
‫خمتلف األصعدة‪ ،‬وهي أتثريات جد هامة يف عملية الرومنة وإرساء السال الروماين‪.‬‬
‫كما خصصنا يف اهلامش حيزا لألعال وبعض املواقع اليت هلا عالقة مباشرة أو غري مباشرة ابلدراسة‪.‬‬
‫اخلامتـــة‪ :‬استعرضنا فيها ما بدا لنا من استنتاجات وخالصة للدراسة‪ ،‬كما طرحنا عدة تساؤالت تستحق‬
‫اإلجابة والدراسة واإلثراء‪ ،‬كما زودان دراستنا مبجموعة من املالحق واخلرائط التوضيحية للحدود اجلغرافية وللمواقع‬
‫واألنظمة الدفاعية اليت شغلتها الفرقة‪.‬‬

‫ز‬
‫مقدمــــــــــــــــة‬

‫‪-7‬مصادر ومراجع البحث‪:‬‬


‫اعتمدت يف هذه الدراسة املتعلقة بتاريخ الفرقة األوغسطية الثالثة ومعسكراهتا يف مشال إفريقيا عموما ويف ملباز‬
‫خصوصا على مجلة من املصادر واملراجع واملقاالت‪ ،‬املصادر اليت تناولت موضوعنا يف إطاره التارخيي واجلغرايف هذا‬
‫هي جد قليلة‪ ،‬فالنصوص األدبية للمؤرخني القدماء ال تقد معلومات حول هذا املوضوع وكل ما ورد فيها جمرد‬
‫إشارات ال ترتقي لدرجة تسم بتقدمي إفادات حول هذا املوضوع‪ ،‬واألكثر من هذا أن تلك اإلشارات ليست‬
‫قائمة على شهادات أو مالحظات عن قرب بل مسعوا عنها‪ ،‬وابلتايل فإن أغلب معارفنا عن الفرقة "وملباز" يعود‬
‫الفضل فيها إىل جمموعة من األثريني األملان والفرنسيني وغريهم الذين نقبوا يف املواقع املختلفة ملعسكراهتا سواء يف‬
‫"حيدرة" أو "تبسة" أو "ملباز" وغريها من املعسكرات‪ ،‬إضافة إىل احلصون املقامة من طرفها يف األوراس وجنوب‬
‫نوميداي وإقليم طرابلس‪ ،‬واليت خلصها "قزال" يف كتاب "األطلس األثري للجزائر" الذي يعود إىل سنة ‪ 1611‬الذي‬
‫تضمن بعض األفكار حول معسكرات وأماكن تواجد الفرقة‪ ،‬لكنها تتصف ابلعمومية والوصفية وقلة الدقة يف‬
‫بعض التفاصيل‪ ،‬وكتابه الثاين )‪ (Les Monuments Antiques De L’Algérie‬يف جزئه األول الذي قد‬
‫لنا بعض األوصاف للمنشآت العسكرية يف إفريقيا وملعسكرات ملباز‪.‬‬
‫أما املراجع اليت اعتمدت عليها فلم تفصل لنا اتريخ الفرقة ونشاطها يف الربوقنصلية ونوميداي بل اكتفت‬
‫إبشارات‪ ،‬وأمهلت متاما معسكراهتا ونشاطها يف إقليم طرابلس‪ ،‬وهذا يعود ابألساس لتطور اقتصاد الربوقنصلية‬
‫ودرجة الرومنة الكبرية هبا‪ ،‬أما يف "نوميداي" فهو للتواجد املكثف جلنود الفرقة األوغسطية هبا ومنشآهتم العديدة هبا‬
‫ما ساهم يف وضع حد حلركة البدو الرعاة‪ ،‬وإذا حاولنا تقدمي أهم املصادر واملراجع املعتمد عليها يف الدراسة فهي‬
‫ابلشكل التايل‪:‬‬
‫أوال‪ :‬املصــــــــادر‪:‬‬
‫‪ -‬املصادر األجنبية‪ :‬هي عديدة لكن كما قلنا قدمت فقط إشارات عن الفرقة األوغسطية الثالثة وعلى‬
‫رأسها‪:‬‬
‫وكتابه األخر التواريخ)‪ ،(Histoires‬فقد لنا‬ ‫تاكيتوس‪ :‬يف كتابه احلوليات)‪(Les Annales‬‬
‫"اتكيتوس" وصف لثورة "اتكفاريناس" ودور الفرقة يف قمعها إضافة إىل تقدمي وجهة نظره يف قرار "كاليقوال"‬
‫بسحب الصالحيات العسكرية من الربوقنصل ومنحها لليقاتوس‪ ،‬وإشارات أخر‪ ،‬حول تنظيم اجليش الروماين‪،‬‬
‫ومتتاز فقراته إبنعدا املوضوعية فقد لنا "اتكيتوس" على أنه متمرد وقاطع طرق وغريها‪ ،‬كما ال جند يف فقراته‬
‫اإلطار التارخيي لبعض األحداث مع خلط يف بعض األحداث أو الشخصيات‪.‬‬
‫ديون كاسيوس‪ :‬يف كتابه "التاريخ الروماين" الذي تضمن بعض اإلشارات عن األوضاع الداخلية يف إفريقيا‬
‫وعن الفرقة األوغسطية وهو كتاب سردي أكثر منه حتليلي‪.‬‬

‫ح‬
‫مقدمــــــــــــــــة‬

‫فيجتيوس‪ :‬يف كتابة "حبث يف الفنون العسكرية" )‪ (Traite De L’art Militaire‬الذي أفادان أبسس‬
‫بناء املعسكر ومعطيات حول التنظيم الداخلي للجيش الروماين‪ ،‬على أن كتابه يؤرخ بفرتة هناية القرن الرابع وبداية‬
‫القرن اخلامس ما جيعل كتابة أقل قيمة وارتباطا مبوضوع الدراسة‪ .‬إضافة إىل بعض الفقرات من كتاب "التاريخ‬
‫الروماين" لتيتيوس فالفيوس )‪.(Tite Live‬‬

‫ثانيا‪ :‬املراجع‪:‬‬
‫معظم املراجع املعتمد عليها يف الدراسة هي ابللغة الفرنسية‪ ،‬وقليل منها ابللغة العربية واملمثلة يف‪:‬‬
‫حبث جمموعة من األساتذة‪ :‬وهم (ش) شافية‪ ، ( ،‬ح) بشاري‪( ،‬ب) رمحاين بعنوان "االحتالل‬
‫االستيطاين وسياسة الرومنة"‪ ،‬الذي قد لنا فكرة هامة عن عمليات التوسع الروماين وسياسة الرومنة واالحتالل‬
‫االستيطاين ودور اجليش يف جناح أهداف روما‪.‬‬
‫حممد اهلادي حارش‪":‬التاريخ املغاريب القدمي السياسي واحلضاري منذ فجر التاريخ إىل الفت اإلسالمي"‬
‫الذي يعد من أهم املراجع الذي تقد اتريخ للمغ رب القدمي منذ العصر القرطاجي مع اإلشارة إىل العهد الروماين‬
‫ونظمه اإلدارية واالقتصادية‪.‬‬
‫حممد البشر شنييت‪ :‬مع عديد املؤلفات مثل التغريات االقتصادية واالجتماعية يف املغرب أثناء االحتالل‬
‫الروماين إضافة إىل كتب أخر‪ ،‬له‪.‬‬
‫حممد العربي عقون‪ :‬ومؤلفه االقتصاد واجملتمع يف الشمال اإلفريقي القدمي‪.‬‬
‫املراجع األجنبية‪ :‬أبرزها‪:‬‬
‫رونيه كانيا )‪ :(R.Cagnat‬وكتابه"اجليش الروماين إلفريقيا" )‪(L’armée Romaine d’Afrique‬‬
‫الذي صدر عا ‪ ، 1614‬الذي خصص أحد أجزاءه للفرقة األوغسطية الثالثة وتنظيمها وآليات التجنيد‬
‫بداخلها‪ ،‬لكن أفكاره جاءت خمتصرة وأحياان غامضة وحتتوي على بعض األخطاء مع ترمجات ضعيفة لبعض‬
‫النقوش من الالتينية إىل الفرنسية‪ ،‬لكنه يبقي كتابه هذا قيم بشهادة أغلب املؤرخني‪.‬‬
‫مارسال بنابو )‪ :(M.Benabou‬املعنون ب"املقاومة اإلفريقية للرومنة" وهو أهم كتاب اعتمدت عليه‪،‬‬
‫والذي تتبع حركة املق اومة اإلفريقية للرومان واليت سامهت إىل حد كبري الفرقة األوغسطية الثالثة يف إمخادها‪،‬‬
‫وابلتايل فحديثه عن املقاومة قاده للحديث عن الفرقة من البداية إىل غاية اتريخ حلها‪ ،‬وميتاز كتابه ابملوضوعية‬
‫ومناقشة األفكار واالعتماد على املصادر وخمتلف املراجع‪ ،‬وهو ابلفعل كتاب قيم‪.‬‬
‫يان لوبوهيك )‪ :(Y.Le Bohec‬يف كتابه"اتريخ إفريقيا الرومانية" الذي قد إشارات عديدة عن الفرقة‬
‫األوغسطية الثالثة‪ ،‬فهذا املؤرخ يعد من أهم املؤرخني املهتمني بدراسة اجليش الروماين عموما واجليش اإلفريقي على‬

‫ط‬
‫مقدمــــــــــــــــة‬

‫وجه اخلصوص‪ ،‬ورغم أن أفكاره جاءت ذات طابع معريف أكثر منها حتليلية وتفسريية إال أهنا كانت هامة يف‬
‫دراستنا هذه‪.‬‬
‫حممد فنطر )‪ (L.Fantar‬وفرانسوا دوكري )‪ :(F.Decret‬بعنوان "إفريقيا الشمالية يف العصور القدمية"‬
‫وهو األخر تضمن معطيات جد هامة حول السياسة العسكرية الرومانية ويتميز أسلوبه ابلنقاش والتحليل‬
‫واملوضوعية يف الطرح‪.‬‬
‫أما من جانب "مدينة ملباز" فإننا اعتمدان على كتابني جد قيمني مها لــ‪:‬‬
‫موريس لونوار‪ (M.Lenoir):‬الذي صدر سنة ‪ 2111‬بعنوان "املعسكر الروماين يف الشرق األوسط‬
‫وإفريقيا الشمالية" والذي حتدث بشكل مفصل حول املعسكرات الرومانية يف مشال إفريقيا سواء يف مقاطعة‬
‫نوميداي أو إقليم طرابلس‪ ،‬إضافة إىل حتديد خمتلف املعايري واألسس املعتمدة من قبل الرومان إلنشاء املعسكر وقد‬
‫لنا دراسته هذه بصورة وحلة جديدة أقل ما توصف أبهنا جد متميزة‪.‬‬
‫ميشال جانو )‪ :(M.Janon‬بعنوان"ملباز العاصمة العسكرية إلفريقيا الرومانية" والذي صدر سنة ‪،2111‬‬
‫الذي قد دراسة حول مدينة ملباز بطريقة خمتلفة متاما عن سابقاهتا من حيث استعمال رسو وخمططات توضيحية‬
‫للمدينة وشرح وايف لعديد اجلوانب املتعلقة "بلمباز" كمدينة ومعسكر‪.‬‬
‫لكننا يف دراستنا هذه أغلب مادتنا اإلخبارية كانت ممثلة يف عدد معترب من املقاالت صدرت كلها من‬
‫جمالت علمية متخصصة منها‪:‬‬
‫مقاالت عديدة ليان لبوهيك‪ :‬منها "الدور االجتماعي والسياسي للجيش الروماين يف املقاطعات‬
‫اإلفريقية"ومقال آخر بعنوان "تيمقاد‪ ،‬نوميداي واجليش الروماين"‪ ،‬إضافة إىل مقالني جد هامني "مليشال جانو"‬
‫األول بعنوان‪":‬أحباث يف ملباز‪ :‬املدينة واملعسكرات" والذي قد دراسة تفصيلية ملوقع ملباز واتريخ ومرافق املدينة‬
‫ومعسكراهتا‪ ،‬ومقال أخر بعنوان"أحباث يف ملباز‪ :‬دراسة حول معبد األسقيليبيوس"‪.‬‬
‫دون أن ننسى املقال القيم لنص رة بن صديق )‪ (N.Benseddik‬بعنوان "ملباز‪ :‬املعسكر‪ ،‬املعبد‪ ،‬لكن أين‬
‫كانت املدي نة" والذي جاء يف شكل جد منظم مع مناقشة األفكار وحتليليها وتقدمي صورة عن ملباز‪ ،‬كما اعتمدان‬
‫على جمموعة من مقاالت ملارسال لوقلي )‪ (Marcel Le Glay‬منها"الفالفيني وإفريقيا"‪.‬‬
‫وجمموعة أخر‪ ،‬من املقاالت مرتبطة ابلفرقة وأدوارها ومعسكراهتا ومدينة ملباز والتنظيم هبا‪ ،‬إضافة إىل‬
‫جمموعة من الواثئق اإللكرتونية املتخصصة السيما فيما يفيدان بتقدمي نبذة عن بعض األعال واملواقع الواردة يف‬
‫دراستنا إثراء للموضوع وتوضيحا للرؤية‪.‬‬

‫ي‬
‫مقدمــــــــــــــــة‬

‫‪-2‬صعوبات البحث‪:‬‬
‫من البديهي أن كل ابحث جاد ستعرتضه مجلة من الصعوابت املوضوعية منها أو غري املوضوعية يف مجع‬
‫املادة اخلربية‪ ،‬وذلك يعود لقلتها يف املكتبات مع صعوبة احلصول عليها‪ ،‬وهي يف أغلبها‪-‬املادة اخلربية‪-‬قدمية‬
‫الصدور ما جيعلها أقل قيمة‪ ،‬وبشكل عا واجهتنا جمموعة من العراقيل واملشاكل متثلت يف‪:‬‬
‫‪ -‬قلة املصادر املهتمة هبذا املوضوع وش معلوماهتا‪.‬‬
‫‪ -‬االنعدا التا للمراجع ابللغة العربية حول هذا املوضوع‪ ،‬ما أجربان إىل االعتماد على مراجع ابللغة الفرنسية‬
‫اليت أرهقتنا بعملية الرتمجة وأخذت منا الوقت الطويل‪ ،‬خصوصا أهنا يف بعض النصوص حتتاج إىل خمتص‪.‬‬
‫‪ -‬عد القدرة على العثور على ترمجة عديد الكلمات من الالتينية إىل اللغة العربية‪ ،‬وكذلك أمساء عديد‬
‫األماكن أو املواقع ما حتم علينا احلفاظ عليها كما وردت يف اللغة الالتينية‪.‬‬
‫‪ -‬أرقنا تضارب ترمجة أمساء بعض األابطرة والشخصيات واألماكن والقبائل بني من يستعمل "تراجانوس"‬
‫و"ترااينوس" بني "الباقاط" و"البقواط" وغريها‪.‬‬
‫‪ -‬عديد الكتب اليت تناولت جوانب من هذا املوضوع ابللغة الفرنسية متيزت بعد الدقة يف استعمال‬
‫املصطلحات املواتية فيما خيص تسميات وأصناف املنشآت العسكرية‪ ،‬حيث مل متيز لنا بني احلصن واملعسكر‬
‫والقلعة والثكنة وغريها من التحصينات‪ ،‬فقد يسمى املعسكر حصنا أو قلعة أو ثكنة أو العكس وهو ما أاثر‬
‫حفيظتنا يف الوصف واصطالح املصطل الدقيق‪.‬‬
‫‪ -‬هناك العديد من املراجع اليت مل تعطي لنا اجلانب الكرونولوجي لعديد األحداث املرتبطة ابلفرقة أو مبختلف‬
‫املنشآت والتحصينات اليت أقامتها سواء يف نوميداي وإقليم طرابلس‪ ،‬وهو جانب جد ها يف الدراسة التارخيية‪.‬‬
‫‪ -‬عد حصولنا على عديد الكتب اهلامة اليت كان إبمكاهنا تقدمي إضافة للدراسة نظرا النعدامها يف املكاتب‬
‫الوطنية مع وجود صعوابت جللبها من اخلارج‪.‬‬
‫إننا ال ندعي يف هذه الدراسة اإلملا جبوانب املوضوع يف ظل قلة الدراسات والكتب يف املكتبة اجلزائرية ذات‬
‫العالقة ابملوضوع‪ ،‬بل من الصعب جدا على رسالة جد متواضعة كهذه أن تستوعب جوانب املوضوع الذي يتميز‬
‫ابلتشعب والسعة والتعقد‪ ،‬كما أن عديد من اجلوانب اليت تطرقت إليها مل تتوفر على العمق الكايف والتحليل اجليد‬
‫نظرا لندرة املعلومات حول املوضوع‪ ،‬كما أن هناك بعض اجلوانب من الدراسة وجدان أنفسنا نعتمد فيها على‬
‫مرجع أو مرجعني فقط‪ ،‬كل هذا جيعلنا نعتقد أن هذا املوضوع يستحق االستمرارية والتوسيع مع ربطه جبوانب‬
‫أخر‪ ،،‬ما سيساهم بشكل أفضل يف فهم اجلوانب الغامضة من املوضوع‪ ،‬وفهم دور اجليش واملنظومة العسكرية يف‬
‫عملية توسيع الرومنة وإرساء السلم الروماين‪ ،‬وكيف استطاع هذا اجليش احملدود العدد يف التحكم يف هذا القطر‬
‫الشاسع‪.‬‬

‫ك‬
‫مقدمــــــــــــــــة‬

‫يف األخري نقد جزيل الشكر إىل املشرف على سعة صربه علي وعلى دعمه املتواصل يل‪ ،‬كما أشكر أساتذة‬
‫التاريخ القدمي جبامعة اجلزائر‪ 12‬على دعمهم يل وتوجيهم‪ ،‬كما أشكر زمالئي يف الدفعة وزمالئي يف جامعة‬
‫اجلزائر‪ 11‬وهواري بومدين للعلو والتكنولوجيا على دعمهم الكبري يل‪.‬‬

‫ل‬
‫مدخــــــــــــل‪:‬‬
‫املعسكرات الرومانية‬
‫منشآت عسكرية‬
‫ودفاعية‪.‬‬
‫مدخــــــــــــل‬

‫املعسكرات الرومانية‪ :‬منشآت عسكرية ودفاعية‪.‬‬

‫اعترب سقوط قرطاجة وهتدميها عا ‪ 137‬ق‪ .‬من قبل "سكيبو امييليانوس" بداية النهاية للدول األخر‪ ،‬يف‬
‫بالد املغرب القدمي‪ ،‬سواء نوميداي حليفة روما أو موريطانيا البعيدة عن مسرح األحداث‪ ،‬فدشن الرومان هبذا عهد‬
‫احتاليل طويل هلذه البالد‪.‬‬

‫اعتمد الرومان يف استيالئهم على هذه املنطقة على سياسة املراحل‪ ،‬فحولوا األراضي القرطاجية إىل مقاطعة‬
‫رومانية )‪ (Provincia Africa‬ومت فصلها عن األراضي النوميدية ابخلندق امللكي )‪ (Fossa regia‬وكانت‬
‫هذه املقاطعة تضم تقريبا مشال شرق تونس احلالية من طربقة إىل الشمال الغريب إىل هنشري طينة )‪ (Thanae‬يف‬
‫‪)1( 2‬‬
‫اجلنوب الشرقي على مساحة كلية تقدر بـ ‪ 21‬ألف كلم‪ 2‬ويف أقصاها ‪ 21‬ألف كلم ‪.‬‬

‫ويعتقد العديد من الباحثني أن إقامة الرومان للخندق امللكي‪ ،‬إضافة إىل تباطؤ سياسة االستيطان هي‬
‫إشارات على أن الرومان مل يكن يف نيتهم التوسع يف إفريقيا خصوصا يف ظل حتفظ جملس الشيوخ الروماين جتاه‬
‫مشاريع االستيطان املقدمة له‪ ،‬كما أن حرب يوغرطة (‪ 111-112‬ق‪ ) .‬مل تفض إىل توسعات رومانية جديدة‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫نظر الرومان يف البداية إىل مملكتا نوميداي وموريطانيا على أهنما حمميتان رومانيتان‪ ،‬وهذا طيلة قرن من الزمن‬
‫فكانوا يتدخلون سياسيا أو عسكراي كلما رأوا أن مصاحلهم مهددة‪ ،‬مستغلني طموح احلكا األهايل لتوسيع‬
‫نفوذه م السياسي واالقتصادي والعسكري‪ ،‬فورطوهم يف صراعات وحروب وخالفات واليت بدأت على حد ذكر‬
‫املصادر عندما أوصى "ماسينيسا" عند قرب أجله "سكيبيو امييليانوس" برتتيب وتنظيم مملكته فقا بتوزيع السلطة‬
‫يف نوميداي على أبنائه الثالثة‪ ،‬فتحصل "مكيسبا" )‪ (Micipsa‬وهو األكرب سنا على اإلدارة‪ ،‬و"غلوسة"‬
‫)‪ (Gulussa‬على السلطة العسكرية وقيادة اجليش‪ ،‬و"مستنبعل" )‪ (Mastanabal‬على القضاء ورمبا جباية‬
‫الضرائب‪ ،‬وبعد وفاة أخويه عادت كل السلطات إىل "مكيسبا" الذي ظل مواليا للرومان ووضع حتت تصرفهم‬
‫(‪)3‬‬
‫جيوشه وخريات بالده‪.‬‬

‫وابلتايل فإن السياسة الرومانية خالل الفرتة (‪ 137‬ق‪ 37 - .‬ق‪ ) .‬كانت تستند على خلق عالقة صداقة‬
‫قائمة على التحالف‪ ،‬ومتماشية مع منهجية التدرج يف االحتالل الذي كان مؤجال إىل غاية هتيئة اجلو السياسي‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Gsell (S), Histoire ancienne de l’Afrique du nord, Tome VII, librairie Hachette, Paris, 1928, P-P 1-9.‬‬
‫‪ - 2‬حارش ( ‪.‬ه)‪ ،‬التاريخ املغاريب القدمي السياسي واحلضاري منذ فجر التاريخ إىل الفت اإلسالمي‪ ،‬املؤسسة اجلزائرية للطباعة‪ ،‬اجلزائر ‪ ،1622‬ص‬
‫‪.121‬‬
‫‪ - 3‬نفسه‪ ،‬ص‪-‬ص ‪.111-113‬‬

‫‪2‬‬
‫مدخــــــــــــل‬

‫االقتصادي واالجتماعي املناسب لتوسيع النفوذ‪)1( ،‬فظلوا يتظاهرون ابحلليف املدعم واحلكم العادل املنصف يف‬
‫قضااي اخلالف الداخلية اليت ستتجدد عند وفاة "مكيسبا" عا ‪ 112‬ق‪ .‬الذي قسم امللك بني ابنيه "هيمبسال"‬
‫) ‪ (Hiempsal‬و"آذربعل" )‪ (Adherbal‬وابن أخيه "يوغرطة" )‪ ،(Jugurtha‬هذا األخري دخل يف صراع مع‬
‫ابين عمه حول احلكم‪ ،‬انتهى مبقتل "هيمبسال" وفرار "آذربعل" إىل روما عا ‪ 117‬ق‪ .‬فتدخل الرومان وقررت‬
‫جلنة من جملس الشيوخ من اجلهة الشرقية لنوميداي لـ "آذربعل"‪ ،‬واجلهة الغربية لـ "يوغرطة" اليت متتاز ابلشساعة‬
‫وقلة الثروات واملدنية‪)2( ،‬وهو التقسيم الذي تظاهر بقبوله‪)3( ،‬مث حاصر "سريات" عا ‪ 114‬ق‪ ، .‬أين قتل‬
‫(‪)4‬‬
‫"آذربعل" وجمموعة من اإليطاليني‪ ،‬ما أد‪ ،‬إىل دخوله يف حرب مع الرومان استمرت إىل غاية ‪ 111‬ق‪.‬‬
‫(‪)5‬‬
‫انتهت ابعتقاله واكتفى فيها الرومان بفرض سيطرهتم على لبدة )‪.(Leptis Magna‬‬

‫ليبدأ التوسع الفعلي مع "يوليوس قيصر" )‪ (Jules César‬الذي بعد انتصاره يف معركة "اتبسوس" يف أفريل‬
‫‪ 37‬ق‪ ، .‬شرع يف إحداث عدة تغيريات إقليمية وسياسية‪ ،‬أين ضم جزء من نوميداي إىل املمتلكات الرومانية‬
‫وحتولت إىل مقاطعة رومانية عرفت ابسم "إفريقيا اجلديدة" وعني عليها "ساليستيوس" )‪(Crispus Sallustius‬‬
‫حاكما برتبة بروقنصل‪ )6(.‬وهبذا سقطت نوميداي وجاءت مرحلة التوغل يف املنطقة الغربية اليت جند فيها مملكة‬
‫موريط انيا واليت توسعت مرتني على حساب نوميداي‪ :‬املرة األوىل بعد هزمية يوغرطة سنة ‪ 111‬ق‪ .‬حيث مدت‬
‫حدودها حىت "واد الساحل " (الصوما )‪ ،‬واملرة الثانية بعد هزمية "يواب األول" يف معركة اتبسوس ووصلت حبدودها‬
‫حىت "واد أمساقا"‪.‬‬

‫وبعد وفاة "بوخوس الثاين" )‪ (Bocchus II‬دون تركه لوريث‪ ،‬استوىل "أغسطس" على موريطانيا اليت‬
‫أصبحت تسري من قبل وايل روماين حىت سنة ‪ 21‬ق‪ ، .‬اتريخ تسليمها إىل "يواب الثاين" إىل جانب بالد اجليتول‬
‫جنوب نوميداي‪ ،‬ويف سنة ‪ 24‬تويف يواب الثاين )‪ (Juba II‬وخلفه ابنه "بطليموس" )‪ (Ptolémée‬الذي حكم‬
‫إىل غاية سنة ‪ 31‬اتريخ اغتياله من قبل اإلمرباطور "كاليقوال"‪ ،‬وبذلك انتهت مملكة موريطانيا فأصبحت مشال‬
‫(‪)7‬‬
‫إفريقيا حتت السيطرة الرومانية حىت القرن اخلامس ميالدي‪.‬‬

‫‪ - 1‬شنييت ( ‪.‬ب)‪ ،‬سياسة الرومنة يف بالد املغرب من سقوط الدولة القرطاجية إىل سقوط موريطانيا (‪131‬ق‪ ،) 31- .‬الشركة الوطنية للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫اجلزائر‪ ،‬ص‪-‬ص ‪.71-11‬‬
‫‪ - 2‬حارش( ‪.‬ه)‪ ،‬احلياة السياسية واالقتصادية يف نوميداي (‪ 37-214‬ق‪ ،) .‬دار الفوميك‪ ،‬اجلزائر‪ ،1663 ،‬ص‪-‬ص ‪.36-31‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Salluste(C.C), Guerre de Jugurtha, Trad. par Charles Durosoir, Edité par A l'enseigne du Pot Casse, Paris,‬‬
‫‪1930, Paris, XX, P : 24-25.‬‬
‫‪ - 4‬حارش ( ‪.‬ه)‪ ،‬احلياة‪ ،...‬ص‪-‬ص ‪.12-16‬‬
‫‪ - 5‬حارش ( ‪.‬ه)‪ ،‬التاريخ‪ ،...‬ص ‪.122‬‬
‫‪ - 6‬شارن (ش)وآخرون ‪ ،‬اإلحتالل اإلستيطاين وسياسة الرومنة‪ ،‬املركز الوطين للدراسات والبحث يف احلركة الوطنية وثورة أول نوفمرب ‪ ،1613‬اجلزائر‪،‬‬
‫‪ ،2116‬ص ‪.76‬‬
‫‪ - 7‬حارش ( ‪.‬ه)‪ ،‬التاريخ‪ ،...‬ص‪-‬ص ‪.121-122‬‬

‫‪3‬‬
‫مدخــــــــــــل‬

‫وحلماية هذه الرقعة اجلغرافية الواسعة من هجمات القبائل احمللية الغري خاضعة للرومان قا األابطرة الرومان‬
‫بوضع خط عسكري يعرف اترخييا ابلليمس )‪ (Limes‬والذي يعرف على أنه منظومة من التحصينات (قالع‪،‬‬
‫أبراج مراقبة‪ ،‬معسكرات‪ ،‬حصون) على امتداد حدود اإلمرباطورية‪ ،‬على أن الشيء البارز هو أن هذه احلدود مل‬
‫تكن اثبتة بل متغرية مع تقد الرومان حنو اجلنوب‪ ،‬ليبلغ الليمس اإلفريقي أوج توسعه يف القرن الثالث ميالدي‪،‬‬
‫أين مت تطويق جنوب األوراس أو ما ميكن أن نسميه بصحراء نوميداي‪ ،‬فتم قفل منطقة الزيبان )‪ ،(Ziban‬مث‬
‫توجهوا حنو الشمال الغريب حلماية منطقة احلضنة‪)1( ،‬ليتجهوا حنو الشرق ونعين إقليم طرابلس وجنوب تونس‬
‫احلالية‪ ،‬فأقاموا يف هذه املنطقة الشاسعة العديد من املعسكرات‪ ،‬واليت لعبت دور كبري يف املنظومة الدفاعية‬
‫الرومانية هنا نتساؤل‪ :‬ما هو املعسكر؟‪ ،‬وما شكله وما طريقة تنظيمه وكيفية بنائه؟‪ ،‬وكيف يتم حتصينه وتنظيمه‬
‫داخليا؟‪ ،‬وما هي أنواعه؟‪.‬‬

‫إن اهلدف األويل من مجع جنود الفيلق يف معسكر هو جتنب اهلجمات املفاجئة والغري املتوقعة للعدو‪ ،‬إضافة‬
‫إىل أن املعسكر يسم بتنظيم صفوف اجليش قبل املعارك‪ ،‬لكن لألسف فإننا جنهل اتريخ إجناز املعسكرات سواء‬
‫يف الشرق األقصى أو املناطق األخر‪ ،،‬على أنه من املرج أن هذه العملية العسكرية ظهرت يف النصف الثاين من‬
‫األلفية الثانية ق‪ .‬يف الشرق األوسط مع احليثيني )‪ (Hethaei‬ويف مصر ابتدءا من العهد اإلمرباطوري‪ ،‬حيث‬
‫قاموا ببناء جمموعة من املراكز العسكرية احملصنة يقودها ضباط متخصصون‪ ،‬وجاءت معسكرات هذه الدول يف‬
‫شكل مستطيل منتظم حماط بدروع متجاورة مع وجود طريقني متقاطعني يقسمان املعسكر إىل أربعة أجزاء‪ ،‬وجند‬
‫(‪)2‬‬
‫أيضا املقر الرئيسي والذي يقع يف احملور الطويل للمعسكر وهو حماط بسور خاص ومزود أببراج‪.‬‬

‫أما عند الرومان فإن عملية العسكرة مل تكن قدمية فقد أخذوها عن اإلغريق‪ ،‬حيث خيربان "تيتيوس ليفيوس"‬
‫)‪ (Tite Live‬أن امللك "بريوس" )‪ (Pyrhus‬مالك "إبريوس" )‪ (Epire‬هو أول من علم فنون العسكرة واليت‬
‫(‪)3‬‬
‫استفاد منها حنبعل‪.‬‬

‫وي الحظ أن املعسكرات األوىل املصممة كانت ذات بنية غري منتظمة‪ ،‬وجيمع الكتاب أمثال "بوليبيوس"‬
‫)‪ (Polybe‬و"جوزيف فالفيوس" )‪ (Flavius Josèphe‬على دور املعسكرات وطريقة إنشائها يف انتصار‬
‫(‪)4‬‬
‫الرومان على أعدائهم‪ ،‬حيث كانوا ال ينتقلون إىل املعركة قبل إقامة معسكر حممي ابخلنادق‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Gsell (S), Les monuments antique de l’Algérie, Tome 1, ancienne librairie Thorin et fils Albert Fontemoing,‬‬
‫‪éditeur, 1901, P-P 75-76.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Lenoir (M), Le camp Romain Proche-Orient et Afrique du nord école française de Rome, 2011, P-P 11-13.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Tite-Live, Histoire Romaine Trad : par collection des auteurs latins sous la direction de M. Nisard, Paris,‬‬
‫‪1864, 35, 14,8.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Lenoir (M), Op.Cit, P 14.‬‬

‫‪4‬‬
‫مدخــــــــــــل‬

‫ويصف لنا "فيجيتيوس" )‪ (Végèce‬شروط إقامة املعسكرات يف عدة مقاطع ابخلصوص ‪، XXI، V،I‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪. XXV،XXIV‬‬

‫املعسكر‪ :‬كاسرتا )‪ (Castra‬ابلالتينية هو مجع "كاسرتو " )‪ (Castrum‬عبارة عن مكان إقامة أو مجع‬
‫اجلنود والذي يتميز بتحصيناته واستحكاماته‪ ،‬أيخذ يف أغلب األحيان شكل مربع أو مستطيل‪ ،‬وحياط خبندق‬
‫)‪ (Fossa‬ويف أعاله جند سياجا )‪ (Vallum‬يساهم يف زايدة حصانته‪ ،‬وحنتفظ ابلعديد من النصوص األدبية‬
‫اليت تقد لنا صورة حول طريقة إجناز املعسكرات الرومانية وحتصيناهتا‪ ،‬سنركز على أربعة منها ذات تواريخ متباينة‪،‬‬
‫وهي مرتبطة إبنشاء وتنظيم املعسكر الروماين فنجد تلميحات "بوليبيوس" يف القرن الثاين قبل امليالد يف كتابه‬
‫"التواريخ" يف الفقرات ‪ ،)2( 32-7،26‬أما املؤرخ الثاين فهو جوزيف فالفيوس يف كتابه "حرب اليهود" يف الفقرات‬
‫‪ 23-4،66‬والذي عاش يف القرن األول ميالدي‪ ،‬وكتاب أحد االختصاصيني وهو غري معروف‪ ،‬لكن احتفظنا‬
‫به حتت اسم "إجيينيوس" )‪ (Hyginus‬وهو مساح أراضي روماين‪ ،‬عاش زمن "ترااينوس" الذي حتدث عن‬
‫املعسكرات الرومانية يف مؤلفه املعنون بـ"حول حتصينات معسكرات اجليش" ‪(De Munitio Nibus‬‬
‫)‪ ،Castrorum‬وأخريا املؤرخ "فيجيتيوس" الذي عاش يف هناية القرن الرابع وبداية القرن اخلامس ميالدي‪.‬‬

‫ونصوص هؤالء الكتاب متباينة يف طبيعتها "فبوليبيوس"و"فالفيوس" كاان وجيزين يف وصفهما للمعسكرات‬
‫الرومانية‪ ،‬ويبقى كتاب "إجييتوس" املساح )‪ (Hygin le Gromatique‬هو األكثر أمهية وسردا للتنظيم‬
‫الداخلي للمعسكر الروماين وللجيش أثناء احلمالت مع استعماله املتواتر ملصطلحات تقنية مثل الصالبة‬
‫)‪ (Rigor‬والنجمة )‪ (Stella‬واخلطوة )‪ ،(Pedatura‬واستعمل أيضا كلمات غري مفهومة مع بعض املعاين‬
‫(‪)3‬‬
‫الغري مألوفة‪.‬‬

‫‪ -1‬إقامـة املعسكـر ‪:‬‬

‫يهمل "بوليبيوس" بشكل كلي هذا املوضوع‪ ،‬أما "فالفيوس" فقد أوجز شهادته‪ ،‬يف حني "إجيينوس" يقد لنا‬
‫تدرج عملية إنشاء املعسكر فيقول‪" :‬يقا املعسكر يف سهل ذو احندار طفيف‪ ،‬على أن يوجه اجتاه اجلزء املرتفع‬
‫أي جهة موضع ابب الديكاما نوس‪ ،‬هذه الشروط أتيت يف املقا األول مث ميكن أن يقا املعسكر على أرضية‬
‫مسطحة أو على هضبة أو على جبل أو موقع مفضل"‪.‬‬

‫وبذلك فإن الرومان كانوا يفضلون السهل ذو االحندار الطفيف على بقية األماكن إلقامة املعسكر‪ ،‬على أن‬
‫هذه اإلشارات ال جندها عند "فيجيتيوس"‪ ،‬لكن بعض املعارك تشري إىل ما ذكره "إجيينوس" فمثال يوليوس قيصر‬
‫أقا خميما يف معركة أيسن )‪ (Aisne‬سنة ‪ 16‬ق‪ .‬على هضبة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Végèce, Traité de l’Art militaire, traduit par : Victor Develay, libraire militaire, Paris, 1859, P-P 3-5.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Lenoir (M), Op.Cit, P 15.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Ibid, P-P 15-16.‬‬

‫‪5‬‬
‫مدخــــــــــــل‬

‫ويقد "إجيينيوس" و "فيجيتيوس" توصيات هي مبثابة شروط تكتيكية عند إقامة املعسكر‪:‬‬

‫‪-‬البد أال يشرف املعسكر على جبل ألن ذلك جيعله عرضة للهجمات من األعلى‪ ،‬وأال يكون جبوار هضبة‪.‬‬

‫‪-‬جيب أال يبىن يف موضع جيعله عرضة للفيضاانت املفاجئة‪ ،‬لذلك ال بد من تفحص األرضية ومد‪ ،‬حتملها‬
‫للسيول‪.‬‬

‫‪ -‬املوقع املختار جيب أال يقا يف منطقة وعرة جتعل التقد للهجو أو جتنب التطويق أمرا صعبا‪ ،‬لذلك ال‬
‫تقا املعسكرات جبوار األودية واجلداول‪ ،‬وعند إقامة مراكز احلراسة يف املوقع املختار ال تكون يف موضع منحدر أو‬
‫معزول‪ ،‬ألن ذلك يسم حبصاره من قبل األعداء مع إغالق املنافذ‪.‬‬

‫ويضيف "فيجيتيوس" أن املعسكر البد أن يقا جبوار مناطق تتوفر على املياه‪ ،‬اخلشب للطبخ والتدفئة‬
‫(‪)1‬‬
‫والعلف للحيواانت‪ ،‬ويكون حميطه العا صحي‪.‬‬

‫‪ -2‬شكــل وتوجيـه املعسكـر ‪:‬‬

‫ير‪" ،‬بوليبيوس" و"فالفيوس" و"إجيينيوس" أن فعالية املعسكر تكون أفضل بشكله املنتظم سواء كان مربع أو‬
‫مستطيال أي مربع الزوااي‪ ،‬أما "فيجيتيوس" فري‪ ،‬أن فعالية املعسكر ال عالقة هلا ابلشكل‪ ،‬بل مبد‪ ،‬مواءمته ملكان‬
‫تواجده‪ ،‬فيقول‪" :‬ال يهم إذا أقيم املعسكر يف شكل رابعي أو دائري أو مستطيل أو مثلث املهم هو املوقع اهلا "‪،‬‬
‫ويضيف أبن املعسكر لكي يكون أكثر تناسقا ال بد أن يكون عرضه هو ثلث طوله‪ .‬أما "إجيينيوس" ير‪ ،‬أن‬
‫املعسكر لكي يكون أكثر مالئمة فال بد أن يكون عرضه هو ثلثي طوله‪ ،‬لكن على األرج فإن هذه النسبة‬
‫املقدمة من كليهما مرتبطة ابلنظرايت الفيثاغورية والتفكري الرايضي أكثر منها ابلدواعي العسكرية‪( )2( .‬أنظر‬
‫الشكل رقم ‪.)10‬‬

‫ويتفق "إجيينيوس" و"فيجيتيوس" أن أول شرط لبناء املعسكر هو موقعه اهلا ذو االحندار الطفيف‪ ،‬ألن ذلك‬
‫يسم مبراقبة املعسكر واملناطق احمليطة به‪ ،‬لكن يبقى الشكل املستطيل هو األكثر استعماال‪ ،‬فإذا اعتربه‬
‫"فالفيوس" عادة‪ ،‬فإن "فيجيتيوس" اعتربه األفضل‪ ،‬ألن الزوااي املستديرة للمعسكر حسب "إجيينيوس" جتنب أي‬
‫(‪)3‬‬
‫نتوء يف التحصينات تسم ابقتحا املعسكر‪.‬‬

‫وابلنسبة "لفالفيوس" فالشكل رابعي الزوااي هو األفضل وهو نفس رأي "بوليبيوس" الذي يفضله يف شكل‬
‫مربع‪ ،‬ويشرح لنا "يوليوس اإلفريقي" الذي عاش يف القرن الثالث ميالدي حماسن املعسكر ذو الشكل املستطيل‬

‫‪1‬‬
‫‪- Lenoir (M), Op.cit, P-P 17-19.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- ibid, P 19.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Ibid, P 20.‬‬

‫‪6‬‬
‫مدخــــــــــــل‬

1- Prætorium 2- Via prætoria 3- Via principalis 4- Porta principalis (dextra, droite)

5- Porta decumana 6- Porta principalis (senestra, gauche) 7. Porta prætoria.

http://commons.wikimedia.org/wiki/File:Castra_layout.svg?uselang=fr:‫عــن‬

7
‫مدخــــــــــــل‬

‫بقوله‪ " :‬إنه من الضار إقامة معسكر بشكل دائري ألن ذلك يسم للعدو بتطويقه بسهولة‪ ،‬أما الشكل‬
‫املستطيل فيحتم على امله اجم تنظيم وتقسيم قواته مع توجيه أكرب عدد من قواته يف اجلهة اليت يعتقد أهنا سهلة‬
‫االقتحا "‪.‬‬

‫وهذا ليس االمتياز الوحيد هلذا الشكل‪ ،‬فالتحصينات يف اجلهة اليمىن تكون أكثر صالبة وأسهل يف اإلجناز‬
‫وتسهل عملية ترتيب احلاجيات ونقل اجلرحى أثناء اهلجمات املفاجئة ووضع مجيع القوات ابلقرب من أوامر‬
‫(‪)1‬‬
‫القيادة‪ ،‬وبذلك فإن الرومان تفطنوا المتيازات املعسكر ذو الشكل املستطيل‪.‬‬

‫‪ -3‬حتصينات املعسكــر ‪:‬‬

‫يقد لنا "ب وليبيوس" و"فالفيوس" حتصينات املعسكر ابختصار‪ ،‬فاألول يشري إىل وجود خندق أو "فوساتو "‬
‫وسور أو مرتاس املعسكر‪ ،‬أما الثاين فيشري إىل اخلارج أين جند السور مزود أببراج متباعدة ابنتظا ‪.‬‬

‫ولو أتملنا يف هذين التحصينني املكملني لبعضهما البعض‪ ،‬فالثاين (السور) يبىن معزوال عن منطقة حفر‬
‫األول‪ ،‬ومييز "إجيينيوس" بني نوعني من الفوساتو ‪ :‬اخلندق يف شكل رأس جدارين مائلني ‪(Fossa‬‬
‫)‪ Fastigana‬أما الثاين فهو خندق بونيقي )‪ (Fossa Punica‬به حائط خارجي يف اجلهة اليمىن‪ ،‬على أن‬
‫األبعاد املطلوبة يف اخلندق هي متغرية حسب اخلطر املتوقع حدوثه‪ ،‬فعرضه متغري من ‪ 1‬إىل ‪ 6‬أقدا والعمق من ‪4‬‬
‫إىل ‪ 6‬أقدا ‪ ،‬والسور حسب "إجيينيوس" يبىن من صخور متباينة احلجم‪ ،‬واملصطل املستعمل لتمييز كلمة "السور"‬
‫هو "ولو " )‪ (Vallum‬والذي يشري إىل جمموعة التحصينات املنشأة يف "املنحدر" والذي يوضع فوقه سياج من‬
‫األواتد املتجاورة‪ ،‬وهذا السياج رمبا يشكل حاجز مكون من صفائ مشبكه أو ما مساه "إجيينيوس" "لوركا"‬
‫)‪ (Lorica‬أي الدروع‪ ،‬وبذلك يشكل السور واخلندق التحصينني العاديني ألي معسكر‪.‬‬

‫‪ -4‬تنظيـم املعسكــر ‪:‬‬

‫يشري "فالفيوس" إىل أن املعسكر يض م أربع أبواب‪ ،‬واحد يف كل جانب من اجلدار‪ ،‬عرضهم يسم مبرور‬
‫املركبات احلربية والعرابت بسهولة‪ ،‬أما خميمات الضباط فتقا يف وسط املعسكر‪ ،‬ويف وسط املعسكر جند خيمة‬
‫(‪)2‬‬
‫قائد املعسكر‪ ،‬والكل شبيه مبعبد على حد تعبريه‪.‬‬

‫واخلاصية األساسية للمعسكر أنه يتم تقسيمه داخليا من خالل طريقني رئيسيني‪ ،‬وهذا لتسهيل عملية إقامة‬
‫اخليا وحركة تنقل اجلنود‪ ،‬وابألخص احلركة السريعة أثناء اهلجو والدفاع‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Cagnat (R), Op.Cit, P 445.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Lenoir (M), Op.Cit…, P-P 21-23.‬‬

‫‪8‬‬
‫مدخــــــــــــل‬

‫ويلخص "فيجيتيوس" عملية تنظيم املعسكر بقوله‪ ":‬أول عمل يتم القيا به داخل املعسكر هو وضع‬
‫الالفتات والراايت وقاعات العبادة ألهنا ذات أمهية كبرية ابلنسبة للجنود‪ ،‬مث جتهيز مقر القيادة للقائد ورفقائه‬
‫إضافة إىل خيم القضاة العسكريني‪ ،‬وفيما بعد وحسب الرتتيب تصص أماكن يف املعسكر جلنود الفيلق والفرق‬
‫املساعدة‪ ،‬سواء كانوا خيالة أو مشاة"‪ ،‬ويبدو أن أمهية وضع قاعات العبادة والراايت قد احتلت مكانة‬
‫هامة‪ ،‬وهي هبذا حتمل مدلوالت دينية وسياسية‪.‬‬

‫‪ -5‬أوصـاف املعسكــر ‪:‬‬

‫رغم أن "بوليبيوس" و"إجيينيوس" يقدمان لنا وصف للمعسكرات الرومانية لكنه وصف ملعسكرات مؤقتة تقا‬
‫جليوش احلمالت تشيد مساءا ويتم التخلي عنها يف الصباح‪ ،‬وأحياان يبىن املعسكر كتحضري للمعركة فقط‪ ،‬أو‬
‫يكون معسكر شتوي )‪ ،(Castra Hiberna‬لكن مع تزايد احلمالت البعيدة وعمليات التوسع كان ال بد من‬
‫إنشاء معسكرات دائمة للمراقبة‪.‬‬

‫وبفضل التنقيبات الربيطانية واألملانية تعرفنا على عدد معترب من املعسكرات يف احلدود الشمالية لإلمرباطوري‪.‬‬
‫لفهم أي معسكر جيدا البد علينا من طرح عديد التساؤالت واملالحظات حوله واليت تتمحور حول‪ :‬التدقيق يف‬
‫موقعه اجلغرايف وفهم أسباب إنشاءه‪ ،‬فال بد أن يكون املعسكر ذو موقع اسرتاتيجي ‪-‬وأحياان قد يكون معزول‬
‫ألنه ضمن منظومة مراقبة‪ )1( ،-‬وهل هذا املعسكر يندرج ضمن جمموعة ربط أو مراقبة أو لإلقامة فقط؟‪ ،‬وهل‬
‫أحرتمت املعايري التكتيكية عند إنشاءه؟‪ ،‬وكيف يضمن له التزود ابملاء؟‪ ،‬وهل عرف املعسكر تعديالت‬
‫وإصالحات؟‪ ،‬وهل كان جبواره جتمع بشري ما جعله أيخذ الطابع احلضري؟‪.‬‬

‫ولفهم كل هذا ال بد من تفحص أبعاد املعسكر وتوجيهه وتناسب طوله مع عرضه ومد‪ ،‬توفره على أبراج‬
‫ابرزة‪ ،‬فارتفاع هذه األبراج هو جد ها ألهنا قد تصل أحياان إىل ‪ 11‬مرت على أن هي مساحتها ضئيلة إذا ما‬
‫قورنت مبساحة املعسكر‪ ،‬كما يؤخذ شكل األركان بعني االعتبار‪ ،‬فاملعسكرات ذات الزوااي املستديرة أحياان تزود‬
‫أببراج داخلية قد تكون مربعة أو مستطيلة‪.‬‬

‫وتلعب شبكة الطرق داخل املعسكر أمهية خاصة يف ضمان تنقل اجلنود‪ ،‬وهل هذه الطرق مزودة بصفوف‬
‫أعمدة؟‪،‬كما يهتم الباحثون بتحصينات املعسكر‪ ،‬عددها أو عدد اخلنادق‪ ،‬وما هو االرتفاع الذي خص به السور‬
‫وما طبيعته؟‪ ،‬وهل زود بطريق دائري؟‪ ،‬وإذا َزود فأين منافذها (العدد واملوقع) ؟‪ ،‬وإذا زود السور أببراج فأين‬
‫تقع؟‪ ،‬وما شكلها؟ إضافة إىل موقع أبواب املعسكر يف جدار ما بني االستحكامني؟‪ ،‬وهل فيها –األبواب‪-‬أبراج‬
‫حتميها أو ممرات؟‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Lenoir (M), Op.Cit, P-P 23-31.‬‬

‫‪9‬‬
‫مدخــــــــــــل‬

‫مث نتفحص مقر القيادة‪ ،‬أبعاده‪ ،‬موقعه وطريقة إنشائه‪ ،‬وهل توجد فيه قاعة عبادة اآلهلة العسكرية؟‪ ،‬وهل‬
‫توجد قاعة البازيليك فيه؟‪ ،‬ليتم وصف املباين الداخلية يف املعسكر‪ ،‬ونعين مسكن قائد املعسكر املعروف‬
‫"ابلربوتوريو " )‪ (Praetorium‬واملستشفى واإلسطبالت واملستودعات واحلمامات وورشات التصنيع‪ ،‬إضافة إىل‬
‫ثكنات القوات‪ ،‬مع إبراز اجلنود املتواجدين فيها (وحدات املائة‪ ،‬سرااي اخليالة والكتائب)‪.‬‬

‫كل هذه املعطيات نربطها ابحمليط احلريب للمعسكر والذي يتضمن اإلطار اخلصوصي للجنود (أي منازهلم‬
‫ومحاماهتم وإسطبالهتم ومستودعاهتم وكذلك مقابرهم العسكرية)‪ ،‬واإلطار اإلسرتاتيجي بتفحص عالقاهتم مع‬
‫املؤسسات العسكرية القريبة (أبراج الرصد واملراكز املتقدمة)‪ ،‬وأخريا حناول تقدمي صورة عن اتريخ املعسكر اعتمادا‬
‫(‪)1‬‬
‫على النقوش الكتابية والتنقيبات األثرية اليت تسم لنا مبعرفة القوات املتعاقبة عليه‪.‬‬

‫‪ -6‬املصطلحــات املعمارية للمعسكــر ‪:‬‬

‫كما أشران من قبل فإن املعسكر يتكون من جمموعة من املنشآت واملباين واملرافق‪ ،‬مسحت لنا التنقيبات األثرية‬
‫من التعرف عليها‪ ،‬وميكن أن نقسم املعسكر داخليا إىل ثالث أقسا ‪:‬‬

‫جانب مقر القيادة )‪ ،(Prétoire‬اجلهة اخللفية )‪ (Rétenture‬واألمامية )‪)2( ،(Prétenture‬مع‬


‫منشآت أخر‪ ،‬سنحاول التعرف إليها‪:‬‬
‫أ‪-‬جانب مقر القيادة )‪:(Latus Praetorii‬‬

‫هذا املبىن يلعب دور مقر القيادة يف املعسكرات الدائمة‪ ،‬وحيمل اسم "برنسيبيا")‪ ، (Principia‬وتقع هذه‬
‫البناية يف اجلزء األوسط يف جانيب املعسكر‪ ،‬ومييز املؤرخون القدماء بني الباب الرئيسي األمين والباب الرئيسي‬
‫األ يسر‪ ،‬لكن املؤرخون العصريون وشارحو النصوص القدمية وأخصائيو اجليش الروماين واألثريون يعتربون أن هذا‬
‫االصطالح يعود على الشخص املالحظ للمعسكر الذي يقف يف وسطه‪ ،‬وإذا حاولنا تفسري النصوص القدمية‬
‫فإن الباب الربيتوري يقع يف اجلانب الشرقي للمعسكر‪ ،‬أي يف اجتاه العدو‪ ،‬أما ابب الديكامانوس فهو مقابل له‪.‬‬

‫وعليه فإذا استعمل املؤرخون القدماء مصطلحي ابب شرقي وغريب‪ ،‬فإننا نفهم أن الراوي دخل املعسكر من‬
‫الباب الربيتوري فقابله مقر القيادة‪ ،‬وابلتايل فاملعسكر موجه حنو الشرق‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Lenoir (M), Op.Cit, P-P 32-33.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Lenoir (M), Recherches sur la castramétation romaine. Établissement, traduction et commentaires du texte du‬‬
‫‪pseudo-Hygin, De munitio nibus castrorum, institut E.P.H.E,4e section, S.H.P, 1975, P 1072.‬‬

‫‪10‬‬
‫مدخــــــــــــل‬

‫ب‪-‬الســاحـة )‪:(Forum‬‬

‫أي معسكر يرتبط ابملدينة من خالل ساحة‪ ،‬وهي مطابقة للفناء املركزي ملقر القيادة‪ ،‬واليت يذكرها‬
‫"إجيينيوس" بقوله‪ ":‬يف املعسكر تقا القروما )‪ (Groma‬يف اجلهة اليمىن من ملتقى الطرق ما يشكل ساحة"‪،‬‬
‫ويذكر لنا فاستوس )‪ (Festus‬عن وجود سوق للسلع خلف الربوتوريو ‪ )1( ،‬لكننا ال نعرف مد‪ ،‬صحة هذا‬
‫القول‪ ،‬بل نعتقد عن وجود منصات ابلقرب من الربوتوريو ‪ ،‬وإذا اعتمدان على مقتطفات بعض املصادر فإهنا تشري‬
‫إىل وجود الساحة خلف الربوتوريو أو جبواره‪ ،‬وهو الرأي األكثر قبوال وبذلك نعترب الساحة جزء من مركز القيادة‪.‬‬
‫جـ‪-‬القرومــا )‪:(Groma‬‬

‫حنن نعرف أن القروما هي عبارة عن آلة طبوغرافية تسم بتحديد حمورين عموديني يف نقطة واليت تعرف‬
‫حاليا ابسم العضادة‪ ،‬وهي جزء من أداة ملس األراضي‪ ،‬وتسم لنا هذه اآللة بتحديد حموري املعسكر ومواقع‬
‫األبواب‪ ،‬لكن أيضا هذا املصطل يشري إىل مبىن يسبق مقر قيادة املعسكر‪ ،‬يوصف على أنه فخم ذو شكل‬
‫مربع‪ ،‬له أربعة أبواب يف وسط كل جانب‪ ،‬متماثلة يف موقعها ومن أشهرها جند قروما ملباز‪.‬‬

‫د‪-‬اجلهة األمامية )‪ :(Prétenture‬وهو اجلزء األمامي من املعسكر‪ ،‬والذي يقع بني مقر القيادة والباب‬
‫الربيتوري حيث يعرب عليه‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫هـ‪-‬مقـر القيــادة )‪ :(Prétoire‬يف أي معسكر دائم جنده وهو مسكن قائد املعسكر‪.‬‬
‫و‪-‬األبراج‪ :‬أركان املعسكر وممرات األبواب عادة ما تكون مزودة أببراج‪ ،‬وحىت جدار ما بني االستحكامني‬
‫يزود هو األخر أببراج‪ ،‬وقد تكون ذات نتوء داخلية أو خارجية‪ ،‬وهلا أشكال هندسية عديدة فنجد املربعة‪،‬‬
‫املستطيلة والدائرية‪ ،‬نصف الدائرية وأخر‪ ،‬بشكل حرف ‪ ،U‬واألكيد أن األبراج تعطي للمعسكر مجالية وقوة‬
‫ومراقبة أفضل‪( .‬أنظر الشكل ‪.)14‬‬
‫‪-7‬املصطلحات العسكرية للمعسكر‪:‬‬

‫مييز علماء اآلاثر بني نوعني من املعسكرات‪ ،‬واحدة خمصصة لقوات الفيلق وأخر‪ ،‬للفرق املساعدة‪ ،‬ومعيار‬
‫التمييز املعتمد من طرفهم مد‪ ،‬احرتا معايري إجناز املعسكر وخصوصا املساحة ألنه أيوي الفيلق أبكمله الذي‬
‫يضم يف صفوفه حوايل ‪ 7111‬جندي‪ ،‬وابلتايل مساحة املعسكر تكون ما بني ‪ 21-21‬هكتار‪ ،‬أما معسكر‬
‫)‪(3‬‬
‫الفرق املساعدة فيأوي حوايل ‪ 1111‬جندي ما يعين أن مساحته تقدر حبوايل ‪ 7‬هكتارات‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Lenoir (M), Le camp…, P-P 33-35.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Ibid, P-P 35-36.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Lanoir(M) , le camp, P-P 38-39.‬‬

‫‪11‬‬
‫مدخــــــــــــل‬

http://voyagesenduo.com/italie/rome_antique_castra.html :‫عن‬

12
‫مدخــــــــــــل‬

‫لكن املشكلة هو أن تعداد الفرق املساعدة متغري‪ ،‬فنجد الفرق اخلمسمائنية‪ 111-‬جندي‪-‬واأللفية ‪1111-‬‬
‫جندي‪-‬سواء كانوا مشاة أو فرق خيالة أو خمتلطني‪ ،‬إضافة إىل الفصائل )‪ (Numeri‬اليت تضم عادة سو‪،‬‬
‫الفرسان‪ ،‬وبذلك فمساحة املعسكرات هي األخر‪ ،‬متباينة‪.‬‬

‫مييز املؤرخون بني ثالثة أقسا يف اجليش الروماين‪ :‬القوات الفيلقية‪ ،‬وحدات النخبة (الكتائب الربيتورية اخليالة‬
‫الربيتوريني‪ ،‬وفرسان النخبة)‪ ،‬وقوات املساعدين‪ ،‬وهناك من يضيف الفصائل اجملندة من املقاطعات الرومانية‬
‫واملتخصصة يف سالح معني‪ ،‬وللتمييز بني معسكرات هذه األقسا من القوات الرومانية يقد الباحثون هذه األوصاف‪:‬‬

‫‪ -‬القوات الفيلقية ووحدات النخبة‪ :‬تقيم يف معسكرات مستطيلة‪ ،‬أما املساحة فمرتبطة ابلسط‬
‫والوظائف املسندة وطبيعة القوات‪ ،‬ويقرتح "اجيينيوس" مساحة ‪ 21711‬قد مربع إلقامة كتيبة ‪ 111-‬جندي‪-‬‬
‫فهذه املساحة حسب رأيه تسم ابلتحرك املنظم للقوات‪.‬‬

‫الفرق املساعدة والفصائل‪ :‬فحسب عدد اجلنود يكون حجم معسكرها عرب قاعدة مفادها كل جندي‬
‫مقابل طول معني قدره قد ومخسه (حوايل ‪ 31‬سم) إذا كان جندي مشاه‪ ،‬وقدمني ونصف (‪61‬سم) للفارس‬
‫وهي حساابت غريبة وغري مقبولة‪ ،‬لكن املهم فيها هو أن معسكر اخليالة هو مضاعف يف مساحته على معسكر‬
‫املشاة‪ ،‬فإذا كانت الكتيبة تضم ‪ 711‬جندي فإن موضع املعسكر يكون بطول ‪ 621‬قد (‪ ،)1.2×711‬لذلك‬
‫البد من إبراز عدد قوات كل وحدة عسكرية‪:‬‬
‫‪ -‬الفيلق )‪:(Légion‬‬

‫يتكون الفيلق من عشرة كتائب تضم ستة وحدات مئوية‪ ،‬عدد قوات الكتيبة األوىل يف الفيلق مضاعف‪،‬‬
‫وحدة املائة تضم حوايل ‪ 21‬جندي‪ ،‬الكتيبة تضم ‪ 321‬جندي‪ ،‬أما الكتيبة األوىل فيصل عددها إىل ‪671‬‬
‫جندي‪ ،‬وبذلك فإن اجملموع النظري للفيلق هو ‪1221‬جندي‪ ،‬وإذا كانت كل كتيبة مكونة من ‪ 711‬جندي فإن‬
‫عدد قوات الفيلق يصل إىل ‪ 7711‬جندي طبعا مع املشاة املساعدين‪.‬‬

‫‪ -‬الفرقة األلفية )‪ :(Ala Miliaria‬فرقة مساعدة تتكون فقط من اخليالة‪ ،‬عدد قواهتا خمتلف فيه بني من‬
‫يقدره بـ‪ 671‬جندي أي ‪ 23‬سرية من ‪ 31‬فارس‪ ،‬لريتفع العدد إىل ‪ 1111‬جندي‪ ،‬ويف املقابل فإن فرقة املشاة قد‬
‫)‪(1‬‬
‫يصل أحياان إىل ‪ 2111- 2311‬جندي‪.‬‬

‫‪ -‬الفرق اخلمسمائنية )‪ :(Ala Quingenaria‬فرقة مساعدة تتكون فقط من اخليالة عدد قواهتا يقدر ب‬
‫‪ 321‬جندي‪ ،‬يقسم إىل ‪ 17‬سرية‪ ،‬وهو ما يقابله وحدة مشاة مساعدة تضم ‪1211‬جندي‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Lenoir (M), Le camp…, P-P 39-40.‬‬

‫‪13‬‬
‫مدخــــــــــــل‬

‫‪ -‬الكتيبة األلفية للخيالة )‪ :(Cohors Equitata Miliaria‬كتيبة مساعدة لكنها خمتلطة تضم يف‬
‫صفوفها ‪ 671‬جندي مشاة مقسمني يف ‪ 11‬وحدات مئوية وجبانبهم ‪ 231‬فارس مقسمني يف ‪ 7‬سرااي لريتفع‬
‫عدد هذا النوع من الفرق إىل ‪ 1471‬جندي مشاة‪.‬‬

‫‪ -‬الكتيبة اخلمسمائنية للخيالة )‪ :(Cohors Equitata Quingenaria‬وحدة خمتلطة تضم ‪421‬‬


‫جندي مشاة مقسمني إىل ‪ 7‬وحدات مئوية و‪ 121‬فارس مقسمني يف ‪ 4‬سرااي لريتفع عددها هي األخر‪ ،‬إىل‬
‫‪ 721‬جندي مشاة‪.‬‬

‫‪ -‬كتيبة املشاة األلفية )‪ : (Cohors Peditata Miliaria‬هي خمتلطة من املشاة عددها يقدر ب‬
‫‪ 1111‬جندي‪.‬‬

‫‪ -‬كتيبة املشاة اخلمسمائنية )‪ : (Cohors Peditata Quingenaria‬وحدة خمتلطة من املشاة تتكون‬


‫)‪(1‬‬
‫من ‪ 7‬وحدات مئوية عددها الكلي ‪ 111‬جندي‪.‬‬

‫وسنوض كل هذه الوحدات يف اجلدول التايل‪:‬‬


‫عدد قواتها‬ ‫الوحدة العسكرية‬
‫‪ 7711‬جندي‪.‬‬ ‫الفيلق‪.‬‬
‫‪ 2311‬جندي‪.‬‬ ‫الفرقة األلفية‪.‬‬
‫‪ 1471‬جندي‪.‬‬ ‫الكتيبة األلفية للخيالة‪.‬‬
‫‪ 1211‬جندي‪.‬‬ ‫الفرقة اخلمسمائنية‪.‬‬
‫‪ 1111‬جندي‪.‬‬ ‫كتيبة املشاة األلفية‪.‬‬
‫‪ 721‬جندي‪.‬‬ ‫الكتيبة اخلمسمائنية للخيالة‪.‬‬
‫‪ 111‬جندي‪.‬‬ ‫كتيبة املشاة اخلمسمائنية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Lenoir (M), Le camp,… P-P 40-41.‬‬

‫‪14‬‬
‫الفصل األول‪:‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها‬
‫حتى األسرة الفالفية‬

‫املبحث األول‪ :‬التاريخ احلربي للفرقة من التأسيس حتى سنة ‪ 66‬م‪.‬‬

‫املبحث الثاني‪ :‬آليات التجنيد والفرق املساعدة‪.‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬الوظائف والرتب العسكرية داخل الفرقة األوغسطية الثالثة‪.‬‬


‫املبحث األول‬
‫التاريخ احلربي للفرقة من التأسيس حتى سنة ‪ 66‬م‬

‫أوال‪ :‬الفرقة يف عهد األسرة اليوليوكلودية (‪47‬ق‪.‬م‪66-‬م( ‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الفرقة األوغسطية الثالثة يف عهد األسرة الفالفية (‪66-66‬م)‪.‬‬


‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫املبحث األول‪ :‬التاريخ احلربي للفرقة من التأسيس حتى سنة ‪ 66‬م‪.‬‬


‫أوال‪ :‬الفرقة يف عهد األسرة اليوليوكلودية (‪47‬ق‪.‬م‪66-‬م( ‪:‬‬
‫‪-0‬السياق العام لظهور الفرقة يف إفريقيا‪:‬‬
‫سيطر الرومان على إقليم واسع تسكنه قبائل حماربة للرومان وغري خاضعة هلم وميزهتا األساسية أهنا غري‬
‫مستقرة‪ ،‬ما حتم على الرومان وضع منظومة إدارية وعسكرية ملواجهة هذه القبائل ومحاية مصاحلهم‪ ،‬البداية كانت‬
‫مع "سكيبيو اميليانوس" الذي أنشأ مقاطعة رومانية مشلت ما كانت تشغله قرطاج واليت عرفت أبفريكا)‪(Africa‬‬
‫وتشمل تقريبا تونس احلالية‪ ،‬وبعد انتصار قيصر على"يواب" يف معركة اتبسوس (‪ )Thapsus‬أحلق نوميداي فظهرت‬
‫مقاطعة إفريقيا اجلديدة )‪ (Africa Nova‬إىل جانب األوىل‪ ،‬ونظرا لعد إستقرارية واضطراب املنطقة فإنه مت ترك‬
‫عدة فرق عسكرية ركزت تواجدها يف املناطق األقل هدوءا ونعين ابخلصوص "نوميداي")‪ ،(1‬وبعد عدة سنوات قا‬
‫اإلمرباطور"أغسطس" إبعادة تنظيم اإلمرباطورية حيث قسم نوميداي إىل ثالثة أقسا اثنني منها وضعت حتت‬
‫السيطرة الرومانية والقسم الثالث حتت النفوذ املوريطاين‪ ،‬كما مت دمج والييت إفريقيا يف والية واحدة عرفت ابسم‬
‫"إفريقيا الربوقنصلية" )‪ (2 (Africa Proconsularis‬واليت وضعت حتت سلطة قائد واحد هو الربوقنصل‪،‬‬
‫والذي مجع بني السلطتني اإلدارية والعسكرية إىل غاية عهد اإلمرباطور كاليقوال)‪ (Caligula‬الذي فصل قيادة‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة عن الربوقنصل‪ ،‬وبذلك فإن الفيلق اإلفريقي مل يعد خيضع ألوامر الربوقنصل وهذا منذ سنة‬
‫‪ 46‬تقريبا‪ ،‬أين أسندت قيادة الفرقة إىل"الليقاتوس" )‪ ( Legatus‬الذي منحه اإلمرباطور لقب »القاضي‬
‫املخول « حيث متتع بصالحيات واسعة وال حياسبه سو‪ ،‬اإلمرباطور‪ ،‬فجمع قائد الفيلق هبذا بني تسيري إدارة‬
‫)‪(3‬‬
‫مقاطعة "نوميداي" وقيادة القوات‪.‬‬
‫وهبذا فصل الرومان بني األراضي املدنية اهلادئة واألراضي العسكرية املضطربة‪ ،‬فإفريقيا الربوقنصلية غنية‬
‫ومزدهرة وهادئة جمتمعة حول "قرطاج"‪ ،‬حيكمها الربوقنصل املخول وهي ال حتتاج إال لعدد قليل من اجلنود لتثبيت‬
‫األمن واحلفاظ على النظا ‪ ،‬أما يف "نوميداي" فكان على الرومان مواجهة قبائل متحركة وغري مستقرة‪ ،‬وهبذه‬
‫الطريقة قسمت مشال إفريقيا إىل مقاطعات سيناتورية ‪-‬مدنية‪ -‬هي أكثر استقرارا ممثلة يف الربوقنصلية وأخر‪،‬‬
‫حباجة إىل عمل عسكري ممثلة يف نوميداي‪ ،‬وبعد اخلضوع الكلي لشمال إفريقيا لسلطة الرومان مت تقسيمها إىل‬
‫أربعة مقاطعات الربوقنصلية ونوميداي واملوريطانيتني‪ ،‬ونالحظ أن هذه املقاطعات دخلت يف احلضارة الرومانية لكن‬
‫)‪(4‬‬
‫بدرجات متفاوتة حيث تقل كلما توجهنا جهة احمليط األطلسي‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪-Boissier (G), L’Afrique‬‬ ‫‪Romaine promenades archéologiques en Algérie et en Tunisie, Paris, Hachettecie‬‬
‫‪1895 , P 37.‬‬
‫‪ -2‬شافية (ش) وآخرون‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪-‬ص ‪.62-76‬‬
‫‪ .‬ه( ‪ ،‬التاريخ‪ ، ...‬ص‪-‬ص ‪.162-161‬‬ ‫‪-3‬حارش (‬
‫‪4‬‬
‫‪-Boissier (G), Op. Cit, P-P37-38.‬‬

‫‪18‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫كانت نوميداي املقاطعة األقل هدوءا‪ ،‬لذلك سنر‪ ،‬أن الرومان سريكزون اهتمامهم العسكري عليها من خالل‬
‫مجلة من اإلجراءات والتدابري أبرزها إقامة معسكرات وحصون وقالع ونشر فرق عسكرية يف مجيع مناطقها خاصة‬
‫على التخو اجلنوبية‪ ،‬فكان حتدي الرومان األول هو تثبيت األمن والسلم فيها‪ ،‬وهو ليس ابألمر السهل يف ظل‬
‫وجود قبائل اثئرة ومقاومة هلم‪.‬‬
‫كانت القبائل النوميدية جتوب عابرة الصحراء واهلضاب العليا حبثا عن الكأل ملاشيتهم وهي معطيات كان‬
‫على الرومان أخذها بعني االعتبار‪ ،‬فأظهر الرومان يف البداية قلة حرص حول إقامة منشآت عسكرية‪ ،‬وهذا‬
‫حفاظا على اجليش من جهة وألن التوسع العسكري مكلف من جهة أخر‪ ،،‬فاألابطرة كانوا دائما يعانون‬
‫صعوابت يف دفع رواتب اجلنود‪ ،‬ولكي نفهم أحسن سياستهم العسكرية يف هذه املقاطعة ونعين نوميداي البد أن‬
‫نقد يف البداية توضيحات عامة‪.‬‬
‫علينا أن نتذكر أنه بوفاة اإلمرباطور "أغسطس" حتول نشاط اجليش الروماين إىل ما ميكن تسميته جبيش‬
‫احلدود » ‪ « L’armée De Ligne‬فقدر عدد الفيالق خبمسة وعشرون فيلقا‪ ،‬لريتفع العدد إىل ثالثني يف عهد‬
‫اإلمرباطور" فاسباسيانوس" )‪ (Vespasien‬وثالثة وثالثون يف عهد "السيفريني" أي ما يعين حوايل ‪ 211‬ألف‬
‫جندي‪ ،‬وهو عدد قليل إذا ما قورن بشساعة رقعة اإلمرباطورية‪ ،‬لكن يف الواقع شكلت هذه الفيالق النظامية‬
‫نصف اجليش فقط اليت كانت مكونة من املواطنني الرومان ألن النصف األخر مكون من فرق أخر‪ ،‬مساعدة مت‬
‫االستعانة هبا مقابل استفادهتا من حق املواطنة الرومانية خصوصا يف املناطق اليت عرفت مبقاومتها ورفضها للوجود‬
‫الروماين‪ ،‬وهذه الفرق ممثلة يف اخليالة الذين يسمون ابلفرق )‪ ،(Alae‬وكتائب املشاة‪ ،‬اليت محلت أمساء املناطق اليت‬
‫وجدوا هبا‪ ،‬وأحياان اليت وجهوا إليها أو حسب السالح الذي يستخدمونه‪.‬‬
‫وكان يقود تلك الفرق والكتائب أشخاص حمليون لكن بعد مترد "البااتف" )‪- (Bataves‬فرقة خيالة‬
‫مساعدة للرومان يف غالية‪-‬يف عهد "فاسباسيانوس" مت وضع ضباط رومان على رؤوسها‪ ،‬ومل تكن الفيالق الرومانية‬
‫مكونة من كتائب املشاة فقط بل جند هبا أيضا فرق اخليالة‪ ،‬ويطلق على هذه الكتائب والفرق غري النظامية‬
‫)‪(1‬‬
‫ابجليش املساعد)‪ (Auxilia‬ألهنا كانت تستخد فقط يف احلاالت الطارئة إىل جانب الفيالق‪.‬‬
‫نعود إىل إفريقيا لنبحث عن الفيالق والكتائب اليت كانت مكلفة مبهمة الدفاع عنها ومناطق توزيعها وهو ما‬
‫عرفناه من خالل النقوش الكتابية‪ ،‬فإفريقيا الربوقنصلية وهي مقاطعة سيناتورية كان الربوقنصل فيها يقود فيلقني‬
‫الفيلق الفوملنيت الثاين عشر) ‪ (Legio XII Fulminata‬والفيلق اإلسباين التاسع ) ‪(Legio IX Hispana‬‬
‫خالل فرتة وجيزة‪ ،‬إضافة إىل الفرقة األوغسطية الثالثة وفرق وكتائب أخر‪ (2) ،،‬أما يف موريطانيا القيصرية فال جند‬
‫فيها سو‪ ،‬الكتائب املساعدة وقدر عددها ب‪ 11‬كتيبة و‪11‬فرق وفصيلتني‪ ،‬وكلها يقودها وكيل اإلمرباطور‬

‫‪1‬‬
‫‪- Boissier (G), Op.Cit, P-P 41-43.‬‬
‫‪- le Bohec (Y), Histoire de l’Afrique Romaine (146 avant J.-C.-439 après J.-C.), Picard 2005, P-P 98-102.‬‬
‫‪2‬‬

‫‪19‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫)‪ )Procurator‬وجمموع عددها حوايل ‪ 1111‬جندي‪ ،‬وموريطانيا الطنجية اليت حيكمها وكيل اإلمرباطور ال جند‬
‫هبا هي األخر‪ ،‬قوات نظامية‪ ،‬وتشري النقوش إىل وجود ‪ 11‬فرق و‪ 12‬كتيبة وفصيلة واحدة وهي األخر‪،‬‬
‫)‪(1‬‬
‫جمموعها يقدر ب ‪ 1111‬جندي‪.‬‬
‫لكن يبقى الفيلق النوميدي املمثل يف الفرقة األوغسطية الثالثة هو أشهر الفيالق الرومانية نظرا لعدده املعترب‬
‫وكفاءة طاقمه العسكري وأدواره احلربية على امتداد تواجده التارخيي يف نوميداي‪ ،‬وإذا حاولنا تقدمي إحصاء عن‬
‫العدد الكلي للجيش الروماين يف مشال إفريقيا فإن "مومسن")‪ (Mommsen‬ير‪ ،‬أن جمموعها يقدر أبكثر من‬
‫‪ 31‬ألف جندي كنظاميني ومساعدين‪ ،‬وهو كما أشران عدد قليل يف فرتات السلم واألمن فما ابلك أبوقات‬
‫احلرب لتغطية هذا القطر الشاسع‪ ،‬ومن هنا نتساءل عن اإلجراءات املتخذة من قبل الرومان لسد هذا النقص‬
‫العددي يف القوات العسكرية ؟‪ ،‬والذي ميكن تفسريه عرب هذه اإلجراءات واإلسرتاتيجيات‪:‬‬
‫أوال‪:‬‬
‫عرف الرومان كيفية استخدا وتنظيم جيوشهم مبهارة وذكاء واحرتافية من خالل توزيعهم على هذا القطر‬
‫الشاسع‪ ،‬فتم نشر القوات يف املراكز واحلصون والقالع وأبراج املراقبة‪ ،‬ومت الربط بينها عرب شبكة من الطرق ما‬
‫سهل عملية التواصل واالنتقال بني هذه التحصينات واالستحكامات واليت بنيت إبسرتاتيجية وحصانة لتزداد‬
‫فعالية اجلنود الرومان مع تعرفهم على عادات العيش وتعودهم أكثر على جغرافية ومناخ وطبيعة املنطقة والسكان‪.‬‬
‫ثانيــــا‪:‬‬
‫مت اختيار مواقع املعسكرات الرومانية بعناية خاصة حيث أقيمت يف مناطق تسم هلم مبراقبة األشخاص‬
‫وتنقالهتم ومصادر املياه كاألودية واآلابر والينابيع‪ ،‬فسيطروا على املمرات واملسالك وراقبوا الطرق وأقاموا احلصون‬
‫والقالع الصغرية )‪ (Burgi‬على التخو ‪ ،‬واملتكونة من سور مستطيل له أربعة أبواب مثل املعسكرات الرومانية‬
‫وحمصنة أببراج مستديرة أو مربعة‪ ،‬ما ساهم يف استقرار املزارعني جبوارها ملمارسة الزراعة مع اللجوء إليها مع أسرهم‬
‫)‪(2‬‬
‫يف حالة اخلطر‪ ،‬وتكمن أمهيتها يف املراقبة‪ ،‬اإلعال والتحذير وبسرعة قادة اجليش‪.‬‬
‫ثالثــــــا‪:‬‬
‫احلصون املقامة من قبل الرومان هي متصلة فيما بينها بواسطة أبراج معزولة منها ما بقي حطامه‪ ،‬وهي عموما‬
‫ضيقة‪ ،‬البعض له أبواب ودرج يؤدي إىل القمة‪ ،‬وأخر‪ ،‬ميكن الوصول إليها عرب سلم موضوع يف اخلارج‪ ،‬يسحب‬
‫بعد الصعود‪ ،‬وكانت خمصصة حسب كانيا )‪ (Cagnat‬لإلبالغ وإيصال األخبار بني احلصون ولإلعالن عن دنو‬
‫خطر ما من خالل إشعال النار أو شعلة خالل الليل والدخان خالل النهار تلم عن بعد‪ ،‬وأحياان يتم االستعانة‬
‫أبسلوب أكثر تعقيدا وصفه لنا فيجيتيوس )‪" (Végèce‬حيث يتم رفع رافده وإنزاهلا‪ ،‬وهبذه الطريقة ينقل اخلرب إىل‬
‫‪1‬‬
‫‪- le Bohec (Y), P-P 102-105.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Boissier (G), Op.Cit, P-P 44-45.‬‬

‫‪20‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫املركز اجملاور‪ ،‬هذا ما ميكن أن نسميه ابلربق اجلوي وبذلك حيذر القادة وتتحرك القوات على السريع خصوصا مع‬
‫)‪(1‬‬
‫وجود طرق تسهل حركة انتقال اجليوش‪.‬‬
‫هذا النوع من التنبيهات يف بلد مل خيضع كلية للرومان مس هلم ابلتحكم يف القبائل الليبية اليت انقسمت‬
‫وتصارعت فيما بينها‪ ،‬وأخر‪ ،‬شكلت عالقة صداقة وحتالف مع الرومان‪ ،‬وبذلك مجعوا بني ضم وكسب ود‬
‫القبائل الليبية من جهة‪ ،‬وتطوير منظومتهم العسكرية والدفاعية من جهة أخر‪ ،‬بقمع الثورات املعادية هلم والتوسع‬
‫جنواب‪ (2) ،‬هذه اإلجراءات املتخذة والتدابري املوضوعة مع سرعة حترك القوات الرومانية واتاذها للقرار يف األوقات‬
‫العصيبة ومعرفتهم للمنطقـة وسكاهنا والدعـم املتبادل ابلقـوات بني خمتلف املقاطعات كلها عوضت النقص العددي‬
‫وحقق هلم انتصارات عديدة‪.‬‬
‫والبد من اإلشارة أن الفرق املذكورة ليست فقط اليت مت استخدامها يف محاية املقاطعات‪ ،‬حيث يعتقد‬
‫"كانيا" أنه كانت توجد فرق أخر‪ ،،‬لكن اإلشارات عنها قليلة إن مل نقل اندرة‪ ،‬وهي األخر‪ ،‬قدمت خدمات‬
‫كبرية للرومان‪ ،‬ويالحظ املؤرخون أنه من بني الفرق والكتائب املساعدة املتواجدة يف نوميداي وموريطانيا ال يوجد‬
‫سو‪ ،‬ثالث أو أربع نعرفها من خالل امسها ألنه يعرب عن منطقة جتنيدها‪ ،‬فيذكر لنا "اتكتيوس" )‪ (Tacite‬عن‬
‫)‪(3‬‬
‫احلاكم الذي حكم املوريطانيتني كان حتت قيادته ‪ 16‬كتيبة و‪ 11‬فرق من الفرسان إضافة إىل فصيلة من املور‬
‫وابلتايل فإن موضوع اجليش الروماين يف مشال إفريقيا ال يزال غامضا وتكتنفه الصعوبة يف ظل تعدد الفرق‬
‫والكتائب املتواجدة هبا‪.‬‬
‫حيصي املؤرخون ثالثة مشاكل إسرتاتيجية ومتداخلة واجهها الرومان بدرجات متفاوتة يف املقاطعات اإلفريقية‬
‫ممثلة يف سكان الصحراء والبدو الرحل وسكان اجلبال‪ ،‬ونقطة التقاء وجتمع هؤالء كانت األوراس وجنوب نوميداي‬
‫وإقليم طرابلس‪ ،‬فكان البد من وضع فيلق ذو كفاءة عالية لرصد حتركات هؤالء ووضع حد هلا‪ ،‬وكان هذا الفيلق‬
‫هو الفرقة األوغسطية الثالثة موضوع الدراسة‪.‬‬
‫يعرف الفيلق )‪ (Légion‬كما أشران من قبل أبنه وحدة عسكرية من املشاة وهو أساس اجليش الروماين‪،‬‬
‫على أنه كان متغري العدد حيث ميكن أن يصل عدده إىل ‪ 1111‬جندي‪ ،‬ويتم تقسيم الفيلق إىل ‪ 11‬كتائب‬
‫)‪ ،(Cohorte‬كل كتيبة جند فيها ‪ 14‬شرذمات )‪–( Manipule‬يرتاوح عدد جنود الشرذمة مابني ‪ 121‬إىل‬
‫‪ 211‬جندي‪-‬أي ‪ 17‬وحدات مئوية )‪ (Centurie‬على أننا جند يف الكتيبة األوىل للفيلق مخسة وحدات مئوية‬
‫وابلتايل فإن الفيلق يشكل جيش يتم تنظيمه يف صفوف أثناء املعارك‪ ،‬واعتمد الرومان ابألساس على تكتيك‬

‫‪1‬‬
‫‪- Cagnat (R), Op. Cit, P 638.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Ibid, P 638.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Boissier (G), Op. Cit, P-P 45-46.‬‬

‫‪21‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫الكتائب الذي رغم أنه ال يقد القوة أو عنصر املفاجأة لكنه يسم ابخلفة وسرعة التحرك‪ ،‬فكانت تنظم كأهنا‬
‫)‪(1‬‬
‫فيالق يف عدة صفوف‪ ،‬ثالثة أمامية‪ ،‬أربعة يف الوسط وثالثة يف اخللف‪.‬‬
‫كما جند يف كل كتيبة شرذمة خاصة برماية الرماح )‪ (Hastati‬مث أتيت بعدها الشرذمة األوىل‬
‫)‪(Principes‬يف الصف الثاين وشرذمة الصف الثالث )‪ (Triarii‬أما اخليالة فيحمون القائد )‪(Légat‬‬
‫)‪(2‬‬
‫وينقلون أوامره‪.‬‬
‫إضافة إىل الكتائب جند فرق اخليالة )‪ (Aile‬وهي عبارة عن وحدة عسكرية عددها حوايل ‪ 111‬فارس‬
‫يتقاضون أكثر من املشاة وهذا رمبا يبدو متناقضا ألنه من النظرة التكتيكية املشاة هم العنصر األكثر أمهية ودورا يف‬
‫املعارك عرب اتريخ اإلمرباطورية‪ ،‬وميتاز اخليالة بكوهنم متخصصني ويعرفون امتطاء األحصنة‪ ،‬قسمت هذه الفرق إىل‬
‫‪ 17‬سرية )‪ ،(Turme‬الكتائب عدد أفرادها أيضا هو حوايل ‪ 111‬جندي للواحدة مقسمة إىل ‪ 17‬وحدات‬
‫مئوية على أن بعض الكتائب كانت حتمل اسم فرق خيالة )‪ (Equitatae‬وهو اصطالح يثري لنا موضوع‬
‫للنقاش‪ ،‬وتسم لنا كتاابت "جوزيف فالفيوس" و"إجينيوس" إضافة إىل النقوش الكتابية بفهم طبيعة هذه‬
‫الوحدات العسكرية فكتيبة خيالة )‪ (Cohors Equitata‬هي كتيبة خمتلطة جند فيها ‪ 17‬وحدات مئوية من‬
‫املشاة وثالثة سرااي من اخليالة‪ ،‬واليت تسمى كتيبة اخلمسمائنية )‪ (Quingenariae‬ألهنا تضم ‪ 111‬رجل‪.‬‬
‫وعلى أبعد تقدير يف ‪ 76-72‬برزت الوحدات األلفية )‪ 1111-(Milliaria‬جندي‪-‬أي أن هذه الفرق‬
‫أو الكتائب العسكرية مشكلة من حوايل ‪ 1111‬جندي‪ ،‬الفرقة األلفية تقسم إىل ‪ 23‬سرية و‪ 11‬وحدات مئوية‪،‬‬
‫أما كتيبة اخليالة )‪ (Equitata‬فتضم ‪ 11‬وحدات مئوية و‪ 7‬سرااي‪.‬‬
‫وجند أيضا الفصائل )‪ (Numerus‬ويقصد هبا وحدة ذات خصوصيات عسكرية وإثنية متيزها‪ ،‬فأي فيلق‬
‫ي ضم يف صفوفه جنود جملوبني من مناطق بعيدة أو دخالء عليها مت جتنيدهم بسبب خصوصيات أوطاهنم‪ ،‬مثل ما‬
‫نالحظه يف بعض الفصائل السورية مثل الفصيلة التدمرية )‪ (Palmyréniens‬واحلمصية)‪(Héméséniens‬‬
‫واليت كانت ذائعة الصيت يف رمي النبال‪ ،‬ما يعين أن الفرق الرومانية كانت متنوعة إثنيا أو عرقيا‪ ،‬ويعتقد املؤرخون‬
‫)‪(3‬‬
‫أن سبب قدومها هو قدرهتا على التأقلم مع البيئة الصحراوية‪.‬‬
‫نعود إىل الفرقة األوغسطية الثالثة عن تعريفها وأصل هذه التسمية وفرقها املساعدة واتريخ نشأهتا وظهورها‬
‫ومعسكرها يف حيدرة وتبسة وصوال إىل ملباز ودورها وتنظيمها العسكري والعديد من األمور‪.‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة ) ‪ ( Legio III Augusta‬هو الفيلق الوحيد املرابط يف إفريقيا بصفة دائمة‪ ،‬واليت‬
‫أشارت إليه املصادر أبمساء عديدة منها "اجليش اإلفريقي" )‪ ( Exercitus Africae‬و"جيش املقاطعة اإلفريقية"‬

‫‪1‬‬
‫‪- Le Bohec (Y), Op.Cit, P 99.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-Ibid, P 99.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪-Lenoir (M), Le camp…, P-P 39-41.‬‬

‫‪22‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫)‪ (Exercitus Provinciae Africae‬و"الفرقة األوغسطية الثالثة واجليش اإلفريقي"‪ ،‬والزلنا جنهل الكثري عن‬
‫اتريخ إنشاءها ودخوهلا إىل إفريقيا ومناطق تواجدها ونشاطاهتا األوىل على أنه هناك نوع من االتفاق أن الفرقة مت‬
‫إنشائها سنة ‪ 34‬ق‪ .‬على األرج من قبل القنصل كوترنينوس )‪(G. V. Pansa Caetronianus‬‬
‫واإلمرباطور أغسطس وخدمت اإلمرباطورية إىل غاية هناية القرن الرابع للميالد‪ ،‬ومن املرج أهنا شاركت يف معركة‬
‫فيليبس )‪ (Philippes‬يف مقدونيا سنة ‪ 32‬ق‪ .‬ضد قتلة يوليوس قيصر‪ ،‬كما أهنا وجهت يف احلرب ضد‬
‫"سكتوس بومبيوس" )‪ (Sextus Pompeius‬الذي هدد آنذاك إمدادات روما ابحلبوب‪ ،‬لكن بعد انتصار‬
‫أغسطس أقامت الفرقة األوغسطية الثالثة يف "لبدة" اليت يعتقد أهنا كانت أول حامية هلا‪ ،‬وكان هذا سنة ‪ 41‬ق‪.‬‬
‫)‪(1‬‬
‫على األرج ‪.‬‬
‫لكن الشيء األكثر ترجيحا هو أن هذه الفرقة كانت متواجدة إبتداءا من سنة ‪ 26‬ق‪ ، .‬حيث تذكر لنا‬
‫املصادر أن الفرقة قامت إبمخاد ثورة ال نعرف أسباهبا وال من قا هبا‪ ،‬لكن على األرج هي قبائل املوزوالمي أو‬
‫اجليتول وكل ما نعلمه أن الربوقنصل "مسربنيوس أتراتينوس" )‪ (Sempronius Atratinus‬حصل بعد إمخاده هلا‬
‫على حق إقامة مهرجان النصر يف ‪ 21‬ق‪ ، .‬ويف عهد خليفته ابلبوس)‪ (Balbus‬سامهت الفرقة يف قمع حرب‬
‫)‪(2‬‬
‫انطلقت من موريطانيا لتشمل فيما بعد املناطق اجلنوبية لوالية إفريقيا الربوقنصلية‪.‬‬
‫إذن الفرقة األوغسطية الثالثة هي الفيلق الوحيد اليت احتفظ به الرومان منذ عهد "أغسطس" بصفة دائمة‬
‫والذي عرف بقيامه جبملة من اإلجراءات مرتبطة إبصالح اجليش‪ ،‬فغري متاما شروط اخلدمة وخصوصياهتا فأهنى‬
‫عهد االعتماد على الفرق املساعدة وكون فرق نظامية‪ .‬فمن قبل كان اجلنود جيندون أثناء احلمالت اليت يشرع فيها‬
‫الرومان وابنتهاء احلملة يعود اجلنود إىل دايرهم إىل غاية اندالع حروب معينة‪ ،‬فأحتفظ اغسطس بقوات عسكرية‬
‫دائمة للخدمة يف اجليش سواء كان ذلك يف احلرب أو السلم‪ ،‬وكل هذا خالل فرتة حمددة وكان نتيجة هذا اإلجراء‬
‫هو تغري تنظيم الفيالق اليت كانت من قبل حتَل مع هناية احلملة فأصبحت مستمرة ودائمة‪ ،‬هذه الفرق كانت جتند‬
‫كل سنة جنود شباب ليعوضوا كبار السن أو املفقودين أو قتلى احلروب‪ ،‬وكان لكل فيلق إطاره القانوين والتارخيي‬
‫)‪(3‬‬
‫واالمسي وكان اسم الفيلق اإلفريقي هو الفرقة األوغسطية الثالثة‪.‬‬
‫ير‪"،‬مومسن" أن الفرقة األوغسطية رمبا مت إنشاؤها من قبل قيصر )‪ (César‬خالل احلروب األهلية وهو‬
‫الرأي الذي يتبناه أيضا فيجل )‪ ( M.Fiegel‬الذي يتفق مع هذا الرأي‪ ،‬والذي حسب رأيه كانت جزءا من‬
‫قوات اإلمرباطور أوكتافيوس )‪ 26( (Octave‬ق‪ ) 13 – .‬وهو ابن ابلتبين ليوليوس قيصر‪ ،‬والذي عند توليه‬
‫العرش قا بتنظيم اجليش اإلمرباطوري‪ ،‬حيث احتفظ بثالث فيالق ميزها عن بعضها ابألعداد الرومانية فمن رقم‬

‫‪1‬‬
‫_‪-le Bohec (Y), L’armée romaine imperial (New York Hippocrène) 1994 d’après, Wikipedia.org./wiki/legio‬‬
‫‪III_Augusta.‬‬
‫‪ -2‬شافية (ش) وآخرون‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.62‬‬
‫‪3‬‬
‫‪-Boissier (G), Op.Cit, P 47.‬‬

‫‪23‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫ثالثة » ‪ « III‬للفرقة األوغسطية واليت وجدها مكونة عند توليه العرش‪ ،‬ليضيف هلا لقب شريف خاص هبا‪ ،‬ونفهم‬
‫من هذا أهنا منحت يف هذه احلالة لقب "أوغسطية") ‪ ( Augusta‬وهذا ألهنا خدمت اإلمرباطورية عدة‬
‫سنوات‪ (1).‬واعتمادا على املصادر والنقوش الكتابية تعرفنا على الرتكيبة البشرية هلذه الفرقة وخمتلف فرقها املساعدة‬
‫واليت قدرت ب‪ 14‬فرق» ‪ « Ailes‬و‪ 14‬كتيبة كل فرقة وكتيبة عدد جنودها حوايل ‪ 111‬جندي‬
‫وفصيلتني» ‪.« Numeri‬‬
‫والفرقة األوىل البانونـية ( ‪I‬‬ ‫‪ -‬الفرق‪ :‬الفرقة الفالوية النوميـدية األوىل)‪(I Flavia Numidica‬‬
‫)‪.Pannoniorum‬‬
‫‪ -‬الكتائب‪:‬‬
‫الكتيبة اخلامسة عشر )‪ (XV‬الكتيبة الفالوية اإلفريقية الثانية )‪ (II Flavia Afrorum‬والكتيبة الفالوية‬
‫الثانية )‪ (II Flavia Equitata‬والكتيبة اخللقدونية األوىل للفرسان )‪(I Chalcidenorum Equitata‬‬
‫والكتيبة الكمجينرومية السادسة للفرسان )‪ ،(VI Commagenorum Equitata‬والكتيبة امللكية‬
‫الثامنة )‪ (VIII Fida‬والكتيبة الفالوية األوىل للفرسان )‪ (I Flavia Equitata‬والكتيبة احلمصية الثانية ‪(II‬‬
‫)‪ ،Hamiorum‬والكتيبة اإلسبانية الثانية )‪ ،(II Hispanorum‬والكتيبة اللوزيتانية السابعة للفرسان ‪(VII‬‬
‫)‪ Lusitanorum Equitata‬والكتيبة املورية الثانية )‪ ،(II Maurorum‬والكتيبة السورية األوىل للرماية ‪(I‬‬
‫)‪ Syrorum Sagiltariorum‬وأخريا الكتيبة الرتاقية الثانية )‪.(II Gemella Thracum‬‬
‫)‪(2‬‬
‫‪ -‬الفصائل‪ :‬احلمصية )‪ ،(Hemesenorum‬التدمرية للرماية )‪. (Palmyrenorum Sagittariorum‬‬

‫‪-4‬الفرقة األوغسطية الثالثة يف حيدرة )‪:(Ammaedara‬‬


‫تعترب حيدرة أول معسكر للفرقة األوغسطية الثالثة‪ ،‬وهي مدينة صغرية تقع غرب تونس احلالية يف الظهري‬
‫التونسي‪ ،‬الذي هو عبارة عن كتل جبلية متتد يف تونس من جبال تبسة على احلدود اجلزائرية إىل غاية مرتفعات‬
‫رأس الطيب )‪ (Cap Bon‬وتبعد –حيدرة‪ -‬ببضع كيلومرتات عن احلدود اجلزائرية‪ ،‬وتعد واحدة من أقد املدن‬
‫الرومانية يف إفريقيا حيث بنيت يف القرن األول قبل امليالد‪ ،‬استقرت هبا الفرقة األوغسطية الثالثة على األرج ‪-7‬‬
‫‪ (3) ، 13‬لكن يعتقد الباحثون املعاصرون أنه أقامت فيها حاملة راية )‪ (Vexillatio‬فقط اتبعة هلا وليس كل‬
‫جنود الفرقة‪ ،‬واليت أقامت فيها إىل غاية انتقاهلا ألسباب إسرتاتيجية حنو تبسة )‪ (Theveste‬يف عهد‬
‫فاسباسيانوس (‪ ،) 66-76‬ولالشارة فإن البعد بني حيدرة وتبسة هو قليل يقدر بعشرات الكيلومرتات فقط‪ ،‬هذا‬
‫االنتقال كان سنيت ‪ 67-61‬لتأخذ فيما بعد هذه املدينة صفة املستوطنة وأصب امسها "املستوطنة الفالفية‬

‫‪1‬‬
‫‪- Cagnat (R), Op. Cit, P-P 140-141.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-.Le Bohec (Y), Histoire, P 98.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Félix-Georges de Pachtére, Les camps de la Troisième légion en Afrique au premier Siècle de l’empire,‬‬
‫‪A.I.B.L, 60 années, N°3,1916, P-P 273-276.‬‬

‫‪24‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫أميدرة" )‪ (Colonia Flavia Augusta Emerita Ammaedara‬لتعرف تطورا ويربز دورها كمركز التقاء‬
‫)‪(1‬‬
‫وتبادل يف منطقة جد هامة‪.‬‬
‫إذن حيدرة هي املقر الرئيسي للفرقة األوغسطية أو ما عرف ابملعسكر الشتوي )‪(Castra Hiberna‬‬
‫ومعظم الشواهد املرتبطة ابلفرقة تعرفنا عليها من خالل علم األمساء »‪ «Onomastique‬واستبيان شواهد القبور‬
‫العسكرية املكتشفة يف املقربة الشرقية اليت تقع خلف قوس "سبتميوس سيفريوس" أين جند أاثث جنائزي يف قبور‬
‫)‪(2‬‬
‫اجلنود‪ ،‬وشواهد القبور املؤرخة ابلقرن األول امليالدي وأحياان إىل النصف األول من هذا القرن‪.‬‬
‫والحظ الباحثون وجود فرق عسكرية يف هذه املدينة إىل جانب الوحدة الرئيسية املتمثلة يف الفرقة األوغسطية‬
‫الثالثة مثل الكتيبة اخلامسة عشر والفرقة البانونية األوىل‪ ،‬ورغم عديد التنقيبات مل يتمكن الباحثون من حتديد موقع‬
‫معسكر حيدرة‪ ،‬وبذلك فالشك ال يزال حيو حول وجوده من عدمه‪) (3).‬أنظر الشكل رقم ‪(14‬‬

‫هذا ما جعل بعض املؤرخني يكثرون من اآلراء حول هذه املدينة‪ ،‬اتريخ إنشائها واستقرار الفرقة هبا مستندين‬
‫على أن الفرقة البانونية األوىل كانت يف أورواب يف القرن األول امليالدي مث انتقلت إىل إفريقيا يف القرن الثاين‬
‫امليالدي‪ ،‬واليت جند شواهد قبور فرسان هلا مؤرخة ابلعهد األنتوين (‪ ،) 164-67‬وأغلبية بقية النقوش العسكرية‬
‫اليت جندها يف هذا املوقع تعود إىل نفس الفرتة ما يعين أنه هناك ارتباك يف وجود الفرقة يف حيدرة من حيث التاريخ‬
‫والعدد‪ ،‬لكن األقرب إىل الواقع أن الفرقة البانونية أقامت يف إفريقيا منذ بداايت العهد اإلمرباطوري‪ (4)،‬وعند‬
‫تفحص اآلاثر اجلنائزية املوجودة يف حيدرة فإن الباحثني قسموها إىل ثالث أقسا ‪:‬‬
‫‪ -‬اجملموعة األوىل‪:‬‬
‫متعلقة متاما ابلفرتة العسكرية للمدينة‪ ،‬مبعىن من فرتة "تيربيوس" )‪ ) 46-13( (Tibère‬إىل غاية عهد‬
‫"فسباسيانوس"‪ ،‬بينما الفرتتني التاليني مها سهليت التحديد التارخيي‪ ،‬تبدو األمساء املعثور عليها يف معظمها جلنود‬
‫ومواطنون رومان ولرفقائهم إضافة إىل العبيد الذين يعملون يف إدارة قائد الفرقة‪ ،‬ومن بني هؤالء اجلنود هناك من‬
‫يشري إىل أصوله‪ ،‬فنجد البعض قد من املدن اإلفريقية مثل قرطاج وأوتيكا‪ ،‬كما جند ضمن هذه اجملموعة األوىل‬
‫قبور أشخاص لكنهم ليسوا جنود وهم ليسوا مدفونني يف لوحات تذكارية » ‪- « Stèle‬حوايل عشرون ‪-‬لكن يف‬
‫صناديق )‪ -(Caisson‬وابلتايل ميكن صياغة فرضية وجود مركزين لالستقرار السكاين يف "حيدرة" إىل جانب‬
‫احلامية تنسبان إىل قبيلة املوزوالمي‪ ،‬ورمبا ميكن أن نذهب إىل أبعد وحنتمل مع "السار" )‪ (J.M.Lassere‬أبن‬
‫هذه الصناديق متيز السكان الذين هم ال يزالون حمافظني على عاداهتم اإلفريقية عن اآلخرين‪ ،‬واألمساء اليت حيملها‬

‫‪1‬‬
‫‪-Bénabou (M), La résistance Africaine à la romanisation, librairie française Maspero, Paris, 1975, P 559.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-Ben Abdellah (Z) , Nouveaux aspects de la vie religieuse à Ammaedara, A.I.B.L, N°1, 1992, P 12.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪-Ibid, P 12.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪-Ben Abdellah (Z) et le Bohec (Y), Nouvelles inscriptions d’Haidra concernant l’armée Romaine,M,E,F,R,A,‬‬
‫‪N°1,1997, P 42.‬‬

‫‪25‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫الشكل رقم ‪ :13‬مـ ـراف ـ ـق مـ ـديـ ـن ـ ـة ح ـ ـي ـ ـدرة‪.‬‬


‫‪https://sites.google.com/site/ammeadara/bibliotheque/atlas/atlas-archeologique-de-la-tunisie:‬‬ ‫عن‬

‫‪26‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫هؤالء اجلنود هي جد متواترة عند األفارقة املرومنني )‪ (Les Africains Romanisés‬مثل‪ :‬كيسليوس‬
‫)‪(1‬‬
‫)‪ (Caecilius‬وكالوديوس )‪ (Clodius‬وبومبيوس ) ‪.(Pompeius‬‬
‫‪ -‬اجملموعة الثانية‪:‬‬
‫متتاز بتغيري نوع النصب ‪-‬األعمدة بدون قاعدة واتج )‪ (Cippe‬واملذاب )‪ (Autel‬عوضت املسالت‪-‬‬
‫ونعثر يف هذه اجملموعة على أمساء ومدوانت كثرية متتاز أبهنا أقل وضوحا مقارنة ابلفرتة العسكرية األوىل‪ ،‬على أننا‬
‫نالحظ وجود تكافؤ نسيب ألمساء النساء مع الرجال‪ ،‬ومن أهم األمساء يولياي )‪ (Iuliae‬األمر الذي يؤكد‬
‫حدوث تغيريات يف تركيبة سكان املدينة‪.‬‬
‫هذا التغري سيظهر بوضوح مع اجملموعة الثالثة اليت تعود إىل هناية القرن الثاين والثالث ميالدي حيث‬
‫النصب اجلنائزية يف أغلبها عبارة عن صناديق (أكثر من النصف) واألعمدة بدون قاعدة واتج حوايل الربع مع‬
‫وجود املسالت وهذا من جمموع ‪ 462‬نصب‪ ،‬ويالحظ أن األمساء واملدوانت حتمل عالمات ورموز تدل بوضوح‬
‫عن دخول العنصر اإلفريقي‪ ،‬مع إشارات متعلقة ابلنسب وألقاب القبيلة‪ ،‬فنسبة اجلنود اليت كانت متثل (‪)%71‬‬
‫أصبحت (‪ )%7‬يف مقابل ارتفاع عدد أمساء النساء‪.‬‬
‫ألقاب األسر اإلمرباطورية )‪ (Les Gentilies‬مثل‪ :‬فالفيوس )‪ (Flavius‬وإيليوس )‪ (Aelius‬وأوريليوس‬
‫»‪ «Aurelius‬هي متواترة‪ ،‬لكن األغلب واألكثر هو يوليوس )‪ ،(Iulius‬بعض ألقاب األسر متثل على‬
‫اخلصوص حيدرة فقط مثل‪ :‬كامورنوس )‪ (Camurinus‬وسرفكيوس )‪ (Cerficius‬وسفديوس )‪،(Cafidius‬‬
‫ما يشري رمبا إىل توارث التجنيس من القرن األول امليالدي مع وجود كنيات )‪ (Cagnomina‬ليبية‪-‬بونيقية واليت‬
‫)‪( 2‬‬
‫تظهر اعتزاز األفارقة أبصوهلم‪.‬‬
‫هذا حول املدينة اليت استقرت فيها الفرقة‪ ،‬لكن السؤال اجلوهري هنا هو ملاذا عسكرت هذه الفرقة هنا؟‪ ،‬وما‬
‫هي األدوار واملها العسكرية وحىت االجتماعية اليت قامت هبا انطالقا من حيدرة؟‪.‬‬
‫تعترب "حيدرة" مركز عبور رئيسي ونقطة ارتكاز املواصالت من قرطاج إىل تبسة‪ ،‬فيمكن أن نعتربها مركز‬
‫متقد يف إفريقيا الربوقنصلية‪ ،‬مع خاصية وقوعها على حدود إفريقيا الربوقنصلية ونوميداي وبذلك فهي متامخة‬
‫للمقاطعتني‪ ،‬وابلتايل فموقعها ال يسم هلا أبن تكون عاصمة مقاطعة‪ ،‬لكن ميكن أن حتتل ما نسميه "حبارسة‬
‫البوابة" لكال املقاطعتني‪ ،‬وابلتايل فهي ذات أمهية إسرتاتيجية‪.‬‬
‫وجيب أن نضيف هنا رأي وملانس )‪ (Wilmanns‬أبن الرومان فضلوا حيدرة على تبسة ألن تبسة ذات‬
‫أصول نوميدية‪ ،‬على أن اختيار حيدرة جيب أن نربطه ابلقلق الروماين وحالة الفوضى السائدة يف املنطقة‪ ،‬لذلك‬

‫‪1‬‬
‫‪-Benabou (M), Op.Cit, P-P 558-559.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-ibid, P-P 558-559.‬‬

‫‪27‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫قاموا ببناء مشتو )‪(Simithu‬ابلقرب من بوالرجييا )‪ (Bulla Regia‬كما أن حيدرة وتبسة مل يكن هلما نفس‬
‫)‪(1‬‬
‫ميدان العمل واألفق والنشاط‪.‬‬
‫وجتدر اإلشارة إىل أن السكان الذين كانوا يسكنون حيدرة هم قبائل "املوزوالمي" وهي من أكثر القبائل‬
‫الليبية شهرة وقوة‪ ،‬واليت وردان امسها يف أشكال خمتلفة فأحياان موزوالمي )‪ (Musulami‬وأحياان ميزوالين‬
‫)‪ (Musulani‬وامليزوالمي )‪ ،(Misoulami‬واليت اقرتن امسها ابملقاومة األوىل اليت واجهت حركة التوسع‬
‫الروماين حنو الداخل النوميدي‪ ،‬أي أهنا قاومت الرومان سنيت ‪ 7-1‬ميالدي وواصلت انتفاضاهتا ضدهم يف وطنها‬
‫مبنطقة األوراس‪ (2)،‬ولعل أشهر جهودها يف املقاومة تلك املسامهة الكرب‪ ،‬اليت شاركت هبا يف ثورة "اتكفاريناس"‬
‫الشهرية (‪ ) 23-16‬وظلت طيلـة االحتالل الروماين تقاو حىت صنفها املؤرخون مـن أكثر القبائل عدائية وإيذاء‬
‫للرومان‪.‬‬
‫ولو نالحظ جيدا السياق التارخيي‪ ،‬املوزوالمي قاوموا الرومان سنيت ‪ 3‬و‪ 1‬ميالدي أما الفرقة األوغسطية‬
‫الثالثة انتقلت إىل حيدرة سنة ‪ 7‬وبقيت إىل ‪ 61‬اتريخ انتقاهلا إىل تبسة‪ ،‬ما يدل بوضوح أن النظا الدفاعي‬
‫الروماين أقيم على أساس وضع معسكرات يف قلب هذه القبائل هبدف محاية الظهري التونسي‪.‬‬
‫ولدينا ابلفعل أصداء غري مباشرة حول ثورات يف املغرب القدمي‪ ،‬من خالل إشارات االنتصارات الشهرية اليت‬
‫حققها حكا إفريقيا اخلمسة من ‪ 43‬ق‪ .‬إىل ‪ ، 16‬ويف هذا الصدد البد من اإلشارة إىل احلملة اليت قا هبا‬
‫كورنليوس ابلبوس )‪ (L. Cornelius Balbus‬سنة ‪ 21‬ق‪ .‬ضد قبائل املور‪"-‬نشاطهم تربية املواشي مثل‬
‫اخليول "‪ -‬وضد الغرامنت‪ ،‬الذي طاردهم حىت الواحات البعيدة يف فزان )‪ ، (Fezzan‬لكن هذه االنتصارات‬
‫اليت حققها الفيلق األوغسطي الثالث مل تضع حدا لغارات وغزوات القبائل الليبية على املناطق احلدودية اجلنوبية‬
‫)‪(3‬‬
‫ملقاطعة الربوقنصلية‪ ،‬وابلتايل فإن عملية التوسع واالحتالل تركزت يف األراضي واملسار التقليدي هلذه القبائل‪.‬‬
‫وأما حالة الالأمن هذه وتزايد األخطار احملدقة ابلرومان كان البد من اتاذ جمموعة من اإلجراءات لعل أبرزها‬
‫إقامة املعسكر الفيلق للفرقة األوغسطية الثالثة املعروف ابملعسكر الشتوي يف حيدرة‪ ،‬وكان هذا رمبا بعد حرب‬
‫)‪(4‬‬
‫اجليتول )‪ (Bellum Gaetulicom‬اليت انتهت سنة ‪. 7‬‬
‫هذا اإلجراء األول‪ ،‬أما الثاين فقد انتبه الرومان خصوصا مع "أوكتاف أوغسطس" إىل دور الطريق كأحد أهم‬
‫وسائل التوسع حنو العمق النوميدي‪ ،‬فكان أول من أنشأ مصلحة الربيد الرمسي )‪ (Cursus Publicus‬على‬

‫‪1‬‬
‫‪- Piganiol (A) et Laurent-Vibert (R), Recherches archéologiques à Ammaedara (Haidra), M.A.H, T.32, 1912,‬‬
‫‪P-P 69-71.‬‬
‫‪ -2‬شنييت ( ‪.‬ب)‪ ،‬التغريات االقتصادية واالجتماعية يف املغرب أثناء االحتالل الروماين ودورها يف أحداث القرن الرابع ميالدي‪ ،‬املؤسسة الوطنية‬
‫للكتاب‪ ،‬اجلزائر‪ ،1623 ،‬ص‪.176‬‬
‫‪ -3‬شارن (ش) وآخرون‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‬
‫‪4‬‬
‫‪- Decret (F) et Fantar (M), L’Afrique du nord dans l’antiquité des origines au V siècle Ed, payout, Paris, 1981,‬‬
‫‪P 160.‬‬

‫‪28‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫طول الطرق‪ ،‬ويف أواخر عهده أي سنة ‪ 13‬مد الرومان أول طريق على يد جنود الفرقة األوغسطية الثالثة وهو‬
‫طريق إسرتاتيجي سيكتمل إجنازه يف عهد "تيربيوس" على يد الربوقنصل أسربيناس )‪ (1(Asprenas‬بطول حوايل‬
‫‪ 261‬كلم والرابط بني املعسكر الشتوي يف حيدرة إىل قابس )‪ (Tacapas‬على السرت الصغري مارا على تالبت‬
‫)‪ (Thélepte‬على بعد ‪2‬كلم مشال شرق فراينة )‪ (Feriana‬وقفصة )‪ ،(Capsa‬مث طريق أخر‪ ،‬جنوب‪-‬‬
‫غرب ابجتاه تبسة )‪ ،(Theveste‬هذه الطرق واحملاور اإلسرتاتيجية شكلت حاجز وسد أما إحتاد وتنقل قبائل‬
‫املوزوالمي ‪.‬‬
‫وهو ما مس للرومان ابالستقرار على اجلزء امللحق من أراضيها وأراضي القبائل البدوية يف الصحراء الشمالية‪،‬‬
‫كما مت ضم أمالك واسعة من السهول القريبة من الصحراء الواقعة يف السهوب العليا‪ ،‬واليت متتد إىل الشمال من‬
‫الشطوط‪ ،‬وبذلك حقق الرومان دفعة قوية وعملية حنو التوسع حنو اجلنوب إبقامة هذا الطريق الذي أجنزته الفرقة‬
‫)‪(2‬‬
‫األوغسطية الثالثة‪.‬‬
‫إن إجناز هذه الطرق اهلامة مل تكن ذات أبعاد عسكرية فحسب بل أهداف اقتصادية وسياسية وإسرتاتيجية‬
‫املتمثلة أوال يف رفع مستوايت التموين ابإلنتاج الزراعي من خالل من أراضي للجنود املتقاعدين أو املسرحني‬
‫وتشجيع االستيطان الروماين‪ ،‬فالطريق مل تكن وسيلة تعمري ومتدين وحضارة فقط كما يعتقد البعض‪ ،‬بل هي‬
‫وسيلة إخضاع ابلدرجة األوىل فالطريق أييت أبدوات السيطرة (اإلدارة‪ ،‬اجليش‪ ،‬املعمرون ‪ )...‬وكل هذا أد‪ ،‬إىل‬
‫)‪(3‬‬
‫انعكاسات وخيمة على األهايل‪ ،‬والذين ردوا مبجوعة من االنتفاضات أبرزها ثورة اتكفاريناس‪.‬‬
‫‪-3‬الفرقة األوغسطية الثالثة وثورة تاكفاريناس »‪42-07( «Tacfarinas‬م)‪:‬‬
‫تندرج ثورة اتكفاريناس يف إطار مقاومة القبائل الليبية والبدو الرحل الغتصاب أراضيهم بعد عمليات التوسع‬
‫الروماين يف جنوب تونس احلالية واألراضي النوميدية‪ ،‬فاالنتصارات العسكرية املتعاقبة على هذه الثورات اإلفريقية‬
‫غريت وا قع امليدان وابلتايل اإلسرتاتيجية الرومانية‪ ،‬فحاجة الرومان إىل ترسيخ توسع عسكري على أسس قوية‬
‫ض من خالل إجناز الطريق العرضي من حيدرة إىل قابس مارا على قفصة والذي انطو‪ ،‬على سيطرة حقيقية‬ ‫ف ِر َّ‬
‫للسلطة الرومانية على قسم كبري من اجلنوب التونسي‪ ،‬وهذا يعين ابلنسبة لقبائل البدو الرحل املعتادة على اخلروج‬
‫من اجلبال صيفا وقضاء الشتاء يف السهوب إىل استحالة استمرار انتقاهلم املومسي هذا‪ (4)،‬فقبائل املوزوالمي اليت‬
‫شهدت اغتصاب أراضيها من قبل الربوقنصل كورنليوس )‪ (C. L .Cornelius‬خالل الفرتة من ‪ 2- 7‬واليت‬
‫منحت إىل املستوطنني الرومان‪ ،‬وجدت نفسها أما إجناز الطريق املشار إليه قد فقدت نصف أجود أراضيها‪.‬‬
‫مبعىن أن هذا الطريق قسم قبيلة املوزوالمي إىل قسمني يف عهد "تيربيوس"‪ ،‬قسم يعيش إىل اجلنوب الشرقي من‬

‫‪ -1‬عقون ( ‪.‬ع)‪ ،‬االقتصاد واجملتمع يف الشمال اإلفريقي القدمي‪ ،‬دار اهلد‪ ،‬عني مليلة‪ ،‬اجلزائر‪ ،2112 ،‬ص‪.126‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Decret (F) et Fantar (M), Op.Cit, P 161.‬‬
‫أضواء على اتريخ اجلزائر القدمي (حبوث ودراسات)‪ ،‬دار احلكمة‪ ،‬اجلزائر‪ ،2114 ،‬ص ‪.116‬‬ ‫‪ -3‬شنييت ( ‪.‬ب)‪،‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Benabou (M), Op.Cit, P 75.‬‬

‫‪29‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫قسنطينة والقسم اآلخر بني مداوروش وتبسة‪ ،‬القسم الثاين يشغل منطقة واسعة من كل جوانب احلدود اجلزائرية‬
‫التونسية احلالية‪ (1).‬هذا العامل األساسي أد‪ ،‬إىل اندالع ثورة اتكفاريناس (‪ ) 23-16‬الذي كان جندي يف‬
‫اجليش الروماين يف إطار الفرق املساعدة‪ ،‬فكما أشران سابقا كانت هناك فرق مساعدة للرومان من قبائل‬
‫املوزوالمي والقبائل النوميدية‪ ،‬وكان "اتكفاريناس" ضمن صفوفها‪ ،‬مث انسحب ليقود ثورة ضد الرومان مستفيدا مما‬
‫تعلمه من تكتيك وفنون قتالية‪ ،‬ومصدران يف هذه الثورة هو اتكتوس)‪ (Tacite‬الذي مل يسرد لنا الدواعي اليت‬
‫دفعت اتكفاريناس إىل مغادرة اجليش الروماين وإعالن الثورة‪ ،‬والذي التحق به غالبية أفراد قبيلته وهم املوزوالمي‬
‫إضافة إىل الكنيثيني )‪ (Cinithiens‬املتواجدين يف نواحي صفاقس وقبائل الغرامنت )‪ (Garamantes‬واملور‬
‫)‪ (Maure‬وشاركه يف قيادة الثورة مازبيا )‪ (Mazippa‬قائد املوريني‪ (2).‬وحنن هنا هنتم بدور الفرقة األوغسطية‬
‫الثالثة يف إمخاد هذه الثورة‪ ،‬واليت كانت حتت قيادة الربوقنصل ماركوس)‪ ) 12-16( (F.C Marcus‬الذي‬
‫دمج قواته املمثلة يف الفرقة األوغسطية الثالثة والفرق املساعدة مع حلفاء الرومان لقتال اتكفاريناس‪ ،‬وهي قوات‬
‫قليلة مقارنة بقوات اتكفاريناس‪ ،‬ومع ذلك متكن من االنتصار يف معركة قرب وادي املثول سنة ‪ 16‬اليت دعم فيها‬
‫"يواب ‪ "II‬الرومان بقواته وخلد هذا االنتصار بسك عملة سنة ‪ 12‬أظهرت هذا النصر‪ (3)،‬لتعرف الفرتة ما بني‬
‫(‪ ) 21-12‬حدوث عدة مناوشات أبرزها هي اهلزمية اليت تلقتها احلامية الرومانية ابلقرب من وادي "ابجيدا"‬
‫)‪ ،(Pagyda‬هذا االنتصار النسيب للرومان يكشف عن حالة الالأمن اليت تعرفها املنطقة وضعف املوقف الروماين‬
‫وعجز الفرقة األوغسطية الثالثة عن إمخاد هذه الثورة‪ ،‬ما أجرب السلطات الرومانية على اتاذ جمموعة من‬
‫اإلجراءات لعل أبرزها استقدا الفيلق اإلسباين التاسع )‪ (IX Hispana‬بقيادة سكيبيو )‪،(P.C. Scipio‬‬
‫وحسب اتكيتوس فإن اتكفاريناس غري من تكتيكه بعد حصار "اثلة"‪ ،‬ألنه حسب رأيه فقد األمل يف هز الرومان‬
‫عرب املواجهة املباشرة‪ ،‬لذلك سيضاعف عملياته وينشر الثورة على مجيع املناطق‪.‬‬
‫لكن الرومان هامجوا اتكفاريناس مباغتة على حد تعبري اتكيتوس بقيادة ابن الربوقنصل كايصيانوس أين متكن‬
‫الرومان من االنتصار عليه‪ (4)،‬انتصار مل يغري من الوضعية احلرجة للرومان ما جعل اإلمرباطور "تيربيوس" يتدخل‬
‫ويطلب من جملس الشيوخ إرسال شخص لوضع حد هلذه احلرب فتم اختيار باليسيوس )‪(Q.J.Blaesus‬‬
‫(‪ ) 24-21‬وهو عم "سيان")‪ (5 (Sejan‬والذي كان الربوقنصل الثالث املكلف إبمخاد هذه الثورة‪ ،‬حيث جاء‬
‫بتكتيك "تشتيت احلرب" لذلك اعتمد على حرب العصاابت‪ ،‬فجزء قواته إىل ثالث أقسا عسكرية مستقلة‬
‫مكلفة مبراقبة القطاعات املختلفة وأنشأ سلسلة من القالع الصغرية‪ ،‬األقسا الثالث هذه ممثلة يف الفرقة اإلسبانية‬

‫‪1‬‬
‫‪- le Bohec (Y), Histoire…. P 57.‬‬
‫‪.‬ه)‪ ،‬دراسات ونصوص يف اتريخ اجلزائر وبالد املغرب يف العصور القدمية‪ ،‬دار هومة للطباعة والنشر‪ ،‬اجلزائر‪ ،2111،‬ص ‪.16‬‬ ‫‪ -2‬حارش (‬
‫‪3‬‬
‫‪- Le Bohec (Y), Histoire…, P 58.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Benabou (M), Op.Cit, P-P 79-80.‬‬
‫‪ -5‬شارن (ش) وآخرون‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.67‬‬

‫‪30‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫التاسعة بقيادة "سكيبيو" اليت استقرت يف لبدة )‪ ،(Lepcis Magna‬أما الربوقنصل فأما حيدرة وأرسل ابنه‬
‫أما قريطا‪.‬‬
‫ومن أجل فعالية أحسن حلرب العصاابت مت تقسيم كل قسم إىل وحدات صغرية يقودها قائد املائة‪ ،‬هذه‬
‫اإلجراءات أتبعها حبملة عسكرية يف شتاء (‪ ) 24-22‬متكن فيها من قتل أخ اتكفاريناس‪ ،‬وبعد هذا االنتصار‬
‫حتصل "باليسيوس" على لقب "قائد خمول" )‪(Imperatur‬وهو لقب مين للقادة الرومان املنتصرين يف محالت‬
‫)‪(1‬‬
‫عسكرية وأمر امللك "يواب ‪ "II‬بسك عملة تلد هذا االنتصار‪.‬‬
‫ليأيت بعده الربوقنصل الرابع يف جويلية ‪ 24‬وهو "دوالبيال" )‪ ،(P.C.Dolabella‬على أن هذه السنة‬
‫محلت مستجدات جديدة كانت يف صاحل اتكفاريناس‪ ،‬فمن جهة تويف "يواب ‪ "II‬والذي خلفه إبنه الشاب‬
‫"بطليموس" الذي كان يثري غضب واستياء رعيته املور فالتحقوا ابلثورة‪ ،‬أما الشيء الثاين واهلا جدا هو املشاركة‬
‫الفعالة لقبائل الغرامنت إىل جانبه واليت شكلت مركزا خلفيا آمنا له‪ ،‬أما من اجلانب الروماين فاحلدث األبرز كان‬
‫)‪(2‬‬
‫سحب الفرقة اإلسبانية التاسعة وتوجيهها إىل "ابنونيا"‪ (Pannonie) ‬ما أفرغ متاما اجلبهة اإلفريقية‪.‬‬
‫أما هذه املعطيات ابدر "اتكفاريناس" بتوجيه ضربة فحاصر مدينة "تبورسيكو " )‪ (Thubuscum‬واضطر‬
‫إىل فك احلصار عليها بعد جندة الربوقنصل "دوالبيال" هلا فالتجأ اتكفاريناس حنو سور الغزالن‬
‫)‪(3).(Auzia‬التطور النهائي هلذه احلرب الطويلة كان بعودة "دوالبيال" إىل تكتيك "باليسيوس" واملتمثل يف‬
‫تقسيم اجليش إىل أربعة أقسا من بينهم فرق مساعدة من قبل "بطليموس"‪ ،‬مع انتهاج سياسة اإلغواء والوعود‬
‫لزعماء قبيلة املوزوالمي وهي سياسة معروفة عند الرومان مع مطاردة اتكفاريناس إىل سور الغزالن أين جرت آخر‬
‫معركة تويف فيها اتكفاريناس وانتهت احلرب والذي أرخها بطليموس بسك عملة خلدت هذا االنتصار‪.‬‬
‫انعكاسات هذه احلرب كانت كبرية ليس فقط على القبائل الثائرة اليت مل تسرتجع ما فقدته من أراضي‪،‬‬
‫لكن أيضا على السلطات الرومانية والفرقة األوغسطية الثالثة حيث وسع الرومان من جماهلم اجلغرايف‪ ،‬وبرز دور‬
‫الفيلق األوغسطي يف هذه احلرب وابخلصوص وحدات املائة‪ ،‬أما طريق حيدرة – قابس فقد أثبت أبنه ال ميكن أن‬
‫يلعب دور اخلط احلدودي واحلبل السري للفرقة األوغسطية الثالثة‪ ،‬لذلك سيشرع الرومان يف إعادة بعث مشاريع‬
‫طرق جديدة قسمت هذه املنطقة إىل قطع صغرية )‪(4‬هبدف مراقبة األراضي الواقعة يف اجلنوب‪ ،‬وهو ما ظهر‬

‫‪1‬‬
‫‪- Le Bohec (Y), Histoire…, P 58.‬‬
‫‪ ‬ابنونيا )‪ :(Pannonie‬هي مقاطعة قدمية يف اإلمرباطورية الرومانية‪ ،‬حيدها مشاال وشرقا هنر الدانوب وغراب نوريكو وإيطاليا وجنواب أملاسيا ومويزاي‬
‫العليا ويف الوقت احلاضر تقع على أراضي غرب اجملر والنمسا الشرقية ومشال كرواتيا‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Benabou (M), Op.Cit, P-P 81-82.‬‬
‫املرجع السابق‪ ،‬ص‪-‬ص ‪.62-67‬‬ ‫‪ -3‬شارن (ش) وآخرون‪،‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Le Bohec (Y), Histoire... P 58.‬‬

‫‪31‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫بوضوح سنيت ‪ 41-26‬زمن الربوقنصل "فيبيوس مارسوس" )‪ (C .Vibius Marsus‬من خالل تنصيب صوة‬
‫األلـف)‪ ** (Borne Militaire‬يف مشال شط الفجاج بعد إحلاق اإلمرباطورية ألراضي تلك القبائل‪.‬‬
‫وبفضل الفرقة األوغسطية الثالثة وفرقها املساعدة زاد اتساع األراضي الرومانية بعد هذه الثورة‪ ،‬حيث يقد لنا‬
‫املؤرخ "تروسي" )‪ (Trousset‬رقم ‪26900‬كلم‪ 2‬كأدىن اتساع‪ ،‬وهو رقم ها يدل على مد‪ ،‬جناح روما يف‬
‫سياستها التوسعية‪ ،‬وهذا اإلحلاق لألراضي ليس ذو قيمة عسكرية فحسب بل اقتصادية‪ ،‬حيث أتبع إبنشاء طرق‬
‫أمامية يف العمق خصوصا يف أراضي الكنيثيني ما ساهم يف إرساء السلم الروماين يف الربوقنصلية‪.‬‬
‫ومن املنظور العسكري ثورة اتكفاريناس أجربت الرومان على القيا إبجراءات إسرتاتيجية من خالل إقامة‬
‫مراكز عسكرية إىل اجلنوب من "قريطا" تديرها قوات من املساعدين ما أد‪ ،‬إىل ظهور ما ميكن تسميته بـ "النظا‬
‫الدفاعي القسنطيين"‪ ،‬مع نشر قوات الفرقة األوغطسية يف اجلنوب الغريب أي ما بني احلدود احلالية للجزائر وتونس‬
‫وهو ما يصطل عليه ابلنظا الدفاعي للجنوب الغريب لتونس‪ ،‬وكل هذه األنظمة الدفاعية قامت هبا الفرقة‬
‫األوغسطية الثالثة انطالقا من مقر تواجدها حبيدرة‪ (1).‬واليت مسحت ابلتخفيف من خطر قبائل البدو الرحل اليت‬
‫حوصرت يف حدود ضيقة وحتت املراقبة‪ ،‬لكن األهم من كل هذا أن هذه احلرب جعلت الرومان يبحثون عن‬
‫آليات جديدة للتقد حنو الصحراء وهذا لالستفادة منها‪ ،‬فكانت محالت "ابلبوس" السابقة مبثابة تشخيص‬
‫للمنطقة وحتفيز على التوغل‪ ،‬فندفع الرومان حنو اجلنوب هبدف إيقاف خطر القبائل اليت تتخذ من اجلنوب قواعد‬
‫)‪(2‬‬
‫خلفية ملهامجة الرومان‪.‬‬
‫‪-2‬الفرقة األوغسطية الثالثة يف عهد اإلمرباطور كاليقوال )‪20-37( (Caligula‬م)‪:‬‬
‫تعد فرتة حكم اإلمرباطور كاليقوال (‪ ) 31-46‬هامة للغاية يف اتريخ إفريقيا الرومانية والفرقة األوغسطية‬
‫الثالثة‪ ،‬فبعد القضاء على ثورة اتكفاريناس عاد السلم إىل املنطقة واستقرت احلدود الرومانية‪ ،‬فجاء بقرارات هدفت‬
‫إىل تنظيم إفريقيا‪ ،‬القرار األول الذي اتذه كان سحب كل الصالحيات العسكرية املسندة إىل الربوقنصل* والذي‬
‫كان ميارسها إىل جانب وظائفه املدنية وعهد هبا إىل القائد األعلى للجيش وهو الليقاتوس)‪ ** (Légat‬وابلتايل‬
‫فإن الفرقة األوغسطية الثالثة أصب يقودها الليقاتوس بعدما كانت حتت قيادة الربوقنصل وكان هذا سنة ‪ ، 46‬أما‬
‫القرار الثاين فكان إحلاق مملكة موريطانيا سنة ‪ 31‬بعد قتل بطليموس‪ ،‬ويف دراستنا هذه يهمنا قرار "كاليقوال"‬
‫بسحب السلطات العسكرية من الربوقنصل‪ ،‬وهو قرار يعتربه املؤرخون جد متأخر‪ ،‬لكنه أزال اخلروج عن القياس‬

‫** صوة األلف )‪ :(borne militaire‬هي عبارة عن حجر يوضع على جوانب الطرق يف شكل عمود حيمل نقوش وحيدد الوجهة واألبعاد يف الطرق‬
‫الرومانية واألبعاد كانت ابمليل الروماين وهو حوايل ‪. 1371‬‬
‫‪1‬‬
‫‪- Le Bohec (Y), Histoire, P 58.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Benabou (M), Op.Cit, P-P 83-84.‬‬
‫*الربوقنصل أو القنصل املخول‪ :‬والذي يتوافق مع املفهو احلايل للحاكم‪ ،‬ويف الغالب يكون قنصل قدمي انتهت مهامه وأبقي يف منصبه إلهناء احلملة‬
‫اليت شرع فيها أو إلدارة مقاطعة سيناتورية وهو مزود بكامل الصالحيات‪.‬‬
‫** الليقاتوس‪ :‬مصطل يطلق على شخص يتوىل قيادة الفيلق بصفة دائمة ويعني من قبل اإلمرباطور‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫بتكليف الربوقنصل بتسيري إفريقيا إداراي وعسكراي ما جيعلنا نتساءل عن بواعث "كاليقوال" إلصدار هذا القرار ؟‪،‬‬
‫ولإلجابة على هذا السؤال سنعتمد على مصدرين يف تفسري هذه القضية مها اتكيتوس وديون كاسيوس ‪(Dion‬‬
‫)‪(1‬‬
‫)‪.Cassius‬‬
‫نبدأ مع نص اتكتيوس يف كتابه الرابع الذي يقول فيه‪" :‬الفيلق املعسكر يف إفريقيا وكتائبه املساعدة كان‬
‫مكلف حبماية إفريقيا وحدود اإلمرباطورية منذ عهد أغسطس إىل تيربيوس وكان خيضع ألوامر الربوقنصل‪ ،‬لكن‬
‫فيما بعدما عرفت إفريقيا اضطراابت‪...‬أدت إىل سحب قيادة اجليش من الربوقنصل وأسندت إىل الليقاتوس ومت‬
‫التمييز بني صالحيات كل طرف‪ ،‬ما أد‪ ،‬إىل ظهور نوع من العدائية بينهما‪ ،‬فصالحيات الليقاتوس كانت تثري‬
‫)‪(2‬‬
‫طمع الربوقنصل‪."...‬‬
‫أما النص الثاين "لـديون كاسيوس" فيقول‪" :‬كان حاكم إفريقيا هو بسون »‪ «L.Pison‬ابن بلنسينا‬
‫»‪ «Plancina‬يثري خوف كاليقوال بتكربه وشعوره ابلفخر‪ ،‬والذي كان حتت تصرفه قوة كبرية تتكون من مواطنني‬
‫رومان وأجانب‪ ،‬فخاف أن يستغلها ضد اإلمرباطورية لذلك قسم املقاطعة اإلفريقية إىل قسمني‪ ،‬وعهد إىل آخر‬
‫)‪(3‬‬
‫قيادة اجليش حيث يعيش النوميديني‪".‬‬
‫وهذين النصني أاثرا عديد االلتباسات يصعب تفسريها تتمثل يف‪:‬‬
‫‪ -‬أول مشكلة‪:‬‬
‫متعلق ابهلوية الدقيقة للربوقنصل الذي نزع منه كاليقوال السلطات العسكرية فحسب "اتكتيوس" املقصود هو‬
‫"سلنوس" )‪ (Silanus‬وحسب "ديون كاسيوس" هو "بسون" )‪ (L. Pison‬وانطالقا واعتمادا على خمتلف‬
‫املصادر والنقوش الكتابية فإن "سلنوس" كان بروقنصل لفرتة ستة سنوات انتهت سنة ‪ ، 46‬وهي السنة اليت نقلها‬
‫لنا كاسيوس واليت أصب فيها "بسون" الربوقنصل اجلديد‪ ،‬لكن هذا يتعارض مع نقوش قوس النصر لتيربيوس يف‬
‫"لبدة" واليت مفادها أن الربوقنصل من ‪ 44‬إىل ‪ 47‬كان بلنديوس )‪ ،(B. Blandius‬وبذلك فإن "سلنوس" مل‬
‫تد فرتة واليته ستة سنوات‪ ،‬لكن األكيد أن هذين الشخصني كاان بروقنصلني يف إفريقيا‪ ،‬والتفسري املنطقي‬
‫لتعارض املعطيات هو أن هذين "الربوقنصلني" خلف أحدمها اآلخر وأن واحدا منهم عني يف وقت كان اآلخر ال‬
‫يزال يزاول مهامه‪.‬‬
‫‪ -‬أما املشكلة الثانية‪:‬‬
‫متعلقة ابلتحديد الزمين للقرار‪" ،‬فتاكتيوس" يذكر أن القرار كان يف بداية حكم كاليقوال أي يف سنة ‪ 46‬أما‬
‫كاسيوس يقد سنة ‪ ، 46‬وليس لدينا أي دليل قاطع حول السنة الفعلية لتطبيق هذا القرار لكن ما ميكن قوله أنه‬
‫كان خالل والية "سلنوس" أي ‪ 46‬أو ‪ 42‬وطبق فعليا ابتداءا من سنة ‪. 46‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Benabou (M), Op.Cit, P-P 85-86.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Tacite, Histoires, Trad. Par ; J.L.Burnouf, Paris 1954, IV, 48, 3-6.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Dion Cassius, Histoire romaine, traduit par ; E.Gros, Paris 1845, L IX, 20,7.‬‬

‫‪33‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ -‬املشكلة الثالثة‪:‬‬
‫هي متعلقة ابلطبيعة الدقيقة لإلجراءات املتخذة‪ ،‬فهذا القرار مل ينشئ ملقاطعة جديدة‪ ،‬واألكيد أنه اصطد‬
‫مبعارضة جملس الشيوخ‪ ،‬علما أن بروقنصل إفريقيا كان حتت سلطته ثالث قادة عسكريني واحد يف أبرشية قرطاج‪،‬‬
‫)‪(1‬‬
‫والثاين يف عنابة )‪ (Hippone‬والثالث كان قائد للفرقة األوغسطية الثانية‪.‬‬
‫إن هذا القرار ميكن تفسريه على أساس الوضعية السائدة آنذاك املتمثلة يف استحواذ الربوقنصل على‬
‫صالحيات عسكرية إضافة إىل صالحياته املدنية‪ ،‬ما يشكل خطرا مزدوجا‪ ،‬ألن هذه السلطات العسكرية الواسعة‬
‫ميكن أن تصب ذات أبعاد خطرية إذا ما حركت ضد اإلمرباطور أو ضد روما‪ ،‬ومن جهة أخر‪ ،‬فإن الظروف‬
‫الصعبة اليت عرفتها إفريقيا آنذاك استلزمت وتطلبت وجود قائد عسكري كفء خصوصا بعد غارات "املوزوالمي"‬
‫)‪(2‬‬
‫على املراكز الرومانية سنة ‪ 47‬واليت أثبتت عجز الربوقنصل عسكراي‪.‬‬
‫كما أن اختيار الربوقنصل كان أحياان مصدر خالف بني اإلمرباطور وجملس الشيوخ‪ ،‬ولتجنب هذا اخلطر‬
‫املزدوج وتعزيز رقابته اخلاصة ابشر "كاليقوال" بتقسيم السلطات‪ ،‬فالربوقنصل أصب غري مؤذ‪ ،‬بينما القائد هو‬
‫)‪(3‬‬
‫عبارة عن عسكري متخصص وخاضع ألوامر اإلمرباطور ما جيعله أكثر فعالية جتاه التزاماته احلربية‪.‬‬
‫هذا اإلجراء يبدو لنا حكيما وصائب‪ ،‬لكن "اتكتيوس" ير‪ ،‬العكس حيث يؤكد أن كاليقوال تعمد البحث‬
‫عن خالف دائم بني الربوقنصل وقائد اجليش‪ ،‬خالف يزداد طبعا للتنافس احلاصل بني الشخصني‪ ،‬لكن هذا‬
‫االهتا هو جمرد احتمال‪ ،‬لذلك ير‪ ،‬أن عملية اغتيال الربوقنصل "بسون" من قبل جنود القائـد "فلريوس"‬
‫)‪(Valérius Festus‬كانت نتيجة قرار كاليقوال‪ ،‬ولتفسري هذا االغتيال قال "أان أعترب أن بعض األحداث‬
‫)‪(4‬‬
‫الغري معروفة يف أصوهلا وأسباهبا ليست عفوية بل هي اعتداءات"‪.‬‬
‫إذن جمموع التطورات الالحقة اليت جاءت على إثر وفاة بسون‪ ،‬كانت نتيجة قرار كاليقوال الذي أنشأ‬
‫سلطتني جنبا إىل جنب يف إفريقيا لكي يشجع العدائية والتنافس بني القائد والربوقنصل وهو ما أد‪ ،‬إىل وفاة‬
‫"بسون"‪ ،‬هذا ما توحي به عبارات اتكتوس الذي عمل بذكاء ليجعلنا نفهم أنه قرار غري صائب‪.‬‬
‫لكن نصوص أخر‪ ،‬واملقطع الثامن واألربعني »‪ «XLVIII‬ذو داللة‪" :‬سلطة القادة العسكريني تعاظمت‬
‫بفضل طول فرتة القيادة فقل التنافس والعداء‪ ،‬لكن رغم ذلك بقي الربوقنصل أكثر قوة وأتثريا من خالل‬
‫سلطاته"‪ ،‬فتاكتيوس يسرف يف االهتما بفارق اهليبة الذي تولد عن هذا القرار املتخذ من قبل كاليقوال‪ ،‬فارق‬

‫‪1‬‬
‫‪- Benabou (M), Proconsul et légat en Afrique le témoignage de Tacite, Antiquités Africaines, N° 6, 1972, P-P‬‬
‫‪130-131.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Benabou (M), La résistance... P-P 86-87.‬‬
‫‪ -3‬شارن (ش) وآخرون‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.66‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Tacite, Annales, XLVIII, 2.‬‬

‫‪34‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫ظهر بوضوح من خالل بعض األحداث على الساحة اليت يقدمها يف الفصل ‪ «XLIX» 36‬أين يقول حول‬
‫)‪(1‬‬
‫القائد "فلريوس فستوس" رجل ذو طموحات بسيطة"‪.‬‬
‫ابلرغم من اتاذ كاليقوال لعديد القرارات غري الصائبة يف فرتة حكمه‪ ،‬لكن هذا القرار أماله حتليل وتشخيص‬
‫للظروف واألوضاع السائدة آنذاك إبفريقيا‪ ،‬فمن جهة هناك منطقة هادئة وأخر‪ ،‬ال تزال مضطربة لذلك كان البد‬
‫من فصل املؤسسة العسكرية عن الربوقنصل لتصب اتبعة لشخص خمتص‪ ،‬كما أن وجود الليقاتوس لو عدان إىل‬
‫السياق القانوين هو ليس ابتكار‪ ،‬فالذهنية الرومانية تفضل استقاللية املؤسسة العسكرية ومتنحها صالحيات أكرب‬
‫ومن كل هذا تغريت وضعية الفرقة األوغسطية الثالثة من فرقة خاضعة ألوامر الربوقنصل إىل فرقة مستقلة يتوىل‬
‫)‪(2‬‬
‫قيادهتا قائد عسكري معني من قبل اإلمرباطور‪.‬‬
‫هذا أهم ما جاءت به فرتة حكم "كاليقوال" الذي سيخلفه "نريون" )‪ ) 13-31( (Néron‬الذي متيزت‬
‫فرتة حكمه ابلسلم واألمن‪ ،‬وهو ما مل تعرفه إفريقيا من قبل‪ ،‬وهذا يعين ضمنيا أن مهمة الفرقة األوغسطية الثالثة‬
‫تركزت على املراقبة والدفاع‪ ،‬لكن هذا ال يعين عد قيامها بعمليات عسكرية فنجد بعض اإلشارات عن وفاة‬
‫جندي من الفرقة من قبل قبائل ليبية يف "مكثر" )‪ (Chemtou‬يف ‪ 12- 11‬ما أد‪ ،‬إىل حرب بني الرومان‬
‫والقبائل الليبية‪ (3)،‬قمعتها الفرقة األوغسطية رفقة فرقة أخر‪ ،‬بقيادة فيتلوس )‪ (4)(Vitellus‬وابملقابل عرفت‬
‫إفريقيا مشاكل داخلية تتمثل يف متلك اإلمرباطور ألراضي وملكيات واسعة يف إفريقيا‪ ،‬وما اجنر عنه من خالفات‬
‫داخل جملس الشيوخ‪ ،‬وابختصار فقد عرفت إفريقيا منذ فرتة كاليقوال وكالوديوس فرتة هدوء لكن يف أواخر فرتة‬
‫حكم نريون ستعرف إفريقيا حداث هاما متمثال يف اضطراابت أو أزمة ‪ 76-72‬واليت كانت الفرقة األوغسطية‬
‫الثالثة أحد أطرافها ‪.‬‬
‫‪-2‬الفرقة األوغسطية الثالثة وأزمة ‪66-66‬م‪:‬‬
‫أدت سياسة "نريون" القائمة على التعسف واضطهاد طبقة العامة‪-‬الشعب واجلنود‪-‬إىل ظهور ثورات‬
‫وحركات انفصالية انطلقت من بالد الغال )‪ (Gallia‬لتعم ابقي املقاطعات الرومانية‪ ،‬هذه األزمة دامت عا‬
‫كامل واملسماة بسنة األابطرة األربعة تعاقب فيها ثالثة أابطرة على العرش (جاليا وأوتو وفيتلوس) إىل أن نصب‬
‫"فسباسيانوس" نفسه كإمرباطور دون منازع‪.‬‬
‫هذا الصراع حول السلطة انتقل إىل إفريقيا يف شكل حركة انفصالية انطلقت من نوميداي يف ربيع سنة ‪72‬‬
‫لتنتقل إىل الربوقنصلية‪ ،‬واليت قادها "كالوديوس ماسر")‪ (L.Clodius Macer‬وهو قائد الفرقة األوغسطية‬

‫‪1‬‬
‫‪- Tacite, Annales, XLIX, 5, XLIX, 7, XLIX, 8.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Benabou (M), La résistance, P-P 88-89.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Le Bohec (Y), Histoire…, P 61.‬‬
‫املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.66‬‬ ‫‪ -4‬شارن (ش) وآخرون‪،‬‬

‫‪35‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫الثالثة والذي انفصل "بنوميداي" وحقق بعض االنتصارات مستغال ثورة "فندكس" »‪ «Vindex‬يف غاليا وتنصيب‬
‫)‪(1‬‬
‫"جالبا" )‪ (Galba‬من إسبانيا لنفسه كإمرباطور يف ‪ 16‬جوان ‪ 72‬بعد انتحار نريون‪.‬‬
‫وابلتايل فإن "ماسر" أراد جتريب حظه يف االنفصال عن روما مثلما حدث يف غاليا وإسبانيا‪ ،‬حماولة هذا‬
‫الشخص وبصفته قائد الفرقة األوغسطية الثالثة أاثرت آراء متباينة من قبل املؤرخني متحورت حول ثالث‬
‫أطروحات‪ :‬األطروحة األوىل "لـمومسن" الذي ير‪ ،‬أن هذا املشروع يدخل ضمن آخر حماولة من قبل اجلمهوريني‬
‫لإلطاحة ابلنظا اإلمرباطوري‪ ،‬أما موات )‪ (R.Mowat‬فتصورها على أهنا حركة للخروج "بلبدة" من حكم‬
‫املثالثة ) ‪ ،( Triumvirat‬أما بورين )‪ (J.Burian‬فاعتربها حركة للسيطرة على السلطة يف إفريقيا‪ ،‬ومنه احتكار‬
‫خريات وثروات إفريقيا لصاحله‪ ،‬ومن أجل إجناح مشروعه قا "ماسر" ابلسيطرة على فيلقه‪ ،‬ما يعين ضمنيا وقوف‬
‫جنود الفرقة األوغسطية إىل جانبه‪ ،‬فتحكم يف ثروات إفريقيا ونعين القم واألموال مع توظيف فرق مساعدة وفيلق‬
‫اثين هو "الفيلق املاسري االول للمحررين")‪ (2(Legio I Macriana Liberatix‬الذي أاثر آراء متباينة بني‬
‫املؤرخني بني من إعتربه فيلق اثين‪ ،‬وبني آخرين قالوا أن"ماسر" غري تسمية ورقم الفرقة األوغسطية الثالثة فجعله‬
‫"الفيلق املاسري األول للمحررين" ما يعين ضمنيا جتنيده لقوات معتربة إلجناح مشروعه االنفصايل‪.‬‬
‫النظرية األوىل يقدمها عدة مؤرخني وعلى اخلصوص "مومسن" يف مدونته الذي يعتقد أن "كالوديوس" مل‬
‫يغري سو‪ ،‬األمساء ألنه كان يريد التخلص من االسم القدمي واالستقالل عن السلطة املركزية‪ ،‬فهو ال يستطيع‬
‫احلفاظ على نفس االسم للفرقة لذلك كان عليه أن يغري التسمية‪ ،‬وبعد سيطرته على الفرقة األوغسطية الثالثة‬
‫مساها أوال الفرقـة األوغـسطية الثالثـة للمحـرريـن )‪ (Legio III Augusta Liberatrix‬ليسمـيها فيما بعد‬
‫ابلفيلق املاسري األول للمحررين‪ ،‬وبذلك مل يكن يف إفريقيا سو‪ ،‬فيلق واحد هو الفرقة األوغسطية الثالثة وكل ما‬
‫)‪(3‬‬
‫حدث هو تغيري المسها من قبله‪.‬‬
‫هذا الرأي يعارضه البعض أمثال كنرتيل )‪ (M.L.Cantarelli‬الذي ير‪ ،‬أن كالوديوس ماسر كان حتت‬
‫قيادته فرقتني منفصلتني مها الفرقة األوغسطية الثالثة وهي الفرقة القدمية إلفريقيا‪ ،‬وفرقة اثنية مت إنشاؤها هي "الفرقة‬
‫املاسرية األوىل للمحررين" وأضاف أن هذه األخرية مت حلها بعد وفاته‪ ،‬بينما األوىل واصلت مهمتها يف حراسة‬
‫والدفاع عن القطر اإلفريقي‪ ،‬وابلعودة إىل النصوص املتعلقة هبذا املوضوع فإننا جند نوعني‪ :‬العمالت وفقرات‬
‫اتكتيوس‪:‬‬
‫‪ -‬إن دراسة العمالت وفحصها يعيدان ويقودان أكثر حنو تعقد القضية وصعوبة اخلروج ابستنتاج‪ ،‬فهذه‬
‫العمالت تقود حنو فرضية وجود فرقتني متميزتني عن بعضهما وكالمها حتت قيادته‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Benabou (M), La résistance... P 97.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Le Bohec (Y), Histoire…, P 63.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Cagnat (R), Op.Cit, P-P 141-144.‬‬

‫‪36‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ -‬أما نصوص "اتكتيوس" فتحمل صعوابت حنوية وهذا يف كتابه التواريخ ‪-‬اجلزء الثاين‪-‬الفقرة ‪ 97‬ما جيعل‬
‫النص أقل أمهية‪ ،‬هذه الصعوابت النحوية تتمثل يف استعمال صيغة املفرد واجلمع‪ ،‬لكن هناك نصوص أخر‪،‬‬
‫تسم لنا بتقدمي توضيحات حول هذه القضية‪.‬‬
‫إذا افرتضنا أن الفرقة اليت يتحدث عنها "اتكتيوس" هي الفرقة األوغسطية الثالثة فإننا نصطد بصعوبتني‪:‬‬
‫‪ -‬األوىل من اخلطأ القول أبن الفرقة األوغسطية الثالثة وفرقها املساعدة كانت "املفضلة" عند "ماسر"‪ ،‬ومن‬
‫املرج كذلك أنه قا بعملية جتنيد هبدف رفع عدد قوات الفرقة ما أد‪ ،‬إىل ظهور الفيلق الثاين‪.‬‬
‫‪-‬وإذا افرتضنا أن جنود الفرقة األوغسطية الثالثة وفرقها املساعدة قد مت تسرحيهم من قبل "جالبا" الذي حكم‬
‫من جوان ‪ 72‬إىل ‪ 11‬جانفي ‪ ، 76‬لتعود مع "فيتلوس" )‪ (Vitellius‬وهو اآلخر إمرباطور روماين حكم من‬
‫‪ 16‬أفريل ‪ 76‬إىل ‪ 24‬ديسمرب من نفس السنة اليت أصبحت تسمى سنة األابطرة األربع‪ ،‬فإن ذلك يعين أن‬
‫إفريقيا خالل هذه األزمة أصبحت بدون حامية حقيقية‪ ،‬األمر الذي مس بظهور احلركة االنفصالية يف موريطانيا‬
‫مع واليها ألبنوس )‪(D.Albinus‬سنة ‪ 76‬واليت وضع القائد تراكوانس )‪(Tarraconaise‬حد هلا‪.‬‬
‫إن جممل هذه اآلراء جتعلنا نعتقد أن الفرقة األوغسطية الثالثة كانت مستقلة متاما عن الفرقة املاسرية األوىل‬
‫وأهنا دخلت لبعض الوقت يف صراع ضد السلطة املركزية حتت أتثري "كالوديوس ماسر" لكن بعد وفاته عادت فورا‬
‫)‪(1‬‬
‫إىل ممارسة واجباهتا‪.‬‬
‫ولعل من بني أحد أهم انعكاسات هذه األزمة هو حتكم "ماسر" يف ثروات إفريقيا خاصة القم ‪ ،‬ما يعين أنه‬
‫أوقف طريق األنوان وهو ما يشري إليه اتكيتوس‪ ،‬وكان هذا سنة ‪ ، 72‬وهو ما أدخل روما يف أزمة غذائية ممثلة يف‬
‫)‪(2‬‬
‫قلة احلبوب وارتفاع أسعارها ومن حسن حظ روما أن هذه الثورة مت إمخادها بسرعة‪.‬‬
‫اندلعت حركة "ماسر" زمن نريون يف ربيع ‪ 72‬فبادر إىل إيقاف طريق األنوان وهاجم على قرطاج يف ربيع‬
‫‪ ، 72‬لكن جالبا الذي أقلقته هذه الثورة كلف احلاكم تربنيوس )‪ (Trebonius Garutianus‬ابلقضاء على‬
‫هذا التمرد والذي كلف بدوره إحد‪ ،‬قادة املائة وهو بربيوس )‪ (Papirius‬الذي أجنز مهمته بنجاح قبل‬
‫)‪(3‬‬
‫خريف‪ 72‬ما يعىن أن هذه احلركة مل تد سو‪ ،‬أشهر معدودة‪.‬‬
‫ويف هناية سنة ‪ 76‬متكن فسباسيانوس (‪ ) 66-76‬من الوصول إىل السلطة لتبدأ فرتة حكم األسرة الفالفية‬
‫)‪ (Les Flaviens‬واليت ستعرف الفرقة األوغسطية الثالثة يف عهدها تطورات عديدة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Cagnat (R), Op.Cit, P-P 142-146.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Julien (L), L’annone sous Néron, séminaire antiquité 2009, P-P 19-20.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Le Bohec (Y), Histoire…, P 63.‬‬

‫‪37‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫ثانيا‪ :‬الفرقة األوغسطية الثالثة يف عهد األسرة الفالفية (‪66-66‬م)‪:‬‬


‫بوصول "فسباسيانوس" إىل عرش اإلمرباطورية انتهى الصراع على العرش‪ ،‬وبدأ حكم األسرة الفالفية (‪-76‬‬
‫‪ ) 67‬اليت واجهت عدة مشاكل يف إفريقيا‪ ،‬فبعد فوضى ‪ 76-72‬كان ال بد على فسباسيانوس إعادة إحالل‬
‫األمن والطاعة لذلك احتلت املسألة العسكرية حيزا كبريا من سياسته‪ ،‬خصوصا يف ظل بروز خطر قبائل النوميد‬
‫)‪(1‬‬
‫الصحراوية‪.‬‬
‫مل يتأخر القائد اجلديد للفرقة األوغسطية الثالثة فالريوس فستوس )‪ (Valerius Festus‬يف استغالل حرية‬
‫اتاذ القرار املمنوحة له ابلقيا بعدة عمليات ضد أعداء اإلمرباطورية‪ ،‬البداية كانت بقتل الربوقنصل بسون‬
‫)‪ (L.Pison‬الذي أرسل فرسان أفارقة بونيقيون )‪ (Punique‬ومور ) ‪ (Maure‬لقتله‪ ،‬مث قا بتوقيف حاكم‬
‫معسكر حضر موت )‪ (Hadrumète‬وهو بزنوس )‪ (Caetronius Pisanus‬الذي اشتبه يف دعمه لبسون‬
‫فتخلص من مجيع أعداء اإلمرباطورية يف إفريقيا‪ ،‬ليتوجه حنو إمخاد ثورة هامة ضد الرومان هي ثورة الغرامنت أو‬
‫يعرف اترخييا أبحداث إقليم طرابلس ) ‪(2)،( Tripolitaine‬وأطلق هذا االصطالح على هذه األحداث ألن‬
‫مدينتني من إقليم طرابلس مها أواي » ‪- « Oea‬طرابلس حاليا‪ -‬ولبدة )‪ - (Lepcis Magna‬حوايل ‪121‬كلم‬
‫شرق طرابلس‪ -‬دخال يف صراع ضد الرومان والسبب يعود إىل قضية احلدود‪ ،‬لكن املؤرخون املعاصرون يفسروهنا‬
‫بدافع ما ميكن أن نسميه إن ص التعبري ظاهرة احلسد أو الغرية بني املدن اإلفريقية املتجاورة‪ ،‬وهي ظاهرة جد‬
‫هامة يف التاريخ القدمي وغالبا ما يتم التغاضي عنها‪ ،‬نضيف هلا التنافس االقتصادي ورغبة كل مدينة يف تقدمي‬
‫خدمات أكرب لروما‪.‬‬
‫فسكان أواي خشوا أن جيدوا أنفسهم يف مرتبة دونية لذلك ابدروا‪-‬قبائل الغرامنت‪-‬ابهلجو وحققوا عدة‬
‫انتصارات ممارسني ضغوطا على املدن الساحلية إلقليم طرابلس‪ ،‬لكن فلريوس متكن من صدهم وحتقيق انتصارات‬
‫حامسة اسرتد هبا جزءا هاما مما خسره الرومان‪ ،‬ويف غضون هذه العملية احلربية اكتشف طريق جديد وخمتصر لبلوغ‬
‫)‪(3‬‬
‫قلب قبائل الغرامنت‪ ،‬األمر الذي فت اجملال أما إقامة مبادالت جتارية مع هذه املنطقة يف املستقبل‪.‬‬
‫إن هذه األحداث تسجل الرتاجع واالنتكاس التارخيي "للغرامنت" من جهة‪ ،‬والنجاح الكبري هلذا الليقاتوس‬
‫يف حماربة هذه القبائل الصحراوية الثائرة‪ ،‬فسيطر الرومان على "جرمة" )‪ (Garama‬عاصمة الغرامنت متوغلني‬
‫يف اجلنوب حىت بالد أغسمبا (رمبا السودان حاليا)‪ -‬وهذا من خالل إشارات بطليموس )‪ -(Ptolémée‬يف هناية‬
‫القرن األول امليالدي مع محلة "أيليوس ماترنوس" )‪ (Iulius Maternus‬بعد مسرية دامت أربعة أشهر واستمر‬
‫)‪(4‬‬
‫ومن الصعب معرفة ردود أفعال األفارقة حول هذه‬ ‫التبادل والتعامل مع هذه املنطقة إىل غاية الفرتة البيزنطية‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫‪-le Bohec (Y), P 63.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Le Glay (M), Les Flaviens et l’Afrique, M.A.H ,1968 V° 80, P-P 207-208.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Benabou (M), La résistance…, P 102.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Ibid, P 102.‬‬

‫‪38‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫العمليات وكل ما نعرفه هو اإلرسال السريع ما بني ‪ 61-64‬ألمر إبيقاف القائد تولوس )‪ (D.C.Tullus‬من‬
‫أجل إرسال شخص آخر على وجه السرعة إلمتا عمليات طارئة حتتاج حلضور قائد عسكري ذو خربة‪.‬‬
‫أدت انتفاضة الغرامنت (‪ ) 61-76‬إىل إحداث مجلة من التغريات على السياسة العسكرية الرومانية أين‬
‫نَصب قادة الفرقة األوغسطية الثالثة التخو ‪ ،‬واليت وسعت من جمال األراضي الرومانية يف مساحة جتاوزت حدود‬
‫مقاطعة نوميداي املستقبلية‪ ،‬ومت تقييد وتفيف حركة القبائل النوميدية اليت أجربت على النزوح جنواب‪ ،‬لكن قبائل‬
‫مثل السوبربور )‪ (Suburbure‬والنسيف )‪ (Nicibes‬اليت كانت متواجدة حول سريات وابلضبط يف منطقة‬
‫"نقاوس" ظلت تتحرك يف هذا اجملال‪ ،‬وهناك نقوش أخر‪ ،‬تدل عن وجود نشاط لقبائل الفوفرسنس‬
‫)‪ (Vofricences‬والسبنس )‪ (Suppenses‬املتواجدتني بنواحي عنابة وسوق أهراس‪ ،‬ما يعىن أن عملية حتديد‬
‫التخو مل تكن فعالة‪ ،‬بل ظل نشاط القبائل النوميدية مستمرا رغم حماوالت فصل احلدود يف عهد‬
‫)‪(1‬‬
‫الفالفيني‪ ،‬ولتجنب العودة إىل هذا الصراع بني مدن إقليم طرابلس مت ترقية لبدة ووضعت حدود هلا‪.‬‬
‫كما قا قادة الفرقة األوغسطية الثالثة ومها القنصل السابق روتليوس )‪ (C. Rutilius‬والقائد‬
‫كيسلينوس )‪ (S. S. Caecilianus‬ما بني ‪ 63-64‬إبقامة خندق ملكي جديد‪ ،‬وهو عمل مس ابنطالق‬
‫عمليات مس األراضي وحتديد التخو وتوسيع عملية الكنرتة )‪ ،(Centuriations‬ومت العثور على نصني مسحا‬
‫لنا ابلتعرف على جمال هذا اخلندق الذي ميتد من طربقة )‪ (Tabarka‬إىل صفاقس مارا على تربسق‬
‫)‪ ،(Téboursouk‬لكن حنن ال نعرف أسباب إقامة هذا اخلندق‪ ،‬فهل هي مرتبطة جبباية الضرائب أو ألسباب‬
‫)‪(2‬‬
‫اجتماعية واقتصادية مرتبطة بتسهيل عمليات ضم وتوحيد قطع األراضي الزراعية )‪. (Remembrement‬‬
‫‪-0‬الفرقة األوغسطية الثالثة يف تبسـة (‪:)Theveste‬‬
‫ركز "الفالفيون" على تعزيز اجلبهة اجلنوبية هبدف محاية املناطق الشمالية والدفاع عن مصاحل روما الزراعية‬
‫والتجارية بني قابس واحملطات التجارية الكرب‪ ،‬املوجودة على طول الساحل إىل غاية الصحراء اليت تفصل إقليم‬
‫طرابلس عن برقة )‪ (Cyrénaïque‬وبني هذه املراكز وأقاليم اجلنوب‪ ،‬ابشرت روما هذه العملية عرب عدة مراحل‬
‫فبدأت ابلتوجه حنو املراقبة الكاملة لنوميداي مصدر قلق الرومان وابألخص لسلسلة جبال األوراس )‪(Aurès‬‬
‫)‪(3‬‬
‫والنمامشة )‪.(Nemencha‬‬
‫هذه السياسة شرع فيها منذ سنيت ‪ 61-63‬بتغيري مقر الفرقة األوغسطية الثالثة من "حيدرة" إىل "تبسة" أي‬
‫إىل الغرب‪ ،‬وهو إجراء أاثر آراء متباينة بني املؤرخني حول أسبابه‪ ،‬العتبار أساسي هو أن املسافة الفاصلة بني‬
‫حيدرة وتبسة ليست بكبرية‪ ،‬هذا االنتقال يكشف لنا عن تغيري روما إلسرتاتيجيتها من خالل فت اجملال أما‬

‫‪1‬‬
‫‪- Le Glay (M), Op.Cit, P-P 215-216.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Le Bohec (Y), Histoire, P 64.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Decret (F) et Fantar (M), Op.Cit, P 171.‬‬

‫‪39‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫املبادرات التوسعية يف األراضي املمتدة من تبسة حىت األوراس‪ ،‬حيث سنر‪ ،‬فيما بعد إقامة معسكر االستطالع‬
‫)‪(1‬‬
‫يف ملباز سنة ‪ 21‬املعروف مبعسكر "تيتوس" هبدف التخفيف من حركة وخطر قبائل الصحراء‪.‬‬
‫إن الفهم اجليد للعوامل واألسباب اليت كانت وراء هذا االنتقال للفرقة ال يكون إال بتقدمي كرونولوجيا ألهم‬
‫األحداث قبل ‪ ، 61-63‬والبداية كانت بقمع ثورة الغرامنت يف ‪ ، 61-76‬مث التوجه حنو الغرب وابخلصوص‬
‫جهة جبال األوراس للسيطرة عليها ألهنا معادية وغري مستقرة مبراقبة الوداين واملمرات والتخو ‪ ،‬ولتحقيق هذا‬
‫اهلدف كان البد من التحكم يف السهول العليا حول قسنطينة من جهة ومنطقة البحريات من جهة أخر‪ ،،‬وهذا‬
‫يعين يف هناية املطاف ضمان حراسة معربين طبيعيني يسمحان مبراقبة ظاهرة االنتجاع والغزوات املعادية للرومان عرب‬
‫طريقني مها طريق القنطرة وطريق احلضنة )‪ ،(Hodna‬فالسيطرة على أراضي املوزوالمي ضمنت استقرار احلدود‬
‫الغربية إلفريقيا وقفلت منافذ الوصول إىل السهول العليا الشرقية وشجعت عملية االستيطان واالستغالل مع زايدة‬
‫قيمة األراضي املهملة‪ ،‬لكن احلدود اجلنوبية إلفريقيا كانت ال تزال غري مستقرة فكان ال بد من تقريب الفرقة حنو‬
‫موقع عمليايت فجاء االختيار على تبسة الواقعة يف اجلزائر احلالية على بعد ‪34‬كلم من احلدود التونسية‪-‬اجلزائرية‬
‫اليت كانت تقطنها قبائل اجليتول )‪.(Gétule‬‬
‫تتميز تبسة مبوقعها اإلسرتاتيجي حيث أقيمت على حافة سهل غين ابملياه ومفتوح حنو الشمال الشرقي‬
‫والشمال الغريب‪ ،‬إضافة إىل اجلنوب واجلنوب الشرقي وهذا ما يسم للفرقة مبراقبة العالقات بني التل واجلنوب‬
‫)‪(2‬‬
‫إضافة إىل وقوعها ابلقرب من قرطاج وسريات واحلضنة واألوراس مركز العمليات اجلديد‪.‬‬
‫تعود أصول تبسة إىل فرتة ما قبل التاريخ مث سيطر عليها القرطاجيون لتعرف مرحلة مد وجزر أثناء صراع‬
‫املاسيل واملازسيل‪ ،‬وصل الرومان إليها ببضع سنوات قبل امليالد لتعرف تطورا ملحوظا منذ عهد "فسباسيانوس"‬
‫إبقامة الفرقة األوغسطية الثالثة فيها‪ .‬ومل يتمكن علماء اآلاثر من حتديد موقع معسكرها الفيلقي بدقة‪ ،‬لكن من‬
‫احملتمل وجود ثكنات رومانية قبل قدو الفرقة‪ ،‬ويف فرتة اإلمرباطور "كالوديوس" (‪ ) 13-31‬ازدهرت املدينة‬
‫)‪(3‬‬
‫لتصب بلدية يف عهد "فسباسيانوس" مث أقيم فيها مدرج وساحة )‪ (Forum‬زمن "ترااينوس"‪.‬‬
‫كل ما تبقى من اآلاثر يف تبسة يعود إىل عهد "السيفريني" ومن أشهر ما بقي يف املدينة جند قوس النصر‬
‫الذي بين حوايل سنة ‪ 212‬واملعروف بقوس كركال )‪ (Caracalla‬وكذلك معبد "منرف" )‪ (Minerve‬الذي‬
‫)‪(4‬‬
‫يعود إىل القرن الثالث امليالدي‪.‬‬
‫وعند دراسة النقوش الكتابية واآلاثر اجلنائزية للمدينة وضواحيها جند جمموعة من املميزات اليت تثري االهتما‬
‫حيث منيز بني أربع جمموعات سنذكر فقط اجملموعة األوىل ألهنا مرتبطة بتواجد الفرقة يف تبسة‪ ،‬واليت تعود إىل‬
‫‪1‬‬
‫‪- Benabou (M), La résistance…, P 102.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Le Glay (M), Op.Cit, P-P 217-218.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Cagnat (R), Carthage, Timgad, Tébessa et les villes antiques de l’Afrique du Nord, libraire Renourard, Paris,‬‬
‫‪1909, P-P 134-135.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Serée de Roch, Tébessa antique Theveste, Alger, 1952, P-P 11-12.‬‬

‫‪40‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫القرن األول للميالد وتتكون من جنود ومدنيني‪ ،‬فاجلنود الذين دفنوا يف تبسة معظمهم حيملون أمساء إيطالية مثل‬
‫"كوسليوس" ) ‪ (Caecilius‬و"مسيوس" )‪ (Messius‬و"دورميوس" )‪ (Durmius‬وسيوس )‪ (Sius‬وغريها‬
‫مع وجود جنود ذو أصول غالية ‪-‬رمبا قدموا من "نربوانس")‪- (Narbonnaise‬وهم حسب املؤرخني عناصر‬
‫)‪( 1‬‬
‫مرومنة )‪ (Romaniser‬منذ فرتة‪.‬‬
‫على أ ن وجود الغاليني يف صفوف الفرقة األوغسطية الثالثة خالل القرن األول امليالدي قد أاثر عديد‬
‫اآلراء ألن الغاليني كانوا حمرومني من االلتحاق ابجليش الروماين وهو ما يفسره "سيم" )‪ (R.Syme‬أبن‬
‫اإلمرباطور"فتليوس" هو أول من جند الغاليني سنة ‪ 76‬ليواصل خليفته "فسباسيانوس" ذلك‪ ،‬نظرا حلاجة روما‬
‫إىل قوات إضافية‪ ،‬أما "لوقلي" )‪ (M. Leglay‬فدون استبعاد الرأي السابق يضيف أبن وجود الغاليني يف إفريقيا‬
‫يرجع إىل عهد "تيربيوس" الذي كان حباجة ماسة إىل اجلنود لقمع ثورة "اتكفاريناس" والذين جاءوا من‬
‫"ليون" )‪ (Lyon‬على اخلصوص‪ .‬إن خمتلف اآلراء املتعلقة بكيفية وصول الغاليني إىل إفريقيا جتعلنا خنرج أبن هذا‬
‫)‪(2‬‬
‫جاء يف ظل ظروف خاصة عرفتها السلطة املركزية أجربهتا على جتنيدهم للقضاء على الثورات املعادية لروما‪.‬‬
‫أما شواهد قبور املدنيني فهي أقل عددا حوايل ‪ 24‬منها ‪ 11‬لوحات تذكارية وثالث صناديق‪ ،‬على أن‬
‫األمساء غري مميزة فاالسم األول أو النسب جد غائب أو حمذوف‪ ،‬ومن أهم األلقاب العائلية جند لقب‬
‫"يوليوس" )‪ (Julius‬وهو اللقب العائلي اإلمرباطوري الوحيد الذي نشاهده أربع مرات‪ ).‬أنـــــظـــــر الشــــكـــــل‬
‫رقم‪(2 :‬‬

‫ويالحظ الباحثني أن سكان تبسة يف القرن األول امليالدي أهنم غري متجانسني فهناك جنود ذو أصول‬
‫)‪(3‬‬
‫إيطالية و غالية‪ ،‬وجزء من قبيلة "قوبول" )‪ (Gubul‬اليت دخلت يف احلضارة الرومانية‪.‬‬
‫أتبع نقل معسكر الفرقة األوغسطية الثالثة من حيدرة إىل تبسة بتهيئة طريق يربط معسكرها اجلديد ابمليناء‬
‫الكبري بعنابة )‪ (Hippo Regius‬وطريق آخر حنو "قرطاج" الذي مير على "بوالرجييا" قرب "جندوبة" مشال‬
‫غرب تونس وواد جمردة )‪ ، (Bagradas‬وبذلك أصبحت تبسة ملتقى طرق رئيسية ما سهل عملية االتصال‬
‫العسكري والذي سيدعم يف نفس الفرتة خبطني دفاعيني اثنويني واحد حنو "حيدرة" ابجتاه قرطاج‪ ،‬والثاين حنو‬
‫"تالبت" غرب تونس احلالية‪ (4)،‬كلها معطيات تدل أن حالة الطوارئ قد تغريت من حيدرة اليت محت ظهر قرطاج‬
‫)‪(5‬‬
‫إىل األوراس ونوميداي إىل تبسة ملراقبة مسالك االنتجاع والغزوات املعادية القادمة من القنطرة واحلضنة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Ballu (A), Monuments antique de l’Algérie, Paris, 1894, P-P 12-13.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-Jacques (G), Inscriptions de Tébassa, M.E. F. R.A, 1969, 81, P-P 537-599.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪-Bénabou (M), La résistance..., P-P 560-561‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Bénabou (M), La résistance, P-P 560-561.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Decret (F) –Fantar (M), Op.Cit, P 171.‬‬

‫‪41‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫الشكل رقم ‪ :12‬مناطق إقامة الفرقة األوغسطية الثالثة وتقسيم املقاطعات الرومانية‪.‬‬
‫‪Michel Janon: Lambèse capitale militaire de l’Afrique romaine, ed : Nerthe, 2005, P 12‬‬ ‫املرجع‪:‬‬

‫‪42‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫قا الفالفيون خالل أواخر فرتة حكمهم ويف إطار جتسيد ما ذكرانه إبقامة مراكز عسكرية وإرسال فرق‬
‫استطالع حنو األوراس واليت أقامت يف نقاط إسرتاتيجية يف املنطقة مثل خنشلة )‪ (Mascula‬ومحا الصاحلني‬
‫)‪ (Aquae Flavianae‬حوايل ‪ 67‬و عني زوي )‪ ، (Vazaivi‬هذه املراكز العسكرية املقامة تدخل ضمن‬
‫خمطط إمجايل لليمس )‪ (Limes‬الروماين الذي ميتد إىل الشمال من األوراس‪ ،‬متهيدا الستقدا وحدات خاصة‬
‫قادمة من سوراي منذ سنة ‪ ، 62‬إضافة إىل إقامة معسكر يف قلب األوراس للفرقة االوغسطية سنة ‪، 21-21‬‬
‫وابلضبط يف"ملباز")‪ (Lambèse‬والذي يعرف مبعسكر ‪ 21‬أو معسكر "تيتوس")‪ (Titus‬هذا املعسكر يقع على‬
‫)‪(1‬‬
‫علو يصل إىل ‪1211‬مرت إىل الشمال الغريب لألوراس ابلقرب من تيمقاد‪.‬‬
‫إىل اجلنوب من الظهري التونسي إضافة إىل حيدرة اليت يقطنها اجلنود جند "سليو " )‪ –(Cillium‬القصرين‬
‫حاليا يف تونس‪ ،-‬وعلى احلدود الشمالية الشرقية لألوراس أقيمت مستوطنة "مداوروش" )‪- (Madauros‬‬
‫‪11‬كلم جنوب مدينة سوق أهراس‪-‬ذات املوقع اإلسرتاتيجي اجملاور لقبائل املوزوالمي وصوال إىل هنشري‬
‫توشني")‪ (Lambafundi‬الواقعة بني تيمقاد وملباز‪.‬‬
‫على أنه يف عهد "دومسيانوس" (‪ ) 67-21‬ظهرت ثورة "النساميني" )‪ ،(Nasamons‬فبعد انتصار‬
‫الرومان على "الغرامنت" سنر‪ ،‬اصطدا الفرقة األوغسطية الثالثة هبذه القبيلة اليت تستقر يف الشواطئ الشرقية‬
‫واجلنوبية للسرت الكبري"بليبيا"‪ ،‬واليت كانت تدفع الضرائب إىل روما‪ ،‬لكنهم امتنعوا عن الدفع‪ ،‬وقاموا بقتل مبعوثي‬
‫روما ما أد‪ ،‬إىل هذه احلرب‪ ،‬ومتكن يف البداية النساميني من حتقيق انتصارات على الفرقة األوغسطية واستولوا‬
‫على املعسكر الروماين حيث غنموا أغذية ومواد خصوصا النبيذ‪(2)،‬لكن فيما بعد قامت الفرقة ابهلجو عليهم‬
‫وإابدة معظمهم‪ ،‬فانتهت احلرب اليت قادها "سوليوس فلكوس" )‪ ،(Suellius Flaccus‬أما الناجون من‬
‫النساميني فالذوا ابلفرار حنو اجلنوب ‪.‬‬
‫مسحت هذه الثورة بوضع تو جديدة سنة ‪ ، 26‬وأول ضحاايها أراضي قبيلتني تقعان إىل الشمال قليال من‬
‫"النسامون" مها "املودوسيوي" )‪ (Muduciuvi‬و"زموسي")‪ (Zomuci‬حيث قا قائد الفرقة األوغسطية الثالثة‬
‫بنصب التخو شرق السريت بني أراضي هاتني القبيلتني‪ (3)،‬أما السريت الكبري فأجنز فيه طريق على امتداد‬
‫الساحل وصوال إىل اإلسكندرية‪ ،‬وأصبحت هذه املنطقة تقريبا هادئة ما مس للرومان ابلقيا حبمالت حنو العمق‬
‫يف اجلنوب شرعت فيها الفرقة األوغسطية الثالثة‪.‬‬
‫‪-2‬إكتشافات الفرقة األوغسطية الثالثة يف عمق القارة اإلفريقية ‪:‬‬
‫منذ أتسيس اإلمرباطورية وتوسعها يف مشال إفريقيا دخلت يف صراع طويل مع قبائل الغرامنت واليت أشران إليها‬
‫يف عهد أغسطس مث "تيربيوس " مث فسباسيانوس‪ ،‬وتدل بعض اإلشارات على تزايد محالت هذه القبائل خالل‬
‫‪1‬‬
‫‪- Decret (F) –Fantar (M), Op.Cit, P 171.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Benabou (M), La résistance…, P-P 103-114.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪-Le Glay (M), Op.Cit, P 228.‬‬

‫‪43‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫أواخر القرن األول امليالدي‪ ،‬يف ظل هذه الظروف جاءت محلتني حنو عمق الصحراء قادها قائدي الفرقة‬
‫األوغسطية الثالثة‪(1)،‬هاتني احلملتني رواهم لنا ابلتفصيل "بطليموس" وابلرغم من تضمن نصه بعض املبالغات لكنه‬
‫)‪(2‬‬
‫مس لنا ابلتعرف على عملية اكتشاف هامة كان أعضاؤها جنود الفرقة األوغسطية الثالثة‪.‬‬
‫يسرد لنا بطليموس هاتني احلملتني فيذكر لنا خط السري الذي كان عرب"جرمة"– عاصمة قبائل الغرامنت –‬
‫وصوال إىل إثيوبيا‪ ،‬فذكر أن"سبتميوس فلكوس" )‪ (Septimius Flaccus‬قائد الفرقة األوغسطية الثالثة يف‬
‫عهد "دومسيانوس" قا حبملة عسكرية انطالقا من ليبيا حىت وصل إىل بالد الغرامنت يف إثيوبيا مستغرقا ثالثة‬
‫أشهر ابجتاه اجلنوب‪ ،‬ومن جهة أخر‪" ،‬يوليوس مرتنوس" )‪ (Julius Maternus‬قد من لبدة متوجها حنو‬
‫"جرمة" بصحبة ملك الغرامنت‪ ،‬والذي عند وصوله ألثيوبيا سلك طريق مغاير مستغرقا أربعة أشهر فوصل إىل‬
‫"أغسمبا" )‪- (Agisymba‬بالد األثيوبيني‪ -‬أين تتزاوج حيواانت الكركدن‪ ،‬ورمبا املعىن احلقيقي هو أهنم التقوا‬
‫)‪(3‬‬
‫وشاهدوا حيوان "الكركدن"‪.‬‬
‫ويصف بطليموس "أغسمبا" أبهنا بالد جد شاسعة‪ ،‬ما يوحي بوجود كتل جبلية لكن األكثر وضوحا هو‬
‫وجود الكركدن‪ (4)،‬وهو األمر الذي صعب على املؤرخني حتديده على اخلريطة‪ ،‬لكن األكيد أهنا تقع يف اجلنوب‬
‫من جرمة ويف بالد األثيوبيني واليت يسكنها أشخاص ذو وجه حممر‪ (5)،‬هاتني احلملتني ال حتمالن نفس اخلصائص‬
‫فواحدة محلة عسكرية والثانية هي رحلة تبدو سلمية‪.‬‬
‫وحنن نركز على األوىل ألهنا عسكرية كان أفرادها جنود الفرقة األوغسطية الثالثة بقيادة قائدهم "سبتميوس‬
‫فلكوس"‪ ،‬وحسب "دسنغ" )‪ (J.Desanges‬فهي محلة هجومية أو عدائية أكثر منها محلة هتديديه‪ ،‬ورمبا كانت‬
‫هذه احلملة موجهة بطريقة غري مباشرة ضد الغرامنت‪ ،‬وال نعلم ما هو اإلطار التارخيي هلذه احلملة ويف أي فرتة‬
‫مارس "سبتميوس فلكوس" مهامه كقائد للفرقة األوغسطية الثالثة‪ ،‬واألكيد أهنا كانت حمصورة بني ‪66-66‬‬
‫اتريخ حترير كتاب "التاريخ الطبيعي" "لـبلينوس" )‪ (Pline‬وقبل سنيت ‪ 92-91‬التاريخ احملتمل حلملة "يوليوس‬
‫ماترنوس"‪ ،‬وإن كان آخرون يقولون أهنا كانت بعد سنة ‪ 27‬اتريخ هز قبائل "النساميني"‪ ،‬حيث أتبع االنتصار‬
‫عليهم بتوجيه محلتني األوىل ضد الغرامنت اجلنوبيني والنساميني‪.‬‬
‫سجلت هذه احلملة اكتشاف الرومان لبالد الكركدن اليت من احملتمل أهنم جلبوها معهم كحيواانت للتسلية‪،‬‬
‫وكذلك مسحت خبلق عالقات صداقة مع املناطق الصحراوية‪ ،‬وهو األمر الذي ساهم يف تفيف حدة العمليات‬
‫العدائية ضد روما‪(6)،‬وبذلك حققت الفرقة األوغسطية الثالثة يف عهد "الفالفيني " إجنازات كبرية من حيث عملية‬

‫‪1‬‬
‫‪-Toutain (J), Les Romains dans le Sahara, M.A.H, 1896, V°16, P 70.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-Benabou (M), La résistance…., P 106.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Desanges (J), Recherches sur l’activité des méditerranéens aux confins de l’Afrique, école français de Rome,‬‬
‫‪1978, P 713.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪-Camps (G), Encyclopédie berbère, ed Isud, 1984, P 260.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪-Benabou (M), La résistance, P 107.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪-Ibid, P 107.‬‬

‫‪44‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫قمع خمتلف الثورات املعادية لروما‪ ،‬مث التوسع يف الداخل ونشر مراكز عسكرية يف قلب األوراس وتوسيع اخلندق‬
‫امللكي ل ليمس الروماين وصوال إىل التوغل يف قلب القارة اإلفريقية‪ ،‬هذا الدور اهلا والفعال سيتواصل يف عهد‬
‫األنتونيني والسيفرييني‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫املبحث الثاني‪:‬‬
‫آليات التجنيد والفرق املساعدة هلا‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫املبحث الثاني‪ :‬آليات التجنيد والفرق املساعدة‪:‬‬


‫كان الفيلق الروماين كما أشران من قبل يتكون من حنو ‪ 3211‬جندي‪ ،‬لريتفع ويصل إىل ‪ 7111‬جندي يف‬
‫بعض األوقات‪ ،‬واألكيد أن الرومان كانت لديهم آليات للتجنيد‪ ،‬جتنيد جنود الفرقة األوغسطية الثالثة أو فرقها‬
‫املساعدة‪.‬‬
‫‪ .0‬آليات التجنيد‪:‬‬
‫أ – يف الفرقة األوغسطية الثالثة‪:‬‬
‫مل تكن روما عند بروزها كقوة عسكرية يف شبه جزيرة إيطاليا متلك جيشا نظاميا‪ ،‬إذ كانت جتند املواطنني‬
‫الرومان الذين ترتاوح أعمارهم ما بني ‪ 37-16‬سنة القادرين على محل السالح واحلرب بطبيعة احلال‪ ،‬وألن‬
‫احلروب عادة كانت تبدأ يف فصل الربيع وتتوقف مع هناية فصل الصيف فقد كان اجلنود يسرحون يف فصلي‬
‫اخلريف والشتاء‪ ،‬فيعودوا إىل حقوهلم ملمارسة الزراعة وال حيتفظ إال بعدد قليل منهم‪.‬‬
‫وكان اجليش الروماين منذ عصر امللكية حىت منتصف عصر اجلمهورية مقصورا على النبالء والقادرين على‬
‫جتهيز أنفسهم بفرس وعتاد وزاد‪ ،‬وهو أمر يصعب على الطبقة العامة توفريه‪ ،‬فكانت كل قبيلة رومانية املقدر‬
‫عددها بـ ‪ 41‬قبيلة تقد ‪ 111‬رجل من املشاة مع قائدهم ومعهم ‪ 11‬فرسان ما يعطينا حوايل ‪ 4111‬جندي من‬
‫املشاة و‪ 411‬فارس‪ ،‬لكن بعد بداية التوسعات الرومانية ودخوهلا يف حروب متعددة مع الغاليني واهنزامهم أمامهم‬
‫يف سنة ‪ 426‬ق‪ ، .‬وابألخص مع احلروب البونيقية ارتفع عدد املشاة ليصل إىل ‪ 2411‬جندي و‪ 1211‬فارس‪،‬‬
‫كل هذا جعل هؤالء األرستقراطيني غري قادرين على توفري وسد احتياجات روما العسكرية)‪ (1‬خصوصا يف القرن‬
‫الثاين قبل امليالد‪ ،‬حيث فقد الرومان أعدادا معتربة من قواهتم يف خمتلف احلروب يف شبه اجلزيرة اإليربية‪ ،‬فاحلاكمني‬
‫"مانليوس" )‪ (Manilius‬و"كلبورنيوس" )‪ (Calpurnius Piso‬فقدا حوايل ‪ 7111‬جندي سنيت ‪111‬و‪113‬‬
‫)‪(2‬‬
‫ق‪ .‬وخسائر كبرية ما بني (‪ 147 – 111‬ق‪ ) .‬جتاوز عددها ‪ 31‬ألف جندي‪.‬‬
‫أما كل هذا أدخل القائد " كايوس ماريوس" )‪ 27-116( (Caius Marius‬ق‪ ) .‬بعد انتخابه كقنصل‬
‫إصالحات هامة على ا جليش متعلقة بتجهيز اجليوش‪ ،‬وتدعيم القوات من خالل رفع عدد جنود الفيالق ليصل إىل‬
‫‪ 7111‬جندي‪ ،‬وإلغاء تنظيم الشرذمات وتعويضه ابلكتائب مع التخلي عن اجليش القائم على املتطوعني وإنشاء‬
‫جيش حمرتف مع فتحه للجميع‪ ،‬ومدة اخلدمة ترتاوح ما بني ‪ 11‬و ‪ 21‬سنة يتقاضى خالهلا اجلندي مرتبا وتتوىل‬
‫الدولة مجيع نفقاته‪ ،‬وبذلك فإن التجنيد منذ عهد "ماريوس" أصب مفتوحا جلميع الطبقات مبا فيهم الفقراء‬
‫واألجانب‪ ،‬مع الرتكيز على تطوير املعدات والتجهيزات ومنحهم نصيب من الغنائم‪ ،‬وبذلك خلق الرومان ما ميكن‬
‫تسميته ابجليش احملرتف‪.‬‬

‫‪ -1‬شافية (ش) وآخرون‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.111‬‬


‫‪2‬‬
‫‪- Fr.wikipedia.org/wiki/armée-romaine-des-origines-à-la-fin-de-la-république.‬‬
‫‪47‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫أما يف إفريقيا فإن الرومان اعتمدوا على املواطنني الرومان‪ ،‬لكن بعد توسعاهتم استعانوا بسكان أوراب مثل‬
‫الغاليني ومن آسيا كالفصيلة التدمرية اليت مت استقدامها من سوراي حلراسة املناطق الصحراوية يف جنوب نوميداي‬
‫ابخلصوص‪ ،‬نظرا لقدرهتا على حتمل الظروف القاسية مثل احلرارة الشديدة والعطش والعواصف الرملية‪ ،‬لتتوسع‬
‫عملية التجنيد منذ منتصف القرن الثاين امليالدي لتشمل شعوب غرب البحر األبيض املتوسط مبا فيهم إفريقيا‪،‬‬
‫وبذلك أصب اجليش الروماين يتكون من فرق نظامية دائمة مثل الفرقة األوغسطية الثالثة ومن كتائب مساعدة‬
‫)‪(1‬‬
‫ومن الفصائل واخليالة ‪.‬‬
‫وتبعا لذلك فإن الفرقة األوغسطية الثالثة كانت مقتصرة على املواطنني الرومان دون غريهم‪ ،‬ومنلك بعض‬
‫الواثئق تعود إىل القرن األول امليالدي تسم لنا بتقدمي صورة عن طرق التجنيد والعناصر املشكلة هلا‪ ،‬حيث جند‬
‫نقيشة تقد لنا فقط أصول ‪ 11‬جندي‪ ،‬ثالثة منهم من إيطاليا‪ ،‬وثالثة ولدوا قرب بوردو‪ ،‬أربعة من ليون واألخري‬
‫من بلجيكا‪ ،‬وعليه فإن الفرقة استندت يف تعدادها على اإليطاليني مع جنود من املقاطعات الغربية لإلمرباطورية‬
‫)‪(2‬‬
‫ونعين هبم األسبان وبالد الغال وهذا طبعا بشروط ومعايري خاصة‪ ،‬وهذا ما نستشفه من نقوش حيدرة وتبسة‪.‬‬
‫يف املرحلة الالحقة جند أنفسنا أما عدد معترب من الواثئق تسم لنا بتتبع التغريات املتعاقبة يف تركيبة تعداد‬
‫الفرقة‪ ،‬واليت ربطها "مومسن" إبصدار األابطرة جملموعة من القوانني نظمت وعدلت آليات التجنيد‪.‬‬
‫على أن احلقائق األكثر إفادة وقيمة حول هذا املوضوع تتمثل يف قوائم جنود الفرقة اليت مت العثور على بعضها‬
‫يف ملباز‪ ،‬املتضمنة لوائ اجلنود الذين أكملوا فرتة خدمتهم‪ ،‬والذين قبل مغادرهتم للمعسكر أجنز نصب تذكاري‬
‫على شرفهم‪.‬‬
‫وإحد‪ ،‬أهم هذه القوائم تعود حسب "مومسن" إىل أواخر زمن اإلمرباطور "هادراينوس"‪ ،‬هذه القائمة‬
‫نالحظ فيها ألقاب "يوليوس" )‪ (Julius‬و"كالوديوس" )‪ (Claudius‬و"فالفيوس" )‪ (Flavius‬وال جند‬
‫"أولبيوس)‪ ،(Ulpius‬وهذا ما جعل البعض ير‪ ،‬أن هذه القائمة تعود إىل أواخر فرتة "نريفا" وبداية عهد‬
‫"ترااي نوس"‪ ،‬كما أن وجود اسم مدينة "مارسينوليس" البلغارية من بني املدن املسامهة يف تركيبة الفرقة األوغسطية‬
‫يسم لنا أن حنددها بدقة أكثر فنقصي فرتة ما بعد سنة ‪ 111‬ألن إنشاء هذه املدينة كان يف فرتة الحقة‪ ،‬ويف‬
‫هذه القائمة جند ‪ 16‬جندي أصوهلم من إفريقيا‪ ،‬واحد من برقة‪ ،‬ستة من مصر‪ ،‬ستون من الشرق "سوراي وآسيا‬
‫الصغر‪ ،‬وضواحيها"‪ ،‬واحد من موسيا السفلية )‪ (Mésie‬وواحد من بالد الغال‪ ،‬أما اآلخرون فحوايل عشرة‬
‫)‪(3‬‬
‫قدموا من مناطق غري حمددة‪.‬‬
‫وبذلك نالحظ يف هذه الفرتة أن املقاطعات الغربية مل تعد تزود الفرقة األوغسطية الثالثة ابجلنود‪ ،‬بل اقتصر‬
‫على مقاطعات آسيا اإلغريقية إضافة إىل األفارقة‪ ،‬وهي نقلة نوعية يف التجنيد مبعىن من اقتصار التجنيد على‬

‫‪ -1‬شافية (ش) وآخرون‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.112‬‬


‫‪2‬‬
‫‪- Benabou (M), La résistance…, P-P 558-562.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Cagnat (R), Op.Cit, P-P 288-292.‬‬
‫‪48‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫املواطنني الرومان دون غريهم من سكان الوالايت‪ ،‬إىل دخول عناصر من مقاطعات الشرق اإلغريقي وعدد من‬
‫األفارقة‪ ،‬وكانت مدة اخلدمة ستة عشر عاما‪ ،‬مث رفعت هذه اخلدمة إىل عشرين عاما‪ ،‬لكن ابتداء من فرتة حكم‬
‫"هادراينوس" دخل يف سلكها سكان الوالايت مبا فيهم األفارقة الذين فاق عددهم هبا عدد اجلنود القادمني من‬
‫)‪(1‬‬
‫الشرق حىت أصبحوا ميثلون ‪ %26‬من عناصرها وهذا ما يربزه اجلدول التايل‪:‬‬
‫إفـريـقـيــا‬ ‫آسيـــا‬ ‫إسبـانـيـا وبالد الغــال‬ ‫إيطاليا‬ ‫اإلمرباطــور‬
‫‪16‬‬ ‫‪11‬‬ ‫‪34‬‬ ‫‪216‬‬ ‫أغسطس‪/‬كاليقوال‬
‫‪627‬‬ ‫‪21‬‬ ‫‪43‬‬ ‫‪16‬‬ ‫هادريانوس‪/‬أواخر القرن الثاني‬

‫هذا اجلدول يبني لنا مقدار التغريات اليت حدثت على نظا التجنيد داخل الفرقة األوغسطية الثالثة‪ ،‬وهو ما‬
‫حياول تفسريه "مومسن" أبن اإل يطاليون منذ عهد أغسطس كانوا يشكلون اجلزء األكرب من الفيالق الرومانية‬
‫املوجودة يف الغرب فاحتفظ الرومان هبذه اخلاصية‪ ،‬لكن يف الوقت ذاته كان هناك طلب يف املقاطعات الغربية‬
‫إل مدادات عسكرية ما أد‪ ،‬إىل ارتفاع النفقات واألعباء يف هذا القسم من اإلمرباطورية‪ ،‬أما القسم اآلخر‪-‬‬
‫الشرقي‪ -‬فلم يكن مسامها‪ ،‬ولتجاوز هذا املشكل كان ال بد على الرومان فت اجملال أما رجال املقاطعات‬
‫الشرقية لاللتحاق ابجليش الروماين‪ (2)،‬لذلك سنالحظ ارتفاع أعدادهم مع جتنيد األفارقة الذين ترومنت مدهنم‬
‫مثل القصرين وحيدرة اليت كما أشران من قبل مت ترقيتها إىل مستعمرة يف العهد الفاليف‪ ،‬إضافة إىل سوسة‬
‫و"تيمقاد" ورمبا "تبسة" كذلك و"قفصة"‪ ،‬أي السكان األفارقة اخلاضعني لروما واملتأثربن بثقافتها‪ ،‬فتم االستعانة‬
‫هبم إلكمال القوات الرومانية والذين ارتفع عددهم مع مرور الوقت حىت أصبحوا يشكلون اجلزء األكرب من‬
‫القوات‪.‬‬
‫بعد القائمة األوىل‪ ،‬لدينا قائمة اثنية جند فيها عددا كبريا من اجلنود حيملون لقب "أوليوس" )‪(P. Aelius‬‬
‫الذين دخلوا اخلدمة زمن "هادراينوس" ويبدو أهنم كانوا أفارقة‪ ،‬وتضم هذه القائمة حوايل ستون جندي منهم ستة‬
‫وثالثون أفارقة‪ ،‬البقية أصوهلم من آسيا الصغر‪ ،‬ومقاطعات الدانوب‪ ،‬ما يدل على أن الشرقيون واصلوا التجنيد يف‬
‫اجليوش الرومانية لكنهم أقل عددا عما كانوا عليه سابقا‪.‬‬
‫مث جند قائمة أخر‪ ،‬تعود إىل سنة ‪ 177‬وتضم ثالثون جنداي دخلوا اخلدمة ما بني ‪ 131-131‬أي بعد‬
‫سنتني أو ثالث سنوات من وفاة "هادراينوس"‪ ،‬واليت نالحظ أن معظم جنودها من إفريقيا أو نوميداي‪ ،‬وهو أمر‬
‫جد ها ويشري بوضوح إىل أن معظم جنود الفرقة األوغسطية الثالثة أفارقة‪ ،‬وهو أمر يفسر أبنه منذ عهد‬
‫"هادراينوس"كان كل جيش جيند قواته من مكان تواجده‪ ،‬فخالل قرن ونصف أصبحت املنظومة العسكرية‬
‫الرومانية مقسمة إىل جيشني كبريين يدافعان عن اإلمرباطورية واحد يف الشرق واآلخر يف الغرب‪ ،‬وابتداء من‬
‫منتصف القرن الثاين للميالد كان للمقاطعات العسكرية جيش خاص هبا‪ ،‬وكل الواثئق والنقوش تدل على أن‬

‫املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.114‬‬ ‫‪ -1‬شافية (ش) وآخرون‪،‬‬


‫‪2‬‬
‫‪-Cagnat (R), Op.Cit, P 292.‬‬
‫‪49‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫األفارقة أصبحوا يشكلون اجلزء األكرب املشكل للفرقة‪ ،‬فمن بني ‪ 61‬جندي مت اإلشارة إليهم يف إحد‪ ،‬النقوش‬
‫جند واحدا فقط أجنيب‪ ،‬وانطالقا من الئحة تعود إىل القرن الثاين للميالد نالحظ وجود جندي فقط من بني اثنان‬
‫وتسعون جندي ولد خارج إفريقيا‪ (1)،‬ويف قائمة حتتوي على واحد وتسعون اسم كلهم ذو أصول إفريقية دخلوا‬
‫اخلدمة حوايل سنة ‪ ،164‬ونقش آخر جند فيه مخسة وعشرون جندي كلهم من إفريقيا‪.‬‬
‫ومع ذلك جتدر اإلشارة إىل أن هذه النقوش وأخر‪ ،‬تشري إىل وجود بعض اجلنود قدموا من الشرق "داكيا"‬
‫)‪ (Dacia‬و"نبوكا" )‪ (Napoca‬يف رومانيا و"تراقيا" )‪ (Thracia‬الواقعة بني بلغاراي واليوانن‪" ،‬ساردس"‬
‫)‪ (Sardes‬يف تركيا‪" ،‬كيليكية" )‪ ،(Cilicia‬و"سوراي" ومناطق أخر‪ ،،‬ومن الغرب كذلك "كامبانيا"‬
‫)‪ (Campania‬و"سردينيا" )‪ (Sardinia‬و"لوزيتانيا" )‪ ،(Lusitania‬لكن أعدادهم ضئيلة وال تقارن هبؤالء‬
‫الذين ولدوا يف إفريقيا‪ ،‬كما تشري بعض القوائم إىل وجود عدد معترب من اجلنود ولدوا داخل املعسكر )‪(Castris‬‬
‫نعين معسكر ملباز‪ ،‬فبصفتهم مواطنني رومان يعيشون داخل البلدية وآابؤهم جنود فإهنم بقوا يف املعسكر وأصبحوا‬
‫جنود‪ ،‬وهي عادة جندها يف عديد املقاطعات الرومانية‪ ،‬ولكن على العمو كانت أعدادهم قليلة ومل يتجاوزوا يف‬
‫أقصى احلاالت عشرون جندي‪.‬‬
‫واألكيد أن التطور والتوسع الكبري الذي عرفته "ملباز" كمدينة ساهم يف ارتفاع التواجد اإلفريقي يف الفرقة‬
‫األوغسطية الثالثة‪ ،‬ففي سنة ‪ 177‬جند أنه من بني مثانية وعشرون يشريون إىل أوطاهنم‪ ،‬عشرة أصوهلم من‬
‫املعسكر‪.‬‬
‫كل القوائم العسكرية اليت جندها يف ملباز واليت تعود إىل فرتة ما بعد حكم "هادراينوس" حتمل نفس‬
‫امل الحظات‪ ،‬حيث لدينا ثالث قوائم تقد لنا نفس النصيب وهو الثلث‪ ،‬ما يعين أن نصف جنود قوات الفرقة‬
‫ينحدرون من املعسكر‪.‬‬
‫لكن منذ هناية القرن الثاين وبداية القرن الثالث هناك أحداث ومستجدات هامة حتدد وتنظم التجنيد‪ ،‬فالفرقة‬
‫األوغسطية مل تعد حباجة إىل إمدادات من اخلارج فركزت جهودها على الدفاع ومحاية مقاطعيت نوميداي وإقليم‬
‫طرابلس‪ ،‬ما حتم حتوال يف طريقة التجنيد خالل هذه الفرتة‪ ،‬واليت كانت نتيجة حتمية العمل الدائم مبعسكر ملباز‪،‬‬
‫ومع العناية اليت أوالها بعض األابطرة لتطوير ملباز أصبحت عمليات االنتقاء مبسطة‪ ،‬والتجنيد عوض ابلتطوع‬
‫اإلرادي‪ ،‬ويف حالة احلاجة للمزيد من القوات يتم جتنيد آخرين مدربني من قبل‪ ،‬أغلبهم ينحدرون من عائالت‬
‫عسكرية وهلم خربة يف احلياة العسكرية والنظا العسكري‪.‬‬
‫ومن جهة أخر‪ ،‬فإن الشباب األفارقة امللتحقني ابلفرقة األوغسطية الثالثة وجدوا امتياز جد ها آنذاك وهو‬
‫احلصول على املواطنة الرومانية‪ ،‬وهذا ما جعل الكثري منهم ومنذ والدهتم يرغبون يف االلتحاق ابجليش الروماين‪،‬‬
‫لذلك سنر‪ ،‬فيما بعد إصدار روما جمموعة من القوانني تنظم زواج جنود الفيالق‪ ،‬أبرزها قانون املدينة أو قانون‬

‫‪1‬‬
‫‪-Cagnat (R), Op.Cit, P-P 296-298.‬‬
‫‪50‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫املواطنة )‪ (Jus Civitatis‬الذي مل يعترب أبناء اجلنود الذين ال يزالون يف اخلدمة أطفاال شرعيني‪ ،‬وابلتايل فهم ال‬
‫ميكنهم أن يرثوا آابءهم يف حق املواطنة‪ ،‬وعموما فإن االستفادة من هذا االمتياز جعل الكثري من أبناء املقاطعات‬
‫الرومانية يرغبون يف االلتحاق ابجليش وهو أمر تفطن له األابطرة‪.‬‬
‫واجلندي عندما مين له حق املوا طنة فإنه ال أيخذ لقب إمرباطوري بل يبقى لقبه ولقب ولده‪ ،‬وال جند يف‬
‫إفريقيا أي جندي إفريقي حيمل اسم أو لقب اإلمرباطور خالل القرن الثاين أو بداية القرن الثالث‪ ،‬وهو يعين أن‬
‫اجلندي اإلفريقي مهما يقد من خدمات للجيش إال أن أصوله العائلية أو القبلية تبقى عائقا أما ترقيته وهذا ما‬
‫)‪(1‬‬
‫يعترب متييزا وهضما حلقوق اجلنود األفارقة‪.‬‬
‫لكن بوصول "سيفريوس" إىل احلكم حتسنت أوضاع اجلنود من خالل زايدات معتربة يف الرواتب بلغت‬
‫الثلث‪ ،‬كما فت أبواب الوظائف املدنية أما العسكريني ابإلضافة إىل تسهيله الرتقيات ومنحهم امتيازات بعد إهناء‬
‫اخلدمة العسكرية‪ (2)،‬مع تسهيالت متعلقة ابحلياة العائلية‪ ،‬ما ساهم يف رفع نسبة اجلنود املولودين داخل املعسكر‬
‫واملؤهلني للتطوع يف اجليش‪ ،‬ما جعلنا نالحظ أن نصف اجملندين منذ بداية القرن الثالث هم من مواليد املعسكر‪،‬‬
‫وبذلك انتقل التجنيد من اجلهوية (املقاطعات الشرقية والغربية) إىل احمللية‪.‬‬
‫أما يف فرتة "ألكسندر سيفريوس" فنحن ال منلك واثئق عن آليات التجنيد داخل الفرقة األوغسطية الثالثة‬
‫فمعظم سكان ملباز أصوهلم من العامل الروماين وهلم حق املواطنة منذ مرسو كركال‪ ،‬لكن يعتقد أبنه مل يتغري‪،‬‬
‫)‪(3‬‬
‫فااللتحاق ابجليش كان إرادي ومفتوح للجميع ابستثناء الذين هلم موانع قانونية‪.‬‬
‫وإذا أعدان قراءة تركيبة الفرقة األوغسطية الثالثة من خالل النصب اجلنائزية واملقابر املتعلقة جبنودها واليت‬
‫جندها يف حامياهتا الثالث ونعين "حيدرة" و "تبسة" مث ملباز فإننا نالحظ‪:‬‬
‫‪ -‬يف حيدة وخالل العهد العسكري هلذه املدينة ‪-‬من عهد "تيربيوس" إىل "فسباسيانوس"‪-‬فإننا جند مواطنني‬
‫أو جنود من إيطاليا وعبيد كانوا يعملون يف اإلدارة مع وجود إشارات لبعض اجلنود أصوهلم من مدن إفريقية مثل‬
‫"قرطاج" و"أوتيكا" و"سيدي مسكني " )‪.(Thunusida‬‬
‫‪ -‬أما يف تبسة وخالل تواجد الفرقة األوغسطية الثالثة هبا فإن نسبة معتربة من جنودها حيملون أمساء إيطالية‬
‫مع وجود آخرين أمساؤهم تشري إىل أهنم من بالد الغال مع وجود أمساء إفريقية‪.‬‬
‫‪ -‬أما يف ملباز اليت عثر فيها على ‪ 600‬نقش يف خمتلف املقابر املوجودة يف املدينة واليت تظهر أهنا مدينة‬
‫عسكرية ابلدرجة األوىل مع وجود عدد معترب من األفارقة فيها‪ ،‬والذين استفادوا من حق املواطنة‪ ،‬مع وجود بعض‬
‫األمساء اإليطالية واإلسبانية‪ ،‬إضافة إىل وجود عدد معترب من األلقاب اإلمرباطورية املشرتكة بني هؤالء اجلنود مثل‬

‫‪1‬‬
‫‪- Cagnat (R), Op.Cit, P-P 300-301.‬‬
‫املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.124‬‬ ‫‪ -2‬شافية (ش) وآخرون‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Cagnat (R), Op.Cit, P-P 302-303.‬‬
‫‪51‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫"يويل" )‪ (Juli‬أكثر من ‪ 300‬شخص و" فاليف" )‪" (Flavi‬أويل" )‪ (Aeli‬و"أوريل" )‪ (Aureli‬حوايل ‪60‬‬
‫)‪(1‬‬
‫شخص و"كلودي" )‪ (Claudi‬حوايل ‪ 30‬شخص وغريهم‪.‬‬
‫كما تؤكد لنا النقوش الكتابية اجلنائزية بوضوح أن التجنيد داخل صفوف الفرقة األوغسطية الثالثة عرف‬
‫تطورا كبريا‪ ،‬وأنه ابتداء من القرن الثاين للميالد أصب من املقاطعات الشرقية وإفريقيا‪ ،‬وخالل هذا القرن أصبحت‬
‫املسامهة اإلفريقية أكرب‪ ،‬ما مس بتغطية حاجاهتا البشرية‪ ،‬مث مع مطلع القرن الثالث جند أن نصف عدد اجملندين‬
‫ولدوا يف املعسكر‪ ،‬ما يعين حسب املؤرخني أن سكان "ملباز" سواء كان عسكريون أو مدنيون كانوا ذو أصول‬
‫)‪(2‬‬
‫إفريقية‪.‬‬
‫ب – الكتـائب املساعـدة‪:‬‬
‫إضافة إىل ا لفرقة األوغسطية الثالثة اليت متثل القوة الرئيسية والدائمة للجيش الروماين يف نوميداي‪ ،‬فإننا جند‬
‫حتت تصرف "الليقاتوس" جمموعة من الوحدات أو الفرق أو الكتائب املساعدة واليت ال تتدخل إال يف الظروف‬
‫)‪(3‬‬
‫احلرجة وهذا إلكمال قوات الفرقة األوغسطية الثالثة وهذه الفرق هي أقل أجرا واحرتاما وعتادا‪.‬‬
‫هذه الكتائب املساعدة تشري إليها النقوش الكتابية ابسم )‪ (Auxilia‬وهي عبارة عن وحدات يف اجليش‬
‫الروماين‪ ،‬ولكنها ال تتمتع ابملواطنة الرومانية ألن أصول أفرادها عبارة عن شعوب حليفة أو خاضعة لروما‪ ،‬واهلدف‬
‫األساسي من االستعانة هبم هو دعم الفيالق الرومانية يف املعارك‪ ،‬وظهروا بوضوح منذ عهد اإلمرباطور "أغسطس"‬
‫الذي استعان هبم‪ ،‬وقد تزايد عددهم حىت أصبحوا يشكلون يف بعض األحيان نفس عدد قوات الفيلق‪ ،‬ومل يكونوا‬
‫مشاة فقط‪ ،‬بل جند كتائب مساعدة من اخليالة وأخر‪ ،‬متخصصة مثل كتائب النبالني‪ ،‬وأخر‪ ،‬كتائب خيالة‬
‫بسيطة‪ ،‬ومنذ القرن الثاين امليالدي أصبحت تشكل هذه الكتائب املساعدة ثلثي اجليش الروماين‪ .‬ويتم جتنيد هذه‬
‫الكتائب من املتجولني )‪ (Pérégrins‬داخل أراضي اإلمرباطورية‪ ،‬وكذلك الرببر القاطنني خارج أراضي‬
‫اإلمرباطورية وهم على األرج املستسلمني يف احلرب )‪.(Deditici‬‬
‫وتطورت أعداد الكتائب املساعدة خصوصا من فئة اخليالة منذ العهد اجلمهوري وابألخص يف عهد األسرة‬
‫"اليوليوكالودية" (‪ 26‬ق‪ ،) 72- .‬ومن أمثلة ذلك جند الفرسان النوميديني الذين قادهم "يوغرطة" الذين شاركوا‬
‫مع الرومان يف حرب ضد "النومانس" يف إسبانيا‪ ،‬وقبله دعم ماسينيسا لسيبيون اإلفريقي يف محلته على قرطاج‬
‫حبوايل ‪ 4000‬فارس‪ ،‬أما فيما يتعلق ابلوضعية القانونية للكتائب املساعدة فإننا كما أشران من قبل فإن أسلحتهم‬
‫كانت بسيطة ومل حيضوا ابلعناية والتقدير الالز من خالل‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Benabou (M)، La résistance, P-P 558-559.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Le Bohec (Y), Histoire..., P 98.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪-Fr.wikipedia.org/wiki/troupes_auxiliaires‬‬
‫‪52‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ -‬مدة اخلدمة العسكرية يف الكتائب املساعدة كانت ما بني ‪ 25-24‬سنة‪ ،‬بينما اجلنود النظاميني للفرقة‬
‫األوغسطية ‪ 20‬سنة‪.‬‬
‫‪ -‬الراتب العسكري كان أقل من جنود الفيلق‪.‬‬
‫‪ -‬يف املعارك فإن الكتائب املساعدة توظف هي األوىل‪ ،‬وهذا للحفاظ على قوات الفيلق‪.‬‬
‫‪ -‬هناك شواهد رومانية تصورهم على أهنم أشخاص متوحشون‪.‬‬
‫ورغم كل هذا فإن اخلدمة يف اجليش كجندي مساعد ظلت جتذب وتغوي السكان غري الرومانيني ألهنا‬
‫تسم هلم من االستفادة عند هناية اخلدمة من احلصول على لقب "املواطن الروماين"‪ ،‬واليت يف بعض األحيان متن‬
‫كذلك للزوجة ولألوالد‪ ،‬كما متن هلم عند هناية اخلدمة شهادات أو درجات عسكرية تتكون من لوحتني صغريتني‬
‫متطابقتني من الربونز تتضمنان الدستور اإلمرباطوري الذي مين هلم املواطنة‪ ،‬وهو ما يسم هلم إبثبات هذه‬
‫الصفة‪ (1)،‬هذا االمتياز الذي كان يستفيد منه اجملند يف الكتائب املساعدة توسع مع مرسو كركال سنة ‪، 212‬‬
‫الذي من حق املواطنة الرومانية لكل سكان املقاطعات األحرار‪ ،‬وهو ما يعد قمة يف سياسة املساواة بني سكان‬
‫)‪(2‬‬
‫الوالايت الرومانية‪.‬‬
‫لقد شكلت الكتائب املساعدة جزء ها ومعترب من اجليش الروماين‪ ،‬إذ وصل تعدادها تقريبا إىل نصف‬
‫قوات أغسطس‪ ،‬هذه النسبة ظلت مستقرة طيلة القرون األوىل‪ ،‬مع وجود بعض املقاطعات اليت ال متلك سو‪،‬‬
‫الكتائب املساعدة‪ ،‬هذه املقاطعات يديرها أعضاء من طبقة الفرسان‪ ،‬وهو ما نالحظه يف املوريطانيتني‪ ،‬كما‬
‫نالحظ تواجد العديد من أنواع الوحدات املساعدة‪:‬‬
‫‪ -‬الكتائب‪:‬‬
‫هو النوع األكثر شيوعا‪ ،‬ورمبا تتكون من املشاة فقط‪ ،‬وجند هبا أيضا بعض كتائب اخليالة ومنيز بني نوعني من‬
‫الكتائب‪ :‬كتيبة اخلمسمائية تضم نظراي حوايل ‪ 500‬جندي ويرأسها حاكم )‪ ،(Préfet‬وكتيبة ألفية وهي األخر‪،‬‬
‫نظراي عدد جنودها يقدر أبلف‪ ،‬وظهرت يف القرن األول ميالدي ويرأسها "قاضي عسكري"‪.‬‬
‫‪ -‬الفرق أو األجنحة العسكرية )‪:(Ala‬‬
‫وهي وحدة خيالة عدد قواهتا نظراي ‪ 500‬جندي ويقودها حاكم‪.‬‬
‫‪ -‬كتائب احلراسة‪:‬‬
‫يقدر عددها بـ ‪ 500‬جندي ظهرت زمن "فسباسيانوس" ووصل عددها إىل ‪ 1000‬جندي يف عهد‬
‫"سيفريوس"‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪-Fr.wikipedia.org/wiki/troupes auxiliaires.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- www.histoire dumonde.net/troupes-auxiliaires.htm.‬‬
‫‪53‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ -‬الفصائل )‪:(Numeri‬‬
‫)‪(1‬‬
‫ويقودها قائد املائة وجند فصائل االستكشاف والفصائل اإلثنية‪.‬‬
‫وكان يقود كل هذه الوحدات حكا من طبقة الفرسان وضباط‪ ،‬وقادة املائة وقادة العشرة (وحدة خيالة) وهم‬
‫غالبا ما يكونون مواطنني رومان‪ .‬وعند حماولة تتبع ومعرفة الكتائب والفرق املساعدة للفرقة األوغسطية الثالثة فإننا‬
‫نصطد مبشاكل عديدة متعلقة بتعدد الفرق )‪ (Ailes‬والكتائب‪ ،‬وعن طبيعتها (مشاة أ خيالة)‪ ،‬والعناصر‬
‫)‪(2‬‬
‫املشكلة هلا وعن اترخيها‪.‬‬
‫فإذا تفحصنا تركيبة الفرق املساعدة يف إفريقيا فإننا نالحظ أن عدد الفرق والكتائب هو قليل على العمو ‪،‬‬
‫حيث جند يف اجليش الروماين يف نوميداي بعض الفرق حتمل اسم قبائل إفريقية وهي فرقة فالفيا النوميدية ‪(Ala‬‬
‫‪(II Flavia‬‬ ‫)‪ Flavia Numidica‬وعلى األرج هي فرقة خيالة والكتيبة الفالفية اإلفريقية الثانية‬
‫)‪ Afrorum‬ما يشري رمبا أن هؤالء اجلنود احملليني قد مت إحلاقهم منذ بداية الغزو الروماين وهي تضم عناصر من‬
‫تونس واجلزائر‪ ،‬أي أهنا كانت خمتلطة‪.‬‬
‫ومن بني الفرق املساعدة للفرقة األوغسطية الثالثة واليت تشري أمساءها إىل أصوهلا فنجد واحدة من إسبانيا‬
‫وأخر‪ ،‬من الربتغال )‪ (Lusitanien‬وواحدة من ابنونيا )‪ (Pannonia‬وهي الفرقة البانونية األوىل ‪(Ala I‬‬
‫)‪ Pannoniorum‬وكتيبتني من آسيا مها‪ :‬الكتيبة اخللقدونية األوىل )‪ (I Chalcidenorum Equitata‬من‬
‫)‪(3‬‬
‫سوراي‪ ،‬والكتيبة الكمجنية السادسة )‪ (VI Commagenorum Equitata‬وهي فرقة خيالة‪.‬‬
‫وبعد استقصاء مجيع النقوش الكتابية فإن عدد الفرق املساعدة للفرقة األوغسطية جاء كالتايل‪:‬‬
‫‪ )1‬الفرق‪:‬‬
‫جند الفرقة الفالفية النوميدية األوىل )‪ ،(Ala I Flavia Numidica‬والفرقة البانونية األوىل‪ ،‬وهناك من‬
‫يضيف فرقة "سليانة" )‪ (Siliana‬اليت كانت مبثابة فرقة حضرية أو شرطة لكن منذ سنة ‪ 71‬ومع جميء فرقة‬
‫)‪(4‬‬
‫حضرية يعتقد أبهنا التحقت ابلفرقة األوغسطية الثالثة‪.‬‬

‫‪ )2‬الكتائب‪:‬‬
‫جند الكتيبة اخلامسة عشر )‪ ،(XV‬والكتيبة الفالفية اإلفريقية األوىل )‪ ،(I Flaviaa Frorum‬والكتيبة‬
‫الفالفية اإلفريقية الثانية ‪ ،‬والكتيبة الفالفية الثانية للخيالة )‪ ، (II Flavia equitata‬والكتيبة اخللقدونية األوىل‪،‬‬
‫والكتيبة الكمنجية السادسة‪ ،‬وكتيبة فيدا الثامنة )‪ ،(VIII Fida‬والكتيبة الفالفية األوىل للخيالة‪ ،‬والكتيبة احلمريية‬

‫املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.123‬‬ ‫‪ -1‬شافية شارن وآخرون‪،‬‬


‫‪2‬‬
‫‪- Cagnat (R), Op.Cit, P 303.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Ibid, P 304.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪-Le Bohec (Y), Le rôle social et politique de l’armée romaine dans les provinces d’Afrique, Kaiser, Heerund‬‬
‫‪Gesellsheft. In der Romischen Kaiserzeist, die Deutsche Bibliothec, 2000, P 211.‬‬
‫‪54‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫الثانية )‪ ،(II Himiorum‬والكتيبة اإلسبانية الثانية )‪ ،(II Hispanorum‬والكتيبة اللوزيتانية السابعة للخيالة‬
‫)‪ ، (VII Lusitanorum Equitata‬والكتيبة املورية الثانية للخيالة )‪ ،(VII Maurorum‬والكتيبة السورية‬
‫األوىل للنبالني )‪ ، (I Syrorum Sagittariorum‬والكتيبة الرتاقية الثانية )‪.(II Gemella Thracom‬‬
‫‪ )4‬الفصائل )‪:(Nemuri‬‬
‫‪(Palmyrenorum‬‬ ‫الفصيلة احلمصية )‪ ،(Hemesenorum‬والفصيلة التدمرية للنبالني‬
‫)‪(1‬‬
‫)‪.Sagittariorum‬‬
‫وبذلك نالحظ أن اجملندين ككتائب مساعدة للفرقة األوغسطية الثالثة هو مزيج بني احملليني وآخرين من‬
‫خمتلف مقاطعات اإلمرباطورية‪ ،‬مع أن النصيب األكرب كان لألجانب‪ ،‬وهذه الفرق املساعدة برزت على اخلصوص‬
‫منذ عهد "هادراينوس" مث توسعت يف العهد السيفريي‪ ،‬والشيء املالحظ كذلك أن النقوش ال تشري إىل وجود‬
‫مساعدين للفرقة األوغسطية الثالثة قبل القرن األول امليالدي‪ ،‬لكن مع بروز الثورات اإلفريقية واشتدادها بدأ‬
‫االستنجاد ابلفرق املساعدة‪ ،‬ومع التوسع مث استغالهلم يف حراسة التخو واحلصون والقالع وأبراج الرصد ومنذ‬
‫)‪(2‬‬
‫القرن الثاين والثالث كان التجنيد يتم على مستو‪ ،‬حملي أي من األفارقة فقط‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق ابلفصائل‪ ،‬فالوضعية خمتلفة فهي ليست من إفريقيا‪ ،‬وال نعرف عناصرها ابلتحديد‪ ،‬وإن انضم‬
‫هلا بعض األفارقة‪ ،‬وكل ما نعرفه أن الفصيلة التدمرية قدمت من سوراي يف مطلع القرن الثالث‪ ،‬وابختصار فإنه منذ‬
‫منتصف القرن الثاين للميالد ‪-‬مع وجود بعض االستثناءات‪-‬قل التواجد األجنيب يف الكتائب املساعدة للفرقة‬
‫األوغسطية الثالثة وأصب أغلب املساعدين من إفريقيا‪ ،‬وسنحاول التعرف على اتريخ هذه الكتائب املساعدة‪:‬‬
‫الفرق )‪:(Ailes‬‬ ‫‪-0‬‬
‫‪ -‬الفرقـة الفالفـيـة‪:‬‬
‫تعرفنا عليها من خالل أربعة نقوش مت العثور عليها يف مقاطعة نوميداي ‪-‬زراي وعني زوي‪-‬وأخر‪ ،‬يف‬
‫الربوقنصلية‪ ،‬واألخرية يف موريطانيا‪ ،‬ويتض من خالل هذه النقوش أبهنا تنتمي إىل اجليش اإلفريقي ‪-‬حملية‪-‬وعلى‬
‫األرج أهنا فرقة خيالة‪ ،‬مع احتمال مشاركتها يف قمع ثورات املور يف موريطانيا‪ ،‬وهي تعود إىل عهد األسرة‬
‫الفالفية‪.‬‬
‫‪ -‬الفرقة النوميديـة‪:‬‬
‫واليت يف احلقيقة ال جند نقوش هلا يف إفريقيا بل جند واحد يف آسيا الصغر‪ ،،‬ابلضبط يف تروي )‪(Troade‬‬
‫أين مت تقدمي إهداء لقاضي عسكري للفرقة األوغسطية الثالثة‪ ،‬ما جيعلنا حنتمل مشاركتها يف اجملهود احلريب الروماين‬
‫يف هذه املنطقة واتريخ ذلك على األرج قبل القرن الثالث‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Le Bohec (Y), Le rôle social, P 211.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Cagnat (R), Op.Cit, P-P 303-306.‬‬
‫‪55‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ -‬الفرقة البانونيـة األوىل‪:‬‬


‫وجود هذه الفرقة يف اجليش النوميدي أمر حمسو فيه‪ ،‬أين جند بقااي هلا يف عدة مناطق‪ ،‬وتشري الواثئق إىل أن‬
‫اتريخ وجودها كان منذ عهد "ترااينوس" حيث أشري إليها يف انتصاره على البارثيني سنة ‪ 112‬وإشارة أخر‪ ،‬سنة‬
‫‪ 121‬من طرف بعض القناصلة‪ ،‬وكذلك عندما قا "هادراينوس" بزايرة إىل إفريقيا‪ ،‬كما جند إشارة هلا عند إقامة‬
‫معسكر القصبات الذي كانت تقيم فيه‪ ،‬وكذلك يف إقامة قلعة مسعد أو تيميدي‪(1).‬وال نعرف اتريخ وجودها‬
‫إبفريقيا وعلى األرج أنه كان منذ القرن األول من خالل شواهد قبور لفارسني اتبعني هلذه الفرقة‪.‬‬
‫‪ -‬فرقة سليانا )‪:(Siliana‬‬
‫كما أشران هذه الفرقة كانت متواجدة يف إفريقيا منذ القرن األول ومت استدعاؤها إىل مصر يف عهد "نريون" مث‬
‫أرسلت إىل مقاطعات الدانوب‪ ،‬وجند نقيشة قربيه ألحد جنودها يف مشتو‪.‬‬
‫الكتـائـب‪:‬‬ ‫‪-4‬‬
‫‪ -‬الكتيبة الفالفية اإلفريقية الثانية‪:‬‬
‫جند ذكر هلا يف جنوب تونس احلالية‪ ،‬ويبدو أهنا كانت تقيم يف حامية سيوان )‪ (Siaoun‬مع فصيلة‪ ،‬وكان‬
‫ذلك يف عهد "سيفريوس"‪.‬‬
‫‪ -‬الكتيبة احلمرية الثانية‪:‬‬
‫وجند إشارة هلا ابلقرب من تبسة حتت اسم آخر هو أمريو )‪ (Amiorum‬وهذه الكتيبة هي من بريطانيا‪.‬‬
‫‪ -‬الكتيبة اخللقدونية األوىل للخيالة‪:‬‬
‫أقا اجلنود األوائل هلا يف "قرب أ علي" على الطريق الرابط بني تبسة وقفصة يف سنيت ‪ ، 173-174‬وجند‬
‫نقيشة ولوحة عسكرية تذكر امسها يف سوراي سنيت ‪ 116‬و‪ ، 172‬وأقامت بصفة رمسية يف إفريقيا سنة ‪173‬‬
‫قادمة من سوراي لتدعيم قوات الفرقة األوغسطية الثالثة‪.‬‬
‫‪ -‬الكتيبة اخلامسة عشر )‪:(Coh XV civium romanorum‬‬
‫واليت جند شاهديت قرب هلا يف حيدرة تعودان إىل القرن األول‪ ،‬لكن تشريان فقط إىل رقمها دون التكملة‬
‫السابقة‪ ،‬ونظرا هلذا االسم فإنه يعتقد أهنا كانت تضم فقط مواطنني رومان‪ ،‬وأقامت يف حيدرة إىل جانب جنود‬
‫الفرقة األوغسطية منذ العهد الفاليف‪.‬‬
‫‪ -‬الكتيبة الكمنجية السادسة للخيالة‪:‬‬
‫جند ذكر هلا يف خطاب "هادراينوس" عند زايرته للمباز سنة ‪ 122‬وعلى األرج فإهنا كانت موجودة منذ‬
‫القرن األول للميالد‪ ،‬وتدل بعض النقوش على أهنا كانت خمتلطة فرسان وخيالة‪ ،‬وجند ذكر هلا سنة ‪ 163‬يف محلة‬
‫‪1‬‬
‫‪- Cagnat (R), Op.Cit, P-P 305-306.‬‬
‫‪56‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫اجتاه جنوب موريطانيا‪ ،‬ويف الفرتة ‪ 121-166‬جندها يف لوطاية )‪ (El-Outaia‬يف بسكرة أين قامت ببناء‬
‫)‪(1‬‬
‫مدرج‪.‬‬
‫‪ -‬كتيبة فيـدا الثامنـة‪:‬‬
‫جند إشارة هلا زمن اإلمرباطور "جاليانوس" )‪ ) 272-214( (Gallien‬من خالل إنشائها حلصن يف‬
‫جنوب تونس‪.‬‬
‫‪ -‬الكتيبة الفالفية الثامنة للخيالة‪:‬‬
‫جند ذكر هلا يف خطاب "هادراينوس" وهي األخر‪ ،‬يعتقد أهنا كانت خمتلطة مشاة وخيالة‪ ،‬وتعود إىل عهد‬
‫األسرة الفالفية وجند يف "زراي" شواهد قبور جلنودها‪.‬‬
‫‪ -‬الكتيبة اإلسبانيـة الثانيـة للخيالـة‪:‬‬
‫جند إشارة هلا يف مناسبتني‪ ،‬األوىل من خالل نذر قا به أحد قادة العشرة هلذه الكتيبة‪ ،‬كما جند امسها على‬
‫قرب ضابط فيها‪ ،‬وأيضا مت اإلشارة إليها يف عهد "هادراينوس"‪.‬‬
‫‪ -‬الكتيبة اإلسبانيـة اخلامسـة‪ :‬جند ذكر هلا يف نقيشة مكتشفة يف "ملربيدي"‪ ،‬ورمبا كانت موجودة يف الشرق‬
‫قبل أن أتيت إىل نوميداي‪.‬‬
‫‪ -‬الكتيبة اللوزيتانية السابعة للخيالة‪ :‬قدمت إىل إفريقيا أثناء القرن األول للميالد‪ ،‬وجند ذكر هلا يف "عني‬
‫زوي" وخنشلة وابخلصوص يف ملباز وهذا ما جيعلنا نعتقد أبهنا مل ترج من إفريقيا خالل القرن األول‪.‬‬
‫‪ -‬الكتيبة املوريـة الثانيـة‪ :‬جند نذر ألحد قادة املائة هبذه الكتيبة سنة ‪ 212‬وكان جمال عملها ابلقرب من‬
‫ملباز وهي تعود للقرن األول‪.‬‬
‫‪ -‬الكتيبة الرتقيـة الثانيـة‪ :‬حيتمل أنه كانت هلا حامية خاصة جندها يف خنشلة‪.‬‬
‫الفصــائــل‪:‬‬ ‫‪-3‬‬
‫‪ -‬فصيلـة املستعمـرة )‪ :(Numerus Colonorum‬مت ذكرها مرة واحدة أثناء إنشاء حصن جنوب‬
‫تونس يف عهد "سبتميوس سيفريوس"‪.‬‬
‫‪ -‬الفصيلـة التدمرية للنباليـن‪ :‬لدينا الكثري من النقوش اليت تتحدث عن النبالني التدمريني وأغلبهم أقاموا يف‬
‫منطقة القنطرة‪ ،‬مت استقدامها منذ القرن الثاين للميالد‪ ،‬أي يف حوايل سنة ‪ 111‬ليتزايد عددها يف العهد‬
‫)‪(2‬‬
‫السيفريي‪ ،‬وأقامت أكثر من قرن يف نوميداي وابخلصوص يف القنطرة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Cagnat (R), Op.Cit, P-P 199-202.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Ibid, P-P 203-207.‬‬
‫‪57‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫ج‪-‬إدارة الكتـائب املساعدة‪:‬‬


‫كل هذه الكتائب والفرق املساعدة كانت تضع ألوامر الليقاتوس فهو الذي يوزع كل منها يف مركز أو‬
‫منطقة معينة‪ ،‬ويوجه عملياهتا ونشاطاهتا والذي يقرتح على اإلمرباطور ترقية بعض الضباط الذين يستحقون ذلك‬
‫لكن يف الوقت نفسه كان لكل منها ضابط يقودها‪:‬‬
‫‪ -‬الفـرق‪:‬‬
‫جند على رأس كل فرقة "فارس"‪ ،‬وهو حاكم مكلف ابلقيادة واإلدارة ويساعده يف ذلك ‪ 23‬قائد عشرة إذا‬
‫كانت تتكون من ألف جندي‪ ،‬أما إذا كانت تضم ‪ 111‬جندي فنجد ‪ 17‬قائد عشرة‪ ،‬واندرا ما خيلف احلاكم‬
‫)‪ (Préfet‬مراقب أو مشرف )‪ (Curator‬خيضع ألوامره اجلنود وموظفي الكتابة‪.‬‬
‫‪ -‬الكتائب‪:‬‬
‫يقود هذه الكتائب حكا أو قضاة لكن أغلبهم حكا ‪ ،‬على أنه إذا كانت الكتيبة تضم ألف جندي يقودها‬
‫"قاضي" وحتت تصرفه جنود مشاة‪ ،‬وعادة ما تضم الكتيبة ‪ 11-7‬قادة مئة‪ ،‬أما إذا كانت الكتيبة خمتلطة مشاة‬
‫وفرسان فنجد فيها ثالث "قادة عشرة" و"ستة قادة مئة" أو "ستة قادة عشرة" و"عشرة قادة مئة"‪ ،‬وهذا حسب‬
‫عدد جنود الكتيبة ‪ 111‬أو ‪ 1111‬جندي ولتسهيل العمل يوجد حتت تصرفه ضباط صف وكتاب‪.‬‬
‫‪ -‬الفصـائـل‪:‬‬
‫عادة ما يقود هذه الفصائل منتدبون أو قيمون‪ ،‬مث ألغي هذا النظا وأصبحوا منذ هناية القرن الثاين حتت‬
‫قيادة قاضي )‪ (Tribuni‬أو حاكم‪ ،‬لكن يف نوميداي ال جند هذا اللقب إال قليال‪ ،‬على أن معظم قادة الفصائل‬
‫)‪(1‬‬
‫كانوا قادة املائة وهذا ما نالحظه على الفصيلة التدمرية‪.‬‬
‫د‪-‬اخلدمـات اإلدارية والعسكرية املقدمة جلنود الفرقة األوغسطية الثالثة‪:‬‬
‫احلديث عن الفرقة األوغسطية أتسيسها‪ ،‬أدوارها والتنظيم العسكري‪ ،‬آليات التجنيد والفرق املساعدة يتطلب‬
‫منا اإلشارة إىل اخلدمات اإلدارية والعسكرية املقدمة للجنود من أجل حتفيزهم على االلتحاق بصفوفها‪ ،‬ومن أجل‬
‫توفري اجلو املالئم للجيش‪ ،‬ف إىل غاية أواخر العصر اجلمهوري كانت الدولة هي املسؤولة عن التموين ابلغذاء‬
‫واللباس والسالح‪ ،‬لكن تقتطعها من رواتب اجلنود‪ ،‬واستمر هذا إىل غاية بداية العهد اإلمرباطوري‪ ،‬أي إىل غاية‬
‫وفاة أغسطس‪ ،‬لكن هذه السياسة مل تعجب "الفيالق البانونية" وقالوا أهنم ليسوا حباجة إىل الشفقة على حد تعبري‬
‫)‪(2‬‬
‫"اتكتيوس" ما جعلهم يصنعون مالبسهم وأحذيتهم أبنفسهم‪.‬‬
‫هذه اإلشارة اليت يقدمها لنا "اتكتيوس" تعارضها وثيقة أخر‪ ،‬تعود إىل زمن "دومسيانوس" تكشف بياانت‬
‫حساب اجلنود الرومان يف مصر‪ ،‬أين نالحظ كشف راتب أحدهم خالل أربعة أشهر والذي يقدر بـ ‪ 232‬درامخا‬

‫‪1‬‬
‫‪- Cagnat (R), Op.Cit, P-P 207-210.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-Tacite, Annales, I, 7 d’après Cagnat (R), P 309.‬‬
‫‪58‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫تقتطع منهم الدولة ‪11‬درامخا لعلف حصان الفرسان واحليواانت‪ 21 ،‬درامخا للغذاء و‪ 12‬درامخا لألحذية‬
‫)‪(1‬‬
‫واأللبسة‪ ،‬هذا املقدار الذي يدفعه اجلندي هو متغري ويصل يف جمموعه إىل ‪ 217‬درامخا يف السنة‪.‬‬
‫وهذا ما نتوقعه يف ملباز أيضا فخطاب "هادراينوس" يشري إىل أن اجلنود والفرق املساعدة كانوا يدفعون مقابل‬
‫حصوهلم على األسلحة واألحصنة‪ ،‬والتموين ابلغذاء خالل فرتات السلم كان مضمون للجميع‪ ،‬ففي كل مقاطعة‬
‫جند خمازن تزن فيها املؤونة املخصصة للجنود والعلف للحيواانت‪ ،‬وعلى رأس هذه املؤن جند القم الذي يصنع‬
‫منه خبز منقوع‪ ،‬وخبز طازج أو بسكويت‪ ،‬ومن مزيج شحم اخلنزير واملل واخلل واملاء يتم صنع مشروابت مرطبة‪.‬‬
‫أما احليواانت فيتم إطعامهم الشعري والتنب والعلف ‪ ،‬وكما أشران من قبل فإننا جند عدة خمازن يف "ملباز" ويف خمتلف‬
‫حصون ومعسكرات الفرقة األوغسطية الثالثة‪ .‬أما يف حاالت احلرب فإنه يتم توفري خمازن مؤقتة ابلقرب من مناطق‬
‫احلرب أو من خالل مساعدة حكا بعض الوالايت القريبة‪ ،‬فنجد فرق خاصة حتمل الطعا يف عرابت أو على‬
‫احليواانت مثل احلمار واجلمل‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق ابللباس العسكري فإهنا كانت تستورد وتضع للضرائب‪ ،‬على األرج أهنا عينة‪ ،‬وبعد عملية‬
‫فحصها تنقل إىل خمازن خاصة‪ ،‬مث توزع على خمتلف الفرق‪ ،‬وهناك ضباط مكلفون جبلبها‪ ،‬لكن فيما بعد نتوقع‬
‫وجود ورشات خاصة لصنع األلبسة لتفادي دفع الضرائب‪ ،‬وكانت توزع بواسطة مكلف‪.‬‬
‫أما األسلحة فإن إنتاجها يتطلب مهارة مهنية جد خمتلفة ومراقبة خاصة‪ ،‬وهي مهمة أكثر صعوبة من صناعة‬
‫األلبسة‪ ،‬ف كان يتم جلب املواد األولية من املقاطعات الغنية ابملعادن وخصوصا احلديد‪ ،‬وكما أشران من قبل فإننا‬
‫جند يف ملباز ورشات لصنع األسلحة‪ ،‬لكننا جنهل ماذا كانت تنتج يف ظل قلة مصادر املواد األولية ابلقرب منها‬
‫لكن األكيد أن إنتاجها كان ال يسد حاجيات اجلنود ما استدعى جلبها من مقاطعات أخر‪.،‬‬
‫أما عن راتب اجلنود فإهنا تتلف تبعا لرتبهم‪ ،‬كما أن مرتبات اجلنود النظامية هي أعلى من مرتبات جنود‬
‫الوحدات املساعدة‪ ،‬أما اجلنود الذين يعملون يف اإلدارة واحملاسبة هم أقل أجرا‪ ،‬وجند أمساء عدة موظفني يف اخلزينة‬
‫مكلفني بدفع رواتب اجلنود مثل عامل الصندوق )‪ (Tabularius‬وموظفان آخران‪(2)،‬ويالحظ أن املرتبات‬
‫تغريت من فرتة إىل أخر‪ ،،‬فمثال مرتب اجلندي يف الفرقة النظامية زمن "قيصر" هي ‪ 111‬ديناريوس‪ ،‬ويف عهد‬
‫)‪(3‬‬
‫"أغسطس" تراوح بني ‪ 2111-111‬ديناريوس لتنخفض إىل ‪ 61‬ديناريوس يف عهد "تيربيوس"‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق ابلتزويد ابخليل فإننا ال منلك واثئق متعلقة هبذا املوضوع‪ ،‬واألكيد أن للحصان دورا ها‬
‫ومكانة خاصة يف احلروب وخمتلف التحركات إضافة إىل حيواانت أخر‪ ،،‬وحنن نعرف أن الرومان كانوا يفرضون‬
‫على سكان املقاطعات ضريبة متعلقة ابحليواانت وتربيتها‪ ،‬وقد تكون عينية على األغنياء وعلى مجاعة القبيلة أو‬

‫‪1‬‬
‫‪- Cagnat (R), Op.Cit, P 309.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Ibid, P-P 314-339.‬‬
‫‪ -3‬شافية (ش) وآخرون‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.121‬‬
‫‪59‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫نقدية‪ ،‬ونعرف كذلك أن إفريقيا كانت تزخر بوفرة اخليول‪(1)،‬ما جيعلنا نعتقد أن التزود ابخليول كان يتم على‬
‫مستو‪ ،‬حملي دون احلاجة إىل عملية االسترياد من املقاطعات األخر‪.،‬‬
‫وزايدة إىل هذه اخلدمات املتعلقة ابلغذاء واللباس والراتب‪ ،‬فإن اجلنود كانوا حيصلون عند إهناء اخلدمة‬
‫العسكرية على مكافأتني ماليتني‪ ،‬األوىل يقدمها اإلمرباطور عند اعتالئه العرش أو االنتصار يف معركة‪ ،‬والثانية‬
‫تقدمها مجعيات حزبية معروفة ابسم )‪ (Scholae‬وهذا يف حالة التنحية من العمل أو الرتقية أو النزول إىل مرتبة‬
‫أدىن‪.‬‬
‫وزايدة على الراتب واملن املختلفة يتحصل كل جندي على قطعة أرض زراعية قريبة من مقر الوحدة‬
‫العسكرية تكون معفاة من ضريبة امللكية‪ ،‬وهذا ما نالحظه يف مداوروش )‪ (Madaure‬ومركونة‬
‫)‪ (Verecunda‬وبسرايين‪ ،‬إضافة إىل حق الزواج الشرعي وإقامة أكواخ )‪ (Canabae‬خارج املراكز العسكرية‬
‫ما أد‪ ،‬إىل بروز قر‪ ،‬كثرية ابلقرب منها‪.‬‬
‫ولربط اجلنود القدماء وضمان تدعيم اجليش ابجلنود بصفة مستمرة جعلت روما قطع األرض املمنوحة إىل‬
‫اجلنود املسرحني قابلة للتوريث شرط اخنراط أبنائهم بدورهم يف اجلندية وهي أمور حفزت على التجنيد داخل‬
‫)‪2‬‬
‫صفوف اجليش الروماين والفرقة األوغسطية الثالثة‪.‬‬

‫‪.‬ع)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪-‬ص ‪.131-133‬‬ ‫‪ -1‬عقون(‬


‫‪ -2‬شافية (ش) وآخرون‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪-‬ص ‪.121-121‬‬
‫‪60‬‬
‫املبحث الثالث‪:‬‬
‫الوظائف والرتب العسكرية داخل‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة‪.‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫املبحث الثالث‪ :‬الوظائف والرتب العسكرية داخل الفرقة األوغسطية الثالثة‪:‬‬


‫‪-0‬القائد (‪:)Légat‬‬
‫يف الالتينية "الليقاتوس" )‪ (Legatus‬تعين املفوض أو املبعوث أو النائب‪ ،‬لكن هنا تعين شخص ميارس‬
‫وظيفة عسكرية يف روما القدمية‪ ،‬ومثلما أشران سابقا فإنه منذ سنة ‪ 46‬مت سحب الصالحيات العسكرية من‬
‫الربوقنصل يف عهد "كاليقوال" ومنحت للقادة العسكريني الذين يعينون من طرف اإلمرباطور وخيضعون ألوامره‪،‬‬
‫وبذلك فالقائد مستقل متاما عن الربوقنصل ويدير مقاطعة عسكرية‪ ،‬أما الربوقنصل فيحكم مقاطعة مدنية‪ ،‬وإن‬
‫كاان نظراي منفصالن يف الصالحيات لكن هناك تواصل وتداخل يف املها والوظائف العامة‪.‬‬
‫وعند حماولة قراءة النصوص اليت منلكها حول قرار نزع الصالحيات العسكرية للربوقنصل واملشار إليها سابقا‪،‬‬
‫فإننا نالحظ أنه كان قرارا صائبا يظهر نوااي اإلمرباطور الذي هدف إىل نزع مجيع الصالحيات العسكرية من‬
‫)‪(1‬‬
‫الربوقنصل وجعلها يف يد الليقاتوس التابع له‪.‬‬
‫وبذلك أصب القائد ميثل السلطة العسكرية احلقيقية والفعلية يف إفريقيا وهو وال لنوميداي يف نفس الوقت‬
‫ويلقب ابلقائد واحلاكم األعلى ملقاطعة إفريقيا" ‪(Legatus Augesti Propraetore Provinciae‬‬
‫)‪ Africae‬والذي خيتصر غالبا ابلقائد واحلاكم األعلى‪ ،‬وهو ما يدل وبوضوح على خضوعه املباشر لسلطة‬
‫اإلمرباطور‪ ،‬وأحياان جند هلم أمساء حتدد بوضوح طبيعة وظائفهم حيث يسمون مثال قادة ووالة الفرقة األوغسطية‬
‫الثالثة أو الفرقة األوغسطية الثالثة وجيشها اإلفريقي‪ ،‬هذا يدل نسبيا على أن صالحيات القائد ال تتعد‪ ،‬جزء من‬
‫إفريقيا ونعين املقاطعة العسكرية‪ ،‬فكما هو معلو فإن النظا اإلداري يف العهد اإلمرباطوري قا على مبدأ تقسيم‬
‫السلطة بني اإلمرباطور والشعب املتمثل يف جملس الشيوخ‪ ،‬وعلى هذا األساس نالحظ وجود نوعني من املقاطعات‬
‫النوع األول مقاطعات سيناتورية (مدنية) وهي مناطق هادئة وأكثر استقرارا يعني على رأسها قنصل خمول يعني من‬
‫طرف جمل س الشيوخ ومداخلها تذهب إىل اخلزينة العامة‪ ،‬أما النوع الثاين مقاطعات إمرباطورية (عسكرية) تسري من‬
‫طرف القاضي املخول (‪ )Propraetor‬أو وكيل اإلمرباطور (‪ )Procurator‬الذي يعينه اإلمرباطور‪ ،‬وجلأ‬
‫أابطرة روما إىل هذا التصنيف لكي حيتفظوا ابلقوات املسلحة حتت قيادهتم‪.‬‬
‫واألمر الذي ال بد من اإلشارة إليه هنا هو أن مقاطعة نوميداي منذ أن فصل "كاليقوال " سنة ‪ 46‬قيادة‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة عن الربوقنصل أصبحت حتت حكم القائد (‪ (Legat‬الذي يعينه اإلمرباطور ومينحه لقب‬
‫القاضي املخول (‪ )Propraetor‬وظلت نوميداي اتبعة نظراي للربوقنصلية إىل غاية سنة ‪ 213‬اتريخ انفصال‬
‫نوميداي رمسيا عن الربوقنصلية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪-Cagnat (R), Op.Cit, P 124.‬‬

‫‪62‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫إن تنوع األلقاب املمنوحة لليقاتوس ( ‪ (Légat‬أربك العديد من الدارسني حول طريقة أتهيل هذا الشخص‬
‫هلذا املنصب أو املوضع الذي يشغله‪(1)،‬وهنا ننوه أبن الفرقة األوغسطية الثالثة هي اجلزء الرئيسي من قوات‬
‫االحتالل الروماين املتواجدة يف إفريقيا‪ ،‬ونالحظ أبن الواثئق العسكرية هلذه الفرتة واليت وجدت يف نوميداي أو‬
‫الربوقنصلية مل تذكر أو تشري بوضوح إىل طبيعة العالقة بني الربوقنصل والقائد‪.‬‬
‫القادة األوائل للفرقة األوغسطية الثالثة حىت عهد هادراينوس (‪ ) 142-116‬ال خيتلفون عن غريهم من قادة‬
‫الفيالق‪ ،‬فعادة ما يكونون قادة احلرس اإلمرباطوري (‪ )Prétorien‬يتم إرساهلم إىل إفريقيا‪ ،‬وعند انتهاء مدة‬
‫واليتهم إبمكاهنم إكمال مهامهم كأعضاء يف جملس الشيوخ‪ ،‬وهو ما ينطبق أيضا على اخلازن أو مسؤول اخلزينة‬
‫)‪(2‬‬
‫)‪.(Questor‬‬
‫لكن ابتداء من م نتصف القرن الثاين للميالد سيمن أابطرة روما اهتما ابلغ لقادة وحكا نوميداي حيث‬
‫سيعهد بقيادة جيش إفريقيا إىل حكا كبريي السن كانوا يشغلون منصب قنصل‪ ،‬وتسند هذه املهمة له بصفة‬
‫فورية عند انتهاء مدة وظيفته وأحياان وهو ال يزال كقنصل‪.‬‬
‫ونالحظ أن الرومان منذ انتقال معسكر الفرقة األوغسطية الثالثة إىل "ملباز" حرصوا على تعيني قادة ذو خربة‬
‫عسكرية وسياسية‪ ،‬فالقائد ال يشغل منصب القيادة العليا للجيش وليس مسؤول على الفرقة وكتائبها املساعدة يف‬
‫مقاطعة نوميداي فحسب‪ ،‬بل كان عليه محاية املقاطعة وإدارهتا ويشرف حىت على القضاء‪ ،‬وهي أمور تدل على‬
‫الصالحيات الواسعة للقائد‪.‬‬
‫أما مدة حكم القائد فليست حمددة‪ ،‬ففي البداية كان هناك اعتقاد أبهنا كانت تدو ثالث سنوات تبدأ‬
‫وتنتهي يف شهر جويلية‪ ،‬لكن من خالل تتبع قائمة القادة نالحظ عد صحة هذا الرأي دائما‪ ،‬فكلما قد القائد‬
‫خدمات أكرب لإلمرباطور ستطول فرتة قيادته وواليته‪ ،‬ونضيف هلا مد‪ ،‬احلاجة لذلك القائد وقت األزمات‬
‫واحلروب‪ ،‬وأحياان قد حيدث العكس فال تتعد‪ ،‬فرتة واليته سنة واحدة مثل "كوليوس أبتلوس" ( ‪Caelius‬‬
‫‪ )Optalus‬والبعض ثالث سنوات مثل "مونتيوس" (‪ )Munatius‬والبعض مخس سنوات مثل "أنستيوس‬
‫)‪(3‬‬
‫فوستو"( ‪.(Q.Aniciuis Faustu‬‬
‫ومنذ عهد جاليانوس (‪ )Gallien‬إذا صدقنا املؤرخ الروماين أورليوس (‪ )Aurelius Victor‬والذي عاش‬
‫بني (‪ ،) 461-426‬فإن شخصيات من جملس الشيوخ نزعوا السلطات املدنية منه‪ ،‬لكن األكيد أن هذا اإلجراء‬
‫مل يطبق يف وقته حيث تدل الشواهد أنه خالل أواخر فرتة "جاليانوس" كان يف ملباز قاضي خمول ( ‪Légat‬‬
‫‪ )Propreteur‬يقود اجليش وحيكم نوميداي يقيم يف الربيتوريو (‪ )Praetorium‬مقر قائد الفرقة األوغسطية‬

‫‪ -1‬حارش ( ‪ ،‬ه)‪ ،‬التاريخ‪ ،‬ص ‪.162‬‬


‫‪2‬‬
‫‪- Cagnat (R), Op.Cit, P-P 125-126.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Le Bohec (Y), Histoire…, P-P 95-96.‬‬

‫‪63‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫الثالثة ويبدو أنه كان األخري‪ ،‬وهذا يعين أن الليقاتوس (‪ (Légat‬ظل حيتفظ ابلسلطات املدنية والعسكرية إىل‬
‫)‪(1‬‬
‫غاية سنة ‪ 272‬اتريخ وفاة جاليانوس ورمبا استمر حىت عهد أوريليانوس (‪.( 261-261( -)Aurelianus‬‬
‫وسيخلف القائد شخص آخر يسمى الربايسوس (‪ )Praefectus Legionis‬وسيكون هو قائد اجليش يف‬
‫الظروف العادية‪ ،‬أما يف الظروف احلرجة يقود اجليش شخص أكثر أمهية وذو خربة عسكرية‪ ،‬وابلتايل فالرباسيوس‬
‫خيتص يف اإلدارة املدنية أكثر من العسكرية‪ ،‬هذا الشخص الذي حيكم اجليش يف الظروف احلرجة جنده من خالل‬
‫بعض اإلشارات حتت اسم قائد أو القائد العا للجيش اإلفريقي (‪ )Dux Per Africain‬وبذلك انتهى منصب‬
‫)‪(2‬‬
‫القائد (‪.)Légatus‬‬
‫‪-4‬القضاة العسكريون للفرقة األوغسطية الثالثة‪:‬‬
‫مل يكن يوجد يف العهد اجلمهوري ال قادة للفيالق وال حاكم للمعسكر‪ ،‬فكل الفيلق كان حتت سيطرة القضاة‬
‫العسكريون الذين قادوا الفيلق الفيالق ابلتناوب‪ ،‬القضاة (‪ )Tribunus‬شغلوا وظائف متعددة يف روما القدمية‬
‫لكن هنا نركز على القضاة العسكريني (‪ )Tribunus Militum‬وهم ضباط مبرتبة قادة خدموا يف الفرق‬
‫الرومانية‪.‬‬
‫يف العهد اجلمهوري كان لكل فيلق روماين ستة قضاة عسكريني يعينون من طرف قائد اجليش‪ ،‬ومنذ سنة‬
‫‪ 472‬ق‪ .‬أصبحوا ينتخبون ملدة سنة واحدة‪ ،‬ويف ‪412‬ق‪ .‬متكن قضاة طبقة العامة من مترير قانون يتعلق بتنظيم‬
‫انتخاابت جلزء من القضاة العسكريني رمبا عددهم ستة عشر‪.‬‬
‫ومنذ احلرب البونيقية الثانية (‪212-212‬ق‪ ) .‬كان القضاة العسكريني ينتخبون ملدة سنة من طرف مجعية‬
‫الشعب الناخبة(‪ )Comices‬وعددهم ستة يف كل فيلق مث أصبحوا أربعا وعشرين‪(3)،‬وفيما بعد أصب يعينهم‬
‫القنصل املوجه للجيش‪ ،‬وكان البد على القاضي أن خيد فرتة ‪ 11‬سنوات أو ‪11‬سنوات كفارس كشرط ضروري‬
‫ليصل إىل هذه الرتبة‪ ،‬وذلك عرب طريقتني‪:‬‬
‫* عن طريق االنتخاب ويكونون من الشباب املنحدرين من طبقة النبالء‪ ،‬مث يتم تعليمهم قواعد السياسة بعد‬
‫انتخاهبم‪.‬‬
‫* عن طريق التعيني املباشر من قبل قائد اجليش ومتن للشباب النبالء أو لبعض الفرسان‪.‬‬
‫وهذا ما جعلنا نالحظ أن أ غلب القضاة العسكريني خالل القرن الثاين قبل امليالد هم أبناء أعضاء جملس‬
‫الشيوخ‪ ،‬مث ارتفعت نسبة املنحدرين من طبقة الفرسان يف العهد اجلمهوري‪ ،‬أما يف العهد اإلمرباطوري ستختلف‬
‫األوضاع مع بروز منصب الضباط السامني برتبة قادة ما قلص كثريا من صالحيات القضاة العسكريني‪ ،‬فأصبحوا‬

‫‪1‬‬
‫‪- Cagnat (R), Op.Cit, P-P 126-127.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Ibid, P-P 162-163.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Tite Live, Histoire Romaine, traduit par : M.Nisard, 1864, XXVII, 36.‬‬

‫‪64‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫)‪(1‬‬
‫وكان هناك عدة أنواع أو‬ ‫إداريني ابلدرجة األوىل‪ ،‬وهذا ما يفسر وجود مكاتب هلم وموظفني حتت تصرفهم‪،‬‬
‫أصناف من القضاة العسكريني‪:‬‬
‫‪ -‬القضاة الصدريون (‪:)tribuni laticlavii‬‬
‫مسوا هبذا االسم ألهنم يرتدون رابط عريض أرجواين اللون كلون رمزي مثل جلباب أعضاء جملس الشيوخ‪ ،‬وهو‬
‫خمصص ألبناء أعضاء جملس الشيوخ لكن من طبقة الفرسان‪ ،‬والذين خيضعون لتعليم الفنون العسكرية وأسندت‬
‫هلم وظائف إدارية‪ ،‬وتدو مدة وظيفتهم سنة واحدة وقد تفض إىل ستة أشهر‪.‬‬
‫‪ -‬القضاة األنقستكاليف (‪:)Tribuni Angusticlavii‬‬
‫وهنا يلبسون رابط أرجواين ضيق‪ ،‬وهم ضباط من طبقة الفرسان أو أبناء الفرسان أكملوا خدمة طويلة تدو‬
‫ثالثة أو أربع سنوات‪ ،‬وتدو مدة وظيفتهم سنة واحدة‬
‫‪ -‬القضاة النصف السنويني (‪:)Tribuni Semestres‬‬
‫يعتقد بعض املؤرخني أهنم كانوا قادة لفرق اخليالة‪ ،‬وبعد أن أهنوا مهامهم التحقوا ابجليش كقضاة ملدة ستة‬
‫أشهر وجذهبم يف هذا لقب القاضي والراتب الكبري‪.‬‬
‫هذه األنواع الثالثة عثران عليها يف نقوش مرتبطة ابلفرقة األوغسطية الثالثة‪ (2)،‬وللقضاة العسكريني عدة أدوار‬
‫حيث يتحدث "بولبيوس" عن مسؤوليات القضاة العسكريني حيث ذكر أنه إبمكاهنم تعيني قادة املائة‬
‫(‪ )Centurions‬وقيادة الوحدات العسكرية‪ ،‬ولديهم دور تنظيمي داخل الوحدات ويقود كل قاضي كتيبة هذا‬
‫يف العهد اجلمهوري‪(3)،‬أما يف العهد اإلمرباطوري فكانت أدوارهم حسب "فجيتيوس" ‪-‬الذي عاش يف القرن‬
‫اخلامس والسادس امليالدي‪ -‬قيادة كتيبة عسكرية مع مسؤوليته على املعدات اليت حيتاجها اجلنود إضافة إىل مهمة‬
‫)‪(4‬‬
‫التدريب العسكري‪.‬‬
‫مث أصب للقضاة العسكريني مسؤوليات تتعلق ابإلدارة وأتطري اجليش حنصرها يف‪:‬‬
‫* املها اإلدارية عموما كانت مستندة إىل "القضاة األنقستكالفيني"‪ ،‬أعضاء جملس الشيوخ الشباب أو‬
‫الفرسان ويساعده إداري مهيأ ميلك قائمة اجلنود ومين اإلجازات العسكرية)‪ (5‬وترخيص اخلروج يشرف على عملية‬
‫)‪(6‬‬
‫التموين ويراقب املستشفى العسكري‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Cagnat (R), Op.Cit, P 163.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Ibid, P 163.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Polybe, Histoires, traduit par ; Félix Bouchot, 1847, VI, 24, 1.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Végèce, De L’art militaire, II, 12.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Tacite, Annales, I, 36.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪- Tite Live, Histoire romaine, VIII, 36‬‬

‫‪65‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫* التأطري العسكري عرب مراقبة الوحدات العسكرية يف عملية التنقل)‪ (1‬وتفقد مراكز احلراسة واإلشراف على‬
‫)‪(3‬‬
‫الدورايت)‪ (2‬وتدريب اجملندين وترأس التدريبات العسكرية واملشاركة يف جملس احلرب واحملكمة العسكرية‪.‬‬
‫‪ -‬مساعدي القضاة‪ :‬تدل النقوش املوجودة يف ملباز على وجود مساعدين مرتبطني ابلقضاة حيملون تقريبا‬
‫نفس أمساء الذين يساعدون القائد سنحاول التعرف إليهم‪:‬‬
‫‪ -‬البنفسري (‪:)Beneficiarii‬‬
‫هو عبارة عن جندي لكنه حيتل مكانة هامة يف اجليش الروماين‪ ،‬وله مها خاص متعلقة بتغطية الوظائف‬
‫اإلدارية يف الغالب‪ ،‬ويف الفرقة األوغسطية الثالثة نعثر على البنفسريي رفقة القضاة الصدريني ( ‪Tribuni‬‬
‫‪ )Laticlaves‬والقضاة السنويني‪ ،‬ويقدر عددهم إبحد‪ ،‬عشر أو اثنا عشر‪ ،‬هذا ما عرفناه من خالل إهداء يف‬
‫"ملباز"‪ ،‬هذا يف البداية لينخفضوا إىل مخسة من خالل إهداء مماثل‪ ،‬كما عثران عليهم حتت لقب بنفيسري قاضوي‬
‫(‪ )Beneficiarii Tribunii‬وال نعرف إن كانوا مرتبطني أكثر بقضاة النظا املشيخي (‪ )Sénatorial‬أو‬
‫)‪(4‬‬
‫قضاة نظا اخليالة لكن تبقى الفرضية األوىل أكثر احتماال‪.‬‬
‫‪ -‬السكتور (‪:)Secutores‬‬
‫هو جندي يف اجليش الروماين ال يزال جمهول ووظائفه متصلة أبمن بعض الضباط مثل القضاة العسكريني‪،‬‬
‫وتدل بعض النصوص عن وجود "سكتور قاضوي"(‪ )Secutor Tribunii‬يف ملباز‪ ،‬وهناك من املؤرخني من‬
‫يعتقد أبن القضاة العسكريني مل يكن هلم "سكتور" وهم كما أشران جنود عاديني أو خد فقط‪.‬‬
‫‪ -‬الكورنكوالري (‪:)Cornicularii‬‬
‫القاضي الصدري هو الوحيد حسب "مومسن" الذي له هذا املساعد‪ ،‬وميكن أن نعتربه مثل كاتب احملكمة‬
‫الذي يساعد الضابط يف حمكمته وعليه فهو مساعد ضروري ومن بني الكورنكوالري الذين عرفناهم يف الفرقة‬
‫األوغسطية الثالثة ثالثة يسمون الكورنكوالري للقضاة الصدريني (‪)Cornicalarius Tribuni Laticlavii‬‬
‫ورابع عرف ابلكورنكوالري القاضوي دون تعيني‪.‬‬
‫* موظفي الكتابة ‪:‬‬
‫‪ -‬الكاتب (‪:)Commentariense‬‬
‫هو موظف مسؤول عن عملية التسجيل‪ ،‬وهناك كاتب واحد فقط يف إفريقيا حيمل هذا االسم وصلتنا‬
‫إشارات عليه من خالل إهداء مل إىل وجوده وهو مرتبط ابلقضاة النصف السنويني‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Jules César, Commentaires sur la guerre des gaules, III, 7, VI, 39.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Polybe, Op.Cit, VI, 35‬‬
‫‪3‬‬
‫‪-Tacite, Annales, Op.Cit, II, 9.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Cagnat (R), Op.Cit, P 164.‬‬

‫‪66‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ -‬الناسخ (‪:)Librarii‬‬
‫وعثران عليه يف نص صعب الشرح حيث أشار إىل هذه الوظيفة حتت اسم انسخ صدري ( ‪Librarius‬‬
‫‪ )Laticlavii‬وانسخ القاضي النصف سنوي (‪.)Librarius Semestris‬‬

‫إذن القاضي العسكري كان له مساعدين وموظفني حتت تصرفه من أجل تسهيل أداء مهامه املتمثلة أساسا‬
‫يف اإلشراف على توزيع الغذاء على اجلنود والتأكد من النوعية اجليدة للحبوب ومنع الغش يف عملية التسليم‬
‫)‪(1‬‬
‫والتوزيع‪.‬‬
‫‪-4‬حاكم املعسكر (‪:)Le Préfet Du Camp‬‬
‫يسم لنا نص "فجيتيوس" رغم أنه يتضمن مجل مشتتة)‪ (2‬إضافة إىل عدد معترب من النقوش يف حتديد طبيعة‬
‫املهمات املسندة إىل حاكم املعسكر (‪ )Praefectus Castrerum‬اليت تدل على أنه رئيس كل اخلدمات‬
‫واملصاحل الداخلية املعنية بضمان محاية أو صيانة املعسكر‪ ،‬املباين أو املخيمات العسكرية مبا تضمه من جنود‬
‫وعتاد‪ ،‬هي حتت مسؤوليته وكلها مسنده إليه‪ ،‬وحتت إمرته ضباط أو ضباط صف والذين هم أيضا حتت تصرف‬
‫القائد‪.‬‬
‫األخصائيون املكلفون خبط املعسكر يسمون حسب املؤرخني مساحي األراضي (‪ )Metatores‬وهم عدة‬
‫أصناف أبرزهم مساحي األراضي احلقلية (‪ ،)Metatores Agrarii‬وهم جنود موظفني يشغلون حماسيب‬
‫التجهيزات‪ ،‬ومهندسني وهم مساحني يف كل احلاالت أو عند احلاجة‪ ،‬ومت العثور على قائمة مساحني يف ملباز‬
‫تضم تسعة أمساء وهو ما جعل البعض يعتقد أبن كل فيلق عسكري يضم تسعة مساحني وأحياان إحد‪ ،‬عشر‪،‬‬
‫وهم خيضعون لسلطة احلاكم (‪ ، )préfet‬وعندما يتم إرسال مفرزة من أجل شق طريق أو إجناز جسر فإن احلاكم‬
‫)‪(3‬‬
‫هو الذي يقسم العمل بني الرجال ويراقب عملية اإلجناز‪ ،‬وبذلك فهو يلعب دور قائد اهلندسة‪.‬‬
‫ومن بني املباين املختلفة يف املعسكر اليت تضع لسلطة احلاكم جند يف البداية املخيمات أو الثكنات‪ ،‬على ما‬
‫يذكر فيجيتيوس يف مقطع‪ ،‬وبعد تنقيبات ملباز مت اكتشاف مؤسسات إصالحية‪ ،‬ففي كل معسكر كان يوجد‬
‫سجن يشرف على مراقبته ضابط ملقب بـ "اجلندي املسؤول عن زنزاانت السجن" (‪ )Optiocarceris‬وهو يف‬
‫وقتنا احلايل برتبة نقيب (‪.)Capitaine‬‬
‫تدل النصوص اليت منلكها أيضا أبن كل معسكر ميلك مستشفى وهو شيء مؤكد‪ ،‬وعلى وجه اخلصوص يف‬
‫معسكر الفرقة األوغسطية الثالثة‪ ،‬واخلدمات الطبية كانت مسندة سواء إىل جمموعة من أطباء الفرقة أو إىل طبيب‬
‫خمتص‪ ،‬خصوصا أن األطباء يف العهد الروماين كان هلم نصيب يف عملية طلب الشور‪ ،‬والنص ‪ ،‬فوجود طبيب‬

‫‪1‬‬
‫‪- Cagnat (R), Op.Cit, P-P 164-166.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Végèce, Op.Cit, II, 10.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪-. Cagnat (R), Op.Cit, P-P 166-168.‬‬

‫‪67‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫خمتص يف املعسكر أكثر من ضرورة لتقدمي التغطية والرعاية الصحية للمرضى‪ ،‬ومن بني األطباء األخصائيني الذين‬
‫هلم مكانة خاصة جند طبيب العيون (‪ ،)Oculiste‬أما الشرطة واملراقبة واإلدارة وخمتلف املؤسسات فقد استأثر‬
‫إبدارهتا ضابطني ليسا من اهليئة العسكرية واللذين حيمالن لقب املمرض (‪. )Valetudinarii‬‬

‫أما عالج املرضى فهو من مها املمرضني العسكريني الذين جندهم يف النقوش حيملون اسم اخلزان‬
‫(‪ ،)Capsarii‬هذه التسمية مشتقة من اخلزانة (‪ )Capsae‬وهي صناديق تستعمل حلفظ أدوات اجلراحة‬
‫والضمادات واألدوية ومهمتهم هذه تتطلب منهم حتضري تقين‪ ،‬واملسافة قريبة بني املستشفى والبيطري‬
‫(‪ )Veterinarium‬الذي مهمته معاجلة احليواانت اجملروحة واملريضة‪ ،‬ونتصادف يف أكثر من مرة عن إشارات‬
‫حول طبيب بيطري (‪ )Medici Veterinarii‬لكن ليس يف إفريقيا‪ ،‬ورغم هذا فإننا جند يف ملباز ذكر‬
‫للمستشفى وحارس قطيع الفيلق (‪ )Pequarii‬ورمبا هو البيطري‪.‬‬

‫وعادة ما يتم إحلاق املستشفى ببناء آخر هي احلمامات (‪ ،)Thermes‬ففي التاريخ الروماين أينما كان هناك‬
‫جتمع بشري جند احلمامات‪ ،‬ما جيعلنا متأكدين من وجود محامات يف ملباز‪ (1).‬فهي وسيلة للتسلية واملعاجلة‬
‫وضرورية يف عملية النظافة‪ ،‬وعلى رأس هذه املؤسسة ‪-‬احلمامات‪ -‬ضابط الذي حيمل يف روما لقب مسؤول‬
‫احلما (‪.)Optio Balnearii‬‬

‫وهنا البد من اإلشارة إىل الصدر أو الشعار (‪ )A D B‬الذي جنده يف قوائم اجليش والذي يشري إىل الوظيفة‬
‫املخصصة إىل اجلندي أو إىل ضابط الصف‪ ،‬وعموما رغم عد إشارة النصوص إىل وجود احلمامات يف ملباز فإن‬
‫وجود قنوات املياه للمعسكر يدل عن وجود محامات خمصصة للفرقة األوغسطية الثالثة‪.‬‬
‫إضافة إىل هذه املباين جند بناية هامة هي مصنع األسلحة (‪ )Armamentarium‬حيث يتم فيها مجع‬
‫األسلحة اليت يتم شحنها من ورشة العمل وآالت احلرب وذخريهتا‪ ،‬وهي موجودة يف مجيع أماكن احلاميات‬
‫الرئيسية‪ ،‬وملباز متتلك واحدة‪ ،‬حراسة هذا الصرح كانت مسندة يف هناية القرن الثاين للميالد إىل املكلف‬
‫ابملستشفى وهو األمر الذي أاثر استغراب املؤرخني‪ ،‬وعليه فإنه على األرج أنه كان هناك ضابط مكلف إبدارة‬
‫هذا املصنع وهو مبثابة حمافظ أعمال (‪ )Curator Operi‬رمبا مهمته ال تتعد‪ ،‬مراقبة آالت العمل‪.‬‬
‫واحدة من قاعات املباين كانت يف القرن الثالـث مكتـب وقاعـة اجتمـاع حلـراس األسـلحة‪ ،‬هـذا مـا تـذكره قائمـة‬
‫العسكريني يف ملباز‪ ،‬واليت كانت مقسمة بني خمتلف الكتائب ووضعت حتـت تصـرف قـادة املائـة وهـم مسـؤولون عـن‬
‫حراسة األسلحة املخصصة لوحدة املائة ومكلفني مبراقبـة عمليـات الصـيانة للتأكـد مـن أهنـا يف حالـة جيـدة ويف حالـة‬
‫خسارهتا أو تلفها يقومون بتبديلها وإصالحها‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Cagnat (R), Op.Cit, P-P 168-170.‬‬

‫‪68‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫وال نعرف عددهم ابلضبط حيث يف قاعة االجتماع هناك ثالث قوائم حلراس األسلحة (‪Custodes‬‬
‫‪ ،)Armorum‬األوىل تعود إىل العهد السيفريي تتضمن ‪ 72‬اسم‪ ،‬الثانية تعود إىل عهد "سيفريوس‬
‫ألكسندر"(‪ ) 241-222( )Sévère Alexandre‬وحتتوي ‪ 42‬اسم‪ ،‬والثالثة معاصرة جلاليانوس (‪)Gallien‬‬
‫هبا ‪ 42‬اسم مع وجود بعض االحتياطيني‪ ،‬ما يعين أن العدد اخنفض يف القرن الثالث للميالد‪ ،‬ففي العهد‬
‫السيفريي حارس لكل وحدة أي ‪ 16‬وأضيف هلم ثالث حراس إضافيني خمصصني للوحدتني املئويتني األوىل‬
‫والثانية ابعتبارمها األكثر عددا مقارنة ابلبقية وهم مكلفني حبراسة عتاد اخليالة‪.‬‬
‫اإلصالح أو التصنيع يف الظروف الطارئة عهدت إىل املكلف ابملصنع أو الورشة (‪ ،)Fabrica‬وهو ما جعل‬
‫"فيجيتيوس" يعتقد أبن املصنع الفيلقي كان خيضع هو اآلخر لسلطة رئيس احلدادين (‪)Praefectes Fabrum‬‬
‫وهو رأي مقبول ومنطقي‪ ،‬وهو ما تشري إليه نقوش القرنني األول والثاين للميالد‪ ،‬ووفقا لذلك القائد العا لعمال‬
‫املصنع ال ميكن أن يكون إال حاكم املعسكر (‪ ،)Praefectus‬ولدينا مقطع لفيجيتيوس يذكر وظائف هذا‬
‫الشخص املمثلة أساسا يف مراقبة وقيادة العمال العسكريني التابعني للفرقة‪.‬‬
‫إذا احلاكم له مهمات عديدة هي مراقبة العرابت والوسائل واآلالت احلربية وحتصني املعسكر‪ ،‬ولذلك وضع‬
‫حتت تصرفه ورشة لإلنتاج أو اإلصالح‪ ،‬والعمال العسكريني الوحيدين الذين عرفناهم من خالل النقوش يف هذه‬
‫الورشات هم الصقالني‪.‬‬
‫كما وجد يف ملباز مستودعات احلصاد )‪ (Horrea‬استنادا على النقوش‪ ،‬لكن إىل غاية اآلن رغم ما‬
‫اكتشف من مباين مل يتم العثور على مستودعات واضحة للحبوب‪ ،‬كما ال تشري النقوش اإلفريقية عن وجود‬
‫قاعات للتدريبات الرايضية أو مضامري ركوب اخليل‪.‬‬
‫أما هيئة األركان فقد كانت مستقلة عن حكا املعسكر‪ ،‬وتتكون من نفس املساعدين تقريبا وهم القادة وكان‬
‫لديهم كتاب ومستفيدين وحماسبني (‪ )Librarii‬لألعمال اإلدارية‪ ،‬وحاكم املعسكر يتمتع هو األخر بنفس هذه‬
‫االمتيازات‪ ،‬أما دومسرتوسكي(‪ )M.Vondomaszcuski‬فري‪ ،‬أن الرباسيوس (‪ )Préfet‬كانت له مكانة جد‬
‫مميزة أكثر من القائد) ‪.(Légat‬‬
‫عموما فإن حاكم املعسكر (‪ )Praefectus Castrorum‬كان موجودا منذ بداية العهد اإلمرباطوري يف‬
‫اجليش الروماين كثالث أكرب مسؤول يف الفيالق الرومانية بعد القائد (‪ )Legatus‬والقاضي العسكري وتتمثل‬
‫مسؤولياته يف صيانة ومحاية العتاد وأعمال البناء‪ ،‬وإبمكانه قيادة الفرقة يف حالة غياب األكرب سنا وتنظيم الفرقة‬
‫والتأكد من التدريب اجليد للجنود‪ ،‬إضافة إىل كل ما يتعلق ابحلياة اليومية للجنود‪ ،‬وبذلك فكل ما أشران إليه من‬
‫)‪(1‬‬
‫مؤسسات وهيئات ومصاحل إدارية تضع لسلطة حاكم املعسكر‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Cagnat (R), Op.Cit, P-P 171-175.‬‬

‫‪69‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫‪-2‬قادة وحدات املائة ‪-‬قادة وحدات العشرة ‪-‬املالزمني ‪-‬اجملندين‪:‬‬


‫أ‪-‬قائد وحدة املائة ‪:)Centurions(:‬‬
‫هي واحد من درجات التسلسل القيادي يف اجليش الروماين‪ ،‬وهو ليس ضابط ابلضرورة يقود مائة جندي يف‬
‫الفيلق الروماين الذي جند فيه ستون وحدة مئوية‪ ،‬والقائد األول من هؤالء الستني يسمى "القائد املئوي األول"‬
‫)‪ (Le Centurion Primiple‬ألنه يقود اجملموعة األوىل من الفيلق أو الكتيبة‪ ،‬ورمز الشرف عند قادة املائة‬
‫هي الكرمة (‪.)Cepde Vigne‬‬

‫وخالل القرن األول من العهد اجلمهوري (من القرن اخلامس ق‪ .‬إىل القرن الثالث ق‪ ) .‬نظم الفيلق من‬
‫طرف "سنسنتوس" )‪ )L.Q.Cincinnatus‬الذي عاش من (‪121‬ق‪ .‬إىل ‪341‬ق‪ ) .‬حيث قسمها إىل أربعني‬
‫وحدة مئوية كل وحدة تتكون من مائة جندي أي حوايل ‪ 31‬وحدة يف الفيلق‪.‬‬
‫يف القرن الثالث قبل امليالد مت تعديل تركيبة الفيلق حيث أصبحت تتكون من ثالثني شرذمة‪ ،‬ويف اجملموع‬
‫الفيلق يصل إىل ‪ 3211‬رجل يف األوقات العادية و‪ 1111‬رجل يف الظروف احلربية‪ ،‬كل شرذمة مت تقسيمها إىل‬
‫وحدتني مئويتني متساويتني يرتاوح عددمها بني ‪ 71‬إىل ‪ 21‬رجل‪ ،‬ويشارك جنود الشرذمة يف احلمالت العسكرية‬
‫السنوية وينتخبون قائد لقيادة الشرذمة‪ ،‬ومع إصالحات "ماريوس" (‪ 116( )C.Marius‬إىل ‪27‬ق‪ ) .‬أصب يف‬
‫الفيلق عشرة كتائب‪.‬‬
‫وبذلك فإن وحدة املائة هي الوحدة القاعدية للفيالق الرومانية ابعتبارها تضم من ‪ 21‬إىل ‪ 111‬رجل‪،‬‬
‫وأحياان تصل إىل ‪ 171‬رجل‪ ،‬وحتتل وحدة املائة األوىل مكانة رفيعة مقارنة ببقية الوحدات وغالبا ما يكونون‬
‫)‪(1‬‬
‫خمتصني يف رمي الرم (‪ ،)Javelot‬فإشارة انطالق املعركة تطلقها الوحدة املئوية األوىل‪.‬‬
‫والنصوص املتعلقة بقادة املائة (‪ )Centurion‬يف الفرقة األوغسطية الثالثة ال تقد لنا أية معلومات تسم‬
‫بتقدمي فروق ولو بسيطة بني قائد املائة وبقية الضباط من نفس الرتبة املنتمني إىل جيوش أخر‪ ،،‬على أنه يف إفريقيا‬
‫قادة املائة ينحدرون تقريبا من مجيع مناطق اإلمرباطورية الرومانية وجلبهم الطمع يف الثروة والرتقية‪ ،‬والبعض منهم‬
‫من أصول حملية مارسوا وظيفتهم كجنود يف الفرقة وكضباط صف ومتت ترقيتهم إىل هذا املنصب لكن أغلبية قادة‬
‫املائة أجانب مت دجمهم يف الفرقة‪ ،‬وجند يف إفريقيا أيضا املنتدبني (‪ )Détaché‬على رأس بعض فرق املساعدين أو‬
‫يف مراكز خاصة مثل قيادة محالت عسكرية صغرية أو على رأس مراكز عسكرية منفصلة أو قيادة أعمال عسكرية‬
‫)‪(2‬‬
‫وعند دراسة قادة املائة يف العهد اإلمرباطوري فإننا جند بعض الواثئق يف ملباز‪.‬‬
‫أول هذه الواثئق هي نقوش صورت أرشيف جنود الصفوف األوىل‪ ،‬حيث مسحت لنا مبعرفة قادة مخسة‬
‫وحدات مئوية للكتيبة األوىل فيها مخسة مالزمني‪ ،‬ويؤكد فيجيتيوس أبن الكتيبة األوىل للفيلق على الرغم من أن‬

‫‪1‬‬
‫‪- Tite Live, Histoire Romaine, livre 01, 36, 6-8.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Cagnat (R), Op.Cit, P-P 175-176.‬‬

‫‪70‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫عدد قواهتا كان مضاعف فإهنا تتألف إال من مخسة قادة مئويني بدال من ستة على األقل‪ ،‬وهذا منذ فرتة‬
‫هادراينوس وابلتايل مخسة مالزمني‪ (1)،‬هذا الطرح املقبول من قبل أغلبية املؤرخني يتعارض مع ما ذكره اتكيتوس‬
‫حيث ذكر وجود ستون قائد مئوي مقابل وجود ستون وحدة مئوية‪ (2).‬أما دومسزوسكي‬
‫(‪ )M.Von.Damaszewski‬فري‪ ،‬أبن الكتيبة األوىل تتألف يف الواقع من مخسة وحدات مئوية لكن متتلك‬
‫‪(3).‬‬
‫ستة قادة مئوية‪ ،‬األول والثاين حيمالن بطريقة مماثلة لقب القائدين األوليني (‪)Primuspilus‬‬
‫الوثيقة الثانية األكثر أمهية هي تلك اليت حتتوي أمساء قادة الوحدات املئوية للفرقة األوغسطية الثالثة يف سنة‬
‫‪ 172‬مقسمني حسب الكتائب‪ ،‬وهنا مت اإلشارة وبدقة إىل القائدين األوليني (‪ )Primipiles‬يف الكتيبة‬
‫األوىل‪ ،‬هذه الوثيقة كانت حمل دراسة عديد الباحثني أبرزهم "مومسن" واليت خلصت أبن قائد الوحدة املئوية‬
‫األوىل للكتيبة األوىل يغطي وظائف عسكرية حصرية‪ ،‬حيث ال جند أية إشارات الرتباطه مبوظفي اإلدارة‪،‬أما القائد‬
‫املئوي الثاين الذي أييت بعده مباشرة له أدوار إدارية ابلدرجة األوىل‪ ،‬وجبانب قائد املائة يتم تعيني مرشحني‬
‫)‪(4‬‬
‫(‪ )Candidati‬وهذه الكلمة ال يزال هلا نفس القيمة إىل غاية يومنا هذا‪.‬‬
‫هذه القائمة املكتشفة يف ملباز تشمل ‪ 73‬اسم مت فصل أربعة منهم ألهنم ليسوا من قادة املائة‪ ،‬لكن هناك من‬
‫ير‪ ،‬أبن عددهم انطالقا من هذه القائمة هو ‪ 72‬وهذا ما جيعل تفسري اختالف نسبة قادة املائة مع عدد‬
‫الكتائب أمر صعب حيث جند يف الكتيبة األوىل سبعة وحدات مئوية وسبعة قادة منهم مخسة قادة مئوية واثنني‬
‫قائدين أوليني وجاء ذكرهم كاآليت‪:‬‬
‫‪ 6‬قادة مئوية‪.‬‬ ‫الكتيبة األوىل‬
‫‪ 7‬قادة مئوية‪.‬‬ ‫الكتيبة الثانية‬
‫‪ 7‬قادة مئوية‪.‬‬ ‫الكتيبة الثالثة‬
‫‪ 1‬قادة مئوية‪.‬‬ ‫الكتيبة الرابعة‬
‫‪ 7‬قادة مئوية‪.‬‬ ‫الكتيبة اخلامسة‬
‫‪ 6‬قادة مئوية‪.‬‬ ‫الكتيبة السادسة‬
‫‪ 7‬قادة مئوية‪.‬‬ ‫الكتيبة السابعة‬
‫‪ 6‬قادة مئوية‬ ‫الكتيبة الثامنة‬
‫‪ 3‬قادة مئوية‬ ‫الكتيبة التاسعة‬
‫‪1‬‬
‫‪- Végèce, Op.Cit, II, 8.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Tacite, Annales, I, 32.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Von Domszewski (M), D’après Cagnat (R), P 177.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪-Cagnat (R), Op.Cit, P 178.‬‬

‫‪71‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ 7‬قادة مئوية‬ ‫الكتيبة العاشرة‬


‫اجملموع = ‪ 71‬قائد مئوي‪.‬‬
‫ير‪ ،‬املؤرخني أن أغلب قادة املائة يف العهد اإلمرباطوري كانوا من طبقة الفرسان متت ترقيتهم إىل هذه الرتبة‬
‫ويف سن مبكرة‪ ،‬وكون هذه الرتبة مناقضة ملكانة الفرسان يف القرنني األول والثاين للميالد فإنه مت رفع عدد القادة‬
‫األوائل للوحدة املئوية األوىل إىل أربعة فرسان عسكريني يف عهد سبتميوس سيفريوس‪ ،‬وقبل هذه الفرتة كان ال‬
‫يوجد إال ثالثة فرسان عسكريني‪ .‬ومن كل هذا فإن الفرقة األوغسطية الثالثة كانت مقسمة إىل ‪ 11‬كتائب‬
‫)‪(1‬‬
‫وابلتايل إىل ‪ 72‬وحدة مئوية على رأسها ‪ 16‬قائد هذا ما تشري إليه القائمة املكتشفة سنة ‪ 172‬يف ملباز‪.‬‬
‫ب‪-‬املالزم أو املساعد األول (‪:)Option‬‬
‫املالزمني أو املساعدين لقادة الوحدة املئوية حيملون يف الالتينية اسم أبسيون (‪ ،)Optiones‬ويف الفرقة‬
‫األوغسطية الثالثة منلك قائمة هلؤالء الضباط تتكون من ‪ 73‬اسم‪ ،‬ويف هذه احلالة فإنه ال يوجد سو‪ 16 ،‬وحدة‬
‫مئوية فما سبب وجود ‪ 73‬مالز يف نفس الوقت؟‪ (2) ،‬هذا االلتباس حاول "مومسن" تفسريه الذي احتمل عد‬
‫وجود مخسة مالزمني فقط يف الكتيبة األوىل لكن أيضا ‪ 11‬مساعدين (‪ )Adjutores‬ما مين هذه الكتيبة عشرة‬
‫مالزمني أو مثيلني هلم (‪ )Assimilé‬قد يكونون جنود أو مدنيني يشبه وضعهم وضع اجلنود املقاتلني األصليني‪،‬‬
‫وإبضافة املالزمني الستة املعينني يف بقية الكتائب التسعة فإننا حنصل على عدد إمجايل هو ‪ 73‬لكن نقوش‬
‫األرشيف الرئيسي (‪ )Tabularium Principis‬تؤكد أبن املساعدين (‪ )Les Adjutores‬كانوا انسخني‬
‫(‪ )Librarii‬وبذلك فهذه النظرية تبقى ضعيفة‪.‬‬
‫أما ويلمانس (‪ )Wilmanns‬يقد لنا فرضية أخر‪ ،‬حيث أشار أبن قائمة ‪ 73‬مالز اليت منلكها يوجد اسم‬
‫موقع وثالثة هم مرافقني خمتارين من قبل قائد وحدة املائة وهم مساعدون وحماسبون (‪ )Actarius‬ما يشري أبن‬
‫هؤالء الضباط مت ترقيتهم إىل رتبة أخر‪ ،،‬وابقتطاع هؤالء جند أن العدد هو ‪ 71‬مالز وهو نفس عدد قادة املائة‬
‫وهو نوعا ما رأ‪ ،‬غري مؤكد متاما ألننا أشران أبن عدد قادة املائة هو ‪ 16‬وحدة‪.‬‬
‫كما أن قائمة سنة ‪ 172‬اليت أشران إليها من قبل فإهنا تشري إىل أن واحد من الضباط مل يعد يف اخلدمة‬
‫خالل هذه الفرتة‪ ،‬أو رمبا عني يف رتبة أعلى لذلك ميكن أن نفرتض أنه من بني هؤالء ‪ 71‬ضابط املتكونني يف‬
‫كلية املالزمني هناك مالز كان مكلف بوظائف خاصة مثل مالز مكلف ابحلمامات (‪)Balnearii Optio‬‬
‫لكن أما هذه الفرضية تصطد أبكثر من عقبة‪ ،‬األبرز هي أن هؤالء املالزمني اإلداريني بعضهم له مكانة أعلى‬

‫‪1‬‬
‫‪- Desjardins (E), Les soixante centurions de la légion III Augusta, A.I. B.L, 28 années N°1, 1884, P-P 115-117.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Cagnat (R), Op.Cit, P 179.‬‬

‫‪72‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫مقارنة ابلوحدة العسكرية مثل مالز املستشفى (‪ )Optio Valetudianarii‬ومالز السجن ( ‪Optio‬‬
‫)‪(1‬‬
‫‪ )Carceris‬وغريهم‪.‬‬
‫ويالحظ أبن اجلزء العلوي األمين يف الواجهة اليسر‪ ،‬هلذه القائمة أهنا مكسورة وال شيء يعيق يف االعتقاد‬
‫أبن واحد من األمساء الستة األوىل قد مت تعيينه يف رتب أخر‪ ،،‬ومن مثة واحد من الضباط املشار إليهم قد متت‬
‫ترقيته‪ ،‬وبذلك يشطب من القائمة فيبقى ‪ 16‬مالز فقط‪.‬‬
‫وير‪" ،‬مومسن" أنه كان يوجد نوعان من املالزمني واحد مرتبط بكل وحدة مئوية وهو هبذا يشكل جزء من‬
‫قوات القتال للفيلق‪ ،‬والنوع الثاين متخصص يف اخلدمات اخلاصة وابخلصوص اإلدارة العسكرية‪ ،‬هذه األخرية‬
‫ليست هلا أي عالقة مشرتكة مع األوىل‪ ،‬وعند احلديث عن املالزمني ال بد من احلديث عن املالزمني الفرسان أو‬
‫اخليالة (‪ ،)Optio Equitum‬حيث ير‪ ،‬دومسزوسكي أبن فرسان العهد اإلمرباطوري قد عرف سلكهم تغريات‬
‫كبرية حيث قلصت الفيالق مهامهم يف مقابل رفع أدوار فرسان هيئة أركان‪.‬‬
‫ج‪-‬املستدعني (‪:)Evocatus‬‬
‫تتضمن القائمة املكتشفة يف ملباز إىل جانب قادة املائة ضابط إضايف حيمل لقب املستدعي‪ ،‬وير‪ ،‬مومسن‬
‫أن هذه الرتبة تتلف وظيفتها يف العهد اإلمرباطوري عن اجلمهوري‪ ،‬وجندها ابخلصوص يف روما وضواحيها ويف‬
‫كتائب حرس القاضي املخول‪ ،‬أو الربايتور ابخلصوص وأحياان يف الكتائب احلضرية‪ ،‬ويف القرن الثالث جندهم يف‬
‫الفيلق البارثي الثاين (‪ ،)Legion II Parthique‬ونص ملباز يفهم منه أن وظائفه مرتبطة بروما وغالبا ما يتم‬
‫إرساهلم يف مهمة ابلقرب من الفيالق املنتشرة يف املقاطعات‪.‬‬
‫الصعوبة تبدأ عندما حناول معرفة الدور املمنوح له‪ ،‬فالواثئق اجملموعة تكشف أبن املستدعي هو رجل ثقة‬
‫لد‪ ،‬اإلمرباطور مت توظيفه ألعمال خمتلفة يف روما وإيطاليا‪ ،‬ويبدو أنه يشغل اإلدارة مثل إدارة السجون أو األحباث‬
‫القضائية‪ ،‬ومن بني هؤالء الذين جندهم يف الفيالق واحد معني كمدرب عسكري (‪ )Instructeur‬وآخر يشتغل‬
‫يف مصلحة اإلعاشة )‪ ،(Subsistance‬وابلنسبة إىل البعض" املستدعي" هو عون إداري لإلمرباطور‪ ،‬بينما‬
‫آخرون نفوا هذا التأهيل الكبري ورأوا أنه كان يتم إرساله إىل الفيالق لتوحيد التدريب العسكري ومطابقته للنظا‬
‫املتبين يف املعسكرات الرومانية‪ ،‬لكن القضية اليت ليست هلا تفسري هي ملاذا احتل املستدعي املركز أو املكانة‬
‫األخرية يف قائمة قادة املائة املكتشفة يف ملباز‪.‬‬
‫د‪-‬قـائـد الـعـشـرة‪:‬‬
‫يف التاريخ الروماين جند أيضا رتبة عسكرية هامة هي قائد العشرة (‪ )Décurion‬وهو ضابط اثنوي أو صغري‬
‫يف اجليش حيمل إشارة أو سالح مميز له على رتبته خنجر(‪ ،)Pugio‬يف البداية ارتبط امسه بعملية التقسيم إىل‬

‫‪1‬‬
‫‪-Cagnat (R), Op.Cit, P 179-180.‬‬

‫‪73‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫وحدة العشرة وهي أصغر وحدة عسكرية يف اجليش الروماين‪ ،‬وقائد العشرة كان ضابط خيالة يف العهد‬
‫اجلمهوري‪،‬كما كان من نفس طبقة قائد املائة‪ ،‬وهو يقود سرية تضم ‪ 41‬فارس وثالثة ضباط وأصبحت ‪34‬‬
‫فارس يف عهد كالوديوس‪ ،‬أما يف العهد اإلمرباطوري فإن قادة العشرة قادوا سرااي يف الوحدات املساعدة وفرق‬
‫وكتائب فرسان ووحدات احلراسة وهم خيضعون ألوامر قادة املائة‪.‬‬
‫هـ‪-‬ضباط الصف واالختصاصيني‪:‬‬
‫حتت قادة املائة وإىل جانب املالزمني تذكر لنا النقوش اإلفريقية لعدد من ضباط الصف أو جنود النخبة‬
‫(‪ )Principales‬من رتب خمتلفة وهم مرتبطني ابلفرقة األوغسطية الثالثة وسنحاول تصنيفهم كاآليت‪:‬‬
‫أ‪-‬احملـاربـيــن‪:‬‬
‫‪-0‬اجلوقة العسكرية (‪:)Fanfare‬‬
‫اجلوقة العسكرية تتكون من ثالث أنواع‪ :‬من البوق اهلوائي (‪ )Tuba‬وبوق‪ ،‬وأخر يف شكل قرن (‪)Cornu‬‬
‫وال تتلف اآلليتني األخريتني كثريا من حيث الشكل‪ ،‬والبوق له أدوار عديدة فهو الذي يدعوا اجلنود إىل احلرب‬
‫من خالل رنني البوق فصوت البوق حاضر يف كل مرة‪ ،‬وال بد أن حيرت اجلنود جمموعة اإلشارات اليت يضعها‬
‫البواقني‪.‬‬
‫نصوص ملباز تتضمن إشارة إىل هذه األنواع املوسيقية الثالثة‪ ،‬فنظا كلية جوق البواقني وضعت يف العهد‬
‫السيفريي وكان عددهم ‪ ،46‬وحيمل رئيس اجلوقة املوسيقية لقب (‪ ،)Optio‬الشخص األول من هذه الفئة يسمى‬
‫)‪(1‬‬
‫اجلندي األول (‪ )Princeps‬وهو ضابط صف ألننا جنده يف الصف األول للمعركة‪.‬‬
‫وهناك من ير‪ ،‬من املؤرخني أهنم مرتبطني ابلليقاتوس ومنهم من ينقل أوامره‪ ،‬تنظيم بواقي الري‬
‫(‪ )Cornicines‬شبيه بسابقه فهو يضم ‪ 47‬اسم منهم ضابط الصف أو مساعد‪ ،‬وير‪ ،‬دومسزوسكي أبن‬
‫ثالثة من العازفني للبوق (‪ )Cor‬كانوا مرتبطني ابلفرسان (‪ ،)Equites‬أما ‪ 42‬املتبقية مت توزيعهم يف صفوف كل‬
‫وحدة من الوحدات املئوية اخلمس للكتيبة األوىل مبعدل عازف لكل وحدة أما ‪ 26‬املتبقون فوزعوا على ‪26‬‬
‫شرذمة‪.‬‬
‫ويف وثيقة أخر‪ ،‬جند ذكر أمساء ضباط الصف العائدين من احلملة العسكرية جتاه الشرق‪ ،‬حيث جند مقابل‬
‫كل ‪111‬جندي ثالثة بواقني (‪ )Tubicines‬اثنني للبوق القرين (‪ )Cornicines‬وواحد للبوق العادي‬
‫(‪ )Bucinatores‬ما يشري إىل تواجدهم الدائم معا وإىل تدرجهم وترتيبهم‪ ،‬ومت العثور أيضا على قائمتني لضباط‬
‫الصف فهمنا منهما أبن البواقني كانوا موزعني يف خمتلف الكتائب‪ ،‬وهذا ما يدل على األمهية الكبرية اليت أولتهما‬
‫روما لتواجد اجلوقة املوسيقية يف العمليات احلربية وحركة الفرق العسكرية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Cagnat (R), Op.Cit, P-P 181-183.‬‬

‫‪74‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫‪-4‬حامل العلم أو الراية‪:‬‬


‫هو ضابط مكلف حيمل إشارة أو راية وحدة املائة ودوره يف تعبئة اجلنود ها وكبري جدا‪ ،‬فهو يضمن صالبة‬
‫كل فرقة أثناء املعركة ويوجه حركات اجلنود يف التقد والسري يف املعركة ويقد إشارات تنقل أوامر القائد‪ ،‬واحلامل‬
‫هو أعلى رتبة من بني الضباط الثانويني وكان خيضع إىل تدريب صار حىت يعني يف هذا املنصب‪.‬‬
‫والبد على حاملي العلم إضافة إىل معرفة التنظيم العسكري معرفة نظا احملاسبة‪ ،‬لذلك جند جبانبهم‬
‫مساعدين (‪ ،)Adjutore‬وتدل الواثئق أيضا أن حامل العلم مكلف بوظائف إدارية مثل مراقبة السوق‪ ،‬على أن‬
‫األعلى مرتبة من بني حاملي العلم حيمل لقب األمري (‪ )Princeps‬أو القائد‪ ،‬وحاملي العلم بدون شك عملوا‬
‫كمدربني عسكريني للكتائب العسكرية‪.‬‬
‫وحيظي العلم أبمهية ومكانة خاصة لد‪ ،‬الفيالق الرومانية فهو مبثابة اخلتم (‪ )Signum‬ابلنسبة لوحدة املائة‪،‬‬
‫فاحلامل ينقل من خالله إشارات أوامر القائد األول لوحدة املائة‪ ،‬كما أن العلم يف تلك الفرتة هو مبثابة إكرا‬
‫لآلهلة هذا ما نكتشفه من خالل عبارة اتكتيوس "الفيلق خملص لآلهلة" (‪)Isnumen Proporium Legion‬‬
‫فهو الذي حيمي الفرقة يف اعتقادهم وعند وفاته يف املعركة فهو نذير للكارثة واخلزي‪.‬‬
‫و بذلك نفهم أن الضباط املكلف حبمل العلم كان خيتار من بني األكثر بسالة ومتيزا‪ ،‬وال بد أن تكون له‬
‫اخلربة حىت يعرف كيفية توجيه وإرشاد الفرقة وهذا طبقا ألوامر القائد األول‪ ،‬وحامل العلم (‪ )Aquilifier‬هو‬
‫أكرب درجة من حامل لواء الفرسان (‪ )Signifer‬حيث يصل إىل هذا املنصب بعد اجتيازه لتعليم تقين ما يشري‬
‫)‪(1‬‬
‫إىل وجود تدريب خاص حلاملي لواء الفرسان يف معسكر ملباز‪.‬‬
‫‪-3‬حاملوا صورة اإلمرباطور )‪:(Imaginiferi‬‬
‫هم على العكس مكلفون حبمل صور اإلمرباطور وليس هلم أي دور تكتيكي ووظيفتهم هي أقل أمهية من‬
‫حاملي العلم أو حاملي لواء الفرسان‪ ،‬وتشري نقوش ملباز إىل بعض من هؤالء‪ ،‬ويعلمنا "فيجيتيوس" أن حاملي‬
‫علم اإلمرباطور كانوا من صف جنود الكتيبة األوىل‪ ،‬ونعلم أن الراية هي شعار من لكل مفرزة فيلقيه كرمز للوحدة‬
‫والتعبئة للفرقة العسكرية‪ .‬والضابط املكلف حبمل الراية يسمى حامل الراية )‪ ،(Vexillarius‬على أن الفرسان يف‬
‫الفرقة شكلوا جمموعة منفصلة عن املشاة‪ ،‬وابلتايل فلهم حاملون خاصون هبم‪ ،‬ونقوش ملباز تشري إليهم وإىل‬
‫املؤهلني حلمل راية اإلمرباطور‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪-Cagnat (R), Op.Cit, P-P 183-186.‬‬

‫‪75‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫‪-2‬الرقيب األول )‪:(Tesserarius‬‬


‫أو ضابط الوصل‪ ،‬وجدان حوايل مخسة عشرة منوذجا يف الفرقة األوغسطية الثالثة‪ ،‬وهم تقريبا مماثل لرتبة‬
‫الرقيب األول )‪ (Sergent Major‬والذي يقد التقارير يوميا إىل قائد الفرقة وأيخذ منه األوامر وإرسالياته‪،‬‬
‫وجند يف كل كتيبة رقيبني‪ ،‬وهناك من ير‪ ،‬أبنه كان يف كل وحدة مئوية رقيب‪.‬‬
‫‪-2‬املدرب العسكري )‪ :(Magister Campi‬وهو ضابط صف وهو مرتبط على وجه اخلصوص ابلفرسان‬
‫وال نعرف الكثري عن دوره‪.‬‬
‫‪-6‬قيـم األسلحة )‪ :(Armatura‬املعسكر مت تدعيمه بقيم األسلحة )‪ (Armatura‬ومدرهبا‬
‫)‪ ،(Discensarmaturae‬ولدينا نقش كتايب يسم لنا ابلتعرف على قيمي األسلحة إذ ير‪" ،‬مومسن" أن‬
‫هذا اللقب ظهر يف القرن الثالث امليالدي وهو نوع خاص من اجلنود إبمكانه تدريب اجملندين‪.‬‬
‫‪-2‬املصــاحل املسـاعدة‪:‬‬
‫‪ -0‬املهندسني )‪:(Génie‬‬
‫من أجل وضع خمططات املشاريع ومراقبة إجناز النصب واملنشآت واملعسكرات املتعلقة ابجليش الروماين‬
‫والفرقة األوغسطية الثالثة‪ ،‬البد من وجود أشخاص يعدون الدراسات النظرية والذين أشارت إليهم النقوش أبلقاب‬
‫متعددة‪ ،‬لكننا يف إفريقيا جند ذكر على وجه اخلصوص للمهندس املعماري )‪ (Architecti‬ومساح األراضي‬
‫)‪ ، (Libratores‬املهندس املعماري كما يشري امسه هو أخصائي مكلف ابلبناء وهتيئة املباين املشيدة للجنود‪،‬‬
‫ويف نوميداي ال منلك سو‪ ،‬منوذج واحد جنده على شاهدة قرب‪ ،‬واألكيد أن املهندسني املعماريني كانت هلم مكانة‬
‫رفيعة‪ ،‬على أن عدد الواثئق املرتبطة ابملهندسني العسكريني هي جد حمدودة‪ ،‬هذا ما جيعل التوسع يف املوضوع أمرا‬
‫صعبا‪ ،‬وكان حتت تصرفهم عمال عسكريون ومن أبرزهم نشري إىل صناع القرميد واآلجر الذي جند فيه دمغة الفرقة‬
‫)‪(1‬‬
‫األوغسطية الثالثة املنتشرة واملتناثرة على أرضية املعسكر يف ملباز بكميات جد معتربة‪.‬‬
‫‪ -4‬املساح )‪:(Librator‬‬
‫هو جندي خنبة أو ضابط صف ويف أغلب الوقت حسب "دومسزوسكي" هو مستدعى )‪(Evocatus‬‬
‫ومهمته كانت هندسة املس ‪ ،‬ولدينا نصني فقط يشريان إىل هذا النوع من األخصائيني‪ ،‬األول هو شاهد قرب‬
‫الثاين أكثر فضولية حيث أن حاكم موريطانيا أراد إجناز قناة لنقل املاء يف جباية )‪ (Saldae‬فطلب من الليقاتوس‬
‫أن يرسل له مساح الذي قا خمطط املشروع وعاد إىل ملباز‪ ،‬لكن فريق العمال املكلف إبجناز القناة قد طرف‬
‫على آخر ما اضطر املساح للعودة إىل جباية‪ ،‬ف تواصلت األشغال اليت كانت سيئة ما اضطره للعودة من جديد‬
‫لتصحي بعض األخطاء اليت حدثت أثناء غيابه‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Cagnat (R), Op.Cit, P-P 183-186.‬‬

‫‪76‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة منذ تاسيسها حتى األسرة الفالفية‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ -3‬هيئة الصحة‪:‬‬
‫أشران يف السابق يف إطار احلديث عن حاكم املعسكر عن وجود أطباء أخصائيني يف املستشفيات فنجد‬
‫مصلحة الصحة العسكرية‪ ،‬وهؤالء مكلفون بعيادة وفحص املرضى يف اخليمة ومعاجلة األمراض اخلفيفة‪ ،‬وإذا‬
‫كانت حالة املريض خطرية يتم نقله إىل املستشفى‪ ،‬وأيضا مرافقة اجلنود يف العمليات احلربية والغزوات وتقدمي‬
‫اإلسعافات األولية للمرضى واجلرحى‪ ،‬على أن عدد األطباء يف الكتيبة غري معروف ونقوش ملباز مل تشر إىل ذلك‪.‬‬
‫‪ -2‬قيـم املـؤن‪:‬‬
‫قائمة جنود الفرقة تشري إىل وجود قيم للمؤن وابلضبط يف الكتيبة الرابعة‪ ،‬وميكننا أن نفرتض أن وظائف هذا‬
‫الشخص تتعلق بتقدمي تقارير حول تغذية اجلنود‪ ،‬فحول معسكر ملباز كان يتوفر اخلشب الذي يستعمل للطبخ‬
‫والتدفئة‪ ،‬والعلف من أجل تغذية األحصنة واملراعي للماشية‪ ،‬ومن املمكن أيضا أنه مكلف ابلصيانة وإدارة قطعان‬
‫املعسكر‪.‬‬
‫‪ -2‬املكلف بالشؤون الدينية‪:‬‬
‫وهو مرتبط بقائد الفرقة وهو العراف )‪ (harmspice‬وأصله من أثروراي – غرب إيطاليا احلالية‪-‬ووظيفته‬
‫التنبؤ ابملستقبل سواء عن طريق مالحظة الصاعقة أو عن طريق تفحص أمعاء الضحية واملضحي‬
‫)‪ ،(victimaire‬ووظيفته مرتبطة ابجلزء املادي للقرابني‪ ،‬هذا فقط ما أشارت إليه النصوص املتعلقة ابلفرقة‬
‫)‪(1‬‬
‫األوغسطية الثالثة وعددهم على األرج يقدر بواحد فقط‪.‬‬
‫‪-6‬وظــائف غيـر حمددة‪:‬‬
‫‪-0‬الســاحــر )‪:(Marsus‬‬
‫لدينا نصني يف ملباز يشريان إىل وجود ما ميكن ترمجته ابلساحر‪ ،‬واحد منهم أخذ يف احلملة على الشرق يف‬
‫عهد كركال‪ ،‬ومن الصعب جدا تقدمي معىن دقيق هلذه الكلمة )‪ (Marsi‬فنحن نعلم أن شعوب مثل "البسيل"‬
‫)‪ (Psylle‬وهم شعب شغل ساحل السريت الكبري هلم موهبة السحر ابلثعابني وشفاء الناس من لدغاهتم‪ ،‬وال‬
‫ننسى أن اجليش اإلفريقي كان أكثر عرضة من جيش أورواب للعقارب واألفاعي‪ ،‬لذلك كان هناك جنود مهمتهم‬
‫)‪(2‬‬
‫عالج زمالئهم الذين قد تلسعهم بعض الزواحف‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Cagnat (R), Op.Cit, P-P 189-192.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Ibid, P-P 189-192.‬‬

‫‪77‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬لـمبــاز املدينة واملعسكر‪:‬‬

‫املبحث األول‪ :‬اإلطار الطبيعي والتارخيي ملدينة ملباز‪.‬‬

‫املبحث الثاني‪ :‬منشآت ومباني مدينة ملباز‪.‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬معسكــرات ملبـاز‪.‬‬


‫املبحث األول‪:‬‬
‫اإلطار الطبيعي والتارخيي ملدينة ملباز‪.‬‬
‫لـمبــاز املدينة واملعسكر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫املبحث األول‪ :‬اإلطار الطبيعي والتارخيي ملدينة ملباز‪:‬‬

‫‪-0‬اإلطار اجلغرايف للمنطقة‪:‬‬

‫تقع ملباز (‪ )Lambaesis‬أو اتزولت حاليا على بعد ‪ 11‬كلم عن مدينة ابتنة ضمن إطار جغرايف‬
‫وطبيعي يعرف مبنطقة األوراس (‪ ،)L’Aurès‬هذه املنطقة ميـزهتا األوىل أهنا عبارة عن كتل جبلية واسعة االمتداد‪.‬‬

‫كلمة "أوراس" (‪ )Aures‬أو أوراس (‪ )Aoures‬كما ينطقها أهايل املنطقة مل حيدد معناها بدقة‪ ،‬وعلى‬
‫األرج أهنا من أصول حملية‪ ،‬حيث أطلق هذا االسم على عدة جبال وابلتحديد على "جبل األوراس" قرب‬
‫خنشلة‪ ،‬وحاول عدة كتاب البحث عن اشتقاق هذه التسمية فقالوا أهنا من اللغة العربية من كلمة "أرزون"‬
‫(‪ )Arzoun‬واليت تعين األرز (‪ )Cèdre‬وابلتأكيد فإن الغاابت الشاسعة لشجرة األرز اليت غطت قدميا املنطقة‬
‫واليت ال تزال تغطي جزء من هذه الكتل اجلبلية هو الذي قاد هؤالء إىل هذا االشتقاق اللغوي‪ ،‬إال أنه ال يوجد‬
‫احتمال تواجد اليهود ودخوهلم املنطقة قبل الغزو الروماين الذين أطلقوا عليها "أوراسنا" (‪.)1()Mon Aurasius‬‬

‫تتخذ منطقة األوراس شكل مضلع رابعي وتضم حاليا "ابتنة ‪-‬بسكرة‪-‬خنقة سيدس انجي وخنشلة"‬
‫امتدادها من الشرق إىل الغرب يقدر حبوايل ‪ 111‬كلم وعرضها من الشمال إىل اجلنوب أيضا ‪ 111‬كلم‪ ،‬تتقدمها‬
‫يف الشمال سلسلة من اجلبال املتقدمة ذات االرتفاع الكبري الذي ينافس القمم األكثر ارتفاعا يف اجلزائر‪ ،‬واليت‬
‫يقطنها حاليا السكان املعروفني ابلشاوية (‪ )Chaouia‬الذين جندهم أيضا يف جبل قوريون (‪ )Guerioun‬إىل‬
‫الشرق‪ ،‬ومن عني مليلة وكتل نيف النسر (‪ )Nif En-Ser‬بني عني مليلة والبحريات‪ ،‬وجبال ابتنة الواقعة مشال‬
‫غرب املدينة اليت تضم اجلبل األكثر ارتفاعا وهو جبل "توقرت" ) ‪ 2111 )Touguert‬والذي تغطيه غابة أرز‬
‫مجيلة‪ ،‬وتالحظ حدود مرتفعات األوراس بدقة غراب عرب واد القنطرة والطريق الروماين من ملربديس‬
‫(‪ -)Lambiridis‬البيار‪-‬إىل وادي الشعبة ‪-‬ببسكـرة‪ -‬الذي يقسم جبال الزيبان‪.‬‬

‫أما جنواب حتدها سهوب شط ملغيغ والطريق من بسكـرة إىل نقرين ( ‪ )Negrine‬يف تبسة‪ ،‬وشرقا واد العرب‬
‫الذي يقسم جبل شرشار ويربط بني الطريق الروماين القدمي من ابدس (‪ )Badès‬يف بسكرة إىل خنشلة‬
‫(‪ ،)Mascula‬أما مشاال حتدها سهوب سبخة "جنديل" وقرع الطارف واللذان ميتدان على طول منحدرات‬
‫ومرتفعات األوراس يف الطريق من ابتنة إىل خنشلة‪.‬‬

‫إىل الشمال واجلنوب من األوراس جند منخفضني مليئني أبحواض ملحية‪ ،‬اليت يف الشمال تستقبل املياه‬
‫القادمة من السفوح الشمالية لألوراس واملعروفة ابسم "سهول السبخة" متوسط ارتفاعها هو ‪ ، 611‬أما املنخفض‬
‫اجلنويب فهو جزء من إقليم الشطوط‪.‬‬
‫‪1-‬‬
‫‪De Lartigue (R-J-F), Monographie de l’Aurès, Marle-Audrino, Constantine, 1904, P 04.‬‬

‫‪80‬‬
‫لـمبــاز املدينة واملعسكر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫كل وداين جبال األوراس اجلنوبية والوسطى تصب يف شط ملغيغ الذي يقدر عمقة بـ‪ 41‬مرت حتت مستو‪،‬‬
‫)‪(1‬‬
‫سط البحر‪.‬‬
‫بعد تعرفنا ابختصار على جغرافية منطقة األوراس‪ ،‬سنحاول اإلشارة إىل أصول السكان األوائل للمنطقة‬
‫حيث قسم "سالوستيوس" (‪ )Salluste‬سكان إفريقيا إىل ليبيني وجيتول حيث قال "السكان األوائل إلفريقيا هم‬
‫اجليتول والليبيون"‪ ،‬ليشري إىل عناصر أخر‪ ،‬هم امليديني واألرمن والفرس الذين انتقلوا من إسبانيا إىل إفريقيا بعد‬
‫وفاة قائدهم هرقل‪ ،‬ويقول أن امليديني واألرمن امتزجوا ابلليبيني ونتج عن هذا االمتزاج ظهور "املور" الذين‬
‫أصبحت هلم مدن‪ ،‬بينما امتزج الفرس ابجليتول ومارسوا حياة الرتحال لذلك عرفوا ابلرحل (‪ )Nomades‬حيث‬
‫( ‪(2‬‬
‫تزايدت قوهتم وحتت اسم "النومديني" متكنوا من فت كامل البالد حىت حدود قرطاجة‪.‬‬

‫وال بد من اإلشارة من أن منطقة األوراس هي املوطن األصلي للنومديني‪ ،‬والشواهد املادية أكرب دليل على‬
‫ذلك‪ ،‬ولعل من أبرزها قرب املدغاسن الذي يبعد فقط ببضع كيلومرتات عن ملباز‪ ،‬وهنا تكمن أمهية هذه املنطقة‪،‬‬
‫وقبل سالستيوس أشار "هريودوت" أن ليبيا تقطنها أربع أمم ال أكثر‪ ،‬اثنان أصليتان مها الليبيون يف الشمال‬
‫واإلثي وبيون يف اجلنوب أما الفينيقيون واإلغريق فإهنم استقروا فيها فيما بعد‪ ،‬وبذلك يسجل ضمنيا "هريودت"‬
‫)‪(3‬‬
‫الوحدة اإلثنية لسكان مشال إفريقيا من مصر إىل احمليط األطلسي‪.‬‬

‫كما حتدثت النصوص اهلريوغليفية عن الشعوب القاطنة غرب النيل حتت اسم الليبو (‪ )L.B.W‬وكانت‬
‫تصفهم على أهنم رجال ذو شعر أشقر وعيون زرقاء‪ ،‬والذين كانوا يشغلون كل املناطق الساحلية‪ ،‬ومتكنوا بفضل‬
‫كثرة عددهم من غزو مصر وتوسعوا على حساهبا‪ ،‬مث جاء بعده التوسع الفينيقي‪ ،‬على أن سكان األوراس يف‬
‫العهد القرطاجي كانوا يتمتعون ابستقالليه عنهم‪ ،‬كما نشري إىل وجود العديد من جيوش املرتزقة يف "قرطاج" من‬
‫)‪(4‬‬
‫اجليتول‪.‬‬
‫على أن بداية بروز املنطقة كانت مع لعبها دورا هاما إابن الصراع القائم بني قرطاج وروما يف احلرب البونيقية‬
‫الثانية (‪ 211-212‬ق‪ ،) .‬ويف حرب "يوغرطة" أين وقفت قبائل هذه املنطقة إىل جانبه إىل غاية اعتقاله كما‬
‫قاومت الرومان طيلة فرتة تواجدهم‪ .‬ويف سنة ‪ 21‬ق‪ .‬سيطرت روما على املنطقة املمتدة من قرطاج وصوال إىل‬
‫"قريطا " ويف سنة ‪ 7‬وبفضل انتصارات كاسيوس (‪ )Cassius‬تقدمت روما إىل غاية أراضي املوزوالمي أي إىل‬
‫غاية سفوح جبال األوراس‪ ،‬هذا التوسع سيزداد بعد القضاء على ثورة اتكفاريناس (‪ ) 23-16‬اليت اندلعت يف‬
‫(‪)5‬‬
‫عهد اإلمرباطور تيربيوس (‪.)46-13‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- De Lartigue (R-J-F), Op.Cit, P 4.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Salluste (C.C), Guerre de Jugurtha, XVII, trad par : F.Richar, ed : Garnier Flammarion, Paris, 1966.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Hérodote, Histoires, IV, 197, Trad par : A. Barguet, ed : Gallimard, Paris ,1964.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- De Lartigue (R-J-F), Op.Cit, P-P67-70.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- ibid, P-P75-76.‬‬

‫‪81‬‬
‫لـمبــاز املدينة واملعسكر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫هذا ابختصار أهم اآلراء حول أصول سكان منطقة األوراس اليت ستخضع للسيطرة الرومانية‪ ،‬وتظهر هبا‬
‫مدن عديدة أبرزها "تيمقاد" كمدينة مدنية وملباز كمدينة أو مركز عسكري أقيم ملواجهة خطر قبائل املنطقة‪.‬‬

‫‪-4‬تارخيية ملباز واملنطقة‪:‬‬

‫المبـزيز (‪ )Lambaesis‬ابلالتينية‪ ،‬ملباز (‪ )Lambèse‬ابلفرنسية‪ ،‬حاليا اتزولت (‪ )Tazoult‬التابعة إداراي‬


‫لوالية ابتنة‪ ،‬هي مقر قيادة الفرقة األوغسطية الثالثة‪ ،‬وعند حماولة تقدمي صورة اترخيية عن هذه املدينة فإننا نقول‬
‫أن الرومان أقاموها من العد (‪ ،) Ex Nihilo‬لكن املالحظ أن أصل التسمية بربري واليت تعين املنبع أو املكان‬
‫غري املسكون أو املرعى يوقعنا يف مشكلة‪ ،‬فكما نعلم فإن املدن اإلفريقية املشيدة على الساحل سواء من قبل‬
‫الفينيقيني أو البونيقيني تشري من خالل اشتقاق أمسائها على أهنا ذات أصول حملية‪ ،‬فـ‪ %21‬من أمساء املدن‬
‫الرومانية يف املقاطعات اإلفريقية ذات أصول ليبية على أن املراكز العسكرية أو احلصون والقالع اإلمرباطورية هي‬
‫(‪)1‬‬
‫ذات أمساء التينية‪.‬‬

‫وعند الرتكيز على االشتقاق اللغوي للتسمية مع البادئة "مل" )‪ )Lam‬يف اجلهة الشمال غربية ملنطقة األوراس‬
‫مهد املاسيل (‪ ) Massyle‬نالحظ أنه مت تعميمه على عديد املدن الرومانية اليت محلت نفس البادئة‪ ،‬ما جيعلنا‬
‫نعتقد أن أمساءها ليبية أضيفت هلا فقط البادئة "مل"‪ ،‬والفرضيات األكثر شيوعا أن كلمة "ملباز" تعين "مكان‬
‫املرعى" أو"منبع" وهذا رمبا نسبة إىل "عني درين" (‪ )Ain Drinn‬اليت تبعد أبقل من ‪ 14‬كلم عنها‪ ،‬وهو ما‬
‫جيعلنا نؤمن بفرضية وجود جتمع سكاين لألهايل يف املنطقة سابق للتواجد الروماين‪ ،‬والذي تثبته اآلاثر املادية خاصة‬
‫(‪)2‬‬
‫األاثث اجلنائزي الذي عثر عليه ابملنطقة‪ ،‬والذي يعود إىل فرتة فجر التاريخ وقبل جميء الرومان‪.‬‬
‫ملباز املدينة النوميدية ا ليت عرفت يف العهد الروماين وذاع صيتها ابعتبارها مركز قيادة الفرقة األوغسطية الثالثة‬
‫أوال‪ ،‬مث عاصمة نوميداي العسكرية فيما بعد‪ ،‬الزلنا جنهلها قبل العهد الروماين‪ ،‬فمعظم األحباث و التنقيبات حول‬
‫موقع "ملباز" تركز ابألساس حول معرفة اتريخ الفرقة األوغسطية الثالثة‪ ،‬على أنه خالل عملية تنقيب جرت يف‬
‫جوان ‪ 1662‬يف داخل موقع املدينة القدمية واحملددة حبوايل ‪ 1111‬إىل اجلنوب الغريب من معسكر" تيتوس" أو‬
‫"معسكر ‪ ،"21‬يف هذا املوضع مت العثور على مقربة كبرية تعود إىل فرتة فجر التاريخ واليت متتد على مستو‪ ،‬هضبة‬
‫شاسعة كثرية احلصى جتعل من السط خشن‪.‬‬
‫على أن منوذج البقااي األكثر انتشارا على كامل امتداد املقربة جاءت يف شكل دوائر بسيطة بنيت من كتل‬
‫كبرية من احلجر الكلسي مغروز يف األرض‪)3( ،‬داخل هذه الدوائر وحميطها اخلارجي غالبا ما مت كسوه ابحلصى‪،‬‬
‫أما املعدات املعثور عليها فهي غري متقنة الصنع وأحياان متقطعة‪ ،‬لكن يف بعض احلاالت تظهر بشكل وتنظيم‬

‫‪1‬‬
‫‪- Benseddik (N), Lambaesis (Lambèse) un camp, un sanctuaire, mais ou était la ville, D, A, n° : 286, septembre‬‬
‫‪2003, P 165.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Ibid, P 166.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪-Camps (G), Aux origines de la Berbérie, Paris, 1961, P 84-88.‬‬

‫‪82‬‬
‫لـمبــاز املدينة واملعسكر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫دقيق ومستمر‪ ،‬على أن احلجارة املستخدمة غري مصقولة متاما وذات أحجا متغرية‪ ،‬قطر الدوائر هو األخر متغري‬
‫على العمو ما بني ‪ ، 2-7‬هذا النموذج أو النوع من البقااي جد منتشر يف مشال إفريقيا وابخلصوص يف سهول‬
‫اجلزائر الوسطى والذي يصفه "كامبس" على أنه منطقة مكسوة ابحلجارة يف الداخل وحول نطاقها‪.‬‬

‫على أننا نالحظ لألسف أ نه جبوار اآلاثر القدمية للمدينة هناك ارتياد هلا من قبل الرعاة ما يفسر حالة التلف‬
‫والتخريب احلالية للمقربة‪ ،‬إضافة إىل ذلك هناك منوذج آخر من اآلاثر املشرتكة بني مجيع املقابر اليت تعود إىل فرتة‬
‫فجر التاريخ ميكن التعرف عليه بسهولة يف هذه املقربة‪ ،‬وهي شقق اجلدران املبنية من احلجارة احمللية‪ ،‬ومصفوفتني‬
‫متوازيتني بنيت من صخور ضخمة وبطريقة منظمة‪ ،‬وأحياان تقا سو‪ ،‬مصفوفة واحدة من احلجارة الكبرية‬
‫الفاصل املوجود بني املصفوفتني واحلواشي املباشرة مثل الدوائر اجلنائزية غالبا ما يغطى ابحلصى‪.‬‬

‫هذا النوع من البقااي جيعلنا نعتقد بوجود سور للمقربة شبيه للمدغاسن (‪ ، )Medghacen‬لكن يف حالتنا‬
‫هذه املصفوفات مضاعفة البناء هلا نفس املسار‪ ،‬حيث يلتقيان يف الداخل‪ ،‬وهو ما يقود حنو احتمال وجود جمال‬
‫كان خمصص للدفن‪ )1(،‬فالبازنيات (‪ )Bazinas‬املكتشفة من قبل إدرين (‪ )H.Idirene‬على األرج أقامها‬
‫سكان املنطقة قب وصول الرومان‪ ،‬وجند أيضا موقع يشري إىل أضرحة حمفورة يف الصخور واليت اكتشفت سابقا‬
‫عند خمرج املدينة العليا‪ )2(.‬وعلى الطريق املؤدي إىل مركونة (‪ ،)3( )Verrcunda‬كامبس ير‪ ،‬أن هذه التجمعات‬
‫من القبور تشري إىل إعدادات إلقامة مدينة‪ ،‬فإجناز املقربة سابق إلجناز املدينة‪ .‬كما تؤكد الدراسات احلديثة أن‬
‫احلياة احلضرية كانت منتشرة يف شرق‪-‬مشال إفريقيا منذ الفرتات املتأخرة ملا قبل التاريخ‪ ،‬والنصب املوجودة يف ملباز‬
‫واليت تعود إىل فجر التاريخ تشري إىل وجود "جتمع قروي أويل" سبق الوجود الروماين والذي سندعمه ابلسياق‬
‫(‪)4‬‬
‫التارخيي والطبيعي للمنطقة‪.‬‬

‫إن احلديث عن ملباز هو حديث عن مملكة نوميداي‪ ،‬ابعتبار أن أصول هذه اململكة تعود إىل هذه املنطقة‬
‫فالنوميد الشرقيون (‪ )Massyle‬شغلوا أراضي هذه املنطقة وتوسعوا ومتكنوا من توحيد نوميداي يف مملكة واحدة‪،‬‬
‫وهذا حتت قيادة "ماسينيسا" ما أدخلنا التاريخ على حد تعبري كامبس‪ ،‬فأصب يكتب عنا الكتاب اإلغـريق‬
‫وخاصة الالتني يف مقاطع من كتبهم‪ ،‬فسردوا لنا أجزاء من اتريخ نوميداي‪ ،‬نضيف هلا أيضا الواثئـق واملعطيات‬
‫األكثر أمهية واملتمثلة يف اآلاثر املادية خاصة العمارة اجلنائـزية اليت تظهر بوضوح الوحدة الثقافية لكل املغرب‬
‫الكبري‪ )5(.‬ومن أبرزها اجلثوة (‪– )Tumulus‬هي عبارة عن بناءات حجرية بشكل خمروطي فوق القبور‪ -‬ذات‬
‫املخطط الدائري أو رابعي الزوااي‪ ،‬واليت تسمى ابلبازينات واليت جندها تقريبا يف كامل إفريقيا الشمالية‪ ،‬إضافة إىل‬
‫وجود املئات من شواهد القبور ابخلصوص على منحدرات مشال األوراس‪.‬‬
‫‪1-‬‬
‫‪Benseddik (N), Op.Cit, P 166.‬‬
‫‪2-‬‬
‫‪Janon (M), Recherches à Lambèse I : la ville et les camps II : Aquae Lambaesitanae, A, A, 7,1973, P 217.‬‬
‫‪3-‬‬
‫‪Poulle (A), Nouvelles inscriptions de Lambèse et de Timgad, R, C, XXIII, 1884, p 193.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Benseddik (N), Op.Cit, P 166.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Janon (M), Lambèse capitale militaire de l’Afrique romaine, ed : Nerthe, 2005, P 13.‬‬

‫‪83‬‬
‫لـمبــاز املدينة واملعسكر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫أغلب هذه املدافن املنتشرة ذات أبعاد متواضعة‪ ،‬أقطارها ال تتعد‪ ،‬بضع أمتار لكن البعض ميكن أن‬
‫يتجاوز ‪ 31‬مرتا‪ ،‬ويبقى األكثر وق ورا وشهرة مها قرب الرومية الواقع على شواطئ البحر املتوسط ابلقرب من تيبازة‬
‫(‪ ،)Tipasa‬واآلخر هو ضري املدغاسن الواقع يف قلب نوميداي على بعد ‪ 21‬كلم مشال ملباز‪ ،‬ويف هذين احلالتني‬
‫نقصد ابلبازينات النصب ذات االرتفاع الكبري واملكسوة بتلبيس من احلجارة مقطوعة حبجم يتناسب مع املظهر‬
‫(‪)1‬‬
‫اجلمايل لإلغريق أو املصريني‪ ،‬وال يوجد شك أبن هذين النصبني مها ضرحيني ملكيني‪.‬‬

‫يف سنة ‪137‬ق‪ .‬اتريخ هناية احلرب البونيقية الثالثة بتدمري قرطاج وإحلاق روما ألراضيها‪ ،‬واليت توسع على‬
‫حساهبا ماسينيسا عدة مرات يف فرتة ما بني احلربني البونيقيتني الثانية والثالثة‪ ،‬أنشأ الرومان مقاطعة إفريقيا اليت متتد‬
‫تقريبا من مشال شرق تونس احلالية من طربقة يف الشمال الغريب إىل هنشري طينة يف اجلنوب الشرقي‪ ،‬هذه األراضي‬
‫أطلق عليها املقاطعة الرومانية (‪ )Provincia Africa‬واليت فصلت عن ابقي األراضي النوميدية ابخلندق‬
‫ا مللكي‪ ،‬أما يف نوميداي يوغرطة خليفة ميكيبسا حاول إعادة تكوين مملكة أجداده فدخل مع الرومان يف حرب‬
‫دامت سبعة سنوات‪ ،‬حرب انتهت ابلقبض عليه وسجنه‪ ،‬فانتهت حربه الطويلة مع الرومان (‪ 111-111‬ق‪) .‬‬
‫بفضل مساعدة بوخوس ملك موريطانيا للرومان‪ ،‬هذا االنتصار مس للرومان ابلتوسع النسيب يف "لبدة" مع من‬
‫بوخوس أراضي نوميدية وصلت حىت وادي الساحل (الصوما ) على"ما يفهم من بعض املؤرخني" واألقرب‬
‫للحقيقة هو حىت واد الشلف‪ ،‬لتصب موريطانيا حليفة للرومان إىل غاية عهد كاليقوال الذي قا بقتل "بطليموس"‬
‫آخر ملوك موريطانيا‪.‬‬
‫وبعد متكن "قيصر" (‪ )César‬من هز البومبيني سنة ‪ 37‬ق‪ .‬يف معركة "اتبسوس" الفاصلة سقطت‬
‫اململكة النوميدية اليت كانت حليفة البوميني‪ ،‬فأحلقت أراضيها اليت شكلت منها مقاطعة جديدة عرفت ابسم‬
‫إفريقيا اجلديدة (‪ ،)Africa Nova‬كما مت من "سيتيوس" (‪ )Sittius‬املغامر حليف قيصر أراضي حول "قريطا"‬
‫واليت عرفت يف القرن األول امليالدي ابسم "الكونفدرالية السرتية" (‪ )Confédération Cirtéenne‬اليت متتد‬
‫على حساب مدن صغرية وضيع أمهها " شولو" (‪ )Chullu‬وسكيكدة (‪ )Rusicade‬وميلة (‪ ، )Milev‬واليت‬
‫حتولت إىل مستوطنات يف القرن األول امليالدي‪ ،‬هذه الكونفدرالية استمر استفادهتا حتت اإلمرباطورية من‬
‫استقاللية كبرية‪ ،‬ليقو أغسطس بدمج إفريقيا القدمية واجلديدة معا يف مقاطعة واحدة هي إفريقيا الربوقنصلية اليت‬
‫كلف بتسيريها القنصل املخول ومدة واليته سنة واحدة‪ ،‬والذي يعني من قبل جملس الشيوخ الروماين وكان خيضع‬
‫ألوامره جيش إفريقيا‪ ،‬وهي وضعية خاصة‪ ،‬ففي املقاطعات األخر‪ ،‬لإلمرباطورية هناك فصل للسلطات‬
‫والصالحيات العسكرية للربوقنصل عن الليقاتوس‪" ،‬فأغسطس" نزع عن احلكا املنحدرين من هذا اجمللس أي‬
‫سلطات عسكرية حىت ال يستغلوها مبحاوالت عدائية جتاه نظامه‪ .‬مث شرع الرومان خالل الفرتة املمتدة من سنة‬

‫‪1 -‬‬
‫‪- Janon (M), Op.Cit, P 13.‬‬

‫‪84‬‬
‫لـمبــاز املدينة واملعسكر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫‪ 46‬ق‪ .‬إىل غاية سنة ‪ 31‬يف القيا مبجموعة من العمليات العسكرية املتعاقبة ضد القبائل الليبية ما ساهم يف‬
‫(‪)1‬‬
‫إضعافها ووضع حد فاصل هلجماهتا‪.‬‬

‫ومن أمثلة هؤالء الذين قاوموا الرومان جند "اتكفاريناس" الذي قاو الرومان سبع سنوات‪ ،‬واليت برز فيها‬
‫الفيلق األوغسطي الثالث الذي عهدت قيادته منذ سنة ‪ 46‬إىل الليقاتوس أو وايل اإلمرباطور‪ ،‬هذا الضابط كان‬
‫يشرف على أراضي متتد غراب وشرقا‪ ،‬اتساع يعرب عنه جزئيا ابنتقاالت الفيلق الذي أقا أوال يف حيدرة مث تبسة سنة‬
‫‪ ، 61‬قبل أن يستقر هنائيا يف ملباز مابني‪ ، 121-111‬الذي سبقه إرسال فرقة استطالع سنة ‪ 21‬ما يشكل‬
‫البداية التارخيية للمدينة واملعسكر‪.‬‬
‫‪-3‬موقع وجغرافية ملباز‪:‬‬

‫بعد أن أشران إىل منطقة األوراس جغرافيا واترخييا مع اتريخ ملباز سنحاول التعرف على موقع ملباز وجغرافيتها‬
‫وطبوغرافيتها‪ ،‬وما هي األسباب اإلسرتاتيجية اليت جعلت الرومان خيتاروهنا كمعسكر للفيلق األوغسطي الثالث؟‬

‫أشران إىل صعوبة وتعقد تضاريس منطقة األوراس‪ ،‬واليت يصل أحياان ارتفاع اجلبال فيها إىل ‪ ، 2111‬واليت‬
‫تتخللها بعض الشطوط‪ ،‬وهو ما يعين ضمنيا صعوابت يف التزود ابملياه آنذاك‪ ،‬هذه الكتلة التضاريسية الواسعة‬
‫تتميز أبهنا قابلة للتميز يف ملباز وابتنة من خالل وجود مظهرين تضاريسيني هامني‪ ،‬فإىل الغرب جند جبال بلزمة‬
‫)‪ (Belezma‬مع واجهة شديدة االحندار مكللة بقمم جبلية يفوق علوها ‪ ، 2111‬أما حنو اجلنوب جند األوراس‬
‫اليت متتد حىت تيمقاد كسور ملتحم‪ )2( ،‬مشاال جند جبل بوعريف )‪ (Bou Arif‬بتوجيه شرق‪-‬غرب ارتفاعه‬
‫يصل إىل ‪ ، 1633‬ويف اجلنوب تتواجد سلسلة من قمم التالل واليت تتجمع بعد "مركونة" املتامخة لألوراس‪.‬‬

‫وبني هذه اجلبال جند حوض صغري ذو احندار طفيف من الشرق إىل الغرب الذي تصرف منه املياه عرب‬
‫وداين صغرية جتري بصعوبة حنو منطقة السبخة )‪ (Sebakh‬عرب فجوة إىل الشمال من ابتنة‪ ،‬متوسط ارتفاع هذا‬
‫احلوض يقدر حبوايل ‪ )3( 1111‬والذي يتصل بسهل تيمقاد حيث ال تفصله عنها إال بعض التالل‪.‬‬

‫ويف الغرب تنفت على مرتفعات ابتنة يف اجلنوب من خالل قعرية )‪ (Synclinal‬بني جبال بلزمة واألوراس‬
‫ابجتاه مضيق القنطرة‪ ،‬وحنو الشمال الشرقي عرب واد عريض بني بلزمة وجبل بوعريف‪ ،‬هنا اختار الرومان موقع بناء‬
‫معسكر ملباز وابلضبط على اجلزء الشرقي من هذا احلوض‪ ،‬وعلى إحد‪ ،‬تو جبال األوراس جند املدينة العلوية‬

‫‪1‬‬
‫‪- Janon (M), Lambese capitale …, P-P15-16.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Janon (M), Recherches …, P 195.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Benseddik (N), Op-Cit, P 167.‬‬

‫‪85‬‬
‫لـمبــاز املدينة واملعسكر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫وعند أسفل سف اجلبل جند املدينة السفلية املشغولة ابملعسكر الفيلقي الكبري املمتد على سهل بني واد‬
‫تقوسرين)‪ (Taguesserine‬وواد بوخبوزن )‪( (1).(Bou Khabouzene‬أنظر الشكل‪.) 2‬‬

‫انطالقا من هذه اجلغرافية املعروضة نتساءل عن أسباب اختيار هذا املوقع إلنشاء معسكر حبجم الفرقة‬
‫األوغسطية الثالثة‪ ،‬فمن يزور املنطقة يتساءل قد يستغرب اختيار هذا املوضع إلنشاء معسكر ها كمقر قيادة‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة‪ ،‬فهذا املوضع ذو قيمة تكتيكية جد هامة‪ ،‬ويشرف على مشاهد وإطالالت شاسعة على‬
‫اجلبال والوداين‪.‬‬

‫تندرج ملباز ضمن جزء من إمجايل التجمعات العسكرية اليت أقيمت على سفوح جبال األوراس ‪(Le‬‬
‫)‪ ،Piémont Aurasien‬لذلك جيب أن نفس ر هذه االنتقال إىل ملباز من ابب وجود إرادة رومانية حملاصرة‬
‫وتطويق هذه الكتلة اجلبلية اليت تسكنها قبائل ظلت معادية لروما‪ ،‬فكما نعلم فإن اختيار مواقع املعسكرات كما‬
‫أشران مشروط بضوابط وقيود إسرتاتيجية‪.‬‬

‫وقد يكون من السهل تفسري املنشأة األوىل "ونعين معسكر تيتوس" وإرسال فرقة االستطالع سنة‪ ، 21‬ألهنا‬
‫تزامنت مع توسعات يف الكتلة األوراسية‪ ،‬فكان من الضروري بل وحتمي إقامة هذا املعسكر لدواعي عسكرية‪،‬‬
‫تضاف هلا عوامل وأسباب اقتصادية متعلقة ابالستيطان الروماين‪)2( ،‬لكن تفسري عوامل إقامة املعسكرين اآلخرين‬
‫هو يف غاية التعقيد‪ ،‬وعليه ميكننا أن حناول إعادة وضع خمطط للتنظيم االجتماعي واالقتصادي املمكن شرحه‬
‫لتفسري اإلنشاءات احلضرية يف نوميداي اجلنوبية يف نقطتني‪:‬‬

‫‪ ‬متتاز "ملباز" ابلسهولة الطبيعية مقارنة ببقية املناطق يف األوراس‪ ،‬كما أن موقعها كان غنيا مبنابع املياه‬
‫ونضيف هلا كثافة األشجار‪-‬الثروة اخلشبية‪.-‬‬
‫‪ ‬السبب اإلسرتاتيجي املتمثل يف حاجة الرومان إلقامة منشآت عسكرية ابلقرب من جبال األوراس وعلى‬
‫املنفذ الواقع غراب من األوراس املؤدي إىل اجلنوب‪ ،‬دون أن ننسى أن هذه املنطقة هي معقل مقاومة النوميديني‬
‫للرومان‪.‬‬

‫لكن "قزال" اعترب أن سبب اختيار هذا املوقع يعود إىل كونه منطقة ريفية ومنه ظهرت القوة النوميدية‪،‬‬
‫وآخرون ذهبوا حنو رأي أن معظم القبائل املتمردة تسكن هذه املنطقة‪ ،‬وابلتايل البد من إقامة معسكر دائم فيها‬
‫(‪)3‬‬
‫ملراقبتها وإيقاف عملياهتا العدائية ضد الرومان‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Janon (M), Recherches…, P-P 195-197.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Ibid., P 197.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Janon (M), Lambèse capitale … P-P 19-20.‬‬

‫‪86‬‬
‫لـمبــاز املدينة واملعسكر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫الشكل رقم ‪ :05‬املخطط العام جلغرافية ومنشآت مدينة ملباز‪.‬‬

‫‪Michel Janon: Lambèse capitale militaire de l’Afrique romaine, ed : Nerthe, 2005, P20.‬‬ ‫املرجع‪:‬‬

‫‪87‬‬
‫لـمبــاز املدينة واملعسكر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫*‬
‫فمدينة ملباز ليست مدينة بسحر ومجال كويكول‪-‬مجيلة‪-‬أو تيديس)‪(Castellum Tidditanorum‬‬
‫فال تقد لنا صورة مدينة مجيلة وشوارعها م نظمة مثل تيمقاد‪ ،‬لكن هذا ال مينع من التعرف على البنية احلضرية‬
‫للمباز فهي على العكس معقدة‪.‬‬

‫إن الفهم اجليد ملالبسات اختيار هذا املوقع تقودان للحديث أو احلاجة إىل التعرف على طريقة ومنط حياة‬
‫سكان نوميداي اجلنوبية‪ ،‬فهذا هو السؤال األكثر أمهية والذي جيب طرحه لنفهم معا دوافع ومناذج االستقرار‬
‫الروماين يف جنوب نوميداي‪ ،‬فنحن يف كثري من األحيان ننسى أن هذه املنطقة وإىل عهد قريب كانت تعد مسرح‬
‫النتقال البدو الرحل‪ ،‬فما ابلك ابلعصور القدمية ومد‪ ،‬قوهتا واتساعها‪ ،‬أي أن منطقة األوراس كانت‬

‫جمال لالنتجاع وتنقالت شبه البدو الرعاة‪ ،‬فجزء كبري من القبائل األوراسية ينتقلون مع قطعاهنم بني مراعي‬
‫اجلبال خالل فصل الصيف‪ ،‬كما جند أيضا بعض الفالحني يسيطرون على وداين ابملنطقة وميتلكون حقول يف‬
‫(‪)1‬‬
‫جهة سفوح اجلبال )‪ (Piémont‬الصحراوي ومشال األوراس‪.‬‬

‫إضافة إىل أن كل هذه الكتلة تتكلم لغة واحدة وهي املعروفة ابلشاوية )‪ (Le Chaouia‬حيث‬
‫تستعمل يف كل املنطقة وإىل غاية بعض الكيلومرتات جنوب قسنطينة‪ ،‬هذه املالحظة البسيطة تدحر النظرية اليت‬
‫تقول أن منطقة األوراس معزولة‪.‬‬

‫مث نتساءل عن حركية سكان املنطقة يف القرون األوىل امليالدية؟‪ ،‬وما هو يف هذه احلالة النطاق املشغول‬
‫من قبل املنتجعني والبدو الرحل؟‪ ،‬هذه األسئلة من املرج أن تبقى دون أجوبة إذا مل يتم استعمال وسائل مثل‬
‫"علم اآلاثر االجتماعي"‪ ،‬فإذا قبلنا احتمالية وجود بداوة كبرية موازية النتجاع مومسي من اجلبال إىل السهول العليا‬
‫سنفهم أحسن أسس إنشاء معسكرات ملباز وعديد احلصون والقالع الرومانية يف الكتلة األوراسية اليت بنيت يف‬
‫نقاط عبور‪ ،‬وهذا ملراقبة هجرة وانتقال هؤالء‪ ،‬وابلتأكيد لالستفادة واالنتفاع من سوق ما بني اجلبل والسهل‬
‫والبادية‪ ،‬هذا ليس يف ملباز واألوراس فقط‪ ،‬بل يف كل مقاطعات اإلمرباطورية اليت عجزت عن حتقيق متازج وتعايش‬
‫بني مجاعات البدو الرعاة مع زراعة مستقرة وحضارة حضرية‪ )2( ،‬يف هذا الصدد أمهية السفوح اجلنوبية لألوراس‬
‫جد واضحة‪ ،‬فطريق القنطرة تسلكه أغلب قبائل الصحراء القادمة صيفا إىل مشال األطلس الصحراوي والسهول‬
‫العليا مارة على ابتنة‪ ،‬هذه الطرق جتتاز وتشق األوراس عرب وداين واد العبيود وواد العبدي فهما منفذين سهليني‬
‫إىل اجلنوب من تيمقاد‪ ،‬يف هذا املكان توجد منافذ يف سهل بني واديني صغريين حيمالن اسم دال هو "فم‬
‫قسنطينة"‪ ،‬مقابل هذين الواديني إىل الشمال من تيمقاد ينفت املعرب الواسع يف "مشرة"‪.‬‬

‫* تيديس )‪ :(Tiddis‬أو كاستيلو تديتنرو )‪ (Castellum Tidditanorum‬هي مدينة رومانية اتبعة لقريطا تبعد عنها بـ ‪ 22‬كلم‪.‬‬
‫‪- Janon (M), Recherches …, P 198.‬‬
‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪- Ibid, P 199.‬‬

‫‪88‬‬
‫لـمبــاز املدينة واملعسكر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫أمهية طرق ومسالك توغل جبال األوراس هي نوعا ما أقل اعتبارا وقيمة‪ ،‬حيث ال تزال حىت اليو تسلك من‬
‫قبل الرحالة واملنتجعني‪ ،‬وهذا ابلتأكيد ليس صدفة حيث جند بني واديي "فم قسنطينة" امتداد مقربة على مساحة‬
‫شاسعة تعود لفرتة ما قبل الرومان يف إشوكان (‪)1‬وهو دليل على حجم التعمري الكبري يف هذه املناطق ابعتبارها‬
‫منافذ للتواصل بني األوراس والسهول العليا‪ ،‬ما يوحي بوجود منفذ ومسلك جتاري ها ‪.‬‬

‫ال توجد أسباب جتعلنا نعتقد أبن هذه املنافذ التجارية كانت موجودة وقائمة يف العهد الروماين‪ ،‬فالتنقيبات اليت‬
‫أجريت يف "إشوكان" كانت وجيزة وال تفي لتقد لنا أتكيدات حول ذلك‪ ،‬أما تيمقاد فقد أقيمت يف وضع جد‬
‫مالئم ومناسب ملراقبة التجارة بني سكان اجلبل "مريب املواشي" وفالحي اهلضاب العليا‪ ،‬وهو أحد أسباب‬
‫االزدهار والتطور الذي عرفته املدينة‪.‬‬

‫يف الواقع ملباز هي مدينة عسكرية ما جيعل االعتبار االقتصادي يف اختيار املوقع أقل قبوال‪ ،‬فإذا قبلنا تواجد‬
‫عنصر االنتقال وهجرة السكان فإنه يقودان إىل استبعاد ذريعة املوقع اإلسرتاتيجي للسيطرة أي أهنا أقيمت للمراقبة‬
‫فقط ‪ ،‬ما جيعل البعض يعتقد أن اختيار ملباز كمقر اإلقامة كان كخيار اتذ من قبل جنود الفرقة‪ ،‬وهو الرأي‬
‫األكثر قبوال ألنه بعد نشر الفيلق األوغسطي لفرقه العسكرية على حاميات صغرية يف أمكنة اثبتة أو يف مناطق‬
‫العبور يف كل الكتلة األوراسية‪ ،‬كان البد من تقريب املقر الرئيسي للفيلق املتواجد يف "تبسة" آنذاك‪ ،‬على أن‬
‫يكون موقع املقر اجلديد دقيق وقريب‪ ،‬ويف وسط هذا اخلليط من احلاميات فجاء االختيار على ملباز ابلرغم من‬
‫(‪)2‬‬
‫وجود مواقع أخر‪ ،‬يف نوميداي اجلنوبية أفضل من ملباز‪.‬‬
‫لكن تتبع اتريخ معسكرات الفرقة األوغسطية يف ملباز‪ ،‬يظهر لنا فعال أبن اإلنشاءات الفيلقية األوىل خضعت‬
‫حلتميات واحتياجات تكتيكية فورية ليضمنوا دفاعاهتم وحيصنوا تواجدهم‪ ،‬وابلرغم من عمليات التهيئة والتوسيع‬
‫املتتالية للمعسكرات فإنه ال ميكننا إصدار أية أحكا على هذا االختيار للموقع كمقر للفرقة األوغسطية الثالثة‪.‬‬
‫إن اختيار ملباز كمركز للعسكرة وكمعسكر رئيسي للفرقة األوغسطية الثالثة يبدو أنه كان اختيار عسكري‬
‫حتمي لنقل العمليات العسكرية إىل قلب األوراس‪ ،‬لضمان تزويد اجلنود ومراقبة أفضل وعن كثب للبدو الرحل‪،‬‬
‫وكل هذا لضمان محاية املدن الرومانية الشمالية اليت تعرف منو اقتصادي واجتماعي وثقايف‪.‬‬
‫وتسم لنا شهود النقوش الكتابية ابلتعرف على املدينة وعلى احلياة العسكرية داخل الفرقة وعديد اجلوانب‬
‫ا ملتعلقة هبا‪ ،‬فتذكر لنا عديد القادة املتعاقبني على قيادة الفرقة وعديد الضباط واجلنود‪ ،‬كما أن النصوص اجلنائزية‬
‫يف أغلبها تشري إىل اجلنود أو أفراد عائالهتم‪ ،‬ودراسة هذه الواثئق يسم لنا بفهم العالقة القائمة بني التجمعات‬
‫السكانية املدنية واملعسكرات‪ ،‬كيف تنمو وت تطور املدينة إىل جانب إقامات عسكرية أو ما يصطل عليه املؤرخون‬
‫العالقة بني املعسكر )‪ (Castra‬واملدنية أو املدينة )‪ (Civitas‬بقوانينها ونظمها‪.‬‬

‫‪- Gsell (S), Atlas archéologique de l’Algérie, A, Jourdan, 1911, Fe27 n° 375.‬‬
‫‪1‬‬

‫‪- Janon (M), Recherche …, P 199.‬‬


‫‪2‬‬

‫‪89‬‬
‫لـمبــاز املدينة واملعسكر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫واملالحظ أن الدراسات واألحباث حول املنشات العسكرية يف ملباز تؤرخ أبكثر من نصف قرن وابت من‬
‫الضروري أن نقيم معرفتنا حول إشكالية االكتشافات احلديثة الدقيقة واملعقدة‪ ،‬لنحاول تفسريها مبا منلكه من‬
‫(‪)1‬‬
‫معطيات أثرية ونقوش كتابية وكل هذا حملاولة معرفة العالقة بني ملباز املدينة واملعسكر‪.‬‬

‫‪- Janon (M), Recherche, P 199.‬‬


‫‪1‬‬

‫‪90‬‬
‫املبحث الثاني‪:‬‬
‫منشآت ومباني مدينة ملباز‪.‬‬
‫لـمبــاز املدينة واملعسكر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫املبحث الثاني‪ :‬منشآت ومباني مدينة ملباز‪.‬‬

‫بعد التعرف عن منطقة األوراس وموقعها اجلغرايف وخصائصها الطبيعية مث ملباز وموقعها وأسباب اختيار‬
‫الرومان هلا كمركز دائم للفرقة األوغسطية الثالثة‪ ،‬سنحاول التعرف على ملباز كمدينة ومعسكر‪ .‬فرغم كوهنا مدينة‬
‫عسكرية ابلدرجة األوىل إال أن هذا مل مينع من تواجد مرافق ومنشآت متنوعة‪ ،‬واليت سنحاول التعرف عليها بغرض‬
‫فهم ظروف إقامة الفرقة فيها‪ ،‬فاملعسكر الشرقي أو معسكر "تيتوس" الذي أقامه الرومان حوايل سنة ‪ 21‬هو‬
‫أول مركز أقامت فيه فرقة من الفيلق األوغسطي الثالثة واليت ميكن أن نعتربها فرقة استطالع للمنطقة‪ ،‬وهبذا فإن‬
‫إقامة هذا املعسكر هو أول عالمة وإشارة للتواجد الروماين يف ملباز‪ ،‬والذي كما أشران كان يوجد به جتمع سكاين‬
‫)‪(1‬‬
‫لألهايل‪.‬‬

‫هذا املعسكر سوف يتبعه إقامة معسكرين آخرين سنتعرف عليهما الحقا مها املعسكر الغريب واملعسكر‬
‫الكبري‪ ،‬شغل املعسكر الشرقي تلة تشرف على وادي "اتزولت"‪ ،‬وبذلك فهو حمصن طبيعيا على األقل من جهتني‬
‫أين ظهرت وتطورت جبواره املدينة العلوية‪ ،‬واليت تعد التجمع الكبري ألهم نصب املدينة مشكلة املركز احلضري‬
‫والديين‪ ،‬أما املعسكر الكبري للفرقة أقيم ابلسهل أي جنوب املعسكر الشرقي‪ ،‬والذي ظهرت ابلقرب منه بعض‬
‫األكواخ* )‪ (Canabae‬اليت توحي بعض نقوشها أهنا شكلت حي أو شارع مستقل عن املدينة العلوية لكنه‬
‫احتفظ ابسم "ملباز")‪ ،(2‬كما جند شارع آخر يف مركونة )‪ (Vercunda‬أقيم إىل الشرق والذي حتصل يف فرتة‬
‫متأخرة على صفة بلدية‪ ،‬لكن يبدو أن شارع املعسكر مل يستفد من أي ترقية إدارية‪ ،‬من جهتها أصبحت ملباز‬
‫بلدية يف هناية القرن الثاين للميالد لرتتقي إىل "مستوطنة" يف اتريخ غري معروف لكن على األرج حمصور بني‬
‫‪ ). 223 - 236‬أنـــــظــر الشـــكـــــل رقم‪( 16 :‬‬

‫‪ -‬األقواس الشرفية‪:‬‬

‫كانت مدينة ملباز مقسمة إىل ثالثة جتمعات سكانية‪ ،‬وهو مؤكد من خالل طريقة انتشار وتوزيع‬
‫األقواس الشرفية‪ ،‬ألهنا تسجل وحتدد حد كل جتمع واليت متر على مركونة مع وجود قوس ميتد على طريق ملباز‬
‫وتيمقاد‪ ،‬كما جند قوس ذو فتحة واحدة يف شارع املعسكر ميتد على الطريق املتوجهة حنو مركونة‪ ،‬واملشيد يف فرتة‬
‫االمرباطور "كومديوس" (‪ ) 162-171‬من قبل جندي كان يقيم يف تيمقاد‪ ،‬وعلى الطريق املتوجهة من املدينة‬
‫العلوية للمباز إىل مركونة جند قوسني‪ ،‬األول ابلقرب من الكابتول وهو ذو ثالثة فتحات مشابه لقوس سبتميوس‬
‫سيفروس‪ ،‬والثاين قوس ذو فتحة واحدة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪-Benseddik (N), Op.Cit, P-P173-174.‬‬
‫* األكواخ )‪ :(Canabae‬جتمع سكاين للمدنيني يقيمون جبوار املعسكرات الدائمة والذين إىل حد ما ميارسون نشاطاهتم خارج املعسكر‪.‬‬
‫‪- Janon (M), Lambèse Capitale…, P 20.‬‬
‫‪2‬‬

‫‪92‬‬
‫لـمبــاز املدينة واملعسكر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫الشكل رقم ‪ :06‬املخطط التفصيلي ملنشآت ومباين مدينة ملباز‪.‬‬

‫‪http://encyclopedie-afn.org/Plan_Lamb%C3%A8se_-_Ville‬‬ ‫املرجع‪:‬‬

‫‪93‬‬
‫لـمبــاز املدينة واملعسكر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫أشهر قوس يف ملباز هو املعروف بقوس "سبتميوس سيفروس" وهو ذو ثالث فتحات‪ ،‬والذي أجنز قبل القرن‬
‫الثالث للميالد‪ ،‬وهو مبثابة اإلشارة لدخول املدينة‪ ،‬وجند جبواره قلعة صغرية أنشأها البيزنطيون‪ .‬حنو اجلنوب وعلى‬
‫مسافة قصرية من القوس جند بقااي منزل كبري مزخرف مع وجود رسو جداريه تزين اجلدران وفسيفساء ذات دقة‬
‫عالية تغطي األرضية‪ ،‬وتكمن أمهية هذه األقواس يف حتديد جمال كل جتمع حضري‪ ،‬لكنها تعرب من جهة أخر‪،‬‬
‫عن تطور ومنو املدينة واليت وصل عددها إىل ستة أقواس يف هذه املدينة العسكرية‪ ،‬ما يقد لنا صورة عن الكثافة‬
‫احلضرية للسكان فيها‪.‬‬
‫‪ -I‬املدينة العلوية ‪:‬‬

‫أقيمت املدينة العلوية املتكونة من جمموعة من املنشآت احلضرية جبوار املعسكر الشرقي أو معسكر‪ 21‬أسفل‬
‫مرتفعات عني درين‪ ،‬على أرضية ذات احندار طفيف جهة الشرق لكن لألسف فإن هذا املوقع يتعرض للتشويه‬
‫بسبب عمليات النهب واالغتصاب‪( .‬أنظر الشكل‪)17 :‬‬

‫ويالحظ يف هذا املوقع عد وجود بقااي ملباين سكنية‪ ،‬ما جعل الباحثني يعتقدون أهنا مل تكن موجودة يف‬
‫القرون األوىل من الوجود الروماين‪ ،‬وتبدو املدينة العلوية أبهنا دينية ابلدرجة األوىل نظرا لتواجد عدد كبري من املعابد‬
‫واآلهلة املعبودة فيها‪ ،‬ومن أبرزها األسقليبيوس‪ ،‬كما جند ابملدينة العلوية معسكر ‪ 21‬وهو أول ثكنة رومانية أقامها‬
‫الرومان‪ ،‬والكابتول الذي جياوره معبد‪ ،‬على أن اجلزء األكرب من املدينة يشغله معبد األسقليبيوس)‪(Esculape‬‬
‫مع وجود جمموعة من املعابد الصغرية املتجاورة على طريق"سبتميان" )‪.(Via septimiana‬‬

‫أما محامات "ملباز" )‪ (Thermes Des Chasseurs‬فجاء موقعها منعزال‪ ،‬كما جند ساحة غري حمددة‬
‫املوقع تشري إليها نقوش ابسم الساحة املؤقتة )‪ ،(Forum Transitorium‬ومن أبرز النقوش اليت عثران عليها‬
‫يف هذا املوقع جند النص الشهري املتعلق بتجديد جملس املشيخة احمللي)‪ (Curie‬بني ‪ 466‬و‪ ، 424‬الذي يشري‬
‫إىل احتمالية أن هذه الساحة مل تكن بعيدة‪ ،‬كما جند نقوش أخر‪ ،‬تدل على وجود ساحات شعبية )‪.(Plateae‬‬
‫وجند أيضا طريقني مبلطني ابلقرب من الكابتول‪ ،‬األوىل يبدو أهنا قادمة من اجلزء السفلي للمدينة‪ ،‬والثانية تقود‬
‫حنو مركونة مارة على القوسني املشار إليهما‪ ،‬القوس األول له ثالثة فتحات والقريب من مركز املدينة‪ ،‬والثاين ذو‬
‫فتحة واحدة‪ ،‬والذي أقيم من طرف الليقاتوس "ماكسميانوس" )‪ (M .Valerius Maximianus‬بني ‪- 124‬‬
‫‪ ، 121‬ومت بناء املدينة العلوية لـ"ملباز" على عدة مراحل‪ ،‬ففي البداية مت إجناز املعسكر وهو األقد سنة ‪، 21‬‬
‫وبعده حبوايل ‪ 21‬سنة مت بناء معبد األسقليبيوس الذي أقيم على مقربة من املعسكر وابلضبط يف الركن اجلنوب‬
‫الغريب‪ ،‬والذي توسع يف السنوات الالحقة حىت أصبحت له محامات اتبعة له‪ ،‬بعدها جاء بناء الكابتول الذي يعد‬
‫مبثابة مدخل األسقليبيوس حيث أقيم بشكل منحرف مع حمور الفناء وهذا لتقريب خمتلف مرافق املدينة‬

‫‪94‬‬
‫لـمبــاز املدينة واملعسكر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫الشكل رقم ‪ :17‬املخطط العام للمدينة العلوية ي ملباز‪.‬‬

‫املرجع‪:‬‬
‫‪Michel Janon: Lambèse capitale militaire de l’Afrique romaine, ed : Nerthe, 2005, P25‬‬

‫‪95‬‬
‫لـمبــاز املدينة واملعسكر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫من بعضها البعض‪ ،‬وحماولة التقريب هذه نالحظها أيضا من خالل تسوية منشأة تتمثل يف رواق معمد صغري‬
‫يف الركن اجلنوب الشرقي مللحق احلمامات حيمي بوابة ملتصقة بغرز حائطي )‪ (Niche‬أقيم فيه متثال‬
‫اسقيليبيوس‪(1).‬كل هذا يدل على اجملهودات املبذولة من أجل خلق تناسق بني هذه البناايت‪ ،‬أما آخر إجراء‬
‫فكان إجناز جمموعة من الطرق أبرزها طريق "سبتميان" وطريق مركونة اللذان يف هناية مسارمها يعدالن اجتاههما‬
‫ابلقرب من مبىن يقع بني "الكابتول" و "االسقيليبيوس"‪ ،‬فطريق "سبتميان" تزامن اتريخ إجنازه مع إقامة معبد اإلله‬
‫إيزيس )‪ (Isis‬املؤرخ مبنتصف القرن الثاين للميالد‪.‬‬
‫‪-0‬الكابتول واملعبد اجملهول‪:‬‬

‫يهيمن على الشارع الرئيسي يف املدينة العلوية معبدين متجاورين‪ ،‬األول وهو األكرب يطل على اجتاه الشرق‬
‫واآلخر دائر حنو اجلنوب واللذان مت إنشاؤمها فوق مباين سابقة هلما‪.‬‬
‫أ‪-‬الكابتول واملزولة الشمسية )‪:(Gnomon‬‬

‫ال يزال املعبد الكبري على وجه اخلصوص قائما‪ ،‬لكن مع فقداننا ملعظم أدراج املدخل واألجزاء العلوية‪ ،‬على‬
‫أن ارتفاعه احلايل مل يتجاوز عشرة أمتار‪ ،‬والنقوش اإلهدائية اليت عثر عليها علماء اآلاثر حتدد بدقة أنه مهدي من‬
‫و"جونو")‪(Junon‬‬ ‫املدينة اللمبازية )‪ (Respublica Lambaestana‬إىل الثالوث جوبيرت)‪(Jupiter‬‬
‫و"منرف" )‪.(Minerve‬‬

‫هذا املبىن مرتفع يف أحد جوانب ابحاته اليت تقدر أبعادها بـ‪ 34‬على ‪ 12‬واحملاطة برواق معمد مرفوع‬
‫بدرجني وبعمق ‪ 1.21‬إىل الشرق‪ ،‬وهو ضيق نوعا ما يف اجلنوب‪ ،‬إىل الغرب جند أن صف األعمدة مقطوع‬
‫ابجلدار اخللفي للمعبد‪ ،‬كما جند جمر‪ ،‬لتصريف املياه حييط ابلرواق على ثالث جوانب ويفرغ املياه ابجتاه الشمال‬
‫الشرقي‪ ،‬وهذا ما جعل املنقبون األوائل يعتقدون ودون أدلة مقنعة أن الباحة املشار إليها هي ساحة املدينة‪،‬‬
‫املدخل الرئيسي للبناية يتكون من ابب ضيق نسبيا مفتوح جهة الشمال مع وجود ابب آخر ضيق جدا مفتوح‬
‫جهة اجلدار اجلنويب‪ ،‬أما املزولة الشمسية )‪ (Horologium‬فهي نصب منقوشة على البالط‪ ،‬فظل املزولة‬
‫الشمسية يبدل موقعه على الصورة املنقوشة حسب وضعية الشمس يف النهار وحسب فصول السنة‪.‬‬

‫تصميم الكابتول جاء يف شكل مربع كل ضلع بطول يصل حوايل ‪ ، 22‬وهذا إذا استثنينا الدرجات األوىل‬
‫من األدراج ذات نتوء )‪ (Saillie‬بطول ثالثة أمتار قبل جدار الدرج (جدار الدرج يكون يف وسط املدخل وتشد‬
‫إليه الدرجات))‪ ،(2‬املعبد أقيم فوق منصة )‪ (Podium‬ابرتفاع يتجاوز ‪ ، 4.1‬هذه املنصة مكونة من قاعدتني‬
‫متجاورتني مقببتني تتكون كل واحدة من أربعة غرف مصفوفة‪ ،‬منفصلتان بواسطة جدار من احلجارة الكبرية‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Janon (M), Lambèse Capitale…, P-P 21-27.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-Ibid, P 27-29.‬‬

‫‪96‬‬
‫لـمبــاز املدينة واملعسكر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫وإبمكاننا أن نصل إىل قبو كل قاعدة من خالل اببني ضيقني يف الشمال واجلنوب‪ ،‬وحنن نعلم أن الكابتول عادة‬
‫ما يكون به ثالث قاعات أو غرف كبرية )‪(Cellae‬كل واحدة خمصصة إلله من اآلهلة الثالثة الكرب‪ ،‬يف روما‬
‫لكن يف "ملباز" ال جند سو‪ ،‬قاعتني بعمق ‪ 16‬أمتار وعرض ‪ 16‬أمتار مقسمة بذلك املعبد‪.‬‬

‫أما مقابل اجلدار اخللفي جند جزء بناية تبدو أهنا قفص املصعد‪ ،‬واليت تسم ابلوصول إىل قمة البناء‪ ،‬ونشري‬
‫إىل أن قاعتا "الكابتول" مفصولتان ليس بواسطة جدار‪ ،‬لكن بواسطة ثالثة فتحات واسعة يف جدار من احلجارة‬
‫الكبرية‪ ،‬هذا التقسيم الثنائي جنده يف عملية هتيئة مدخل املعبد )‪ ،(Pronaos‬أما كنه املعبد )‪- (Porche‬‬
‫سقيفة أو رواق أما مدخل املعبد‪ -‬فجاءت يف تصميمها كمعبدين رابعي األعمدة )‪ (Tétrastyle‬مع عمود‬
‫وعماد مستطيل ذو اتج )‪ (Pilastre‬يف كل جانب من القاعة‪ ،‬ونشري إىل أن خمطط قاعدة بناء الدكة يتناسب‬
‫متاما مع ارتفاع املعبد‪ ،‬حيث تساعد اجلدران على محل األروقة وبالط القاعات وجدران مدخل املعبد)‪ (1‬واألكيد‬
‫أن هذا التقسيم الثنائي لقاعات الكابتول ال خيص األجزاء العلوية وهذا لعدة أسباب حمتملة‪:‬‬

‫* املدخل إىل قمة البناء عرب األدراج املوجودة بني القاعتني من املمكن أن يكون ذو تسقيف واحد له‬
‫احندارين‪.‬‬

‫* الفراغ املوجود بني الزخرفتني احملتملتني للجبهة )‪ (Frontons‬حمدود‪.‬‬

‫ب‪-‬املعبد اجملهول‪:‬‬

‫املعبد الثاين الذي حنتفظ أبجزاء قليلة منه‪ ،‬جاء يف شكل مستطيل على مساحة صغرية إذا ما قورنت‬
‫بسابقه‪ ،‬فهو ابلكاد يقدر بـ ‪ 11‬يف العرض و‪ 21‬يف الطول‪ ،‬وهو حماط بفناء مبلط تقدر أبعاده ‪ 74‬على ‪41‬‬
‫ورواق معمد كورنيثي )‪ (Corinthien‬بعمق أربعة أمتار‪ ،‬والذي مل يتبقى منه سو‪ ،‬بقااي قليلة من جهة اجلنوب‪،‬‬
‫هذا املعبد له مدخل من ثالثة فتحات مبنية من احلجارة الكبرية مفتوحة يف اجلهة الشمالية‪.‬‬

‫على عكس الكابتول‪ ،‬دكة هذا املعبد بنيت ابحلجارة الكبرية وهي ضخمة وصلبة‪ ،‬القاعة الوحيدة يف هذا‬
‫املعبد مسبوقة بدهليز عميق وأدراج إضافة إىل نتوء أما جدار الدرج‪ ،‬ومت العثور هبذا املوقع على نقش من‬
‫نسختني يشري إىل أن بنائه كان حوايل ‪ 223‬من قبل احلاكم أورليوس دومسوس )‪(M.aurelius Decimus‬‬
‫ومت بناؤه كإهداء لألابطرة "كارنوس" )‪ ) 221- 211( (Carin‬و"نومارينوس" )‪(Numérien‬‬
‫(‪.) 223- 214‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Janon (M), Lambèse Capitale, P-P 29-30.‬‬

‫‪97‬‬
‫لـمبــاز املدينة واملعسكر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫إن دراسة "الكابتول" أو املعبد اجملهول قاد الباحثني إىل افرتاض وجود الطقس اإلمرباطوري وهذا ما تعززه‬
‫عديد التماثيل املوجودة هلم يف "الكابتول")‪ ،(1‬كما أن وجود قاعتني فقط يف "الكابتول" قد ينفي وجود عبادة‬
‫الثالوث اإلهلي الروماين على غرار املعابد الرومانية األخر‪ ،،‬أما املعبد اجملهول فكان مكرس لعبادة األابطرة‪.‬‬

‫أحد أروقة قاعتا "الكابتول" خمصص لآلهلة التقليدية للمدينة الرومانية‪ ،‬أما اآلخر فكان الستقبال متاثيل‬
‫ونصب األابطرة‪ ،‬ومن احملتمل أيضا حىت أفراد عائالهتم‪ ،‬فاآلهلة اثبتة أما األابطرة فمتغريون وأحياان بسرعة‪ ،‬وبذلك‬
‫)‪(2‬‬
‫يتم تغيري التمثال‪ ،‬على أنه من الصعب يف كل مرة تغيري النقوش اإلهدائية بصعود أو جميء كل إمرباطور جديد‪.‬‬

‫‪-3‬األسقيليبيوس )‪:(Asclepieium‬‬

‫تعد ملباز مركز عسكري وديين ها للغاية يف إفريقيا الرومانية‪ ،‬حيث تعبد فيها اآلهلة الرمسية جبوار اآلهلة‬
‫اإلفريقية مثل"ساتورن" )‪ (Saturne‬واآلهلة املورية )‪ ،(Dii Mauri‬إضافة إىل وجود آهلة شرقية وآهلة حملية تعبد‬
‫ابحلواس أقيمت هلا عدة معابد ‪-‬الكابتول‪-‬ومعبد نبتون )‪ (Neptune‬وحمراب ساتورن وغريها‪.‬‬

‫وتكشف الشواهد األثرية والنقوش على وجود إهلني مسيطرين على البانثيون)‪ (Panthéon‬اللمبازي هو‬
‫االسقيليبيوس وهو إله روماين يقابله اسقليبيوس )‪ (Asclépius‬عند اإلغريق وهو إله الطب‪ ،‬أما اإلله الثاين فهو‬
‫)‪(3‬‬
‫"إجييا" )‪ (Hygie‬ويعين إله الصحة‪.‬‬

‫وعند النظرة األوىل ملخطط معبد االسقيليبيوس فإنه يالحظ تعقد البنية املعمارية له‪ ،‬حيث نر‪ ،‬تشابك‬
‫وتنضد بناايت خمتلفة الفرتات التارخيية‪ ،‬وهذا يدل على أنه عرف عمليات إصالح وترميم لتكتمل صورته النهائية‬
‫مع بداية القرن الثالث‪ ،‬وتسبقه بناية كبرية مبثابة مدخل له أقيم فيها دهليز يسم ابلوصول إىل ابب معسكر‬
‫‪ ، 21‬جند على جانبيها ساحة ذات احندار طفيف من الغرب إىل الشرق‪ ،‬يف احلافة الغربية للساحة بين معبد‬
‫االسقيليبيوس‪ ،‬أما على احلافة األخر‪ ،‬فأقيم معبد أهدي إىل اإلله مركور)‪- (Mercure‬إله التجارة عند‬
‫الرومان‪ ،-‬أما يف اجلهة الشمالية هلذه الساحة تصطف مثانية معابد صغرية أربعة منها بنيت على جدار معسكر‬
‫‪ ، 21‬اجلهة املقابلة أقيمت فيها ملحقتني خمصصتني للعناية‪ ،‬وإىل أقصى الغرب جند منشأة ذات خمطط يف شكل‬
‫مثلث أقيم حوهلا فناء‪ ،‬أما بالط الغرف فهو مغطى بفسيفساء مجيلة جند جبوارها محا صغري ذو خمطط تقليدي‬
‫خلفه جمال عرف تنقيبات قدمية حيث يتواجد به منزل صغري وتراصف جمموعة من البناايت ضعيفة البناء من بينها‬
‫)‪( 4‬‬
‫معبدين مشاهبني للمعابد املطلة على الساحة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Janon (M), Lambèse Capitale, P 31.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Ibid, P 31.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Benseddik (N), Op.Cit, P 167.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Janon (M), Lambèse Capitale…, P 33.‬‬

‫‪98‬‬
‫لـمبــاز املدينة واملعسكر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫إن "اال سقيليببيوس" هو مبثابة جممع من املباين املغلقة حول الساحة اليت متتاز ابلطول مقارنة ابلعرض‪ ،‬لكن‬
‫هناك انعدا ملفهو التدرج الظاهر يف املعابد اإلغريقية الكالسيكية‪(1).‬ومن اهلا اإلشارة أبن "االسقيليبيوس"مل‬
‫يستفد من وجود منابع احلمامات اليت كان يراتدها اجلنود للشفاء واملعاجلة اليت كان مصدرها عني درين اليت أقيم‬
‫جبوارها معبد مكرس لإلله "نبتون"‪.‬‬

‫أصول هذا املعبد ال نعرف عنها الكثري‪ ،‬لكن املؤرخون ميلكون جمموعة من النصوص تشري إىل ذلك‪ ،‬ومن‬
‫بينها أن قائد الفرقة األوغسطية الثالثة زمن هادراينوس بني (‪ ) 124- 121‬وامسه "متليوس سكندوس"‬
‫)‪ (P.Metilius Secundus‬قا ببناء مذب لإلله أبولو)‪ (Apollon‬إله النور واحلكمة والفن يف األساطري‬
‫اإلغريقية لكي جيلب الصحة‪ ،‬وبعد حوايل ‪ 21‬سنة بني (‪) 137- 134‬يف عهد اإلمرباطور "أنطونيوس‬
‫بيوس")‪" (Antonius le Pieux‬كايوس ماسلنوس")‪ (C.Prastina Messalinus‬وعائلته أهدوا حوض‬
‫سباحة إىل اإلهلني "اسقيليببيوس"و"اجييا"‪ ،‬وتكشف شواهد النقوش الكتابية أهنما شغال مكانة كبرية يف ملباز وجاء‬
‫هبما قادة الفرقة األوغسطية الثالثة ومها مرتافقني‪ ،‬على أن األول دخل قبل األخر حبوايل عشرون سنة‪ ،‬ويف بداية‬
‫)‪(2‬‬
‫دخوهلما كاان ذا مكانة متواضعة لكن مع إنشاء معابد هلما أصبحا من أهم اآلهلة الرومانية يف ملباز‪.‬‬

‫‪-3‬معبد اإلسقيليبيوس ‪-‬إله الطب‪:-‬‬

‫هذا املعبد يشغل احليز الكبري من احلر الديين يف "ملباز"‪ ،‬ليس فقط لضخامته (ارتفاعه ال يتجاوز‪ 2‬أمتار‬
‫العرض ‪ 27.61‬أما العمق فيصل إىل ‪ ،( 24.11‬لكن ملركزه الطوبوغرايف وأصالته اهلندسية املعمارية‪ ،‬واجلزء‬
‫املركزي من هذا املعبد كان ال يزال قائما نسبيا إىل غاية سنة ‪ ، 1212‬حيث وجدت األعمدة وعتب الواجهة‬
‫قائمتني لكنهما اهنارات بسبب زلزال خفيف ضرب "ملباز"‪ .‬يتكون املعبد من جزء مركزي متشبث يف كل جانب‬
‫برواق معمد قصري ذو سط مقعر‪ ،‬والذي يقود حنو قاعة عبادة )‪ (Aedes‬مع واجهة حمدبة مفتوحة بواسطة‬
‫صف أعمدة‪ ،‬أجنزت واجهة اجلزء املركزي على النمط الدوري )‪ ، (Dorique‬لكننا ال جند فيها اتج العمود‬
‫وتظهر أاثر الزخرفة بوضوح ذات منط كورينثي على أجنحة قاعات العبادة‪.‬‬

‫سامهت الفرقة األوغسطية الثالثة يف بناء هذا املعبد الشهري زمن اإلمرباطور ماركوس أورل‬
‫)‪ ) 121-121( (Marc Aurèle‬واإلمرباطور "لوكيوس فروس" )‪ ) 172- 171( (Lucuis Vérus‬خالل‬
‫الفرتة املمتدة من ‪ 171‬إىل ‪ ، 172‬أما توزيع القاعات فنجد يف اليسار قاعة اإلله "جوبيرت" إله السماء والربق يف‬
‫امليثولوجيا الرومانية‪ ،‬وإىل اليمني غرفة اإلله "سلفنوس" )‪ (Silvain‬إله الغاابت‪ ،‬هذا ما تؤكده نقوش مقامة من‬
‫قبل قادة الفرقة األوغسطية الثالثة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Janon (M), Recherches à Lambèse III, essais sur le temple d’Esculape, Antiquités Africaine, 21, 1985,‬‬
‫‪P 50.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Janon (M), Lambèse Capitale…, P 35.‬‬

‫‪99‬‬
‫لـمبــاز املدينة واملعسكر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫البناء املركزي جند به قاعة لإلهلني "اسقيليبيوس" و"اجييا"‪ ،‬ويبدو بشكل معبد صغري مشكال صدر‬
‫للمبىن‪ ،‬أقيمت بقربه أجنحة جانبية لضمان استمرارية الرواق املعمد‪ ،‬مث متت هتيئة فضاء إضايف بني كنه املعبد‬
‫والقاعة‪ ،‬أما بالط القاعة فكان من رخا نوميداي‪ ،‬أرضية كنه املعبد الرئيسي كانت مغطاة بفسيفساء دقيقة مل يبقى‬
‫منها سو‪ ،‬بعض املكعبات)‪ ،(1‬أما قاعات اإلهلني "جوبيرت وسلفانوس" فهما متماثلني بدقة‪ ،‬لكن األمر الذي مل‬
‫يفهمه علماء اآلاثر هو وجود ابب مفتوح يف الرواق اجلانيب‪ ،‬وتالحظ نقرات التعشيق )‪ (Mortaise‬على‬
‫الواجهة اخللفية لألعتاب والطنف وتسم برتميم هيكل البناء وفتحة قاعات العبادة وهو ما يوحي بوجود‬
‫السقف‪( .‬أنظر الشكل‪)6 :‬‬
‫إن اهلندسة املعمارية هلذا املعبد ليست ذات إبداع كبري‪ ،‬فالرومان كانوا حباجة ملكان إلقامة طقوس دينية‪،‬‬
‫ونعين عبادة "االسقيليبيوس" والذي احتل مكانة كبرية يف تفسري األحال ‪ ،‬فاألوفياء هلذا اإلله أيتون إليه حبثا عن‬
‫الشفاء‪ ،‬وأحياان يقضون الليل يف املعبد أو جبواره لكي يفسر هلم الكهنة أحالمهم أو ليقدموا هلم العالج املالئم‬
‫ملشاكلهم أو أمراضهم‪.‬‬
‫وكانت عبادة االسقيليبيوس منتشرة بكثرة يف أوساط جنود الفرقة األوغسطية الثالثة نظرا للتعب الذهين‬
‫يف املعسكرات واملراكز‪ ،‬كما أن التنقالت الروتينية يف احلمالت العسكرية من منطقة إىل أخر‪ ،‬يؤدي إىل انتقال‬
‫وانتشار األمراض‪ ،‬دون أن ننسى أخطار اجلروح اليت ال مفر منها يف هذه املهنة‪ ،‬كل هذا جعل اجلنود يفضلون‬
‫هذا اإلله‪ ،‬ومن أمثلة املكانة الكبرية هلذين اإلهلني جند أن قائد الفرقة خالل الفرتة ‪ 241- 242‬وهو برتونيوس‬
‫إيستوس)‪ (Petronius Iustus‬قد شكر لإلله "اجييا"حتت عنوان "اآلهلة اجليدة أو النافعة" )‪(Bona Dea‬‬
‫ألهنا أعادت له الصحة‪ ،‬وهذا ما يفسر احلضور القوي لالسقيليبيوس يف "ملباز"‪ ،‬وميكن القول أيضا أن معظم‬
‫اآلهلة املوجودة يف "ملباز"أدخلها قادة الفرقة األوغسطية الثالثة‪.‬‬
‫إضافة إىل هذا املعبد الرئيسي جند عدد معترب من املعابد الصغرية ذات عمودين )‪ (Distyle‬مكرسة‬
‫للعبادة‪ ،‬تنقسم طبوغرافيا إىل ثالث جمموعات‪ ،‬واليت جندها يف الساحة مصطفة خلف معبد "االسقيليبيوس"‪ ،‬أما‬
‫)‪(2‬‬
‫النوع األخري فهو عموما قليل وجنده يف ملحقات احلمامات على اجلانب اجلنويب للفناء‪.‬‬
‫احلديث عن معبد "االسقيليبيوس" يقودان للحديث عن اآلهلة املعبودة يف"ملباز" من طرف جنود الفرقة‬
‫فنجد اإلهلني "اسقيليبيوس" و"اجييا"‪ ،‬اللذان كانت تصنع هلما متاثيل ذات أصول إغريقية‪ ،‬ما يدل على متازج ديين‬
‫إغريقي‪-‬روماين‪ ،‬وعلى الرغم من انتشار عبادة "اسقيليبيوس" يف كل مشال إفريقيا إال أن النموذج اللمبازي هو‬
‫األبرز‪ ،‬أما "اجييا" فنجده هو األخر يف نوميداي وطنجة‪ ،‬وكان متثال "االسقييلبيوس" ميثل مع كلب يف "ملباز"‪ .‬ومع‬
‫)‪(3‬‬
‫ديك يف "قرطاج"‪ ،‬أي أن هناك عدة أنواع من التماثيل تنسب له‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Janon (M), Lambèse Capitale, P-P 36-37.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-Ibid, P-P 36-37.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Benseddik (N), Esculape et hygiène Afrique : classicisme et originalité, antiquités, 1997, P-P 149-150.‬‬

‫‪100‬‬
‫لـمبــاز املدينة واملعسكر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫الشكل رقم ‪ :08‬املخطط التفصيلي ملعبد اإلسقيليبيوس‪.‬‬

‫املرجع‪Michel Janon: Lambèse capitale militaire de l’Afrique romaine, ed : Nerthe, 2005, P33,:‬‬

‫‪101‬‬
‫لـمبــاز املدينة واملعسكر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ورغم سيطرة "االسقيليبيوس"على احلر الديين اللمبازي وهو ما تدل عليه النقوش منذ سنة ‪ 134‬إىل غاية‬
‫القرن الرابع امليالدي‪ ،‬إال أننا جند آهلة أخر‪ ،‬هلا مكانة هامة‪ ،‬فمجمع اآلهلة يف "ملباز" يتكون من آهلة جد متباينة‬
‫حيث جند آهلة دخيلة على إفريقيا وأخر‪ ،‬حملية وسنحاول إبراز أهم اآلهلة املشكلة للبانثيون اللمبازي‪:‬‬

‫‪ -1‬اآلهلة الرمسية‪ :‬وه ـي‪:‬‬


‫أ‪-‬اإلله منرفـــــا‪:‬‬
‫يرمز إىل احلرب واحلكمة واإلسرتاتيجية والذكاء وحىت الطهارة‪ ،‬الذي جند له هيكل أنشئ عند وادي"نشاب"‬
‫إىل الشمال من الرباتيوريو ‪ ،‬وهذا اإلله مبجل يف ملباز تقريبا مثل "جوبيرت"و "يونو" و"مارس"‪-‬إله احلرب‪ -‬أو حىت‬
‫آهلة أخر‪ ،‬مثل اإلله "فورتوان" )‪ (Fortuna‬إله احلظ و"دايان")‪ (Diane‬إله الصيد‪ ،‬وجند نقش مهدي له من‬
‫طرف وحدة ا ملائة التابعة للفرفة األوغسطية الثالثة‪ ،‬ولدينا ثالثة نصوص أخر‪ ،‬موجه لـ"منريفا"واحد منها مؤرخ بني‬
‫‪ 132-136‬صدر من طرف جندي متقاعد‪ ،‬والنصني اآلخرين صدرا من قبل إداريني ماليني يعمالن يف الفرقة‪،‬‬
‫مع وجود نص خامس صدر من قبل كاهن‪ ،‬يعود اترخيه على األرج إىل القرن الثاين للميالد‪.‬‬
‫ب‪-‬اإلله مركوريوس )‪:(Mercurius‬‬
‫اإلله احلامي للتجارة والتجار عند الرومان‪ ،‬والذي احتل مكانة جد هامة من خالل العدد الكبري من الواثئق‬
‫والنقوش اليت عثر عليها يف "ملباز"‪ ،‬منها متثال من الرخا ومتثالني من الربونز‪ ،‬مت العثور عليهما يف مكان بني‬
‫معسكر ‪ 21‬و"الكابتول" املعروف ابسم ساحة "االسقيليبيوس"‪ ،‬لدينا أيضا تسعة نقوش له‪ ،‬أربع منها صادرة من‬
‫طرف حكا مقاطعة نوميداي‪ ،‬على أنه هناك ستة من هذه النقوش موجهة هلذا اإلله لوحده‪ ،‬ونصني يشرتك فيهما‬
‫مع آهلة أخر‪( ،‬منريفا)‪.‬‬
‫‪-4‬آهلة جمردة‪:‬‬
‫أ‪-‬اإللـه فورتونا‪ :‬هو أحد اآلهلة الرومانية اليت ترمز إىل احلظ‪ ،‬وجند مخسة نقوش مسجلة على شرف هذا اإلله‬
‫)‪(1‬‬
‫يف ملباز‪.‬‬
‫ب‪-‬اإلله "الرا" املعروفة بـاحلامية"جين")‪ : (Genii‬هي آهلة التدبري املنزيل أو رعاية العائلة‪ ،‬وجند يف "ملباز"‬
‫عدة نقوش مهداة على شرفه‪ ،‬وهذا يف املعسكر أو املدينة‪ ،‬يؤرخ هذا اإلله إىل بداية التقسيم الرابعي زمن‬
‫"دقلداينوس" أي منذ ‪ 223‬أو هناية القرن الثالث للميالد‪ ،‬وهناك من ير‪ ،‬أنه كان قبل هذا التاريخ‪ ،‬وابلضبط‬
‫إىل إقامة معبد اإلله"سلفانوس" إله الغاابت‪ ،‬أي يف النصف األول من القرن الثالث للميالد‪.‬‬

‫‪1 -Le Glay (M), la vie religieuse à Lambèse d’après de nouveaux documents, antiquités africaines, 1971 P-P‬‬
‫‪126-137.‬‬

‫‪102‬‬
‫لـمبــاز املدينة واملعسكر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫‪-3‬اآلهلة اإلفريقية‪:‬‬
‫أ‪-‬اآلهلة املورية‪:‬‬

‫مت العثور سنة ‪ 1634‬مشال شرق "الربوتوريو " على هيكل لبعض اآلهلة املورية‪ ،‬مع وجود عدة واثئق تشري‬
‫إىل عبادة هذه اآلهلة‪ ،‬فمن بني مخس نصوص مت العثور عليها جند أربعة أهداها جنود الفرقة هلذا اإلله‪ ،‬أحدهم هو‬
‫قائد لوحدة املائة‪ ،‬أما النص اخلامس فصدر من كاهن )‪ (Sacerclos‬كتحية إىل "أنطونيوس" قائد الفرقة‬
‫األوغسطية الثالثة‪.‬‬
‫ب‪-‬اإلله ساتورن )‪:(Saturne‬‬

‫هو إله الزراعة واحلصاد عند الرومان وهو إستمرار لبعل محون‪ ،‬وهناك تقريبا ‪ 16‬وثيقة مرتبطة بعبادة هذا‬
‫اإلله يف "ملباز" مت إحصاؤها مؤخرا‪.‬‬
‫‪-2‬آهلة أجنبية‪:‬‬
‫أ‪-‬اإلله سلفانوس )‪:(Silvain‬‬

‫هو إله الغاابت‪ ،‬والذي جند هيكل له مكسور يف القمة ابلقرب من معبد االسقيليبيوس‪ ،‬ونشري هنا إىل أن‬
‫قاعات هذا املعبد مت بناؤها يف عهد اإلمرباطور "ماركوس أورل" وسابقه "دوكيوس فروس "الذي جند فيه إهداء‬
‫لإلله "سلفانوس"‪ ،‬ونالحظ أن هذا اإلله حظي يف "ملباز" مبكانة خاصة ما جعل البعض يعتقد أبنه مت إهداؤه أكثر‬
‫)‪(1‬‬
‫من قاعة يف هذا املعبد‪ ،‬كما مت اكتشاف هيكلني خمصصان لـ"سلفانوس" أنشأمها حكا املعسكر‪.‬‬
‫ب‪-‬اإلله ميرتا )‪:(Mithra‬‬

‫هو إله إيراين قدمي تشري معظم الدالئل إىل أصوله اهلندو‪-‬أوروبية‪ ،‬والذي ترعرع عند جموس آسيا الصغر‪،‬‬
‫وانتقل إىل بقية املناطق‪ ،‬وهو إله الشمس والعدالة والعقود واحلرب‪ ،‬وتدل اكتشافات النقوش الكتابية على وجود‬
‫عبادة هذا اإلله يف "ملباز"‪ ،‬حيث يف سنة ‪ 1611‬مت اكتشاف "امليرتايو " )‪-(Mithraeum‬معبد عبادة اإلله‬
‫ميرتا‪-‬وجند يف هذا املعبد ثالث هياكل‪ ،‬وجنده ابلضبط عند هناية الشارع الذي ميتد إىل الشرق من معبد‬
‫)‪(2‬‬
‫"االسقيليبيوس" واملعروف ابلشارع املقدس‪.‬‬

‫‪-1‬آهلة جمهولة‪:‬‬

‫تكشف لنا صفيحة جريية مكسورة يف الزاوية اليمىن العلوية مت العثور عليها سنة ‪ 1634‬يف اجلنوب الشرقي‬
‫من "الربايتوريو " عن وجود آهلة أخر‪ ،‬معبودة يف "ملباز"ومل يتمكن األثريون من حتديد أمساء هذه اآلهلة ابلضبط‪.‬‬
‫‪1- Le Glay (M), La vie…, P-P 137-150.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Le Glay (M), Le Mithraeum de Lambèse, A.I.B.L, V°98, N° 3,1954, P-P 270-277.‬‬

‫‪103‬‬
‫لـمبــاز املدينة واملعسكر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫وعليه نالحظ أن معظم هذه اآلهلة كانت تفضلها عناصر اجليش الروماين‪ ،‬وتعبد يف "ملباز"من طرف جنود‬
‫الفرقة األوغسطي‪ ،‬فهي متنوعة وعديدة وتكشف على أمهية الشق الديين يف حياة الفرقة واجلندي الروماين‬
‫)‪(1‬‬
‫آنذاك‪.‬‬

‫‪-2‬نصب طريق سبتميان )‪:(Septimienne‬‬


‫أ‪-‬املعبد الصغر اإلفريقي )‪:(Le Sacellum D’Africa‬‬

‫إذا استثنينا معبد صغري يقع إىل الشرق من طريق "سبتميان" وجزء كبري خمفي مبنشآت بنيت يف فرتة متأخرة‪،‬‬
‫فإن هذا املعبد هو أول ما نصادفه عند قدومنا من الشمال وهو مكرس لآلهلة اإلفريقية‪ ،‬على أنه ال توجد به أية‬
‫شواهد للنقوش الكتابية‪ .‬لكن مت العثور على واثئق أيقونية )‪ (Iconographique‬ممثلة يف عدة متاثيل غري‬
‫منظمة ومرتبة‪ ،‬منها رأس مغطى خبرطو فيل )‪ ، (Proboscis‬فخرطو الفيل هو أحد رموز "اآلهلة اإلفريقية"‬
‫)‪ ،(Déesse Africa‬أين مثلت مقاطعة إفريقيا مع يد ميىن حتمل راية كتب عليها اسم "الفرقة األوغسطية‬
‫الثالثة" أما الكتف األيسر فيحمل العديد من القرون‪ ،‬كما وجد متثال كبري "ملنريفا" دون رأس‪ ،‬وكل التماثيل املعثور‬
‫عليها حتتوي اسم إفريقيا والفرقة األوغسطية الثالثة‪ ،‬هذا املعبد اإلفريقي الصغري يتصف أبنه جد متواضع يتكون‬
‫)‪(2‬‬
‫فقط من غرفة واحدة جند هبا منفذ لألدراج ملتصقة جبدار الدرج‪.‬‬
‫ب‪-‬احلمامات‪:‬‬

‫يوجد يف "ملباز"على األقل ثالثة محامات كرب‪ ،،‬تقع هذه احلمامات يف املعسكر‪ ،‬وأخر‪ ،‬واقعة بني‬
‫املعسكر واملدينة إىل اجلنوب الشرقي من قوس "كومديوس"‪ ،‬واليت بقيت منها آاثر ال معىن هلا‪ ،‬وكلها يف عمومها‬
‫صغرية احلجم‪.‬‬

‫وتبقى احلمامات األشهر يف ملباز هي"محامات الصيادين )‪ ( Chasseurs‬الغري بعيدة عن "الكابتول"‬


‫ابلضبط يف مشاله الشرقي‪ ،‬املدخل الرئيسي هلذا احلما يقع يف اجلنوب والذي يلج بنا إىل فناء مربع‪ ،‬لكن حسب‬
‫التنقيبات األخرية فإننا جند فقط محامني جياوران اجلانب اجلنويب للساحة‪ ،‬واحد إىل الشرق وهو نوعا ما عميق‪ ،‬أما‬
‫اآلخر فهو عبارة عن منشأة معدنية عدلت عدة مرات مع ترميمات لقاعات الراحة‪ ،‬أما حنو اجلنوب فنجد عدة‬
‫مباين معزولة رمبا بعضها خمصصة للعبادة‪ ،‬هذه احلمامات تكشف عن تعقيد يف التعديالت املستمرة مرت حسب‬
‫الباحثني بثالث مراحل‪:‬‬

‫* البقااي األكثر قدما يفهم منها وجود منشأتني األوىل نوعا ما حديثة‪ ،‬هذه احلمامات ذات خمطط بناء‬
‫كالسيكي‪ ،‬إىل الشمال جند الفرن )‪(Praefurnia‬ومواقد خمصصة لتدفئة الغرف مع مؤونة الوقود‪ ،‬وجند حوضني‬
‫‪1‬‬
‫‪- Le Glay (M), La vie …, P-P 150-153.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Janon (M), Lambèse Capitale…, P 40.‬‬

‫‪104‬‬
‫لـمبــاز املدينة واملعسكر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫يضمنان التموين ابملاء‪ ،‬وابلتايل فإن أغلب عمليات الرتميم كانت تركز على اجلانب اخلدمايت‪ ،‬الواجهة األساسية‬
‫للحما تقع يف اجلنوب أين مت اكتشاف حوض سباحة يسخن انطالقا من أفران موضوعة يف الشرق‪.‬‬

‫*أما املرحلة الثانية كانت إبقامة محامات إىل الغرب من األوىل واليت ال تزال غامضة بقي منها غرفة واحدة‬
‫تقريبا مربعة مع واجهة جنوبية مقعرة‪ ،‬مع وجود عدة جدران خلفية تسندها يف مقابل هذه الغرفة‪.‬‬

‫*املرحلة األخرية نالحظ فيها تركيز على العنصر اجلمايل للواجهات يف اجلانب الشمايل وكل جوانب‬
‫احلمامات مع تعديالت للقاعات الداخلية واألبواب واملداخل بفسيفساء وفجوات حائطية‪.‬‬

‫ج‪-‬سيبتزونيوم )‪:( Le Septizonium‬‬

‫كلمة "سيبتزونيو " ظهرت واستعملت ألول مرة من قبل العامل و الراوي "سويتون" )‪- 61( (Suétone‬‬
‫‪ ،) 141‬وحسب هذا املؤرخ فإن اإلمرباطور "تيتوس" ولد سنة وفاة "كاليقوال" أي سنة ‪ - 31‬لكن "تيتوس" ولد‬
‫سنة ‪ - 46‬يف غرفة نو صغرية ومظلمة ملنزل متواضع يقع ابلقرب من "سيبتزونيو ")‪ ، (1‬وهو عبارة عن مبىن جنده‬
‫عنده الرومان ‪ -‬ظهر بوضوح منذ سنة ‪ 214‬يف عهد اإلمرباطور "سبتميوس سيفريوس"‪ -‬مقتصر على فئة معينة‬
‫ومكرس لسبعة كواكب كرب‪( ،‬الشمس والقمر والكواكب اخلمس املعروفة لد‪ ،‬القدامى)‪ ،‬وال يزال هذا االسم غري‬
‫حمدد املعىن‪ ،‬فافرتض بعض الدارسني أن هذا االسم على ما يفهم من اشتقاقه االمسي هو مبىن من سبعة أقسا أو‬
‫سبعة طوابق‪ ،‬أي سبعة )‪ (Septi‬مناطق )‪ ،(Zonium‬وهذه التسمية قريبة إىل املصطل اإلغريقي"زوديون"‬
‫)‪(Zodion‬أي فلك الربوج‪ ،‬لذلك جند يف بعض املصادر كلمة "سبتزوديو " )‪ ،( Septizodium‬هذا املبىن‬
‫الضخم جنده يف روما مقا إىل اجلنوب الشرقي من "سركوس ماكسيموس" )‪ (Circus Maximus‬أسفل جبل‬
‫"بلتني )‪ ،( Palatin‬ومت تصميمه الستقبال الزائرين لروما من اجلنوب عرب طريق أبيا )‪ ،(Via Appia‬هذا املبىن‬
‫تقدر أبعاده حبوايل ‪111‬مرت يف الطول وارتفاعه جمهول‪ ،‬لكن قد يصل إىل ‪ 41‬مرت وهو أهم مبىن أقامته األسرة‬
‫السيفريية‪.‬‬

‫واملالحظ أن النصوص الكتابية حول هذا املبىن يف إفريقيا هي منعدمة‪ ،‬أما النقوش فتظهر يف ثالث مناسبات‬
‫يف "ملباز" وإفريقيا الربوقنصلية و"كنكاري" )‪ (Cincari‬يف تونس احلالية‪ ،‬و"لسيبتزينو " أمهية مائية فهو أحياان‬
‫انفورة‪ ،‬وهذا ما نالحظه يف "ملباز"الذي يربز بوضوح رغم أنه مهد متاما وغري مكتمل التنقيب‪ .‬وتدل كل األحباث‬
‫احلديثة على أن "سيبتزينو ملباز" هو عبارة عن انفورة وله واجهة فخمة‪ ،‬جند خلفها خزان للمياه يوزع ويستقبل‬
‫املياه عرب القنوات مموان أحواض النافورة ويوجه املياه حنو األحياء واملباين‪ ،‬وجند عدة نصوص تتحدث عن إنشاء‬
‫"السيبتزينو " ومنها‪:‬‬

‫‪- Janon (M), Lambèse Capitale…, P 41.‬‬


‫‪1‬‬

‫‪105‬‬
‫لـمبــاز املدينة واملعسكر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫*نقش مسحوق أعيدت كتابته وأعيد إىل إفريز غرز احلائط الرئيسي‪.‬‬
‫*نص آخر طويل لكنه لألسف غري كامل جنده يف أعلى الواجهة‪ ،‬ويتحدث عن إقامة قناة مياه موصولة هبذا‬
‫املبىن‪.‬‬
‫*وبعد حوايل عشرين سنة جند نقوش نصبت على كتلة سط معمد تتكون من عتب ذو خصرين وسنادة‬
‫على الواجهة األساسية‪ ،‬النص حنت على السنادة )‪ (Architrave‬وميتد على عرض املبىن‪.‬‬

‫*أما آخر نقش فنحت ما بني ‪. 264-261‬‬


‫وعموما فإن الباحثني األوائل هلذا الصرح عثروا على عدد كبري من السنادات واإلفريز أثناء عملية التنقيب‪،‬‬
‫هذا الصرح يتكون من واجهة مع ثالث فجوات حائطية يف كل جانب‪ ،‬مع فجوة حمورية كبرية هبا متاثيل اآلهلة‬
‫)‪(1‬‬
‫متثل الكواكب السبعة‪.‬‬
‫د‪-‬معبد "ايزيس")‪ (Isis‬و"سرابيس" )‪:(Sérapis‬‬

‫ايزيس هي ربة القمر واألمومة لد‪ ،‬قدماء املصريني‪ ،‬واليت كان يرمز هلا ابمرأة على حاجب جبينها قرص‬
‫القمر‪ ،‬عبدها املصريون القدماء والبطاملة والرومان‪ ،‬وكلمة"ايزيس" تعين "سيدة العرش" أو"املرتبعة على العرش"‪،‬‬
‫انتقلت عبادة هته اآلهلة إىل الرومان يف هناية القرن الثاين قبل امليالد‪ ،‬ويف سنة ‪ 42‬أجاز "كاليقوال" عبادته وقا‬
‫ببناء معبد له‪ ،‬ومنذ القرن األول والثاين للميالد انتشرت معابد هذا اإلله يف كل املقاطعات الرومانية‪ ،‬أما يف‬
‫"ملباز"فنجد معبدا مكرسا هلا‪ ،‬والذي رمبا يف البداية كان خمصص لـ"سريابيس"‪ ،‬وهو مفتوح على طريق "سبتميان"‬
‫ببابني‪ ،‬بوابة كبرية حمورية وبوابة أصغر جهة اجلنوب‪ ،‬والذي عند عتبته أقيمت قناة تساهم يف نقل مياه األمطار‬
‫على األرج يف حاالت الفيضاانت‪ .‬حييط معبد"ايزيس" بساحته يف خمطط غري منتظم ومن أجل تفيف قلة‬
‫)‪(2‬‬
‫التنظيم هذه فإن الركن اجلنوب الشرقي ملعبد "ايزيس وسريابيس" متت الزايدة فيه ببضع أمتار‪.‬‬

‫إن وجود معبد هذا اإلله يف "ملباز"مؤكد من خالل جمموعة من النقوش‪ ،‬من أشهرها إهداء "إليزيس‬
‫وسريابيس" كزخرفة للمعبد سنة ‪ 112‬من قبل قائد الفرقة األوغسطية الثالثة "ماتسيوس" ‪(Matuccius‬‬
‫)‪ Fuscinus‬وهو الذي قا ببناء معبد "نبتون"إضافة إىل وجود عدة إهداءات من قبل قضاة بلدية "ملباز"‪ ،‬كما‬
‫وجد متثال "إليزيس"من قبل الباحث "قودي" سنة ‪ 1636‬ابلقرب من املعبد وهو من الرخا األبيض مكسور يف‬
‫الركبتني‪ (3)،‬أما معبد "سريابيس" فرمبا واجهته تطل على شارع املباين الواقع جنوب"ايزيس" ومت العثور على نقش‬

‫‪1- Janon (M), Lambèse Capitale…, P-P 42-43.‬‬


‫‪1- Ibid, P-P 43-47.‬‬
‫‪2- Laporte (J-L), ISIACA D’Algérie (Maurétanie, Numidie et partie de la Proconsulaire, Colloque : Isis en‬‬
‫‪occident, Lyon 2002, P-P 288-295.‬‬

‫‪106‬‬
‫لـمبــاز املدينة واملعسكر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫من سطرين ينسب هلذا املعبد‪ (1)،‬على أن الباحثني يرون أن اجلمع بني شيئني متضادين هو أمر غري منطقي متاما‬
‫فاإلله "ايزيس"مدين أما "سريابيس" فهو عسكري‪).‬أنــظــر الشـــكـــل رقم‪( 16 :‬‬

‫وابختصار ف إن وجود هذين اإلهلني يف "ملباز" جاء لدواعي مرتبطة حباجة جنود الفرقة األوغسطية الثالثة آلهلة‬
‫)‪(2‬‬
‫عسكرية مدنية‪ ،‬ويكشف على صعيد آخر التواصل احلضاري بني املصريني والرومان واألفارقة يف جمال الدين‪.‬‬
‫هـ ‪-‬قنوات نقل املياه‪:‬‬

‫تزويد املدينة العلوية واحلصون العسكرية ابملياه خيضع لنظا مسحت لنا بعض النقوش خبلق فكرة حوله‪ ،‬من‬
‫بينها النصوص املوجودة يف "السبتزينو " اليت تقد معلومات أوفر‪ ،‬فبجوار منبع "عني درين"الذي حيتل موضعا‬
‫هاما يف املدينة مت بناء معبد "نبتون" ألنه ميثل إله البحر والينابيع وقد يضاف هلم الزالزل‪ ،‬لذلك أقيم ابلقرب من‬
‫هذا املنبع‪.‬‬

‫مصدر املياه املنقولة إىل احلصون واحلمامات والنافورة الكرب‪ ،‬على األرج هو عني "بوبنانة" عرب قناة ماء‬
‫خاصة‪ ،‬أما املدينة العلوية فإننا جند هبا ‪ 11‬صفوف قناطر جلزء من قناة مائية كانت ال تزال قائمة يف بداية القرن‬
‫العشرين‪ (3)،‬جتمع شبكة قنوات "ملباز" نالحظها يف قمة دعامة من احلجر توزع املياه عربها على أطراف املدينة‪.‬‬

‫وتبقي فوهة القنوات األكثر ا تساعا هي تلك املخصصة لتزويد النافورات العامة‪ ،‬أما القناة اليمىن فهي ضيقة‬
‫نوعا ما وخمصصة لتزويد احلمامات‪ ،‬أما األخرية فماؤها موجه إىل املنازل اخلاصة‪ ،‬ويف حالة قلة منسوب مياه هذه‬
‫القنوات اليت تلتقي يف املوزع فإن املنازل اخلاصة هي األوىل اليت تقطع عنها املياه مث احلمامات‪ ،‬وابلتايل فهناك‬
‫أولوية كبرية لنافورات املدينة‪.‬‬

‫ويالحظ ارتفاع فتحات هذه القنوات الثالثة ما يشري إىل أن املنازل واملرافق العامة يف "ملباز" كانت تبقى‬
‫)‪(4‬‬
‫تستقبل املياه إىل غاية نضوب القناة متاما حىت ولو كانت كمية املياه قليلة‪.‬‬

‫‪3- Janon (M), Lambèse Capitale…, P 47.‬‬


‫‪4- Gonzales (A), Autour d’Isis : acquis et nouvelles perspectives, D. H. A, V°22, N°22,1996, P 162.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Janon (M), Lambèse Capitale…, P 47.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪-Ibid, P-P47-48.‬‬

‫‪107‬‬
‫لـمبــاز املدينة واملعسكر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫الشكل رقم ‪ :16‬املعابد والطرق ي املدينة العلوية للمباز‪.‬‬

‫املرجع‪Michel Janon: Lambèse capitale militaire de l’Afrique romaine, ed : Nerthe, 2005, P27,:‬‬

‫‪-6‬معبد صغ ر جمهول‪.‬‬ ‫‪-1‬مبىن دخول اإلسقيليبيوس‪.‬‬

‫‪-7‬طريق سبتيميان‪.‬‬ ‫‪-4‬معبد س رابـيس‪.‬‬

‫‪-6‬طريـق مركـونـة‪.‬‬ ‫‪-3‬معبد إيزيس‪.‬‬

‫‪-6‬معبد جمـهـول‪.‬‬ ‫‪-2‬السيبتزونيوم‪.‬‬

‫‪-01‬مدخل جانيب لإلسقيليبيوس‪.‬‬ ‫‪-2‬معبد إفريقيـا‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫لـمبــاز املدينة واملعسكر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫وعلى األرج كان يوجد خزان ماء واحد يف املدينة‪ ،‬وهذا من خالل مالحظة خط سري هذه القنوات‬
‫ونشري إىل أن بالطة التوزيع هي موجه حنو اجلنوب مقابل املنشآت اجلمالية للمدينة مثل "السيبتزينو " ومحامات‬
‫"شاسور" ومالحق "االسقيليبيوس"‪ ،‬هذا التوجيه للبالطة يدل على أن "ملباز" توسعت حنو الشمال على مستو‪،‬‬
‫منحدرات الرابية‪ ،‬ومن أهم القنوات اليت ال تزال قائمة يف ملباز جند القناة الواقعة على بعد ‪411‬مرت جنوب معبد‬
‫االسقيليبيوس‪ ،‬وعلى العمو يالحظ ضعف الشبكة املائية لـ"ملباز" ما جعل الرومان يبذلون جمهودات أكرب لتوفري‬
‫)‪(1‬‬
‫املياه إبقامة قنوات واليت وصل طول بعضها إىل ‪ 21‬ألف خطوة‪.‬‬

‫‪-II‬السهل ‪:‬‬
‫‪-0‬املعسكر الفيلقي‪:‬‬

‫يبقى املعسكر الفيلقي الكبري يف ملباز واحد من أهم املعسكرات العسكرية الرومانية األكثر احتفاظا‬
‫وشهرة بشكله األصلي‪ ،‬رغم أنه يف بداية القرن التاسع عشر تعرض لعمليات تريب أبرزها سنة ‪ 1211‬بعد إقامة‬
‫فرنسا لسجن شوه املوقع‪ ،‬ومسحت التنقيبات والدراسات اجلديدة بتقدمي صورة عن هذا املوقع‪.‬‬

‫تظهر لنا معطيات النقوش الكتابية والدراسات املعمارية واستعمال الصور اجلوية أبنه عرف ترميمات‬
‫وإصالحات عديدة‪ ،‬هذا املعسكر بين يف عهد اإلمرباطور "هارداينوس" مع بداية القرن الثاين للميالد‪ ،‬وبقي حتت‬
‫االستغالل على األقل إىل غاية القرن الرابع‪ ،‬على أن جنود الفرقة األوغسطية الثالثة مل يكونوا به ملدة ‪ 11‬سنة هذا‬
‫ألنه مت حلها سنة ‪ 242‬من قبل اإلمرباطور "جورداينوس" لتعود إىل نوميداي سنة ‪ ، 214‬لذلك جنهل من شغل‬
‫هذا املعسكر خالل هذه املدة ‪11-‬سنة‪ -‬وكذلك الفرتة اليت عقبت إصالحات "دقلداينوس )‪ (Dioclétien‬يف‬
‫هناية القرن الثالث امليالدي‪ ،‬هذا املعسكر سنتعرف عليه بشكل أفضل يف املبحث الثالث وسنركز فقط على مرافق‬
‫موجودة جبواره ومنها‪:‬‬
‫أ‪-‬شارع املعسكر )‪:(Le Vicus Du Camp‬‬

‫إىل الشرق من هذا املعسكر تنتشر جمموعة من األكواخ)‪ (Canabae‬مشكلة جتمع صغري وجدت به نقيشة‬
‫تشري إىل تسميته "الشارع أو احلي"‪ ،‬أما الصور اجلوية فتقد مؤشرات عن جتمع حضري نوعا ما كثيف‪ ،‬اكتشف‬
‫فيه محامات وجسر يربط طريق "مركونة" بتيمقاد‪ ،‬كما أن ضفيت وادي "بوخبوزن" مقننة حيث مت شق عدة قنوات‬
‫للمياه لتزويده ابملياه‪ ،‬وابلقرب من الواد جند ورشة لصناعة القرميد‪ ،‬ونصبني مها قوس بين يف عهد‬
‫)‪(2‬‬
‫اإلمرباطور"كومديوس" من قبل جندي أصب حاكم بلدي للحي واملدرج‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Janon (M), Recherches …, P-P 244-247.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Janon (M), Lambèse capitale…, P-P 49-57.‬‬

‫‪109‬‬
‫لـمبــاز املدينة واملعسكر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ب‪-‬املدرج )‪:( L’amphithéâtre‬‬

‫تقدر أبعاد هذا املدرج بـ ‪ 113.71‬مرت على ‪ 63‬مرت‪ ،‬أي أنه ضمن املدرجات املتوسطة احلجم‪ ،‬اجلدار‬
‫احمليط ابملدرج ذو تطيط غري منتظم مع تقطعات نوعا ما مستقيمة وأخر‪ ،‬مقعرة قليال‪ ،‬ما جيعله متباينا مع احمليط‬
‫اإلهليلجي املنتظم للحلبة ذات الشكل املستدير أببعاد تقدر بـ ‪ 72‬على ‪. 11‬‬

‫التناسب بني احللبة ومدرج اجلمهور هو نسيب‪ ،‬ألن األخرية نوعا ما ضيقة خصوصا إذا ما قورنت ابملدرجات‬
‫ذات اإلنشاء احملفر‪-‬حمفور يف الرتبة مع رفع الركا ‪-‬يف املقاطعات الرومانية‪ ،‬فهذه الطريقة ‪-‬حفر املدرج يف‬
‫األرض‪-‬اقتصادية‪ ،‬فإقامة املدرجات تتطلب يد عاملة كبرية ومتخصصة وهو أمر غري موجود يف ملباز‪.‬‬

‫جدار واجهة املدرج يقدر مسكه ‪ 1.21‬به ‪ 12‬ابب دون حساب بواابت الدخول املوجودة يف املدرجات‬
‫)‪(1‬‬
‫و‪ 64‬دعامة حائط ضخمة حبجم ‪ 1.21‬على ‪ 11‬يف كل قسم‪.‬‬

‫تتكون املدرجات من جزأين متحدا املركز‪ ،‬احللبة األوىل ذات عرض اثبت يقدر حبوايل ‪ 16‬أمتار‪ ،‬أما احللبة‬
‫الثانية فهي من الرتاب لكنها مقسمة ومدعمة أبروقة دخول عددها ‪ 12‬رواق‪ ،‬مقببة إضافة إىل البوابة اليت بنيت‬
‫يف شكل العقد من احلجارة الكبرية مع تيجان أعمدة‪.‬‬

‫أبعاد مدرجات اجلمهور تشكل يف الواقع مكان ها لتجمع مياه األمطار ألن شكلها يشبه القمع‪ ،‬ما جعل‬
‫املياه تتدفق حنو حلبة املبارزة والقاعات واألروقة التحتية واليت كان إفراغها من املياه يشكل إحد‪ ،‬أكرب املشاكل‪،‬‬
‫وللتخفيف منها مت إقامة قناتني لتصريف املياه املوجودتني على جهيت البوابة الكرب‪ ،‬يف الشمال الشرقي‪ ،‬كما جند‬
‫قناة صرف صحي مغطاة ببالطة من احلجر تصب يف وادي "بوخبوزن"‪.‬‬

‫إن التأمل يف اخلصائص املعمارية هلذا املدرج تكشف على أنه مر مبرحلتني املرحلة‪ ،‬األوىل مت فيها إقامة‬
‫األساس من قبل اجلنود حلاجة البعض للتمثيل والتسلية‪ ،‬ولبناء هذا األساس قاموا حبفر موضع حلبة املصارعة مث‬
‫طرح الرتبة على اجلوانب‪ ،‬على أن مدرجات املشاهدين رغم أهنا كانت ضيقة لكن إبمكاهنا استيعاب ‪3111‬‬
‫مشاهد‪ ،‬هذه املرحلة تؤرخ ما بني ‪ ، 176- 122‬أما املرحلة الثانية فتمثلت يف توسيعه وكان هذا عهد"ماركوس‬
‫)‪(2‬‬
‫أوريليوس"ليصب هذا املدرج يتسع لـ‪ 12‬ألف مشاهد‪.‬‬

‫هذا املدرج الذي أقيم خارج املعسكر الكبري وابلضبط يف السهل من طرف جنود الفرقة األوغسطية الثالثة‪،‬‬
‫بدأ يف تقدمي عروضه على األرج بعد أربعني سنة من إقامة الفرقة يف "ملباز" أي سنة ‪ ، 172‬ويتمثل دوره‬
‫)‪(3‬‬
‫األساسي يف تقدمي عروض خاصة ابلقتال واملصارعة والسريك للجنود واملدنيني كإحد‪ ،‬وسائل التسلية والرتفيه‪.‬‬

‫‪2- Janon (M), Lambèse capitale, P-P 56-57.‬‬


‫‪1- Ibid, P 59.‬‬
‫‪2- Benseddik (M), Lambèse, un camp.., P 171.‬‬

‫‪110‬‬
‫لـمبــاز املدينة واملعسكر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ج‪-‬عمود هادريانوس التذكاري‪:‬‬

‫هذا النصب التذكاري هو عبارة عن عمود)‪ (Colonne‬أقيم فوق قاعدة متثال عريضة من احلجارة الكبرية‬
‫املشكلة لعامدات أرضية‪ ،‬والذي حيمل خطاب اإلمرباطور "هارداينوس" املوجه إىل خمتلف وحدات اجليش الروماين‬
‫يف إفريقيا عند زايرته للمباز سنة ‪ ، 122‬دعمت قاعدة التمثال اليت يقدر ارتفاعها بـ‪ 4.21‬مبنصة من درجني‬
‫بطول ‪ 11‬أمتار يف اجلوانب وارتفاع يقدر ‪71‬سم‪ ،‬أما نصوص خطاابت اإلمرباطور فنقشت على العامدات‪ ،‬ومت‬
‫العثور على بالطة واحدة حتمل عنوان النقيشة مع استحسان اإلمرباطور للعروض العسكرية املقدمة له‪.‬‬

‫يتكون عمود "هادراينوس" على األرج من مثانية مدفات ‪-‬املدفة هي قاعدة اسطوانية لساق العمود‪-‬‬
‫ارتفاعها وقطرها يقدر من ‪ 1.61‬إىل ‪ ، 1.21‬ومن احملتمل جدا وجود متثال إمرباطوري أقيم فوق اتج العمود من‬
‫خالل العثور على قطع من الربونز وبكميات كبرية‪ ،‬وير‪ ،‬بعض الباحثني أن ارتفاعه الكلي يقدر بـ‪ 27‬وهو‬
‫ابلتأكيد إجناز هائل‪ ،‬والسؤال املطروح ملاذا متت إقامة هذا العمود التذكاري لزايرة "هارداينوس" وملاذا مل يتم بناؤه‬
‫داخل املعسكر الكبري؟‪ ،‬ولإلجابة على هذا السؤال نقول أن هذا العمود التذكاري أقيم يف معسكر املساعدين‪،‬‬
‫والذي كان يف نظر الرومان فضاء مجايل ‪-‬ساحة استعراضات‪-‬حيث أقامته جنود الفرقة األوغسطية الثالثة‬
‫للتدريبات العسكرية ولتجميع القوات‪ ،‬وعند االقتضاء تقيم فيه الفرق املساعدة‪ ،‬وبذلك فإن إقامته يف هذا املكان‬
‫هو إضافة مجالية وتذكارية واحتفالية بزايرة اإلمرباطور‪.‬‬

‫د‪-‬مقابر املدينة‪:‬‬

‫جاء يف أحد نصوص اجلنرال والعامل األثري كربوسيا )‪" (Carbuccia‬ال يزال ويف كل مكان خارج ملباز‬
‫قبور وابخلصوص يف معبد النصر‪ ،‬فنلم عدة شوارع عريضة تقودان حنو ابتنة‪ ،‬وكلهم جياورون طرق قربية"‪.‬‬

‫فالتمعن يف هذا القول وأقوال أثريني زاروا املنطقة منذ سنة ‪ ، 1236‬إضافة إىل املعطيات األثرية يؤكد وجود‬
‫عديد املقابر يف "ملباز"كانت جتاورها طرق‪ ،‬لكن املشكلة أن هذه القبور مل يبقى هلا أثر يف وقتنا احلايل وحىت‬
‫النقوش اجلنائزية هي قليلة‪ ،‬على أننا جند مقابر يف عدة أماكن حول املدينة وعلى الطريق الرابط بني املدينة العلوية‬
‫و"مركونة"‪.‬‬

‫كما وصف لنا اجلنرال املشار إليه عدة أضرحة واليت تقدر أبربعة‪ ،‬األول يقع جبانب جبال األوراس وال يزال‬
‫قائما ونالحظ به شريط مزخرف‪ ،‬وهناك قربين آخرين يستندان على جبل يف الشمال‪ ،‬أما أشهر ضري فهو‬
‫املعروف بقرب فالفيوس )‪ (Flavien‬الذي قد يكون أحد قادة الفرقة األوغسطية الثالثة أو رمبا هو حاكم ملعسكر‬
‫)‪(1‬‬
‫ملباز‪.‬‬

‫‪1- Janon (M), Lambèse Capitale…, P-P 60-66.‬‬

‫‪111‬‬
‫املبحث الثالث‪:‬‬
‫معسكــرات ملبـاز‪.‬‬
‫لـمبــاز املدينة واملعسكر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫املبحث الثالث‪ :‬معسكــرات ملبـاز‪:‬‬

‫احتل اجليش النوميدي عموما والفرقة األوغسطية الثالثة خصوصا أمهية خاصة عند الرومان‪ ،‬نظرا لقوهتا‬
‫البشرية وكفاءة جنودها الذين سامهوا يف محاية املقاطعات الرومانية‪ ،‬ونعين الربوقنصلية يف البداية مث نوميداي ومعها‬
‫موريطانيا القيصرية‪ ،‬وصوال إىل إقليم طرابلس‪ .‬وكما أشران من قبل فإن الفرقة أقامت عدة معسكرات مؤقتة هلا يف‬
‫"حيدرة" مث "تبسة" مث جاء االنتقال النهائي إىل ملباز ما بني ‪ 121- 111‬يف إطار منظومة دفاعية جديدة‬
‫ركزت على منطقة األوراس وجنوب نوميداي نظرا لألخطار احملدقة ابملصاحل الرومانية فيها‪ ،‬فهذه اجملهودات‬
‫العسكرية جاءت لاللتفاف "ابجليتول" من الشرق وملواجهة السكان البدو الرحل القاطنني جنوب "قسنطينة"‪ ،‬هذا‬
‫يف البداية انطال قا من معسكر "تبسة"‪ ،‬على أنه هناك آراء تر‪ ،‬أن الفرقة األوغسطية قبل أن تنتقل إىل ملباز‬
‫وجدت يف خنشلة وتيمقاد‪ ،‬وهي جمرد احتماالت قامت على معطيات أثرية ومواصالتية بعد إنشاء الطريق الرابط‬
‫(‪)1‬‬
‫بني خنشلة‪-‬تيمقاد الذي أنشئ سنة ‪. 111‬‬

‫واألكيد أن الوجود الروماين يف ملباز يسبق تيمقاد‪ ،‬ورمبا خنشلة ألنه كان سنة ‪ 21‬بعد إقامة فرقة‬
‫االستطالع املرسلة هناك ملعسكر يعرف اترخييا ابسم "تتيوس" )‪ (Titus‬أو "معسكر ‪ "21‬أو "املعسكر الشرقي"‪،‬‬
‫ورغم التنقيبات العديدة على موقع ملباز مل حيدد اتريخ اإلقامة النهائية للفرقة يف ملباز‪ ،‬بني من ير‪ ،‬أهنا كانت بني‬
‫‪ ،)2( 121-111‬وبني من ير‪ ،‬أهنا كانت سنة ‪ ،)3( 124‬ولكن األكيد أهنا كانت قبل سنة ‪ 122‬اتريخ زايرة‬
‫"هادراينوس" إىل ملباز‪.‬‬

‫أجريت على موقع ملباز عدة تنقيبات‪ ،‬الذي لألسف أتثر كثريا إبقامة فرنسا ملؤسسة عقابية فيه‪ ،‬ففي‬
‫التنقيبات األوىل مت اكتشاف جمموعة من النقوش الكتابية توصف ابملشوهة‪ ،‬أما جدران البناايت فبعضها كان ال‬
‫يزال قائما والبعض اآلخر اختفى‪ ،‬لذلك وصفت هذه التنقيبات األوىل ابلضعيفة‪ ،‬على أن االنطالقة الفعلية كانت‬
‫مع "رونيه" )‪ (L.Renier‬الذي اكتشف عددا معتربا من النقوش العسكرية تعود إىل عهد اإلمرباطوري لتستمر‬
‫(‪)4‬‬
‫التنقيبات مع علماء آخرون واليت مسحت لنا أعماهلم بفهم املدينة واتريخ الفرقة األوغسطية الثالثة‪.‬‬

‫كل هذه التنقيبات تكشف وبوضوح أن ملباز هي عبارة عن معسكر ومدينة عسكرية ابلدرجة األوىل من‬
‫خالل العدد املعترب من الثكنات والنقوش النصية اليت تكشف خمتلف القادة املتناوبني على قيادة الفرقة األوغسطية‬
‫والضباط واجلنود‪ ،‬كما أن النصوص اجلنائزية يف أغلبها تعود إىل اجلنود أو أفراد عائالهتم‪ ،‬وهو ما يتطلب منا‬

‫‪1‬‬
‫‪- Cagnat (R), L’armée..., P-P 429-432.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Le Bohec (Y), Histoire…, P 66.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Cagnat (R), Op cit, P 433.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Cagnat (R), Les deux camps de la légion Augusta à Lambèse d’après les fouilles récentes, imprimerie‬‬
‫‪nationale, Paris, P-P 5-8.‬‬

‫‪113‬‬
‫لـمبــاز املدينة واملعسكر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫جهدا أكرب لفهم العالقة اليت كانت قائمة بني التجمع املدين وهذه املعسكرات‪ ،‬وكيف ظهرت وتطورت إىل جانب‬
‫هذه ا ملنشآت العسكرية أو ما يصطل عليها ابلعالقة بني املعسكر واملدينة‪ ،‬فهذه املواجهة بني شيئني متناقضني‬
‫(احلرب والسلم) أاثرت اهتما العديد من الباحثني حيث الحظوا وجود فارق جغرايف بينهما جد واض ‪ ،‬ففي‬
‫املدينة السفلية جند املعسكر الكبري‪ ،‬أما املدينة العلوية فال جند هبا منشآت عسكرية‪ ،‬هذا الفصل اجلغرايف جعل‬
‫البعض يصدر آراء خاطئة متعلقة بعزلة اجلنود وتقوقعهم يف املعسكرات نظرا لتفرغهم للدفاع واالنضباط الصار‬
‫)‪(1‬‬
‫املفروض عليهم‪ ،‬هذا الرأي أطلق نتيجة التفسري اخلاطئ لعديد النصب األثرية‪.‬‬

‫جند يف ملباز ثالث معسكرات أو معسكرين وميدان للتدريب واالستعراضات العسكرية‪ ،‬األكثر أمهية وشهرة‬
‫وهو املعسكر الكبري واملقا يف سهل ميتد بني واد "بوخبوزن" وواد "تقوسرين"‪ ،‬واملعسكر الشرقي أو معسكر‬
‫"تيتوس" وأخريا املعسكر الغريب‪ ،‬واليت سنحاول التعرف عليها مجيعا‪.‬‬

‫‪-I‬املعسكر الشرقـي )‪: (Le Camp De L’Est‬‬

‫واألجدر أن يسمى معسكر "تيتوس" )‪ (Camp De Titus‬وال نعرف إن كان املقصود بتيتوس هو‬
‫اإلمرباطور "تيتوس فالفيوس" الذي حكم اإلمرباطورية الرومانية من ‪ 21-66‬والذي أنشئ هذا املعسكر يف عهده‬
‫سنة ‪ 21‬أ قائد الفرقة األوغسطية الثالثة "تيتيوس يوليانوس" )‪ ،(L.Tettius Julianus‬حيث تشري نقيشة‬
‫إهدائية عثر عليها ابلقرب من الباب اجلنويب إىل أن بناء هذا املعسكر جاء حتت أوامره وكان هذا من ‪ 1‬جويلية‬
‫)‪(2‬‬
‫إىل ‪ 41‬سبتمرب ‪ ، 21‬وهناك من يسميه أيضا "معسكر ‪ "21‬نسبة إىل سنة أتسيسه‪.‬‬

‫يعد هذا املعسكر أول منشأة للفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‪ ،‬واألكيد كما أشران من قبل أن هذه اإلقامة‬
‫األولية للمعسكر جاءت لدواعي تكتيكية وإسرتاتيجية‪ ،‬اكتشف هذا املعسكر سنة ‪ 1613‬من قبل "قودي"‬
‫)‪ (C.Godet‬الذي كان يشغل منصب مفتش التنقيبات يف تيمقاد وملباز‪ ،‬مسحت هذه العملية ابكتشاف الباب‬
‫اجلنويب والنقيشة املشار إليها واليت أرخها "لوشي" )‪ (L.Leschi‬بسنة ‪ ، 21‬لتتبعها عمليات مس وتنقيب‬
‫أخر‪ ،‬مسحت لنا مبعرفة شكل السور ومواضع األبواب األربعة وأشياء عديدة‪((3) .‬أنظر الشكل‪)01‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Janon (M), Recherches à Lambèse, …, P 200.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-Lenoir (M), Le camp …, P 184.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Janon (M), Recherches…, P 201‬‬

‫‪114‬‬
‫لـمبــاز املدينة واملعسكر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫الشكل رقم ‪ :01‬املعسكر الشرقي ي املدينة العلوية للمباز‪.‬‬

‫املرجع‪Michel Janon: Recherches à Lambèse III, essais sur le temple d’Esculape, antiquités :‬‬
‫‪Africaine, 21, 1985, P 202.‬‬

‫‪-0‬موقع املعسكــر‪:‬‬

‫‪115‬‬
‫لـمبــاز املدينة واملعسكر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫هذا املعسكر هو أول منشأة للفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز الواقعة كما أشران عند الطرف اجلنويب‬
‫الغريب للمنخفض الكبري للسبخة‪ ،‬أسفل جبال األوراس ما يسم بتحرك الدورايت العسكرية ملراقبة طريقني‬
‫رئيسيني معا‪ ،‬من اجلنوب الغريب حنو الشمال الشرقي عرب منفذ القنطرة إىل مشال جبال األوراس‪ ،‬ومن وادي العبيود‬
‫والعبدي إىل وسط جبال األوراس‪ ،‬فالطريق األول ميتد حبوايل ‪ 11‬كلم إىل الشمال الغريب‪ ،‬أما الثاين فحوايل ‪41‬‬
‫)‪(1‬‬
‫كلم إىل اجلنوب الشرقي من املعسكر‪.‬‬

‫تكتيكيا املعسكر يقع يف املدينة العلوية اليت بنيت فوق هضبة حماطة من اجلهة الغربية بطبقة جد وعرة لواد‬
‫اتزولت‪ ،‬ما جيعله يشكل حائط طبيعي ضخم للمعسكر‪ ،‬ومن املمكن أن يكون حائط سور املدينة‪ ،‬إىل الشمال‬
‫جند حاجز صخري مائ ل حنو السهل مشكال حتصينا طبيعيا للمعسكر‪ ،‬مع وجود منحدر طفيف ميتد شرقا إىل‬
‫غاية واد بوخبوزن‪ ،‬أما جنواب جند بعد منخفض طفيف أقيم فيه معبد "اإلسقيليبيوس" مرتفع يقودان حنو "عني‬
‫درين" هذا املنبع متر جبواره طريق معبدة أجنزت يف شكل متعرج‪ ،‬تعرف بطريق "سبتميان" )‪(Via Septimiana‬‬
‫)‪(2‬‬
‫واليت تربط املعسكر الكبري ابملدينة العلوية‪.‬‬
‫‪-4‬الشكــل‪:‬‬

‫جاء بناء هذا املعسكر يف شكل مستطيل أببعاد تقدر بـ ‪ 137611‬أو ‪ 132‬حسب "لسشي" على‬
‫‪ ، 116661‬ويظهر لنا خمططه أنه أيخذ شكل مستطيل غري منتظم فالزاوية الشمال‪-‬شرقية تقدر بـ‪ °2661‬أما‬
‫اجلنوب‪-‬شرقية تقدر بـ‪ ،°6161‬والشمال‪-‬غربية تقدر بـ‪ ،°6261‬أما الزاوية اجلنوب‪-‬غربية تقدر بـ‪( °2661‬هذا‬
‫الركن فقدانه وهو جماور للمعابد احمليطة بفناء "اإلسقيليبيوس" وهو ميتد ابألطوال التالية‪ :‬اجلانب الشمايل‬
‫‪ 136621‬أما اجلنويب ‪ ، 136661‬اجلانب الشرقي ‪ 121611‬والغريب ‪ ، 116661‬ومن كل هذا فإن حاصل‬
‫قسمة الطول على العرض هو ‪ ، 16244‬وهو بذلك متناسق إىل حد بعيد‪ ،‬أما مساحته فتقدر بـ ‪ 2 16671‬أي‬
‫)‪(3‬‬
‫(‪ 1666‬هكتار)‪.‬‬

‫أ‪ .‬الزوايـا (األركان)‪:‬‬

‫هي مكورة وال زلنا حنتفظ بثالثة وهي غري مدعمة وموجهة حنو الشمال‪-‬الشرقي واجلنوب‪-‬الغريب‪.‬‬

‫ب‪ .‬ال اتساقية املعسكر‪:‬‬

‫إن التفحص الدقيق ملخطط املعسكر يظهر لنا بعض التفاواتت البنائية واليت تستحق اإلشارة إليها‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Lenoir (M), Le camp..., P 184.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Ibid, P 184.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Janon (M), Recherches…, P 202.‬‬

‫‪116‬‬
‫لـمبــاز املدينة واملعسكر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫‪ -‬حماور الباب الربيتوري‪-‬الشرقي‪-‬والديكامانوس‪-‬الغريب‪-‬هي غري متطابقة‪ ،‬لكن تقريبا متوازيني حيث أهنما‬
‫متباعدين بـ ‪ ، 1621‬أما الباب الغريب فهو زائ نوعا ما حنو اجلنوب‪.‬‬

‫‪ -‬ا لطريق الرئيسي مير وسط بوابة الدخول للمقر العا * للمعسكر ووسط قاعة العبادة مشكال مع طريق‬
‫الباب الربيتوري زاوية بقدر ‪.°2‬‬

‫‪ -‬حماور البابني الرئيسيني الشمايل واجلنويب متوازاين ومتباعدان بـ ‪ 11‬أمتار‪ ،‬أما الباب الشمايل فزائ حنو‬
‫الشرق‪.‬‬

‫‪ -‬واجهة مركز القيادة تشكل مع حمور الباب الرئيسي األيسر (الباب اجلنويب) زاوية تقدر بـ ‪ °1‬حنو الشمال‬
‫الشرقي‪.‬‬

‫‪ -‬اجلدارين اللذين بني االستحكامني )‪ *(Courtine‬يف اجلانب الشرقي والغريب للبوابة ليسا مرصوفني ما‬
‫جيعلهما يشكالن زاوية تقدر بـ ‪.°261‬‬

‫هذه التفاواتت املالحظة جعلت بعض األثريني يعتقدون أهنا كانت نتيجة الرتميمات أو التعديالت‬
‫ملركز القيادة‪ ،‬أما السور فيظهر بشكل غري متجانس ومتالحم‪ ،‬ويعود هذا أيضا إىل عد مهارة املهندسني أو‬
‫(‪)1‬‬
‫خمتلف الفرق اليت تعاقبت على إجناز هذا املعسكر‪.‬‬

‫الطــرق‪:‬‬ ‫ج‪.‬‬

‫خمطط الطرق داخل املعسكر مل نتعرف عليها إىل غاية اآلن بدقة‪ ،‬لكن يبدو أن هناك طريقان ميران عليه‬
‫الطريق الرئيسي )‪ (La Via Principalis‬مير على املعسكر من الشمال إىل اجلنوب‪ ،‬واليت متر أما مركز القيادة‬
‫والطريق الربيتوري )‪ (La Via Praetoria‬الذي يربط الباب الشرقي مبنشآت مركز القيادة وال نعرف عرض هذه‬
‫(‪)2‬‬
‫الطرق‪ ،‬وكل ما نعرفه أن الطريق الرئيسي حييط جبانبه الغريب رواق معمد عرضه حوايل مرتين‪.‬‬

‫‪-3‬إستحكامات املعسكر ‪:‬‬

‫أ‪-‬السور الواق )‪ :(Rempart‬يقدر عرض أو مسك هذا السور بـ‪ ، 2671‬وال نزال حنتفظ ببعض أجزائه‬
‫ذات االرتفاع املتغري من ‪ 1611‬إىل ‪ ، 2‬املبين من الصخور اجلافة‪ ،‬كما مت بناء واجهيت جدارين من الدبش‬

‫‪1‬‬
‫‪- Lenoir (M), Le camp. ..., P 184.‬‬
‫* جدار بني استحكامني )‪ :(Courtine‬هو عبارة عن جدار غالبا ما يكون مستقيم يوجد بني استحكامني ابرزين حيث يفصلهما عن بعض‪.‬‬
‫* مركز القيادة أو املقر العا )‪ :(Principia‬جنده يف املعسكر ويتكون عادة من ساحة واملنشآت اليت حتيط هبا والبازيليك مع قاعة عبادة‪.‬‬

‫‪- Janon (M), Lambèse capitale…, P 32.‬‬


‫‪2‬‬

‫‪117‬‬
‫لـمبــاز املدينة واملعسكر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫لكنهما غري متجانسيت الرتكيب‪ ،‬الفاصل بني هاتني الواجهتني مت ملئه خبليط من الرتبة واحلصى‪ ،‬وجتدر اإلشارة إىل‬
‫تواجد بطن احلجر‪-‬الطرف األسفل غري املشذب من حجر البناء‪-‬أسفل الصخور كبرية احلجم‪ ،‬أما األبواب‬
‫فاستعمل يف بنائها قوالب من احلجر واليت مت قطعها بصعوبة‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ب‪-‬األبــراج‪ :‬ال جند أي برج على امتداد السور‪.‬‬
‫ج‪-‬األبـــواب‪:‬‬

‫أربعة أبواب مت العثور عليها يف املعسكر وكلها تقريبا تقع وسط اجلانبني الكبريين الشمايل واجلنويب بنسبة‬
‫الثلث يف الشرق والثلثني يف الغرب‪ ،‬الباب الشرقي هو الباب الربيتوري‪ ،‬والباب الغريب عند مدخل الشارع الرئيسي‬
‫(‪)2‬‬
‫أما البابني الشمايل واجلنويب فهما الباابن الرئيسيان للمعسكر‪.‬‬

‫وعند مالحظة خمطط هذه األبواب األربعة فإهنا تبدو متطابقة‪ ،‬لكن لدينا فقط وصف ورسم للباب الغريب‬
‫ألنه األكثر وضوحا يقدر عرضه بـ‪ ، 2621‬وهو غائر بـ‪ 1671‬ابلنسبة للسور‪ ،‬فناءه الداخلي يقدر عرضه‬
‫(‪)3‬‬
‫بـ‪ 4611‬وطوله ‪ ، 1671‬أما الفناء اخلارجي عرضه أيضا ‪ 4611‬وطوله حوايل ‪. 2621‬‬

‫ومت نصب عمادين متقابلني يف كل جانب على امتداد عرض البوابة بطول ‪ ، 4671‬وال يبدو أهنما أقيما على‬
‫العتبة‪ ،‬ومها بذلك يشكالن دعامة للبوابة اليت على األرج مل تكن مقببة‪ .‬على أن غياب بقااي التثبيت أو الرتصيع‬
‫مل تسم لنا مبعرفة كيفية تنظيم املصارع ونظا اإلغالق‪ ،‬أما دعاماته فقد أسندت على اجلدران‪ ،‬وهي ذات شكل‬
‫مستطيل وهذا من أجل أتطري البوابة‪ ،‬أطواهلا تقدر بـ‪ 7671‬يف العرض و‪ 3611‬يف العمق‪.‬‬
‫‪-6‬مقـر القيـادة يف املعسكـر‪:‬‬

‫املنشآت اليت مت التنقيب عنها يف وسط املعسكر هي عبارة عن جمموعة معقدة من املباين ذات وظائف خمتلفة‬
‫وسنحاول التعريف أبربعة عناصر مشكلة هلذا املقر‪ ،‬وتتمثل يف قاعة البازيليك مع مالحقها من الغرف وساحة‬
‫دائرية وثكنات‪:‬‬

‫أ‪-‬قـاعة البازيليك‪:‬‬

‫تقدر أبعادها بـ ‪ 22631‬من الشمال إىل اجلنوب على ‪ ، 17611‬وحاليا اجلدران ال تزال حتتفظ ابرتفاع‬
‫ضعيف‪ ،‬خارج اجلدار الشرقي يعتقد وجود جمموعة من الدعائم املشيدة لدعم هذا اجلدار الواقع يف منحدر‪ ،‬ويف‬

‫‪1‬‬
‫‪- Lenoir (M), Le camp.., P 185.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Janon (M), Recherches…, P-P 203-204.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Lenoir (M), Le camp.., P 185.‬‬

‫‪118‬‬
‫لـمبــاز املدينة واملعسكر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫هذا اجلانب مت فت ابب تعرفنا عليه من خالل عتبة بطول يتجاوز املرتين واليت جند خلفها قرميدة مسطحة تشري‬
‫إىل موضع جمر‪ ،‬املاء‪.‬‬

‫هذه القاعة موجهة حنو الشمال‪-‬الغريب واجلنوب‪-‬الشرقي أي عموداي مع احملور الرئيسي للمعسكر‪،‬‬
‫وأببعادها املشار إليها فهي أتخذ شكل قريب إىل املستطيل‪ ،‬مت تقسيمها إىل ثالثة أجنحة طولية من خالل صفني‬
‫بثمانية أعمدة‪ )1(،‬اجلناح املركزي يقدر عرضه بـ‪ 7671‬وهو األكثر أمهية من اجلناحني اجلانبيني اللذان ال يتجاوز‬
‫عرضهما ‪ 3‬أمتار‪ ،‬وجاءت مفتوحة على الطريق الرئيسي تقريبا يف حمور الباب الربيتوري من خالل ابب بعرض‬
‫‪ . 2‬مشال هذه القاعة جند إشارات لبقااي تريب ملا هو ابلداخل‪ ،‬أما قاعة العبادة فتقع غرب قاعة البازيليك اليت‬
‫جند مدخلها يف حمور البوابة الرئيسية‪ ،‬ويالحظ أن سطحها مرتفع مقارنة أبرضية القاعة الكرب‪ ،،‬وميكن أن منيزها‬
‫يف وضعيتني‪ ،‬األوىل أتخذ شكل مستطيل موجه حنو الشمال‪-‬الغريب والثانية إىل اجلنوب‪-‬الشرقي‪ ،‬وبذلك فهي‬
‫عمودية مع حمور الطريق الربيتوري‪ ،‬مث مت تكبريها حنو الغرب عرب صدر نصف دائري)‪ (Abside‬يصل قطره إىل‬
‫(‪)2‬‬
‫‪ 13‬ذو نتوء يف اجلدار الغريب ملركز القيادة‪.‬‬

‫كما جند احملكمة اليت تقع مشال قاعة "البازيليك" على حمور اجلناح املركزي‪ ،‬وتظهر يف شكل مصطبة‬
‫مستطيلة مرفوعة مقارنة هبذا اجلناح‪ ،‬ومل يبق منها سو‪ ،‬درجني يف مكان أدراج الدخول‪ ،‬على أنه يصعب تفسري‬
‫وجود هذه األدراج يف هذا املكان‪.‬‬

‫وإىل الشمال من احملكمة جند ابب يسم لنا ابلولوج إىل غرفة كبرية "لألسف مل تنقب جيدا" موجهة حنو‬
‫(‪)3‬‬
‫الشمال ‪-‬الشرقي واجلنوب‪-‬الغريب ابمتداد ‪ 17621‬على ‪ ، 4661‬هذه البناية تعلو رمبا غرفة دهليزيه مقببة‪.‬‬

‫ومن املخاطرة تفسري هذه املنشآت ألننا سندخل يف موضوع معقد ودون نتائج فعلية‪ ،‬ومع ذلك ميكن أن‬
‫حنتمل أهنا جمموعة من املباين غري متجانسة البناء ذات خمطط كالسيكي‪ ،‬أين مت التعرف بسهولة على اجلزء‬
‫األساسي اخللفي ملركز القيادة مع قاعة العبادة يف الوسط وقاعتني جانبيتني متجاورتني‪ ،‬ومن احملتمل أن قاعة‬
‫البازيليك أنشئت على حساب جزء من ساحة مزودة أبروقة معمدة ‪-‬صف األعمدة الذي يفصل اجلناح املركزي‬
‫عن اجلناح الغريب رمبا أقيم يف مكان أعمدة هذا الرواق املعمد‪-‬واجلزء اآلخر من اجلناح حتده الساحة من اليمني‪.‬‬

‫أبعاد مركز القيادة‪ ،‬وهذا طبعا إذا قبلنا أبهنا شيدت يف مكان قاعة "البازيليك" واجلزء اخللفي هي ‪22631‬‬
‫(على األقل من الشمال إىل اجلنوب) على ‪ 21‬من الشرق إىل الغرب مبساحة تقدر حبوايل ‪ 2 361,31‬وحىت لو‬
‫حسبنا القاعة اليت مل تنقب جيدا ‪-‬أشران إليها‪-‬وغرف أخر‪ ،‬فإن املساحة الكلية هي ‪ 2 141‬ما ميثل ‪ 44/1‬من‬
‫مساحة املعسكر‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪- Janon (M), Recherches..., P-P 203-207.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Lenoir (M), Le camp.., P 185.‬‬
‫‪3-‬‬
‫‪Janon (M), Recherches…, P-P 207-208.‬‬

‫‪119‬‬
‫لـمبــاز املدينة واملعسكر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ويالحظ أيضا أن موضع مركز القيادة يف املعسكر هو جد كالسيكي حيث يقع على بعد متساوي بني‬
‫اجلدارين الشمايل واجلنويب للمعسكر‪ ،‬إذ يبعد بـ ‪ 32‬على اجلدار الشرقي لكن ‪ 61‬على اجلدار الغريب‪.‬‬

‫ب‪-‬البنايات الداخلية والثكنات‪:‬‬

‫عند مالحظة الصورة اجلوية للمعسكر فإننا نر‪ ،‬تعقد مباين الثكنات اليت جندها غرب قاعة البازيليك‪ ،‬فكل‬
‫اجلدران املبنية من الدبش غري مشدودة جيدا‪ ،‬لذلك جند أغلبها منهارة‪ ،‬والشيء الذي أتكد منه األثريون هو‬
‫وجود جدران لثكنة مشال مركز القيادة بطول ‪ 21‬على ‪ 6631‬منفصلة عن الطريق الرئيسي من خالل صف من‬
‫(‪)1‬‬
‫الغرف الصغرية‪ ،‬وغرب قاعة العبادة جند بناية غري متقنة البناء يف شكل دائري أضيفت هلا مباين متعامدة‪.‬‬

‫هذا الوصف العا والسريع ألول معسكر أقامته الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز يقودان إىل تقدمي جمموعة من‬
‫املالحظات اهلامة‪:‬‬

‫*أقدمية هذا املعسكر شيء مؤكد‪ ،‬ليس فقط من خالل النقيشة اليت تعود إىل سنة ‪ 21‬واليت وضعت على‬
‫األرج عند الباب الشرقي‪ ،‬بل كذلك للم ظهر السيئ الذي يتواجد عليه جدار ما بني االستحكامني والذي‬
‫(‪)2‬‬
‫يفسر بقدمه وعجلة إجنازه‪.‬‬

‫*هذا املعسكر مبساحته املشار إليها إبمكانه استيعاب كتيبة ‪ 1111-111‬جندي أو حاملة راية‬
‫)‪ (Vexillatio‬وهي فرقة نظامية ترسل قصد مهمة حمددة‪ ،‬ونظرا ألن الرومان كانوا حباجة إىل التحصينات فقط‬
‫(‪)3‬‬
‫فإهنم مل يهتموا ابلعنصر اجلمايل للمعسكر‪.‬‬

‫*اختيار هذا املوقع إلقامة املعسكر يعود ملوقعه الطبيعي اهلا حيث يسم برتصد ومراقبة جمال واسع‪.‬‬

‫*على الرغم من وجود منشآت مدنية ودينية جبوار املعسكر (معبد األسقيليبيوس والكابتول)‪ ،‬لكنه استمر يف‬
‫اخلدمة واالستعمال العسكري على األقل إىل غاية القرن الثالث للميالد‪(4)،‬على أنه خالل الفرتة ما بني (‪-242‬‬
‫‪ )214‬أصب مهجورا وبصفة هنائية‪.‬‬

‫*جند يف املعسكر نقشني كتابيني هامني األول يعود إىل اتريخ ‪ 11‬جويلية ‪ 41-‬سبتمرب ‪ 21‬وجاء فيه «يف‬
‫عهد اإلمرباطور القيصر "تتوس" إبن اإلله "فسباسيانوس" وأغسطس كبري الكهنة املزود بقوة حمامي الشعب وأب‬
‫الوطن القنصل للمرة الثانية "لوسيوس تتيوس إيليانوس" القائد احلاكم اجلليل‪ ،‬الفرقة األوغسطية الثالثة وضعت‬
‫حجر أساس اجلدران واملعسكر»‪ .‬أما النقيشة الثانية فتعود إىل سنة ‪ 162‬أو ‪ 211- 166‬والذي جاء فيه «يف‬

‫‪1‬‬
‫‪- Lenoir (M), Le camp..., P-P 185-186.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Janon (M), Recherches…, P-P 209-210.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Janon (M), Lambèse…, P 32.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Janon (M), Recherches…, P 210.‬‬

‫‪120‬‬
‫لـمبــاز املدينة واملعسكر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫إطار النظا العسكري لألابطرة فإن القنصل "أنسيوس فوستوس" )‪ (Quintus Anicius Faustus‬وفرسان‬
‫)‪(1‬‬
‫اخليالة هلذا القنصل يهدونه هذا اهليكل‪-‬لإلمربطور‪.»-‬‬

‫‪- II‬املعسكر الغربـي )‪: (le camp de l’ouest‬‬

‫املعروف اترخييا ابسم "معسكر املساعدين" أو "ميدان االستعراضات العسكرية"‪ ،‬والذي أاثر آراء متباينة بني‬
‫عديد الباحثني حول إنشائه واتريخ ذلك‪ ،‬فأثناء زايرة "رونيه" للمباز الحظ على بعد ‪2‬كلم يف اجلنوب الغريب‬
‫للمعسكر الكبري وجود سور يف شكل مربع بطول ‪211‬مرت يف كل جانب‪ ،‬هذا املعسكر هو مرتفع نوعا ما وهو‬
‫الذي اكتشفت فيه قاعدة متثال لعمود نصيب وهو عمود "هادراينوس" وخطابه للفرق اإلفريقية أثناء زايرته للمباز‬
‫سنة ‪ ، 122‬فاعتقد "رونيه" أن هذا املعسكر كان خمصص للفرق املساعدة‪ ،‬أما املعسكرين اآلخرين فهما‬
‫خمصصان للجنود الفيلقيني‪ (2)،‬لكن ويلمانس )‪ (Wilmanns‬ير‪ ،‬أن ملباز مل تتواجد هبا بتاات فرق مساعدة‪ ،‬بل‬
‫أقا فيها اجلنود النظاميني للفرقة األوغسطية لوحدهم‪ ،‬ودليله يف ذلك العدد الضئيل لقبور جنود الفرق املساعدة‬
‫ليضيف‪ ،‬أبن وجود هذا املعسكر يشري إليه خطاب اإلمرباطور "هادراينوس"‪ ،‬فالفرقة األوغسطية غريت معسكرها‬
‫مرتني وبنت معسكرين جديدين‪ ،‬لذلك ير‪ ،‬أن هذا املعسكر أقا فيه جنود الفرقة األوغسطية خالل عملية إجناز‬
‫املعسكر الكبري‪ ،‬ليضيف أبن العمود الذي نقش فيه جدول أعمال اإلمرباطور أقيم يف املعسكر القدمي "معسكر‬
‫)‪(3‬‬
‫‪ "21‬مث نقل إىل هذا املعسكر ‪."...‬‬

‫هذا الرأي مل يتقبله "مومسن" )‪ ،(Mommsen‬الذي ير‪ ،‬أن جنود الفرقة أقاموا يف املعسكر الكبري قبل‬
‫زايرة اإلمرباطور‪ (4)،‬لذلك ميكن أن وصفه ابملؤقت‪ .‬وكما أشران سابقا بين هذا املعسكر يف شكل مربع بطول‬
‫‪ 211‬لكل جانب‪ ،‬أركانه مستديرة‪ ،‬عرض حائط املعسكر يقدر بـ‪ 1671‬مبين من الدبش‪(5)،‬وابستخدا الصور‬
‫اجلوية ميكن أن نالحظ بقااي طرق تربطه ابملعسكر الكبري‪ ،‬أما يف مقابل جداره الشرقي نالحظ بقااي تعود رمبا‬
‫)‪(6‬‬
‫جلدار آخر يقع داخل املعسكر‪.‬‬

‫جدار ما بني االستحكامني ذ و أركان مستديرة‪ ،‬تتخلله جمموعة من القالع نصف دائرية‪ ،‬واليت يعتقد‬
‫"كانيا" أهنا عبارة عن خزاانت مياه‪ ،‬الدخول إىل هذا املعسكر يكون عرب اببني فقط‪ ،‬واحد يف اجلانب الشرقي‪،‬‬
‫واآلخر يف اجلانب الغريب‪ ،‬ومل يكتشف داخل املعسكر بقااي ملباين الثكنة‪( .‬أنظر الشكل‪)00:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Lenoir (M), Le camp…., P 186.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Cagnat (R), l’armée, P 434‬‬
‫‪3‬‬
‫‪-Wilmanns (G), Etude sur le camp et la ville de Lambèse, traduite par : H.Thédenat, Ed.thorin, 1884, P-P 07-‬‬
‫‪10.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Cagnat (R), l’armée, P 435.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Gsell (S), Les monuments…, P 76.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Janon (M), Recherches…, P 210.‬‬

‫‪121‬‬
‫لـمبــاز املدينة واملعسكر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫الشكل رقم ‪ :00‬املخطط العام للمعسكر الغريب‪.‬‬

‫صحراوي (ع‪.‬ق)‪ ،‬التحصينات العسكرية بنوميداي وموريطانيا القيصرية أثناء االحتالل الروماين (‪ 64‬ق‪.‬م‪ 486-‬م)‪ ،‬دار‬ ‫املرجع‪:‬‬
‫اهلدى‪ ،‬عني مليلة اجلزائر‪ ،‬ص ‪.64‬‬

‫‪122‬‬
‫لـمبــاز املدينة واملعسكر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫يف وسط املعسكر مت العثور على شظااي نصب تذكاري أقيم على شرف زايرة اإلمرباطور‪ ،‬وعلى بنايتني‬
‫كبريتني رمبا تقيم فيها كتيبة خمصصة لتماثيل الفرسان‪ ،‬ويبقى االكتشاف األكثر أمهية يف هذا املعسكر هو صفيحة‬
‫الرخا املكسورة اليت حتمل نص فيه عنوان جدول أعمال الزايرة اإلمرباطورية‪ ،‬هذه الوثيقة الكتابية الطويلة نقشت‬
‫على أربع عمادات مستط يلة األساس تعلوها تيجان‪ ،‬تتضمن اخلطاب الذي ألقاه اإلمرباطور على جنود الفرقة‬
‫األوغسطية الثالثة وخمتلف كتائبها املساعدة وكان هذا زمن الليقاتوس "فابيوس كاتولنوس" ‪(Q.Fabius‬‬
‫)‪(1‬‬
‫)‪ ، Catullinus‬كما قدمت الفرقة لإلمرباطور استعراض عسكري على شرف زايرته‪.‬‬
‫‪ -‬مالحظات عامة حول املعسكر‪:‬‬

‫*أيخذ شكل املربع ابمتداد ‪ 211‬يف كل جانب ويبعد بـ ‪12‬كلم غرب املعسكر الكبري‪.‬‬

‫*يوجد فيه فقط اببني‪ ،‬واحد مفتوح يف اجلدار الشرقي‪ ،‬واآلخر يف الغريب‪.‬‬

‫*اكتشف فيه ‪ 13‬حصن نصف دائري مغطى ابإلمسنت‪.‬‬

‫*تسمية هذا املعسكر مبعسكر املساعدين تسمية غري دقيقة يف ظل انعدا مباين للثكنات بداخله‪.‬‬

‫*هناك فرضية أبن هذا املعسكر هو أول معسكر أقامته الفرقة األوغسطية الثالثة عندما انتقلت إىل ملباز‬
‫)‪(2‬‬
‫‪ ، 121- 111‬حيث أقا فيه اجلنود إىل غاية االنتهاء من إجناز املعسكر الكبري‪.‬‬

‫‪ - III‬املعسكر الكبيـر )‪: (Le Grand Camp‬‬


‫‪-0‬ملـحـة تـاريـخـيـة‪:‬‬

‫املعسكر الكبري واملقر الرئيسي للفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‪ ،‬رغم شهرته الكبرية إال أننا ال نزال ال نعرف‬
‫عنه الكثري‪ ،‬حيث نعتمد يف دراسته ابألساس على وصف "كانيا" الذي قدمه لنا سنيت ‪ 1262‬و‪ ، 1612‬إضافة‬
‫إىل أعمال جمموعة من األثريني األملان اليت ركزت على مركز القيادة وضواحيها‪ ،‬فهذا املعسكر الذي بين يف عهد‬
‫"ترااينوس" (‪ ) 116- 62‬كان مقر قيادة وإقامة الفرقة األوغسطية الثالثة ألكثر من قرنني‪.‬‬

‫‪-4‬املوقــع‪:‬‬

‫تغري مقر الفرقة األوغسطية الثالثة من "تبسة" إىل "ملباز" يسجل وبوضوح انتقاهلا حنو الغرب يف مركز الشدة‬
‫والثقل العسكري وهي منطقة األوراس اليت ركز عليها اإلمرباطور "ترااينوس" وخليفته "هادراينوس"‪ ،‬يقع هذا‬
‫املعسكر هندسيا وسط عدد معترب من احلاميات املقامة يف األوراس وجنوب نوميداي وموريطانيا واجلنوب التونسي‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Janon (M), Recherches…: P-P 210-211.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Janon (M), Lambèse…, P 60.‬‬

‫‪123‬‬
‫لـمبــاز املدينة واملعسكر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫وابلتايل فإن هذا املعسكر جاء ألخذ أمهية جهوية كان حيتلها معسكر "تيتوس"‪ ،‬وملراقبة طرق املواصالت عرب‬
‫)‪(1‬‬
‫األوراس املتوجهة حنو مشال املقاطعات الرومانية‪.‬‬

‫بين املعسكر الكبري على بعد ‪ 164‬كلم إىل الشمال‪-‬الغريب ملعسكر "تيتوس" على منحدر خفيف مييل من‬
‫اجلنوب حنو الشمال‪ ،‬من الزاوية اجلنوب‪-‬شرقية إىل الزاوية الشمال‪-‬شرقية ابمتداد ‪ ، 111‬ما خلق فارق يف‬
‫مستو‪ ،‬سط األرض يقدر بـ‪ ، 12‬أي احندار بنسبة ‪ (2).%467‬تزويده ابملياه كانت مضمونة ابألساس بفضل‬
‫جر مياه منبعني مها "عني درين" و"عني بوبنانة" )‪ (Ain Bou Bennana‬مت ربطهما ابملعسكر بواسطة قنوات‬
‫حتت األرض‪.‬‬

‫التنقيبات األوىل اليت قا هبا الكولونيل "كربوسيا" )‪ (Carbuccia‬يف مركز القيادة كشفت لنا عن قبو‬
‫مقبب مغطي ابملالط ‪-‬خليط من الرمل والكلس‪-‬عرضه ‪ 1‬وارتفاعه ‪ ، 1661‬والذي على األرج كان الفرع‬
‫الرئيسي للقناة الدهليزية‪ ،‬وإذا كان معسكر "تيتوس" قد عرف ظهور وتطور املدينة حوله‪ ،‬فإنه ابلقرب من‬
‫املعسكر الكبري ظهر تطور وجتمع حضري أخذ تقريبا شكل املستطيل‪ ،‬كما جند إىل الشرق مقربة شاسعة‪.‬‬

‫‪-3‬الشكــل‪:‬‬

‫كما أشران من قبل فإن قيا السلطات االستعمارية الفرنسية ببناء مؤسسة عقابية يف اجلزء اجلنوب‪-‬غريب‬
‫للمعسكر أثر على هذا املعسكر وشكله العا ‪ ،‬فنحن نعرف الكثري عن اجلزء الشمايل الذي يف جمموعه ال ميثل‬
‫سو‪ 1/2 ،‬من املساحة احلقيقية املعسكر‪(3).‬وبشكل عا أيخذ املعسكر شكل مستطيل منتظم أببعاد تقدر‬
‫ب‪ 111‬على ‪ ، 321‬أي أن حاصل قسمة الطول على العرض ‪ 1,161‬وهي مثالية‪ ،‬املساحة تقدر بـ‬
‫)‪(4‬‬
‫‪ 2 211.111‬أي ‪ 21‬هكتار‪ ،‬هذا املعسكر موجه تقريبا حول اجلهات األصلية من اجلنوب حنو الشمال‪.‬‬

‫‪- 2‬األركــان‪:‬‬

‫األركان هي مستديرة ومزودة بدعامات من قوس الدائرة‪ ،‬به نتوء تقدر مبرتين على اجلدار الداخلي لسور‬
‫)‪(5‬‬
‫احلماية دون وجود نتوءات خارجية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Janon (M), Recherches…, P-P 199-201.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Lenoir (M), Le camp, P 187.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Ibid, P 187.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Gsell (S), Les monuments.., P 78.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Lenoir (M), Le camp..., P 187.‬‬

‫‪124‬‬
‫لـمبــاز املدينة واملعسكر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫‪- 2‬الطـــرق‪:‬‬

‫على امتداد املعسكر جند طريقني مها الطريق" الربيتوري" والطريق الرئيسي‪ ،‬ومها مستقيمني‪ ،‬يقدر طول الطريق‬
‫الربيتوري بـ ‪ ، 134‬أما الطريق الرئيسي ‪ 211‬لكل من اجلزء الشرقي والغريب‪ ،‬عرض األول هو ‪ 12,21‬أي‬
‫حوايل ‪ 31‬قد ‪ ،‬أما الطريق الرئيسي القريب من مركز القيادة فعرضه ‪ 12.11‬أي ‪ 32,1‬قد ‪ ،‬وكال الطريقني‬
‫تقريبا على طول امتدادمها حماطان يف احلافتني برواق معمد عرضه ‪ 3621‬ومها مبلطتان‪ .‬وجتدر اإلشارة أن هذه‬
‫األروقة املعمدة احملاذية هلذين الطريقني ال تستند على واجهة مركز القيادة و"القروما" املنعزلتني عن مركز املعسكر‪.‬‬

‫إىل الشرق من "القروما" عرض الطريق الرئيسي يتقلص تقريبا إىل النصف (من ‪ 12621‬إىل ‪ ،) 2621‬نظرا‬
‫لوجود بنايتني تقطعان الرواقان اجلانبيني ابمتداد ‪ 12621‬انطالقا من واجهة القروما‪ ،‬وعلى احلافة الشمالية للطريق‬
‫الرئيسي جند حجر أساس مربع أببعاد ‪ 3611‬يف كل جانب‪ ،‬واليت على األرج كانت تدعم نقش نصيب أو متثال‬
‫شريف‪ ،‬أما احلافة اجلنوبية فنجد هبا متحف للحورايت )‪ * (Nymphée‬يتكون من مبىن نصف دائري مسط‬
‫حماط جبناحني مستقيمني يشغالن كل الفضاء املوجود بني الرواق والقروما‪ ،‬هذا املبىن‪-‬املتحف‪ -‬يسبقه حوض‬
‫مزين يف حماورة بفجوة )‪ **(Niche‬نصف دائرية يسبقها معبد صغري ذو نتوء حماطة بعمودين‪ ،‬ويف اجلوانب جند‬
‫عمود ذو قاعدة‪ ،‬أما األجنحة فهي األخر‪ ،‬مزودة بفجوات يسبقها معبد صغري حماط أبعمدة مشاهبة لتلك اليت‬
‫)‪(1‬‬
‫تزين خلفية املبىن النصف دائري‪ ،‬فجوات املبىن واألجنحة تكمن أمهيتها يف محاية التماثيل‪.‬‬

‫كما جند طريق سوقي )‪- (Via Quintana‬طريق يقا ابلقرب من السوق والشارع العرضي للمعسكر‬
‫ويكون خلف الربيتوريو ‪-‬يقدر طوله بـ ‪- 21‬وهو طول الواجهة اخللفية (جنوب‪-‬شرق) ملركز القيادة‪-‬وعرض هذا‬
‫الطريق ‪ 6621‬وحياذيه يف احلافة اجلنوبية رواق معمد بعرض ‪. 3‬‬

‫خلف مقر القيادة إىل اجلنوب منيز عند رؤية خمطط املعسكر طريق موجه حنو الشمال‪-‬جنوب حماط برواق‬
‫معمد يف حافتها الشرقية وعلى األرج هي طريق الديكامانوس )‪ ،(Via Decumana‬وابلتوازي مع الطريق‬
‫الرئيسي جند طريق عرضها ‪ 11‬أمتار تقسم "الربتنتور" )‪ (Prétenture‬إىل جزأين غري متساويني لذلك تسمى‬
‫بـ"الطريق الربتنتوري"‪ .‬ويف "الرتنتور" )‪-(Rétenture‬اجلزء اجلنويب من املعسكر‪-‬جند طريق بعرض ‪ 11‬أمتار يقطع‬

‫* متحف احلورايت‪ :‬عبارة عن بناية خمصصة الستقبال املاء وتكون مزينة بتماثيل ومزهرايت وأروقة‪.‬‬
‫** فجوة احلائط‪ :‬هو تغريز أو تغلغل يف مسك اجلدار لوضع متثال أو نصف متثال أو زهرية‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪- Lenoir (M), Le camp,… P 187.‬‬

‫‪125‬‬
‫لـمبــاز املدينة واملعسكر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫املعسكر من الشرق إىل الغرب ابلتوازي مع طريق السوق والطريق الرئيسي‪ ،‬وتقسم هذه الطريق "الرتنتور" إىل‬
‫قسمني متساويني لكن ال جند أي رواق معمد على حافة هذا الطريق ويسمي هذا الطريق "ابلطريق الرتنتوري"‪.‬‬

‫)‪(1‬‬
‫‪-6‬التحصينــات‪ :‬ال نالحظ وجود خندق حــول املعسكــر‪.‬‬
‫‪- 7‬ســور املعسكــر‪:‬‬

‫يتميز سور املعسكر أبنه غري متساوي العرض‪ ،‬وهذا رمبا يعود لعمليات الرتميم واإلصالح املتعاقبة عليه‪،‬‬
‫فاجلانب الشرقي يقدر عرضه ما بني ‪ ، 7-1‬أما اجلانب الغريب حوايل ‪ 1621‬والشمايل بـ ‪ 3621‬فقط‪ ،‬البابني‬
‫الشرقي والغريب مت تعديلهما‪ ،‬فيذكر لنا "رونيه" عند قيامه بعمليات التنقيب أن هذا السور كان آنذاك ارتفاعه ‪13‬‬
‫أمتار‪ ،‬وهو مزود مبرتاس‪-‬ما يتسرت به من العدو ويتحصن وراءه عند إطالق النار‪-‬لديه أربعة مداخل‪ ،‬وهي أربعة‬
‫أدراج واقعة يف ركنني معروفني وخلف برجي الباب اجلنويب ‪-‬الباب الربيتوري‪.-‬‬

‫‪- 6‬األبــــراج‪:‬‬

‫أشران من قبل أن ‪ 1/2‬فقط من هذا املعسكر مت التعرف عليه‪ ،‬لذلك فنحن ال نعرف عدد أبراجه بدقة‪ ،‬على‬
‫أن ذلك التباعد املنتظم لألبراج املكتشفة جعل الباحثني يعتقدون بوجود متاثل‪ ،‬فنجد ‪ 13‬أبراج يف اجلوانب‬
‫القصرية (مت التعرف على أربعة يف اجلانب الشمايل)‪ ،‬و‪ 11‬أبراج على اجلوانب الطويلة (مت التعرف على برجني يف‬
‫اجلانب الغريب)‪ ،‬هذه األبراج تقسم جدران ما بني االستحكامني إىل أقسا متساوية بطول ‪ 71‬مرت لكل قسم‬
‫النصف الشمايل للسور مقسم إىل ‪ 14‬أجزاء (برجني) واجلزء اجلنويب قسم إىل أربعة أجزاء (‪ 13‬أبراج)‪.‬‬

‫هذه األبراج مستطيلة الشكل‪ ،‬يقدر طوهلا بـ ‪ 17‬أمتار (متوازية مع السور) ذات نتوء يف اجلدار الداخلي بـ‬
‫)‪(2‬‬
‫‪ ، 14611‬وجند برج واحد فقط ذو نتوء خارجي بـ ‪ ، 11‬ويعتقد أهنا كانت حتتوي على آالت قذف ورماية‪.‬‬

‫‪- 6‬األبــــواب‪:‬‬
‫)‪(3‬‬
‫إال أننا تعرفنا على ثالث أبواب فقط يف‬ ‫رغم أن "قزال" يذكر أبنه كان هناك ابب على كل جانب‪،‬‬
‫املعسكر‪ ،‬الباب الربيتوري يف اجلانب الشمايل‪ ،‬واببني رئيسيني يف الشرق والغرب‪ .‬الباب الشمايل هو الباب‬
‫الربيتوري ويقع وسط جدار ما بني االستحكامني‪ ،‬ذو ممر مزدوج‪ ،‬الشرقي عرضه ‪ 4661‬والغريب ‪13‬أمتار‪ ،‬وأما‬

‫‪1‬‬
‫‪- Lenoir (M), Le camp, P 188.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Ibid, P 188.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Gsell (S), Les monuments.., P 79.‬‬

‫‪126‬‬
‫لـمبــاز املدينة واملعسكر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫هذين البابني –املمرين‪-‬اللذان أقيما يف األما ابملقارنة مع تراصف سور املعسكر وبني الربجني احملصنني للممر جند‬
‫فناء عرضه ‪ 11‬وعمق ‪. 1621‬‬

‫مدخل املمر قسم إىل حيزين يتصالن معا من خالل ابب‪ ،‬يقدر عمقهما بـ ‪ ، 3671‬عرض احليز الشرقي‬
‫‪ 3671‬أما الغريب ‪( 3661‬املساحة إذن ‪ 2 21617‬أو ‪ ،)2 22613‬وعلى األرج فإن الباب الشمايل قد عرف‬
‫عمليات إصالح وإعادة تصميم‪ ،‬وبذلك فالربجني احملصنني للممر مها يف الواقع يتكوانن من جزأين جد خمتلفني‪.‬‬

‫البابني الشرقي والغريب مها البابني الرئيسيني‪ ،‬ومها جد زائحني حنو الشمال‪ ،‬ويقسمان السور إىل قسمني‬
‫متساويني‪ ،‬بنسبة ‪ 6/2‬جلدار ما بني االستحكامني الشمايل و‪ 6/1‬جلدار ما بني االستحكامني اجلنويب‪ ،‬هذين‬
‫البابني أيضا هلما ممرين مزدوجني‪ ،‬على أن كالمها متساويني‪ ،‬فالباب الشرقي عرضه ‪ 4671‬أما املمر الغريب فيقدر‬
‫ب‪ 2,11‬ابلنسبة للممر الشمايل و ‪ 4,11‬للممر اجلنويب‪ ،‬وكال البابني حمصنني بربجني أيخذان شكل مستطيل‬
‫مكسور الزوااي‪ ،‬هذه األبراج طوهلا (عمودية مع السور) ‪ ، 11,21‬أما العرض ‪ 2,31‬للباب الشرقي و ‪6,61‬‬
‫)‪(1‬‬
‫ابلنسبة للباب الغريب‪.‬‬

‫‪ -10‬مركز القيادة )‪: (Principia‬‬


‫أ ‪-‬الشكـل واألبعــاد‪:‬‬

‫يظهر مركز القيادة على شكل مستطيل موجه من الشمال‪-‬اجلنوب بطول ‪ 66621‬وعرض ‪ ، 26611‬مت‬
‫توسيعه من خالل أربعة مباين نصف دائرية ذات نتوء يف اجلدار اجلنويب‪ ،‬ويف وسط واجهته الشمالية جند مدخل‬
‫نصيب ضخم يعرف على أنه "القروما"‪ ،‬هذه الصدور األربعة‪-‬املباين‪-‬ملركز القيادة ال تنتمي إىل التصميم األصلي‪،‬‬
‫فمساحاهتا ليست ذات أمهية ابملقارنة مع املساحة الكلية ملركز القيادة والقروما املقدرة ب ‪ ،2 6461621‬مركز‬
‫القيادة لوحده ‪ ،2 2242662‬وبذلك فإن مركز القيادة مع القروما ميثل ‪ 22/1‬من مساحة املعسكر‪ ،‬ولوحده‬
‫ميثل ‪.23/1‬‬

‫ب‪-‬املـوقــع‪:‬‬

‫كما أشران من قبل‪ ،‬فإن مركز القيادة موجه من الشمال إىل اجلنوب مثل املعسكر‪ ،‬لكن حموره الرئيسي يظهر‬
‫أنه مائل قليال حنو الشرق ابملقارنة مع حمور الطريق الربيتوري‪ ،‬يقع على بعد متساوي بني اجلانبني الغريب والشرقي‬

‫‪1‬‬
‫‪- Lenoir (M), Le camp…, P-P 188.‬‬

‫‪127‬‬
‫لـمبــاز املدينة واملعسكر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫للمعسكر لكنه يبعد بـ ‪ 174‬عن اجلهة الشمالية و‪ 241‬عن اجلهة اجلنوبية‪ .‬على أن مركز القيادة غري مفتوح‬
‫على طرق املعسكر‪ ،‬ملقر القيادة مخسة مداخل‪ ،‬األول مدخل فخم منظم عرب "القروما" املعروف ابلربيتوريو أي‬
‫)‪(1‬‬
‫مقر قائد الفرقة األوغسطية الثالثة‪ ،‬ومدخلني على اجلانبني الشرقي والغريب‪ ،‬ومدخلني يف الواجهة اجلنوبية‪.‬‬

‫ج‪ -‬الربيتوريـوم )‪:(Prétoire‬‬

‫واليت أشران إليها من قبل وهي عبارة عن بناية ال تزال واقفة إىل غاية يومنا هذا وتشتهر هبا "ملباز"‪ ،‬تندرج‬
‫ضمن بناايت مركز القيادة )‪ ،(Principia‬والذي أاثر اهتما العديد من الباحثني األملان واإلجنليز‬
‫)‪(2‬‬
‫والفرنسيني‪.‬‬

‫هذا الصرح عبارة عن بناية كبرية أتخذ شكل مستطيل بطول ‪ 47671‬إىل ‪ 46‬وعرض ‪ ، 24‬موجهة من‬
‫الشمال إىل اجلنوب‪ ،‬الواجهتني الشمالية واجلنوبية هلما ثالث أبواب مقببة‪ ،‬أما الواجهتني الشرقية والغربية فنجد‬
‫فيهما أربعة أبواب‪ ،‬الواجهة اجلنوبية تقريبا مثل الشمالية هلا ابب بعرض ‪ ، 1612‬ضمن رواق مقنطر مزين بعقاب‬
‫ابسط اجلناحني‪ ،‬وبقربه يوجد اببني أقل عرضا (‪ ، ) 12671‬أما الواجهتني الشرقية والغربية كما ذكران هلما أربعة‬
‫أبواب مزينة بعامدات كورنثية‪ ،‬األبواب الثالث األوىل تشكل واجهة متجانسة تضم بوابة كرب‪ ،‬بعرض ‪6661‬‬
‫الواقعة بني اببني صغريين بعرض ‪ ، 2663‬والباب الرابع عرضه ‪ ، 4624‬هذه البناية أعيد بناؤها يف عهد اإلمرباطور‬
‫"جاليانوس" أببعاد جديدة (‪ 24621‬شرق‪-‬غرب و‪ 24611‬مشال‪-‬جنوب) وهي مطابقة تقريبا للبناية اليت بنيت‬
‫يف عهد "هادراينوس" والربيتوريو أو القروما ال تزال إىل غاية يومنا احلايل قائمة ابرتفاع يصل إىل مخسة عشر‬
‫)‪(3‬‬
‫مرتا‪.‬‬

‫د‪-‬تركيبة مركـز القيـادة‪:‬‬

‫مت تنظيم مركز القيادة على مستويني‪ ،‬املستو‪ ،‬السفلي جند فيه ساحة حماطة أبروقة معمدة‪ ،‬أما املستو‪،‬‬
‫العلوي جند فيها قاعة ابزيليك كرب‪ ،‬حماطة حبجرات متنوعة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Lenoir (M), Le camp, P 189.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Cagnat (R), L’armée…, P-P 463-464.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Ibid, P-P 463-467.‬‬

‫‪128‬‬
‫لـمبــاز املدينة واملعسكر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫‪ -‬املستوى السفلي‪:‬‬

‫الذي جند فيه فناء مبلط ابلكامل موجه عموداي مع حمور البناية‪ ،‬يقدر طوله بـ‪ 74,11‬وعرضه ‪، 46631‬‬
‫جند يف هذا الفناء عمودين ذو طراز أيوين )‪ (Ionique‬أما الباب املركزي للربيتوريو ‪ ،‬هذا الفناء حماط أبروقة من‬
‫ثالث جهات الشرقي والغريب والشمايل‪ ،‬على أن الرواق الشمايل مقطوع أما "الربيتوريو "‪.‬‬

‫جند عادة يف اجلزء املركزي ستة حجرات‪ ،‬مخسة منها تطل على الفناء‪ ،‬أما السادسة نصل إليها عرب‬
‫الربيتوريو ‪ (1).‬أما اجلزئني اجلانبني األمين واأليسر‪ -‬الشرقي والغريب‪ -‬فيتكوانن من ‪ 14‬حجرة وهي متجاورة نظرا‬
‫لطول جوانبها‪ ،‬أبعادها على العمو ‪ 1621‬على ‪ ، 4671‬هذه احلجرات متطابقة مع غرف مصنع األسلحة‬
‫)‪ ،(Armamentaria‬اجل زء اخللفي يتكون من مباين جندها يف اجلزء العلوي‪ .‬على أنه جتدر اإلشارة إىل وجود‬
‫)‪(2‬‬
‫سط مرفوع حبوايل ‪ 1673‬مقارنة مبستو‪ ،‬الفناء موسع يف مركزه مبنصة ذات نتوء بـ‪. 2661‬‬

‫‪ -‬املستوى العلـوي‪ :‬والذي لألسف فقدان ركنه الشمال‪-‬شرقي‪ ،‬وهو يشرف على الفناء املبلط حبوايل‬
‫‪ 2661‬ويتكون هذا املستو‪ ،‬من األما إىل الوراء من قاعة "ابزيليك" مقامة عرضيا مع حمور البناية وحماطة‬
‫حبجرات من الشرق إىل الغرب‪ ،‬جنوب هذه القاعة جند جمموعة من الغرف‪ ،‬ويف وسطهم جند قاعة للعبادة‪.‬‬

‫‪ -‬قـاعة العبـادة‪:‬‬

‫تقع وسط الواجهة اجلنوبية وهي أتخذ شكل مستطيل موسعة من خالل صدر بناية ذو نتوء يف اخلارج على‬
‫الطريق اخلامس )‪ (Quintaine‬أضيف على األرج يف العهد السيفريي‪ .‬أما صدر البناية مت العثور على قاعدة‬
‫أساس مذب )‪ ،(3(Autel‬هذه القاعدة يالحظ أهنا مرتفعة بـ‪ 1674‬ابملقارنة مع قاعة البازيليك‪ ،‬وكذلك صدر‬
‫البناية هو اآلخر مرفوع ما مس إبقامة قبو حتته مكون من ‪ 11‬غرف مقببة يتم الوصول إليها من خالل سلم ذو‬
‫)‪(4‬‬
‫سبعة أدراج‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Lenoir (M), Le camp…, P 190.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Ibid,… P 190.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Cagnat (R), L’armée…, P-P 483-484.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Janon (M), Lambèse…, P 55.‬‬

‫‪129‬‬
‫لـمبــاز املدينة واملعسكر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫هـ‪-‬قـاعة البازيليك‪:‬‬

‫تشغل اجلزء األمامي املركزي للتجمع البنائي‪ ،‬وهي عبارة عن بناية ذات ثالث أجنحة مفصولة بصف‬
‫)‪(1‬‬
‫اجلناح املركزي هو بعرض ‪ ، 13644‬أما اجلناحني اجلانبيني الشمايل ‪ 1621‬واجلنويب ‪ ، 3631‬كما‬ ‫أعمدة‪،‬‬
‫اكتشف يف صف األعمدة اجلنويب جمموعة من األسس على األرج كانت حتمل متاثيل‪ .‬جبوار قاعة العبادة جند‬
‫قاعتني أتخذان شكل مستطيل واحدة يف الشرق واألخر‪ ،‬يف الغرب مت توسيعهما من خالل صدر بناية بنيت يف‬
‫العهد السيفريي‪.‬‬

‫وتعرفنا سابقا على وجود مستشفى يف املعسكر‪ ،‬وهو ما تؤكده بعض النقوش‪ ،‬أين جنده يف اجلهة الغربية‬
‫"للربتنتور"‪ ،‬ويتكون من فناء حماط أبروقة معمدة يف ثالث جهات‪ ،‬هذا الفناء مفتوحة فيه غرف بطول ‪ 11‬أمتار‬
‫وعرض من ‪ 12‬أمتار إىل ‪ 11‬أمتار‪( ،‬األبعاد هي ‪ 76,21‬على ‪ 32,31‬أي ‪ 21‬غرفة يف اجملموع) ‪ ،‬وعليه فإن‬
‫هذه الغرف تبدو أكرب نوعا ما من األبعاد املتعارف عليها لغرف املستشفيات‪ ،‬ما جعل "كانيا" يعتربها خمزن أو‬
‫مستودع للحصاد‪ ،‬كما جند مستودع آخر يف "الربتنتور" يف اجلهة الغربية وهو عبارة عن بناية أببعاد ‪ 76.21‬على‬
‫‪ 43‬موجه من الشما ل إىل اجلنوب وتتألف من مخسة غرف طولية‪ ،‬كما جند بناية اثلثة يعتقد أهنا عبارة عن‬
‫مستودع للحصاد )‪ ،(Horreum‬إضافة إىل مستودع أخر يف "الربتنتور"يف اجلهة الشرقية أببعاد ‪ 61‬على ‪، 22‬‬
‫وإىل شرق هذه البناية جند حظرية مسقوفة مدعمة بعمادات مركزية‪.‬‬

‫‪-00‬احلمَّـامـات‪:‬‬

‫جن دها يف "الرتنتور" على اجلهة اليسر‪( ،‬الشرقية) هي عبارة عن بناية واسعة موجهة من الشمال إىل اجلنوب‬
‫بطول ‪ 61‬على ‪ 12‬أي أن مساحتها ‪ 2 3171‬وهي تضم ‪ 21‬غرفة‪ ،‬هذه احلمامات ذات حلقتني‪ ،‬القاعات‬
‫الساخنة يف منتصف البناية وهي حماطة بقاعتني ابردتني‪ ،‬وكل حلقة تتشكل من ثالث قاعات ساخنة وواحدة‬
‫)‪(2‬‬
‫ابردة وكلها حماطة بغرف خدمات‪.‬‬

‫كما جند بناية معرفة على أهنا مصنع أو ورشة )‪ (Fabrica‬وتتشكل من ثالثة قاعات كرب‪ ،‬جاءت بشكل‬
‫حرف ‪ U‬حوهلا فناء حماط أبروقة معمدة من ثالث جهات وحتده صف أعمدة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Janon (M), Lambèse, P 53‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Lenoir (M), Le camp, P-P 190-191.‬‬

‫‪130‬‬
‫لـمبــاز املدينة واملعسكر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫‪-04‬مبـاني أخـرى‪:‬‬
‫‪ -‬مساكن الضباط‪:‬‬

‫تقع يف "الربت نتور" على طول الطريق الرئيسي اليت تفصل الثكنات ومباين اخلدمات‪ ،‬وبذلك فإن مساكن‬
‫الضباط هي مكونة من جمموعتني يفصل بينهما الطريق الربيتوري‪ ،‬أبعادها تقدر حبوايل ‪ 211‬يف الطول على‬
‫‪ ، 42‬على أن هذه املساكن هي جد خمربة ما يصعب وضع خمطط هلا أو التمييز بني "البيوت"‪ ،‬واليت يصفها‬
‫)‪(1‬‬
‫"كانيا" جمموعة من الغرف مؤمنة اخلدمات من خالل رواق وجممعة حول مساحات مزينة أبحواض مياه"‪.‬‬

‫‪ -‬حظائر ختزين العربات وصناعتها‪:‬‬

‫على احلافة اليمىن (الغربية) للطريق الربيتوري وابلقرب من البوابة جند بناية مستطيلة (‪ 37‬على ‪) 17641‬‬
‫وعلى األرج فإهنا كانت خمصصة لتخزين العرابت أو آالت احلرب املتحركة‪.‬‬

‫‪ -‬الثكنــات‪:‬‬

‫كما أشران من قبل فإننا جندها يف ملباز ويف املعسكر الكبري على وجه اخلصوص يف "الربتنتور" يف اجلانب‬
‫األيسر (الشرقي) ملقر القيادة ويف "الرتنتور"‪ ،‬لكن يالحظ أن الثكنات املوجودة يف "الربتنتور" هي اليت فقط‬
‫مكتملة البناء والتنظيم‪ ،‬ويعتقد أهنا مجيعا بنفس التصميم‪ ،‬جاءت موجهة من الشمال إىل اجلنوب ابلتوازي مع‬
‫حمور الطريق الربيتوري ابستثناء ثكنات الرتنتور اليت جاءت عمودية‪ ،‬كل ثكنة هي مزدوجة تتكون من جزئني تقريبا‬
‫)‪(2‬‬
‫متناظرين ابلنسبة حملور طويل‪ ،‬اجلزء املتوسط جند فيه جمموعة من الغرف حماطة برواق معمد‪.‬‬

‫‪ -‬ثكنات الربتنتور‪:‬‬

‫هي موازية للطريق الربيتوري طوهلا حوايل ‪ 67,11‬وعرضها ‪ 47,11‬يف اجلهة الشرقية و‪ 41,11‬يف اجلهة‬
‫الغربية‪ ،‬ابستثناء الثكنة "الغربية ‪ 7/1‬اليت يقدر عرضها بـ ‪ ، 43‬الساحة املركزية حماطة أبروقة معمدة بطول ‪72‬‬
‫وعرض ‪ 2‬أمتار يف الثكنات الشرقية‪ ،‬و‪ 6611‬يف الثكنتني الغربيتني و‪ 361‬مرت فقط يف الثكنة الغربية‪.‬‬

‫ثكنات قادة املائة هي بطول ‪ 21‬وعرض ‪ 11611‬لكن هذا العرض يتقلص إىل ‪ 14631‬يف الثكنة الشرقية‬
‫الثالثة‪ ،‬ويالحظ كذلك أن عدد الغرف متغري من ‪ 11‬إىل ‪ 16‬يف كل وحدة‪ .‬ثكنات القوات هي بطول ‪72‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Cagnat (R), L’armée, P-P 507-509.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Lenoir (M), Le camp, P-P 191-192.‬‬

‫‪131‬‬
‫لـمبــاز املدينة واملعسكر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫وعرض ‪( 11,21‬من ‪ 11,41‬إىل ‪ ) 11,41‬وتضم ‪ 14‬غرفة وكلها مقسمة إىل جزئني غري متساويني‪ ،‬اجلزء‬
‫املتقد هو األقل‪ ،‬وهي مرتبطة مبستودع األسلحة‪ ،‬أما اجلزء اخللفي فيشكل مكاتب الغرف‪ ،‬طول هذه الغرف هو‬
‫‪ 17‬أمتار وعرضها ‪ ، 3,11‬كل جزء أو قسم من الثكنة أيوي وحدة مئوية‪.‬‬

‫‪ -‬ثكنات اجلانب األيسر (الشرقي) ملقر قائد الفرقة‪:‬‬

‫على األرج هي ثالثة موجهة من الشمال إىل اجلنوب طوهلا ‪ 67‬وعرضها ‪ ، 11‬الثكنة الوسطى يف شكل‬
‫مثلث‪ ،‬ويف وسط الفناء جند صف من احلجرات‪ ،‬الساحة الفاصلة بني هذه الثكنات طوهلا ‪ 33‬وعرضها متغري‬
‫‪ 12‬للثكنة الشرقية و‪ 43‬للثكنة الشرقية األخر‪ ،،‬أبعاد هذه الثكنات ووجود مخسة مساكن فقط أببعادها‬
‫وتعقدها مع أطوال غرف جنود القوات جعل بعض املؤرخني يعتربون أن الكتيبة األوىل للفرقة األوغسطية هي اليت‬
‫كانت تقيم هبا‪) (1).‬أنــــــظــــر الشــــكـــل رقم ‪( 04‬‬

‫‪ -‬مالحظات حول املعسكر الكبيــر‪:‬‬

‫*إىل غاية اليو مل يتم العثور على نقوش إهدائية تكشف لنا ابلتدقيق اتريخ إنشاء هذا املعسكر‪ ،‬على أن‬
‫أقد نقيشة مت العثور عليها يف املعسكر تعود إىل سنة ‪ 126‬أين مت يف هذه السنة إجناز مقر القيادة‪.‬‬

‫*من املعروف أن حاملة راية )‪ (Vexillatio‬اتبعة للفرقة األوغسطية الثالثة أقامت يف ملباز منذ سنة ‪21‬‬
‫والتحول الكلي للفرقة األوغسطية الثالثة وإنشاء املعسكر الكبري حسب املؤرخني كان يف عهد "ترااينوس" وعلى‬
‫األرج خالل السنوات األوىل من حكمه‪ ،‬أي حوايل سنة ‪ ، 111‬على أن العدد القليل جدا لعمالت هذا‬
‫اإلمرباطور يف "ملباز" جعل هذه الفكرة ضعيفة وتعوضها فكرة أن التحول واإلنشاء كان يف أواخر عهده‪ ،‬وبذلك‬
‫ميكن أن نتقبل أن بداية إنشاء املعسكر على أبعد تقدير كان سنة ‪ 113‬وهو نفس سنة االنتهاء من إنشاء‬
‫املعسكر‪ ،‬ليأيت االنتقال ما بني ‪. 121-111‬‬

‫*عرف املعسكر جمموعة من األحداث اهلامة ابعتباره املقر الرئيسي للفرقة األوغسطية الثالثة ألكثر من قرنني‬
‫واليت سنشري إىل بعضها يف الفصل الثالث‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Lenoir (M), Le camp, P-P 192-193.‬‬

‫‪132‬‬
‫لـمبــاز املدينة واملعسكر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫*أشران من قبل إىل حدوث عدة تعديالت وترميمات يف عدة مباين داخل املعسكر‪ ،‬واجلديرة ابلذكر ترميم‬
‫السور وأبراج األبواب الشرقي والغريب خالل الفرتة ‪ ، 121- 162‬كما حدث يف العهد السيفريي تغيري لبناية مقر‬
‫القيادة واليت صعب على الباحثني حتديد موقعها واتريخ إنشائها ابلتدقيق‪.‬‬

‫*بعد أحداث سنة ‪( 242‬اتريخ حل الفرقة) يبدو أن املعسكر بقي خاليا إىل غاية سنة ‪ 214‬اتريخ عودة‬
‫الفرقة من جديد‪ ،‬واليت صاحبتها بعض الصعوابت نظرا ألن منشآت مقر القيادة وابخلصوص "القروما" قد عرفت‬
‫)‪(1‬‬
‫إعادة إنشاء يف عهد "جاليانوس" خالل الفرتة ‪. 272- 276‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- lenoir (M), Le camp…, P-P 193-194.‬‬

‫‪133‬‬
‫لـمبــاز املدينة واملعسكر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫الشكل رقم ‪ :04‬املخطط التفصيلي ملرافق ومنشآت املعسكر الكب ر ي ملباز‪.‬‬

‫املرجع‪Michel Janon: Lambèse capitale militaire de l’Afrique romaine, ed : Nerthe, 2005, P50:‬‬

‫أما األرقام الرومانية فتبني مواقع ثكنات الكتائب العشرة للفرقة األوغسطية الثالثة‪.‬‬

‫‪-7‬مساكن لوحدات املائة‪-03 .‬مساكن املعفيني من اخلدمة العسكرية‪.‬‬ ‫‪-0‬مقر القيادة‪.‬‬

‫‪-02‬ثكنة الكتيبة األوىل‪.‬‬ ‫‪-6‬ورشة جنار العرابت‪.‬‬ ‫‪-4‬الورشة‪.‬‬

‫‪-3‬مساكن املعفيني من اخلدمة العسكرية‪-6 .‬سكنات لوحدات املائة‪-02 .‬مباين احلمامات‪.‬‬

‫‪-06‬منازل الضباط‪.‬‬ ‫‪-01‬املخازن‪.‬‬ ‫‪-2‬الورشة‪.‬‬

‫‪-07‬متحف احلورايت امللتصق ابلقروما‪.‬‬ ‫‪-00‬الورشة‪.‬‬ ‫‪-2‬ثكنة لوحدة املائة‪.‬‬

‫‪-04‬هري‪-‬خمزن الغالل‪-06 .‬األماكن املقرتحة للمستشفى‪.‬‬ ‫‪-6‬بيوت اخلالء‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‪:‬‬
‫املبحث األول‪ :‬الفرقة يف عهد األسرة األنتونية (‪064-66‬م)‪.‬‬

‫املبحث الثاني‪ :‬الفرقة األوغسطية الثالثة يف العهد السيفري (‪-063‬‬


‫‪.)432‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬حل الفرقة وتأثراتها يف خمتلف اجملاالت‬


‫املبحث األول‪:‬‬
‫الفرقة يف عهد األسرة األنتونية (‪064-66‬م)‪:‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‬ ‫الفصل الثالث‬

‫املبحث األول‪ :‬الفرقة يف عهد األسرة األنتونية (‪064-66‬م)‪:‬‬

‫بوصول األسرة األنتونية )‪ (Les Antonins‬إىل العرش عرفت إفريقيا ما ميكن أن نسميه إبعادة التنظيم‪،‬‬
‫فبنجاح محلة "فوليوس رفوس" )‪ (C.Velius Rufus‬وهو ضابط من طبقة الفرسان على قبائل املور يف موريطانيا‬
‫سنة ‪ 24‬مبساعدة الفرقة األوغسطية الثالثة‪ ،‬والذي أصب فيما بعد قائد الكتيبة احلضرية الثالثة عشر املتواجدة‬
‫بقرطاج‪ ،‬تكون قد انتهت فرتة هامة من قمع الثورات لتبدأ مرحلة جديدة يف عملية حتصني احلدود اجلنوبية‬
‫لنوميداي وموريطانيا‪)1(.‬ويتفق املؤرخون على أن مرحلة أو قرن "األنتونيني" قد ساده السلم واهلدوء من خالل قلة‬
‫الصراع العسكري يف مقابل تطور وازدهار القطاعات االقتصادية والتطور الكبري للزراعة‪ ،‬مع صعوابت ظهرت يف‬
‫(‪)2‬‬
‫عهد اإلمرباطور "ماركوس أوريليوس"(‪ ) 121-171‬مست ابخلصوص إفريقيا‪.‬‬

‫إىل غاية بداية حكم هذه األسرة سيطر الرومان على املنطقة اجلنوبية من إفريقيا الربوقنصلية وموريطانيا‪ ،‬لكن‬
‫بدرجة أقل على نوميداي اليت ستأخذ احليز األكرب من اجلهود العسكرية الرومانية‪ ،‬فربزت جهود للتوسع يف نوميداي‬
‫ميكن وصفها ابملرتبة واملنظمة واملتسلسلة‪ ،‬فبدأت روما بعملياهتا ضد القبائل شبه البدوية مث القبائل البدوية‬
‫الصحراوية‪ ،‬هذه اجلهود املخططة والقوية حققت واحدة من أهم أهداف روما األساسية وهي التوسع حنو اجلنوب‬
‫ما زاد من جمال السيطرة الرومانية‪.‬‬

‫وسامهت العمليات العسكرية اليت قامت هبا الفرقة األوغسطية الثالثة يف فرض اهليمنة الرومانية على إفريقيا‪،‬‬
‫فبعد توقف مؤقت للعمليات العسكرية عادت وبطرق جديدة منذ عهد "فسباسيانوس" الذي ابشر إبعادة تنظيم‬
‫املقاطعات الرومانية‪ ،‬وظهر بشكل جلي يف العهد "األنتوين" القلق الروماين من خطر البدو الرعاة‪ ،‬لذلك‬
‫سينتهجون سياسة جديدة يتم الرتكيز فيها على إقامة طرق جديدة ومستوطنات للجنود املتقاعدين مع زايدة وترية‬
‫مصادرة أراضي القبائل املهزومة أو املطرودة إلرساء ما يسمى ابلسلم الروماين‪ ،‬مستفيدين من عدد قواهتم املعترب‬
‫(‪)3‬‬
‫مع الشقاق الداخلي وقلة تنظيم القبائل اإلفريقية‪ ،‬فحاول الرومان استغالل كل هذه الظروف لصاحلهم‪.‬‬

‫لذل ك خصص سابقوهم "الفالفيني" نفقات حربية كبرية وقدموا الدعم الكبري للفرقة األوغسطية لتحقق هلم‬
‫هذا التوسع والسلم املرجو‪ ،‬والذي أشران إليه من قبل من خالل حتويل معسكرها من حيدرة حنو تبسة سنة ‪61‬‬
‫(‪)4‬‬
‫وترقية حيدرة إىل مستوطنة يسكنها قدماء احملاربني‪.‬‬

‫ليتبعه إقامة معسكر للفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز سنة ‪ 21‬والذي ميكنه أن نسميه ابإلرسال‬
‫االستطالعي ملنطقة األوراس هذا املعسكر املعروف مبعسكر ‪ 21‬أو معسكر "تيتوس " أو املعسكر الشرقي‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Benabou (M), La résistance…, P 113.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Le Bohec (Y), Histoire…, P 66.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Benabou (M), La résistance …, P-P 13-14.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Decret (F) et Fantar (M), Op.Cit, P171.‬‬

‫‪137‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‬ ‫الفصل الثالث‬

‫والذي أقيم بسرعة على موقع تكتيكي ها ‪ ،‬وإن كان املؤرخ بينابو )‪ (Benabou‬يعتقد أبن هذه اإلقامة يف ملباز‬
‫(‪)2‬‬
‫كانت منذ سنة ‪ )1( 61‬على أن الفرقة األوغسطية الثالثة مل تنتقل إىل "ملباز" هنائيا إال ما بني ‪. 121-111‬‬

‫إن إقامة هذا املعسكر األويل للفرقة يف "ملباز"تعود لدواعي تتمثل يف زايدة فعالية اجليش الروماين من جهة‪،‬‬
‫ووضع قاعدة عسكرية قريبة من مسرح عمليات جديدة أال وهي "األوراس"‪ ،‬وبذلك أقا جزء من قوات الفرقة‬
‫األوغسطية الثالثة معسكرا هلم يف ملباز‪ ،‬وكما أشران من قبل فان موقع هذا املعسكر يقدر علوه بـ‪ 1211‬مرت على‬
‫مستو‪ ،‬سط البحر‪ ،‬هذا املوقع جند يف مشاله الغريب انتشار ظاهرة االنتجاع للبدو املنتقلني من السهول العليا يف‬
‫قسنطينة حنو القنطرة أو بسكرة‪ ،‬وبذلك ساهم هذا املعسكر أو املركز األويل يف مراقبة تنقل األشخاص واملمرات‬
‫(‪)3‬‬
‫واألودية‪.‬‬

‫لكن ينبغي اإلشارة لألعمال األوىل قا هبا "الفالفيون" ذات األمهية الكبرية واليت ستظهر نتائجها فيما بعد‪،‬‬
‫ونقصد إقامة مراكز عسكرية عند خمتلف احملاور والنقاط اإلسرتاتيجية يف نواحي خنشلة )‪ (Mascula‬ومحا‬
‫الصاحلني)‪ (Aquae Flavianae‬وعني الزوي )‪(Vazaivi‬إىل اجلنوب الشرقي من خنشلة‪ ،‬هذه املراكز‬
‫العسكرية تدخل يف إطار خمطط إمجايل لليمس مشال األوراس‪ ،‬فإذا كان الليمس يعين يف عهد "دومسيانوس"‬
‫وترااينوس" طريق عسكري خيد املؤسسة العسكرية والسياسة الدفاعية‪ ،‬فإنه منذ عهد "هارداينوس" أصب يشري‬
‫إىل خط حدودي ذو مدلول قانوين أكثر منه عسكري‪ .‬هذه املراكز املقامة سوف تدعم بقوات متخصصة من‬
‫سوراي لكنها اتبعة لقيادة الفرقة األوغسطية الثالثة‪)4(،‬لتأيت بعدها مرحلة إقامة جمموعة من املستوطنات مت اختيار‬
‫مواقعها بدقة ابلقرب من املراكز حلمايتها‪ ،‬ويف جنوب الظهري التونسي عالوة على "حيدرة" اليت يسكنها قدماء‬
‫احملاربني جند "القصرين" اليت مت إنشاؤها سنة ‪ ، 21‬وعلى التخو الشمال الشرقية لألوراس أقيمت مداوروش‬
‫)‪ 11(Madauros‬كلم جنوب سوق أهراس‪ ،‬ويندرج كل هذا يف إطار أهداف إسرتاتيجية متمثلة يف تطويق‬
‫قبائل "املوزوالمي" املنتشرين يف هذا اإلقليم والبدو الرحل املتواجدين إىل الشمال الغريب‪ ،‬وبذلك مت الفصل بني‬
‫نوميداي واجليتول‪ ،‬األمر الذي ساهم حسب املؤرخني إىل بداية ممارسة الزراعة واإلستقرار من قبل هؤالء الرحل إىل‬
‫(‪)5‬‬
‫جانب احلياة الرعوية‪ ،‬كما مت إقامة مستوطنة بني "ملباز"و"تيمقاد" وهي هنشري توشني)‪.(Lambafundi‬‬

‫وأثناء هذه الفرتة كانت الفرقة األوغسطية الثالثة تقو بعدة وظائف عسكرية ودفاعية يف نفس الفرتة‪ ،‬البداية‬
‫كانت مع املنظومة الدفاعية للظهري التونسي اليت أشران إليها من قبل‪ ،‬وبعد ثورة اتكفاريناس أقامت"النظا‬

‫‪1‬‬
‫‪- Benabou (M), La résistance, P 109.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Janon (M), Recherches à Lambèse …, P-P 212-213.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Decret (F) et Fnatar (M), Op.Cit, P 171‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Benabou (M), la résistance, P 114.‬‬
‫القيصرية أثناء االحتالل الروماين (‪ 37‬ق‪ ،) 223- .‬دار اهلد‪ ،‬عني مليلة‬ ‫‪ -5‬عبد القادر صحراوي‪ ،‬التحصينات العسكرية بنوميداي وموريطانيا‬
‫اجلزائر‪ ،2111،‬ص‪.21‬‬

‫‪138‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‬ ‫الفصل الثالث‬

‫الدفاعي القسنطيين"حيث أقامت إحد‪ ،‬كتائبها وهي اجلناح األول البانوين حصن "عني فوة" ‪(Castellum‬‬
‫)‪ Phuensium‬وعدة حصون بوادي العثمانية مبيلة‪ ،‬وعني الكرمة يف الطارف ويف جبل شطابة )‪(Chettaba‬‬
‫بقسنطينة الذي يصل ارتفاعه إىل حوايل ‪ 1277‬والذي اكتشف به معسكرين اتبعني لكتائب الفرقة األوغسطية‬
‫الثالثة‪ ،‬قد يكوانن معسكرين أو ميدانني للتدريب كما جند جنود الكتيبة السابعة اللوزيتانية ‪(La VII Cohorte‬‬
‫)‪ De Lusitans‬يف ميلة خالل هذه الفرتة‪ ،‬وأيضا الكتيبة الرتاقية الثانية )‪(La II Cohorte de Thraces‬‬
‫اليت شغلت رمبا مركز برج القصر )‪ (Sila‬يف نفس السنوات أيضا‪ ،‬لتتوسع املنظومة الدفاعية مع انتقال معسكر‬
‫الفرقة إىل "تبسة" األمر الذي ساهم يف إنشاء عديد املستوطنات والقضاء على خطر قبائل املوزوالمي لتبدأ مرحلة‬
‫(‪)1‬‬
‫التقد حنو منطقة األوراس وتطويقها من خالل مراكز عني الزوي وخنشلة ومحا الصاحلني وملباز‪.‬‬

‫و اتبع اإلمرباطور "نريفا")‪ (Nerva Marcus Cocceius‬هذه السياسة حيث أقيمت يف عهده حاميات‬
‫يف كل من كويكول‪-‬مجيلة‪ Cuicul)(-‬وقصبايت ومستعمرة سطيف‪ ،‬فجميلة مت أتسيسها سنة ‪ 67‬على‬
‫األرج من ق بل قدماء احملاربني على حمور التقاء طرق رئيسية أبرزها طريق قسنطينة وستيفيس‪-‬سطيف‪-‬‬
‫(‪)2‬‬
‫)‪ (Sitifis‬والذي يلتقي بطريق مشال‪-‬جنوب من ميناء جيجل )‪ (Igilgili‬إىل ملباز وهذا يف عهد السيفرييني‪.‬‬

‫سطيف هي األخر‪ ،‬أقامها "نريفا"سنة ‪ 67‬وهي مستعمرة لقدماء احملاربني‪ ،‬أما "قصبايت" فهي مدينة غري‬
‫معروفة‪ ،‬واهلدف األساسي من إقامة هذه املدن واحلاميات هو محاية نوميداي وموريطانيا القيصرية من هجمات‬
‫قبائل املناطق اجلبلية والصحراوية اليت رفضت اخلضوع للسلطة الرومانية ولربط "سريات" ابملستعمرات‪.‬‬

‫تتميز هذه املراكز املقامة أبهنا ذات مواقع اسرتاتيجية وإمكانيات اقتصادية معتربة‪" ،‬فجميلة" تقع قرب الوادي‬
‫الكبري وتشرف على مواقع القبائل النوميدية واملوريطانية ومراكزهم التجارية‪ ،‬وسطيف تشرف على السهول العليا‬
‫ومالئمة لزراعة احلبوب‪ ،‬أما من حيث األمهية العسكرية فهذه املراكز تعترب حلقات وصل بني اخلطوط الدفاعية‬
‫اليت متتد من منطقة املزاق شرقا إىل موريطانيا القيصرية غراب‪ ،‬هذا اخلط الدفاعي أقيم حلماية املناطق الشمالية من‬
‫خطر القبائل الرافضة للهيمنة الرومانية سواء تلك املتنقلة بني الصحراء والسهول الوسطى والشمالية أو بني‬
‫(‪)3‬‬
‫السهول واجلبال أو القبائل املقيمة يف املناطق اجلبلية الوعرة مثل سكان جبال احلضنة أو األوراس‪.‬‬

‫واصل "األنتونيني" سياسة الفالفيني عرب إقامة منشآت عسكرية‪ ،‬مع الرتكيز على منطقة جنوب الربوقنصلية‬
‫وغرب قابس ونوميداي ونعين اجلزء الشمايل من منطقة األوراس‪ ،‬فأصب التقد حنو اجلنوب جد ظاهر إبقامة اجلنود‬
‫سنة ‪ 66‬طريق قابس‪-‬لبدة الذي يعد الطريق الوحيد الرابط بني قابس وموانئ إقليم طرابلس‪ ،‬وإنشائه يدخل‬

‫‪1‬‬
‫‪- le Bohec (Y), Histoire…, P-P 101-102.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Leschi (L), Djemila, antique Cuicul, Syria, volume 31, numéro 03,1954, P 339.‬‬
‫‪ -3‬شافية (ش) وآخرون‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.21‬‬

‫‪139‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‬ ‫الفصل الثالث‬

‫ضمن محاية أراضيها من هجمات القبائل النوميدية‪)1(،‬ومس هذا الطريق إبقامة عالقات مع إقليم‬
‫برقة)‪ (Cyrénaïque‬وحىت اإلسكندرية‪ ،‬وأقيم أيضا حصن تينجانسيو )‪(Le Castellum Thigensium‬‬
‫(‪)2‬‬
‫الذي شكل أول حلقة من السلسلة املشكلة خلط الليمس املار جنوب األوراس وعلى طول خط الشطوط‪.‬‬

‫وجتدر اإلشارة إىل أن مصطل "الليمس" ارتبط يف البداية بقطاع الفالحة‪ ،‬فكان يعين تقسيم األراضي يف‬
‫شكل مربعات‪ ،‬مث تطور هذا املصطل وانتقل إىل امليدان العسكري وأصب يدل على الطرقات اليت تسم بتتبع‬
‫حدود املنطقة اليت يكون اجلنود مكلفني حبمايتها والدفاع عنها‪ ،‬مث أصب يطلق على الطرق واملسالك املتوغلة يف‬
‫مناطق التمرد والعصيان‪ ،‬فهذه الفرق العسكرية كانت حباجة إىل طرق مع نظا قار من القالع ومراكز احلراسة‬
‫واإلنذار والتنبيه‪ ،‬ليتسع املفهو أكثر ليحمل معىن احلدود املزودة واملدعمة ابلتنظيمات العسكرية أي احلدود‬
‫(‪)3‬‬
‫احملصنة‪ ،‬مث عمم ليشمل مجيع احلدود الفاصلة بني اإلمرباطورية وأراضي الشعوب غري اخلاضعة هلا‪.‬‬

‫وهبذا فالليمس ليس جمرد خط دفاعي لكنه منظومة متكاملة وضعت بغرض محاية أراضي اإلمرباطورية عرب‬
‫شبكة من الطرق يف نواحي "املتلوي" بني "قفصة" و"توزر" والقالع ملراقبة املمرات املوجودة يف منطقة الشطوط‬
‫(‪)4‬‬
‫الرابطة بني التل التونسي مع املناطق الصحراوية‪.‬‬

‫هذا أهم ما ميز الفرقة األوغسطية الثالثة يف فرتة "نريفا"وهو نشر قواعد ومراكز عسكرية هلا يف خمتلف املناطق‬
‫ومراقبة القبائل النوميدية مع التوغل يف اجلنوب خصوصا يف منطقة األوراس‪ ،‬ومن أهم املراكز التابعة للفرقة‬
‫األوغسطية واملندرجة ضمن الليمس األوراسي جند خنشلة أو مسكوال اليت أقيمت فيها حامية وجيد املؤرخون‬
‫صعوبة كبرية يف التعرف على هذه احلامية أثناء العهد الروماين نظرا لغياب املعطيات املادية واألدبية‪.‬‬

‫‪-0‬الفرقة يف عهد اإلمرباطور "ترايانوس" )‪007-66((M.Ulpius Trajanus‬م)‪:‬‬

‫عرفت الفرقة األوغسطية الثالثة يف عهد هذا اإلمرباطور حتوالت جذرية وهامة من خالل إقامة مراكز‬
‫وحصون وقالع وطرق من أجل تسهيل تنقل جنودها‪ ،‬مع االنتقال وبصفة هنائية من تبسة حنو "ملباز"‪ ،‬وتسجل‬
‫خمتلف النقوش الكتابية اإلمرباطور "ترااينوس"بلقب"قاهر اجلرمان والداكيني يف رومانيا والبارثيني"‪)5(،‬ومتيز برتكيزه‬
‫على إنشاء جمموعة من املدن واملراكز والقالع يف خمتلف املناطق اتبعة للفرقة األوغسطية الثالثة سنحاول التعرف‬
‫عليها‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Toutain (J), Notes sur quelques voies romaines de l'Afrique proconsulaire, M.A.H, article N° 1, V 15,‬‬
‫‪1895, P-P 202-205.‬‬
‫‪ -2‬أعراب (ع)‪ ،‬التحصينات الرومانية يف جنويب نوميداي وموريطانيا القيصرية من القرن األول إىل الثالث ميالدي وأاثرها‪ ،‬مذكرة ماجستري‪ ،‬جامعة‬
‫اجلزائر ‪ ،2111‬ص‪.61:‬‬
‫‪ -3‬نفسه‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Benabou (M), La résistance ..., P 115.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Le Bohec (Y), Histoire, P 66.‬‬

‫‪140‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‬ ‫الفصل الثالث‬

‫أ‪ -‬خنشلة )‪:(Mascula‬‬

‫تقع خنشلة أسفل املنحدر الشرقي جلبال األوراس وهي تبعد بـ‪71‬كلم شرق تيمقاد و‪61‬كلم غرب تبسة‪،‬‬
‫فهي بذلك ذات موقع اسرتاتيجي وها ابعتبارها تسيطر على جمال طبيعي بعرض ‪ 41‬كلم يفصل كتلة مرتفعات‬
‫النمامشة مع حتكمها يف ممر رئيسي يؤدي إىل الصحراء‪ ،‬هذه الوضعية اهلامة "خلنشلة" تنبه هلا الرومان‪ ،‬وعليه فإن‬
‫إقامة هذه احلامية جاء الستغالل األراضي اخلصبة احمليطة هبا ومراقبة اهلجرة املومسية‪ ،‬وإن كان بعض املؤرخني يرون‬
‫أهنا كانت مقر للفرقة األوغسطية الثالثة خالل الفرتة املمتدة ما بني إقامتها يف" تبسة" وانتقاهلا النهائي حنو "ملباز"‬
‫لكن ليست هناك نقوش أو نصوص تثبت ذلك‪.‬‬

‫شكلت خنشلة ممر رئيسي مؤدي إىل الصحراء عرب طريق وادي سوف‪-‬قسنطينة عرب وادي العرب‪ ،‬وهو‬
‫طريق تنقل البدو الرحل القادمني من اجلنوب متجهني حنو السهول العليا الزراعية‪ ،‬لكن لألسف جنهل اتريخ‬
‫وصول الرومان هلذه املنطقة لكن على األرج أهنا كانت حوايل ‪ 67‬وإقامة احلامية كان سنة ‪ 111‬ملراقبة الرحل‬
‫املومسيني‪ ،‬ليتم ربطها ببعض املدن واحلصون واملعسكرات واملراكز العسكرية يف منطقة األوراس‪)1(،‬أول طريق مت‬
‫إجنازها ربطت هذه احلامية بتيمقاد كان سنة ‪ ، 111‬أما الطريق الثاين فنحو ملباز‪ ،‬وطريق آخر حنو تبسة عرب قصر‬
‫الكلب)‪ (Vegesala‬وآخر حنو ابدس )‪ (Badias‬وطريق حنو محا الصاحلني‪ ،‬وأخر طريق حنو سريات‪ ،‬وعلى‬
‫األرج فإن خنشلة كانت تقيم فيها كتيبتان اتبعتان للفرقة األوغسطية الثالثة مها الكتيبة اللوزيتانية السابعة والكتيبة‬
‫الرتاقية الثانية‪.‬‬

‫وبذلك بدأت عملية تطويق األوراس تتحدد وتربز أكثر بنشر كتائب وفرق الفرقة األوغسطية الثالثة على‬
‫حاميات وقالع ومدن‪ ،‬ما أد‪ ،‬إىل ظهور الليمس الروماين الذي ارتكز على معسكر هنشري بسرايين‬
‫)‪ (Ad Maiores‬قرب نقرين )‪ (Nigrenses‬الواقعة جنوب تبسة حبوايل ‪ 111‬كلم واليت توصف ببوابة‬
‫الصحراء‪ ،‬وكان هذا سنة ‪ 113‬مع إقامة عدة طرق تربط هذا املعسكر حنو الشرق مع قفصة و متليلي ‪(Turris‬‬
‫)‪ ،Tamellini‬أما الطريق اآلخر فريبطه بتادرت)‪ (Medias‬وهتودة)‪ (Thabuedus‬جنوب األوراس فتشكل‬
‫خط الليمس األول يف جنوب األوراس سنة ‪)2( 111‬والذي سنتعرف على مراكزه املنشأة من قبل فرق الفيلق‬
‫األوغسطي الثالث‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Jacques (F), Propriétés impériales et cités en Numidie Méridionale, cahiers du centre Gustave Glotz, 3, 1992,‬‬
‫‪P-P 123-132‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Decret (F) et Fantar (M), Op.cit. , P 172.‬‬

‫‪141‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‬ ‫الفصل الثالث‬

‫ب‪-‬تيمقاد‪:‬‬

‫هي مدينة تقع يف منطقة األوراس عرفت يف العهد الروماين ابسم"اتموقادي" )‪ "(Thamugadi‬مت إنشاؤها‬
‫من قبل "ترااينوس" سنة ‪ 111‬مث تطورت وتوسعت لتصل مساحتها إىل ‪ 12‬هكتار‪ ،‬تبعد تيمقاد عن "ملباز"بـ‬
‫‪21‬كلم فقط على طريق يقود حنو تبسة عرب سهل ضيق مرتفع ميتد بني االوراس وجبل بوعريق‪.‬‬

‫أقيمت تيمقاد على منحدر مييل من اجلنوب إىل الشمال ارتفاعه بني ‪ ، 1121- 1131‬بناها جنود الفرقة‬
‫األوغسطية الثالثة سنة ‪ 111‬واليت كان يقودها آنذاك" لوكيوس قالوس" )‪ (G.Lucius Munatius‬خالل‬
‫الفرتة ما بني ‪ 112-111‬الذي أجنز طبقا ألوامر "ترااينوس"عمليات فصل احلدود‪ ،‬أي فصل األراضي التابعة‬
‫لقبائل املوزوالمي واألراضي الرومانية‪ ،‬إضافة إىل بناء تيمقاد ليقيم فيها اجلنود النظاميون واجلنود املتقاعدون‬
‫التابعون للفرقة األوغسطية الثالثة‪.‬‬

‫وخيتلف املؤرخون والباحثون حول أصل تيمقاد حول كوهنا مدينة أو معسكر حتول إىل مدينة مع مرور‬
‫الوقت‪ ،‬وهذا اعتمادا على معطيات أثرية وهندسية متعلقة بطريقة إجناز املدينة مع أسباب عسكرية متعلقة ابلظرف‬
‫العا السائد آنذاك‪ ،‬وسياسة روما القائمة على التوسع يف منطقة األوراس‪ ،‬وإن كان آخرون يضيفون أن تيمقاد‬
‫هي مدينة منذ البداية ألن جنود الفرقة ال يتقنون إجناز املعسكرات حسب رأيهم وهي فرضية نستبعدها‪ ،‬وخالصة‬
‫اآلراء تتفق على اعتبار تيمقاد معسكر أويل اتبع للفرقة لكن مع مرور الوقت عرف تطورات جعلت منه يرتقي إىل‬
‫(‪)1‬‬
‫مدينة متطورة وقائمة حبد ذاهتا‪.‬‬

‫إن إقامة "تيمقاد" يعود ابلدرجة األوىل ألهداف عسكرية من خالل موقعها االسرتاتيجي الذي يسم هلا‬
‫ابملراقبة والتحكم يف املمرات املؤدية إىل مشال وجنوب جبال األوراس عرب وادي العبد ووادي األبيض‪ ،‬ولربط هذه‬
‫املدينة ابملراكز الرومانية األخر‪ ،‬مت إنشاء طريق يربطها بفراينة)‪ (Thelepe‬الواقعة جنوب شرق تبسة ‪-‬مقر الفرقة‬
‫األوغسطية الثالثة‪ -‬مارا على "ملباز"وخنشلة‪ ،‬وحلماية املنشآت السابقة أقا "ترااينوس"طريقا متتد من مدينة شبيكة‬
‫)‪ (Ad Decuniam‬جنوب تبسة إىل بسرايين مارا على "اتدرت" غرب بسرايين ونغرين)‪ ،(Nigrenses‬وبذلك‬
‫فإن اإلمرباطور منذ توليه العرش ركز على منطقة "األوراس" وعلى نشر كتائب الفرقة األوغسطية عرب مستعمرات‬
‫وحاميات مزودة بشبكة طرق لتسهيل تنقل اجليوش ووصول اإلمدادات العسكرية‪.‬‬
‫ج‪-‬هنشر بسرياني‪:‬‬

‫إىل اجلنوب الغريب من جبال "النمامشة" ومشال ممر يفصل شط "ملغيغ" عن شط "الغرسة" أقيم معسكر‬
‫بسرايين أسفل منطقة ذات ارتفاع يصل إىل ‪ ، 211‬واليت تشكل نقطة عبور بني اجلبال وسهول ملغيغ‪ ،‬أقيم‬

‫‪1‬‬
‫‪-le Bohec (Y), Timgad : La Numidie et l’armée Romaine, B.A, Paris, 1984, P-P 107-109.‬‬

‫‪142‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‬ ‫الفصل الثالث‬

‫املعسكر يف احلافة اجلنوب‪-‬غربية لتضاريس منفصلة موجهة من الشمال‪-‬شرق وجنوب‪-‬غرب اليت يقدر طوهلا‬
‫ب‪4‬كلم و عرض ‪ ، 211-611‬وابلتايل فإن هذا املعسكر املقا من قبل جنود الفرقة األوغسطية الثالثة يسم‬
‫مبراقبة طريق التوغل حنو "تبسة" وسهول تونس الوسطى‪.‬‬

‫بين املعسكر على هضبة تشغل حوايل ‪ 11‬من سهل الشط‪ ،‬أما متوينه ابملياه فكان يتم من خالل ينابيع‬
‫جماورة للمعسكر وقناة متر من الشمال إىل اجلنوب‪ ،‬ما جعل البعض يعتقد ابحتمالية تشكل مدينة حول هذا‬
‫املعسكر تطورت خصوصا يف العهد البيزنطي‪.‬‬

‫جاء معسكر بسرايين يف شكل منتظم موجه من الشمال إىل اجلنوب بطول ‪ 161‬وعرض ‪ 111‬أي‬
‫مبساحة تقدر بـ ‪ ،² 16111‬وهو مزود أببراج ذات أركان مربعة‪ ،‬أما سوره فكان بسمك ‪ 0,80‬سم إىل ‪1‬‬
‫مصنوع من حجارة حملية وحصى وله أربعة أبواب‪ ،‬أما داخل املباين الداخلية فنجد قناة املاء وخزان كبري ومعبد‬
‫ورواق معمد يعود رمبا ملركز القيادة مع وجود أاثر محامات يف جنوب املعسكر‪.‬‬

‫ومنلك ثالثة نقوش عثر عليها ابلقرب من البابني الشرقي والغريب‪ ،‬األوىل وهي املكتملة تشري إىل أن املعسكر‬
‫أنشئ من طرف قائد الفرقة األوغسطية "منسيوس نتاليس" )‪ (L.Minicius Natalis‬يف سنة ‪ 113‬أو ‪111‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وكانت تقيم هبذا املعسكر حاملة علم اتبعة للفرقة األوغسطية الثالثة‪.‬‬

‫د‪-‬معسكر لوطاية )‪:)El Outaya‬‬

‫يقع هذا املعسكر يف احلافة اجلنوب‪-‬غربية جلبال األوراس بني خمرج معرب القنطرة وسهل بسكرة يف منطقة‬
‫وادي اهلاي‪ ،‬ولعب هذا املعسكر دور اسرتاتيجي وجد ها ابعتباره جاء يف وسط منطقة عبور حيوية بني جنوب‬
‫ومشال األطلس الصحراوي‪ ،‬فإىل ‪ 31‬منه أجنز طريق عرف ابلطريق اجلنويب الكبري يربط بسكرة بطبنة‪.‬‬

‫بين املعسكر على املنحدرات اجلنوب‪-‬شرقية جلبل املالح‪ ،‬وجاء يف شكل مستطيل بطول ‪ 121‬وعرض‬
‫‪ ، 21‬أركانه مستديرة وسوره مكون من جدارين واحد بسمك ‪ 2‬وأخر بسمك ‪ 21‬سم‪ ،‬ولتفسري هذا يعتقد أن‬
‫املعسكر مر مبرحلتني متباينتني ومنفصلتني من حيث اإلجناز‪ ،‬أما األبراج فنجد برج كل ‪ 21‬ومت التعرف على ابب‬
‫واحد مزود بربجني‪ ،‬كما جند به مركز للقيادة بطول ‪ 41‬وعرض ‪ ، 22‬لكننا لألسف جنهل اتريخ إنشاءه ابلضبط‬
‫(‪)2‬‬
‫أو الفرقة اليت شغلته وكل ما نعرفه أنه بين يف عهد ترااينوس‪.‬‬

‫هذه املعسكرات نضيف هلا معسكر غري معروف هو ككوينا )‪ (Kikouina‬وهو عبارة عن حصن يندرج‬
‫ضمن الليمس األوراسي‪ ،‬أقيم على طريق جنوب‪-‬غرب وغرب‪-‬جنوب مير على جبال األوراس عرب واد العبيود‬

‫‪1‬‬
‫‪- Lenoir (M), Le camp..., P-P 180-181.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Ibid, P-P 201-202.‬‬

‫‪143‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‬ ‫الفصل الثالث‬

‫وهو بذلك يقع يف نقطة عبور حتمية للبدو الرحل ما جعله مبثابة القاعدة للتوسع يف األوراس‪ ،‬تقدر أبعاده بـ ‪11‬‬
‫على ‪ 32‬ومسك جداره يصل إىل ‪ ، 1‬وجند فيه ابب يف الواجهة اجلنوبية مع جمموعة من الغرف لكن لألسف‬
‫جنهل متاما اتريخ إنشاءه والفرقة املكلفة حبراسته‪.‬‬

‫هـ‪-‬معسكر تهودة )‪:(Thabudeos‬‬

‫يقع هذا املعسكر على بعد ‪ 11‬كلم إىل اجلنوب الشرقي لبسكرة‪ ،‬وهو األخر حصن يندرج ضمن خط‬
‫ليمس جنوب األوراس‪ ،‬وهلذا املعسكر دوران األول محاية الطريق الشمال‪-‬الغريب واجلنوب‪-‬شرقي بني اهلضاب‬
‫العليا والشطوط‪ ،‬أما الثاين مراقبة السهل الواقع يف الشمال إىل شط ملغيغ‪ .‬أيخذ هذا املعسكر شكل مربع‬
‫منحرف أببعاد ‪ 112‬على ‪ 111‬وهو مزود أببراج مربعة إبرتفاع ‪ 1611‬ويقدر مسك السور بـ ‪ 1,61‬مع وجود‬
‫(‪)1‬‬
‫ابب واحد لكن لألسف أيضا جنهل اتريخ إنشاءه والفرقة املوجودة به‪.‬‬

‫وهبذا أقامت الفرقة األوغسطية الثالثة يف عهد "ترااينوس" أول خط ليمس عرب شبكة من الطرق واخلنادق‬
‫واألبراج واحلصون واملعسكرات‪ ،‬إضافة إىل أبراج الرصد واملراقبة مع التكثيف من الدورايت العسكرية‪ ،‬وعليه فإن‬
‫قلة عدد قوات الفرقة عوض بقدرة اجلنود على املناورة ومرونة النظا الدفاعي الذي واكب التكوين الطبيعي‬
‫للسط بتضاريسه‪ ،‬فجنود الفرقة كانوا مطالبني ابحتواء سكان جبال األوراس وتطويق جباهلم حبزا من القالع مع‬
‫نشر اخلنادق األمامية مع شبكة طرق كثيفة تسم بتنقل اجلنود بسرعة إىل املناطق املهددة‪.‬‬

‫ورغم أن "الليمس" مؤسسة عسكرية دفاعية‪ ،‬فإن اهلدف منه أيضا اقتصادي فهو مبثابة نظا للتوسع‬
‫واالستيطان وهو كذلك حد جغرايف حسب بيكار )‪ (Picard‬ساير املناطق الرطبة أين توجد إمكانية ملمارسة‬
‫الزراعة‪ ،‬هذا الليمس الذي أقامته روما حول "األوراس" كانت الفرقة األوغسطية الثالثة أداة تنفيذه والذي تبعه‬
‫خط ليمس الثاين يف مشال الصحراء وشرقي نوميداي‪ ،‬اهلدف منه تطويق الكتلة األوراسية من الناحية اجلنوبية‬
‫والتحكم يف تومها‪ )2(.‬كل هذا مس للرومان من محاية منافذ املناطق املسيطر عليها من حتركات البدو الرحل‬
‫القادمني من اجلنوب ومراقبة وتقييد حركات القبائل املومسية بني الكتل اجلبلية والسهول‪).‬أنظر الشكل ‪( 03‬‬
‫بدأت تربز مالم هذا الليمس األوراسي منذ بداية سنة ‪ 111‬حتت أوامر اإلمرباطور"ترااينوس" املنجز‬
‫واجملسد من قبل قادة الفرقة األوغسطية الثالثة مثل"مونسيوس نتاليس " إبقامة بسرايين وطريق جتاور األوراس حنو‬
‫اجلنوب‪ ،‬هذه الطريق متر عرب حمطات سرايين مث اتدرت وابدس مث بسكرة مث القنطرة )‪(Calceus Herculis‬‬
‫الواقعة ‪ 11‬كلم مشال بسكرة و‪11‬كلم عن ابتنة لتصعد هذه الطريق حنو ملباز‪ ،‬هذه الطريق نصبت جبوارها جمموعة‬

‫‪1‬‬
‫‪- Lenoir (M), Le camp, P-P 204-207.‬‬
‫‪ -2‬شارن (ش) وآخرون‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.22‬‬

‫‪144‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‬ ‫الفصل الثالث‬

‫الشكل رقم ‪ :03‬تطويق الكتلة األوراسية ابلطرق واملراكز العسكرية التابعة للفرقة األوغسطية الثالثة‪.‬‬

‫اجلزائر‪ ،4116 ،‬ص‪.031 :‬‬ ‫عقون (م‪.‬ع)‪ ،‬االقتصاد واجملتمع ي الشمال اإلفريقي القدم‪ ،‬دار اهلدى عني مليلة‪،‬‬ ‫املرجع‪:‬‬

‫‪145‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‬ ‫الفصل الثالث‬

‫من القالع املتباعدة حبوايل ‪ 11‬كلم عن بعضها البعض واليت جندها متتد من احلدود التونسية احلالية حىت‬
‫(‪)1‬‬
‫اجلنوب الغريب لبادس‪ ،‬وهي ذات شكل مربع أو مستطيل‪.‬‬
‫فتشكل هبذا ليمس جنوب األوراس الذي كان يوازي “الليمس الشمايل” الذي مت إقامته وهو يبعد عنه‬
‫حبوايل ‪ 111‬كلم‪ ،‬ما أد‪ ،‬إىل حماصرة األوراس وابلتايل مراقبة قطاعني جبليني آخرين حماذيني لبعضهما ومها "بلزمة"‬
‫و"متليلي"اللذين يكوانن مع مرتفعات أوراس النمامشة كتلة واحدة يف شكل هندسي "متوازي األضالع" طوله‬
‫‪211‬كلم وعرضه ‪111‬كلم‪ " ،‬فـبلزمة"اليت تقع غرب مدينة ابتنة احلالية كانت حمروسة من طرف قدماء احملاربني‬
‫الذين استوطنوا يف مركز "ملربيدي" و"مروانة"‪ ،‬أما "متليلي" املمتدة بني القنطرة وطنبة فقد أوليت هلا عناية خاصة‬
‫حيث كانت مبثابة قلعة‪ ،‬وهكذا وضعت الفرقة األوغسطية الثالثة أسس أول نظا دفاعي ملواجهة غارات وحتركات‬
‫(‪)2‬‬
‫الرعاة الرحل الصحراويني فأصبحت املمرات حمروسة مبراكز عسكرية‪ ،‬وهبذا مت محاية مدن إفريقيا التلية‪.‬‬
‫وابختصار فإن فرتة "ترااينوس"ركزت فيها الفرقة األوغسطية الثالثة على االستيالء على األوراس وإحلاق‬
‫أراضيها خاصة النمامشة والسهول العليا ما مس إبحلاق حوايل ‪111‬ألف كلم مربع‪)3(،‬هذه السياسة العسكرية‬
‫تبعتها سياسة إدارية حيث مت من صفة البلدية )‪ (minicipium‬لعدة مدن مثل مخيسة‪ 14-‬كلم عن سدراتة‬
‫والية سوق أهراس‪-‬وقلعة بوغتان)‪ (Diana Veteranorum‬الواقعة غرب ملباز (‪.)4‬‬
‫كما ركز قادة الفرقة األوغسطية الثالثة زمن"ترااينوس"على تنفيذ عمليات حتديد التخو واحلدود‪ ،‬فسيطروا‬
‫على أراضي املرازيق )‪ (Arzuges‬جنوب تونس احلالية وقبائل التسبننس )‪ (Tisibenenses‬نواحي خنشلة‬
‫وصوال إىل تبسة وقبائل السوبربور)‪ (Suburbures‬نواحي نقاوس وخاصة قبائل املوزوالمي حيث مت فصلهم بني‬
‫مداوروش وحيدرة(‪.)5‬‬
‫‪-4‬الفرقة األوغسطية الثالثة زمن"هادريانوس")‪036-007(( P.Aeillius Hadrianus‬م)‪:‬‬

‫إذا وصلت اإلمرباطورية الرومان ية قمة اتساعها زمن "ترااينوس"الذي حقق حلم "يوليوس قيصر"ابالستيالء‬
‫على "داكيا" يف رومانيا وبالد البارثيني‪ ،‬فإن عهد" هادراينوس" هو األخر ستواصل فيه اإلمرباطورية توسعاهتا رغم‬
‫حدوث عدة ثورات ضدها يف مقاطعة موريطانيا من قبل املور والبقواط ابخلصوص من ‪ 112‬إىل ‪. 122‬‬

‫متتع"هادراينوس"ابحرتا كبري من قبل اجليش ومجوع اجليش والشعب الروماين وشعوب الوالايت‪ ،‬فتارخيه‬
‫العسكري كان مشرف للغاية‪ ،‬اشتهر إبحيائه لسياسة"السال الروماين" وهجر سياسة التوسع وهو األمر الذي مل‬

‫‪1‬‬
‫‪- Leschi (L), Recherches aériennes sur le limes romain de Numidie, A.I.B.L, V°, N°3, 1937, P-P 258-259.‬‬
‫‪ - 2‬أعراب (ع)‪ ،‬املرجع السابق ص‪-‬ص ‪.63-62‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Le Bohec (Y), Histoire…, P 66.‬‬
‫‪ -4‬شارن (ش) وآخرون‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Le Bohec (Y), Histoire..., P 67.‬‬

‫‪146‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‬ ‫الفصل الثالث‬

‫يعجب بعض كبار قادته‪)1(،‬لكن يف إفريقيا بوصول "هادراينوس"إىل احلكم سوف تظهر الفرقة األوغسطية الثالثة‬
‫بدور جديد يصطل عليه عسكراي "ابلنظا الدفاعي األوراسي" والذي لعب دورا هاما يف قمع القبائل النوميدية‬
‫وجناح الرومنة وحتقيق التوسع والتقد حنو اجلنوب‪).‬أنظر الشكل رقم‪(02:‬‬

‫إن إقامة الليمس الروماين الذي أشران إليه سنة ‪ 111‬كان مبثابة متهيد للتحويل النهائي للفرقة األوغسطية إىل‬
‫"ملباز" مشال األوراس‪ ،‬والذي على األرج أنه كان قبل عهد "هادراينوس" بوقت قصري‪ ،‬ألن هذا األخري قا‬
‫بزايرة إفريقيا عا ‪ 122‬وقد التهاين للذين تفانوا إلهناء األشغال وتتفق الكثري من الكتاابت التارخيية على أن‬
‫(‪)2‬‬
‫اتريخ التحول النهائي للفرقة حنو"ملباز" كان بني ‪. 121-111‬‬

‫فكما أشران من قبل فإن استقرار الفرقة األوغسطية الثالثة يف "ملباز" يعود إىل سنة ‪ 21‬من خالل إنشاء‬
‫املعسكر املعروف مبعسكر ‪ ، 21‬الذي يبدو أن الفرقة األوغسطية الثالثة أقامت فيه خالل فرتة إجناز املعسكر‬
‫الكبري وميدان التدريب واالستعراضات‪.‬‬

‫كما عرف عهد"هادراينوس"قيا عدة ثورات يف موريطانيا أمهها وأخطرها كانت هجمات قبائل‬
‫البقواط)‪ (Baquates‬على مدينة تنس عا ‪ ، 122‬ولتفادي انتقاهلا وأتثريها على نوميداي قامت الفرقة‬
‫(‪)3‬‬
‫األوغسطية إبنشاء مجلة من املعسكرات والقالع واحلصون سنحاول التعرف عليها‪.‬‬

‫أ‪-‬معسكر القصبات)‪:(Gemellae‬‬

‫يقع هذا املعسكر الروماين يف خط مستقيم مع "ساقية بنت كراس" وهو يشكل جزء ها من "الليمس"‬
‫الواقع جنوب بسكرة‪ ،‬ورمبا إنشاءه كان سابق لفوساتو هذه املنطقة‪ ،‬أقيم املعسكر على ربوة يف سهل وادي‬
‫جدي على الضفة اليمىن للوادي‪ ،‬وكان يتم تزويده ابملاء عرب قناة جملوبة من منبع ابلواد وجمموعة من اآلابر‬
‫اكتشفت يف مركز القيادة‪.‬‬

‫جاء املعسكر يف شكل مستطيل منتظم بطول ‪ 161‬وعرض ‪ ، 111‬أي مبساحة تقدر بـ ‪ ،² 22111‬أركانه‬
‫مستديرة بقدر نصف دائرة ومعززة أماميا بسماكة اجلدار الذي يقدر عرضه بـ ‪ ، 3621‬ويعتقد وجود خندق خارج‬
‫هذا املعسكر‪ ،‬أما سور املعسكر فعرضه ‪ 2661‬وال يزال قائما ابرتفاع ‪ 4611‬والذي تنتشر به ‪ 11‬أبراج إضافة‬
‫إىل أبراج األركان‪ ،‬ثالثة يف اجلانبني الطويلني وبرجني يف اجلانبني اآلخرين‪ ،‬وهي متباعدة مبقدار ‪ ، 41‬أما األبواب‬
‫فنجد أربعة وهي مطابقة لعرض أبواب معسكر ملباز‪.‬‬

‫‪ -1‬سيد أمحد علي الناصري‪ ،‬اتريخ اإلمرباطورية الرومانية السياسي واحلضاري‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،1661 ،‬ص‪-‬ص ‪-236‬‬
‫‪.211‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Le Bohec (Y), Histoire…, P 102.‬‬
‫‪ -3‬شارن (ش) وآخرون‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.24‬‬

‫‪147‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‬ ‫الفصل الثالث‬

‫الشكل رقم ‪ :02‬الفرقة األوغسطية الثالثة والنظام الدفاعي لألوراس‪.‬‬

‫‪le Bohec (Y) , Histoire de l’Afrique Romaine (146 avant J.-C.-439 après J.-C.), Picard, 2005, P11.‬‬ ‫املرجع‪:‬‬

‫االل‬

‫‪148‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‬ ‫الفصل الثالث‬

‫هذا املعسكر مزود مبباين عديدة وثكنات للجنود‪ ،‬وميكن أن نصفه أبنه بين على طريقة املعسكرات الكبرية‬
‫نظرا ملوقعه واألدوار اليت كان يقو هبا انطالقا من موقعه‪ .‬وتشري كل شواهد النقوش الكتابية على أن إنشاء‬
‫املعسكر يعود إىل سنة ‪ 127‬من قبل "الكتيبة اخللقدونية األوىل للفرسان" اليت أقامت متثاال لإلمرباطور‬
‫"هادراينوس"‪ ،‬لكن هناك أيضا نقيشتني تشريان إىل أن إجناز املعسكر كان سنة ‪ ، 142‬لكن األكيد أن هذا‬
‫املعسكر أنشئ من قبل حاكم الفرقة األوغسطية الثالثة‪ ،‬ويفرتض الباحثون أن الفرقة اخللقدونية كانت سابقة يف‬
‫وجودها به جلنود الفرقة األوغسطية الثالثة‪.‬‬

‫إن دراسة خمتلف الواثئق األثرية املتعلقة مبعسكر القصبات جعلت الباحثني يرون أنه أنشئ من قبل جنود‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة من ‪ 11‬ديسمرب ‪ 121‬إىل‪ 16‬ديسمرب‪ ، 127‬على أن إنشاء مركز القيادة كان خالل‬
‫(‪)1‬‬
‫الفرتة املمتدة ما بني ‪ 142-127‬وعلى األرج سنة ‪ 122‬خالل زايرة اإلمرباطور إلفريقيا‪.‬‬

‫وحاليا القصبات تقع على بعد ‪42‬كلم جنوب غرب بسكرة و‪11‬كلم جنوب غرب بلدية"مليلي"‪ ،‬على أنه‬
‫جتدر اإلشارة إىل أن الكتيبة اخللقدونية قدمت من سوراي حوايل سنة ‪ 62‬وهي مكونة على ما يبدو من النبالني ‪-‬‬
‫رامي السها ‪ -‬وابلتايل فهي تعود إىل العهد الفاليف‪ ،‬واليت تركت لنا عدة نقوش كتابية يف "بري أ علي" جنوب‬
‫شرق تبسة‪ ،‬واستمرت حىت زمن"ماركوس أوريليوس" (‪،) 121-171‬كما أقامت هذه الكتيبة معسكر كذلك‬
‫على حافة وادي جدي يف موقع اسرتاتيجي ها يسم مبراقبة حتركات قبائل البدو الرعاة وصدها‪ )2(،‬هذا املعسكر‬
‫(‪)3‬‬
‫تقدر أبعاد مركز قيادته بـ‪ 47‬على ‪ 31‬وهو مبين من الدبش الكلسي ذو شكل القرميد‪.‬‬

‫ويصنف معسكر القصبات على أنه إحد‪ ،‬أهم معسكرات "الليمس النوميدي" ألنه ميثل جتمع مدين‬
‫وعسكري يف آن واحد‪ ،‬كما شكل أداة تقد أساسية يف عهد"هادراينوس"‪ ،‬والذي سيصب اتبعا للفرقة‬
‫األوغسطية الثالثة رمسيا منذ سنة ‪ 142‬وهذا ما تدل عليه نقشيه كتابية على ابب مقر قائد الكتيبة اخللقدونية‬
‫اليت تشري إىل قائد الفرقة األوغسطية آنذاك "فاريوس أمببيلوس" )‪ )4(.(L.Varius Ambibulus‬إن إنشاء هذا‬
‫املعسكر يدخل ضمن سياسة وتوجه روماين لغزو الصحراء ومواجهة السكان البدو الرحل عرب شبكة من الطرق‬
‫ونقاط العبور الرئيسية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Lenoir (M), Le camp..., P-P 212-215‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-Leschi (L), Découvertes épigraphiques dans le camp de Gemellae (El-Kasbat-Algérie), A, I, B, L, N°3, Volume‬‬
‫‪93 année, 1949, P-P 221-226.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Baradez (J), Gemellae, camp d'Hadrien et ville des confins sahariens, A ,I ,B,L ,V°92 ,N°3 ,1984, P-P 391-‬‬
‫‪394.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Leschi (L), Découvertes…, P 222.‬‬

‫‪149‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‬ ‫الفصل الثالث‬

‫ب‪-‬معسكر محام سيدي احلاج )‪:(Aquae Herculae‬‬

‫والذي قد نتصادف مع اسم أخر له وهو قصر سيدي احلاج‪ ،‬وهو أحد احلصون الرومانية العديدة املنشأة من‬
‫قبل الرومان يف منطقة األوراس على معرب القنطرة‪ ،‬يقع إىل الشرق من منعطف كبري حول واد اهلاي ابلقرب من‬
‫طريق قادمة من الشمال حنو اجلنوب‪-‬طبنة )‪- (Thubunae‬أين تنقسم إىل مسارين واحد حنو الشرق‪-‬اجلنوب‪-‬‬
‫(‪)1‬‬
‫الشرق واألخر حنو اجلنوب‪-‬القصبات‪-‬وكان التزود ابملاء يتم من خالل منابع قريبة من احلصن‪.‬‬

‫هذا احلصن أيخذ شكل مربع بـ ‪ 12‬يف كل جانب أي أن مساحته ‪ ،² 2613‬السور بسمك ‪ 1‬وال يزال‬
‫ارتفاعه قائم حاليا بـ ‪ ، 1‬كما جند به جمموعة من األبراج الصغرية بطول ‪ ، 3611‬وله ابب واحد مع وجود ثكنات‬
‫اجلنود‪ ،‬لكن لألسف ال نعلم اتريخ إنشاءه أو الفرقة اليت كانت موجودة به‪.‬‬
‫ج‪-‬انتقال الفرقة األوغسطية الثالثة إىل ملباز‪:‬‬

‫سبق انتقال الفرقة األوغسطية الثالثة إىل "ملباز" قيا جنودها كما أشران ابجناز جمموعة من احلصون والقالع‬
‫واملعسكرات واألبراج يف مجيع منطقة األوراس ويف صحراء نوميداي هبدف حتديد التخو الرومانية اجلنوبية‪ ،‬مث هتيئة‬
‫وسطها احلضري مع تزويدها حبملة املنشآت الضرورية لقواهتا‪ ،‬خاصة الطرق وقنوات املياه‪ ،‬وكل هذا كان حتضريا‬
‫لالنتقال النهائي إىل ملباز‪ ،‬نضيف إىل هذا إقامة عديد املدن ابلقرب من ملباز مثل مركونة )‪(Vercunda‬‬
‫‪4.2‬كلم جنوب ملباز‪ ،‬وملسوريت )‪ (Lamsorti‬قرب مروانة‪ ،‬وهنشري توشني )‪ (Lambafundi‬بني تيمقاد وملباز‬
‫وملربيدي )‪ ،( Lambiridi‬و"ملقي" )‪ ( Lamigg‬وقبلهم تيمقاد وحامية خنشلة‪ ،‬ما جعل املؤرخني يعتقدون‬
‫أبن انتقال الفرقة إىل ملباز جاء إلعادة التنظيم املكاين هلذه الكتلة األوراسية وللمناطق احملاذية للصحراء ولوضع‬
‫(‪)2‬‬
‫قاعدة عسكرية توسع وتطور سياسة الرومنة يف هذا القطر‪.‬‬

‫هبذا اال نتقال أصبحت ملباز مقر للقائد العا للجيش الروماين يف إفريقيا لفرتة جتاوزت قرنني‪ ،‬وكما أشران من‬
‫قبل فإننا جند يف ملباز ثالث معسكرات‪ ،‬معسكر ‪ ، 21‬والذي ظلت تشغله جنود الفرقة إىل غاية مطلع القرن‬
‫الثالث امليالدي‪ ،‬وجند كذلك املعسكر املعروف"مبعسكر املساعدين"‪ ،‬والذي هو يف احلقيقة ساحة قتال‬
‫)‪ (Compus‬أو ميدان للتدريب واالستعراضات‪ ،‬أما املعسكر الكبري فربع مساحته فقدانها يف القرن التاسع عشر‬
‫بعد إنشاء املؤسسة اإلصالحية الفرنسية يف عهد انبليون الثالث‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Lenoir (M), Le camp…, P 199.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Hilali (A), L’impact de la legio III Augusta dans les provinces romaines d’Afrique, l’aspect religieux, the‬‬
‫‪impact of Romain army, 2007 , P-P 481-486.‬‬

‫‪150‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‬ ‫الفصل الثالث‬

‫لكن يبقى املعسكر الكبري يف "ملباز" هو األشهر حيث يعرب عن قوة وهيبة الفرقة االوغسطسة الثالثة بسوره‬
‫املمتد أببعاد ‪ 321‬على ‪ 111‬وأركانه الدائرية وحصونه وأبوابه األربعة وشوارعه املتعامدة ومقره ومرافقه وثكناته‬
‫ومستودعات املؤونة‪.‬‬

‫هذا املعسكر يتكون من ثالثة أجزاء كالسيكية‪ ،‬ففي البداية جند فناء كبري مث ساحة صغرية حتولت إىل كنيسة‬
‫يف بداية القرن الثالث‪ ،‬مث جند جمموعة من احلجرات احلجرة األساسية كانت قاعة للعبادة‪ ،‬أما احلجرات األخر‪،‬‬
‫فهي خمصصة للخدمات اإلدارية وإيداع بعض األسلحة‪ ،‬لكن مع بداية القرن الثالث أصبحت خمصصة‬
‫الجتماعات طلبة كلية ضباط الصف‪ ،‬أما ميدان االستعراضات فقد احتل أمهية خاصة ابعتباره امليدان الوحيد‬
‫للقيا ابملناورات والتدريبات العسكرية‪ ،‬ولألسف فإننا فقدان معظم أجزائه وهو مبين من الدبش بسمك ‪71‬سم‬
‫وطول ‪ 211‬على‪ ، 211‬أركان مستديرة له اببني فقط ومزود بـ‪ 13‬حصن نصف دائري مطلية بطالء‬
‫هيدروليكي‪ ،‬ويف وسط امليدان جند املدرجات أين الضباط وضباط الصف يراقبون االستعراضات‪ ،‬أما ساحته‬
‫(‪)1‬‬
‫فبعد زايرة "هادراينوس" مت حتويلها إىل نصب أشران إليه سابقا خيلد هذه الزايرة إلفريقيا‪.‬‬
‫د‪-‬زيارة االمرباطور"هادريانوس" إىل ملباز جويلية ‪046‬م‪:‬‬

‫من األلقاب اليت أطلقت على اإلمرباطور"هادراينوس" لقب املشيد ألنه قا إبعادة تنظيم املقاطعات الرومانية‬
‫إضافة إىل لقب الرحالة ألنه خالل فرتة حكمه زار مقاطعات كثرية اتبعة لإلمرباطورية‪ ،‬فزار بالد الغال وهنر الراين‪-‬‬
‫أملانيا‪-‬سنة‪ ، 121‬ويف العا املوايل تفقد بريطانيا أين أشرف على مشروع إقامة السور العظيم عرب هنر التاين‬
‫)‪ (Tyne‬يف مشال إجنلرتا مث اجته إىل إسبانيا وزار الشرق األوسط‪.‬‬

‫ويف سنة ‪ 122‬بدأت رحلته إىل مشال إفريقيا حيث راح يزور املزارع)‪ (Saltus‬اإلمرباطورية للقم واقرتح‬
‫أفضل السبل الستغالل هذه املزارع وجاء بسياسة زراعية عرفت ابمسه‪)2(،‬على أن هناك مصادر تشري إىل أن زايرته‬
‫إلفريقيا هذه سبقتها زايرة خالل ثورات "املور" يف مقاطعة موريطانيا حوايل سنة ‪ ، 124‬لكن تبقى جمرد افرتاض‬
‫(‪)3‬‬
‫أكثر من حقيقة‪.‬‬

‫جاء هادراينوس إىل إفريقيا مطلع سنة ‪ 122‬فمر على إفريقيا الربوقنصلية وعاصمتها قرطاج‪ ،‬مث توجه غراب‬
‫حنو تبسة‪ ،‬مث توجه جنواب ابلضبط حنو منطقة األوراس‪ ،‬وذلك هلدف واحد هو تفحص مد‪ ،‬استعدادات اجليش‬
‫اإلفريقي‪ ،‬حيث راقب وزار كل الوحدات ويبدو أنه كان جد راضي ملا رآه وشاهده‪ ،‬ومل يلقي "هادراينوس" يف‬

‫‪1‬‬
‫‪- le Bohec (Y), Histoire, P 102.‬‬
‫‪ -2‬سيد أمحد علي الناصري‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪-‬ص ‪.211-236‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- De Champagny (F), Les Antonins : ans de J. C., 69-180, Tome II, Ambroise Braye, libraire-éditeur, Paris,‬‬
‫‪1863, P 27.‬‬

‫‪151‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‬ ‫الفصل الثالث‬

‫زايرته هذه خطاب واحد فقط‪ ،‬بل ألقى عدة خطاابت وكان جنود الفرقة األوغسطية الثالثة أوىل الوحدات اليت‬
‫(‪)1‬‬
‫خصها خبطاب نقش وثبت يف مدرج ساحة التدريب والذي حنتفظ أبجزاء منه‪.‬‬

‫مقدمة خطابه نقشت على واجهة نصب‪ ،‬ومما جاء يف خطاب ملباز "‪...‬كل األوصاف ال تستطيع أن تقدر‬
‫قيمتكم‪ ،‬فقائدكم نفسه قد يل العرض‪ ،‬لكنه الحظ غياب كتيبة منكم‪ ،‬تلك اليت أرسلتها إىل الربوقنصل مثلما‬
‫أقو كل سنة إبرسال فرقة ابلتناوب بشرط أن تعمل ألقل من ثالث سنوات‪...‬زودت الفرقة األوغسطية الثالثة‪-‬‬
‫يقصد الفيلق الغايل الثالث )‪ ( Legio 3 Gallicia‬أو فيلق برقة الثالث )‪-(Legio 3 Cyrenaica‬‬
‫بقوات إضافية وكتائب وسيتم نشركم يف كل املناطق وذلك حلراسة املقاطعة‪...،‬وال تنسوا أنكم يف أقل من نصف‬
‫قرن غريمت مقر معسكركم‪-‬حيدرة مث تبسة‪ -‬بنيتم معسكرين جديدين لكم‪ ،‬على أن استعراضكم مل يكن قيما وهو‬
‫حباجة إىل تساحمي‪."...‬‬

‫مث وجه خطابه إىل فرسان الفرقة قائال‪":‬فرسان الفيلق التدريبات العسكرية اليت تقومون هبا بعضها لديه قوانني‬
‫إبمكاننا أن نقتطع أو نضيف فيه‪ ،‬أن خنفي أمهية التدريبات العسكرية هذا أمر جد صعب وتزداد الصعوبة إذا‬
‫تلينا عن التميز‪ ،‬لقد قمتم بتدريبات جد قاسية من رماية الرم إىل الدرع‪...‬إنين أحيي محاسكم"‪.‬‬

‫ويبقى أهم خطاب قاله الذي جاء فيه‪":‬إن التحصينات اليت استغرق فيها اآلخرون أايما عديدة الجنازها قد‬
‫أقمتموها يف يو واحد‪ ،‬لقد بنيتم جدار صلب شبيه ملا أقمتم يف معسكرات الشتاء‪ ،‬يف نفس الوقت فيما يقرب‬
‫ذلك بنينا جدار من الصخور الصلبة‪ ،‬واليت قطعتموها مجيعا بنفس النموذج‪ ،‬ما جعلها سهلة النقل‪ ،‬واليت‬
‫استعملت مبهارة ما جعلها مناسبة للبناء نظرا لرخاوهتا وانتظا أشكاهلا الطبيعية‪ ،‬ابلرغم من أنكم متلكون يف‬
‫أيديكم سو‪ ،‬صخور ضخمة ثقيلة وغري مستوية وصعبة احلمل والرفع ووضعها يف مكاهنا‪ ،‬لقد أنشأمت خندقا وفق‬
‫املقاييس بعد أن حفرمت يف حجر صلب ووعر‪ ،‬مث سويتم السط بعد أن جرفتموه‪ ،‬وكل هذا بعد أن زكى قادتكم‬
‫ما أجنزمتوه فدخلت م إىل املعسكر وأخذمت على عجلة مؤونتكم وأسلحتكم‪ ،‬إذن أنتم ذاهبون لتدعيم الفرسان الذين‬
‫(‪)2‬‬
‫أرسلوا ملطاردة العدو والذين عادوا إبحلاح كبري"‪.‬‬

‫إن قراءة خطاب "هادراينوس" جيعلنا نقد من املالحظات‪:‬‬

‫*خطاب "هادراينوس"يكشف عن التدريبات الصارمة اليت كانت مفروضة على جنود الفرقة األوغسطية‬
‫الثالثة واجليش الروماين عموما‪.‬‬

‫*يظهر كذلك اخلطاب طرق معايري إجناز املعسكرات‪ ،‬وهو يف األماكن اإلسرتاتيجية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Le Bohec (Y), Histoire, P-P 67-68.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Cagnat (R), L’armée, P-P 147-149.‬‬

‫‪152‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‬ ‫الفصل الثالث‬

‫*مثلما يف خدمة األمن أو اجليوش املعاصرة جند وحدات خاصة يف الفيلق تلعب دور املهاجم واملدافع‪ ،‬ودل‬
‫كذلك هذا اخلطاب على صالبة أعمال التحصني‪.‬‬

‫إن زايرة"هادراينوس"تدل على األمهية اليت أولتها روما إىل"ملباز"كمحطة وقاعدة‪ ،‬وللفرقة األوغسطية الثالثة‬
‫كسالح يف عملية التوسع يف جنوب نوميداي هبدف توسيع النفوذ وحتقيق السيطرة على هذه املنطقة‪ ،‬ونعين‬
‫األوراس وتو الصحراء وهو ما جتسد بوضوح يف عهد خلفائه‪.‬‬

‫مزج"هادراينوس"يف سياسته بني التوسع وتوطيد الوجود الروماين ابملفهو العسكري لكنه مل يغفل اجلانب‬
‫اإلداري وهو متمم للسياسة العسكرية فرفع "بوال رجييا" )‪ (Bulla Regia‬جنوب طربقة إىل مستعمرة(‪ )1‬وتيبازة‬
‫وأوتيكا)‪ (Utica‬وزاما رجييا)‪ (Zama Regia‬كذلك‪ ،‬إضافة إىل ترقية عدة مناطق إىل بلدايت‪ ،‬فإذا كان عهد‬
‫"ترااينوس" هو دعم لسياسة الرومنة اإلدارية يف املناطق اجملاورة للنمامشة واألوراس‪ ،‬تبسة‪ ،‬تيمقاد‪ ،‬وعني زانة‬
‫)‪-(Diana Veteranorum‬الواقعة يف بلدية زانة البيضاء‪ ،-‬فإن عهد "هادراينوس" مت الرتكيز فيه على‬
‫الربوقنصلية وموريطانيا إضافة إىل منطقة جمردة والتالل العليا‪.‬‬
‫(‪-036‬‬ ‫‪-3‬الفرقة األوغسطية الثالثة زمن االمرباطور"أنطونيوس بيوس")‪(Antonin le Pieux‬‬
‫‪060‬م)‪:‬‬

‫إن الظروف العامة لتويل هذا اإلمرباطور للسلطة حتمت على الرومان تطوير إمكاانهتم وقواهتم العسكرية يف‬
‫خمتلف املقاطعات اإلفريقية‪ ،‬لذلك يف عهده مت بناء معسكر "هنشري سلوين" الذي جنهل امسه الالتيين الذي يقع‬
‫على بعد ‪ 411‬خلف الفوساتو ‪ ،‬والذي حيمي املنطقة املمتدة على طول وادي اهلاي‪ ،‬ومبوقعه هذا فإنه مقا يف‬
‫معرب من مشال‪-‬جنوب إىل جنوب‪-‬شرق بني شط ملغيغ وشط احلضنة‪ ،‬ما جيعله يقفل متاما املضيق املؤدي حنو‬
‫الشمال الشرقي للقنطرة‪ ،‬أيخذ هذا املعسكر شكل مربع بـ‪ 71‬يف كل جانب أي أن مساحته ‪ ،² 4711‬أركانه‬
‫مستديرة وليس له سور‪ ،‬له أربعة أبواب ومقر للقيادة أببعاد ‪ 12‬يف كل جانب إضافة إىل ثكنات اجلنود‪،‬‬
‫وتسم لنا النقوش املكتشفة يف املوقع بتحديد اتريخ إنشائه الذي يعود إىل سنة ‪ 131‬من قبل حاملة علم اتبعة‬
‫(‪)2‬‬
‫للفيلق الفرايت السادس )‪ (Legio VI Ferrata‬اخلاضعة ألوامر قيادة الفرقة األوغسطية الثالثة‪.‬‬

‫ويف "ملباز" جند نقيشة جد شهرية تتحدث حول احلادثة اليت حدثت مع "نونيوس دتوس" ‪(Nonius‬‬
‫)‪ Datus‬وهو جندي ومساح )‪ (Librator‬يف الفرقة األوغسطية الثالثة فكما هو معروف فان الفرقة كانت تضم‬
‫خمتصني حتت تصرف قائد الفرقة يف بعض الشؤون االقتصادية‪ ،‬املهنية‪ ،‬املعمارية أو أعمال اهلندسة املدنية‪.‬‬

‫‪ -1‬شارن (ش) وآخرون‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.24‬‬


‫‪2‬‬
‫‪- Lenoir (M), Le camp..., P 202.‬‬

‫‪153‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‬ ‫الفصل الثالث‬

‫وحدث أن سكان جباية )‪ (Saldae‬التابعة ملوريطانيا القيصرية أرادوا إجناز قناة ماء‪ ،‬لكنهم كانوا حباجة إىل‬
‫تقين فطلبوا من حاكم موريطانيا أن يرسل هلم واحد‪ ،‬والذي بدوره كان ال ميلك تقنيني يف هذا اجملال‪ ،‬فطلب من‬
‫قائد الفرقة األوغسطية الثالثة إرسال خمتص‪ ،‬والذي بدل أن يرسل مهندس أرسل "مساح" وكان هذا سنة ‪، 146‬‬
‫أين ذهب ألخذ قياسات القناة فقا بتخطيط هذه القناة اليت مل حتدد لنا‪ ،‬واألكيد أنه استعمل العضادة‬
‫)‪( (Groma‬جزء من أداة ملس األراضي) والشوربيش )‪ (Chorobate‬يف خطها‪ ،‬ويف هناية مهمته األوىل‬
‫أعطى لوايل موريطانيا القيصرية شكل )‪ (Forma‬القناة‪ ،‬مبعىن املخطط مع تعليمات خطية حول الطريقة التقنية‬
‫لالجناز‪ ،‬وتشري الوثيقة أن تطيطه للقناة كان بداية مغامرته مث عاد إىل "ملباز"‪.‬‬

‫لكن وايل موريطانيا آنذاك "بورسيوس فتوستنوس")‪( Porcius Vetustinus‬كتب إىل قائد الفرقة‬
‫األوغسطية الثالثة "نوفيوس كرسبنوس" )‪ (Novius Crispinus‬سنة ‪ 136‬ليطلب منه السماح "لننيوس‬
‫دتوس"ابلعودة إىل جباية ملعاينة ا لقناة اليت يبدو أن العمال مل يتمكنوا من إكمال إجنازها نظرا لصعوابت يف ضم‬
‫(‪)1‬‬
‫فرعني من النفق والذي عند عودته متكن من تشخيص اخلطأ‪.‬‬

‫لكنه عاد بعد استدعائه للمرة الثالثة سنة‪ 114‬من قبل الوايل اجلديد ملوريطانيا"فاريوس كلمنس" ‪(Varius‬‬
‫)‪ Clemens‬الذي كتب إىل قائد الفرقة األوغسطية "فلريوس إتروسكوس)‪ " (Valerius Etruscus‬حيث‬
‫شخص املشكل من جديد‪ ،‬واملتمثل يف توجيه القناة وبذلك أجنزت القناة خالل فرتة تقارب ‪ 17‬سنة (‪-146‬‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.) 114‬‬

‫إن هذه القصة تكشف على أن الفرقة األوغسطية الثالثة مل تكن هلا أدوار متعلقة ابلدفاع والتوسع يف نوميداي‬
‫بل تتعداه إىل خدمات مدنية‪ ،‬كإجناز قنوات املياه واملباين والطرق‪.‬‬

‫وابلرغم من كل هذا فإن أعمال "أنطونيوس" مل تكن كافية لتحقيق السلم املنشود يف املوريطانيتني ونوميداي‪،‬‬
‫فرغم سكوت املصادر إال أن العديد من اإلشارات والنقوش تدل على حدوث اضطراابت سنة ‪ 131‬قامت هبا‬
‫قبائل البقواط بقيادة "فلوبليس) ‪ ( Volubilis‬واليت استمرت إىل غاية سنة ‪ ، 133‬وهو األمر الذي جعل‬
‫الرومان يولون للجانب العسكري أمهية كرب‪ ،‬للحد من هذه اهلجمات لذلك استنجد الرومان بفرق وفيالق كثرية‬
‫من خمتلف املقاطعات الرومانية من ابنونيا‪ ،‬أملانيا‪ ،‬سوراي‪ ،‬إسبانيا‪ ،‬بريطانيا‪ ،‬واليت أنشأت عدة معسكرات وحصون‬
‫وقالع عسكرية مع القيا بعمليات عسكرية ضد القبائل اإلفريقية وابخلصوص يف األوراس‪ )3(،‬مع االستنجاد‬
‫"ابلفيلق الفريايت السادس" القاد من سوراي إىل جانب جنود الفرقة األوغسطية الثالثة‪ ،‬وكان هذا سنة ‪ 131‬واليت‬
‫قامت إب جناز طريق اسرتاتيجي لوضع حد لتحركات قبائل البدو الرحل من غزو نوميداي والتخفيف من غليان‬
‫‪1‬‬
‫‪- Laporte (J-P), Notes sur l’aqueduc de Saldae, (Bougie Algérie), les aqueducs de la Gaule Romaine et des‬‬
‫‪régions voisines centre de recherche, piganiol, 1997, P-P 755-766.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-Lassère (J-M), inscription de Nonius Datus, Vitalatina, N 145, 1997, P 16.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Benabou (M), La résistance…, P-P 138-140.‬‬

‫‪154‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‬ ‫الفصل الثالث‬

‫سكان جبال األوراس وهذا الطريق ميتد على وادي العبيود‪)1(،‬ومت اجمليء حسب"كانيا" هبذه الفرقة إىل نوميداي‬
‫لتعويض جزء من جيش الفرقة األوغسطية الثالثة املوجودة يف موريطانيا للقضاء على اضطراابت‬
‫املوريطانيتني‪)2(،‬هذه الفرقة السورية سامهت يف إجناز عدة طرق للربط بني الشمال واجلنوب بني "خنشلة"‪"-‬ابدس"‬
‫(‪)3‬‬
‫عرب واد العرب‪ ،‬تيمقاد ‪-‬هتودة عرب واد العبيود ‪ ،‬وملباز‪-‬ببسكرة عرب واد العبدي‪.‬‬
‫شاركت الفرقة األوغسطية الثالثة يف قمع ثورات املوريطانيتني وكانت القوة الرئيسية يف اجليوش الرومانية‪ ،‬كما‬
‫سامهت يف محاية جنوب األوراس الذي أصب خيضع متاما لسيطرهتا‪ ،‬ويصطل املؤرخني على دور الفرقة‬
‫األوغسطية الثالثة يف فرتة اإلمرباطور "أنطونيوس" ب"النظا الدفاعي لصحراء نوميداي" من خالل التوغل يف‬
‫الصحراء وإنشاء حصون وقالع وطرق حلماية نوميداي من هجومات القبائل املتامخة للصحراء ابالستعانة بفرق‬
‫أخر‪ ،،‬حيث يف سنة ‪ 112‬مت جلب فيلق مساعد للفرقة األوغسطية الثالثة وهي "الفيلق اجلميين السابع"‬
‫)‪ (Legio VII Gemina‬والذي كان مقره يف "ليون" الفرنسية والذي قد إلكمال أشغال معمارية يف"ملباز" مل‬
‫نتعرف عليها وملساعدة حامية قرطاج‪).‬أنظر الشكل رقم‪(02 :‬‬

‫أما فرتة االمرباطور"ماركوس أوريليوس"(‪ ) 121-171‬فإهنا متيزت ابلعديد من احلروب اليت انتصر فيها يف‬
‫الشرق ضد “البارثيني” وحول الدانوب‪ ،‬وهذا مبساعدة جنود الفرقة األوغسطية الثالثة إىل جانب قمعه النتفاضة‬
‫"مور" إسبانيا‪ ،‬على أن أهم عملية قامت هبا الفرقة األوغسطية الثالثة هو محلة سنة ‪ 163‬اليت قادهتم حنو اجلنوب‬
‫(‪)4‬‬
‫الكبري يف جبال عمور وهو ما مهد للوصول إىل مسعد يف العهد السيفريي‪.‬‬

‫ويف عهد"ماركوس أوريليوس"متت ترقية ملباز إىل بلدية‪" ،‬فلمباز" عندما أقامت هبا الفرقة األوغسطية كما‬
‫أشران من قبل‪ ،‬كانت منطقة للسكان احملليني‪ ،‬لكن مع تواجد الفرقة وتطور مرافق املدينة وجتمعها البشري بعد‬
‫زواج اجلنود من نساء حمليات وإقامتهم ألكواخ ابلقرب من املعسكر‪ ،‬مت ترقيتها إىل بلدية‪ ،‬وعلى األرج‬
‫فإن"أنطونيوس" هو من أعطى لـلمباز"تنظيم "املستلحقة"‪ ،‬مع إنشاء جملس لكن العديد من النقوش الكتابية واحد‬
‫منها مؤرخ بني ‪ 171-174‬يشري إن "ملباز" كانت عبارة عن جتمع صغري)‪ .(Vicus‬ما يعين أن اجلنود بدؤوا‬
‫يقيمون حول املعسكر مساكن هلم‪ ،‬كما جند نقيشتان تعودان لسنة ‪ 174‬و‪ 177‬تدالن على وجود خزينة‬
‫(‪)5‬‬
‫عامة‪ ،‬لتأيت بعدها مرحلة ترقية "ملباز" إىل مدينة وهو ما حدث على األرج يف أواخر عهدة"أوريليوس"‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Decret (F) et Fantar (M), Op.Cit, P 173.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Cagnat (R), L’armée…., P-P 48-49.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Decret (F) et Fantar (M), Op.Cit, P173‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- le Bohec (Y), Histoire, P-P 70-71.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Gascou (J), La politique municipale de l'empire romain en Afrique proconsulaire de Trajan à Septime-Sévère,‬‬
‫‪ed : France, 1972, P-P 154-156.‬‬

‫‪155‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‬ ‫الفصل الثالث‬

‫الشكل رقم ‪ :02‬الفرقة االوغسطية الثالثة والنظام الدفاعي جلنوب وصحراء نوميداي‪.‬‬

‫‪le Bohec (Y) , Histoire de l’Afrique Romaine (146 avant J.-C.-439 après J.-C.), Picard, 2005, P11.‬‬ ‫املرجع‪:‬‬

‫‪156‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‬ ‫الفصل الثالث‬

‫‪-2‬الفرقة األوغسطية الثالثة زمن كومودوس )‪063-061((M.Aurelius Commodus‬م)‪:‬‬

‫تواصلت عمليات االهتما ابجناز االستحكامات العسكرية وطرق املواصالت وتدعيم املستوطنات الفالحية‬
‫واستمالة العشائر األهلية ومحاية احلدود يف عهد "كوموديوس" آخر األابطرة االنتونيني الذي عرف عهده شيء‬
‫ها هو بداية دخول املسيحية إىل إفريقيا‪.‬‬

‫شهدت السنوات األوىل من حكمه صعوابت عسكرية خصوصا مع "املور"‪ ،‬لذلك اعتمدت سياسته على‬
‫استئناف أعمال سابقيه مع اجمليء مبحاوالت إصالحية يف كل اجملاالت‪ ،‬واالنتقال من مرحلة الدفاع حنو‬
‫اهلجو ‪ )1(،‬وجند يف عهده نقيشة يف "ملباز"تشري إىل إحد‪ ،‬قادة املائة للفرقة األوغسطية الثالثة هو "أوليوس‬
‫رومانوس)‪ ( P.Aelius Romanus‬الذي عاد ابنتصار ضد أعداء اإلمرباطورية يف املقاطعات اإلسبانية‪ ،‬وأيضا‬
‫على"املازيس )‪ ( Mazices‬ما يعين ضمنيا مشارك ة الفرقة األوغسطة يف قمع هذه الثورات‪ ،‬هذا النقش يعود رمبا‬
‫إىل النصف الثاين من القرن الثاين‪ ،‬على أن هذه النقيشة أاثرت آراء متباينة من قبل املؤرخني‪،‬‬
‫فهل"رومانوس"شارك يف هذه احلروب يف إسبانيا مث ضد قبائل"املازيس" املوجودة يف موريطانيا‪ ،‬ومنه مشاركة الفرقة‬
‫األوغسطية الثالثة فيها‪ ،‬أ هو جمرد انقل ألخبار هذه الثورات‪ ،‬ويعتقد أن قبائل "املازيس" املشار إليها يف النقيشة‬
‫(‪)2‬‬
‫موجودة مشال سطيف‪.‬‬

‫يطلق املؤرخني على دور الفرقة األوغسطية الثالثة زمن"كومودوس"ببداية النظا الدفاعي لطرابلس الغربية‬
‫والذي سيظهر بوضوح يف العهد السيفريي‪ ،‬لذلك أعطيت للفرقة صالحيات ودعم أكرب لتوسيع السيطرة الرومانية‬
‫من خالل إنشاء طريق رابطة بني القنطرة وطنبة القريبة من بريكة‪ ،‬كما مت إقامة حصن يراقب وبطريقة كلية املمرين‬
‫الرابطني لألوراس بنوميداي اجلنوبية‪17-‬كلم جنوب القنطرة‪-‬وكان هذا زمن قائد الفرقة "كلوديوس جورداينوس"‬
‫)‪ ( T.Claudius Gordianus‬حوايل سنة ‪ ، 122‬هذا احلصن كان مبثابة حاجز منيع أما البدو الرعاة‪،‬‬
‫والذي سيضاف له يف عهد "كركال" حصن آخر خلف هذا املعرب‪.‬‬

‫إن تشييد هذا احلصن هو تكملة ألعمال الرتكيز العسكري على األوراس‪ ،‬والذي بدأ منذ عهد "ترااينوس"‬
‫وترس خ يف عهد "هادراينوس" وتواصل يف عهد"كومودوس"بشبكة مواصالت فنجد عديد صوات األلف على‬
‫طريق ملباز بسكرة مت وضعها زمن قائد الفرقة "نيفيوس كودرسينوس" )‪ (Naevius Quadratianus‬الذي عني‬
‫(‪)3‬‬
‫أواخر عهد "كومودوس"‪.‬‬

‫ومن كل هذا فإن الفرقة األوغسطية الثالثة يف العهد األنتوين عرفت حتوالت كرب‪ ،‬ولعبت أدوار هامة رغم‬
‫سكوت املصادر وغموض املعطيات األثرية‪ ،‬فبانتقاهلا إىل "ملباز"وإنشائها لعديد احلصون والقالع واالستحكامات‬

‫‪1‬‬
‫‪- Benabou (M), la résistance, P-P 156-157.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Le Bohec (Y), Histoire, P 72.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Benabou (M), La résistance, P-P 158-162.‬‬

‫‪157‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‬ ‫الفصل الثالث‬

‫واملعسكرات والطرق تكون قد سامهت يف مراقبة املمرات واملعابر الرئيسية للقبائل النوميدية‪ ،‬مع اهلجو على ثغور‬
‫القبائل الصحراوية وصوال إىل جبال عمور قرب "أفلو" إضافة إىل مشاركتها يف قمع القبائل املورية يف املوريطانيتني‪،‬‬
‫كلها أدوار هامة يف اتريخ الفرقة األوغسطية ‪ ،‬كما مت يف العهد األنتوين ترقية ملباز إىل بلدية ما مس بربوز مظاهر‬
‫الرومنة يف مقاطعة نوميداي‪ ،‬وبداية التطور االقتصادي واالجتماعي والثقايف لنوميداي‪ ،‬والذي سيظهر بوضوح يف‬
‫العهد السيفريي وكل هذا بفضل الفرقة األوغسطية الثالثة وجهودها العسكرية واملدنية‪.‬‬

‫‪158‬‬
‫املبحث الثاني‪:‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف‬
‫العهد السيفري‬
‫(‪)432-063‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‬ ‫الفصل الثالث‬

‫املبحث الثاني‪ :‬الفرقة األوغسطية الثالثة يف العهد السيفري (‪:)432-063‬‬

‫بلغ الرومان أوج قوهتم العسكرية واالقتصادية وت وسعهم يف العهد السيفريي يف مشال إفريقيا‪ ،‬وهو األمر الذي‬
‫سامهت فيه الفرقة األوغسطية الثالثة‪ .‬ولعل أصول اإلمرباطور "سبتيموس سيفريوس" )‪(Septimius Severus‬‬
‫(‪ ) 211-164‬اإلفريقية وابلضبط من مدينة "لبدة" جعلت الكثري من املؤرخني والكتاابت تر‪ ،‬أنه كان مييل إىل‬
‫إفريقيا فتفاىن يف خدمتها‪ ،‬لكن يف احلقيقة هذه الفكرة غري صحيحة‪ ،‬ألنه عندما توىل احلكم برزت مظاهر جناح‬
‫الرومنة‪ ،‬كما أن إفريقيا هي منطقة غنية ومتطورة قبل العهد السيفريي‪)1(،‬وبتعبري آخر فإن "سيفريوس" حصد ما‬
‫تعب عليه سابقوه من "أغسطس" إىل "هادراينوس"‪ .‬لقد عرفت سياسة الرومنة يف إفريقيا الربوقنصلية ونوميداي‬
‫تطورا كبريا يف العهد السيفريي وبلغ فيه الليمس أوج توسعه‪ ،‬وبذلك ميكن أن نصطل على هذا العهد "بعهد‬
‫التوغل والتوسع الكبري"‪.‬‬
‫‪-0‬الفرقة األوغسطية الثالثة زمن اإلمرباطور "سبتميوس سيفروس" (‪:)400-063‬‬

‫شكلت نوميداي إحد‪ ،‬أهم اهتم امات هذا اإلمرباطور‪ ،‬فاهلدوء النسيب الذي عرفته إفريقيا يف عهده استغل‬
‫يف إقامة العديد من املراكز‪ ،‬فتم نشر جنود الفرقة األوغسطية يف خمتلف املناطق أين سنجدهم يف إقليم طرابلس‪،‬‬
‫أول إجراء قا به "سبتميوس" هو إنشاء مقاطعة "نوميداي" وفصلها هنائيا عن مقاطعة الربوقنصلية ووضعها حتت‬
‫حكم الليقاتوس‪ ،‬وكل املؤشرات تشري إىل أن هذا كان سنة ‪ 164‬مع وجود آراء تذكر سنة ‪ ، 166‬وبذلك مت‬
‫الفصل بني منطقة عسكرية هي نوميداي وأخر‪ ،‬مدنية وهي الربوقنصلية‪ ،‬واهلدف من إنشاء هذه املقاطعة هو‬
‫ربطها ابلعرش اإلمرباطوري ووضع حد للغموض السائد بني الربوقنصل احلاكم املدين وحاكم نوميداي من حيث‬
‫السلطات والصالحيات وابلتايل فإن هذا القرار يهدف إلعطاء صالحيات وحرايت وأدوار أكرب للجيش وسيظهر‬
‫ذلك منذ زمن قائد الفرقة "أنسيوس فوستوس" )‪ ) 211-166( (Q.Anicius Faustus‬الذي سريكز على‬
‫(‪)2‬‬
‫إقليم طرابلس‪.‬‬

‫أ‪-‬الفرقة األوغسطية والليمس الطرابلسـي‪:‬‬

‫يف العهد السيفريي بدا بوضوح دور الفرقة األوغسطية الثالثة يف ما يصطل عليه"ابلنظا الدفاعي إلقليم‬
‫طرابلس الغربية وجنوب تونس احلالية" ) أنظر الشكل رقم ‪ ( 06‬من خالل إنشاء جمموعة من املعسكرات ونشر‬
‫قوات الفرقة فيها‪ ،‬فإن كان الليمس الطرابلسي جمهوال قبل العهد السيفريي نظرا النعدا النصوص وحىت النقوش‬
‫الكتابية‪ ،‬فإننا نعرفه بشكل أفضل يف العهد السيفريي‪ ،‬فالرومان ومنذ القرن األول للميالد ركزوا اهتمامهم على‬
‫هذه املنطقة‬

‫‪1‬‬
‫‪- Le Bohec (Y), Histoire, P 74.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Benabou (M), La résistance, P 169.‬‬

‫‪160‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‬ ‫الفصل الثالث‬

‫الشكل رقم ‪ :06‬الفرقة األوغسطية الثالثة والنظام الدفاعي لطرابلس الشرقية وجنوب تونس احلالية‪.‬‬

‫‪le Bohec (Y) , Histoire de l’Afrique Romaine (146 avant J.-C.-439 après J.-C.), Picard, 2005, P12.‬‬ ‫املرجع‪:‬‬

‫‪161‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‬ ‫الفصل الثالث‬

‫إبنشاء العديد من احلصون والطرق واالستحكامات هبدف املراقبة التامة والفعالة للقبائل املتنقلة‪ ،‬وحتركات‬
‫القوافل‪ ،‬وابلتايل كان ال بد من إقامة حاجز قوي أما هذه التحركات‪.‬‬

‫اعتمدت اإلسرتاتيجية العسكرية الرومانية يف العهد السيفريي على التدخل الدقيق واحملدود‪ ،‬لكن مع حماولة‬
‫إرضاء بعض األطراف من السكان‪ ،‬ونعين هبم املرومنني وهذا ما نالحظه يف بعض التدخالت للتوفيق بني بعض‬
‫القبائل مثل قبيليت "زموشي" )‪ (Zomucii‬واملودوسيويف )‪ (Muducivii‬لتحديد تو كل قبيلة‪)1(،‬فشرع يف‬
‫إقامة العديد من املراكز العسكرية املتقدمة يف قلب الصحراء واليت سنحاول التعرف عليها‪:‬‬
‫‪ -‬سي عون )‪:(Si Aoun‬‬

‫مت إنشاء هذا املعسكر الذي جنهله كثريا سنة ‪ 162‬على األرج (‪)2‬يف اجلنوب الغريب من مدينة "الذهيبة"‬
‫)‪- (Dehibat‬الواقعة جنوب تونس احلالية على احلدود مع ليبيا‪ -‬وهو عبارة عن مركز حمصن أقامت فيه جمموعة‬
‫من اجلنود هبدف حراسة املنطقة وهو يبعد بـ‪ 11‬كلم جنوب معسكر رمادة )‪ ،(Tillibari‬وبذلك فهو مركز‬
‫متقد يقع على مرتفعات تسم له مبراقبة طرق الق وافل‪ ،‬أجنز زمن قائد الفرقة "أنسيوس فوستوس" وكانت تعسكر‬
‫به فرقة خيالة هي"الكتيبة الفالفية اإلفريقية الثانية" اليت كان عدد قواهتا قليل‪ ،‬وتقدر أبعاد هذا املعسكر بـ‪41‬‬
‫على ‪. 31‬‬

‫‪ -‬معسكر بوجنم )‪:(Gholaia‬‬

‫من إحد‪ ،‬أهم معسكرات الفرقة األوغسطية يف إقليم طرابلس جند بوجنم‪ ،‬وهو عبارة عن حصن روماين‬
‫متقد جبواره جتمع سكاين صغري عرف يف العهد الروماين أبمساء عديدة مثل "قوالس" )‪ (Golas‬أو"قوليا"‬
‫(‪)3‬‬
‫)‪ ،(Gholaia‬ورغم حوايل سبعة تنقيبات أثرية فيه إال أننا ال نزال جنهل اتريخ املعسكر‪.‬‬

‫أقيم هذا املعسكر ابلقرب من النهر الكبري الذي يصل عرضه إىل ‪11‬كلم‪ ،‬وهو حماط هبضبتني شرقية وغربية‬
‫مرتفعتني نوعا ما‪ ،‬هذا املوقع هو مسلك عبور حتمي من فزان إىل الساحل‪ ،‬لكن األهم هو أن هذه الواحة ‪-‬‬
‫بوجنم‪-‬هي واحدة من نقاط العبور خلط سري داخلي شرقي‪-‬غريب يربط مصر ابجلنوب التونسي‪ ،‬ما جيعل هذا‬
‫املعسكر قادر على مراق بة القوافل التجارية واملسالك وعلى امتداد كبري‪ ،‬ولإلشارة يبعد هذا املعسكر عن ملباز مقر‬
‫الفرقة بـ‪ 1111‬كلم‪ ،‬كان يتم تزويده ابملياه من خالل املياه اجلوفية سواء املوجودة داخل املعسكر أو جبواره ما مس‬
‫إبقامة محامات بداخله‪ ،‬وظهرت جبواره مدينة على املنحدر الشمايل للمعسكر حماطة بسور بطول ‪. 1111‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Benabou (M), La résistance, P 169‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Demougeot (E), Le chameau et l’Afrique du nord romaine, A.E.S.C, V° 15,1960, P-P 232-242‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Lenoir (M), Le camp, P-P 152-153.‬‬

‫‪162‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‬ ‫الفصل الثالث‬

‫جاء املعسكر يف شكل مستطيل تقريبا شبه منحرف بطول ‪ 146‬على ‪ 64-62‬أي مبساحة ‪،² 12626‬‬
‫أركانه مستديرة‪ ،‬أما سور املعسكر فبين من الدبش وعرضه حوايل ‪ ، 2611‬ال يزال قائما ابرتفاع يصل إىل ‪3611‬‬
‫وبه برج واحد‪ ،‬واكتشف به ابب واحد هو الباب الشرقي‪-‬الربيتوري‪-‬الذي يقابله مركز القيادة أببعاده ‪ 47‬من‬
‫الشمال إىل اجلنوب‪ ،‬و‪ 43‬من الشرق إىل الغرب‪ ،‬كما جند ابملعسكر الربتنتور والرتنتور وثكنات ومحامات‬
‫(‪)1‬‬
‫ومستودعات وساحات داخلية‪.‬‬

‫وتسم لنا عديد الواثئق ابلتعرف على اتريخ املعسكر واليت تشري إىل قدو حاملة علم)‪(Vexillation‬‬
‫اتبعة للفرقة األوغسطية الثالثة إليه يف ‪23‬جانفي ‪ 211‬حتت أوامر قائد املائة "ايوليوس دجنوس" ‪(C.Iuulius‬‬
‫)‪ Dignus‬وهو ما تكشفه نقوش األبواب املؤرخة بسنة ‪ ، 211‬أما املنشآت الداخلية للمعسكر من مركز القيادة‬
‫واحلمامات والثكنات فبنيت سنة ‪ ، 214‬يقدر عدد قوات هذا املعسكر بـ‪111‬جندي مبعىن أربع وحدات مئوية‬
‫لكن يف الواقع إبمكانه استيعاب أكثر من ألف جندي‪ ،‬واستمر تواجد اجلنود به إىل غاية سنة ‪ 242‬اتريخ حل‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة‪.‬‬

‫إن تعرفنا على هذا املعسكر بشكل أفضل يعود الفضل فيه إىل التنقيبات والنقوش النصية خصوصا‬
‫األوسرتاكا )‪-(Ostraca‬شقفة من الفخار كانت تستخد يف الكتابة‪ ،-‬حيث مسحت لنا ابلتعرف على اتريخ‬
‫(‪)2‬‬
‫إنشاءه وأمور أخر‪ ،‬متعلقة ابحلياة العسكرية داخله‪.‬‬

‫لقد شكل معسكر "بوجنم" مبوقعه نقطة عبور هامة من الشمال إىل اجلنوب‪ ،‬وخالل الفرتة املمتدة من‬
‫‪ 211-211‬مت تدعيمه من قبل جنود الفرقة األوغسطية بعدة حصون صغرية وأبراج رصد يف نواحي املعسكر‪،‬‬
‫تسم مبراقبة املنطقة على امتداد يصل إىل ‪ 411‬كلم‪ ،‬ويف سنة ‪ 222‬مت جتديد البوابة وإجناز أخر‪ ،‬جديدة ذات‬
‫عقد القبة وبرجني ذو أربع طوابق‪)3(.‬كما مسحت لنا "األوسرتاكا" مبعرفة النشاطات العسكرية جلنود هذه الوحدة‪،‬‬
‫فنجد نداء يومي للجنود ومراسالت بني هذا املعسكر واملعسكرات األخر‪ ،،‬وتقارير يومية ملختلف األنشطة‪ ،‬كما‬
‫جند "كاتب" )‪ (Librarivs‬يقو بنداء اجلنود املوضوعني حتت تصرفه بشكل يومي‪ ،‬زايدة على مساعد‬
‫)‪ (Optio‬حيصي اجلنود أثناء التدريبات واحلراس والفرسان وجنود البعثات املتنوعة وجنود السخرة الذين جندهم يف‬
‫(‪)4‬‬
‫األفران أو احلمامات‪.‬‬

‫وتسم لنا "األوسرتاكا" أيضا ابلتعرف على عمليات التموين هلذه الوحدة العسكرية من القم والشعري‬
‫اخلشب واألمحرة‪ ،‬وعمليات املراقبة الصارمة اليت تقو هبا يف املنطقة‪ ،‬هذه املراقبة جد دقيقة ومضبوطة سواء لألمحرة‬

‫‪1‬‬
‫‪- Marichal (R), Les Ostraca de Bu Njem, A.I.B.L, V° 123, N3, 1979, P 436.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Rebuffat (R), Deux ans de recherches dans le sud de la Tripolitaine, A.I.B.L, V° 113, N 02, 1969, P-P 198-205.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Marichal (R), Op.Cit, P-P 438-446.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Ibid, P-P 448-451‬‬

‫‪163‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‬ ‫الفصل الثالث‬

‫واجلمال املسافرة مع املسافرين اليت كانت حمددة‪ ،‬وحىت هوية هؤالء املسافرين رمبا هي األخر‪ ،‬كذلك‪ ،‬السلع‬
‫والبضائع يتم مراقبتها وتسجيلها‪ ،‬وكل هذا رمبا ألهداف ضريبية مثلما نالحظه يف "زراي" )‪ (Zarai‬بنوميداي‪،‬‬
‫وهذا يعين أن مهمة هذه الفرقة متداخلة فجمعت بني مهمة مراقبة املعسكر واالستعالمات العسكرية ورصد‬
‫(‪)1‬‬
‫حتركات قبائل الغرامنت املوجودة يف اجلنوب وجباية الضرائب‪.‬‬

‫من كل هذا نقول أن معسكر "بوجنم" قا أبدوار عسكرية جد هامة‪ ،‬كما ظهرت جبوار هذا املعسكر مدينة‪،‬‬
‫رمبا كانت تستعمل خلدمة جتار القوافل التجارية‪ ،‬فاكتست هبذا دورا سياسيا وعسكراي واقتصاداي يف عمق‬
‫الصحراء‪.‬‬

‫ال يزال املؤرخون حياولون فهم السياسة العسكرية السيفريية يف إقليم طرابلس‪ ،‬ودور هذه احلصون واملعسكرات‬
‫املتواجدة بعمق الصحراء يف املنظومة الدفاعية‪ ،‬ما مس بتشجيع استغالل األرض زراعيا فانتشرت زراعة الزيتون اليت‬
‫أصبحت ثروة هذه املنطقة‪ .‬لكن علينا أن نتجاوز فكرة أن هذه احلصون املقامة كانت مبثابة مراكز عسكرية‬
‫متقدمة فقط‪ ،‬بل كانت أيضا املتحكمة يف مسارات الطرق التجارية الرئيسية اليت تنطلق من الساحل وتوصل إىل‬
‫"فزان" )‪ (Fezzan‬ومن"غدامس" حنو"غاث" )‪– (Ghat‬احلدود اجلزائرية الليبية‪-‬أو حنو مركز إقليم فزان ومناطق‬
‫أخر‪ ،‬عديدة وبذلك فإن هذه احلصون كانت ذات أدوار جتارية هامة‪.‬‬

‫‪ -‬حصن غريات الغربية )‪:(Gheriat el-Gharbia‬‬

‫بدأت عمليات التنقيب يف هذا احلصن منذ احلرب العاملية األوىل‪ ،‬الذي ال نزال جنهل امسه الالتيين‪ ،‬هذا‬
‫املعسكر الذي يكمن دوره يف مراقبة واحة تقع إىل الشرق من هضبة صخرية معروفة ابحلمادة احلمراء‪ ،‬أنشئ يف‬
‫نقطة عبور حتمية على مسلك جنوب‪-‬مشال يؤدي من فزان حنو سواحل إقليم طرابلس وعلى خط سري داخلي‬
‫(‪)2‬‬
‫شرق‪-‬غرب يسم بربط اجلنوب التونسي مبصر‪.‬‬

‫أقيم املعسكر على ا لضفة اليمىن لواد جاف على شاخمة هضبة ذات احندار طفيف حنو الشرق‪ ،‬لكنها تشرف‬
‫على الواحة عرب ثالثة جهات‪ ،‬أما التزود ابملياه فكان يتم من خالل آابر داخلية مع بعض الينابيع الواقعة يف‬
‫الواحة‪ ،‬جاء املعسكر بشكل مستطيل مثايل بطول ‪ 124‬على ‪ 142‬أي مبساحة ‪ ،² 23117‬أركانه‬
‫مستديرة ومدعمة داخليا بسماكة السور الذي يقدر عرضه ب‪ 2631‬والذي ال يزال قائما ابرتفاع ‪ 4611‬وهو‬
‫يف األصل يصل إىل ‪ ، 6661‬مزود مبجموعة من األبراج ‪ 3621-‬يف كل جانب‪ -‬وله أربعة أبواب‪ ،‬وجند به مركز‬
‫للقيادة ومباين وثكنات للجنود‪ ،‬وعلى بعد ‪1‬كلم من احلصن جند برج دائري أنشئ يف زمن اسكندر سيفريوس‬
‫هبدف املراقبة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Rebuffat (R), Op.Cit, P-P 211-212.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Lenoir (M), Le camp, P 161.‬‬

‫‪164‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‬ ‫الفصل الثالث‬

‫والنقوش املكتشفة يف هذا املعسكر تسم لنا بتقدمي صورة عن اتريخ املعسكر‪ ،‬وهي يف معظمها جنائزية‬
‫واليت تشهد على تواجد جنود الفرقة األوغسطية الثالثة به‪ ،‬ونقيشة أخر‪ ،‬مكسورة تشري إىل أن إنشاءه كان يف‬
‫العهد السيفريي ما بني ‪ 211-162‬يف عهد الليقاتوس "أنسيوس فستوس"‪ ،‬وهو يف اترخيه شبيه ملعسكر بوجنم‬
‫(‪)1‬‬
‫الذي مت التخلي عنه سنة ‪. 242‬‬
‫‪-‬غدامس) ‪:(Cidamus‬‬

‫تعين كلمة غدامس "بلد اجللود"‪ ،‬وهي واحة تقع جنوب غرب ليبيا احلالية وتبعد عن احلدود التونسية بـ‬
‫‪16‬كلم و‪11‬كلم عن احلدود اجلزائرية وحوايل ‪111‬كلم عن بسكرة‪ ،‬ما أكسبها موقع جغرايف جد اسرتاتيجي‬
‫يسم هلا بلعب دور شرطة الصحراء‪ ،‬وصل الرومان إىل هذه الواحة منذ ‪ 16‬ق‪ ، .‬واستقر جنود الفرقة‬
‫األوغسطية الثالثة يف هذه الواحة ملراقبة الطرق التجارية والتجار القادمني من الشمال حنو اجلنوب أو العكس‬
‫(‪)2‬‬
‫وعلى األرج كان يف بداية القرن الثالث‪.‬‬
‫‪ -‬حصن "بر رهزن" )‪:(Bezereos‬‬
‫يقع هذا احلصن إىل الشمال الغريب من هضاب دهار )‪ (Dahar‬وإىل الغرب من جبل متماتة‬
‫)‪ ،(Matmata‬وهذا ما يسم له مبراقبة منخفض يفصل جبل "تبجا" عن جبل "مالل"ويسم ابلدخول إىل‬
‫(‪)3‬‬
‫سهل العراد من اجلنوب الغريب عرب قابس‪.‬‬
‫هذا احلصن مشهور بنقوشه الكتابية‪ ،‬جاء بشكل مستطيل أببعاد ‪ 71‬على ‪ ، 11‬أي مبساحة تقدر بـ‬
‫‪ ، ² 4211‬أركانه مستديرة وله ابب واحد مت اكتشافه‪ ،‬وإذا كانت النقوش تشري إىل فكرة إنشاء هذا احلصن كانت‬
‫منذ عهد "كوموديوس"‪ ،‬فإن اجنازه كان سنة ‪ 211‬من قبل حاملة علم اتبعة للفرقة األوغسطية الثالثة‪ ،‬حيث‬
‫قامت سنة ‪ 216‬بتقدمي إهداء لإلمرباطور "سيفريوس" وكركال‪ ،‬وكان عدد اجلنود املشاركني يف هذه اإلهدائية هو‬
‫(‪)4‬‬
‫‪ 411‬جندي وهو عدد معترب يف هذا احلصن الصغري‪.‬‬

‫وهذا احلصن يدخل ضمن خط سري "أنطونيوس" الذي ظهر منذ القرن الثالث امليالدي وهو عبارة عن دليل‬
‫للسفر يف روما القدمية‪ ،‬والذي حيصي تراتب املدن الرومانية وأبعادها وجند "بري رهزن" يف املرحلة اخلامسة يف‬
‫(‪)5‬‬
‫الطريق الرابط بني قابس و"لبدة"‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Marichal (R), Op.Cit, P-P 161-163.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Http://www.livius.org/ga-gh/gheriat/gheriat_el-garbia.html‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Marichal (R), Op.Cit, P 174.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Alfred (M), Le fortin de Bezeros sur le limes Tripolitain,S .A.I ,B ,L ,V°3 ,N°3 , 1921, P-P 243-247.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Trousset (P), Pénétration Romaine et organisation de la zone Frontière dans le prédésert Tunisien, A, R,‬‬
‫‪2004, P-P 59 -74, d’après : www.dirictoesstoria.it/8/mimoire/AfricaRomana.‬‬

‫‪165‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‬ ‫الفصل الثالث‬

‫‪ -‬حصن هنشر كرنفر )‪:(Henchir Krannfir‬‬

‫على بعد ‪6‬كلم فقط إىل الشمال الشرقي يف جبال "دهار" وعلى اجلانب اجلنويب جلبل "أ الشاشية"‪ ،‬جند‬
‫هذا احلصن الذي تقدر أبعاده بـ ‪ 41‬على ‪ ، 2163‬هذا احلصن كانت تقيم فيه وحدة اتبعة للفرقة األوغسطية‬
‫الثالثة‪ ،‬ويكمن دوره يف مراقبة املمر اجلبلي للمنحدر الشمايل جلبل دهار‪.‬‬
‫‪-‬حصن قصر طربية )‪:(Ksar Tabria‬‬

‫يقع تقريبا بني "شط اجلريد" وجبل "متماتة"‪ ،‬بين على هضبة تشرف على سهل "العراد"‪ ،‬ما جعله قادر على‬
‫مراقبة كل االجتاهات‪ ،‬وعلى بعد ‪ 11‬يف الشمال الغريب جند خرزات أابر‪ ،‬ما يعين أن التزود ابملياه كان يتم من‬
‫خالهلا‪ ،‬بين بشكل مربع بطول ‪ 71‬يف كل جانب‪ ،‬له ابب واحد أما السور فسمكه ‪ 1671‬مزود بربج مع مركز‬
‫للقيادة وثكنات داخلية‪ ،‬لكن جنهل اتريخ إنشاءه أو الفرقة املرابطة به‪ ،‬لكن على األرج أنشئ زمن‬
‫"كومديوس"‪ ،‬لكن يف العهد السيفريي مت توسيعه ومن أمهية وأدوارا أكرب مع تزويده حبصون وطرق‪ ،‬ويكمن دور‬
‫(‪)1‬‬
‫هذا احلصن أساسا يف محاية طريق رئيسي وظهر الليمس‪.‬‬
‫‪-‬حصن هنشر اهلجار)‪: (Henchir el Hadjar‬‬

‫يقع إىل الشرق من جبل "مالب"‪ ،‬وهو يسم مبراقبة املنطقة اخللفية للمنخفض الواقع بني جبل طبقا وجبل‬
‫مالب وسهل العراد‪ ،‬جاء هذا املعسكر يف شكل مربع بطول ‪ ، 42621‬أركانه مزودة أببراج مع وجود خندق‬
‫حميط به‪ ،‬سوره بسمك ‪ 1671‬الذي ال يزال قائما ابرتفاع ‪ ، 7611‬إال أننا ال نعرف اتريخ إنشاءه‪ ،‬لكن األكيد‬
‫أن جنود الفرقة كانوا متواجدين به‪.‬‬
‫‪-‬حصن هنشر مغرين )‪:(Henchir Mgarine‬‬

‫يقع جبوار الطريق الرابط بني "قابس" و"تلمني" )‪ (Turris Tamalleni‬بين يف شكل مربع بطول ‪76‬‬
‫(‪)2‬‬
‫أركانه مستديرة أما عرض سوره ‪ ، 1671‬وال جند به أبراج مع وجود مقر للقيادة وثكنات للجنود‪.‬‬
‫‪-‬حصن قصر غيالن )‪:(Tisavar‬‬

‫يقع هذا احلصن على هضبة "الدهار "وإىل الغرب من جبل "متماتة"‪ ،‬ويسم مبراقبة عمليات الدخول إىل‬
‫الدهار‪ ،‬والطريق املؤدية إىل "نفزاوي" عرب واد احللوف‪ ،‬وجند بداخله خزان إبمكانه استيعاب ‪2111‬لرت وهو غري‬
‫كايف الحتياجات احلامية‪ ،‬جاء املعسكر يف شكل مستطيل بطول ‪ 47‬على ‪ 26‬أركانه مستديرة‪ ،‬مسك اجلدار‬
‫يقدر ب ‪ 1631‬وهو مبين من الدبش‪ ،‬له ابب واحد وبه مركز للقيادة وثكنات اجلنود‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Lenoir (M), Le camp, P 177.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Ibid, P 178.‬‬

‫‪166‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‬ ‫الفصل الثالث‬

‫تسم لنا النقوش املكتشفة هبذا املوقع على التأكد من وجود حاملة علم اتبعة للفرقة األوغسطية الثالثة به‪،‬‬
‫حيث جند به الكتيبة الفالفية الثانية )‪ (La cohors II Flavia‬وهي إحد‪ ،‬الكتائب املساعدة للفرقة‬
‫األوغسطية واليت نعثر على إمسها أيضا حبصن رمادة‪.‬‬

‫‪-‬حصن هنشر مديانة) ‪:(Henchir Medeina‬‬

‫هو األخر إحد‪ ،‬حمطات خط سري انطونيوس‪ ،‬ويسم له موقعه مبراقبة اجلهة الشرقية ملنخفض بني جبل‬
‫"دمار" وجبل "عبيود"‪ ،‬وهو يتكون من جزئني متمايزين‪ ،‬األول خارجي يف شكل مربع بطول ‪ ، 74‬واألخر‬
‫مركزي بطول ‪ ، 21‬األركان مستديرة‪ ،‬مسك السور يقدر حبوايل ‪ 1‬وجند به مباين داخلية ومركز للقيادة لكن جنهل‬
‫اتريخ إنشاءه‪.‬‬
‫‪-‬معسكر رمادة )‪:(Tillibari‬‬

‫هو إحد‪ ،‬حمطات طريق أنطونيوس‪ ،‬يقع على حدود الصحراء ما يسم له مبراقبة الطرق املؤدية للجنوب‪،‬‬
‫بين املعسكر على أرضية ذات احندار طفيف يف شكل مستطيل‪ ،‬تقدر أبعاده بـ ‪ 116‬على ‪ 123‬ورمبا ‪171‬‬
‫على ‪ ، 161‬أركانه مستديرة وال توجد به أبراج‪ ،‬به أربعة أبواب ومقر للقيادة ومباين داخلية وثكنات اجلنود‪.‬‬

‫وإن كان البعض ير‪ ،‬أن هذا املعسكر أنشئ يف عهد "هادراينوس"‪ ،‬فإن التاريخ األكثر شيوعا هو سنة‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ 166‬من قبل "الكتيبة الفالفية الثانية" إحد‪ ،‬الفرق املساعدة للفرقة األوغسطية الثالثة‪.‬‬

‫ومما سبق ذكره فإن الفرقة األوغسطية أقامت عدة معسكرات خالل العهد السيفريي عرفت ابلليمس‬
‫الطرابلسي‪ ،‬فأجنزت القالع واحلصون واملعسكرات ملراقبة التخو وضمان أمن مسالك القوافل التجارية من غدامس‬
‫إىل غرايت الغربية وبوجنم وغريها كمحطات يف خط سري أنطونيوس‪ ،‬هذا الليمس دعم بشبكة من الطرق أو‬
‫مسالك إسرتاتيجية تنطلق من "قابس " إىل "لبدة" رابطة جمموعة من املناطق احملصنة‪ ،‬وهو األمر الذي مس بتنقل‬
‫الدورايت والقوافل التجارية بسال ‪ ،‬هذه القالع واحلصون واألبراج ذات األدوار املتباينة هي متباعدة عن بعضها بـ‬
‫‪ 41‬ميل‪.‬‬

‫وعليه ساهم جنود الفرقة األوغسطية الثالثة يف توسيع اجملال املكاين للرومان‪ ،‬وراقبوا املعابر الرئيسية ونقاط‬
‫التزود ابملياه ومناطق االلتقاء التقليدية‪ ،‬والشيء الذي جيمع كل هذه احلصون والقالع واألبراج هو حركية جنودها‬
‫مع جنود كتائب الفرسان‪ ،‬ومما سبق ذكره فإن جنود الفرقة األوغسطية الثالثة يف إقليم طرابلس ميكن أن منيزهم‬
‫على أساس ثالث أنواع‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Lenoir (M), le camp, P-P 165-172.‬‬

‫‪167‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‬ ‫الفصل الثالث‬

‫‪ -‬جنود املعسكرات املساعدة‪:‬‬

‫واملقصود هنا نشر وحدات وكتائب اتبعة للفرقة األوغسطية الثالثة يف هذا اإلقليم‪ ،‬وعند االقتضاء تدعم‬
‫بفصائل أخر‪ ،،‬هذه املعسكرات أشران إليها من قبل واملوجودة يف جنوب تونس احلالية وإقليم طرابلس يف "بري‬
‫رهزن"و"رمادة" اليت جند هبا فرقة خيالة هي الكتيبة الفالوية اإلفريقية الثانية‪ ،‬مع وجود فرق أخر‪ ،‬أشران إليها‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫إضافة إىل غرايت الغربية وبوجنم واللذان كاان قاعدة أساسية للتوسع الروماين‪.‬‬
‫‪ -‬املراكز املتقدمة‪:‬‬

‫ركز الرومان على نشر مراكز متقدمة حنو اجلنوب ففي طرابلس جند "قصر غيالن"‪ ،‬الذي أنشئ يف نقطة‬
‫هامة من جبل دهار حيث يسم مبراقبة احلدود ومناطق استقطاب املهاجرين املومسيني‪.‬‬
‫‪ -‬أبراج الرصد‪:‬‬

‫جند سلسلة من أبراج الرصد أقيمت يف مواقع تسم مبراقبة ورصد خمتلف التحركات‪ ،‬فنجد واحد على بعد‬
‫‪1‬كلم من "غرايت الغربية" ذو خمطط رابعي أو دائري قطره ‪ 1‬أمتار‪ ،‬وعلى العمو فإن هذه األبراج كانت تقا‬
‫على هضبات مرتفعة‪ ،‬وجبوارها مراكز عسكرية وعلى حماور الطرق‪ ،‬وتتمثل وظيفتها يف املراقبة والتحويل ونقل‬
‫اإلشارات عرب إشعال النار‪ ،‬وبذلك تنتشر املعلومة من خالل نظا شفرة إىل املراكز اجملاورة إىل اجملاورة هلا وإىل‬
‫مركز القيادة‪ ).‬أنظر الشكل رقم‪( 07 :‬‬

‫ومن كل هذا فإن سياسة غلق التخو وإبحكا قد أخذت احليز األكرب من اهتمامات "سيفريوس" يف إقليم‬
‫طرابلس فوزع جنود الفرقة األوغسطية الثالثة على خمتلف معسكراهتا وهذا ملراقبة خمتلف التحركات‪ ،‬كما اكتسى‬
‫هذا الوجود طابع اقتصادي من خالل محاية القوافل التجارية ما ساهم يف التخفيف من خطر الغارات املعادية‬
‫(‪)2‬‬
‫وتنظيم عملية مجع الضرائب على البضائع املنقولة حنو األسواق الدورية وتنشيط احلركة التجارية‪.‬‬

‫تواصلت التوسعات الرومانية جبنوب نوميداي حىت وصلت إىل مسعد ‪67-‬كلم جنوب اجللفة‪ -‬وهو تقد‬
‫ها مل يبلغه الرومان من قبل‪ ،‬أين أنشئوا فيها معسكر أو قلعة "دمييدي" )‪ ، (Castellum Dimmidi‬فإذا كان‬
‫الليمس النوميدي توسع يف العهد "األنطوين" مع معسكر القصبات وصوال إىل هتودا وبسكرة هبدف تطويق الكتلة‬
‫األوراسية‪ ،‬فإن الفرقة األوغسطية الثالثة يف العهد السيفريي بنوميداي قد انتقلت من السياسة اهلجومية إىل سياسة‬
‫مستقرة‪ ،‬مسحت بتقليص عدد احلصون وإخالء بعضها‪ ،‬لكن ذلك ال يعين عد بناء حصون جديدة على طول‬
‫الليمس الصحراوي ويبقى من أشهرها قلعة مسعد‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Le Bohec (Y), Histoire…, P-P 102-103.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Trousset (P), Op.Cit, P-P 59-74.‬‬

‫‪168‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‬ ‫الفصل الثالث‬

‫الشكل رقم ‪ :07‬الفرقة االوغسطية الثالثة والنظام الدفاعي إلقليم طرابلس الغربية‪.‬‬

‫‪le Bohec (Y) , Histoire de l’Afrique Romaine (146 avant J.-C.-439 après J.-C.), Picard, 2005, P12.‬‬ ‫املرجع‪:‬‬

‫‪169‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‬ ‫الفصل الثالث‬

‫ب‪-‬الفرقة األوغسطية الثالثـة يف نوميديــا‪:‬‬


‫‪ -‬قلعة مسعد )‪:(Castellum Dimmidi‬‬

‫تندرج قلعة تيميدي ضمن الليمس النوميدي وهي أحد املراكز املتقدمة يف صحراء االطلس الصحراوي‪،‬‬
‫جغرافيا تقع مشال أوالد انيل على بعد ‪67‬كلم جنوب اجللفة‪ ،‬وفلكيا هي حمصورة بني دائريت عرض ‪ 43616‬مشاال‬
‫وخط طول ‪ 4641‬شرقا‪ ،‬أقيمت هذه القلعة على هضبة مثلثة مداخلها صعبة يف اجلهات الشرقية واجلنوبية الغربية‪،‬‬
‫كما تشرف على وادي جدي بـ‪ 41‬والذي كان مصدر تزويدها ابملياه‪.‬‬

‫كانت مسعد ملتقى مسلكني تقليديني واحد منهم قاد من "األغواط" ومير على مسعد مث على سلسلة‬
‫جبال "بوكحيل" )‪ (Bou Kahil‬مث ينحدر وجيتاز مضيق "عني الكحلة" ويف واد "عني الريش" يفت هذا املسلك‬
‫على مستو‪ ،‬منخفضات احلضنة‪ ،‬أما املسلك الثاين فهو مرتفع فوق "املوجبارة" )‪(Moudjbara‬وصوال إىل‬
‫اجللفة‪ ،‬وهذه املسالك كانت مبثابة بواابت الدخول ابلنسبة للغزاة القادمني من جنوب املغرب احلايل وهم‬
‫"اجليتول"‪ ،‬واليت بدأت عمليات مواجهة غاراهتم منذ عهد "ترااينوس" من خالل الليمس النوميدي املمتد من طبنة‬
‫إىل القنطرة‪.‬‬

‫فكانت هذه القلعة مبثابة احملذر من الظهور املفاجئ هلجومات تلك القبائل‪ ،‬مع مراقبة حتركات خمتلف قبائل‬
‫البدو الرعاة املسالك‪)1(،‬ما استدعى إنشاء هذا"الربايتنتور" )‪ - (Praetentura‬مصطل عسكري يقصد به‬
‫مركز عسكري حمصن لكنه متقد ‪ -‬وهو قلعة "دمييدي"‪.‬‬

‫جاء املعسكر يف شكل سباعي ذو أضالع متغرية ما بني ‪ 17‬إىل ‪ ، 22‬والطول الكلي للسور هو ‪، 264‬‬
‫أي أن مساحته ‪ ،² 3211‬وعلى األرج فإن أركانه السبعة غري مزودة أببراج‪ ،‬كما جند به ابب يف اجلانب األمين‪،‬‬
‫‪)2(.‬‬
‫أما داخل القلعة فنجد ثالثة طرق ومقر القيادة ومستودع للحبوب ومحامات وأربع ثكنات للجنود‪.‬‬

‫كان إنشاء هذه القلعة سنة ‪ 162‬من قبل فرقتني نظاميتني‪ ،‬كل واحدة منهما عدد أفرادها ‪ 211‬جندي‪،‬‬
‫واحدة اتبعة للفرقة األوغسطية الثالثة وأخر‪ ،‬للفيلق القاليكي الثالث )‪ ،(Legio III Gallica‬إضافة إىل مفرزة‬
‫للفرقة البانونية األوىل‪ ،‬ويعتقد بيكار أن الذين شاركوا يف إجنازها يقدر عددهم بـ ‪ 411‬جندي‪ ،‬وكان يعسكر هبا‬
‫(‪)3‬‬
‫‪ 111‬جندي‪ ،‬أما القائد األول هلذه القلعة فهو "فالفيوس سوبر" )‪.(Flavus Super‬‬

‫وير‪" ،‬بيكار" أن كل فرقة كان لديها أشغال تتلف عن األخر‪ ،،‬فاملشاة كان دورهم بناء القلعة‪ ،‬أما‬
‫الفرسان فيقومون بدورايت حوهلا‪ ،‬ليتم فيما بعد سحب الكتيبة البانونية األوىل‪ ،‬فبقي فيها جنود الفرقة األوغسطية‬

‫‪1‬‬
‫‪- Trousset (P), Op.Cit, P-P 75-88.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Lenoir (M), Le camp, P 223‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Pflaum (H-G), Castellum Dimmidi, Journal des Savants, V°1, N°1, 1949, P 56.‬‬

‫‪170‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‬ ‫الفصل الثالث‬

‫الثالثة والفيلق القاليكي الذي قد من سوراي والذي كان يتواجد حوايل ‪ 211‬جندي من قواته يف هذه القلعة‪،‬‬
‫األمر الذي جعل املؤرخني يتساءلون حول دواعي هذا الوجود وملاذا مت اإلستنجاد هبذا الفيلق؟‪ ،‬والذي برره بيكار‬
‫أبنه يف سنة ‪ 162‬مت نقل قوات معتربة اتبعة للفرقة األوغسطية الثالثة إىل الشرق للمشاركة يف حروب روما ضد‬
‫"البارثيني"هذا من جهة‪ ،‬ومن جهة أخر‪ ،‬فإن هذه الفرق السورية هي األكثر قدرة على التكيف مع حروب‬
‫الصحراء‪ ،‬فجاءت لتدريب الفرق األخر‪ ،‬على أساليبها القتالية‪ .‬على أنه عند مالحظة األسلحة املستعملة يف‬
‫هذه القلعة فإننا نستبعد فكرة امتالك جنودها ملدافع وأسلحة متطورة ما جعل بعض املؤرخني يقولون أبن جنود‬
‫هذه القلعة كانوا يعانون من امللل أكثر من العدو‪.‬‬

‫ومع ذلك‪ ،‬فإن الوجود العسكري للفرقة هنا ساهم يف التوسع جنواب واستغالل أراضيها مع إقامة املدنيني‪ ،‬ما‬
‫أحدث تغيريات كبرية يف هذه املنطقة‪ ،‬على أنه إىل غاية سنة ‪ 221‬كان جنود الفرقة وحدهم املتواجدين يف‬
‫"مسعد"‪ ،‬حيث يف سنة ‪ 227‬مت االستعانة بفرق متحركة ملراقبة املسالك‪ ،‬فنجد فرقة "نبالني" مت اجملئ هبا من‬
‫سوراي هي "الفصيلة التدمرية" )‪ ، (Numerus Des Palmyréniens‬هذه اإلجراءات مسحت بوضع حد‬
‫لظاهرة التنقل والرتحال العشوائي ألهايل هذه املنطقة حنو الشمال‪ ،‬واستمر نشاط هذه القلعة إىل غاية سنة‬
‫‪ . 231‬كما جند ابلقرب من هذه القلعة بقااي حتصينات أخر‪ ،‬منها "اتدميت" الواقعة على املمر الرئيسي بني‬
‫منخفض "األغواط" واهلضاب العليا‪ ،‬مث "زنينة" الواقعة ابلسفوح الغربية جلبال "أوالد انيل" مشرفة على منخفض‬
‫"الوادي الطويل" أحد الروافد العليا لنهر الشلف الذي ينبع من جبال "عمور" خارقا اهلضاب العليا مشكال‬
‫مسلكا طبيعيا وحيواي للرعاة‪)1(،‬كما مت بناء قلعة "الظهرة" لتكون قاعدة أمامية لتموين مسعد‪ ،‬إضافة إىل "دوسن"‬
‫)‪" (Doucen‬وسدوري" )‪ (Sadouri‬و"القاهرة" )‪ (El Gahra‬وعني الريش واجللفة‪ ،‬وابلتايل فإن وجود قلعة‬
‫"دمييدي" وخمتلف األبراج والتحصينات جنوب شط احلضنة هو شهادة على امتداد ووصول الرومان إىل الصحراء‬
‫وغزوهم هلا‪ ،‬ما ساهم بتشجيع استغالل هذه األراضي وبروز زراعة الكرو والزيتون‪.‬‬

‫إن هذه اجلهود العسكرية كانت ذات أهداف اقتصادية ابلدرجة األوىل‪ ،‬فنقيشة جبل "زيرق" )‪(Zireg‬‬
‫متكننا من فهم هذه اإلنشاءات يف جنوب احلضنة‪ ،‬وكيفية تقسيم األراضي واملراعي واملياه اليت كان يقو هبا جندي‬
‫خمصص )‪.(evocatus‬‬

‫هذه التغريات يف املنظومة الدفاعية يف مقاطعة نوميداي خلفت نتائج يف اجملاالت األخر‪ ،،‬وهذا ما تكشفه لنا‬
‫تعريفة "زراي" )‪ (Zarai‬املؤرخة سنة ‪ 212‬اليت علقت بعد مغادرة كتيبة كانت اتبعة للفرقة األوغسطية الثالثة‬
‫للمنطقة‪ ،‬واليت كانت متواجدة منذ زمن "هادراينوس"‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Pflaum (H-G), Op. Cit, P 57-59.‬‬

‫‪171‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‬ ‫الفصل الثالث‬

‫تقع "زراي " على ممر حيوي يتم ارتياده بكثرة بني اهلضاب العليا القسنطينية والسهوب شبه اجلافة للحضنة‪،‬‬
‫فإذا كان التساقط يف اهلضاب العليا يرتاوح بني ‪111-311‬ملم سنواي‪ ،‬فإنه يف حوض "احلضنة" يرتاوح بني‬
‫‪411-211‬ملم‪ ،‬ما يعين أن زراي تقع يف منطقة مناخية انتقالية‪ ،‬إضافة إىل قرهبا من املمر الكبري لالنتجاع الذي‬
‫يسلكه الرعاة الرحل أو شبه الرحل القادمون من اجلنوب حبثا عن الكأل ملاشيتهم اليت تقدر مبئات اآلالف‪،‬‬
‫وتكمن أمهية نقيشة زراي يف عنصرين‪:‬‬

‫‪ -‬أن هذه املنطقة مناسبة لرتبية املواشي‪ ،‬وهي منفذ حلوض احلضنة اليت جند به مريب املاشية الذين ميارسون‬
‫حياة البدو الرحل‪.‬‬

‫‪ -‬أن"زراي" معرب ملنتجات قادمة من املناطق الساحلية الربوقنصلية‪.‬‬

‫فزراي زايدة على دورها العسكري‪ ،‬لعبت دور جتاري حيث كانت مبثابة مهزة وصل بني مناطق التخو ذات‬
‫االقتصاد الرعوي ومناطق داخلية أكثر ثراء وحركية‪ ،‬واألكيد أن تعريفة "املكس" كانت خمتلفة أثناء فرتة تواجد‬
‫(‪)1‬‬
‫الكتيبة العسكرية عن الحقتها‪ ،‬أين مت إجراء تعديالت ‪-‬ارتفعت‪-‬على التعريفة‪.‬‬

‫إن هذه السياسة العسكرية اجلديدة والتوسعات والتحصينات اليت قامت هبا الفرقة األوغسطية الثالثة يف‬
‫نوميداي قد سامهت يف االستيالء على أراضي جديدة‪ ،‬حيث ظهرت منذ القرن الثاين منتجات زراعية جديدة‬
‫تنافس القم ونعين الزيتون والكرو ‪ ،‬األمر الذي شجع اإلنتاج الزراعي‪ ،‬وهو ما صاحبه ارتفاع الضرائب احملصلة‬
‫واليت كانت يف البداية مفيدة لروما ولكنها ستؤدي فيما بعد إىل نتائج عكسية‪.‬‬

‫أما كل هذا قد نتساءل عن ردود األفعال احمللية جتاه التغلغل العسكري الذي قاده جنود الفرقة األوغسطية‬
‫الثالثة‪ ،‬فالربغم من عد امتالكنا ألي نصوص أدبية تتحدث عن وجود مقاومة أما التقد الروماين فأننا جند‬
‫إشارات عن وجود حالة أتهب قصو‪ ،‬إلحد‪ ،‬الفرق احلاملة للواء الفرقة األوغسطية الثالثة يف "منا" )‪ (Mena‬يف‬
‫عمق منطقة األوراس‪ ،‬ما جيعلنا حنتمل وجود اضطراابت‪ ،‬كما لدينا إشارات عن وجود مقاومات يف مشال األوراس‬
‫ما استدعى حراسة عسكرية للذاهبني إىل العمل يف احلقول‪ ،‬لكن على العمو كانت األوراس يف عهد "سيفريوس"‬
‫مستقرة ما مس إبقامة عديد منشآت التسلية والرتفيه يف معسكر "ملباز" مع إرسال وحدات قتالية حنو الشرق‬
‫(‪)2‬‬
‫ملساندة القوات الرومانية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Morizot (P), Les échanges commerciaux entre la côte méditerranéenne et à l'intérieur du Maghreb au IIe‬‬
‫‪siècle vus au travers du Tarif Zaraï, édition de CTHS, Paris ; 2009, P 158.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Benabou (M), La résistance, P-P 173-178.‬‬

‫‪172‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‬ ‫الفصل الثالث‬

‫‪ -2‬الفرقة األوغسطية الثالثـة زمـن "كركال" "وإسكندر سيفروس"‪:‬‬

‫بلغ الرومان يف مشال إفريقيا أوج توسعاهتم‪ ،‬سواء يف نوميداي أو إقليم طرابلس واألكيد أن جنود الفرقة‬
‫األوغسطية الثالثة سامهوا يف هذا إبقامتهم لعديد احلصون والقالع واإلستحكامات‪ ،‬األمر الذي خلق نوع من‬
‫اهلدوء يف فرتة كركال‪.‬‬

‫أ‪ .‬عهد كركال )‪:)407-404( (M.Antonius Carcalla‬‬

‫جنهل الكثري عن دور ونشاط الفرقة األوغسطية الثالثة زمن"كركال"‪ ،‬وهذا يعود ابألساس إىل اهلدوء الكبري‬
‫الذي عرفته بالد املغرب يف فرتة حكمه أو رمبا لتقرب اإلمرباطور من األهايل بتقدميه هدااي إىل احلكا احملليني من‬
‫األفارقة كسبا ملودهتم وتفاداي حلركات التمرد‪ ،‬فشجع األهايل على تقبل الدخول يف احلياة الرومانية‪ ،‬وصاحب هذا‬
‫إبنشاء جمموعة من التحصينات سنحاول التعرف عليها‪:‬‬

‫‪ -‬احلصون‪:‬‬

‫أقامت الفرقة األوغسطية يف عهد هذين اإلمرباطورين جمموعة من احلصون أبرزها حصن خربة الربج‬
‫)‪ (Burgus Speculatorius‬الذي يشرف على مشال شرق جبل السلو والسهول اجملاورة له‪ ،‬ويتجلى من‬
‫خالل اإلهداء الذي تقد به الليقاتوس "فالريوس سنيكيو" )‪ (Valerius Senecio‬أن اإلمرباطور كركال أمر‬
‫قائده "يوليو أيلوريوس" )‪ (Iulio Aelurius‬ببناء هذا احلصن سنة ‪ 213‬مبعية "الفصيلة احلمصية"‪ ،‬ألنه‬
‫إبمكاهنا حتمل ظروف املناخ القاسية‪ ،‬جاء هذا احلصن يف شكل مربع طول ضلعه ‪ ، 31‬به أبراج عند الزوااي‪،‬‬
‫وجند بساحته الداخلية بناية أبعادها ‪12‬على ‪ ، 11‬ويعتقد أنه يتسع خلمسني جنداي‪ ،‬يسم هذا احلصن مبشاهدة‬
‫معسكر القنطرة على بعد ‪3‬كلم يف الشمال كما يراقب طريق طبنة‪ ،‬ويشارك مع هذا احلصن أيضا يف مراقبة‬
‫املنطقة املمتدة بني االوراس ومشال نوميداي‪ .‬إضافة إىل هذا احلصن جند حصون أخر‪ ،‬نفتقد ملراجع لوصفها‬
‫(‪)1‬‬
‫كحصن القلعة‪ ،‬وعني خرمان لصبع‪ ،‬كاف واعرو‪ ،‬اتدميت‪ ،‬بويعقوب‪ ،‬البيض واخلضرة يف جنوب صفيصيفة‪.‬‬

‫‪ -‬القـــــالع‪:‬‬

‫سعى األابطرة "السيفرييون" إىل إحداث تناسق بني أنظمتهم الدفاعية من خالل حتصينات أكثر فعالية على‬
‫طول شبكة طرق‪ ،‬فتم نشر قوات الفرقة األوغسطية الثالثة جببال االوراس‪ ،‬متليلي‪ ،‬الزاب مث جبال أوالد انيل‬
‫بغرب املقاطعة‪.‬‬

‫‪ -1‬صحراوي عبد القادر‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪-‬ص ‪.112-116‬‬

‫‪173‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‬ ‫الفصل الثالث‬

‫ومن القالع املشيدة جند قلعة سيدي عبد الرمحن على بعد ‪164‬كلم من معسكر القصبات واليت بنيت من‬
‫الدبش‪ ،‬كما جند قلعة أخر‪ ،‬على بعد ‪16‬كلم من قلعة سيدي عبد الرمحن‪ ،‬أما الثالثة فتتواجد على بعد ‪2‬كلم‬
‫من الثانية‪.‬‬

‫كما مت إقامة خندق بني ذراع الرمل وبرج سعادة‪ ،‬تتخلله العديد من القالع ذات األمهية العسكرية الكبرية‬
‫(‪)1‬‬
‫كقلعة "بورادة"‪ ،‬واليت جتاورها من اجلهة الغربية قلعة ذراع السويد الشرقية اليت تنتمي إىل ساقية بنت األخرس‪.‬‬

‫كل هذه القالع سدت ممرات السهول العليا وجنوب جبال عمور‪ ،‬فكانت مبثابة مؤسسة عسكرية بسطت‬
‫سيطرهتا على هذه الكتلة اهلامة مع أقاليمها اجملاورة‪ ،‬ونعين الصحراء أو بالد النجود والسهوب‪ ،‬وسامهت قالع‬
‫اجللفة ومحا شارف يف بسط النفوذ الروماين على منطقة التخو ‪ ،‬وأجنزت الفرقة األوغسطية هبا عدة طرق اليت‬
‫حتكمت من خالهلا يف منافذ الصحراء‪.‬‬

‫ويف إطار السياسة الدفاعية ركز "كركال" على إقامة الطرقات خاصة يف إقليم طرابلس‪ ،‬كما ساهم جنود الفرقة‬
‫مسامهة فعالة يف إجنازها وتتمثل أساسا يف الطريق الرابط بني "قابس" و"لبدة" الذي ميتد على الساحل الطرابلسي‬
‫مشكال جزءا من حمور قرطاج‪-‬اإلسكندرية‪ ،‬وطريق متتد من "لبدة" إىل هضاب "ترهونة" )‪ (Tarhuna‬املشكلني‬
‫إلحد‪ ،‬حمطات الليمس املعروف خبط سري أنطونيوس‪ ،‬وطريق مركزي حنو الداخل يربط طرابلس بفزان عرب‬
‫"غراين" )‪ (Gharian‬و"مزدة" )‪ ،(Mizda‬ويف نوميداي كذلك مت إصالح طرق ذات أمهية عسكرية منها طريق‬
‫"قابس"‪"-‬قفصة" وأخر يربط "قفصة" حبصن "تزور" )‪ (Tusuros‬و"نبت" )‪ (Nepte‬على اجلانب مشال‪-‬غريب‬
‫لشط اجلريد‪ ،‬وطريق آخر بني "ملباز" و"بسكرة" عرب منفذ القنطرة الذي انتهت األشغال به ما بني ‪-213‬‬
‫‪)2(، 211‬ويف سنة ‪ 217‬مت إرسال كتيبة للفرقة األوغسطية الثالثة إىل آسيا للمشاركة يف حرب "كركال" ضد‬
‫"البارثيني"‪ ،‬وبذلك ميكن القول أن فرتة "كركال" والسنوات األوىل من حكم "اسكندر سيفروس "هي السنوات‬
‫(‪)3‬‬
‫األكثر هدوءا وسالما على الفرقة األوغسطية الثالثة‪ ،‬وهذا يعود بطبيعة احلال إىل جهودها يف فرتة سيفريوس‪.‬‬

‫ب‪ .‬يف عهـد اسكندر سيفروس )‪432-444( (Severus Alexander‬م)‪:‬‬

‫متيزت فرتة حكم هذا اإلمرباطور بتضاعف األخطار اليت هددت حدود اإلمرباطورية يف الشرق وعند هنري‬
‫الدانوب والراين‪ ،‬ويف إفريقيا متيز الوضع كذلك بعد االستقرار وانعدا األمن نتيجة مهامجة األهايل للمزارع‬
‫وتريبهم هلا‪ ،‬كما جند قبائل البقواط يف منطقة قصر فرعون )‪ (Volubilis‬مابني ‪ 226-227‬يف سور الغزالن‬
‫)‪ )4(،(Auzia‬ما جعل هذا اإلمرباطور ينتهج سياسة دفاعية جديدة كان أساسها يف البداية تشجيع االستيطان‬

‫‪ -1‬صحراوي عبد القادر‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪-‬ص ‪.22-23‬‬


‫‪2‬‬
‫‪- Benabou (M), La résistance, P-P 185-186.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Cagnat (R), l’armée, P-P 154-155.‬‬
‫‪ -4‬شارن (ش) وآخرون‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.21‬‬

‫‪174‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‬ ‫الفصل الثالث‬

‫على التخو ‪ ،‬عرب توزيع األراضي على اجلنود املسرحني‪ ،‬وكان هذا يف األجزاء اجلنوبية‪ ،‬كما أقاموا منشآت الري‬
‫والسقاية لتشجيعهم على ممارسة الزراعة‪.‬‬

‫إن التقد الذي أحرزه الرومان والتوسع يف طرابلس ونوميداي زاد من تفاقم مشاكلهم يف ظل العجز عن توفري‬
‫األمن بسبب ارتفاع نفقات اإلمرباطورية‪ ،‬وابلتايل عجزها عن تدعيم اجليش ماداي‪ ،‬وهي بوادر ملا عرف اترخييا‬
‫أبزمة القرن الثالث امليالدي‪ .‬لذلك قامت روما ابلرتكيز على نشر بعض الوحدات املتقدمة وسحب املشاة‬
‫(‪)1‬‬
‫وتعويضها أبخر‪ ،‬متنقلة‪ ،‬وهو ما زاد من حدة األخطار على املستعمرات احلدودية‪.‬‬

‫انتهى عهد السيفرييني الذي لعبت فيه الفرقة األوغسطية الثالثة دورا كبريا يف التوسع على جنوب نوميداي‬
‫وعلى إقليم طرابلس‪ ،‬وأيضا يف إقامة عديد املعسكرات واحلصون والقالع وأبراج الرصد واملراقبة‪ ،‬ما شجع على‬
‫االستيطان يف هذه املناطق وبروز مالم الرومنة فيها‪.‬‬

‫إن هذا النشاط العسكري للفرقة األوغسطية الثالثة ساهم يف تطور اقتصادي وتوسع سياسي‪ ،‬ما أد‪ ،‬إىل‬
‫منو وتطور يف عديد املدن الداخلية‪ ،‬إال أن هذا الدور اهلا صاحبه تعدد االضطراابت والقالقل يف املوريطانيني‪،‬‬
‫وابلرغم من حماوالت إمخادها إال أهنا مل تتوقف ما أثر على بقية األقاليم مبا فيها نوميداي‪ ،‬وزاد تدهور أوضاع‬
‫اإلمرباطورية وحالة النقم الشعيب ضدها بسبب كثرة الضرائب اليت أثقلت كاهل األهايل‪ ،‬كل هذا أد‪ ،‬إىل دخوهلا‬
‫يف أزمة سنة ‪ 242‬اليت سيكون للفرقة األوغسطية دور كبري فيها‪ ،‬ما سيؤدي إىل حلها يف هذه السنة‪ ،‬وإذا‬
‫حاولنا اختصار الدور الدفاعي والعسكري للفرقة األوغسطية الثالثة من خالل تواجدها يف ملباز (‪ )242-21‬فإهنا‬
‫كانت تشغل أربعة أنظمة دفاعية هي‪:‬‬

‫املنظومة الدفاعية لألوراس‪:‬‬ ‫‪-0‬‬

‫من خالل إقامة املراكز التالية‪ :‬العروج )‪ (Fauces Vazubi‬والقنطرة‪ ،‬القصبات )‪ ،(Gemellae‬ومحا‬
‫الصاحلني )‪- (Aque Flavianae‬جمرد مركز مفرتض‪ ،-‬خنشلة )‪ ،(Mascula‬خربة الربج ‪(Kherbet El-‬‬
‫)‪ ،Bordj‬قصر سيدي احلاج )‪ ،(Ksar sidi el-hadj‬وملباز (املقر العا ) بثالث معسكرات (املعسكر الكبري‪،‬‬
‫معسكر ‪ ،21‬وميدان تدريب )‪ ،(campus‬ومشيعب )‪ (Mchaieb‬ومنعة )‪ (Menaa‬ومسرفلة‬
‫)‪– (Mesarfelta‬غري معروفة حاليا‪-‬وجبل سل )‪ (Sel‬وعني زوي وكذلك زراي )‪.(Zarai‬‬

‫‪-4‬املنظومة الدفاعية لصحراء نوميديا‪ :‬من خالل إقامة عديد املراكز العسكرية وهناك بعض املراكز املشرتكة‬
‫مع النظا الدفاعي األوراسي مثل‪ :‬عني الريش‪ ،‬بوسعادة‪ ،‬الدوسن‪ ،‬القاهرة‪ ،‬القصبات ومحا الشارف ومسعد‬
‫)‪ ،(Kef El-Nagi‬وسدوري )‪. (Ausum‬‬ ‫بسرايين‪ ،‬كاف الناجي‬

‫‪1‬‬
‫‪- Benabou (M), La résistance, P 198.‬‬

‫‪175‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‬ ‫الفصل الثالث‬

‫‪-3‬النظام الدفاعي لطرابلس الشرقية‪:‬‬

‫حيث أنشأت املراكز التالية عني العفنية )‪ (Ain el-Avenia‬وعني ويف )‪ ،(Thenadassa‬بواان‬
‫)‪ (Boinay‬بوجنم )‪ ،(Gholaie‬إلبا )‪ ،(Eluba‬قصر دويب )‪ ،(Gasr Duib‬قصر زرزي )‪،(Gasr Zerzi‬‬
‫غدامس‪ ،‬غرايت الغربية‪ ،‬غرايت الشرقية‪ ،‬غريزة )‪ ،(Ghirza‬تغريفت )‪ ،(Taghrifit‬ودان )‪ (Waddan‬وزلة‬
‫)‪.(Zella‬‬

‫‪-2‬النظام الدفاعي لطرابلس الغربية‪:‬‬

‫من خالل إنشاء املراكز التالية قصر غيالن‪ ،‬اهلنشري‪ ،‬مداينة )‪ ،(Medeina‬رأس العني )‪ ،(Talalati‬سي‬
‫(‪)1‬‬
‫عون‪ ،‬وسيدي حممد بن عيسى )‪.(Vezereos‬‬

‫إذن الفرقة األوغسطية الثال ثة وانطالقا من مركزها يف "ملباز" كانت متتد وتدافع وتراقب على مساحة شاسعة‬
‫يف إقليم طرابلس‪ ،‬األوراس ويف الصحراء النوميدية ما سيرتتب عنه نتائج اجتماعية واقتصادية وعسكرية سنحاول‬
‫التعرف عليها‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Le Bohec (Y), Le rôle …, P 219.‬‬

‫‪176‬‬
‫املبحث الثالث‪:‬‬
‫حل الفرقة وتأثراتها يف خمتلف اجملاالت‪.‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‬ ‫الفصل الثالث‬

‫املبحث الثالث‪:‬حل الفرقة وتأثراتها يف خمتلف اجملاالت‪:‬‬

‫بوفاة اإلمرباطور "إسكندر سيفريوس" أخر أابطرة هذه األسرة‪ ،‬انتقل احلكم إىل اإلمرباطور "ماكسيمينوس"‬
‫الرتاقي )‪ (Maximin Le Thrace‬الذي حكم من ‪ 22‬مارس ‪ 241‬إىل أفريل ‪ ، 242‬هذا اإلمرباطور عرفت‬
‫فرتة حكمه حدوث أزمة أو ثورة ‪ 242‬اليت انطلقت من إفريقيا مث امتدت إىل بقية مناطق اإلمرباطورية‪ ،‬وكان‬
‫(‪)1‬‬
‫للفرقة األوغسطية الثالثة دور كبري فيها ما سيؤدي يف النهايه إىل حلها‪.‬‬
‫‪-0‬أزمة ‪436‬م وحل الفرقة األوغسطية الثالثة‪:‬‬

‫عرفت إفريقيا سنة ‪ 242‬أحداث هزت اإلمرباطورية خملفة انعكاسات جد خطرية عليها‪ ،‬اندلعت هذه‬
‫االنتفاضة يف منتصف شهر مارس ‪)2(، 242‬واليت مسحت للربوقنصل اإلفريقي "جورداينوس" ‪(M.Antonius‬‬
‫)‪ Gordianus Sempronius‬ابلوصول إىل عرش اإلمرباطورية واليت حكمها لشهر واحد‪ ،‬والذي دخل يف‬
‫صراع دموي مع الليقاتوس كابليانوس )‪ (Capellianus‬قائدا الفرقة األوغسطية الذي احناز لإلمرباطور‬
‫(‪)3‬‬
‫"ماكسيمنيوس الرتاقي" خالل هذا الصراع‪.‬‬

‫احتلت إفريقيا مكانة هامة عند الرومان بل إهنم اعتربوها ملكا هلم‪ ،‬لكن يالحظ أن اجملتمع الروماين عرف‬
‫خالل القرن الثالث حتوالت هامة متمثلة أساسا يف ظهور طبقة برجوازية ثرية يف إفريقيا أرادت أن تلعب دورا‬
‫سياسيا وقياداي داخل اإلمرباطورية‪ ،‬والذي تناما مع حصول عدد معترب من أفرادها على مقاعد يف جملس الشيوخ‬
‫وطبقة الفرسان‪ ،‬إضافة إىل احتالهلم مناصب مرموقة يف هر حكم اإلمرباطورية‪ ،‬كما سامهت املقاطعات اإلفريقية‬
‫يف تزويد اإلمرباطورية إبعداد معتربة من اجلنود‪ ،‬سواء كنظاميني أو مساعدين‪ ،‬ولعل أكثرهم استعماال وفعالية جند‬
‫اخليالة املوريني‪ ،‬هذا سياسيا وعسكراي‪ .‬أما اقتصاداي فقد شكل اإلنتاج اإلفريقي أساس "األنوان" خاصة القم‬
‫والزيت الضروريني لتنشيط اقتصاد اإلمرباطورية‪.‬‬
‫هذه األمهية السياسية والعسكرية واالقتصادية جعلت األفارقة حسب املؤرخني يشعرون ابألمهية واملكانة‬
‫اخلاصة ألرضهم ومقاطعاهتم‪ ،‬ما أضاف إلفريقيا أعباء وتبعات أكثر فهي أرض ثرية من جهة‪ ،‬لكن يف املقابل‬
‫كانت اإلمرباطورية تعرف آنذاك زايدة ومنو كبري لنفقاهتا‪ ،‬فكان احلل هو رفع الضرائب إضافة إىل الزايدة يف‬
‫اإلاتوات العينية كخيار حتمي للتخلص من هذه املشكلة االقتصادية‪.‬‬

‫يف عهد "سبتميوس سيفريوس" مت وضع نظا ضرييب عيين جديد‪ ،‬فهناك أفراد يدفعون الضرائب وآخرون‬
‫يشاركون يف عمليات إنشاء الليمس‪ ،‬هذا النظا اجلديد قوبل ابلرفض يف بعض املناطق مثل موريطانيا الطنجية‬

‫‪ -1‬شافية شارن وآخرون‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.27‬‬


‫‪2‬‬
‫‪- Le Bohec (Y), Histoire, P 80.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Benabou (M), la résistance, P 201.‬‬

‫‪178‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‬ ‫الفصل الثالث‬

‫وبنسا )‪(Banasa‬مع وجود إشارات عن وجود عدد معترب من املتأخرين عن دفع الضرائب يف نوميداي‬
‫زمن"كركال"‪ ،‬ويف عني زوي هناك إشارات عن احتجاجات ضد مصلحة الضرائب واجلنود‪.‬‬

‫لتستمر وتتفاقم األعباء الضريبية على األفارقة يف عهد اإلمرباطور "ماكسيمنيوس" الذي أراد وطم إىل دفع‬
‫عملية استغالل إفريقيا ورفع مردودها إىل أقصى ما ميكن من خالل عمليات إصالح وترميم شبكة الطرق‪ ،‬وهذا‬
‫لرفع إنتاج القم والزيتون سواء يف قرطاج أو حضر موت أو لبدة‪ ،‬كل هذا سيؤدي إىل اندالع الثورة يف "اجلم"‬
‫(‪)1‬‬
‫هذه املدنية ذات أمهية كبرية يف إنتاج وبيع الزيت لتنتقل إىل بقية املناطق‪.‬‬

‫اجلم )‪ (Thysdrus‬حاليا هي مدينة تونسية قريبة من الساحل‪ ،‬وهي املشهورة مبدرجها الكبري الذي إبمكانه‬
‫استيعاب ‪ 31‬ألف مشاهد يف العهد الروماين‪ ،‬عرفت هذه املدينة تطورا يف عهد "هادراينوس" فأصبحت مستعمرة‬
‫مث بلدية حرة يف العهد السيفريي‪ ،‬حظيت هذه املدينة ابمتيازات سياسة على وجه اخلصوص خاصة ما ساهم يف‬
‫التطور االقتصادي هلا‪ ،‬فتم جلب املياه هلا‪ ،‬ومنذ القرن الثاين على حد تعبري "بيكارد" أصبحت "عاصمة الزيت"‪،‬‬
‫كما سامهت شبكة الطرق املتطورة يف تطور عملية اإلنتاج والبيع هبا فأصبحت بذلك سوق زراعي جد حيوي‪.‬‬

‫اندلعت هذه الثورة كما أشران يف ربيع ‪ 242‬عندما قا اإلمرباطور "ماكسيمينوس" بفرض ضرائب إضافية‬
‫وهذا على حد تعبريه لسد احتياجات اإلمرباطورية اليت كانت توض حروب يف أورواب‪ ،‬وهو األمر الذي رفضه‬
‫املزارعني الرومان أين قا جمموعة من الشباب )‪(Iuvenes‬من أبناء األسر الثرية والعائالت االرستقراطية بتحريك‬
‫هذه الثورة‪ ،‬ما يعين أن معظم الشبان الذين فجروا الثورة ينتمون إىل االرستقراطية البلدية وأعضاء يف اجمللس‬
‫البلدي‪.‬‬

‫ير‪ ،‬بيكارد )‪ (G.C Picard‬أن حتريك هؤالء الشبان وتنظيمهم يعود الفضل فيه لشباب "مكثر" أين‬
‫مجعوا األسلحة ونظموا الشباب عسكراي‪ ،‬ومل يكن هؤالء الشباب وحدهم بل معهم الشعب‪-‬الطبقة العامة‬
‫(‪)2‬‬
‫احلضرية‪-‬إضافة إىل مشاركة سكان األرايف‪.‬‬

‫اندلعت الثورة بعد قتل هؤالء الشبان حملاسب قرطاج املكلف جبمع الضرائب‪ ،‬مث هتفوا لربوقنصل إفريقيا‬
‫ليكون اإلمرباطور اجلديد‪ ،‬وهو شخص كبري السن من أسرة ثرية هو"جورداينوس" )‪(Gordien‬فدخلوا قرطاج‬
‫ومتت مبايعته‪ ،‬والذي من سلطاته إىل ابنه "جورداينوس الثاين"‪ ،‬هذا االنقالب أو التمرد دعمه أعضاء جملس‬
‫الشيوخ الروماين ألهنم كانوا يعارضون سياسة اإلمرباطور املركزة على رفع الضرائب‪.‬‬

‫يف ظل هذه الظروف‪ ،‬ما هو موقف الفرقة األوغسطية الثالثة القوة العسكرية الرئيسية والفيلق الوحيد الدائم‬
‫يف إفريقيا من هذه الثورة أو الصراع؟‪ ،‬لقد وقفت الفرقة إىل جانب اإلمرباطور"ماكسيمنيوس" يف هذا الصراع وهو‬
‫‪1‬‬
‫‪- Benabou (M), la résistance, P-P 202-203.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Ibid, P-P 204-205.‬‬

‫‪179‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‬ ‫الفصل الثالث‬

‫ما تكشفه عديد النقوش للجنود الذين سجلوا أمسائهم فيها مع دعمهم لإلمرباطور‪ ،‬كان يقود الفرقة األوغسطية‬
‫آنذاك "كابليانوس" والذي كان عضو يف جملس الشيوخ كذلك‪ ،‬وهبذا فإن حوايل‪ 1‬آالف جندي وقفوا إىل جانب‬
‫اإلمرباطور حيث سلكوا طريق قرطاج وقتلوا يف طريقهم بعض األعيان الذين ساندوا هذه االنتفاضة‪ ،‬فنجد يف‬
‫(‪)1‬‬
‫"تبسة" قرب أحدهم جاء فيه قول "مت سجنه من قبل اجملر كابليانوس")‪.(Ab Hoc Capeliano Captus‬‬

‫أما "اجلورديون" )‪ (Gordiens‬فكان عدد قواهتم قليل‪ ،‬مع بعض املدنيني إضافة إىل الشبان املسلحني‬
‫ابإلرادة وكتيبة حضرية (حوايل ‪ 111‬جندي)‪ ،‬أين التقى الطرفان يف معركة قرطاج يف ‪ 12‬أفريل ‪ 242‬وهو يو‬
‫حدث فيه كسوف جزئي‪ ،‬يف هذه املعركة انتصر "كابليانوس" وقتل اإلمرباطور "جورداينوس الثاين" يف ‪ 12‬أفريل‬
‫‪ ، 242‬وعقب ذلك انتحر والده اإلمرباطور "جورداينوس األول"‪ ،‬هذا اإلنتصار أتبعه "كابليانوس" بتخريب‬
‫البالد والقضاء على معظم مؤيدي "جورداينوس" كما استوىل على مجيع املدن اليت دعمت الثوار وتركها فريسة‬
‫جلنوده ونفى املالك الكبار واألثرايء وبعض رجال العامة ووزع الثروات على اجلنود املتعطشني للمال‪ ،‬على أنه إذا‬
‫كان الصراع يف إفريقيا قد حسم لصاحل "ماكسيمينيوس" بفضل وقوف قائد الفرقة األوغسطية الثالثة وجنودها‬
‫جلانبه‪ ،‬فإن االقتتال كان متواصل يف أورواب‪ ،‬فماكسيمنيوس الذي غادر سريميو )‪- (Sirmium‬يف صربيا‬
‫حاليا‪ -‬يف ربيع ‪ 242‬متوجها إىل إيطاليا مت إيقافه يف "اكويليا" )‪ (Aquileia‬يف ايطاليا أين عرف جيشه‬
‫صعوابت يف التزود ابملؤونة نتيجة احلصار املفروض عليهم‪ ،‬فظهرت بوادر التمرد عليه أدت إىل قتله رفقة إبنه من‬
‫(‪)2‬‬
‫طرف جنوده املنهكني ابجلوع‪ ،‬وبذلك قتل هذا اإلمرباطور بعد ثالثة سنوات وعدة أشهر من احلكم‪.‬‬

‫يف ظل هذه الظروف عني جملس الشيوخ الروماين السيناتوريني اببينوس )‪(Calvinus D.C Babianus‬‬
‫وبوبيونوس )‪ (M.C Pupienus Maximus‬كأابطرة يف ‪ 22‬أفريل ‪ 242‬ويف نفس الوقت عني جملس‬
‫الشيوخ"جورداينوس الثالث" كقيصر رغم صغر سنه الذي مل يتجاوز ‪12‬سنة‪ ،‬وحتت الضغط اجلماهريي أصب هو‬
‫اإلمرباطور بعد أن قا احلرس اإلمرباطوري إبعدا السيناتورين اإلمرباطورين اللذان دامت فرتة حكمهما ‪ 4‬أشهر‬
‫(‪ 26‬جويلية ‪ ،) 242‬ونظرا لصغره فقد تولت أمه حكم اإلمرباطورية إىل غاية سنة ‪ ، 231‬وكان أول قرار اتذه‬
‫(‪)3‬‬
‫هذا اإلمرباطور الصغري هو حل الفرقة األوغسطية الثالثة سنة ‪. 242‬‬

‫أاثرت هذه الثورة أو احلرب األهلية إهتما عدة مؤرخني الذين راحوا يبحثون عن دوافعها وانعكاساهتا‪ ،‬هذا‬
‫النقاش أثري من قبل املؤرخ الروسي "روستوفتزاف" )‪ (Rostovzeff‬الذي اعترب أن هذا الصراع مرده وجود تعارض‬
‫بني جنود اجليش الروماين املنحدرين من "بروليتاراي األرايف"‪-‬طبقة الكادحني‪-‬والفقراء ضد جزء من املواطنني‬
‫األثرايء الذين يسكنون املدينة‪-‬احلضر‪ ،-‬أو ما يعرفون ابملالك الكبار والطبقة االرستقراطية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Le Bohec (Y), Histoire, P 80.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Ibid, P 80.‬‬
‫‪ -3‬شافية (ش) وآخرون‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.27‬‬

‫‪180‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‬ ‫الفصل الثالث‬

‫هذه الفكرة طورها "سشرتمن" )‪ (E.Schetaerman‬يف شرحه ألسباب أزمة القرن الثالث ميالدي الذي‬
‫ربطها بصراعات داخل جملس الشيوخ الذي عمل على احلد من الصالحيات الواسعة لإلمرباطور‪ ،‬فاستغل فشل‬
‫سياسته املالية واالقتصادية فدعم الثوار والثورة‪ ،‬لكن "مازرنيو" )‪ (S.Mazzarino‬اعترب أزمة ‪ 242‬ثورة مالك‬
‫املستثمرات الكرب‪( ،‬الالتيفونداي) واملدن الكرب‪ ،‬ضد املالك الكبار اإلمرباطوريني‪ ،‬أي أنه صراع طبقي‪ ،‬أما املؤرخ‬
‫"ستجرمن" )‪ (J.M Stajerman‬فإ نه تبىن موقفا مغايرا فاعتربها ثورة الفالحني الفقراء الذين أثقل كاهلهم‬
‫اإلمرباطور "ماكسيمنيوس" بضرائبه املتنوعة واملتزايدة‪ ،‬أما املؤرخ األمريكي "تونسد" )‪ (P.W Townsend‬فري‪،‬‬
‫أهنا حركة ثورية من قبل أعضاء جملس الشيوخ األثرايء ضد اإلمرباطور الذي ضرب مصاحلهم‪ ،‬مع آراء أخر‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫تدخل يف إطار أهنا ضد النظا الضرييب اإلمرباطوري أو ضد اإلمرباطورية الرومانية‪.‬‬

‫‪-4‬حل الفرقة األوغسطية الثالثة (‪436‬م)‪:‬‬

‫كما أشران من قبل فإن أول إجراء اتذه اإلمرباطور "جورداينوس الثالث "هو حل الفرقة األوغسطية الثالثة‬
‫نظرا ملوقفها املدعم لإلمرباطور"ماكسيمينيوس"واملعارض لثورة ‪ 242‬ودورها يف قتل "جورداينوس األول والثاين"‪،‬‬
‫لذلك طرح املؤرخون سؤاال جوهراي "هل هذا التمرد أو الثورة جنحت أ أخفقت يف إفريقيا؟‪ ،‬ومن كان املستفيد‬
‫منها؟‪.‬‬

‫لقد كشفت هذه األزمة عن بروز حتالف واض بني أعضاء جملس الشيوخ والشعب ضد اإلمرباطور‪ ،‬لكن يف‬
‫إفريقيا هذه الثورة مت إمخادها بفضل الفرقة األوغسطية الثالثة وقوهتا العسكرية وتنظيمها اجليد‪)2(.‬على أنه هناك‬
‫بعض النقوش اليت عثر عليها يف "مسعد" تشري إىل وجود تردد جلنودها يف مساندة أحد الطرفني املتصارعني‪،‬‬
‫لكنهم مالوا يف األخري إىل جانب اإلمرباطور‪ ،‬هذا املوقف من الصراع‪-‬دعم اإلمرباطور‪ -‬أو الرتدد يف بعض‬
‫األحيان فسر بتفسريات متباينة‪ ،‬فهناك من ير‪ ،‬أبن جنود الفرقة كانوا مستائني من إنضما والتحاق جنود جدد‬
‫ابلفرقة ذو أصول شرقية يف عهد "اسكندر سيفريوس" إىل الفرقة ألهنم سلبوا من املشاة تفوقهم وامتيازاهتم القدمية‬
‫هذا من جهة‪ ،‬أو رمبا لوجود منافسة وخالف بني"جورداينوس كربوقنصل وحاكم نوميداي وقائد الفرقة األوغسطية‬
‫الثالثة " كابليانوس"‪ ،‬هذا األخري طبعا كان مدفوع بوفائه ووالئه لإلمرباطور أكثر من منافسه املدعم من قبل جملس‬
‫الشيوخ والذي كان يطم للوصول إىل عرش اإلمرباطورية يف هذه الثورة‪ ،‬لكن هناك من ير‪ ،‬أن هذا املوقف كان‬
‫نتيجة حقد جنود الفرقة املنحدرين من سكان األرايف على أعيان املدن ومالك األراضي املستغلينهم وعائالهتم‪،‬‬
‫مبعىن أنه صراع طبقي‪ ،‬على أن هذا الرأي قابل للتأويل حيث نالحظ مشاركة الفالحني الفقراء يف هذه الثورة إىل‬
‫جانب "جورداينوس"‪ ،‬وبذلك فالرأي الراج حول هذا املوقف الذي تبنته الفرقة األوغسطية الثالثة من هذا‬

‫‪1‬‬
‫‪- Le Bohec (Y), Histoire, P 81‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Benabou (M), la résistance, P 207.‬‬

‫‪181‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‬ ‫الفصل الثالث‬

‫الصراع يعود لوفائها ووالئها لإلمرباطور‪ ،‬على أن هناك من ير‪ ،‬أن "كابليانوس" كان ذو نوااي انفصالية فاستغل‬
‫هذه األزمة خصوصا مع الصالحيات الكبرية املمنوحة له سواء املرتبطة آبليات التجنيد احمللية أو اإلدارة والتسيري‪.‬‬

‫لقد أشران من قبل إىل أن قائد الفرقة وجيشه هامجوا الثوار وأابدوهم دون شفقة‪ ،‬كما هامجوا وبقوة سكان‬
‫احلضر واألرايف‪ ،‬بيد أن هذا االنتصار "لكا بليانوس" كان أمده قصريا‪ ،‬حيث بعد فرتة وجيزة وصل إىل عرش‬
‫اإلمرباطورية "جورداينوس الثالث" الذي مبجرد وصوله قا حبل الفرقة‪ ،‬هذا ما تكشفه النقوش الكتابية اليت أوردت‬
‫هذا القرار‪ ،‬لتعود هذه النقوش وتشري إىل اسم الفرقة ابتداء من عهد اإلمرباطور "فالرينوس" ‪(Publius‬‬
‫)‪Licinius Valerianus‬الذي حكم من (‪ ،)271-214‬أين مت إعادة تشكيل قوات الفرقة وأعيدت إىل‬
‫(‪)1‬‬
‫إفريقيا‪.‬‬

‫إن حل الفرقة األوغسطية الثالثة هو حدث جد ها يف اتريخ اجليش الروماين يف مشال إفريقيا يستدعي‬
‫الدراسة والتمعن‪ ،‬فبعد قرنني ونصف من خدمات هذه الفرقة يف املقاطعات اإلفريقية وإسهاماهتا يف ضمان السلم‬
‫واألمن فيها وقمع عديد الثورات اليت ذكران أمثلة عنها من قبل‪ ،‬كما سامهت يف زايدة جمال السيطرة الرومانية‪ ،‬وهو‬
‫ما تؤكده شبكة الطرق واملنشآت الكرب‪ ،،‬وهو ما انعكس على االقتصاد ووسع وأجن الرومنة عرب جتنيد األفارقة‬
‫يف صفوفها ما أد‪ ،‬إىل إنتشار الثقافة الرومانية يف أوساطهم قرر هذا اإلمرباطور حلها‪.‬‬

‫لقد شكلت الفرقة األوغسطية الثالثة أداة متعددة الوظائف ودعامة فعلية للنظا العسكري واالقتصادي‬
‫واالجتماعي املشكل من قبل "الفالفيني" واألنتونيني وخلفائهم "السيفرييني"‪ ،‬لكن "جورداينوس الثالث" قرر‬
‫وبقساوه وضع حد له ألسباب متعلقة لرغبته من االنتقا من هذه الفرقة بشكل مجاعي ألهنا كانت املتسببة يف‬
‫مقتل"جورداينوس األول والثاين"‪ ،‬وهو يف احلقيقة سبب غري كايف‪ ،‬فال بد أن تضاف له أسباب أخر‪ ،‬ليست‬
‫شخصية‪ ،‬بل مرتبطة بظهور إرادة يف إحداث تغيري يف السياسة الدفاعية الرومانية املنتهجة‪ ،‬واليت كانت جمسدة‬
‫ومركزة على تواجد ونشاط الفرقة األوغسطية الثالثة يف افريقيا‪.‬‬

‫إن قرار حل الفرقة يغلب عليه طابع حقد اإلمرباطور على الفرقة فأراد تعويضها بفرق أخر‪ ،،‬وهو نفس‬
‫اإلجراء الذي حدث يف بالد "الغال" بعد ثورة سيفيليس )‪ (Gaius Julius Civilis‬اليت اندلعت سنة ‪76‬‬
‫حيث مت حل الفرقة الغالية كعقاب جلنود الفرقة‪ ،‬ومت تعويضهم بفرقة أخر‪ ،‬تد وتوايل اإلمرباطور اجلديد‪.‬‬

‫على أن الدارس هلذه الثورة يالحظ أنه منذ عهد" اسكندر سيفريوس" ظهرت ميول وتوجهات جديدة حول‬
‫املنظومة الدفاعية‪ ،‬فتوسع االحتالل ومنو االستيطان يف العهد السيفريي زاد بشكل واض ‪ ،‬وهو ما تكشفه‬
‫إعدادات منشآت الري‪ ،‬فباستثناء "سبتميوس سيفريوس" الذي أقا نظاما دفاعيا فعاال عرب إنشاء سلسلة من‬
‫املراكز العسكرية املتساوية األبعاد واملتوغلة يف العمق‪ ،‬فإن خلفائه عجزوا عن مواجهة تزايد اهلجمات احمللية على‬
‫‪1‬‬
‫‪- Benabou (M), la résistance, P-P 207-208.‬‬

‫‪182‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‬ ‫الفصل الثالث‬

‫املستعمرات الرومانية يف ظل ضعف آليات الدفاع واملقاومة‪ ،‬وما زاد الطني بلة هو تنامي أزمات روما االقتصادية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬لذلك كان أما الرومان حالن‪:‬‬

‫‪ -‬األول‪:‬‬

‫متثل يف توسيع املنطقة األمنية اليت كانت تغطي األراضي احملتلة حديثا عرب التقد جنواب يف عمق الصحراء‪.‬‬

‫‪ -‬الثانـي‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫فهو أنه على كل مستعمرة ضمان دفاعاهتا بنفسها دون االعتماد على اإلمرباطورية‪.‬‬

‫فكان اخليار الثاين األقل تكلفة وضررا‪ ،‬فشرع يف تطبيق هذا اخليار الذي يقو على وجود فرق يف املناطق‬
‫احلضرية اليت تعهد هلا مهمة ضمان األمن واحلراسة‪ ،‬املدعمة بوحدات خاصة ومتحركة مثل فرسان الفصائل‬
‫التدمرية‪.‬‬

‫هذه اإلجراءات املتخذة يف أواخر العهد السيفريي كانت بداية إلصالحات عسكرية تقلل وتنقص من أمهية‬
‫ومكانة الفرقة األوغسطية الثالثة‪ ،‬هذا ما جيع لنا نفهم أن هذا احلل جاء يف إطار منظومة دفاعية جديدة تتمتع فيها‬
‫كل مستعمرة بفرق حتميها مع وحدات متحركة‪ ،‬على أنه بوصول "جورداينوس الثالث" إىل العرش مت الشروع‬
‫الرمسي يف هذه السياسة‪.‬‬

‫لكن هناك اعتبارات أخر‪ ،‬تفسر هذا قرار اإلمرباطور الصغري ومستشاريه‪ ،‬من بينها عد وجود رغبة يف‬
‫التوسع أكثر‪ ،‬فاملخطط السيفريي القائم على التوسع يف الصحراء مت التخلي عنه بصفة هنائية‪ ،‬وهذا ألن املردود‬
‫كان ضعيف وغري مضمون‪ .‬كل هذه التغيريات يعرب عنها دوسبوا )‪(J.Despois‬بقوله‪":‬عوض تشكيل استحكا‬
‫عسكري وطبيعي عرب أراضي مزروعة ومراعي صيفية يف التل الشرقي‪ ،‬فضل الرومان إحلاق األراضي الغنية ابملياه يف‬
‫احلضنة والزيبان وأمهلوا املناطق األخر‪ ،‬وبذلك تقلصت احلدود"‪ .‬ونشري إىل أن هذه اجلهود مل تص احلضنة‬
‫والزيبان فقط‪ ،‬بل وصلت إىل بعض األودية تقع جنوب متليلي‪ ،‬وجنوب األوراس‪ ،‬النمامشة‪ ،‬الزيبان واجلهة‬
‫اجلنوبية جلبل العنق‪ ،‬وكذلك األراضي اليت متتد من النمامشة حىت قفصة وجنوهبا‪ ،‬لكن هذا ال يعين أن الرومان‬
‫تلوا عن املناطق اليت توسعوا فيها سابقا‪ ،‬بل إهنم قللوا من تواجدهم يف عديد املناطق لريكزوا على املناطق الغنية‬
‫(‪)2‬‬
‫ابملياه‪.‬‬

‫كل هذا جعل املؤرخني يعتقدون أن هذا التحول الزراعي والتخلي عن عملية التوسع هو أحد أسباب حل‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة‪ ،‬إضافة إىل الصعوبة التضاريسية واجلغرافية هلذه املناطق وتكاليفها العسكرية يف ظل أزمة‬

‫‪1‬‬
‫‪- Benabou (M), la résistance, P-P 208-209.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Ibid, P-P 210-211.‬‬

‫‪183‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‬ ‫الفصل الثالث‬

‫اقتصادية تتخبط فيها روما‪ ،‬ما جعل الرومان يقلصون عدة مراكز عسكرية متقدمة مثل"مسعد" ‪(Castellum‬‬
‫)‪Dimmidi‬اليت انسحب منها الرومان على األرج سنة ‪. 231- 242‬‬

‫كل هذه العوامل كانت سببا يف قرار حل الفرقة األوغسطية الثالثة‪ ،‬والذي ميكن أن نصفه ابلقرار الغيب والغري‬
‫املعقول واملقبول ألنه انبع ابألساس من عوامل نفسية وشخصية هدفه االنتقا من قائد الفرقة وجنودها الذين كانوا‬
‫(‪)1‬‬
‫سببا يف مقتل أسرة اإلمرباطور‪.‬‬
‫‪-3‬عـودة الفـرقــة‪:‬‬

‫بعد حل الفرقة األوغسطية الثالثة أسندت مهمة الدفاع عن املقاطعات اإلفريقية إىل الفرق املساعدة‪ ،‬ما أد‪،‬‬
‫ابلسلطات العسكرية إىل التخلي عن املراكز العسكرية املتقدمة مثل‪ :‬بوجنم‪ ،‬غرايت الغربية‪ ،‬غدامس ومسعد خالل‬
‫هذه الفرتة‪ ،‬مع إقامة مركزين جديدين يف نوميداي مها الدوسن )‪(Doucen‬بني طولقة وأوالد جالل‬
‫(‪)2‬‬
‫وسدوري )‪(Ausum‬وهو ما يدل على وجود تقسيمات جديدة للقوات خالل الفرتة ما بني ‪. 214-242‬‬

‫ويعتقد املؤرخون أن جنود الفرقة عند حلها سنة ‪ 242‬مت إرساهلم إىل إقليم "الرهسي"‬
‫"والنوريكم" )‪– (Noricum‬هو ما يشمل حاليا مشال ايطاليا وأراضي من اجملر وسلوفينيا‪ -‬اليت عرفت بعض‬
‫التوترات الداخلية‪ ،‬ومن املمكن أيضا بقاء بعض جنودها يف إفريقيا حيث استخدموا يف بعض مواضع الليمس‬
‫وهي الفرضية اليت يقدمها لنا "فان برشم" )‪ (D. Van Berchem‬الذي ير‪ ،‬أن حل الفرقة أد‪ ،‬إىل توزيع‬
‫جنودها‪ ،‬ومن املمكن أيضا أن جنود الفرقة ومساعديها مت مزجهم بفرق أخر‪ ،‬ووزعوا على عدة مناطق يف‬
‫الليمس‪ ،‬وهي جمرد فرضيات‪ ،‬فاألكيد أن حل الفرقة ترك فراغا مس بظهور بعض القالقل يف افريقيا اإلفريقية مثل‬
‫مترد البقواط )‪ (Baquates‬يف موريطانيا الطنجية (من ‪ 246‬إىل ‪ ) 231‬وثورات أخر‪ ،‬ما استدعى إعادة‬
‫(‪)3‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة فما هي دواعي ذلك اي تر‪،‬؟‪.‬‬

‫عموما حنن ال نعرف مالبسات هذه العودة ودواعيها‪ ،‬كل ما نعرفه أن الفرقة األوغسطية الثالثة عادت إىل‬
‫إفريقيا وملباز سنة ‪ 214‬يف عهد اإلمرباطور "فالرياينوس"الذي جاء بعد احلكم القصري‬
‫لإلمرباطور"اميليانوس" )‪ (M.A Aemilianus‬من أفريل إىل أوت ‪ ، 214‬فعمل "فالرياينوس" على إعادة اجلنود‬
‫والضباط املنحدرين من الفرقة األوغسطية الثالثة إىل إفريقيا واملتواجدين كما أشران يف "الرهسي والنوريكم" وابلتايل‬
‫متت إعادة تشكيل وحدهتم العسكرية‪ ،‬وهذا هبدف ضمان أمن املقاطعات اإلفريقية فعادت الفرقة األوغسطية‬
‫(‪)4‬‬
‫الثالثة إىل نشاطها بعد ‪ 11‬سنة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Benabou (M), la résistance, P 211.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Le Bohec (Y), Histoire, P 83.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Benabou (M), la résistance, P-P 214-214.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Ibid, P-P 215-216.‬‬

‫‪184‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‬ ‫الفصل الثالث‬

‫‪-2‬األهمية واآلثار السياسية والعسكرية واالقتصادية واالجتماعية للفرقة األوغسطية الثالثة من تأسيسها‬
‫إىل سنة ‪ 436‬م‪:‬‬

‫ال يزال موضوع الدور الكبري الذي ساهم به اجليش الروماين يف عملية الرومنة )‪(Romanisation‬يثري‬
‫اهتما املؤرخني وأخصائي التاريخ القدمي‪ ،‬نظرا ألن أمهيته وأتثريه‪-‬اجليش‪-‬جتاوز الدور احلريب إىل أدوار وآاثر‬
‫متعلقة ابالقتصاد واجملتمع والثقافة وهو ما سنحاول التعرف عليه‪.‬‬

‫أ‪-‬األهمية واآلثار السياسية والعسكرية‪:‬‬


‫‪-0‬األهمية‪:‬‬

‫تتجلى أمهية الفرقة األوغسطية الثالثة العسكرية والسياسية انطالقا مما ذكرانه وأشران إليه يف عملية التوغل‬
‫والتوسع التدرجيي واملستمر ومسامهتها يف إنشاء خط الليمس‪ ،‬فالفرقة منذ أتسيسها سنة ‪34‬ق‪ .‬زمن "اغسطس"‬
‫إىل غاية سنة ‪ 242‬سامهت يف أدوا ر حربية عديدة منذ تواجدها يف "لبدة" مث عند انتقاهلا إىل "حيدرة" سنة ‪-7‬‬
‫‪ 13‬أين شكلت ولعبت أدوار دفاعية أطلق عليها "ابلنظا الدفاعي للظهري التونسي" الذي يغطي املنطقة‬
‫املمتدة من "قرطاج" إىل "ابجة" و"سيدي حسني"‪ ،‬فرتكزت جهود الفرقة على عمليات املراقبة‪ ،‬ليأيت بعده النظا‬
‫الدفاعي املوايل الذي مت الرتكيز فيه على "حيدرة" وضواحيها‪ ،‬اليت اتذت كقاعدة للتوسع يف القطاع القسنطيين‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ليظهر "النظا الدفاعي القسنطيين" بعد ثورة "اتكفاريناس" (‪ ) 23-16‬مباشرة‪.‬‬

‫لتبدأ األدوار التوسعية الفعلية للفرقة يف العهد الفاليف فوصلت الفرقة إىل منطقة االوراس‪ ،‬وأسست مراكز هلا‬
‫يف خنشلة‪ ،‬الزوي‪ ،‬ملباز ومحا الصاحلني فظهر ما عرف "ابلنظا الدفاعي لألوراس"‪ ،‬لكن يف العهد االنتوين‬
‫والسيفريي ستضطلع الفرقة أبربعة أدوار دفاعية هي‪ :‬النظا الدفاعي لألوراس‪ ،‬النظا الدفاعي لصحراء نوميداي‬
‫النظا الدفاعي لطرابلس الشرقية‪ ،‬والنظا الدفاعي لطرابلس الغربية‪ ،‬وبذلك فرضت الفرقة سيطرهتا على منطقة‬
‫(‪)2‬‬
‫جغرافية واسعة وقدمت للرومان خدمات عسكرية وسياسية كبرية‪.‬‬

‫وخالل عمليات الدفاع والتوغل والتوسع سامهت الفرقة يف قمع عديد الثورات احمللية‪ ،‬واألمثلة عنها عديدة‬
‫بل وكثرية نذكر ثورة "اجليتول والغرامنت" ما بني ‪ 7-21‬ق‪ .‬يف جنوب تونس وفزان‪ ،‬مث ثورة اتكفاريناس الشهرية‬
‫أين متكن جنود الفرقة من قمع الثورة وهز قبائل املوزوالمي والكنثيني واملور‪ ،‬مث قمع ثورة الغرامنت (‪ ) 61-72‬يف‬
‫طرابلس والتوغل جنواب وصوال إىل إثيوبيا كما ذكران‪ ،‬مث املسامهة يف قمع ثورة املور الغربيني زمن ترااينوس وثورة املور‬
‫والبقواط(‪ ) 122-112‬وحىت يف عهد "مارك انتوان" وكومودوس مع ثورات املور والبقواط يف موريطانيا القيصرية‬
‫وثورة املور وقبائل غري حمددة يف عهد "سبتميوس سيفرييوس" (‪ ) 211- 216‬يف طرابلس ونوميداي وموريطانيا‬

‫‪1‬‬
‫‪- Le Bohec (Y), Histoire, P-P 101-102.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Ibid, P 102.‬‬

‫‪185‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‬ ‫الفصل الثالث‬

‫القيصرية‪ ،‬وبقمع كل هذه الثورات اإلفريقية مت التوسع على حساب أراضي القبائل اإلفريقية ووضع حد ألخطارها‬
‫(‪)1‬‬
‫وتوسع االستيطان يف نوميداي وصحرائها وإقليم طرابلس‪.‬‬

‫هبذه املنظومات الدفاعية وعمليات التوسع مع قمع الثورات أحكمت الفرقة األوغسطية الثالثة حتكمها على‬
‫املنطقة املمتدة من طرابلس الشرقية وصوال إىل موريطانيا القيصرية مع التوغل يف الصحراء وصوال إىل مسعد‪.‬‬

‫كما حتكم جنود الفرقة يف املمرات الرئيسية لقبائل البدو اليت كانت متارس االنتجاع بني الشمال واجلنوب‪،‬‬
‫لذلك مت الرتكيز على إنشاء العديد من املعسكرات )‪ (Castra‬والقالع )‪ (Castella‬واحلصون )‪(Burgi‬‬
‫واألبراج )‪ (Turres‬خاصة يف العهد االنتوين والسيفريي على وجه اخلصوص‪ ،‬واليت أقيمت يف ملتقيات الطرق‬
‫ومعابر القوافل ومسالك القطعان‪ ،‬ويف األماكن املرتفعة املطلة على املساحات الواسعة‪ ،‬وهذا ما الحظناه يف أبراج‬
‫وحصون طرابلس الشرقية والغربية وقلعة "مسعد"‪ ،‬فهذه األخرية مثال شكلت بشبكاهتا وملحقاهتا حزاما قواي حول‬
‫مرتفعات أوالد انيل ما مس للفرقة األوغسطية الثالثة ابلسيطرة على تلك الكتلة اهلامة والتحكم يف األقاليم اجملاورة‬
‫مشاال وجنواب‪ ،‬فأصبحت هذه احلصون والقالع حدا فاصال بني املناطق املطرة الزراعية يف الشمال ومناطق الرعي‬
‫(‪)2‬‬
‫والبداوة يف اجلنوب‪.‬‬

‫ومن أجل تسهيل تنقل الفرقة األوغسطية الثالثة وفرقها املساعدة بني خمتلف هذه املعسكرات واملدن الشمالية‬
‫أقا جنودها ومسحوها ومهندسوها شبكة هامة من الطرق أشران إىل بعضها‪ ،‬فأول طريق أقامه جنود الفرقة كان‬
‫سنة ‪ 13‬بني معسكر الفرقة يف "حيدرة" وصوال إىل خليج قابس مرورا بقفصة(‪)3‬الذي يصل طوله إىل ‪411‬‬
‫كلم(‪)4‬والذي قسم قبائل "املوزوالمي" إىل قسمني‪ ،‬كما أقامت الفرقة طريقا آخر جنوب‪-‬غرب ابجتاه تبسة‪ ،‬وبعد‬
‫القضاء على ثورة اتكفاريناس سنة ‪ 23‬قامت الفرقة إبنشاء طرق ترتق املناطق اجلبلية‪ ،‬فسهلوا بذلك التنقل‬
‫(‪)5‬‬
‫السريع جلنودهم عرب تلك املناطق‪ ،‬ما مس بربوز االستيطان الروماين يف هذه املنطقة‪.‬‬

‫وبتوغل الفرقة يف منطقة االوراس قامت الفرقة إبنشاء شبكة من الطرق لتأمني السهول العليا الشرقية ذات‬
‫الطابع الزراعي‪ ،‬فتم متديد الطريق األول (قابس‪-‬تبسة ) حنو الغرب ليمر مبحاذاة مشال األوراس‪-‬بلزمة مث جبال‬
‫احلضنة مث زراي مرورا مبروانة‪ ،‬كما مت يف سنة ‪ 111‬إنشاء طريق آخر من "قفصة" متجها حنو جنوب النمامشة‬
‫واألوراس مث من بسكرة يتجه إىل الشمال بعد تطويقه للجهة الغربية من األوراس‪ ،‬فيصل إىل طبنة )‪(Thubunae‬‬

‫‪ -1‬شافية (ش) وآخرون‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.91‬‬


‫‪ -2‬شنييت ( ‪.‬ب)‪ ،‬اجلزائر يف ظل اإلحتالل الروماين‪ ،‬حبث يف منظومة التحكم العسكري (الليمس املوريطاين) ومقاومة املور‪ ،‬اجلزء األول‪ ،‬ديوان‬
‫املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪ ،1623 ،‬ص‪-‬ص ‪.132-136‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Benabou (M), la résistance, P 65.‬‬
‫‪ -4‬عقون ( ‪.‬ع)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.126‬‬
‫‪ -5‬شنييت ( ‪.‬ب)‪ ،‬أضواء يف اتريخ اجلزائر القدمي (حبوث ودراسات)‪ ،‬دار احلكمة‪ ،‬اجلزائر‪ ،2114 ،‬ص ‪.114‬‬

‫‪186‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‬ ‫الفصل الثالث‬

‫مث إىل سطيف)‪ ،(Sitifis‬وبذلك أصب لقيادة الفرقة األوغسطية الثالثة وجنودها يف عهد اإلمرباطور "ترااينوس"‬
‫طريق جديد يصل إىل أقصى التوسعات الرومانية يف اجلنوب بطول ‪311‬كلم من زراي إىل قفصة‪.‬‬

‫على أنه يف عهد أنطونيوس سنالحظ االخرتاق احلقيقي لكتلة األوراس والنمامشة لربط احملور الشمايل ابحملور‬
‫اجلنويب بواسطة طرق متعامدة فنجد‪:‬‬

‫‪ -‬طريق يربط تبسة‪-‬سرايين‪.‬‬

‫‪ -‬طريق رابط بني خنشلة )‪-(Mascula‬ببادس على وادي العرب‪.‬‬

‫‪ -‬طريق رابط بني تيمقاد‪-‬بتهودة على الوادي األبيض‪.‬‬

‫‪ -‬طريق رابط بني ملباز ‪-‬صنعة‪-‬مجورة‪-‬بسكرة على وادي العبدي‪.‬‬

‫‪ -‬ملباز‪-‬القنطرة‪-‬الوطاية على وادي احلي‪)1(،‬إضافة إىل طرق أخر‪ ،‬كثرية ومعقدة قا جنود الفرقة األوغسطية‬
‫الثالثة إبجنازها يف نوميداي على وجه اخلصوص‪.‬‬

‫احتلت الطريق أمهية كبرية عند الرومان‪ ،‬ففي البداية كان ذو أمهية عسكرية وإسرتاتيجية من خالل ربط‬
‫املناطق الشمالية ابملناطق اجلنوبية والشرقية ابلغربية‪ ،‬وكل هذا لتنسيق العمليات العسكرية ونقل اجليش وإيصال‬
‫اإلمدادات ومراقبة مصادر املياه كاألودية واآلابر والينابيع ذات األمهية القصو‪ ،‬يف املناطق الداخلية اليت تتميز‬
‫مبناخها شبه اجلاف‪ ،‬واليت يلجا إليها األهايل للتزود ابملياه ومنع األهايل من االستيالء عليها عند قيا الثورات‪،‬‬
‫كما تساعد الطرق على تفريق القبائل وتشتيتها يف نطاق جغرايف واسع مما يصعب عليها التحالف‪ ،‬وابلتايل إزالة‬
‫خطرها فتسهل عملية مراقبتها والقضاء على حماوالهتا التمردية‪ ،‬خاصة القبائل الكبرية اليت شكلت خطرا على‬
‫الرومان مثل املوزوالمي واجليتول‪)2(،‬ليتعد‪ ،‬دور الطريق األمهية العسكرية إىل جماالت إدارية وأمنية وخصوصا‬
‫(‪)3‬‬
‫اقتصادية فتم ربط مناطق اإلنتاج مبراكز التخزين والتسويق وهو األمر الذي نشط احلركة التجارية‪.‬‬

‫‪-4‬الـتأثــيــر‪:‬‬

‫بسط الرومان سيطرهتم على بالد املغرب القدمي من خليج السرت الكبري إىل احمليط األطلسي‪ ،‬حيث تشري‬
‫اإلحصائيات إىل أن اجليش الروماين يف كامل مشال إفريقيا كان يقدر حبوايل ‪ 22‬ألف جندي‪ 1111 ،‬جندي هم‬
‫نظاميون ابلفرقة األوغسطية الثالثة والباقي كله من الفرق املساعدة منهم ‪6111‬جندي يف كل من الربوقنصلية‬

‫‪ -1‬أعراب (ع)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.46‬‬


‫‪ -2‬شافية (ش) وآخرون‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.132‬‬
‫‪ -3‬عقون( ‪.‬ع)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.122‬‬

‫‪187‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‬ ‫الفصل الثالث‬

‫ونوميداي‪ ،‬و‪11‬ألف جندي حلماية املوريطانيتني‪ ،‬ولالستغالل األمثل هلم وتعويض النقص البشري ركز الرومان على‬
‫(‪)1‬‬
‫بناء التحصينات والقالع وأبراج احلراسة‪.‬‬

‫ففي بداية عهد اإلمرباطور كان جنود الفيلق ‪ 1‬آالف جندي خيدمون اجليش ملدة ‪ 21‬سنة جمندين من عدة‬
‫مقاطعات اتبعة للرومان‪ ،‬حيث جند جنود ذو أصول ايطالية ومن غالية وإسبانيا وبرثيا‪ ،‬لكن ابتداءا من القرن‬
‫الثاين للميالد بدأ يرتفع عدد األفارقة لتعويض األجانب الذين مل يتم تعويضهم جبنود من الشرق عند موهتم يف‬
‫احلمالت العسكرية‪ ،‬فالتحق ابلفرقة األوغسطية جنود من قرطاج وحضر موت وتيمقاد وسريات وتبسة‪ ،‬وهذا ما‬
‫أد‪ ،‬إىل ظهور ما عرف ابجلنود املنحدرين من املعسكر‪ ،‬أي الذين ولدوا فيه‪ ،‬ألن آابءهم جنود يف الفرقة‬
‫األوغسطية الثالثة‪ ،‬لريتفع عدد األفارقة بشكل ملحوظ منذ القرن الثالث للميالد‪ ،‬وكانت أصوهلم من مقاطعة‬
‫الربوقنصلية واملنطقة العسكرية احمليطة ابألوراس واملنطقة احملاذية للمباز‪ ،‬وان كان البعض يقد أرقاما خرافية على‬
‫نسبتهم اليت تصل إىل‪ %26‬من عناصر الفرقة األوغسطية الثالثة فإهنا على األرج مل تتجاوز نسبة ‪ ،%11‬وبذلك‬
‫(‪)2‬‬
‫فان الفرقة جتاوزت التجنيد األجنيب إىل التجنيد اجلهوي مث التجنيد احمللي‪.‬‬

‫وحىت الفرق املساعدة للفرقة األوغسطية الثالثة اجملندة من خمتلف املقاطعات الرومانية ومبختلف أصنافها‬
‫قدمت خدمات هامة للرومان‪ ،‬وكما أ شران من قبل مع مرور الوقت أصب أغلب الفرق املساعدة من إفريقيا‬
‫وبتجنيد الرومان هلذه الفرق املساعدة فقد ربطتهم سياسيا وعسكراي ما جنم عنه ارتباطات أخر‪ ،‬ال تقل أمهية وهي‬
‫(‪)3‬‬
‫حضارية بصفة عامة ودينية وفكرية بصفة خاصة‪.‬‬

‫كما أد‪ ،‬هذا التجنيد إىل ظهور بعض التجمعات السكنية حول املعسكرات‪ ،‬ما ساهم يف رومنة هذه‬
‫املناطق والتطور والرخاء االقتصادي حول املعسكرات واحلصون والقالع‪ ،‬ذلك الرومان منحوا قدماء احملاربني‬
‫واملسرحني من اجليش أراضي زراعية ويف املقابل خلفهم أبناؤهم يف اجلندية‪.‬‬

‫ومن اآلاثر العسكرية هلذا التجنيد احمللي زواج اجلنود وظهور املنازل الزوجية جوار املعسكرات‪ ،‬ما شجع على‬
‫املكوث مع أسرهم يف عني املكان بعد انتهاء مدة اخلدمة العسكرية‪ ،‬واألمثلة عن ذلك كثرية كاألحياء البسيطة‬
‫والقليلة التخطيط ابلقرب من معسكر "تيمقاد"‪ ،‬كما تسم لنا وثيقة "ملصبا" (مروانة) ابلتعرف على العالقة‬
‫العائلية بني أسر جنود ملباز ومستوطين القرية الفالحية مبروانة حيث وردت يف قائمة نظا السقاية أمساء مستفيدين‬
‫(‪)4‬‬
‫من الري هم أحفاد عائالت عسكرية بلمباز‪.‬‬

‫‪ -1‬أعراب (ع)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪-‬ص ‪.111-111‬‬


‫‪2‬‬
‫‪- Le Bohec (Y), Histoire, P-P 105-106.‬‬
‫‪ -3‬شافية (ش) وآخرون‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪-‬ص ‪.131-131‬‬
‫‪ -4‬شنييت ( ‪.‬ب)‪ ،‬التغريات‪ ،‬ص‪-‬ص ‪.164-161‬‬

‫‪188‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‬ ‫الفصل الثالث‬

‫سامهت الفرقة األوغسطية الثالثة يف عملية التمدن يف إفريقيا‪ ،‬فجنود الفرقة وضعوا حجر أساس مستعمرة‬
‫حيدرة عندما أقاموا فيها وسامهوا يف ربطها مبجموعة من الطرق فظهرت جمموعة من املدن على امتداد هذه الطرق‬
‫املزودة بقنوات السقاية وأنشأت هبا حتصينات ومدرجات‪ ،‬وابلتايل فالفرقة مل تكن فقط قوة عسكرية بل خليط من‬
‫املهندسني واملساحني سامهوا يف اإلنشاءات الكرب‪ ،‬إبفريقيا‪.‬‬

‫على أنه إذا كان كل ما ذكرانه يف مصلحة الرومان‪ ،‬فإنه يف املقابل تعرض اجملندون األفارقة لالستغالل ألن‬
‫مهامهم جتاوزت اجملال العسكري إىل املسامهة يف اجناز احلصون واملعسكرات ومد الطرق وبناء اجلسور وغريها‪ ،‬كما‬
‫عملوا يف احملاجر مصانع القرميد واملناجم والغاابت مقابل حق املواطنة اليت قبلها البعض ورفضها اآلخرون بل‬
‫وقاومها مثل شخص "اتكفاريناس" الذي فر من اجليش الروماين بعد أن تعلم فنون احلرب والقتال ليستخدمها‬
‫(‪)1‬‬
‫ضد الرومان‪.‬‬

‫ب‪-‬األهمية واآلثار االقتصادية‪:‬‬


‫‪-0‬األهميـــة‪:‬‬

‫انعكس النشاط العسكري للفرقة األوغسطية الثالثة املذكور سابقا على اجلانب االقتصادي‪ ،‬وهذا ما نالحظه‬
‫من خالل استغالل األراضي الزراعية احملتلة‪ ،‬اليت مت توزيعها على قدماء احملاربني واجلنود املسرحني‪ ،‬وهذا ما‬
‫نالحظه يف طولقة وهتودة وابدس ومنطقة األوراس وإقليم طرابلس‪ ،‬وهي املناطق اليت عرفت انتشار زراعة الزيتون‬
‫(‪)2‬‬
‫والقم وأشجار التني والنخيل جنوب األوراس‪.‬‬

‫فاألكيد أن هذه املزروعات واملزارع كانت حباجة إىل محاية وأمن لكي ال جيتاحها الرعاة أو األعداء‪ ،‬لذلك‬
‫ركزت قيادة الفرقة على نشر جمموعة من القالع واحلصون ألداء تلك املهمة‪ ،‬أين أطروها مبجموعة من الفرق‬
‫والفصائل العسكرية‪ ،‬وعرف هذا النظا ابلتخو أو احلد‪ ،‬وهي خمتلفة حسب طبيعة املنطقة واخلطر‪ ،‬ويعد خندق‬
‫‪-‬مجالتنس‪ (Limes Gemellensis) -‬املعروف خبندق "ساقية اخلرس" الواقع جنوب بسكرة من أهم اخلنادق‪،‬‬
‫ليس لطوله فقط الذي يبلغ ‪231‬كلم‪ ،‬لكن ألمهية املواقع اليت مير هبا كدوسن والقصبة وهتودة‪ ،‬فهذه املناطق تعد‬
‫مبثابة واحات شكلت مركز ارتكاز حلزا أمين يقع مشال خط ملغيغ ويف املناطق الصحراوية الواقعة جنوبه‪)3(.‬وكل‬
‫هذه املعسكرات واملراكز تندرج ضمن سياسة توسعية استيطانية‪ ،‬وعليه شجع الرومان هؤالء املزارعني على زراعة‬
‫(‪)4‬‬
‫الزيتون يف هذه املناطق نظرا لسهولة فالحته وقلة تكاليفه‪.‬‬

‫‪ -1‬أعراب (ع)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.114‬‬


‫‪ -2‬نفسه‪ ،‬ص ‪.63‬‬
‫‪ -3‬شارن (ش) وآخرون‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪-‬ص ‪.146-147‬‬
‫‪ -4‬شنييت ( ‪.‬ب)‪ :‬التغريات ‪ ،...‬ص ‪.61‬‬

‫‪189‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‬ ‫الفصل الثالث‬

‫ولالستغالل األمثل هلذه األراضي مت توسيع قائمة املدن اليت يطبق فيها التشريع الروماين‪ ،‬وهذه املدن‬
‫واملستوطنات تشكل الدرع الواقي والدفاعي لتلك األراضي اليت كان مستوطنوها يقومون ابستصالحها وخدمتها‪،‬‬
‫فظهر ما ميكن أن نسميه ابجلندي الفالح أو الفالح اجلندي‪ ،‬وهي سياسة أفرزت نتائج إجيابية للرومان‪ ،‬بل‬
‫وأطالت من تواج دهم يف املنطقة‪ ،‬وبذلك فإن التحصينات والقالع واحلصون وأبراج املراقبة اليت أقامها جنود الفرقة‬
‫األوغسطية الثالثة سواء يف األوراس أو جنوب نوميداي أو حىت يف إقليم طرابلس على الرغم من كوهنا منشآت‬
‫عسكرية‪ ،‬فإن إقامتها جاء ألهداف اقتصادية ابلدرجة األوىل‪ ،‬أي حتسني ظروف املستوطنني وتشجيعهم على‬
‫االستيطان‪ ،‬فاستغالل األرض لن يتم إال بعد توفري األمن‪ ،‬وكل هذه اجملهودات هتدف إىل خدمة االقتصاد‬
‫الروماين‪ ،‬لذلك ربط الرومان تلك املستوطنات الزراعية ابملوانئ واملدن الكرب‪ ،‬ضماان لوصول املنتجات الزراعية إىل‬
‫روما‪ ،‬فنر‪ ،‬مثال ميناء سكيكدة كان خمرجا طبيعيا لزيت ملباز وتيمقاد‪.‬‬

‫كما أن حتكم الفرقة األوغسطية الثالثة يف خمتلف املعابر ومسالك البدو وحماور التجارة كان ذو أهدف‬
‫اقتصادية تتمثل يف إخضاع العابرين للرسو اجلمركية وتنظيم املبادالت التجارية‪ ،‬فتدعمت اخلزينة الرومانية مبصادر‬
‫دخل هامة ولعل وثيقة زراي يف نوميداي أكرب دليل على ذلك‪ ،‬فهذه احملطة اجلبائية كانت تسريها فصيلة اتبعة‬
‫(‪)1‬‬
‫للفرقة األوغسطية الثالثة‪.‬‬
‫‪-4‬التأثيــــرات‪:‬‬

‫بعد عملية التوسع واالحتالل يف نوميداي وجنوهبا وإقليم طرابلس جاءت حركة االستيطان هبدف التحكم يف‬
‫املوارد االقتصادية لألراضي الزراعية واستغالل مواردها املائية‪ ،‬وهو ما ترتب عنه فت لطرق مواصالت وتبادل‬
‫جتاري وبناء حلصون وقالع ومعسكرات‪ ،‬للدفاع وحلماية ما مت االستحواذ عليه‪ ،‬كما عملت روما على احلد من‬
‫حرية تنقل األهايل حبشرهم يف منطقة معينة وذلك حلماية مصاحلهم االقتصادية‪.‬‬

‫وكان من نتائج هذه السياسة توسع زراعة القم يف سهول نوميداي العليا‪ ،‬كما توسعت املساحات املخصصة‬
‫لزراعة األشجار اليت تقدمت حنو الداخل‪ ،‬فشملت املنحدرات واهلضاب لتتغلغل وتصل إىل ضفاف الصحراء‬
‫خالل القرن الثالث‪ ،‬وهو ما يفسر ارتفاع الضرائب املفروضة واليت كانت عينية‪)2(.‬على أنه يف األوراس وجنوب‬
‫نوميداي وإقليم طرابلس ومنذ القرن الثاين للميالد توسعت زراعة الزيتون ابلدرجة األوىل‪ ،‬وذلك العتبارات عديدة‬
‫أمهها‪:‬‬

‫‪ -‬زراعة الزيتون يف األقاليم السهبية الرعوية وضفاف الصحراء الشمالية تعين فت ابب االستقرار أما‬
‫مجاعات كثرية من البدو املتنقلني‪ ،‬وهذا بعد سد منافذ العيش املألوفة يف وجوههم املتمثلة يف ممارسة الرعي وجتارة‬

‫‪ -1‬أعراب (ع)‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪-‬ص ‪.67-63‬‬


‫‪ -2‬شنييت ( ‪ ،‬ب)‪ :‬التغريات‪ ،‬ص‪-‬ص ‪.26-21‬‬

‫‪190‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‬ ‫الفصل الثالث‬

‫القوافل بني اجلنوب والشمال اإلفريقي‪ ،‬وهبذا فإن زراعة الزيتون يف مفهو السياسة الرومانية هتدف إىل إرساء حياة‬
‫االستقرار واحلد من حياة التنقل املقلقة‪ ،‬وبذلك أخذت زراعة الزيتون بعد حضاري استعماري‪ ،‬وهو رومنة أكرب‬
‫مساحة ممكنة من األوراس وجنوب نوميداي‪ ،‬هذه السياسة نتج عنها ارتفاع الكثافة السكانية واتساع اخلريطة‬
‫العمرانية نتيجة توافد املزارعني عليها وتقاطر األهايل الرعاة على مراكز العمران أو املزارع طلبا للعمل كأجراء يف‬
‫حقول الزيتون أو معاصره‪.‬‬

‫‪ -‬هذه السياسة الزراعية مسحت للرومان بدفع احلدود والليمس إىل أقصى نقطة ممكنة جنواب وابألخص يف‬
‫العهد السيفريي‪ ،‬أين وصلوا إىل الصحراء الشمالية الشرقية‪ ،‬ما جعل املؤرخني يعطون لشجرة الزيتون قيمة تضاهي‬
‫اجلندي أو تفوقها‪ ،‬فإذا كان جنود الفرقة األوغسطية قهروا األهايل حبد السيف وأرغموهم على اإلذعان للسيادة‬
‫الرومانية‪ ،‬فإن شجرة الزيتون حققت إجنازات هامة‪ ،‬فاجتياح حقول القم أمر سهل للبدو أما اقتالع شجرة‬
‫الزيتون فهو أمر صعب‪ ،‬دون أن ننسى أن موسم نضج الثمار يصادف وقت تراجع البدو حنو اجلنوب ما يقلل من‬
‫خطرهم على عملية اإلستحصاد‪ ،‬وابختصار فإن زراعة الزيتون كانت أكثر أنواع النبااتت الزراعية مسامهة يف‬
‫(‪)1‬‬
‫تدعيم السيطرة الرومانية وزحفها على القبائل البدوية‪.‬‬

‫ومع تشجيع األابطرة الستغالل هذه األراضي يف األوراس وجنوب نوميداي وإقليم طرابلس كان أما سكان‬
‫البدو خيارين‪ ،‬األول التخلي عن حرفتهم األصلية وممارسة النشاط الزراعي يف حقول الزيتون والقم التابعة‬
‫للمستوطنني‪ ،‬أما الثاين هو البقاء يف أراضيهم الفقرية اليت ال تليب حاجاهتم‪)2(.‬ومنه شكلت هذه التوسعات الزراعية‬
‫مربرا ملد خط الليمس محاية لألقاليم الزراعية من البدو األهايل‪ ،‬وجتسد هذا الليمس يف مجلة من التحصينات‬
‫واالستحكامات أقامتها الفرقة األوغسطية الثالثة على معابر البدو وطرقهم ومسالكهم حنو التل واليت ربطوها‬
‫(‪)3‬‬
‫بشبكة من الطرق الطويلة والعريضة احملكمة التوجيه مسحت بتحكمهم يف حركة البدو‪.‬‬

‫وبتعبري آخر فإن استحكامات وحتصينات الفرقة األوغسطية الثالثة يف منطقة األوراس وصحراء نوميداي وإقليم‬
‫طرابلس مسحت بتطور ورخاء اقتصادي للرومان‪ ،‬ذلك أهنم توسعوا واستولوا على األراضي اإلفريقية بواسطتها وهي‬
‫األخر‪ ،‬أقامت حاميات هلا جبوارها مع هتيئة البنية التحتية (طرق‪ ،‬قنوات مياه‪ )...‬كل هذا ساهم يف االزدهار‬
‫االقتصادي يف مناطق تواجدها‪.‬‬

‫‪ -1‬شنييت ( ‪ ،‬ب)‪ :‬التغريات‪ ،‬ص‪-‬ص ‪.66-61‬‬


‫‪ -2‬أعراب (ع)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.112‬‬
‫‪ -3‬نفسه‪ ،‬ص‪-‬ص ‪.116-112‬‬

‫‪191‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‬ ‫الفصل الثالث‬

‫ج‪-‬األهمية واآلثار االجتماعية‪:‬‬


‫‪-0‬األهميـــة‪:‬‬

‫إن السبب الفعلي إلقامة الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز كمركز للقيادة ويف عمق األوراس مع مجلة من‬
‫املعسكرات والقالع وأبراج املراقبة يتمثل يف فرض الرقابة وتشديد القبضة على حركة القبائل احمللية وإجبارها على‬
‫اخلضوع للسيادة الرومانية أو اللجوء إىل األراضي الصحراوية‪ ،‬وكما هو معلو فإن األهايل يعتمدون يف حياهتم‬
‫على تربية املواشي والتنقل بني مراعي الشمال واجلنوب‪ ،‬هذا النمط املعيشي عمل الرومان على وضع حد له من‬
‫خالل مجلة التحصينات واإلستحكامات العسكرية يف األوراس وصحراء نوميداي وإقليم طرابلس‪ ،‬فغلقوا يف‬
‫وجوههم املمرات الطبيعية و املعابر‪ ،‬وكانت وسيلة الغلق هي تلك اخلطوط الدفاعية املتمثلة يف خطوط الليمس‬
‫(‪)1‬‬
‫مبختلف مكوانته‪.‬‬

‫هذه السياسة جنم عنها تشتت القبائل املتمردة يف نطاق جغرايف واسع خارج الليمس‪ ،‬وبذلك قل حتالفها‬
‫وتكتلها‪ ،‬ما شجع على توسع االستيطان واهلجرة إىل هذه املناطق‪ ،‬أين شجع فيها الرومان زراعة الزيتون‪ ،‬وبذلك‬
‫تلصت روما من الفائض السكاين ووسعت نفوذها على حساب أراضي األهايل‪ ،‬الذين طردوا فوجدوا أنفسهم‬
‫جمربين على تغيري منط حياهتم حيث فرض عليهم االستقرار واإلقامة اجلربية وسط أو قرب املنشآت العسكرية اليت‬
‫(‪)2‬‬
‫شكلت مراكز حضارية رومانية ولعبت دورا ال يستهان به يف نشر ثقافة وحضارة الرومان‪.‬‬
‫‪-4‬التأثيــــر‪:‬‬

‫كان إحد‪ ،‬أهم اآلاثر االجتماعية لتواجد الفرقة األوغسطية الثالثة مبعسكراهتا وحصوهنا وقالعها وحتصيناهتا‬
‫يف منطقة األوراس وصحراء نوميداي وإقليم طرابلس هو التوسع الروماين على حساب أراضي األهايل ما شجع‬
‫االستيطان الروماين‪ ،‬ومنه إبعاد األهايل إىل مناطق انئية فقرية فقل خطرهم وتناقصت غاراهتم‪ ،‬فساد األمن‬
‫(‪)3‬‬
‫ونشطت احلركة االقتصادية‪.‬‬

‫لقد أد‪ ،‬هذا املد االستيطاين والتوافد األجنيب على تلك املناطق إىل انعكاسات على حركة السكان وتوزيعهم‬
‫ابلداخل‪ ،‬فقبيلة "املوزوالمي" الكبرية شتتها اجليش الروماين إىل جمموعات‪ ،‬منها من استقر يف أقاليم سهبية فقرية‬
‫أو يف الصحراء‪ ،‬وقبيلة "نوميداي" مبداوروش وحيدرة نقلت إىل املناطق اجلنوبية مث جزئت أراضيها ووزعت على‬
‫(‪)4‬‬
‫املستوطنني‪.‬‬

‫املرجع السابق‪ ،‬ص‪-‬ص ‪.144-141‬‬ ‫‪ -1‬شافية (ش) وآخرون‪،‬‬


‫‪ -2‬أعراب (ع)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪-‬ص ‪.111-66‬‬
‫‪ -3‬شارن (ش) وآخرون‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪-‬ص ‪.144-142‬‬
‫‪ -4‬شنييت ( ‪ ،‬ه)‪ ،‬التغريات‪ ،‬ص‪-‬ص ‪.13-11‬‬

‫‪192‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‬ ‫الفصل الثالث‬

‫كما سامهت عملية جتنيد الكتائب املساعدة للفرقة األوغسطية الثالثة من صفوف قبائل اجليتول واملور‬
‫وغريهم يف إبعاد خطر أصعب عناصر القبائل األهلية الرافضة للوجود الروماين ورومنتهم‪ ،‬فتم تشتيت عشائر‬
‫وبطون كرب‪ ،‬بعد االستيالء على معاقلها‪ ،‬فاندثرت واندثر أثرها وذكرها‪ ،‬وهبذا متت إعادة تشكيل اجملتمع‬
‫واالقتصاد يف تلك املناطق‪ ،‬أما القبائل البدوية اليت مت تثبيتها داخل الليمس فقد وجدت نفسها جمربة على تغيري‬
‫منط حياهتا فبدأت متارس حياة االستقرار مبحاذاة مراكز حضرية رومانية فتم رومنة جزء منها‪ ،‬وبذلك مل يبق هلذه‬
‫القبائل سو‪ ،‬أراضي فقرية تتطلب جمهود أكرب‪ ،‬ما أجربهم على العمل كمزارعني يف أراضي املالك الكبار كأجراء‪.‬‬

‫لقد حاول الرومان بسياستهم العسكرية واالجتماعية هذه تغيري حياة األهايل وإذابتهم يف الثقافة الرومانية‬
‫واستغالهلم يف املزارع واحلقول‪ ،‬وهو ما ترتب عنه شروع هؤالء البدو الرعاة يف البحث عن عمل يومي يف املزارع‬
‫خاصة زمن موسم احلصاد‪ ،‬وهبذا كسب الرومان يد عاملة رخيصة وقضوا على حياة البداوة والرتحال اليت‬
‫(‪)1‬‬
‫أقلقتهم‪.‬‬

‫لقد سامهت كثرة اإلستحكامات اليت أقامتها الفرقة األوغسطية الثالثة يف منطقة األوراس على وجه اخلصوص‬
‫وصحراء نوميداي يف وضع حد لتحالفات السكان اجلبليني والرعاة‪ ،‬وأضافوا هلا تطبيق سياسة "فرق تسد" مع‬
‫استمالة العشائر القوية مقابل بعض االمتيازات اإلدارية واالقتصادية‪ ،‬وهو ما ساهم يف ظهور ما ميكن أن نسميه‬
‫(‪)2‬‬
‫ابلسلم الروماين‪.‬‬

‫وابختصار فإن سياسة احلشر وإقامة املعسكرات ومراقبة طرق ومسالك البدو الرعاة كانت ذات نتائج وخيمة‬
‫على األهايل‪ ،‬فدمرت منط معيشتهم الذي ألفوه منذ م ئات السنني‪ ،‬ويف الوقت ذاته مل يستطيعوا التأقلم مع النمط‬
‫الروماين املفروض عليهم‪.‬‬
‫د‪-‬التأثرات الثقافية والروحانية‪:‬‬

‫سامهت الفرقة األوغسطية الثالثة انطالقا من نقاط توجهها حسب املؤرخني يف تغيري الذهنية احمللية‪ ،‬عرب‬
‫املسامهة يف تعلم اجلنود امللتحقني ابلفرقة أو ا لكتائب املساعدة اللغة الالتينية‪ ،‬وعلى األرج فإهنم تعلموها قراءة‬
‫وكتابة‪ ،‬وأصب جزء معترب منهم مواطنني رومان مبوجب حق املواطنة‪ ،‬فحملوا معهم التُّوجه ‪-‬ثوب روماين‪-‬إىل‬
‫(‪)3‬‬
‫خارج اخلدمة‪ ،‬كما سامهوا يف نشر احلضارة الرومانية يف إفريقيا‪.‬‬

‫لكن هؤالء اجلنود يف الوقت ذا ته مل يكونوا مثقفني نظرا النعدا املكتبات يف املعسكرات‪ ،‬وكانوا فخورين‬
‫بوضعهم القانوين وامتيازاهتم وعباداهتم وكأشخاص حامني للدولة‪ ،‬وقد عبد جنود الفرقة وفرقها املساعدة آهلة‬

‫‪ -1‬أعراب (ع)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪-‬ص ‪.113-114‬‬


‫اجلزائر يف ظل ‪ ،...‬ص ‪.72‬‬ ‫‪ -2‬شنييت ( ‪ ،‬ب)‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Le Bohec (Y), Histoire, P 107.‬‬

‫‪193‬‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة يف ملباز‬ ‫الفصل الثالث‬

‫متنوعة مثل الثالوث اإلهلي (جوبرت‪ ،‬يونو‪ ،‬مينرفا) واآلهلة العسكرية (مارس) ‪ ،‬إضافة إىل آهلة أخر‪ ،‬جمردة ‪ ،‬وكما‬
‫كان اجلنود األفارقة حييون احتفاالت دينية رمسية‪ ،‬ومنت عبادة آهلة حملية وأخر‪ ،‬شرقية مثل‪ :‬إزيس‪ ،‬ميرتا‪ ،‬ليعتنقوا‬
‫(‪)1‬‬
‫فيما بعد الداينة املسيحية‪ ،‬وابلتايل فإن اجليش ساهم يف تغريات حضارية يف منطقة األوراس وصحراء نوميداي‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Ibid, P 107.‬‬

‫‪194‬‬
‫خامتـة‬
‫خامتـــــــة‬

‫إن جناح الرومان يف إسقاط "قرطاجة" وضم أراضيها كان مبثابة بداية التوسع يف مشال إفريقيا‪ ،‬هذا التوسع‬
‫لكي يتحقق ويتجسد على أرض الواقع كان البد أن تسخر له منظومة عسكرية ودفاعية‪ ،‬تركزت يف البداية على‬
‫نشر الفيالق والكتائب العسكرية على كل املقاطعات اإلفريقية‪.‬‬

‫هذه السياسة اليت شرع فيها منذ العهد اجلمهوري‪ ،‬اعتمدت يف البداية على انتهاج أسلوب املهادنة وجتنب‬
‫االصطدا مع امللوك املغاربة اترة‪ ،‬وأتليبهم على بعضهم اترة أخر‪ ،‬يف إطار ما عرف "ابإلخوة األعداء"‪ ،‬وهذا‬
‫لكون مصاحلهم ومكاسبهم االقتصادية غري مهددة‪ ،‬لكن مع اندالع احلرب األهلية يف روما وحاجتها إىل املزيد‬
‫من األرض والثروات وتفاقم مشاكلها االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬بل وحىت السياسية‪ ،‬شرع يوليوس قيصر يف "سياسة‬
‫اإلحلاق"‪ ،‬فكانت "نوميداي" أول ضحاايه سنة ‪64‬ق‪ ، .‬وهو ما يؤرخ لبداية العهد اإلمرباطوري يف اتريخ الرومان‪.‬‬
‫وواصل خلفاؤه سياسة التوسع الذي ميكن وصفها ابجلزئية والتدرجيية إىل غاية عهد "كاليقوال" الذي أحلق‬
‫موريطانيا سنة ‪ 64‬وهي السنة اليت متثل سقوط آخر مملكة حملية يف مشال إفريقيا‪.‬‬

‫هذا الغياب السياسي للممالك اإلفريقية عوضته مقاومة القبائل اإلفريقية للوجود الروماين‪ ،‬اليت اندلعت منذ‬
‫تواجدهم واستمرت إىل غاية خروجهم‪ ،‬لكن ميزة وخاصية هذه القبائل املقاومة هي أهنا كانت متحركة وغري‬
‫مستقرة ما أجرب الرومان على ضرورة إقامة منظومة من التحصينات واالستحكامات العسكرية يف خمتلف‬
‫املقاطعات‪ ،‬مع الرتكيز على "إقليم طرابلس وجنوب نوميداي واألوراس" على وجه اخلصوص‪ ،‬فهذه األقاليم كانت‬
‫مناطق تركز وعيش أكرب القبائل املقاومة للرومان على مدار تواجدهم ونعين هبم "املوزوالمي" "والغرامنت"‬
‫"واجليتول"‪ ،‬هذه املنظومة الدفاعية واهلجومية والدفاعية والتكتيكية جسدهتا ونفذهتا "الفرقة األوغسطية الثالثة" يف‬
‫هذه املناطق‪.‬‬

‫انتقلت هذه الفرقة من ايطاليا إىل إفريقيا حوايل سنة ‪ 04‬ق‪ ، .‬فسامهت طيلة فرتة عملها ونشاطها يف‬
‫التوسع والسيطرة والتوغل‪ ،‬وأقامت لكتائبها وفرقها وفصائلها جمموعة من املعسكرات واحلصون والقالع وأبراج‬
‫املراقبة املرتبطة ارتباطا وثيقا ابلليمس‪ ،‬مع تزويدها بشبكة من الطرق أجنزها مساحو ومهندسو وعمال الفرقة‪.‬‬

‫إن تتبع العدد اإلمجايل لكل نوع من التحصينات املقامة من قبل قوات "الفرقة األوغسطية الثالثة" سواء يف‬
‫مقاطعة نوميداي أو إقليم طرابلس‪ ،‬واليت أبرزان أشهرها ومناطق انتشارها وخصائصها اجلغرافية واإلسرتاتيجية‬
‫والطبوغرافية والتنظيمية يظهر لنا بوضوح أن "الفرقة االوغسطية الثالثة" كانت احملور األساسي يف املنظومة‬
‫العسكرية الرومانية‪ ،‬ليس فقط يف املناطق املذكورة بل يف كل مشال إفريقيا‪ ،‬حيث أشرفت عناصرها على بناء أغلب‬

‫‪196‬‬
‫خامتـــــــة‬

‫التحصينات واإلستحكامات انطالقا من مركزها األول يف "لبدة"‪ ،‬مث يف "حيدرة" اليت أقامت فيها حوايل ‪04‬سنة‬
‫لتنتقل إىل "تبسة"‪ ،‬أين استقرت هبا لفرتة وجيزة مل تتجاوز ‪64‬سنة‪ ،‬لتستقر بصفة هنائية يف "ملباز" من ‪-111‬‬
‫‪ 124‬إىل غاية القرن الرابع ميالدي‪ ،‬فسامهت يف التوغل يف مناطق جديدة مثل "أقنب" قرب أفلو ‪-‬األغواط‪-‬‬
‫سنة‪ ، 106‬وهو توغل جد ها مل يبلغه الرومان من قبل‪ ،‬بل يعد أقصى ما بلغه الرومان‪ ،‬دون أن ننسى‬
‫اكتشافاهتا يف القارة اإلفريقية أين وصلت حسب املؤرخني إىل بالد السودان‪.‬‬

‫إن تتبع اتريخ "الفرقة األوغسطية الثالثة" ونشاطها العسكري يكشف لنا عن أدوارها التارخيية يف املنظومة‬
‫الدفاعية الرومانية‪ ،‬فكانت االنطالقة والبداية يف "إفريقيا الربوقنصلية" أين سامهت يف قمع جمموعة من الثورات‬
‫ذكرهتا لنا املصادر من بينها انتفاضة قبائل "املوزوالمي" أو "اجليتول" سنة ‪ 20‬ق‪ ، .‬لتنتقل إىل "حيدرة" وتقيم‬
‫أول نظا دفاعي الذي أصطل عليه"ابلنظا الدفاعي للظهري التونسي"‪ ،‬والذي هدفه محاية مدن الربوقنصلية من‬
‫غارات القبائل احمللية‪ ،‬على أنه ميكن القول أن ثورة "اتكفاريناس" كانت االنطالقة الفعلية واحلقيقية لنشاط الفرقة‬
‫نظرا ملسامهتها الفعالة يف إمخاد هذه الثورة‪ ،‬وهو األمر الذي جعل أابطرة روما مينحون هلا صالحيات وسلطات‬
‫امتيازات واسعة‪ ،‬فكلفت بنظا دفاعي اثين إىل جانب األول عرف" ابلنظا الدفاعي القسنطيين" من خالل‬
‫إنشاء جمموعة من املعسكرات يف "قريطا" "وميلة"‪ ،‬ومن أجل منحها حرية أكرب يف املبادرة والعمل مت سحب‬
‫سلطة قيادهتا من "الربوقنصل" ومنحت إىل "الليقاتوس" يف عهد اإلمرباطور "كاليقوال" الذي حرص على ترقية‬
‫مكانة الفرقة وأدوارها‪ ،‬ليبدأ منعرج نشاطها العمليايت بعد انتقاهلا األويل إىل" تبسة" اليت اتذت كقاعدة انطالق‬
‫لتطويق مرتفعات "األوراس"‪ ،‬فتم إرسال فرقة استطالع أولية إىل ملباز سنة‪ ، 11‬أين أقامت أول معسكر هلا هبا‬
‫عرف "مبعسكر تيتوس"‪ ،‬إضافة إىل مركز يف "محا الصاحلني" وأخر يف "خنشلة" وغريها من املعسكرات والقالع‪،‬‬
‫حىت أصبحت كل منطقة "األوراس" مطوقة‪ ،‬فجاء االنتقال النهائي حنو "ملباز" اليت اختريت كمقر دائم لقيادة‬
‫الفرقة األوغسطية الثالثة‪ ،‬واهلدف من هذا االنتقال واإلقامة هو التحكم يف املعابر واملسالك واإلشراف على جمال‬
‫جغرايف وبشري معادي للرومان‪ ،‬مع تشجيع االستيطان وتوسيع الرومنة‪ ،‬وهذا اهلدف لن يتأتى وينج إال من‬
‫خالل إقامة شبكة من الطرق تسهل االتصال بني هذه املعسكرات واحلصون والقالع‪ ،‬هذه اجملهودات األولية اليت‬
‫انطلقت يف عهد األسرة"الفالفية" واستكملت يف بداية األسرة "األنتونية" تندرج ضمن نظا دفاعي اثلث كانت‬
‫تشغله الفرقة يعرف "ابملنظومة الدفاعية لألوراس" اليت طوقت‪-‬األوراس‪ -‬متاما مبراكز عسكرية‪ ،‬وهو ما مهد‬
‫للتوسع يف "صحراء نوميداي" عرب إنشاء مجلة من التحصينات يف "العروج" و"القنطرة" و"القصبات" الذي يعد‬
‫أحد أهم املعسكرات الرئيسية ملنطقة األوراس وصحراء نوميداي‪.‬‬

‫‪197‬‬
‫خامتـــــــة‬

‫النقلة النوعية يف اتريخ الفرقة كانت زمن اإلمرباطورين"ترااينوس"و"هادراينوس"حيث انتقلت الفرقة بصفة‬
‫هنائية إىل "ملباز" ما بني ‪ ، 124-111‬أين اضطلعت مبهمة دفاعية جديدة نصطل عليها "ابلنظا الدفاع‬
‫لصحراء نوميداي"‪ ،‬والذي جاء بعد توسع الرومان يف صحراء نوميداي‪ ،‬هذا النظا الدفاعي الذي وضع هبدف‬
‫تكريس االحتالل وتغيري البنية احلضارية للمنطقة الصحراوية اليت أجنز هبا كتلة من املعسكرات والقالع املتقدمة‬
‫هبدف مراقبة القوافل التجارية ومتابعتها يف املناطق السهبية‪ ،‬واليت متتاز أبهنا خمتلفة ومتميزة عن بعضها البعض‬
‫سواء من حيث شكلها املربع اترة أو املستطيل اترة أخر‪ ،،‬أو من حيث مواد بناءها وطبيعة الفرق اليت تشغلها‪،‬‬
‫واملها املسندة هلا‪ ،‬ومن أبرز هذه املعسكرات جند "عني الريش"‪" ،‬بوسعادة"‪" ،‬بسرايين" و"مسعد" يف فرتة‬
‫متأخرة‪.‬‬

‫ليتواصل نشاط الفرقة يف أواخر األسرة "األنتونية" عرب نظا دفاعي خامس يعرف"ابلنظا الدفاعي لطرابلس‬
‫الشرقية"‪ ،‬وهو ما يعد نقلة نوعية يف اجملال اجلغرايف للفرقة‪ ،‬فأقامت معسكرات هلا يف "عني العفنية" و"عني ويف"‬
‫و"بواان" و"بوجنم" و"قصر الزرزي" و"غدامس" و"غرايت الشرقية" و"الغربية" وغريها من املعسكرات اليت جاءت‬
‫هبدف مراقبة مسالك القوافل التجارية وحركة البدو الرعاة واملنابع واآلابر‪ ،‬وكل تلك املعسكرات تندرج ضمن‬
‫منظومة دفاعية عرفت خبط "سري انطونيوس" الذي أقيم لتشجيع التبادل التجاري بني مشال إفريقيا ومصر مع قبائل‬
‫وشعوب الصحراء الكرب‪.،‬‬

‫أما يف العهد "السيفريي" فقد شغل جنود الفرقة نظا دفاعي سادس وأخري أطلق عليه"ابلنظا الدفاعي‬
‫لطرابلس الغربية وجنوب تونس"‪ ،‬أين قامت إبنشاء عدة معسكرات يف هذه املنطقة أبرزها "قصر غيالن"‪،‬‬
‫و"مداينة" و"رأس العني" و"سي عون" و"سيدي حممد بن عيسى"‪ ،‬وابلتايل فإن الفرقة األوغسطية الثالثة انطالقا‬
‫من مقر القيادة يف "ملباز" كانت قواهتا وفرقها منتشرة على مساحة شاسعة متتد من إقليم طرابلس الشرقية والغربية‬
‫وجنوب تونس إىل األوراس وصحراء نوميداي‪ ،‬ما يدل ويكشف عن أدوراها العسكرية والدفاعية واهلجومية وعن‬
‫قيمتها ومكانتها لد‪ ،‬الرومان‪.‬‬

‫وأثناء عمليات إقامة تلك التحصينات قضت وأمخدت الفرقة على عديد املقاومات احمللية وصادرت أراضي‬
‫مالكيها لتوزع على املستوطنني الرومان بعد أن زودت بشبكة طرق ومنشآت السقاية والري‪ ،‬وهو ما شجع على‬
‫تطوير االستيطان‪ ،‬فظهرت مستوطنات زراعية ابلقرب من املعسكرات واحلصون والقالع وأبراج املراقبة‪.‬‬

‫‪198‬‬
‫خامتـــــــة‬

‫إن إنشاء الفرقة ملختلف هذه املعسكرات واملنشآت العسكرية يف مشال إفريقيا مل يكن عشوائيا‪ ،‬بل كان‬
‫خيضع جملموعة من املعايري تزيد من الفعالية العسكرية‪ ،‬حيث تعتمد على التحكم يف املمرات واملسالك اليت مير‬
‫عربها البدو الرحل إىل التل يف مواسم معينة‪ ،‬والسيطرة على الينابيع واآلابر‪.‬‬

‫يكشف لنا تتبع خمتلف املنشآت العسكرية يف األوراس وجنوب نوميداي وإقليم طرابلس أهنا رغم كوهنا‬
‫عسكرية ودفاعية املنطلق واملنشأ‪ ،‬إال أهنا ذات أهداف اقتصادية مرتبطة بسياسة تشجيع وتوسيع االحتالل‬
‫االستيطاين وسياسة الرومنة وحاجة روما إىل األراضي الزراعية والسلم واألمن‪ ،‬فجاءت أعمال الفرقة متناسقة‬
‫ومنظمة ما جعلها أكثر فعالية‪ ،‬فإنشاء أي معسكر كما أشران من قبل كان هلدف معني‪ ،‬فمعسكرات "ملباز" مقر‬
‫الفرقة مثال‪ ،‬جاءت لرتاقب السفوح اجلنوبية لألوراس وطريق القنطرة الذي تسلكه أغلب قبائل الصحراء القادمة‬
‫صيفا إىل مشال األطلس الصحراوي والسهول العليا‪ ،‬دون أن ننسى الشق االقتصادي املتمثل يف االستحواذ على‬
‫أراضي زراعية جديدة واالنتفاع من السوق الواقع بني اجلبل السهل والبادية‪ ،‬أما "قلعة مسعد" املتقدمة فجاءت‬
‫للتحكم يف الطريق الرابط بني املنطقة الشمالية لنوميداي وجنوب موريطانيا الطنجية اليت تنطلق منها هجمات قبائل‬
‫"املور"‪ ،‬وبذلك فهذه القلعة هتدف إىل صد هجماهتم وغاراهتم املفاجئة‪ .‬كما أدرك الرومان أن جناح االستيطان‬
‫وحتفيز املستوطنني واستغالل األراضي لن يتم إال من خالل السيطرة على منطقة األوراس والسهوب واهلضاب‬
‫العليا واملناطق الصحراوية ألهنا قواعد خلفية للحركات التمردية‪.‬‬

‫هذه األنظمة الدفاعية املشار إليها كانت تنجزها وتنفذها الفرقة األوغسطية الثالثة انطالقا من مقر تواجدها‬
‫وقيادهتا يف "ملباز" اليت كانت العاصمة العسكرية يف إفريقيا الرومانية ابمتياز ومنوذج للمدن اليت مزجت بني املدنية‬
‫أو البنية احلضرية والعسكرية‪-‬املعسكر‪ -‬فأجنزت فيها ثالثة معسكرات‪ ،‬أشهرها املعسكر الكبري الذي يعد من‬
‫أشهر املعسكرات ليس فقط يف إفريقيا بل يف اإلمرباطورية الرومانية‪ ،‬لتعرف هذه املدينة إشعاع حضاري‬
‫وعسكري‪ ،‬بداية هذه املدينة كانت مع إقامة الفرقة هبا ملعسكر "تيتوس"سنة ‪ 11‬الذي ظهرت وتطورت جبانبه‬
‫املدينة العلوية اليت الحظنا هبا الكم اهلائل من املعابد وقاعات العبادة ملختلف اآلهلة الرومانية أو احمللية بل وحىت‬
‫الشرقية‪ ،‬وهو ما يعطي انطباعا على دور املدينة يف نشر الدايانت واملعتقدات الرومانية يف أوساط السكان احملليني‪،‬‬
‫ويكشف عن مد‪ ،‬ارتباط اجلنود واجليش ابلدين‪ ،‬ليتبعه إقامة املعسكر الكبري ما بني ‪ 111-116‬إضافة إىل‬
‫ميدان للتدريبات واالستعراضات‪ ،‬والدارس لتطور مدينة "ملباز" سيالحظ طبعا أن االنطالقة كانت عسكرية‪ ،‬إال‬
‫أنه منذ النصف الثاين من القرن الثاين للميالد ستربز مظاهر املدنية من خالل إنشاء "الكابتول" ومعبد‬
‫"اإلسقيلبيوس" وجمموعة من الطرق اليت تربط "ملباز" بعديد املدن واملراكز ابخلصوص مع "مركونة" وتيمقاد‪ ،‬وعلى‬

‫‪199‬‬
‫خامتـــــــة‬

‫هذه الطرق ومداخل املدينة العلوية والسفلية أقيمت أقواس شرفية تؤكد على البعد احلضاري واملدين للمدينة‪ ،‬دون‬
‫أن ننسى الكم اهلائل من املعابد ملختلف اآلهلة الرومانية أو اإلفريقية أو الشرقية‪ ،‬وكل هذا يثبت أبن "ملباز" مل تكن‬
‫فقط مدينة عسكرية فقط‪ ،‬بل حاضرة دينية ومدنية وعنصر استقطاب وجذب للسكان خصوصا بعد أن زودت‬
‫بشبكة من قنوات املياه واحلمامات ومدرج‪ ،‬وهو ما يعين نسبيا أهنا مدينة متكاملة املرافق‪ ،‬وهو ما مس بربوز‬
‫جتمعات سكانية وأكواخ صغرية حول املعسكرات‪ ،‬فتم ترقيتها لتصب بلدية يف العهد "األنتوين" مث مستوطنة مث‬
‫عاصمة مقاطعة نوميداي العسكرية يف أواخر القرن الثالث‪ ،‬وكل هذا جعلها نقطة إغراء وجذب للسكان احملليني‬
‫والرومان للعيش هبا وطمعا يف االلتحاق بصفوف قوات الفرقة سواء كجنود نظاميني أو مساعدين‪ ،‬لكن خبروج‬
‫الرومان من إفريقيا فقدت "ملباز" مكانتها‪ ،‬لكن هذا ال حيجب دورها ومكانتها كمدينة عسكرية وحضرية هامة‬
‫وعاصمة مقاطعة يف عمق منطقة مثلت رمز للمقاومة‪ ،‬ويف وسط كتلة تضاريس صعبة التعقيد والتنوع‪.‬‬

‫وأثناء تواجد الفرق األوغسطية الثالثة يف "ملباز" وضعت أسس االقتصاد والثقافة واحلضارة الرومانية وهو ما‬
‫تكشفه وثيقة ملصبا ‪-‬مروانة‪-‬فكانت مبثابة السوق أو ملتقى جتتمع خمتلف الطرق واملسالك‪ ،‬وكان أتثريها جد‬
‫واض يف تطور بعض احلواضر سواء "تيمقاد" أو "زاان" أو "زراي" وجنوب نوميداي‪ ،‬رغم أهنا مل تكن قطب جتاري‬
‫ها وال مدينة كبرية‪ ،‬وميكننا أن خنتصر وصف مدينة "ملباز" أبهنا حامية الفرقة ومصدر جذب للسكان يف الكتلة‬
‫األوراسية ما ساهم يف انتشار احلضارة الرومانية يف هذا القطر‪.‬‬

‫إن تواجد الفرقة األوغسطية الثالثة يف "ملباز" كان ذو أمهية وأتثري على خمتلف األصعدة‪ ،‬فمن اجلانب‬
‫العسكري سامهت الفرقة يف بلوغ التوسعات الرومانية أوجها يف صحراء نوميداي خالل العهد السيفريي‪ ،‬ونعين‬
‫"مسعد"‪ ،‬كما سامهت يف قمع العديد من الثورات احمللية من سنة‪ 04‬قبل امليالد اىل ‪ 211‬سواء يف الربوقنصلية‬
‫أو نوميداي أو طرابلس وحىت موريطانيا القيصرية‪ ،‬بل وحىت خارج إفريقيا‪ ،‬وأبنظمتها الدفاعية السابقة وعمليات‬
‫التوسع هذه فرضت الفرقة حتكمها الكامل على املنطقة املمتدة من طرابلس إىل موريطانيا القيصرية متوغلة يف‬
‫الصحراء‪ ،‬فوضعت حدا لتحركات قبائل البدو الرعاة وراقبت مسالك القوافل التجارية مقيمة شبكة من الطرق‬
‫ترتق املناطق اجلبلية وهذا ما خلف عدة أتثريات‪ ،‬فنالحظ ارتفاع نسبة األفارقة اجملندين يف صفوفها والذين‬
‫جتاوزت نسبتهم ‪%04‬ماساهم يف انتشار اللغة الالتينية يف أوساطهم والدايانت الرومانية‪ ،‬فكانت هبذا وسيلة‬
‫للرومنة ولتوسيع التمدن يف إفريقيا‪ ،‬دون أن ننسى دورها يف إنشاء شبكة الطرق وقنوات املياه واملدرجات‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫خامتـــــــة‬

‫أما على الصعيد االقتصادي‪ ،‬فاألكيد أن هذا النشاط العسكري ساهم يف توفري أراضي زراعية خصبة مت‬
‫توزيعها على قدماء احملاربني واجلنود املسرحني‪ ،‬وهذا ما نالحظه يف طولقة وابدس وهتودة ومنطقة األوراس وإقليم‬
‫طرابلس‪ ،‬وهو ما أد‪ ،‬إىل انتشار زراعة الزيتون والتني والنخيل‪ ،‬كما سامهت الفرقة يف جباية الضرائب وتنظيم‬
‫املبادالت التجارية ما دعم اخلزينة الرومانية إبيرادات مالية معتربة‪.‬‬

‫هذه السياسة االقتصادية والعسكرية مع التضييق والعزل والقمع ضد القبائل اإلفريقية كانت هلا انعكاسات‬
‫اجتماعية‪ ،‬حيث أجربت األفارقة على االستقرار ابلقرب من املستوطنات الرومانية ليعملوا كأجراء‪ ،‬فقلت حركة‬
‫البدو الرحل وتغريت اخلريطة العمرانية‪ ،‬كما كانت التوسعات الزراعية مربرا ملد خط الليمس وهو ما زاد من‬
‫التحكم العسكري يف هذا القطر‪.‬‬

‫إن تواجد الفرقة االوغسطية الثالثة يف "ملباز" وأدوارها احلربية وتواجدها يف مجلة التحصينات واالستحكامات‬
‫املنشأة من قبلها كانت ذات آاثر وخيمة على األفارقة وحققت مكاسب هامة للرومان‪ ،‬فأدت إىل تشتت القبائل‬
‫اإلفريقية املتمردة على نطاق جغرايف واسع‪ ،‬وقل حتالفها وتكتلها وابلتايل خطرها‪ ،‬بل أجربت على تغيري منط‬
‫حياهتا‪ ،‬ففرض عليها االستقرار أو اإلقامة اجلربية وسط أو قرب املنشآت العسكرية‪ ،‬فقبيلة "املوزوالمي" الكبرية‬
‫شتتتها الفرقة األ وغسطية إىل جمموعات منها ما هو يف أقاليم سهبية فقرية أو يف الصحراء بعد أن انتزعت منها‬
‫أراضيها‪ ،‬كما سامهت عمليات التجنيد يف صفوف الفرقة يف إبعاد خطر أصعب عناصر القبائل األهلية الرافضة‬
‫للوجود الروماين فتم تشتيت عشائر وبطون كرب‪ ،‬وأعيد تشكيل اجملتمع واالقتصاد يف األماكن اليت تواجدت هبا‬
‫الفرقة‪ ،‬وبذلك برزت حياة االستقرار مبحاذاة املراكز احلضارية الرومانية‪ ،‬وانتهى عهد حتالفات القبائل احمللية‬
‫وحتالفات السكان اجلبليني مع البدو الرعاة‪ ،‬ومع تطبيق سياسة "فرق تسد" واستمالة القبائل القوية مقابل بعض‬
‫االمتيازات اإلدارية واالقتصادية ساد السلم واالستقرار يف مناطق تواجد الفرقة‪ ،‬دون أن ننسى األدوار الثقافية‬
‫والروحية‪ ،‬فالتحاق األفارقة ابلفرقة كنظاميني أو كفرق مساعدة ساهم يف انتشار اللغة الالتينية يف صفوفهم اليت‬
‫على األرج تعلموها قراءة وكتابة‪ ،‬حىت أهنم مع حق املواطنة الرومانية املمنوح هلم أصبحوا يدافعون عن الثقافة‬
‫الرومانية أكثر من الرومان‪.‬‬

‫وهكذا يتض جليا دور الفرقة االوغسطية الثالثة يف األوراس وجنوب نوميداي وإقليم طرابلس اجلد ها واملؤثر‬
‫على كافة األصعدة‪ ،‬والذي نلخصه إبرساء األمن والسال ومقاومة القبائل ومراقبة املمرات واملعابر والطرق‬

‫‪201‬‬
‫خامتـــــــة‬

‫واملسالك ما ساهم يف إعمار وازدهار البالد لصاحل الرومان طبعا‪ ،‬ويف استغالل األراضي واالستفادة من ثروات‬
‫وخريات مشال إفريقيا ما أد‪ ،‬إىل ظهور طبقة أرستقراطية كان هلا دور يف السياسة الرومانية‪.‬‬

‫لكن هذا الدور اهلا واإلسرتاتيجي أهناه "جورداينوس الثالث" بقراره املتمثل يف حل الفرقة سنة ‪ ، 201‬واليت‬
‫رغم عودهتا للنشاط والعمل العسكري سنة ‪ 210‬إال أهنا عودة مل تكن بنفس القوة واحليوية والنشاط‪ ،‬وحىت‬
‫"ملباز"مل تعد تلك املدينة القوية واجلاذبة للسكان‪ ،‬خصوصا يف ظل دخول الرومان يف أزمة القرن الثالث واشتدادها‬
‫وانعكاساهتا على خمتلف األصعدة‪.‬‬

‫إننا وإن اهنينا دراستنا هبذه املالحظات واالستنتاجات العامة‪ ،‬إال أن هناك العديد من التساؤالت بل وأحياان‬
‫إشكاليات تستحق البحث والدراسة لتقدمي إجاابت عنها ومنها‪ :‬كيف كانت عالقة الفرقة األوغسطية الثالث‬
‫ابلفرق العسكرية األخر‪ ،‬سواء يف الربوقنصلية أو املوريطانيتني؟‪ ،‬هل اختيار "ملباز" كمقر للفرقة كان اسرتاتيجي‬
‫ومفيد للرومان أ هو حتصيل حاصل‪ ،‬أي أن الرومان كانوا حباجة إىل مقر جديد قرب األوراس وال يهم إن كان‬
‫تكتيكي واسرتاتيجي أو ال؟‪ ،‬هل املنظومات الدفاعية العديدة اليت أقامتها الفرقة هي وسائل للدفاع واحلماية‬
‫واملراقبة أ وسيلة لالنعزال واالنغالق على أنفسهم‪-‬أي الرومان‪ ،-‬وابلتايل كيف كانت عالقتهم ابلسكان احملليني‬
‫يف أوقات السلم؟‪ ،‬ما موقع الفرقة ودورها من عملية االحتالل االستيطاين والسال الروماين؟‪ ،‬هل جناح الفرقة يف‬
‫حتقيق كل هذه التوسعات واألدوار الدفاعية يعود لقوة تنظيمها الداخلي وكفاءة جنودها وإسرتاتيجية مواقع‬
‫حصوهنا ومعسكراهتا وقالعها أ لضعف القبائل احمللية؟‪ ،‬كيف كان موقف سكان مرتفعات األوراس من هذا‬
‫اإلحكا على احلركة والتنقل؟‪ ،‬كيف ساهم اجليش الروماين يف جناح سياسة الرومنة وتشجيع االستيطان وإدخال‬
‫األفارقة يف احلضارة الرومانية؟‪.‬‬

‫وغريها من األسئلة اليت حتتاج إىل إجاابت واليت تستحق أن تكون حبث الستقصاء وكشف وفهم أكثر‬
‫للحضارة الرومانية يف مشال إفريقيا‪.‬‬

‫‪202‬‬
‫املالحق‬
‫املالحق‬

.‫املعروفيـن للـفرقـة األوغطسـية الثالثة‬-‫الليقـاتوس‬- ‫ القادة‬:10 ‫امللحق رقم‬


(L.Minicius ‫موانتيوس قالوس‬-11 (C.Velleius ‫فوليوس ابتركولوس‬-1
. 112-111 ‫ حكم من‬Gallus) . 72-31 ‫ حكم من‬Paterculus)
(L. Minicius ‫منسيوس نتاليس‬-17 (L.Clodius Macer) ‫كالوديوس ماسر‬-2
. 111 ‫حكم سنة‬Natalis) . 72 ‫حكم سنة‬
(A. Larcius ‫لرسيوس برسكوس‬-16 (Septimius ‫سبتميوس فالكوس‬-4
. 111 ‫ حكم قبل سنة‬Priscus) . 67-76 ‫ حكم من‬Flaccus)
(L. Acilius ‫أسليوس سرتابو‬-12 (Cn. Domitius ‫دومتيوس أفر تيتيوس‬-3
‫ حكم سنة‬Strabo Clodius Nummus) Afer Titius Marcellus Curuius Tullus)
.117 . 61 ‫حكم سنة‬
(T. Sabinius ‫سبنيوس بربروس‬-16
(Sex. Sentius ‫سنتيوس كوسليانوس‬-1
. 116-117 ‫ حكم من‬Barbarus) . 63-64 ‫ حكم من‬Caecilianus)
(Q. Egnatius Catus) ‫إجناتيوس كاتوس‬-7
(P. Metilius ‫ميتليوس سكوندوس‬-21
. 124-121 ‫ حكم من‬Secundus Pon…) . 67 ‫حكم سنة‬
(C. Tullius ‫توليوس كابتو بومبونيانوس‬-6
(Sex. Iulius Maior)‫أوليوس ماير‬-21
Capito Pomponianus Plotius Firmus)
. 127-121 ‫حكم من‬
. 67 ‫حكم سنة‬
(Q. Fabius ‫فابيوس كاتولنوس‬-22
(Cn. Pinarius ‫بناريوس أميليوس‬-2
. 126-126 ‫ حكم من‬Catullinus)
. 21-66 ‫ حكم من‬Aemilius Cicatricula)
(Q. Planius ‫بالنيوس سردوس‬-24
(L. Tettius Iulianus) ‫تتيوس أوليانوس‬-6
(L. Varius ‫ وفاريوس أمببولوس‬Sardus)
. 22-21 ‫حكم من‬
. 142 ‫ حكما سنة‬Ambibulus)
(C. Octauius ‫أوكتاويوس تديوس‬-11
(P. Cassius ‫كاسيوس سكوندوس‬-23
(L. ‫وإيولنوس برسكوس‬Tidius Tossianus)
. 142 ‫ حكم سنة‬Secundus)
. 24 ‫ حكما سنة‬Iauolenus Priscus)
(C. Iulius ‫أوليوس كوموديوس‬-21
. 21 ‫( حكم سنة‬Ro ? Gatus) ‫قاتوس‬-11
-142 ‫ حكم من‬Commodus Orfitianus)
(Cn. Suellius ‫سوليوس فالكوس‬-12
. 171
. 26 ‫ حكم سنة‬Flaccus)
(T. ‫كاوسرنيوس ستاتيوس‬-27
(Q. Fabius Barbarus ‫فابيوس بربروس‬-14
Caesernius Statius Quintius
‫ حكم‬Statianus Memmius Macrinus) . 66 ‫حكم سنة‬Valerius Magnus Iulianus)

204
‫املالحق‬

‫‪-13‬أكوتيوس‪ (M. Acutius Iust.‬حكم سنة من ‪. 131-131‬‬


‫‪-26‬براستينا مسالنوس ‪(C. Prastina‬‬ ‫‪. 62‬‬
‫)‪ Messalinus‬حكم من ‪. 137-134‬‬
‫‪(M. Valerius‬‬ ‫‪-22‬نويوس كريسبنوس ‪-31 (L. Nouius Crispinus‬فالريوس ماكسميانوس‬
‫)‪ Martialis Saturninus‬حكم من ‪Maximianus) -136‬حكم من ‪. 121-124‬‬
‫‪. 136‬‬
‫‪-31‬كونيوس )‪(T. Caunius Pris ?cus‬‬
‫‪ (M. Valerius‬حكم سنة ‪. 127‬‬ ‫‪-26‬فالريوس إتروسكوس‬
‫)‪ Etruscus‬حكم من ‪. 112-111‬‬
‫‪-32‬كلوديوس جورداينوس ‪(Ti. Claudius‬‬
‫‪ Gordianus) (L.Matuccius‬حكم سنة ‪. 122‬‬ ‫‪-41‬ماتوسيوس فوسكنوس‬
‫)‪ Fuscinus‬حكم سنة ‪. 112‬‬
‫‪-34‬كلوديوس روفينوس ‪(Q. Clodius‬‬
‫)‪ Rufinus‬حكم من ‪. 162-161‬‬ ‫‪(D.‬‬ ‫‪Fonteius‬‬ ‫‪-41‬فونتيوس فرونتنيانوس‬
‫‪(L.‬‬ ‫)‪ Frontinianus‬وسرتتنيوس روفينوس‬
‫‪-33‬انويوس كوادراتيانوس ‪(L. Naeuius‬‬
‫)‪ Stertinius Rufinus‬حكما من ‪. 172-171‬‬
‫)‪ Quadratianus‬حكم سنة ‪. 164‬‬
‫‪(D.‬‬ ‫‪Fonteius‬‬ ‫‪-41‬فونتيوس فرونتنيانوس‬
‫‪-31‬اوليوس لبدوس ‪(C. Iulius Lepidus‬‬
‫‪(L.‬‬ ‫)‪ Frontinianus‬وسرتتنيوس روفينوس‬
‫)‪Tertullus‬حكم سنة ‪. 163‬‬
‫)‪ Stertinius Rufinus‬حكما من ‪. 172-171‬‬
‫‪(Q. Anicius‬‬ ‫‪-37‬أنسيوس فوستوس‬
‫‪(C.‬‬ ‫‪Maesius‬‬ ‫‪-42‬ماوسيوس بكاتيانوس‬
‫)‪ Faustus‬حكم من ‪. 211-166‬‬
‫)‪ Picatianus‬حكم من ‪. 171-173‬‬
‫)‪(Cl(audius‬‬ ‫جالوس‬ ‫‪-36‬كلوديوس‬
‫‪-44‬كاوليوس أوبتاتوس )‪(P. Caelius Optatus‬‬
‫)‪ Gallus‬حكم من ‪. 211-212‬‬
‫حكم سنة ‪. 177‬‬
‫‪(Q. Cornelius‬‬ ‫‪-32‬كورنليوس فالنس‬
‫‪Valens‬‬ ‫…‪Cu‬‬ ‫‪-43‬يوس فانوستوس )‪ (Jus Venustus‬حكم سنة ‪Honestianus‬‬
‫)‪ Iunianus‬حكم من ‪ 211-212‬أو من‬ ‫‪. 177‬‬

‫‪205‬‬
‫املالحق‬

‫ ؟‬214-211 (M. Lucceius ‫لوسيوس توركواتوس‬-41


-176 ‫ حكم من‬Torquatus Bassianus)
-212 ‫( حكم رمبا من‬Pontius)‫بونتيوس‬-36
. 176
. 211
(C. Modius Iustus)‫موديوس ايوستوس‬-47
(Ti. Claudius ‫كلوديوس سوابتيانوس‬-11
. 161 ‫حكم سنة‬
-212 ‫ حكم من‬Subatianus Proculus)
. 211 (M. Aemilius Macer ‫أومليوس ماسر‬-46
. 163-162 ‫ حكم من‬Saturninus)
(Sex. Varius ‫فاريوس مرسلوس‬-11
. 216-211 ‫ حكم من‬Marcellus) (L. Vespronius ‫فاسربونيوس كانددوس‬-42
‫ حكم‬Candidud Sallustius Sabinianus)
(M. Valerius ‫فالريوس سنوسيو‬-12
. 167-163 ‫من‬
. 216-211 ‫ حكم أيضا من‬Senecio)
(A. Iulius Pompilius ‫أوليوس بومبليوس‬-46
(Ti. Iulius ‫بوليانوس‬ ‫ايوليوس‬-14
(T. Vibius Laeuillus) ‫ وفيبسوس لويلوس‬Piso)
-211 ‫ حكم من‬Pollienus Auspex)
. 166-167 ‫حكما من‬
. 222

(P. Iulius Iunianus ‫ايوليوس ايونيانوس‬-13


. 241-222 ‫ حكم من‬Martialinus)

206
‫املالحق‬

‫امللحق رقم ‪ :14‬األق ــواس الشرفـ ـي ــة ي "ل ـم ـب ــاز"‪:‬‬

‫قــوس سبتميوس ســيف روس ذو الثالث أبواب‪.‬‬

‫قوس ك ــوم ــودوس‪.‬‬

‫‪207‬‬
‫املالحق‬

‫امللحق رقم‪ :16‬بعض منشآت املدينة العلوية‪:‬‬

‫ص ـورة ق ـدي ـم ـة ملتقطة للــكاب ـت ــول‪.‬‬

‫صورة إحدى املعابد املتبقية ي ملباز‪.‬‬

‫‪208‬‬
‫املالحق‬

‫امللحق رقم ‪ :16‬صور بعض منشآت املعسكر الكب ر‪:‬‬

‫ص ـورة ج ـوي ـة للمعسكر الكب ر‪.‬‬

‫صورة الربيتوريوم‪ :‬مقر قيادة الفرقة االوغسطية الثالثة‪.‬‬

‫‪209‬‬
‫املالحق‬

‫امللحق رقم ‪ :10‬صور من منشآت ملباز‪:‬‬

‫جسر قنوات املياه ي ملباز‪.‬‬

‫‪Le bohec (Y), Histoire, Op.Cit, P 08‬‬ ‫النقيشة اليت كتب عليها قصة املساح "نونيوس دتوس"‪.‬‬

‫‪210‬‬
‫املالحق‬

‫امللحق رقم ‪ :14‬الرسم التقرييب ملدينة ملباز مبختلف منشآهتا ومرافقها ي العهد الروماين‪.‬‬

‫املرجع‪Janon (M), Lambèse capitale militaire de l’Afrique romaine, ed Nerthe, 2005-, P18. :‬‬

‫‪211‬‬
‫البيبليوغرافيا‬
‫البيبليوغرافيا‬

:‫البيبلوغرافيا‬
:‫املصادر‬-‫أوال‬
:‫املصادر األدبية‬-0

1) – Hérodote, Histoires, Trad par : Andrée Barguet, ed : Gallimard, Paris ,1964.


2) -Jules César, Commentaires sur la guerre des Gaules, d’après :
http://bcs.fltr.ucl.ac.be/CAES/BGI.html.
3) - Polybe, Histoires, traduit par ; Félix Bouchot, 1847.
4) - Salluste(C.C) : Guerre de Jugurtha, Trad. par Charles Durosoir, Edité par A
l'enseigne du Pot Casse, Paris, 1930, Paris.
5 - Tacite, Histoires, Trad. Par ; J.L.Burnouf, Paris 1854.
6) -Tacite, Annales, traduit par : J.L. Burnouf, 1859.
6 - Tite-Live : Histoire Romaine Traduit par M. Nisard, Paris, 1864.
2)- Végèce, Traité de l’Art militaire, traduit par : Victor Develay, libraire militaire, Paris,
1859.

:‫املصادر املادية واألثرية‬-4

1)-Stéphane Gsell, Atlas archéologique de l’Algérie, A, Jourdan et Pontemoing, Alger-


Paris 1911.

:‫املراجع‬-‫اثنيا‬
:‫املراجع ابللغة العربية‬-‫أ‬
،‫ التاريخ املغاريب القدمي السياسي واحلضاري منذ فجر التاريخ إىل الفت اإلسالمي‬،)‫ه‬. ( ‫– حارش‬1
1622. ‫ اجلزائر‬،‫املؤسسة اجلزائرية للطباعة‬
،‫ اجلزائر‬،‫ دار الفوميك‬،) .‫ ق‬37-214( ‫ احلياة السياسية واالقتصادية يف نوميداي‬،)‫ه‬. (‫حارش‬-2
1663.
‫ دار هومة للطباعة‬،‫ دراسات ونصوص يف اتريخ اجلزائر وبالد املغرب يف العصور القدمية‬،)‫ه‬. ( ‫حارش‬-4
2111.،‫ اجلزائر‬،‫والنشر‬
،‫ القاهرة‬،‫ دار النهضة العربية‬،‫ اتريخ اإلمرباطورية الرومانية السياسي واحلضاري‬:‫سيد أمحد علي الناصري‬-6
.1111 ،‫الطبعة الثانية‬

213
‫البيبليوغرافيا‬

‫‪-1‬شافية (ش) وآخرون‪ ،‬االحتالل االستيطاين وسياسة الرومنة‪ ،‬منشورات املركز الوطين للدراسات والبحث‬
‫يف احلركة الوطنية وثورة أول نوفمرب ‪ ،1613‬اجلزائر‪2116. ،‬‬
‫‪-4‬شنييت ( ‪.‬ب)‪ ،‬سياسة الرومنة يف بالد املغرب من سقوط الدولة القرطاجية إىل سقوط موريطانيا‬
‫(‪164‬ق‪ ،) 64- .‬الشركة الوطنية للنشر والتوزيع‪ ،‬اجلزائر‪.‬‬
‫‪-0‬شنييت ( ‪.‬ب)‪ ،‬التغريات االقتصادية واالجتماعية يف املغرب أثناء االحتالل الروماين ودورها يف أحداث‬
‫القرن الرابع ميالدي‪ ،‬املؤسسة الوطنية للكتاب‪ ،‬اجلزائر‪.1116 ،‬‬
‫‪-2‬شنييت ( ‪.‬ب)‪ ،‬أضواء على اتريخ اجلزائر القدمي (حبوث ودراسات)‪ ،‬دار احلكمة‪ ،‬اجلزائر‪2114. ،‬‬
‫‪-1‬شنييت ( ‪.‬ب)‪ ،‬اجلزائر يف ظل االحتالل الروماين‪ ،‬حبث يف منظومة التحكم العسكري (الليمس‬
‫املوريطاين) ومقاومة املور‪ ،‬اجلزء األول‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪1116. ،‬‬
‫‪-14‬شنييت ( ‪.‬ب)‪ ،‬أضواء يف اتريخ اجلزائر القدمي (حبوث ودراسات) دار احلكمة‪ ،‬اجلزائر‪.2440 ،‬‬
‫‪-11‬صحراوي (ع‪.‬ق)‪ ،‬التحصينات العسكرية بنوميداي وموريطانيا القيصرية أثناء االحتالل الروماين (‪64‬‬
‫ق‪ ،) 216- .‬دار اهلد‪ ،‬عني مليلة اجلزائر‪2411،‬‬
‫‪-12‬عقون ( ‪.‬ع)‪ ،‬االقتصاد واجملتمع يف الشمال اإلفريقي القدمي‪ ،‬دار اهلد‪ ،‬عني مليلة‪ ،‬اجلزائر‪.2112 ،‬‬
‫ب‪-‬الرسائل اجلامعية‪:‬‬
‫‪-1‬العزيز (ع)‪ ،‬التحصينات الرومانية يف جنويب نوميداي وموريطانيا القيصرية من القرن األول إىل الثالث‬
‫ميالدي وأاثرها‪ ،‬مذكرة ماجستري‪ ،‬جامعة اجلزائر ‪.2414‬‬

‫‪-4‬املراجع األجنبية‪:‬‬
‫أ‪-‬املؤلفات‪:‬‬
‫‪1) –Ballu (A), Monuments antique de l’Algérie, Paris, 1894.‬‬
‫‪2) –Bénabou (M), La résistance Africaine à la romanisation, librairie française Maspero,‬‬
‫‪Paris ,1975.‬‬
‫‪3)- Boissier (G), L’Afrique Romaine promenades archéologiques en Algérie et en Tunisie,‬‬
‫‪Paris, Hachettecie, 1895.‬‬
‫‪4) –Cagnat (R), L’armée Romaine d’Afrique et l’occupation militaire de l’Afrique sous les‬‬
‫‪empereurs, Imprimerie nationale, 1913.‬‬
‫‪5) -Cagnat (R), Carthage, Timgad, Tébessa et les villes antiques de l’Afrique du Nord,‬‬

‫‪libraire Renourard, Paris, 1909.‬‬


‫‪6)- Cagnat (R), Les deux camps de la légion August à Lambèse d’après les fouilles récentes,‬‬
‫‪imprimerie nationale, Paris.‬‬

‫‪214‬‬
‫البيبليوغرافيا‬

7) –Camps (G), Aux origines de la Berbérie, Paris, 1961.


8)- De Champagny (F), Les Antonins : ans de J. C., 69-180, Tome II, Ambroise Braye,
libraire-éditeur, Paris, 1863.
9)- Decret (F) et Fantar (M), L’Afrique du nord dans l’antiquité des origines au V siècle Ed,
payout, Paris, 1981.
10)- De Lartigue (R-J-F), Monographie de l’Aurès, Marle-Audrino, Constantine, 1904
11)-De Roch (S), Tébessa antique Theveste, Alger, 1952.

12)- Gascou (J), La politique municipale de l'empire romain en Afrique proconsulaire de


Trajan à Septime-Sévère, l'Ecole française de Rome, 1972.
13) Gsell (S), Histoire ancienne de l’Afrique du nord, Tome VII, librairie Hachette, Paris,
1928.
14) -Gsell (S), Les monuments antique de l’Algérie, Tome 1, ancienne librairie Thorin et fils

Albert Fontemoing, éditeur, 1901.


15)- Janon (M), Lambèse capitale militaire de l’Afrique romaine, ed : Nerthe, 2005.

16)- le Bohec (Y), Histoire de l’Afrique Romaine (146 avant J.-C.-439 après J.-C.), Picard,
2005.
17)–le Bohec (Y), L’armée romaine imperial (New York Hippocrène) 1994 d’après,
Wikipedia.org./wiki/legio_ III_Augusta
18) – Lenoir (M), Le camp Romain Proche-Orient et Afrique du nord école française de
Rome, 2011.
19)- Wilmanns (G), Etude sur le camp et la ville de Lambèse, traduite par : H.Thédenat,
Ed.thorin, 1884.

:)‫الدورايت (املقاالت‬-‫ب‬
1)- Baradez (J), Gemellae, camp d'Hadrien et ville des confins sahariens, Académie des
inscriptions et belles-lettres, V°92, N°3 ,1984.
2) - Ben Abdallah (Z), Nouveaux aspects de la vie religieuse à Ammaedara, Académie des
Inscriptions et belles-lettres. N°1, 1992.
3) - Ben Abdallah (Z) et le Bohec (Y), Nouvelles inscriptions d’Haidra concernant l’armée
Romaine, Mélanges de l'école française de Rome, Antiquité, N°1, 1997.

4) - Benabou (M), Proconsul et légat en Afrique le témoignage de Tacite, Antiquités


Africaines, N° 6, 1972.
5) - Benseddik (N), Esculape et hygiène Afrique : classicisme et originalité, Antiquités, 1997.

215
‫البيبليوغرافيا‬

6)- Benseddik (N), Lambaesis (Lambèse) un camp, un sanctuaire, mais ou était la ville,
dossier d’archéologie, N° 286, septembre 2003.
7)- Demougeot (E), le chameau et l’Afrique du nord romaine, Annales. Économie, Sociétés,
Civilisations, V° 15, 1960.
8) -De Pachtére (F-G), Les camps de la Troisième légion en Afrique au premier Siècle de
l’empire, Académie des inscriptions et belles-lettres, 60 années, N°3, 1916.
9) - Desanges (J), Recherches sur l’activité des méditerranéens aux confins de l’Afrique, école
français de Rome, 1978.
10) - Desjardins (E), Les soixante centurions de la légion III Augusta, Académie des
inscriptions et belles-lettres, 28 années, N1, 1884, P-P 115-117.
11) - Jacques (G), Inscriptions de Tébassa, M.E. F. R.A, 1969, 81,
12) -Gabriel Camps, Encyclopédie berbère, éd: Isud, 1984, P 260.
13)- Gonzales (A), Autour d’Isis : acquis et nouvelles perspectives, Mélanges d’archéologie
et d’histoire, V°22, N°22,1996.
14)- Hilali (A), l’impact de la legio III Augusta dans les provinces romaines d’Afrique,
l’aspect religieux, the impact of Romain army, 2007.
15)- Jacques (F), Propriétés impériales et cités en Numidie Méridionale, cahiers du centre
Gustave Glotz, N° 3, 1992.
16) – Janon (M), Recherches à Lambèse I : la ville et les camps II : Aquae Lambaesitanae,
Antiquités Africaines, 7,1973.
17)- Janon (M), Recherches à Lambèse III, essais sur le temple d’Esculape, Antiquités
Africaine, 21, 1985.
18)- Laporte (J-P), ISIACA D’Algérie (Maurétanie, Numidie et partie de la Proconsulaire,
Colloque : Isis en occident, Lyon 2002.
19)- Laporte (J-P) : Notes sur l’aqueduc de Saldae, (Bougie Algérie), les aqueducs de la Gaule
Romaine et des régions voisines centre de recherche, Piganiol, 1997.
20)- Lassère (J-M), inscription de Nonius Datus, Vitalatina, N° 145, 1997.
21) - Le Bohec (Y), Le rôle social et politique de l’armée romaine dans les provinces
d’Afrique, Kaiser, Heerund Gesellsheft. In der Romischen Kaiserzeist, die Deutsche
Bibliothec, 2000.
22)- le Bohec (Y), Timgad : la Numidie et l’armée Romaine, Bulletin Archéologique du
Comité des Travaux Historiques et Scientifiques, Paris, 1979.

216
‫البيبليوغرافيا‬

23) - Le Glay (M), Les Flaviens et l’Afrique, Mélanges d’archéologie et d’histoire,


V°80,1968.
24)- Le Glay (M), la vie religieuse à Lambèse d’après de nouveaux documents, Antiquités
Africaines, 1971.
25)- Le Glay (M), Le Mithraeum de Lambèse, Académie des inscriptions et belles-
lettres V°98, N° 3,1954.
26)- Lenoir (M), Recherches sur la castramétation romaine. Établissement, traduction et
commentaires du texte du pseudo-Hygin, De munitio nibus castrorum, école pratique des
hautes études et, Sciences Historiques et philosophiques, 1975.
27)- Leschi (L), Recherches aériennes sur le limes romain de Numidie, Académie des
inscriptions et belles-lettres, V°, N°3, 1937.
28)- Leschi (L), Djemila, antique Cuicul, Syria, volume 31, numéro 03,1954.
29)- Leschi (L), Découvertes épigraphiques dans le camp de Gemellae (El-Kasbat-Algérie),
Académie des inscriptions et belles-lettres, N°3, Volume 93 année, 1949.
30) -Libert (J), L’annone sous Néron, séminaire antiquité 2009.
31)- Marichal (R), les Ostraca de Bu Njem, Académie des inscriptions et belles-lettres V°123,
N3, 1979.
32)- Merlin (A), le fortin de Bezeros sur le limes Tripolitain, Académie des inscriptions et
belles-lettres, V°3, N°3, 1921.
33)- Morizot (P), Les échanges commerciaux entre la côte méditerranéenne et à l'intérieur du
Maghreb au IIe siècle vus au travers du Tarif Zaraï, édition de CTHS, Paris ; 2009.
34)- Pflaum (H-G), Castellum Dimmidi, Journal des Savants, V°1, N°1, 1949.
45) -Pflaum (H-G): inscriptions de la Tripolitaine Romaine, Syria, T°30.
36) – Piganiol (A) et Robert (L-V), Recherches archéologiques à Ammaedara (Haidra),
Mélanges d’archéologie et d’histoire, T 32, 1912.
37)-Poulle (A), Nouvelles inscriptions de Lambèse et de Timgad, Recueil de Constantine,
XXIII, 1884.
38)-Rebuffat (R), deux ans de recherches dans le sud de la Tripolitaine, Académie des
inscriptions et belles-lettres, V° 113, N 02, 1969.
39)- Toutain (J), Notes sur quelques voies romaines de l'Afrique proconsulaire, Mélanges
d’archéologie et d’histoire, article N° 1, V° 15, 1895.
40) -Toutain (J), Les Romains dans le Sahara, Mélanges d’archéologie et d’histoire, 1896, V°
16.

217
‫البيبليوغرافيا‬

41) -Trousset (P), pénétration Romaine et organisation de la zone Frontière dans le prédésert
Tunisien, A, R, 2004, p-p 59 -74, d’après :
www.dirictoesstoria.it/8/mimoire/AfricaRomana.

:)‫املواقع على الشبكة العنكبوتية (االنرتنيت‬-‫د‬


1)- http://www.livius.org/ga-gh/gheriat/gheriat_el-garbia.html.
2) -Fr.wikipedia.org/wiki/troupes_auxiliaires
3) - www.histoire dumonde.net/troupes-auxiliaires.htm
4) -Fr.wikipedia.org/wiki/armée-romaine-des-origines-à-la-fin-de-la-république.

218
‫الفهارس‬
‫فهرس األماكن واألعالم‬

‫‪-‬أ‪-‬‬
‫البااتف‪.11:‬‬
‫إثيوبيا‪ :‬ب‪.111-61-66-‬‬
‫إدرين‪.16:‬‬
‫إسبانيا‪.111-144-116-00-01-40-44-04-02-01-26-24 :‬‬
‫آسيا‪.100-141-06-40-44:‬‬
‫أغسطس‪ :‬أ‪-‬د‪.111-140-126-14-01-00-04-40-20-11-11-‬‬
‫أورواب‪.116-110-44-41:‬‬
‫أملانيا‪.116-120 :‬‬
‫ألبنوس‪.01:‬‬
‫الربوقنصلية‪ :‬ب‪-‬ه‪-‬و‪-‬ي‪.241-240-244-111-101-140-110-60-21-21-20-24-11-11-‬‬
‫احلمادة احلمراء‪.140:‬‬
‫الدانوب‪.177-06-40:‬‬
‫الراين‪.100:‬‬
‫العراد‪.104:‬‬
‫اهلنشري‪.101:‬‬
‫القاهرة‪.101-106:‬‬
‫أفلو‪.244-141 :‬‬
‫إفريقيا‪ :‬أ‪-‬ب‪-‬و‪-‬ح‪-‬ك‪-‬ل‪-01-00-04-01-06-00-02-04-21-21-21-26-20-22-24-11- -‬‬
‫‪-06-00-02-01-04-41-41-40-40-44-10-14-16-10-14-61-61-64-61-62-61-01‬‬
‫‪-111-114-111-116-112-114-161-164-141-144-11-14-11-16-10-12-11-01‬‬
‫‪-116-112-111-111-111-110-111-116-110-112-111-101-100-101-141-140‬‬
‫‪.246-240-242-241-244-241-110-111‬‬
‫أوكتافيوس‪.21-26-11 :‬‬
‫طرابلس‪ :‬ب‪-‬د‪-‬ه‪-‬و‪-‬ط‪-‬ي‪-‬ل‪-100-101-102-141-141-146-140-160-110-41-64-01-22-‬‬
‫‪.246-240-241-111-110-111-116-110-112-111-111-101-101-100-104‬‬
‫أواي‪-‬طرابلس‪.01:-‬‬

‫‪220‬‬
‫فهرس األماكن واألعالم‬

‫األوراس‪ :‬د‪-‬ه‪-‬و‪-‬ط‪-‬ي‪-116-16-10-12-11-11-11-14-16-10-12-61-66-61-64-21-22-‬‬
‫‪-141-144-114-111-116-110-114-161-160-164-161-166-160-120-111-114‬‬
‫‪-244-111-110-114-111-116-110-112-111-114-111-114-101-100-104-106‬‬
‫‪-246-240-242-241‬‬
‫السرت‪.40-21 :‬‬
‫القصرين‪.162-40:‬‬
‫أنستيوس فوستو‪.61:‬‬
‫أوريليانوس‪.61:‬‬
‫أورليوس‪.61:‬‬
‫أولبيوس‪.41:‬‬
‫أورليوس دومسوس‪.11:‬‬
‫أوليوس‪.40:‬‬
‫أوالد جالل‪.110:‬‬
‫أويل‪.04:‬‬
‫أوريل‪.04:‬‬
‫أ الشاشية‪.141:‬‬
‫الظهرة‪.106:‬‬
‫الدوسن‪.110-110-101-106:‬‬
‫أوالد انيل‪.100-106:‬‬
‫اكويليا‪.110:‬‬
‫إلبا‪.101:‬‬
‫ايوليوس دجنوس‪.144:‬‬
‫أوليوس رومانوس‪.144:‬‬
‫أنسيوس فوستوس‪.141-141-140-120:‬‬
‫الذهيبة‪.141:‬‬
‫الرهسي‪.111-110:‬‬

‫‪221‬‬
‫فهرس األماكن واألعالم‬

‫النوريكم‪.111-110:‬‬
‫اميليانوس‪-111:‬‬
‫اسكندر سيفريوس‪.111-116-111-104-141:‬‬
‫إقليم برقة‪.160:‬‬
‫املزاق‪.160:‬‬
‫األغواط‪.244-106-100:‬‬
‫اليوانن‪.41:‬‬
‫اجلزائر‪ :‬ه‪.141-140-16-11-02-64-00-04-‬‬
‫الربتغال‪.02:‬‬
‫احلضنة‪ :‬و‪.114-114-101-106-114-161-62-64-‬‬
‫القنطرة‪ :‬ه‪-114-101-100-100-141-110-112-114-164-161-14-10-14- 01-62-64-‬‬
‫‪.241-244‬‬
‫أوتيكا‪.114-41-21 :‬‬
‫القصبات‪.244-110-101-100-110-112 :‬‬
‫العروج‪.244-101:‬‬
‫اجللفة‪ :‬ه‪.100-106-100-‬‬
‫السريت الكبري‪.66:‬‬
‫اإلسكندرية‪.100-160-61:‬‬
‫الزيبان‪ :‬ه‪.110-11-‬‬
‫اجلريد‪ :‬و‪.‬‬
‫اجملر‪.110:‬‬
‫الشعبة‪.11:‬‬
‫أسربيناس‪.21:‬‬
‫النمامشة‪.114-114-114-114-164-166-64:‬‬
‫املتلوي‪.160:‬‬
‫أوزاي‪-‬سور الغزالن‪.02:-‬‬

‫‪222‬‬
‫فهرس األماكن واألعالم‬

‫إيليوس‪.20:‬‬
‫أوريليوس‪.20:‬‬
‫أغسمبا‪-‬بالد السودان‪.242-61-01:-‬‬
‫املؤرخ بطليموس‪.66-01:‬‬
‫أنطونيوس بيوس‪.241-114-100-104-141-141-111-114-141:‬‬
‫إشوكان‪.11:‬‬
‫الشلف‪.106-14:‬‬
‫املدغاسن‪.14-11-16:‬‬
‫أيليوس ماترنوس‪.01:‬‬
‫إيطاليا‪.111-111-110-110-01-04-41-40-44-40-44-61 :‬‬
‫‪-‬ب‪-‬‬
‫اببينوس‪.110:‬‬
‫ابتنة‪ :‬ه‪.114-12-11-11-16-12-‬‬
‫ابدس‪.240-112-114-144-114-164-12:‬‬
‫ابجة‪.111:‬‬
‫ابلبوس‪.00-20:‬‬
‫ابنونيا‪.104-144-01-00-02-21-26 :‬‬
‫برتونيوس إيستوس‪.140:‬‬
‫جباية‪-‬صلداي‪.110-42:‬‬
‫نربوانس‪.61:‬‬
‫برثيا‪.111-106-144-114:‬‬
‫برج القصر‪.166:‬‬
‫برقة‪.111-40:‬‬
‫بريطانيا‪-‬إجنلرتا‪.114-112-104-06:‬‬
‫بريكة‪.142:‬‬
‫بسكرة‪ :‬ه‪.111-112-101-101-104-140-144-116-114-161-160-160-12-04-‬‬

‫‪223‬‬
‫فهرس األماكن واألعالم‬

‫بسون‪.01-06:‬‬
‫بطليموس‪.00:‬‬
‫نقاوس‪.01:‬‬
‫بالد الغال‪.111-111-111-116-41-40-44-62-00-04 :‬‬
‫باليسيوس‪.02-01:‬‬
‫بلجيكا‪.44:‬‬
‫بلغاراي‪.41-44:‬‬
‫بلنديوس‪.06:‬‬
‫بلينوس‪.61:‬‬
‫بنابو‪.161:‬‬
‫بنسا‪.112:‬‬
‫بواان‪.241-101:‬‬
‫بوبيونوس‪.110:‬‬
‫بوخوس‪.14:‬‬
‫بوردو‪.40:‬‬
‫بورسيوس فوستوس‪.110:‬‬
‫بوسعادة‪.241-101:‬‬
‫بوال رجييا‪.62-21:‬‬
‫بولبيوس‪.14:‬‬
‫بومبيوس‪.20:‬‬
‫بوجنم‪-‬قوليا‪.240-111-111-100-102-104-141-141-140:-‬‬
‫بري أ علي‪.110:‬‬
‫بري رهزن‪.101-141-141:‬‬
‫بيكار‪.112-106-160:‬‬
‫‪-‬ت‪-‬‬
‫اتبسوس‪.14-11:‬‬

‫‪224‬‬
‫فهرس األماكن واألعالم‬

‫اتدرت‪.161-161 :‬‬
‫اتدميت‪104-106:‬‬
‫اتكفاريناس‪ :‬أ‪-‬د‪-‬ه‪-‬ح‪-‬ي‪.244-112-112-111-114-166-11-16-62-00-02-01-04-‬‬
‫اتكيتوس‪ :‬ي‪.00-41-14-00-04-01-06-00-01-04-21-‬‬
‫تربسق‪.01:‬‬
‫تبسة‪ :‬ج‪-‬ه‪-‬ح‪-‬ي‪-121-110-12-11-12-01-04-41-40-66-62-61-04-21-21-21-20-‬‬
‫‪.244-111-111-114-110-114-111-110-114-164-161-166-162‬‬
‫تبورسيكو ‪.02:‬‬
‫تدمر‪.106- 04- 00-44-26-20 :‬‬
‫تراقيا‪.41:‬‬
‫ترااينوس‪-100-141-114-114-161-160-164-161-166-162-100-124-06-41-64- :‬‬
‫‪.244-114-111‬‬
‫تربنيوس‪.00:‬‬
‫تركيا‪.41:‬‬
‫تروسي‪.01:‬‬
‫تغريفت‪.101:‬‬
‫تنس‪.112:‬‬
‫توزر‪.160:‬‬
‫توقرت‪.11:‬‬
‫تولوس‪.01:‬‬
‫تونس‪ :‬ه‪-161-164-166-160-162-121-141-10-00-04-01-00-66-61-00-04-21-11-‬‬
‫‪.241-244-111-101-141-140-141-146-140-114‬‬
‫تونسد‪.116:‬‬
‫تالبت‪.21:‬‬
‫تلمني‪.141:‬‬
‫هتودة‪.240-110-112-114-100-111-160-161:‬‬

‫‪225‬‬
‫فهرس األماكن واألعالم‬

‫تيبازة‪.114-11:‬‬
‫تيربيوس‪.12-01-41-66-61-00-00-01-04-24 :‬‬
‫تيتوس‪.66-61 :‬‬
‫تيتيوس فالفيوس‪ :‬ك‪.‬‬
‫تيتوس‪-‬إمرباطور‪.242-244-161-120-110-111-144-16-11-16:‬‬
‫تيمقاد‪ :‬ج‪-114-116-161-166-161-111-110-110-11-12-11-11-11-16-41-66- -‬‬
‫‪.242-110-112-111-114-111‬‬
‫‪-‬ج‪-‬‬
‫جاليا‪.00-04-01:‬‬
‫جاليانوس‪.101-102-01-16-61-61:‬‬
‫جرمة‪.66-01:‬‬
‫مجورة‪.114:‬‬
‫مجيلة‪-‬كويكول‪ :-‬ج‪.162-11-‬‬
‫جورداينوس‪.111-116-110-112-111:‬‬
‫جورداينوس‪.111-116-110-112 :2‬‬
‫جورداينوس‪.242-116-110-112 :0‬‬
‫جوزيف فالفيوس‪ :‬ك‪.‬‬
‫جنديل‪.11:‬‬
‫جندوبة‪.60:‬‬
‫جيجل‪.162:‬‬
‫‪-‬ح‪-‬‬
‫حضر موت‪-‬سوسة‪.111-112-44-01:-‬‬
‫محا الشارف‪.101:‬‬
‫محا الصاحلني‪.244-111-101-166-160-60:‬‬
‫محا دراجي‪.114:‬‬
‫محا سيدي احلاج‪.116:‬‬

‫‪226‬‬
‫فهرس األماكن واألعالم‬

‫محص‪.104-00-26-20 :‬‬
‫حيدرة‪ :‬أ‪-‬ج‪-‬ه‪-‬ح‪-‬ي‪-161-114-10-01-41-40-44-66-61-00-02-01-04-21-21-21-20-‬‬
‫‪.244-111-110-111-111-111-114‬‬
‫‪-‬خ‪-‬‬
‫خربة الربج‪.101-104:‬‬
‫خنقة سيدي انجي‪.12:‬‬
‫خنشلة‪ :‬ه‪.244-114-111-101-111-116-112-164-164-162-161-111-11-62-‬‬
‫مخيسة‪.111:‬‬
‫‪-‬د‪-‬‬
‫داكيا‪.112-41:‬‬
‫دسنغ‪.61:‬‬
‫دورميوس‪.62:‬‬
‫دوسبوا‪.114:‬‬
‫دوكيوس فروس‪.141:‬‬
‫دوالبيال‪.02:‬‬
‫دومسرتوسكي‪.42-44-11-16:‬‬
‫دومسيانوس‪.00-61-66:‬‬
‫دوقة‪ :‬أ‪.‬‬
‫دوقلداينوس‪.111-141:‬‬
‫دومسيانوس‪.162:‬‬
‫دهار‪.101-104-141-141:‬‬
‫ديون كاسيوس‪.06-00:‬‬
‫‪-‬ر‪-‬‬
‫رأس الطيب‪.21:‬‬
‫رأس العني‪241.-101:‬‬
‫روتليوس‪.64:‬‬

‫‪227‬‬
‫فهرس األماكن واألعالم‬

‫روستوفتزاف‪.110:‬‬
‫روسيكادا‪-‬سكيكدة‪.14:-‬‬
‫روما‪ :‬ك‪-144-11-10-16-01-04-44-44-16-14-61-61-64-62-64-01-01-00-01-00-‬‬
‫‪-244-111-111-116-110-114-101-101-106-141-110-161-161-161-141-140‬‬
‫‪.241‬‬
‫رمادة‪.101-104-141:‬‬
‫رومانيا‪.114-161-41 :‬‬
‫رونيه‪.104-126-114:‬‬
‫‪-‬ز‪-‬‬
‫زاان‪.242:‬‬
‫زاما رجييا‪.114:‬‬
‫زراي‪.244-112-110-101-106-144-06-02:‬‬
‫زلة‪.101:‬‬
‫زنينة‪.106:‬‬
‫‪-‬س‪-‬‬
‫ساردس‪.41:‬‬
‫ساقية بنت كراس‪.112:‬‬
‫سالوستيوس‪.11:‬‬
‫سبتميوس سيفريوس‪.111-111-111-104-101-141-146-14-16-04-06-02-14:‬‬
‫سبتميوس فلكوس‪.61:‬‬
‫ستجرمن‪.116:‬‬
‫سدراتة‪.161:‬‬
‫سدوري‪.110-101-106:‬‬
‫سردينيا‪.41:‬‬
‫سرفكيوس‪.21:‬‬
‫سطيف‪.114-141-160:‬‬

‫‪228‬‬
‫فهرس األماكن واألعالم‬

‫سفديوس‪.21:‬‬
‫سكتوس بومبيوس‪.20:‬‬
‫سكيبيوا اميليانوس‪.11:‬‬
‫سلنوس‪.06:‬‬
‫سلوفينيا‪.110:‬‬
‫سليو ‪.66:‬‬
‫سوراي‪.106-111-112-162-06-00-41-44-66-26-20 :‬‬
‫سوق اهراس‪.161-162-66-64:‬‬
‫سوليوس فلكوس‪.66:‬‬
‫سنسنتوس‪.11:‬‬
‫سويتون‪.141:‬‬
‫سشرتمن‪.116:‬‬
‫سيان‪.01:‬‬
‫سيبيون‪.04:‬‬
‫سيتيوس‪.14:‬‬
‫سيدي حسني‪.111:‬‬
‫سيدي حممد بن عيسى‪.241-101:‬‬
‫سيفرييوس ألكسندر‪.41-11:‬‬
‫سيفيليس‪.111:‬‬
‫سيوان‪.06:‬‬
‫سريميو ‪.110:‬‬
‫سيدي مسكني‪.04:‬‬
‫سريات‪-111-111-101-161-160-162-114-11-14-14-10-66-61-64-00-01-04-21 :‬‬
‫‪.244‬‬
‫سي عون‪.241-101-141:‬‬
‫مسربينوس أتراتينوس‪.20:‬‬

‫‪229‬‬
‫فهرس األماكن واألعالم‬

‫سيوس‪.61:‬‬
‫سيم‪.61:‬‬
‫‪-‬ش‪-‬‬
‫شرشار‪.11:‬‬
‫شرشال‪ :‬ج‪.‬‬
‫شط اجلريد‪.141:‬‬
‫مشرة‪.11:‬‬
‫شط ملغيغ‪ :‬ه‪.110-114-160-164-12-11-‬‬
‫شولو‪.14:‬‬
‫‪-‬ص‪-‬‬
‫صربيا‪.110:‬‬
‫صفاقس‪.01-04:‬‬
‫صقلية‪ :‬أ‪.‬‬
‫‪-‬ط‪-‬‬
‫طربقة‪.14-01 :‬‬
‫طبنة‪.114-104-100-141-110-160 :‬‬
‫طنجة‪.142:‬‬
‫طولقة‪.110:‬‬

‫‪-‬ع‪-‬‬
‫عمور‪.104-100:‬‬
‫عني الريش‪.241-101-100-101:‬‬
‫عني الزوي‪.111-101-161-00-01:‬‬
‫عني العفينة‪.241-101:‬‬
‫عني الكرمة‪.162:‬‬
‫عني بوبنانة‪.120-141:‬‬

‫‪230‬‬
‫فهرس األماكن واألعالم‬

‫عني درين‪.120-111-141-14-10:‬‬
‫عني زانة‪.114:‬‬
‫عني فوة‪.162:‬‬
‫عني ويف‪.241-101:‬‬
‫‪-‬غ‪-‬‬
‫غاث‪.140:‬‬
‫غدامس‪.241-110-101-141-141:‬‬
‫غرايت الشرقية‪.241-101:‬‬
‫غرايت الغربية‪.241-111-100-101-104-140:‬‬
‫غريزة‪.240-112--101:‬‬
‫‪-‬ف‪-‬‬
‫فابيوس كاتولنوس‪.121:‬‬
‫فاريوس أمببيلوس‪.110:‬‬
‫فاريوس كلمنس‪.110:‬‬
‫فاسباسيانوس‪.164-126-01-41-66-61-64-01-00-01-21-11 :‬‬
‫فالريوس فستوس‪.01:‬‬
‫فالرياينوس‪.110-111:‬‬
‫فراينة‪.161-21:‬‬
‫فزان‪.111-100-140-141:‬‬
‫فاليف‪.04:‬‬
‫فالفيوس‪.21:‬‬
‫فالفيوس سوبر‪.100:‬‬
‫فالفيوس‪.44:‬‬
‫فلريوس فستوس‪.01:‬‬
‫فلريوس إتروسكوس‪.110:‬‬
‫فلوبليس‪.111:‬‬

‫‪231‬‬
‫فهرس األماكن واألعالم‬

‫فوليوس رفوس‪.164:‬‬
‫فيتلوس‪.04-01:‬‬
‫فندكس‪.04:‬‬
‫فيجل‪.26:‬‬
‫فيبيوس مارسوس‪.02:‬‬
‫فيجيتيوس‪ :‬ك‪.41-14-16-12-14-21-‬‬
‫‪-‬ق‪-‬‬
‫قابس‪.112-111-101-102-101-104-161-64-02-04-21 :‬‬
‫قرب أ علي‪.06:‬‬
‫قصر دويب‪.101:‬‬
‫قصر الكلب‪.166:‬‬
‫قصر زرزي‪.241-101:‬‬
‫قصر سيدي احلاج‪.101:‬‬
‫قصر طربية‪.141:‬‬
‫قصر غيالن‪.241-101-104-141:‬‬
‫قرطاج‪ :‬ج‪-‬ح‪-‬ك‪-112-101-111-110-162-142-11-11-01-04-41-62-00-06-24-11-‬‬
‫‪.111-111-111-110‬‬
‫قرع الطارف‪.11:‬‬
‫قزال‪.121-14-11:‬‬
‫قصبايت‪.162:‬‬
‫قفصة‪.114-111-111-100-164-166-06-44-21-21 :‬‬
‫قودي‪.111-114:‬‬
‫قوريون‪.11:‬‬
‫‪-‬ك‪-‬‬
‫كابليانوس‪.111-116-110-111:‬‬
‫كاليقوال‪ :‬ح‪-‬ي‪.241-244-141-140-14-40-60-04-01-06-00-11-‬‬

‫‪232‬‬
‫فهرس األماكن واألعالم‬

‫متليوس سكندوس‪.141:‬‬
‫كارنوس‪.11:‬‬
‫كاسيوس‪ :‬ي‪.16-‬‬
‫كاف الناجي‪.101:‬‬
‫كامبانيا‪.41:‬‬
‫كامبس‪.11-16:‬‬
‫كانيا‪ :‬ك‪.111-106-121-120- 21-‬‬
‫كايوس ماريوس‪.41:‬‬
‫كايوس ماسلنوس‪.141:‬‬
‫كربوسيا‪.120-110:‬‬
‫كركال‪.116-101-101-104-140-04-41-61 :‬‬
‫كلوديوس جورداينوس‪-140:‬‬
‫كوترنينوس‪-20:‬‬
‫كوسيليوس‪-62:‬‬
‫كوليوس أبتلوس‪-61:‬‬
‫كومديوس‪.111-141-141-141-110-140-11:‬‬
‫كنرتيل‪.00:‬‬
‫كنكاري‪.141:‬‬
‫كالوديوس ماسر‪ :‬د‪-‬ح‪.01-00-04-‬‬
‫كورنليوس‪.21:‬‬
‫كلبورنيوس‪.41:‬‬
‫كلودي‪.04:‬‬
‫كيليكية‪.41:‬‬
‫كيسيليوس‪.24:‬‬
‫كيسلينوس‪.64:‬‬
‫‪-‬ل‪-‬‬

‫‪233‬‬
‫فهرس األماكن واألعالم‬

‫السار‪.20:‬‬
‫لبدة‪ :‬أ‪-‬ج‪-‬ه‪.241-114-116-101-102-101-141-10-64-01-00-06-01-20-‬‬
‫ملباز‪ :‬أ‪-‬ب‪-‬ج‪-‬د‪-‬ه‪-‬و‪-‬ح‪-‬ط‪-‬ي‪-‬ل‪-46-40-42-41-44-10-11-16-10-12-61-66-61-20- -‬‬
‫‪-144-11-10-14-11-10-12-11-14-11-11-14-11-16-10-12-01-04-01-04-41-40‬‬
‫‪-111-111-110-111-116-110-112-111-114-141-141-140-144-141-140-142‬‬
‫‪-112-114-161-160-164-166-160-101-101-104-100-121-120-121-126-124‬‬
‫‪-112-114-111-114-101-101-140-140-142-144-111-111-110-114-111-116‬‬
‫‪.241-246-240-240-242-241-110-111-116-110‬‬
‫ملربديس‪-‬البيار‪.11:-‬‬
‫ملربيدي‪.116-161-01:‬‬
‫ملسوريت‪-110:‬‬
‫ملقي‪-116:‬‬
‫لوبو هيك‪ :‬ل‪. -‬‬
‫لوزيتانيا‪.00-41-26 :‬‬
‫لوشي‪.111-110:‬‬
‫لوقلي‪.62:‬‬
‫لوطاية‪.114:‬‬
‫لوكيوس فروس‪.141:‬‬
‫لوكيوس قالوس‪.161:‬‬
‫ليبيا‪ :‬ه‪.104-141-140-10-12-66-01-21-21-21-‬‬
‫ليون‪.111-44-61:‬‬
‫‪--‬‬
‫ماتسيوس‪.141:‬‬
‫مارك أورال‪.111-144-164-112-141-141:‬‬
‫ماركوس‪.04:‬‬
‫مازيبا‪.04:‬‬
‫ماسينيسا‪.10-14-01:‬‬

‫‪234‬‬
‫فهرس األماكن واألعالم‬

‫ماكسميانوس‪.14:‬‬
‫ماكسيمينيوس الرتاقي‪.114-111-116-110:‬‬
‫مانليوس‪.41:‬‬
‫متماتة‪.104-141-141:‬‬
‫مداوروش‪-‬سدراتة‪.114-161-161-01-66-21-21:-‬‬
‫مركونة‪.242-114-110-11-10-16-10-16-01:‬‬
‫مروانة‪.242-112-114-114-161 :‬‬
‫مسرفلة‪.101:‬‬
‫مسعد‪ :‬ه‪.240-241-111-110-116-101-106-100-06-‬‬
‫مشيعب‪.101:‬‬
‫مصر‪.241-140-141-14-12-00-06-44:‬‬
‫مقدونيا‪-20:‬‬
‫مكثر‪-‬مشتو‪.112-06-04-21 :‬‬
‫مكيبسا‪.14:‬‬
‫مالب‪.104:‬‬
‫مليلي‪.100-112 :‬‬
‫مومسن‪.126-40-44-42-11-11-04-26 :‬‬
‫منعة‪.101:‬‬
‫موات‪.04:‬‬
‫موريطانيا‪ :‬د‪-114-166-160-161-120-114-14-01-00-01-42-01-00-20-21-24-11-11-‬‬
‫‪.246-240-242-111-111-111-110-111-101-141-144-111-110-114-111-112‬‬
‫موسيا السفلية‪.40:‬‬
‫مونتيوس‪61:‬‬
‫مونسيوس نتاليس‪.161-164:‬‬
‫ميلة‪.244-162-14:‬‬
‫‪-‬ن‪-‬‬

‫‪235‬‬
‫فهرس األماكن واألعالم‬

‫نبوكا‪.41:‬‬
‫نفزاوي‪.101:‬‬
‫نقرين‪.164-161-111 :‬‬
‫نقاوس‪.161:‬‬
‫نوفيوس كرسبنوس‪.111:‬‬
‫نومارينوس‪.11:‬‬
‫نوميداي‪ :‬أ‪-‬ب‪-‬ه‪-‬و‪-‬ط‪-‬ي‪-‬ل‪-40-40-61-61-66-64-00-04-04-21-26-21-24-11-11- -‬‬
‫‪-162-121-110-112-141-140-12-11-11-10-14-16-00-04-01-06-00-01-41-41‬‬
‫‪-112-101-100-104-101-100-140-141-111-111-114-111-116-114-161-166‬‬
‫‪-240-242-241-244-111-110-114-111-116-110-111-114-111-111-110-116‬‬
‫‪.246‬‬
‫نريفا‪.160-162-44:‬‬
‫نريون‪.06-04:‬‬
‫نيف النسر‪.11:‬‬
‫‪-‬و‪-‬‬
‫ويلمانس‪.126-11-21 :‬‬
‫‪-‬و‪-‬‬
‫وادي العبدي‪.11 :‬‬
‫وادي العرب‪.114-111-166-11:‬‬
‫وادي الساحل‪-‬الصوما ‪.14:-‬‬
‫وادي املثول‪-‬املالق‪.01-04:-‬‬
‫وادي ابجيدا‪.01:‬‬
‫وادي بوخبوزن‪.111-110-112:‬‬
‫وادي تقوسرين‪.110:‬‬
‫وادي جدي‪.100:‬‬
‫وادي جمردة‪.62 :‬‬
‫وادي نشاب‪.146:‬‬

‫‪236‬‬
‫فهرس األماكن واألعالم‬

‫‪-‬ه‪-‬‬
‫هادراينوس‪-111-116-114-112-102-120-126-114-110-142-01-06-41-40-44-14-61:‬‬
‫‪.241-104-140-114‬‬
‫هرقل‪.12:‬‬
‫هنشري اهلجار‪.141:‬‬
‫هنشري توشني‪.110-162 :‬‬
‫هنشري سلوين‪-111:‬‬
‫هنشري طينة‪-10:‬‬
‫هنشري كرنفري‪-101:‬‬
‫هنشري مداينة‪-240-111-102:‬‬
‫هنشري مغرين‪.141:‬‬
‫هيبون‪-‬عنابة‪.62-06:-‬‬
‫هريودوت‪.12:‬‬
‫‪-‬ي‪-‬‬
‫يواب االول‪.11:‬‬
‫يواب الثاين‪.01:‬‬
‫ايبوس‪ :‬ه‪-‬‬
‫يوغرطة‪.14-12-04:‬‬
‫يوليوس‪.44:‬‬
‫يوليوس‪.21:‬‬
‫يوليوس‪-‬لقب‪.62:-‬‬
‫يوليوس مرتنوس‪.61:‬‬
‫يوليو أيلوريوس‪.104:‬‬
‫يولياي‪.20 :‬‬
‫يويل‪.04 :‬‬
‫يوليوس قيصر‪.244-114-14-26-20-11:‬‬

‫‪237‬‬
‫فهرس الشعوب والقبائل واألسر احلاكمة‬

‫فهرس الشعوب والقبائل واألسر احلاكمة‪.‬‬

‫‪-‬أ‪-‬‬

‫األثيوبيني‪ :‬ب‪.61-66-‬‬

‫اإلسبان‪.06-00-44-01-24:‬‬

‫األرمن‪.12 :‬‬

‫األفارقة‪.141-12-00-04-41-41-40-01-21- 26:‬‬

‫األنتونيني‪ :‬د‪-‬ط‪.242-241-244-114-111-111-144-160-164-61-21-‬‬

‫اإليطاليني‪.40-44:‬‬

‫‪-‬ب‪-‬‬

‫البانونية‪.106-00-06-02-21-26:‬‬

‫البقواط‪.111-110-101-111-112-111- :‬‬

‫البارثي‪.100-144-11 :‬‬

‫البسيل‪.40:‬‬

‫البونيقيني‪.10:‬‬

‫‪-‬ت‪-‬‬

‫التدمرية‪.04-00-44-20 :‬‬

‫التسبننس‪.161 :‬‬

‫‪-‬ج‪-‬‬

‫اجلورديون‪.110 :‬‬

‫اجليتول‪.114-111-161-114-12-61-21-20:‬‬

‫‪238‬‬
‫فهرس الشعوب والقبائل واألسر احلاكمة‬

‫‪-‬ح‪-‬‬

‫احلمصية‪.00-26-20 :‬‬

‫احليثيون‪.6 :‬‬

‫‪-‬خ‪-‬‬

‫اخللقدونية‪.116-110-06-00-02-26:‬‬

‫‪-‬ز‪-‬‬

‫زموشي‪.141 :‬‬

‫‪-‬س‪-‬‬

‫السبنس‪.64 :‬‬

‫السوبربور‪.114 :‬‬

‫السورية‪.106-00-26-20:‬‬

‫السوبربور‪.64 :‬‬

‫السيفرييني‪ :‬د‪-‬ط‪-111-111-112-101-100-141-141-141-140-141-100-44-64-62-‬‬
‫‪.241-116-114‬‬

‫‪-‬ش‪-‬‬

‫الشاوية‪.14 :‬‬

‫‪-‬غ‪-‬‬

‫الغرامنت‪.111-111-61-66-64-01-21:‬‬

‫الغاليني‪.111-44:‬‬

‫‪-‬ف‪-‬‬

‫الفالفية‪ :‬د‪-‬ح‪.244-111-161-164-06-40-66-64-01-01- -‬‬

‫الفرس‪.12 :‬‬

‫‪239‬‬
‫فهرس الشعوب والقبائل واألسر احلاكمة‬

‫الفوفرسنس‪.64 :‬‬

‫الفينقيني‪.10:‬‬

‫‪-‬ق‪-‬‬

‫القرطاجيون‪.64:‬‬

‫‪-‬ك‪-‬‬

‫الكينثيني‪.111-01 :‬‬

‫‪-‬ن‪-‬‬

‫النسامني‪.64-61-66 :‬‬

‫النسيف‪.64 :‬‬

‫‪-‬ل‪-‬‬

‫الليبية‪.10-12-04-04-21-21 :‬‬

‫اللوزيتانية‪.06-00-26:‬‬

‫‪--‬‬

‫املازيس‪.142-141 :‬‬

‫املودوسيويف‪.141 :‬‬

‫املور‪.242-111-141-144-114-111-164-146-06-00-01-21-21 :‬‬

‫املوزوالمي‪.111-110-111-111-111-160-162-10-66-61-01-01-04-21-21-20:‬‬

‫امليديني‪.12:‬‬

‫املودوسيوي‪.61 :‬‬

‫‪-‬ن‪-‬‬

‫النوميدية‪.11-11-06-02-04-64-01-04-26 :‬‬

‫‪-‬ي‪-‬‬

‫اليوليوكالودية‪ :‬د‪.04-11-‬‬

‫‪240‬‬
‫فهرس اخلرائط واجلداول‬

‫فهرس اخلرائط‪:‬‬

‫الصفحة‬ ‫العنوان‬ ‫الرقم‬


‫‪10‬‬ ‫املخطط العام للمعسكر الروماين‪.‬‬ ‫‪10‬‬
‫‪04‬‬ ‫املخطط التفصيلي للمعسكر الروماين‪.‬‬ ‫‪14‬‬
‫‪44‬‬ ‫مرافق ومنشآت مدينة حيدرة‪.‬‬ ‫‪16‬‬
‫مناطق إقامة الفرقة األوغسطية الثالثة واملقاطعات الرومانية ي مشال ‪64‬‬ ‫‪16‬‬
‫إفريقيا‪.‬‬
‫‪80‬‬ ‫املخطط العام جلغرافية ومنشآت مدينة ملباز‪.‬‬ ‫‪10‬‬
‫‪96‬‬ ‫املخطط التفصيلي ملنشآت ومباين مدينة ملباز‪.‬‬ ‫‪14‬‬
‫‪90‬‬ ‫املخطط العام ملنشآت املدينة العلوية للمباز‪.‬‬ ‫‪10‬‬
‫‪010‬‬ ‫املخطط التفصيلي ملعبد اإلسقيلييبوس‪.‬‬ ‫‪18‬‬
‫‪018‬‬ ‫املعابد والطرق ي املدينة العلوية للمباز‪.‬‬ ‫‪19‬‬
‫‪000‬‬ ‫املخطط العام للمعسكر الشرقي ي ملباز‪.‬‬ ‫‪01‬‬
‫‪044‬‬ ‫خمطط املعسكر الغريب للمباز‪.‬‬ ‫‪00‬‬
‫‪066‬‬ ‫املخطط التفصيلي ملرافق ومنشآت املعسكر الكب ر ي ملباز‪.‬‬ ‫‪04‬‬
‫‪060‬‬ ‫تطويق الكتلة األوراسية ابلطرق واملراكز العسكرية التابعة للفرقة‬ ‫‪06‬‬
‫االوغسطية الثالثة‪.‬‬
‫‪068‬‬ ‫الفرقة األوغسطية الثالثة والنظام الدفاعي لألوراس‪.‬‬ ‫‪06‬‬
‫‪004‬‬ ‫الفرقة األوغسطية الثالثة والنظام الدفاعي جلنوب وصحراء‬ ‫‪00‬‬
‫نوميداي‪.‬‬
‫‪040‬‬ ‫الفرقة االوغسطية الثالثة والنظام الدفاعي لطرابلس الشرقية‬ ‫‪04‬‬
‫وجنوب تونس احلالية‪.‬‬
‫‪049‬‬ ‫الفرقة االوغسطية الثالثة والنظام الدفاعي لطرابلس الغربية‪.‬‬ ‫‪00‬‬

‫‪241‬‬
‫فهرس احملتويات‬

‫فهرس املحتوى‪:‬‬
‫الصفحة‬ ‫احملتوى‬
‫املقدمة‪ ..............................................................................‬أ‪-‬ل‬
‫املدخل‪13-2 ..............................................................................‬‬
‫‪66-11‬‬ ‫الفصل األول‪ :‬الفرقة االوغسطية الثالثة منذ أتسيسها حىت األسرة الفالفية‪................ :‬‬
‫املبحث االول‪ :‬التاريخ احلريب للفرقة من التأسيس حىت سنة‪31-16 .........................: 69‬‬
‫‪46-12‬‬ ‫أوال‪ :‬الفرقة يف عهد األسرة اليوليوكالودية (‪72‬ق‪............................ ) 96- .‬‬
‫‪12‬‬ ‫‪-1‬السياق العا لظهور الفرقة يف إفريقيا‪.... .......................... :‬‬
‫‪23‬‬ ‫‪-7‬الفرقة يف حيدرة‪................................................. :‬‬
‫‪26‬‬ ‫‪-3‬الفرقة وثورة اتكفاريناس‪......................................... :‬‬
‫‪42‬‬ ‫‪-4‬الفرقة يف عهد كاليقوال (‪.............................. :) 74-12‬‬
‫‪41‬‬ ‫‪-5‬الفرقة وأزمة ‪.......................................... : 96-96‬‬
‫اثنيا‪ :‬الفرقة يف عهد األسرة الفالفية (‪31-42 ...................................... ) 69-96‬‬
‫‪46‬‬ ‫‪-1‬الفرقة يف تبسة‪................................................... :‬‬
‫‪34‬‬ ‫‪-7‬اكتشافات الفرقة يف عمق القارة اإلفريقية‪......................... :‬‬
‫‪71-37‬‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬آليات التجنيد والفرق املساعدة‪................ :‬‬
‫‪36‬‬ ‫‪-1‬آليات التجنيد‪....................................................‬‬
‫‪36‬‬ ‫أ‪-‬داخل الفرقة‪..................................................... :‬‬
‫‪12‬‬ ‫ب‪-‬الكتائب املساعدة‪............................................... :‬‬
‫‪11‬‬ ‫‪-7‬الفرق املساعدة للفرقة‪............................................ :‬‬
‫‪-3‬اخلدمات اإلدارية والعسكرية املقدمة للجنود‪12 ......................... :‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬الوظائف والرتب العسكرية داخل الفرقة األوغسطية االثالثة‪66-71 .................‬‬
‫‪72‬‬ ‫‪-1‬القائد‪.......................................................... :‬‬
‫‪73‬‬ ‫‪-7‬القضاة العسكريون‪.............................................‬‬
‫‪76‬‬ ‫‪-3‬حاكم املعسكر‪..................................... :‬‬
‫‪-4‬قادة املائة‪ ،‬قادة العشرة‪ ،‬املالزمني‪ ،‬اجملندين‪61 ............................‬‬
‫‪67‬‬ ‫‪-5‬املصاحل املساعدة‪..................................................‬‬

‫‪242‬‬
‫فهرس احملتويات‬

‫الفصل الثاين‪ :‬ملباز املدينة واملعسكر‪143-62 ...................................................:‬‬


‫املبحث األول‪ :‬اإلطار التارخيي والطبيعي ملدينة ملباز‪61-66 .....................................:‬‬
‫‪21‬‬ ‫‪-1‬اإلطار اجلغرايف للمنطقة‪...............................................:‬‬
‫‪22‬‬ ‫‪-7‬اترخيية ملباز واملنطقة‪..................................................:‬‬
‫‪21‬‬ ‫‪-3‬موقع وجغرافية ملباز‪..................................................:‬‬
‫‪111-61‬‬ ‫املبحث الثاين‪:‬منشآت ومباين مدينة ملباز‪..............................................:‬‬
‫‪63‬‬ ‫‪ - I‬املدينة العلوية‪.......................................................:‬‬
‫‪67‬‬ ‫‪ .1‬الكابتول واملعبد اجملهول‪.............................................:‬‬
‫‪ .7‬االسقيليبيوس‪62 .......................................................:‬‬
‫‪66‬‬ ‫‪-3‬معبد االسقيليبيوس‪.................................................:‬‬
‫‪113‬‬ ‫‪-4‬نصب طريق سبتميان‪..............................................:‬‬
‫‪ - II‬السهل‪116 ........................................................:‬‬
‫أ‪ -‬املعسكر الفيلقي‪116 ................................................:‬‬
‫‪116‬‬ ‫ب‪ -‬شارع املعسكر‪...............................................:‬‬
‫‪111‬‬ ‫ج‪ -‬املدرج‪.......................................................:‬‬
‫‪111‬‬ ‫د‪-‬عمود هادراينوس‪...............................................:‬‬
‫‪111‬‬ ‫هـ‪ -‬مقابر املدينة‪....................................................:‬‬
‫املبحث الثالث‪:‬معسكرات املدينة‪143-112 .....................................................:‬‬
‫‪113‬‬ ‫‪-1‬املعسكر الشرقي‪...................................................:‬‬
‫‪121‬‬ ‫‪-7‬املعسكر الغريب‪................................................:‬‬
‫‪-3‬املعسكر الكبري‪124 ................................................:‬‬
‫‪163-141‬‬ ‫الفصل الثالث‪:‬الفرقة االوغسطية الثالثة يف ملباز‪........................................:‬‬
‫‪112-147‬‬ ‫املبحث االول‪:‬الفرقة يف عهد االسرة االنتونية(‪.............................) 167-69‬‬
‫‪131‬‬ ‫‪-1‬الفرقة يف عهد ترااينوس(‪..........................:) 112-66‬‬
‫‪137‬‬ ‫‪-7‬الفرقة زمن هادراينوس(‪........................:) 136-112‬‬
‫‪114‬‬ ‫‪-3‬الفرقة يف عهد انطونيوس بيوس(‪................:) 191-136‬‬
‫‪116‬‬ ‫‪ -4‬الفرقة يف عهد كومودوس(‪....................:) 163-161‬‬
‫‪167-116‬‬ ‫املبحث الثاين‪:‬الفرقة يف العهد السيفريي(‪...............................:) 735-163‬‬

‫‪243‬‬
‫فهرس احملتويات‬

‫‪171‬‬ ‫‪-1‬الفرقة يف عهد سبتميوس سيفروس(‪.............:) 711-163‬‬


‫‪163‬‬ ‫‪-7‬الفرقة يف عهد كركال واسكندر سفريوس(‪.......:) 735-717‬‬
‫املبحث الثالث‪:‬حل الفرقة وأتثرياهتا يف خمتلف األصعدة‪163-166 .................................:‬‬
‫‪162‬‬ ‫‪-1‬أزمة‪..................................................: 736‬‬
‫‪121‬‬ ‫‪-7‬حل الفرقة‪...................................................:‬‬
‫‪123‬‬ ‫‪-3‬عودة الفرقة ‪..................................................‬‬
‫‪121‬‬ ‫‪- 4‬األمهية واآلاثر‪...............................................:‬‬
‫‪121‬‬ ‫أ‪-‬السياسية والعسكرية‪.......................:‬‬
‫‪126‬‬ ‫ب‪-‬االقتصادية‪...............................:‬‬
‫‪161‬‬ ‫ج‪-‬االجتماعية‪...............................:‬‬
‫‪164‬‬ ‫د‪ -‬الثقافية والروحانية‪........................:‬‬
‫اخلامتة‪212-161 ..............................................................................:‬‬
‫‪211-214‬‬ ‫املالحق‪..........................................................................:‬‬
‫‪213‬‬ ‫امللحق رقم ‪ :41‬القادة ‪-‬الليقـاتوس‪-‬املعروفني للفرقـة األوغطسـية الثالثة‪.......‬‬
‫‪216‬‬ ‫امللحق رقم ‪ :42‬األقـواس الشرفـيـة يف "مل ـبـاز" ‪. .......................‬‬
‫‪212‬‬ ‫امللحق رقم ‪ :40‬صور من بعض منشآت املدينة العلوية‪.............................‬‬
‫‪216‬‬ ‫امللحق رقم ‪ :46‬صور من بعض منشأت املعسكر الكبري‪............................‬‬
‫‪211‬‬ ‫امللحق رقم‪ :41‬صور من بعض منشآت ملباز‪......................................‬‬
‫امللحق رقم ‪ :44‬الرسم التقرييب ملدينة ملباز مبختلف منشآهتا ومرافقها يف العهد الروماين‪211 ...‬‬

‫‪212-212‬‬ ‫البيبلوغرافيا‪....................................................................... .‬‬


‫أوال‪ :‬املصادر‪214 .........................................................................‬‬
‫‪214‬‬ ‫‪-1‬املصادر األدبية‪................................................................ :‬‬
‫‪214‬‬ ‫‪-7‬املصادر املادية واألثرية‪........................................................... :‬‬
‫‪214‬‬ ‫اثنيا‪ :‬املراجع‪....................................................................... :‬‬
‫أ‪-‬املراجع ابللغة العربية‪214 ............................................................... :‬‬
‫‪213‬‬ ‫ب‪-‬الرسائل اجلامعية‪............................................................... :‬‬
‫ج‪-‬املراجع األجنبية‪213 ................................................................. :‬‬
‫‪213‬‬ ‫‪-‬املؤلفات‪........................................................................ :‬‬

‫‪244‬‬
‫فهرس احملتويات‬

‫‪211‬‬ ‫‪-‬الدورايت (املقاالت)‪.......................................................... :‬‬


‫ج‪-‬املواقع على الشبكة العنكبوتية (االنرتنيت)‪212 .......................................... :‬‬
‫الفهارس‪231-216 ........................................................................... :‬‬
‫أوال‪ :‬فهرس األعال واألماكن‪246-221 ........................................................ :‬‬
‫‪231-242‬‬ ‫اثنيا‪ :‬الشعوب والقبائل واألسر احلاكمة ‪.............................................‬‬
‫‪231‬‬ ‫اثلثا‪ :‬فهرس اخلرائط‪.................................................................‬‬
‫‪231-232‬‬ ‫رابعا‪ :‬فهرس احملتو‪.................................................................،‬‬

‫‪245‬‬

‫‪View publication stats‬‬

You might also like