Professional Documents
Culture Documents
األدبية
إعجاز القرءان:
اإلعجاز الفني
أمير الفكر وحسن الحكيم وأليف خوارزمي
)PISMP 6.02 (BA
سورة الحاقة37-13 :
ور نَ ْف َخة َوا ِحدَة (َ )13و ُح ِملَ ِ
ت • ِلنَ ْجعَلَ َها لَ ُك ْم ت َ ْذ ِك َرة َوت َ ِعيَ َها أُذُن َوا ِعيَة ( )12فَ ِإذَا نُ ِف َخ ِفي ال ُّ
ص ِ
س َما ُء فَ ِه َي يَ ْو َم ِئذ ت ا ْل َواقِعَةُ (َ )15وا ْن َ
شقَّ ِ
ت ال َّ احدَة ( )14فَيَ ْو َمئِذ َوقَعَ ِ ْاْل َ ْر ُ
ض َوا ْل ِجبَا ُل فَ ُد َّكتَا َدكَّة َو ِ
ض َ
ون علَى أ َ ْر َجائِ َها َويَ ْح ِم ُل ع َْر َ
ش َر ِبِّ َك فَ ْوقَ ُه ْم يَ ْو َمئِذ ث َ َما ِنيَة ( )17يَ ْو َمئِذ ت ُ ْع َر ُ َوا ِهيَة (َ )16وا ْل َملَكُ َ
َل ت َ ْخفَى ِم ْن ُك ْم َخافِيَة ( )18فَأ َ َّما َم ْن أُوتِ َي ِكتَابَهُ ِبيَ ِمينِ ِه فَيَقُو ُل َها ُؤ ُم ا ْق َر ُءوا ِكتَا ِبيَ ْه ( )19إِنِِّي َظنَ ْنتُ
طوفُ َها دَا ِنيَة ()23 اضيَة (ِ )21في َجنَّة عَا ِل َية ( )22قُ ُ سا ِبيَ ْه ( )20فَ ُه َو ِفي ِعيشَة َر ِ أ َ ِنِّي ُم ََلق ِح َ
سلَ ْفت ُ ْم ِفي ْاْلَيَّ ِام ا ْل َخا ِليَ ِة (َ )24وأ َ َّما َم ْن أُوتِ َي ِكتَابَهُ ِب ِ
ش َما ِل ِه فَيَقُو ُل يَا ُكلُوا َواش َْربُوا َه ِنيئا ِب َما أ َ ْ
ع ِنِّياضيَةَ (َ )27ما أ َ ْغنَى َ ت ا ْلقَ ِ لَ ْيتَنِي لَ ْم أُوتَ ِكتَا ِبيَ ْه (َ )25ولَ ْم أَد ِْر َما ِح َ
سا ِبيَ ْه ( )26يَا لَ ْيت َ َها كَانَ ِ
سلَة س ْل َطانِيَ ْه (ُ )29خذُوهُ فَغُلُّوهُ ( )30ث ُ َّم ا ْل َج ِحي َم َ
صلُّوهُ ( )31ث ُ َّم فِي ِ
س ْل ِ َما ِليَ ْه (َ )28هلَ َك َ
ع ِنِّي ُ
علَى َطعَ ِام ض َ اَلل ا ْلعَ ِظ ِيم (َ )33و َل َي ُح ُّ سلُكُو ُه (ِ )32إنَّهُ ك َ
َان َل يُ ْؤ ِم ُن ِب َّ ِ ون ِذ َراعا فَا ْ س ْبعُ َ
ع َها َذَ ْر ُ
تسميتها
• سميت سورة الحاقة ،الفتتاحها باالستفهام عنها ،تفخيما
لشأنها وتعظيما لهولها ،و (الحاقة) اسم من أسماء يوم
القيامة ،ألن فيها يتحقق الوعد والوعيد ،ولهذا عظم هللا
أمرها بالسؤال عنها ،أو هي الساعة الواجبة الوقوع ،الثابتة
المجيء ،التي هي آتية ال ريب فيها.
سبب النزول
• روى ابن ابي حاتم وابن جرير عن مكحول مرسال قال :لما نزل
على رسول هللا (ص) (( :وتعيها أذن واعية )) قال رسول هللا(ص)
(( :سألت ربي أن يجعلها أذن علي)) قال مكحول :فكان علي
يقول :ما سمعت من رسول هللا (ص) شيئا قط ،فنسيته .وأما خبر
بريدة في أن اآلية نزلت بسبب علي رضي هللا عنه فهو غير
صحيح.
ما اشتملت عليه
السورة
• هذه السورة كغيرها من السور المكية التي عنيت بأصول العقيدة ،وتحدثت
عن أهوال القيامة ،وصدق الوحى ،وكون القرآن كالم هللا ،وتبرئة
الرسول من افتراءات الكفار واتهامات الضالين.
• بدئت بتفخيم شأن القيامة وتعظيم هولها ،وتكذيب األقوام السابقة بها ،مثل
ثمود ،وعاد ،وقوم لوط ،وفرعون وأتباعه ،وقوم النوه وإهالكهم بسبب
تكذيبهم بها وتكذيب رسلهم( ،من أول سورة إلى قوله تعالى ((أُذُن َٰ َو ِعيَة))
ما اشتملت عليه
السورة
• ثم وصفت وقائع عذاب اآلخرة جزءا على إنكاره في الدنيا في
ور ن َۡف َخة َٰ َو ِحدَة ١٣إلى ( َال ت َ ۡخفَ َٰى ِمن ُك ۡم
ص ِقوله تعلى :فَإِذَا نُ ِف َخ فِي ٱل ُّ
خَافِيَة)
• ثم أقسم رب العزة قسما بليغا على صدق الوحى والقرآن وأنه كالم
هللا المنزل على قلب رسول ،وأنه ليس بقول شاعر وال كاهن :
ۡ َٰ َ ُۡ َ ا ُۡ
اإلعجاز الفني
• ففي هذه اآليات الكريمات صورة فنية رائعة ،ممتدة األبعاد ،فسيحة األركان ،مترامية
األطراف ،متعددة الظالل واأللوان ،تجمع في إطار واحد أحداثا قوية مثيرة ،تصل ما
بين آخر أيام الدنيا ،وأول أيام اآلخرة.
• يبدأ المشهد القرآني بالنفخ في الصور (البوق) و َح ْمل األرض والجبال ،ود َّكها دكة
واحدة ،و(الدَّك) هو الدق والكسر .ثم يتبع ذلك تشقق السماء وتصدعها ،ووقوف
المالئكة على أطراف السماء ونواحيها ،ونصب الموازين للعرض والحساب ،وتكون
النتيجة انقسام الناس إلى فريقين :فريق في الجنة ،وفريق في السعير.
اإلعجاز الفني
• والمتأمل في آيات هذا المشهد القرآني يجد فيه العديد من الخصائص الفنية ،نقتصر هنا على
خاصية واحدة ،وهي خاصية إحاطة كل مشهد من مشاهد هذا الحدث بإطار من العبارة
سقة ،على نحو يوحي بالجو الشعوري السائد فيه .ونبسط القول في ذلك بعض الشيء
المن َّ
بالوقوف على هذه المشاهد الثالثة:
• المشهد األول :مشهد االنقالب الهائل المدمر ،الذي تتحول فيه الصورة بين لحظة وأخرى من
النقيض إلى النقيض ..هذا االنقالب المدمر الذي يصوره هذا المشهد يقع في جو من الشعور
بالشدة والسرعة والحسم ،الذي ال مجال فيه لتكرار الحدث الواحد ،وهذا ما يوضحه قوله
اإلعجاز الفني
• المشهد الثاني :مشهد التمييز بين فريقين :فريق الجنة وفريق النار ،وتحديد مصير كل منهما،
في هذا المشهد يسود جو مفعم بالسعادة والبهجة في جانب الفريق األول ،ويسود جو ملبد
بالحسرة والندامة في جانب الفريق اآلخر ،يتضح ذلك في قوله تعالى{ :فأما من أوتي كتابه
بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه * إني ظننت أني مالق حسابيه * فهو في عيشة راضية * في
جنة عالية * قطوفها دانية * كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في األيام الخالية * وأما من أوتي
كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه * ولم أدر ما حسابيه * يا ليتها كانت القاضية * ما
أغنى عني ماليه * هلك عني سلطانيه}.
اإلعجاز الفني
• ففي الجانب األول تبدو العبارة َّ
فوارة بالسعادة ،نضاخة بالبهجة ،حتى لتكاد تطوف آفاق العالمين
لتعلن عن نفسها{ :هاؤم اقرءوا كتابيه...عيشة راضية...جنة عالية}.
• وفي الجانب المقابل نرى الحسرة والندامة تبدوان في قوله تعالى{ :يا ليتني...يا ليتها...ما أغنى
عني...هلك عني} حتى ليكاد القارئ يرى {من أوتي كتابه بشماله} الطما خده بكلتا يديه.
• هذا من جهة المدلول البالغي للعبارة بما تحمله من ظالل الموقف وألوان الجنة والنار...أما قافية
اآليات ،التي تتمثل في الهاء...فإنها ت ُ ْش ِعر عند خروجها من أعلى صدر قارئها ،بالفرحة والسعادة،
التي تمأل جنبات النفس ،وتموج داخل الصدر في الجانب األول من المشهد ،وعلى الجانب اآلخر
فإنها تحمل زفرات األسى وحرارة الندم اللذَيْن يمآلن الصدر ،ويترعان النفس حزنا وآلما ،وهما
اإلعجاز الفني
• أما المشهد الثالث :فيبدو فيه مشهد العقاب مصحوبا بالحيثيات والمسوغات ،التي هي أشد وقعا على
النفس ،وأكبر إيالما في الضمير من العذاب ذاته ،ويسود هذا المشهد جو من العنف والشدة والغلظة،
نجد ذلك واضحا في قوله تعالى{ :خذوه فغلوه * ثم الجحيم صلوه * ثم في سلسلة ذرعها سبعون
ذراعا فاسلكوه * إنه كان ال يؤمن باهلل العظيم * وال يحض على طعام المسكين * فليس له اليوم ها
هنا حميم * وال طعام إال من غسلين * ال يأكله إال الخاطئون}.
• وبالنظر في هذه المدود الواردة في اآليات السابقة نجد وكأن قوى الكون كلها في حالة سباق مع
الزمن لتنفيذ األمر اإللهي الصادر بشأن {من أوتي كتابه بشماله} تريد أن تعتقله وتسوقه سوقا إلى
المآل الذي سيصير إليه.
• وهكذا يتضح من خالل المشاهد الثالثة التي أتينا عليها ،قوة التصوير القرآني ،ومدى تأثيره في
اإلعجاز الفني
• ونتابع الحديث في هذا المقال حول صورة أخرى من الصور الفنية التي اشتملت عليها هذه اآليات
الكريمات .تتبدى لنا هذه الصورة الفنية من خالل اعتمادها على مادة الحس والمشاهدة ،إضافة إلى
اعتمادها على جهة النفس والشعور ،والمزج بينهما بطريقة أثيرة ومثيرة -في آن معا -مما يجسد
لعين المتأمل جانبا كبيرا ومهما من نواحي اإلعجاز الفني في القرآن الكريم ،نلمسه من خالل ثالث
وقفات نفصل القول فيها شيئا من التفصيل فيما يأتي:
• في الوقفة األولى نطالع فيها "النفخة" التي يسمعها جميع الخالئق ،والتي تقلب موازين الكون والحياة
رأسا على عقب ،يبدو لنا ذلك من خالل مشهد حمل األرض والجبال ،وما يتبع ذلك من دكها دكة
اإلعجاز الفني
• ونقف أيضا على مشهد السماء وهي تتصدع ،توشك أن تسقط فوق رؤوس الخالئق...ثم يأتي بعدُ
مشهدُ من يؤتى كتابه بيمينه ،ليحمله بين يديه طالبا من جميع أهل الموقف أن يقرؤوه...ومشهد من
يؤتى كتابه بشماله وهو يصرخ واأللم يعتصر قلبه { :يا ليتني لم أوت كتابيه } إنها مشاهد حسِية،
وكأنها رأي عين .
• الوقفة الثانية وهي وقفة شعورية نفسية ،تتضح من خالل اإلخبار عن وقوع "الواقعة" حيث يُشعر
هذا اللفظ بحالة من الخوف والرعب ،وفقا لجرسه الموسيقي ومعناه العام ..ثم يبدأ تصور حقيقة هذه
الواقعة وما يحيط بها من أحداث ووقائع ،كانتشار المالئكة على أطراف السماء ،فإذا ما ربط الذهن
اإلعجاز الفني
• أما الوقفة الثالثة وهي وقفة تجمع وتمزج بين العنصر الحسي ال ُمشاهد ،والعنصر النفسي
درك ،يبدو ذلك في تجهيز ساحة العرض ،التي ال تخفى فيها خافية واحدة ،حيث يُصبح كل
ال ُم َ
شيء مكشوفاُ ،معدًّا للحساب والجزاء ،ويبدو كذلك في األمر اإللهي الصادر في صورة
حازمة جازمة قوية { خذوه فغلوه } وفي مشهد المالئكة وهم يجرونه مكبال بسلسلة يبلغ طولها
سبعون ذراعا .
• وال يخفى عليك أخي الكريم ما يثيره هذان المشهدان في النفس من مشاعر الخوف والرعب
والفزع؛ فبقدر ما في المشهد األول من حركة التجهيز لساحة المحاكمة وإعداد الموازين ،وما
يرافق ذلك من تسليم نتائج األعمال ألصحابها...بقدر ما في المشهد الثاني من عنف وقسوة
اإلعجاز الفني
• وعلى ضوء ما تقدم يتضح لنا جانبا من جوانب اإلعجاز الفني التي تضمنتها هذه
اآليات الكريمات ،وبدا لنا ما يتركه هذا األسلوب التصويري من أثر بالغ في النفس
اإلنسانية من خالل ما يُضْفيه من صور حسية وظالل معنوية ،وما يرافق ذلك من
حركة وصوت تعمل جميعها على خلق صورة حية ومؤثرة غاية التأثير ،ما ال قدرة
ألحد مهما أوتي من أسباب البالغة والبيان على اإلتيان بمثله أو جزء منه .
• نسأل هللا أن ينفعنا بالقرآن العظيم وأن يجعله شافعا لنا { يوم ال ينفع مال وال بنون * إال
من أتى هللا بقلب سليم} (الشعراء. )89-88: