Professional Documents
Culture Documents
التوجهات التي ال تهتم بالمظهر الخارجي للقاعدة القانونية أو الشكل التي تظهر ّ إن المذاهب الموضوعية هي تلك
عليه في الحياة العملية ،بل تهتم فقط بجوهرها أو مكوناتها ،فتنظر إلى القانون كظاهرة اجتماعية وتكشف عن العوامل
االجتماعية التي تؤثر في تكوين وتطور قواعده ،وتربط بين القانون والمجتمع ،وتتفرع المذاهب الموضوعية الى ما يلي:
المبحث األول :مذهب القانون الطبيعي
المطلب األول :تعريف المذهب واالسس التي يقوم عليها
برزت فكرة القانون الطبيعي ألول مرة لدى فالسفة اليونان وكانت فكرة فلسفية أساسها التأمل في مظاهر الحياة االجتماعية
ومحاولة الكشف عن طبيعـتها ،عن طربق التفكر في نظام الكون الذي يسير بتناسق واضطراد وتخضع له كل الظواهر الطبيعية
والمخلوقات ،سواء تعلقت بالفلك أو الكيمياء او غيرهما.
وانتقلت فكرة القانون الطبيعي من اليونان إلى الرومان ،حيث تأثر الرومان بالفلسفة اليونانية وأخذو عنها فكرة القانون
الطبيعي واعتبروه قاـنونا يتكون من مجموعة قواعد ثاـبتة دائمة ال تتغير بتغير الزماـن والمكان ،وتوجد في الطبيعـة ويدركها
االنسان بعقله ،فهو ينطبق على كل الشعوب ألنه أعلى من القوانين الوضعية وسابق على وجودها.
يتضمن القانون الطبيعي كل المثل العليا األزلية والخالدة في الزمان والمكان والتي تهيمن على نظام الكون كله ،بمعـنى
وجود قواعد قانونية أسبقـ وأعلى من القانون الوضعي ،خالدة وثابتة ،وتصح في الزمان والمكاـن ،فالقانون الطبيعي ليس من
صنع البشر وإنما يقتصر العقل البشري على
الكشف عن قيم قواعده ،فهو قانون عالمي يلزم كل الناس ألنه يقوم على وحدة الطبيعة االنسانية ولذلك بحقق العدالة المنشودة.
وقد فرق البعض بين القانون الوضعي والقانون الطبيعي ،فاألول هو الذي يعمل بها المجتمع فعال أما الثاني ،فهو قانون يمثل الكمال ويكشف عنه العقل البشري ليصوغ
القانون الوضعي على نهجه ،فيستوحي المشرع من تلك المثل العليا قواعد قانونية لتنظيم المجتمع ،ومن تم يعتبر القانون عادال إذا كان متفقا مع مبادئ القانون الطبيعي.
وقد مرت فكرة القانون الطبيعي بمراحل تبدل فيها مضمونها تبعا الختالف الغايات واألهداف التي استعملت فكرة القانون الطبيعي كوسيلة لتحقيقها ،فقد بدأت لدى
الفالسفة اليونان كفكرة فلسفية ،ثم صارت لدى فقهاء الرومان فكرة قانونية ،ثم أصبحت لدى رجال الكنيسة في العصور الوسطى فكرة دينية ،ثم لدى فالسفة العصر
الحديث إلى فكرة سياسية.
وعليه فإن فكرة القانون الطبيعي انتقلت من فالسفة اليونان إلى فقهاء وفالسفة الرومان الذين جعلوا منها فكرة
قانونية حيث اعتبروا القانون الطبيعي مصدرا لألحكام القانونية التي
تسري على جميع الشعوب ،باعتباره يتضمن عددا من المبادئ التي تنشأ مع الطبيعة ويكشفها االنسان بعـقله ،ومن ثم
تكون مطابقة للعقل ومقبولة لدى األمم والشعوب ،وهو األساس الذي استند إليه فقهاء الرومان للتمييز بين القانون
المدني الذي كان يطبق على الروماـن وحدهم ،وقانون الشعوب الذي كان يطبق على األجانب ،سواء في عالقاتهم
ببعضهم أم في عالقاتهم بالرومان.
فقد كان القانون المدني الروماني قانونا شكليا يهتم باإلجراءات الشكلية ،ويرتب على عدم مراعاتها ضياع الحقوق على
أصحابها ،حيث كان هذا القانون مستمدا من العادات والتقاـليد الرومانية القديمة ،لكن فكرة القانون الطبيعي أثرت في
القانون المدني ،وتجلى هذا التأثير في تحرير هذا القانون من كثير من الشكليات التي يتميز بها ،وفي الحد من الحاالت
التي تتنافى مع مبادئ القانون الطبيعي والتي كاـن تطبيق القاـنون المدني فيها مع ما يتطلبه من اجراءات شكلية ،يفضي
إلى حلول غير عادلة ،أما قانون الشعوب فكان يمتاز بالبساطة والبعد عن الشكليات ،وكان يستمد قواعده من مبادئ
العدالة التي يقررها العقل وتقبلها كل الشعوب.
وقد انتقلت فكرة القانون الطبيعي في العصور الوسطى إلى رجال الكنيسة ،متحولة إلى فكرة دينية تحت تأثير الديانة
المسيحية ونفوذ الباباوات الذي كان سائدا في أروبا في ذلك الوقت ،حيث قرر الفقهاء والفالسفة الكنسيون أن القانون
الطبيعي هو قانون أبدي خالد يسمو على
القانون الوضعي ،ألنه من صنع الله تعالى باعتباره خالق الطبيعة ،وكان هدفهم من جعله فكرة دينية هو
تعزيز سلطان الكنيسة وتدعيم سيطرتها وإخضاع جميع الحكام لسلطان البابا.
وقد نجحت فكرة القانون الطبيعي في القرنين السابع عشر والثامن عشر ،واخذت طابعا سياسيا ،فقد
اتخذها الفقهاء والفالسفة وسيلة لتقرير حقوق طبيعية لألفراد ال يجوز للحاكم المساس بها ،باعتبارها حقوقا
تولد مع االنسان ،واستندوا عليها للمطالبة بتنظيم الدولة على أسس ديمقراطية تقوم على الحرية
والمساواة ،كما استندوا عليها للمطالبة بتنظيم المجتمع الدولي على أساس قانوني أظهر إلى الوجود فكرة
القانون الدولي العام بمعناه الحديث.
المطلب الثاني :االنتقادات الموجهة لنظرية القانون الطبيعي
تعرضت نظرية القانون الطبيعي لعدد من االنتقادات يمكن اجمالها فيما يلي:
القول بوجود قواعد خالدة ثابتة ال تتغير بتغير الزمان والمكان ،هو قول غير صحيح يكذبه الواقع وينفيه
التاريخ ،فالقانون وليد البيئة االجتماعية وحدها ،و هي بيئة متطورة في الزمان والمكان ،فال يمكن للقانون أن
يثبت على حال واحدة فهو يختلف من بلد آلخر ،بل وفي البلد الواحد يختلف من زمن إلى زمن فهو متطور
في الزمان والمكان.
إن الرأي الذي يذهب إليه فقهاء القانون الطبيعي من أن العقل هو الذي يكشف عن قواعد القانون الطبيعي،
هو قول يؤدي حتما إلى اختالف هذه القواعد تبعا الختالف األشخاص الذين يستخلصونه ،ذلك أن األشخاص
مختلفون من حيث التفكير والعواطف والمعتقدات الدينية والسياسية ودرجة الثقافة وظروف الحياة ،بما بجعل
كل منهم يستخلص بصدد مسألة معينة قاعدة من قواعد القانون الطبيعي تختلف عن القاعدة التي يستخلصها
غيره ،ومن تم تتغير القواعد بالنسبة للمسألة الواحدة وبذلك ال تكون قواعد القانون الطبيعي ثابتة ال في
الزمان وال في المكان.
خالصة مذهب القانون الطبيعي
إن للقانون الطبيعي عدة مفاهيم وتعاريف ابرزها أنه مجموعة القواعد الثابتة
وغير المكتوبة والواجبة التطبيق على كافة األفرeاد في كل المجتمعات ،وذلك
لكونها طبيعية المصدر تجد مبادئها في الطبيعة ذاتها وهي ليست من صنع
.المشرع وإنما متأصلة في الطبيعة البشرية
القانون الطبيعي أقرب ما يكون الى األخالق الملزeمة التطبيق في كل مكان
.وزمان وتتصدرeها فكرة العدالة و الحرeية