You are on page 1of 7

‫مقياس فلسفة القانون‬

‫محاضرات موجهة لطلبة السنة األولى ليسانس حقوق‬


‫األستاذة‪/‬بوعمرة اسيا‬
‫‪2020/2021‬‬
‫المحاضرة ‪ :4‬الفصل الثاني المذاهب الموضوعية‬

‫التوجهات التي ال تهتم بالمظهر الخارجي للقاعدة القانونية أو الشكل التي تظهر‬ ‫ّ‬ ‫إن المذاهب الموضوعية هي تلك‬
‫عليه في الحياة العملية‪ ،‬بل تهتم فقط بجوهرها أو مكوناتها‪ ،‬فتنظر إلى القانون كظاهرة اجتماعية وتكشف عن العوامل‬
‫االجتماعية التي تؤثر في تكوين وتطور قواعده‪ ،‬وتربط بين القانون والمجتمع‪ ،‬وتتفرع المذاهب الموضوعية الى ما يلي‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬مذهب القانون الطبيعي‬
‫المطلب األول‪ :‬تعريف المذهب واالسس التي يقوم عليها‬
‫برزت فكرة القانون الطبيعي ألول مرة لدى فالسفة اليونان وكانت فكرة فلسفية أساسها التأمل في مظاهر الحياة االجتماعية‬
‫ومحاولة الكشف عن طبيعـتها‪ ،‬عن طربق التفكر في نظام الكون الذي يسير بتناسق واضطراد وتخضع له كل الظواهر الطبيعية‬
‫والمخلوقات‪ ،‬سواء تعلقت بالفلك أو الكيمياء او غيرهما‪.‬‬
‫وانتقلت فكرة القانون الطبيعي من اليونان إلى الرومان‪ ،‬حيث تأثر الرومان بالفلسفة اليونانية وأخذو عنها فكرة القانون‬
‫الطبيعي واعتبروه قاـنونا يتكون من مجموعة قواعد ثاـبتة دائمة ال تتغير بتغير الزماـن والمكان‪ ،‬وتوجد في الطبيعـة ويدركها‬
‫االنسان بعقله‪ ،‬فهو ينطبق على كل الشعوب ألنه أعلى من القوانين الوضعية وسابق على وجودها‪.‬‬
‫يتضمن القانون الطبيعي كل المثل العليا األزلية والخالدة في الزمان والمكان والتي تهيمن على نظام الكون كله‪ ،‬بمعـنى‬
‫وجود قواعد قانونية أسبقـ وأعلى من القانون الوضعي‪ ،‬خالدة وثابتة‪ ،‬وتصح في الزمان والمكاـن ‪ ،‬فالقانون الطبيعي ليس من‬
‫صنع البشر وإنما يقتصر العقل البشري على‬
‫الكشف عن قيم قواعده‪ ،‬فهو قانون عالمي يلزم كل الناس ألنه يقوم على وحدة الطبيعة االنسانية ولذلك بحقق العدالة المنشودة‪.‬‬
‫وقد فرق البعض بين القانون الوضعي والقانون الطبيعي‪ ،‬فاألول هو الذي يعمل بها المجتمع فعال أما الثاني‪ ،‬فهو قانون يمثل الكمال ويكشف عنه العقل البشري ليصوغ‬
‫القانون الوضعي على نهجه‪ ،‬فيستوحي المشرع من تلك المثل العليا قواعد قانونية لتنظيم المجتمع‪ ،‬ومن تم يعتبر القانون عادال إذا كان متفقا مع مبادئ القانون الطبيعي‪.‬‬
‫وقد مرت فكرة القانون الطبيعي بمراحل تبدل فيها مضمونها تبعا الختالف الغايات واألهداف التي استعملت فكرة القانون الطبيعي كوسيلة لتحقيقها‪ ،‬فقد بدأت لدى‬
‫الفالسفة اليونان كفكرة فلسفية‪ ،‬ثم صارت لدى فقهاء الرومان فكرة قانونية‪ ،‬ثم أصبحت لدى رجال الكنيسة في العصور الوسطى فكرة دينية‪ ،‬ثم لدى فالسفة العصر‬
‫الحديث إلى فكرة سياسية‪.‬‬
‫وعليه فإن فكرة القانون الطبيعي انتقلت من فالسفة اليونان إلى فقهاء وفالسفة الرومان الذين جعلوا منها فكرة‬
‫قانونية حيث اعتبروا القانون الطبيعي مصدرا لألحكام القانونية التي‬
‫تسري على جميع الشعوب‪ ،‬باعتباره يتضمن عددا من المبادئ التي تنشأ مع الطبيعة ويكشفها االنسان بعـقله‪ ،‬ومن ثم‬
‫تكون مطابقة للعقل ومقبولة لدى األمم والشعوب‪ ،‬وهو األساس الذي استند إليه فقهاء الرومان للتمييز بين القانون‬
‫المدني الذي كان يطبق على الروماـن وحدهم‪ ،‬وقانون الشعوب الذي كان يطبق على األجانب‪ ،‬سواء في عالقاتهم‬
‫ببعضهم أم في عالقاتهم بالرومان‪.‬‬
‫فقد كان القانون المدني الروماني قانونا شكليا يهتم باإلجراءات الشكلية‪ ،‬ويرتب على عدم مراعاتها ضياع الحقوق على‬
‫أصحابها‪ ،‬حيث كان هذا القانون مستمدا من العادات والتقاـليد الرومانية القديمة‪ ،‬لكن فكرة القانون الطبيعي أثرت في‬
‫القانون المدني‪ ،‬وتجلى هذا التأثير في تحرير هذا القانون من كثير من الشكليات التي يتميز بها‪ ،‬وفي الحد من الحاالت‬
‫التي تتنافى مع مبادئ القانون الطبيعي والتي كاـن تطبيق القاـنون المدني فيها مع ما يتطلبه من اجراءات شكلية‪ ،‬يفضي‬
‫إلى حلول غير عادلة‪ ،‬أما قانون الشعوب فكان يمتاز بالبساطة والبعد عن الشكليات‪ ،‬وكان يستمد قواعده من مبادئ‬
‫العدالة التي يقررها العقل وتقبلها كل الشعوب‪.‬‬

‫وقد انتقلت فكرة القانون الطبيعي في العصور الوسطى إلى رجال الكنيسة‪ ،‬متحولة إلى فكرة دينية تحت تأثير الديانة‬
‫المسيحية ونفوذ الباباوات الذي كان سائدا في أروبا في ذلك الوقت‪ ،‬حيث قرر الفقهاء والفالسفة الكنسيون أن القانون‬
‫الطبيعي هو قانون أبدي خالد يسمو على‬
‫القانون الوضعي‪ ،‬ألنه من صنع الله تعالى باعتباره خالق الطبيعة‪ ،‬وكان هدفهم من جعله فكرة دينية هو‬
‫تعزيز سلطان الكنيسة وتدعيم سيطرتها وإخضاع جميع الحكام لسلطان البابا‪.‬‬
‫وقد نجحت فكرة القانون الطبيعي في القرنين السابع عشر والثامن عشر ‪ ،‬واخذت طابعا سياسيا‪ ،‬فقد‬
‫اتخذها الفقهاء والفالسفة وسيلة لتقرير حقوق طبيعية لألفراد ال يجوز للحاكم المساس بها‪ ،‬باعتبارها حقوقا‬
‫تولد مع االنسان ‪،‬واستندوا عليها للمطالبة بتنظيم الدولة على أسس ديمقراطية تقوم على الحرية‬
‫والمساواة‪ ،‬كما استندوا عليها للمطالبة بتنظيم المجتمع الدولي على أساس قانوني أظهر إلى الوجود فكرة‬
‫القانون الدولي العام بمعناه الحديث‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬االنتقادات الموجهة لنظرية القانون الطبيعي‬

‫تعرضت نظرية القانون الطبيعي لعدد من االنتقادات يمكن اجمالها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬القول بوجود قواعد خالدة ثابتة ال تتغير بتغير الزمان والمكان‪ ،‬هو قول غير صحيح يكذبه الواقع وينفيه‬
‫التاريخ‪ ،‬فالقانون وليد البيئة االجتماعية وحدها‪ ،‬و هي بيئة متطورة في الزمان والمكان‪ ،‬فال يمكن للقانون أن‬
‫يثبت على حال واحدة فهو يختلف من بلد آلخر‪ ،‬بل وفي البلد الواحد يختلف من زمن إلى زمن فهو متطور‬
‫في الزمان والمكان‪.‬‬
‫‪ ‬إن الرأي الذي يذهب إليه فقهاء القانون الطبيعي من أن العقل هو الذي يكشف عن قواعد القانون الطبيعي‪،‬‬
‫هو قول يؤدي حتما إلى اختالف هذه القواعد تبعا الختالف األشخاص الذين يستخلصونه‪ ،‬ذلك أن األشخاص‬
‫مختلفون من حيث التفكير والعواطف والمعتقدات الدينية والسياسية ودرجة الثقافة وظروف الحياة‪ ،‬بما بجعل‬
‫كل منهم يستخلص بصدد مسألة معينة قاعدة من قواعد القانون الطبيعي تختلف عن القاعدة التي يستخلصها‬
‫غيره‪ ،‬ومن تم تتغير القواعد بالنسبة للمسألة الواحدة وبذلك ال تكون قواعد القانون الطبيعي ثابتة ال في‬
‫الزمان وال في المكان‪.‬‬
‫خالصة مذهب القانون الطبيعي‬
‫إن للقانون الطبيعي عدة مفاهيم وتعاريف ابرزها أنه مجموعة القواعد الثابتة‬
‫وغير المكتوبة والواجبة التطبيق على كافة األفر‪e‬اد في كل المجتمعات ‪،‬وذلك‬
‫لكونها طبيعية المصدر تجد مبادئها في الطبيعة ذاتها وهي ليست من صنع‬
‫‪ .‬المشرع وإنما متأصلة في الطبيعة البشرية‬
‫القانون الطبيعي أقرب ما يكون الى األخالق الملز‪e‬مة التطبيق في كل مكان‬
‫‪.‬وزمان وتتصدر‪e‬ها فكرة العدالة و الحر‪e‬ية‬

You might also like