محي الدين هاشم أمبونج .1القرآن ومكانته في التشريع والحضارة 1.1تعريف الكتاب الكريم املكتوب وعلى الكتابة ،والفعل كتب بمعنى :حكم وقضى وأوجب، على يطلق لغة: الكتاب • ُ َ ّ ُ ُ َ ََْ ُ الص يام} [البقرة ،]َ 183 َ :أ ي :أوجب ه ،وكت ب القاضي ِ ومن ه قول ه تعال ى{ :ك ِتب عليكم ُ ُ َ َ َّ َ ْ ُ َ َ َ َّ بالنفقة :قضى بها وحكم ،وقال تعالى{ :كتب الله ألغ ِلبن أن ا ورس ِلي} [املجادلة ،]21 :أي: حكم ،والقرآن :مصدر بمعنى القراءة. • أما تعريف الكتاب في االصطالح فهو :كالم هللا تعالى ،املنزل على سيدنا َّ محمد -صلى هللا عليه وسلم ،-باللفظ العربي ،املنقول إلينا بالتواتر ،املكتوب باملصاحف ،املتعبد بتالوته، املبدوء بسورة الفاتحة ،املختوم بسورة الناس. 2.2حجية الكتاب الكريم • اتفق املسلمون قاطبة على حجية الكتاب الكريم ،وأنه يجب العمل بما ورد فيه والرجوع إليه ملعرفة حكم هللا تعالى وال يجوز العدول عنه إلى غيره من مصادر التشريع إال إذا لم يقف العالم على الحكم في القرآن الكريم ،وذلك ألن الكتاب هو كالم هللا تعالى الذي جاء بالشريعة السماوية للناس ،والدليل على ذلك ما يلي: .1الكتاب منقول إلينا بالتواتر ،فهو ثابت ً قطعا إلى رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم - الصادق األمين الذي نقله عن جبريل عن اللوح املحفوظ ،والتواتر يفيد العلم اليقيني القطعي الذي ال يحتمل غيره. .2جاءت آيات كثيرة في القرآن الكريم تنطق أن هذا الكتاب من عند هللا تعالى ،منها َ َّ َ َ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ ّ ُ َ ّ ً َ ُ ُّ َ ُ َ ْ َ ُّ ْ َ َّ ُ اَل َ تعالى{ :الله ِإله إْلإال هو الحي القيوم ( )2نزل عليك ال ِكتاب ِبالح ِق مص ِدقا مِل ا قوله • َ َ ْ َ َ َ ْ َ َ ْ َ َل َّ ْ َر َ َ ْ بين يدي ِه وأنز التو اة وا ِ ن ِجيل ([ })3آل عمران]3 ،2 : َ َ ْ َ َ َّ ُ َ َ ْ َ ْ َ َ َ ْ ْ َ َ • وقوله تعالى{ :وأنزل الله عليك ال ِكتاب وال ِحكمة} [النساء]113 : ّ َ َّ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ ْ َ َ ْ • وقوله تعالى{ِ :إنا أنزلنا ِإليك ال ِكتاب ِبالح ِق} [النساء]105 : اب ت ْب َي ًان ا ل ُك ّل َش ْيء َو ُه ًدى َو َر ْح َم ًة َو ُب ْش َرى ل ْل ُم ْسلمينَ َ • وقوله تعالى{َ :و َن َّ ْزل َن ا َع َل ْي َك ْالكتَ ِ ِِ ٍ ِ ِ ِ ِ ([ })89النحل]89 : .3إعجاز القرآن الكريم ،وهو الدليل الجازم على كون القرآن الكريم من كالم هللا تعالى، ونذيرا ،وقد أعجز البشر ً محمد -صلى هللا عليه وسلم -ليكون للعاملين ً بشيرا أنزله على َّ محم د -صلى على أن يأتوا بمثله .والقرآن الكريم معجزة هللا الخالدة على صدق نبوة َّ ً هللا عليه وسلم ،-وإن األحكام الواردة فيه أحكام هللا تعالى أنزلها هداية للناس وإرشادا. اًل 1.3أحكام الكتاب الكريم أو :أنواع األحكام في الكتاب • اشتمل القرآن الكريم على جميع األحكام التي تخص البشرية في الحياة الدنيا واآلخرة، ويمكن تصنيف هذه األحكام بما يلي: .1األحكام االعتقادية ،وهي األحكام التي تتعلق بعقيدة املسلم وإيمانه باهلل ومالئكته وكتبه ُ ورسله واليوم اآلخر وبالقدر خيره وشره ،وتدرس هذه األحكام في مادة العقيدة أو علم الكالم. .2األحكام األخالقية ،وهي األحكام الوجدانية التي تتعلق بالفضائل التي يجب على املسلم أن يتحلى بها ،وبالسلوك الذي يجب عليه أن يتبعه ويسير عليه ،وتدرس هذه األحكام في علم األخالق. .3األحكام العملية ،وتنقسم إلى قسمين: • القسم األول :أحكام العبادات التي تنظم عالقة اإلنسان بربه ،وتبين ما يجب على املكلف أداؤه ،والقيام ب ه تجاه خالق ه ،وه ي أحكام الص الة والزكاة والص وم والحج والكفارات والنذور واألضاحي واألعمال األخرى التي تصبح عبادة بالنية. • القسم الثاني :أحكام املعامالت التي تنظم عالقة الناس بعضهم ببعض ،سواء أكانوا أفر ًادا أم جماعات. • وتنقسم أحكام املعامالت في االصطالح الفقهي الحديث إلى سبعة أقسام وهي: .1أحكام األحوال الشخصية :وهي األحكام التي نص عليها القرآن الكريم لبناء األسرة، وبيان تكوينها ،وتنظيم العالقة بين أفرادها من الزوجين واألوالد واألقارب. .2األحكام املدنية أو املالية :وهي األحكام التي تنظم العالقة املالية بين الناس ،كالبيوع وعقود التوثيق والكفالة والرهن وعقود التعاون بين األفراد كالشركة والقرض والوديعة واإلعارة. .3األحكام الجنائية :وهي األحكام التي نص عليها القرآن الكريم لبيان األفعال التي حرمها اإلسالم ،ووضع لها عقوبة من أجل الحفاظ على حياة الناس وأعراضهم وأموالهم ِ وحقوقهم ،وتعرف بالحدود والقصاص والتعازير. .4أحكام املرافعات :وهي األحكام التي تتعلق بنظام القضاء واإلثبات إلقامة العدل بين الناس ،ودرسها العلماء في باب أدب القضاء. .5األحكام الدس تورية :الت ي تتعل ق بنظام الحك م وأص وله ،وت بين عالق ة الحاكم باملحكومين ،وحقوق األفراد والجماعات ،ودرسها العلماء في األحكام السلطانية ّ والسير. ِ اإلسالمية لغيرها من الدول في حالتي .6األحكام الدولية :وهي التي تتعلق بمعاملة الدولة ِ السلم والحرب ،وتنظيم عالقة الدولة بأهل الذمة املستأمنين املقيمين على أرضها، وعرفت ً قديما ،ودرسها الفقهاء في باب الجهاد. اإلسالمية، ِ .7األحكام االقتصادية واملالية :وهي التي تنظم املوارد واملصارف في الدولة ً وكانت هذه األحكام مبعثرة في أبواب متفرقة ،وقد توجهت العناية واالهتمام بها حديثا، وظهرت بشكل مستقل في هذا العصر. • هذه مجمل األحكام التي نص عليها ،أو أشار إليها ،القرآن الكريم ،وهي في مجموعها تهدف إلى هداية الناس إلى ما فيه صالح حالهم في الدنيا واآلخرة. ً ثانيا :بيان الكتاب لألحكام القرآن الكريم أساس الشريعة ومصدرها األول ،وقد بين القرآن الكريم أحكامه بإحدى طريقتين: • األولى :البيان التفصيلي لبعض األحكام ،وذلك في نطاق محدود ،مثل بحوث العقيدة التي وردت اآليات الكثيرة فيها لتوضيح حقيقة اإليمان باهلل وكيفيته واألدلة عليه ،ومناقشة العقائد الباطلة والرد عليها ،مثل أحكام املواريث التي جاءت مفصلة وشبه تامة في القرآن الكريم ،ومثل أحكام األسرة والحدود والكفارات ً تقريبا. والحكمة من البيان التفصيلي أن هذه األحكام إما أنها تعبدية أي توقيفية أو سماعية ،ال مجال للعقل فيها ،وال يصح فيها االجتهاد ،وإما أنها أحكام معقولة ملصالح ثابتة ال مجال لتغييرها بتغيير الزمن ،أو اختالف البيئات. • الثانية :البيان اإلجمالي لبقية األحكام الشرعية التي ورد النص عليها في القرآن الكريم بشكل إجمالي ال تفصيلي ،وبشكل كلي ال جزئي ،ونص القرآن الكريم على القواعد العامة فيها واألسس الرئيسية عليها. مثل أحكام العبادات في الصالة والزكاة والصوم والحج ،فهذه العبادات اقتصر القرآن الكريم على طلبها بشكل عام ،ولم يبين لنا أركانها وشروطها وكيفية أدائها ،وكذلك أحكام املعامالت املدنية والدولية والجنائية والدستورية ..وغير ذلك ،وهذا ال يمنع من تعرض ً القرآن الكريم لبعض الجزئيات والتفاصيل فيها أحيان ا ،ونص القرآن الكريم على بيانها عن طريق السنة وأحاديث رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم - والحكمة من البيان اإلجمالي لألحكام في الكتاب الكريم أن هذه الشريعة جاءت خاتمة الشرائع لترافق البشرية مع تطورها وتقدمها فاقتضى ذلك أن تتصف نصوصها باملرونة والشمول لتتسع لحاجات الناس. ً ثالثا :الكمال في أحكام القرآن الكريم وبين عدد َ آن الكريم، ر الق في َ العام اإلجمالي البيان بين ض ر التعا من شيء لإلنسان يبدو قد • {ال َي ْو َم أ ْك َم ْل ُت َل ُك ْم د َين ُك ْم َوأ ْت َم ْمتُ ْ تعالى: قوله مثل ، بالكمال آن ر الق تصف التي اآليات من ِ يت َل ُك ُم اإْل ْس اَل َم ِد ًين ا} [املائدة ]3 :وقوله تعالى{َ :و َن َّ ْزل َن ا َع َل ْي َك ْالك َتابَ َع َل ْي ُك ْم ن ْع َمت ي َو َرض ُ ِ َ ْ ْ ِ ً ً ِ ُ ِ َ ِ َْ ً ُ ْ ُ َ ُ َ َ ْ َ ِتبيانا ِلك ِل شي ٍء وهدى ورحمة وبشرى ِللمس ِل ِمين ([ })89النحل]89 :َ َ ْ ّ الس نة وغيرها من • ويالحظ أن بعض الناس تمسكوا بظاهر هذه اآليات في محاولة رد ُّ مص ادر التشري ع؛ كم ا تعرض لهذه املس ألة بع ض ضعاف اإليمان ودعاة التشكي ك في العقيدة بالتنطح والتحدي بضرب بعض األمثلة والحوادث والوقائع والكونيات واملخترعات التي يطلبون داللة القرآن الكريم عليها. • والجواب عن ذلك أن القرآن الكريم عالج األمور وبين األحكام بشكل إجمالي ونص على القواعد العامة ،واملبادئ الهامة ،ونبه على مقاصد الشريعة وأهدافها ،وأحال العاقل إلى التدبر والتأمل عن طريق القياس واالستحسان واالستصالح ،وأرشد إلى السنة بأسلوبه الرائع املعجز؛ ألن القرآن ال يتسع للنص على كل شاردة أو واردة ،وإن هذا األسلوب يعطي التشريع صفة املرونة والشمول ،ويتيح املجال لتطبيق الشريعة في كل زمان ومكان ،وأنها صالحة للبشرية عامة. • فمثلًا سئل ابن عباس رضي هللا عنه عن ميراث الجدة في كتاب هللا تعالى ،فقال للسائل: ُ َ َ َ َ ُ ُ َّ ُ ُل َ ُ ُ ُ َ َ َ َ ُ ْ َ ْ ُ َ ْ عالم وسئلْ ُ ْ اَل في قوله تعالى{ :وما آتاكم الرسو فخذوه وما نهاكم عنه فانته َ ُوا} َ[الحشر]7 : ْ َ ّ ْ ْ ُ ْ َ الذك ِر ِإن كنتم مرض ودواء في كتاب هللا فقال :إنه في قوله تعالى{ :فاس ألوا أهل ِ عن َ ْ َ ُ نَ تعلمو } [األنبياء.]7 : • ونرى أن الكمال في القرآن الكريم يتحقق باألمور الثالثة التالية: .1النصوص التفصيلية التي جاءت في القرآن الكريم كاملواريث واللعان والعقيدة. .2النصوص املجملة التي وردت في القرآن الكريم وتضمنت القواعد العامة واملبادئ الكلية والضوابط الشرعية ،وتركت تفصيل ذلك إلى علماء األمة يضعون التفاصيل التي تحقق أغراض الشريعة وأهدافها العامة ،وتتفق مع مصالح الناس وتطور األزمان واختالف البيئات. جزء ا من الشريعة ،مثل السنة .3اإلحالة بنص القرآن الكريم إلى املصادر األخرى التي تعتبر ً واإلجماع والقياس وغير ذلك من املصادر التي أمر بها ،أو أشار إليها ،القرآن الكريم. اًل الحقوق والواجبات إما تفصي وإما ونظم األحكام جميع • وبذلك يكون القرآن الكريم قد تناول ً اًل اًل إجما وإما باإلحالة إلى غيره ،ويكون الكتاب الكريم -بحق -كام ومستوفيا لجميع األشياء. ً :رابعا :داللة آيات القرآن على األحكام • إن آيات القرآن الكريم ثابتة بطريق قطعي؛ ألنها نقلت إلينا بالتواتر الذي يوحي بالجزم أن اآلية التي يقرؤها كل مسلم في بقاع األرض هي نفسها التي تالها رسول هللا -صلى هللا عليه اللوح املحفوظ من غير تبديل وال تغيير، من جبريل بها وسلم -على أصحابه ،وهي التي نزل َّ َ ْ ُ َ َّ ْ َ ّ ْ َ َ َّ َ ُ َ َ ُ نَ ً الذكر وِإنا له لحا ِفظو ([ })9الحجر.]9 : تحقيقا لقوله تعالى{ِ :إنا نحن نزلنا ِ • أما داللة النص القرآني على الحكم فليست واحدة ،فمنها ما هو قطعي الداللة ،ومنها ما هو ظني الداللة. اًل • فالنص القطعي الداللة هو ما دل على معنى متعين فهمه منه ،وال يحتمل تأوي آخر معه. وذلك مثل النصوص التي وردت فيها أعداد معينة أو أنصبة محددة في املواريث والحدود. فإن داللة النصين قطعية على أن فرض البنتين الثلثان ،وفرض البنت الواحدة النصف، وفرض الزوج النصف. • أما النص الظني الداللة فهو ما يدل على عدة معان ،أو هو ما يدل على معنى ،ولكنه يحتمل معاني أخرى ،بأن يحتمل التأويل والصرف عن معنى إلى غيره. ُ َ مْل ُ َ َّ َ ُ َ َ َ َّ ْ َ َ ْ ُ َّ َ اَل َ َ ُ مثل لفظ القرء في قوله تعالى{ :وا طلقات يتربص ن ِبأنف ِس ِهن ث ثة قرو ٍء} [البقرة،]228 : فلفظ القرء في اللغة لفظ مشترك بين معنيين :الطهر والحيض ،والنص القرآني يحتمل أن يراد منه ثالثة أطهار ،كما قال الشافعي وغيره ،ويحتمل أن يراد منه ثالث حيضات، اإلمام أبو حنيفة ومن معه. كما قال ِ ً :خامسا :أسلوب القرآن الكريم في عرض األحكام • سبق الكالم عن إعجاز القرآن الكريم ،وأن من وجوه إعجازه فصاحته وبالغته ،وتقضي البالغة أن تختلف األساليب في عرض األحكام ،وأن تتنوع األلفاظ للداللة على مقصوده، سواء أكان املوضوع في العقيدة أم في أخبار املغيبات أم في قصص األنبياء أم في آيات األحكام ،ولذلكاًل كثرت األساليب التي تدل على معنى واحد ،حتى ال تمله النفوس ،فلم يعبر عن الوجوب مث بلفظ يجب فقط ،وال على التحريم بلفظ حرم ،بل يعبر عن الوجوب والتحريم بعدة صيغ وأساليب. • وبناء على ذلك فعلى املتأمل في كتاب هللا تعالى الستنباط األحكام الشرعية من القرآن الكريم أن يستعين بمدلوالت األلفاظ وما يجري عليها من العرف استعمالها ،وما يقترن بها من وعد أو وعيد ،ومن مدح أو ذم ،ومن ترغيب أو ترهيب. • ويمكن إجمال األساليب التي تدل على طلب الفعل أو طلب الترك أو التخيير فيه بما يلي: .1كل فعل عظمه هللا تعالى في كتابه الكريم ،أو مدحه أو أثنى على فاعله أو أحبه أو أقسم به أو أقسم بفاعله ،أو قرب فاعله أو وصفه باالستقامة أو البركة ،فهو مطلوب فعله، ويكون حكمه بين اإليجاب وبين الندب بحسب صيغة طلبه من الشارع وترتب العقوبة على تركه أو عدم ترتبها. .2كل فعل طلب الشارع تركه أو ذمه ،أو ذم فاعله أو لعنه أو شبه فاعله بالبهائم أو أنه سببا لعقوبة في الدنيامن فعل الشيطان أو أنه يرضي الشيطان ،أو يزين له ،أو جعله ً أو عذاب في اآلخرة ،أو وصفه بخبث أو رجس أو نجس أو أنه يؤدي إلى الفسق أو يوقع في العداوة والبغضاء ،فهو دليل على منع الفعل ،ويكون حكمه إما التحريم وإما الكراهة ُّ بحسب الصيغة في طلب الترك أو ترتب العقوبة على فاعله أو عدم ترتبها. .3أما إذا جاء النص يدل على مجرد الجواز واإلحالل أو بنفي الحرج أو الجناح أو اإلثم على فاعله فيكون حكمه اإلباحة ،وسيأتي تفصيل ذلك في فصل الحكم التكليفي. خاتمة :في االنتفاع بالقرآن الكريم • بعض األمور التي يجب مراعاتها لالنتفاع بكتاب هللا تعالى: .1إن القرآن الكريم هو أساس الشريعة وأصلها ومعتمدها في العقيدة والعبادة واألخالق والتشريع ،وإنه املرجع األول في كل ذلك ،وإنه املحتكم إليه عند االختالف فيها. .2يجب معرفة أسباب النزول؛ ألنها تعين على الفهم ،وتساعد على بيان املراد من كالم هللا تعالى. .3أن يعرف املسلم عادات العرب في أقوالها وأفعالها وتقاليدها ،ألن القرآن الكريم نزل في مجتمعهم ،فأقر الحسن منها ،وأبطل القبيح. .4وجوب معرفة اللغة العربية ودراستها؛ ألن فهم القرآن الكريم واالنتفاع منه واالستدالل به يتوقف على معرفة اللغة. .5االعتماد على السنة في فهم كتاب هللا. .2السنة ومكانتها في التشريع والحضارة 2.1معنى السنة وتعريفها: • السنة في اللغة :الطريقة محمودة كانت أو مذمومة ،ومنه قوله ﷺ(( :من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ،ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة)) [أخرجه مسلم. ُ • وهي في اصطالح املحدثين :ما أ ِثر عن النبي ﷺ من قول أو فعل أو تقرير أو صفة ُ َ خلقية أو خلقية أو سيرة ،سواء كان قبل البعثة أو بعدها ،وهي بهاذا ترادف الحديث عند بعضهم. • وفي اصطالح األصوليين :ما نقل عن النبي ﷺ من قول أو فعل أو تقرير. • نحن هنا نريد بالسنة ما عناه األصوليون ،ألنها –بتعريفهم -هي التي يبحث عن حجيتها ومكانتها في التشريع. :اQQ Q Qلسنة مQع QمQQنكريحجQQ QيتQه QQ Qا قQQ QديQQما 2.2 • لم يكد ُيطل القرن الثاني الهجري حتى امتحنت السنة بمن ينكر حجيتها كمصدر من مصادر التشريع اإلسالمي ،وبمن ينكر حجية غير املتواتر منها ،مما يأتي عن طريق اآلحاد، وبمن ينكر حجية السنة التي ال ترد بيانا ملا في القرآن أو مؤكدة له ،بل تأتي بحكم مستقل. • يتلخص جواب الشافعي رحمه هللا على الشبهة بما يلي: .1أن الله أوجب علينا اتباع رسوله ،وهذا عام ملن كان في زمنه وكل من يأتي بعده ،وال سبيل إلى ذلك ملن لم يشاهد الرسول ﷺ إال عن طريق األخبار فيكون هللا قد أمرنا باتباع األخبار وقبولها ،ألن ما ال يتم الواجب إال به فهو واجب. .2أنه البد من قبول األخبار ملعرفة أحكام القرآن نفسه ،فإن الناسخ فيه واملنسوخ ال يعرفان إال بالرجوع إلى السنة. .3أن هنالك أحكاما متفقا عليها من الجميع حتى الذين يردون األخبار ،ولم يكن من سبيل ملعرفتها إال عن طريق األخبار. .4أن الشرع قد جاء بتخصيص القطعي بظني ،كعموم الصالة على املكلفين خصت منها ذوات الحيض ،والزكاة على األموال عامة وخص منها بعض األموال ،والوصية للوادين ُ نسخت بالفرائض ،واملواريث لآلباء واألمهات والولد على العموم وخص منها الكافر ال يرث من املسلم ،ال سبيل لعلم ذلك إال بالسنة. .5أن األخبار وإن كان فيها احتمال الخطأ والوهم والكذب ،ولكن هذا االحتمال – بعد التثبت والتأكد من عدالة الراوي ،ومقابلة روايته بروايات أقرانه من املحدثين – أصبح أقل من االحتمال الوارد في الشهادات ،خصوصا إذا عضد الرواية نص من كتاب أو سنة ،فإن االحتمال يكاد يكون معدوما. :اQQ Q Qلسنة م Qع QمQQنكريحجQQ QيتQه QQ Qا حديQQثا 2.3 الشبهة األولى: • قوله تعالى :ﱡﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻﱠ [األنعام ]٣٨ :يدل على أن الكتاب قد حوى كل شيء من أمور الدين بحيث ال يحتاج إلى شيء آخر كالسنة ،وإال كان الكتاب مفرطا فيه، فيلزم الخلف في خبره تعالى وهو محال. الجواب على الشبهة األولى: • إن القرآن قد حوى أصول الدين وقواعد األحكام العامة ،ونص على بعضها بصراحة، وترك بيان بعضها اآلخر لرسول هللا ﷺ ،وما دام هللا قد أرسل رسوله ليبين للناس أحكام دينه م ،وأوج ب عليه م اتباع ه ،كان بيان ه لألحكام بيان ا للقرآ ن ،وم ن هن ا كانت أحكام الشريعة من كتاب وسنة وما يلحق بهما ويتفرع عنهما من إجماع وقياس ،أحكاما من كتاب هللا تعالى ،إما نصا وإما داللة ،فال منافاة بين حجية السنة وبين أن القرآن جاء الشبهة الثانية: • قول هللا تعالى :ﱡﭐ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﱠ [الحجر ]٩ :يدل على أن هللا تكفل بحفظ القرآن دون السنة ،ولو كانت دليال وحجة كالقرآن لتكفل بحفظها. الجواب عن الشبهة الثانية: • إن ما وعد هللا من حفظ الذكر ال يقتصر على القرآن وحده ،بل املراد به شرع هللا ودينه الذي بعث به رسوله ،وهو أعم من أن يكون قرآنا أو سنة ،ويدل على ذلك قول هللا تعالى: ﱡﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱠ [النحل ]٤٣ :أي أهل العلم بدين هللا وشريعته ،وال شك أن هللا تعالى كما حفظ كتابه حفظ سنته ،بما هيأ لها من أئمة العلم يحفظونها ويتناقلونها ويتدارسونها ويميزون صحيحها من دخيلها .وبذلك أصبحت سنة الرسول ﷺ مدرسة محفوظة مدونة في مصادرها لم يذهب منها شيء. الشبهة الثالثة: ُ • لو كانت السنة حجة ألمر النبي ﷺ بكتابتها ،ولعمل الصحابة والتابعون من بعد على جمعها وتدوينها ،ملا في ذلك من صيانتها من العبث والتبديل والخطأ والنسيان ،وفي صيانتها من ذلك وصولها للمسلمين مقطوعا بصحتها ،فإن ظني الثبوت ال يصح إال االحتجاج، وقد قال تعالى :ﱡﭐ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄﳅ ﱠ [اإلسراء ،]٣٦ :وقال :ﱡﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱠ [األنعام]١٤٨ : وال يحصل القطع بثبوتها إال بكتابتها كما هو الشأن في القرآن ،ولكن الثابت أن النبي ﷺ نهى عن كتابتها وأمر بمحو ما كتب منها ،وكذلك فعل الصحابة والتابعون. ولم تدون السنة إال في عصور متأخرة بعد أن طرأ عليها الخطأ والنسيان ،ودخل فيها التحريف والتغيير ،ذلك مما يوجب الشك بها وعدم االعتماد عليها في أخذ األحكام. الجواب عن الشبهة الثالثة: • إن عدم أمر النبي ﷺ بكتابتها ونهيه عن ذلك كما ورد في بعض األحاديث الصحيحة ال ّ ُ يدل على عدم حجيتها ،بل ألن املصلحة حينئذ كانت تقضي بتضافر كتاب الصحابة – نظرا لقلتهم -على كتابة القرآن وتدوينه ،وبتضافر املسلمين على حفظ كتاب هللا خشية من الضياع واختالط شيء به ،وقد حققنا أن ما ورد من النهي إنما كان عن كتابة الحديث وتدوينه رسميا كالقرآن ،أما أن يكتب الكاتب لنفسه فقد ثبت وقوعه في عهد الرسول ﷺ. • وليست الحجية مقصورة على الكتابة حتى يقال :لو كانت حجية السنة مقصودة للنبي ألمر بكتابتها ،فإن الحجية تثبت بأشياء كثيرة :منها التواتر ،ومنها نقل العدول الثقات، ومنها الكتابة ،والقرآن نفسه لم يكن جمعه في عهد أبي بكر بناء على الرقاع املكتوبة فحسب ،بل لم يكتفوا بالكتابة حتى تواتر حفظ الصحابة لكل آية منه ،وليس النقل عن طريق الحفظ بأقل صحة وضبطا من الكتابة ،خصوصا من قوم كالعرب عرفوا بقوة الحافظة. • وأما القول بأن السنة قد تأخر تدوينها فزالت الثقة بضبطها وأصبحت مجاال للظن، والظن ال يجوز في دين هللا؛ فهذا قول من لم يقف على جهود العلماء في مكافحة التحريف والوضع ،وإذا كانت السنة قد نقلت بالضبط والحفظ غالبا والكتابة أحيانا، من عصر الصحابة إلى نهاية القرن األول حيث دون الزهري السنة بأمر عمر بن عبد العزيز ،كانت سلسلة الحفظ والصيانة متصلة لم يتطرق إليها االنقطاع فال يصح أن دس على السنة من كذب فقد تصدى له العلماء وبينوه بما ال يتطرق إليها الشك ،أما ما ّ يترك مجاال للشك. • وأما الدعوى بأن الظن في أحكام الدين غير جائز ،فذلك فيما يتعلق بأصول الدين التي يكفر من جحدها أو شك فيها ،كوحدانية هللا وصدق رسوله ونسبة القرآن إلى رب العاملين ،وليس كذلك بالنسبة إلى الفروع ،إذ ال مانع أن تثبت عن طريق الظن ،بل ال ّ يستطيع هذا املخالف أن يدعي أن أحكام الدين كلها تثبت عن طريق مقطوع به. اQQ Q Qلسنة م Qع QمQQني QنQQكر حجQQ Qية خيQر ا QQ Qآلحاد 2.4 • يقسم علماء الحديث األخبار إلى قسمين: متواترة؛ وهي ما يرويها جمع من العدول الثقات عن جمع من العدول الثقات وهكذا حتى النبي ﷺ. وآحاد؛ وهي ما يروي الواحد أو االثنان عن الواحد أو االثنين حتى يصل إلى النبي ﷺ ،أو ما يرويه عدد دون املتواتر. • واتفق العلماء على أن املتواتر يفيد العلم والعمل معا ،وهو عندهم حجة ال نزاع فيها إال ما قدمناه عمن ينكر حجية السنة .وأما خبر اآلحاد فالجمهور على أنها حجة يجب العمل بها وإن أفادت الظن ،وذهب قوم أنه قطعي موجب للعلم والعمل معا .ولكل من الفريقين أدلة بسطت في كتب األصول ،واملهم أنهم جميعا متفقون على حجية أخبار اآلحاد ووجوب العمل بها. الشبهة األولى: • قال هللا تعالى :ﱡﭐ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱠ [النجم ]٢٨ :وطريق اآلحاد طريق ظني الحتمال الخطأ والنسيان على الراوي ،وما كان كذلك فليس بقطعي فال يفيد في االستدالل. الجواب عن الشبهة األولى: • ذلك في أصول الدين وقواعده العامة ،أما في فروع الدين وجزئياته فالعمل بالظن واجب وال سبيل إليها إال بالظن غالبا ،أال ترى أن األفهام تختلف في نصوص القرآن ،واملجتهدون يذهبون فيها مذاهب متعددة ،وليس أحد منهم يقطع بصحة اجتهاده ،ومع ذلك فاإلجماع قائم على وجوب العمل بما أدى إليه اجتهاده ،وليس لذلك سبيل إال الظن. • وأيضا فإن حجية خبر اآلحاد ليست ظنية بل هي مقطوع بها النعقاد اإلجماع على ذلك بين العلماء منذ عصر الصحابة فمن بعدهم. الشبهة الثانية: • لو جاز العمل بخبر الواحد في الفروع لجاز في األصول والعقائد ،واإلجماع بيننا وبينكم أن أخبار اآلحاد ال تقبل في هذه ،فكذا في األولى. الجواب عن الشبهة الثانية: • إن اإلجماع منقعد على أن أصول الدين والعقائد ال يجوز أخذها من طريق ظني قطعا، وليس األمر كذلك في الفروع .والحق أن قياس الفروع على األصول في وجوب القطع تحكم ومحال ،إذ ال سبيل إلى ذلك في الفروع واألمر على العكس في األصول ،وال يجادل في هذا إال مكابر. الشبهة الثالثة: • صح عن النبي ﷺ أنه توقف في خبر ذي اليدين حين سلم النبي على رأس الركعتين في إحدى صالتي العشاء ،وذلك قوله(( :أقصرت الصالة أم نيست؟)) ولم يقبل خبره حتى أخبره أبو بكر وعمر ومن كان في الصف بصدقه ،فأم وسجد للسهو ،ولو كان خبر الواحد حجة ألتم الرسول ﷺ صالته من غير توقف وال سؤال. الجواب عن الشبهة الثالثة: • إن النبي ﷺ إنما توقف في خبر ذي اليدين لتوهمه غلطه ،لبعد انفراده بمعرفته ذلك دون من حضره من الجمع الكثير ،ومع ظهور أمارة الوهم في خبر الواحد يجب التوقف فيه، فحيث واقفه الباقون على ذلك ارتفع حكم األمارة الدالة على وهم ذي اليدين ،وعمل بموجب خبره ،كيف وأن عمل النبي ﷺ بخبر أبي بكر وعمر وغيرهما مع خبر ذي اليدين عمل بخبر لم ينته إلى حد التواتر ،وهو موضع النزاع ،في تسليمه تسليم املطلوب. مQرتبة ا QQ Qلسنة مQع Qا QQ Qلكتاب2.5 أن نصوص السنة على ثالثة أقسام: • أوال :ما كان مؤيدا ألحكام القرآن ،موافقا له من حيث اإلجمال والتفصيل وذلك. مثل األحاديث التي تفيد وجوب الصالة والزكاة والحج والصوم من غير تعرض لشرائطها وأركانها ،فإنها موافقة لآليات التي وردت في ذلك ،كحديث(( :بني اإلسالم على خمس: شهادة أن ال إله إال هللا وأن محمدا رسول هللا ،وإقام الص الة ،وإيتاء الزكاة ،وصوم رمضان ،وحج البيت من استطاع إليه سبيال)) .فإنه موافق لقوله تعالى :ﱡ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼﱠ [البقرة ]٨٣ :ولقوله :ﱡﭐ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞﱠ [البقرة ]١٨٣ :ولقوله :ﱡ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥﲦ ﱠ [آل عمران.]٩٧ : • ثانيا :ما كان مبينا ألحكام القرآن من تقييد مطلق ،أو تفصيل مجمل ،أو تخصيص عام. كاألحاديث التي فص لت أحكام الصالة والص يام والزكاة والحج والبيوع واملعامالت التي وردت مجملة في القرآن ،وهذا القسم هو أغلب ما في السنة وأكثرها ورودا. • ثالثا :ما دل على حكم سكت عنه القرآن ،فلم يوجبه ولم ينفه ،كاألحاديث التي أثبتت حرمة الجمع بين املرأة وعمتها أو خالتها ،ورجم الزاني البكر املحصن وتغريب الزاني البكر، وإرث الجدة وغير ذلك. وال نزاع بين العلماء في القسمين األولين ،إنما اختلفوا في الثالث بأي طريق كان ذلك؛ أعن طريق االستقالل بإثبات أحكام جديدة أم عن طريق دخولها تحت نصوص القرآن ولو بتأويل؟ حجج القائلين باالستقالل: • أوال :إنه ال مانع عقال من وقوع استقالل السنة بالتشريع ما دام رسول هللا ﷺ معصوما عن الخطأ ،وهلل أن يأمر رسوله بتبليغ أحكامه على الناس من أي طريق ،سواء كان بالكتاب أو بغيره ،وما دام جائزا عقال وقد وقع فعال باتفاق الجميع فلماذا ال نقول به؟ • ثانيا :إن النصوص الواردة في القرآن الدالة على وجوب اتباع الرسول وطاعته فيما يأمر وينهى عامة ال تفرق بين السنة املبينة أو املؤكدة أو املستقلة ،بل إن في بعضها ما يفيد هذا االستقالل مثل قوله تعالى :ﱡﭐ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ ﳙ ﳚ ﳛ ﳜﱠ [النساء .]٥٩ :والرد إلى هللا هو الرد إلى الكتاب ،والرد إلى الرسول هو الرد إلى سنته بعد وفاته. • ثالثا :فقد جاءت أحاديث كثيرة تدل على أن الشريعة تتكون من األصلين معا :الكتاب والسنة ،وأن في السنة ما ليس في الكتاب ،وأنه يجب األخذ بما في السنة من األحكام كما يؤخذ بما في الكتاب ،مثل قوله ﷺ (( :يوشك بأحدكم أن يقول :هذا كتاب هللا ،ما كان فيه من حالل أحللناه ،وما كان فيه من حرام حرمناه ،أال من بلغه عني حديث فكذب به، فقد كذب هللا ورسوله والذي حدثه)) [رواه الطبراني في األوسط عن جابر]. • رابعا :لقد ثبت من قول علي رضي هللا عنه(( :ما عندنا إال كتاب هللا أو فهم أعطيه رجل مسلم وما في هذه الصحيفة إلخ ))...وجاء في حديث معاذ(( :بماذا تحكم؟ قال :بكتاب هللا ،قال :فإن لم تجد؟ قال :فبسنة رسول هللا ﷺ )) .وهو واضح في أن السنة ما ليس في القرآن. حجج املنكرين لالستقالل: • السنة راجعة في معناها إلى الكتاب فهي تفصيل مجمله وبيان مشكله وبسط مختصره، وذلك ألنها بيان له ،وهو الذي دل عليه قوله تعالى :ﱡ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱠ [النحل .]٤٤ :فال تجد في السنة أمرا إال والقرآن قد دل على معناه داللة إجمالية أو تفصيلية. • وأيضا فكل ما دل على أن القرآن هو كلي الشريعة وينبوع لها فهو دليل على ذلك؛ ألن هللا جعل القرآن تبيانا لكل شيء ،فيلزم من ذلك أن تكون السنة حاصلة فيه في الجملة ألن ﱵ [األنعام .]٣٨ :فالسنةاألمر والنهي أول ما في الكتاب ،ومثله قوله تعالى :ﱡﭐ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱠ إذن في محصول األمر بيان ملا فيه ،وذلك معنى كونها راجعة إليه ،وأيضا فاالستقراء التام دل على ذلك. الخالف لفظي: • ويتلخص املوقف بين الفريقين في أنهما متفقان على وجود أحكام جديدة في السنة لم ترد في القرآن نصا وال ص راحة ،فالفريق األول يقول :إن هذا هو االستقالل في التشريع ألنه إثبات أحكام لم ترد في الكتاب .والفريق الثاني مع تسليمه بعدم ورودها بنصها في القرآن يرى أيضا أنها داخلة تحت نصوصه بوجه من الوجوه. • ومن هنا نرى أن الخالف لفظي ،وأن كال منهما يعترف بوجود أحكام في السنة لم يثبت في القرآن ،ولكن أحدهما ال يسمي ذلك استقالال ،واآلخر يسميه ،والنتيجة واحدة.